كلمة التقوى

اشارة

سرشناسه : زین الدین، محمد امین، 1914 - 1998م.

عنوان و نام پديدآور : کلمه التقوی/ المولف فتاوی المرجع الدینی محمدامین زین الدین دام ظله.

مشخصات نشر : قم: موسسه اسماعیلیان، 14ق. = 13.

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : 1500ریال (ج.3) ؛ 1500 ریال (ج. 5)

يادداشت : فهرستنویسی براساس جلد سوم، 1413ق. = 1371.

يادداشت : کتاب حاضر در همین سال توسط چاپخانه مهر نیز منتشر شده است.

يادداشت : عربی.

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1413ق. = 1371).

مندرجات : ج. 3. کتاب الحج. بخش دوم.- ج. 5. کتاب الشفعه

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

رده بندی کنگره : BP183/9/ز9ک 8 1371

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 71-5360

الجزء الأول

العبادات

كتاب الطهارة

الفصل الأول في المياه
اشارة

كلمة الماء واضحة الدلالة على معناها عند أهل العرف، فهي لا تفتقر في إيضاح المراد منها الى ضم كلمة أو قرينة أخرى، و لكن المتشرعة يقولون: الماء المطلق، للتفرقة بينه و بين الماء المضاف، نظرا لما بين الموضوعين من اختلاف في الأحكام.

فالماء المطلق هو ما يفهمه أهل العرف من لفظ (الماء) حين يسمعونه مجردا، عن أية اضافة أو قرينة تضم الى هذا اللفظ، نعم، قد يقولون: ماء البحر، و ماء الفرات، و ماء البئر، و يقصدون بذلك تعيين بعض الأفراد الخاصة من هذا المعنى الواحد، كما يقولون: ماء الكأس مثلا و ماء الإبريق.

و يقابل ذلك: الماء المضاف و هو ما يحتاج أهل العرف في إيضاح معناه الى ضم كلمة أخرى إلى كلمة الماء تحدد المراد منه، فيقولون: ماء الورد، و ماء العنب، و ماء اللحم. من غير فرق بين ما يعتصر من الأجسام كماء العنب و ماء الرمان، و ما يؤخذ بالتصعيد كماء الورد و ماء النعناع، و ما يتكون بطريقة الامتزاج كماء الصابون

و ماء الملح.

المسألة الأولى:

قد يصعد الماء الماء المطلق أو الماء المضاف و جريان الاحكام عليه تابع لتسميته عند أهل العرف بعد هذا التصعيد، فالماء الملح حين يصعد ليكون عذبا فهو ماء مطلق سواء كان في الأصل ماء مطلقا كذلك كماء البحر، أم مضافا كماء الملح، و ماء الورد حين يصعد مرة أخرى لا يزال ماءا مضافا إذا بقيت الإضافة في اسمه عند أهل العرف بعد التصعيد و يكون ماءا مطلقا إذا سلبت عنه الإضافة عندهم.

المسألة الثانية:

ماء البحر على كونه ملحا أجاجا لا يخرج عن كونه ماء مطلقا تجري له جميع أحكام الماء، و الماء الذي يمزج بالملح بمقادير أكثر من العادة، يصبح ماء مضافا تجري له جميع أحكام الماء المضاف، و المائز

كلمة التقوى، ج 1، ص: 2

بينهما هو نظر أهل العرف الذي وجه الشارع كلامه على مقتضاه و أرجع اليه المكلفين في تبيين الموضوعات.

المسألة الثالثة:

الأحكام التي تذكر للماء المضاف تعم غيره من المائعات الأخرى غير الماء المطلق و ان لم تسم ماء كالزيت و الدبس و العصير و النفط و أمثالها، إذا لم تجمد فتكون غليظة.

المسألة الرابعة:

الماء المضاف المأخوذ من أصل طاهر إذا لم يلاق نجاسة فهو طاهر في نفسه و لكن لا تطهر الأجسام المتنجسة إذا غسلت به، و لا يكفي استعماله في وضوء و لا غسل، و إذا لاقى نجسا أو متنجسا حكم بنجاسته و ان كان كثيرا، نعم إذا بلغ من الكثرة حدا كبيرا جدا كآبار النفط و ما أشبهها فالظاهر عدم انفعاله بملاقاته النجاسة إذا هو لم يتغير بأوصافها.

المسألة الخامسة:

إذا جرى الماء المضاف من العالي الى السافل لم ينجس عالية بملاقاة سافله النجاسة، و ان كان متصلا، و بحكمه المائعات الأخرى، كما إذا صبت القهوة أو الشاي في الإناء النجس فلا ينجس بذلك ما في الإبريق و لا ما في العمود، و لا يعتبر في ذلك ان يكون دفعه بقوة، فإذا انحدر الماء المضاف متثاقلا الى موضع نجس لم يتنجس عالية بتنجس سافله، و كذلك المائعات الأخرى كالدبس و السمن و غيرهما. نعم، يعتبر الدفع بقوة في ما كان دفعه الى أعلى كالفوارة فلا ينجس سافل الماء المضاف بملاقاة عالية النجاسة إذا كان دفعه الى أعلى بقوة، بل و لا ينجس العمود، و مثله الحكم في المادي.

المسألة السادسة:

قد يتردد المكلف في مائع خاص انه ماء مطلق أو مضاف فان كان مفهوم ذلك الماء المضاف معينا عند أهل العرف لا تردد فيه، و لكن عروض بعض الطواري أو انتفاء بعض الخصوصيات أوجب الشك

كلمة التقوى، ج 1، ص: 3

في ان ذلك المائع فرد لأي المفهومين المعلومين، و في هذه الصورة يؤخذ بالحالة السابقة لذلك المائع إذا علم بها، فتجري عليه أحكام الماء إذا علم بأنه كان في السابق ماء مطلقا، و تجري عليه أحكام الماء المضاف إذا علم انه كان ماءا مضافا، و إذا لم تكن له حالة سابقه أو جهل بها لم يحكم عليه بأنه ماء مضاف و لا ماء مطلق، فلا يطهر من النجاسة إذا عسلت به. و لا يكفي استعماله في وضوء و لا غسل، و ينجس بملاقاة النجاسة إذا كان قليلا، و الأحوط اجتنابه إذا كان كثيرا.

و ان كان الشك في ذلك المائع انما هو للشك في مفهومه أشكل الحكم فيه،

فلا يترك فيه الاحتياط.

المسألة السابعة:

إذا تنجس الماء المضاف بملاقاة إحدى النجاسات أو المتنجسات أمكن تطهيره بالتصعيد، فإذا استحال بخارا ثم اجتمع بعد ذلك ماء حكم عليه بالطهارة سواء أصبح بعد تصعيده ماءا مطلقا أم ماء مضافا كالسابق، و كذلك الماء المطلق إذا تنجس يمكن تطهيره بالتصعيد، و سيأتي بيانه ان شاء اللّه تعالى.

و إذا استهلك الماء المضاف النجس في الماء المطلق الكثير أو الجاري أو أي ماء معتصم آخر حتى أصبح الجميع ماء مطلقا حكم عليه بالطهارة و جرت عليه أحكام المطلق الطاهر.

المسألة الثامنة:

إذا القي المضاف المتنجس أو أي مائع متنجس آخر في الكر الطاهر، فأصبح الكر بملاقاته ماءا مضافا حكم عليه بالنجاسة، و ان فرض ان صيرورة الكر مضافا و استهلاك المتنجس فيه قد حصلا دفعة واحدة، على أن هذا الفرض بعيد التحقق ان لم يكن ممتنعا. و كذلك إذا تغير بعض الكر بملاقاة المضاف النجس فأصبح ماء مضافا حكم بنجاسته جميعا.

المسألة التاسعة:

قد يختلط الماء بالطين حتى يكون ماء مضافا لا يصح استعماله في

كلمة التقوى، ج 1، ص: 4

وضوء و لا غسل فإذا انحصر الماء فيه و كان وقت الصلاة واسعا وجب الصبر على المكلف الى ان يصفو، و ينعزل الماء عن الطين فيتوضأ منه أو يغتسل، و إذا كان وقت الصلاة ضيقا وجب عليه التيمم لها، و كذلك الحكم في تطهير البدن أو الثوب من النجاسة للصلاة.

المسألة العاشرة:

الماء المطلق قسمان: معتصم و غير معتصم.

فالمعتصم: هو ما بلغ مقداره الكر و ان لم تكن له مادة، و يسمى بالكثير، أو كانت له مادة يتصل بها و ان لم يبلغ في ذاته مقدار الكر، و من هذا القسم: الجاري، و ماء البئر، و ماء المطر، و ماء الحمام، و ماء الأنابيب المتعارفة في هذه الأزمنة. و من الجاري مياه الأنهار، و مياه العيون، و الثمد، و من الكثير مياه الحياض الكبار التي لا تتصل بمادة، و مياه الغدران التي تجتمع من السيول و الأمطار بعد انقطاعها، و مياه المجاري التي تتكون من سيلان الثلوج المتجمدة بعد ذوبانها.

و غير المعتصم: هو الماء الذي لم يبلغ مقداره الكر، و لم تكن له مادة، و يسمى أيضا بالماء القليل و تترتب عليه أحكام الماء القليل إذا كان أقل من الكر و لو بنصف مثقال مثلا.

المسألة 11

الماء المطلق طاهر في نفسه و مطهر لغيره من المتنجسات القابلة للتطهير سواء كان راكدا أم جاريا أم ذا مادة، و سواء كان قليلا أم كثيرا.

المسألة 12

إذا لقي الماء المطلق نجاسة فتغير بها لون الماء أو طعمه أو رائحته تنجس الماء بها سواء كان راكدا أم جاريا أم ذا مادة و سواء كان قليلا أم كثيرا و تلاحظ (المسألة 22) في تنجس الماء القليل.

المسألة 13

و يشترط في انفعال الماء المعتصم بالنجاسة ان يكون تغيره بأحد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 5

أوصافها الثلاثة فعليا فلا يكفي التغير الفرضي، و على هذا فإذا وقعت فيه نجاسة لا لون لها و لا طعم و لا رائحة، فلم يتغير بها لون الماء و لا طعمه و لا رائحته لم يتنجس بها و ان كانت النجاسة الواقعة فيه بمقدار لو كانت لها أوصاف لغيرته.

و إذا وقعت فيه نجاسة تغيره بالفعل و لكن التغير لم يظهر في الماء لوجود بعض الموانع من ظهوره حكم بنجاسته، و مثال ذلك ان يكون لون الماء أحمر لبعض العوارض فيه فتكون حمرة الماء مانعة عن ظهور حمرة الدم الذي يقع فيه، أو تكون للماء بعض الروائح التي تمنع من ظهور رائحة الجيفة التي تقع فيه، فإذا وقعت فيه مثل هذه النجاسة حكم بنجاسته.

و يشترط ان يكون تغيره بسبب ملاقاة النجاسة نفسها، و على هذا فإذا تغيرت رائحة الماء بسبب مجاورته للجيفة من غير ان تقع فيه أو يقع فيه جزء منها، لم يحكم على الماء بالنجاسة، بل لا يحكم عليه بالنجاسة و ان وقع فيه ذنب الميتة أو شعرها و شبههما من الأجزاء التي لا يستند تغير الماء إليها.

و إذا وقع في الماء المعتصم شي ء متنجس فتغير لون الماء أو طعمه أو رائحته بأوصاف الشي ء المتنجس كما إذا تغير لون الماء بلون الصابون المتنجس أو طعمه لم يحكم عليه بالنجاسة، إلا

إذا أصبح بذلك التغير ماءا مضافا فيحكم بنجاسته من هذه الجهة.

و إذا وقع في الماء المعتصم شي ء متنجس يحمل أوصاف النجاسة فغير الماء بأوصاف النجاسة حكم بنجاسته على الأحوط و مثال ذلك ان يقع دم في مائع من المائعات فيصطبغ بلونه، ثم يقع هذا المائع المتلون في الماء المعتصم فيغيره بلون الدم فالأحوط اجتنابه.

و يشترط ان يكون تغير الماء بأحد الأوصاف الثلاثة المذكورة:

اللون و الطعم و الرائحة، فلا ينجس الماء المعتصم إذا تغير بغير هذه الثلاثة من أوصاف النجاسة كالثخانة و الثقل و الحرارة مثلا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 6

المسألة 14

يكفي للحكم بنجاسة الماء المعتصم ان تكون ملاقاته للنجاسة سببا لتغير لونه أو طعمه أو رائحته إلى لون أو طعم أو رائحة أخرى، و ان كان ذلك مخالفا لوصف النجاسة التي وقعت فيه كما إذا اصفر الماء بوقوع الدم فيه، و إذا كان للماء لون غير لونه الطبيعي كما إذا غيرته التربة أو بعض ما يمتزج به من المعادن و الأخلاط الى لون الحمرة أو الخضرة أو السواد فغيرته النجاسة التي وقعت فيه الى لون آخر حكم عليه بالنجاسة. و كذلك إذا غيرت النجاسة طعمه أو رائحته غير الطبيعية.

المسألة 15

لا يحكم بنجاسة الماء المعتصم إلا إذا علم باستناد التغير فيه الى ملاقاة النجاسة، فإذا وقعت النجاسة في الماء فلم يتغير بالفعل، و أخرجت منه ثم تغير بأوصافها بعد مدة، فإن علم بأن هذا التغير يستند إلى ملاقاة النجاسة حكم على الماء بالنجاسة، و ان علم بعدم استناده إليها أو شك في ذلك فهو طاهر.

المسألة 16

إذا وقعت النجاسة في الماء و لم يعلم انها غيرته بأوصافها أم لم تغيره، لم يحكم عليه بالنجاسة، و كذلك إذا وجد التغير فيه و لم يعلم ان تغيره كان لمجاورته للنجاسة أو لوقوعها فيه، و كذلك إذا تغير الماء و لم يعلم ان تغيره كان بسبب ملاقاة النجس أو بسبب ملاقاة شي ء آخر طاهر فلا يحكم على الماء بالنجاسة في جميع هذه الفروض.

المسألة 17

إذا وقع في الماء شيئان أحدهما نجس و الثاني طاهر، فتغير لون الماء أو طعمه أو رائحته بوقوعهما فيه، فان علم ان ملاقاة النجس منهما تكفي في حصول التغير في الماء و لو ببعض مراتبه فالظاهر نجاسته، و ان لم يعلم ذلك فهو طاهر.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 7

المسألة 18

إذا وقع جزء من الميتة في الماء المعتصم و سائر أجزائها خارجة، فتغيرت رائحة الماء بسبب مجاورتها و بملاقاة ذلك الجزء منها فالأحوط اجتناب ذلك الماء.

المسألة 19

إذا تغير الماء الراكد بملاقاة النجس حكم عليه جميعا بالنجاسة سواء كان قليلا أم كثيرا كما تقدم، و كذلك إذا تغير بعض الماء دون بعض و كان البعض الذي لم يتغير منه لا يبلغ مقدار الكر، و كذلك إذا كان البعض الذي لم يتغير من الماء يبلغ مقدار الكر لو اجتمع، و لكن المتغير منه قد فرق بين أطرافه فلم يتصل الكر منه بعضه ببعض فجميع الماء يكون نجسا في هذه الصور.

و إذا كان البعض الذي لم يتغير من الماء كرا فأكثر، و كان بعضه متصلا ببعض اختصت النجاسة بالجزء المتغير منه و كان الباقي طاهرا، فإذا زال التغير حكم بطهارته جميعا.

و يشترط في طهارته بعد زوال التغير منه ان يحصل الامتزاج في الجملة بالبعض الطاهر منه فلا يكتفى بالاتصال وحده على الأحوط، و سيأتي بيان مقدار ما يعتبر من الامتزاج في المسألة الآتية.

المسألة 20

لا يطهر الماء المتغير بملاقاة النجس بمجرد زوال التغير عنه حتى يتصل بعد زوال التغير بكر طاهر كما تقدم في المسألة السابقة، أو يتصل بالجاري، أو بالمادة، أو بماء معتصم آخر، و حتى يمتزج بهذا الماء المطهر في الجملة على الأحوط، و يكفي من الامتزاج ما يحصل بتدافع الماء نفسه في ماء النهر الجاري و ماء المطر، و ما يحصل بدفع المادة في ماء البئر و ماء الحمام كما هو مورد أدلة المسألة، و في التطهير بالكثير و الجاري الضعيف الجريان يكفي ان يحصل الامتزاج بذلك المقدار، فإذا زال تغير الماء و اتصل بالمعتصم و حصل الامتزاج على

كلمة التقوى، ج 1، ص: 8

الأحوط- في هذا- حكم بطهارة الماء، و كذلك الحكم في الماء القليل إذا تنجس بملاقاة النجس أو المتنجس

من غير أن يتغير على الأقوى،

المسألة 21

إذا القي الكر الطاهر على الماء المتغير بالنجاسة فأزال تغيره من غير ان يتأثر الكر الطاهر بشي ء حكم بطهارة جميع الماء، و إذا تغير بعض الكر الطاهر أو تفرقت أجزاؤه بأجزاء الماء المتغير فلم يتصل بعض الكر ببعض حكم عليه بالنجاسة.

الفصل الثاني في الماء القليل، و الماء الكثير
المسألة 22

لا يكون الماء معتصما حتى يبلغ مقداره الكر أو تكون له مادة كما تقدم بيانه في المسألة العاشرة، فإذا لاقى نجاسة و كان قليلا دون الكر- و لو بنصف مثقال- و لم تكن له مادة حكم عليه بالنجاسة، سواء تغير بها أحد أوصافه أم لم يتغير، و سواء ورد على النجاسة أم كانت هي الواردة عليه، و سواء كان مجتمعا في مكان واحد أم متفرقا في حفر أو أمكنة متعددة تصل بينها سواقي أو مجاري أو أنابيب، و لكن المجموع من الماء لا يبلغ الكر.

المسألة 23

إذا اختلفت سطوح الماء المتصل بعضه ببعض بحيث كان يجرى من العالي الى السافل لم يصدق على مجموع ذلك الماء انه ماء واحد فلا يعتصم بعضه ببعض و ان بلغ مجموعه كرا، كما إذا كان نصف الكر في الطرف السافل من المكان و نصفه الآخر في الطرف العالي منه و هو ينحدر الى السافل، فإذا لاقت النجاسة أحد الطرفين منه حكم على ذلك الطرف الملاقي بالنجاسة، و إذا كان المتنجس هو الطرف العالي من الماء تنجس السافل منه كذلك، و إذا كان الملاقي للنجاسة هو الطرف السافل منه اختصت النجاسة به و لم يتنجس العالي من الماء.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 9

نعم، إذا كان العالي وحده كرا و جرى إلى السافل كان له مادة و اعتصم به، فإذا لاقته النجاسة لم ينفعل بها الا ان يتغير أحد أوصافه، و الأحوط- بل الأقوى- أن تكون المادة وحدها كرا كاملا زائدا على ما ينحدر في المجرى الى الطرف السافل كما سيأتي في ماء الحمام.

المسألة 24

الكر من الماء هو ما بلغ وزنه ألفا و مائتي رطل بالأرطال العراقية.

و هذا العدد من الأرطال يساوي واحدا و ثمانين ألفا و تسعمائة مثقال بالمثاقيل الصيرفية المعروفة.

و على هذا فالكر يساوي وزنه ثلاثمائة و سبع حقق اسلامبولية و ثلاثة و ثلاثين مثقالا صيرفيا على الأحوط، بناء على ما ذكره بعض الثقات من انه ضبط المثاقيل الصيرفية فوزنها بحب القمح المتوسط و طبقها على الحقة الاسلامبولية المذكورة فوجدها تبلغ مائتين و ستة و ستين مثقالا صيرفيا و ثلثي المثقال، فالكر يبلغ العدد المذكور.

و الكر يبلغ مائتين و أربع (ربعات) بحرانية و ثلاثة أرباع الربعة، و وزن هذه الربعة- و هي المعروفة في البحرين

و ما والاها- أربعمائة مثقال صيرفي.

و ان أريد وزن الكر بالكيلو و هو الوحدة الغربية للوزن المشهورة في البلاد، فالأحوط أن لا يقل عن ثلاثمائة و ثمانية و تسعين كيلوا و نصف، نظرا لعدم ضبط وزن الكيلو بالمثاقيل على وجه التحديد، و ما ذكر في هذا الباب لا يعدو عن التخمين.

المسألة 25

الكر بحسب المساحة ما بلغ مكسر ابعاده حين يضرب بعضها ببعض ستة و ثلاثين شبرا على الأقرب، و المراد بالشبر الشبر المتوسط بين أفراد الناس، و الظاهر انه إذا بلغ مقدار الماء ثلاثمائة و ثمانية و تسعين لترا و نصفا فقد بلغ الحد المذكور فان اللتر يسع كيلوا من الماء.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 10

المسألة 26

إذا جرى الماء القليل غير المعتصم من العالي الى السافل لم يتنجس عالية إذا لاقى سافله النجاسة سواء كان انحداره الى السافل بقوة أم لا، و كذلك إذا جرى من السافل الى العالي بدفع و قوة كما في الفوارة، و لاقى عالية النجاسة لم يتنجس سافله بل و لا العمود، و كذلك في المساوي، و قد تقدم نظير هذا الحكم في الماء المضاف.

المسألة 27

الماء الجامد لا يكون عاصما لغيره و لا معتصما في نفسه و ان كان كثيرا، فإذا جمد بعض ماء الحوض الكبير و كان الباقي منه لا يبلغ كرا فهو من الماء القليل، فإذا هو لقي نجاسة تنجس بها و ان لم يتغير، و تنجس الجزء الملاقي له من الجامد، فإذا ذاب شيئا فشيئا تنجس جميعا الا ان يكون الذوبان من الجانب الطاهر و تكثر حتى يبلغ الكر فيكون معتصما ثم يطهر القسم المتنجس إذا اتصل به و امتزج.

و كذلك الثلج الكثير إذا ذاب بعضه، فان كان دون الكر فهو من القليل، و ان كان كرا اعتصم في ذاته و طهر الباقي إذا لحقته النجاسة ثم اتصل به و امتزج.

المسألة 28

قد يجتمع بعض ماء المطر أو غيره في الأرض و يتسرب في تربتها.

فإذا حفرت في جانبها حفيرة سأل بعض الماء إليها، و مثل هذا الماء لا يعد من الماء الجاري، بل هو من الماء المحقون على الأحوط، فإذا كان دون الكر كان له حكم القليل، و إذا بلغ مقدار الكر أو زاد عليه كان له حكم الكثير.

المسألة 29

ما يسيل في المنحدرات من مياه الثلوج الذائبة في قمم الجبال و غيرها لا يعد من الماء الجاري لأنه ليس بنابع، بل هو من الماء الكثير، و إذا اجتمع منه في القمة ما يكون كرا فأكثر ثم سأل الزائد عنه الى المنحدر كان من ذي المادة و اعتصم بها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 11

المسألة 30

إذا تردد المكلف في ان الماء هل يبلغ مقدار الكر أم لا، فان كان يعلم ان هذا الماء كان في السابق كرا، و هو يشك في بقاء كريته السابقة و عدم بقائها حكم ببقاء الكرية و رتب على الماء أحكامها، و ان كان يعلم أن الماء كان في السابق دون الكر و هو يشك في طروء الكرية عليه بعد ذلك و عدم طروئها حكم على الماء بعدم الكرية و رتب عليه أحكام ذلك، و ان كان لا يعلم بكرية الماء سابقا و لا بعدمها حكم عليه بأن الماء دون الكر و رتب عليه أحكام القليل.

المسألة 31

إذا كان الماء قليلا ثم بلغ مقدار الكرية بعد ذلك و علم المكلف ان هذا الماء قد لاقى النجاسة اما قبل عروض الكرية له أو بعدها حكم بطهارة الماء سواء كان جاهلا بزمان بلوغه كرا و زمان ملاقاته النجاسة أو كان عالما بزمان كرية الماء و جاهلا بوقت ملاقاته النجاسة و إذا كان عالما بوقت ملاقاة الماء النجاسة و جاهلا بزمان بلوغه مقدار الكرية حكم بنجاسته، و إذا كان الماء كرا ثم نقص بعد ذلك عن الكرية و علم المكلف ان الماء لاقى النجاسة في إحدى الحالتين حكم بطهارة الماء في جميع الصور المذكورة.

المسألة 32

إذا كان الماء قليلا ثم حصلت له الكرية بعد ذلك أو اتصل بمادة عاصمة و لاقى النجاسة في نفس ذلك الآن الذي اعتصم به حكم بطهارته و ان كان الأحوط اجتنابه.

المسألة 33

إذا كان لدى المكلف ماء ان يعلم ان أحدهما يبلغ كرا و الآخر دون ذلك، و لكنه لا يعلم الكر منهما على التعيين ثم وقعت نجاسة في أحد الماءين لم يحكم بالنجاسة سواء تعين الماء الذي وقعت فيه النجاسة عند المكلف أم لم يتعين عنده، و سواء كان جاهلا بحالة الماءين قبل ذلك

كلمة التقوى، ج 1، ص: 12

من القلة و الكثرة أم علم بأنهما معا كانا في السابق كرين ثم نقص أحدهما غير المعين عنده عن الكر قبل ملاقاة أحدهما النجاسة.

و إذا علم انهما معا كانا أقل من الكر ثم طرأت الكرية على أحدهما غير المعين عند المكلف ثم وقعت النجاسة في أحدهما فالظاهر لزوم الاجتناب عن الماء الذي وقعت فيه، إذا كان معينا و لزوم الاجتناب عن الماءين معا إذا وقعت في غير المعين.

المسألة 34

إذا كان لدى المكلف ماءان دون الكر، و كان أحد الماءين المعين نجسا و الآخر طاهرا ثم وقعت نجاسة أخرى في أحد الإناءين غير المعين، فان كان للنجاسة الحادثة أثر شرعي زائد على النجاسة الأولى وجب اجتناب الماءين معا، و مثال ذلك ان يقع بول أو دم في أحد الماءين المعين، ثم بلغ الكلب بعد ذلك في أحد الإناءين، فان ولوغ الكلب يوجب تعفير الإناء زائدا على وجوب غسله، و لذلك فيجب الاجتناب عن كلا الماءين.

و ان لم يكن للنجاسة الجديدة أثر زائد على النجاسة الأولى لم يجب اجتناب الماء الآخر الذي كان طاهرا، و مثال ذلك ان يقع في أحد الإناءين مثل النجاسة الأولى.

المسألة 35

الماء الذي يعلم المكلف أنه يبلغ الكر و لكنه يشك في انه ماء مطلق أو ماء مضاف، الظاهر انه بحكم غير المطلق فيحكم بنجاسته بمجرد ملاقاته للنجاسة و ان لم يتغير بها أحد أوصافه.

المسألة 36

إذا كان لديه كران متميزان يعلم ان أحدهما على التعيين ماء مطلق و الثاني ماء مضاف، فوقعت النجاسة في أحدهما لا على التعيين، فهما معا طاهران، و كذلك إذا اختلط عليه أمرهما فلم يعلم المطلق منهما من المضاف، و لم يعلم كذلك حالتهما السابقة هل كانا مطلقين أو مضافين، أو علم بأنهما معا كانا على وصف الإطلاق ثم صار أحدهما

كلمة التقوى، ج 1، ص: 13

غير المعين مضافا ثم وقعت النجاسة في أحدهما فهما معا محكومان بالطهارة في هاتين الصورتين.

و ان كانا معا مضافين في السابق ثم صار أحدهما مطلقا لا على التعيين، فالظاهر التنجس بالملاقاة، فإن كان ما وقعت النجاسة فيه معينا وجب اجتنابه خاصة، و ان كان غير معين وجب اجتناب الماءين معا.

المسألة 37

لا يكون الماء معتصما حتى يعلم انه كر أو تكون له مادة عاصمة كما تقدم بيانه، فإذا كان الماء قليلا و شك في ان له مادة أم لا، لم يكن معتصما، و حكم بتنجسه بمجرد ملاقاته النجاسة، و كذلك إذا لم تكن له مادة و شك في انه يبلغ مقدار الكر أم لا، و كذلك إذا شك في كل من الكرية و المادة فلا يكون الماء معتصما في الصور الثلاث، إلا إذا علم المكلف ان هذا الماء كان في السابق كرا و هو يشك في بقاء كريته و عدم بقائها فيرتب عليه أحكام الكر، أو علم بأن الماء كان ذا مادة عاصمة و هو يشك في وجود ما يمنع من اتصال هذه المادة بالماء فيحكم باتصالها و يرتب عليه أحكام ذي المادة المتصلة، و إذا كان الشك في المادة من جهة الشك في مقدار ما فيها من الماء أو قوة

الدفع ففيه اشكال، و لا يترك الاحتياط.

المسألة 38

لا يطهر الماء القليل إذا تنجس بإتمامه كرا، سواء تمم بماء طاهر أم بماء نجس.

الفصل الثالث في الماء الجاري و ماء البئر
المسألة 39

الماء الجاري هو الذي ينبع من باطن الأرض ثم يسيل على وجهها أو تحتها، كالعيون و القنوات التي تتخذ لها مجاري و أخاديد في باطن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 14

الأرض تجري فيها، فليس من الماء الجاري ما لا يكون نابعا من الأرض و ان اتخذ له مجاري على وجه الأرض أو في سفوح الجبال، نعم يكون من الكثير المعتصم إذا كان أكثر من الكر. و قد يكون من ذي المادة إذا اجتمع منه في العالي ما يكون له مادة عاصمة ثم انحدر الزائد منه في المجاري الى السافل، و قد تقدم بيان ذلك.

و ليس من الماء الجاري ما يكون واقفا عن الجريان على وجه الأرض أو في باطنها و ان كان نابعا كالعيون الواقفة، و ان كان له حكم الماء الجاري على الأقوى، فيكون ماؤها معتصما إذا كان متصلا بالمنبع و ان كان أقل من الكر.

المسألة 40

الماء الجاري لا ينجس بملاقاة النجاسة إذا كان متصلا بالمنبع، و ان كان أقل من الكر، الا ان يتغير بالنجاسة لونه أو طعمه أو رائحته، فيحكم بنجاسته حينذاك و ان كان أكثر من الكر، و إذا زال تغيره طهر بتدافع المنبع عليه و امتزاجه به في الجملة، و كذلك إذا تغير بعض الجاري و كان الباقي منه كرا أو متصلا بالمنبع و ان كان أقل من الكر.

و إذا كان الماء منفصلا عن المنبع كما إذا كان المنبع يتقاطر من السقف أو يترشح من صخرة عالية و كان المجرى الذي يسيل فيه الماء غير متصل به فالظاهر ان ذلك الماء يتنجس بملاقاة النجاسة إذا كان دون الكر، و إذا لاقت النجاسة موضع نبع الماء أو موضع رشحه لم ينجس.

المسألة 41

يعتبر في الماء الجاري أن يكون متصلا بالمنبع بالفعل، فإذا انقطع اتصاله بالمنبع لترسب بعض الأوساخ و الطين في فم المنبع فمنعه عن النبع لحق الماء حكم الراكد، و إذا أزيلت الرواسب منه و حصل الاتصال بالفعل كان له حكم الجاري.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 15

المسألة 42

أطراف النهر الواقفة عن الجريان لها حكم الجاري إذا كانت متصلة به و كذلك الحوض أو الغدير من الماء الراكد إذا اتصل بالنهر بساقية و نحوها يلحقهما حكم الجاري.

المسألة 43

العيون التي تنبع في بعض أوقات السنة دون بعض يلحقها حكم الجاري في أيام نبعها، و يلحقها حكم الراكد أيام انقطاعها عن النبع.

المسألة 44

إذا تغير بعض الماء الجاري بأوصاف النجاسة، فإن كان غير المتغير منه لا يزال بعضه متصلا ببعض و لو في الأعماق اختصت النجاسة بموضع التغير فحسب، و كان الباقي منه طاهرا، و إذا انفصل بسبب التغير بعض الماء عن بعض تنجس موضع التغير و تنجس البعض المنفصل به إذا كان دون الكر، و كان ما يتصل بالمنبع و ما يبلغ الكر، و ما يتصل بهما طاهرا، فإذا زال التغير طهر الجميع بتدافع الماء المعتصم عليه و امتزاجه به على ما تقدم بيانه.

المسألة 45

ماء البئر إذا كانت البئر نابعة بمنزلة الجاري فهو معتصم لا ينجس بملاقاة النجاسة إلا إذا تغير بها لونه أو طعمه أو رائحته، فإذا تغير بها أحد أوصافه ثم زال تغيره و لو من قبل نفسه طهر بتدافع ماء المادة فيه و امتزاجه به كما تقدم في الماء الجاري سواء بسواء، و اما النزح المقدر لها في الروايات فهو مستحب سواء تغير الماء بأوصاف النجاسة أم لم يتغير.

المسألة 46

البئر غير النابعة لها حكم الماء المحقون فلا تكون معتصمة حتى يبلغ ماؤها الكر.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 16

الفصل الرابع في ماء المطر و ماء الحمام
المسألة 47

ماء المطر حال نزوله من السماء معتصم في نفسه فلا ينجس بملاقاة النجاسة إلا إذا غيرت لونه أو طعمه أو رائحته، و يعتبر فيه- على الأحوط- ان يصدق عليه مسمى الجريان على وجه الأرض لو كانت صلبة فلا يعمه الحكم إذا كان أقل من ذلك.

و كذلك ما يجتمع من ماء المطر على الأرض أو على غيرها، فهو معتصم ما دام المطر ينزل عليه على الوجه المتقدم، بل و كذلك ما ينزل أو يسيل من ذلك الماء المجتمع على موضع مسقوف لا يباشره قطر السماء فهو معتصم إذا كان الماء المجتمع الذي ينزل منه ذلك الماء لا يزال متصلا بالمطر، فماء الميزاب الذي ينزل في موضع مسقوف معتصم إذا كان يجرى من موضع ينزل عليه قطر السماء بالفعل، و ان كان أقل من الكر، و كذلك ماء المجرى الذي يسيل في مكان لا يصله المطر إذا كانت مادة المجرى متصلة بماء المطر بالفعل.

المسألة 48

ماء المطر على الوجه المتقدم بيانه يطهر كل ما يصيبه من المتنجسات القابلة للتطهير إذا غمر جميع مواضع النجاسة من ذلك الشي ء المتنجس، و لا يحتاج الى التعدد في التطهير من البول، و في تطهير الأواني و نحوها مما يحتاج الى التعدد إذا غسل بالماء القليل، و لا يحتاج الى العصر في الفرش و الثياب و شبهها مما يحتاج فيه الى العصر كذلك، نعم لا بد من ازالة عين النجاسة قبل التطهير به إذا كانت موجودة، و لا بد من التعفير بالتراب في ما يفتقر الى التعفير، فإذا غمرة ماء المطر بعد ذلك حكم بطهارته و لم يحتج الى التعدد.

المسألة 49

يطهر الماء المتنجس إذا أصابه ماء المطر بالمقدار الذي تقدم بيانه في المسألة السابعة و الأربعين و لا بد من ان يمتزج به في الجملة على

كلمة التقوى، ج 1، ص: 17

الأحوط و يكفي من الامتزاج ما يحصل بتدافع ماء المطر فيه بالمقدار المذكور، و إذا كان متغيرا بالنجاسة فلا بد من زوال التغير، فإذا زال تغيره- و لو من قبل نفسه- و لاقى ماء المطر حكم بطهارته.

و يطهر كذلك الإناء الملي ء بذلك الماء و تطهر أطرافه و ظهره إذا كانت متنجسة و أصابها قطر السماء أو فيض الماء حال نزول المطر عليه، و إذا أصاب المطر بعض أطرافه دون بعض طهر ما أصابه منها فقط.

و يطهر الحوض النجس إذا أصاب المطر جميع أطرافه النجسة و يطهر كذلك ما فيه من الماء إذا وقع ماء السماء عليه و امتزج به على الوجه الذي تقدم بيانه، و يطهره كذلك ماء الميزاب الذي يجري فيه و يغمر أطرافه النجسة إذا كان الميزاب يجرى من موضع ينزل فيه

قطر السماء بالفعل و ان كان الحوض نفسه في موضع لا يصيبه المطر كما تقدم في المسألة السابعة و الأربعين.

المسألة 50

تطهر الأرض النجسة إذا أصابها ماء المطر على الوجه المتقدم و لو بإعانة الريح، و تطهر كذلك إذا جرى عليها الماء المجتمع، و كان ماء المطر ينزل عليه بالفعل، و ان كانت الأرض نفسها لا يصيبها المطر مباشرة، و تطهر كذلك إذا جرى عليها الميزاب من موضع ينزل عليه قطر السماء بالفعل، و ان كان المطر لا يصل إليها بنفسها.

و لا يطهرها ما يقع من ماء المطر على أرض أخرى ثم يثب إليها، الا ان يجتمع في ذلك الموضع ثم يجري إليها قبل انقطاع المطر عنه كما تقدم، و لا يطهرها ما يقع على أغصان الشجر الملتف بعضها ببعض ثم يقع عليها بحيث ينفصل ما يقع على الأرض بذلك عما ينزل من السماء، و اما إذا كان اتصاله باقيا بما ينزل من السماء لم يضر به وقوعه على الشجر فهو لا يزال معتصما مطهرا لما يقع عليه.

المسألة 51

ما يتقاطر من سقف البيت أو سقف الخيمة و شبهها منفصل في متفاهم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 18

العرف عما ينزل من السماء فلا يكون مطهرا لما تحته إذا وقع عليه، و ان كان المطر لا يزال نازلا على السقف.

المسألة 52

يطهر التراب النجس إذا نزل عليه ماء المطر- على الوجه المتقدم- و نفذ إلى أعماقه حال اتصاله بما ينزل من السماء حتى صار التراب طينا بذلك.

المسألة 53

يطهر الحصير المتنجس و الفراش المتنجس المفروش على الأرض إذا أصابهما ماء المطر حتى نفذ الى جميع مواضع النجاسة على الوجه المتقدم، و إذا كانت فيهما عين النجاسة فلا بد من زوالها، و تطهر كذلك الأرض تحت الحصير المفروش إذا كانت نجسة و غمرها ماء المطر الواقع عليه.

المسألة 54

لا ينجس ماء المطر بملاقاة النجاسة حال نزوله من السماء كما تقدم بيانه، فإذا وقع على عين النجاسة ثم وثب على شي ء آخر لم ينجس ذلك الشي ء إلا إذا و ثبت معه عين النجاسة أو تغير بها، و إذا وقع على سطح نجس و تقاطر من السقف أو جرى من الميزاب لم يكن ذلك نجسا و ان مر على عين النجاسة الموجودة على السطح، إلا إذا كان تقاطر السقف و جريان الميزاب بعد انقطاع المطر و فرض انه مر على عين النجاسة بعد الانقطاع فيحكم بنجاسته.

و إذا شك في ان ما يتقاطر من السقف هل مر على عين النجاسة بعد انقطاع المطر أو هو من المتخلف في السقف قبل ذلك حكم بطهارته.

المسألة 55

لا فرق بين الحمام و غيره في الأحكام المتقدمة للماء، فإذا بلغ الماء مقدار الكر أو زاد عليه و اتصل بعضه ببعض اعتصم عن النجاسة، و كان مطهرا لما يغسل فيه من النجاسة، و إذا اختلفت سطوحه بحيث كان يجرى من العالي الى السافل لم يعتصم العالي منه بالسافل و لحقه حكم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 19

الماء القليل المختلف السطوح، و إذا بلغ العالي وحده كرا كاملا زائدا على الماء السافل و على ما ينحدر في المجرى الى أن يصل اليه كان العالي مادة عاصمة للسافل فلا ينفعل بملاقاة النجاسة حتى يتغير بها.

و على هذا فلا تنجس الحياض الصغيرة في الحمام بملاقاة النجاسة إذا كانت متصلة بالخزانة، و كانت الخزانة وحدها تبلغ مقدار الكر أو تزيد عليه، و إذا تنجس ماء الحياض الصغيرة أمكن تطهيره باتصاله بماء الخزانة و امتزاجه به على الوجه الذي تقدم بيانه في المسألة العشرين بشرط ان يكون

ماء الخزانة وحده كرا زائدا على ما في الحياض و ما ينحدر في المجرى إليها أو يزيد على الكر.

المسألة 56

إذا كان ماء الخزانة وحدها يبلغ الكر أو يزيد عليه، زائدا على ما في الحياض الصغيرة و ما في المجاري كما تقدم و كان ماء الخزانة يندفع منها بقوة الى ما في الحياض كما إذا كان دفعها ببعض الآلات التي تدفع الماء بقوة كان ما فيها مادة عاصمة لما في الحياض و ان كانت الخزانة أسفل منها أو مساوية لها.

المسألة 57

ماء الأنابيب المعروفة في هذه الأزمان معتصم في نفسه و يجرى له حكم ذي المادة، فإذا فتح الأنبوب في إناء مثلا أو حوض صغير كان ذلك الماء معتصما فلا ينجس بملاقاة النجاسة ما دام متصلا بماء الانبوب الا ان يتغير بأوصاف النجاسة كالماء ذي المادة سواء بسواء، و يطهر المتنجسات التي تغسل به بعد زوال عين النجاسة منها إذا كانت موجودة، و لا يحتاج في التطهير به الى التعدد في الغسل، من غير فرق بين النجاسات و بين المتنجسات و لا يحتاج الى العصر في مثل الثياب و الفرش و نحوها مما ترسب فيه الغسالة.

نعم لا بد من التعفير بالتراب قبل الغسل به من نجاسة الولوغ كما ذكرنا في الماء ذي المادة و لا بد من الامتزاج في الجملة في تطهير الماء المتنجس به، فلا يكفي مجرد الاتصال كما ذكرناه أكثر من مرة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 20

الفصل الخامس في الماء المستعمل
المسألة 58

الماء الذي ينفصل من أعضاء الإنسان إذا غسلت في الوضوء أو الغسل، أو من ماء الاستنجاء أو التطهير من سائر النجاسات، و الذي ينفصل من غسل الأشياء المتنجسة الأخرى يسمى ماءا مستعملا، فإذا كان قليلا دون الكر ترتبت له أحكامه التي سيأتي بيانها في المسائل الآتي ذكرها.

و إذا كان الاستعمال في الماء الكثير أو الجاري أو في أي ماء معتصم آخر كما إذا اغتسل في النهر الجاري أو في الحوض المشتمل على الكر، أو من ماء الأنبوب المتصل بالمادة، و كما إذا استنجى بالماء المعتصم أو تطهر به من النجاسات الأخرى لم تترتب عليه الأحكام الآتية، فإن المياه المذكورة بعد استعمالها لا تزال معتصمة و طاهرة في نفسها و مطهرة لغيرها و لا ريب في ذلك.

المسألة 59

الماء الذي يجتمع من غسالة أعضاء الإنسان في الوضوء طاهر في نفسه و مطهر لغيره، سواء كان الوضوء واجبا أم مستحبا، فيصح استعماله في وضوء آخر و في الأغسال المستحبة و في الغسل من الأحداث الكبرى. و يكفي استعماله في الاستنجاء و في التطهير من النجاسات الأخرى، و كذلك الماء المستعمل في الأغسال المندوبة فهو طاهر و مطهر في جميع ذلك.

المسألة 60

الماء المستعمل في الغسل من الأحداث الكبرى إذا كان البدن طاهرا محكوم بالطهارة فيجوز شربه، و يكفي استعماله في الاستنجاء مثلا، و في تطهير البدن و الثياب و غيرها من النجاسات، و الأحوط ان لا يستعمل في الوضوء و لا في الغسل من الأحداث مع وجود ماء غيره، و إذا انحصر الماء به فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الطهارة منه و التيمم.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 21

المسألة 61

لا يضر وقوع القطرات من ماء الغسل في الإناء عند الاغتسال منه إذا كان البدن طاهرا من النجاسة.

المسألة 62

الماء المستعمل في الاستنجاء من البول و الغائط إذا اجتمعت فيه الشروط الآتي ذكرها، طاهر، فلا يجب الاجتناب عنه و لا عن ملاقيه، و يجوز استعماله في الاستنجاء و في تطهير البدن و الثياب و غيرها من النجاسات، و الأحوط ان لا يتوضأ منه و لا يغتسل به مع وجود ماء غيره، و إذا انحصر الماء به فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الطهارة منه و التيمم.

المسألة 63

لا يكون ماء الاستنجاء طاهرا حتى يستجمع شروطا خمسة.

الأول: ان لا يتغير بالنجاسة لونه أو طعمه أو رائحته.

الثاني: ان لا يكون البول أو الغائط الذي يستنجى منه متعديا عن موضع الاستنجاء تعديا فاحشا و المعيار في التعدي الفاحش ان لا يصدق على غسله انه استنجاء عرفا.

الثالث: ان لا يلاقي ماء الاستنجاء نجاسة أو متنجسا من خارج و لو من نفس البول أو الغائط الذي خرج من الإنسان.

الرابع: ان لا يخرج مع البول و الغائط اللذين يستنجى منهما نجاسة أخرى من داخل كالدم و المني.

الخامس: ان لا يكون مع ماء الاستنجاء أجزاء متميزة من الغائط،

المسألة 64

ماء الاستنجاء إذا اجتمعت فيه الشروط المتقدم ذكرها محكوم بالطهارة، سواء سبقت اليد على الماء في الوصول الى موضع الاستنجاء أم سبق الماء على اليد أم اتفقا معا، و سواء كان من الغسلة الأولى في التطهير من البول أم من الغسلة الثانية.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 22

المسألة 65

إذا وضع يده على موضع النجاسة لا بقصد الاستنجاء تنجست اليد، فإذا استنجى بها من غير ان يطهرها كان لليد و للموضع حكم سائر النجاسات، و كان الماء المستعمل في تطهيرهما نجسا، و كذلك إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء ثم بدا له و لم يعد الى الاستنجاء الا بعد برهة.

و إذا سبق بيده الى الموضع بقصد الاستنجاء ثم بدا له ثم عاد الى الاستنجاء من فوره، أو بعد مدة قليلة يصدق معها أن يده تنجست بالاستنجاء، فماء الاستنجاء طاهر و طهرت به اليد و الموضع.

المسألة 66

إذا شك في ان ماء الاستنجاء هل لاقى نجاسة أو متنجسا من الخارج بنى على عدم الملاقاة و حكم بطهارة الماء، و كذلك إذا شك في انه هل خرجت مع الغائط أو البول نجاسة أخرى من الداخل بنى على عدمها و حكم بطهارة الماء.

المسألة 67

الماء المستعمل في تطهير النجاسات غير ماء الاستنجاء نجس على الأقوى، و لا فرق في ذلك بين الغسلة المزيلة لعين النجاسة و الغسلة غير المزيلة، و لا فرق بين ما يحتاج في التطهير الى التعدد كالأواني و تطهير الثوب و البدن من البول، و ما لا يحتاج.

المسألة 68

لا تخرج الغسلة مهما طال صب الماء فيها على المحل عن كونها غسلة واحدة، و من أجل ذلك يشكل الحكم بطهارة المقدار الزائد من ماء الغسلة الواحدة إذا طال فيها الصب أكثر مما يحتاج إليه في طهارة المحل النجس، فالاحتياط باجتنابه متعين من غير فرق بين ما يحتاج الى التعدد فيه و ما لا يحتاج.

المسألة 69

ما يبقى من الماء في الثوب و الفراش بعد عصرهما في سائر النجاسات

كلمة التقوى، ج 1، ص: 23

بالمقدار المتعارف طاهر لا يلحقه حكم الماء المستعمل، و كذلك ما يبقى فيهما بعد العصرة الأخيرة في نجاسة البول، و كذلك ما يختلف في الإناء بعد إفراغه من ماء الغسلة الأخيرة.

المسألة 70

لا يترك الاحتياط في غسالة ما يحتاج في تطهيره الى تعدد الغسل كالبول، فإذا لاقت غسالته شيئا فالأحوط التعدد في غسل ذلك الشي ء سواء كانت من الغسلة الأولى أو الثانية و كذلك غسالة الإناء إذا لاقت اناء آخر.

الفصل السادس في الماء المشكوك
المسألة 71

إذا شك المكلف في ماء انه نجس أم طاهر، فهو محكوم بالطهارة حتى يعلم بنجاسته أو تقوم عليها حجة شرعية، و إذا علم ان الماء كان في السابق نجسا و شك في تجدد الطهارة له فهو محكوم بالنجاسة حتى يعلم بطهارته أو تقوم عليها حجة شرعية، و سيأتي- ان شاء اللّه تعالى- في (المسألة 142) ذكر ما تثبت به الطهارة و النجاسة.

و إذا شك في ماء انه مباح أو مغصوب، فهو محكوم بالإباحة حتى يثبت انه مغصوب، و إذا علم انه كان في السابق ملكا للغير أو ملكا لنفسه حكم بأنه لا يزال باقيا على الملك السابق حتى يثبت خلاف ذلك، و إذا تردد في ان الماء ملكه أو ملك زيد مثلا فلا بد من الاحتياط بالاستئذان من ذلك الشخص.

المسألة 72

إذا علم المكلف بوقوع النجاسة في أحد الماءين أو المياه الموجودة عنده و لم يعلم بأن النجس أيها على وجه التعيين، وجب عليه اجتناب الجميع، فلا يجوز له ان يتطهر بشي ء منها من خبث و لا من حدث، فإذا لم يكن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 24

لديه ماء طاهر آخر وجب عليه التيمم للصلاة. و إذا أريق أحد الإناءين لم يجز له الوضوء بالآخر، و كذلك الحكم إذا علم بأن أحد المياه مغصوب و لم يعلم به على وجه التعيين، فيجب عليه اجتناب الجميع و إذا انحصر الماء بها وجب عليه التيمم للصلاة، و إذا أريق أحد الإناءين لم يجز له الوضوء أو الغسل بالآخر.

و إذا كانت الشبهة في الماء النجس أو الماء المغصوب بين أطراف غير محصورة سقط التكليف فيها، و لم يجب اجتناب شي ء من الأطراف.

و المعيار في كون الشبهة غير محصورة هو

ان تكثر أطراف الشبهة حتى توجب كثرة أطرافها سقوط التكليف بسبب عروض احد الموانع في بعض الأطراف من عسر أو اضطرار أو خروج عن محل الابتلاء فلا يكون العلم الإجمالي في الشبهة منجزا

المسألة 73

إذا علم المكلف بأن أحد الماءين أو المياه الموجودة عنده ماء مضاف و لم يعلم بأن الماء المضاف أيها على وجه التعيين، جاز له ان يتوضأ أو يغتسل بكل واحد من الماءين فيحصل له العلم بأنه قد تطهر من الحدث بماء مطلق فتصح طهارته و تصح صلاته، كما يجوز له ان يتطهر بكل واحد من الماءين من النجاسة إذا كان ثوبه أو بدنه نجسا فيعلم بذلك انه قد تطهر من الخبث بماء مطلق كذلك، فإذا لم يكن لديه غير ذلك الماء المشتبه تعين عليه ان يفعل كذلك تحصيلا لشرط الطهارة الواجبة في الصلاة، و إذا أريق أحد الإناءين جمع بين الوضوء من الآخر و التيمم على الأحوط.

و إذا تكثرت أطراف الشبهة في المياه المعلوم اضافة بعضها كفاه ان يكرر الطهارة بمقدار يعلم بوقوع طهارة واحدة في ماء مطلق منها.

و كذلك الحكم إذا كانت الشبهة في الماء المضاف بين أطراف غير محصورة، و لنفرض في مثال ذلك انه علم بأن واحدا من ألف إناء ماء ماء مضاف، و الباقي منها ماء مطلق، فيجوز له ان يتوضأ باناءين منها أو يغتسل بهما إذا كان حكمه الغسل، فيعلم بذلك صحة طهارته و صحة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 25

صلاته. كما يجوز له ان يتطهر بهما من النجاسة، فيعلم بأنه قد تطهر من الخبث بماء مطلق، فإذا لم يكن لديه غير ذلك الماء المشتبه بالمضاف تعين عليه ان يفعل كذلك تحصيلا لشرط الطهارة الواجبة في

الصلاة، و لا ينافي ذلك عدم وجوب الاحتياط من جهة العلم الإجمالي، لأن الشبهة غير محصورة.

المسألة 74

إذا شك المكلف في ماء انه مطلق أو مضاف، فان علم بأنه كان في السابق ماءا مطلقا و شك في عروض الإضافة عليه بنى على انه لا يزال ماءا مطلقا و صح له ان يتطهر به من الحدث و الخبث، و ان علم بأنه كان في السابق ماءا مضافا و شك في عروض الإطلاق عليه بنى على انه لا يزال ماءا مضافا، و لم تصح له الطهارة به، و ان هو لم يعلم بحالته السابقة فلا يترك الاحتياط بالجمع بين الطهارة منه و التيمم.

المسألة 75

إذا علم بأن أحد الماءين الموجودين عنده نجس و لم يعلم بأن النجس أيهما على وجه التعيين وجب عليه اجتناب الطرفين معا، كما ذكرنا في المسألة الثانية و السبعين، فإذا لاقى أحد الماءين المشتبهين شيئا كما إذا أصاب بعض ذلك الماء ثوبا مثلا فلا يترك الاحتياط باجتناب هذا الملاقي أيضا و خصوصا إذا كان الماءان كلاهما نجسين سابقا ثم علم بطهارة أحدهما لا على التعيين.

المسألة 76

السؤر هو ما يفضل من شراب الإنسان أو الحيوان إذا باشر الإناء بفمه، و قد يطلق على الماء الذي يباشره ببعض أعضائه، و ان لم يشرب منه كبقية ماء الغسل، و يلحق بالماء غيره من المائعات، فإذا شرب الإنسان أو الحيوان منه بفمه فهو سؤر.

و لا تطلق كلمة السؤر على ما يفضل من شراب الإنسان إذا لم يباشره بفمه و لا بشي ء من أعضائه كما إذا ملأ الكأس من الإناء الكبير فشربه فلا يكون باقي الماء الموجود في الإناء سؤرا. و لا تطلق كلمة السؤر

كلمة التقوى، ج 1، ص: 26

على بقية الماء إذا كان كرا أو جاريا و ان شرب منه الإنسان أو الحيوان بفمه كما إذا كرع من النهر أو الحوض الكبير أو شرب من الانبوب المتصل بالمادة.

المسألة 77

سؤر الكافر و الكلب و الخنزير نجس، و يلحق بالكافر في الحكم ولده، إلا إذا أظهر الإسلام و كان عاقلا مميزا فالظاهر طهارته، و يشمل الحكم كذلك من حكم بكفره ممن ينتسب الى فرق المسلمين، و يلحق بالكلب و الخنزير الحيوان المتولد بينهما على الأحوط، و ان لم يطلق عليه اسم أحدهما.

و سؤر الحيوانات الأخرى كلها طاهرة، و ان كان الحيوان حرام اللحم، نعم يكره سؤر الحيوان إذا كان محرم اللحم ما عدا الهرة، و يكره كذلك سؤر المرأة الحائض إذا كانت غير مأمونة بل يكره سؤر غير المأمون مطلقا.

المسألة 78

يستحب التناول من فضل شراب المؤمن، فقد ورد في بعض الأحاديث ان سؤر المؤمن شفاء.

و في بعضها: ان في سؤر المؤمن شفاء من سبعين داء.

بل ورد في بعضها استحباب التبرك به.

الفصل السابع في النجاسات
المسألة 79

أنواع النجاسات اثنا عشر:

الأول و الثاني منها: البول و الغائط، و هما نجسان من كل حيوان لا يؤكل لحمه إذا لم يكن طائرا، و كانت له نفس سائلة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 27

و المراد بكون الحيوان له نفس سائلة ان يكون له دم يجرى حين الذبح، من غير فرق بين ان يكون الحيوان صغيرا أو كبيرا، و بريا أو بحريا، و من غير فرق كذلك بين ان يكون حرام اللحم بالأصالة، كالإنسان و السباع و المسوخ، و ان يكون حرام اللحم بسبب عارض كالحيوان الجلال، و الذي يطأه الإنسان، و الغنم الذي يشرب لبن الخنزيرة، حتى يشتد و ينمو على ذلك، فالبول و الغائط من كل أولئك نجس.

المسألة 80

البول و الغائط من كل حيوان يحل أكل لحمه طاهران حتى من الخيل و البغال و الحمير على الأقوى، و هما كذلك طاهران من كل حيوان ليس له نفس سائلة و ان كان حرام اللحم سواء كان مما لا دم له أصلا كبعض الحشرات أم كان له دم لا يسيل حين الذبح كالسمك المحرم، و هما كذلك طاهران من كل طائر و ان كان حرام اللحم كالخفاش و سائر الطيور المحرمة على الظاهر.

المسألة 81

قد يشك الإنسان في حكم حيوان معين انه يجوز أكل لحمه شرعا أو يحرم، ثم هو مع شكه هذا قد يكون عالما بأن ذلك الحيوان نفسه مما تقع عليه التذكية شرعا و قد يكون شاكا في هذا أيضا، و شكه في كلتا الصورتين قد يكون بنحو الشبهة الحكمية لذلك الحيوان، و قد يكون بنحو الشبهة الموضوعية، فالصور المحتملة في هذه المسألة أربع:

الصورة الأولى: ان يشك الإنسان في حكم ذلك الحيوان المعين هل هو محلل الأكل شرعا أو هو محرم الأكل، و لكنه يعلم ان الحيوان مما تقع عليه التذكية، و تكون الشبهة حكمية.

و مثال ذلك: ان يتولد حيوان خاص بين حيوانين مختلفين و كلاهما مما يقبل التذكية شرعا، و لذلك فهو يعلم ان هذا الحيوان المتولد بينهما مما تقع عليه التذكية، و لكنه يشك في حلية أكله، و الأقوى في ذلك الحيوان انه محلل الأكل، فبوله و خرؤه طاهران.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 28

الصورة الثانية: ان يشك الإنسان في حكم ذلك الحيوان المعين هل هو محلل الأكل شرعا أو هو مما لا يقبل التذكية، فهو يعلم ان الحيوان محلل الأكل إذا كان مما يقبل التذكية شرعا، و هو محرم الأكل إذا كان

مما لا يقبلها، و شكه في حل الحيوان و حرمته انما كان من جهة شكه في ان الحيوان يقبل التذكية شرعا أو لا يقبلها و الشبهة حكمية كذلك.

و الظاهر ان الإطلاق المقامي في النصوص الشرعية التي وردت في التذكية و التي ذكرت لها الآثار و جعلت لها الأحكام يقتضي ان الشارع قد اعتمد في التذكية و شروطها على ما يعتمده أهل العرف في ذلك، و نتيجة لذلك فان بين الشارع للتذكية سببا خاصا أو شرطا أخذ به، و ان لم يبين شيئا خاصا، كان ذلك دالا على انه أمضى ما يعتمده أهل العرف في ذلك.

فإذا شك الإنسان في حيوان انه مما يقبل التذكية شرعا أو مما لا يقبلها، و كان الحيوان يقبل التذكية في نظر أهل العرف كان ذلك دالا على انه يقبل التذكية شرعا، و نتيجة لذلك فالحيوان المعين المشكوك حكمه في هذه الصورة محلل الأكل، و بوله و خرؤه طاهران.

و إذا شك أهل العرف في أمر ذلك الحيوان، فلم يحكموا بأنه مما يقبل التذكية أو مما لا يقبلها، كان مقتضى أصالة عدم التذكية انه محرم الأكل، و الأقوى ان بوله و خرءه طاهران في هذه الصورة أيضا.

الصورة الثالثة: ان يشك الإنسان في حكم الحيوان المعين هل هو محلل الأكل شرعا أو هو محرم الأكل، و هو يعلم ان الحيوان مما تقع عليه التذكية و الشبهة موضوعية.

و مثال ذلك ان يتردد في حيوان خاص بين يديه لسبب من الأسباب التي توجب التردد هل هو من الغنم فيكون حلال اللحم، أو هو ثعلب فيكون محرما، و الحيوان على اى حال يقبل التذكية شرعا، و الأقوى كونه محلل الأكل كما في الصورة الاولى و ان بوله

و خرءه طاهران

كلمة التقوى، ج 1، ص: 29

الصورة الرابعة: ان يشك الإنسان في حكم الحيوان المعين هل هو محلل الأكل شرعا أو هو مما لا يقبل التذكية كما في الصورة الثانية التي تقدم ذكرها و لكن الشبهة موضوعية، و مثال ذلك ان يتردد الإنسان في حيوان خاص بين يديه هل هو من الظباء مثلا فيكون حلال اللحم أو هو متولد بين حيوانين أحدهما لا يقبل التذكية فيكون محرم الأكل لأصالة عدم التذكية.

و الحكم فيه هو ما تقدم في الصورة الثانية فإن كان ذلك الحيوان مما تقع عليه التذكية في نظر أهل العرف حكم بأنه كذلك شرعا و هو محلل الأكل، و ان شك في امره عند العرف كما هو مشكوك شرعا كان مقتضى أصالة عدم التذكية انه محرم الأكل و لكن خرءه و بوله طاهران في كلتا الصورتين.

نعم إذا كان الشاك في الحكم هو العامي و كانت الشبهة حكمية كما في الصورة الاولى و الثانية يكون مخيرا بين ان يحتاط فيجتنب أكل لحم الحيوان و يجتنب كذلك بوله و خرؤه و بين ان يرجع في ذلك الى رأي الفقيه.

المسألة 82

إذا شك المكلف في ان الحيوان له دم سائل عند الذبح أم لا لم يحكم على بوله و خرئه بالنجاسة، سواء كانت الشبهة حكمية كما إذا شك في ان الحية أو التمساح مما له نفس سائلة أم لا، فلا يجب عليه الاجتناب عن فضلتهما، أم كانت الشبهة موضوعية، كما إذا شك في ان هذا الشي ء الذي لاقاه بعرة فأر أو بعرة خنفساء مثلا و حكم العامي في الشبهة الحكمية هنا هو ما تقدم في المسألة السابقة.

المسألة 83

لا يتنجس الشي ء الطاهر بملاقاة النجاسة في الباطن إذا خرج بعد الملاقاة نقيا من عين النجاسة، سواء كان الشي ء الملاقي و النجاسة كلاهما من الباطن كالدود الذي يخرج من معدة الإنسان فلا ينجس بملاقاة الغائط في الباطن. أم كان الشي ء الملاقي من الخارج و النجاسة من

كلمة التقوى، ج 1، ص: 30

الباطن كالنوى الذي قد يبتلعه الإنسان مع الأكل فيلاقي الغائط في الباطن فإذا خرج نقيا من عين النجاسة لم يحكم عليه بالنجاسة أم كان الملاقي من الباطن و النجاسة من الخارج، فإذا أكل الإنسان أو شرب شيئا نجسا سهوا أو عمدا لم يتنجس ريقه بملاقاة ذلك النجس إذا كان الريق نقيا من عين النجاسة.

نعم، إذا دخل الشي ء الطاهر و الشي ء النجس المتكونان في الخارج و تلاقيا في الباطن فالأحوط اجتناب الملاقي و خصوصا إذا كانت الملاقاة في الفم أو الأنف أو باطن السرة و نحوها.

المسألة 84

لا يجوز بيع البول و الغائط النجسين على الأحوط فيهما و ان جاز الانتفاع بهما للتسميد و شبهه.

و الظاهر عدم جواز بيع البول الطاهر لعدم وجود منفعة له مقصودة عند العقلاء توجب كونه مالا في العرف، و يجوز بيع الخرء الطاهر لوجود مثل هذه المنفعة المقصودة فيه و قد تقدم ان فضلة الطيور المحرمة طاهرة، فلا مانع من بيعها إذا وجدت لها المنفعة المقصودة كفضلة الخفاش.

المسألة 85

تلحق بالبول في الحكم بالنجاسة و غيرها الرطوبة المشتبهة التي تخرج من الإنسان بعد البول إذا هو لم يستبرئ منه، و ان كان قد استنجى قبل خروجها فهي نجسة و ناقضة للوضوء و سيجي ء بيان ذلك في مبحث الاستبراء.

المسألة 86

الثالث من أنواع النجاسات: المني.

و هو نجس من كل حيوان له نفس سائلة سواء كان محرم الأكل أم محللا، و سواء كان طيرا أم غيره، و سواء كان بريا أم بحريا، و قد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 31

تقدم بيان المراد من الحيوان ذي النفس السائلة في المسألة التاسعة و السبعين، و الظاهر طهارة مني الحيوان الذي ليست له نفس سائلة.

المسألة 87

يلحق بالمني في النجاسة و في وجوب الغسل البلل المشتبه الذي يخرج بعد الجنابة بالإنزال إذا هو لم يستبرئ منها بالبول، فيجب عليه التطهر من هذا البلل و ان كان قد تطهر قبل خروجه، و يجب عليه الغسل بعده و ان كان قد اغتسل من جنايته قبل ذلك و سيأتي تفصيل ذلك في مبحث غسل الجنابة.

المسألة 88

المذي- و هو الماء الذي يخرج أثناء الملاعبة و في بعض حالات التحرك الجنسي- محكوم بالطهارة، و كذلك الودي و هي الرطوبة التي تخرج بعد البول و الاستبراء منه و كذلك الوذي و هو الماء الذي يخرج من الأدواء التي تكون في الموضع فهي جميعا محكومة بالطهارة، نعم هي نجسة إذا خرجت من انسان أو حيوان نجس العين، و كذلك الرطوبات الأخرى التي تكون في الفرج و الدبر.

المسألة 89

الرابع من أنواع النجاسات: الميتة.

و هي نجسة من كل حيوان له نفس سائلة على ما تقدم في معنى الحيوان ذي النفس السائلة، سواء كان حلالا أم حراما، و صغيرا أم كبيرا، و المراد من الميتة هو ما يموت من الحيوان حتف أنفه أو يقتل أو يذبح على غير الوجه الموجب لتذكيته شرعا.

و لا تنجس ميتة الحيوان الذي ليست له نفس سائلة، و ان كان كبيرا كالسمك و لا تنجس ميتة ما يشك في كونه ذا نفس سائلة كالحية و التمساح.

المسألة 90

الأجزاء التي تنفصل من الميتة نجسة كالميتة و ان كانت صغارا،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 32

و يستثنى من ذلك الاجزاء التي لا تحلها الحياة في حال الحياة، كالقرن و العظم و السن و الظفر و الحافر، و الظلف، و المخلب، و المنقار، و الشعر، و الصوف، و الوبر، و الريش، و البيضة إذا اكتست قشرها الأعلى، و ان لم يتصلب فان هذه الأجزاء طاهرة إذا أخذت من ميتة حيوان طاهر العين سواء كان الحيوان مما يحل أكل لحمه أم مما يحرم، نعم لا بد من تطهيرها من النجاسة العرضية إذا أصابتها رطوبة الميتة بنتفها أو قلعها أو إخراجها منها.

و يستثنى كذلك اللبن في ضرع الميتة فهو طاهر و لا ينجس بملاقاة الضرع النجس، نعم لا يترك الاحتياط باجتناب لبن الميتة إذا كانت غير مأكولة اللحم.

و تستثنى كذلك الأنفحة التي تخرج من بطن الجدي أو السخل الميت، فهي طاهرة، و الأحوط ان يقتصر فيها على المادة الصفراء التي يستحيل إليها اللبن الذي يرتضعه قبل ان يأكل، و هي التي تجعل في اللبن فيكون جبنا.

و الأجزاء المذكورة انما تستثنى إذا أخذت من ميتة طاهر العين كما ذكرنا

و اما ميتة نجس العين فلا يستثنى منها شي ء.

المسألة 91

الأجزاء التي تنفصل من الحي نجسة بمنزلة الميتة إذا كانت مما تحلها الحياة، و يستثنى من ذلك الأجزاء الصغار كالثألول و البثور و القشور التي تتكون على القروح و الجروح. و الجلدة التي تنفصل من بعض الأطراف أو من الشفة و أشباه ذلك فهي طاهرة إذا انفصلت من الحي.

المسألة 92

أثبت العلم الحديث ان وعاء المسك كيس رقيق جاف يتولد تحت جلد الذكر البالغ من ظباء المسك، و موضع الكيس دون سرة الظبي و امام قلفته، و ان المسك مادة خاصة تفرز و تخزن في ذلك الكيس،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 33

و يحيط بالكيس منسوج خلوي مملوء بالعروق و يلتصق من الخارج بجلد الحيوان، و فارة المسك هي المجموع من الكيس و ما يحيط به.

و على هذا فلا ريب في طهارة المسك نفسه سواء أخذ من ظبي حي أم مذكى أم ميت و سواء كان سائلا أم جامدا، و لا ريب في طهارة الكيس الذي يحتوي على المسك و اما مجموع الفأرة- و منها المنسوج الخلوي الذي يحيط بالكيس و الجزء من جلد الحيوان الذي يلتصق به و هما مما تحله الحياة، فإن أخذ من الحيوان المذكى فهو طاهر، و كذلك إذا أخذ من الظبي الحي و كانت الفأرة مستعدة للانفصال عن الحيوان، و ان أخذت الفأرة من الظبي الميت أو من الحي و كانت مستعدة للاتصال فالظاهر نجاستها.

نعم يمكن نزع الجلد و المنسوج الخلوي عن الكيس و هو طاهر كما قدمنا. و يطهر ظاهره بالغسل عن النجاسة العرضية بسبب ملاقاتهما، و إذا علم بأن الفأرة قد أخذت من الظبي الميت و شك في تذكيته فهي محكومة بالنجاسة، إلا إذا أخذها من يد المسلم أو من

سوق المسلمين.

اما المسك نفسه و الكيس الذي يحتويه فقد تقدم انهما طاهران في جميع الصور فيمكن نزع الكيس و تطهيره بالغسل عن النجاسة العرضية إذا حصلت كما تقدم.

المسألة 93

إذا وجد شيئا و لم يدر انه جزء من أجزاء الحيوان أم لا لم يحكم بنجاسته، و كذلك إذا علم انه جزء من حيوان و لم يدر انه مما له نفس سائلة أم لا.

المسألة 94

اللحوم و الجلود و الشحوم التي توجد بيد المسلم محكومة بالتذكية و الطهارة إذا كانت يد المسلم مقرونة بتصرفه في ذلك الشي ء تصرفا يناسب الطهارة، كما إذا رآه يبيع ذلك الشي ء أو يأكله أو يصلي فيه، و كذلك الحكم في سوق المسلمين، و كذا ما يوجد مطروحا في أرض المسلمين إذا كان عليه اثر الاستعمال منهم الدال على التذكية، و إذا لم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 34

تقترن يد المسلم أو سوق المسلمين بمثل هذا التصرف الذي يناسب الطهارة لم تكن امارة على تذكية الحيوان.

و إذا كانت يد المسلم أو سوق المسلمين مسبوقة بيد الكافر كالجلود و اللحوم المستوردة من بلاد الكفار أشكل الحكم بتذكيتها، بل هو في غاية الإشكال.

المسألة 95

ما يؤخذ من أيدي الكفار من اللحوم و الشحوم و الجلود محكوم بالنجاسة، الا ان يعلم بسبق يد المسلم عليه المقرونة بالتصرف المناسب للتذكية كما تقدم فيحكم بطهارته و حل أكله، و كذلك ما يوجد في أرض الكفار.

المسألة 96

السقط قبل ان تلج فيه الروح نجس على الأحوط بل لا يخلو ذلك من قوة، و كذلك حكم الفرخ إذا انكسرت البيضة قبل ولوج الروح فيه.

المسألة 97

الأحوط اجتناب السقط إذا كان مضغة، و المشيمة، و قطعة اللحم التي تصحب الطفل حين ولادته.

المسألة 98

ما يؤخذ من أيدي الكفار أو من أسواقهم أو يوجد مطروحا إذا لم يدر انه من اجزاء الحيوان أو من غيره فهو محكوم بالطهارة، الا ان يعلم بملاقاته النجاسة فيجب اجتنابه.

المسألة 99

ما يؤخذ من أيدي الكفار أو من أسواقهم أو يوجد مطروحا من شحوم أو لحوم أو جلود إذا شك في انها من حيوان له نفس سائلة أو من غيره كالسمك و نحوه فهي محكومة بالطهارة و لكن لا يجوز أكلها و لا الصلاة فيها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 35

المسألة 100

إذا خرجت الروح من الحيوان أو الإنسان لحقه حكم النجاسة و ان لم يبرد جسده، نعم، لا يجب على المكلف غسل مس الميت إلا إذا مس الإنسان الميت بعد برده.

المسألة 101

لا يجوز بيع الميتة و لا اجزائها النجسة على الأقوى في ما إذا لم تكن لها منفعة محللة مقصودة تكون بها مالا، و حتى إذا وجدت لها مثل هذه المنفعة على الأحوط، و يجوز الانتفاع بها و بأجزائها النجسة في ما لا يشترط فيه الطهارة.

المسألة 102

الخامس من أنواع النجاسات: الدم.

و هو نجس من كل حيوان له نفس سائلة على ما تقدم في بيان معناه، من غير فرق بين دم الإنسان و غيره، و الصغير و الكبير، و الدم القليل و الكثير.

و يستثنى من ذلك الدم الذي يتخلف في الحيوان بعد ان يذبح أو ينحر إذا خرج ما يتعارف خروجه من الدم، فان المتخلف منه بعد ذلك طاهر، سواء كان تخلفه في اللحم أم في القلب أم في الكبد أم في العروق، الا ان يتنجس بنجاسة خارجية كما إذا لاقى موضع الذبح أو آلة التذكية أو يد الذابح قبل تطهيرها فيحكم عليه بالنجاسة من أجل ذلك، و إذا رجع دم المذبح الى جوف الحيوان لرد نفسه حين الذبح أو انتكاس جسده عن موضع الرأس كان نجسا.

و انما يستثنى ذلك في الحيوان الذي يؤكل لحمه فلا يكون الدم المتخلف طاهرا في الحيوان الذي لا يؤكل لحمه إذا ذبح، بل و لا يكون المتخلف طاهرا في الجزء الذي لا يؤكل من الذبيحة على الأحوط كالطحال و نحوه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 36

المسألة 103

يحرم أكل الدم المتخلف في الذبيحة و شربه و ان كان طاهرا كما ذكرنا، إلا إذا كان في اللحم بحيث يعد جزءا منه.

المسألة 104

يجب اجتناب دم الجنين الذي يخرج من بطن أمه بعد ذبحها و الذي تكون ذكاته بذكاة أمه، إلا في الدم الذي يعد جزءا من لحمه، و كذلك في الصيد الذي يذكى بآلة الصيد على الأحوط، فيلزم اجتناب دمه الا ما يعد جزءا من لحمه.

المسألة 105

الأحوط لزوم الاجتناب عن العلقة المستحيلة من مني الإنسان أو الحيوان، و العلقة في البيض بل و عن نقطة الدم الموجودة فيه.

المسألة 106

دم الحيوان الذي ليست له نفس سائلة طاهر سواء كان صغيرا أم كبيرا، و كذلك دم ما يشك في أن له نفسا سائلة أم لا، كالحية و التمساح، فهو محكوم بالطهارة.

المسألة 107

إذا أصاب الإنسان بعض الدم المتخلف في الذبيحة و شك في انه مما يحكم بطهارته منه أو مما يحكم بنجاسته، فان علم بخروج ما يتعارف خروجه من الدم فالظاهر الحكم بطهارته، و ان شك في خروج ما يتعارف خروجه من الدم فالأحوط بل الأقوى الحكم بالنجاسة.

و إذا أصابه دم بعد خروج ما يتعارف خروجه من الذبيحة و شك في الدم الذي أصابه هل هو من الدم الخارج فيكون نجسا أو من الدم المتخلف فيكون طاهرا حكم بطهارته على الأقوى.

المسألة 108

إذا شك في شي ء أصابه انه دم حيوان أم مائع أحمر حكم بطهارته، و كذلك إذا لم يدر انه دم شاة أم دم سمك، أو لم يدر انه بعض دمه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 37

أو دم بق أو برغوث، و كذلك إذا خرج من الجرح أو القرح ماء اصفر و شك في انه دم أم لا فإنه يحكم بطهارته.

المسألة 109

الدم الذي يخرج من بين الأسنان نجس لا يجوز ابتلاعه ما دام موجودا، فإذا استهلك في ماء الفم حتى أصبح معدوما فالظاهر طهارة ماء الفم كله و جواز ابتلاعه، و كذلك الدم الذي يدخل الفم من الخارج حتى يستهلك، و تنعدم أجزاؤه في ماء الفم.

المسألة 110

إذا وقع الدم في قدر المرق حكم بنجاسة المرق و ان كان يغلي، و لا يطهر باستهلاك الدم فيه و ان كان قليلا، و لا تكون النار مطهرة له.

المسألة 111

القيح و هو المادة البيضاء أو الصفراء التي تخرج من الدمل و القروح طاهر، إلا إذا كان مخلوطا بالدم، فإنه يكون نجسا، و كذلك الماء الأصفر الذي يتجمد على الجروح و القروح عند برئها فإنه طاهر، ما لم يعلم كونه دما أو مخلوطا به، و إذا تجمد الدم أو الماء الأصفر المخلوط بالدم لم يزل على نجاسته حتى يستحيل جلدا، فإذا استحال حكم بطهارته.

المسألة 112

السادس و السابع من أنواع النجاسات: الكلب و الخنزير البريان و اجزاؤهما حتى ما لا تحله الحياة منهما كالشعر و العظم و رطوباتهما.

و اما كلب الماء و خنزير البحر فإنهما طاهران.

المسألة 113

إذا تولد هجين بين الكلب و الخنزير، فان تبع أحدهما في الاسم حكم بنجاسته، و ان لم يصدق عليه اسم أحدهما فالأحوط لزوم اجتنابه، و خصوصا إذا كان ملفقا منهما عرفا. و إذا تولد هجين بين أحدهما و حيوان طاهر، فان صدق عليه اسم الكلب أو الخنزير وجب اجتنابه كذلك، و الأحوط اجتنابه إذا لم يصدق عليه اسم الحيوان الطاهر.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 38

المسألة 114

الثامن من أنواع النجاسات: الكافر.

و المراد به من لم يعترف بالالوهية، أو بالتوحيد أو بالرسالة أو بالمعاد، و ان لم ينكرها و من الكافر من أنكر ما علم ثبوته بالضرورة من الدين، و هو عالم بكونه ضروريا بحيث يعود إنكاره لذلك الضروري إلى إنكار الرسالة.

و هو نجس بجميع أقسامه من غير فرق بين الكافر الأصلي و المرتد و حتى الكتابين على الأحوط فيهم احتياطا لا يترك.

المسألة 115

ولد الكافر يتبعه في النجاسة سواء كان من حلال أم من زنا، نعم إذا أسلم الولد بعد بلوغه أو قبله و كان عاقلا مميزا حكم بطهارته.

المسألة 116

إذا كان أحد الأبوين مسلما تبعه الولد في الطهارة إذا كان من الحلال بل حتى إذا كان من الزنا ما دام الولد غير مميز، فإذا صار الولد عاقلا مميزا و لم يعترف بالإسلام فالحكم بطهارته مشكل، و لعل الأقوى النجاسة، و ان كان كلا الأبوين مسلمين.

المسألة 117

الخارجي و الناصبي نجسان، و كذلك الغالي إذا رجع غلوه الى الشرك باللّه أو الى إنكار ذاته تعالى، أو رجع الى إنكار أحد ضروريات الإسلام مع الالتفات الى كونه ضروريا، و لا يحكم بنجاسة المجسمة، و لا المجبرة، و لا القائلين بوحدة الوجود إذا هم التزموا بأحكام الإسلام، و لا بنجاسة سائر فرق المسلمين و لا سائر فرق الشيعة إلا إذا ثبت نصبهم و عداؤهم لبعض أئمة أهل البيت (ع).

المسألة 118

الإنسان الذي يشك في انه مسلم أو كافر لا يحكم بنجاسته، و لكن لا تجري عليه سائر أحكام الإسلام.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 39

المسألة 119

التاسع من أنواع النجاسات، كل مسكر مائع بالأصالة، من غير فرق بين أصنافه و أنواع ما يتخذ منه، و هو نجس و ان جمد بالعرض، كما إذا جمد صناعيا واعد اقراصا أو حبوبا، و اما المسكر الجامد بالأصالة كالحشيشة و أمثالها فهو طاهر و لكنه حرام.

الكحول نجس إذا تحققت له صفة الإسكار، أو كان مأخوذا من المسكر بالفعل، على ان يكون أخذه منه بغير التصعيد، فقد تقدم في مبحث الماء المضاف: أن التصعيد يطهر الماء النجس، و لا يحكم بنجاسة الكحول من حيث وجود المادة فيه، فان المادة موجودة في العنب و في التمر و في الشعير و أمثالها مما يتخذ منه المسكر، مع انها ليست نجسة و لا محرمة- كما هو واضح-، و على هذا فما علم بعدم اسكاره من افراد الكحول، و ما علم بعدم كونه مأخوذا من المسكر، و ما شك في أنه منهما فهو محكوم بالطهارة، و كذلك ما علم بأنه مأخوذ من المسكر بالفعل و كان أخذه منه بنحو التصعيد فهو محكوم بالطهارة ظاهرا.

إذا لم يكن مسكرا بالفعل، و الله العالم.

المسألة 120

إذا غلى عصير العنب أو نش بنفسه أو بحرارة الشمس أو الهواء فالأحوط نجاسته، ثم لا يطهر الا بانقلابه خلا، و إذا غلى بالنار لم يحكم عليه بالنجاسة، و لكنه يكون بذلك حراما، و يحل بذهاب ثلثيه بالغليان بالنار كذلك، و لا يكون حلالا بذهاب الثلثين بالغليان بغير النار كالشمس أو الهواء، بل يكون بذلك نجسا كما تقدم.

المسألة 121

إذا غلى عصير الزبيب أو نش بنفسه أو بحرارة الشمس أو الهواء فالأحوط نجاسته، ثم لا يطهر الا بانقلابه خلا كما ذكرنا في عصير العنب سواء بسواء، و إذا غلى بالنار لم ينجس و لم يحرم على الأقوى.

المسألة 122

لا يحرم نفس العنب إذا غلى بالنار من غير ان يعصر، و كذلك نفس الزبيب و الكشمش و نفس التمر و دبسه فلا تحرم بالغليان، و يجوز وضعها في الأمراق و المطبوخات و لا تحرم بذلك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 40

المسألة 123

العاشر من أنواع النجاسات: الفقاع.

و هو شراب خاص يتخذ من الشعير، و هو نجس و ان لم يسكر غالبا، و ليس منه ماء الشعير الذي يصفه الأطباء القدامى لبعض الأمراض، و إذا اتخذ الفقاع من غير الشعير لم يحرم و لم ينجس إلا إذا كان مسكرا.

المسألة 124

الحادي عشر من أنواع النجاسات: عرق الجنب من الحرام على الأحوط، و لا تجوز الصلاة فيه في ما إذا كانت الحرمة ذاتية بل مطلقا، و الأحوط- كما قدمنا- اجتنابه في الصلاة و غيرها، سواء كانت الحرمة ذاتية كالزنا، و اللواط، و الاستمناء، و وطء البهيمة، أم غير ذاتية كوطء الزوجة الحائض، و جماع المحرم، و الوطء في الصوم الواجب المعين، و سواء كان من الرجل أم المرأة، و ما يخرج حال الجماع و ما بعده، بل و ما يخرج حين الاغتسال قبل ان يتم، و سواء كان من عرقه هو أم من عرق غيره فيلزم الاجتناب عن ذلك كله.

المسألة 125

إذا لم يستطع الغسل في الماء البارد و خشي من العرق في الماء الحار فليرتمس في الكر الحار، و ينوي الغسل في الآن الثاني من كونه تحت الماء.

المسألة 126

إذا أجنب من حرام ثم أجنب من حلال أو بالعكس فلا يترك الاحتياط باجتناب عرقه في كلتا الصورتين و خصوصا في الصورة الأولى.

المسألة 127

إذا تيمم المجنب من الحرام لأنه لا يجد الماء، حكم بطهارته و طهارة عرقه الذي يخرج منه بعد ذلك، فإذا وجد الماء بطل تيممه، فإذا هو لم يغتسل لحقه حكم الجنب من الحرام.

المسألة 128

الثاني عشر من أنواع النجاسات: عرق الإبل الجلالة، بل الأحوط اجتناب العرق من كل حيوان جلال.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 41

و المراد بالحيوان الجلال: الحيوان المأكول لحمه إذا هو اغتذى بعذرة الإنسان وحدها حتى صدق عليه اسم الجلل عرفا فلا تجري على الحيوان أحكام الجلل إذا كان غذاؤه مخلوطا من العذرة و غيرها، و لا تجري عليه الاحكام كذلك إذا لم يصدق عليه اسم الجلال.

المسألة 129

إذا اغتذى الحيوان بعذرة الإنسان وحدها حتى صدق عليه اسم الجلال عرفا حرم أكل لحمه و شرب لبنه، و حرم أكل بيضه على الأحوط إذا كان مما يبيض، و حكم بنجاسة بوله و روثه كما تقدم في المسألة التاسعة و السبعين، و حكم بنجاسة عرقه إذا كان من الإبل، بل بنجاسة العرق من كل حيوان جلال على الأحوط كما تقدم في المسألة المتقدمة، و لا ترتفع هذه الاحكام حتى يستبرأ الحيوان، و يزول عنه اسم الجلال. و سيأتي بيان ذلك في مبحث المطهرات ان شاء اللّه تعالى.

الفصل الثامن كيف تسري النجاسة
المسألة 130

إذا لاقى الماء القليل أو الماء المضاف، أو أحد المائعات الأخرى شيئا نجسا أو متنجسا حكم بنجاسته جميعا، و قد تقدم بيان ذلك و لتفصيل الحكم فيه.

(تلاحظ المسألة الثالثة. و المسألة الرابعة، و المسألة الخامسة، و المسألة الثانية و العشرون و المسألة السادسة و العشرون).

المسألة 131

إذا لاقى جسم طاهر جامد شيئا نجسا أو متنجسا و كانت في أحد المتلاقيين أو في كليهما رطوبة مسرية حكم بنجاسة موضع الملاقاة من ذلك الجسم الطاهر، و المراد بالرطوبة المسرية هي الرطوبة التي تنتقل أجزاؤها من أحد المتلاقيين الى الآخر بمجرد الملاقاة، و لا تسري النجاسة إذا كانا معا يابسين أو كانت الرطوبة بينهما لا تنتقل من أحدهما إلى الآخر بمجرد الملاقاة.

المسألة 132

إذا كان الجسم الطاهر رطبا بالرطوبة المسرية، و لاقى الشي ء النجس أو

كلمة التقوى، ج 1، ص: 42

المتنجس لم تسر النجاسة الى غير موضع الملاقاة، فإذا كانت الأرض ممطورة مثلا و أصابت النجاسة بعض اجزائها لم تنجس بذلك أجزاؤها الأخرى، و إذا كان الثوب أو البدن مبلولا و لقيت النجاسة بعض نواحيه لم تنجس بذلك نواحيه الأخرى، و كذلك الفواكه و الخضروات الرطبة إذا تنجس بعض اجزائها لم يتنجس بقية أجزائها.

المسألة 133

إذا شك في وجود الرطوبة بين المتلاقيين لم يحكم بالنجاسة و كذلك إذا شك في كون الرطوبة مسرية أم لا.

المسألة 134

و إذا وقع الذباب على النجاسة الرطبة ثم وقع على الثوب أو البدن و هما مبتلان لم يحكم بنجاستهما إلا إذا وجدت مع الذباب عين النجاسة.

المسألة 135

إذا وقعت النجاسة في الدبس الغليظ كفى إلقاء النجس و ما حوله، و لا تسري النجاسة إلى بقية الأجزاء، و كذا في اللبن الغليظ. و السمن و العسل الغليظين.

و أمثال ذلك من المائعات الغليظة، و الفارق بين الرقيق من المائعات و الغليظ: ان الغليظ إذا أخذت منه شيئا بقي مكانه خاليا حين أخذه و ان امتلأ بعد ذلك، و الرقيق إذا أخذت منه شيئا امتلأ مكانه حين أخذه.

المسألة 136

قد تكون النخاعة التي تنزل من الرأس أو النخامة التي تخرج من الصدر غليظة، فيجري فيها الحكم المذكور، فإذا خرجت معها نقطة من الدم لم يتنجس بها غير موضع الملاقاة.

المسألة 137

إذا أصاب الثوب أو الفراش بعض التراب النجس كفى نفضه بمقدار يعلم بزوال ما تيقن علوقه به من ذلك التراب.

المسألة 138

إذا تنجس الشي ء ثم أصابته نجاسة أخرى جرى عليه حكم أشد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 43

النجاستين، فإذا تنجس الثوب أو البدن بالدم، ثم تنجس بالبول وجب غسله مرتين إذا كان الغسل بالماء القليل، و وجب عصر الثوب بعد كل منهما، و إذا ولغ الكلب في إناء فيه ماء نجس وجب تعفير الإناء بالتراب ثم غسله ثلاثا، إذا كان بالماء القليل.

و كذلك الحكم إذا علم إجمالا بأن الثوب تنجس اما بالدم أو بالبول و بأن الإناء تنجس أما بالولوغ أو غيره فيجب عليه اجراء حكم أشد النجاستين.

المسألة 139

المتنجس بلا واسطة ينجس ما يلاقيه من الأشياء مع الرطوبة المسرية على الأقوى من غير فرق بين المائعات و الجامدات، و كذلك الحكم في المتنجس بالوسائط الأولى و خصوصا في الماء القليل و المائعات.

و الأحوط التجنب عن ملاقي المتنجس مع تعدد الوسائط أيضا، و ان كان القول بالطهارة في هذه الصورة لا يخلو عن قوة كما في الواسطة الرابعة فما فوقها.

المسألة 140

المتنجس يوجب نجاسة ما يلاقيه إذا كان متنجسا بلا واسطة أو بالوسائط الأولى كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، و لكنه لا يوجب له حكم النجاسة التي لاقاها، فالمتنجس بالبول لا يوجب لما يلاقيه من الأشياء حكم نجاسة البول من وجوب التعدد في غسله بالماء القليل، و الإناء المتنجس بولوغ الكلب فيه لا يوجب لما يلاقيه حكم نجاسة الولوغ من وجوب التعفير.

نعم إذا كان الملاقي إناء فالأحوط التعدد في غسله، و إذا صب فيه الماء الذي ولغ فيه الكلب فلا يترك الاحتياط بتعفيره بالتراب بل لا يخلو عن وجه قوي.

المسألة 141

ملاقاة النجاسة في الباطن لا توجب التنجيس، و قد تقدم ذلك في المسألة الثالثة و الثمانين فلتلاحظ.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 44

الفصل التاسع في طرق ثبوت النجاسة و الطهارة
المسألة 142

تثبت نجاسة الشي ء بالعلم بها، و بشهادة البينة العادلة، و باخبار صاحب اليد بها، و لا تثبت بالظن. نعم لا يترك الاحتياط إذا كان الظن اطمئنانيا، و كذلك إذا أخبر العدل الواحد بالنجاسة و أفاد قوله الاطمئنان فلا يترك الاحتياط، و إذا ثبتت نجاسة الشي ء بأحد الوجوه المتقدم ذكرها حكم ببقاء النجاسة حتى يثبت تطهيره منها، اما بالعلم بالتطهير منها كذلك، أو بشهادة البينة العادلة، أو بإخبار صاحب اليد بها، و لا يترك الاحتياط إذا أخبر العدل الواحد بالطهارة و كان قوله موجبا للاطمئنان، كما تقدم.

المسألة 143

إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الشيئين، وجب عليه اجتنابهما معا إذا كان كلاهما محلا لابتلائه، فإذا كان أحد الشيئين ليس محلا لابتلائه سقط عنه التكليف بالاجتناب عما هو محل ابتلائه. و المراد بخروج الشي ء عن محل ابتلائه: ان يخرج عن قدرته أو يصبح الخطاب باجتنابه مستهجنا فلا يتوجه إليه.

المسألة 144

لا يجب على الوسواسي تحصيل العلم بالطهارة، و لا يعتمد على قوله في النجاسة، بل يرجع الى المتعارف عند المتشرعة في إزالة النجاسات و التطهير منها.

المسألة 145

لا يشترط في البينة ان يحصل الظن بصدقها، كما لا يشترط ان يذكر الشاهدان مستند شهادتهما بالنجاسة، إلا إذا كان بينهما و بين من يشهدان عنده خلاف في سبب النجاسة فلا بد من ذكر المستند.

المسألة 146

إذا شهدت البينة بأن هذا الثوب أو هذا الماء قد أصابه عرق الجنب

كلمة التقوى، ج 1، ص: 45

من الحرام، أو عرق الحيوان الجلال، أو أصابه ماء الغسالة، كفى في ثبوت النجاسة عند من يقول بها و ان كان الشاهدان لا يقولان بذلك.

المسألة 147

الشهادة بالإجمال كافية في الإثبات كالشهادة بالتفصيل، فإذا شهدت البينة بوقوع النجاسة في أحد الإناءين أو على أحد الثوبين، وجب على المكلف اجتنابهما معا إذا كانا محلا لابتلائه.

المسألة 148

صاحب اليد على الشي ء هو المستولي عليه بنحو يكون الشي ء تابعا لصاحب اليد و لو في الجملة، سواء كان مالكا للشي ء، أم مستأجرا له أم أمينا عليه.

و على هذا فيعتبر خبر الزوجة و الخادمة و المملوكة بنجاسة ما في يدها من أواني البيت و أمتعته و ثياب الرجل، و يحكم عليها بالنجاسة، و يقبل قولها بالتطهير، و كذلك المشرفة على تربية الطفل، و على شؤون المجنون.

و لا يعتبر خبر المولى بنجاسة بدن عبده أو جاريته إذا كان العبد و الجارية مستقلين في الإرادة، و كذا في ثوبهما التابع لهما.

المسألة 149

لا يشترط في قبول خبر صاحب اليد ان يكون عادلا، نعم يعتبر فيه ان لا يكون متهما، و لا يبعد قبول خبره إذا كان مراهقا.

المسألة 150

لا فرق في خبر صاحب اليد بين ان يكون قبل الاستعمال أو بعده، فإذا توضأ الإنسان بماء، و بعد فراغه أخبره صاحب اليد بأن ذلك الماء نجس حكم ببطلان وضوئه و نجاسة أعضائه.

المسألة 151

إذا تعدد صاحب اليد كفى ان يخبر واحد منهم بنجاسة الشي ء فيحكم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 46

بها، و إذا أخبر أحد الشريكين بنجاسة الشي ء و أخبر الثاني بطهارته تساقطا، نعم إذا كان أحدهما مستندا في خبره الى العلم، و الآخر الى الأصل قدم الأول على الثاني، و كذلك الحكم في البينتين، فإذا شهدت إحداهما بنجاسة الشي ء و شهدت الأخرى بطهارته، قدمت البينة التي تستند في شهادتها الى العلم على الأخرى التي تستند الى الأصل، و إذا استندتا معا الى العلم أو الى الأصل تساقطتا معا.

و إذا أخبر صاحب اليد بنجاسة الشي ء أو بطهارته، و شهدت البينة العادلة بخلاف قوله، فان استندت البينة في شهادتها الى العلم قدمت على قول ذي اليد في كلا الفرضين، و إذا استند قول صاحب اليد الى العلم و استندت البينة في شهادتها الى الأصل قدم قوله على شهادتها في كلا الفرضين.

المسألة 152

إذا شهدت البينة بسبب الطهارة كفى ذلك عند من يقول بحصول الطهارة بذلك السبب، و ان كان الشاهدان لا يقولان بذلك، فإذا شهدا بأن الثوب المتنجس بالبول قد غسل بالماء الكثير مرة واحدة، كفت شهادتهما عند من يقول بحصول الطهارة بذلك، و حكم بطهارة الثوب، و ان كان الشاهدان يقولان بنجاسة الثوب لأنهما يعتبران التعدد أو الحاجة الى العصر، أو يعتقدان بأن ذلك الماء لا يبلغ الكر، و المشهود عنده يعلم بكريته.

الفصل العاشر في أحكام النجاسة
المسألة 153

الأحكام التي تذكر للنجاسة تثبت كذلك للمتنجس، و للبلل المشتبه الخارج بعد البول، و قبل الاستبراء منه بالخرطات، و للبلل الخارج بعد المني و قبل الاستبراء منه بالبول، و لأحد أطراف الشبهة المحصورة في العلم الإجمالي بالنجاسة أو أحد المذكورات، إذا كان العلم الإجمالي منجزا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 47

المسألة 154

يشترط في صحة الصلاة طهارة بدن المصلي من النجاسة حتى ظفره و شعره، و طهارة ثيابه الساتر منها و غير الساتر، و طهارة موضع الجبهة في السجود، من غير فرق بين الصلاة الواجبة و المندوبة، و يشترط ذلك في صلاة الاحتياط، و قضاء الأجزاء المنسية في الصلاة، بل يشترط ذلك في سجود السهو- على الأحوط- و في الإقامة.

و يستثنى من اللباس ما لا تتم به الصلاة كالقلنسوة و الجورب، فتصح الصلاة فيه إذا كان نجسا، و يستثنى أيضا ما يعفي عنه في الصلاة من النجاسات، و سيأتي بيانها في الفصل الآتي ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 155

الطواف الواجب و المندوب بمنزلة الصلاة فيشترط في صحته طهارة الجسد و الثياب، بل يشترط في صحته طهارة بدن الطائف و لباسه عن كل نجاسة حتى المعفو عنها في الصلاة على الأحوط، و حتى في ما لا تتم به الصلاة.

المسألة 156

الغطاء الذي قد يلتحف به المصلي في أثناء الصلاة اما لعدم الساتر غيره أو لبعض الطواري الأخر، إذا كان ملتفا به على نحو يصدق انه قد صلى فيه يلحقه حكم اللباس في الصلاة، فيجب ان يكون طاهرا، و ان كان متسترا بغيره.

و إذا لم يصدق عليه انه صلى فيه، و انما استعمله كالدثار و شبهه لم تجب فيه الطهارة.

المسألة 157

يكفي في موضع الجبهة ان يكون المقدار الواجب منه في السجود طاهرا، فلا يضر ان تقع الجبهة على موضع بعضه نجس إذا كان البعض الطاهر الذي وقعت عليه يحصل به مسمى السجود، و كانت نجاسة الباقي منه غير مسرية، و لا تضرّ نجاسة باطنه إذا كان سطحه الذي

كلمة التقوى، ج 1، ص: 48

وقعت عليه الجبهة طاهرا و لا تضر نجاسة بعض الجبهة. إذا كانت النجاسة معفوا عنها في الصلاة كالقليل من الدم و كان الموضع الطاهر من الجبهة مما يحصل به مسمى السجود، و لا تضر نجاسة مواضع الأعضاء الأخرى للسجود غير الجبهة إذا كانت نجاستها غير مسرية الى بدن المصلي أو ثيابه أو كانت مسرية و لكنها مما يعفى عنها في الصلاة.

المسألة 158

إذا صلى في النجاسة متعمدا و هو يعلم بالنجاسة و بحكمها بطلت صلاته، و كذلك إذا صلى و هو يعلم بوجود النجاسة و يجهل بأن حكمها هو النجاسة، أو ان الطهارة شرط في صحة الصلاة فتبطل صلاته على الأقوى.

و إذا صلى في النجاسة و هو لا يعلم بوجودها في ثوبه حتى أتم الصلاة صحت صلاته و لم يجب عليه قضاؤها و لا اعادتها.

المسألة 159

إذا تنجس ثوب المصلي أو بدنه و هو في أثناء صلاته و علم بحدوث النجاسة قبل ان يأتي معها بشي ء من أفعال الصلاة، فإن استطاع و هو في الصلاة ان يطهر النجاسة أو يبدل الثوب المنجس أو ينزعه إذا كان عليه ساتر سواه من غير ان يأتي بما ينافي الصلاة وجب عليه ان يفعل ذلك و يتم صلاته و كانت صحيحة على الظاهر.

و كذلك إذا علم بحدوث النجاسة في أثناء الصلاة و شك في انه اتى بشي ء من أفعال الصلاة مع النجاسة أم لا، فعليه ان يتم الصلاة بعد ان يطهر النجاسة أو يبدل الثوب أو ينزعه كما تقدم.

و ان لم يستطع ان يفعل ذلك، و كان الوقت واسعا وجب عليه ان يستأنف الصلاة مع الطهارة، و إذا كان الوقت ضيقا وجب عليه ان يتم الصلاة مع النجاسة، و الأحوط له استحبابا ان يقضيها بعد ذلك.

المسألة 160

إذا علم بنجاسة ثوبه أو بدنه و هو في الصلاة، و علم انه أتى ببعض

كلمة التقوى، ج 1، ص: 49

أفعال الصلاة مع النجاسة، فإن كان الجزء الذي أتى به مع النجاسة مما يمكن تداركه، و كان في استطاعته و هو في الصلاة ان يطهر النجاسة أو يبدل الثوب النجس بطاهر أو ينزعه إذا كان عليه ساترا آخر من غير ان يأتي بما ينافي الصلاة، وجب عليه ان يفعل ذلك و يتدارك الجزء الذي أتى به مع النجاسة و يتم صلاته، و كانت صحيحة على الظاهر.

و إذا كان الجزء مما لا يمكن تداركه، و كان الوقت واسعا بطلت صلاته فعليه اعادتها.

و إذا كان الوقت ضيقا حتى عن إدراك ركعة، فإن أمكنه تطهير النجاسة أو تبديل الثوب النجس أو نزعه

إذا كان عليه ساتر آخر من غير ان يأتي بما ينافي الصلاة فعليه ان يفعل ذلك و يتم صلاته و ان لم يمكنه ذلك لبرد أو لغيره من الضرورات أو لعدم الأمن من الناظر وجب عليه ان يتم صلاته مع النجاسة و كانت صحيحة، و ان كان الأحوط له استحبابا ان يقضيها بعد ذلك.

المسألة 161

إذا نسي نجاسة ثوبه أو بدنه فصلى فيها بطلت صلاته، سواء تذكرها في أثناء الصلاة أم بعدها، و سواء أمكن له تطهير النجاسة أو تبديل الثوب النجس أم لا، فتجب عليه الإعادة إذا كان في الوقت و القضاء إذا كان بعده، و كذلك إذا نسي حكم النجاسة أو حكم الصلاة في النجاسة فصلى فيها فتجب عليه الإعادة أو القضاء.

المسألة 162

إذا غسل ثوبه النجس بنحو علم بطهارته و صلى فيه، ثم تبين له بعد ذلك ان نجاسته لا تزال باقية، فالظاهر صحة صلاته فلا تجب عليه اعادتها و لا قضاؤها، و كذلك إذا شك في نجاسة الثوب فصلى فيه، ثم تبين له بعد الصلاة انه نجس فلا تجب عليه الإعادة إلا إذا كان عالما بأن حالة الثوب السابقة هي النجاسة، فتجب عليه الإعادة إذا كان في الوقت، و القضاء إذا كان بعده.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 50

المسألة 163

إذا نسي نجاسة شي ء فلاقاه بالرطوبة في أحد أعضائه و صلى، ثم تذكر نجاسة الشي ء و علم ان احد أعضائه قد تنجس بملاقاة ذلك الشي ء فالظاهر صحة صلاته.

نعم، إذا كان ذلك العضو من أعضاء الوضوء أو الغسل، و علم انه توضأ أو اغتسل بعد ملاقاة ذلك العضو للنجاسة حكم ببطلان طهارته و بطلان صلاته.

المسألة 164

إذا اضطر إلى الصلاة مع النجاسة و استمر به العذر الى آخر الوقت صحت صلاته معها و لم يجب عليه القضاء بعد الوقت، و إذا يئس من زوال العذر فصلى مع النجاسة في أول الوقت ثم زال العذر و الوقت باق وجبت عليه إعادة الصلاة، فإن هو لم يعدها وجب عليه القضاء بعد الوقت، و كذلك إذا اضطر الى السجود على موضع نجس فتصح صلاته مع استمرار العذر و إذا زال العذر قبل خروج الوقت أعاد الصلاة.

و إذا لم يجد ساترا غير ثوب نجس و أمكنه نزع الثوب و الصلاة عاريا فالظاهر وجوب الصلاة في الثوب النجس مع استمرار العذر كما تقدم.

المسألة 165

إذا لم يجد ساترا غير ثوبين يعلم بنجاسة أحدهما وجب عليه ان يصلي في كل واحد منهما، فان لم يتمكن الا من صلاة واحدة، صلاها بأحد الثوبين ثم قضاها بعد الوقت بثوب طاهر.

و إذا كان لديه مع الثوبين المشتبهين المذكورين ثوب طاهر تخير بين ان يصلي في الثوب الطاهر و ان يكرر الصلاة في الثوبين المشتبهين و لا يتعين عليه الأول و ان كان أحوط.

المسألة 166

إذا تكثرت أطراف الشبهة في الثياب المعلوم نجاسة بعضها كفاه ان يكرر الصلاة بمقدار يعلم بوقوع صلاة واحدة في ثوب طاهر منها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 51

المسألة 167

إذا تنجس بدن المكلف و ثوبه، و عنده من الماء ما يكفي لتطهير أحدهما فقط، فالظاهر لزوم تطهير بدنه، و إذا تنجس موضعان من بدنه تخير في تطهير أيهما شاء بذلك الماء، الا إذا كانت النجاسة في أحدهما أكثر أو أشد فيتعين، و كذلك إذا تنجس موضعان من ثوبه.

المسألة 168

إذا تنجس بدن المكلف أو ثوبه، ولديه من الماء ما يكفي لتطهير النجاسة أو لطهارته من الحدث، فان استطاع أن يتوضأ أو يغتسل و يجمع غسالة وضوئه أو غسله في إناء و شبهه فيطهر بها النجاسة تعين عليه ذلك، و ان لم يمكنه تطهر بالماء من النجاسة، و تيمم بدلا عن الوضوء أو الغسل و الأحوط استحبابا ان يطهر النجاسة أولا ثم يأتي بالتيمم بعد ذلك.

المسألة 169

إذا سجد على الموضع النجس جاهلا أو ناسيا فالأحوط لزوم الإعادة

المسألة 170

لا يجوز أكل النجس و لا المتنجس و لا شربهما، و يجوز الانتفاع بهما فيما لا يشترط فيه الطهارة.

المسألة 171

لا يجوز بيع الأعيان النجسة للاستعمال المحرم، و قد تقدم ان الأحوط المنع من بيع الميتة و العذرات النجسة مطلقا، و اما المتنجسات فيجوز بيعها إذا وجدت لها منفعة محللة يعتد بها الناس و يبذلون بإزائها المال.

المسألة 172

لا يجوز- على الأحوط- ان يكون الشخص سببا لأكل الآخرين الشي ء النجس أو المتنجس أو شربه، أو يكون سببا لاستعمالهم النجس أو المتنجس في الأعمال التي تشترط فيها الطهارة، فإذا باع شيئا نجسا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 52

أو متنجسا وجب عليه أن يعلم المشتري بالنجاسة على الأحوط، و كذلك إذا وهبه أو أجره أو أعاره، فإذا أحضر لضيفه أو لأهل بيته أو لغيرهم طعاما، ثم علم بنجاسته فالأحوط وجوب إعلامهم بل لا يخلو من قوة.

المسألة 173

لا يجب على المكلف ان يعلم الآخرين بالنجاسة إذا رآها في طعامهم أو شرابهم أو ثيابهم التي يصلون فيها و لم يكن هو السبب الذي أعد لهم تلك الأشياء النجسة.

المسألة 174

لا يجوز له ان يطعم الأطفال الأعيان النجسة أو المتنجسة أو يسقيهم إياها، و لا يجوز له- على الأحوط- ان يكون سببا لشي ء من ذلك، و لا يجب عليه منعهم منها إذا لم يكن هو السبب لها إلا في المسكرات و تناول الأعيان النجسة فالظاهر وجوب الردع.

المسألة 175

يحرم تنجيس المساجد و تنجيس بنائها و سقفها و أساطينها و أرضها و بلاطها و آلاتها، و فرشها، و يحرم إدخال النجاسة غير المتعدية إليها إذا أوجب ذلك هتك حرمة المسجد، و يجوز إدخال النجاسة غير المتعدية إذا كانت من توابع الداخل، فيجوز للمسلوس و المبطون و المستحاضة و ذي الجروح و القروح ان يدخلوا المسجد إذا كانت النجاسة في أبدانهم و ثيابهم غير متعدية، بل يستحب لهم دخوله للصلاة فيه و نحوها.

المسألة 176

يجب تطهير المساجد إذا تنجست أو تنجس شي ء من أجزائها و أدواتها و آلاتها التي أشرنا إليها في المسألة المتقدمة. حتى أطراف جدرانها الداخل منها و الخارج على الأحوط، بل لعله الأقوى إذا كانت أرض الجدار من المسجد الا ما كان الواقف قد جعله خارجا عن المسجدية فلا يجب تطهيره إذا تنجس.

و وجوب تطهير المساجد عن النجاسة فوري فلا يجوز التأخير بما ينافي الفورية عرفا. و يجب تقديمه على الصلاة إذا وجد النجاسة في

كلمة التقوى، ج 1، ص: 53

المسجد، و قد حضر وقت الصلاة، فإذا ترك إزالة النجاسة و قدم الصلاة مع سعة وقتها أثم بذلك، و ان كانت صلاته صحيحة على الأقوى، و لا يخلصه من الإثم ان يصلي في مكان آخر.

و إذا اشتغل أحد بتطهير النجاسة و كان قادرا على ذلك جاز لغيره ان يبادر إلى الصلاة، و ان لم يتم الأول عمله بل و ان لم يبدأ به ما لم يكن متراخيا في تأدية الواجب.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 1، ص: 53

و إذا كان وقت الصلاة ضيقا وجب تقديمها.

المسألة 177

إذا علم بنجاسة المسجد و هو في أثناء الصلاة وجب عليه إتمامها إذا كان ذلك لا ينافي الفورية العرفية لإزالة النجاسة، و الا أبطل صلاته مع سعة وقتها و بادر إلى إزالة النجاسة، و خصوصا إذا كان عالما بالنجاسة قبل الصلاة ثم غفل و صلى، و لكنه إذا ترك الإزالة و أتم صلاته كانت صحيحة على اى حال.

المسألة 178

وجوب إزالة النجاسة عن المسجد كفائي يعم من علم بها من المكلفين القادرين و لا يختص بمن نجسها أو كان سببا لتنجيسها، و إذا توقف تطهيره من النجاسة على مال وجب بذله إلا إذا أوجب الحرج أو الإضرار بحاله، و لا يضمنه من كان سببا للتنجيس.

المسألة 179

إذا توقف تطهير المسجد من النجاسة على حفر أرضه أو تخريب شي ء منه وجب ذلك إذا كان الحفر أو التخريب يسيرا لا يضر بالمسجد و لا يمنع من الصلاة فيه، و وجب ذلك أيضا إذا وجد متبرع بطم أرضه و تعمير خرابه و ان كان كثيرا، و الا فهو مشكل بل ممنوع.

المسألة 180

إذا استلزم تطهير المسجد من النجاسة ان يتنجس بعض المواضع الطاهرة منه، فلا مانع منه إذا طهر بعد ذلك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 54

المسألة 181

لا فرق بين المسجد العامر و غيره في الحكم، فيحرم تنجيسه إذا كان خرابا و يجب تطهيره إذا تنجس، و إذا غصب المسجد فجعل طريقا أو دارا أو غير ذلك، ففي عموم الحكم له اشكال و لا يترك الاحتياط.

المسألة 182

إذا علم بنجاسة أحد المسجدين وجب عليه تطهيرهما معا، و كذلك إذا علم بنجاسة أحد الموضعين من المسجد.

المسألة 183

إذا لم يستطع المكلف تطهير المسجد بنفسه وجب عليه ان يعلم غيره بالنجاسة إذا احتمل حصول التطهير بإعلامه.

المسألة 184

و بحكم المساجد المشاهد المشرفة فيحرم تنجيس أرضها و بنائها و بلاطها، و يحرم تنجيس القبور المعظمة و ما عليها من صناديق و أضرحة، و ثياب، و ما حولها من حرم و أروقة، و يجب تطهيرها من النجاسة- على الأحوط- و خصوصا إذا استلزم بقاؤها المهانة و ان لم توجب هتكا لحرمة المشهد.

و كذلك الحكم في المصحف الشريف فيجب تطهير ورقه و خطه إذا عرضت له النجاسة بل يجب تطهير جلده و غلافه إذا استلزم بقاء النجاسة مهانة المصحف و هي أعم من الهتك كما ذكرنا.

و تحرم كتابته بالحبر النجس، و إذا كتب به وجب محوه فإذا لم يمكن محوه وجب تطهير ظاهره.

و كذلك التربة الحسينية و تربة الرسول (ص) و سائر الأئمة (ع) المأخوذة من قبورهم فيجري فيها حكم المشاهد المتقدم.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 55

المسألة 185

وجوب تطهير المصحف كفائي يعم من علم من المكلفين القادرين، و لا يختص بمن نجسه، و إذا استلزم تطهيره صرف مال وجب بذله إلا إذا أوجب الحرج و الإضرار بحاله و لا يضمنه من نجسه كما تقدم في حكم المسجد.

الفصل الحادي عشر ما يعفى عنه في الصلاة من النجاسات
المسألة 186

الأول مما يعفى عنه في الصلاة دم الجروح و القروح حتى تبرأ، فتصح الصلاة فيه، سواء كان الدم قليلا أم كثيرا، و سواء كان في ثوب المصلي أم في بدنه، و سواء أمكن للمصلي نفسه ان يتطهر من الدم أو يبدل الثوب النجس بلا مشقة عليه في ذلك أم لا.

نعم، يشترط في العفو عنه أن يكون التطهر من الدم أو تبديل الثوب النجس مما يشق على نوع الناس و ان لم يكن شاقا على المكلف ذاته كما قلنا، فيجب التطهر منه أو تبديل الثوب إذا كان غير شاق على نوع الناس، الا إذا لزم منه الحرج على المكلف نفسه فيسقط عنه ذلك بمقدار ما يرفع الحرج.

و على هذا فيكفي في العفو عن دم الجروح و القروح وجود احدى المشقتين فيه، أما المشقة على نوع الناس، و إذا تحققت هذه حكم بالعفو عن الدم مطلقا كما ذكرنا، و اما الحرج و المشقة على المكلف خاصة، و إذا تحققت هذه حكم بالعفو عن الدم بمقدار ما يرتفع به الحرج.

المسألة 187

لا يجب منع دم الجروح و القروح عن التعدي عن محله، نعم، الأحوط شد الجرح أو القرح إذا كان شده متعارفا، و يشمل الحكم بالعفو ما يتعدى من الدم إلى أطراف موضع الجرح أو القرح التي

كلمة التقوى، ج 1، ص: 56

يتعارف تعدى الدم إليها في مثل ذلك الجرح و الى اللباس المتصل بها، و لا يشمل ما خرج عن المتعارف سواء تعدى بنفسه أو بالمسح عليه باليد أو الخرقة الملوثتين.

و لا يعفى عما ينفصل من دم الجرح أو القرح عن البدن أو الثوب، و ان عاد بعد ذلك إليهما، و إذا نزع الثوب الملوث بالدم ثم لبسه

في وقت آخر فالعفو عن الصلاة فيه لا يزال باقيا ما دام ذلك الجرح باقيا.

المسألة 188

يعفى عن القيح المتنجس الذي يخرج مع دم القروح، و عن الدواء الذي يوضع على الجرح أو القرح فيصيبه الدم، و عن العرق الذي يخرج من الموضع فيلاقي الدم أو الجرح.

و لا يعفى عن الرطوبات الخارجية التي قد تلاقي الدم أو موضع الجرح، و تتعدى إلى الأطراف فيجب التطهر منها الا إذا لزم الحرج بذلك أو الضرر.

المسألة 189

يجب تطهير اليد إذا أصابها دم الجروح أو باشر بها الموضع في مقام العلاج، و لا يشملها العفو و كذلك يجب تطهير الأطراف إذا نجسها بالمسح باليد الملوثة و كانت خارجة عن الحدود المتعارفة لذلك الجرح.

المسألة 190

لا يعفى عن دم الرعاف، و في العفو عن دم البواسير نظر، سواء كانت داخلة أم خارجة، و كذا القروح و الجروح الباطنية التي يخرج دمها الى الظاهر.

المسألة 191

إذا تعددت القروح أو الجروح و تقاربت في الموضع بحيث عدت قرحا واحدا في نظر أهل العرف لحقها حكم القرح الواحد، فإذا بري ء بعضها لم يجب تطهيره، و لم يزل العفو عنه باقيا حتى يبرأ الجميع.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 57

و إذا تباعدت مواضعها بحيث يراها أهل العرف قروحا متعددة، اختص كل واحد منها بحكم نفسه، فإذا بري ء بعضها لزم تطهير موضعه و اختص العفو بالقرح الذي لم يبرأ بعد.

المسألة 192

الثاني مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الذي يكون أقل من سعة الدرهم في بدن المصلي أو ثيابه، فتصح الصلاة فيه، سواء كان من دمه أم من دم غيره من الناس و الحيوان، و سواء كان مجتمعا أم متفرقا، و لا يشمل الحكم دم الميتة، و لا دم نجس العين، و لا دم الحيوان غير مأكول اللحم، و لا دم الحيض، بل و لا دم الاستحاضة و النفاس على الأحوط، فلا يعفى عن شي ء من ذلك، و لا يعفى عن الدم المتفرق إذا بلغ مجموعه سعة الدرهم.

و الأحوط في تحديد ذلك ان يكون قطرة بطول عقد السبابة.

المسألة 193

إذا تفشي الدم من أحد وجهي الثوب الى الوجه الآخر منه، فان كان الثوب ذا طبقات فالظاهر تعدد الدم، فإذا بلغ المجموع منه سعة الدرهم أو زاد عليه لم يعف عنه، و كذلك على الأحوط إذا كان الثوب غليظا، و إذا كان الثوب رقيقا أو متوسطا فهو دم واحد.

المسألة 194

المتنجس بالدم لا يلحقه حكم الدم، فلا يعفى عما دون الدرهم منه في الصلاة، و كذلك إذا اختلط الدم بغيره من المائعات فلا يعفى عما دون الدرهم منه.

نعم، إذا كان الدم في الثوب أو البدن أقل من الدرهم، و وقعت عليه بعض الرطوبات من عرق أو ماء أو غيرهما و لم تتعد النجاسة بذلك عن محل الدم ثم جفت الرطوبة و ذهبت عينها فالظاهر بقاء العفو عنه في هذه الصورة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 58

المسألة 195

إذا كان الدم أقل من سعة الدرهم و شك الإنسان في انه من الدم الذي يعفى عن مقداره في الصلاة أم هو من المستثنيات التي لا يعفى عنها بنى على العفو، و كذلك الحكم إذا شك في ان الدم بقدر ما يعفى عنه في الصلاة أم هو أكثر فالظاهر العفو الا ان تكون حالة الدم السابقة هي الكثرة فيستصحب عدم العفو.

المسألة 196

إذا زالت عين الدم و لم تطهر نجاسته فالظاهر بقاء حكم العفو عنه إذا كان دون الدرهم.

المسألة 197

لا يرتفع حكم العفو عن الدم إذا وقع عليه دم آخر و كان المجموع دون سعة الدرهم و ان أصبح الدم غليظا.

المسألة 198

لا يعفى عن الدم إذا وقعت عليه نجاسة أخرى و ان لم تتعد عن موضع الدم، و ان زالت عين النجاسة الثانية، بل و ان فرض عدم وصولها الى الثوب كما إذا جمد الدم فكان حائلا عن وصول النجاسة الثانية الى الثوب.

المسألة 199

الثالث مما يعفى عنه في الصلاة: ما لا تتم الصلاة فيه وحده، و المراد به ما لا يستر العورتين من الملابس، كالجورب و النعل و التكة و القلنسوة و الخاتم و السوار و الخلخال، و منه العمامة إذا خيطت بعد لفها فأصبحت كالقلنسوة فتصح الصلاة في هذا كله إذا كان نجسا، بشرط ان لا يكون متخذا من أجزاء الميتة، و لا من أجزاء نجس العين، و ان لا تكون النجاسة فيه من غير مأكول اللحم إذا كانت عينية.

المسألة 200

الرابع مما يعفى عنه في الصلاة: المحمول المتنجس، سواء كان مما

كلمة التقوى، ج 1، ص: 59

لا تتم الصلاة به منفردا كالساعة و السكين و النقود أم كان مما تتم فيه الصلاة كما إذا حمل الثوب المتنجس في جيبه فتصح صلاته على الظاهر.

و لا يعفى على الأحوط عن المحمول إذا كان متخذا من الأعيان النجسة أو مما تحله الحياة من أجزاء الميتة، و كذا إذا كان من أجزاء ما لا يؤكل لحمه و ان كان طاهرا، فلا يحمل شيئا من ذلك في الصلاة، و ان كان مما لا تتم فيه الصلاة كحافظة النقود تكون من جلد الميتة أو جلد غير المأكول.

المسألة 201

الخامس مما يعفى عنه في الصلاة ثوب الأم التي تربي طفلها إذا لم يكن لها ثوب غيره، فيصح لها ان تصلي بثوبها إذا تنجس ببول الطفل، سواء كان الطفل ذكرا أم أنثى، بشرط ان تغسل الثوب كل يوم مرة واحدة، و كذلك ذات الثياب المتعددة إذا كانت محتاجة إلى لبس الثياب جميعا دفعة واحدة لبرد أو لغيره، و ليس لهن بديل، فإذا غسلتهن مرة واحدة في اليوم صح لها ان تصلي فيهن و ان كن نجسات.

و يختص الحكم بالأم، فلا يشمل غيرها من النساء أو الرجال، و يختص بالعفو عن تنجس ثوبها ببول الطفل فلا يعفى عن تنجس بدنها بالبول، و لا يعفى عن تنجس ثوبها بغائطه و لا سائر نجاساته.

المسألة 202

الأحوط لها ان توقع غسل ثوبها نهارا و تتخير بين ساعاته، و إذا لم تغسل ثوبها في اليوم مرة فصلواتها فيه مع النجاسة باطلة على الأحوط.

و لا يعفى عن نجاسة ثوب الأم إذا كان بول الطفل متواترا إلا إذا لزم الحرج أو الضرر.

المسألة 203

السادس مما يعفى عنه: كل نجاسة في الثوب أو البدن يكون المكلف مضطرا إلى الصلاة معها إذا كان اضطراره مستمرا في جميع الوقت.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 60

المسألة 204

إذا شرب الخمر أو أكل الميتة أو الشي ء النجس مضطرا أو عامدا و لم يمكنه قيئه عفي عن نجاسته في الصلاة لأنه يصبح من البواطن، و كذلك الدم الذي يدخله في عروقه، و العظم النجس الذي يجبر به عظمه إذا اكتسى بعد ذلك لحما، و الخيط المتنجس الذي يخاط به لحمه في العمليات الجراحية إذا نبت عليه اللحم أو سترة الجلد يعفى عنها في الصلاة لأنها من البواطن، بل يعفى عنها قبل ذلك إذا كان مضطرا.

الفصل الثاني عشر في المطهرات
اشارة

و هي أمور:

[الأول من المطهرات: الماء.]
المسألة 205

الأول من المطهرات: الماء.

و هو يطهر كل متنجس يقبل التطهير، الا الماء المضاف النجس فإنه لا يطهر به الا إذا استهلك في الماء المعتصم حتى انعدمت صفة الإضافة منه و أصبح الجميع ماءا مطلقا، فإنه يحكم عليه بالطهارة، و قد تقدم بيان ذلك في المسألة السابعة. و كذلك الحكم في سائر المائعات إذا تنجست، فان الماء لا يطهرها إلا إذا استهلكت في الماء المعتصم و انعدمت أوصافها الخاصة و أصبح الجميع ماءا مطلقا.

و قد تقدم في أحكام المياه تفصيل القول في تنجس الماء و كيفية تطهيره إذا تنجس فلتراجع تلك المباحث، و لتراجع المسألة الثانية عشرة، و التاسعة عشرة و المسألة العشرون، و الثانية و العشرون على الخصوص.

المسألة 206

يشترط في حصول التطهير بالماء ان تزول عين النجاسة عن الشي ء المتنجس حتى الاجزاء الصغار منها، و لا يعتبر زوال رائحة النجاسة و لا لونها و لا سائر أوصافها إذا علم بزوال العين، فلا يضر بقاء لون الدم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 61

أو رائحة الغائط مثلا إذا زالت عينهما، الا ان يشك في زوال العين فلا تتحقق الطهارة.

و لا يعتبر ان يكون زوال النجاسة بالغسل بالماء، فإذا أزيلت عينها بمزيل آخر ثم غسل المتنجس بالماء على الوجه المطلوب تحقق التطهير.

المسألة 207

يشترط في التطهير بالماء ان يكون الماء طاهرا، و لا يضره ان يحكم بنجاسته بوصوله إلى الشي ء المتنجس إذا كان ماء قليلا فإذا تم غسله به على الوجه المطلوب حكم بطهارة الشي ء و ان أصبح الماء المغسول به نجسا، فالمراد بالشرط ان يكون الماء طاهرا قبل استعماله في التطهير و ان لا تطرأ عليه نجاسة أخرى حين الاستعمال، و على هذا فلا يصح التطهير بغسالة سائر النجاسات عدا ماء الاستنجاء كما تقدم بيانه في الماء المستعمل.

المسألة 208

يشترط في حصول التطهير بالماء ان يكون الماء مطلقا، فلا تتحقق الطهارة بالغسل بالماء المضاف و ان طرأت عليه الإضافة حين الاستعمال، فإذا تنجس الثوب المصبوغ و أريد تطهيره بالماء القليل اشترط في طهارته ان يكون الماء مطلقا حتى حال عصر الثوب من الغسالة، و نتيجة ذلك ان الماء إذا تلون بالصبغ و خرج بذلك عن الإطلاق لم تتحقق الطهارة للثوب ما دام كذلك الى أن يخف اللون بتكرر الغسل و يحصل الشرط، و ان غسل بالماء المعتصم كفى في طهارته أن يستولي الماء على جميع أجزائه و هو مطلق، و لم يضره ان يصبح الماء مضافا بعد عصره، و لا يتنجس الماء المضاف بذلك.

المسألة 209

يشكل بل يمنع تطهير القند بالماء القليل إذا تنجس ظاهره فضلا عما إذا تنجس باطنه، و كذلك السكر و الملح، و كل شي ء لا ينفذ فيه الماء حتى يكون مضافا، بل يحكم بنجاسة باطنه أيضا بوصول الماء المضاف المتنجس اليه، و يمنع كذلك تطهيره بالماء المعتصم إذا تنجس

كلمة التقوى، ج 1، ص: 62

باطنه، نعم، إذا تنجس ظاهره فقط و طهر بالماء المعتصم طهر ظاهره بمجرد استيلاء الماء عليه و لم يضره ان يكون الماء مضافا بعد ذلك و ان نفذ إلى أعماقه لأنه طاهر كما تقدم.

و إذا تنجس ظاهر النبات (و هو القطع المعروفة التي تعمل من السكر) فيمكن غسله بالماء القليل إذا علم ان الماء لا يزال مطلقا الى حين انفصال الغسالة عنه كما يمكن غسله بالماء المعتصم، و إذا تنجس باطنه فهو غير قابل للتطهير، و كل مائع يتنجس ثم يجمد فان باطنه غير قابل للتطهير.

المسألة 210

لا يعتبر ذلك الشي ء حين غسله أو فركه باليد إلا إذا توقف على ذلك زوال عين النجاسة عنه أو زوال بعض الحواجب التي تمنع وصول الماء اليه أو توقف عليه نفوذ الماء الطاهر في أعماق الشي ء المغسول سواء كان التطهير بالماء المعتصم أم بالماء القليل، و سواء كان الشي ء المغسول من الأواني أم الفرش و الثياب أم غيرها.

المسألة 211

يشترط في التطهير بالماء القليل ورود الماء على النجاسة على الأحوط، فلو جعل الماء في طشت ثم وضع فيه الثوب المتنجس في غير الغسلة المزيلة للنجاسة لم يحكم بطهارة الثوب بغسله به على الأحوط، بل حكم بنجاسة الماء و الطشت بملاقاة الثوب و إذا وضع الثوب النجس في الطشت ثم صب الماء عليه و غسل به ثم عصر الثوب و أريقت الغسالة طهر الثوب إذا كان متنجسا بغير البول.

و ان كان متنجسا بالبول غسل مرة ثانية فصب عليه الماء و غسل به ثم عصر و أخرجت الغسالة فإذا فعل ذلك طهر ذلك الثوب بالعصر و طهر الإناء بعد إخراج الغسالة بالتبعية، و لا بد من ازالة عين النجاسة قبل ذلك إذا كانت موجودة.

و إذا كان الإناء نجسا قبل غسل الثوب فيه فلا بد من ان يغسل ثلاثا على وجه يستولي الماء الطاهر في كل مرة على الثوب النجس و على جميع

كلمة التقوى، ج 1، ص: 63

الأطراف النجسة من الإناء، و يعصر الثوب و تراق الغسالة يغسل ذلك في كل مرة، فإذا تم ذلك طهر الثوب و الإناء، و إذا لم يعم الغسل أطراف الإناء النجسة بقي الموضع الذي لم يتم غسله نجسا، فإذا لاقاه الثوب بعد إخراجه من الإناء تنجس أيضا.

المسألة 212

يشترط في التطهير بالماء القليل ان تنفصل الغسالة عن الشي ء المغسول على الوجه المتعارف، فإذا كان الشي ء مما لا ينفذ فيه الماء كجسد الإنسان، فغسالته التي يعتبر انفصالها هي ما كان من الماء في معرض الانفصال بالفعل عن الشي ء المغسول، فبقية الماء التي يتأخر انفصالها عن الجسم و هي في طريقها الى الانفصال بالفعل تكون من الغسالة التي لا يتحقق الطهر الا بانفصالها،

و ان انفصل قبلها غالب الماء.

و إذا كان الشي ء مما ينفذ فيه الماء كالثياب و الفراش و الوسائد و نحوها، فلا بد من إخراج الغسالة منه على الوجه المتعارف في مثله بالعصر أو ما يقوم مقامه من الضغط أو التثقيل عليه أو دوسه بالرجل و نحو ذلك، و لا تكفي- على الأحوط- متابعة صب الماء عليه حتى يخرج الماء الأول.

و إذا كان الشي ء مما يرسب فيه الماء و لا يقبل العصر كالصابون و الطين و الخزف و الخشب و الخبز فالأحوط أن يطهر بالماء المعتصم، سواء تنجس ظاهره أم باطنه، و إذا وجدت عين النجاسة في باطنه كأجزاء البول مثلا فلا بد من تجفيفه أولا أو إبقائه في الكثير أو الجاري مدة حتى يعلم بزوال أجزاء النجاسة و غلبة الماء الطاهر عليها.

و لا يبعد إمكان تطهيره بالماء القليل أيضا إذا زالت عنه عين النجاسة بالتجفيف و غلب الماء الطاهر على جميع أجزائه المتنجسة فأزال قذارتها، و لكن إحراز غلبة الماء الطاهر عليها مشكل فالأحوط الاقتصار في تطهيره على الماء المعتصم في صورة تنجس باطنه، فضلا عن صورة وجود أجزاء النجاسة فيه، و كذلك الحكم في الأرز و الماش و سائر الحبوب إذا تنجست، و إذا نفذ فيها الماء النجس، و في اللحم إذا طبخ بالماء النجس أو تنجس

كلمة التقوى، ج 1، ص: 64

بعد طبخه فالأحوط الاقتصار في تطهيرها جميعها على الماء المعتصم في صورة تنجس باطنها فضلا عن صورة وجود الماء النجس فيها.

المسألة 213

يشترط في تطهير نجاسة البول بالماء القليل تعدد الغسل، من غير فرق بين الثوب و البدن و الفراش و الأرض و غيرها، و سواء كان بول انسان أم حيوان، و سواء

كان الإنسان مسلما أم كافرا، و سواء كان الحيوان طاهرا أم نجس العين، فلا بد من غسل المتنجس به مرتين، و لا تعد الغسلة المزيلة للنجاسة منهما، و ان استمر في الصب بعد زوال عين النجاسة على الأحوط في هذه الصورة.

و يستثنى من ذلك بول الرضيع غير المتغذي بالطعام إذا كان ذكرا فيكفي في التطهير منه الصب عليه مرة واحدة على وجه يستولي الماء الطاهر على جميع اجزاء النجس بحيث يوجب زوال عين النجاسة أو استهلاكها في الماء الطاهر، و لا يعتبر فيه التعدد و لا يعتبر العصر و ان كان أحوط.

و لا يعتبر التعدد في تطهير غير البول من النجاسات في ما عدا الأواني و سيأتي بيان حكمها ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 214

المدار في استثناء بول الرضيع من الحكم المذكور ان يكون الطفل رضيعا ذكرا غير معتاد للتغذي بالطعام، فيكفي الصب مرة في بول الطفل الرضيع غير المعتاد للطعام و ان تجاوز الحولين و لا ينافي ذلك ان يتغدى بالطعام نادرا.

و لا يستثنى بول الأنثى على الأحوط و لا بول الرضيع الذكر إذا اعتاد الغذاء بالطعام و ان كان في الحولين، و لا يستثنى بول الرضيع إذا كان اللبن الذي يتغذى به لبن كافرة، و لا بول الطفل المتولد من كافرين، و لا بول الطفل المغتذي بلبن الحيوان أو باللبن الصناعي على الأحوط في ذلك كله.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 65

المسألة 215

يشترط تعدد الغسل في الأواني إذا تنجست و أريد تطهيرها بالماء القليل.

فإذا تنجس الإناء بغير الولوغ و ما هو بحكمه وجب غسله ثلاث مرات بحيث يستولي الماء الطاهر في كل مرة على جميع الأطراف النجسة من الإناء ثم تراق الغسالة، و هكذا حتى يتم غسله ثلاث مرات، و لا تعد الغسلة المزيلة للنجاسة كما تقدم في المسألة السابقة و ان استمر الصب بعد زوال عين النجاسة على الأحوط.

و إذا تنجس الإناء بولوغ الكلب فيه و هو شربه بلسانه من الماء أو المائع الموجود فيه، وجب تعفيره بالتراب أولا فيمزج التراب الطاهر بمقدار من الماء و يغسل به جميع أطراف الإناء النجسة ثم يزال أثره بالماء ثم يغسل بعد ذلك بالماء مرتين. و كذلك الحكم إذا لطع الإناء بلسانه من غير شرب أو صب فيه ماء الولوغ أو وقع فيه لعاب فم الكلب على الأحوط.

و إذا تنجس الإناء بشرب الخنزير فيه وجب غسله سبع مرات، و كذلك الحكم إذا وجد فيه بالجرذ ميتا فيجب غسله سبعا و

الجرذ هو الكبير من الفأرة البرية.

المسألة 216

إذا تنجس الإناء فيمكن تطهيره بالماء القليل بأن يملأ ماءا ثم يفرغ منه ثلاث مرات أو يجعل فيه الماء ثم يدار فيه باليد أو بآلة غيرها حتى يصل الى جميع أطرافه ثم يخرج منه ماء الغسالة يفعل ذلك ثلاث مرات.

و يمكن ان يصب الماء عليه و يبتدئ بالأعلى مستديرا على جميع أطرافه الى أن ينتهي إلى الأسفل، أو يبتدئ بالأسفل منه مستديرا كذلك حتى ينتهي إلى الأعلى ثم تخرج الغسالة، يصنع كذلك ثلاث مرات.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 66

و إذا كان المتنجس حوضا أو من الأواني الكبيرة المثبتة أخرجت الغسالة منه بنزح و نحوه، و الأحوط تطهير آلة إخراج الغسالة كل مرة، كما ان الأحوط ان يبادر إلى إخراج الغسالة بعد كل غسلة.

و لا يضر وقوع بعض القطرات من ماء الغسالة في الحوض أو الإناء بسبب النزح كما لا يضر الفصل بين الغسلات الثلاث.

المسألة 217

لا تجب الموالاة بين الغسلات في ما يجب فيه تعدد الغسل، فإذا غسل الثوب المتنجس بالبول مرة في اليوم و غسله مرة أخرى في اليوم الثاني كفى في طهارته، و كذلك الإناء المتنجس إذا غسله ثلاثا في كل يوم مرة.

و تجب المبادرة العرفية- على الأحوط- في إخراج الغسالة عن الشي ء المغسول بالماء القليل، فإذا غسل الثوب المتنجس بالماء القليل فلا بد من المبادرة إلى عصره، و إذا غسل الإناء أو الحوض المتنجس بالماء القليل فلا بد من المبادرة إلى إخراج غسالته بالافراغ أو النزح على الأحوط كما تقدم.

المسألة 218

لا يكفي غير التراب عنه في تطهير الإناء من ولوغ الكلب فيه، فلا يكفي تعفيره بالرماد أو الأشنان أو نحوهما، و في تعفيره بالرمل اشكال.

و لا بد من أن يكون تراب التعفير طاهرا قبل استعماله فلا يكفي إذا كان نجسا، و لا بد من ان يكون تعفير الإناء بالتراب قبل غسله بالماء فإذا غسله قبل التعفير لم يطهر.

المسألة 219

إذا ولغ الكلب في الإناء أكثر من مرة كفى في تطهيره ان يعفر مرة واحدة، و كذا إذا ولغ في الإناء، أكثر من كلب واحد.

المسألة 220

لا يختص حكم التعفير من ولوغ الكلب بالظروف، بل يعم الأواني

كلمة التقوى، ج 1، ص: 67

و غيرها مما يكون فيه فضل الكلب يعني سؤره الباقي بعد ولوغه- كما في صحيحة أبي العباس- و هي دليل الحكم في المسألة.

فإذا اجتمع الماء على قطعة حجر أو قطعة حديد أو نحاس و نحوها فولغ منه الكلب لم يطهر الا بالتعفير و كذلك إذا ولغ من حوض صغير.

نعم لا يشمل الحكم مثل الأرض و الحصر و الثياب و شبه ذلك مما لم تجر العادة بتنظيفه بالتراب، فإذا اجتمع عليها شي ء من الماء فولغ منه الكلب لم يجب تعفيره.

المسألة 221

لا يطهر الإناء المتنجس بالولوغ إلا إذا صدق في نظر العرف انه غسله بالتراب، فإذا كان الإناء ضيقا فان صدق ذلك بأن وضع فيه مقدارا من التراب و مزجه بمقدار من الماء ثم حركة في الإناء حتى وصل الى جميع أطرافه ثم أزال أثره بالماء كفى و غسله بعد ذلك بالماء مرتين كما تقدم، و إذا لم يمكن ذلك بقي الإناء على نجاسته.

المسألة 222

ماء الغسالة قبل انفصاله من الشي ء المغسول لا ينجس ما يجرى عليه من الموضع الطاهر المتصل بموضع الغسل، فإذا غسل الموضع النجس من الثوب، لم ينجس الموضع المتصل به من الثوب و ان وصل اليه ماء الغسالة، و كذلك في البدن و غيرهما، فإذا انفصل ماء الغسالة من الشي ء نجس ما يلاقيه.

المسألة 223

إذا طهر الشي ء المتنجس بالماء المعتصم لم يجب انفصال ماء الغسالة عنه، فلا يجب عصره إذا كان مما يعصر كالثياب و الفرش و الوسائد، و لا يلزم إخراج الغسالة عنه إذا كان اناء أو حوضا، و لا يجب فيه التعدد إذا كان مما يجب تعدد غسله في الماء القليل كالمتنجس بالبول و الأواني المتنجسة، نعم لا بد من تعفيره بالتراب قبل غسله بالماء المعتصم إذا كان متنجسا بولوغ الكلب و قد تقدم بيان ذلك في المسألة الثامنة و الأربعين و المسألة السابعة و الخمسين.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 68

و إذا تنجس باطنه كفى في تطهيره ان يبقى في الماء المعتصم حتى يستولي الماء الطاهر على جميع الأجزاء النجسة منه، و إذا وجدت عين النجاسة في باطنه كأجزاء البول مثلا فلا بد من تجفيفه أولا أو إبقائه في الماء المعتصم مدة حتى يعلم بزوال أجزاء النجاسة و غلبة الماء الطاهر عليها، فإذا شك في زوال أجزاء النجاسة من باطنه بنى على انها لا تزال باقية.

و كذلك إذا شك في وصول الماء الطاهر الى الأجزاء النجسة في الباطن بنى على عدم وصوله إليها و حكم ببقاء النجاسة.

المسألة 224

التنور المتنجس يمكن تطهيره بصب الماء الطاهر على أعلى موضع النجاسة حتى يعم الموضع كله الى تحت و تبقى أرض التنور نجسة باجتماع الغسالة فيها، و يمكن ان يحفر لها قبل ذلك حفره في أرض التنور، فإذا اجتمعت الغسالة فيها و جفت طمها بتراب أو طين طاهر، و إذا تنجس التنور كله صب الماء عليه من الأعلى مستديرا حتى يعم جميع أجزائه إلى الأسفل و صنع بالغسالة كما تقدم، و إذا تنجس بالبول غسله كذلك مرتين.

و كذلك الأرض الصلبة إذا

تنجست بغير البول و اجرى عليها الماء حتى استولى على موضع النجاسة حكم بطهارتها، و بقي موضع الغسالة نجسا إذا لم تنفصل إلى بالوعة و نحوها أو يحفر لها حفرة ثم تطم، و إذا تنجست بالبول أجرى عليها الماء مرتين.

و يكفي في انفصال الغسالة ان ترسب في أعماق الأرض إذا كانت رخوة بحيث تعد الغسالة غير متصلة بالظاهر عرفا فيطهر الظاهر و يبقى الباطن نجسا.

و إذا كان التطهير بماء الأنابيب المتعارفة أو بماء معتصم آخر طهر التنور و الأرض بإجرائه على موضع النجاسة و لم يحتج الى تعدد و لم يحكم بنجاسة الغسالة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 69

المسألة 225

إذا تنجست النعل و غسلت بالماء القليل فلا بد من عصرها إذا كان الجلد أو الخيوط رخوة يرسب فيها الماء، و لا يحتاج الى ذلك إذا غسلت بالماء الكثير.

المسألة 226

الذهب و الفضة و ما سواهما من الفلزات إذا أذيبت و صبت في الماء النجس لم يحكم بنجاسة باطنها حتى يعلم بانتشار أجزائها حين الملاقاة بل يحكم بنجاسة ظاهرها فحسب، فيلزم تطهير ظاهرها إذا أريد استعمالهما.

و إذا كان متنجسا فأذيب تنجس ظاهره و باطنه، و كان باطنه غير قابل للتطهير، فإذا طهر ظاهره صح استعماله حتى في الطبخ إذا كان من النحاس مثلا. و يجب تطهيره كلما شك في بروز جزء من باطنه بالاستعمال.

المسألة 227

ما يصوغه الكافر من الحلي لا يحكم بنجاسته حتى يعلم بأن الكافر لاقاه مع الرطوبة المسرية، فإذا علم بذلك و أريد استعماله لزم تطهير ظاهره.

و إذا كان متنجسا فأذيب حكم بنجاسة باطنه و ظاهره و كان باطنه غير قابل للتطهير كما تقدم، فإذا طهر ظاهره صح استعماله، و لكن يجب تطهيره كلما شك في صيرورة الباطن ظاهرا بالاستعمال كما تقدم.

المسألة 228

اللحوم و الشحوم يمكن تطهيرها بالماء الكثير و بالماء القليل إذا أجرى عليها على الوجه المطلوب فاستولى عليها الماء الطاهر ثم أريقت الغسالة، و لا تمنع دسومتهما من تطهيرهما إلا إذا تكاثفت الدسومة فكانت جرما حائلا و كذلك اليد الدسمة إذا تنجست.

المسألة 229

إذا كثف شعر الرأس أو شعر اللحية و أريد تطهيره بالماء القليل فلا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 70

بد من عصره، بل لا بد من عصره مع الشك في انفصال الماء عنه بغير عصر.

المسألة 230

إذا طهر الثوب المتنجس ثم وجد فيه بعد غسله بعض الطين أو الصابون أو دقائق الأشنان لم يضر ذلك في طهارة الثوب، إلا إذا علم بعدم نفوذ الماء في أعماق الثوب أو شك فيه، كما إذا كان الطين لاصقا في كلا وجهي الثوب، اما نفس الطين و الصابون و الأشنان إذا كان متنجسا فتتوقف طهارته على نفوذ الماء المعتصم فيه كما تقدم و الا طهر ظاهره فحسب.

المسألة 231

تطهر اليد بالتبع إذا طهر بها الشي ء المتنجس، و كذلك الطشت أو الإناء الذي يغسله فيه و سائر آلات التطهير إذا وجدت، كالخشبة التي يدق بها الفراش لإخراج غسالته، و الحجر الذي يثقله به، فلا تحتاج الى غسل آخر، و لا يحتاج الإناء الى تثليث الغسلات. نعم إذا كان الإناء نجسا قبل الاستعمال فلا بد من الغسل ثلاث مرات لكل من الظرف و المظروف المغسول فيه.

[الثاني من المطهرات: الأرض.]
المسألة 232

الثاني من المطهرات: الأرض.

و هي تطهر باطن القدم، و أسفل النعل من النجاسة التي تعرض لهما بسبب المشي على الأرض، كما إذا وطأ على أرض متنجسة بالبول أو الدم، أو وطأ على عذرة أو ميتة ملقاة في الأرض، و كما إذا دميت قدمه بجرح منها، فإذا مشى بعد ذلك على أرض طاهرة جافة أو مسح قدمه أو نعله المتنجسة بها حتى زالت عنهما عين النجاسة أو عين المتنجس حكم بطهارتهما و إذا زالت عنهما العين قبل ذلك أو لم يكن فيهما عين كفى في طهارتهما مسمى المشي على الأرض أو المسح بها، و يراد بالأرض هنا مطلق ما يسمى أرضا سواء كانت حجرا أم مدرا أم ترابا أم رملا، بل تكفي إذا كانت مفروشة بالحجر أو كانت جصا أو نورة غير مطبوخين.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 71

و لا تكفي إذا كانت معبدة بالقير أو الزفت، أو مفروشة بالخشب، و لا تكفي- على الأحوط- إذا كانت مفروشة بالآجر أو الجص أو النورة المطبوخين.

و لا يكفي في تطهير القدم أو النعل المتنجسين مجرد مماستهما الأرض و لا مسح التراب عليهما.

المسألة 233

يشترط في تطهير الأرض لأسفل القدم و النعل ان تكون الأرض طاهرة و جافة، فلا تطهرهما الأرض النجسة و ان كانت جافة. و لا الرطبة و ان كانت طاهرة، نعم لا تمنع الرطوبة اليسيرة التي لا تنافي صدق اليبوسة.

و الأحوط الاقتصار في الحكم بالتطهير على النجاسة التي تعرض للقدم أو النعل بسبب المشي على الأرض، فلا تطهرهما من النجاسة التي تصيبهما بغير ذلك السبب.

المسألة 234

يشترط في تطهيرها زوال عين النجاسة أو عين المتنجس التي علقت بالقدم أو النعل فتنجس بها، فإذا وطأ على عذرة أو دم مثلا فلا بد من زوال عينهما، و كذلك إذا وطأ على طين أو تراب متنجس بالبول، و المدار ان تزول العين إذا كانت موجودة، و لا يضر بقاء الأثر و الأجزاء الدقيقة التي لا تزول الا بالماء.

المسألة 235

يلحق بباطن القدم و أسفل النعل حواشيهما التي يتعارف وصول التراب و الطين إليها في المشي العادي، فإذا أصابتها نجاسة بسبب المشي، فمشى على الأرض أو مسحها بها حتى أزال عين النجاسة حكم بطهارتها.

و كذلك ما بين أصابع القدم فإذا تنجس بسبب المشي، ثم زالت عين النجاسة عنه بالمشي أو المسح فالظاهر طهارته بذلك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 72

و كذلك أخمص القدم إذا لامس الأرض بالمشي أو المسح، فالمدار في طهارة أجزاء القدم إذا تنجست على وصولها إلى الأرض بالمشي أو المسح فيطهر منها ما يصل الى الأرض حتى تزول منه عين النجاسة و يبقى الآخر الذي لم يلامسها على نجاسته.

و لا يعم الحكم- على الأحوط- الركبتين و اليدين في المقعد الذي يمشي عليها، و لا يشمل نعل الدابة و لا أسفل عصا الأعرج و خشبة الأقطع.

و يشكل إلحاق ظاهر القدم بباطنه في من كان يمشي عليه لاعوجاج رجله فلا يترك الاحتياط فيه.

و يشمل الحكم جميع أنواع النعل و أصنافه، سواء اتخذ من الجلد أم من الخشب أم من القطن أم من المواد الصناعية المتعارفة في هذا الزمان و يشكل الحكم في الجورب حتى إذا تعارف لبسه بدلا عن النعل.

المسألة 236

إذا شك في طهارة الأرض و هو يعلم انها كانت طاهرة سابقا بنى على طهارتها فتكون مطهرة لنجاسة النعل و القدم، و كذلك إذا لم يدر بأن الأرض كانت نجسة سابقا أو طاهرة، و إذا علم بأنها كانت نجسة سابقا حكم بنجاستها فلا تكون مطهرة لهما.

المسألة 237

إذا علم بوجود النجاسة أو المتنجس في القدم أو في النعل لم يحكم بطهارتهما حتى يعلم بأن عين النجاسة قد زالت بالمشي أو المسح، و كذلك إذا شك في وجود العين، فلا بد ان يمشي أو يمسح حتى يعلم بزوال العين على تقدير وجودها و خصوصا مع احتمال الحيلولة.

المسألة 238

لا يحكم بطهارة النعل أو القدم حتى يعلم بأن ما يطأ عليه أرض، فإذا شك في أنه أرض أو غيرها لوجود ما يمنعه من الرؤية لم يحكم بطهارتهما بالمشي عليه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 73

المسألة 239

إذا وطأ على أرض نجسة فنفذت النجاسة إلى باطن النعل ثم مشى على أرض طاهرة حكم بطهارة أسفل النعل الملاصق للأرض، و لم يطهر باطن النعل الذي نفذت فيه النجاسة.

[الثالث من المطهرات: الشمس.]
المسألة 240

الثالث من المطهرات: الشمس.

و هي تطهر الأرض و ان كانت معبدة بالقير أو الزفت أو مفروشة بالحجر أو الجص أو غيرهما، و تطهر أجزاء الأرض التابعة لها كالحصى و الرمل و المدر و التراب، ما دامت على الأرض و غير منفصلة عنها، و تطهر الأشياء غير المنقولة كالأبنية و الأشجار و الزروع و النبات و ما تشمل عليه الأبنية من جدران و سطوح، و سقوف و أبواب و أعتاب، و سلالم و أخشاب و حديد و غيرها و ما يتصل بالشجر و الزرع و النبات من أوراق و ثمار و حبوب ما دام متصلا بها و ان فات أو ان قطع ما يقطع منها و حصاد ما يحصد، فالشمس تطهر هذه كلها من النجاسات و المتنجسات كافة على الأقوى.

المسألة 241

يشترط في تطهير الشمس الأرض و الأشياء غير المنقولة مضافا الى زوال عين النجاسة و المتنجس منها، ان تكون هذه الأشياء رطبة رطوبة متعدية إلى الكف إذا لامستها، و ان تشرق عليها الشمس حتى تذهب رطوبتها و تيبس.

فلا يكفي في طهارتها ان تشرق الشمس عليها و هي جافة، و لا يكفى ان تجف رطوبتها و لا تيبس، و لا يكفي ان تيبس رطوبتها بغير إشراق الشمس كما إذا يبست بحرارة الهواء أو بشدة الريح أو غير ذلك، و لا يكفي ان تيبس رطوبتها بحرارة الشمس من غير إشراق عليها أو بالإشراق عليها من وراء الزجاج أو من وراء الغيم، أو بالتعاكس في مقابلة مرآة و شبهها، و لا يضر وجود الغيم الرقيق و لا الريح اليسير.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 74

المسألة 242

إذا تنجست هذه الأشياء و كانت جافة، فيمكن ان يصب عليها ماء طاهر أو نجس حتى تكون رطبة، فإذا أشرقت عليها الشمس حتى يبست حكم بطهارتها.

المسألة 243

إذا كان كل من ظاهر الأرض و باطنها نجسا بحيث كانت نجاستها متصلة، و كانا رطبين بحيث كانت رطوبتهما متصلة كذلك، ثم أشرقت الشمس على الظاهر حتى أيبست كلا من الظاهر و الباطن حكم بطهارة الجميع، من غير فرق بين ان يكون الظاهر و الباطن متحدين في النوع أو مختلفين ما داما يعدان جزءين من الأرض، فإذا كان ظاهر الأرض حصى أو كانت معبدة بالقير أو مفروشة بالحجر مثلا، و كان الباطن رملا أو حديدا أو غيرهما، فان الباطن يطهر بالإشراق على الظاهر مع الشروط المتقدم ذكرها، و كذلك الحكم في غير الأرض مما لا ينقل.

و لا يطهر الباطن بإشراق الشمس على الظاهر إذا كان الباطن وحده هو النجس أو كانت النجاسة فيهما أو الرطوبة غير متصلة، أو كان يبس الظاهر في وقت و يبس الباطن في وقت آخر مثلا، و لا يطهر الباطن بإشراق الشمس على الظاهر إذا كانا متعددين متلاصقين، و يشكل الحكم بطهارة الوجه الداخلي من الجدار بالإشراق على الوجه الخارج منه، و ان كان الجدار كله نجسا و رطبا و تحقق اليبس في كلا الوجهين معا.

المسألة 244

لا تطهر الشمس الأشياء المنقولة إذا تنجست حتى الحصر و البواري على الأقوى، نعم، إذا كانت الحصر أو البواري جزءا مما لا ينقل كالأبنية المتخذة من القصب، و كما إذا اتخذت سقفا لبعض البيوت، جرى فيها الحكم و طهرتها الشمس إذا اجتمعت فيها الشروط.

المسألة 245

يلحق الحصى و المدر و الرمل و التراب و الأحجار حكم الأرض ما دامت

كلمة التقوى، ج 1، ص: 75

عليها بحيث تعد من أجزائها في نظر العرف كما تقدم، فإذا انفصلت عنها لحقها حكم المنقول فلا تطهرها الشمس، بل و كذلك إذا جمعت في موضع من الأرض لتنقل الى غيره و ان لم تنقل بعد، و كذلك المسمار و الوتد الثابتان في الأرض أو في الجدار، و الظروف المثبتة فيها، فان الحكم المذكور يلحقها ما دامت ثابتة غير منقولة، فإذا تنجست أمكن تطهيرها بالشمس، و إذا قلعت من مواضعها لحقها حكم المنقول الا ان تثبت مرة أخرى.

المسألة 246

لا يحكم بطهارة الأرض أو الشي ء المتنجس الآخر حتى يعلم بوجود الشروط المعتبرة في تطهير الشمس، فإذا شك في زوال عين النجاسة عن الشي ء بعد العلم بوجودها لم يحكم عليه بالطهارة، و كذلك إذا شك في وجود الرطوبة في الموضع حال يبسه بإشراق الشمس عليه، أو شك في إشراق الشمس على الموضع النجس لعروض بعض الموانع منه، أو شك في يبس الموضع بإشراق الشمس عليه أو شك في ان يبوسة الموضع كانت بسبب إشراق الشمس عليه أو بسبب آخر فلا يحكم بطهارة الشي ء المتنجس في جميع ذلك.

[الرابع من المطهرات: الاستحالة.]
المسألة 247

الرابع من المطهرات: الاستحالة.

و هي ان يتبدل الجسم إلى شي ء آخر، فيطهر الجسم النجس أو المتنجس إذا أحالته النار رمادا أو دخانا أو بخارا، و كذلك ما يستحيل بخارا بغير النار، بل و ما يستحيل رمادا أو دخانا بغيرها كما قد يتفق ببعض الوسائل الحديثة فتفعل فيه ما تفعله النار.

و كذلك الكلب و غيره من الميتات إذا استحال ملحا، و العذرة النجسة إذا صارت دودا أو ترابا، و النطفة النجسة إذا أنشئت إنسانا أو حيوانا طاهرا.

المسألة 248

من الاستحالة المطهرة أن يشرب الحيوان المأكول اللحم ماء نجسا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 76

فيصبح بولا له أو عرقا أو لعابا، و من الاستحالة المطهرة ان يأكل الحيوان المأكول اللحم غذاءا نجسا أو متنجسا، فيصير خرءا له أو لبنا، أو يصبح جزءا من لحمه و شحمه، و من الاستحالة المطهرة ان يسقى الشجر أو الخضروات أو النباتات ماء نجسا، أو يسمد بالميتة أو العذرة فتصير جزءا من حاصلاتها و ثمارها.

المسألة 249

إذا استحال الشي ء النجس أو المتنجس بخارا حكم بطهارته كما تقدم، فإذا استحال البخار عرقا فهو محكوم بالطهارة كذلك، الا ان يكون العرق فردا من تلك الحقيقة التي استحال عنها، بحيث تترتب عليها أثارها و خواصها، فيحكم بنجاسته كما في الخمر فإنه بعد ان يستحيل بخارا بالتصعيد ثم يصير عرقا يكون مسكرا كأصله.

المسألة 250

لا يطهر الطين النجس إذا صيرته النار خزفا أو آجرا، و لا يطهر ما صيرته جصا أو نورة، و في طهارة الخشب النجس إذا صيرته النار فحما اشكال.

[الخامس من المطهرات: انقلاب الخمر خلا.]
المسألة 251

الخامس من المطهرات: انقلاب الخمر خلا.

فإنه يوجب طهارتها و حلها، سواء انقلبت خلا بنفسها أم بعلاج كما إذا ألقي فيها شي ء طاهر يوجب انقلابها خلا من غير فرق بين ان يستهلك ذلك الشي ء الذي يلقى فيها أو يبقى على حاله، فتطهر هي و يطهر الشي ء الملقى فيها إذا كان باقيا على حاله.

المسألة 252

إذا وقع في الخمر بعض النجاسات الأخرى أو لاقت شيئا منها في حال كونها خمرا، أو وضعت في إناء تنجس بغيرها، ثم انقلبت خلا لم يحكم بطهارتها على الأحوط، و خصوصا إذا كانت النجاسة الخارجية التي وقعت فيها أو التي لاقتها أشد حكما من الخمر كالبول و الولوغ، و كذلك

كلمة التقوى، ج 1، ص: 77

العنب و التمر إذا كانا نجسين ثم صارا خمرا، فان هذه الخمر لا تطهر بانقلابها خلا على الأحوط.

المسألة 253

إذا نش عصير العنب أو غلى بنفسه أو بحرارة الشمس أو الهواء حكم بنجاسته على الأحوط فإذا انقلب بعد ذلك خلا حكم بطهارته، و لا يطهر بغير ذلك، و كذلك عصير الزبيب إذا نش أو غلى بنفسه أو بحرارة الشمس أو الهواء كما تقدم بيان ذلك في المسألة المائة و العشرين و ما بعدها.

المسألة 254

لا يطهر بالانقلاب شي ء من المتنجسات و لا شي ء من النجاسات غير الخمر و العصير كما تقدم، و لا يطهر الخمر و لا العصير بانقلابهما الى غير الخل، و يشترط في العصير ان لا يلاقي نجاسة أخرى، فإذا وقعت فيه نجاسة أو لاقى نجسا غير الخمر، أو كان العنب أو الزبيب متنجسا قبل ذلك لم يطهر العصير بانقلابه خلا، و كذلك التمر المتنجس لا يطهر عصيره بصيرورته خلا.

المسألة 255

لا تطهر الخمر و لا تزول حرمتها إذا زال منها سكرها، بنفسها أو بإلقاء مادة ترفع منها السكر الا ان تنقلب خلا.

المسألة 256

لا ينجس عصير العنب إذا غلى بالنار و لكنه يكون حراما، و يحل بذهاب ثلثيه بالغليان بالنار كذلك، و لا يكفي ذهاب ثلثيه بالغليان بغير النار كما إذا غلى بالشمس أو بحرارة الهواء بل يكون بذلك نجسا كما تقدم.

اما عصير الزبيب فلا ينجس و لا يحرم إذا غلى بالنار على الأقوى.

و كذلك العنب إذا غلى بالنار من غير أن يعصر، و كذا- نفس الزبيب و الكشمش و التمر و دبسه فلا تحرم بالغليان و قد تقدم بيان ذلك في المسألة المائة و الثانية و العشرين.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 78

[السادس من المطهرات: الانتقال]
المسألة 257

السادس من المطهرات: انتقال دم الإنسان أو الحيوان ذي النفس السائلة إلى جوف حيوان لا نفس له، بحيث، يصبح الدم مضافا الى هذا الحيوان، كدم الإنسان يمتصه البق أو البرغوث أو القمل فيقال له بعد ذلك دم البق أو البرغوث.

و لا يكون الانتقال مطهرا حتى تصح هذه الإضافة في نظر أهل العرف، فإذا علم بأنه لا يزال دم الإنسان، أو شك في صيرورته دم ما لا نفس له سائلة لم يحكم عليه بالطهارة، كالدم الذي يمتصه العلق من الإنسان، و كالدم الذي يمتصه البق فيقتله الإنسان قبل ان تعلم اضافة الدم إليه.

المسألة 258

لعل من الانتقال الموجب للطهارة ما يشربه الحيوان المأكول اللحم من البول أو الماء النجس فيستقر في أمعائه قبل ان يستحيل بولا للحيوان أو عرقا له أو لعابا، و ما تمتصه جذور الشجر و النبات من البول أو الماء النجس فيجري في عروقه و أصوله قبل ان يستحيل اجزاء له، و على اي حال فلا إشكال في طهارته في كلا الموردين.

[السابع من المطهرات: الإسلام]
المسألة 259

السابع من المطهرات الإسلام، و هو يوجب طهارة بدن الكافر الذي يدخل في الإسلام من نجاسة الكفر، و طهارة ما يتبع بدنه من رطوباته المتصلة به كالعرق و الدمع و فضلات الفم و الأنف، و الوسخ في بدنه.

و لا تطهر النجاسة الخارجية التي أصابت بدنه حال الكفر و ان زالت عينها منه قبل إسلامه.

و لا تطهر- على الأحوط- ثيابه التي لاقت بدنه مع الرطوبة المسرية حال كفره، و خصوصا إذا لاقاها مع الرطوبة كافر آخر، كما إذا غسلها بيده بعض ذويه من الكفار، و يتبعه في الطهارة ولده غير المميز.

المسألة 260

يطهر بالتوبة و الرجوع الى الإسلام بدن المرتد، و ان كان ارتداده

كلمة التقوى، ج 1، ص: 79

عن فطرة على الأقوى، و تقبل عباداته، و ان ثبتت في حقه أحكام المرتد الفطري و وجب تطبيقها مع الإمكان فلا تسقط هذه الأحكام بالتوبة، فيجب قتله و تبين منه زوجته، و على الزوجة ان تعتد منه عدة الوفاة، و تنتقل أمواله الموجودة حين ردته الى ورثته.

المسألة 261

يقبل إسلام الصبي إذا كان مميزا عاقلا، و تترتب عليه احكامه، و ان كان أبواه كافرين حيين، و تراجع المسألة المائة و الخامسة عشرة، و المائة و السادسة عشرة.

المسألة 262

إذا أظهر الإنسان الشهادتين اجري حكم الإسلام العام عليه و ان علم بنفاقه الا ان يظهر ما يخالف الإسلام.

[الثامن من المطهرات: التبعية.]
المسألة 263

الثامن من المطهرات: التبعية. و هي ان تثبت الطهارة لبعض الأشياء بتبع غيرها، و الثابت من هذا عدة موارد:

(1): إذا أسلم الكافر حكم بطهارة رطوباته المتصلة به تبعا لطهارة بدنه، كعرقه و فضلات فمه و انفه، و الوسخ الموجود في بدنه.

(2): إذا أسلم الكافر تبعه في الطهارة ولده غير المميز سواء كان المسلم هو الأب أو الجد للأب أو الأم، و اما الولد المميز العاقل فإن أظهر الإسلام حكم بإسلامه، و طهارته مستقلا كما تقدم، و ان هو أظهر الكفر أو لم يعترف بالإسلام فالأقوى فيه النجاسة.

(3): إذا انقلبت الخمر خلا حكم بطهارتها و حكم بطهارة ظرفها بالتبع، و كذلك عصير العنب و الزبيب إذا غلى أو نش بغير النار فإنه يكون بذلك نجسا على الأحوط كما تقدم في المسألة المائتين و الثالثة و الخمسين، فإذا انقلب خلا حكم بطهارته و طهارة الإناء الذي يحتويه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 80

(4): إذا غسل الميت المسلم على الوجه المطلوب حكم بطهارته، و حكم بطهارة الثوب الذي يغسل فيه أو الخرقة التي تستر بها عورته، و يد الغاسل الذي يقبله و يستظهر بها وصول الماء الى غوامض بدنه، و السدة التي يغسل عليها، و إذا كان طول السدة أو عرضها أكثر مما يتعارف فالأحوط اختصاص الطهارة بموضع تقليب الميت، و مجرى ماء غسله و لا تعم الأطراف غير المتعارفة.

(5): إذا طهر الشي ء النجس بالماء القليل حكم بطهارة يد الغاسل التي تباشر الغسل و العصر، و الإناء الذي يغسل فيه الثوب و شبهه، و الآلة التي قد يحتاج إليها في

كبس الفراش أو تثقيله لإخراج غسالته، و تراجع المسألة المائتين و الحادية و الثلاثين.

[التاسع من المطهرات: زوال عين النجاسة]
المسألة 264

التاسع من المطهرات: زوال عين النجاسة من جسد الحيوان و من باطن الإنسان، فيحكم بالطهارة بمجرد زوال عين العذرة و رطوبتها عن منقار الدجاجة و أمثالها، و بمجرد زوال الدم عن منقار طير الصيد و مخالبه، و عن فم الهرة، و يحكم بالطهارة في ولد الحيوان بمجرد زوال الدم الذي يتلوث به جسده حين التولد، و يطهر جسد الحيوان بزوال الدم من الجرح الذي يصيبه أو النجاسة الأخرى التي قد يتلوث بها.

و كذلك تطهر بواطن الإنسان من أي نجاسة أو متنجس يلاقيها بمجرد زوال عين تلك النجاسة أو المتنجس، فيطهر فم الإنسان و ريقه و أسنانه و لسانه بمجرد زوال الدم الذي يخرج من فمه، أو النجاسة أو المتنجس الذي قد يأكله أو يشربه عامدا أو جاهلا، و تطهر عينه بزوال الدم أو الكحل المتنجس منها، و كذلك الأنف و الأذن و غيرهما من البواطن.

بل الأقوى عدم تنجس ما في الباطن إذا لاقى النجاسة فيه، سواء كانت النجاسة داخلية أم خارجية، فلا يتنجس الريق، و لا الأسنان، و لا اللسان بملاقاة الدم الذي يخرج من الفم أو يدخل اليه من الخارج إذا لم يتغير به، و لا يتنجس الطعام في الفم بملاقاة الدم الذي يخرج من الفم إذا كان الطعام نقيا منه، فإذا استهلك الدم أو زالت عينه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 81

جاز ابتلاع الريق و ابتلاع الطعام، و إذا أصاب الريق أو الطعام يده و كان نقيا من الدم لم تتنجس يده و ان كان الدم موجودا في بعض جوانب الفم.

نعم، إذا كان الشي ء الطاهر و الشي ء النجس كلاهما

مما يتكون في الخارج و تلاقيا في الباطن، فالأحوط الحكم بالنجاسة، و خصوصا إذا كانت الملاقاة في البواطن غير المحضة كالفم و الأذن و الأنف و باطن السرة، و قد تقدم بيان ذلك في المسألة الثالثة و الثمانين، و تقدمت الإشارة إليه في المسألة المائة و الحادية و الأربعين.

المسألة 265

الأحوط في مطبق الشفتين و مطبق الجفنين ان يجريا مجرى الظاهر في باب الطهارة الخبثية، فلا بد من تطهيرهما مع ملاقاة النجاسة أو المتنجس و ان زالت عنهما عين النجاسة، و ان كانا من الباطن في الوضوء و الغسل على الأقوى فيجب غسل ما يظهر منهما بعد التطبيق.

المسألة 266

ما يشك فيه انه من الظاهر أو الباطن يحكم فيه بالطهارة إذا لم تكن فيه عين النجاسة الا ان تكون له حالة سابقه يعلم بها فيجب الأخذ بها، و إذا كان الشك من جهة الشبهة المفهومية، فعلى العامي ان يرجع الى مقلده أو الى الاحتياط.

العاشر من المطهرات: استبراء الحيوان الجلال.
المسألة 267

فإنه يطهره من نجاسة الجلل، و قد تقدم بيان معنى الجلل و ذكر بعض أحكامه في المسألة المائة و الثامنة و العشرين و ما بعدها فلتراجع.

و استبراء الحيوان الجلال: هو ان يمنع من أكل العذرة، و يقتصر في تغذيته على العلف الطاهر حتى يزول عنه اسم الجلل، و تمضي المدة المنصوصة في الحيوان على الأحوط، فإذا زال عن الحيوان اسم الجلل لم تنتف عنه أحكامه حتى تنقضي المدة المنصوصة فيه، و إذا مضت المدة في الحيوان قبل زوال الاسم لم تنتف عنه أحكام الجلل حتى يزول الاسم.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 82

و المدة المنصوصة هي: أربعون يوما في الإبل، و ثلاثون يوما في البقر، و عشرة أيام في الغنم، و خمسة أيام أو سبعة في البطة، و ثلاثة أيام في الدجاجة، و في غيرها يكفي زوال اسم الجلل عنه.

فإذا تم استبراء الحيوان على الوجه المتقدم ذكره حكم بطهارة بوله و روثه و عرقه و حل أكل لحمه و شرب لبنه و أكل بيضه إذا كان مما يبيض.

الحادي عشر من المطهرات:
المسألة 268

الاستنجاء بالأحجار أو ما يقوم مقامها، فإنه يطهر موضع النجو من نجاسة الغائط، و سيأتي ان شاء اللّه تعالى بيان ذلك و ذكر شرائطه في مبحث الاستنجاء.

الثاني عشر من المطهرات: خروج الدم بالمقدار الذي يتعارف خروجه من الحيوان حين يذبح أو ينحر،
المسألة 269

فإنه يوجب طهارة ما يبقى من الدم في ذلك الحيوان، و تراجع المسألة المائة و الثانية.

الثالث عشر من المطهرات: غيبة الإنسان المسلم.
المسألة 270

و هي توجب الحكم ظاهرا بطهارته و طهارة ثيابه و فراشه و أوانيه و سائر توابعه إذا عرضت النجاسة على بعض هذه الأشياء قبل غيبته.

و يشترط فيه:

1- ان يكون ذلك الإنسان المسلم عالما بنجاسة الشي ء قبل غيبته.

2- و ان يجده المكلف بعد الغيبة يستعمل ذلك الشي ء في ما يعلم هو بأن الطهارة شرط فيه كالصلاة فيه أو الأكل و الشرب فيه.

3- و ان يحتمل ان يكون قد طهر الشي ء حال غيبته.

فيحكم المكلف بطهارة ذلك الشي ء ظاهرا، فيلاقيه مع الرطوبة و يستعمله في ما يشترط فيه الطهارة إذا وجدت له بقية الشروط، و إذا لم تجتمع هذه الشروط الثلاثة لا تكون الغيبة مطهرة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 83

المسألة 271

إذا غاب كل من الولي و الصبي مع استجماع الشرائط المتقدم ذكرها، و علمنا أن الولي- بحسب اجتهاده أو تقليده- لا يعد غيبة الطفل امارة على الطهارة، حكم بطهارة الطفل و ثيابه و ما يتعلق به سواء كان الطفل مميزا أم غير مميز، بل الظاهر جريان الحكم بالطهارة في الصبي المميز وحده إذا تمت فيه الشرائط المتقدم ذكرها.

المسألة 272

الظاهر ان كل حيوان يكون من ذوات الجلود المعتد بها فهو مما يقبل التذكية في نظر أهل العرف، و قد تقدم منا في المسألة الحادية و الثمانين ان الإطلاق المقامي في النصوص الشرعية التي وردت في التذكية و التي ذكرت لها الآثار و الأحكام يقتضي ان الشارع قد اعتمد في بيان قابلية الحيوان للتذكية على ما يعتمده أهل العرف في ذلك، فان الشارع نفسه لم يبين لقبول التذكية في الحيوان معيارا خاصا.

و على هذا، فكل حيوان تقع عليه التذكية و هو طاهر العين و من ذوات الجلود المعتد بها يحكم على لحمه و على جلده بالطهارة، و يجوز استعمال جلده و ان لم يدبغ في كل ما يشترط فيه الطهارة، و كذا يجوز استعمال سائر أجزائه، نعم لا تجوز الصلاة فيه و لا الطواف إلا إذا كان مأكول اللحم.

الفصل الثالث عشر في أحكام الأواني
المسألة 273

الظروف المتخذة من جلود الميتة أو من جلود نجس العين لها حكمهما، فلا يجوز استعمالها و لا الانتفاع بها في ما يشترط فيه الطهارة كالأكل و الشرب، و الوضوء و الغسل، و يجوز استعمالها و الانتفاع بها في ما عدا ذلك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 84

المسألة 274

أواني الكفار و المشركين ان علم بملاقاتهم إياها مع الرطوبة المسرية، أو علم بملاقاتها بعض النجاسات الأخرى مع الرطوبة كذلك فهي متنجسة، و تطهر إذا غسلت بالماء على الوجه المطلوب، و ان لم يعلم بملاقاتها النجاسة فهي محكومة بالطهارة، و لا يكفي الظن بالملاقاة في الحكم بالنجاسة إلا إذا كان ظنا اطمئنانيا فلا يترك معه الاحتياط.

و ما كان من ظروفهم متخذا من الجلود فهو محكوم بالنجاسة إلا إذا علم بتذكية الحيوان الذي اتخذ منه أو علم بسبق يد المسلم عليه مع اقتران يد المسلم بالتصرف المناسب للتذكية.

و كذلك ما بأيديهم من اللحوم و الشحوم و الأشياء التي تحتاج إلى التذكية، و ما سوى ذلك فهو محكوم بالطهارة الا ان يعلم بملاقاته النجاسة كما في الأواني، و كذلك ما لم يعلم انه من أجزاء الحيوان أو من غيره.

المسألة 275

يحرم استعمال أواني الذهب و الفضة في الأكل و الشرب و التطهير من الحدث و الخبث و حفظ الأشياء فيها و غير ذلك من أنواع الاستعمال المتعارفة، بل الأحوط لزوما اجتناب مطلق الانتفاع بأواني الذهب و الفضة في الحوائج، و ان لم يكن من أنواع الاستعمال المتعارفة، و اجتناب اقتنائها مع قصد ان يجعلها متاعا معدا للانتفاع و ان لم يستعملها بالفعل بل جعلها على الرفوف للزينة مثلا، فيجتنب بيعها و شراؤها لهذه الغاية على الأحوط، و تجتنب الإجارة لصياغتها لهذه الغاية و أخذ الأجرة عليها.

و يجوز اقتناؤها لغير ذلك من الغايات كما إذا قصد بذلك حفظهما أو حفظ ماليتهما بهذه الصورة، فيجوز بيعهما و شراؤهما لهذه الغاية، كما تجوز الإجارة لصياغتهما لذلك و يجوز أخذ الأجرة عليها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 85

المسألة 276

لا يجوز استعمال الآنية المصنوعة من غير الذهب و الفضة إذا كانت ملبسه بأحدهما، و كان التلبيس على وجه لو انفصل عن الآنية كان اناء مستقلا، و يجوز استعمالها إذا كان التلبيس بغير هذه الصورة كما إذا لبست الآنية بقطع من الذهب أو الفضة منفصل بعضها عن بعض.

و لا يحرم استعمال الآنية المفضضة أو المذهبة أو المموهة بأحدهما أو المطلية به، نعم يكره استعمال الآنية المفضضة أو المذهبة، و يحرم الشرب منها إذا وضع فمه على موضع الفضة أو الذهب، و كذلك في المطلي بأحدهما على الأحوط.

المسألة 277

لا يجوز استعمال الآنية الممزوجة من الذهب أو الفضة مع غيرهما إذا كان المزج قليلا بحيث يصدق على الآنية اسم الذهب أو الفضة عرفا، و يجوز استعمالها إذا لم يصدق عليها اسم أحدهما، و لا يجوز استعمال الآنية الممزوجة منهما و ان لم يصدق عليها اسم أحدهما على الأحوط، و كذلك إذا كانت الآنية مركبة منهما فبعض قطعاتها ذهب و الباقي فضة.

المسألة 278

كلمة الآنية تعني صنفا خاصا من الظروف المعدة لبعض الحوائج، و الحكم بتحريم استعمال الظرف إذا كان من الذهب أو الفضة يتوقف على صدق الإناء عليه في العرف، فلا يحرم استعمال الأشياء التي لا يصدق اسم الآنية عليها كاللوح من الذهب أو الفضة، و القنديل، و غلاف السيف، و الخنجر، و السكين، و قاب الساعة، و محل فص الخاتم و بيت المرأة إذا كان مصوغا من أحدهما.

المسألة 279

الظاهر صدق الآنية على الكأس و الكوز و القدور و القصاع و الطسوت، و الجفان، و الصواني، و الأقداح و المصافي و أدوات الطبخ و الغسل و العجن و أدوات التوزيع، و أدوات طبخ الشاي و القهوة،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 86

و أدوات شربهما، فيحرم استعمالها إذا كانت من الذهب و الفضة، و الأحوط اجتناب ملاعق الشاي و ظروف الغالية و الكحل و ما أشبهها إذا كانت منهما، و كذلك المباخر و نحوها.

و ما يشك في صدق الآنية عليه لا يحرم استعماله، إذا كان مصنوعا، منهما، و لا بد من رجوع العامي الى مقلده أو الى العمل بالاحتياط فيها لأنها من الشبهة الحكمية.

المسألة 280

الأكل و الشرب قد يكون من الآنية مباشرة، كما إذا وضع الآنية على فمه فشرب منها أو أكل، و قد يكون بأخذ اللقمة من الآنية بيده أو بملعقة و وضعها في الفم، و لا ريب في حرمة كليهما إذا كانت الآنية ذهبا أو فضة.

و إذا كانت (الصينية) من الذهب أو الفضة فوضع الظروف فيها محرم لأنه استعمال لها، و كذلك تناول الطعام الموضوع في الظروف الموضوعة في الصينية فهو استعمال للصينية أيضا فيكون محرما، و ان كانت الظروف نفسها ليست ذهبا و لا فضة.

أما أكل الطعام بعد تناوله من الظروف فقد يقال بأنه ليس أكلا في إنية الذهب و الفضة، فلا يكون محرما، و لكن لا يترك الاحتياط فيه و في نظائره، كصحون الشاي إذا كانت من الذهب مثلا و وضعت فيها فناجين الشاي و هي من غيره، فإذا تناول الفنجان و شرب منه لم يكن شربا في إنية الذهب و لا يترك الاحتياط.

و إذا أفرغ الطعام أو الشراب من إنية الذهب

أو الفضة في ظرف أخر ليس منهما، لم يحرم الأكل من ذلك الظرف، و ان كان إفراغ الطعام فيه من آنية الذهب محرما لأنه استعمال لها، و لا يشترط في حليته ان يقصد بإفراغه التخلص من الحرام.

المسألة 281

إذا أكل طعاما محللا في آنية الذهب أو الفضة، أو شرب فيهما شرابا محللا، فلا ريب في حرمة أكله و شربه كما تقدم، و ان كان

كلمة التقوى، ج 1، ص: 87

التحريم بالعنوان الثانوي، فإذا كان المكلف صائما في شهر رمضان وجبت عليه كفارة الجمع على الأقوى.

المسألة 282

إذا توضأ المكلف أو اغتسل من آنية الذهب أو الفضة مع وجود ماء آخر لديه، فان كان وضوؤه أو غسله منهما بنحو الاغتراف التدريجي أو بالصب على العضو ثم اجراء الماء عليه بمباشرة يده بحيث يعد الصب مقدمة للغسل، و الغسل انما هو بالمباشرة فالظاهر صحة وضوئه أو غسله، و ان كان مأثوما بالاغتراف أو بالصب من الآنية.

و ان كان وضوؤه أو غسله بنحو الارتماس في الآنية بطل وضوؤه و غسله، و كذلك إذا أجرى الماء على العضو من الآنية لا بمباشرة يده.

و إذا جعل آنية الذهب أو الفضة مجمعا لغسالة وضوئه، فالظاهر الصحة و ان كان مأثوما بصب الماء فيها.

المسألة 283

إذا لم يوجد لدى المكلف ما يتوضأ به أو يغتسل الا الماء الموجود في آنية الذهب أو الفضة فإن أمكن إفراغ الماء إلى إناء آخر على وجه لا يعد استعمالا للآنية عرفا، أو أمكنه أن يأمر بذلك طفلا أو شخصا آخر لا يعلم بالحال، وجب عليه ذلك، و صح وضوؤه و غسله من الماء بعد إفراغه على أحد هذه الوجوه، و ان لم يمكنه ذلك سقط وجوب الوضوء و الغسل عنه و وجب عليه التيمم.

و إذا تناول من الآنية مقدار وضوئه أو غسله و وضعه في آنية أخرى ثم توضأ منه أو اغتسل صح وضوؤه و غسله، و ان كان مأثوما بتناوله من الآنية.

المسألة 284

إذا اضطر الى استعمال آنية الذهب أو الفضة جاز له ذلك و قدر ضرورته بقدرها، فإذا اضطر إلى الأكل أو الشرب فيها لم يجز له

كلمة التقوى، ج 1، ص: 88

الوضوء و لا غير ذلك، و إذا اضطر الى الوضوء أو الغسل منها حل له ذلك و لم يجز له سواه.

المسألة 285

إذا شك في آنية انها من الذهب أو الفضة أم من غيرهما لم يحرم عليه استعمالها.

الفصل الرابع عشر في أحكام التخلي
المسألة 286

يجب على المكلف ستر عورته عن أي ناظر محترم، و المراد بالعورة في الرجل: القبل و البيضتان و الدبر، و الأحوط ستر العجان، و هو ما بين القبل و الدبر، و الشعر النابت في أطراف العورة.

و العورة في المرأة: القبل و الدبر، و الواجب ستر عين العورة لا اللون وحده، بل الأحوط لزوما- ان لم يكن هو قوى- ستر الشبح الذي يعد ستره سترا للعين. نعم لا يجب ستر حجم العورة.

و المراد بالناظر المحترم: كل انسان مبصر، عدا الطفل و المجنون غير المميزين، و عدا الزوج و الزوجة، و المالك و المملوكة على ما يأتي بيانه و الأمة المحللة و المحلل له، سواء كان من المحارم أم غيرهم و سواء كان رجلا أو أنثى، و سواء كان كافرا أم مسلما.

و يحرم على المكلف أن ينظر إلى عورة الغير حتى الطفل المميز، و حتى المجنون و ان كان غير مميز.

و يجوز نظر كل من الزوجين إلى عورة الآخر سواء كانت الزوجة دائمة أم منقطعة.

و يجوز ان ينظر المالك الى عورة أمته الموطوءة له بالملك و بالعكس، و ان ينظر الرجل إلى الأمة المحللة له و بالعكس.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 89

المسألة 287

لا يجوز للمالك ان ينظر إلى عورة مملوكته إذا كانت مزوجة أو محللة لغيره، أو في العدة منهما، و لا يجوز لها النظر اليه.

و لا يجوز له النظر إلى عورة مملوكته إذا حرم عليه وطؤها كأخت زوجته أو بنت أمته المدخول بها، و أخت مملوكته الموطوءة بالملك.

و أخت الأمة المحللة له، و بالعكس. و لا يجوز لكل واحد من المالكين أن ينظر إلى عورة الأمة المشتركة بينهما و لا يجوز لها النظر الى عورتيهما.

المسألة 288

لا يجوز النظر إلى عورة الغير في الماء الصافي و لا في المرآة العاكسة و لا من وراء الزجاج.

المسألة 289

إذا رأى عورة مكشوفة، و شك في أن المرأة ذات العورة زوجته أم أجنبية حرم عليه النظر إليها و وجب عليه الغض عنها حتى يتحقق له انها زوجته أو أمته، و إذا رأى عورة مكشوفة و شك في أنها عورة طفل مميز أو غير مميز فالأحوط له ترك النظر.

المسألة 290

لا يجوز للرجل و لا للمرأة ان ينظر الى دبر الخنثى، و اما النظر الى قبلها، فان كان الناظر إليها من محارمها حرم عليه ان ينظر الى كل من آلتي الذكورة و الأنوثة فيها، و ان كان أجنبيا حرم على الرجل ان ينظر إلى عورة الرجل فيها و حرم على المرأة ان تنظر إلى عورة الأنثى فيها، و الأحوط الترك في الجميع.

المسألة 291

يستحب ان يستر السرة و الركبة و ما بينهما.

المسألة 292

إذا اضطر الى النظر إلى عورة الغير لعلاج أو غيره جاز له ذلك و وجب عليه ان يقدر الضرورة بقدرها فلا يحل له أكثر مما تتأدى به الضرورة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 90

المسألة 293

يحرم على المتخلي أن يستقبل القبلة و يستدبرها بمقاديم بدنه في حال التخلي، سواء كان في بناء أم في صحراء أم في غيرهما، و لا يكفي ان يميل بعورته عن القبلة أو عن دبرها، و الأحوط لزوما ان لا يستقبل و لا يستدبر بعورته، و ان كان غير مستقبل و لا مستدبر بمقاديم بدنه.

و المراد بمقاديم البدن صدره و بطنه، فلا يمنع من أماله وجهه مثلا إلى القبلة إذا كان غير مستقبل و لا مستدبر بالصدر و البطن، و لا دخل للركبتين في استقبال المتخلي و استدباره.

و يحرم عليه كذلك ان يستقبل القبلة أو يستدبرها في حال الاستبراء و الاستنجاء إذا علم أو ظن ظنا اطمئنانيا بخروج شي ء من البول أو الغائط في الاستبراء أو الاستنجاء، و إذا لم يعلم بذلك أو يظن لم يحرم.

و إذا جهل القبلة و ترددت بين نقاط معينة انحرف عن تلك النقاط و إذا جهل القبلة مطلقا عمل بالظن، فإذا لم يحصل له الظن سقط عنه التكليف و صح له التوجه الى اي جهة شاء.

المسألة 294

من يتواتر بوله أو غائطه يحرم عليه الاستقبال و الاستدبار إذا تخلى على النحو المتعارف، و لا يحرم عليه في غير ذلك، و ان كان الأحوط مراعاة ذلك بقدر الإمكان.

المسألة 295

الأحوط للقائم بتربية الطفل أن لا يقعده للتخلي مستقبلا و لا مستدبرا، و لكن لا يجب منع الطفل و لا المجنون إذا استقبلا القبلة أو استدبراها عند التخلي.

المسألة 296

يحرم التخلي في ملك الغير من غير اذن مالكه الا ان يعلم بالرضا، و يحرم على قبور المؤمنين إذا أوجب ذلك هتكا لهم.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 91

الفصل الخامس عشر في الاستبراء و الاستنجاء
المسألة 297

يستحب ان يبدأ المتخلي بمخرج الغائط فيطهره، و من فوائد ذلك ان لا تتلوث أصابعه بالنجاسة عند الاستبراء، و مما يحسن عادة ان يتنحنح مرتين أو أكثر لانزال ما قد يتبقى في المجرى من قطرات البول.

المسألة 298

كيفية الاستبراء: ان يمسح بقوة من مخرج الغائط إلى أصل الذكر ثلاث مرات، ثم يمسح بقوة من أصل الذكر الى طرفه ثلاث مرات، و يغمر في أصل الذكر في كل مرة منها ما بين الأنثيين على الأحوط، ثم يعصر الحشفة ثلاث مرات و للاستبراء كيفيات أخرى هذه أحوطها و أولاها.

و ليس على المرأة استبراء، و قيل: انها تصبر قليلا ثم تتنحنح و تعصر فرجها عرضا.

المسألة 299

إذا بال الرجل و استنجى ثم توضأ للصلاة و خرج من ذكره بعد ذلك بلل مشتبه لا يعلم انه بول أو رطوبة أخرى، فإن كان قد استبرأ بعد البول و قبل الاستنجاء بالمسحات المذكورة حكم بصحة وضوئه و بأن الخارج منه رطوبة من حبائل الذكر لا تنقض الوضوء و لا توجب النجاسة.

و ان لم يستبرئ بعد البول انتقض وضوؤه بخروج ذلك البلل، و وجب عليه ان يطهر ما أصابه من البدن و الثياب، سواء ترك الاستبراء عامدا أم ناسيا أم جاهلا، بل حتى إذا كان الاستبراء له غير ممكن.

و إذا بالت المرأة و استنجت ثم توضأت للصلاة و خرج منها بعد ذلك بلل مشتبه لا تعلم انه بول أم رطوبة اخرى، حكمت بصحة وضوئها

كلمة التقوى، ج 1، ص: 92

و طهارة تلك الرطوبة المشتبهة الا ان تعلم انها بول. سواء استبرأت بعد البول أم لم تستبرئ.

المسألة 300

مقطوع الذكر يستبرئ في ما بقي من عضوه، و تترتب على استبرائه الفائدة المذكورة.

المسألة 301

يكفي في حصول الاستبراء للرجل و في ترتب فائدته المذكورة ان يباشر المسحات عليه غيره، فتتولى زوجة الرجل مثلا أو مملوكته استبراءه.

المسألة 302

إذا خرج منه البلل المشتبه و شك في انه هل استبرأ بعد البول و قبل الاستنجاء أم لا، بنى على عدمه و حكم بنجاسة البلل الخارج منه و ببطلان وضوئه إذا كان قد توضأ، حتى مع طول المدة، و حتى إذا كان من عادته الاستبراء.

المسألة 303

إذا بال و لم يستبرئ ثم شك في أنه هل خرجت منه رطوبة مشتبهة أم لا، بنى على عدم خروجها منه، فإذا وجد في ثيابه رطوبة و شك في انها قد خرجت منه أم إصابته من خارج، بنى على عدم خروجها منه.

المسألة 304

إذا بال ثم خرج منه بلل تردد أمره بين ان يكون بولا أو منيا، فان كان لم يتوضأ بعد بوله و قبل خروج البلل منه فهو محدث بالحدث الأصغر فعليه الوضوء خاصة إذا حضر وقت الصلاة، و ان كان قد توضأ بعد بوله و قبل خروج البلل منه أو لم يدر انه هل توضأ بعد البول أم لا، فان عليه في كلتا الصورتين ان يجمع بين الغسل و الوضوء، و لا فرق في جميع الصور بين أن يكون قد استبرأ بعد البول أم لم يستبرئ.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 93

المسألة 305

يجب غسل مخرج البول بالماء مرتين على الأحوط بما يسمى غسلا، و لا يكفي أقل من ذلك، و لا يجزى غير الماء عنه، و يتساوى في ذلك الذكر و الأنثى و الخنثى، و الكبير و الصغير، و لا بد من الفصل بين الغسلتين، و الأحوط- استحبابا- ان تكون المرتان بعد زوال النجاسة، فلا تعد الغسلة المزيلة، و إذا كان المخرج غير طبيعي تعين ذلك على الأحوط سواء كان معتادا أم غير معتاد.

و لا يجب دلك مخرج البول عند الاستنجاء منه، نعم لا بد من الدلك إذا شك في خروج المذي و نحوه مع البول.

المسألة 306

يتعين غسل مخرج الغائط بالماء إذا تعدى الغائط عن المخرج على وجه لا يصدق على غسله انه استنجاء أو خرجت مع الغائط نجاسة أخرى دم أو غيره، أو أصابت المخرج نجاسة أخرى من الخارج فيتعين الغسل في هذه الصور و لا يكتفي بغير الماء.

و تطهيره في هذه الصور كتطهير غيره من أعضاء البدن المتنجسة، فلا تعد الغسلة المزيلة، و لا بد من تعدد الغسل إذا كانت النجاسة التي أصابت الموضع هي البول و كان التطهير منه بالماء القليل.

المسألة 307

يتخير في مخرج الغائط إذا لم يتعد عن المخرج أو تعدى عنه قليلا لا يضر بصدق اسم الاستنجاء، و لم تخرج مع الغائط نجاسة أخرى، و لم تصب المخرج نجاسة من الخارج، و لو بملاقاة نفس الغائط بعد انفصاله عن المخرج، يتخير فيه مع اجتماع هذه الشروط بين ان يطهره بالماء أو بالمسح بالأحجار.

فإذا طهره بالماء كفاه ان يغسله حتى ينقيه من عين النجاسة و أثرها، و لو بغسلة واحدة، و إذا طهره بالأحجار وجب ان يمسح الموضع بالأحجار حتى ينقيه من عين النجاسة، فإذا حصل النقاء بحجر واحد أو بحجرين، وجب عليه ان يكمل المسح بثلاثة أحجار، و لا يكفي الحجر

كلمة التقوى، ج 1، ص: 94

الواحد و الحجران و ان حصل بهما النقاء، و إذا لم يحصل النقاء بثلاثة أحجار وجب عليه ان يمسح الموضع بأكثر من ذلك حتى يحصل النقاء.

و يكفي المسح بالخرق، و يكفي كل ما يقلع النجاسة، و ينقي الموضع، و ان لم يكن حجرا و لا خرقة، و يتبع فيه ما ذكرناه في المسح بالأحجار.

و في كفاية المسح بالأصابع إشكال فلا يترك الاحتياط بتركها.

و لا يكفي الحجر الواحد الكبير ذو الجهات

الثلاث، و لا الخرقة الواحدة الكبيرة ذات ثلاثة أطراف، بل لا بد من المسح بثلاثة أحجار أو ثلاث خرق أو غيرها منفصلات.

و يشترط في الشي ء الذي يمسح به ان يكون طاهرا، فلا يجزي المسح بالنجس و لا بالمتنجس الا بعد تطهيره، و إذا مسح بالنجس أو المتنجس لم يطهر المخرج بالمسح و تعين غسله بالماء، كما تقدم.

المسألة 308

لا تحصل الطهارة بالغسل بالماء، حتى يزيل عين النجاسة و أثرها كما ذكرنا، و يكفي في حصول التطهير بالمسح بالأحجار و نحوها ان يزيل العين و ان بقي الأثر، و المراد بالأثر الذي تجب ازالته بالغسل و لا يضر بقاؤه في المسح هو الذي لا يزول عادة إلا بالماء.

و لا بد في المسح من إزالة الرطوبة من المخرج، فإذا بقيت الرطوبة لم يحكم بالطهارة على الأحوط ان لم يكن هو الأقوى، فليست الرطوبة من الأثر الذي لا يضر بقاؤه.

المسألة 309

يشترط في الشي ء الذي يمسح به ان لا تكون فيه رطوبة مسرية كالطين و الخرقة المبلولة، و لا تضر النداوة القليلة التي لا تسري.

المسألة 310

إذا شك بعد خروجه من بيت الغائط أنه استنجى أم لا، بنى على عدم الاستنجاء، حتى إذا حصل له ذلك الشك و هو في أثناء الصلاة،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 95

فعليه أن يستنجي و يستأنف الصلاة، و إذا شك في ذلك بعد إتمام الصلاة، بنى على صحة صلاته و عليه الاستنجاء للصلاة الآتية.

المسألة 311

لا يجوز الاستنجاء بالأشياء المحترمة في الشريعة، و لا يجوز بالعظم و لا بالروث على الأحوط في الأخيرين، و إذا استنجى بهما عصى، و في حصول الطهارة بالمسح بالعظم و الروث، و بما يشك في انه عظم أو روث تردد و إشكال.

المسألة 312

يكره للمتخلي أن يستقبل الشمس و القمر بالبول و الغائط و ان يستقبل الريح و ان يجلس في الشوارع، و موارد الماء، و منازل النزال، و هي الأفياء التي تقصدها القوافل للنزول فيها و أفنية المساجد، و أبواب الدور، و تحت الأشجار المثمرة، و ان يبول قائما، و ان يطمح به في الهواء، و ان يبول في الحمام، و على أرض صلبة، و في ثقوب الحشرات، و في الماء جاريا أو راكدا و الكراهة في الراكد أشد و ان يستنجي باليمين.

و يكره له التكلم في غير ضرورة الا بذكر اللّه أو قراءة آية الكرسي أو حكاية الأذان.

الفصل السادس عشر في موجبات الوضوء و نواقضه
اشارة

و هي أمور:

المسألة 313
الأول و الثاني: خروج البول و الغائط

من الموضع الطبيعي لخروجهما، و كذلك خروجهما من غير الموضع الطبيعي إذا اعتاد ذلك، بل و ان لم يكن معتادا له إذا كان مصداقا لقوله تعالى (أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ)، فالمدار في النقض على تحقق هذا الموضوع.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 96

سواء كان الخارج منهما قليلا أم كثيرا حتى القطرة و شبهها، و حتى ما يلوث رأس الأنملة إذا مسح المخرج بها.

و بحكم البول البلل المشتبه إذا خرج بعد البول و قبل الاستبراء كما تقدم بيانه في مبحث الاستبراء.

و لا ينقض الوضوء و لا يوجبه سائر الرطوبات التي قد تخرج من احد المخرجين غير البول و الغائط و المني، حتى القيح و المذي و أمثالهما، و لا ينقضه خروج الدود و النوى إذا لم يكن ملوثا بالعذرة.

الثالث: خروج الريح من مخرج الغائط إذا تحقق خروجها،

و لا اعتبار بما يشك في خروجه، و لا اعتبار بما يخرج من القبل إذا اتفق.

الرابع: النوم

الذي يغلب على سمع المكلف و بصره، بحيث لا يسمع ما يحدث بقربه من صوت عادى، و لا يبصر ما يكون بجنبه من شي ء، و لا تضره الخفقة و الخفقتان من النعاس حتى يتحقق انه قد نام.

الخامس: كل ما أزال العقل- على الأحوط- من سكر أو جنون أو إغماء،

و لا يضر مجرد حدوث البهتة و الغفلة عنده إذا لم يزل العقل.

السادس: الاستحاضة القليلة،

أما الاستحاضة الوسطى و الكبرى، و سائر الأحداث الكبرى غير الجنابة فإنها تنقض الوضوء، و لكنها توجب الغسل بناء على المختار من كفاية الغسل عن الوضوء. و ان كان الأحوط فيها الوضوء مع الغسل، و اما الجنابة فهي توجب الغسل لا غير.

المسألة 314

إذا كان المكلف متطهرا و شك في طروء أحد النواقض عليه بنى على عدمه، و كذلك إذا خرج منه شي ء و شك في أنه بول أو غيره من الرطوبات التي لا تنقض الوضوء، فعليه أن يبني على بقاء طهارته إلا إذا كان ذلك قبل الاستبراء من البول، فيكون البلل المشتبه ناقضا كما تقدم في المسألة المائتين و التاسعة و التسعين.

المسألة 315

إذا حدث له أحد الأمور التي لا توجب الوضوء فتوضأ بعده برجاء

كلمة التقوى، ج 1، ص: 97

المطلوبية ثم تذكر بعد ذلك انه كان محدثا بالأصغر كفاه ذلك الوضوء الذي أتى به فيصح له الدخول في الصلاة و أمثالها مما تشترط فيه الطهارة، و كذلك إذا شك في حدوث احد النواقض عليه فتوضأ احتياطا لاحتمال حدوث الحدث ثم علم انه كان محدثا كفاه ذلك الوضوء الاحتياطي.

المسألة 316

قد يكون الوضوء شرطا في صحة فعل من الأفعال كالصلاة و الطواف واجبين كانا أم مندوبين، فإنهما لا يصحان بغير وضوء، و قد يكون شرطا في كمال الفعل و ان لم يكن شرطا في صحته كقراءة القرآن فإنها تصح بغير وضوء، و لا تكون كاملة إلا به، و قد يكون شرطا في جواز الفعل كمس كتابة القرآن فإنها تحرم على المحدث، و قد يكون رافعا لكراهة الفعل كالأكل و النوم في حال الجنابة.

المسألة 317

يجب الوضوء للصلاة الواجبة سواء كانت حاضرة أم فائتة، و سواء كانت عن نفسه أم عن غيره، و لتوابعها من صلاة الاحتياط و الاجزاء المنسية و لسجدتي السهو على الأحوط.

و يجب للطواف الواجب، سواء كان في حج أم عمرة واجبين أم مندوبين، و لا يجب للطواف المندوب و هو ما لم يكن جزءا من أحدهما، نعم، هو شرط في كماله و شرط في صحة صلاته.

و قد يجب الوضوء بالنذر أو العهد أو اليمين في بعض الأوقات أو لبعض الاعمال حسب تعيين الناذر، و مع اجتماع شرائط النذر و اليمين، و قد يجب الوضوء لمس كتابة القرآن إذا طرأ للمكلف ما يوجب عليه المس من نذر أو عهد أو يمين مع اجتماع شرائطها أو سبب آخر من الأسباب، و يلحق به على الأحوط مس أسماء اللّه و صفاته الخاصة إذا وجب عليه ذلك.

المسألة 318

يستحب الوضوء للمحدث بالأصغر للصلاة المندوبة، و قد تقدم انه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 98

كذلك شرط لصحتها، و يستحب له الوضوء للطواف المندوب، و قد تقدم انه شرط لكماله و لصحة صلاته، و يستحب له الوضوء للتهيؤ لصلاة الفريضة في أول وقتها، و يعتبر على الأحوط ان يكون قريبا من الوقت، و يستحب له لدخول المساجد، و لمناسك الحج غير الطواف و الصلاة، و يستحب له لزيارة الأئمة (ع)، و لصلاة الأموات، و قراءة القرآن، و يستحب له للكون على طهارة.

و يستحب الوضوء للمتوضئ قبل ذلك لتجديد طهارته، و ان كرر ذلك مرات متعددة، فمن جدد وضوءه لغير حدث جدد اللّه توبته من غير استغفار كما يقول الامام الصادق (ع)، بل يستحب التجديد و ان كان بعد غسل الجنابة، و خصوصا إذا

طالت المدة، نعم لا يشرع التجديد في الغسل بعد الغسل إذا لم يتجدد له سبب آخر.

و يستحب الوضوء للحائض لتذكر اللّه في مصلاها في أوقات الصلاة، و يستحب لنوم الجنب و أكله و شربه، و معاودته الجماع.

المسألة 319

إذا توضأ المحدث بالحدث الأصغر لإحدى الغايات المتقدمة، حصلت له الطهارة و جاز له الدخول في الغايات الأخرى و ان لم يقصدها، و مثله في الحكم ما يأتي به المتوضي بقصد التجديد.

و كذلك الوضوء الواجب، فإذا كانت له غايات متعددة، فيصح له قصد الجميع و قصد البعض، و إذا قصد البعض صح وضوؤه بالنسبة إلى الجميع، و إذا اجتمعت للوضوء غايات واجبة و غايات مندوبة، فله ان يقصد الجميع و ان يقصد البعض، و إذا قصد البعض صح وضوؤه بالنسبة إلى الجميع، و ان كانت الغاية التي قصدها من الغايات المندوبة.

و إذا توضأ المحدث بالحدث الأكبر لبعض الغايات، فالأقرب كذلك جواز الاكتفاء به للغايات الأخرى التي تشاركه في استحباب الوضوء لها و ان لم يقصدها بوضوئه، فإذا توضأ المجنب مثلا للنوم جاز له الاكتفاء به للأكل و الشرب و معاودة الجماع و تغسيل الميت ما لم ينتقض وضوؤه و هكذا في غيره.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 99

المسألة 320

إذا توضأ المحدث بالأصغر و قصد بوضوئه امتثال الأمر المتوجه اليه صح الوضوء و ارتفع به جميع الأحداث الصغرى التي عليه و ان قصد بوضوئه رفع أحدها بل و ان لم يقصد به رفع الحدث.

الفصل السابع عشر في واجبات الوضوء
[الأول: غسل الوجه.]
المسألة 321

الأول من واجبات الوضوء: غسل الوجه.

و حد الوجه: هو أول منابت شعر الرأس من أعلى الوجه، و محادر الذقن من أسفله، و ما وصلت إليه الإبهام و الوسطى عند مدهما في عرضه، فيجب غسل ما اشتملت عليه هذه الحدود من البشرة و الشعر على ما سيأتي بيانه، و لا يجب غسل ما خرج من ذلك.

و يراعى المتعارف بين الناس من الوجه و من اليد، فمن انحسرت منابت شعره أو نزلت أكثر مما يتعارف في الوجوه أو كانت أصابع كفيه أطول مما يتعارف في الأيدي أو أقصر رجع الى المتعارف بين الناس في الوجه و الأصابع فغسل ما دخل في الحدود المتعارفة و ترك ما زاد.

المسألة 322

يجب ان يكون الابتداء بأعلى الوجه و ان يكون الغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفا، و لا يجوز الغسل منكوسا، و يكفي ان يحصل مسمى الغسل باستيلاء الماء على الاجزاء، فإذا عم الماء على جميع اجزاء الوجه و لو بمباشرة اليد على الوجه المذكور كفى، و لا يجب غسل ما أحاط به الشعر من البشرة في اللحية و الشارب و الحاجبين، بل يغسل ظاهر الشعر و لا يجب استبطانه، و ان لم يحط الشعر بالبشرة وجب غسل البشرة الظاهرة خلال الشعر، و الأحوط غسل الشعر مع البشرة، و إذا شك ان الشعر محيط بالبشرة أم لا وجب الاحتياط بغسله مع البشرة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 100

المسألة 323

غسل الوجه بحدوده التي تقدم ذكرها يلازم غسل شي ء من أطراف الحد من كل جانب عادة، و غسل شي ء من باطن الأنف و الفم ليحرز تمامية الغسل الواجب عليه و لا يجب غسل البواطن كباطن الفم و الأنف و العين، الا ما يغسل منها لملازمته للغسل الواجب كما ذكرنا، و المدار في الشفتين على انطباقهما فما يظهر منهما في حال الانطباق فهو من الظاهر فيجب غسله، و ما لا يظهر فهو من الباطن فلا يجب غسله و كذلك الحال في الجفنين.

المسألة 324

لا يجب غسل ما خرج من اللحية عن حدود الوجه المتقدمة كالمسترسل عن حدود الذقن في الطول، و ما خرج عن الإبهام و الوسطى في العرض، و يجب غسل الشعر الرقيق من اللحية و غيرها لأنه من البشرة عرفا، و كذلك يجب غسل الشعور الغليظة التي لا تستر البشرة على الأحوط كما تقدم، و إذا اتفق وجود لحية عند المرأة أو الخنثى فالحكم فيها كما في الرجل.

المسألة 325

لا يصح الوضوء حتى يعلم انه قد غسل جميع اجزاء الوجه التي يجب غسلها، فإذا بقي منها شي ء لم يعمه الغسل بطل وضوؤه و ان كان الشي ء المتروك قليلا جدا، و لذلك فلا بد من رفع كل ما يمنع من وصول الماء من جرم مانع من أوساخ و اصباغ و وسائل زينة و غيرها، و إذا علم بوجود شي ء يشك في مانعيته من وصول الماء، فلا بد من تحصيل اليقين بزوال ذلك الشي ء أو إكثار الماء و المبالغة في مباشرته على نحو يعلم بحصول الغسل الواجب.

و إذا شك في وجود ما يمنع، وجب عليه الفحص حتى يحصل له الظن بعدم الحاجب و ان لم يبلغ درجة الاطمئنان، أو يكثر الماء و مباشرته حتى يعلم بحصول الغسل على تقدير وجود الحاجب.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 101

[الثاني: غسل اليدين]
المسألة 326

الثاني من واجبات الوضوء: غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، و المرفق هو مجمع العضد و الذراع فهو مركب منهما، و هو أعلى اليد فلا بد من الابتداء بغسله، و لا بد من غسل شي ء من العضد قبله من باب المقدمة، و ان يكون الغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفا و لا يجوز منكوسا، و يكفي مسمى الغسل كما سبق في غسل الوجه، و يجب غسل الشعر و البشرة و ان كان الشعر محيطا بها، و غسل ما دخل في الحد من لحم زائد و إصبع زائدة و يد زائدة إن اتفق، بل لا يترك الاحتياط بغسل اليد الزائدة فوق المرفق مع اليد الأصلية ان اتفقت.

المسألة 327

تجب ازالة الوسخ الذي يكون تحت الأظفار إذا كان ما تحته معدودا من الظاهر، سواء كان الوسخ متعارفا أم أكثر، إلا إذا علم بوصول الماء إلى البشرة تحته، و إذا كان ما تحته معدودا من الباطن لم يجب غسله و لا ازالة الوسخ عنه، فإذا قلم أظفاره فأصبح ما تحتها معدودا من الظاهر، وجب غسله و ازالة المانع عن وصول الماء إليه.

المسألة 328

إذا قطعت يد الإنسان فإن بقي منها شي ء مما يجب غسله في الوضوء وجب غسله، و ان كان بعض المرفق، و إذا لم يبق من المرفق شي ء لم يجب غسل ما بقي من العضد و ان كان غسله أولى.

المسألة 329

ما يحدث من الشقوق في ظهر الكف أيام البرد ان كان واسعا بحيث يرى جوفه يجب إيصال الماء اليه، و الا لم يجب، و لا يترك الاحتياط في ما يشك منها.

المسألة 330

ما يعلو الجلد من البثور و الطفح الجلدى و الجدري يكتفي بغسل ظاهره حتى عند يبسه و انفتاح رؤوسه، و إذا ظهر ما تحت الجلدة و بقيت الجلدة متصلة وجب غسلها و غسل ما تحتها، و كذلك ما يتجمد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 102

على الجرح و الدمل عند البرء، و يكون كالجلد يكتفي بغسل ظاهره، فإذا ظهر ما تحته وجب غسله و غسل ما تحته ما دام متصلا.

المسألة 331

البياض الذي يظهر على اليد بعد مباشرة الجص و النورة أو بعض الصابون عند يبسه، لا يضر وجوده إذا صدق معه غسل البشرة، و كذا الوسخ الذي يكون على البشرة و لا يكون جرما مرئيا، فإذا تراكم حتى شك في كونه حاجبا وجبت ازالته، و تراجع المسألة الثلاثمائة و الخامسة و العشرون في أحكام الحاجب، و ما يشك في وجوده أو يشك في مانعيته.

المسألة 332

يجب غسل ما يشك في انه من الظاهر أو من الباطن، سواء كان من الباطن سابقا ثم شك في صيرورته من الظاهر أم كان من الظاهر سابقا و شك في صيرورته من الباطن أم كان مجهول الحال سابقا و لا حقا.

المسألة 333

يصح الوضوء برمس الأعضاء في الماء أو بعضها، مع مراعاة ان يكون الغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفا، و لا بد و ان تكون مراعاة ذلك مراعاة خارجية، فلا بد من تحريك العضو المرموس في الماء حتى تغسل أجزاؤه من الأعلى إلى الأدنى خارجا، و ذلك يكون إما بإدخال العضو في الماء من الجزء الأعلى إلى الأدنى تدريجا، و اما بإخراجه كذلك و اما بتحريكه تحت الماء كذلك بعد غمسه فيه، و لا تكفي نية غسل الأعلى فالأعلى وحدها دون مراعاة خارجية. و لا يكفي التحريك اليسير تحت الماء لأنه يقارن ما بين الاجزاء في حدوث الغسل.

و يلزم في اليد اليسرى أن يقصد الغسل حال إخراجها من الماء لئلا يكون المسح بغير بلة الوضوء.

أما اليد اليمنى فيكفيه أن يغسل بها جزءا من اليد اليسرى لتكون بلتها من الوضوء، فإذا غسل ذراع اليد اليسرى بيده اليمنى ثم رمس كف اليسرى و نوى الغسل بإخراجها صح وضوؤه و مسحه، و كذلك إذا رمس ذراع اليد اليسرى و أبقى الكف منها ثم غسلها مرتبا بيده اليمنى.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 103

[الثالث: المسح على مقدم الرأس]
المسألة 334

الثالث من واجبات الوضوء: المسح على مقدم الرأس فلا يكفي المسح على غيره من أجزاء الرأس و الأحوط ان يكون على الناصية، و هي ما بين البياضين في جانبي الرأس فوق الجبهة و يجب ان يكون المسح بباطن الكف، و الأحوط ان يكون باليد اليمنى، و يعتبر ان يكون المسح على الرأس و القدمين ببلة الوضوء، فلا يجوز بماء جديد، و ان يكون على وجه يتأثر العضو الممسوح برطوبة الماسح بالمقدار الواجب، و إذا كانت في العضو الممسوح رطوبة خارجية تمنع من تأثير رطوبة الماسح فيه أو

توجب كون المسح بماء مختلط من ماء الوضوء و غيره، فلا بد من تجفيفها قبل المسح حتى يحصل اليقين بالتأثير و لا يكفي الظن به.

و الأفضل ان يكون المسح على الرأس بمقدار عرض ثلاث أصابع، و ان يكون بطول إصبع، و الأحوط ان يمسح مقبلا من الأعلى إلى الأسفل، و ان كان الأقوى كفاية مسمى المسح في كل من الطول و العرض، فيجزيه ان يمسح بشي ء من الطول مما يحصل به المسمى في عرض إصبع واحدة، و يجزيه ان يكون المسح طولا أو عرضا أو منحرفا بل و منكوسا.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 1، ص: 103

المسألة 335

لا يجب ان يكون المسح على البشرة فيجزيه ان يمسح على الشعر النابت في مقدم الرأس إذا لم يكن طويلا يخرج بمده عن حد مقدم الرأس، و إذا كان كذلك لم يكف المسح عليه و ان كان مجتمعا على نفس المقدم أو على الناصية، بل يمسح على أصوله أو على البشرة إذا أمكن، و لا يكفي المسح على الشعر النابت في غير المقدم و ان اجتمع على المقدم، و لا بد من رفع كل ما يمنع من وصول رطوبة المسح الى الشعر أو البشرة من دهن أو خضاب أو غيره، و لا يجزي المسح على الحائل من عمامة أو قناع أو غيرهما إلا إذا كان مضطرا لبرد أو ثلج أو عدو يخافه و نحو ذلك، أو كان الحائل جبيرة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 104

[الرابع: المسح على القدمين]
المسألة 336

الرابع من واجبات الوضوء المسح على القدمين من رؤوس أصابعهما إلى مفصل الساق على الأحوط مع المرور بقبة القدم، و يجب الاستيعاب في الطول و يكفي المسمى في العرض، فإذا مسح من رؤوس الأصابع إلى المفصل مارا بقبة القدم بعرض إصبع واحدة كفى.

و الأفضل ان يكون بعرض ثلاث أصابع، و أفضل منه ان يضع كفه على رؤوس الأصابع ثم يمسح ظهر قدمه كله الى المفصل.

و يجزيه ان يمسح مقبلا و منكوسا، و لا بد من ان يمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى و اليسرى باليسرى، و يجوز له ان يمسح القدمين معا أو يقدم اليمنى على اليسرى، و لا يجوز ان يقدم اليسرى على اليمنى.

و يجب ان يمسح البشرة، و إذا كان على ظهر القدمين شعر جمع على الأحوط بين المسح عليه و المسح على البشرة.

و لا بد من ازالة ما يمنع

من وصول رطوبة المسح إلى البشرة حتى يحصل اليقين بذلك، و لا يكفي الظن به و قد ذكرنا ذلك في مسح الرأس.

المسألة 337

يجب ان يكون المسح بالبلة الباقية في الكف من ماء الوضوء، فلا يجوز بماء جديد، بل الأقوى ان لا يضع يده إذا أتم الغسل على شي ء من أعضاء الوضوء المغسولة فيكون المسح بماء ممتزج من ماء الكف و غيره.

نعم، إذا جف ما في الكف جاز له الأخذ من غيرها، و لا يترك الاحتياط بتقديم اللحية، فإذا جف ماؤها أخذ من الحاجبين و أشفار العينين، فإذا لم يجد فيها أخذ من سائر الأعضاء، فإذا لم يجد فيها جميعا بطل وضوؤه.

و لا يأخذ من اللحية مما خرج عن حد الوجه كالمسترسل عن محادر الذقن، و ما خرج عن الإبهام و الوسطى في العرض.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 105

و على ما تقدم، فإذا وجد في الكف ما يمسح به الرأس مسحه به ثم أخذ لمسح الرجلين من أعضاء الوضوء على الترتيب المتقدم.

المسألة 338

يجب ان يكون المسح ببشرة الكف أو الأصابع، فلا يصح المسح إذا كان عليها مانع يحول بينها و بين الممسوح و ان كان رقيقا لا يمنع من وصول الرطوبة، و يجب ان يكون المسح على العضو الممسوح كما تقدم في مسح الرأس، فلا يجزى المسح على الحائل كالخف و الجورب و نحوهما إلّا في حال الضرورة، أو الخوف من عدو و نحوه، أو تقية لا تتأدى إلا بالمسح عليهما أو جبيرة و نحوها، و إذا اقتضت الضرورة المسح على الحائل، و كان الحائل متعددا فالأحوط نزع ما يمكن منه، و لا بد من اجتماع الشرائط في الماسح من وجود الرطوبة المؤثرة و غيرها كما في المسح على البشرة.

المسألة 339

لا يصح المسح على الحائل للضرورة أو العدو أو الجبيرة إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك في جميع الوقت، فإذا أمكنه أن يأتي بالوضوء الصحيح و لو في آخر الوقت وجب عليه التأخير و لم يجز له البدار، نعم لا تجب مراعاة ذلك مع التقية، إلا إذا أمكنه التخلص منها بوجه من الوجوه، كأن يريهم مثلا انه يمسح على الخف و هو يمسح على القدم، أو أمكنته الحيلة في رفعها فيتعين عليه ذلك في المسح على الخف.

المسألة 340

إذا ضاق الوقت عن رفع الحائل عن الرأس أو عن القدم توضأ و مسح على الحائل و ضم اليه التيمم.

المسألة 341

لا يتعين ان يكون المسح بإمرار الماسح على الممسوح، بل المدار على وصول الأثر المقصود الى العضو الممسوح، فإذا حرك القدم أو الرأس تحت كفه أو حرك كلا من الماسح و الممسوح صح وضوؤه مع وصول أثر المسح الى العضو.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 106

المسألة 342

إذا كانت الرطوبة على العضو الماسح كثيرة توجب غسل العضو الممسوح فالأحوط تقليل الرطوبة فلا يصدق الغسل.

المسألة 343

إذا مسح على الحائل للضرورة ثم زالت الضرورة التي أوجبت له ذلك و الوقت لا يزال باقيا، وجبت عليه اعادة الوضوء و اعادة الصلاة التي صلاها بذلك الوضوء.

و إذا فعل ذلك للتقية ثم ارتفعت و الوقت لا يزال باقيا، فالأقرب صحة الوضوء و صحة الصلاة إذا كان صلاها بوضوئه ذلك، و الأحوط الإعادة.

المسألة 344

إذا تعذر عليه أن يمسح بباطن الكف أجزأه أن يمسح بظاهرها، و إذا تعذر عليه ان يمسح بظاهر كفه مسح بذراعه، فان لم يجد فيهما رطوبة يمسح بها أخذها من سائر أعضاء الوضوء على الترتيب المتقدم في المسألة الثلاثمائة و السادسة و الثلاثين على الأحوط، فان لم يجد فيها جميعا بطل وضوؤه.

المسألة 345

إذا تعذر عليه حفظ الرطوبة للمسح الواجب لشدة حر الهواء أو حرارة البدن بحيث لا يفيد معها إكثار الماء و لا اعادة الوضوء مسح بماء جديد ثم تيمم بعده على الأحوط.

المسألة 346

الواجب في الوجه هو غسله مرة واحدة، سواء حصل ذلك بغرفة واحدة أم بغرفتين أم بأكثر، و يقصد بمجموع ذلك الغسلة الواحدة الواجبة، و كذلك في غسل اليد اليمنى و اليد اليسرى.

المسألة 347

إذا صب الماء على العضو و أمر يده عليه حتى حصل له اليقين بوصول

كلمة التقوى، ج 1، ص: 107

الماء الى جميع اجزاء العضو، فالأحوط ترك المبالغة أكثر من ذلك و ان كان فعله بقصد زيادة اليقين، و تشكل زيادة صب الماء على العضو إذا خرج به عن المتعارف فضلا عما إذا كان عبثا، سواء كان بالاغتراف مرارا، أم بصب الماء من الإبريق و نحوه حتى خرج عن المتعارف و ان كان الصب متصلا.

المسألة 348

الوسواسي الذي لا يحصل له القطع يرجع الى المتعارف في مقدار صب الماء على العضو و في مقدار إمرار يده على العضو و مباشرته، فإذا زاد في صب الماء على اليد اليسرى أشكل الحكم بصحة وضوئه للزوم كون مسحه بماء جديد، و كذلك إذا بالغ في إمرار يده عليها أكثر من المتعارف حتى امتزج ماء الكف بماء الذراع.

المسألة 349

يستحب غسل الوجه مرتين، فإذا أتم الغسل الواجب بغرفة أو غرفتين أو أكثر كما تقدم استحب له ان يغسله مرة ثانية و كذلك اليد اليمنى ثم اليد اليسرى.

المسألة 350

يستحب للرجل أن يبدأ بظاهر ذراعيه اليمنى و اليسرى في كلتا الغسلتين الواجبة و المستحبة، و يستحب للمرأة ان تبدأ بباطن ذراعيها في كلتا الغسلتين.

المسألة 351

يستحب الإسباغ في الوضوء بمعنى إكثار الماء حتى يجري على العضو، و يستحب ان يكون الوضوء بمد من الماء، و المد هو ربع الصاع الشرعي، فهو عبارة عن مائة و ثلاثة و خمسين مثقالا صيرفيا و نصف و حمصة و نصف، و الظاهر ان هذا مقدار مجموع ما يصرف في الوضوء و مستحباته من غسل اليدين و المضمضة و الاستنشاق، و يكره الإسراف في ماء الوضوء أكثر من ذلك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 108

المسألة 352

يستحب الاستياك قبل الوضوء، و الأفضل ان يكون بعود الأراك، و يجزي بالإصبع و غيرها، و تستحب التسمية قبل الوضوء، و غسل اليدين مرة واحدة من حدث البول أو النوم و مرتين من حدث الغائط.

و تستحب المضمضة ثلاثا، و الاستنشاق ثلاثا، و ان يغترف الماء بيده اليمنى فإذا كان لغسل اليد اليمنى اغترف باليمنى و أفرغه في اليسرى ثم غسل به اليمنى.

و تستحب قراءة الأدعية المأثورة عند الإتيان بمستحبات الوضوء و أفعاله.

المسألة 353

ورد في بعض النصوص استحباب قراءة سورة القدر في أثناء الوضوء و ورد استحباب قراءتها بعد إسباغ الوضوء، و ورد استحباب قراءة آية الكرسي على أثر الوضوء، و لا بأس بالإتيان بذلك كله برجاء المطلوبية.

و مما يستحب ان يفتح المكلف عينيه في حال غسل الوجه، فعن النبي (ص) انه قال: افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلها لا ترى نار جهنم.

المسألة 354

تكره الاستعانة بالغير في الوضوء، و المراد بها الاستعانة به في المقدمات القريبة كصب الماء في يد الرجل ليتوضأ به، اما ان يتولى الغير غسل أعضائه أو مسحها فلا يجوز لغير الضرورة كما سيأتي في فصل (شرائط الوضوء).

و يكره الوضوء بماء أسخنته الشمس، و بسؤر الحيوان محرم اللحم ما عدا الهرة، و بسؤر المرأة الحائض إذا كانت غير مأمونة، بل يكره سؤر غير المأمون مطلقا، و بالماء الآجن و هو الذي تغير لونه، و طعمه، و ليكن الترك في هذا برجاء المطلوبية.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 109

الفصل الثامن عشر في شرائط الوضوء
اشارة

و هي أمور:

[الأول: إطلاق الماء،]
المسألة 355

الأول: ان يكون الماء مطلقا، فلا يصح الوضوء بالماء المضاف حتى إذا طرأت عليه الإضافة بنفس الوضوء إذا اتفق ذلك، و تراجع المسألة الثالثة و السبعون في حكم الماء المشتبه بالمضاف.

[الثاني: طهارة الماء،]
المسألة 356

الثاني: ان يكون الماء طاهرا، فلا يصح الوضوء بالماء النجس، و بحكمه الماء المشتبه بالنجس إذا كانت الشبهة محصورة كما تقدم بيانه في المسألة الثانية و السبعين فلتلاحظ.

[الثالث: طهارة أعضاء الوضوء]
المسألة 357

الثالث: ان يكون أعضاء الوضوء طاهرة، و المراد ان يكون كل عضو منها طاهرا حين غسله للوضوء و لا يضره ان يكون نجسا حين غسل الأعضاء الأخرى، فإذا كانت يده اليسرى نجسة مثلا فغسل وجهه للوضوء ثم غسل يمينه ارتماسا مثلا ثم طهر يسراه من النجاسة و غسلها للوضوء صح وضوؤه، و إذا كانت أعضاؤه كلها نجسة فطهر الوجه ثم غسله للوضوء ثم طهر يده اليمنى و غسلها بعده للوضوء، ثم صنع كذلك في اليد اليسرى، و طهر الرأس و القدمين قبل المسح عليهما مع المحافظة على شرائط الوضوء، و على رطوبة الكفين التي يمسح بها صح وضوؤه.

و لا يبطل الوضوء بتنجس العضو بعد غسله للوضوء، فيتم وضوءه و يطهر العضو المتنجس للصلاة الا ان يحصل خلل من جهة أخرى من حيث المسح أو غيره.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 110

و لا يكفيه غسل واحد لتطهير العضو و الوضوء حتى إذا رمسه بالكر أو الجاري، و يصح له ان يطهر العضو بغمسه في الكر مثلا، و ينوي الوضوء بإخراجه.

المسألة 358

إذا توضأ و بعض المواضع من بدنه نجسة غير أعضاء الوضوء لم يضر ذلك بصحة وضوئه، نعم، الأحوط له ان لا يتوضأ قبل الاستنجاء.

[الرابع عدم المانع عن وصول الماء]
المسألة 359

الرابع من شرائط الوضوء ان لا يوجد ما يحول عن وصول الماء إلى البشرة في الغسل و المسح كما تقدم ذكره في المسألة الثلاثمائة و الخامسة و العشرين و غيرها، فإذا علم بوجوده فلا بد من العلم بزواله، أو العلم بتحقق غسل البشرة في المغسول و مسحها في الممسوح، و إذا شك في وجوده فلا بد من الفحص حتى يحصل الظن بعدم الحاجب و ان لم يبلغ درجة الاطمئنان.

[الخامس: ان يكون الماء مباحا]
المسألة 360

الخامس: ان يكون الماء مباحا فلا يصح الوضوء بالماء المغصوب، و بحكمه الماء المشتبه بالمغصوب إذا كانت الشبهة محصورة، كما ذكرناه في المسألة الثانية و السبعين.

المسألة 361

لا يصح للمكلف أن يتوضأ في الآنية المغصوبة إذا كان وضوؤه بنحو الارتماس في الآنية، و ان كان الماء الموجود فيها مباحا، سواء وجد لديه ماء مباح آخر أم لم يوجد، فإذا توضأ فيها كذلك كان وضوؤه باطلا، و لا يصح له ان يتوضأ بالاغتراف منها لغسل أعضائه تدريجا، أو بصب الماء على الأعضاء، إذا لم يوجد لديه ماء مباح آخر، فإذا توضأ منها كذلك كان عمله باطلا.

و إذا كان لديه ماء مباح آخر صح وضوؤه من الآنية المغصوبة بالاغتراف التدريجي أو الصب على الأعضاء من الظرف المغصوب إذا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 111

كان صبه مقدمة للغسل ثم اجرى الماء على الأعضاء بمباشرة يده، و ان كان إثما في الاغتراف أو الصب من الآنية لتصرفه في المغصوب.

و تشكل صحة الوضوء إذا أجرى الماء على العضو من الآنية لا بمباشرة يده بعد الصب.

و إذا أخذ من ذلك الماء ما يكفي لوضوئه فوضعه في إناء مباح ثم توضأ به صح وضوؤه و ان أثم في المقدمة، و حكم الغسل في جميع ما ذكر هو حكم الوضوء.

المسألة 362

لا يترك الاحتياط في مكان الوضوء أو مصب مائة إذا كانا مغصوبين و لا سيما في المكان بمعنى الفضاء الذي تتحرك فيه أعضاء الإنسان في الغسل و المسح في وضوئه، و المصب الذي يعد نفس الوضوء صبا للماء فيه عرفا.

المسألة 363

لا يصح الوضوء مع انتفاء أحد الشروط الأربعة الأولى المتقدمة، فإذا توضأ المكلف بماء مضاف، أو بماء نجس، أو كان بعض أعضاء وضوئه نجسا، أو مع وجود الحائل بطل وضوؤه سواء كان عالما عامدا أم جاهلا أم ناسيا.

و إذا توضأ بماء مغصوب و هو عالم بحرمة ذلك بطل وضوؤه، و كذلك إذا كان جاهلا بحرمة ذلك عليه و كان جهله عن تقصير فلا بد من الإعادة، و مثله ما إذا كان عالما بالحرمة و لكنه جاهل بالحكم الوضعي، فلا يعلم ببطلان الوضوء بالماء المغصوب، فيبطل وضوؤه سواء كان مقصرا في جهله أم قاصرا.

و إذا توضأ بالماء المغصوب و هو جاهل بحرمة ذلك عليه و كان جهله عن قصور يعذر فيه صح وضوؤه على الظاهر.

و كذلك إذا كان جاهلا بالغصب أو ناسيا له فالظاهر الصحة حتى في الغاصب نفسه إذا نسي الغصب فتوضأ بالماء و ان كان الأحوط

كلمة التقوى، ج 1، ص: 112

استحبابا الإعادة في هذه الصورة، و إذا كان الغاصب ممن لا يبالي إذا تذكر انه غاصب فالظاهر البطلان.

و كذلك الحكم في الوضوء في الظرف المغصوب و المكان و المصب المغصوبين على التفصيل المتقدم في المسألتين السابقتين.

المسألة 364

لا يجوز التصرف في مال الغير إلا بإذن صريح أو فحوى أو شاهد حال قطعي يدل على الرضا، من غير فرق بين الماء و الظرف و المكان و غيرها، فلا يجوز التصرف مع الشك في رضا مالكه، الا مع سبق الرضا منه فيستصحب بقاء رضاه عند الشك.

المسألة 365

يجوز الوضوء و الغسل و الشرب من الأنهار الكبار و ان لم يعلم برضا مالكها، بل و ان علم أن في المالكين صغارا و مجانين، و يشكل الجواز مع العلم أو الظن بكراهة المالكين و عدم رضاهم، و يشكل الجواز إذا غصبها غاصب من مالكها سواء غير مجرى الأنهار أم لم يغير.

و كذلك الحكم في الأراضي الواسعة، فيجوز الوضوء و الغسل فيها و الصلاة و الجلوس و النوم و أمثال ذلك من التصرفات ما لم يعلم أو يظن بكراهة المالك أو تكون مغصوبة.

المسألة 366

الحياض و المياه التي تكون في المساجد و لا يعلم انها خاصة بالمصلين في ذلك المسجد، أو هي عامة لمن سواهم من المارين و المتوضئين، لا يجوز لغير من يصلي في المسجد ان يتوضأ منها أو يغتسل بها، إلا إذا علم بعموم الاذن فيها للجميع، أو قيام البينة على ذلك أو إقرار الواقف أو المالك به، أو شبه ذلك من الامارات الشرعية التي تثبت ذلك، و لا يكفي مجرد اعتياد الناس ذلك أو اخبار أحد به، و كذلك الحكم في الحياض و المياه التي تكون في المدارس و الخانات الموقوفة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 113

المسألة 367

يصح الوضوء و الغسل تحت الخيمة المغصوبة إذا كان الماء و المكان مباحين، و ان كان مأثوما في الانتفاع بالخيمة.

[السادس: ان لا تكون الآنية ذهبا أو فضة،]
المسألة 368

السادس من شرائط الوضوء: ان لا تكون الآنية التي يتوضأ منها آنية ذهب أو فضة، و قد تقدم تفصيل القول فيها في المسألة المائتين و الثانية و الثمانين و ما بعدها.

و إذا توضأ من آنية الذهب أو الفضة ناسيا أو غافلا أو جاهلا بأن الآنية من الذهب مثلا صح وضوؤه إذا كان معذورا.

و لا يعذر الجاهل بحرمة استعمال آنية الذهب إذا كان مقصرا في جهله فيبطل وضوؤه و لا يعذر الجاهل ببطلان الوضوء منها، سواء كان قاصرا أم مقصرا على الأحوط.

المسألة 369

تقدم في مبحث الماء المستعمل ان الأحوط اجتناب ماء الاستنجاء مع وجود ماء غيره، و إذا لم يوجد لدى المكلف ماء آخر جمع بين الطهارة منه و التيمم.

و اما الماء المستعمل في تطهير سائر النجاسات غير الاستنجاء فهو نجس لا يصح الوضوء منه، و إذا توضأ منه جاهلا أو ناسيا فلا بد من تطهير الأعضاء ثم اعادة الوضوء.

و أما الماء المستعمل في الوضوء فلا ريب في جواز الوضوء به، و ان تكرر ذلك، و كذلك الماء المستعمل في الأغسال المندوبة كغسل الجمعة و الزيارة و نحوهما.

و اما الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر مع طهارة البدن، فالأحوط اجتناب الوضوء منه مع وجود ماء آخر، فإذا لم يوجد لدى المكلف ماء غيره جمع بين الطهارة منه و التيمم. و قد تقدم بيان ذلك في المسألة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 114

التاسعة و الخمسين، و ما بعدها من المسائل في مبحث الماء المستعمل فلتلاحظ.

[السابع: عدم الحظر عليه من استعمال الماء]
المسألة 370

السابع من الشرائط: أن لا يكون لدى المكلف ما يحظر عليه استعمال الماء في الوضوء كبعض الأمراض التي تمنعه من ذلك، أو خوف العطش على نفسه أو على نفس محترمة أخرى إذا هو صرف الماء الموجود لديه في الوضوء. و أمثال ذلك مما يوجب التيمم، فلا يجوز له الوضوء عند ذلك و يجب عليه التيمم، و إذا توضأ كان وضوؤه باطلا.

[الثامن: سعة الوقت للوضوء و الصلاة،]
المسألة 371

الثامن: ان يتسع الوقت للوضوء و الصلاة، فإذا ضاق الوقت بحيث يكون الوضوء موجبا لوقوع بعض الصلاة خارج الوقت، تعين عليه التيمم و إدراك الصلاة، الا ان يكون الزمان الذي يحتاج إليه في التيمم مساويا لزمان الوضوء فيتعين عليه الوضوء.

و إذا توضأ في الصورة المتقدمة، فإن قصد بوضوئه امتثال أمر الصلاة التي تضيق وقتها على نحو التقييد بطل وضوؤه، و ان قصد به امتثال غاية أخرى أو قصد القربة بقول مطلق، أو قصد امتثال الأمر المتوجه اليه صح وضوؤه، و كذلك الحكم في الغسل مع تضيق الوقت.

[التاسع: المباشرة،]
المسألة 372

التاسع من الشرائط: ان يباشر المكلف أفعال وضوئه بنفسه من غسل و مسح، إذا كان قادرا على ذلك- فإذا تولى غيره ذلك مع قدرته على المباشرة بنفسه بطل وضوؤه، سواء تولى غيره جميع أفعال الوضوء من غسل و مسح، أم تولى الغير بعضها و باشر المكلف بعضها.

و لا يضر بصحة الوضوء ان يتولى غير المكلف إحضار الماء أو تسخينه و غير ذلك من المقدمات البعيدة، و لا يضر بصحته ان يصب الغير الماء على يد المكلف و يتولى هو اجراء الماء على أعضائه فيغسل و يمسح بنفسه، نعم يكره له ذلك كما تقدم في المسألة الأخيرة من فصل واجبات الوضوء. و إذا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 115

صب الغير الماء على أعضاء المكلف، و باشر المكلف بنفسه اجراء الماء عليها فغسل و مسح، فالظاهر صحة الوضوء إذا قصد الوضوء بإجراء الماء بنفسه لا بصب ذلك الغير، و الأحوط الإعادة.

المسألة 373

يصح الوضوء من ماء الميزاب أو ماء الأنبوب إذا جعل وجهه أو يديه تحتهما بقصد الوضوء حتى عم الماء على العضو المغسول، و أتم وضوءه.

المسألة 374

إذا عجز الإنسان عن مباشرة أفعال الوضوء بنفسه لشلل أو مرض أو غيرهما، وجب عليه ان يستعين بالغير في ذلك و لو بالأجرة، فينوي المكلف الوضوء و يجري الغير عليه الغسل، و لا يتعين ان يجري الغير الماء بيد المكلف نفسه، و ان كان ذلك أحوط. نعم، يجب ان يكون المسح على مواضع المسح بيد المكلف نفسه فيمسكها الغير بيده و يمسح بها رأس المكلف و قدميه، فإذا لم يمكن ذلك تولاها الغير بيده فأخذ الرطوبة من يد المكلف و مسح بها رأسه و قدميه، و يحتاط بالتيمم في هذا الفرض.

[العاشر: الترتيب]
المسألة 375

العاشر من الشرائط: الترتيب بين أفعال الوضوء فيبدأ بغسل الوجه، ثم اليد اليمنى، ثم اليد اليسرى، ثم يمسح على الرأس، ثم يمسح على القدمين، و يجوز له ان يمسح القدمين معا، أو يقدم اليمنى على اليسرى، و لا يجوز ان يقدم اليسرى على اليمنى كما تقدم في المسألة الثلاثمائة و السادسة و الثلاثين، و يجب في الأعضاء المغسولة ان يكون الغسل من الأعلى إلى الأسفل عرفا، و لا فرق بين الوضوء الترتيبي و الارتماسي في جميع ما ذكر.

و إذا خالف الترتيب جاهلا أو ناسيا، فان تذكر قبل ان تفوت الموالاة وجب عليه ان يعيد على ما يحصل به الترتيب بين الأعضاء، فإذا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 116

غسل يده اليمنى ثم وجهه صح غسل وجهه و وجب عليه ان يغسل يده اليمنى ثم اليسرى، و إذا غسل اليسرى قبل الوجه صح غسل وجهه، و وجب عليه أن يغسل يده اليمنى ثم اليسرى، و إذا غسل وجهه ثم يده اليسرى ثم اليد اليمنى أعاد على يده اليسرى.

و إذا تذكر انه خالف الترتيب بعد ان فاتت

الموالاة و جفت الأعضاء بطل وضوؤه.

[الحادي عشر: الموالاة.]
المسألة 376

الحادي عشر من شرائط الوضوء: الموالاة.

و هي- على الأظهر- عدم التراخي الطويل بين الأعضاء الذي يؤدي بحسب العادة إلى جفاف الماء عن الأعضاء السابقة قبل الإتيان باللاحقة، فلا بد في الموالاة المعتبرة في الوضوء من اجتماع الأمرين، فإذا تراخى طويلا حتى جف الماء عن الأعضاء السابقة لطول الفصل بينها بطل وضوؤه، سواء كان عامدا أم ناسيا أم معتقدا لعدم جفاف الأعضاء ثم تبين له خلاف ذلك.

و لا يضر التراخي إذا كان لا يؤدي بحسب العادة إلى جفاف الأعضاء السابقة، و لا يضر الجفاف إذا حصل من غير تراخ يوجب ذلك، بل حصل لحرارة الهواء أو لحرارة البدن، و لا يضر التراخي إذا أدى الى جفاف بعض الأعضاء دون بعض أو أدى الى جفاف بعض اجزاء العضو دون بعض.

و إذا حصل التراخي الطويل الذي يؤدي الى جفاف الأعضاء بحسب العادة، و لكن الأعضاء لم تجف بالفعل لكثرة الرطوبة في الهواء، فلا يترك الاحتياط بإعادة الوضوء.

و لا يضر التمشي في أثناء الوضوء أو بعده قبل المسح أو في أثنائه إذا لم تفت به الموالاة المذكورة.

المسألة 377

إذا تذكر بعد أن شرع في صلاته: انه ترك المسح في وضوئه، فإن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 117

فاتت الموالاة، أعاد الوضوء و الصلاة، و ان تذكر قبل ان تفوت الموالاة و تجف الأعضاء بطلت صلاته و مسح بالرطوبة الموجودة في الكف فان لم يبق فيها شي ء أخذ الرطوبة من اللحية أو الحاجبين أو الأعضاء الأخرى- على الترتيب المتقدم في المسألة الثلاثمائة و السابعة و الثلاثين- و مسح بها ثم أعاد الصلاة.

المسألة 378

إذا حصل التراخي بحيث جفت الأعضاء السابقة، و لكن بقيت الرطوبة في مسترسل اللحية و ما خرج منها عن حد الوجه، ففي كفايتها في بقاء الموالاة إشكال، و لا يترك الاحتياط بإتمام الوضوء ثم الإعادة.

[الثاني عشر: النية،]
المسألة 379

الثاني عشر: النية، و هي ان يقصد الفعل متقربا به الى اللّه تعالى، و الأحوط ان يقصد غاية من غايات الوضوء الواجبة أو المندوبة كالكون على الطهارة، و التقرب الى اللّه هو أن يقصد اللّه سبحانه بفعله امتثالا لأمره، أو لأنه أهل للطاعة، أو حبا له، أو لدخول الجنة، أو الفرار من النار أو لغير ذلك من الوجوه الصحيحة التي يتوجه بها العبد الى ربه و يقصد امتثال امره.

و لا يجب التلفظ بالنية و لا أخطارها بالذهن، بل يكفي الداعي الارتكازي الذي يحرك الإنسان حين العمل و يكون ملتفتا اليه على وجه الاجمال، و يقابل ذلك ان يكون الإنسان غافلا حين العمل لا يدري ما هو صانع، فلا يكون ناويا، و لا يصح عمله.

و يجب استمرار النية حكما الى آخر العمل، و هو ان يأتي بجميع اجزاء الواجب عن ذلك القصد الأول.

و إذا تردد في القصد، أو نوى الخلاف أو ذهل عن العمل أصلا و اتى ببعض الافعال كذلك بطل عمله، الا ان يعود الى نيته الاولى قبل ان تفوت الموالاة و تجف الأعضاء فيعود الى العمل و يكون صحيحا، و عليه ان يعيد الأفعال التي أتى بها في حال التردد أو الذهول.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 118

المسألة 380

لا تجب نية الوجوب أو الندب في الوضوء، و لا نية وجه الوجوب أو الندب من المصالح التي اقتضت الأمر به وجوبا أو ندبا أو غير ذلك، و لا يجب قصد رفع الحدث أو استباحة الصلاة، و لا يجب قصد غاية معينة و ان كان في وقت وجوب تلك الغاية، فيكفيه الوضوء لغاية أخرى، و ان كان مستحبة، و الأحوط ان يقصد امتثال الأمر المتوجه اليه بالوضوء.

و

إذا اعتقد دخول الوقت فنوى الوجوب في وضوئه ثم تبين له ان الوقت لم يدخل بعد فالظاهر صحة وضوئه إذا كان قاصدا امتثال الأمر المتوجه اليه بالوضوء و ان تخيل إليه أنه الأمر الوجوبي.

المسألة 381

يجب أن تكون العبادة خالصة للّه سبحانه نقية من الشوائب كالرياء و السمعة و العجب.

و الرياء: هو ان يأتي الإنسان بالعمل لاراءة الناس ذلك و استجلاب نظرهم اليه، و السمعة: أن يأتي بالعمل لاسماعهم به.

و العجب: أن يدخل في نفسه العجب من عمله و الاكبار له. الى غير ذلك من الأمور المنقصة للعمل، و الموبقة للإنسان و الموجبة لحبط الأجر، و قد يأتي في مبحث النية في الصلاة شي ء من التفصيل في ذلك.

المسألة 382

إذا قصد الرياء في وضوئه كان باطلا، سواء قصد به الرياء خالصا، أم قصد به القربة و الرياء معا، و سواء كانت القربة هي الداعي المستقل في إيجاد العمل، و كان الرياء داعيا تبعيا غير مستقل، أم كان الرياء هو الداعي المستقل للعمل و القربة هي التابع، أم كان كل من القربة و الرياء داعيا مستقلا يكفي في إيجاد العمل لو كان منفردا.

و سواء كان الرياء في أصل العمل أم في كيفيته إذا كانت متحدة مع العمل كما إذا رآءى بالوضوء قبل الوقت أو بإسباغ الوضوء مثلا، أم كان

كلمة التقوى، ج 1، ص: 119

في اجزاء العمل إذا اكتفى بذلك الجزء و لم يعده قبل فوات الموالاة، حتى إذا قصد الرياء ثم تاب منه فان العمل الذي راءى به يقع باطلا لا بد من تداركه. و كذلك الحكم في السمعة في جميع ما تقدم.

المسألة 383

إذا قصد الرياء أو السمعة في كيفية لا تتحد مع العمل كما إذا رآءى أو قصد السمعة في استقباله في الوضوء أو في تحنكه في الصلاة، فالأقرب عدم البطلان بذلك.

و إذا قصد الرياء أو السمعة في جزء من الوضوء ثم أعاد ذلك الجزء قبل ان تفوت الموالاة و تجف الأعضاء، فالظاهر صحة الوضوء، و إذا وقع مثل ذلك في الصلاة بطلت للزوم الزيادة العمدية فيها.

و إذا قصد الرياء أو السمعة في المضمضة أو الاستنشاق أو بعض المستحبات الأخرى في الوضوء فالظاهر عدم البطلان به.

نعم إذا رآءى في الغسلة الثانية المستحبة في الوضوء بطلت الغسلة، و بطلانها يوجب كون المسح بغير بلة الوضوء فيبطل أيضا.

المسألة 384

إذا خطر الرياء في قلبه حين العمل، و لكنه قصد القربة المستقلة و لم يقصد معها الرياء حتى تبعا كان العمل صحيحا و لم يضره مجرد خطور الرياء في قلبه و ان فرح برؤية الناس له، و كذلك السمعة.

المسألة 385

إذا أتم الإنسان عمله متقربا به الى اللّه تعالى ثم قصد الرياء أو السمعة بعد العمل لم يبطل على الظاهر. و كذلك العجب المتأخر عن العمل.

و إذا حصل له العجب بعمله و هو في أثناء العمل أو مقارنا لنيته فالظاهر انه لا يبطل العمل بذلك و ان كان موجبا لحبط الثواب.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 120

المسألة 386

إذا شك الإنسان و هو في العمل في ان الداعي الذي قصده بعمله هو القربة الخالصة فيكون العمل صحيحا أو هو مركب منها و من الرياء أو السمعة مثلا فيكون باطلا، فالعمل باطل، إلا إذا أحرز الخلوص في أول العمل ثم حصل له الشك في الأثناء فيحكم بالصحة، و إذا شك في ذلك بعد الفراغ من العمل حكم بصحته.

المسألة 387

يجب التنبه لما ذكر و لغيره و الحذر منها جهد المستطاع فإنها من مداخل الشيطان الغرور الموجبة لسقوط المرء في الهاوية و جره إلى التهلكة (ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا انما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير).

المسألة 388

إذا قصد الإنسان بوضوئه ضميمة أخرى و كانت راجحة كما إذا توضأ متقربا الى اللّه و قصد به تعليم الغير صورة الوضوء، فإذا كانت القربة هي الداعي المستقل للفعل و كان قصد التعليم داعيا تبعيا لها حكم بصحة الوضوء، و كذلك إذا كان كل من قصد القربة و تعليم الغير داعيا مستقلا، يكفي في إيجاد العمل لو كان منفردا.

و إذا كان التعليم هو الداعي المستقل للفعل و كانت القربة مقصودة تبعا أو كان الداعي للفعل هو المجموع المركب من القصدين فالظاهر البطلان في هاتين الصورتين.

و كذلك الحكم إذا كانت الضميمة المقصودة مباحة كما إذا توضأ متقربا به الى اللّه تعالى و قصد به التبريد فتجري فيها الفروض السابقة و تترتب عليها أحكامها جميعا. و ان كان الأحوط إعادة الوضوء في ما إذا كان كل من القربة و الضميمة المباحة داعيا مستقلا.

المسألة 389

لا ريب في صحة الوضوء إذا شرع فيه قبل الوقت و دخل عليه الوقت

كلمة التقوى، ج 1، ص: 121

و هو في أثنائه و هذا الوضوء الواحد متصف بالاستحباب قبل الوقت و متصف بالوجوب بعد دخول الوقت، فإذا أراد في عمله نية الوجوب و الندب نوى الاستحباب به قبل الوقت و نوى الوجوب بعده و لا منافاة في ذلك، و الأحوط ان يقصد امتثال الأمر المتوجه اليه بالوضوء.

الفصل التاسع عشر في أحكام الوضوء
المسألة 390

إذا توضأ ثم شك بعد وضوئه في حصول الحدث بنى على بقاء وضوئه، إلا إذا بال و لم يستبرئ ثم توضأ و خرجت منه بعد ذلك رطوبة مشتبهة فإنه يبني على ان الخارج منه بول، فعليه ان يتطهر منه و يعيد الوضوء، و إذا كان محدثا ثم شك في انه توضأ بعد الحدث أم لا، بنى على بقاء الحدث، و لا اعتبار بالظن في كلتا الصورتين، إلا إذا كان منشأ الظن قيام بينة أو نحوها من الامارات الشرعية على انه محدث أو متوضئ بعد حالته الأولى.

المسألة 391

إذا علم بأنه أحدث و توضأ و لم يعلم ان المتأخر منهما هو الحدث أو الوضوء، فان جهل تأريخ كل من حدثه و وضوئه، بنى على انه محدث، و كذلك إذا جهل تأريخ وضوئه و علم تأريخ حدثه، فيبني على انه محدث في الصورتين، و إذا علم تأريخ وضوئه و جهل تأريخ حدثه بنى على بقاء وضوئه.

المسألة 392

إذا كان متوضئا ثم جدد وضوءه و صلى، ثم علم ببطلان احد الوضوءين صحت الصلاة إذا قصد بوضوئه التجديدي امتثال الأمر المتوجه اليه بالوضوء.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 122

و إذا توضأ و صلى، ثم جدد الوضوء بعدها و صلى صلاة ثانية ثم علم ببطلان أحد الوضوءين، حكم بصحة الصلاة الثانية، و الظاهر صحة الصلاة الأولى أيضا، و الأحوط استحبابا اعادتها.

المسألة 393

إذا علم بعد الفراغ من الوضوء انه اما ترك واجبا من واجبات الوضوء أو مستحبا من مستحباته حكم بصحة وضوئه.

المسألة 394

إذا علم انه ترك احد واجبات الوضوء أو أحد شرائطه، فإن كان ذلك بعد فوات الموالاة و جفاف الأعضاء بطل وضوؤه، و ان علم به قبل ان تفوت الموالاة رجع الى ذلك الشي ء الذي تركه فأتى به و أتى بما بعده، و صح وضوؤه.

المسألة 395

إذا شك في واجب من واجبات الوضوء أو في شرط من شرائطه انه اتى به أم لا، فان كان شكه و هو في أثناء الوضوء، وجب عليه ان يأتي بذلك الشي ء المشكوك و بما بعده، و ان كان قد تجاوز عنه، كما إذا شك في غسل الوجه أو غسل بعض اجزائه و هو في مسح الرأس أو مسح القدمين.

و ان كان شكه بعد الفراغ من الوضوء لم يلتفت الى شكه و بنى على الصحة، و يكفي الفراغ البنائي فإذا شك في الجزء الأخير من الوضوء بنى على الصحة كذلك إذا وجد نفسه بانيا على الفراغ من الوضوء، و ان لم يقم عن مكان الوضوء و لم يمكث طويلا و لم يدخل في عمل آخر.

المسألة 396

الأحوط إلحاق الغسل و التيمم بالوضوء في الحكم المتقدم، سواء كان التيمم بدلا عن الغسل أم بدلا عن الوضوء، فإذا شك في شي ء منهما و هو في الأثناء أتى به و بما بعده و ان تجاوز محله، و إذا شك فيه بعد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 123

الفراغ من الغسل أو التيمم بنى على الصحة، و يكفي الفراغ البنائي فيهما كما في الوضوء.

المسألة 397

لا حكم لشك كثير الشك في الوضوء و لا في غيره سواء كان شكه في الاجزاء أم في الشرائط أم في غيرها فيبني على الصحة و ان كان في أثناء الوضوء بل و ان كان في محل الشي ء المشكوك.

المسألة 398

إذا شك قبل الشروع في الوضوء في وجود حاجب يمنع من وصول الماء إلى البشرة أو يشك في وصول الماء تحته، وجب عليه ان يفحص عنه حتى يحصل الظن بعدمه كما تقدم، و كذلك إذا شك في وجوده و هو في أثناء الوضوء.

و إذا علم بوجوده سابقا و شك في بقائه، وجب عليه تحصيل العلم بزواله أو بإيصال الماء تحته و لا يكفي الظن.

و إذا شك بعد الفراغ من الوضوء في وجود الحاجب حين الوضوء، بنى على عدمه و صح وضوؤه، و كذلك إذا شك بعد الفراغ في انه هل أزال الحاجب الموجود حين الوضوء أو أوصل الماء تحته، بنى على الصحة.

المسألة 399

إذا علم بوجود حائل قد يصل الماء تحته و قد لا يصل كالخاتم في يده مثلا، و علم أيضا انه لم يكن ملتفتا اليه حين الوضوء، و شك بعد الفراغ من الوضوء في انه هل وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لم يصل، أشكل الحكم بصحة الوضوء، فلا يترك الاحتياط بالإعادة.

المسألة 400

إذا علم بوجود حائل يمنع وصول الماء أو يشك في وصول الماء تحته، و شك في ان هذا الحاجب كان موجودا حين الوضوء أو طرأ بعده، بنى على الصحة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 124

المسألة 401

إذا كان بعض أعضاء وضوئه نجسا ثم توضأ، و شك بعد الفراغ من الوضوء في انه هل طهر العضو النجس قبل وضوئه أم لا، بنى على صحة وضوئه، و يجب عليه تطهير ذلك العضو للصلاة إذا لم يكن صلى، و إذا حصل له الشك بعد الفراغ من الصلاة بني على صحة الوضوء و الصلاة، و يجب عليه تطهير العضو للأعمال الآتية.

المسألة 402

إذا شك بعد الفراغ من الصلاة في أنه هل توضأ لها أم لا، بنى على صحة صلاته و وجب عليه الوضوء للصلاة الآتية، و إذا حصل له هذا الشك و هو في أثناء الصلاة وجب عليه الوضوء و استئناف الصلاة، و إذا أتم الصلاة ثم توضأ و أعادها فهو أحوط.

المسألة 403

إذا غسل يده اليسرى و مسح رأسه و قدميه ببلتها، ثم تذكر انه قد غسلها قبل ذلك، فان تذكر أن الغسلة الأخيرة التي مسح بعدها هي الغسلة الثانية لليد اليسرى، و قد أتى بها امتثالا للأمر المتوجه بها صح وضوؤه و مسحه، لأن الغسلة الثانية مستحبة و بلتها التي مسح بها من الوضوء و ان تخيل انها الاولى الواجبة.

و ان تذكر انه قد أتم الغسلتين لليسرى قبل ذلك كان وضوؤه باطلا لأنه مسح بماء جديد.

و إذا شك في انه أتم الغسلتين قبل ذلك أم لا فالأحوط إعادة الوضوء.

الفصل العشرون في أحكام الجبائر
المسألة 404

الجبيرة: هي الشي ء الذي يربط على الكسور و الرضوض في العظام، و الخرق و اللصقات و الأدوية التي توضع على الجروح و القروح و نحوها،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 125

و الظاهر شمولها للأربطة التي يلصق بعضها على بعض بالجبس و نحوه على الكسور و أمراض العظام و اللصقات الطبية التي تجعل على المفاصل و غيرها لعلاج بعض أمراضها.

المسألة 405

إذا كانت الجبيرة في بعض أعضاء الوضوء التي يجب غسلها أو مسحها، فإن أمكن غسل موضع الجبيرة من غير مشقة و لا ضرر، و لو بتكرار صب الماء على الجبيرة حتى يصل الى المحل على وجه يحصل به الغسل المعتبر شرعا في الوضوء من استيلاء الماء على الموضع، و حصول الترتيب في العضو من غسله من الأعلى إلى الأسفل عرفا، أو غمسه في الماء حتى يحصل ذلك وجب على المكلف ان يفعل ذلك.

و ان لم يمكن ذلك تعين نزع الجبيرة مع الإمكان و غسل الموضع، و هذا إذا كانت الجبيرة و الموضع طاهرين، فإذا كانا نجسين فلا بد من تطهيرهما قبل ذلك مع الإمكان.

المسألة 406

إذا لم يمكن غسل الموضع لكون الماء مضرا، فان كان جرحا مكشوفا لا جبيرة عليه، و كان في موضع الغسل، كفى غسل ما حول الجرح، و لا يحتاج الى المسح على خرقة توضع عليه على الأقوى، و إذا أمكن المسح على الجرح من غير وضع خرقة تعين ذلك على الأحوط، و إذا كان في موضع المسح و لم يمكن المسح عليه، وضع عليه خرقة طاهرة على الأحوط، و مسح عليها بنداوة الوضوء، و ضم اليه التيمم، فان لم يمكن ذلك سقط و ضم اليه التيمم.

و يتعين في الكسير- إذا كان موضع الكسر مكشوفا و لا يمكن غسله كما هو المفروض- ان يتيمم، و الأحوط له استحبابا ان يجمع بين الوضوء و التيمم، فيغسل ما حول الموضع و يمسح عليه إذا أمكن له ذلك ثم يتيمم.

و يجمع في القرح- إذا كان مكشوفا و تعذر غسله- بين الوضوء كذلك و التيمم.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 126

و إذا كان الكسر و القرح في موضع

المسح و كان مكشوفا و لا يمكن المسح عليه صنع كما تقدم في الجرح المكشوف في موضع المسح على الأحوط.

المسألة 407

إذا كانت الجبيرة على بعض أعضاء الوضوء التي يجب غسلها- و لم يمكن غسل الموضع للتضرر بالماء أو لنجاسة الموضع و عدم إمكان تطهيره، وجب غسل أطراف الموضع مع مراعاة الشرائط، و المسح على الجبيرة بما يصدق عليه مسمى الغسل و لا يكفي مطلق المسح، و الأحوط ان يكون ذلك بإمرار اليد على الجبيرة، و ان كان الأقوى عدم اعتبار ذلك، و لا بد من استيلاء الماء على جميع ظاهر الجبيرة كما تقدم. و يكفي صدق الاستيعاب عرفا.

و هذا إذا كانت الجبيرة طاهرة، فإذا كانت نجسة و أمكن تطهيرها أو تبديلها وجب تطهيرها أو تبديلها أولا ثم توضأ كما تقدم.

و إذا أمكن رفع الجبيرة و المسح على البشرة جمع بين الغسل على الجبيرة و المسح على المحل بعد رفعها.

المسألة 408

إذا كانت الجبيرة نجسة و لم يمكن تطهيرها و لا تبديلها، وضع خرقة طاهرة عليها على وجه تعد من اجزاء الجبيرة، و اجرى الغسل عليها على النحو المتقدم، فان لم يمكن ذلك توضأ و اقتصر في وضوئه على غسل الأطراف ثم تيمم.

المسألة 409

إذا كانت الجبيرة على أعضاء الوضوء التي يجب مسحها و لم يمكن رفع الجبيرة و المسح على البشرة، وجب عليه المسح على الجبيرة و ان يكون المسح بنداوة الوضوء كما يمسح على البشرة.

المسألة 410

تجري أحكام الجبيرة على الجبائر المتعددة سواء كانت في عضو واحد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 127

أم أكثر إذا لم تستوعب العضو كله، و الظاهر جريان أحكامها في الجبيرة إذا استوعبت العضو كله فكان الغسل أو المسح في العضو كله على الجبيرة.

و إذا استوعبت الجبائر جميع أعضاء الوضوء أو عمت معظم أعضائه، فإجراء أحكام الجبيرة فيها مشكل، و لا يترك الاحتياط بالجمع في هاتين الصورتين بين وضوء الجبيرة و التيمم.

المسألة 411

إذا كانت الجبيرة في الكف فأجرى غسل الوضوء عليها وجب ان يكون المسح على الرأس و القدمين بالرطوبة الموجودة على الجبيرة من الوضوء، نعم، إذا لم تكن الجبيرة مستوعبة للكف، فالأحوط ان يكون المسح بالجزء الذي لا جبيرة عليه من الكف، بل هو الأقوى.

المسألة 412

إذا كانت الجبيرة غير مستوعبة مقدم الرأس وجب عليه ان يمسح على الجزء الذي لا جبيرة عليه من المقدم، و إذا استوعبت مقدم الرأس كله مسح على الجبيرة.

و كذلك في القدم، فإذا كانت الجبيرة لا تستوعب عرض القدم وجب عليه ان يمسح على الجانب الذي لا جبيرة عليه من رؤوس الأصابع إلى مفصل الساق على وجه يمر بقبة القدم كما تقدم، و إذا كان الجانب المكشوف لا يمر بقبة القدم مسح عليه و على خط يمر بقبة القدم مما عليه الجبيرة على الأحوط.

و إذا استوعبت الجبيرة عرض القدم كله أو استوعبت القدم كلها مسح من رؤوس الأصابع إلى المفصل مارا بقبة القدم، و ان كان بعض المسح أو كله على الجبيرة.

المسألة 413

ما يكون تحت الجبيرة من الأطراف الصحيحة حول الجرح أو القرح أو الكسر إذا كان بالمقدار الذي يتعارف دخوله تحت الجبيرة عادة تجرى عليه أحكام الجبيرة، فيكفي غسل الجبيرة و مسحها عن غسله و مسحه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 128

و إذا كان أكثر مما يتعارف دخوله فيها، فإن أمكن رفع الجبيرة و غسل الموضع الصحيح، ثم وضع الجبيرة مكانها و اجراء الغسل عليها وجب ان يفعل كذلك، و ان لم يمكن ذلك، فان كان غسل ذلك المقدار الصحيح يضر بالجرح أو القرح أو الكسر لمجاورته إياه جرى عليه حكم الجبيرة فيكفي غسلها و مسحها عن غسله و مسحه، و ان كان غسل ذلك المقدار لا يضر بها وجب عليه التيمم.

المسألة 414

إذا كان استعمال الماء مضرا بموضع من أعضاء الوضوء و لم يكن فيه جرح و لا قرح و لا كسر فيجب على المكلف التيمم.

و إذا وضع على ذلك الموضع خرقة على وجه تكون جبيرة و اجرى عليها وضوء الجبيرة ثم تيمم بعده كان أحوط.

و كذلك الحكم في الرمد إذا كان استعمال الماء معه مضرا و لو بالعين خاصة.

المسألة 415

يستمر حكم الجبيرة ما دام خوف الضرر باقيا، فإذا زال الخوف قطعا أو ظنا وجب رفع الجبيرة و الغسل على الموضع.

المسألة 416

الوضوء مع الجبيرة يرفع الحدث على الأقوى و ليس مبيحا فقط.

المسألة 417

إذا لصق شي ء ببعض مواضع الوضوء كالقير و أمثاله و لم تمكن إزالته، أو كان في إزالته حرج و مشقة لا تتحمل عادة جمع بين الوضوء عليه- كالجبيرة- و التيمم على الأحوط.

المسألة 418

تجري أحكام الجبيرة المتقدم ذكرها في كل من الوضوء الواجب و المستحب.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 129

المسألة 419

تجري أحكام الجبيرة في الغسل كما تجري في الوضوء، سواء كان الغسل واجبا أم مندوبا، و سواء كان ترتيبا أم ارتماسا، إلا إذا كان العضو تحت الجبيرة نجسا أو كانت الجبيرة نفسها نجسة، و كان ارتماسه في الماء القليل، فتسري النجاسة إلى سائر الأعضاء، أو كان وصول الماء الى الموضع مضرا.

المسألة 420

تجري أحكام الجبيرة في التيمم على الأحوط، سواء كانت الجبيرة على العضو الماسح أم على الممسوح.

المسألة 421

لا تجب على المكلف إعادة الصلاة التي صلاها بوضوء الجبيرة إذا ارتفع عذره بعد خروج الوقت و تجب عليه إعادة الصلاة التي لم يخرج وقتها إذا ارتفع عذره في الوقت، و لا يكفيه ذلك الوضوء للصلاة الآتية و لا لغيرها من الغايات.

المسألة 422

يجوز لصاحب الجبيرة الوضوء و الصلاة في أول الوقت برجاء استمرار العذر الى آخره و ان لم يكن يائسا، فإذا ارتفع عذره في الوقت أعاد الوضوء و الصلاة كما قدمناه.

المسألة 423

إذا شك في ان وظيفته الوضوء مع الجبيرة، أو التيمم كان عليه الجمع بينهما.

الفصل الحادي و العشرون في أحكام دائم الحدث
المسألة 424

المسلوس و المبطون و أمثالهما ممن يكون دائم الحدث إذا كانت له فترة معينة تسع الطهارة و الصلاة، يجب عليه ان يتطهر من النجاسة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 130

و من الحدث و ان يأتي بالصلاة في تلك الفترة، سواء كانت في أول الوقت أم في آخره أم في وسطه، و إذا كانت الفترة تسع الإتيان بواجبات الصلاة فقط. وجب عليه الاقتصار عليها و ترك جميع المستحبات.

و إذا صلى في غير هذه الفترة متقربا، و اتفق عدم خروج الحدث منه الى آخر الصلاة صحت صلاته، و إذا كانت الفترة في أول الوقت أو في وسطه فأخر الصلاة عنها عامدا اثم، و كان عليه ان يأتي بصلاة ذي الفترات كما سيأتي بيانها، إلا إذا اتفق له عدم الحدث حتى أتم صلاته، و لا تكفيه صلاة ذي الفترات في غير هذه الصورة.

المسألة 425

المسلوس الذي يتقاطر بوله إذا كانت له فترات متعددة لا تسع واحدة منها الطهارة و الصلاة، يجب عليه ان يتوضأ و يبدأ بالصلاة بعد الوضوء بلا مهلة، و يضع الماء الى جانبه، فإذا تقاطر منه البول توضأ بلا مهلة و بنى على صلاته، و هكذا حتى يتم صلاته، و عليه ان يأتي بصلاة أخرى بوضوء واحد على الأحوط، بل الأحوط له أن يقدم الصلاة بالوضوء الواحد على الصلاة بالوضوءات المتعددة.

و كذلك الحكم في صاحب سلس الريح و النوم، و الإغماء و غيرها إذا كانت لهم مثل هذه الفترات التي لا تسع الطهارة و الصلاة.

و اما المبطون الذي له مثل هذه الفترات فيكتفي بالصلاة بوضوءات متعددة، و ليس عليه اعادتها بوضوء واحد.

المسألة 426

إذا كثرت الفترات و قصرت في المسلوس أو المبطون أو غيرهما من المذكورين آنفا، بحيث يلزم الحرج من الوضوء بعد كل حدث يخرج منه، يجب عليه ان يأتي من الوضوءات المتعددة في الصلاة بالمقدار الميسور، و يسقط ما زاد على ذلك مما يلزم منه الحرج.

المسألة 427

إذا استمر الحدث في المسلوس أو المبطون بلا فترة أصلا اكتفى

كلمة التقوى، ج 1، ص: 131

بوضوء واحد لكل صلاة على الأحوط، و هكذا الحكم في صاحب سلس الريح و النوم و الإغماء و غيرهم، و يجوز للمسلوس في هذا الفرض ان يجمع بين الظهرين بوضوء واحد و كذا بين العشاءين.

المسألة 428

إذا نسي التشهد أو السجدة في الصلاة و وجب عليه قضاؤهما، فإن كان ممن يجب عليه تجديد الوضوء لسائر اجزاء الصلاة و هو ذو الفترات التي لا تسع الصلاة وجب عليه تجديد الوضوء لقضائهما، و بحكمه ذو الفترة التي تسع الطهارة و الصلاة، فإذا انتقض وضوؤه قبل قضائهما وجب عليه تجديد الوضوء لهما.

و ان كان ممن يكتفي بالوضوء الواحد لجميع الصلاة و هو ذو الحدث المستمر اكتفى بوضوء الصلاة لهما، و إذا وجبت عليه صلاة الاحتياط توضأ لها على الأحوط و لم يكتف بوضوء الصلاة. بل لا يخلو ذلك من قوة.

المسألة 429

يجب على المسلوس ان يضع ذكره في كيس يجعل فيه قطنا أو غير الكيس تحفظا عن وصول النجاسة إلى بدنه و ثيابه، و الأحوط غسل الحشفة قبل كل صلاة.

و يجب على المبطون كذلك ان يتحفظ عن تعدي النجاسة بما يناسب، كما ان الأحوط ان يطهر المحل قبل الصلاة إذا أمكن له ذلك من غير حرج.

المسألة 430

المسلوس و المبطون إذا لم يعلما حالهما من وجود الفترة التي تسع الطهارة و الصلاة أو تسع بعض الصلاة مع الطهارة تجوز لهما الصلاة في أول الوقت بحسب تكليفهما برجاء استمرار العذر كما في صاحب الجبيرة، فإذا وجد الفترة التي تسع الطهارة و الصلاة في آخر الوقت أعادا الطهارة و الصلاة، و كذا إذا وجدا الفترة التي تسع الطهارة و بعض الصلاة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 132

المسألة 431

لا يجب على المسلوس و المبطون و غيرهما من المذكورين في المسائل المتقدمة قضاء ما صلوا إذا طبقوا الاحكام التي تجب عليهم، نعم تجب إعادة الصلاة إذا زال العذر عنهم و الوقت لا يزال باقيا.

الفصل الثاني و العشرون في غسل الجنابة
المسألة 432

الواجب من الأغسال سبعة بل ثمانية.

(1) غسل الجنابة. (2) غسل الحيض. (3) غسل النفاس.

(4) غسل الاستحاضة. (5) غسل مس الميت. (6) غسل الأموات.

(7) ما وجب على الإنسان بنذر أو عهد أو يمين، كما إذا نذر أحد الأغسال المستحبة.

و يجب- على الأحوط- الغسل على من فرط في صلاة الكسوفين فتركها عامدا مع احتراق القرص، بل لا يخلو وجوبه من قوة، كما سيأتي بيانه في موضعه ان شاء اللّه تعالى، و هو الثامن الذي تقدمت الإشارة إليه.

المسألة 433

الأول من الأغسال الواجبة: غسل الجنابة.

و الجنابة تحصل بأحد أمرين:

الأول: خروج المني، من غير فرق في ذلك بين الرجل و المرأة، و بين أن يكون خروجه في النوم أم في اليقظة، و بالوطء أم بغيره، و سواء كان الخارج منه قليلا أم كثيرا.

و إذا علم بأن الخارج منه مني حكم بالجنابة و ان كان خروجه بغير شهوة و لا دفق و لم يتعقبه فتور.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 133

و بحكم المني خروج الرطوبة المشتبهة من الرجل، إذا أجنب قبل ذلك بالإنزال، و اغتسل من جنابته من غير ان يستبرئ بالبول، فإذا خرجت منه بعد الغسل رطوبة لا يدرى أنها مني أم غيره، حكم بأنها مني فلا بد له من الغسل.

و لا يتعلق هذا الحكم بالرجل إذا أجنب بالوطء، بغير إنزال، و لا بالمرأة و ان كانت جنابتها بالإنزال، فلا حكم للرطوبة التي تخرج منها الا إذا علمت إجمالا بأنها بول أو مني و سيأتي حكمها.

المسألة 434

لا يكون الإنسان جنبا إذا تحرك المني من موضعه و لم يخرج من البدن، فلا يجب عليه الغسل.

المسألة 435

إذا شك في شي ء خرج منه انه مني أم لا، فان كان خروجه بدفق و شهوة و تعقبه فتور في الأعضاء، حكم بأن الخارج مني، و كذلك إذا وجد الشهوة و شك في الدفق، فيحكم بأنه مني، و إذا علم بعدم الدفق لم يحكم بكونه منيا و ان كان عن شهوة. و هذا كله في الرجل الصحيح.

و يكفي وجود الشهوة و حدها في المرأة و في الرجل المريض فيحكمان معها بأن الخارج منهما مني و ان لم يتعقبه فتور.

المسألة 436

الأمر الثاني مما تتحقق به الجنابة: الجماع و ان لم يكن معه إنزال، و يحصل بإدخال الحشفة في قبل المرأة فتتحقق الجنابة بذلك، و يجب الغسل على كل من الرجل و المرأة و ان لم ينزلا.

المسألة 437

إذا أدخل الحشفة في دبر الأنثى أو دبر الغلام و لم ينزل، فلا يترك الاحتياط، فان كان قبل الوطء متطهرا لزمه الغسل، و كذلك إذا كان جنبا، و هو واضح، و ان كان قبل الوطء محدثا بالحدث الأصغر أو كان شاكا في حالته السابقة أ هي الحدث أم الطهارة، كان عليه الجمع

كلمة التقوى، ج 1، ص: 134

بين الغسل و الوضوء، و كذلك الحكم في المرأة الموطوءة و الغلام الموطوء على الأحوط.

و مثله حكم من وطأ البهيمة من غير ان ينزل فيلزمه الاحتياط المذكور.

المسألة 438

إذا أدخل مقطوع الحشفة مقدارها، و لم ينزل لزمه الاحتياط الذي تقدم ذكره، سواء أدخل في قبل الأنثى أم في دبرها أم في دبر الغلام أم البهيمة، و كذلك الحكم في المرأة الموطوءة و الغلام الموطوء على الأحوط.

المسألة 439

إذا رأى الرجل في ثوبه منيا و لم يعلم انه منه أو من غيره لم يجب عليه الغسل، و كذلك إذا علم ان المني منه، و لم يدر انه من جنابة سبقت و قد اغتسل منها، أو من جنابة جديدة لم يغتسل منها، فلا يجب عليه الغسل، و ان كان الغسل أحوط، و إذا اغتسل في الصورتين للاحتياط لم يكفه غسله عن الوضوء إذا كان محدثا بالحدث الأصغر فلا بد له من الوضوء.

و إذا علم بأن الجنابة منه و انه لم يغتسل بعدها، وجب عليه ان يغتسل، و ان يقضي من الصلوات ما يتيقن انه صلاها بعد الجنابة و قبل الغسل، فإذا تردد عدد الصلوات بين الأقل و الأكثر وجب عليه قضاء الأقل.

المسألة 440

إذا علم الإنسان بحدوث جنابة منه و غسل و لم يدر أن المتأخر منهما هو الجنابة أو الغسل، فان جهل تأريخ كل من الجنابة و الغسل، أو علم تأريخ الجنابة و جهل تأريخ الغسل، وجب عليه الغسل، و ان علم تأريخ الغسل و جهل تأريخ الجنابة لم يجب عليه الغسل و ان كان الإتيان به أحوط.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 135

المسألة 441

إذا علم شخصان بجنابة أحدهما لا على التعيين لم يجب الغسل على واحد منهما، إلا إذا كانت جنابة أحدهما موضوعا لحكم فعلي يتوجه على الآخر كعدم جواز استئجاره للصلاة عن ميت مثلا و نحو ذلك، فيجب عليه الغسل حين ذاك و كذلك الآخر.

المسألة 442

يجوز للإنسان أن يجامع اختيارا حتى بعد دخول وقت الصلاة و هو يعلم انه غير قادر على الغسل، و عليه التيمم للصلاة.

نعم، يشكل جواز ذلك لمن كان متطهرا و دخل عليه الوقت و أراد الجماع، و هو يعلم انه غير قادر على الغسل، فلا يترك الاحتياط، و لا يعم الحكم من يجد من الماء ما يكفيه للوضوء، و لا يكفي للغسل، و لا يعم من جاز له التيمم للمسوغات الأخرى غير فقد الماء فالاحتياط في هذه الموارد كلها لا يترك.

و إذا كان غير قادر على الغسل و التيمم معا و قادرا على الوضوء لم يجز له إجناب نفسه بعد دخول وقت الصلاة، سواء كان محدثا أم متطهرا.

و لا يجوز للمتطهر بعد دخول الوقت ان يحدث بالحدث الأصغر اختيارا و هو يعلم انه غير قادر على الوضوء، و ان كان قادرا على التيمم.

المسألة 443

لا يجب على الإنسان الغسل حتى يعلم بتحقق الجنابة منه اما بالدخول على الوجه المتقدم أو بالإنزال.

المسألة 444

إذا لزمه الاحتياط بالجمع بين الغسل و الوضوء، أو استحب له ذلك، أمكن له ان ينقض غسله بحدث أصغر ثم يتوضأ بعده، و يكفيه ان يأتي بالوضوء بعد الغسل برجاء المطلوبية.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 136

الفصل الثالث و العشرون في أحكام الجنب
المسألة 445

إذا كان الإنسان جنبا لم تصح منه الاعمال الآتي ذكرها الا بعد الغسل من الجنابة، فالغسل شرط في صحتها.

الأول: الصلاة، سواء كانت واجبة أم مندوبة، و يومية أم غيرها، و حاضرة أم فائتة حتى صلاة الاحتياط و قضاء الأجزاء المنسية، و كذا سجدتا السهو على الأحوط، و تستثنى من ذلك صلاة الأموات، فتصح من الجنب، و ان لم يغتسل.

المسألة 446

الثاني من الأعمال التي تتوقف صحتها على غسل الجنابة: الطواف الواجب، و قد تقدم ان المراد به ما كان جزءا من الحج أو العمرة سواء كانا واجبين أم مندوبين، و سواء كانا عن نفسه أم بالنيابة عن غيره، و لا يشترط الغسل في صحة الطواف المندوب، فلو دخل الجنب المسجد الحرام ناسيا لجنابته و طاف طوافا مندوبا صح طوافه، و ان صلى صلاة ذلك الطواف كانت باطلة لعدم الغسل.

المسألة 447

الثالث: صوم شهر رمضان، فلا يصح صوم الإنسان إذا أصبح متعمدا للبقاء على الجنابة، أو ناسيا للجنابة، و كذلك صوم قضاء شهر رمضان مع التعمد، و مع نسيان الجنابة أيضا على احتياط لا يترك فيه.

و كذا لا يصح الصوم في قضاء شهر رمضان إذا أصبح جنبا من غير تعمد، و إذا تضيق وقته فالأحوط صيام ذلك اليوم و صيام يوم آخر بدلا عنه بعد شهر رمضان.

و لا يصح- على الأحوط- تعمد الإصباح جنبا في مطلق الصوم الواجب سواء كان معينا أم غير معين.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 137

و يبطل الصوم بتعمد الجنابة في أثناء النهار من غير فرق بين أقسام الصيام، و لا يبطل بالاحتلام في النهار من غير فرق كذلك.

المسألة 448

تحرم على الجنب الاعمال الآتي ذكرها:

الأول: ان يمس خط المصحف سواء كان مكتوبا بالخطوط المتعارفة أم بالخطوط المهجورة، و سواء رسم بالقلم أم بالطبع أم بالتصوير، و بالحروف المألوفة أم بالحروف البارزة أم بالحفر أم بغيرها حتى إذا كتبت ألفاظ القرآن بحروف غير عربية، و سواء كتب على ورق أم على لوح أم على جدار أم على غيرها، بل و ان حفرت الآية حروفا ذات ابعاد منفصلة عن قاعدة.

و لا يحرم على المحدث مس ورق القرآن في المواضع الفارغة من الكتابة حتى ما بين السطور، و لا مس الجلد و الغلاف. و لا يحرم عليه مس ترجمة القرآن.

المسألة 449

يحرم عليه- على الأحوط- ان يمس اسم اللّه تعالى و سائر أسمائه و صفاته المختصة، و يحرم عليه مس اسم اللّه تعالى في أي لغة من اللغات.

و يحرم- على الأحوط- مس أسماء الأنبياء و الأئمة (ع).

المسألة 450

الثاني يحرم على الجنب ان يدخل المسجد الحرام و مسجد الرسول (ص) و ان كان دخوله فيهما على سبيل المرور، فيدخل من باب و يخرج من باب آخر من غير مكث و لا تردد.

المسألة 451

إذا احتلم المكلف في أحد المسجدين وجب عليه ان يتيمم للخروج من المسجد فورا الا ان يكون زمان خروجه اقصر من الوقت الذي يبقى فيه للتيمم، فيجب عليه الخروج من غير تيمم، أو يكون مساويا له، فيكون حينئذ مخيرا بينهما، و إذا أمكن له الجمع بين التيمم و الخروج في وقت واحد تعين.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 138

و إذا استطاع الغسل في المسجد و كان زمانه مساويا أو أقل من زمان التيمم، و مساويا أو أقل من زمان الخروج، وجب عليه الغسل بشرط ان يمكنه التطهر من النجاسة بدون تلويث للمسجد.

و كذلك الحكم إذا أجنب في المسجدين جاهلا أو ناسيا أو عامدا، أو أجنب في خارج المسجد ثم دخله بإحدى الصور المتقدمة، فالحكم فيه هو ما تقدم.

و مثله حكم المرأة الحائض و النفساء إذا انقطع الدم عنهما و دخلتا المسجد في صورة من الصور المتقدم ذكرها، اما إذا كان الدم مستمرا، فلا تيمم لهما، و عليهما ان يبادرا بالخروج.

المسألة 452

الثالث: يحرم على الجنب ان يمكث في سائر المساجد، بل يحرم عليه الدخول فيها إذا لم يكن دخوله على سبيل المرور و الاجتياز، و يجوز له المرور فيدخل من باب و يخرج من باب آخر من غير تردد و لإبقاء، و يجوز له الدخول في المسجد لأخذ شي ء منه، و يحرم عليه الدخول لوضع شي ء في المسجد.

و يجوز له- على الأقوى- ان يضع في المسجد بعض الأشياء و هو في الخارج أو في حال العبور و ان كان الترك أحوط.

و المشاهد المشرفة و الرواقات فيها بحكم المساجد في ذلك على الأحوط.

المسألة 453

لا فرق في الحكم المذكور للجنب بين ان يكون المسجد عامرا أو خرابا، و ان هجرت الصلاة فيه و زالت آثار المسجدية، حتى مساجد الأراضي المفتوحة عنوة، فلا تخرج عن المسجدية.

المسألة 454

ما يشك في انه جزء من المسجد أم لا، من صحنه و بعض المواضع فيه لا يجرى فيه الحكم المتقدم إلا إذا دلت القرائن أو الأمارات الشرعية على انه جزء من المسجد.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 139

المسألة 455

لا يلحق بالمسجد في الحكم المذكور المكان الذي يعينه الإنسان في بيته للصلاة فيه، سواء كان خاصا به أم عاما له و لأهل بيته و ضيوفه و أصدقائه مثلا.

المسألة 456

الرابع: تحرم على الجنب قراءة آيات السجود من سور العزائم الأربع على الأقوى، و سور العزائم هي سورة: الم السجدة، و حم فصلت، و النجم، و العلق، فلا يشمل التحريم غير آيات السجود منها، و ان كان الأحوط الامتناع عن قراءة مجموع السورة.

المسألة 457

يجوز للجنب ان يدخل المسجد لأخذ الماء منه للاغتسال به خارج المسجد، و إذا كان أخذ الماء من المسجد محتاجا الى المكث، أو كان الدخول في المسجد بقصد الاغتسال، وجب عليه التيمم لدخول المسجد حين ذاك، و لا يبيح له هذا التيمم الا الدخول في المسجد و المكث بمقدار الحاجة.

المسألة 458

يكره الأكل و الشرب في حال الجنابة، و ترتفع الكراهة بالوضوء، و بغسل اليدين و المضمضة و الاستنشاق، و بغسل اليدين و المضمضة، و بغسل اليدين فقط، فالوضوء أتمها في رفع الكراهة و غسل اليدين وحدهما أدناها ثم ما كان أشمل يكون أثره في رفع الكراهة أشد.

المسألة 459

تكره للجنب قراءة ما عدا آيات العزائم من القرآن حتى ما دون سبع آيات على الأقوى، و كلما زادت القراءة اشتدت الكراهة، و قراءة ما زاد على السبعين آية أشد كراهة، و يكره تعليق المصحف، و مس جلده و أوراقه و حواشيه و ما بين سطوره.

المسألة 460

يكره النوم في حال الجنابة الا ان يتوضأ الجنب أو يتيمم ان لم يتمكن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 140

من الغسل، فيتخير في هذه الحال بين الوضوء و التيمم بدلا عن الغسل، و إذا لم يتمكن من الوضوء أيضا، تخير بين التيمم بدلا عن الغسل، و التيمم بدلا عن الوضوء و تيممه بدلا عن الغسل أفضل.

المسألة 461

يكره للرجل و للمرأة ان يختضبا في حال الجنابة، و يكره للمختضب ان يجنب اختيارا قبل ان يأخذ اللون.

المسألة 462

يكره لمن أجنب بالاحتلام ان يجامع قبل ان يغتسل من جنابته.

الفصل الرابع و العشرون في كيفية الغسل
المسألة 463

غسل الجنابة يكون واجبا غيريا عند حضور احدى الغايات الواجبة، كالصلاة و الطواف الواجبين، و يكون مستحبا غيريا للغايات المستحبة كالطواف المندوب، و منها الغسل للكون على طهارة.

و يراعى في نية الغسل ما تقدم في نية الوضوء، فلا بد فيها من قصد القربة و الإخلاص على النحو الذي ذكرناه هناك، و لا بد من استدامة النية حكما الى آخر الغسل على الوجه المتقدم في الوضوء.

و لا يجب في نيته قصد الوجوب أو الندب، بل يقصد الأمر المتوجه اليه بالغسل على الأحوط. و إذا اعتقد دخول الوقت فنوى الوجوب و كان قبل الوقت، أو اعتقد عدم دخول الوقت فنوى الندب و هو في الوقت فالغسل صحيح إذا قصد امتثال الأمر المتوجه اليه بالغسل، و ان تخيل أنه الأمر الوجوبي أو الأمر الندبي.

المسألة 464

يجب في غسل الجنابة غسل ظاهر البدن كله، و لا يجب غسل البواطن، فلا يجب غسل باطن العين و الاذن و الأنف و الفم و أمثالها إلا ما يغسل

كلمة التقوى، ج 1، ص: 141

منها لملازمته لغسل الظاهر كله، و قد تقدم نظيره في الوضوء، و يجب غسل البشرة و الشعر كليهما من غير فرق بين شعر الرأس و اللحية و الحاجبين و البدن و الشعور الرقاق، و ما أحاط بالبشرة منه، و ما لم يحط.

للغسل كيفيتان.
[الاولى: الترتيب:]
المسألة 465

الكيفية الأولى: الترتيب: فيغسل رأسه و رقبته أولا حتى يعم جميع اجزائهما و شعرهما و بشرتهما بالماء كما تقدم بيانه، و غسل الرقبة على هذا الوجه يلازم غسل شي ء من أعلى البدن مما يحيط بها.

ثم يغسل الجانب الأيمن من البدن، و هو يشمل اليد اليمنى و الكتف الأيمن، و نصف الصدر و البطن، و منتصف ما بين الكتفين، و نصف الظهر من الجهة اليمنى، و ما تحت ذلك الى الفخذ الأيمن و الساق الأيمن و القدم اليمنى فيغسل ذلك حتى يعم جميع اجزائه كما تقدم، و غسل هذا الجانب كله يلازم غسل شي ء من حد الجانب الأيسر يحرز به تمامية الغسل.

ثم يغسل الجانب الأيسر من البدن و هو يشمل ما ذكر من الجهة اليسرى فيغسله كما تقدم في الجانب الأيمن.

و السرة و العورة- قبلا و دبرا- يغسل نصفهما الأيمن مع الجانب الأيمن، و نصفهما الأيسر مع الجانب الأيسر، و الأحوط ان يغسل جميعهما مع الأيمن ثم يغسلهما مع الأيسر.

المسألة 466

لا يجب الترتيب بين اجزاء العضو الواحد من الأعضاء الثلاثة، فيجوز له ان يبدأ بغسل الأسفل من العضو قبل الأعلى، و ان يغسل العضو كيف اتفق، كما إذا رمسه بالماء دفعة واحدة بقصد غسله، أو غسله منكوسا، و ان كان الأحوط تركه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 142

و لا تجب الموالاة بين الأعضاء، فيصح الغسل و ان فصل بين الأعضاء بمدة طويلة حتى جف ماء الأعضاء السابقة.

و لا تجب الموالاة كذلك بين اجزاء العضو الواحد، فيصح ان يغسل بعض اجزاء الجانب الأيمن مثلا، و يتم غسله بعد مدة طويلة و ان جف الماء من الاجزاء الاولى.

المسألة 467

يجب الترتيب كما ذكرنا بين الأعضاء الثلاثة، فإذا خالف الترتيب بينها عامدا أو جاهلا أو ناسيا وجب عليه ان يعيد الغسل على ما يحصل معه الترتيب، فإذا غسل الجانب الأيمن ثم الرأس، صح غسل الرأس و أعاد على الجانب الأيمن، و إذا غسل الرأس ثم غسل الجانب الأيسر ثم الأيمن صح غسل الرأس و الجانب الأيمن و أعاد على الأيسر، و هكذا.

و إذا ترك جزءا من أحد الأعضاء فلم يغسله، وجب عليه ان يغسل ذلك الجزء، فإذا كان الجزء من العضو الأخير صح غسله بذلك، و ان كان من الرأس أو من الجانب الأيمن وجب عليه ان يعيد غسل ما بعده من الأعضاء حتى يحصل الترتيب.

المسألة 468

إذا علم بأنه ترك جزءا من العضو، و لم يعلم ان المتروك اى الاجزاء، وجب عليه ان يغسل جميع الأجزاء التي يحتمل انه تركها من ذلك العضو، ثم يعيد غسل الأعضاء التي بعده إذا كان هو غير العضو الأخير حتى يحصل الترتيب، و إذا علم بأنه ترك جزءا من أحد الأعضاء و نسي أن العضو الذي ترك منه ذلك الجزء هو أي الأعضاء، وجب عليه ان يغسل ذلك الجزء من الرأس، و ان يعيد غسل الجانب الأيمن ثم الجانب الأيسر بقصد ما في الذمة من غسل جميع العضو أو جزئه.

المسألة 469

إذا علم بوجود شي ء يمنع من وصول الماء إلى البشرة أو الشعر،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 143

وجب رفع ذلك الحاجب حتى الدهن الذي قد يجعل في الشعر و الأصباغ التي قد توضع على البشرة و الأظفار حتى يحصل العلم بزواله، أو بوصول الماء إلى البشرة و الشعر، و الظفر الموجود تحته، و إذا شك في وجود الحاجب قبل الغسل أو في أثنائه وجب عليه ان يفحص عنه حتى يحصل له الظن بعدمه، و ان لم يكن الظن اطمئنانيا، و يجب تخليل الشعر و تحريك الخاتم و نحوهما إذا شك في وصول الماء إلى البشرة تحتهما.

المسألة 470

ذكرنا في المسألة الأربعمائة و السادسة و الستين انه لا تجب الموالاة في الغسل الترتيبي، و هذا الحكم انما هو في غير غسل المستحاضة و غسل المسلوس و المبطون و أمثالهما من مستمري الحدث، و في هؤلاء تجب المبادرة إلى إتمام الغسل و الى الصلاة بعده بلا مهلة على الأقوى، في ما إذا كانت لهم فترة تسع الغسل و الصلاة أو بعضها، و على الأحوط في ما عدا ذلك.

[الثانية: الارتماس.]
المسألة 471

الكيفية الثانية للغسل: الارتماس.

و هو تغطية جميع البدن بالماء، و أما غمس أعضاء البدن في الماء فإنما هو مقدمة للارتماس و ليس نفسه، سواء حصل دفعة واحدة أم بالتدريج، و سواء كان جميع بدنه قبل ذلك خارج الماء أم كان بعضه أو معظمه في الماء، و متى استولى الماء على جميع البدن في هذه التغطية الواحدة صح الغسل.

و إذا احتاج فيها الى تخليل شعر أو رفع قدم أو ازالة حائل أو تحريك خاتم و نحوه صنع ذلك في حال التغطية و صح غسله، و الأحوط ان يقع ذلك في زمان واحد عرفا و ان استغرق آنات متعددة.

المسألة 472

يصح له ان ينوي الغسل الارتماسي و جميع بدنه تحت الماء، و الأحوط له في هذه الصورة ان يحرك بدنه تحت الماء بعد نية الغسل.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 144

و لا بد من تخليل الشعر و نحوه إذا شك في وصول الماء الى باطنه و الى البشرة تحته كما أشرنا إليه في المسألة السابقة.

المسألة 473

إذا علم بعد غسله ارتماسا ان جزءا من بدنه لم يصل اليه الماء في ارتماسه وجبت عليه اعادة الغسل كله ترتيبا أو ارتماسا و لا يكفيه غسل ذلك الجزء وحده.

المسألة 474

تجري الكيفيتان المذكورتان للغسل من الترتيب و الارتماس في جميع الأغسال الواجبة و المندوبة، نعم، يشكل اجزاء الارتماس في غسل الأموات.

المسألة 475

تقدم ان الارتماس انما هو تغطية جميع البدن بالماء و ان ما يسبقه من غمس الأعضاء دفعة أو على سبيل التدريج انما هو مقدمة للارتماس، فلا يكفي ان يقصد الغسل بأول جزء من بدنه يدخل في الماء الى آخر جزء منه، نعم، يكون غسله صحيحا إذا نوى الغسل الواجب عليه و استمر في نيته الى ان حصلت التغطية لجميع البدن بالماء.

المسألة 476

يحصل الغسل الترتيبي بأن يغمس الرأس و الرقبة في الحوض مثلا، ثم يرمس الجانب الأيمن من بدنه كذلك، ثم يرمس الجانب الأيسر، كما يحصل بالارتماس فيه ثلاث مرات و يقصد في كل واحدة غسل عضو منه على الترتيب.

و كذا إذا قصد في أول ارتماسه في الحوض غسل الرأس و الرقبة، و بحركته تحت الماء غسل الجانب الأيمن و بخروجه من الماء غسل الأيسر، و هكذا بكل ما يحصل به ذلك مع القصد، و استيلاء الماء على جميع العضو و حصول الترتيب.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 145

بل يصح غسل بعض العضو الواحد بالرمس و بعضه بإمرار اليد، أو إجراء الماء عليه بابريق أو أنبوب.

المسألة 477

يصح الغسل بماء المطر، و تحت الميزاب، و بماء (الرشاش) المعروف و يكون بنحو الترتيب، و لا يصح ارتماسا و ان كثر الماء، نعم لا يبعد جواز الارتماس (بالشلال) و نحوه من مجاري العيون و المياه الكثيرة التي تجري من الأعلى إلى الأسفل بكثرة و قوة إذا تحققت- بالوقوف تحتها- تغطية جميع البدن بالماء عرفا.

المسألة 478

إذا شك في شي ء من البدن انه من الظاهر أو من الباطن، وجب غسله تحصيلا لليقين، سواء كان من الباطن سابقا و شك في صيرورته من الظاهر، أم كان بعكس ذلك أم كان مجهول الحال سابقا و لاحقا، و قد تقدم نظيره في الوضوء.

المسألة 479

يجوز لمن شرع في الغسل على احدى الكيفيتين الترتيب أو الارتماس:

ان يرفع اليد عنها قبل أن يتم عمله و يستأنف الغسل على الكيفية الأخرى.

المسألة 480

إذا ارتمس في حوض أو إناء لا يبلغ ماؤه كرا، و كان البدن طاهرا صح غسله، و كان الماء بذلك مستعملا في الغسل من الحدث الأكبر و قد تقدم ان الأحوط لزوم التجنب عنه مع وجود غيره، و إذا انحصر الماء به جمع بين الطهارة منه و التيمم.

و إذا بلغ الماء كرا و ارتمس فيه، فلا مانع من الاغتسال به بعد ذلك و الوضوء منه، و ان تكرر استعماله، إلا إذا نقص بذلك عن الكر.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 146

المسألة 481

يستحب للجنب ان يستبرئ بالبول قبل الغسل إذا كانت جنابته بالإنزال، و يختص ذلك بالرجل على الأقوى فلا يشمل المرأة.

و يستحب للجنب- قبل الغسل- رجلا كان أم امرأة ان يغسل يديه ثلاثا الى الزندين، و أفضل منه ان يغسلهما ثلاثا الى نصف الذراع، و أفضل من جميع ذلك ان يغسلهما ثلاثا الى المرفقين، و ان يتمضمض و يستنشق بعد غسل اليدين و لو مرة، و ورد في بعض الروايات ثلاثا، و ليؤت به برجاء المطلوبية.

و ينبغي التسمية، و ان يقول في أثناء كل غسل: (اللهم طهر قلبي و اشرح لي صدري، و أجر على لساني مدحتك و الثناء عليك، اللهم اجعله لي طهورا و شفاء و نورا انك على كل شي ء قدير).

و ان يقول بعد الفراغ من الغسل: (اللهم طهر قلبي، و زك عملي، و تقبل سعيي، و اجعل ما عندك خيرا لي، اللهم اجعلني من التوابين، و اجعلني من المتطهرين). و ليؤت بكل ذلك برجاء المطلوبية.

و يستحب في الغسل الترتيبي ان يكون غسله بصاع من الماء و هو ستمائة و أربعة عشر مثقالا صيرفيا و ربع مثقال، و ان يمر يده على الأعضاء عند

غسلها.

المسألة 482

يكره له ان يستعين بغيره في مقدمات الغسل القريبة كالصب على يده ليجري هو هذا الماء على أعضائه.

الفصل الخامس و العشرون في شرائط الغسل و أحكامه
المسألة 483

يشترط في صحة الغسل جميع الأمور التي تقدم ذكرها في فصل شرائط الوضوء، ما عدا اشتراط الموالاة بين الأعضاء، فلا يعتبر ذلك في صحة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 147

الغسل الا ما استثنى، و قد تقدمت الإشارة الى ذلك في المسألة الأربعمائة و السادسة و الستين، و المسألة الأربعمائة و السبعين.

فيعتبر في صحة الغسل ان يكون الماء مطلقا، فلا يصح بالمضاف.

و ان يكون طاهرا، فلا يصح بالماء النجس و لا بالمشتبه بالنجس إذا كانت الشبهة محصورة.

و ان يكون البدن طاهرا من النجاسة، و ان لا يوجد ما يحول عن وصول الماء الى الشعر و البشرة.

و ان يكون ماء الغسل مباحا، و ان يكون ظرف الماء مباحا على ما تقدم هناك من التفصيل فيه و في جميع ما تقدم ذكره من الشروط.

و يعتبر في صحة الغسل ان يكون مكان الغسل و مصب الماء فيه مباحا على الأحوط، و ان لا يكون الظرف من أواني الذهب أو الفضة.

و ان لا يكون ماء الغسل من الماء المستعمل.

و ان لا يكون لدى المكلف ما يحظر عليه استعمال الماء في الغسل.

و ان يتسع الوقت للغسل و الصلاة.

و ان يباشر المكلف بنفسه غسل أعضائه مع قدرته على ذلك.

و يعتبر فيه الترتيب في الغسل الترتيبي، و ان لا يكون الارتماس في الماء محرما عليه لصوم أو إحرام، في الغسل الارتماسي.

و لا بد فيه من قصد القربة و الإخلاص في العمل، و قد تقدم تفصيل جميع ذلك في فصل شرائط صحة الوضوء فليراجع.

المسألة 484

تقدمت الإشارة منا في فصل شرائط الوضوء الى الفرق بين هذه الشروط، فبعضها شرط واقعي مطلقا، فإذا أخل المكلف بالشرط بطل غسله، سواء كان عامدا أم جاهلا أم ناسيا، و

هذا هو الحال في أكثر الشروط.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 148

و بعضها انما هو شرط في حال العمد فلا يشمل حال النسيان و الجهل بالموضوع، و هذا هو الحال في شرط اباحة الماء و الظرف و مكان الغسل و مصب الماء فيه. و في شرط ان لا تكون الآنية من الذهب أو الفضة، و في شرط عدم حرمة الارتماس و عدم الضرر باستعمال الماء في الجملة.

نعم، لا يترك الاحتياط في الغاصب نفسه إذا اغتسل بالماء المغصوب أو في المكان أو الظرف أو المصب التي غصبها هو و كان ناسيا للغصبية حين الغسل، و ان كان الأقوى الصحة كما تقدم نظيره في الوضوء، و إذا كان الغاصب ممن لا يبالي حتى إذا تذكر فالأقوى البطلان.

المسألة 485

يكفي في صحة الغسل وجود الداعي الارتكازي في نفسه للعمل بحيث لو سئل في حال اشتغاله بالغسل عما يفعل لأجاب بأنه يغتسل من جنابته و ان لم يكن ملتفتا الى ذلك تفصيلا، و يقابل ذلك ان يغفل عنه أصلا بحيث لا يدري ماذا يصنع فيكون غسله باطلا لعدم القصد.

المسألة 486

إذا شك في غسل جزء من الأجزاء في الغسل الترتيبي أو في حصول شرط من شرائطه و هو في أثناء الغسل أعاد على ذلك الشي ء المشكوك و على ما بعده حتى يحصل الترتيب، و ان كان شكه بعد الدخول في غيره من الاجزاء.

و إذا شك في جزء من الاجزاء في الغسل الارتماسي أو في تحقق شرط من شرائطه و هو في أثناء العمل أعاد الغسل كله ترتيبا أو ارتماسا.

و إذا شك فيه بعد الفراغ من الغسل، بنى على الصحة في كل من الترتيبي و الارتماسي، و كذلك إذا شك في الجزء الأخير من الغسل إذا كان شكه بعد ما بنى على نفسه فارغا من الغسل.

المسألة 487

إذا ذهب الى الحوض أو الى الحمام ليغتسل، و شك بعد خروجه انه اغتسل أم لم يغتسل بنى على العدم، فعليه ان يغتسل.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 149

المسألة 488

إذا اعتقد سعة الوقت، فاغتسل، ثم تبين له ان الوقت كان ضيقا حين غسله و ان حكمه التيمم، فان كان قد قصد امتثال الأمر المتوجه اليه بالفعل صح غسله، و ان تخيل إليه أنه الناشئ من الأمر بالموقت، و ان قصد الأمر بالموقت على وجه التقييد بطل غسله فعليه الإعادة.

و إذا اعتقد ضيق الوقت فتيمم و صلى، ثم تبين له ان الوقت كان واسعا، فالظاهر بطلان التيمم و الصلاة.

المسألة 489

لا يصح الغسل و لا الوضوء في الماء الذي يجعل سبيلا للشرب الا مع العلم بأذن المالك في ذلك.

المسألة 490

يجب على الزوج ماء غسل زوجته من الجنابة أو الحيض أو النفاس أو غير ذلك من الأغسال المتعارفة لها، و كذلك ما يصرف على تسخينه إذا احتاجت الى ذلك لبرد و نحوه، و مثله أجرة الحمام إذا كان هو المتعارف لأمثالها.

المسألة 491

إذا اغتسل الجنب و لم يستبرئ بالبول و صلى كانت صلاته صحيحة بذلك الغسل، فإذا خرج منه بعد ذلك مني أو رطوبة مشتبهة لم تبطل صلاته و وجب عليه الغسل كما سيأتي.

المسألة 492

إذا أجنب الرجل بالإنزال و اغتسل بعد جنابته، ثم خرجت منه رطوبة تردد أمرها عنده بين ان تكون بولا أو منيا، فان كان لم يستبرئ بالبول قبل ان يغتسل حكم بأن هذه الرطوبة مني فيجب عليه الغسل منها.

و ان كان قد استبرأ بالبول و لم يستبرئ بالخرطات بعد البول حكم بأن الرطوبة التي خرجت منه بول فيجب عليه الوضوء بعدها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 150

و ان كان لم يبل قبل الغسل و لم يستبرئ بالخرطات، فان كان قبل خروج الرطوبة المشتبهة منه متطهرا وجب عليه ان يجمع بين الغسل و الوضوء، و ان كان قبل خروجها محدثا بالحدث الأصغر فعليه الوضوء خاصة.

و إذا كانت الرطوبة التي خرجت منه بعد الغسل مرددة بين ان تكون بولا أو منيا أو مذيا، فلا يجب عليه بخروجها منه غسل و لا وضوء.

المسألة 493

إذا لم يكن الرجل مجنبا، و خرج منه شي ء علم بأنه اما مني أو بول، فإذا كان قبل خروج هذا الشي ء منه متطهرا أو كان جاهلا بحالته السابقة وجب عليه ان يجمع بين الغسل و الوضوء، و إذا كان قبله محدثا بالحدث الأكبر اكتفى بالغسل وحده، و إذا كان قبله محدثا بالحدث الأصغر اكتفى بالوضوء وحده.

المسألة 494

إذا أمكن له الفحص عن الرطوبة التي خرجت منه لمعرفة حالها انها بول أو مني أو غيرهما، فلا بد من الفحص عنها بمقدار تستقر فيه الشبهة في الرطوبة، فإذا استقرت الشبهة بعد الفحص و الاختبار، أو لعدم إمكان الفحص لظلمة أو عمى أو لقلة الرطوبة نفسها أو لغير ذلك، جرى فيها الحكم الآنف ذكره.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 1، ص: 150

المسألة 495

إذا خرجت منه الرطوبة المشتبهة بعد الغسل، و شك في انه استبرأ بالبول قبل الغسل أم لا، بنى على عدم الاستبراء، و وجب عليه الغسل.

المسألة 496

لا حكم لاستبراء المرأة بالبول و لا بالخرطات بعد البول كما تقدم، و لا حكم للرطوبة المشتبهة التي تخرج منها بعد الغسل إذا احتملت أنها مذي أو نحوه من الرطوبات التي لا توجب الوضوء و لا الغسل، و ان احتملت أيضا أن تكون منيا أو بولا، فلا يجب عليها الغسل و لا الوضوء و لا تطهير الموضع منها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 151

و إذا علمت ان الرطوبة التي خرجت منها اما بول أو من مني الرجل فلا غسل عليها و لا وضوء، نعم، يجب عليها ان تطهر الموضع من النجاسة المعلومة.

و إذا علمت ان الرطوبة أما بول أو مني منها، وجب عليها ان تجمع بين الوضوء و الغسل و إذا كانت قبل خروج الرطوبة محدثة بالحدث الأصغر اكتفت بالوضوء وحده.

المسألة 497

إذا أحدث بالحدث الأصغر في أثناء الغسل الترتيبي فلا يترك الاحتياط، و يتأدى باستئناف الغسل ثم الوضوء بعده، و حين يستأنف الغسل يأتي بالأفعال التي جاء بها أولا برجاء المطلوبية.

و كذلك إذا أحدث بالأصغر مقارنا مع الغسل الارتماسي فيعيد الغسل برجاء المطلوبية ثم يتوضأ، و لا يختص هذا الحكم بالغسل من الجنابة بل يجري في سائر الأغسال من الأحداث.

المسألة 498

الظاهر أن الحدث الأصغر في أثناء الأغسال المستحبة يوجب بطلانها، و كذلك الأغسال التي تستحب لإتيان فعل كغسل الزيارة، و غسل الإحرام، و أغسال أفعال الحج إذا أحدث بعدها و قبل الإتيان بالفعل الذي استحبت له فتستحب اعادتها.

المسألة 499

إذا أحدث بالحدث الأكبر في أثناء الغسل منه، فان كان الحدث الجديد مماثلا للحدث الأول، كما إذا أجنب في أثناء غسله من الجنابة أو مس ميتا في أثناء غسله من مس الميت، فالظاهر لزوم استئناف غسله ان شاء ترتيبا أو ارتماسا.

و ان كان الحدث الجديد مخالفا للأول، فالظاهر عدم بطلان الغسل، فيجوز له أن يتمه ثم يغتسل بعده للحدث الجديد ان شاء مرتبا و ان شاء مرتمسا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 152

و يجوز له ان يعدل عن غسله الأول إذا كان مرتبا الى الارتماس، فيرتمس بنية الغسلين معا، و لا وضوء عليه إذا كان أحدهما جنابة.

و أما أن يستأنف الغسل للحدثين ترتيبا فلا يخلو من أشكال و ان أمكن تصحيحه بأن يقصد به رفع الحدث الموجود.

المسألة 500

يجب على الصائم إذا أراد الغسل ان يختار الترتيب و لا يجوز له الارتماس على الأحوط إذا كان الصوم واجبا معينا.

و إذا ارتمس بقصد الاغتسال و هو في شهر رمضان أو في غيره من الصوم الواجب المعين، فان كان عامدا بطل صومه و غسله، و ان كان ناسيا للصوم لم يبطل صومه و لا غسله.

و إذا كان الصوم مستحبا أو واجبا موسعا بطل صومه مع العمد، و صح صومه و غسله مع النسيان.

المسألة 501

إذا شك بعد فراغه من الصلاة انه هل اغتسل من الجنابة أم لا، بنى على صحة صلاته، و وجب عليه الغسل للصلاة و الأعمال الآتية، فإذا أحدث بالحدث الأصغر بعد صلاته الاولى و قبل الغسل، وجب عليه ان يجمع بين الغسل و الوضوء و اعادة الصلاة الاولى، و إذا كان شكه في الغسل في أثناء الصلاة كانت باطلة.

المسألة 502

الظاهر صحة غسل الجمعة من الجنب و من الحائض، بل الظاهر اجزاؤه عن غسل الجنابة و عن غسل الحيض إذا كان بعد انقطاع الدم.

المسألة 503

إذا اجتمعت على المكلف أغسال متعددة واجبة أو مندوبة أو مختلفة، يصح له أن ينوي الجميع بغسل واحد، و يصح له أن يقصد امتثال الأوامر المتوجهة اليه بالغسل و يصح له ان ينوي بعض الأغسال التي عليه فيصح ذلك الغسل، و يكفي عن الجميع و ان كان فيها الجنابة على

كلمة التقوى، ج 1، ص: 153

الأقوى، سواء كان ما نواه واجبا أم مستحبا. و ان كان الأحوط إذا كان أحد الأغسال التي عليه غسل الجنابة ان يقصده بالنية.

المسألة 504

إذا علم ان عليه اغسالا و جهل تعيين بعضها، كفاه أن ينوي جميع ما في ذمته على وجه الاجمال، و كفاه ان يقصد امتثال الأوامر المتوجهة اليه بالأغسال، و كفاه أن يقصد البعض الذي يعلمه على التعيين منها فيصح هو و يجزي عن غيره.

بل يكفي الغسل المعين إذا علم به المكلف و قصده عن غيره من الأغسال التي نسيها مما هي في ذمته واقعا.

الفصل السادس و العشرون في الحيض
المسألة 505

الثاني من الأغسال الواجبة: غسل الحيض.

و سببه: خروج الدم المعروف من المرأة كما يأتي بيانه.

و الغالب في دم الحيض أن يكون أسود أو أحمر طريا غليظا، يخرج بلذع و دفع، و المراد بكونه اسود انه شديد الحمرة يضرب الى السواد، و الغالب في دم الاستحاضة أن يكون أصفر باردا فاسدا رقيقا يخرج من غير لذع و لا قوة.

و هذه الصفات غالبية للدمين يرجع إليها عند التردد بين الدمين في بعض المقامات كما سيأتي.

و كل دم تراه الصبية قبل بلوغها أو تراه المرأة بعد يأسها لا يكون حيضا و ان كان بصفات الحيض.

و تبلغ الصبية بإكمالها تسع سنين منذ ولادتها، و تيأس المرأة بإكمالها ستين سنة إذا كانت قرشية، و بإكمالها خمسين سنة إذا كانت غير قرشية، و في المنتسبة الى قريش بالزنا اشكال.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 154

و المرأة التي يشك في نسبتها الى قريش يلحقها حكم غير القرشية، و الصبية التي يشك في إكمالها تسع سنين يلحقها حكم غير البالغة، و المرأة التي يشك في بلوغها سن اليأس يلحقها حكم غير اليائسة.

المسألة 506

قد تقدم ان الدم الذي تراه الصبية قبل بلوغها لا يكون حيضا و ان كان بصفات الحيض، و هذا مما لا اشكال فيه، و لكن الصبية التي يشك في بلوغها و عدمه إذا رأت دما بصفات الحيض، يحكم شرعا بأنه حيض و يكون علامة شرعية على بلوغها.

المسألة 507

الأقوى أن الحيض يجتمع مع الحمل، سواء رأته المرأة بعد استبانة الحمل فيها أم قبلها، و سواء كان ذلك في أيام عادتها أم قبلها أم بعدها، نعم الأحوط للحامل إذا رأت الدم بعد العادة بعشرين يوما ان تجمع بين تروك الحائض و اعمال المستحاضة.

المسألة 508

الدم الذي يعلم كونه دم حيض، إذا خرج من مجاريه الخاصة إلى الخارج ترتبت عليه أحكام الحيض، و ان كان الدم الذي خرج منه قليلا جدا، و إذا لم يخرج منه شي ء و كان بحيث يمكن إخراجه بقطنة و نحوها، فلا يترك الاحتياط للمرأة بأن تجمع بين أحكام الطاهر و الحائض، و لها ان تتعمد إخراجه بقطنة و نحوها فتجري عليه أحكام الحيض.

المسألة 509

إذا أحست المرأة بخروج شي ء منها، و شكت في أن الشي ء الخارج منها دم أو غيره لم تجر عليها أحكام الحيض، و كذلك إذا وجدت في ثيابها أو على بدنها دما و شكت في أنه قد خرج منها أو أصابها من موضع آخر، فلا يحكم بأنه حيض، و إذا أمكن ان تستعلم حالها بمثل أن تمديدها فتتحسس هل خرج الدم، أو تتبين هل أن الخارج منها دم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 155

أم لا فالظاهر وجوب مثل هذا الاختبار، و لا يعد فحصا في الشبهة الموضوعية.

المسألة 510

إذا اشتبه على المرأة أمر الدم الخارج منها بين ان يكون حيضا أو استحاضة، فإن كان خروجه في أيام العادة حكم بأنه حيض، و كذلك إذا وجدته بصفات الحيض، و سيأتي التعرض لتفصيل المجمل من ذلك في المباحث الآتية.

المسألة 511

إذا اشتبه على المرأة أمر الدم بين ان يكون حيضا أو دم بكارة، أدخلت قطنة، و صبرت بمقدار ما ينزل الدم على القطنة، و يكفي لاستعلام حاله انه يطوق القطنة أو يغمسها، ثم أخرجت القطنة إخراجا رقيقا، فان وجدت الدم قد طوق القطنة و لم ينفذ فيها فهو دم بكارة، و ان رأته قد غمس القطنة و نفذ فيها فهو دم حيض.

و يجب عليها ان تختبر ذلك قبل ان تصلي، و إذا صلت قبل ان تختبر الدم ثم تبين ان الدم لم يكن حيضا، فان حصل منها قصد القربة، كما إذا كانت جاهلة، أو صلت برجاء المطلوبية صحت صلاتها، و ان لم يحصل منها قصد القربة كانت الصلاة باطلة.

و إذا تعذر عليها الاختبار، فلا يبعد لزوم مراعاة الاحتياط لها فتجمع بين وظيفتي الحائض و الطاهر.

المسألة 512

إذا اشتبه على المرأة أمر الدم بين ان يكون حيضا أو دم قرحة فلا يترك الاحتياط بالجمع بين اعمال الطاهر و الحائض.

و إذا اشتبه بدم آخر، فان علمت حالتها سابقا من حيض أو طهر أخذت بها، و ان جهلت حالتها السابقة كان عليها ان تجمع بين وظيفتي الحائض و الطاهر.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 156

المسألة 513

أقل الحيض ما يستمر ثلاثة أيام و أكثره عشرة أيام، فالدم الذي تراه المرأة أقل من ثلاثة أيام أو تجده بعد العشرة لا يكون حيضا.

و يكفي في الاستمرار الذي اشترطناه في الثلاثة أيام، وجود الدم في باطن الفرج هذه المدة على النحو العادي المتعارف للنساء، و لا يكفي وجوده في بعض كل يوم من الأيام الثلاثة.

و تكفي الأيام الملفقة، فإذا رأت الدم من ظهر اليوم الأول مثلا الى ظهر اليوم الرابع حكم بان الدم حيض، و إذا رأته من أول نهار اليوم الأول إلى آخر نهار اليوم الثالث كفى في الحكم بحيضيته، و لا يعتبر وجوده في الليلة الاولى و لا في الليلة الرابعة. نعم تدخل فيه الليلتان المتوسطتان فيعتبر استمرار الدم فيهما بالمعنى المتقدم.

و اعتبر المشهور في الأيام الثلاثة ان تكون متوالية غير متفرقة، فلا يكفي ان ترى المرأة الدم ثلاثة أيام متفرقة في ضمن العشرة.

و ما ذهب اليه المشهور هو الأقوى، و لكن لا يترك الاحتياط في الأيام الثلاثة إذا كانت متفرقة، فتجمع المرأة بين تروك الحائض و اعمال المستحاضة في نفس الأيام الثلاثة المتفرقة، و تجمع في ما يتخللها من النقاء بين أفعال الطاهر و تروك الحائض.

المسألة 514

لا يكون الطهر ما بين الحيضتين أقل من عشرة أيام، فإذا طهرت المرأة من حيضها السابق، و رأت الدم في اليوم العاشر من طهرها أو قبله، لا يكون هذا الدم الجديد حيضا.

و اما الطهر في أثناء الحيض الواحد فيمكن ان يكون أقل من ذلك، و المسألة مشكلة فلا يترك الاحتياط بأن تجمع المرأة في أيام النقاء في الحيض الواحد بين أفعال الطاهر و تروك الحائض.

المسألة 515

الحائض قد تكون مبتدأة، و هي التي ترى الدم أول مرة و لم تره

كلمة التقوى، ج 1، ص: 157

قبل ذلك، و قد تكون مضطربة، و هي التي رأت الدم أكثر من مرة غير أن الدم الذي رأته كان مختلفا في الوقت و في عدد الأيام. و قد تكون ذات عادة، و هي التي رأت الدم مرتين أو أكثر، و كان الدم في ما رأته متفقا في وقت مجيئه من الشهر و في العدد من الأيام، أو في أحدهما، فتكون بذلك ذات عادة، و سيأتي بيان ذلك، و قد تكون ناسية، و هي التي تتحقق لها عادة معينة ثم تنساها.

المسألة 516

إذا رأت المرأة الدم مرتين متواليتين و كان في كلتا المرتين متفقا في وقت مجيئه من الشهر، و في العدد من الأيام، تحققت بذلك لها العادة، و كانت عادتها وقتية عددية لانضباط الوقت و العدد فيها، و مثال ذلك ان ترى الدم في كلتا المرتين في النصف من الشهر إلى مدة سبعة أيام، و المراد بالمتواليتين: ان لا تفصل بينهما حيضة مخالفة.

و إذا اتفقت المرتان في الوقت و لم تتفقا في العدد كانت عادتها وقتية فقط، و مثال ذلك: ان ترى الدم في النصف من الشهر سبعة أيام في المرة الاولى، و خمسة أيام في المرة الثانية.

و إذا اتفقت المرتان في العدد و لم تتفقا في الوقت، كانت عادتها عددية فقط، و مثاله ان ترى الدم خمسة أيام في النصف من الشهر الأول، ثم تراه خمسة أيام في العشرين من الشهر الثاني.

المسألة 517

يكفي في تحقق العادة الوقتية أن يحصل لها الانضباط في الوقت بصورة ما من الصور، فإذا رأت الدم الأول في وقت معين، و رأت الدم الثاني بعده بعشرين يوما مثلا، و رأت الدم الثالث بعده بعشرين يوما كذلك، تحققت لها بذلك عادة وقتية، و لا سيما إذا تكرر ذلك فإذا اتفق العدد أيضا كانت العادة وقتية عددية و ان لم يتفق كانت وقتية فقط.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 158

المسألة 518

قد تتحقق العادة لمستمرة الدم بسبب رجوعها في تحيضها الى التمييز بين صفات دم الحيض، و صفات دم الاستحاضة.

فإذا رأت الدم بصفات الحيض سبعة أيام في أول الشهر مثلا فتحيضت به، ثم تغير الدم بعده الى صفات الاستحاضة في بقية الشهر، و رأته بصفات الحيض سبعة أيام كذلك في أول الشهر الثاني فتحيضت به، ثم تغير الى صفات الاستحاضة في بقية الشهر، فإن العادة تتحقق لها بذلك، و تكون، وقتية عددية لانضباط كل من الوقت و العدد، و إذا اتفق الدمان في الوقت لا في العدد فرأته في المرة الأولى سبعة أيام، و في الثانية خمسة مثلا كانت العادة وقتية فقط، و إذا اتفقا في العدد لا في الوقت فرأته سبعة أيام في أول الشهر الأول مثلا، و في العاشر من الشهر الثاني كانت العادة عديدة فقط.

المسألة 519

ذات العادة الوقتية من النساء تتحيض بمجرد رؤية الدم في وقتها المعين، سواء كان الدم الذي رأته بأوصاف دم الحيض أم لا، فيجب عليها ترك العبادة و ترتيب أحكام الحيض برؤيته، و كذلك إذا سبق الدم وقت العادة بيوم أو يومين أو نحو ذلك مما يصدق معه تقدم العادة على وقتها و تعجيل الدم.

و إذا تأخر دمها عن العادة، فإن كان الدم بصفات الحيض تحيضت كذلك بمجرد رؤيته، و إذا كان فاقدا لصفاته فلا يترك الاحتياط بأن تجمع بين تروك الحائض و اعمال المستحاضة إلى ثلاثة أيام، فإذا أتم الثلاثة أو زاد جعلته حيضا.

و اما ذات العادة العددية فقط من النساء، و المبتدأة و المضطربة و الناسية، فإن كان الدم بصفات الحيض تحيضت بمجرد رؤيته و رتبت عليه الاحكام، و إذا كان فاقدا للصفات كان عليها ان تجمع

بين تروك الحائض و اعمال المستحاضة إلى ثلاثة أيام، فإذا بلغ الثلاثة أو زاد عليها جعلته حيضا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 159

و كذلك الحكم في ذات العادة الوقتية إذا تقدم الدم على العادة كثيرا، و إذا علمن ان الدم يستمر إلى ثلاثة أيام تركن العبادة و تحيضن بمجرد رؤية الدم و لم يحتجن الى الاحتياط المتقدم.

المسألة 520

إذا تحيضت المرأة بمجرد رؤية الدم ممن حكمها ذلك على ما تقدم بيانه في المسألة المتقدمة، فانقطع الدم قبل ان يتم ثلاثة أيام، وجب عليها ان تقضي العبادات التي تركتها.

المسألة 521

إذا كانت المرأة ذات عادة مستقرة وقتا و عددا فرأت الدم بعدد أيامها قبل الوقت المعين أو بعده، و لم تر في الوقت شيئا جعلت ذلك حيضها، فإذا كان الدم الذي رأته بصفات الحيض تحيضت بمجرد رؤيته، و إذا كان فاقدا للصفات جمعت بين تروك الحائض و اعمال المستحاضة إلى ثلاثة أيام ثم جعلته حيضا كما تقدم.

المسألة 522

إذا رأت الدم في العادة، و استمر الى ما بعدها، و كان المجموع لا يتجاوز عشرة أيام، جعلت الجميع حيضا، و كذلك إذا رأت الدم قبل العادة و استمر الى آخرها، و لم يتجاوز الجميع العشرة فتجعل الجميع حيضا، و انما يكون المتقدم على العادة حيضا في هذه الصورة إذا كان سبقه بيوم أو يومين أو نحو ذلك مما يصدق معه تقدم العادة و تعجيل الدم، أو كان الدم بصفات الحيض إذا كان سبقه بأكثر من ذلك، و إذا انتفى الأمر ان فلا بد لها من الاحتياط بالجمع، فإذا استمر الدم ثلاثة أيام جعلته حيضا كما تقدم، و كذلك الحكم إذا رأت الدم قبل العادة و استمر الى ما بعدها، و لم يتجاوز الجميع العشرة فتجعل الجميع حيضا، و الحكم في ما يسبق على العادة هو ما ذكرناه في الصورة المتقدمة.

و إذا كان المجموع يتجاوز العشرة فحيضها أيام العادة خاصة، في الصور الثلاث.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 160

المسألة 523

إذا كانت المرأة ذات عادة مستقرة وقتا و عددا، و تعارض عندها الوقت و العدد، بأن رأت دما في وقت العادة، و لكنه أقل أو أكثر من أيام عادتها، و رأت دما آخر في غير وقت العادة و لكنه بعدد أيامها، و كان الدمان على نحو لا يمكن جعلهما حيضتين لعدم الفصل بينهما بأقل الطهر، و لا يمكن جعلهما حيضا واحدا لأن مجموع الدمين و أيام النقاء بينهما يتجاوز عن العشرة.

فإن حصل لها مثل ذلك جعلت ما في الوقت حيضا، و أتمت عدد عادتها من أيام الدم الثاني إذا كان متأخرا عن العادة، و كان إتمام العدد منه ممكنا، و إذا انتفى الأمران بأن كان الدم الثاني

متقدما على العادة أو كان إتمام العدد منه غير ممكن، من حيث ان المجموع من دم العادة، و ما يتم به العدد من الدم الثاني و ما بينهما من أيام النقاء يزيد على العشرة، إذا انتفى الأمران كان حيضها هو ما في العادة.

المسألة 524

إذا كانت المرأة ذات عادة عددية أو وقتية، و رأت الدم أكثر من عددها المعين أو أكثر من وقتها و لكنه لم يتجاوز عشرة أيام جعلت الجميع حيضا.

المسألة 525

إذا كانت المرأة ذات عادة في الشهر مرة، فرأت الدم في شهر مرتين، و كانا معا بصفة دم الحيض، و فصل ما بينهما بأقل الطهر، تحيضت بالدمين بمجرد الرؤية و جعلتهما حيضتين مستقلتين، سواء وافق الدمان عادتها في عدد الأيام أم وافق أحدهما الوقت و الآخر العدد أم خالفاهما فيهما.

و إذا كان احد الدمين في وقت العادة تحيضت بمجرد رؤيته، و ان لم يكن بصفات الحيض، و إذا لم يكن أحدهما أو كلاهما في أيام العادة و لا بصفات الحيض، فإنما تتحيض به إذا استمر ثلاثة أيام، و عليها

كلمة التقوى، ج 1، ص: 161

قبل ان تمضي الثلاثة ان تحتاط بالجمع بين تروك الحائض و اعمال المستحاضة كما تقدم.

المسألة 526

إذا انقطع الدم عن المرأة قبل ان يبلغ عشرة أيام، و علمت بنقائها منه حتى في باطن الفرج اغتسلت وصلت، و لم تفتقر الى الاستبراء، و ان كانت تحتمل أو تظن عودة الدم قبل ان تتم العشرة.

و إذا علمت بأن الدم سيعود قبل مضي العشرة كان عليها مراعاة الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض و اعمال الطاهر.

المسألة 527

إذا انقطع الدم عن المرأة قبل ان يبلغ عشرة أيام و احتملت وجود دم في باطن الفرج، وجب عليها الاستبراء، و سيأتي بيانه ان شاء اللّه.

فإذا خرجت قطنة الاستبراء نقية حكمت على نفسها بنقائها من الحيض، و اغتسلت و باشرت عبادتها و اعمالها، و ان خرجت القطنة غير نقية و لو ببعض الصفرة حكمت بأنها لا تزال حائضا، و صبرت الى ان يحصل لها النقاء أو تنقضي للدم عشرة أيام.

و كذلك ذات العادة إذا تجاوزها الدم و علمت بأنه لا يتجاوز العشرة.

المسألة 528

إذا لم ينقطع الدم عن المرأة بعد انتهاء أيامها و لو بوجود صفرة الدم في قطنة الاستبراء، و احتملت ان الدم سيتجاوز العشرة، وجب عليها الاستظهار بالتزام أحكام الحائض و ترك العبادات حتى تستبين لها الحال أو تتم العشرة، و استبانة الحال لها اما بانقطاع الدم عنها، أو بحصول الاطمئنان لها بأن الدم يتجاوز العشرة فيجب عليها الغسل حينئذ، و سيأتي بيان حكم أيام الاستظهار إذا تجاوز الدم العشرة.

المسألة 529

إذا علمت المرأة بعد انتهاء العادة ان الدم سيتجاوز العشرة وجب عليها ان تعمل اعمال الاستحاضة و لم تفتقر الى الاستظهار.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 162

المسألة 530

إذا انقطع دم الحيض عن المرأة و احتملت وجوده في باطن الفرج وجب عليها الاستبراء، و لا يترك الاحتياط في ان تكون المرأة قائمة في حال الاستبراء و ان تلصق بطنها في جدار و نحوه، و ان ترفع احدى رجليها على الجدار، ثم تدخل قطنة في باطن فرجها، و تصبر مليا، و هي على تلك الحال، ثم تخرج القطنة، فان خرجت نقية حكمت بانتهاء حيضها و اغتسلت، و ان خرجت ملوثة و لو بصفرة صبرت الى أن يحصل النقاء أو تنقضي عشرة أيام كما تقدم.

المسألة 531

لا يجوز للمرأة في الحال المتقدم ذكرها ان تترك الصلاة حتى تعرف بالاستبراء ان دمها لم ينقطع، و إذا اغتسلت لم يجز لها ان ترتب على غسلها آثار الطهارة من الحدث حتى تعرف بالاستبراء أن دمها قد انقطع، و لكن ذلك لا يمنعها من ان تعمل بالاحتياط إذا شاءت، و إذا نسيت الاستبراء أو غفلت عنه و اغتسلت وصلت ثم تبين انها طاهر كانت صلاتها صحيحة.

المسألة 532

إذا لم يمكن الاستبراء للمرأة، لعمى أو ظلمة أو مانع آخر، فالأحوط لها ان تجمع بين أحكام الحائض و الطاهر، و الأحوط تجديد الغسل في كل وقت تحتمل فيه النقاء.

المسألة 533

إذا استظهرت المرأة في ما زاد عن عادتها حتى أتمت العشرة أو حتى حصل لها الاطمئنان بأن الدم يتجاوز العشرة كما تقدم في المسألة الخمسمائة و الثامنة و العشرين، فان انقطع الدم على العشرة أو قبلها جعلت جميع الدم حيضا، و إذا تجاوز الدم العشرة جعلت حيضها أيام العادة خاصة، و وجب عليها قضاء ما تركته أيام استظهارها من صلاة و صوم على الأقوى.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 163

الفصل السابع و العشرون في حكم من تجاوز دمها العشرة
اشارة

و الحكم فيها يشمل من استمر بها الدم شهرا أو أكثر، و من انقطع عنها قبل ذلك.

المسألة 534

إذا كانت المرأة ذات عادة مستقرة في الوقت و العدد، و استمر بها الدم حتى تجاوز العشرة أو الشهر- كما ذكرنا- جعلت أيام عادتها حيضا، و ان لم يكن الدم فيها بصفات الحيض، و جعلت الباقي استحاضة، و ان كان بصفة الحيض.

و إذا كانت عادتها حاصلة من التمييز كما ذكرنا في المسألة الخمسمائة و الثامنة عشرة فلا ينبغي لها ترك الاحتياط فتجمع بين تروك الحائض و اعمال المستحاضة، في كل من أيام العادة إذا كان الدم فيها فاقدا للصفات، و أيام وجود الصفات خارج العادة.

المسألة 535

المبتدئة، و هي التي ترى الحيض أول مرة. و المضطربة، و هي التي رأت الدم أكثر من مرة و لم تستقر لها عادة، إذا استمر بهما الدم- كما تقدم- ترجعان الى التمييز بين صفات الدم إذا كانت موجودة، فتجعلان الدم الأسود أو الأحمر الغليظ الذي يخرج بحرارة و قوة حيضا، و تجعلان الدم الأصفر البارد الرقيق الذي لا دفع فيه و لا لذع استحاضة، بشرط ان يكون الدم الذي فيه صفات الحيض لا يقل عن ثلاثة، و لا يزيد عن عشرة.

و إذا زاد الدم الذي توجد فيه الصفات على العشرة تحيضت المبتدئة و المضطربة بأيام أقاربها، فإذا فقدن أو اختلفن رجعت الى الروايات على ما سيأتي بيانه و جعلت ذلك في أيام الدم الواجد للصفات على الأحوط بل لا يخلو ذلك عن قوة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 164

و إذا وجدت المبتدئة أو المضطربة دمين توجد في كل منهما صفات الحيض و يتحقق شرطه فليس أقل من ثلاثة أيام و لا أكثر من عشرة، و لا يمكن جعل الدمين حيضين لعدم الفصل بينهما بأقل الطهر، و لا يمكن جعلهما حيضا واحدا

لان مجموع الدمين و ما بينهما من الدم الضعيف يزيد على عشرة أيام، جعلت حيضها هو الدم الأول منهما.

و إذا رأت دمين بصفة الحيض، و رأت بينهما دما بصفة الاستحاضة و لم يتجاوز المجموع عشرة أيام تحيضت بالدم الأول على الأحوط، و احتاطت في أيام الدم الضعيف و في ما يكمل عادة الأقارب أو العدد الذي أخذته من الروايات من الدم الثاني بالجمع بين وظيفتي الحائض و اعمال المستحاضة.

المسألة 536

إذا فقد التمييز في الدم، فكان على صفة واحدة، أو كان ما بصفة الحيض منه أقل من ثلاثة أيام. رجعت المبتدئة و المضطربة إلى أقاربها في عدد الأيام فأخذت بعادتهن، سواء كانت قرابتهن لها من الأبوين كليهما أو من جهة أحدهما، و سواء اتحد بلدهن معها أم لا، و سواء كن احياء أم أمواتا، و لا يبعد الاكتفاء بالرجوع الى بعض الأقارب إذا لم يعلم بالاختلاف بينهن.

فإذا فقدت الأقارب أو لم يعلم حالهن أو اختلفن في عدد العادة رجعت الى الروايات فتتخير على الأقوى بين الثلاثة إلى العشرة من كل شهر، و الأحوط ان تختار السبعة.

المسألة 537

إذا استمر الدم بالناسية لعادتها في الوقت و العدد، رجعت الى التمييز فتحيضت بالدم الذي توجد فيه صفات الحيض على ما تقدم بيانه في المبتدئة و المضطربة، فإذا فقدت التمييز رجعت الى الروايات و تخيرت كالمبتدئة و المضطربة أيضا بين الثلاثة إلى العشرة من كل شهر، و الأحوط ان تختار السبعة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 165

المسألة 538

الأحوط بل الأقوى ان تجعل العدد الذي تختاره في أول رؤية الدم إلا إذا وجد مرجح لغيره، و عليها ان توافق بين الشهور في ما تختاره فيها من العدد، فإذا اختارت أول الشهر الأول مثلا، فلا بد ان تجعله كذلك في الشهر الثاني، و هكذا، و المراد من الشهر هنا: المدة ما بين أول رؤية المرأة للدم الى ثلاثين يوما ثم يبتدئ بعده الشهر الثاني إلى ثلاثين يوما، و هكذا.

المسألة 539

إذا اختارت عددا و تحيضت به ثم تبين لها ان زمان الحيض غير ما اختارته من الأيام، وجب عليها قضاء الصلوات التي تركتها في تلك الأيام، و كذلك إذا تبين لها زيادة العدد الذي اختارته على عدد حيضها أو اختلافه معه في بعض الأيام.

المسألة 540

إذا كانت المرأة صاحبة عادة وقتية فقط، و ليس لها عدد معين، و استمر بها الدم، فعليها ان ترجع الى التمييز في تعيين العدد، فإذا وجدت من الدم- في وقت عادتها- ما هو بصفة الحيض و بشرطه، تحيضت به، و إذا فقدت التمييز في وقت العادة رجعت الى أقاربها، فإذا فقدن أو اختلفن تخيرت ما بين الثلاثة أيام إلى العشرة من كل شهر على ما تقدم في المبتدئة، و الأحوط ان تختار السبعة، و عليها ان تجعل العدد الذي تأخذه من عادة أقاربها أو تختاره من الروايات في وقت عادتها المعين.

نعم، يشكل الحكم برجوعها إلى الأقارب إذا كانت صاحبة عادة و لكنها نسيت العدد دون الوقت كما هي إحدى صور المسألة، و لا يترك الاحتياط في هذه الصورة بأن تختار من العدد ما يوافق عادة الأقارب إذا وجدن و لم يختلفن.

المسألة 541

إذا علمت- على وجه الإجمال- أن عدد أيامها يزيد على ثلاثة أيام

كلمة التقوى، ج 1، ص: 166

فليس لها ان تختار الثلاثة، و إذا علمت ان أيامها في عادتها لا يبلغ السبعة أو الثمانية مثلا أو العشرة فليس لها ان تختار ذلك العدد، و هكذا الحكم في المضطربة و الناسية.

المسألة 542

إذا كانت للمرأة عادة عددية فقط، و استمر بها الدم، رجعت في تعيين وقتها الى التمييز، فجعلت الدم الذي توجد فيه صفات الحيض و يتحقق فيه شرطه وقتا لها، و تحيضت به إذا كان موافقا لعدد أيام عادتها، و إذا كانت أيام التمييز أقل من عدد أيامها أكملت العدد من الدم بعده، و ان كان فاقدا للصفات، و ان كانت أيام التمييز أكثر تحيضت بعدد العادة، و عملت في الباقي أعمال المستحاضة.

و إذا فقدت التمييز تحيضت من أول الدم بعدد أيام عادتها.

المسألة 543

لا فرق بين السواد و الحمرة في الدم فكلاهما وصف للحيض، فإذا رأت الدم اسود يوما واحدا و رأته أحمر يومين بعده فقد حصل الشرط في الدم و أمكن ان تجعله حيضا و ان اختلف لونه، و إذا رأته ثلاثة أيام أسود، و ثلاثة أيام أحمر تحيضت بستة أيام لا بثلاثة، و إذا رأته ستة أيام أسود، و ستة أيام أحمر كانت من فاقدة التمييز لتجاوز الدم عن العشرة و ان اختلف لون الدم كذلك.

المسألة 544

إذا رأت المرأة التي حكمها الرجوع الى التمييز دما بصفة الحيض و بشرطه فلم يكن أقل من ثلاثة أيام و لا أكثر من عشرة، ثم رأت بعده دما بصفة الاستحاضة عشرة أيام ثم وجدت دما آخر بصفة الحيض و شرطه جعلتهما حيضين.

المسألة 545

إذا رأت الدم بصفة الحيض ثلاثة أيام متفرقة في ضمن العشرة، فهي فاقدة التمييز على الأقوى من اعتبار التوالي في الثلاثة، و حكمها

كلمة التقوى، ج 1، ص: 167

الرجوع الى عادة الأقارب، فإن فقدن فالى الروايات. و إذا كانت ناسية فحكمها الرجوع الى الروايات، و لا يترك الاحتياط بالجمع بين الوظيفتين في بقية العشرة بل في جميع العشرة.

المسألة 546

لا يحصل التمييز في الدم حتى يكون بعضه متصفا بصفات الحيض، و يكفي وجود واحدة منها، و بعضه فاقدا لها جميعا، فلا تمييز إذا وجدت الأوصاف في الدم كله و اختلف بعضه عن بعض في الشدة و الضعف أو في كثرة الصفات و قلتها.

المسألة 547

يقدم حق الزوج إذا أرادت الزوجة أن تختار بعض الأيام من الشهر لتتحيض فيها، و كان ذلك منافيا لحقه، و لكنها متى اختارت و لو عصيانا كانت حائضا و حرم عليه وطؤها. و له ان يمنعها من الاحتياط الاستحبابي و ليس له ان يمنعها من الاحتياط الوجوبي.

المسألة 548

إذا أخذت مستمرة الدم بعادتها فتحيضت بأيامها، أو رجعت الى التمييز أو الى الأقارب أو الى الروايات فأخذت به و عملت، ثم تبين لها ان أيام حيضها غير تلك الأيام وجب عليها قضاء ما تركته من الصلوات و وجب عليها الإتيان بالصلاة إذا كان وقتها باقيا.

الفصل الثامن و العشرون في أحكام الحائض
المسألة 549

يحرم على المرأة الحائض بالحرمة التشريعية كل عبادة تشترط فيها الطهارة، كالصلاة و الطواف و الصوم و الاعتكاف، و تحرم عليها قراءة آيات السجدة خاصة من سور العزائم، و ان كان الأحوط الامتناع من قراءة مجموع السور المذكورة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 168

المسألة 550

تبطل صلاة المرأة إذا حاضت في أثنائها، و لو في أثناء التسليم منها، و لا تبطل صلاتها مع الشك في خروجه في أثنائها، و لا يجب عليها الفحص، و إذا أتمت صلاتها ثم تبين لها ان الدم قد خرج في أثناء الصلاة انكشف بطلانها.

المسألة 551

تجب على المرأة سجدة التلاوة إذا استمعت الى قراءة آية السجدة من سورة العزيمة، أو قرأتها هي غافلة أو ناسية أو جاهلة أو عامدة، و ان أثمت بالقراءة مع العمد، بل تجب عليها السجدة على الأحوط إذا سمعت قراءة الآية و ان لم تقصد الاستماع إليها.

المسألة 552

تصح منها صلاة الأموات، و تجوز لها سجدة الشكر، و تصح منها الأغسال المندوبة، بل تستحب لها كغسل الجمعة و غسل الإحرام و غسل التوبة.

المسألة 553

يحرم على الحائض- على الأحوط- ان تمس اسم اللّه و سائر أسمائه و صفاته المختصة به، بل و غير المختصة إذا كان هو المقصود بها، و ان تمس اسم اللّه تعالى في أي لغة، و يحرم عليها- على الأحوط- ان تمس أسماء الأنبياء و الأئمة (ع).

و يحرم عليها أن تمس خط المصحف على ما تقدم بيانه، في ما يحرم على الجنب.

المسألة 554

يحرم عليها ان تدخل المسجد الحرام و مسجد الرسول (ص)، و ان كان دخولها على نحو المرور و الاجتياز، على النحو الذي تقدم بيانه في ما يحرم على الجنب، و إذا طرأ لها الحيض في أحد المسجدين وجبت عليها المبادرة بالخروج من غير تيمم، و كذلك إذا دخلت أحدهما عامدة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 169

أو جاهلة أو ناسية، و الدم لا يزال مستمرا، فعليها الخروج فورا من غير تيمم، و إذا دخلت احد المسجدين بعد انقطاع الدم عنها و قبل الاغتسال وجب عليها التيمم للخروج، إلا إذا كان زمان الخروج أقصر من وقت التيمم، و إذا كان مساويا له تخيرت، و تراجع المسألة الأربعمائة و الحادية و الخمسون في تفصيل ذلك و ما يتصل به.

المسألة 555

يحرم على الحائض ان تمكث في أحد المساجد أو تتردد فيها أو تدخل فيها لوضع شي ء في المسجد، و يجوز لها الدخول على نحو المرور و العبور بأن تدخل من باب و تخرج من آخر، و لا يجوز لها الدخول لغير الاجتياز، و لا الدخول و الاجتياز إذا استلزم تلويث المسجد و تراجع المسألة الأربعمائة و الثانية و الخمسون.

و المشاهد المشرفة و الرواقات فيها بحكم المساجد في ذلك على الأحوط.

المسألة 556

يحرم وطء الحائض قبلا حتى ببعض الحشفة من غير إنزال على الأقوى، و الحرمة في ذلك شاملة لكل من الرجل و المرأة، و حتى إذا اتفق خروج حيض المرأة من غير قبلها، فيحرم وطؤها قبلا.

و حكم وطء الحائض في دبرها هو حكم وطء غير الحائض فيه، و قد تقدم ان الأقوى جوازه على كراهة شديدة.

و يجوز للرجل ان يستمتع بالحائض بغير الوطء كالتقبيل و التفخيذ و غيرها. نعم يكره للرجل ان يستمتع منها بما بين السرة و الركبة مباشرة، و لا كراهة فيه إذا كان من فوق اللباس.

المسألة 557

حرمة وطء الحائض شاملة للزوجة الدائمة و المتمتع بها و المملوكة و المحللة، بل حتى الأجنبية فتحرم من هذه الجهة أيضا، و لا فرق في الحرمة بين ان يكون الحيض وجدانيا، أو تعبديا بالرجوع إلى العادة أو التمييز أو غيره عند استمرار الدم، و كذلك أيام الاستظهار.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 170

و لا يجوز للرجل الاستمرار في المقاربة إذا علم بخروج الحيض في أثناء الجماع.

المسألة 558

إذا طهرت المرأة من حيضها جاز للرجل وطؤها و ان لم تغتسل بعد، نعم يكره له ذلك، و الأحوط ان تغسل فرجها قبل الوطء و ان كان الأقوى عدم وجوب ذلك أيضا.

المسألة 559

يسمع قول المرأة إذا أخبرت عن نفسها بأنها حائض أو طاهر فتترتب عليه الآثار من حرمة وطئها و جوازه، و من صحة طلاقها و عدمها، نعم يشكل قبول قولها إذا كانت متهمة.

المسألة 560

إذا وطأ الرجل زوجته و هي حائض، و كان عالما عامدا عاقلا فالمشهور بين المتقدمين- على ما قيل- وجوب الكفارة عليه بدينار إذا كان الوطء في أول الحيض، و بنصف دينار إذا كان في وسطه، و بربع دينار إذا كان في آخره، و لكن الأقوى استحباب ذلك.

و الدينار مثقال شرعي من الذهب المسكوك و وزنه ثمان عشرة حمصة.

و قالوا: إذا وطأ المالك مملوكته و هي حائض، فعليه ثلاثة أمداد من الطعام يتصدق بها على ثلاثة مساكين، و الأقوى عدم الوجوب كذلك، و لا بأس بأن يتصدق بها برجاء المطلوبية.

المسألة 561

إذا تكرر منه الوطء في الحيض تكررت الكفارة على الظاهر، سواء كفر عن الوطء الأول أم لم يكفر، و سواء كان الوطء في وقت واحد أم كان في أول الحيض و وسطه و آخره، و الأمر سهل بعد البناء على الاستحباب.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 171

المسألة 562

الظاهر ان عليه دفع الدينار نفسه للمسكين، و لا يكفي دفع القيمة إلا عند التعذر، و عليه فالمناط أعلى القيم، و الأمر سهل كذلك بعد البناء على الاستحباب.

المسألة 563

لا يصح طلاق الزوجة الحائض و لا المظاهرة منها، إذا كانت مدخولا بها و لو دبرا، و لم تكن حاملا، و كان الزوج حاضرا، أو هو بحكم الحاضر، و إذا طلقها مع هذه الشرائط كان طلاقها باطلا، و كذلك الحكم في الظهار.

و يصح الطلاق إذا كانت غير مدخول بها أو كانت حاملا، أو كان زوجها لا يمكنه استعلام حالها سواء كان حاضرا أم غائبا، فالمناط في عدم صحة الطلاق هو تمكن الزوج من معرفة حالها سواء كان حاضرا أم غائبا.

و إذا كان الزوج نفسه لا يستطيع معرفة حالها، و وكل غيره ممن يمكنه استعلام حالها لم يصح طلاقها و هي حائض.

و إذا طهرت من الحيض و لم تغتسل بعد، صح طلاقها و ظهارها.

المسألة 564

إذا علمت بنقائها من الحيض، أو ثبت ذلك بالاستبراء، وجب عليها الغسل للأعمال الواجبة التي تشترط فيها الطهارة، كالصلاة و الصيام و الطواف و الاعتكاف الواجب، و أمر به على نحو الشرطية للأعمال غير الواجبة التي يشترط فيها الطهارة، كالصلاة المندوبة و الدخول الى المساجد و مس المصحف، و استحب للأعمال المستحبة التي تستحب لها الطهارة، كالطواف المندوب و استحب للكون على الطهارة و غيره من الغايات المستحبة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 172

المسألة 565

كيفية غسل الحيض هي كيفية غسل الجنابة فيجري فيه كل ما تقدم في غسل الجنابة و تفصيل القول فيه من الترتيب و الارتماس و غير ذلك.

المسألة 566

الأحوط الذي لا ينبغي تركه ان يضم الوضوء الى الغسل في غسل الحيض و غيره من الأغسال- غير غسل الجنابة- و ان كان الأقوى عدم الحاجة اليه، و كفاية الغسل عن الوضوء في جميع الأغسال.

و إذا أريد الوضوء مع غسل الحيض أو غيره فالأفضل ان يكون الوضوء قبل الغسل.

المسألة 567

إذا لم تجد الماء للغسل، أو تعذر عليها استعماله وجب عليها التيمم بدلا عن الغسل، فإذا وجدت الماء بقدر الوضوء و لم يتعذر عليها كالغسل توضأت على الأحوط ثم تيممت و ان كان الأقوى عدم وجوب الوضوء كما تقدم، و إذا تعذر الوضوء أيضا تيممت عن الوضوء أيضا للاحتياط المتقدم.

المسألة 568

إذا تيممت لعدم وجود الماء أو لتعذر الغسل عليها، فلا يبطل تيممها ما دام العذر موجودا، فإذا أحدثت بالحدث الأصغر كان عليها الوضوء أو التيمم بدلا عنه إذا كان متعذرا و لم تجب عليها اعادة التيمم بدلا عن الغسل حتى تتمكن من الغسل.

المسألة 569

يجب على المرأة قضاء صيام شهر رمضان إذا أفطرت فيه للحيض، و كذلك غيره من الصوم الواجب المؤقت على الأحوط فيه، و اما الصوم الواجب بالنذر إذا كان مؤقتا، فالظاهر بطلان النذر إذا اتفق في أيام الحيض، فلا يجب على المرأة قضاؤه بعد الحيض إلا إذا نذرته على نحو

كلمة التقوى، ج 1، ص: 173

تعدد المطلوب، بحيث يكون الصوم واجبا على كل حال، و يكون وقوعه في الوقت مطلوبا آخر، فإذا كان نذرها على هذا الوجه و أفطرت فيه للحيض وجب عليها الإتيان بالصوم بعد الوقت و ليس من القضاء للموقت.

المسألة 570

يجب على المرأة قضاء الصلاة الواجبة غير اليومية إذا فاتتها للحيض، كصلاة الآيات، و صلاة الطواف، و لا يحب عليها قضاء الصلاة اليومية.

و اما الصلاة الواجبة بالنذر إذا كانت مؤقتة، كما إذا نذرت صلاة جعفر في يوم الجمعة أو في شهر رمضان فاتفق ذلك في أيام حيضها، فالظاهر بطلان النذر كما تقدم في الصوم، فلا يجب قضاؤها بعد الطهر من الحيض إلا إذا كان نذرها على نحو تعدد المطلوب كما قلنا في الصوم، فيجب عليها الإتيان بالصلاة بعد الوقت.

المسألة 571

يجب عليها قضاء الصلاة اليومية إذا دخل وقتها قبل طروء الحيض و تمكنت من تحصيل شرائطها الواجبة عليها و من أدائها بحسب حالها من السفر و الحضر و الصحة و المرض و السرعة و البطء، فإذا هي لم تصلها وجب عليها قضاؤها.

بل لا يبعد وجوب القضاء عليها إذا أدركت من الوقت ما يسع الصلاة تامة و ان لم يسع الطهارة و تحصيل الشرائط معها، إذا كانت متمكنة من تحصيل الطهارة و بقية شرائط الصلاة قبل الوقت و ان لم تحصلها بالفعل لصدق فوت الصلاة.

المسألة 572

إذا طهرت من الحيض و أدركت من الوقت ما تحرز به شرائط الصلاة مع الطهارة و إدراك ركعة منها، وجب عليها أداء تلك الصلاة، فإذا تركتها حتى خرج الوقت وجب عليها قضاؤها، بل لا يبعد وجوب القضاء إذا أدركت من الوقت ركعة مع الطهارة و ان لم تحرز بقية الشرائط

كلمة التقوى، ج 1، ص: 174

الأخرى إذا كانت متمكنة من تحصيل الشرائط قبل طهرها، كما تقدم في المسألة السابقة.

المسألة 573

إذا شكت في ان الوقت الباقي يسع صلاة الركعة مع الشرائط وجبت عليها المبادرة، و إذا تركت الصلاة ثم استبان لها سعة الوقت وجب عليها القضاء.

المسألة 574

إذا أدركت من وقت الظهرين بعد الطهارة مقدار خمس ركعات وجب عليها ان تصليهما معا، فإذا هي تركت وجب عليها قضاؤهما، و إذا بقي من الوقت مقدار اربع ركعات صلت العصر وحدها، فإن هي لم تصلها وجب عليها قضاؤها و كذلك في العشاءين فإذا كانت مسافرة أدركت صلاة الظهرين بإدراك ثلاث ركعات من الوقت، و أدركت العشاءين بإدراك أربع ركعات.

المسألة 575

إذا ذكرنا في مباحث الحيض أو الاستحاضة ان المرأة تحتاط بالجمع بين الوظيفتين أو تجمع بين تروك الحائض و اعمال المستحاضة، فالمراد ان على هذه المرأة ان تجتنب كل ما يحرم على الحائض مما قد تقدم ذكره، و ان تأتي مضافا الى ذلك بأعمال الاستحاضة التي تجب عليها لو كان دمها استحاضة من غسل أو وضوء و تبديل خرقة و قطنة و تأتي بالصلاة بعد ذلك، و لا منافاة في ذلك لأن حرمة الصلاة على الحائض انما هي حرمة تشريعية، فلا تنافي أن تأتي بها برجاء المطلوبية و كذلك ما يأتي في النفاس، و إذا قلنا في أيام النقاء المتخلل في الحيض الواحد ان على المرأة ان تجمع فيه بين تروك الحائض و اعمال الطاهر، فالمراد كذلك ان تأتي بما يجب على الطاهر من وضوء و صلاة و غيرهما برجاء المطلوبية و ان تجتنب ما تجتنبه الحائض من محرمات.

المسألة 576

يستحب للحائض في وقت الصلاة ان تحتشي و تبدل القطنة و الخرقة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 175

و تتوضأ و تقعد في مصلاها بمقدار الصلاة مستقبلة القبلة، و ان تشتغل بالذكر و التسبيح و التهليل و التحميد، و الصلاة على النبي و آله، و قراءة القرآن، و لا تكره قراءة القرآن لها في هذا الوقت، فان لم تتمكن من الوضوء تيممت بدلا عنه، و الأولى أن لا تفصل بين الوضوء أو التيمم و الأعمال المذكورة، و لا تختص الاعمال المتقدمة بالصلاة اليومية على الظاهر فتستحب في وقت صلاة الآيات مثلا.

المسألة 577

يكره للحائض ان تختضب و ان تقرأ القرآن حتى أقل من سبع آيات و تشتد الكراهة كلما كثرت القراءة، و يكره لها حمل القرآن، و لمس هامشه و ما بين سطوره.

المسألة 578

يصح للحائض أن تغتسل الأغسال الواجبة- غير غسل الحيض- فإذا أجبت أو مست ميتا و هي حائض صح لها ان تغتسل منهما و يرتفع به حدثهما و ان كان حدث الحيض لا يزال باقيا.

و إذا فاجأها الحيض و هي تغتسل عن الجنابة أو عن مس الميت صح لها ان تتم غسلها، و قد تقدم ذلك في المسألة الأربعمائة و الثامنة و التسعين.

و تصح منها الوضوءات المندوبة التي لا ترفع الحدث.

الفصل التاسع و العشرون في الاستحاضة
المسألة 579

الثالث من الأغسال الواجبة: غسل الاستحاضة.

و سببه هو خروج دم الاستحاضة من المرأة على الوجه المخصوص.

و قد تقدم في أول فصل الحيض ان دم الاستحاضة- في الغالب- دم اصفر بارد رقيق فاسد يخرج بغير قوة و لا حرارة، و قد يكون بصفات الحيض، و لا حد له في القلة و الكثرة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 176

و كل دم تراه المرأة مما حكم بأنه ليس حيضا و لا نفاسا، و لم يكن دم قرح و لا جرح فهو دم استحاضة، و الأحوط- استحبابا إجراء أحكام الاستحاضة في كل دم لم يعلم بالأمارات الشرعية كونه من غيرها و ان كان مشكوكا.

المسألة 580

إذا خرج الدم المذكور من المرأة إلى خارج الفرج و لو قليلا تعلقت به أحكام الاستحاضة، و استمر الحدث ما دام الدم موجودا و لو في باطن الفرج، و إذا لم يخرج منه شي ء و كان بحيث يمكن إخراجه بقطنة و نحوها، فلا يترك الاحتياط للمرأة بأن تجمع بين أحكام الطاهر و المستحاضة، و إذا تعمدت إخراجه بقطنة و نحوها جرت عليه أحكام الاستحاضة و قد تقدم مثله في دم الحيض.

المسألة 581

يجب على المستحاضة أن تختبر حالها لتعلم ان استحاضتها من أي الأقسام فتعمل بحكمها.

و الاختبار: ان تدخل قطنة و تصبر بمقدار يكفي لمعرفة حال الدم، و انه يطوق القطنة أو يغمسها أو يزيد على ذلك فيسيل، ثم تخرج القطنة و تنظرها، فان وجدت الدم قد لوث القطنة من غير ان يغمسها أو يغمس بعض أطرافها فالاستحاضة قليلة، و ان رأته قد غمس القطنة أو غمس بعض أطرافها و لم يسل إلى الخرقة، فالاستحاضة متوسطة. و ان غمس القطنة و سال الى الخرقة فالاستحاضة كثيرة.

المسألة 582

يجب على المرأة إذا كانت استحاضتها قليلة أن تتوضأ لكل صلاة، فلا تكتفي بوضوء الفريضة الأولى للثانية، و لا بوضوء الفريضة للنافلة، و لا بوضوء النافلة الاولى للنافلة الثانية، فلكل ركعتين من النافلة وضوء.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 177

و الأحوط لها ان تبدل القطنة أو تطهرها لكل صلاة كذلك بل لا يترك ذلك، نعم لا يجب تبديلها أو تطهيرها إذا اتفق عدم سراية الدم إليها في بعض الصلوات.

و يجب عليها إذا كانت استحاضتها متوسطة: ان تغتسل قبل صلاة الصبح، و ان تتوضأ لكل صلاة فريضة أو نافلة- كما تقدم في القليلة- حتى بعد الغسل لصلاة الغداة على الأحوط، و ان تحتاط بتبديل القطنة أو تطهيرها كما تقدم، و لا يجب التبديل أو التطهير إذا اتفق عدم سراية الدم.

و يجب عليها إذا كانت الاستحاضة كثيرة: ان تغتسل لصلاة الغداة- كما ذكرنا في المتوسطة، و ان تغتسل غسلا ثانيا للظهرين تجمع بينهما، و ان تغتسل غسلا ثالثا للعشاءين تجمع بينهما، و ان تتوضأ لكل صلاة فريضة أو نافلة كما تقدم في القليلة حتى بعد الأغسال الثلاثة على الأحوط. و ان تحتاط بتبديل الخرقة

و القطنة.

و لا يجب تبديل الخرقة و لا القطنة إذا اتفق عدم سراية الدم إليها في بعض الصلوات كما تقدم في المتوسطة و الصغرى.

و يجوز لها ان تفرق بين الصلوات فتكون الأغسال خمسة بعدد الفرائض، و لا يجوز لها ان تجمع بين أكثر من فريضتين بغسل واحد، و تكفي أغسال الفرائض للنوافل، و تأتي لكل ركعتين من النافلة بوضوء على الأقوى في غير أوقات الأغسال، و على الأحوط في أوقات الأغسال للمتوسطة و الكثيرة إذا أتت بالنافلة بعد الغسل للفريضة.

المسألة 583

إذا صلت المرأة صلاة الغداة ثم حدثت لها الاستحاضة المتوسطة لم يجب عليها الغسل للفجر، و وجب لصلاة الظهرين، و إذا رأتها بعد صلاة الظهرين، وجب عليها الغسل للعشاءين، فإذا استمرت بها الى اليوم الثاني وجب عليها الغسل للغداة.

و إذا استحاضت بالمتوسطة قبل الفجر و تركت الغسل للغداة عامدة أو ناسية وجب عليها الغسل للظهرين و اعادة صلاة الصبح و ان انقطعت

كلمة التقوى، ج 1، ص: 178

استحاضتها قبل وقتهما، و إذا استحاضت بالمتوسطة قبل الفجر و انقطع قبل صلاته وجب عليها غسل الغداة، فان لم تفعل وجب للظهرين و عليها اعادة الصبح.

المسألة 584

إذا حدثت لها الاستحاضة الكثيرة بعد ان صلت الفجر لم يجب عليها في ذلك اليوم غسل الفجر و وجب عليها غسل للظهرين و غسل للعشاءين، و إذا حدثت بعد صلاة الظهرين وجب عليها غسل العشاءين فقط، فإذا استمرت الى اليوم الثاني وجبت عليها الأغسال الثلاثة.

المسألة 585

إذا حدثت الاستحاضة المتوسطة للمرأة و هي في أثناء صلاة الغداة وجب عليها الغسل و استئناف الصلاة، و كذلك الحكم في الكثيرة، و إذا حدثت الاستحاضة القليلة في أثناء الصلاة وجبت عليها اعادة الوضوء و استئناف الصلاة.

المسألة 586

يجب ان يكون غسل الغداة بعد الفجر فلا يكفي ان تغتسل لها قبل الوقت، نعم، إذا أرادت أن تصلى صلاة الليل قبل الفجر جاز لها ان تقدم غسل الغداة على الوقت بمقدار الغسل و صلاة الليل لا أكثر على الأحوط.

و لا يكفي عن غسل الغداة على الأحوط ان تغتسل قبل الفجر لبعض الغايات الأخرى و ان دخل الوقت بعده بلا فصل، فلا يترك الاحتياط بإعادة الغسل في الوقت للصلاة.

المسألة 587

إذا صلت المستحاضة و لم تختبر حالها أو تعلم ان استحاضتها من أي الأقسام كانت صلاتها باطلة، إلا إذا طابقت بعملها الواقع و حصل منها قصد القربة لغفلة و نحوها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 179

و إذا لم تتمكن المستحاضة من اختبار حالها وجب عليها ان تأتي بما تتيقن معه صحة صلاتها، و إذا كانت لها حالة سابقه من القلة أو الكثرة أو التوسط في الاستحاضة أخذت به.

المسألة 588

لا يكفي الاختبار قبل دخول وقت الصلاة، الا ان تعلم بأن حالها لم يتغير، و لا يكفي الاختبار إذا تأخر عنه أداء الوظيفة تأخرا يحتمل معه تغير حالها و ان كان في الوقت.

المسألة 589

لا يجب تجديد الوضوء و لا تبديل القطنة و لا الخرقة أو تطهيرهما إذا أصابهما الدم، لقضاء الأجزاء المنسية من الصلاة، و سجود السهو إذا أتى به بلا فصل.

و اما ركعات الاحتياط لبعض الشكوك فلا يترك الاحتياط بالإتيان بها قبل تجديد الأعمال المذكورة ثم اعادتها بعد التجديد.

و إذا أرادت إعادة الصلاة جماعة أو للاحتياط وجب ان تجدد لها الاعمال.

المسألة 590

إذا انقطع الدم قبل دخول وقت الفريضة لزم تجديد الاعمال المتقدم ذكرها لتلك الفريضة حتى الغسل إذا كانت مما يجب له الغسل، ثم لا يجب تجديد الاعمال للفرائض الآتية بعدها إذا كان الدم على انقطاعه، فإذا كانت الاستحاضة. متوسطة و انقطع الدم قبل الفجر وجب الغسل لصلاة الفجر و لزم تجديد الاعمال على ما تقدم ذكره، و إذا بقي الدم على انقطاعه إلى صلاة الظهر لم يجب تجديد الاعمال لها حتى الوضوء إذا لم ينتقض وضوؤها لصلاة الغداة، و هكذا في العصر و العشاءين، و إذا تجدد الدم بعد انقطاعه بعد ان صلت الظهر وجب تجديد الأعمال لصلاة العصر ثم للصلوات الآتية ما دام الدم مستمرا، و هكذا إذا كانت الاستحاضة كثيرة مع ملاحظة الفروق بينها في الأعمال، فلا يجب تجديد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 180

الغسل للظهرين و للعشاءين و لا تبديل الخرقة في الصورة الأولى ما دام الدم على انقطاعه، و يجب تجديدها في الصورة الثانية في ما يجدد من الاعمال عند تجدد الدم و استمراره.

المسألة 591

تجب عليها المبادرة إلى الصلاة بعد الغسل و الوضوء على الأحوط، فإذا أخرت صلاتها عن الأعمال مدة لم تصح صلاتها إلا إذا علمت بانقطاع الدم و عدم تجدد الحدث طيلة هذه المدة.

المسألة 592

وجوب المبادرة عليها للصلاة بعد الإتيان بالأعمال لا يمنعها من ان تأتي بالأذان و الإقامة لصلاتها، و الأدعية المأثورة أو تأتي بسائر المستحبات فيها.

المسألة 593

يجب عليها التحفظ التام من خروج الدم بعد الوضوء و الغسل بالتحشي بالقطن و نحوه، و شد الموضع أو الاستثفار و غير ذلك مما يحبس الدم، و يمنع خروجه.

و إذا قصرت في التحفظ فخرج الدم وجب عليها إعادة الصلاة، و لا يترك الاحتياط بإعادة الغسل، و إذا كان الدم مستمر السيلان فالأحوط تقديم ذلك على الغسل.

المسألة 594

يشترط في صحة صوم المستحاضة أن تأتي بالأغسال النهارية لذلك اليوم فإذا تركتها جميعا أو تركت بعضها بطل صومها، و كذلك يعتبر في صحته ان تأتي بغسل العشاءين لليلة الماضية- على الأحوط- فلا يصح صوم اليوم إذا تركت غسل ليلته السابقة عليه، نعم إذا تركت غسل العشاءين و قدمت غسل الفجر على الوقت لصلاة الليل صح صومها، و اما الوضوءات و بقية أعمال المستحاضة فهي شروط لصحة الصلاة و ليست شروطا في صحة الصيام.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 181

المسألة 595

إذا علمت المستحاضة بأن دمها ينقطع في آخر الوقت انقطاع برء أو انقطاع فترة تسع الصلاة وجب عليها التأخير الى ذلك الوقت، و كذلك مع رجاء الانقطاع. و إذا صلت قبل ذلك كانت صلاتها باطلة.

نعم تكون الصلاة صحيحة إذا تأتي منها قصد القربة لغفلة و نحوها ثم انكشف عدم انقطاع الدم.

المسألة 596

إذا انقطع الدم عن المستحاضة انقطاع برء قبل ان تبدأ بالاعمال وجب عليها ان تغتسل إذا كانت استحاضتها توجب الغسل، و ان تتوضأ معه على الأحوط، ثم تأتي بالصلاة، و إذا كانت استحاضتها توجب الوضوء كان عليها الوضوء فقط ثم الصلاة.

و إذا انقطع عنها بعد ان شرعت في الأعمال قبل الفراغ من الصلاة تركتها و استأنفت على ما تقدم، و إذا انقطع عنها بعد ان أتمت الأعمال و الصلاة أعادت، و إذا علمت ان الدم قد انقطع عنها قبل ان تغتسل و تتوضأ صحت اعمالها و صلاتها و لم تحتج إلى إعادة.

المسألة 597

إذا انقطع الدم عن المستحاضة انقطاع فترة تسع الطهارة و الصلاة لزمها ما ذكرناه في المسألة المتقدمة على الأحوط، و كذلك إذا كانت الفترة تسع الطهارة و بعض الصلاة على الأحوط أيضا.

و إذا شكت في ان الفترة تسع الصلاة أم لا، أو شكت في ان الانقطاع انقطاع برء أو انقطاع فترة فالظاهر وجوب الاستئناف إذا كان الانقطاع في أثناء الأعمال قبل الفراغ من الصلاة، و الإعادة إذا كان بعدها في كلتا الصورتين.

المسألة 598

إذا انقطع الدم عن المستحاضة المتوسطة أو الكثيرة انقطاع برء

كلمة التقوى، ج 1، ص: 182

وجب عليها الغسل للانقطاع كما تقدم، و ان علمت بعدم خروج دم منها بعد غسلها للصلاة السابقة لم يجب عليها الغسل.

المسألة 599

إذا انتقلت استحاضتها من القليلة إلى المتوسطة أو الكثيرة، أو من المتوسطة إلى الكثيرة، فإن كان انتقالها بعد ان أتمت الأعمال و الصلاة صحت اعمالها و صلاتها، و لم تجب عليها الإعادة، و ان كان انتقالها قبل الشروع في الأعمال وجب عليها ان تعمل عمل الأعلى.

و ان كان انتقالها بعد الشروع في الأعمال و قبل إتمامها فعليها استئناف الاعمال و العمل على الأعلى، حتى في الانتقال من المتوسطة إلى الكثيرة. و قد اغتسلت للغداة و لم تصلها أو كانت في أثناء الصلاة، فإنه يجب عليها استئناف الغسل و العمل مثل أعمال الاستحاضة الكثيرة.

المسألة 600

إذا انتقلت استحاضتها من المتوسطة إلى القليلة، أو من الكثيرة الى المتوسطة أو القليلة استمرت على عملها الأول لصلاة واحدة بعد الانتقال، ثم عملت بعد ذلك عمل الأدنى، فإذا تبدلت المتوسطة قليلة قبل صلاة الغداة، وجب عليها ان تغتسل لصلاة الغداة كما هو حكم المتوسطة، و ان تتوضأ لكل واحدة من الصلوات الآتية بعد ذلك كما هو حكم القليلة. فإن هي لم تغتسل وجب عليها الغسل للظهر و اعادة صلاة الغداة كما هو حكم المتوسطة.

و إذا تبدلت الكثيرة متوسطة قبل صلاة الظهر، وجب عليها ان تغتسل لصلاة الظهر كما، هو حكم الكثيرة، و ان تتوضأ بعد ذلك للعصر و لكل واحدة من العشاءين كما هو حكم المتوسطة، و إذا هي لم تغتسل للظهر وجب عليها ان تغتسل للعصر إذا لم يبق الا وقتها المختص و عليها ان تقضي صلاة الظهر كما هو حكم الكثيرة.

المسألة 601

يجب على المستحاضة القليلة ان تجدد الوضوء لكل عمل تشترط فيه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 183

الطهارة كالطواف الواجب و صلاة الطواف بعده ثم طواف النساء و الصلاة بعده، و لا يكفيها وضوء الصلاة اليومية، و لا وضوء واحد للجميع، حتى في مس كتابة القرآن إذا وجب عليها مرارا، فيجب عليها الوضوء لكل مرة على الأحوط، و يجوز لها دخول المساجد و المكث فيها، و لا يجب الوضوء لهما.

المسألة 602

إذا أدت المستحاضة المتوسطة أو الكثيرة جميع ما يجب عليها من الاعمال صحت صلاتها و كانت بحكم الطاهرة، فيجوز لها كل عمل تشترط فيه الطهارة فلها ان تدخل المساجد و تمكث فيها و ان تقرأ العزائم و تمس خط القرآن، و يجوز وطؤها.

و إذا أخلت بأغسال الصلاة، فالأقوى جواز دخول المساجد لها و المكث فيها و قراءة العزائم، و ان كان الأحوط استحبابا ان تغتسل لها، و لا يجوز وطؤها على الأحوط بل على الأقوى حتى تغتسل.

و لا يجوز لها مس خط المصحف حتى تغتسل، و يكفيها غسل الصلاة، و الأحوط الوضوء معه، و إذا أرادت تكرار مس خط المصحف، ففي وجوب تكرار الغسل لذلك تأمل. و لكن فيه احتياطا لا يترك، و أحوط منه ترك المس مع سعة وقته.

المسألة 603

تجب على المستحاضة صلاة الآيات، و يجب ان تعمل لها ما تعمله للصلاة اليومية، فيجب الغسل لها إذا لم تكن قد اغتسلت لليومية، و إذا كانت قد اغتسلت لليومية ففي وجوب تكرار الغسل لها تأمل، و خصوصا في الوقت و لكنه احتياط لا يترك.

المسألة 604

يجوز للمستحاضة أن تقتضي الفوائت من الصلاة، و يجب عليها ان تأتي بجميع ما يجب عليها من الاعمال لكل صلاة، و لا يكتفي بغسلها للصلوات الأدائية على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 184

المسألة 605

إذا أحدثت بالحدث الأصغر في أثناء غسلها استأنفت الغسل على الأحوط و توضأت بعده، و حين تستأنف الغسل تأتي بالافعال التي أتت بها أو لا برجاء المطلوبية، و إذا كان الغسل ارتماسيا أعادت الغسل برجاء المطلوبية ثم توضأت، و قد تقدم ذلك في المسألة الأربعمائة و السابعة و التسعين.

المسألة 606

إذا أجنبت أو مست ميتا في أثناء غسلها من الاستحاضة و كان غسلها مرتبا جاز لها ان تعدل عنه الى الارتماس فترتمس بنية الغسلين معا، و لا وضوء عليها بعده إذا كان أحدهما جنابة، و يجوز لها ان تتم غسلها الأول ثم تغتسل بعده للحدث الجديد ترتيبا أو ارتماسا إذا لم يناف ذلك المبادرة إلى الصلاة بعد غسل الاستحاضة، و إذا استحاضت بالكبرى في أثناء الغسل للوسطى استأنفت الغسل و العمل للكبرى.

المسألة 607

قد يتفق للمرأة ان تستحاض بالوسطى أو بالكبرى مدة قصيرة ثم ينقطع دمها انقطاع برء قبل صلاة الفريضة، فيجب عليها الغسل لتلك الفريضة، فإذا رأت مثل هذه الاستحاضة القصيرة خمس مرات في اليوم، قبل كل واحدة من الفرائض الخمس مرة، وجب عليها الغسل في ذلك اليوم خمس مرات بعدد الاستحاضات الخمس التي رأتها.

الفصل الثلاثون في النفاس
المسألة 608

الرابع من الأغسال الواجبة: غسل النفاس.

و سببه هو خروج دم النفاس من المرأة، و هو دم تقذفه الرحم مع الولادة أو بعدها، على وجه يعلم استناد خروج الدم إلى الولادة، سواء كان الجنين تام الخلقة أم لا و ان لم تلج فيه الروح، و في المضغة و العلقة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 185

إشكال، فلا يترك الاحتياط في الدم الذي يخرج معهما بالجمع بين أعمال المستحاضة و النفساء.

و إذا شك في الولادة لم يحكم على الدم الذي يخرج في تلك الحال بالنفاس، و إذا علم بالولادة و شك في استناد الدم إليها ففي الحكم بأنه نفاس إشكال.

المسألة 609

ما يخرج من الدم قبل أول جزء من الولد لا يكون نفاسا، فان استمر ثلاثة أيام أو أكثر، و فصل بينه و بين النفاس بعشرة أيام حكم بأنه حيض، و ان لم يفصل بينه و بين النفاس أقل الطهر، فلا يترك الاحتياط فيه بالجمع بين أعمال المستحاضة و تروك الحائض و ان كان في أيام عادة الحيض، أو كان متصلا بالنفاس و لم يزد مجموعهما على عشرة أيام.

و ما علم بأنه دم مخاض فهو استحاضة، و ان كان متصلا بدم النفاس و لم يزد مجموعهما على العشرة.

المسألة 610

لأحد للنفاس في القلة، فقد يكون قطرات قليلة من الدم تسقط على المرأة في أثناء العشرة، و إذا لم تر المرأة دما فلا نفاس لها، و إذا رأت الدم بعد عشرة أيام من حين الولادة لم يكن نفاسا.

و أكثر النفاس عشرة أيام، و ان كان الاولى للمرأة إذا استمر بها الدم فتجاوز العشرة إن تحتاط بعد أيام عادتها، أو بعد العشرة إذا لم تكن ذات عادة الى ثمانية عشر يوما من الولادة فتجمع بين الوظيفتين.

المسألة 611

يبتدئ النفاس عند ظهور أول جزء من الولد، و لكن عشرة النفاس لا تبتدئ الا بعد تمام الولادة، فالمدة التي تكون ما بين أول الولادة و تمامها لا تعد من العشرة و ان طالت و عدت جزءا من النفاس، و إذا حدثت الولادة ليلا ابتدأ النفاس مع الولادة كما ذكرنا فتكون الليلة جزءا من النفاس و لا يبتدئ حساب عشرة النفاس الا من أول النهار،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 186

و إذا حصلت الولادة في أثناء النهار ابتدأ حساب العشرة من تمام الولادة، و أكمل نقصان اليوم الأول من اليوم الحادي عشر، فإذا كانت الولادة في الساعة السابعة من النهار مثلا لم تتم العشرة إلا في الساعة السابعة من اليوم الحادي عشر.

المسألة 612

إذا انقطع دم النفساء على العشرة أو قبل تمامها فجميع الدم الذي رأته نفاس، سواء استغرق العشرة كلها أم بعضها، و سواء رأته مجتمعا في بعض العشرة أم رأته متفرقا فيها، و ان كان يوما و يوما، و لا يترك الاحتياط في النقاء المتخلل بأن تجمع بين اعمال النفساء و الطاهر، و قد سبق نظير ذلك في الحيض.

و لا فرق في الحكم المذكور بين ذات العادة و غيرها، و من تكون عادتها عشرة أيام أو أقل.

و إذا استمر الدم فتجاوز عشرة أيام، فإن كانت المرأة ذات عادة معلومة في الحيض أخذت بأيام عادتها فجعلتها نفاسا، و جعلت الدم الباقي استحاضة، و الأحوط- كما تقدم- ان تجمع في الباقي بين الوظيفتين إلى ثمانية عشر يوما من الولادة.

و إذا كانت مبتدئة أو مضطربة فنفاسها عشرة أيام، و الباقي استحاضة، و الأحوط ان تجمع فيه بين الوظيفتين إلى الثمانية عشر كما تقدم.

المسألة 613

إذا كانت المرأة ذات عادة و لم تر الدم في أيام عادتها بل رأته بعد انقضائها ثم استمر حتى تجاوز العشرة من حين الولادة، أخذت بمقدار عادتها من حين رؤية الدم، فإذا زاد ذلك على العشرة من حين الولادة اقتصرت على إتمام العشرة، و معنى ذلك أنها تأخذ بأقل الأمرين من العادة و إتمام العشرة، فإذا كانت عادتها أربعة أيام و رأت النفاس في اليوم الخامس تنفست به الى اليوم الثامن و هي مقدار أيام عادتها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 187

و إذا كانت عادتها ستة أيام، و رأت الدم في اليوم السابع تنفست به الى نهاية العشرة و لم تكمل العادة و الأحوط أن تجمع بين الوظيفتين بعد ذلك الى الثمانية عشر إذا استمر الدم إليها.

و

إذا رأت الدم في أثناء العادة و لم تره في أولها، ثم استمر حتى تجاوز العشرة، تنفست به من حين رؤيته و أخذت كذلك بأقل الأمرين من العادة و إتمام العشرة، فإذا كانت عادتها سبعة أيام و رأت الدم في اليوم الثالث من العادة، فنفاسها سبعة أيام إلى اليوم التاسع، و هي أيام عادتها، و إذا رأت الدم في اليوم السادس فنفاسها خمسة أيام إلى اليوم العاشر، و هي ما تحتمله العشرة من أيام العادة، و الاحتياط بالجمع إلى الثمانية عشر.

المسألة 614

الدم المتقدم على النفاس إذا لم ينقص عن ثلاثة أيام و فصل بينه و بين النفاس عشرة أيام حكم بأنه حيض، و ان لم يفصل بينه و بين النفاس بعده بأقل الطهر فالحكم فيه مشكل، و لا يترك الاحتياط فيه بالجمع بين أعمال المستحاضة و تروك الحائض كما تقدم في المسألة الستمائة و التاسعة.

و اما الدم المتأخر عن النفاس فالظاهر اعتبار الشرط المذكور فيه فلا يكون حيضا حتى يفصل بينه و بين النفاس قبله بأقل الطهر، فإذا رأته المرأة قبل ان تتم العشرة كان استحاضة و الاحتياط حسن.

المسألة 615

لا يشترط ان يفصل ما بين النفاسين أقل الطهر كما في ولادة التوأمين، فإذا ولدت أحدهما و رأت الدم بعده عشرة أيام أو بعدد أيام عادتها إذا كانت ذات عادة أقل من العشرة، ثم ولدت الآخر و رأت الدم بعده كذلك كان لها نفاسان مستقلان، و ان اتصل الدمان و لم يفصل بينهما نقاء أصلا فضلا عن أقل الطهر.

و إذا استمر بها الدم فنفاسها للأول بمقدار عادتها، و كذلك نفاسها للثاني بعده، و إذا لم تكن لها عادة فنفاسها عشرون يوما، لكل واحد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 188

منهما عشرة أيام و كان الزائد عليها استحاضة.

و إذا زاد الدم ما بين الولادتين على عشرة أيام كان الزائد من هذا الدم على العادة في ذات العادة، و الزائد على العشرة منه في غير ذات العادة استحاضة كذلك.

و إذا ولدت الثاني قبل ان تتم العادة من النفاس الأول أو قبل ان تتم العشرة لغير ذات العادة و كان الدم مستمرا تداخل النفاسان في بعض الأيام.

و إذا فصل ما بين النفاسين أقل الطهر، أو فصل بينهما نقاء بعد ان أتمت

العادة من النفاس الأول أو بعد العشرة لغير ذات العادة وجب ان تعمل فيه اعمال الطاهر.

و إذا حصل النقاء في أثناء العادة أو في أثناء العشرة لغير ذات العادة احتاطت في ذلك النقاء بالجمع بين اعمال النفساء و الطاهر كما تقدم.

المسألة 616

إذا استمر الدم بعد الولادة مدة طويلة، فالنفاس منه هو أيام العادة لذات العادة، و العشرة الأولى لغيرها، و ما زاد على ذلك فهو استحاضة، و لا يكون حيضا و ان اتفق في أيام العادة في الحيض أو كان بصفته.

و إذا حصل أقل الطهر بعد انتهاء أيام النفاس و الدم لا يزال مستمرا، فان اتفق الزائد عليه مع أيام العادة في الحيض حكم بحيضيته، و ان لم يكن فيها أو لم تكن ذات عادة رجعت المبتدئة و المضطربة و الناسية الى التفاصيل التي ذكرناها في مستمرة الدم.

المسألة 617

إذا انقطع دم النفساء ظاهرا و احتملت وجوده في الباطن وجب عليها في الأحوط اختبار حالها بإدخال القطنة و نحوها و تركها هنيهة ثم إخراجها و ملاحظتها على نحو ما تقدم في الاستبراء من الحيض.

المسألة 618

إذا استمر الدم بالنفساء الى ما بعد العادة في الحيض، و احتملت انه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 189

يتجاوز العشرة وجب عليها الاستظهار بترك العبادة الى ان يستبين لها الحال أو تتم العشرة، فإذا تجاوز الدم العشرة وجب عليها قضاء الصلاة و الصوم كما تقدم في الحيض.

المسألة 619

تشترك النفساء مع الحائض في عامة أحكامها فتحرم عليها العبادات المشروطة بالطهارة، و يحرم عليها مس كتابة القرآن. و يحرم عليها مس اسم اللّه و قراءة العزائم و أبعاضها حتى البسملة بقصدها و دخول المساجد و المكث فيها على الأحوط في مس اسم اللّه و ما بعده جميعا، و يحرم وطؤها و طلاقها، و يكره وطؤها بعد انقطاع الدم عنها و قبل الغسل، و يجب عليها الغسل بعد انقطاع النفاس، أو انتهاء العادة أو العشرة في غير ذات العادة، إذا علمت بتجاوز الدم العشرة، و يجب عليها قضاء الصوم و الصلاة الواجبين غير اليومية.

و يستحب لها الوضوء في أوقات الصلاة و ان تقعد في مصلاها مستقبلة القبلة، و تشتغل بذكر اللّه بقدر الصلاة.

المسألة 620

غسل النفاس كغسل الجنابة في كيفيته ترتيبا أو ارتماسا، و الأحوط الذي لا ينبغي تركه ان يضم الوضوء اليه، و ان كان الأقوى كفاية الغسل عن الوضوء فيه و في جميع الأغسال، و قد تقدم ذكر ذلك.

الفصل الحادي و الثلاثون في غسل مس الميت
المسألة 621

الخامس من الأغسال الواجبة: غسل مس الميت.

و سببه ان يمس الإنسان إنسانا ميتا بعد برد جميع جسده بالموت، و قبل إتمام غسله، فلا يجب الغسل بمس ميت غير الإنسان، و لا يجب بمس ميت الإنسان قبل ان يبرد جميع جسده و ان برد بعضه، أو برد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 190

جميع جسده بسبب غير الموت، و لا يجب الغسل إذا مسه بعد ان يتم غسله.

و لا يسقط وجوب الغسل إذا مسه قبل ان تتم أغساله الثلاثة لجميع الأعضاء، و ان كان العضو الذي مسه مما كمل تغسيله، و إذا غسل الميت غسلا اضطراريا، كما إذا غسل بالماء القراح لعدم السدر أو الكافور، و كما إذا غسله الكافر لفقد المماثل المسلم، ففي سقوط غسل المس بعده اشكال، و كذلك إذا يمم الميت لبعض الأعذار، فلا يترك الاحتياط بغسل من مسه، و بتطهير ملاقي بعض أعضائه مع الرطوبة المسرية.

و لا فرق في وجوب الغسل بين ان يكون الميت مسلما أو كافرا، و مماثلا للماس أو غير مماثل، و صغيرا أو كبيرا، حتى الجنين الذي تم له أربعة أشهر، و لا فرق فيه بين ان يكون الجزء الذي مسه من الميت مما تحله الحياة أولا إذا كان متصلا به كعظمه و ظفره و شعره إذا كان قصيرا، بل و ان مسه بجزء لا تحله الحياة من الماس نفسه كعظمه و ظفره و شعره إذا كان قصيرا يصدق معه انه مس

الميت، اما إذا كان الشعر من الميت أو من الماس طويلا، فالظاهر عدم صدق مس الميت بمجرد تلاقيهما أو ملاقاة أحدهما لجسد الآخر.

المسألة 622

إذا مس قطعة مبانة من الميت أو مبانة من الحي و كانت مشتملة على العظم وجب عليه الغسل، و لا يجب إذا كانت القطعة مجردة عن العظم، و لا يجب عليه الغسل إذا مس العظم المجرد من الحي أو من الميت، أو مس السن المنفصل عن الميت، و إذا كان مع السن لحم معتد به وجب الغسل بمسه، سواء كان من الميت أم الحي، و لا اعتناء باللحم القليل، و لا يجب الغسل بمس سرة الطفل بعد قطها.

المسألة 623

لا يجب الغسل حتى يتحقق انه قد مس الميت الإنسان بعد برده بالموت، فإذا شك في تحقق المس منه، أو شك في ان الذي مسه كان

كلمة التقوى، ج 1، ص: 191

ميتا أم حيا، أو ان المس كان قبل برده بالموت أم بعده، أو شك في ان الذي مسه كان إنسانا أم حيوانا، أو انه مس جسد الميت أم ثيابه لم يجب عليه الغسل في جميع ذلك.

و إذا علم انه مس الميت و شك في ان الميت قد غسل أم لا، وجب عليه الغسل.

و إذا علم بأنه مس الميت، و بأن الميت قد غسل، و شك في انه مس الميت قبل الغسل أم بعده، فان علم تأريخ المس فالأحوط له الغسل، و ان جهل التأريخين معا، أو علم تأريخ الغسل لم يجب عليه الغسل بمسه.

المسألة 624

إذا مس الهيكل العظمي للإنسان المجرد عن اللحم و كان قبل تغسيله وجب عليه الغسل، و كذلك إذا شك في انه قد غسل أم لا.

المسألة 625

إذا وجد ميتا في مقبرة المسلمين و شك في تغسيل ذلك الميت و عدمه لم يبعد وجوب الغسل بمسه.

المسألة 626

لا فرق في وجوب الغسل بين ان يكون مختارا في مس الميت أو مضطرا اليه، و لا بين أن يكون مكلفا حال المس أو غير مكلف، فإذا مس الميت في حال النوم أو الغفلة أو النسيان أو كان الماس صغيرا أو مجنونا وجب الغسل على المكلف إذا علم به بعد اليقظة و التذكر، و يجب الغسل على الطفل بعد البلوغ و يصح منه قبل البلوغ إذا كان مميزا، و يجب على المجنون بعد الإفاقة.

المسألة 627

إذا مس الإنسان قطعة مبانة منه نفسه مشتملة على العظم وجب الغسل عليه بمسها كما يجب على الغير، و الأحوط ان مس القطعة المبانة من الحي يوجب الغسل و ان كان المس قبل بردها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 192

المسألة 628

لا يترك الاحتياط بغسل المرأة إذا تولد منها طفل ميت فحصلت المماسة في باطن فرجها، و لا يترك الاحتياط كذلك في الطفل إذا تولد من امه بعد موتها، فعليه ان يغتسل غسل المس بعد بلوغه، أو بعد ان يكون مميزا.

المسألة 629

من وجب قتله شرعا لقصاص أو حد إذا أمر فاغتسل قبل قتله غسل الأموات ثم قتل، لا يكون مسه بعد برده موجبا للغسل، و كذلك الشهيد الذي لا يجب تغسيله، فلا يجب الغسل بمسه، و سيأتي بيان حكمه في المسألة الستمائة و الرابعة و الخمسين.

المسألة 630

غسل مس الميت، كغسل الجنابة في الكيفية، و لا يجب الوضوء معه على الأقوى كما لا يجب مع سائر الأغسال، و ان كان الأحوط ان لا يترك الوضوء معه.

المسألة 631

لا يحرم على من مس الميت ان يدخل المساجد و المشاهد و ان يمكث فيها، و لا تحرم عليه قراءة سور العزائم و آياتها، و إذا كان امرأة لم يحرم وطؤها على زوجها.

المسألة 632

مس الميت حدث أصغر و لكنه يوجب الغسل كما ذكرنا، فيجب عليه الغسل لكل واجب تشترط فيه الطهارة من الحدث الأصغر، و يشترط في كل عمل تشترط فيه الطهارة و ان لم يكن واجبا.

و إذا تكرر منه المس لم يتكرر عليه وجوب الغسل.

المسألة 633

تراجع المسألة الأربعمائة و السابعة و التسعون و المسألة الأربعمائة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 193

و التاسعة و التسعون في حكم من أحدث بالحدث الأصغر أو الحدث الأكبر في أثناء غسله.

المسألة 634

إذا مس الميت مع الرطوبة المسرية تنجس العضو الذي لامسه به و وجب تطهيره، سواء كان ذلك قبل برد الميت أم بعده، و إذا مسه بعد البرد وجب عليه غسل المس كما تقدم، سواء كان مسه مع الرطوبة أم بدونها و وجب عليه تطهير العضو اللامس قبل الغسل إذا كان مع الرطوبة.

الفصل الثاني و الثلاثون في أحكام الأموات
المسألة 635

أهم الواجبات على العبد توبته عن المعاصي، و لا يختص وجوبها بحال المرض أو عند ظهور أمارات الموت، بل هي واجبة في كل حال، و لكن العبد قد يتغافل عن هذا الأمر العظيم أو يتساهل فيه، و يكون تنبهه لضرورته عند المرض أو عند ظهور أمارات الموت أكبر و أكثر، و على أى حال فيجب الحذر من التسويف في التوبة و التغافل عنها، فإنه يؤدى إلى أمور موبقة، و أدنى ما يؤدى إليه ثقل التبعة عليه بتراكم الذنوب، و تكثر الحقوق للّه و للناس، و ضعف النفس و ضعف البدن الى غير ذلك من اللوازم التي يعسر عدها و قد يتعذر حدها.

المسألة 636

قالوا: ان حقيقة التوبة هي ندم العبد على ما فعل من المعاصي، و الظاهر انه لا يكفي مطلق الندم في تحقق التوبة حتى يشتد ذلك و يبلغ إلى مرتبة يتراجع معها العبد عما اقترف من الاعمال و تنزجر نفسه عن فعلها، و هذا هو معنى العزم على ترك العود إلى المعصية.

و اما الاستغفار فهو مظهر من مظاهر التذلل و الخضوع الذي يبدو على العبد المذنب في هذا المجال.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 194

المسألة 637

إذا ظهرت أمارات الموت على الإنسان تعين عليه رد الودائع و الحقوق الفورية إلى أهلها مع الإمكان، و كذلك الحقوق و الأموال الأخرى، إذا لم يطمئن من وصيه أو وارثه بأنه يوصلها الى أهلها، و يتخير في ما سوى ذلك بين ردها إلى أهلها و الوصية المحكمة بها، بحيث لا يطرأ عليها الخلل بعد موته، و الأحوط الرد إلى أهلها مع الإمكان مطلقا.

المسألة 638

تجب الوصية بما عليه من الواجبات كالصلاة و الصيام و الحج و الحقوق الشرعية المالية، و يتخير في الواجبات التي يجب على الولي قضاؤها من بعده بين ان يعلم الولي بها ليقضيها عنه بعد الموت أو يوصي بالإجارة عليها.

المسألة 639

يجب عليه ان ينصب قيما على أطفاله إذا كان في عدم نصب القيم تضييع لهم أو تضييع لأموالهم، و لا يجب في ما عدا ذلك.

و يجب أن يكون القيم الذي يجعله على الأطفال أمينا، و كذلك الوصي الذي يعينه على أداء حقوقه الواجبة، بل حتى من يجعله وصيا على صرف ثلثه أو بعض ماله في الخيرات غير الواجبة، يعتبر فيه ان يكون أمينا على الأحوط ان لم يكن هو الأقوى.

المسألة 640

يجب ان يوجه المحتضر إلى القبلة على الأحوط إذا كان مسلما أو بحكم المسلم، بأن يجعل مستلقيا على ظهره و يجعل وجهه و باطن قدميه إلى القبلة، سواء كان ذكرا أم أنثى، و صغيرا أم كبيرا، بل يجب ذلك على المحتضر نفسه في حال شعوره على الأحوط، و إذا تولى توجيهه غيره فالأحوط أن يكون بإذن الولي، فان لم يمكن فالأحوط الاستئذان من الحاكم الشرعي.

و الأحوط ان يستمر الاستقبال به على الوجه المذكور الى الفراغ من تغسيله، و الاولى بعد ذلك ان يكون الاستقبال به كحال الصلاة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 195

و الدفن، فيكون رأسه عن يمين المصلي إذا استقبل القبلة للصلاة و رجلاه الى يساره.

المسألة 641

يستحب نقل المحتضر الى مصلاه إذا اشتد به النزع، إذا لم يوجب ذلك أذاه، و الا كان محرما.

و يستحب تلقينه الشهادتين و الإقرار بالأئمة الاثني عشر و العقائد الحقة، و إفهامه ذلك و تكراره عليه.

و يستحب للمحتضر ان يتابع ذلك بلسانه و قلبه، و ان يلقن كلمات الفرج و هي: (لا إله إلا اللّه الحليم الكريم، لا إله إلا اللّه العلي العظيم، سبحان اللّه رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و ما فيهن و ما بينهن و رب العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين).

و ان يلقن هذا الدعاء: يا من يقبل اليسير و يعفو عن الكثير اقبل مني اليسير و اعف عني الكثير انك أنت العفو الغفور، و ان يكرر ما قاله الامام زين العابدين (ع) عند موته، اللهم ارحمني فإنك رحيم. فإنه ردده، حتى توفي صلوات اللّه عليه.

و يستحب ان يقرأ عنده سورة يس، و سورة الصافات و آية الكرسي، و الآيات الثلاث من آخر

سورة البقرة بل مطلق القرآن.

المسألة 642

يستحب تغميض عينيه بعد الموت و شد لحييه و أطباق فمه و تغطيته بثوب و نحوه، و اعلام اخوانه المؤمنين ليحضروا جنازته، و مما ينبغي فعله مد رجليه و إسبال يديه الى جنبيه.

و مما يستحب التعجيل في دفنه إلا إذا شك في موته فيجب الانتظار حتى يحصل العلم بالموت.

المسألة 643

يكره ان يمس المحتضر في حال النزع، بل يظهر من بعض النصوص

كلمة التقوى، ج 1، ص: 196

ان ذلك يوجب أذيته و الإعانة عليه، و لذلك فيكون الأحوط تركه، و يكره ان يحضره عند احتضاره جنب أو حائض، و يكره ان تترك جنازته وحدها بعد الموت.

و اما البكاء عنده قبل الموت من الرجال أو النساء، فإن أوجب أذاه أو تعجيل منيته كان محرما، و الا فلا دليل على كراهته.

المسألة 644

تغسيل الميت و تكفينه و سائر الأعمال الواجبة المتعلقة بتجهيزه كلها من الفروض الكفائية، فهي واجبة على جميع المكلفين ممن بلغهم أمره، فإذا قام بالعمل بعض المكلفين على الوجه المطلوب سقط وجوبه عن الآخرين، و ان تركه الكل أثموا جميعا بتركه، و لا يختص الوجوب بولي الميت على الأقوى، نعم يشترط في صحة الأعمال إذا قام بها غير الولي ان يكون قيامه بها بإذن الولي، فلا تصح إذا قام بها بغير اذنه، و يكفي ان يعلم اذنه بشاهد الحال القطعي و بالفحوى.

المسألة 645

إذا كان ولي الميت غائبا لا يمكن الاستئذان منه أو كان صغيرا أو مجنونا فلا يترك الاحتياط بالاستئذان من الحاكم الشرعي، و من المرتبة المتأخرة عنه من الأولياء، و إذا امتنع الولي من ان يباشر تجهيز الميت بنفسه و ان يأذن للآخرين به، فإن أمكن للحاكم الشرعي ان يجبره على احد الأمرين أجبره على أحدهما، و ان لم يمكن له ذلك استؤذن من الحاكم الشرعي و من المرتبة المتأخرة من الأولياء، على الأحوط.

المسألة 646

ولي الميت هو وارثه الشرعي من غير فرق بين ان يكون نصيبه في الميراث كثيرا أو قليلا، و لذلك فتكون طبقات الأولياء مترتبة حسب طبقات الأرحام في الميراث، فالطبقة الاولى هم الأبوان و الأولاد، و الثانية هم الأجداد و الاخوان، و الثالثة هم الأعمام و الأخوال، و تشترك الإناث في كل طبقة مع الذكور في الولاية، فإذا فقد الأرحام

كلمة التقوى، ج 1، ص: 197

فالولاية للمعتق، ثم لضامن الجريرة ثم للحاكم الشرعي ثم لعدول المؤمنين على الأحوط في هذين الأخيرين.

المسألة 647

إذا اشتملت الطبقة من الأولياء على بالغين و غير بالغين، فالولاية للبالغين و لا حاجة الى استئذان ولي الطفل، و من انتسب الى الميت بالأبوين فهو اولى ممن انتسب إليه بأحدهما على الأحوط ان لم يكن أقوى، و من انتسب إليه بالأب فهو اولى ممن انتسب إليه بالأم على الأحوط كذلك.

المسألة 648

زوج المرأة الميتة أولى بها حتى من أبيها و ولدها، و حتى من مالكها إذا كانت أمة، سواء كانت الزوجة دائمة أم منقطعة، و مالك العبد و الأمة أولى بهما من جميع أرحامهما و ان كانوا أحرارا.

و يشترك الأب و الام و الأولاد في الولاية على الأقوى، و لا يقدم بعضهم على بعض، سواء كان الأولاد ذكورا أم إناثا، نعم، يقدم الأولاد على أولاد الأولاد.

و في تقديم الأجداد على الاخوة في الولاية إشكال، و خصوصا إذا كان الأجداد للأم، فلا يترك الاحتياط، و تقدم الاخوة على أولاد الاخوة، و يشترك الأعمام و الأخوال، و يقدمون على أولادهم.

المسألة 649

إذا تعدد الأولياء و كانوا من أهل مرتبة واحدة، كفى ان يحصل الاذن من بعضهم إذا لم يمنع الآخرون.

المسألة 650

إذا أوصى الإنسان الى احد غير وليه الشرعي ان يباشر تجهيزه بعد موته أو يقوم ببعض الأعمال كالصلاة عليه مثلا، لم يجب على ذلك الشخص القبول، و لكنه إذا قبل صح له ان يقوم بالعمل و لم يحتج إلى اذن الولي.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 198

و إذا أوصى اليه بأن يكون وليا على ذلك كان له رد الوصية في حياة الموصى بحيث يبلغه الرد، فإذا هو لم يرد في حياة الموصى أورد في حياته و لم يبلغه الرد حتى مات، وجب عليه القبول، و وجب الاستئذان منه دون الولي، و ان كان الأحوط الاستئذان منهما معا.

المسألة 651

إذا أذن الولي لأحد بتجهيز الميت أو الصلاة عليه مثلا ثم رجع عن اذنه في أثناء العمل لم يجز للمأذون له ان يتم العمل، و كذلك إذا كان الولي غائبا فحضر في أثناء العمل، أو كان مجنونا فأفاق، أو كان عاقلا فجن، أو مات و انتقلت الولاية إلى غيره فلا بد في إتمام العمل من اذن الولي الجديد أو مباشرته العمل بنفسه. و اما الصلاة فلا بد من اعادتها و إذا طرأ شي ء مما ذكر بعد تمام العمل لم يضر بصحته و لم يحتج إلى الإعادة.

المسألة 652

يجب تغسيل كل ميت مسلم و ان كان مخالفا للمذهب على الأحوط فيه، و إذا غسل الشيعي ميتا يخالفه في المذهب فلا بد و أن يكون الغسل على النهج المعتبر عند الشيعة و إذا غسله أهل مذهبه على طريقتهم اكتفى بذلك و سقط الوجوب.

و لا يجوز تغسيل الكافر و ان كان مرتدا قبل ان يتوب، و لا تغسيل من حكم بكفره ممن انتسب الى الإسلام كما تقدم في مبحث النجاسات.

و أطفال المسلمين بحكم المسلمين حتى ولد الزنا منهم على الأحوط، و أطفال الكافرين بحكمهم حتى ولد الزنا منهم.

المسألة 653

إذا تم لجنين المسلم أربعة أشهر ثم سقط ميتا وجب تغسيله و تكفينه و دفنه، و إذا سقط لأقل من أربعة أشهر لم يجب غسله بل يلف في خرقة على الأحوط و يدفن.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 199

المسألة 654

يستثنى من الحكم المتقدم و هو وجوب تغسيل كل ميت مسلم صنفان:

الصنف الأول: الشهيد، و هو من قتل في الجهاد بين يدي المعصوم (ع) أو نائبه الخاص، أو قتل في الجهاد في حفظ بيضة الإسلام و ان كان في حال الغيبة، سواء كان المقتول ممن يجب عليه الجهاد أم لا، كالمرأة و الصبي و المجنون إذا قتل في المعركة و خرجت روحه فيها، فلا يجوز تغسيله، و يشكل الحكم إذا خرجت روحه بعد إخراجه من المعركة أو خرجت روحه في المعركة بعد انقضاء الحرب.

و لا تنزع ثياب الشهيد عنه، سواء أصابها دم أم لا، فان كانت ثيابه كافية لستر بدنه لم يكفن، و صلي عليه و دفن، و ان كان عاريا وجب تكفينه، و ان كانت ثيابه غير كافية لستره تمم ستره ببعض قطعات الكفن ثم صلي عليه و دفن.

الصنف الثاني: من وجب قتله شرعا بحد أو قصاص، فيجب عليه ان يغتسل قبل القتل غسل الميت بالمياه الثلاثة، و ان يلبس الكفن الواجب على نحو لا يمنع من اجراء الحد أو القصاص عليه، و ان يتحنط كحنوط الميت، فإذا قتل صلي عليه و دفن من غير تغسيل، فان كان يجهل هذا الحكم أمر به.

و لا يجب غسل الكفن من الدم الذي يصيبه بسبب اقامة الحكم عليه، و لا تجب اعادة الغسل إذا أحدث قبل القتل.

المسألة 655

إذا مس احد جسد الشهيد بعد خروج روحه في المعركة أو مس المقتول بالحد أو القصاص بعد اجراء الحكم المتقدم عليه لم يجب عليه غسل مس الميت.

المسألة 656

القطعة المنفصلة من جسد الميت قبل تغسيله إذا كانت لا تشتمل على عظم لا يجب تغسيلها و لا تكفينها و لا غيرهما من أحكام الميت، بل تلف في خرقة و تدفن على الأحوط فيه، و في أكثر ما ذكر في هذه المسألة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 200

و إذا كانت مشتملة على عظم، أو كانت عظما مجردا عن اللحم، و كانت غير الصدر غسلت غسل الميت، و لا يترك الاحتياط بتكفينها بما يتناولها من القطع الثلاث الواجبة في الكفن فإذا كانت من الأطراف كالقدم مثلا، كفنت باللفافة، و إذا كانت من الأوساط كالكتف و نحوها كفنت بالقميص و اللفافة، و إذا كانت كالفخذ و أمثالها كفنت بالمئزر و القميص و اللفافة ثم دفنت بعد التكفين.

و إذا كانت مشتملة على الصدر أو كانت هي الصدر كله، أو كانت بعض الصدر المشتمل على القلب وجب تغسيلها ثم تكفينها بالقميص و اللفافة، و بالمئزر إذا كانت مشتملة على موضعه ثم حنطت إذا كانت موضعا للحنوط ثم صلي عليها و دفنت.

و كذلك الحكم فيها إذا كانت عظم الصدر مجردة عن اللحم.

المسألة 657

تجري الأحكام المتقدمة في المسألة السابقة في القطعة المبانة من جسد الحي على الأحوط كذلك.

المسألة 658

إذا وجد الهيكل العظمي للإنسان مجردا عن اللحم جرت عليه أحكام الميت كلها، و كذلك إذا وجدت العظام كلها مجردة عن اللحم و ان انفصل بعضها عن بعض.

المسألة 659

إذا وجد جسد الميت كله و قد قطعت بعض أعضائه أو جميعها أجريت عليه أحكام الميت مع الإمكان، فيجب تغسيل جميع أوصاله حتى القطع التي لا عظم فيها، و يجب تكفينها و تحنيطها و الصلاة عليها و دفنها، فان لم يكن الغسل يمم الميت بدلا عن الغسل كما سيأتي بيانه، ثم أجريت عليه بقية الأحكام.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 201

الفصل الثالث و الثلاثون في كيفية غسل الميت
المسألة 660

تجب قبل غسل الميت ازالة النجاسات الأخرى عن جسده، و الأحوط ان تكون إزالتها عن جميع الأعضاء قبل الشروع في الغسل، بل لا يترك هذا الاحتياط ما أمكن، و المراد بإزالة النجاسة: تطهير البدن منها على الوجه الذي تطهر به الأجسام من تلك النجاسة لا مجرد ازالة العين عنه، و إذا أصابته النجاسة في أثناء الغسل طهر موضع النجاسة و أتم الغسل.

المسألة 661

يجب ان يغسل الميت ثلاثة أغسال تامة:

الأول بماء السدر، و الثاني بماء الكافور، و الثالث بالماء القراح، و يجب الترتيب بين الأغسال الثلاثة على الوجه المذكور.

و يجب في كل واحد من الأغسال الثلاثة الترتيب بين اجزاء الجسد على النحو الذي تقدم بيانه في الغسل الترتيبي للجنابة، فيجب غسل الرأس و الرقبة أو لا، ثم غسل الجانب الأيمن من الجسد ثانيا و يغسل معه نصف العورة الأيمن قبلا و دبرا، و نصف السرة كذلك، و الأحوط غسلهما جميعا مع الجانبين كما تقدم، ثم غسل الجانب الأيسر من الجسد ثالثا، و تراجع المسألة الأربعمائة و الخامسة و الستون.

المسألة 662

إذا خالف الترتيب بين الأغسال الثلاثة، فقدم الكافور على السدر أو قدم القراح على الكافور أو عليهما، وجبت الإعادة على وجه يحصل معه الترتيب بينها، فإذا قدم الكافور على السدر أعاد الغسل بالكافور بعد ان يتم الغسل بالسدر ثم يغسله بالقراح و هكذا إذا قدم القراح على الكافور أو عليهما.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 202

و إذا خالف الترتيب بين أعضاء البدن في أحد الأغسال الثلاثة اعاده على ما يحصل معه الترتيب بين الأعضاء في ذلك الغسل كما سبق بيانه في المسألة الأربعمائة و السابعة و الستين، ثم أتى ببقية الأغسال على الترتيب ما بينها.

المسألة 663

لا يكفي الغسل الارتماسي في غسل الأموات- على الأحوط- بأن يرمس الميت ارتماسة واحدة عن كل واحد من أغساله. نعم، يكفي رمس كل واحد من أعضاء الميت الثلاثة في الماء الكثير بقصد غسل ذلك العضو مع الترتيب، فيرمس رأس الميت و رقبته أولا بقصد غسلهما، ثم يرمس الجانب الأيمن منه ثانيا، ثم يرمس الجانب الأيسر ثالثا، و هو من الترتيب لا من الارتماس.

و يندر تحقق ذلك في الغسل بالسدر و بالكافور لندرة الماء الكثير مع الخليطين.

المسألة 664

يعتبر في الغسل الأول: ان يكون السدر بمقدار يصدق معه ان الميت غسل بماء و سدر، و ان يكون الكافور في الغسل الثاني بمقدار يصدق معه انه غسل بماء و كافور، و لا يجزي فيهما ما هو أقل من ذلك، و لا يصح الغسل إذا كان الخليط من السدر أو الكافور يوجب صيرورة الماء مضافا لكثرته.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 1، ص: 202

المسألة 665

إذا تعذر وجود السدر سقط اعتباره في الغسل، و غسل الميت بالماء القراح بدلا عنه مع مراعاة الترتيب، فيغسل بالماء القراح أو لا بقصد البدلية عن ماء السدر، ثم يغسل بماء الكافور، ثم بالماء القراح، و كذلك إذا تعذر وجود الكافور، فيغسل بماء السدر أولا، ثم بالماء القراح بدلا عن ماء الكافور ثم بالماء القراح أخيرا، و إذا تعذر السدر و الكافور معا غسل بالماء القراح بدلا عن السدر أولا، ثم غسل به بدلا عن الكافور، ثم بالماء القراح.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 203

المسألة 666

إذا تعذر وجود الماء أو خشي تمزق جلد الميت أو تناثر لحمه بتغسيله بالماء سقط وجوب غسله، و يمم ثلاث مرات بدلا عن أغساله الثلاثة على الترتيب فيها، و لا يترك الاحتياط في ان يأتي بأحد التيممات الثلاثة بقصد الأمر الفعلي المتوجه اليه بالتيمم.

المسألة 667

إذا وجد المكلف من الماء ما يكفي لواحد من الأغسال فقط، فان فقد السدر و الكافور أيضا فالأحوط أن ييمم الميت بدلا عن السدر، ثم ييممه بدلا عن الكافور، و يغسله بعد ذلك بالماء بقصد ما في الذمة، ثم ييممه مرتين، أولاهما عن الكافور، و ثانيتهما عن القراح.

و ان وجد الخليطين معا، تخير في صرف الماء الذي عنده بين الأغسال الثلاثة، و الأحوط ان يصرفه في السدر و ييمم الميت بعده بدلا عن الكافور ثم عن القراح.

و إذا وجد السدر وحده، تخير في صرف الماء الموجود في غسل السدر أو في القراح، و الأحوط ان يغسله بالسدر و ييممه للآخرين.

و إذا وجد الكافور وحده، يممه بدلا عن السدر، و تخير في صرف الماء اما في الكافور أو في القراح و يممه للآخر منهما، و الأحوط ان يغسله بالكافور و ييممه للقراح.

المسألة 668

إذا لم يجد الماء فيمم الميت بدلا عن الأغسال على الوجه المتقدم، ثم وجد الماء قبل دفن الميت وجب تغسيله و اعادة تجهيزه و الصلاة عليه، و كذلك إذا وجد الماء بعد الدفن إذا اتفق خروج الميت بعد الدفن، بل يجب نبش الميت لذلك إذا لم يستوجب هتكا لحرمته، و كذلك الحكم إذا لم يجد الخليطين أو لم يجد أحدهما، فغسل الميت بالماء القراح بدلا عنهما أو عن أحدهما، ثم وجد الخليط المفقود، فتجب الإعادة في الصورتين.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 204

المسألة 669

إذا مات المحرم لم يجز ان يغسل بالكافور، بل يغسل بماء السدر ثم بالماء القراح مرتين، و لم يحنط بالكافور، و لم يقرب إليه أي طيب آخر، إلا إذا كان موته بعد الطواف و السعي في الحج، أو بعد التقصير في العمرة. فيكون له حكم سائر الأموات.

المسألة 670

قد ذكرت لغسل الميت سنن ينبغي مراعاتها، و ان كان بعضها ضعيف السند، فيؤتى به برجاء المطلوبية.

فمن السنن ان يجعل الميت- حال تغسيله- على مكان مرتفع كسرير أو ساجة أو دكة.

و ان يستقبل به القبلة كحالة الاحتضار، بل لا يترك الاحتياط بذلك، و ان يجعل تحت ظلال من خيمة أو سقف، و ان يحفر لغسالته حفيرة أو نحوها، و ان ينزع قميصه من طرف رجليه و ان استلزم فتقه، و لا حاجة الى الاستئذان من الوارث أو وليه- إذا كان قاصرا- و ان يجعل القميص ساترا لعورته، و ان تستر عورة الميت، و ان كان الغاسل و الحاضر ممن يجوز له النظر إليها، و الأفضل تغسيل الميت من وراء الثياب، و ان تلين أصابعه و مفاصله برفق مع إمكان ذلك، و ان تغسل يداه قبل كل واحد من الأغسال الثلاثة الى نصف الذراع ثلاث مرات، و أفضل منه غسلهما الى المرافق، و الاولى ان يكون قبل الغسل الأول بماء السدر، و قبل الثاني بماء الكافور، و قبل الثالث بالماء القراح.

و ان يغسل رأسه برغوة السدر أو الخطمي- و ليؤت بذلك برجاء المطلوبية، و ان يغسل فرجه قبل الغسل الأول بماء السدر و الأشنان، و قبل الغسل الثاني بماء الكافور و الأشنان، و قبل الثالث بالماء القراح، و يجب ان يكون ذلك بلا مماسة و لا نظر في غير

الزوجين و مالك الأمة، و ان يمسح بطنه برفق في الغسل الأول و الثاني، فإذا خرجت منه نجاسة طهر بدن الميت منها الا في المرأة إذا كانت حاملا و مات ولدها في بطنها فيكره مسح بطنها، و ان يبدأ في غسل الرأس من كل غسل بالشق

كلمة التقوى، ج 1، ص: 205

الأيمن منه، و ان يمسح الغاسل بدن الميت عند التغسيل بيده للاستظهار، و ان يغسل الغاسل يديه الى المرفقين، بل الى المنكبين في كل واحد من الأغسال الثلاثة ثلاث مرات، و ان يغسل كل عضو من أعضاء الميت ثلاث مرات في كل واحد من الأغسال الثلاثة، و ان يكون ماء غسله ست قرب، و في بعض النصوص سبع قرب، و ان ينشف بدن الميت بعد الفراغ من غسله بثوب نظيف و شبهه، و ان يشتغل الغاسل حال تغسيله بذكر اللّه و الاستغفار و ان يكرر قوله: رب عفوك عفوك.

المسألة 671

يكره إقعاد الميت حال الغسل، و ان يجعله الغاسل بين رجليه و ان يغسل بالماء الساخن بالنار أو مطلقا الا مع الضرورة، و ان ترسل غسالة غسله الى بيت الخلاء، و ان يتخطى عليه حين تغسيله، و ذكروا انه يكره حلق رأسه أو عانته، و نتف شعر إبطيه، و قص شاربه و قص أظفاره و ترجيل شعره و تخليل ظفره، و لا يترك الاحتياط بترك هذه الأمور الستة جميعا، نعم إذا كثر الوسخ تحت الظفر حتى منع من جريان الماء الواجب وجب تخليله.

المسألة 672

ما يسقط من بدن الميت من شعر أو ظفر أو سن أو جلد أو لحم يجب ان يجعل معه في كفنه و يدفن.

الفصل الرابع و الثلاثون في شرائط غسل الميت
المسألة 673

يشترط في غسل الميت نية القربة، و قد سبق تفصيل الكلام فيها في مبحث شرائط الوضوء، و تكفي نية واحدة للأغسال الثلاثة، و خصوصا بناء على المختار فيها من أنها الداعي، و الأحوط تجديدها لكل واحد من الأغسال، و يصح ان يقوم بالغسل أكثر من مغسل واحد، فيأتي كل واحد منهم بأحد الأغسال، بل يصح ان يقوم واحد بغسل

كلمة التقوى، ج 1، ص: 206

الرأس بماء السدر مثلا، و يأتي الثاني بغسل العضو الثاني من الميت و هكذا مع مراعاة الترتيب، و حينئذ فتجب النية على كل واحد من المغسلين، و إذا كان المغسل واحدا و كان الثاني معينا له وجبت النية على المغسل و الأحوط استحبابا نية المعين.

المسألة 674

يشترط في الماء ان يكون مطلقا، فلا يصح بالماء المضاف، و يشترط ان يكون الماء طاهرا على ما سبق بيانه في مبحث الوضوء و الغسل، و ان يكون الماء مباحا فلا يصح بالمغصوب، و كذلك الظرف و المصب و مكان الغسل و السدة التي يوضع عليها الميت، و السدر و الكافور فلا بد من إباحتها، و لتفصيل ذلك تراجع المسألة الثلاثمائة و الستون. و ما بعدها من فصل شرائط الوضوء.

المسألة 675

تشترط إزالة النجاسة عن بدن الميت، و ان تكون قبل الشروع في غسله على الأحوط احتياطا لا يترك، كما تقدم في المسألة الستمائة و الستين، و لا بد من ازالة كل حاجب أو مانع يمنع من وصول الماء إلى البشرة أو الشعر، و تخليل الشعر إذا كان مانعا من وصول الماء، و الفحص عن المانع إذا شك في وجوده على ما تقدم بيانه في المسألة الثلاثمائة و الثامنة و الخمسين.

المسألة 676

يشترط في المغسل ان يكون مسلما عاقلا اثني عشريا، فلا يصح تغسيل الكافر إلا إذا كان كتابيا و انحصر به المماثل كما سيأتي ذكره، و لا تغسيل المخالف الا مع الانحصار في الصورة المذكورة في الكتابي، و لا تغسيل المجنون إلا إذا كان أدواريا و غسل الميت حال إفاقته.

و اما الصبي فالأقوى صحة تغسيله للميت إذا كان مميزا، و أتى بالغسل على الوجه الصحيح، كما ان الأقوى صحة صلاته على الميت إذا كانت جامعة للشرائط، و يسقط بهما الوجوب عن المكلفين.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 207

المسألة 677

يشترط ان يكون المغسل مماثلا للميت في الذكورة و الأنوثة، فلا يصح تغسيل الذكر للأنثى و لا تغسيل الأنثى للذكر حتى من وراء الثياب و حتى مع عدم اللمس و النظر.

المسألة 678

يستثنى من الحكم بوجوب مماثلة المغسل للميت:

(1): الذكر الذي لا يزيد عمره على ثلاث سنين، فيجوز للمرأة ان تغسله و ان كان مجردا من الثياب، و الأنثى التي لا يزيد عمرها كذلك على ثلاث سنين، فيجوز للرجل ان يغسلها و ان كانت مجردة، سواء وجد المماثل للميت أم لا.

(2): الزوجان، فيجوز لأي منهما ان يغسل الآخر، و ان كان مجردا من الثياب و وجد المماثل، و يجوز له النظر الى عورته على كراهة، سواء كانت الزوجة حرة أم امة، و دائمة أم منقطعة، و بحكمها المطلقة الرجعية إذا لم تنقض عدتها و لم يوجد المماثل للميت، و لا يترك الاحتياط في غير ذلك.

(3) المحارم، سواء كانت من النسب أم الرضاع أم المصاهرة، و الأحوط ان يكون ذلك مع فقد المماثل و ان يكون من وراء الثياب، و يراجع ما ذكرناه في المسألة السادسة و العشرين من كتاب النكاح في تعيين المراد من محارم الرضاع و المصاهرة.

(4) المولى، فيجوز له مع فقد المماثل ان يغسل أمته غير المزوجة و لا المبعضة و لا المكاتبة و لا المحللة للغير، و لا التي في عدة من الغير، و الأحوط الترك مع وجود المماثل.

المسألة 679

إذا لم يوجد مماثل للميت غير كافر أو كافرة من أهل الكتاب، أمره المسلم الموجود غير المماثل بأن يغتسل، ثم يغسل الميت بعد اغتساله، و تكون النية من المغسل و ان كان كافرا، و ان كان الأحوط نية كل من

كلمة التقوى، ج 1، ص: 208

المغسل و الآمر، و ان أمكن ان يكون تغسيل الكتابي له من غير مس للماء أو لبدن الميت أو في ماء معتصم تعين ذلك، و لا يكفى تغسيل غير الكتابي

من الكفار.

و إذا غسله الكتابي على الوجه المتقدم ذكره ثم وجد المماثل المسلم بعد ذلك وجبت اعادة الغسل، و لا بد من تطهير بدن الميت قبل الإعادة إذا كان الكتابي قد باشر البدن أو الماء بأعضائه.

و إذا لم يوجد مماثل للميت غير مخالف في المذهب ليس بناصب و لا خارجي فالحكم كذلك، فيؤمر بالاغتسال على الأحوط ثم التغسيل و يقدم المخالف المذكور على الكتابي إذا وجدا.

المسألة 680

إذا لم يوجد مماثل للميت حتى كتابي أو مخالف سقط وجوب غسله و لف في كفنه و صلي عليه و دفن.

المسألة 681

الخنثى المشكل التي يزيد عمرها على ثلاث سنين يغسلها الرجال أو النساء المحارم لها على الأقوى، فان لم يكن رجال و لا نساء محارم، غسلها النساء الأجانب، و الأحوط استحبابا ان تغسل مرتين من وراء الثياب، مرة من قبل الرجال، و مرة من قبل المحارم، فان فقدت المحارم فمن قبل غيرهن من النساء.

و كذلك الحكم في بدن الميت إذا لم يعلم انه ذكر أو أنثى، و في العضو الذي لم يعلم انه من ذكر أو أنثى.

المسألة 682

يصح تغسيل الميت قبل برده، كما يصح تكفينه و الصلاة عليه و دفنه إلا إذا شك في موته فيجب التأخير.

المسألة 683

إذا مات المجنب أو الحائض أو غيرهما ممن وجب عليه أحد الأغسال في حال الحياة لم يجب تغسيله غير غسل الميت.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 209

المسألة 684

إذا شرع بعض الحاضرين بتغسيل الميت أو بشي ء من اعمال تجهيزه لم تجب على الآخرين المبادرة الى ذلك العمل، فإذا أتم العمل سقط الوجوب عن الجميع، و ان لم يتمه وجب على الآخرين إتمام العمل إذا كان هو الغسل أو الكفن أو الحنوط أو الدفن، و وجبت إعادته إذا كان هو الصلاة.

و إذا شرع البعض في الصلاة على الميت فالأحوط لغيره إذا أراد الشروع فيها ان يكون بقصد القربة المطلقة، و لا سيما إذا علم بأن الأول يتم الصلاة قبله.

المسألة 685

إذا دفن الميت من غير غسل أو ترك بعض أغساله الواجبة سهوا أو عمدا، أو تبين بطلانها أو بطلان بعضها، وجب نبشه لغسله أو تيممه إذا لم يوجب ذلك هتكا لحرمة الميت و لم يوجب حرجا، و كذلك إذا دفن من غير تكفين، و إذا لم يصل عليه لم يجز نبشه لذلك و صلي على قبره.

المسألة 686

لا يبطل غسل الميت بخروج النجاسة منه، و ان كانت بولا أو غائطا أو منيا، سواء خرجت بعد تمام الغسل أم في أثنائه، نعم يجب تطهير البدن منها، و إذا كانت في أثناء الغسل طهر البدن منها ثم أتم الغسل، و كذلك إذا أصابته نجاسة خارجية، فيجب تطهير البدن منها و إذا كانت في الأثناء طهر البدن منها ثم أتم الغسل، بل يجب تطهير الميت من النجاسة حتى بعد وضعه في القبر إذا لم يوجب مشقة و لا هتكا للميت.

المسألة 687

إذا تم غسل الميت طهرت معه الدكة أو السرير اللذين غسل عليهما، و الثوب الذي يكون على الميت حال تغسيله أو الخرقة التي تستر بها عورته و يد الغاسل، نعم إذا كانت الدكة واسعة أكثر مما يتعارف طهر موضع تقليبه منها، و مجرى ماء غسالته و لم تطهر الأطراف غير المتعارفة على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 210

المسألة 688

لا يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الميت، و يبطل الغسل إذا كان الداعي لتغسيله هو أخذ الأجرة، بل يبطل إذا كان ذلك بنحو الداعي للداعي، كما إذا كان الداعي للتغسيل هو قصد القربة و كان أخذ الأجرة هو الداعي لهذا الداعي.

نعم يجوز أخذ الأجرة على المقدمات غير الواجبة و الأعمال الأخرى التي تقارن الغسل أو تتقدم عليه.

الفصل الخامس و الثلاثون في تكفين الميت و تحنيطه
المسألة 689

يجب تكفين الميت بعد تغسيله أو تيميمه، سواء كان ذكرا أم أنثى أم خنثى، و كبيرا أم صغيرا، و قد تقدم حكم الشهيد.

و الواجب من الكفن ثلاث قطع:

(1): المئزر، و القدر الواجب منه ما صدق عليه اسم المئزر عرفا، و يستحب ان يكون من سرة الميت الى ركبته، و أفضل منه ما يكون من صدره الى قدمه.

(2): القميص، و الواجب منه- كما في المئزر- ما صدق عليه اسم القميص عرفا، و يستحب ان يكون من منكبي الميت الى نصف ساقه، و أفضل منه ما يكون الى القدم.

(3) الإزار، و الواجب منه ما غطى جميع البدن، و الأحوط أن يكون في طوله بحيث يمكن شد طرفيه فوق الرأس و تحت القدم، و في عرضه بحيث يوضع أحد الجانبين منه على الآخر.

و ما زاد على القدر الواجب من قطع الكفن فالأحوط أن لا يحسب على صغار الورثة، و لا على كبارهم الا برضاهم، و إذا أوصى الميت به فالأحوط احتسابه من الثلث.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 211

المسألة 690

يكفي ان يكون مجموع القطع الثلاث ساترا لبدن الميت، و ان كانت كل واحدة من القطع تحكي ما تحتها، و ان كان الأحوط أن تكون كل واحدة منها ساترة لما تحتها.

المسألة 691

لا يجوز التكفين بالمغصوب حتى في حال الاضطرار، و إذا كفن به وجب نزعه، و سيأتي بيان حكم نبش القبر إذا دفن الميت في الكفن المغصوب، و لا يجوز التكفين بالنجس، و ان كانت النجاسة مما يعفى عنه في الصلاة، و لا بالحرير الخالص، و يجوز بغير الخالص إذا كان الخليط فيه أكثر من الحرير على الأحوط.

المسألة 692

إذا تنجس الكفن وجب تطهيره عن النجاسة، و ان كان تنجسه بعد وضع الميت في القبر، و لو بقرض موضع النجاسة إذا لم يفسد الكفن، فإذا لم يمكن وجب تبديله مع الإمكان.

المسألة 693

لا يجب في تكفين الميت قصد القربة فيصح تكفين الغافل و الناسي و المجنون إذا أتى به على الوجه الصحيح.

المسألة 694

يجب على الزوج كفن زوجته و ان كانت موسرة، سواء كانت الزوجة كبيرة أم صغيرة، و حرة أم أمة، و مدخولا بها أم لا، و دائمة أم منقطعة، و حتى إذا كانت مطلقة رجعية، و سواء كان الزوج كبيرا أم صغيرا، و عاقلا أم مجنونا فيجب على وليه دفع الكفن من مال الطفل أو المجنون، نعم يشكل الحكم في المنقطعة التي تنقضي مدتها قبل التكفين، و في المطلقة الرجعية التي تنقضي عدتها قبل التكفين كذلك.

المسألة 695

يجب على الزوج بذل كفن زوجته و ان كان معسرا أو محجورا عليه، بالاستقراض و نحوه، إلا إذا تعذر عليه البذل أو لزم الحرج.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 212

و إذا أوصت الزوجة بكفنها من مالها لم يسقط الوجوب عن الزوج إلا إذا عمل بوصيتها، و إذا تبرع أحد بكفنها لم يسقط الوجوب عن الزوج إلا إذا كفنت بالفعل.

المسألة 696

لا يترك الاحتياط في مئونة تجهيز الزوجة غير الكفن، بل لا يخلو وجوبها على الزوج من وجه.

المسألة 697

لا يجب على الرجل كفن غير الزوجة من أقاربه و ان كان ممن تجب نفقته عليه، نعم لا يترك الاحتياط في واجب النفقة إذا لم يكن له مال.

المسألة 698

يجب كفن المملوك على سيده، و تجب عليه مئونة تجهيزه، و منه الأمة المحللة لغيره فيجب كفنها و مئونة تجهيزها على السيد لا على من حللت له، و إذا كانت له أمة مزوجة وجب ذلك على زوجها لا على سيدها.

المسألة 699

يخرج الكفن الواجب من أصل تركة الميت، و يقدم على ديونه و وصاياه، و كذلك الواجب من مؤن تجهيزه كالسدر و الكافور، و ماء الغسل، و قيمة الأرض التي يدفن فيها، بل و كذلك ما زاد منها على القدر الواجب إذا كان متعارفا بالنسبة الى ذلك الميت، فيخرج من أصل التركة على الأقوى، و لا يحتاج إلى إجازة الوارث، و لا يختص بحصة كبار الورثة.

و يشكل الحكم في ما يؤخذ على الدفن في الأرض المباحة، و أجرة الحمال و الحفار و نحو ذلك فالأحوط ان يخرج من حصة كبار الورثة برضاهم أو من الثلث.

المسألة 700

لا يجب الاقتصار في الكفن و مؤن التجهيز على ما هو أقل قيمة، بل

كلمة التقوى، ج 1، ص: 213

يجوز أخذ ما هو أغلى قيمة إذا كان متعارفا بالنسبة الى ذلك الميت، و يخرج من أصل التركة و لا يحتاج إلى إجازة الوارث.

المسألة 701

يكفن الميت المحرم كما يكفن غيره من الناس، فلا يحرم تغطية وجهه و رأسه بالكفن.

المسألة 702

إذا كان الميت لا يملك ما يكفن به، لم يجب بذل كفنه على سائر المسلمين، و يجوز ان يكفن من سهم سبيل اللّه من الزكاة، بل هو أحوط، و يجوز أن يعطى ورثته من الزكاة إذا كانوا ممن يستحقها فيصرفوا ذلك في كفنه، و لا يعتبر حينئذ أن يكون من سهم سبيل اللّه.

المسألة 703

يستحب أن تزاد للرجل على الكفن الواجب عمامة، تدار على رأسه و يجعل طرفاها تحت حنكه ثم يلقيان على صدره، الطرف الأيمن على الجانب الأيسر، و الأيسر على الأيمن، و أقل من ذلك في الفضل ما يصدق عليه مسمى العمامة، و أن تزاد للمرأة مقنعة بدل العمامة تلف على رأسها كما تلف المقنعة، و يكفي فيها المسمى، و لفافة يشد بها ثدياها الى ظهرها.

و أن تزاد للرجل و المرأة خرقة تلف على الفخذين، و الأفضل أن يكون طولها ثلاثة أذرع و نصفا في عرض شبر الى شبر و نصف، تشد على الحقوين و تلف على الحقوين و الفخذين لفا شديدا بحيث لا يظهر منهما شي ء إلى الركبتين أو الى حيث تنتهي، و يخرج رأسها من تحت رجليه الى الجانب الأيمن، و تغرز في الموضع الذي لفت فيه الخرقة، و خرقة أخرى يعصب بها وسط الميت، رجلا كان أم امرأة.

و ان تضاف الى الكفن لفافة ثانية، تجعل فوق الإزار الواجب يلف بها الميت، و الأفضل أن تكون بردا يمانيا.

و يستحب أن يجعل القطن بين فخذي الميت تستر به عورتاه، و أن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 214

يذر على القطن شي ء من الحنوط، و أن يجعل في دبر الميت و قبل المرأة شي ء من القطن إذا خيف خروج نجاسة منهما.

المسألة 704

تستحب إجادة الكفن، و أن يكون من القطن الأبيض، و أن يكون من خالص المال النقي من الشبهات، و أن يكون مما أحرم الميت فيه أو صلى فيه، و أن يلقى على كل ثوب منه شي ء من الكافور و الذريرة، و لا بأس بمسحه بالضرائح المقدسة من باب التبرك بها، و يغسل بماء الفرات أو بماء زمزم

برجاء المطلوبية، و يخاط الكفن بخيوطه برجاء المطلوبية كذلك، و يستحب أن يجعل الطرف الأيسر من اللفافة على الأيمن من الميت و الطرف الأيمن منها على الأيسر.

و إذا كان المباشر للتكفين محدثا بالأصغر أو بالأكبر استحب له الطهارة منه قبل التكفين من باب المسارعة إلى الخير، و إذا كان هو الغاسل استحب له قبل التكفين أن يغسل يديه الى المرفقين بل الى المنكبين ثلاثا، و أن يغسل رجليه الى الركبتين، و أن يطهر كل ما تنجس من بدنه.

المسألة 705

يستحب للإنسان أن يعد كفنه قبل موته، ففي الحديث: من كان معه كفنه في بيته لم يكتب من الغافلين و كان مأجورا كلما نظر إليه.

المسألة 706

يستقبل بالميت حال تكفينه كما يستقبل به حال الصلاة عليه، فيكون رأسه على يمين المصلي و رجلاه الى يساره.

المسألة 707

يكره تكفين الميت بالسواد، و بالكتان، و أن يجمر الكفن أو يطيب بغير الكافور و الذريرة، و أن تجعل لقميص الميت أكمام أو أزرار، و إذا كفن بقميص ملبوس نزعت منه الأزرار، و تركت فيه الأكمام، و أن تكون العمامة بلا حنك، و أن يماكس في شراء الكفن، و أن يكون وسخا غير نظيف.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 215

المسألة 708

يجب تحنيط الميت، من غير فرق بين أن يكون ذكرا أو أنثى، أو خنثى، و كبيرا أو صغيرا، و حرا أو مملوكا، و التحنيط هو جعل الكافور على مساجد الميت، و هي الأعضاء السبعة التي يجب السجود عليها في الصلاة: الجبهة، و الكفان، و الركبتان، و إبهاما الرجلين، و يستحب أن يضاف إليها طرف الأنف، بل الأحوط عدم تركه.

و يعتبر- على الأحوط- ان يكون ذلك بمسح الكافور على المواضع المذكورة، و لا بد من بقاء شي ء منه على العضو الممسوح، و يستحب مسح أبطئ الميت و لبته و جميع مفاصله و عنقه و لحيته و باطن قدميه و ظاهر كفيه، و كل موضع تكون فيه رائحة كريهة من بدنه، و موضع الشراك من القدمين، و اللبة هي النحر و موضع القلادة، فإذا زاد من الكافور شي ء وضع على صدره.

المسألة 709

يشترط في الكافور ان يكون طاهرا و مباحا، و أن يكون مسحوقا، و أن يكون جديدا فلا يجزي العتيق، و هو الذي زال ريحه.

المسألة 710

يجب أن يكون تحنيط الميت بعد تغسيله أو تيميمه، فلا يكفي قبله، و يجوز أن يكون قبل التكفين و في أثنائه، و بعده، و الأولى ان يكون قبله،

المسألة 711

لا يجوز تحنيط الميت إذا مات و هو محرم بالحج أو العمرة إلا إذا كان موته بعد الطواف و السعي في إحرام الحج، و بعد التقصير في إحرام العمرة كما تقدم في الغسل بالكافور، و لا يسقط وجوب التحنيط عن المعتكف، و عن المعتدة بعدة الوفاة، و ان حرم عليهما تناول الطيب في حياتهما.

المسألة 712

الأحوط أن لا يكون مقدار الكافور في الحنوط أقل من مثقال شرعي،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 216

و هو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي المعروف، و يستحب أن يكون أربعة دراهم، و أفضل من ذلك أن يكون أربعة مثاقيل شرعية، و أفضل من جميع ذلك أن يكون مقداره سبعة مثاقيل صيرفية.

المسألة 713

لا يجب أن يبدأ في التحنيط بالجبهة، و ان كان هو الأحوط، و يتخير في ما عدا الجبهة من المساجد بين تقديم ما شاء منها و تأخير ما شاء.

المسألة 714

لا يقوم مقام الكافور شي ء آخر، فإذا تعذر وجود الكافور سقط وجوب الحنوط.

المسألة 715

يكره أن يدخل الكافور في عين الميت أو أنفه أو أذنه أو يوضع على وجهه.

المسألة 716

يستحب أن يخلط الحنوط بشي ء من تربة الحسين (ع) على وجه لا يخرج به عن اسم الكافور، و ينبغي أن يجتنب وضع المخلوط بها على المواضع التي تنافي الاحترام كابهامي الرجلين و باطن القدمين و ظاهرهما و أمثال ذلك.

المسألة 717

يستحب استحبابا مؤكدا وضع جريدتين خضراوتين مع الميت، و لا يختص استحبابهما بالكبير أو الصغير أو المحسن أو المسي ء، ففي الحديث عن الامام الصادق (ع) أنها تنفع المؤمن و الكافر، و في الصحيح عن الامام الباقر (ع): أنه يتجافى عنه (يعني عن الميت) العذاب و الحساب ما دام العود رطبا.

المسألة 718

يتعين أن تكونا من النخل مع الإمكان، فان لم يتيسر ذلك فمن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 217

السدر أو الرمان يتخير بينهما، فان لم يوجد فمن شجر الخلاف، و الا فمن أي عود رطب، و لا تكفي الجريدة اليابسة.

المسألة 719

يستحب أن يكون طول الجريدة بمقدار ذراع، و دونه في الفضل أن يكون بمقدار عظم الذراع، و دونه بمقدار شبر.

و الأولى أن توضع إحداهما في الجانب الأيمن للميت من ترقوته الى ما بلغت ملصقة ببدنه، و الأخرى في الجانب الأيسر منه، فوق القميص تحت اللفافة، من الترقوة الى ما بلغت، و قد نقلت في الأخبار لوضعها كيفيات أخرى، و لا بأس بالجميع، فإذا نسيت أن توضع مع الميت في كفنه وضعت معه في القبر فان تركت لنسيان أو غيره وضعت على القبر.

الفصل السادس و الثلاثون في الصلاة على الميت
المسألة 720

تجب الصلاة على كل ميت مسلم، سواء كان عادلا أم فاسقا، و شهيدا أم غيره، حتى مرتكب الكبائر، و قاتل نفسه، و حتى المخالف في مذهبه على الأحوط، إذا لم يكن ناصبيا و لا خارجيا أو غاليا، و تجب على أطفال المسلمين إذا بلغوا ست سنين، و لا تجب على من كان عمره أقل من ذلك، و في استحباب الصلاة عليه تأمل، نعم، لا بأس بالإتيان بها برجاء المطلوبية.

و لا تجوز الصلاة على الكافر بجميع أقسامه حتى المرتد إذا مات بغير توبة، و من حكم بكفره من الفرق المنتسبة إلى الإسلام.

المسألة 721

يشترط في صحة الصلاة أن يكون المصلي مؤمنا، فلا تصح من غير المؤمن، نعم إذا صلى على المخالف أهل مذهبه على طريقتهم سقط الوجوب بذلك عمن حضر من المؤمنين.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 218

و يشترط أن تكون بإذن ولي الميت- على ما تقدم ذكره في أحكام الأموات- فلتراجع المسائل المتعلقة بذلك من فصل أحكام الأموات.

المسألة 722

يشترط أن تكون الصلاة بعد إتمام التغسيل و التكفين، فلا تصح إذا وقعت قبل ذلك، و تجب اعادتها و ان صليت في أثناء التكفين عمدا أو جهلا أو سهوا.

نعم لا تسقط الصلاة على الميت الذي تعذر تغسيله و تيميمه، أو تعذر تكفينه، أو تعذر كلاهما، فيصلي عليه، و إذا كان عاريا وجب ستر عورته قبل الصلاة و لو بالحشيش و المدر و التراب، فان لم يمكن ذلك خارج القبر، وضع في القبر كما يوضع خارج القبر للصلاة، و سترت عورته بالتراب و نحوه و صلي عليه، فإذا تمت الصلاة جعل على هيئة الدفن و دفن.

المسألة 723

الميت الذي يتعذر فيه بعض الواجبات لا تسقط فيه الواجبات الممكنة حسب المستطاع، فإذا أمكنت الصلاة عليه من غير دفن صلي عليه و ترك، و إذا أمكن دفنه بغير غسل أو بغير كفن، أو بغيرهما معا، صنع به ما يستطاع.

المسألة 724

يجب أن تكون الصلاة على الميت قبل دفنه، فلا يجوز تأخيرها اختيارا، و إذا لم يصل على الميت حتى دفن، أو علم بعد دفنه ببطلان الصلاة عليه، وجب أن يصلى على قبره، و لم يجز نبشه لذلك، و إذا صلي على قبر الميت لأحد الوجهين المذكورين، ثم اتفق أن نبش القبر و أخرج الميت منه لبعض الأسباب، فالأحوط إعادة الصلاة عليه قبل الدفن.

المسألة 725

يصح أن تصلى على الميت صلوات متعددة دفعة واحدة، مع مراعاة الشرائط و الواجبات، فيقوم على الجنازة أشخاص متعددون، و يصلون

كلمة التقوى، ج 1، ص: 219

عليه فرادى في وقت واحد، و ينوون الوجوب، بل يقوم على الجنازة أئمة متعددون، و مع كل واحد منهم جماعة تقتدي به، فتصلي على الميت أكثر من جماعة في وقت واحد، نعم تشكل نية الوجوب لمن علم أو اطمأن بأنه لا يفرغ من الصلاة قبل الآخرين، و الأحوط- في هذه الصورة- أن ينوي القربة، بل الأحوط ذلك مع الشك أيضا.

المسألة 726

يجوز لولي الميت أن يصلي على ميته من غير أن يستأذن من الأولياء الآخرين إذا كانوا من أهل مرتبة واحدة، و يجوز أن يقتدى به في الصلاة من غير اذن كذلك إذا كان موضعا للقدوة.

و يجوز للولي أن يباشر تغسيل ميتة أو تكفينه أو بعض الأعمال الأخرى من تجهيزه أو جميعها من غير إذن الأولياء الآخرين.

المسألة 727

يجوز للمرأة أن تصلي على الميت إذا كانت ولية له أو أذن لها ولي الميت بذلك، سواء كان الميت رجلا أم امرأة، كما يصح لها أن تغسل الميت في الصورتين مع وجود الشرائط.

المسألة 728

تستحب الصلاة على الميت جماعة، و لا بد في الإمام من اجتماع شرائط الإمامة في الصلاة اليومية، فيجب أن يكون بالغا عاقلا طاهر المولد، مؤمنا، عدلا، و أن يكون رجلا إذا كان المأمومون رجالا.

و لا بد من اجتماع شرائط الجماعة، فيجب ان لا يكون حائل يمنع المشاهدة بين الامام و المأمومين، و لا بين المأموم و المأمومين الآخرين الذين يكونون واسطة في اتصاله بالإمام، و أن لا يكون مكان الإمام أعلى من المأمومين، و أن لا يكون الامام قاعدا مع قيام المأمومين، و ان لا يكون بعد ينافي وحدة الجماعة و اتصالها بين الامام و المأمومين أو بين المأمومين بعضهم مع بعض، و ان لا يتقدم المأموم على الإمام في الموقف، و سيجي ء تفصيل جميع ذلك في شرائط صلاة الجماعة ان شاء اللّه تعالى.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 220

المسألة 729

إذا علم المأموم أو اطمأن بأنه لا يفرغ من الصلاة قبل امامه أو شك في ذلك فالأحوط له أن ينوي القربة في صلاته، و لا يقصد الوجوب.

المسألة 730

يتأخر المأموم عن الإمام في الموقف و ان كان واحدا، و يكره له ان يقف الى جنبه.

المسألة 731

لا يتحمل الإمام شيئا عن المأمومين في الصلاة على الجنازة فعليهم أن يأتوا بجميع التكبيرات و الأذكار.

المسألة 732

يصح للمرأة أن تؤم النساء إذا توفرت فيها شرائط الإمامة، و تقوم في صفهن على الأحوط و لا تتقدم عليهن.

المسألة 733

تقف المرأة إذا اقتدت بالرجل خلف الرجال، و يستحب أن تقف الحائض بين النساء في صف وحدها.

المسألة 734

إذا كبر المأموم قبل الإمام في التكبير الأول، جاز له أن يقطع صلاته و يجدد التكبير مع الامام، و يجوز له أن يتم صلاته منفردا إذا تمت شروط الانفراد.

و إذا كبر قبل الإمام في غير التكبير الأول جاز له أن يصبر حتى يكبر الإمام فيقرأ معه الدعاء و لا يعيد التكبير، و يجوز له أن يتم صلاته منفردا، و انما يصح له الانفراد في هذه الصورة و في سابقتها إذا كان محاذيا للجنازة و لم يكن بينه و بينها حائل و لا بعد مانع.

المسألة 735

يجوز للمأموم أن يدخل في أثناء صلاة الإمام، فيكبر و يأتي بالشهادتين

كلمة التقوى، ج 1، ص: 221

ثم يكبر مع الامام، و يأتي بالصلاة على النبي و آله، و هكذا على الترتيب فإذا فرغ الامام من صلاته أتى هو بباقي تكبيراته و ادعيتها حتى يتم صلاته، فان لم يمهلوه جاز له أن يأتي بالتكبير ولاء، و الأفضل أن يأتي بالدعاء و لو مخففا.

الفصل السابع و الثلاثون في كيفية الصلاة على الميت
المسألة 736

كيفية الصلاة على الميت أن يكبر عليه خمس تكبيرات، يتشهد الشهادتين بعد التكبيرة الأولى، و يصلي على النبي و آله (ص) بعد الثانية، و يدعو للمؤمنين و المؤمنات بالغفران بعد الثالثة، و يدعو للميت بعد الرابعة، و ينصرف بعد الخامسة.

و قد وردت في النصوص صيغ كثيرة للأدعية المذكورة، و لا يلزم الإتيان ببعض ما ورد، بل يجوز للمصلي أن يأتي بأي دعاء شاء إذا كان يشتمل على ما ذكر، فيجزيه أن يقول بعد النية و التكبيرة الأولى: (أشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه)، و يقول بعد التكبيرة الثانية:

(اللهم صل على محمد و آل محمد)، و يقول بعد التكبيرة الثالثة: (اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات)، و يقول بعد التكبيرة الرابعة: (اللهم اغفر لهذا الميت)، و ينصرف بعد التكبيرة الخامسة.

المسألة 737

الأولى أن يكبر التكبيرة الأولى ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا، صمدا فردا حيا قيوما دائما أبدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدي و دين الحق ليظهره على الدين كله، و لو كره المشركون.

ثم يكبر الثانية، و يقول بعدها: (اللهم صل على محمد و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد، و ارحم محمدا و آل محمد، أفضل ما صليت

كلمة التقوى، ج 1، ص: 222

و باركت و ترحمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، و صل على جميع الأنبياء و المرسلين).

ثم يكبر الثالثة و يقول بعدها: (اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات، تابع اللهم بيننا و بينهم بالخيرات انك على كل شي ء

قدير).

ثم يكبر الرابعة و يقول بعدها: (اللهم ان هذا المسجى قدامنا عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك، نزل بك و أنت خير منزول به، اللهم انك قبضت روحه إليك و قد احتاج الى رحمتك، و أنت غني عن عذابه، اللهم انا لا نعلم منه الا خيرا و أنت أعلم به منا، اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه، و ان كان مسيئا، فتجاوز عن سيئاته و اغفر لنا و له اللهم احشره مع من يتولاه و يحبه، و أبعده ممن يتبرأ منه و يبغضه اللهم ألحقه بنبيك و عرف بينه و بينه، و ارحمنا إذا توفيتنا يا إله العالمين، اللهم اكتبه عندك في أعلى عليين، و اخلف على عقبه في الغابرين، و اجعله من رفقاء محمد و آله الطاهرين و ارحمه و إيانا برحمتك يا ارحم الراحمين).

فإذا فرغ من الصلاة قال (رَبَّنٰا آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ).

فإذا كانت الميت امرأة قال: (اللهم ان هذه المسجاة قدامنا أمتك و ابنة عبدك) و أتى بضمائرها مؤنثة.

و إذا كان الميت مستضعفا، قال بعد التكبيرة، الرابعة: (اللهم اغفر لِلَّذِينَ تٰابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذٰابَ الْجَحِيمِ، رَبَّنٰا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنّٰاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ، وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبٰائِهِمْ وَ أَزْوٰاجِهِمْ وَ ذُرِّيّٰاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

و إذا كان مجهول الحال قال بعد الرابعة و بعد ذكر الميت: اللهم ان كان يحب الخير و أهله فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه.

و إذا كان طفلا قال: اللهم اجعله لأبويه و لنا سلفا و فرطا و أجرا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 223

المسألة 738

إذا ترك بعض التكبيرات عامدا بطلت صلاته و وجبت الإعادة،

و كذلك إذا تركها ساهيا و لم يتذكر الا بعد فوات الموالاة، و إذا تركها ساهيا و تذكر قبل فوات الموالاة وجب عليه الإتمام، و لا يكفي أقل من خمس تكبيرات إلا للتقية أو يكون الميت منافقا فيكبر أربعا.

المسألة 739

يجوز أن يقرأ القرآن و بعض الأدعية الأخرى في الصلاة إلا إذا محيت بها صورة الصلاة.

المسألة 740

ليس في صلاة الجنازة أذان و لا اقامة و لا تكبيرات افتتاح، و لا قراءة فاتحة، و لا ركوع و لا سجود، و لا تشهد و لا تسليم، و تبطل الصلاة إذا أتى بشي ء من ذلك بقصد الجزئية للصلاة، و تبطل به إذا كان ماحيا لصورة الصلاة.

المسألة 741

إذا شك في عدد التكبير بنى على الأقل، حتى إذا كان مشغولا بدعاء التكبيرة الثانية أو الثالثة مثلا و شك في ما قبلها على الأحوط.

المسألة 742

يجب في صلاة الميت قصد القربة على نحو ما تقدم في مبحث النية في الوضوء و غيره، و أن يعين فيها الميت، و يكفي أن يكون على وجه الاجمال، و أن يكون المكان مباحا، و أن يوضع الميت مستلقيا على قفاه، و أن يكون رأسه الى يمين المصلي و رجلاه الى يساره، و أن يكون الميت حاضرا، فلا تصح الصلاة على الغائب و ان كان في البلد، و أن يكون المصلي خلف الميت و محاذيا له، الا إذا طال صف المأمومين فخرج بذلك عن محاذاة الميت، و أن لا يكون بينه و بين الميت حائل من ستر أو جدار و نحو ذلك، و ليس من الحائل أن يكون الميت في تابوت و شبهه، أو توضع عليه بعض الستائر، و أن لا يكون بعيدا عن الميت بحيث لا يصدق

كلمة التقوى، ج 1، ص: 224

معه الوقوف عند الميت الا مع اتصال الصفوف في الجماعة و ان تكثرت، و الا في المصلي مع تعدد الجنائز كما يأتي بيانه، و أن لا يكون أحدهما أعلى من الآخر علوا مفرطا، و أن تكون الصلاة بإذن الولي، و أن تكون بعد التغسيل و التكفين و التحنيط، و ان يكون الميت مستور العورة إذا لم يكن مكفنا، و أن يكون المصلي مستقبلا للقبلة، و أن يكون قائما مع القدرة، و مستقرا في قيامه، و مستقلا فيه كما في القيام في الصلوات الواجبة الأخرى على الأحوط في كثير مما ذكرنا في المسألة.

المسألة 743

لا يترك الاحتياط في اعتبار أن يكون المصلي مباح اللباس مستور العورة حال الصلاة، و أن يترك التكلم و السكوت الطويل و نحوهما مما يعد ماحيا لصورة الصلاة في نظر

المتشرعة، بل الأقرب البطلان في ما يعد ماحيا لها.

المسألة 744

لا يشترط في صلاة الميت أن يكون المصلي متطهرا من الحدث و الخبث، فتصح صلاته و ان كان محدثا بالحدث الأكبر أو كان ثوبه أو بدنه نجسا.

المسألة 745

لا تكفي الصلاة على الميت جالسا مع وجود من يقدر على الصلاة قائما، و ان كان الذي صلى عليه عاجزا عن القيام، بل الأقوى عدم صحتها، و كذلك إذا صلى عليه قائما ثم طرأ له العجز فأتم صلاته جالسا.

و إذا لم يجد من يقدر على القيام أو اعتقد بذلك فصلى جالسا ثم حضر من يمكنه القيام وجبت الإعادة، و كذلك إذا صلى العاجز ثم تجددت له القدرة على القيام قبل دفن الميت، فتجب الإعادة في جميع هذه الفروض.

المسألة 746

تصح الصلاة إذا كان المصلي في مكان مباح و ان كان مكان الميت مغصوبا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 225

المسألة 747

يجوز التيمم لصلاة الميت و ان كان الماء موجودا إذا خاف فوت الصلاة عليه ان هو توضأ أو اغتسل، و إذا كان الماء موجودا، و أمكن له إدراك الصلاة، و أراد التيمم أتى به برجاء المطلوبية.

المسألة 748

لا يسقط عن المكلف وجوب الصلاة إذا شك في ان غيره صلى على الجنازة أم لا، و إذا علم بصلاة غيره عليها سقط عنه الوجوب، و ان شك في صحة تلك الصلاة بنى على صحتها، و إذا علم بفساد الصلاة وجبت عليه اعادتها و ان كان المصلي قاطعا بالصحة.

المسألة 749

يجوز تكرار الصلاة على الميت و لا كراهة في ذلك إذا كان الميت من أهل العلم و الشرف في الدين، و يكره في ما سوى ذلك.

المسألة 750

إذا حضرت الجنازة في وقت الفريضة الحاضرة، فالأفضل تقديم الفريضة الحاضرة و ان لم تكن في وقت الفضيلة، و إذا خيف على الميت من الفساد بتأخير صلاته قدمت الصلاة عليه و ان كانت في وقت فضيلة الحاضرة.

المسألة 751

إذا حضرت جنازتان جاز للمكلف أن يصلي على كل واحدة منهما صلاة منفردة، و يصح له أن يجمعهما في صلاة واحدة، و يأتي بالوظائف المشتركة، فإذا كبر التكبيرة الرابعة، قال: (اللهم ان هذين الميتين عبداك و ابنا عبديك و ابنا أمتيك.) و أكمل الدعاء مع تثنية الضمائر.

المسألة 752

إذا اجتمعت جنائز متعددة، فالأولى أن يصلي على كل واحدة منها صلاة منفردة، و إذا أراد أن يجمعها في صلاة واحدة جاز له أن يضع

كلمة التقوى، ج 1، ص: 226

الجميع أمامه بعضها الى جنب بعض و وقف محاذيا للجميع، و الأولى أن يجعل الذكر أقرب الى المصلي من الأنثى و ان كان صبيا أو مملوكا، و الحر أقرب إليه من العبد.

و يجوز له أن يجعل الجنائز صفا واحدا مدرجا، فيجعل رأس كل ميت عند ألية الآخر و يقف المصلي في وسط الصف، و إذا كبر الرابعة أتى بالدعاء لهم جميعا، فيثني الضمير أو يجمعه، و يذكره أو يؤنثه حسب ما يناسب المقام.

و قد تؤدي هذه الكيفية- إذا تكثرت الجنائز- الى ان يكون بعضها خلف المصلي، فالأحوط في هذه الصورة ترك هذه الكيفية.

المسألة 753

يستحب أن يكون المصلي على طهارة من الحدث الأصغر و الأكبر بأن يتوضأ أو يغتسل، و قد تقدم جواز التيمم لهذه الصلاة و ان كان الماء موجودا، إذا خاف المكلف فوت الصلاة ان هو توضأ أو اغتسل، و إذا أراد التيمم مع وجود الماء و إمكان إدراك الصلاة أتى به برجاء المطلوبية.

و يستحب أن يقف المصلي إذا كان إماما أو منفردا عند وسط الرجل، و عند صدر المرأة، و لا يبعد إلحاق الصبي بالرجل و الصبية بالمرأة في ذلك، و ان يخلع المصلي حذاءه، و أن يرفع يديه بالتكبير، من غير فرق بين التكبيرة الأولى و غيرها، و أن تكون الصلاة جماعة، و أن يجتهد المصلي في الدعاء للميت بل للمؤمنين.

المسألة 754

ذكر الفقهاء للصلاة على الميت آدابا أخرى، منها: ان يكون المصلي قريبا من الجنازة بحيث لو هبت الريح وصل ثوبه إليها.

و منها أن يختار الموضع المعتاد للصلاة، فإنه مظنة اجتماع الناس و كثرة المصلين.

و منها أن يرفع الامام صوته بالتكبير و الأدعية و أن يسر المأموم.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 227

و منها أن يرفع المصلي يديه عند الدعاء للميت، و لا بأس بالإتيان بما ذكروه رجاء، لا بقصد الخصوصية و الورود.

الفصل الثامن و الثلاثون في التشييع
المسألة 755

يستحب لذوي الميت و قرابته أن يعلموا المؤمنين بموت أخيهم ليشهدوا جنازته و يصلوا عليه و يستغفروا له، و يستحب للمؤمنين الحضور لتشييعه، و قد وردت في فضله و الحث عليه الأخبار الكثيرة.

فعن الرسول (ص): أول تحفة المؤمن أن يغفر له و لمن تبع جنازته.

و عن الامام الباقر (ع): إذا دخل المؤمن قبره، نودي: الا ان أول حبائك الجنة، الا و أول حباء من تبعك المغفرة.

و عنه (ع): من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعات، و لم يقل شيئا إلا قال الملك و لك مثل ذلك.

و عن الامام الصادق (ع): من شيع جنازة مؤمن حتى يدفن في قبره و كل اللّه به سبعين ملكا من المشيعين يشيعونه و يستغفرون له إذا خرج من قبره الى الموقف.

و ليس للتشييع حد، فعن أبي جعفر (ع) انما هو فضل و أجر، فبقدر ما يمشي مع الجنازة يؤجر للذي يتبعها.

المسألة 756

يستحب لمن استقبل جنازة أو رآها أن يقول: اللّه أكبر، هذا ما وعدنا اللّه و رسوله و صدق اللّه و رسوله، اللهم زدنا ايمانا و تسليما. الحمد للّه الذي تعزز بالقدرة و قهر العباد بالموت. و أن يقول: الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم.

و يستحب أن يحمل الجنازة على الكتف، و أن يقول إذا حمل الجنازة:

بسم اللّه و باللّه و صلى اللّه على محمد و آله، اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 228

و يستحب أن يكون المشيع ماشيا، و يكره له الركوب، و يستحب أن يكون خاشع القلب، و أن يحضر في قلبه ذكر الموت و التفكر في مآله.

و لا كراهة في المشي أمام جنازة المؤمن بل يستحب، و ان كان المشي

معها أفضل منه، و المشي خلفها أفضل من الجميع.

و يستحب أن يحمل الجنازة من جوانبها الأربعة، فيبدأ بالمقدم من يمين الميت فيحمله على عاتقه الأيمن، ثم ينتقل إلى المؤخر منه فيحمله على عاتقه الأيمن، ثم ينتقل إلى المؤخر من يسار الميت فيحمله على عاتقه الأيسر، ثم الى المقدم منه فيحمله على عاتقه الأيسر، و ان يقتصد في المشي بدون إسراع و لا إبطاء.

المسألة 757

يكره الضحك و اللعب و اللهو لمن تبع الجنازة، و أن يضع غير صاحب المصيبة رداءه، و أن يضرب المصاب أو غيره بيده على فخذه أو يضرب يدا على الأخرى، و أن يقول: ارفقوا به، أو استغفروا له، أو ترحموا عليه و أن تشيع النساء الجنازة و ان كان الميت امرأة، و أن تتبع الجنازة بمجمرة أو نار، و إذا مات ليلا فلا بأس بالمصابيح، و يكره القيام إذا مرت به الجنازة و هو جالس.

الفصل التاسع و الثلاثون في دفن الميت
المسألة 758

تجب مواراة الميت في الأرض بمقدار يؤمن معه على جسد الميت من وصول السباع و الكلاب اليه، و يمنع من انتشار رائحته، و لا يكفي وضعه في بناء أو نحوه مع التمكن من دفنه في الأرض و ان حصل به المقصود، و لا تكفي المواراة التي لا تمنع من ذلك مع الإمكان، و ان لم يكن في الأرض سباع أو كلاب يخاف منها، أو إنسان يشم الرائحة، أو كانت الأرض لشدة حرارتها تجفف رطوبات الميت بسرعة فلا تنتشر له رائحة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 229

المسألة 759

يجب أن يدفن الميت على جنبه الأيمن، و أن تستقبل القبلة بوجهه و مقاديم بدنه، و كذلك الحكم في الجسد إذا دفن من غير رأس، و في الرأس وحده، و الصدر وحده، بل في كل عضو من الميت يمكن فيه الاستقبال على الأحوط.

المسألة 760

إذا تعذرت مواراة الميت في الأرض لصلابتها أو نحو ذلك وجب نقله الى حيث يمكن دفنه فان تعذر ذلك، وجبت مواراته في بناء أو تابوت محكم، مما تحصل معه فائدة الدفن.

و إذا مات راكب البحر و تعذر أو تعسر نقله إلى الأرض ليدفن فيها، غسل و كفن و حنط و صلي عليه ثم وضع في خابية و نحوها مما يحفظ جسده، و أوكئ عليه رأسها و ألقي في البحر، فان لم توجد الخابية و شبهها ثقل الميت بحجر أو حديد أو نحوه يوضع في رجله ثم ألقي في البحر، و الأحوط- لزوما مع التمكن- أن يختار الموضع المأمون على الميت من سباع البحر و حيواناته أن تأكله أو تبتلعه بمجرد الإلقاء.

المسألة 761

يجب أحكام القبر بما يوجب حفظ جسد الميت إذا خيف عليه من نبش السباع و نحوها مع الدفن المجرد في الأرض، فيحكم قبره بالبناء و القير و نحوهما مما يوجب له الصيانة و الحفظ، و تخرج مئونة ذلك مع الحاجة إليه، من أصل تركة الميت و كذلك مؤنة ما يحتاج إليه في إلقائه في البحر.

المسألة 762

إذا ماتت المرأة الكافرة، و مات في بطنها طفل من مسلم، وجب أن تدفن على جانبها الأيسر مستدبرة القبلة ليكون الولد في بطنها مستقبلا، سواء كان الولد بنكاح أم شبهه أم ملك يمين، بل و ان كان من الزنا على الأحوط، و كذلك إذا كان ما في بطنها جنينا لم تلجه الروح.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 230

المسألة 763

تجري أحكام المسلم على الطفل المتولد من الزنا إذا كان أبواه مسلمين أو كان أحدهما مسلما على الأحوط.

المسألة 764

يصح الدفن إذا أوقع على الوجه المعتبر و ان لم تقصد به القربة أو كان المباشر للدفن مجنونا أو صبيا أو كافرا.

المسألة 765

يشترط في الدفن إذن ولي الميت كسائر أعمال التجهيز الأخرى.

المسألة 766

لا يجوز أن يدفن المسلم في مقبرة الكفار أو يدفن الكافر في مقبرة المسلمين، و إذا مات مسلم و كافر و اشتبه أحدهما بالآخر، فالأحوط- مع الإمكان دفنهما منفردين عن مقبرة المسلمين و مقبرة الكفار، و منفردين أحدهما عن الآخر، و ان لم يمكن ذلك دفنا في مقبرة المسلمين.

المسألة 767

لا يجوز دفن المسلم في مواضع توجب هتك حرمته كالمزبلة و البالوعة، و مواضع إلقاء النجاسات، و أسمدة الحيوانات و أمثال ذلك.

المسألة 768

لا يجوز الدفن في المكان المغصوب، و لا في الأمكنة الموقوفة لغير الدفن كالمساجد و المدارس و الحسينيات، و الخانات الموقوفة لسكنى الزائرين أو الفقراء.

المسألة 769

يجب دفن كل جزء ينفصل من جسد الميت حتى الشعر و الظفر و السن إذا انفصل منه بعد موته، بل يجب دفنه مع الميت و يجعل معه في كفنه على الأحوط إذا لم يستلزم نبش الميت.

المسألة 770

إذا مات الجنين في بطن أمه و هي حية، وجب التوصل إلى إخراجه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 231

بالوسائل الطبية المعدة لذلك، أو غيرها مما يوجب إخراج الطفل و سلامة الأم، و لو بالرجوع الى حذق الأطباء المختصين بذلك عند اقتضاء الضرورة، و كذلك إذا ماتت الأم و الحمل حي في بطنها.

المسألة 771

لا يجوز الدفن في قبر ميت قبل اندراسه و صيرورة الميت الأول رميما، و انما يحرم الدفن فيه لحرمة نبشه، فإذا كان منبوشا، و كانت الأرض مباحة أو موقوفة للدفن جاز دفنه فيه و ان كره.

المسألة 772

يستحب أن يكون عمق القبر إلى الترقوة، و أن يحفر له لحد من جانب القبلة بمقدار يسع الميت في طوله و عرضه إذا أضجع فيه على جنبه، و بمقدار يمكن أن يجلس الرجل فيه في عمقه، أو يشق له وسط القبر شق يسعه كذلك ثم يسقف عليه بعد وضعه فيه.

و يستحب أن توضع الجنازة قبل شفير القبر بأذرع، و يتعوذ حاملها باللّه من هول المطلع، و يصبر هنيئة ثم تنقل قليلا و توضع، و يصبر هنيئة ثم تنقل في الثالثة بترسل و رفق الى القبر، و أن يقول عند النظر الى القبر: (اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة و لا تجعلها حفرة من حفر النار)، فإذا كان الميت رجلا وضع في المرة الأخيرة مما يلي الرجلين، ثم يسل من نعشه سلا و يدلي في قبره سابقا برأسه، و إذا كانت امرأة وضعت في المرة الأخيرة في جانب القبلة ثم أنزلت الى القبر عرضا، و أن يغطى القبر بثوب عند إدخال المرأة فيه.

و يستحب أن يقول عند سله من النعش: (بسم اللّه و باللّه و على ملة رسول اللّه (ص) اللهم الى رحمتك لا الى عذابك، اللهم افسح له في قبره، و لقنه حجته و ثبته بالقول الثابت، و قنا و إياه عذاب القبر).

و أن يقول إذا أدخله القبر: (اللهم جاف الأرض عن جنبيه، و صاعد عمله و لقه منك رضوانا).

كلمة التقوى، ج 1، ص: 232

و أن يقول إذا وضعه

في اللحد: (بسم اللّه و في سبيل اللّه و على ملة رسول اللّه (ص)، ثم يقرأ فاتحة الكتاب و المعوذتين، و التوحيد، و آية الكرسي، و يتعوذ باللّه من الشيطان الرجيم.

و ان يحل عقد الكفن بعد وضعه في اللحد، و يبدأ من عند رأسه، و أن يحسر عن خد الميت و يلصقه بالأرض، و يجعل له و سادة من تراب، و يسند ظهره بمدرة و نحوها لئلا يستلقي. و أن يوضع معه شي ء من تربة الحسين (ع)، و تجعل في موضع لا تصيبها النجاسة إذا انفجر الميت.

و أن يقول عند اشراح اللبن: (اللهم صل وحدته و آنس وحشته، و أسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه عن رحمة من سواك)، و أن يقول عند الخروج من قبره: (إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ- وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، اللهم ارفع درجته في أعلى عليين، و اخلف على عقبه في الغابرين و عندك نحتسبه يا رب العالمين).

و أن يقول عند إهالة التراب عليه: (ايمانا بك و تصديقا ببعثك، هذا ما وعدنا اللّه و رسوله، و صدق اللّه و رسوله، اللهم زدنا ايمانا و تسليما)، و أن يحثي الحاضرون التراب عليه بظهور الأكف ثلاثا، و يكره لذي الرحم أن يهيل التراب على ميته.

و يستحب أن يسد اللحد باللبن و نحوه.

و يستحب لمن ينزل في القبر لانزال الميت أو لغير ذلك أن يكون مكشوف الرأس محلول الأزرار بلا رداء و لا قلنسوة و لا حذاء، و أن يخرج من قبل الرجلين، و قد ورد انه باب القبر، و أن يكون المتولي لانزال المرأة و اضجاعها في قبرها هو زوجها أو بعض محارمها، ففي الحديث: مضت السنة من رسول اللّه

(ص) ان المرأة لا يدخل قبرها الا من كان يراها في حياتها. يعني من كان يجوز له النظر إليها.

المسألة 773

يستحب تلقين الميت بعد وضعه في اللحد و قبل اشراج اللبن، بل ورد في بعض الروايات استحباب أن يضع الملقن يده اليسرى على ضد الميت الأيسر و يحركه تحريكا شديدا ثم يقول: يا فلان بن فلان.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 233

و ليس في التلقين لفظ مخصوص، بل المقصود أن يلقنه الشهادتين و أسماء الأئمة (ع) واحدا بعد واحد الى آخرهم (ع)، و أن يذكره العقائد الحقة، فيصح أن يلقنه بما يحسن مما يفيد ذلك.

و يحسن أن يلقنه بما ذكره العلماء في كتبهم المعدة لذلك، و منه ما ذكره العلامة المجلسي قده في زاد المعاد أو ما ذكره السيد الطباطبائي اليزدي (قده) في العروة الوثقى.

المسألة 774

يستحب أن يرفع القبر عن الأرض أربع أصابع مضمومة أو مفرجة و أن يربع القبر و أن يجعل مسطحا، بل الأحوط ترك تسنيمه.

و ان يرش عليه الماء فيبتدئ بالرش من الرأس الى الرجل و هو مستقبل القبلة ثم يدور على القبر الى أن يعود إلى الرأس ثم يرش الباقي في وسط القبر، و أن يضع الحاضرون أصابعهم على القبر بعد الرش مفرجات، و يغمزوها عليه حتى يستبين أثرها، و يتأكد ذلك في الهاشمي فيغمزون أصابعهم أكثر.

و أن يقرأ سورة القدر سبع مرات، و يستغفر له، و يقول: (اللهم ارحم غربته و صل وحدته، و آنس وحشته، و آمن روعته و أفض عليه من رحمتك و أسكن إليه من برد عفوك و سعة غفرانك و رحمتك ما يستغني به عن رحمة من سواك و احشره مع من كان يتولاه) و ورد أنه يستحب قراءة ذلك كلما زار قبره.

المسألة 775

يستحب للولي أو من يأذن له ان يلقن الميت بعد الدفن و رجوع المشيعين عن القبر، فيضع فمه عند رأس الميت، و في بعض النصوص أن يقبض على التراب بكفه و يناديه: يا فلان بن فلان، و يلقنه على نحو ما تقدم في التلقين السابق، فقد ورد أن أحد الملكين يقول للآخر:

انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته، و ينصرفان عنه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 234

المسألة 776

يستحب تعزية المصاب، و هي حمله على التصبر و السلو- قبل الدفن و بعده، و هي بعده أفضل، و يكفي منها أن يراه صاحب المصيبة و ان لم يقل شيئا، و ان كانت بالقول الموجب للتسلي أفضل.

و لا حد لمدتها ما دام يصدق عليها اسم التعزية عرفا، و الأولى تركها إذا أدت إلى تجديد حزن المصاب بعد ان نسيه.

المسألة 777

يستحب لجيران أهل الميت و أقربائهم أن يصنعوا لهم الطعام و يرسلوه إليهم ثلاثة أيام، و يكره الأكل عندهم، و قد ورد أنه من عمل أهل الجاهلية.

المسألة 778

يستحب للمصاب أن يصبر على ما نزل به و يحتسب اللّه، و يتأسى بالأنبياء و الأولياء، في ما نزل بهم، و أن يتذكر موت الرسول (ص) فإنه من أعظم المصائب، و ان يكثر من قول (إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ) كلما تذكر مصيبته.

المسألة 779

يستحب أن تصلى له صلاة الهدية ليلة الدفن، و هي ركعتان يقرأ في الأولى منهما بعد الفاتحة آية الكرسي، و في الثانية بعد الفاتحة سورة القدر عشر مرات، و يقول بعد التسليم: (اللهم صل على محمد و آل محمد، و ابعث ثوابها الى قبر فلان، و الأحوط قراءة آية الكرسي إلى قوله تعالى هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ، و ان كان الأقوى أن آخرها قوله تعالى (وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).

و وقتها تمام الليل من ليلة الدفن، و ان كان الأولى أن يؤتى بها بعد العشاء، و يكفي أن يأتي بها شخص واحد مرة واحدة، و إذا أتى بها أربعون رجلا فهو أولى، و لكن لا بقصد الورود و الخصوصية.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 235

و إذا أخل بها فقدم و آخر في القراءة أو ترك بعض الآيات منها سهوا أعادها، و ان كانت صحيحة.

المسألة 780

إذا أخذ الأجرة على صلاة الهدية و نسي أن يصليها ليلة الدفن أو أخل بها و لم يعدها، وجب عليه رد الأجرة إلى صاحبها، فان لم يعرفه تصدق بها عن صاحبها.

المسألة 781

إذا تأخر الدفن مدة أخرت صلاة الهدية إلى ليلة الدفن.

المسألة 782

يكره دفن ميتين في قبر واحد، إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، كما إذا تكثرت الموتى و تعسر الحفر لكل واحد منفردا، و منه ما ورد في شهداء أحد و غيرهم، و قد تقدم في المسألة السبعمائة و الحادية و السبعين حكم دفن الميت في قبر ميت آخر، و يكره حمل رجل و امرأة على سرير واحد.

المسألة 783

يكره أن ينزل الوالد في قبر ولده، و يكره نزول اولي الأرحام في قبر قريبهم إذا خيف عليهم الجزع و حبط الأجر، و أن يهيلوا عليه التراب، و أن يجعل على القبر تراب من غير ترابه، أو يطين به، و يكره أن يجصص القبر أو يطين لغير ضرورة أو يكون الميت من الأولياء الذين يتبرك بزيارتهم، و يكره تجديد القبر بعد اندراسه ما عدا قبور الأنبياء و الأوصياء و الأولياء الذين تستنزل البركات بزيارتهم كما تقدم و يكره البناء عليه عدا من ذكر، و أن يجلس أو يتكأ أو يمشى عليه، و يكره الضحك بين القبور و التخلي بينها و تنجيسها، بل يشكل جوازه إذا أوجب الهتك.

المسألة 784

يكره أن ينقل الميت من موضع موته الى بلد آخر ليدفن فيه، الا الى الأماكن المحترمة و المشاهد المقدسة، كالميت يموت بعرفات و شبهها

كلمة التقوى، ج 1، ص: 236

فينقل إلى مكة، و قد نقل بعض العلماء ورود الأخبار الصحيحة الدالة على أن الدفن في الغري يدفع عذاب القبر و سؤال الملكين، بل الظاهر جواز النقل الى مقابر الأولياء و الصلحاء ممن يتقرب الى اللّه بقربهم، و يستدفع البلاء بجوارهم، و لا يبعد استحباب نقل الميت من أحد المشاهد المشرفة إلى آخر لوجود بعض المرجحات الشرعية.

و انما يجوز النقل الى المشاهد أو غيرها إذا لم يوجب ذلك هتكا لحرمة الميت أو أذية المسلمين بانفجار الميت أو انتشار الرائحة منه، فإذا أوجبت ذلك فالظاهر المنع، من غير فرق في ذلك بين أن يكون قبل الدفن أو بعده.

المسألة 785

يجوز البكاء على الميت- حتى مع الصوت- إذا لم يشتمل على ما ينافي الرضا بقضاء اللّه، سواء كان الميت قريبا أم بعيدا، و يستحب البكاء على المؤمن و ان لم يكن رحما، و يكره إذا اقترن ذلك بالجزع و عدم الصبر، بل ورد في بعض الأخبار ان ذلك يوجب حبط الأجر، و لكنه لا يكون محرما إلا إذا اشتمل على ما ينافي الرضا بقضاء اللّه.

و تجوز النياحة على الميت نظما و نثرا إذا لم تتضمن كذبا، أو تشتمل على شي ء من المحرمات الأخرى، أو تقترن بالويل و الثبور، و يجوز أخذ الأجرة عليها، و الأحوط للنائحة أن لا تشارط، و تكره في الليل، و تحرم النياحة إذا اشتملت على شي ء مما تقدم، و يحرم أخذ الأجرة عليها.

المسألة 786

لا يجوز اللطم و الخدش إذا بلغا الى حد الجزع الممقوت شرعا أو أديا إلى ضرر معتد به، و الأحوط تركهما مطلقا، و الأحوط ترك شق الثوب على غير الأب و الأخ، و الصراخ الخارج عن الاعتدال.

المسألة 787

إذا جزت المرأة شعرها في مصيبة وجبت عليها كفارة إفطار شهر

كلمة التقوى، ج 1، ص: 237

رمضان، و إذا نتفته أو خدشت وجهها أو شق الرجل ثوبه لموت زوجته أو ولده وجبت في ذلك كفارة يمين، و هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فان لم يجد صام ثلاثة أيام.

المسألة 788

يحرم نبش قبر المؤمن، بل قبر كل مسلم تجب مواراته على الأحوط، الا إذا علم باندراس الميت و صيرورته رميما، فلا يجوز نبشه إذا بقي عظما بل الأحوط عدم الجواز إذا بقي صورة مجردة تصير ترابا بالحركة و اللمس، و لا يكفي الظن بذلك.

و لا يجوز نبش قبور الصلحاء و الأولياء و الشهداء و ان طالت المدة و علم بالاندراس.

و المناط في صدق النبش أن يحفر القبر بمقدار يتحقق معه هتك حرمة الميت، فإذا استوجب الهتك كان محرما و ان لم يظهر جسد الميت، و الظاهر انه لا يصدق النبش إذا كان الميت مدفونا في سرداب و فتح بابه لدفن ميت آخر فيه، أو لا صلاح بعض نواحيه الأخرى، إذا لم يظهر جسد الميت الأول، فإذا ظهر جسده ففي جواز ذلك إشكال.

المسألة 789

يستثنى من حرمة نبش القبر موارد.

(1): أن يدفن الميت في مكان مغصوب عمدا أو جهلا أو نسيانا، فيجوز نبشه لإخراجه من ذلك المكان إذا أوجب تركه ضررا على المالك، و كذلك إذا كفن بكفن مغصوب أو دفن معه مال مغصوب أو دفن معه مال لورثته أو لغيرهم.

و إذا كان الميت قد أوصى بدفن قرآن أو خاتم معه أو غيرهما، و كانت وصيته جامعة للشرائط وجب العمل بها و لم يجز نبش القبر لإخراج ذلك الشي ء من القبر بل لا يجوز أخذه إذا ظهر بسبب آخر.

(2) أن يدفن الميت في موضع لا يناسب كرامته كالمزبلة و البالوعة أو موضع لتجميع الأسمدة أو النجاسة أو في مقبرة الكفار، أو دفن مع

كلمة التقوى، ج 1، ص: 238

كافر و ان كانت زوجته أو رحمه.

(3): أن يدفن بغير غسل أو بغير كفن، أو يتبين بعد الدفن بطلان

غسله، أو أنه كفن على غير الوجه الشرعي، أو يعلم بأنه قد وضع في القبر الى غير القبلة، فيجب نبشه لتدارك الواجب، إلا إذا كان ذلك موجبا لهتك حرمته فيسقط وجوبه. و قد تقدم في المسألة الستمائة و الخامسة و الثمانين حكم ما إذا دفن بغير صلاة.

(4): أن يتوقف إثبات حق من الحقوق على رؤية جسد الميت، إذا كان ذلك الحق أهم من حرمة النبش أو لزم الضرر من ترك النبش على صاحب الحق و يشكل في ما عدا ذلك.

(5): إذا وجدت بعض أجزاء الميت المنفصلة من جسده بعد موته، و الأحوط لزوما أن ينبش القبر لدفنها مع الميت على وجه لا يظهر الجسد.

(6): إذا خيف عليه في ذلك المكان من عدو، أو من سبع أو سيل، أو تجمع مياه توجب هتك حرمته، فينبش، ليدفن في مكان غيره.

(7): أن ينبش بعد دفنه على الوجه الشرعي لينقل من موضعه الى المشاهد المشرفة، إذا لم يستوجب ذلك هتكا لحرمته، فإذا استوجب الهتك فالظاهر المنع سواء أوصى الميت بذلك أم لم يوص.

المسألة 790

يشكل جواز التوديع المتعارف عند بعض الناس: بأن يوضع الميت في تابوت و يدفن على غير الوجه الشرعي، أو يوضع في موضع و يبنى عليه، ثم يخرج بعد مدة لنقله الى المشاهد المشرفة، بل اللازم مواراته في الأرض على الوجه الشرعي، فإذا أريد نقله إليها نبش و نقل بإذن الولي إذا لم يكن ذلك موجبا لهتك الميت أو لأذية المسلمين كما تقدم.

المسألة 791

تستحب زيارة قبور المؤمنين و التسليم عليهم و قراءة القرآن عند قبورهم، و طلب الرحمة و المغفرة لهم، و يتأكد استحبا بها في يوم الخميس و لا سيما في عصره، و في يوم الاثنين و صبيحة يوم السبت.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 239

و يستحب أن يسلم عليهم فيقول: (السلام على أهل الديار، من المؤمنين و المسلمين رحم اللّه المستقدمين منا و المستأخرين و انا ان شاء اللّه بكم لاحقون).

و يقول: (السلام على أهل لا إله إلا اللّه من أهل لا إله إلا اللّه، يا أهل لا إله إلا اللّه بحق لا إله إلا اللّه كيف وجدتم قول لا إله إلا اللّه من لا إله إلا اللّه، يا لا إله إلا اللّه، بحق لا إله إلا اللّه، اغفر لمن قال لا إله إلا اللّه، و احشرنا في زمرة من قال لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه علي ولي اللّه).

و يستحب فيها قراءة سورة يس، ففي الحديث: (من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ و كان له بعدد من فيها حسنات).

و يستحب أن يجلس عند القبر مستقبل القبلة و يضع يده عليه و يقرأ سورة القدر سبعا، و أن يقرأ كلا من الفاتحة و المعوذتين و آية الكرسي ثلاثا ثلاثا.

الفصل الأربعون في غسل من فرط في صلاة الكسوفين
المسألة 792

إذا فرط المكلف في صلاة أحد الكسوفين مع احتراق القرص كله، فالأحوط وجوب الغسل عليه مع قضاء الصلاة، بل لا يخلو من قوة، و الأحوط أن يأتي بالقضاء بعد الغسل و قبل أن يحدث.

و المراد بالتفريط أن يعلم المكلف بحدوث الكسوف أو الخسوف في حينه، و يترك الصلاة عامدا حتى ينجلي القرص، سواء علم في حينه بأن القرص قد احترق كله أم لم يعلم

بذلك حتى انجلى، و إذا عزم على ترك الصلاة عامدا في أول الكسوف حتى أخذ القرص بالانجلاء ثم أتى بها قبل تمام الانجلاء، لم يجب عليه الغسل و لا يكفي الظن بذلك و لا قول أهل الرصد و الفلك، نعم، إذا حصل له العلم من أقوالهم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 240

بالكسوف و بالاحتراق و لم يلاحظ في الوقت، و أصر على ترك الصلاة على كل حال، لزمه الغسل و قضاء الصلاة إذا استبان صدقهم.

و هذا هو الغسل الثامن من الأغسال الواجبة، و قد أشرنا إليه في أول مباحث الأغسال.

الفصل الحادي و الأربعون في الأغسال المندوبة
اشارة

و هي زمانية و مكانية و فعلية

[الأغسال الزمانية:]
[غسل الجمعة.]
المسألة 793

من الأغسال الزمانية: غسل الجمعة.

و هو مستحب استحبابا مؤكدا على الأقوى، و هذا هو المراد من ظواهر بعض الأخبار التي دلت على الإلزام به و وصفته بالوجوب، فلا اثم على تاركه، و لكن يفوته بتركه خير كثير.

و وقته من طلوع الفجر الثاني من يوم الجمعة إلى الزوال، و كلما قرب من الزوال فهو أفضل، و الأحوط لمن يأتي به بعد الزوال الى غروب الشمس من يوم الجمعة: أن ينوي به القربة المطلقة و لا يتعرض لنية الأداء أو القضاء.

و إذا فاته الغسل في يوم الجمعة حتى غربت الشمس، فالأحوط أن لا يقضيه في ليلة السبت، بل يأتي به قضاء في نهار السبت الى غروب الشمس منه، و هو آخر وقت قضائه.

المسألة 794

إذا خاف المكلف: إعواز الماء، أو خاف فوت الغسل عليه في يوم الجمعة لسبب آخر من مرض و غيره، جاز له تقديم غسل الجمعة في يوم الخميس، و يشكل تقديمه ليلة الخميس أو ليلة الجمعة، و لا بأس به برجاء المطلوبية.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 241

و إذا قدم الغسل يوم الخميس ثم تمكن منه في يوم الجمعة قبل الزوال استحبت له إعادته، فان لم يعده استحب له قضاؤه يوم السبت.

و إذا قدمه في الخميس ثم تمكن منه بعد الزوال من يوم الجمعة، لم تستحب له الإعادة، و إذا دار الأمر بين تقديمه يوم الخميس و قضائه يوم السبت استحب له اختيار الأول.

المسألة 795

يستحب غسل الجمعة مؤكدا لكل من الرجال و النساء و الحاضر و المسافر، و من يصلي الجمعة أو الظهر، من غير فرق بين الجميع.

نعم هو في السفر على الرجال آكد منه على النساء.

المسألة 796

يظهر من بعض الأخبار كراهة ترك غسل الجمعة، و في بعضها (عمن تعمد تركه): فان هو فعل فليستغفر اللّه و لا يعود:

المسألة 797

روي عن الامام الصادق (ع): من اغتسل يوم الجمعة للجمعة، فقال: (اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و ان محمدا عبده و رسوله، اللهم صل على محمد و آل محمد، و اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين) كان طهرا له من الجمعة إلى الجمعة.

المسألة 798

تقدم منا في المسألة الثانية بعد الخمسمائة: أن الظاهر صحة غسل الجمعة من الجنب و من الحائض، بل الظاهر اجزاؤه عن غسل الجنابة، و عن غسل الحيض إذا كان بعد انقطاع الدم.

المسألة 799

إذا أتم غسل الجمعة تحققت به الغاية المقصودة منه و هي الاغتسال في هذا اليوم، فلا يضره وقوع الحدث بعده، سواء كان بالحدث الأصغر أم الأكبر، فلا يحتاج إلى إعادة الغسل، نعم لا بد من الطهارة للصلاة أو لغيرها من الأعمال المشروطة بالطهارة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 242

[أغسال ليالي شهر رمضان،]
المسألة 800

و من الأغسال الزمانية: أغسال ليالي شهر رمضان، فيستحب الغسل في ليالي القدر منه، و هي الليلة التاسعة عشرة، و الحادية و العشرون، و الثالثة و العشرون، و لا سيما في الأخيرتين.

و قد ورد الأمر بالغسل في كل ليلة من ليالي الافراد منه، و في كل ليلة من العشر الأواخر، و في ليلة النصف منه و السابعة عشر، كما ورد الغسل في الليلة الثالثة و العشرين منه مرة أخرى في آخر الليل، و ورد أن يكون الغسل في أول ليلة منه في نهر جار، و يصب على رأسه ثلاثين كفا من الماء، و ورد كذلك أن يغتسل في أول يوم منه في ماء جار، و يصب على رأسه ثلاثين غرفة منه، و لا بأس بالإتيان بجميع ذلك برجاء المطلوبية.

المسألة 801

وقت الغسل في ليالي شهر رمضان هو تمام الليلة، و يتخير بين ساعاتها، إلا في الغسل الثاني من الليلة الثالثة و العشرين فإنه في آخر الليل كما تقدم، و يرجح أن يكون غسل الليالي بين العشاءين، و عن الامام الباقر (ع): الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله (أي قبيل الغروب) ثم يصلي ثم يفطر.

[غسل يومي العيدين:]
المسألة 802

و من الأغسال الزمانية: غسل يومي العيدين: الفطر و الأضحى، و وقته من طلوع الفجر الى الغروب على الأقوى، و الأولى أن يأتي به قبل صلاة العيد، و يستحب الغسل أيضا في ليلة الفطر، و يمتد وقته الى الفجر، و الأحوط أن يؤتى به في أول الليل.

و يستحب الغسل في يوم عرفة، و وقته من طلوع الفجر الى الغروب، و الأولى أن يأتي به عند الزوال، و لا يختص استحبابه بمن يكون في عرفات، بل يعم من في سائر الأمصار، و يستحب في يوم التروية و هو الثامن من ذي الحجة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 243

المسألة 803

و رد استحباب الغسل في يوم الغدير و هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، و الأولى- بل الأحوط- أن يأتي بالغسل قبل الزوال، و ورد كذلك في يوم المباهلة و هو اليوم الرابع و العشرون من ذي الحجة، و في أول شهر رجب و وسطه و آخره، و في ليلة النصف من شهر شعبان، و في السابع عشر من شهر ربيع الأول، و هو يوم المولود، و في يوم النيروز، و لا بأس بالغسل في الأيام المذكورة برجاء المطلوبية.

المسألة 804

إذا أتم الغسل- في أي واحد من الأغسال الزمانية- في وقته المخصوص حصلت به الغاية المقصودة منه، فلا يضره وقوع الحدث بعده كما تقدم في غسل الجمعة، و عليه التطهر من الحدث للأعمال المشروطة بالطهارة كالصلاة و نحوها.

[الأغسال المكانية.]
المسألة 805

القسم الثاني من الأقسام المندوبة: الأغسال المكانية.

و لها أفراد كثيرة، فمنها الغسل لدخول حرم مكة، و الغسل لدخول مكة نفسها، و لدخول الكعبة المكرمة، و قد ذكر الفقهاء أيضا الغسل لدخول المسجد الحرام، و لم نقف على ذكره في النصوص.

و منها الغسل لدخول حرم المدينة، و لدخول المدينة نفسها و لدخول مسجد الرسول (ص)، و وقت الغسل للدخول في هذه الأمكنة قبل الدخول فيها قريبا منه، و يكفيه غسل يومه لليلته، و غسل ليلته ليومه، ما لم يحدث، و ان استحبت له الإعادة و ان لم يحدث.

و يجوز التداخل إذا أراد الدخول في الحرم و الدخول في مكة و في الكعبة في يوم واحد، فيغتسل لجميعها غسلا واحدا، و يكفيه ذلك إذا لم ينتقض.

و كذلك إذا أراد الدخول في حرم المدينة، و الدخول في المدينة و في المسجد النبوي في يوم واحد.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 244

المسألة 806

إذا اغتسل للدخول في بعض الأمكنة المتقدم ذكرها ثم أحدث قبل الدخول في ذلك المكان أعاد الغسل، و إذا اغتسل للدخول في مكانين منها أو أكثر و دخل في بعضها، ثم أحدث قبل الدخول في الباقي كفاه غسله لما دخله، و أعاد الغسل للدخول في الباقي فإذا اغتسل لدخول الحرم و دخول مكة و أحدث بعد الدخول الى الحرم و قبل دخول مكة كفاه غسله لدخول الحرم و أعاد الغسل لدخول مكة، و هكذا إذا اغتسل لدخول مكة و الكعبة، أو لدخول المدينة و حرمها و مسجدها.

[الأغسال الفعلية،]
المسألة 807

القسم الثالث من الأغسال المندوبة: الأغسال الفعلية، و هي على نحوين. الأول: ما يستحب لفعل يريد أن يفعله، أو لأمر يرغب في وقوعه، و له أفراد كثيرة، فمنها، الغسل للإحرام بالحج أو بالعمرة، و للوقوف بعرفات، و للذبح و النحر، و الحلق، و لزيارة أحد المعصومين (ع) من قريب أو بعيد، و لصلاة الحاجة، و صلاة الاستخارة على النهج المذكور في نصوصها، و لعمل أم داود الوارد في الأيام البيض من شهر رجب، و يسمى بعمل الاستفتاح، و للتوبة من الكفر أو من المعصية، و للاستسقاء.

و قد ذكر الغسل في بعض النصوص لبعض الأعمال الأخرى، و لا بأس بالإتيان بما في النصوص المذكورة برجاء المطلوبية.

المسألة 808

وقت هذه الأغسال قبل الشروع في الفعل الذي يريد إيقاعه كما تقدم في الأغسال المكانية، و يكفيه أيضا غسل يومه لليلته و غسل ليلته ليومه ما لم يحدث، و إذا اغتسل ثم أحدث قبل أن يأتي بالفعل الذي اغتسل له أعاد الغسل.

المسألة 809

النحو الثاني من الأغسال الفعلية: ما يستحب لفعل قد صدر منه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 245

و له عدة أفراد، فيستحب الغسل إذا قتل الوزغ، و يستحب غسل المولود بعد ولادته، و ظاهر الحديث الوارد فيه أنه كسائر الأغسال المسنونة، فيعتبر فيه قصد التقرب، و الترتيب، و ليس لمجرد ازالة القذر عن الطفل.

و يستحب الغسل لمن سعى عامدا لرؤية المصلوب و رآه، سواء كان ذلك بعد مضي ثلاثة أيام من صلبه أم في أثنائها، و هذا إذا كان المصلوب مظلوما، و كذلك إذا كانت الرؤية بعد الثلاثة في المصلوب بحق، فلا غسل على من اتفق أن رأى المصلوب من غير قصد، أو قصده و رآه لغرض شرعي صحيح كتحمل شهادة أو أدائها، و لا غسل على من قصده و رآه في أثناء الأيام الثلاثة في المصلوب الشرعي.

و قد ذكر استحباب الغسل لمن مس الميت بعد غسله، و للمرأة إذا تطيبت لغير زوجها و غير غرض شرعي صحيح، و للمكلف إذا شرب مسكرا و نام، و لا بأس بالغسل في الموارد المذكورة برجاء المطلوبية.

المسألة 810

تقدم في المسألة الخمسمائة و السادسة و الستين و غيرها: أن جميع الأغسال- و منها الأغسال المندوبة- تكفي عن الوضوء، و ان كان الأحوط للمكلف أن يأتي معها بالوضوء احتياطا لا ينبغي تركه، و الأفضل أن يكون قبل الغسل.

و لا يجري ذلك في الأغسال التي يؤتى بها برجاء المطلوبية، فلا بد معها من الوضوء.

المسألة 811

يكفي غسل واحد لمن عليه أغسال متعددة إذا نوى الجميع، بل و ان نوى البعض إذا كان ما نواه معلوم الاستحباب، و لا يكفي إذا كان مما يؤتى به برجاء المطلوبية.

المسألة 812

إذا لم يتمكن من الماء أو من الغسل جاز له التيمم و كفى عنه في جميع الأقسام المذكورة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 246

الفصل الثاني و الأربعون في مسوغات التيمم
اشارة

المسألة 813 يصح التيمم للمكلف إذا تحقق أحد الأعذار التي تسقط عنه وجوب الطهارة المائية، و تسمى مسوغات التيمم، و هي عدة أمور:

الأول [فقدان الماء]
[المسألة 813]

أن لا يجد المقدار الذي يكفيه من الماء للطهارة الواجبة عليه من وضوء أو غسل، و لا يسقط الحكم بالتيمم وجود المقدار الذي لا يكفي من الماء.

و إذا تيقن بعدم وجود الماء في رحله أو في قافلته أو في الموضع الذي هو فيه، لم يجب عليه الفحص فيه، و إذا احتمل وجوده، و هو في الحضر وجب عليه أن يفحص عنه الى أن يحصل له اليأس من وجوده، و كذلك إذا كان مقيما في البادية أو في برية.

و إذا كان مسافرا كفاه أن يطلب الماء في كل جهة من الجوانب الأربعة رمية سهم واحد إذا كانت الأرض حزنة، و رمية سهمين إذا كانت سهلة، و المراد بالحزنة أن تكون الأرض وعرة، و ان كان ذلك لوجود الأشجار و الأشواك فيها.

و إذا علم بعدم وجود الماء في بعض الجهات من الأرض سقط عنه وجوب الطلب في تلك الجهة، و إذا علم بعدمه في جميع الجهات سقط عنه وجوب الطلب في الجميع.

و إذا علم بوجوده فوق الغلوة و الغلوتين وجب عليه الطلب فيه إذا كان الوقت باقيا، إلا إذا لزم منه الحرج، و إذا شك في وجوده أو ظن لم يجب عليه الطلب أكثر من ذلك، نعم إذا اطمأن بوجود الماء فوق المقدار المذكور، فلا يترك الاحتياط بطلبه حتى يزول الاطمئنان أو يلزم الحرج، و الظاهر أن الأحكام المذكورة تثبت للمسافر العرفي، و ان كان سفره دون السفر الشرعي.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 247

المسألة 814

إذا شهدت البينة العادلة بعدم الماء في بعض الجوانب لم يجب عليه الطلب فيه، و إذا شهدت بعدمه في جميع الجوانب لم يجب عليه الطلب في الجميع، و إذا شهدت بوجود الماء فوق

الرمية و الرميتين وجب الطلب إذا كان الوقت باقيا، إلا إذا لزم منه الحرج.

المسألة 815

تصح الاستنابة في طلب الماء، و يعتبر في النائب أن يكون أمينا موثوقا، و لا يشترط أن يكون عادلا، و يكتفي بنائب واحد عن جماعة، بل يكتفى بطلب الغير إذا أوجب الاطمئنان بعدم الماء، و ان لم يكن ذلك الغير نائبا.

المسألة 816

إذا حضر وقت الصلاة فطلب المكلف الماء على الوجه المتقدم و لم يجد، ثم حضر وقت صلاة أخرى و هو في الموضع نفسه لم تجب عليه اعادة الطلب، إلا إذا زالت عنه حالة اليأس من وجود الماء التي حصلت له بطلبه الأول فيعيد الطلب على الأحوط.

و إذا طلب الماء قبل دخول وقت الصلاة و لم يجد، ثم حضر الوقت فالأحوط له اعادة الطلب إذا احتمل العثور على الماء، و إذا ارتحل عن موضعه ثم دخل الوقت، فلا ريب في وجوب الطلب مع احتمال وجود الماء في هذا الموضع.

المسألة 817

انما يجب طلب الماء إذا كان الوقت متسعا لذلك، فإذا ضاق الوقت سقط وجوب الطلب و تعين التيمم.

المسألة 818

إذا ترك الطلب عامدا حتى ضاق الوقت، تيمم و صحت صلاته، و ان كان آثما بترك الطلب في ما إذا استبان له أنه لو طلب الماء لعثر عليه، و في غير هذه الصورة يكون متجرئا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 248

المسألة 819

إذا لم يطلب الماء مع احتمال وجوده، و تيمم و صلى و هو في سعة الوقت كانت صلاته باطلة، و لكن إذا تحقق منه قصد القربة في صلاته ثم تبين عدم وجود الماء، فالظاهر صحة الصلاة و الأحوط الإعادة.

المسألة 820

إذا طلب الماء فلم يجد، و تيمم و صلى، ثم تبين له بعد ذلك وجود الماء في محل طلبه أو في رحله أو في قافلته، فان كان الوقت باقيا أعاد الصلاة على الأحوط و ان كان بعد الوقت فلا قضاء عليه.

المسألة 821

إذا اعتقد المكلف بعدم وجود الماء فلم يطلب و تيمم و صلى، ثم استبان له أن الماء موجود بحيث أنه لو طلبه لعثر عليه، فالظاهر وجوب الإعادة عليه إذا استبان له ذلك و هو في الوقت، و وجوب القضاء عليه إذا كان خارج الوقت.

المسألة 822

إذا اعتقد أن الوقت ضيق لا يسع الطلب فتيمم و صلى ثم تبين له بعد الصلاة ان الوقت كان متسعا، فالظاهر صحة تيممه و صلاته، و ان كان الأحوط الإعادة أو القضاء و لا سيما إذا تبين له وجود الماء في الحد الذي يجب فيه الطلب.

المسألة 823

إذا كان عنده من الماء ما يكفيه لوضوئه أو غسله، و دخل عليه وقت الصلاة لم تجز له اراقة ذلك الماء و هو يعلم بعدم وجود ماء غيره، بل لا تجوز له اراقة الماء قبل الوقت في مثل هذه الحال، على الأحوط، و لكنه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 249

إذا تعمد فأراق الماء وجب عليه التيمم، في الصورتين مع اليأس من الماء و صحت صلاته و ان أثم بإراقة الماء.

و كذلك الحكم إذا كان على وضوء، و دخل عليه وقت الصلاة فلا يجوز له نقض وضوئه إذا كان يعلم بعدم وجود الماء، بل و لا قبل الوقت على الأحوط، و إذا نقض وضوءه وجب عليه التيمم و صحت صلاته في الصورتين، و ان كان آثما بنقض وضوئه.

المسألة 824

لا يجب عليه الطلب إذا خاف معه على نفسه أو على ماله أو على عرضه من عدو أو سبع أو لص أو ضياع، أو كان فيه حرج و مشقة لا تتحمل.

المسألة 825

إذا كان بعض الجوانب من الأرض حزنا و بعضها سهلا لحق كل جانب حكمه، فيجب الطلب في الحزن غلوة سهم و في السهل غلوة سهمين، و إذا كان الجانب الواحد منها بعضه حزنا و بعضه سهلا لحقه حكم السهلة على الأحوط، فلا بد فيه من الطلب غلوة سهمين.

[الثاني عدم الوصول إلى الماء:]
المسألة 826

الثاني من الأعذار التي يسوغ معها التيمم: ان يكون الماء موجودا و لا يستطيع المكلف الوصول اليه لكبر سن أو مرض أو منع متسلط أو خوف من سبع أو عدو على نفسه أو عرضه أو ماله، أو لكون الماء في بئر و شبهه، و ليس لديه ما يستقي به من دلو و حبل و نحوهما، أو لمنع شرعي، كما إذا كان الماء في إناء مغصوب أو في أرض مغصوبة، و لم يمكن أخذ الماء منهما بصورة مشروعة، كأن يأمر طفلا أو مكلفا جاهلا بالغصب بأن ينقل الماء إليه في إناء مباح، و كذلك في آنية الذهب أو الفضة مع الانحصار بها، و عدم إمكان التفريغ، و يراجع الفصل الثالث عشر في أحكام الأواني.

المسألة 827

إذا أمكن الحصول على الماء بشراء أو اقتراض أو اقتراض عوض،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 250

أو أمكن شراء الآلة التي يستقى بها من البئر أو استيجارها وجب على المكلف ذلك و ان كان بأضعاف عوضه، إلا إذا أوجب ذلك له الحرج فلا يجب.

المسألة 828

إذا وهب الماء له و أهب أو وهب له عوضه الذي يشتريه به وجب عليه القبول، إلا إذا كان في ذلك منة أو مهانة توجبان له الحرج، فلا يجب عليه حين ذاك.

[الثالث الخوف]
المسألة 829

الثالث من مسوغات التيمم أن يخاف على نفسه من استعمال الماء تهلكة أو حصول ضرر يعسر تحمله كحدوث مرض أو تعيب في جسده أو في بعض أعضائه، أو اشتداد مرض أو طول مدته أو تعسر علاجه، حتى الشين- و هي الخشونة التي تكون في البشرة بسبب استعمال الماء البارد في شدة البرد، و التي توجب تشقق الجلد و خروج الدم- إذا بلغت درجة شاقة لا تتحمل عادة.

و المدار أن يحصل له العلم بحدوث أحد المذكورات من استعمال الماء، أو الظن به، أو الاحتمال العقلائي الموجب للخوف، و قد يحصل ذلك من قول طبيب أو اخبار عارف غير متهم، أو تجربة المكلف نفسه أو غير ذلك، فيجب عليه التيمم، و لا يكفي في ذلك حدوث الضرر القليل الذي يتحمله العقلاء، و لا الاحتمال الذي لا يوجب الخوف عندهم.

و إذا علم ان السبب في حدوث هذه المحاذير هو استعمال الماء البارد و أمكن تسخينه وجب عليه ذلك، و لم يجز له التيمم.

المسألة 830

إذا خالف المكلف، فتحمل الضرر و توضأ أو اغتسل، فللمسألة صور و أحكامها تختلف باختلاف صورها.

(الصورة الأولى): أن يكون الضرر الذي يعسر تحمله انما يترتب

كلمة التقوى، ج 1، ص: 251

على المقدمات التي تتقدم على ذيها في الزمان، و ليس على نفس استعمال الماء في الوضوء أو الغسل، كما إذا كان تحصيل الماء موقوفا على سلوك طريق يوجب الوقوع في الضرر المخوف، فإذا تحمله المكلف و حصل على الماء وجب عليه الوضوء منه أو الغسل، و كان صحيحا، سواء وقع في المحذور أم لم يقع.

(الصورة الثانية): أن يكون الضرر مترتبا على المقدمات التي تقارن ذا المقدمة في الوقت، كما إذا كان الاغتراف من الماء ضرريا،

و الحكم بصحة الوضوء أو الغسل في هذه الصورة مشكل فلا بد فيها من الاحتياط.

(الصورة الثالثة): أن يكون الضرر مترتبا على نفس استعمال الماء في الوضوء أو الغسل، ثم انه لا ريب في اختلاف مراتب الضرر يكون شديدا يوجب تحريم تحمله، و تحريم الفعل الذي يكون سببا له، فإذا كان استعمال الماء في الوضوء أو الغسل سببا لهذا النوع من الضرر، فلا ريب في بطلان الوضوء و الغسل إذا أتى بهما المكلف و هذه هي الصورة الثالثة.

(الصورة الرابعة): أن يكون الضرر مترتبا على نفس استعمال الماء في الوضوء أو الغسل، و تكون مرتبة الضرر أخف منها في الصورة الثالثة المتقدمة، فهي لا توجب تحريما، و انما توجب نفي الحكم الإلزامي الذي يكون سببا للضرر، كما هو مفاد قاعدة لا ضرر و لا ضرار و الأقوى صحة الوضوء أو الغسل إذا كان استعمال الماء يوجب الضرر بهذا المقدار.

(الصورة الخامسة): أن لا يكون استعمال الماء في الوضوء أو الغسل سببا للضرر و انما يكون سببا للحرج و المشقة بتحمل ألم البرد مثلا أو تحمل مشقة الشين، و الظاهر صحة الوضوء و الغسل في هذه الصورة أيضا إذا تحمل المكلف الحرج و المشقة، فتوضأ بالماء أو اغتسل و يكفي المكلف في هذه الصورة و في الصورة الرابعة المتقدمة من قصد القربة ان يقصد رجحان الوضوء أو الغسل و محبوبيتهما عند المولى سبحانه.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 1، ص: 252

كلمة التقوى، ج 1، ص: 252

المسألة 831

إذا اعتقد الضرر باستعمال الماء فخاف منه و تيمم و صلى، ثم تبين له عدم الضرر فيه،

فالظاهر صحة تيممه و صلاته، إلا إذا كان تبين عدم الضرر له قبل الصلاة، فيجب عليه الوضوء أو الغسل.

و إذا اعتقد الضرر به و لم يحصل له الخوف منه، و تيمم و صلى ثم تبين له عدم الضرر فيه، فلا بد من الإعادة أو القضاء.

المسألة 832

إذا اعتقد عدم الضرر باستعمال الماء فتوضأ أو اغتسل و صلى، ثم تبين له وجود الضرر به فلا تترك مراعاة الاحتياط إذا كان الضرر الذي استبان له وجوده مما يحرم ارتكابه، و خصوصا إذا تبين له ذلك قبل دخوله في الصلاة، و إذا كان الضرر الذي استبان له مما لا يحرم ارتكابه، فالظاهر صحة وضوئه أو غسله و صلاته و ان كان الاحتياط بالإعادة.

المسألة 833

إذا خاف الضرر باستعمال الماء و مع ذلك توضأ أو اغتسل، فان كان الضرر الذي خافه بدرجة يجب معه الاحتياط، فالظاهر بطلان وضوئه و غسله، و ان تبين له بعد ذلك عدم الضرر، و ان كان الضرر المخوف مما لا يجب معه الاحتياط فالظاهر صحة الوضوء و الغسل.

و إذا اعتقد الضرر باستعمال الماء و لم يحصل له الخوف منه و توضأ أو اغتسل، فان كان الضرر الذي اعتقد به مما يجوز ارتكابه فالظاهر صحة وضوئه و غسله، سواء انكشف له خلاف اعتقاده بعد ذلك أم لم ينكشف، و ان كان الضرر الذي اعتقد به مما يحرم ارتكابه، فالظاهر بطلان وضوئه و غسله إذا لم يتبين له بعد ذلك عدم الضرر فيه.

و إذا تبين له عدم الضرر فيه فالظاهر صحة الوضوء و الغسل إذا حصل منه قصد القربة فيهما.

المسألة 834

إذا اعتقد عدم الضرر باستعمال الماء و مع ذلك تيمم، ثم تبين له

كلمة التقوى، ج 1، ص: 253

وجود الضرر، فان حصل منه- مع ذلك- قصد القربة، صح تيممه، و الا كان باطلا.

المسألة 835

إذا أجنب الرجل نفسه عامدا مع علمه بأن استعمال الماء مضر، وجب عليه التيمم و لم يجز له الغسل إذا كان الضرر في استعمال الماء مما يحرم ارتكابه، و إذا كان مما يجوز ارتكابه صح منه التيمم و كفى، و إذا تحمل الضرر و اغتسل صح غسله أيضا و كفى، و الأفضل له الغسل في هذه الصورة.

المسألة 836

تقدم منا في المسألة الأربعمائة و الثانية و الأربعين: أنه يجوز للإنسان أن يجامع اختيارا حتى بعد دخول وقت الصلاة، و هو يعلم انه غير قادر على الغسل، فيجب عليه التيمم، و ذكرنا فيها ما يستثنى من ذلك فلتراجع.

[الرابع الحرج:]
المسألة 837

الرابع من مسوغات التيمم: ان يكون تحصيل الماء أو يكون استعماله في الوضوء أو الغسل موجبا للحرج الذي لا يتحمل عادة، و ان لم يكن موجبا للضرر أو خوف الضرر، فيجوز له التيمم كما يجوز له الوضوء أو الغسل كما تقدم.

[الخامس الاحتياج إلى الماء الموجود]
المسألة 838

الخامس من مسوغات التيمم ان يكون المكلف محتاجا للماء الموجود لشربه أو شرب أولاده و عياله أو بعض متعلقيه و أصدقائه، بحيث يخشى عليهم أو على بعضهم التلف من العطش، أو حدوث مرض أو حرج و مشقة لا تتحمل، سواء كان محتاجا لذلك بالفعل أم في ما يأتي.

و يكفي في تسويغ التيمم أن يحتمل ذلك احتمالا يوجب الخوف و الحذر عند العقلاء، فيجب عليه التيمم و حفظ الماء للحاجة، و كذلك إذا خاف على دوابه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 254

المسألة 839

إذا خاف المكلف على نفس محترمة لا ترتبط به بصداقة أو علاقة فالظاهر أن مجرد الخوف عليها من العطش لا يوجب عليه حفظ الماء لها و تسويغ التيمم، الا ان يسبب ذلك له حرجا لا يتحمل عادة كما في بعض ذوي النفوس التي يهمها ذلك، أو يسبب له ضررا ماليا.

نعم إذا وقع الشخص المحترم في عطش مهلك بالفعل، وجب على المكلف دفع الماء اليه لحفظه من الهلاك، و وجب عليه التيمم، و كذلك إذا كان الشخص شديد الاحترام بحيث يجب الاحتياط في حفظه عند خوف تلفه.

المسألة 840

إذا كان لديه ماء طاهر و ماء نجس، لم يجز له أن يشرب الماء النجس أو يسقيه أطفاله أو رفقاءه ليحتفظ بالماء الطاهر لوضوئه و غسله، بل يجب عليه التيمم و حفظ الماء الطاهر لحاجته و حاجتهم.

[السادس الابتلاء بواجب شرعي آخر]
المسألة 841

السادس من مسوغات التيمم: أن يبتلي المكلف بواجب شرعي آخر يوجب صرف الماء الموجود لديه في غير الوضوء و الغسل، كإزالة النجاسة بذلك الماء عن المسجد، أو تطهير مصحف متنجس، أو تطهير ثوب المكلف أو بدنه عن النجاسة فتجب عليه ازالة النجاسة بالماء و يتيمم لصلاته، و ان طهر ثوبه و بدنه بالماء أولا ثم تيمم بعد ذلك كان أولى.

[السابع: ضيق الوقت]
المسألة 842

السابع من مسوغات التيمم: أن يضيق وقت الصلاة عن طلب الماء للطهارة لها، أو عن استخراجه، أو عن تسخينه مع الحاجة اليه، أو عن استعماله، بحيث يلزم من الوضوء أو الغسل وقوع الصلاة أو بعض أجزائها خارج الوقت، فيجب عليه التيمم و إدراك الصلاة في جميع الفروض المذكورة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 255

المسألة 843

إذا شك في سعة الوقت و ضيقة، أو علم بضيقه و شك في أن الباقي منه يكفي لتحصيل الطهارة المائية و الصلاة معها أم لا، فان حصل له من شكه خوف فوت الوقت مع الوضوء أو الغسل انتقل الى التيمم، و ان لم يخف الفوت توضأ أو اغتسل ثم صلى.

المسألة 844

إذا كان جاهلا بضيق الوقت و أن وظيفته التيمم فتوضأ أو اغتسل ثم تبين له ذلك، فان قصد بوضوئه أو غسله امتثال الأمر المتوجه اليه من قبل هذه الصلاة صاحبة الوقت كان وضوؤه أو غسله باطلا، و ان قصد به احدى الغايات الأخرى كالكون على طهارة أو مجموعها، أو أتى به بقصد الرجحان و المحبوبية عند المولى فالظاهر صحتهما و صحة الصلاة بهما.

و كذلك الحكم إذا كان عالما بضيق الوقت و بأن وظيفته التيمم، و لكنه خالف ذلك و توضأ أو اغتسل، فيكون وضوؤه أو غسله صحيحا إذا قصد به الكون على الطهارة أو إحدى الغايات الأخرى أو مجموعها أو المحبوبية عند اللّه، و يكون باطلا إذا قصد به امتثال الأمر المتوجه اليه من الصلاة صاحبة الوقت.

المسألة 845

إذا ضاق وقت الصلاة فتيمم المكلف لها أبيح له أن يأتي بتلك الصلاة التي ضاق وقتها، و لم يجز له أن يصلي بتيممه صلاة أخرى غيرها أو يستبيح به غاية أخرى، و إذا كان جنبا مثلا فلا تصح له- مع هذا التيمم- قراءة العزائم.

المسألة 846

المدار في ضيق الوقت الموجب للانتقال الى التيمم هو: أن يضيق الوقت عن الإتيان بواجبات الصلاة خاصة، مع الوضوء أو الغسل، فإذا كان الوقت كافيا للإتيان بها، وجب عليه الوضوء أو الغسل و الاقتصار

كلمة التقوى، ج 1، ص: 256

عليها، و ان ضاق الوقت عن الإتيان بالمستحبات و عن مثل الإقامة و قراءة السورة.

المسألة 847

تقدم في المسألة الأربعمائة و السابعة و الخمسين: أن الجنب يجوز له أن يدخل المسجد ليأخذ الماء منه و يغتسل به خارج المسجد إذا كان مجرد الدخول و أخذ الماء لا يستلزم مكثا في المسجد، و إذا استلزم ذلك، أو كان دخوله في المسجد بقصد الاغتسال فيه وجب عليه التيمم لدخول المسجد، و لا يبيح له هذا التيمم الا الدخول في المسجد و المكث فيه بمقدار الحاجة.

المسألة 848

تقدم في مبحث الصلاة على الميت: انه يجوز للمكلف التيمم لها و ان كان الماء موجودا، إذا خاف فوت الصلاة عليه ان هو توضأ أو اغتسل، و إذا كان الماء موجودا و أمكن له إدراك الصلاة و أراد التيمم أتى به برجاء المطلوبية.

المسألة 849

يستحب التطهر قبل النوم فقد ورد ان من تطهر ثم أوى إلى فراشه بات و فراشه كمسجده، فإذا كان محدثا بالأصغر و نسي الوضوء، و تذكر حين أوى إلى فراشه استحب له أن يتيمم من دثاره، و يشكل التعدي إلى غيره.

المسألة 850

إذا وجد مقدارا من الماء لا يكفيه لوضوئه أو غسله، فلا عبرة به و لا يسقط عنه وجوب التيمم بذلك، فإذا أمكن خلطه بمقدار من الماء المضاف بحيث يكون كافيا للوضوء أو الغسل، و لا يخرج الماء بذلك عن الإطلاق فلا يبعد وجوب خلطه على النحو المذكور، و إذا خلطه كذلك فلا ريب في وجوب الوضوء أو الغسل به، و لا يكفيه التيمم.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 257

الفصل الثالث و الأربعون في ما يتيمم به
المسألة 851

يصح التيمم بكل ما يسمى أرضا من تراب، أو رمل. أو حجر أو مدر أو صخر أملس، أو غيرها، من غير فرق بين الأبيض منها و الأسود و غيرهما من الألوان، حتى حجر الجص و النورة قبل احراقهما، و لا يعتبر علوقه باليد، و الأحوط مع وجود التراب ان لا يتعدى منه الى غيره، و ان كان ذلك غير لازم المراعاة.

و أما الغبار الذي يكون في الثياب أو البلد أو في الفراش أو في عرف الدابة، فإن أمكن تجميعه بالنفض و نحوه حتى يكون ترابا فهو من القسم المتقدم فيصح التيمم به اختيارا إذا تجمع كذلك، و إذا لم يمكن ذلك لم يتيمم به الا إذا فقد جميع ما تقدم من أقسام وجه الأرض، و يقدم ما غباره أكثر على الأحوط، و إذا كان الغبار في الباطن فالأحوط- ان لم يكن أقوى- إن يثير الغبار أو لا لينتشر على الظاهر ثم يضرب عليه، و هذا كله إذا كان من غبار الأرض، أما غيره فلا يجوز مطلقا، كغبار الدقيق و الرماد، و كذلك الحكم في الطين، فإن أمكن تجفيفه حتى يكون مدرا أو ترابا كان من القسم المتقدم، فيصح التيمم منه اختيارا إذا جفف كذلك، و إذا لم

يمكن تجفيفه لم يتيمم به الا إذا فقد ما تقدم ذكره و فقد الغبار أيضا فيتيمم به حينئذ على ما سيجي ء بيانه.

المسألة 852

لا يجوز التيمم بالمعادن التي خرجت عن اسم الأرض، كالملح و الزرنيخ و القير، و الذهب، و الفضة، و العقيق، و الفيروزج، و لا يجوز التيمم بالرماد و النبات و ان كان هشيما، و لا بالدقيق و النخالة و شبههما.

المسألة 853

لا يجوز التيمم- على الأحوط- بالجص و النورة بعد احراقهما مع وجود غيرهما مما يجوز التيمم به، و لا يجوز بالخزف و الآجر و ان كان

كلمة التقوى، ج 1، ص: 258

مسحوقا على الأحوط كذلك، فإذا لم يوجد غير المذكورات مما يجوز التيمم به، تيمم بأحدها، من الجص أو النورة المحروقين أو الطين المطبوخ، و صلى ثم أعاد الصلاة أو قضاها على الأحوط، و كذلك الحكم في الطين الأرمني، فلا يجوز التيمم به مع الاختيار، فإذا لم يجد غيره تيمم به و صلى ثم قضى الصلاة على الأحوط.

المسألة 854

يجوز التيمم اختيارا بحجر الرحى و حجر السن و غيرهما من الصخور و ان كانت ملساء صلبة، و يجوز التيمم بطين الرأس سواء كان مسحوقا أم لا، كما يجوز التيمم على الحائط المبني باللبن أو الطين أو المطلي به.

المسألة 855

إذا مزج التراب بغيره مما لا يجوز التيمم به، كالتبن و الرماد و غيرهما لم يصح التيمم به، الا إذا كان الخيط مستهلكا في التراب، و كذلك الطين إذا مزج بالتبن و شبهه.

المسألة 856

يجوز التيمم بالأرض الندية و بالتراب الندى إلا إذا كانت النداوة كثيرة يصدق معها اسم الطين عرفا، فلا يتيمم به مع وجود اليابس و الندى.

المسألة 857

إذا تيمم بالطين فلصق بيده، فالأحوط إزالته من يده بفرك و نحوه قبل مسح الوجه و اليدين به، و لا تجوز ازالته بالغسل، و إذا أمكن فرك الطين أو الصبر عليه حتى يجف و يكون ترابا ثم يتيمم به وجب عليه ذلك كما تقدم.

المسألة 858

ظهر مما تقدم أن ما يتيمم يكون على ثلاث مراتب.

(الأولى): ما يسمى أرضا بأقسامه التي تقدم ذكرها، و منه الغبار

كلمة التقوى، ج 1، ص: 259

إذا نفض و تجمع فكان ترابا، و منه الطين إذا جفف فأصبح مدرا أو ترابا.

(الثانية): الغبار إذا لم يمكن جمعه، و انما يصح التيمم به إذا فقدت المرتبة الأولى، و يختص الجواز بغبار الأرض و لا يجوز بغبار الدقيق و شبهه.

(الثالثة): الطين إذا لم يمكن تجفيفه، و انما يجوز التيمم به إذا فقدت المرتبة الأولى و الثانية معا، و المناط في الطين هو صدق اسم الطين عليه عرفا كما تقدمت الإشارة اليه.

و إذا فقد المكلف المراتب الثلاث كلها و كان غير واجد للماء كان فاقدا للطهورين و سيأتي بيان حكمه.

المسألة 859

إذا وجد المكلف ثلجا أو جمدا و أمكنت له إذا بتة و الوضوء به أو الغسل وجب عليه ذلك و لم يجز له التيمم، و كذلك إذا استطاع مسح الأعضاء به حتى يحصل الجريان المعتبر في الوضوء أو الغسل.

و إذا لم تمكن إذا بتة أو لم يمكن استعماله و لا مسح الأعضاء به على النحو المتقدم و لم يجد ماءا غيره وجب عليه التيمم إذا وجد ما يتيمم به من المراتب المتقدمة و لا يجوز له التيمم بالثلج و الجمد، و إذا فقد ما يتيمم به كان من فاقد الطهورين.

المسألة 860

فاقد الطهورين لا يجب عليه أداء الصلاة في الوقت، و يجب عليه قضاؤها إذا وجد الطهور بعد الوقت، و ان كان الأحوط له أداء الصلاة بدون طهور أيضا، و انما يكون المكلف فاقدا للطهورين و يترتب عليه حكمه المذكور إذا فقدهما الى آخر الوقت، فإذا وجد أحدهما في آخر الوقت وجب عليه الأداء، و كذلك إذا وجد أحدهما في أثناء الوقت و علم بأنه يفقدهما بعد ذلك الى آخر الوقت.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 260

المسألة 861

يجب على المكلف تحصيل ما يتيمم به و لو بالشراء و نحوه ما لم يوجب ذلك له الحرج الذي لا يتحمل عادة، فإذا أوجب ذلك سقط وجوبه.

المسألة 862

إذا تيمم بشي ء ثم استبان له أنه مما لا يصح التيمم به، وجبت عليه الإعادة، و إذا صلى بتيممه أعاد الصلاة و قضاها إذا استبان له ذلك بعد الوقت، و كذلك إذا تيمم بالغبار أو بالطين مع وجود المرتبة الأولى.

الفصل الرابع و الأربعون في شرائط ما يتمم به
المسألة 863

لا يصح التيمم بالنجس، سواء كانت نجاسته مسرية أم لا، و سواء كان المكلف عالما بالنجاسة أم جاهلا بها أم ناسيا، فإذا تيمم به كذلك فلا بد من الإعادة.

و إذا لم يجد شيئا طاهرا يتيمم به من المرتبة الأولى انتقل الى الغبار، فان لم يجد غبارا طاهرا انتقل الى الطين، فان لم يجد فهو فاقد الطهورين.

المسألة 864

يشترط في ما يتيمم به- ترابا كان أم غيره- أن يكون مباحا، و يشترط في مكان الشي ء الذي يتيمم به أن يكون مباحا أيضا، إذا كان الضرب عليه يعد تصرفا في مكانه عرفا، و أن يكون الفضاء الذي يتيمم فيه و يحرك فيه أعضاء التيمم مباحا كذلك، فيبطل التيمم إذا كان أحد المذكورات مغصوبا إذا كان المكلف عالما و عامدا و لا يبطل إذا كان جاهلا بالغصبية أو ناسيا لها.

و إذا كان جاهلا بالحكم، فان كان جهله عن تقصير بطل تيممه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 261

و وجبت عليه الإعادة، و ان كان عن قصور يعذر فيه صح تيممه كما تقدم في الوضوء.

المسألة 865

يشترط في ما يتيمم به أن يكون غير ممزوج بما لا يصح التيمم به الا إذا كان الشي ء الذي مزج معه مستهلكا، و قد تقدم ذلك.

المسألة 866

من كانت وظيفته التيمم إذا وجد ترابين أو حجرين مثلا و علم بنجاسة أحدهما مع جفافهما و جفاف أعضاء التيمم من الرطوبة المسرية جاز له أن يتيمم بكل واحد منهما، و عليه أن يزيل ما علق بأعضائه من التيمم بالأول، قبل التيمم بالثاني، و الأحوط أن يزيل ما علق بأعضائه من التيمم بالثاني قبل الشروع في الصلاة، و إذا لم يجد غيرهما وجب عليه التيمم بهما كما تقدم.

المسألة 867

إذا وجد شيئين و علم إجمالا بأن أحدهما تراب و الآخر رماد مثلا، و لم يعلم بهما على التعيين، جاز له أن يتيمم بهما معا، فإذا لم يجد غيرهما وجب عليه ذلك.

المسألة 868

إذا وجد شيئين مما يتيمم به و علم أن أحدهما مغصوب وجب عليه أن يجتنبهما معا، فان لم يجد غيرهما يتيمم بالغبار، فان لم يجد فبالطين كما تقدم.

المسألة 869

إذا شك في تراب أو غيره مما يتيمم به أنه نجس أم لا، بنى على طهارته و تيمم به الا إذا علم بنجاسته سابقا فيبني على بقائها، و لا يتيمم به.

المسألة 870

يجوز للمكلف المسجون في مكان مغصوب أن يتوضأ في ذلك المكان

كلمة التقوى، ج 1، ص: 262

إذا كان الماء مباحا، و خصوصا إذا كانت غسالة وضوئه لا تقع على أرض الحبس، بل يجوز له الوضوء إذا كان الماء مغصوبا للحابس، و لم يكن للمحبوس ماء سواه بحيث كان مضطرا الى ذلك الماء كاضطراره الى ذلك المكان، فيجوز له الوضوء منه و ان ضمن قيمته للمالك، أما في غير ذلك فلا يجوز له الوضوء و ان كان الماء مما لا قيمة له.

و يجوز له التيمم إذا كان التراب مباحا، و لا يجوز له الضرب على أرض المحبس، فان لم يجد التراب المباح كان من فاقد الطهورين.

المسألة 871

إذا وجد شيئا و شك في أنه تراب أو غيره مما لا يصح التيمم به، لم يجز له التيمم به، فإذا هو لم يجد غيره جمع بين التيمم به و الصلاة في الوقت، ثم قضاء الصلاة بعد الوقت، و إذا علم انه كان ترابا في السابق، و شك في استحالته بنى على أنه لا يزال ترابا و تيمم به.

المسألة 872

لا يعتبر في التيمم- على الأقوى- أن يعلق باليد شي ء من المتيمم به، و قد تقدم أنه يصح التيمم بالحجر الصلد و الصخور الملساء، كالمرمر و حجر الرحى و نحوها مما لا يعلق باليد، و سيأتي استحباب نفض الكفين بعد ضربهما على ما يتيمم به، و ان كان الأولى اعتبار ذلك.

الفصل الخامس و الأربعون في كيفية التيمم
المسألة 873

يجب في التيمم أن يضرب المكلف على الشي ء الذي يتيمم به بباطن كفيه جميعا، و أن يكون الضرب بهما دفعة واحدة على الأحوط، ثم يمسح بهما جبهته و جبينيه كلها من قصاص الشعر الى طرف الأنف الأعلى، و هو المتصل بالجبهة، و الى الحاجبين، و لا يجب مسح الحاجبين على الأقوى، نعم يمسح شيئا منهما و من جميع حدود الجبهة و الجبينين من باب المقدمة.

ثم يمسح جميع ظهر الكف اليمنى بباطن اليسرى، ثم يمسح

كلمة التقوى، ج 1، ص: 263

جميع ظهر الكف اليسرى بباطن اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع، و يمسح شيئا من حدود الممسوح من باب المقدمة، و لا يجب مسح ما بين الأصابع.

المسألة 874

لا يكفي مجرد وضع اليدين على ما يتيمم به من دون ضرب، و ان اعتمد على يديه بعد وضعهما، و لا يكفي الضرب بإحدى اليدين و ان وضع الأخرى، و لا يكفي أن يضرب باليدين على التعاقب- على الأحوط- و لا يكفي الضرب بظاهر الكفين، و هذا كله في حال الاختيار.

و يكفي وضع اليدين إذا لم يستطع الضرب بهما أو كان فيه حرج و مشقة عليه، و إذا أمكنه أن يضرب بإحدى اليدين و يضع الأخرى وجب عليه ذلك، و إذا تعذر عليه وضع باطن اليدين ضرب بظاهرهما و إذا أمكنه الضرب بباطن احدى اليدين أو وضعه و بظاهر الأخرى وجب ذلك، و إذا تعذر عليه أن يضرب بيديه دفعة واحدة ضرب بهما على التعاقب، و سيأتي حكم نجاسة باطن الكفين.

المسألة 875

يجب استيعاب جميع أجزاء الجبهة و الجبينين بالمسح، و ان يكون المسح بمجموع الكفين في الجملة و ان لم يستوعبهما.

المسألة 876

الجبين هو الموضع الذي يكون فوق الحاجب الى قصاص الشعر، و الى أول الصدغ من جانبي الوجه، و الجبهة هي الموضع المستوي بين الجبينين.

المسألة 877

تجب النية في التيمم على الوجه الذي تقدم بيانه في نية الوضوء و الغسل، و الأحوط أن يقارن بها الضرب باليدين، و لا يجب فيها أن يقصد البدلية عن الوضوء أو الغسل، و يكفي أن يقصد امتثال الأمر المتوجه اليه بالتيمم، نعم إذا تعدد الأمر المتوجه اليه بالتيمم، فلا بد من التعيين، و لا يجب عليه أن يقصد بتيممه رفع الحدث، و ان كان الأقوى انه رافع للحدث ما دام الاضطرار موجودا، و لكن لا تجب نية ذلك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 264

المسألة 878

إذا كانت الغاية التي تيمم من أجلها واحدة لم يجب عليه تعيينها في النية و إذا كانت متعددة جاز له أن يقصد جميع تلك الغايات تفصيلا، و جاز له أن يقصد جميع ما في الذمة إجمالا، و يصح له أن يقصد غاية معينة منها و يجزي تيممه عن الجميع، إلا إذا كان مسوغ التيمم مختصا بتلك الغاية المعينة، فلا يجزي تيممه عن غيرها، كما إذا تضيق وقت الصلاة الحاضرة فتيمم لإدراكها فلا يجزيه تيممه لغير تلك الصلاة، و لا لغير الصلاة من الغايات، و قد تقدم ذلك في المسألة الثمانمائة و الخامسة و الأربعين و قد يأتي أيضا.

المسألة 879

إذا تيمم بقصد غاية خاصة، ثم استبان له عدم الأمر بتلك الغاية كان تيممه باطلا، و إذا قصد غاية و استبان له أن الأمر المتوجه اليه بالتيمم لغيرها، فان كان قصد امتثال الأمر المتوجه اليه بالتيمم و لكنه توهم أن الأمر متعلق بالغاية التي قصدها كان تيممه صحيحا و هو من الاشتباه في التطبيق، و ان قصد تلك الغاية على وجه التقييد كان تيممه باطلا.

المسألة 880

إذا تيمم بقصد البدلية عن الوضوء ثم تذكر أنه مأمور بالغسل لا بالوضوء فالحكم فيها كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، فإن قصد امتثال الأمر المتوجه اليه بالتيمم و لكنه تخيل أن ذلك الأمر متعلق بما هو بدل عن الوضوء فقصده اشتباها فالتيمم صحيح، و ان كان على نحو التقييد فالتيمم باطل.

و كذلك الحكم إذا قصد البدلية عن غسل الجنابة ثم تذكر أن الواجب عليه هو غسل مس الميت مثلا.

المسألة 881

إذا شك في أنه محدث بالحدث الأصغر أو الأكبر، كفاه أن يتيمم تيمما واحدا بقصد الأمر المتوجه إليه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 265

المسألة 882

يجب في التيمم أن يباشر المكلف الضرب و المسح بنفسه، فلا يصح أن ييممه غيره مع الاختيار، و يصح مع الاضطرار لذلك.

المسألة 883

تجب الموالاة ما بين أفعال التيمم، و ما بين أجزاء كل واحد من الأعضاء في المسح، فلا يفصل ما بينها فصلا يخل بهيئة التيمم و يمحو صورته، و إذا أخل بالموالاة كذلك بطل تيممه، سواء كان ذلك عمدا أم سهوا أم نسيانا، و سواء كان تيممه بدلا عن الوضوء أم عن الغسل.

المسألة 884

يجب الترتيب في التيمم على الوجه المتقدم ذكره، فيضرب باليدين أولا، ثم يمسح جبهته و جبينيه، ثم يمسح ظهر كفه اليمنى، ثم ظهر كفه اليسرى، و إذا خالف الترتيب فان فاتت الموالاة بطل تيممه، و ان تذكر قبل أن تفوت الموالاة أعاد على ما يحصل معه الترتيب نظير ما تقدم في الوضوء من غير فرق بين أن يكون ذلك عن عمد أو جهل أو نسيان.

المسألة 885

يجب أن يبتدئ- على الأحوط- بأعلى الجبهة و الجبينين، ثم يمسح منه الى الأسفل، و كذلك في كل واحدة من اليدين.

المسألة 886

يعتبر في التيمم- مع الاختيار- أن لا يوجد حائل يمنع وصول الأثر إلى اليدين في ضربهما على ما يتيمم به، و لا بين الماسح و الممسوح، و منه الخاتم في الكف فيجب نزعه للتيمم، و منه الشعر المتدلي من الرأس على الجبهة أو الجبين، فيجب رفعه حين المسح عليهما، سواء كان متعارفا أم زائدا على المتعارف.

المسألة 887

إذا كان على موضع المسح شعر و لم يكن خارجا عن المتعارف كفاه أن يمسح عليه كبعض الشعر الذي ينبت على ظاهر الكفين أو على الأصابع

كلمة التقوى، ج 1، ص: 266

أو قد ينبت على الجبهة أو على الجبين، و إذا كان خارجا عن المتعارف ففيه اشكال، و الأحوط لزوم ازالته.

المسألة 888

إذا كانت على العضو الماسح أو على العضو الممسوح جبيرة فلا يترك الاحتياط معها، فإذا كانت الجبيرة في باطن الكف جمع بين التيمم معها و التيمم مرة ثانية بالضرب بظاهر الكف و إذا كانت الجبيرة في العضو الممسوح جمع بين أداء الصلاة مع التيمم بها، و القضاء.

المسألة 889

الأحوط اعتبار طهارة الماسح و الممسوح مع الاختيار، فإذا كان باطن اليدين نجسا وجب تطهيره مع الإمكان، و ان لم يمكن ذلك، و لم تكن نجاسته مسرية الى ما يتيمم به، سقط اعتبار طهارته، فيضرب بباطن يديه و يمسح بهما، و كذلك إذا كانت نجاسة مسرية و أمكن تجفيفها، فيجف النجاسة أولا ثم يضرب بباطن اليدين و يمسح بهما.

و إذا كانت نجاسة باطن الكفين مسرية و لم يمكن تجفيفها ضرب بظاهر الكفين و تيمم.

و إذا كانت في باطن الكفين نجاسة لها جرم حائل و لم تمكن إزالتها فالأحوط أن يتيمم مع الضرب بباطن الكفين ثم يعيد التيمم مع الضرب بظاهرهما.

المسألة 890

إذا بقي شي ء من جبهته و جبينيه أو ظاهر كفيه لم يمسح عليه و لو كان قليلا بطل تيممه، سواء كان عامدا في ذلك أم ساهيا أم جاهلا، و إذا لم تفت الموالاة وجب عليه أن يأتي بالجزء المتروك و ببقية العضو مما هو أسفل منه ليحصل الترتيب في العضو و بذلك يصح تيممه، و إذا كان الجزء المتروك من الأعضاء المتقدمة أتى بعده بالأعضاء المتأخرة عنه ليحصل الترتيب بين الأعضاء.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 267

المسألة 891

إذا لم يتمكن المكلف من مباشرة التيمم بنفسه لشلل أو غير ذلك يممه غيره، فيضرب النائب بيدي المريض و يمسح بهما جبهته و جبينيه و ظاهر كفيه، و إذا لم يمكن الضرب بهما وضعهما على ما يتيمم به كما تقدم، و ان لم يمكن ذلك ضرب النائب بيده هو و مسح بهما وجه المريض و يديه، و كذلك يصنع في تيميم الميت إذا لم يمكن تغسيله.

المسألة 892

المدار في صدق المسح على وصول الأثر سواء كان العضو الماسح متحركا أم ثابتا و كذلك الممسوح فلا يتعين إمرار الماسح على الممسوح، و قد تقدم نظير ذلك في مسح الوضوء.

المسألة 893

لا يجب الاستمرار في مسح العضو في التيمم حتى يكمله، فإذا رفع يديه في أثناء مسح الوجه ثم وضعهما من غير فصل مخل و أتم المسح فالظاهر الصحة و كذلك في مسح ظهر الكف اليمنى و اليسرى.

المسألة 894

يكفي في التيمم- على الأقوى- أن يضرب على الأرض ضربة واحدة للوجه و اليدين، سواء كان التيمم بدلا عن الوضوء أم عن الغسل، و الأحوط استحبابا أن يضرب بيديه مرة و يمسح بها جبهته و يديه، ثم يضرب بهما مرة أخرى و يمسح بها يديه في كل من التيمم بدل الوضوء أو الغسل، و لا سيما في الثاني، و لكنه ليس بلازم.

المسألة 895

إذا شك في شي ء من أجزاء التيمم أو في تحقق شرط من شرائطه و كان شكه بعد الفراغ من التيمم بنى على الصحة، و كذلك إذا شك في الجزء الأخير منه بعد ما بنى على نفسه فارغا من التيمم، فيبني على الصحة أيضا كما في الوضوء و الغسل و الصلاة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 268

المسألة 896

إذا شك في بعض أجزاء التيمم أو شرائطه و كان في أثناء التيمم وجب عليه أن يأتي بالشي ء المشكوك و بما بعده من الأجزاء، سواء كان في محل الشي ء المشكوك أم بعد التجاوز عنه، و سواء كان التيمم بدلا عن الوضوء أم غيره.

المسألة 897

إذا علم بعد الفراغ من التيمم انه ترك جزءا منه، و تذكر ذلك قبل أن تفوت الموالاة وجب عليه أن يأتي بالجزء المتروك و بما بعده من الأجزاء، و إذا تذكره بعد أن فاتت الموالاة وجبت عليه اعادة التيمم، و إذا تذكر ذلك بعد الصلاة وجبت عليه إعادتها إذا كان في الوقت، و قضاؤها إذا كان بعد الوقت.

و كذلك الحكم إذا علم انه ترك شرطا من شروط التيمم.

و قد تقدم في شرط اباحة التراب و المكان أن الإخلال به لا يوجب الإعادة إلا مع العلم و العمد. فلتراجع المسألة الثمانمائة و الرابعة و الستون.

الفصل السادس و الأربعون في أحكام التيمم
المسألة 898

يشكل جواز التيمم للصلاة قبل حلول وقتها، و ان كان المكلف ممن وظيفته التيمم كما هو المفروض، نعم، إذا علم انه لا يتمكن من التيمم للفريضة بعد دخول وقتها، و انه يكون فاقدا للطهورين، فالأحوط له أن يتيمم قبل الوقت لغاية أخرى واجبة أو مندوبة كأن يتيمم لصلاة قضاء أو لصلاة نافلة، أو لغاية أخرى و يبقى على تيممه الى أن يدخل الوقت و يصلي الفريضة و تصح صلاته بذلك.

المسألة 899

إذا تيمم لفريضة أو نافلة بعد دخول وقتها، ثم دخل عليه وقت

كلمة التقوى، ج 1، ص: 269

صلاة أخرى، صح له أن يصليها بتيممه ما لم ينتقض بحدث أو يرتفع عذره الذي ساغ له التيمم من أجله، و كذلك إذا تيمم لغاية أخرى من غايات التيمم غير الصلاة.

المسألة 900

يجوز التيمم للصلاة في سعة الوقت إذا علم باستمرار العذر الذي من أجله ساغ له التيمم الى آخر الوقت أو يئس من زواله، و لا يجوز له ذلك إذا علم بأن العذر يزول في أثناء الوقت أو في آخره، و كذلك إذا احتمل زواله على الأحوط، و خصوصا مع رجاء زواله.

المسألة 901

إذا كان المكلف متيمما لوجود بعض المسوغات و دخل عليه وقت الصلاة فإن علم بأن العذر يستمر به الى آخر الوقت أو يئس من زوال العذر فيه جاز له أن يأتي بالصلاة في أول وقتها، و إذا علم بأن العذر يزول في الوقت لم يجز له ذلك حتى يتضيق الوقت، و ان كان تيممه صحيحا كما ذكرنا، و كذلك إذا احتمل زوال العذر في آخر الوقت على الأحوط كما تقدم في غير المتيمم سواء بسواء.

المسألة 902

الظاهر أن المراد من آخر الوقت الذي يجب تأخير التيمم أو الصلاة إليه هو أن يبقى من الوقت مقدار ما يؤدي به المكلف واجبات الصلاة و مستحباتها المتعارفة بما فيها من أذان و اقامة لا مطلق المستحبات.

المسألة 903

إذا اعتقد ضيق الوقت فتيمم و صلى، ثم استبان له سعة الوقت، فالظاهر بطلان الصلاة إلا إذا استمر العذر الى آخر الوقت فتكون الصلاة صحيحة.

و إذا اعتقد بأن العذر يستمر به الى آخر الوقت أو يئس من زواله في الوقت فتيمم أو كان متيمما فصلى مع سعة الوقت، ثم زال عذره في الوقت وجبت عليه إعادة الصلاة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 270

المسألة 904

يشكل جواز التيمم لصلاة القضاء، فالأحوط- ان لم يكن أقوى- تأخير القضاء الى زمان ارتفاع العذر، و إذا علم بأن العذر يستمر معه الى آخر العمر أو خاف مفاجاة الموت جاز له ذلك.

و إذا اعتقد ذلك فتيمم و أتى بصلاة القضاء ثم زال العذر كانت عليه اعادتها على الأحوط بل الأقوى.

المسألة 905

حكم النوافل المؤقتة هو حكم الفريضة المؤقتة فلا يتيمم لها في أول وقتها إلا إذا علم باستمرار العذر الى آخر الوقت أو يئس من زوال العذر.

و اما النوافل غير المؤقتة فيجوز التيمم لها مع وجود العذر.

المسألة 906

إذا تيمم المكلف لوجود بعض الأعذار التي تسوغ له التيمم و صلى، لم يجب عليه الإتيان بتلك الصلاة بعد ارتفاع العذر خارج الوقت، و إذا ارتفع عذره في أثناء الوقت وجبت عليه الإعادة كما تقدم.

و قد استثنى بعض الفقهاء من الحكم المذكور عدة موارد فحكم باستحباب الإعادة فيها:

أحدها: من منعه زحام الجمعة عن الخروج للوضوء و خاف فوت الصلاة جاز له التيمم لها، و لعل الأقوى وجوب الإعادة، و اما سائر الموارد التي ذكروها فالظاهر عدم الإعادة فيها.

المسألة 907

إذا كان المكلف ممن وظيفته التيمم، و تيمم لبعض الغايات التي يصح لها التيمم كان متطهرا ما دام عذره الذي جاز له التيمم من أجله- باقيا، و ما لم ينتقض تيممه بحدث، فيجوز له أن يأتي بكل عمل تشترط فيه الطهارة سواء كانت الغاية التي تيمم لها واجبة أم مندوبة، فإذا كان جنبا و تيمم لصلاة الليل مثلا صح له أن يصلي بتيممه صلاة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 271

الصبح، و صح منه صوم ذلك اليوم، و صح له دخول المسجد و الطواف و غير ذلك من الغايات، و كذلك الحائض و النفساء و ماس الميت.

و يستثنى من ذلك ما إذا كان العذر الذي سوغ له التيمم مختصا بتلك الغاية، و مثال ذلك التيمم للصلاة إذا ضاق وقتها عن الغسل أو الوضوء، فان تيممه لا يجوز له الدخول في غير تلك الصلاة من الصلوات أو الغايات، و قد تقدم ذكر ذلك في المسألة الثمانمائة و الثامنة و السبعين.

و منه التيمم لصلاة الجنازة لمن خاف فوت الصلاة عليها إذا هو توضأ لها أو اغتسل، فان هذا التيمم لا يبيح له غيرها من الأعمال المشروطة بالطهارة.

المسألة 908

يجب التيمم لكل ما يجب له الوضوء و الغسل من الغايات التي تقدم ذكرها في مبحث غايات الوضوء و الغسل، و يستحب لكل ما يستحب له أحدهما، حتى وضوء الحائض، و وضوء الجنب، و الوضوء التجديدي، و الكون على الطهارة، و كل ذلك مع وجود أحد المسوغات للتيمم و توفر شرائط صحته الآنف ذكرها.

و يشكل التيمم بدلا عن الوضوء للتهيؤ للصلاة قبل دخول وقتها، و قد تقدمت الإشارة إليه في المسألة الثمانمائة و الثامنة و التسعين.

المسألة 909

إذا تيمم المكلف بدلا عن الغسل كفاه تيممه عن الوضوء أو التيمم بدله، كما هو الحال في الغسل نفسه، من غير فرق بين غسل الجنابة و غيره من الأغسال الواجبة و المندوبة على الأقوى، و ان كان الأحوط الجمع بينه و بين الوضوء أو التيمم بدله في غير غسل الجنابة.

و هذا في غير الأغسال التي يؤتى بها برجاء المطلوبية، و أما هذه فلا بد معها من الوضوء أو التيمم بدله.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 272

المسألة 910

نواقض التيمم هي الأحداث التي ينتقض بها الوضوء و الغسل، و ينتقض التيمم أيضا بوجدان الماء لفاقد الماء، و بزوال العذر المسوغ للتيمم لصاحب العذر.

المسألة 911

إذا تيمم المكلف ثم وجد الماء أو زال العذر الذي سوغ له التيمم قبل أن يصلي، انتقض تيممه كما ذكرنا، فإذا فقد الماء أو تجدد له العذر قبل أن يصلي وجب عليه أن يتيمم لصلاته، إلا إذا كان الزمان الذي وجد فيه الماء أو زال فيه العذر قصيرا لا يسع الوضوء أو الغسل، أو كان وقت الصلاة ضيقا لا يسعهما، فالأقوى عدم انتقاض تيممه الأول في هاتين الصورتين، إلا إذا كان فقد الماء بتقصير منه فيجدد التيمم على الأحوط في الصورة الأولى منهما.

المسألة 912

إذا وجد الماء و هو في أثناء الصلاة لم يبطل تيممه و لا صلاته، و ان كان قبل الركوع من الركعة الأولى على الأقوى، و لكن الأفضل استئناف الصلاة مع الوضوء أو الغسل إذا وجد الماء قبل الركوع، و كذلك الحكم في النافلة.

المسألة 913

لا يلحق بالصلاة غيرها من الأعمال المشروطة بالطهارة، فإذا وجد الماء في أثناء العمل بطل التيمم و العمل و وجبت الإعادة و ان كان في الجزء الأخير منه.

المسألة 914

إذا لم يجد الماء لغسل الميت فيممه بدلا عن الغسل و كفنه و صلى عليه ثم وجد الماء وجب عليه تغسيله و اعادة تكفينه و حنوطه و الصلاة عليه، و كذلك الحكم إذا وجد الماء بعد الدفن فينبش القبر و يغسل الميت و يعاد تجهيزه إذا لم يستوجب ذلك هتكا لحرمة الميت.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 273

المسألة 915

إذا تيمم المكلف- لوجود بعض الأعذار التي تسوغ له التيمم مع وجود الماء- ثم زال عذره في أثناء صلاته، فلا يترك الاحتياط بأن يتم الصلاة ثم يعيدها مع الوضوء أو الغسل، سواء زال عذره بعد الركوع من الركعة الأولى أم قبله.

و هذا في ما إذا كان الوقت واسعا، و إذا كان ضيقا أتم الصلاة و لم يعدها، و كذلك إذا زال العذر في أثناء الصلاة، ثم تجدد عذره مرة أخرى، و كانت مدة زوال العذر الأول قصيرة لا تسع الوضوء أو الغسل، فالظاهر أن تيممه لا ينتقض في الصورتين، و قد تقدم نظيره قريبا.

المسألة 916

إذا وجد الماء في أثناء الصلاة لم يبطل تيممه كما ذكرناه آنفا، فإذا فقد الماء و هو في أثناء الصلاة أو بعد الانتهاء منها بلا فصل، و كانت مدة وجوده قصيرة لا تسع الوضوء أو الغسل، جاز له أن يصلي بتيممه صلوات أخرى ما لم ينتقض بحدث، و كذلك إذا كانت الفريضة التي وجد الماء في أثنائها مضيقة الوقت و ان كانت مدة وجود الماء تسع الطهارة، فلا ينتقض تيممه إذا كان الوضوء أو الغسل يتوقف على ابطال تلك الصلاة، و في غير هاتين الصورتين لا يترك الاحتياط بتجديد التيمم للصلوات الأخرى و ان لم يحدث.

و إذا كانت الصلاة التي وجد الماء في أثنائها نافلة، فالظاهر عدم الاكتفاء بالتيمم الأول، و لزوم تجديده للصلاة الأخرى بعدها.

المسألة 917

إذا كان المكلف متيمما بدلا عن الغسل ثم وجد من الماء ما يكفي الوضوء فحسب، لم ينتقض تيممه بذلك، و إذا تيمم ماس الميت أو الحائض مثلا تيممين للاحتياط، بطل بوجدان ذلك الماء ما هو بدل عن الوضوء، و لم يبطل ما هو بدل عن الغسل، فإذا أراد الاحتياط توضأ بالماء الموجود، و ان كان الأقوى عدم وجوبه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 274

و إذا وجد من الماء ما يكفي للغسل أو للوضوء اغتسل به و أغناه.

غسله عن الوضوء بل و أغناه تيمم الوضوء الذي أتى به سابقا عن تجديده للاحتياط.

المسألة 918

إذا تيمم المجنب بدلا عن الغسل، ثم أحدث بعده بالحدث الأصغر لم ينتقض بذلك تيممه عن الجنابة ما دام عذره باقيا، فلا تجب عليه اعادة التيمم بدلا عن الغسل، بل يجب عليه الوضوء من الحدث الأصغر إذا وجد من الماء ما يكفيه للوضوء، فان لم يجد ذلك وجب عليه التيمم بدلا عن الوضوء، الى أن يرتفع عذره فيجب عليه الغسل، و يكفيه عن الوضوء، و كذلك الحكم في الحائض و غيرها ممن عليه أحد الأحداث الكبرى.

و قد تكرر منا أن الأغسال كلها تغني عن الوضوء، و ان كان الأحوط الجمع بينها و بين الوضوء في غير غسل الجنابة، فان لم يجد ماءا كان التيمم بمنزلة الغسل، فيغني عن تيمم الوضوء و الأحوط الجمع، و هذا في غير الأغسال التي يؤتى بها برجاء المطلوبية.

المسألة 919

إذا اجتمعت أسباب عديدة للغسل، و لم يجد المكلف الماء أو كان معذورا عن استعماله، كفاه تيمم واحد عن الجميع، و لا يترك الاحتياط في أن يضم اليه تيمما آخر بدلا عن الوضوء إذا لم يكن معها غسل الجنابة.

المسألة 920

إذا تيمم بدلا عن أغسال عديدة، ثم تذكر أن بعض الأغسال التي نواها لم يكن موجودا، صح تيممه إذا كان بعض الأغسال موجودا و ان كان واحدا.

المسألة 921

إذا نوى التيمم بدلا عن غسل معين، ثم تذكر أن الغسل الذي تعلق

كلمة التقوى، ج 1، ص: 275

به الأمر غيره صح تيممه إذا قصد امتثال الأمر المتوجه بالتيمم و كان قصد ذلك الغسل من باب الاشتباه في التطبيق، و بطل تيممه إذا قصده على وجه التقييد، و تراجع المسألة الثمانمائة و الثمانون.

المسألة 922

إذا اتفق وجود جنب و ميت و محدث بالحدث الأصغر في موضع، و وجد من الماء ما يكفي لواحد منهم فقط، فان كان الماء مملوكا لأحدهم اختص به و لم يجز له أن يتبرع به للآخرين، و كذلك إذا كان الماء مملوكا لغيرهم، و أذن المالك باستعماله لواحد منهم على الخصوص فلا يباح لغيره.

و ان كان الماء مباحا، وجب على الثلاثة الاستباق لحيازة الماء، فإذا سبق إليه أحدهم اختص به، و إذا سبقوا اليه جميعا أو لم يمكنهم السبق اليه جميعا اختص به الجنب على الأحوط.

و كذلك إذا كان الماء مملوكا لغيرهم و أذن المالك لهم جميعا باستعماله.

المسألة 923

إذا كان الماء في المسألة المتقدمة ملكا للمحدث بالحدث الأصغر أو كان هو السابق اليه اختص به كما تقدم، فإذا توضأ بالماء و أمكن أن تجمع غسالته في إناء طاهر، صح أن يغتسل بها الجنب بعده، كما يجوز أن يغسل بها الميت إذا كانت كافية بذلك كما تقدم بيانه في فصل الماء المستعمل، و إذا كان السابق هو الجنب فقد تقدم الإشكال في غسالته، فإذا انحصر الماء بها جمع بين الطهارة منها و التيمم، و اما غسالة الميت فهي نجسة فلا يجوز استعمالها.

المسألة 924

إذا نذر المكلف صلاة نافلة في وقت معين و لم يجد الماء للطهارة لها، أو كان معذورا عن استعماله، وجب عليه التيمم لها بدلا عن الوضوء أو عن الغسل.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 276

و إذا نذر صلاة نافلة و لم يعين لها زمانا، وجب عليه الصبر الى ان يرتفع عذره فيتوضأ لها أو يغتسل و يصليها، و إذا يئس من زوال العذر تيمم و صلاها.

المسألة 925

لا يصح للوصي أو الولي أن يستأجر للصلاة عن الميت من وظيفته التيمم مع وجود من يقدر على الطهارة المائية، و إذا استأجر لها شخصا قادرا على ذلك ثم عجز الأجير عن استعمال الماء لم يكف أن يأتي بالصلاة مع التيمم مع سعة الوقت بل حتى مع ضيقه.

المسألة 926

إذا لم يجد المجنب ماءا فتيمم بدلا عن الغسل، ثم وجد الماء في مسجد و توقف الاغتسال به على دخول المسجد و المكث فيه مدة الغسل، جاز له أن يدخل المسجد بتيممه ذلك، و أن يمكث فيه للغسل، و لم ينتقض تيممه بالإضافة الى ذلك، و ان لم يجز له أن يأتي بغيره من الغايات، فلا يجوز له أن يمس خط المصحف مثلا و لا قراءة العزائم، و لا غيرهما مما يحرم على الجنب أو تشترط فيه الطهارة، و كذلك الحائض و النفساء، و قد تقدم نظير ذلك في فصل (مسوغات التيمم) و في (أحكام الجنب).

المسألة 927

إذا شك في وجود شي ء يمنع وصول الأثر في باطن الكفين أو ظاهرهما، أو في الجبهة أو الجبين، وجب عليه أن يفحص عن الحاجب حتى يحصل له العلم أو الظن بعدمه كما تقدم في الوضوء و الغسل.

المسألة 928

إذا نقش اسم اللّه على بعض أعضاء الإنسان أو غيره من أسمائه الخاصة أو آية من القرآن، فالأحوط محو ذلك النقش عن بدنه، فان لم يمكن محوه حرم عليه مسه و هو محدث، و إمرار اليد عليه في

كلمة التقوى، ج 1، ص: 277

الوضوء و الغسل، فيتوضأ أو يغتسل ارتماسا أو بإجراء الماء على العضو من غير مس.

و إذا لم يمكن ذلك كله تيمم لإحدى الغايات و جاز له مس ذلك الموضع بتيممه و يتوضأ بعد ذلك أو يغتسل، و إذا كان النقش في أحد أعضاء التيمم، سقطت عنه حرمة المس و جاز له الوضوء و الغسل، و جاز له التيمم إذا كانت وظيفته التيمم.

و الحمد للّه رب العالمين

كلمة التقوى، ج 1، ص: 279

كتاب الصلاة

اشارة

كلمة التقوى طبقا لفتاوى المرجع الديني الشيخ محمد أمين زين الدين دام ظله فَأَنْزَلَ اللّٰهُ سَكِينَتَهُ عَلىٰ رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوىٰ، وَ كٰانُوا أَحَقَّ بِهٰا وَ أَهْلَهٰا، وَ كٰانَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيماً.

العبادات

كلمة التقوى، ج 1، ص: 281

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه رب العالمين الرحمن الرحيم و أفضل صلواته و تسليماته على سيد أنبيائه محمد و آله المطهرين المنتجبين.

رَبَّنٰا أَتْمِمْ لَنٰا نُورَنٰا وَ اغْفِرْ لَنٰا إِنَّكَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 283

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم كتاب الصلاة و هي العبادة الكبرى التي أوجب اللّه المحافظة عليها في صريح كتابه و جعلها عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتٰاباً مَوْقُوتاً، و نعتها بأنها تَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ، وَ لَذِكْرُ اللّٰهِ أَكْبَرُ.

و هي عمود الدين، و أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فان صحت نظر في عمله، و ان لم تصح لم ينظر في

بقية عمله، كما يقول الرسول الكريم (ص)، و التي يقول (ص) فيها: ليس مني من استخف بصلاته، ليس مني من شرب مسكرا، لا يرد علي الحوض لا و اللّه، و يقول فيها أوصياؤه المعصومون من بعده (ع) لا تنال شفاعتنا من استخف بالصلاة.

و التي ورد عنهم (ع) فيها: صلاة فريضة خير من عشرين حجة، و حجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق منه حتى يفنى.

و كتاب الصلاة يشتمل على عدة فصول.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 285

الفصل الأول في أعداد الصلاة
المسألة الأولى

الصلوات الواجبة على المكلف سبع:

(1): الصلاة اليومية، و صلاة الجمعة، و قد عدها جماعة من الصلاة اليومية كذلك، فهي بديلة عن صلاة الظهر في يوم الجمعة إذا اجتمعت شرائطها.

(2): صلاة الآيات. (3): صلاة الطواف الواجب. (4): صلاة الأموات. (5): صلاة العيدين عند اجتماع شرائطها. (6): الصلاة التي يلتزمها الإنسان على نفسه بنذر أو بعهد أو بيمين أو بإجارة عن غيره. (7): الصلاة التي يجب قضاؤها على الولي مما قد فات الميت أيام حياته.

و الصلوات اليومية خمس، الظهر، و العصر، و المغرب، و العشاء، و الصبح، و يصلي المكلف كل واحدة من الظهر و العصر و العشاء أربع ركعات، إذا صلاها في الحضر أو ما هو في حكم الحضر، فإذا كان مسافرا غير مقيم صلاها ركعتين، و يصلي المغرب ثلاث ركعات، و الصبح ركعتين، سواء كان في سفر أم في حضر، فعدد الفرائض اليومية للحاضر سبع عشرة ركعة، و للمسافر إحدى عشرة ركعة.

المسألة الثانية:

النوافل الراتبة أربع و ثلاثون ركعة، ثماني ركعات منها للظهر، تصلى قبلها، و ثماني ركعات للعصر، تصلى قبلها كذلك، و أربع ركعات للمغرب، تصلى بعدها، و ركعتان من جلوس للعشاء، تصليان بعدها، و هما تعدان بركعة و تسمى بالوتيرة، و يجوز للمكلف أن يصليهما من قيام، بل هو أفضل، و لكن الجلوس فيهما أحوط، و ركعتان للفجر، تصليان قبل الفريضة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 286

و ثماني ركعات بعد منتصف الليل، و تسمى نافلة الليل، ثم ركعتا الشفع، و ركعة الوتر، فيكون مجموع نافلة الليل إحدى عشرة ركعة.

و تزاد في يوم الجمعة على نوافل الظهرين أربع ركعات، فيكون مجموع النافلة في نهار يوم الجمعة عشرين ركعة و سيأتي تفصيلها في المسألة السادسة ان شاء

اللّه تعالى.

و تسقط نافلة كل من الظهر و العصر في السفر، و لا تسقط فيه نافلة العشاء على الأقوى، و الأحوط أن يؤتى بها برجاء المطلوبية.

المسألة الثالثة:

يجب في النوافل كلها: أن يصليها الإنسان ركعتين ركعتين، فيفرد كل ركعتين منها بتسليم، الا الوتر من صلاة الليل، فهي ركعة واحدة، و الا صلاة الأعرابي فهي عشر ركعات بثلاثة تسليمات، و يستحب القنوت في جميع النوافل كما يستحب في الفرائض، و موضعه قبل الركوع من الركعة الثانية، حتى في صلاة الشفع على الأقوى، و ان كان الأحوط استحبابا أن يؤتى بالقنوت فيها برجاء المطلوبية، و كذا يستحب القنوت في صلاة الوتر و ان كانت ركعة واحدة.

المسألة الرابعة:

تستحب صلاة الغفيلة بين العشاءين، قبل ذهاب الشفق، و ليست من الرواتب على الأقوى، و هي ركعتان، يقرأ في الركعة الأولى منهما بعد الفاتحة: قوله تعالى وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنٰادىٰ فِي الظُّلُمٰاتِ أَنْ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ و يتم الركعة، و يقرأ في الركعة الثانية بعد الحمد قوله تعالى وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لٰا يَعْلَمُهٰا إِلّٰا هُوَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلّٰا يَعْلَمُهٰا وَ لٰا حَبَّةٍ فِي ظُلُمٰاتِ الْأَرْضِ وَ لٰا رَطْبٍ وَ لٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ ثم يقنت و يقول في قنوته: اللهم إني أسألك بمفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تفعل بي (و يذكر حاجته)،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 287

اللهم أنت ولي نعمتي و القادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحق محمد و آل محمد عليه و عليهم السلام لما قضيتها لي و يتم صلاته.

المسألة الخامسة:

تستحب بين العشاءين كذلك صلاة الوصية، و يأتي بها قبل ذهاب الشفق، و هي ركعتان يقرأ في الأولى منهما بعد الفاتحة سورة الزلزال ثلاث عشرة مرة، و في الثانية بعد الحمد سورة التوحيد خمس عشرة مرة، و يتم الصلاة.

المسألة السادسة:

تقدم أن مجموع النافلة النهارية في يوم الجمعة عشرون ركعة، و قد ذكرت لها في النصوص عدة كيفيات، فمنها ما روي عن الامام الرضا (ع) انه قال في ذلك: ست ركعات بكرة، و ست ركعات بعد ذلك، و ست ركعات بعد ذلك، و ركعتان بعد الزوال، فهذه عشرون ركعة.

و روي عنه (ع) في حديث آخر أنه قال: ست ركعات في صدر النهار، و ست ركعات قبل الزوال، و ركعتان إذا زالت، و ست ركعات بعد الجمعة، فذلك عشرون ركعة سوى الفريضة.

المسألة السابعة:

يجوز للمكلف أن يصلي النافلة جالسا حتى في حال الاختيار، من غير فرق بين النوافل اليومية الراتبة و غيرها، و يأتي بها أيضا- كما تقدم- كل ركعتين بسلام، و الأفضل مع الاختيار أن يحتسب كل ركعتين جالسا بركعة واحدة قائما، فتكون نافلة الظهر ست عشرة ركعة جالسا و كذلك نافلة العصر، و تكون نافلة المغرب ثماني ركعات، و تكون نافلة الليل ست عشرة ركعة و الشفع أربع ركعات و يأتي بالوتر مرتين، كل مرة ركعة مفردة، و تكون نافلة الصبح أربع ركعات.

و يجوز له أن يصلي ركعة من النافلة قائما و ركعة جالسا، بل و يجوز له أن يصلي بعض الركعة الواحدة جالسا و بعضها قائما، فيقرأ مثلا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 288

و هو جالس ثم يقوم فيأتي بالركوع قائما أو بالعكس، و إذا قرأ و هو جالس و أبقى من السورة بعض الآيات فقام و أتم السورة قائما ثم ركع عن قيام احتسب له فضل الصلاة قائما.

الفصل الثاني في أوقات الفرائض و النوافل
المسألة الثامنة:

لصلاتي الظهر و العصر وقت واحد تشتركان فيه، و هو من زوال الشمس الى غروبها، و لا اختصاص لصلاة الظهر بأول الوقت، و لا لصلاة العصر بآخره على الأقوى، نعم يجب تقديم صلاة الظهر على العصر لوجوب الترتيب بين الفريضتين، فإذا قام المكلف للصلاة في أول الوقت، فلا بد و أن تقع الظهر في أول الوقت، و إذا قدم العصر عليها عامدا وقعت العصر باطلة لعدم حصول الترتيب بين الفريضتين، لا لاختصاص الوقت بالظهر.

و إذا أخر المكلف الصلاة عامدا أو معذورا الى أن بقي من الوقت مقدار أداء إحدى الفريضتين وجب عليه أن يصلي العصر في ما بقي من الوقت، ثم يقضى صلاة الظهر بعد الوقت،

فإن الذي يظهر من الأدلة أن صلاة العصر في هذا المورد تكون أهم من صلاة الظهر، فتقديم العصر في آخر الوقت انما هو لأهميتها حسب ما يظهر من الأدلة، لا لاختصاص الوقت بها، و كذلك الأمر في صلاتي المغرب و العشاء، فأدلة اشتراك الفريضتين في جميع الوقت أقوى و أظهر.

المسألة التاسعة:

لصلاتي المغرب و العشاء وقت واحد تشتركان فيه، و هو من المغرب الشرعي الى نصف الليل للمختار، و لا اختصاص للمغرب بأول الوقت و لا للعشاء بآخره كما قلناه في صلاتي الظهر و العصر سواء بسواء.

و يمتد الوقت لغير المختار من المكلفين كالنائم و الناسي و الحائض و أمثالهم من المعذورين الى طلوع الفجر، و الأحوط لمن أخر الفريضتين

كلمة التقوى، ج 1، ص: 289

عن نصف الليل عامدا أن يصليهما قبل الفجر و لا ينوي بهما أداء و لا قضاء.

المسألة العاشرة:

وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر الصادق الى طلوع الشمس.

و وقت صلاة الجمعة من زوال الشمس يوم الجمعة و ينتهي على الأقوى بمضي زمان يسع خطبتيها، و ركعتيها كاملتين مع مستحباتها و تحصيل شرائطها، و هو معنى كون الجمعة مما ضيق فيه، كما ورد في بعض الأدلة، و أن وقتها ساعة تزول الشمس الى أن تمضي ساعة كما في بعضها الآخر.

المسألة 11

يبتدئ وقت فضيلة الظهر من أول زوال الشمس الى أن يبلغ الظل الحادث مثل طول الشاخص، سواء كان هذا الظل حادثا بعد انعدام الظل الأول كما في بعض المناطق، أم كان حادثا بعد انتهاء نقصانه كما في غالب البلاد.

و يبتدئ وقت فضيلة العصر على الأقرب بعد مضي مقدار أداء الظهر من الزوال، الى ان يبلغ طول الظل الحادث مثلي طول الشاخص.

و يبتدئ وقت فضيلة المغرب، من المغرب الشرعي الى أن يذهب الشفق، و هو الحمرة التي تكون في المغرب.

و يبتدئ وقت فضيلة العشاء من ذهاب الحمرة المغربية إلى ثلث الليل، و ما قبل ذهاب الحمرة وقت اجزاء لصلاة العشاء، و ما بعد ثلث الليل الى نصف الليل وقت اجزاء آخر لها.

و يبتدئ وقت فضيلة الصبح من طلوع الفجر الصادق الى أن يسفر الصبح و يتجلل الأسفار السماء.

المسألة 12

يبتدئ وقت نافلة الظهر من حين زوال الشمس، و يمتد الى آخر

كلمة التقوى، ج 1، ص: 290

وقت الإجزاء لصلاة الظهر على الأقوى، و يبتدئ وقت نافلة العصر من أول وقت العصر الى آخر وقت الأجزاء لها كذلك، و يبتدئ وقت نافلة المغرب بعد الفراغ من فريضة المغرب في أول وقتها، و يمتد الى أن يبقى عن نصف الليل مقدار أداء فريضة العشاء، و يبتدئ وقت نافلة العشاء، و هي صلاة الوتيرة من حين الفراغ من صلاة العشاء في أول وقتها و يمتد بامتداد وقتها، و يبتدئ وقت نافلة الفجر من أول ظهور الفجر الأول الكاذب، و يمتد الى طلوع الحمرة في المشرق.

و إذا صلى المكلف صلاة الليل جاز له أن يدخل فيها نافلة الفجر و ان كان قد أتى بها بعد منتصف الليل أو قدمها عليه لبعض

المسوغات كما سيأتي بيانه في المسألة السابعة و العشرين.

المسألة 13

إذا أردت معرفة الزوال في أول حدوثه، فانصب شاخصا معتدلا في أرض مبسوطة معتدلة، و أرصد ظل ذلك الشاخص قبل الزوال، فإنك تجد الظل يتناقص طوله كل ما ارتفعت الشمس الى أن يتناهى نقصانه عند وصول الشمس الى نصف النهار، و في بعض البلاد ينعدم الظل في بعض أيام السنة، لأن الشمس تسامت رؤوس أهل تلك البلد عند حلول الزوال في تلك الأيام.

فإذا مالت الشمس عن نصف النهار نحو الغرب، أخذ الظل بالزيادة، و هذا هو أول الزوال و أول وقت فضيلة صلاة الظهر، و أول وقت نافلة الظهر، فضع فيه علامة، فإذا زاد الظل من ذلك الموضع مقدار سبعين من طول الشاخص انتهى وقت نافلة الظهر على القول المشهور، و إذا زاد مقدار أربعة أسباعه انتهى وقت نافلة العصر.

و الأقوى أن وقت نافلة الظهر و وقت نافلة العصر لا ينتهيان بذلك بل يمتدان الى آخر وقت الأجزاء في الفريضتين كما ذكرنا في المسألة الثانية عشرة، نعم تقدم فريضة الظهر على نافلتها بعد مضي سبعي الظل للشاخص، و تقدم فريضة العصر على نافلتها بعد مضى أربعة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 291

أسباعه، و الأحوط استحبابا ان لا يتعرض في النافلتين إذا أتى بهما بعد ذلك لنية الأداء أو القضاء.

ثم أرصد ظل الشاخص، فإذا بلغ مجموع زيادة الظل الحادث بعد الزوال مثل الشاخص في الطول انتهى وقت فضيلة الظهر و إذا بلغ الى المثلين انتهى وقت فضيلة العصر.

(فائدة): إذا أردت معرفة أول الزوال بالساعة، (و هي الآلة المعروفة بين الناس لتحديد الوقت)، فاضبط ساعتك جيدا عند غروب الشمس، و انظرها عند طلوع الشمس صباحا كم ضبطت من

الساعات منذ غروب الشمس الى طلوعها، فاقسم ذلك نصفين، فان ذلك هو الوقت الذي تزول فيه الشمس ذلك اليوم في الساعة الغروبية فإذا وجدت الساعة قد قطعت منذ غروب الشمس الى طلوعها صباحا اثنتي عشرة ساعة مثلا، كما في أول أيام الربيع، و الخريف، فان الزوال يتحقق في ذلك اليوم في الساعة السادسة الغروبية و هي نصف الاثنتي عشرة التي ضبطتها الساعة.

و إذا وجدتها قد قطعت اثنتي عشرة ساعة و عشر دقائق فالزوال يكون في الساعة السادسة و خمس دقائق، و إذا قطعت اثنتي عشرة ساعة إلا عشر دقائق، فالزوال يتحقق قبل الساعة السادسة بخمس دقائق، و هكذا.

و إذا وجدتها قد قطعت أربع عشرة ساعة مثلا كما في أول أيام الشتاء، فان الزوال يكون في ذلك اليوم في الساعة السابعة في نفس تلك الساعة، و كذلك تنصف الدقائق إذا زادت على ذلك أو نقصت فتعرف الزوال بمقدار ما يعينه الحساب من الساعات و الدقائق المضبوطة.

و إذا وجدت الساعة قد قطعت عشر ساعات مثلا كما في أول أيام الصيف، فالزوال يتحقق في ذلك اليوم في الساعة الخامسة بتلك الساعة و كذلك الدقائق التي تزيد عليها أو تنقص.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 292

و الشرط الأساس في هذا الطريق هو الساعة الغروبية التي يكون ابتداء سيرها من غروب الشمس كل يوم، و الشرط الثاني هو ضبط الآلة في تحديد الوقت و الاطمئنان من صحة ضبطها.

المسألة 14

إذا غربت الشمس حدثت في المشرق حمرة تسمى الحمرة المشرقية، ثم تأخذ هذه الحمرة بالارتفاع قليلا قليلا عن الأفق الشرقي كلما ازدادت الشمس اختفاء وراء الأفق الغربي، فإذا زالت هذه الحمرة من تمام ربع الفلك من طرف المشرق كان هذا أول المغرب الشرعي

على الأقوى، و يعرف ذلك بأن يقف الإنسان مقابلا للجنوب ثم ينظر جهة المشرق إلى قمة الرأس، فإذا وجد الظلام قد عم الجهة و لم يبق من الحمرة شي ء فهو أول المغرب.

و نصف الليل هو منتصف الزمان ما بين غروب الشمس و طلوع الفجر على الأصح، و أيسر طريق لمعرفة انتصاف الليل هو الساعة المضبوطة، فإذا علم الإنسان بساعته أن المدة بين الغروب و طلوع الفجر كذا ساعة و كذا دقيقة، نصف المجموع و كان النصف منه هو منتصف الليل، فإذا كانت المدة ما بينهما عشر ساعات لا أكثر، فنصف الليل هو تمام الساعة الخامسة بتلك الساعة و إذا زادت على ذلك بعض الدقائق أو نقصت، نصف الدقائق الزائدة أو الناقصة كما تقدم في طريق معرفة الزوال، و هكذا إذا زادت الساعات و الدقائق عن ذلك أو نقصت.

أما انحدار النجوم التي تطلع وقت غروب الشمس عن خط نصف الليل إلى جهة الغرب و أمثاله فهي علامات تقريبية، و لا تتيسر معرفتها الا لبعض الخاصة العارفين بالنجوم و أوقات طلوعها، و لا يحصل العلم بانتصاف الليل بها الا بعد مدة يتبين فيها انحدار النجم، على انها محتاجة إلى معرفة خط نصف الليل ليعرف انحدار النجم عنه.

المسألة 15

الفجر الصادق هو البياض الذي يظهر معترضا في الأفق في ناحية

كلمة التقوى، ج 1، ص: 293

المشرق، و هو لا يحتاج إلى علامة تميزه، فكلما تأمله الناظر ازداد وضوحا حتى يعم و ينتشر، و يظهر قبله الفجر الكاذب، و هو بياض مستطيل يظهر من الأفق متصاعدا الى السماء كالعمود، و قد شبه في الروايات بذنب السرحان، لأن خطوط البياض فيه منتشرة غير متصل بعضها ببعض فتبدو مع خطوط السواد ما

بينها كأنها شعر ذنب السرحان و هو الذئب.

المسألة 16

إذا صلى الإنسان صلاة العصر في أول وقت الظهرين ناسيا أو غافلا، و لم يتذكر حتى أتم العصر صحت صلاته على الأصح من اشتراك الفريضتين من أول الوقت الى آخره، و يجب عليه أن يأتي بالظهر بعدها، و كذلك الحكم في صلاة العشاء إذا أتى بها ناسيا أو غافلا في أول وقت العشاءين و لم يتذكر حتى أتمها، فتكون صحيحة و عليه أن يأتي بالمغرب بعدها لعدم الاختصاص في الوقت بناء على ما هو الأقوى.

و إذا أخر صلاة الظهرين عامدا أو ناسيا حتى تضيق الوقت و لم يبق منه الا مقدار أداء أربع ركعات فإنه يجب عليه ان يصلي العصر لأهمتيها كما قلنا في المسألة الثامنة، و لكنه إذا نسي فصلى الظهر و تذكر بعد ان أتم الصلاة كانت صحيحة على الأقوى، و وجب عليه قضاء صلاة العصر، و مثله الحكم في المغرب و العشاء إذا أخرهما حتى تضيق الوقت ثم قدم المغرب ناسيا.

المسألة 17

إذا قطع المكلف بدخول الوقت أو اعتمد على أذان ثقة عارف أو على شهادة بينة فصلى الظهر حتى أتمها، ثم تبين له بعد إتمامها أنه قد صلاها قبل دخول الوقت، فان كان قد دخل الوقت عليه قبل أن يتم صلاة الظهر و لو قبل التسليم منها كانت صحيحة، و جاز له أن يأتي بعدها بالعصر، و ان لم يدخل الوقت حتى أتم الظهر كانت باطلة، فعليه أن يعيدها ثم يصلي العصر بعدها، و مثله الحكم في المغرب و العشاء إذا وقع مثل هذا الفرض.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 294

المسألة 18

يجب الترتيب بين صلاتي الظهر و العصر، و بين المغرب و العشاء، فيأتي بالأولى من الفريضتين قبل الثانية، فإذا قدم العصر عامدا كانت باطلة، و إذا قدمها ساهيا أو ناسيا و لم يتذكر الا بعد الفراغ منها صحت عصرا، سواء كان في أول الوقت أم بعده، و عليه أن يصلي الظهر بعدها، و كذلك إذا قدم صلاة العشاء على المغرب، و قد تقدم بيان ذلك.

و إذا قدم صلاة العصر على الظهر ناسيا و تذكر في أثناء الصلاة، وجب عليه أن يعدل بنيته الى الظهر، فإذا عدل إليها صحت، و عليه أن يتمها و يصلي العصر بعدها.

و كذلك إذا قدم العشاء على المغرب، و تذكر في موضع يصح فيه العدول، وجب عليه أن يعدل بنيته الى المغرب و يسلم على الثالثة، و إذا تذكر بعد القيام إلى الركعة الرابعة عدل الى المغرب، و جلس من قيامه و تشهد و سلم، و صحت صلاته، ثم سجد للسهو عن القيام الزائد إذا تلبس معه بقراءة أو تسبيح، و الأحوط استحبابا السجود له مطلقا، و إذا تذكر بعد الركوع في

الركعة الرابعة فالأحوط أن يتمها عشاء ثم يأتي بالمغرب و يعيد العشاء بعدها.

المسألة 19

إذا حاضت المرأة بعد أن مضى من وقت الظهر مقدار أربع ركعات و لم تصلها وجب عليها قضاء صلاة الظهر بعد انتهاء الحيض، و الأحوط لزوما قضاء صلاة العصر أيضا. و إذا طهرت من حيضها و قد بقي من الوقت مقدار خمس ركعات أو أكثر وجب عليها أن تأتي بصلاة الظهر و العصر كلتيهما، فإذا لم تصلهما في الوقت وجب عليها قضاؤهما، و إذا بقي من الوقت مقدار اربع ركعات فقط وجب عليها أن تأتي بالعصر، فإن هي لم تأت بها في الوقت وجب عليها قضاؤها و كذلك الحكم في العشاءين.

و إذا كانت مسافرة أدركت صلاة الظهرين بإدراك ثلاث ركعات من الوقت، و أدركت العشاءين بإدراك أربع ركعات، فإذا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 295

هي لم تصلهما وجب عليها قضاؤهما، و إذا أدركت مقدار ركعتين من آخر الوقت وجبت عليها الثانية، فان لم تأت بها في الوقت وجب قضاؤها، و إذا أدركت مقدار ركعتين من أول وقت الظهر و لم تصلها قضت صلاة الظهر بعد انتهاء الحيض، و الأحوط لزوما قضاء العصر كما تقدم في الحضر.

المسألة 20

إذا شرع المكلف في صلاة فريضة ثم تذكر في أثناء الصلاة انه قد صلاها، لم يجز له أن يعدل بالنية الى الفريضة التي بعدها، بل يجب عليه أن يقطع هذه الصلاة و يشرع في الفريضة اللاحقة من أولها، و مثال ذلك ان يبتدئ بصلاة الظهر و يتذكر قبل أن يتمها انه قد صلى الظهر من قبل، أو يبتدئ بصلاة المغرب، و يتذكر في أثنائها انه قد أتى بها، فعليه أن يقطع الفريضة التي بيده، و يبتدئ الفريضة الثانية من أولها، و هكذا الحكم في كل فريضة سابقه فلا يجوز

العدول منها إلى اللاحقة بعدها.

و إذا شرع في صلاة العصر ثم ذكر في أثنائها انه لم يصل الظهر قبلها، وجب عليه أن يعدل فينوي ما بيده ظهرا و يتمها كذلك، و مثله إذا شرع في صلاة العشاء و تذكر و هو فيها انه لم يصل المغرب، و في كل صلاة لاحقة في الترتيب إذا ابتدأ بها، ثم تذكر و هو في أثنائها أنه لم يأت بالصلاة السابقة عليها، فعليه أن يعدل بالنية إلى الصلاة السابقة و يتمها و تكون صحيحة مجزية، ثم يأتي باللاحقة بعدها.

المسألة 21

يستحب التفريق بين الظهر و العصر، و بين المغرب و العشاء و المراد بالتفريق المستحب أن يفرق بين الظهرين بأداء النافلة بينهما، و أن يفرق بين العشاءين بالإتيان بكل واحدة منهما في وقت فضيلتها، و لا دلالة في النصوص على غير ذلك، و قد تقدم ان فضيلة العصر تبتدئ بعد أداء الظهر من أول الزوال و تلاحظ المسألة الحادية عشرة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 296

المسألة 22

يستحب للمكلف التعجيل في الصلاة سواء أداها في وقت فضيلتها أم في وقت اجزائها فكلما قرب الأداء من أول الوقت فهو أفضل، و سيأتي في المسألة الحادية و الثلاثين ذكر المستثنيات من ذلك. و يستحب الغلس بصلاة الصبح، و هو أن يؤتى بها حال ظلمة الوقت و قبل الاسفار.

المسألة 23

إذا أدرك المكلف ركعة من الفريضة قبل أن يخرج وقتها كانت أداء و وجب عليه الإتيان بها كذلك، و لا يجوز له أن يؤخرها عامدا الى ذلك الوقت، و إذا أتى بها كذلك كان عاصيا و آثما بالتأخير و كانت صلاته أداء و صحيحة.

المسألة 24

يجوز تقديم نافلتي الظهر و العصر على الزوال في غير يوم الجمعة، إذا علم بعدم تمكنه من الإتيان بها في وقتها، و تقديمها من باب التعجيل فلا يكون أداء و لا قضاء، و أما النافلة في يوم الجمعة فقد تقدم ذكرها في المسألة السادسة.

المسألة 25

إذا أتى الإنسان بنافلة الفجر ثم نام بعدها استحب له أن يعيدها سواء كان قد أتى بها في وقتها أم قبله.

المسألة 26

يبتدئ وقت نافلة الليل من نصف الليل الى طلوع الفجر الثاني، و أفضله وقت السحر، و لعله أقل من ثلث الليل الأخير، و أفضل السحر ما قرب من الفجر.

المسألة 27

يجوز لمن يشق عليه القيام لنافلة الليل في وقتها، لغلبة النوم كالشاب و نحوه أن يقدم النافلة على نصف الليل، و كذلك ذوو الأعذار الأخرى كالشيخ، و المريض، و الضعيف، و من يخشى البرد، أو يخشى الاحتلام،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 297

و المسافر الذي يخاف فوت النافلة في وقتها لاشتغاله بحركة السفر في ذلك الوقت، فيجوز لهم تقديم النافلة على منتصف الليل و ينوون بها التعجيل لا الأداء.

المسألة 28

إذا صلى أحد ذوي الأعذار المذكورين نافلته قبل نصف الليل ثم انتبه في وقتها لم تستحب له إعادتها.

المسألة 29

يستحب قضاء نافلة الليل لمن فاتته في وقتها، و إذا تردد أمر صاحب العذر بين أن يقدم نافلة الليل على وقتها و أن يأتي بها بعد الوقت قضاء فالقضاء أفضل.

المسألة 30

إذا صلى الرجل من نافلة الليل أربع ركعات ثم تخوف أن يفاجئه طلوع الفجر قبل إتمام النافلة، فالأفضل له أن يقدم صلاة الوتر ثم ركعتي الفجر، فإذا طلع عليه الفجر صلى الفريضة و قضى باقي الركعات بعدها، و ان لم يطلع الفجر صلى من النافلة ما وسع الوقت، فإذا بقي منها شي ء أتى به قضاء بعد الفريضة.

و إذا صلى منها أربع ركعات أو أكثر و طلع الفجر أتم النافلة مخففة ثم صلى الفريضة.

و إذا ظهر الفجر و قد شرع في النافلة بركعة أو ركعتين أتم ما بيده منها، و أتى بعده بركعتي الفجر، ثم صلى الفريضة، و قضى بقية النافلة بعدها.

و إذا طلع الفجر و لم يتلبس من النافلة بشي ء صلى نافلة الفجر و صلى بعدها الفريضة ثم قضى النافلة، و كل ما ذكر انما هو لتحصيل ما هو أفضل، و الا فيجوز له إذا طلع الفجر أن يصلي صلاة الليل و الوتر و ركعتي الفجر قبل الفريضة ما لم يخرج وقت فضيلتها و لم يتخذ ذلك عادة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 298

المسألة 31

تقدم في المسألة الثانية و العشرين انه يستحب للمكلف التعجيل في الصلاة، سواء أداها في وقت فضيلتها أم في وقت اجزائها، و قد استثني من ذلك عدة موارد:

(أحدها) من يريد صلاة نافلتي الظهر و العصر قبل الفريضتين، فإنه يؤخر الفريضتين حتى يصلي النافلة، و كذلك يؤخر صلاة الفجر الى أن يصلي نافلتها إذا لم يكن قد صلى النافلة قبل ذلك.

(ثانيها): من كانت عليه فريضة فائتة، فإنه يستحب له أن يصليها قبل الفريضة الحاضرة إذا كان وقت الحاضرة موسعا.

(ثالثها): من صلى من نافلة الليل أربع ركعات أو أكثر، ثم طلع عليه الفجر، فإنه

يستحب له أن يؤخر الفريضة و يتم النافلة مخففة كما تقدم في المسألة السابقة.

(رابعها): من كان يدافع الريح أو الغائط أو البول، كرهت له الصلاة في تلك الحال، فيؤخر صلاته حتى يزيل هذه العوارض.

(خامسها): من لم يكن له توجه إلى الصلاة لبعض الطواري، فيؤخر صلاته حتى يحصل له الإقبال عليها.

(سادسها): من ينتظر صلاة الجماعة، أو ينتظر كثرة المصلين فيها، فإن الأفضل له التأخير لذلك، سواء كان إماما أم مأموما، و سواء كان التأخير قليلا أم كثيرا، إلا إذا عد تفريطا و تساهلا، و كذلك من يريد الصلاة في المسجد فالأفضل له تأخير صلاته حتى يصل الى المسجد إلا إذا كان التأخير مفرطا.

(سابعها): المكلف يؤخر صلاة العشاء الى أن يدخل وقت فضيلتها و هو ما بعد ذهاب الحمرة في المغرب و أما العصر فقد تقدم ان فضيلتها تبتدئ بعد أداء صلاة الظهر في أول الزوال، نعم يستحب تأخيرها لمن يريد صلاة النافلة قبلها و قد تقدم ذكره في المورد الأول.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 299

(ثامنها): من يخشى شدة الحر في الظهيرة فإنه يستحب له أن يؤخر صلاة الظهر ليبرد بها.

(تاسعها): من أفاض من عرفات، فإنه يستحب له ان يؤخر صلاة المغرب و العشاء الى أن يصل الى المشعر الحرام و ان كان التأخير إلى ربع الليل أو الى ثلثه.

(عاشرها): من كان صائما و تاقت نفسه إلى الإفطار أو كان في انتظاره أحد ليفطر معه فإنه يؤخر صلاة المغرب الى ما بعد الإفطار.

(حادي عشرها): المستحاضة الكبرى تؤخر المغرب الى آخر فضيلتها لتجمع بينها و بين العشاء في أول فضيلتها بغسل واحد، و اما الظهر و العصر فقد تقدم بيان فضيلة العصر، فلا تحتاج المستحاضة إلى تأخير الظهر

لإدراك الفضيلتين.

(ثاني عشرها): المربية للصبي إذا لم يكن لها غير ثوب واحد، فإنها تغسل ثوبها في اليوم مرة واحدة من بول الصبي، و لذلك فالأحوط لها أن تؤخر صلاة الظهرين لتجمع ما بينهما و بين العشاءين بعد غسل الثوب.

(ثالث عشرها): من كان حكمه التيمم و هو يحتمل زوال العذر الذي سوغ له التيمم أو هو يرجو زواله في آخر الوقت فالأحوط له لزوم التأخير حتى يحصل له اليأس من زوال العذر و خصوصا في الصورة الثانية، و كذا الحكم في غيره من أهل الأعذار على الأقوى.

(رابع عشرها): ذكر بعض الفقهاء موردا آخر و هو المسافر المستعجل في سفره، فيجوز له تأخير صلاة المغرب الى ربع الليل أو الى ثلثه كما ذكر في نصوص المورد.

و ظاهر النصوص المذكورة انما هو جواز التأخير، بل يستفاد من بعضها جواز التأخير في غير ذلك كقول الامام الصادق (ع): إذا كان أرفق بك و أمكن لك في صلاتك و كنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل، و هذا غير رجحان التأخير و استحبابه كما في الموارد المتقدمة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 300

المسألة 32

إذا فاتت المكلف بعض الفرائض استحب له أن يعجل في قضائها و أن يقدمها على الفريضة الحاضرة إذا كان وقتها موسعا كما أشرنا إليه في المورد الثاني من المسألة المتقدمة، و إذا فاتته بعض النوافل الراتبة استحب له أن يقضيها و أن يعجل في قضائها، و الأفضل أن يقضى النوافل الليلية ليلا و النوافل النهارية نهارا.

المسألة 33

يجب على المسلوس و المبطون و صاحب الجبيرة و غيرهم من أصحاب الأعذار أن يؤخروا الصلاة الواجبة عن أول وقتها إذا كان العذر الموجود لديهم مما يرجى أو يحتمل زواله في الوقت، حتى المتيمم على الأحوط و قد ذكرنا ذلك هنا في المسألة الحادية و الثلاثين و في مبحث التيمم و غيره.

و إذا أتى المعذور بصلاته العذرية في أول وقتها برجاء استمرار العذر و تحقق منه قصد القربة في صلاته ثم استمر عذره الى آخر الوقت صحت صلاته و لم يعدها.

المسألة 34

إذا كان المكلف غير متطهر للصلاة أو كان فاقدا لبعض شرائطها كطهارة البدن أو الستر أو طهارة الثياب، أو غير ذلك من المقدمات الواجبة في الصلاة وجب عليه تأخير الصلاة عن أول وقتها حتى تحصل له مقدماتها.

المسألة 35

إذا كان المكلف جاهلا بنفس أجزاء الصلاة و شرائطها، و مثال ذلك أن يكون جاهلا كيف يتوضأ أو كيف يغتسل، أو كيف يركع و يسجد، أو ماذا يقول في قيامه و ركوعه و سجوده و تشهده، وجب عليه أن يؤخر صلاته عن أول وقتها حتى يتعلم أجزاء الصلاة و شرائطها فإنه لا يتمكن من أن يأتي بالصلاة الصحيحة قبل ذلك.

و إذا كان عارفا بأجزاء الصلاة و شرائطها و لكنه يجهل أحكامها، فإن كان ممن يمكنه الاحتياط فيها جاز له التعجيل بالصلاة في أول وقتها،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 301

فيأتي فيها بما يوافق الاحتياط و يتقرب بها الى اللّه.

و ان لم يمكنه الاحتياط و كان ممن يمكنه أن يشرع في الصلاة بقصد امتثال الأمر المحتمل، فإذا عرض له شك في صلاته أو سهو أو غيرهما من الفروض ذوات الأحكام أتى ببعض ما يحتمل من الحكم في ذلك رجاء، بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الفراغ من الصلاة، فإن وجد ما أتى به مطابقا للواقع أو لفتوى من يقلده بنى عليه، و ان وجده مخالفا أعاده، جاز له الدخول في الصلاة كذلك و أتم صلاته و اكتفى بها إذا هي وافقت الواقع أو وافقت فتوى من يقلده، و أعادها إذا خالفت.

و ان لم يمكنه الاحتياط و لم يستطع العمل على الوجه المذكور لم تصح منه الصلاة و وجب عليه التأخير حتى يتعلم الأحكام، و الأحوط التأخير مطلقا و خصوصا في

الأحكام الغالبة الاتفاق.

المسألة 36

يجب تأخير الصلاة إذا زاحمها واجب فوري أو أهم مضيق، و مثال ذلك أن يبتلي المكلف في وقت صلاته بنجاسة تلوث المسجد أو المصحف فتجب عليه إزالتها و تطهير المسجد أو المصحف منها، أو يبتلي بالخوف على نفس محترمة من حرق أو تلف، فيجب عليه انقاذها. أو يبتلي بدين يطالبه الغريم بوفائه و هو قادر على ذلك، فيجب عليه أداؤه أو نحو ذلك، فيجب عليه تأخير الصلاة إذا كان وقتها موسعا حتى يأتي بذلك الأمر المزاحم للصلاة.

و إذا ترك المكلف ذلك الواجب و بادر إلى الصلاة كان عاصيا و آثما، و كانت صلاته صحيحة مجزية.

المسألة 37

النافلة إما راتبة و هي النوافل اليومية و قد ذكرناها على وجه الاجمال و بينا أعدادها و أوقاتها، و اما ذات سبب، و هي التي ثبت استحبابها بدليل خاص في بعض الأوقات أو لبعض الأفعال أو لغير ذلك، كصلاة الطواف المندوب و صلاة الزيارة، و تحية المسجد، و الصلوات المستحبة في الليالي و الأيام و غير ذلك مما يعسر حصره.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 302

و اما مبتدأة و هي التي ثبت استحبابها بالعمومات الدالة على استحباب مطلق الصلاة، و انها خير موضوع فمن شاء أقل و من شاء أكثر.

المسألة 38

ذكر جماعة من الفقهاء قدس اللّه أسرارهم، انه يكره للمكلف أن يبتدئ النافلة في خمسة أوقات:

(1): بعد أن يصلي المكلف فريضة الصبح حتى تطلع الشمس.

(2): بعد أن يصلي صلاة العصر حتى تغرب الشمس.

(3): حين تطلع الشمس حتى ينبسط شعاعها و يعم.

(4): حين تكون الشمس في وسط السماء حتى يكون الزوال.

(5): قبيل غروب الشمس.

و إذا كان المكلف قد ابتدأ في النافلة من قبل فدخل عليه أحد هذه الأوقات و هو في أثنائها، لم يكره له إتمامها، هكذا قالوا ره.

و الظاهر انه لا كراهة في النوافل الراتبة (و هي القسم الأول): فيجوز أن يأتي المكلف بها في أي جزء من أجزاء أوقاتها و ان اتفق في أحد هذه الأوقات الخمسة، كما إذا أتى بنافلة الظهرين بعد صلاة العصر و قبيل الغروب، و كما إذا آخر نافلة الصبح عن صلاة الفريضة، و كذلك إذا فات بعض هذه النوافل فلم يأت به في وقته، فلا كراهة في أن يقضيه في أي وقت من الأوقات.

و اما النوافل ذوات السبب و النوافل المبتدأة، ففي ثبوت الكراهة في الإتيان بها في هذه الأوقات

إشكال.

الفصل الثالث في أحكام الأوقات
المسألة 39

لا تجوز للمكلف الصلاة قبل الوقت، فإذا شرع فيها قبل الوقت وقعت باطلة، سواء أتمها كذلك أم دخل عليه الوقت في أثنائها عدا الفرض الذي

كلمة التقوى، ج 1، ص: 303

تقدم ذكره في المسألة السابعة عشرة و سيأتي بيانه كذلك في المسألة الثالثة و الأربعين.

المسألة 40

لا بد من العلم بدخول الوقت، فلا تصح الصلاة لمن يشك في دخول الوقت، و لا لمن يظن دخوله إذا كان الظن غير معتبر شرعا، كما إذا اعتمد على بعض القرائن التي أوجبت له الظن أو حصل له ذلك من قول قائل، و إذا صلى كذلك و قصد بصلاته القربة و أتم الصلاة ثم انكشف له بعد ذلك ان جميع صلاته قد وقع بعد دخول الوقت كانت صحيحة، و إذا انكشف له ان بعض صلاته وقع في الوقت أو أن جميع صلاته وقع قبل الوقت أو لم ينكشف له شي ء كانت صلاته باطلة.

المسألة 41

يصح الاعتماد على شهادة البينة العادلة بدخول الوقت، و على أذان الثقة العارف بالوقت و ان لم يكن عدلا، و يشكل جواز الاعتماد على اخبار العدل الواحد بدخوله.

المسألة 42

إذا صلى المكلف غافلا عن وجوب تحصيل العلم بالوقت حتى أتم الصلاة، فإن تبين له أن جميع صلاته أو بعضها قد وقع قبل الوقت كانت باطلة و وجبت عليه اعادتها، و كذلك إذا لم تتبين له الحال، و إذا انكشف له أن جميع صلاته وقع بعد دخول الوقت كانت صحيحة.

المسألة 43

إذا حصل له العلم بدخول الوقت أو شهدت له البينة بدخوله أو سمع أذان الثقة العارف بالوقت، فصلى اعتمادا على ذلك ثم انكشف له أن جميع صلاته قد وقع قبل الوقت وجبت عليه اعادتها، و ان انكشف له ان الوقت قد دخل في أثناء صلاته و لو قبل التسليم منها كانت صحيحة، سواء انكشف له ذلك بعد فراغه من الصلاة أم في أثنائها، و إذا علم و هو في الصلاة ان الوقت لم يدخل الى الآن، و لكنه سيدخل عليه قبل أن يتم الصلاة كانت صلاته باطلة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 304

المسألة 44

لا يكفي الظن بدخول الوقت حتى لذوي الأعذار كالأعمى و المحبوس و شبههما على الأحوط، و حتى مع وجود مانع من استعلام الوقت كالغيم و الغبار الشديد، فلا بد من تأخير الصلاة حتى يعلم بدخول الوقت على الأحوط.

المسألة 45

إذا علم المكلف بدخول الوقت فصلى، ثم تبدل قطعه بالشك لم تصح صلاته، سواء تبدل قطعه بالشك في أثناء الصلاة أم حصل له بعد الفراغ منها فتجب عليه الإعادة إلا إذا علم بدخول الوقت عليه و هو في الصلاة و لو قبل التسليم كما تقدم، و إذا حصل له الشك في أثناء الصلاة لم يحكم بصحة صلاته إلا إذا كان علمه بدخول الوقت عليه في الصلاة قد حصل له مقارنا مع الشك المذكور، و إذا تأخر عنه فلا بد من الإعادة.

المسألة 46

يجب تقديم الظهر على العصر و تقديم المغرب على العشاء، فإذا قدم العصر عامدا وقعت باطلة و وجبت عليه اعادتها بعد الظهر و كذلك إذا قدم العشاء عامدا على المغرب.

و إذا قدم العصر أو العشاء على سابقتها و هو جاهل بالحكم، فان كان حال امتثاله مترددا في الحكم بطلت صلاته و وجبت عليه اعادتها بعد الإتيان بالسابقة، و ان كان جاز ما في امتثاله غير متردد فالظاهر الصحة.

المسألة 47

إذا اعتقد انه قد اتى بالظهر فصلى العصر، ثم تذكر انه لم يصل الظهر، فان تذكر ذلك و هو في أثناء الصلاة عدل بنيته الى الظهر، فإذا عدل إليها و أتمها صحت و ان كان في الوقت المختص، و إذا تذكر ذلك بعد إتمام صلاته صحت عصرا و ان كان في الوقت المختص كذلك.

و مثله الحكم إذا قدم العصر على الظهر غافلا، فيجري فيه التفصيل المتقدم.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 305

و كذلك الحكم في العشاء إذا قدمها غافلا أو معتقدا انه صلى المغرب قبلها و تذكر بعد الفراغ منها فتصح العشاء و يجب عليه الإتيان بالمغرب، و إذا تذكر ذلك و هو في أثناء الصلاة عدل الى المغرب إذا كان قبل الدخول في الركوع من الركعة الرابعة و أتمها مغربا، و إذا تذكر بعد الدخول في ركوع الرابعة أتمها عشاء ثم صلى المغرب و أعاد بعدها العشاء على الأحوط و قد تقدم ذلك في المسألة الثامنة عشرة.

المسألة 48

إذا ابتدأ المكلف في قضاء فريضة فائتة و تذكر فائتة أخرى قبلها وجب عليه العدول بنيته إلى السابقة إذا كان الترتيب بين الفائتتين واجبا كالظهرين و العشاءين من يوم واحد، ثم لا يترك الاحتياط بإعادة السابقة بعد أن يتمها إذا عدل إليها من اللاحقة، و تلاحظ المسألة الثلاثمائة و السابعة و الستين في ما يتعلق بالفوائت التي لا يجب الترتيب في أدائها.

المسألة 49

إذا شرع المكلف في صلاة احتياطية ثم تذكر سابقه عليها لم يكف العدول عن تلك الصلاة الاحتياطية في براءة الذمة من السابقة التي عدل إليها، و ان كانت احتياطية أيضا سواء كان الاحتياط وجوبيا أم استحبابيا، و سواء كانت الصلاتان حاضرتين أم فائتتين أم مختلفتين فلا بد من الإعادة على الترتيب إذا كان الترتيب بينهما واجبا.

المسألة 50

العدول هو أن ينوي أن الصلاة التي بيده هي الصلاة السابقة بجميع أجزائها ما مضى منها و ما يأتي ثم يرتب على ذلك سائر الآثار من جهر و إخفات و عدد ركعات و غير ذلك من الواجبات في الصلاة المعدول إليها.

المسألة 51

لا يصح العدول من فريضة سابقه الى لاحقة، من غير فرق بين الحاضرتين و الفائتتين و لا يصح العدول من الفائتة إلى الحاضرة، كما

كلمة التقوى، ج 1، ص: 306

إذا ابتدأ بقضاء صلاة فائتة ثم تذكر انه قد صلاها، فليس له أن يعدل عنها إلى فريضة حاضرة، بل تكون ما بيده باطلة، و لا يصح العدول من النافلة الى الفريضة، و لا من الفريضة إلى نافلة، و يستثنى من ذلك من ابتدأ بصلاة فريضة منفردا ثم حضرت الجماعة، فإنه يصح له أن يعدل بصلاته إلى نافلة و يتمها ركعتين ليدرك صلاة الجماعة، بل يستحب له ذلك، و إذا لم يمكنه إدراك الجماعة بعد أن يتم النافلة.

قطعها و أدرك الجماعة.

و يستثنى من ذلك أيضا من نسي قراءة سورة الجمعة و المنافقين في فريضة الظهر يوم الجمعة و قرأ بغيرهما، فإنه يستحب له أن ينويها نافلة ثم يستأنف الفريضة و يقرأ فيها سورة الجمعة و المنافقين.

و لا يصح العدول من فريضة إلى فريضة إذا لم يكن بينهما ترتيب، كمن يعدل من صلاة الطواف إلى صلاة الصبح أو بالعكس، و يجوز العدول من فريضة حاضرة إلى فريضة فائتة إذا كان وقت الحاضرة متسعا، بل يستحب ذلك.

المسألة 52

إذا دخل الوقت على المكلف و مضى منه مقدار ما يؤدي به الفريضة و لم يصلها ثم طرأ له أحد موانع التكليف كالجنون و الإغماء و الحيض وجب عليه قضاء الفريضة بعد ذلك، بل الظاهر وجوب القضاء عليه إذا عرض له أحد تلك الأعذار بعد ان أدرك من الوقت ما يسع الصلاة تامة و ان لم يسع معها الطهارة، و أمكن له تحصيل الطهارة و بقية شرائط الصلاة قبل الوقت و ان

لم تحصل له هذه المقدمات بالفعل.

و الأحوط لزوما أن يقضي العصر أيضا إذا أدرك من أول الزوال مقدار أربع ركعات تامة كما تقدم في المسألة التاسعة عشرة، فلتراجع فان لها صلة تامة بهذه المسألة.

و كذلك الحكم إذا أفاق المجنون أو المغمى عليه في أثناء الوقت المشترك بمقدار يسع أربع ركعات تامة الشرائط ثم جن أو أغمي عليه مرة أخرى إلى آخر الوقت فإنه يقضي الصلاتين على نهج ما تقدم.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 307

و ان لم يدرك المكلف من الوقت مقدار ما يؤدي به الصلاة تامة لم يجب عليه القضاء.

المسألة 53

إذا ارتفع المانع من التكليف في آخر الوقت، فأفاق المجنون مثلا، و بلغ الصبي و طهرت الحائض، فإن بقي من الوقت ما يسع الصلاتين وجب عليه اداؤهما معا، فان هو لم يؤدهما وجب عليه قضاؤهما، و كذلك إذا بقي من الوقت مقدار خمس ركعات في الحضر، و مقدار ثلاث ركعات من وقت الظهرين و أربع ركعات من وقت العشاءين في السفر، فيجب عليه أداء الفريضتين، فان لم يؤدهما كان عليه قضاؤهما.

و ان بقي من الوقت ما يسع احدى الصلاتين فقط أو يسع ركعة واحدة منها فأكثر وجب عليه أداء الفريضة الثانية فان لم يؤدها في الوقت وجب عليه قضاؤها و كذلك الحكم في صلاة الفجر.

المسألة 54

إذا صلى الصبي ثم أدركه البلوغ في أثناء الوقت أو في أثناء الصلاة أجزأته تلك الصلاة و لم تجب عليه إعادتها.

المسألة 55

إذا تضيق الوقت وجب الاقتصار على أقل ما يتأدى به الواجب إذا كان الإتيان بالمستحبات يوجب خروج بعض واجبات الصلاة عن الوقت، و إذا أتى بالمستحبات و هو يعلم بذلك كان آثما و صحت صلاته على الظاهر إذا أدرك ركعة من الوقت.

و إذا لم يدرك بسبب ذلك ركعة من الوقت، فان كان قد أتى بالصلاة بنية الأداء بطلت صلاته، و ان قصد بها امتثال الأمر المتوجه اليه بالفعل أداء كان أم قضاء كانت صلاته صحيحة.

المسألة 56

تجب المحافظة على إيقاع الصلاة في الوقت بقدر الإمكان، فإذا أدرك المكلف ركعة من الصلاة أو أكثر في الوقت، لم يجز له أن يأتي بالمستحبات

كلمة التقوى، ج 1، ص: 308

في الركعة التي أدركها، و له أن يأتي بالمستحبات في ما خرج عن الوقت من الركعات الباقية.

المسألة 57

إذا صلى العصر و شك في أثنائها في انه صلى الظهر قبلها أم لا، بنى على عدم الإتيان بها على الأحوط، فإذا كان في الوقت المشترك عدل بنيته الى الظهر ثم أتى بالعصر بعد إتمامها، و إذا كان في الوقت المختص بالعصر أتم العصر ثم قضى الظهر بعدها.

الفصل الرابع في القبلة
المسألة 58

القبلة هي الموضع الذي وقع فيه البيت المعظم، لا خصوص البنية الموجودة فيه، بل من تخوم الأرض إلى السماء، فيجب استقبال جهته لكل من صلى، سواء كان في أرض مستوية أم على قمة جبل، أم في طائرة في الجو، أم في تخوم نفق عميق في الأرض.

و لا يكفي استقبال الحرم و لا المسجد حتى للبعيد، و ليس حجر إسماعيل من البيت فلا يكفي استقباله في الصلاة و ان وجب إدخاله في الطواف.

و المدار في الاستقبال على المحاذاة العرفية، و من المعلوم ان محاذاة الشي ء تتسع كلما ازداد بعده، و لا تكفي الجهة المبنية على التسامح و التساهل اختيارا.

المسألة 59

لا بد من العلم بمحاذاة القبلة إذا أمكن ذلك، أو البنية العادلة المستندة في شهادتها الى الحس، فان لم يحصل ذلك عول المكلف على الأمارات المفيدة للاطمئنان، فان لم يحصل ذلك كفى الظن، و إذا اجتهد في القبلة فكان اجتهاده على خلاف ما شهدت به البينة فإن كانت

كلمة التقوى، ج 1، ص: 309

البينة مستندة في شهادتها الى الحدس، عول على اجتهاده، و إذا كانت مستندة في شهادتها الى الحس فالأحوط تكرار الصلاة. و ان لم يمكن له تحصيل الظن بالقبلة صلى إلى أربع جهات.

المسألة 60

ذكرت لمعرفة القبلة علامات مأخوذة من قواعد علم هيئة الأرض و من أقوال المحققين فيها، و لا بأس بالعمل عليها إذا أفادت العلم أو الاطمئنان بالمحاذاة.

فمنها (الجدي) و هو نجم معروف يقع بالقرب من القطب الشمالي، فيجعل في النجف و الكوفة و ما قرب منهما من البلاد خلف الكتف الأيمن.

و الكتف هو العظم الذي يكون في آخر العاتق مما يلي العضد، و مجمع عظمي الكتف و العضد هو المنكب، فالكتف بين العاتق و المنكب.

و الأحوط أن يجعل الجدي علامة كذلك في غاية ارتفاعه أو انخفاضه، و يعرف ذلك بارتفاع بنات نعش فوقه أو انخفاضها تحته.

و الانحراف في بغداد يكون أقل من ذلك، و في الموصل و ما والاها أقل من بغداد.

و يجعل الجدي في البصرة و ما قاربها من البلاد في ثقب الأذن اليمنى و في الشام خلف الكتف الأيسر.

المسألة 61

و من الامارات التي ذكرت لمعرفة القبلة: المحاريب التي صلى فيها أحد المعصومين (ع) و هي تفيد العلم بالقبلة إذا علم ان المحراب لم يتغير اتجاهه ببناء جديد، و ان المعصوم لم يتيامن في صلاته في المحراب و لم يتياسر، فان لم يعلم ذلك كان مفيدا للظن.

و منها قبر المعصوم إذا علم بعدم تغيره في الجهة كما ذكرنا في المحراب، و علم أيضا بأن وضع القبر الخارجي مطابق لوضع الجسد الطاهر فيه، و ان لم يعلم ذلك كان مفيدا للظن.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 310

و منها قبور المسلمين في بلادهم، و محاريبهم في مساجدهم إذا لم يعلم بانحرافها عن المحاذاة الصحيحة.

المسألة 62

إذا لم يمكن للمكلف تحصيل العلم بالقبلة، و لم تقم لديه البينة العادلة المستندة في شهادتها الى الحس، وجب عليه الاجتهاد في تحصيل الاطمئنان بها، و لا يكفي الظن مع إمكان الاطمئنان، و لا يكتفي بالظن القوي مع إمكان تحصيل ما هو أقوى منه، و لا بالظن الضعيف مع إمكان تحصيل الظن القوي و لا يختص الاجتهاد بأمارات معينة، فقد يحصل العلم أو الاطمئنان من خرائط علمية دقيقة تبين مواقع البلاد من خطوط الطول و العرض، و توضح موضع مكة و مقدار انحراف البلد عنها، و قد يحصل العلم أو الاطمئنان من (البوصلة) المغناطيسية التي تعين اتجاه البلاد للقبلة، و انما يعتمد على هذه الآلة بعد اجراء التجارب عليها من أهل المعرفة في مواضع مختلفة من البلاد، فإذا اطمأن الى صحتها و مطابقتها لقواعد العلم أمكن الاعتماد عليها و الإفادة منها.

و قد يحصل العلم أو الاطمئنان من أخبار أهل الخبرة و ملاحظاتهم و دقتهم في ذلك، و قد يحصل ذلك من أخبار فاسق أو

كافر لأنه خبير دقيق في معرفته و في قوله، و لا يحصل من قول عادل لأنه قليل المعرفة بذلك و ربما غلب عليه حسن الظن فقلد.

المسألة 63

يجب الاجتهاد في القبلة على الأعمى إذا كان قادرا على ذلك كما يجب على البصير، و ان احتاج الى الاستعانة بغيره في استيضاح نتيجة الأمارة أو في تعيين الاتجاه في الموضع.

المسألة 64

لا اعتبار بقول صاحب المنزل و لا بأقوال سائر الناس الآخرين، إلا إذا أوجب العلم بالقبلة أو الاطمئنان بها، و إذا أوجب قوله ظنا بالقبلة و أمكن للمكلف تحصيل العلم أو الاطمئنان أو الظن الأقوى وجب عليه ذلك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 311

المسألة 65

إذا اجتهد فحصل له العلم أو الاطمئنان أو الظن الأقوى بالقبلة وجب عليه العمل باجتهاده و ان كان مخالفا لما عليه محاريب المسلمين في البلد و قبورهم و مذابحهم، و إذا كان الظن الحاصل له من اجتهاده مساويا للظن الحاصل من محاريب البلد و قبورها جاز له العمل باجتهاده و ان كان الأحوط استحبابا له تكرار الصلاة الى الجهتين في هذه الصورة.

المسألة 66

إذا علم إجمالا بأن القبلة في إحدى جهتين معينتين، فان ظن بأن القبلة في إحداهما على الخصوص و كان احتمال الجهة الثانية ضعيفا موهوما صلى إلى الجهة المظنونة و اكتفى بذلك و ان لم تترجح عنده احدى الجهتين وجب عليه أن يصلي الى كل واحدة من الجهتين.

و إذا ظن بأن القبلة في إحدى جهتين معينتين و لم يعلم بذلك وجب عليه أن يكرر صلاته أربع مرات كل مرة إلى جهة من الجهات الأربع.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 1، ص: 311

المسألة 67

إذا اجتهد و حصل له الظن بالقبلة فصلى الصلاة الحاضرة، ثم حضرت صلاة أخرى لم يجب عليه تجديد الاجتهاد لهذه الصلاة إذا كان الظن الأول باقيا، و إذا زال الظن الأول أو احتمل أن يحصل له ظن أقوى منه وجب عليه الاجتهاد لها.

المسألة 68

إذا اجتهد و ظن القبلة في جهة فصلى الظهر إليها، ثم تحول ظنه إلى جهة أخرى فإن كان مقتضى ظنه الثاني انه قد صلى الظهر مستدبرا للقبلة أو كانت الى يمينه أو يساره وجبت عليه إعادة صلاة الظهر أولا، ثم يصلى العصر، و ان كان مقتضى ظنه الثاني ان صلاة الظهر قد وقعت ما بين اليمين و اليسار صلى العصر وحدها إلى الجهة الثانية و لم تجب عليه اعادة الظهر.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 312

المسألة 69

إذا ظن القبلة في جهة فصلى إليها ثم تحول ظنه إلى جهة أخرى و هو في أثناء صلاته تحول في صلاته إلى الجهة الثانية إذا كان استقباله الأول لا يبلغ محض اليمين أو اليسار من الجهة الثانية، و إذا كان الى اليمين أو اليسار منها أو كان مستدبرا بطلت صلاته و وجبت عليه إعادتها.

المسألة 70

إذا اختلف المكلفان في اجتهادهما في القبلة لم يمنع ذلك من اقتداء أحدهما بالآخر إذا كان الاختلاف بينهما لا يخل بهيئة الجماعة عرفا، و إذا بلغ الاختلاف بينهما حد الاستدبار، أو حد اليمين و اليسار أو أخل بهيئة الجماعة عرفا لم يصح لأحدهما أن يقتدي بالآخر.

المسألة 71

إذا لم يتمكن المكلف من الاجتهاد في القبلة أو لم يحصل له الظن بإحدى الجهات وجب على الأحوط أن يكرر صلاته إلى أربع جهات، و الأحوط أن تكون على أربعة خطوط متقابلة فان تضيق الوقت عن تكرار الصلاة أربع مرات، صلى منها بقدر ما وسع الوقت، فان لم يسع إلا واحدة تخير في أن يصليها الى أي الجهات شاء.

المسألة 72

إذا صلى الظهر إلى أربع جهات على الوجه المتقدم ذكره فالأحوط له أن يصلي العصر بعدها الى نفس الجهات التي صلى الظهر إليها دون اختلاف، و كذا من كان حكمه الصلاة الى جهتين أو ثلاث، و مثله الحكم في المغرب و العشاء.

المسألة 73

إذا كان حكم المكلف أن يصلي الى أربع جهات، جاز له أن يصلي الظهر الى الجهات الأربع كلها، ثم يبتدئ بصلاة العصر بعدها فيصليها كذلك حتى يتمها، و لا يجب عليه أن يأتي بالعصر على ترتيب الظهر في الجهات. و يجوز له أن يصلي الظهر إلى جهة منها ثم يصلي العصر

كلمة التقوى، ج 1، ص: 313

الى تلك الجهة، ثم يأتي بالظهر إلى جهة ثانية و يصلي العصر إليها، و هكذا الى ان يتم عدد الصلوات مع الجهات. و يجوز له ان يصلي الظهر الى جهتين أو ثلاث و يصلي العصر بعدها الى تلك الجهات ثم يتم صلاة الظهر إلى باقي الجهات و بعدها العصر.

و لا يكفي أن يصلي العصر الى جهة قبل أن يصلي إليها الظهر و كذلك حكم المغرب و العشاء.

المسألة 74

إذا صلى إلى إحدى الجهات، ثم علم أو ظن بعد صلاته إليها بأنها هي القبلة أجزأته عما في ذمته و لم تجب عليه الصلاة الى بقية الجهات، و إذا صلى إلى جهة أو أكثر ثم علم أن ما صلاة لم يكن إلى القبلة، فإن تعينت جهة القبلة عنده صلى إليها، و ان لم تتعين وجبت عليه الصلاة الى بقية الجهات.

المسألة 75

تجري جميع الأحكام المتقدم ذكرها في سائر الصلوات الواجبة غير اليومية كصلاة الآيات، و صلاة الأموات، فإذا لم يمكن للمكلف تحصيل العلم أو الاطمئنان بالقبلة وجب عليه الاجتهاد و كفى الظن الأقوى فالأقوى، و إذا لم يحصل الظن وجب تكرار الصلاة الى أربع جهات.

و تجري كذلك في غير الصلوات مما يمكن فيه التكرار كقضاء الأجزاء المنسية و كسجود السهو على الأحوط و اما الأعمال التي يجب فيها الاستقبال و لا يمكن فيها التكرار، كتوجيه الميت إلى القبلة عند احتضاره و دفنه، فإذا لم يحصل الظن بالقبلة تخير المكلف في التوجيه الى اي الجهات شاء.

و كذلك الأمر في الذبح و النحر إذا وجب على المكلف أو اضطر اليه، و لم يمكن تأخيره الى ان تعلم جهة القبلة أو تظن، و يشكل جواز ذلك في الذبح أو النحر إذا لم يكن واجبا أو مضطرا إليه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 314

المسألة 76

إذا صلى إلى جهة من الجهات من غير فحص عن القبلة غافلا أو متسامحا، و حصل منه قصد القربة في صلاته، صحت صلاته إذا تبين له بعد ذلك ان صلاته قد وقعت إلى القبلة، و صحت صلاته كذلك في صورة الغفلة إذا تبين له انه منحرف عن القبلة بما لا يبلغ حد اليمين أو اليسار، و بطلت صلاته إذا كان مستدبرا للقبلة أو منحرفا عنها بما يبلغ محض اليمين أو اليسار، و بطلت صلاته في صورة التسامح حتى إذا كان منحرفا عن القبلة بما دون اليمين و اليسار، و بطلت صلاته إذا لم يستبن له شي ء.

الفصل الخامس في أحكام الاستقبال، و الخلل في القبلة
المسألة 77

يجب الاستقبال في جميع الصلوات الواجبة، سواء كانت يومية أم غيرها، و سواء كانت أداء أم قضاء، حتى في اليومية المعادة جماعة، و المعادة احتياطا، و ان كان الاحتياط استحبابيا.

و يجب الاستقبال في ما يتبع الصلاة، كصلاة الاحتياط عند حدوث أحد الشكوك فيها و قضاء ما ينسى من الأجزاء، و سجود السهو على الأحوط فيه.

و يشترط الاستقبال في صحة صلاة النافلة إذا أتى بها مستقرا على الأرض و شبهها، و لا يشترط في صحة النافلة إذا أتى بها ماشيا أو راكبا، و ان كانت واجبة على المكلف بنذر و نحوه.

المسألة 78

المدار في الاستقبال في الصلاة على صدق الاستقبال في نظر أهل العرف سواء صلى قائما أم جالسا، فلا يجب الاستقبال بأصابع رجليه في حال القيام، و لا بركبتي الجالس و لا بالقدمين إذا جلس عليهما.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 315

و إذا صلى مضطجعا استقبل القبلة بوجهه و مقاديم بدنه كهيئة الميت عند دفنه، و من صلى مستلقيا استقبل بوجهه و باطن قدميه كهيئة الميت عند احتضاره.

المسألة 79

إذا لم يتوجه المكلف إلى القبلة في صلاته و كان عالما عامدا بطلت صلاته و ان كان انحرافه عنها لا يبلغ اليمين أو اليسار، و كذلك إذا كان جاهلا بالحكم سواء كان قاصرا أم مقصرا فتجب عليه إعادة الصلاة إذا كان الوقت باقيا، و يجب عليه قضاؤها إذا كان الوقت خارجا، و مثله ناسي الحكم و الغافل عنه.

المسألة 80

إذا اعتقد ان القبلة في جهة معينة فصلى إليها ثم تبين له خطأ اعتقاده و كان انحرافه عن القبلة لا يبلغ محض اليمين أو اليسار صحت صلاته و لم تجب عليه اعادتها، و إذا تبين له ذلك و هو في أثناء صلاته صح ما مضى منها و وجب عليه ان يتوجه إلى القبلة في باقي صلاته، فإذا أتمها كذلك أجزأته.

و كذلك الغافل عن القبلة أو الناسي لها إذا صلى إلى إحدى الجهات ثم تبين له انه منحرف عن القبلة بما لا يبلغ اليمين أو اليسار فصلاته صحيحة و عليه ان يتوجه إلى القبلة في باقي صلاته إذا تذكر ذلك في أثناء الصلاة.

المسألة 81

إذا اعتقد ان القبلة في جهة خاصة فصلى إليها ثم استبان له خطأ اعتقاده، و كان انحرافه عن القبلة يبلغ حد اليمين أو اليسار وجبت عليه إعادة الصلاة إذا كان الوقت باقيا، سواء تبين ذلك له في أثناء الصلاة أم بعد الفراغ منها، فان هو لم يعد الصلاة بعد ان تبين له ذلك في الوقت وجب عليه قضاؤها بعد الوقت، و إذا تبين له ذلك بعد خروج الوقت لم يجب عليه القضاء.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 316

و إذا كان مستدبرا للقبلة وجبت عليه إعادة الصلاة في الوقت أو القضاء في خارجه على الأحوط.

و إذا صلى كذلك غافلا عن القبلة أو ناسيا لها ثم تذكر وجبت عليه إعادة الصلاة إذا كان الوقت باقيا و القضاء إذا كان خارجا على الأحوط سواء تبين له انه مستدبر للقبلة، أم منحرف عنها بما يبلغ اليمين أو اليسار.

المسألة 82

إذا صلى الجاهل بالقبلة إلى أربع جهات ثم استبان له انه قد انحرف عن القبلة بمقدار ثمن الدائرة صحت صلاته و اغتفر له هذا الانحراف، و إذا صلى إلى إحدى الجهات فاستبان له بعد الصلاة انه قد انحرف عن القبلة بمقدار ثمن الدائرة أجزأته صلاته فلا تجب عليه إعادة الصلاة، و إذا ضاق عليه الوقت فصلى إلى إحدى الجهات صحت صلاته إذا كان منحرفا عنها بما لا يبلغ اليمين و اليسار، و قضاها على الأحوط إذا استبان له ان انحرافه أكثر من ذلك.

المسألة 83

يجب الاستقبال بالميت على الأحوط في حال احتضاره فيجعل وجهه و باطن قدميه إلى القبلة، و قد تقدم بيانه في المسألة الستمائة و الأربعين من كتاب الطهارة و الأحوط أن يستمر الاستقبال به كذلك الى أن يتم تغسيله.

المسألة 84

يجب الاستقبال بالميت حال الصلاة عليه بأن يجعل رأسه الى يمين المصلي عليه و رجلاه الى يساره و قد تقدم ذكر ذلك في المسألة السبعمائة و الثانية و الأربعين من كتاب الطهارة.

المسألة 85

يجب الاستقبال بالميت في دفنه فيجعل وجهه و مقاديم بدنه الى القبلة كما ذكرناه في المسألة السبعمائة و التاسعة و الخمسين من كتاب الطهارة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 317

المسألة 86

إذا دفن الميت الى غير القبلة وجب نبش قبره للاستقبال به، الا إذا أوجب ذلك هتك حرمة الميت أو لزم منه الحرج.

المسألة 87

يجب الاستقبال في الذبح و النحر، بأن يجعل مذبح الحيوان أو منحره و مقاديم بدنه الى القبلة، و الأحوط أن يكون الذابح مستقبلا كذلك في حال ذبحه أو نحره و ان كان الأقوى عدم وجوب ذلك.

المسألة 88

إذا ذبح الإنسان الحيوان أو نحره الى غير القبلة و كان عالما عامدا في فعله حرم الحيوان المذبوح أو المنحور، بل كان ميتة نجسة، و ان كان ناسيا أو جاهلا بالحكم أو اعتقد في جهة أنها القبلة فذبح الحيوان أو نحره إليها، ثم استبان له خلافها، فلا يحرم الحيوان في جميع ذلك.

و كذلك إذا لم يعرف جهة القبلة و كان الذبح عليه واجبا أو كان مضطرا اليه، فذبحه إلى إحدى الجهات، أو اضطر الى ذبح الحيوان الى غير القبلة كالحيوان المستعصي و الواقع في بئر و نحوه.

المسألة 89

يحرم استقبال القبلة و استدبارها في حال التخلي بالبول أو الغائط، و الأقوى الحرمة أيضا حال الاستبراء و الاستنجاء منهما إذا علم أو ظن ظنا اطمئنانيا بخروج شي ء من البول أو الغائط في استبرائه و استنجائه، و إذا لم يعلم بذلك و لم يظن لم يحرم، و تراجع المسألة المائتان و الثالثة و التسعون من كتاب الطهارة.

المسألة 90

يستحب استقبال القبلة في حال الجلوس مطلقا، فقد روي عنهم (ع) خير المجالس ما استقبل به القبلة، و ينبغي المحافظة على ذلك في حال تأدية العبادات على الخصوص كحال الوضوء و الدعاء و قراءة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 318

القرآن و التعقيب بعد الصلاة و عند الاشتغال بالذكر و في سجدة الشكر و سجود التلاوة.

المسألة 91

يكره استقبال القبلة و استدبارها حال الجماع و عند لبس السروال و أمثال ذلك مما ينافي التعظيم.

الفصل السادس في الستر و الساتر
المسألة 92

يجب على المكلف ستر عورته عن كل ناظر محترم، سواء كان المكلف رجلا أم امرأة، و سواء كان الناظر مماثلا أم غير مماثل، و سواء كان من المحارم أم من غيرهم، و سواء كان مسلما أم كافرا، حتى عن الطفل و المجنون إذا كانا مميزين. و يحرم على المكلف أن ينظر إلى عورة الغير حتى الطفل المميز و حتى المجنون و ان كان غير مميز، و تلاحظ المسألة المائتان و السادسة و الثمانون و المسائل التي بعدها من كتاب الطهارة، فإنها تتضمن تفصيل الأحكام المتعلقة بذلك.

المسألة 93

يجب على المرأة ستر جميع بدنها عن الرجال ما عدا الزوج و المحارم منهم، و ما عدا السيد إذا كانت المرأة مملوكة، و يحرم على الرجل أن ينظر إلى المرأة الأجنبية عنه و الى شعرها و الى شي ء من جسدها، و الأجنبية هي غير الزوجة و المملوكة و المحارم من النساء، فلا يجوز للرجل النظر الى من عداهن من النساء و ان كانت قريبة منه في النسب كابنة العم و ابنة الخال و قد فصلنا ذلك في مسائل الفصل الأول من كتاب النكاح.

و قد استثنى من ذلك جماعة وجه المرأة الأجنبية و كفيها، فجوزوا النظر إليها إذا كان بغير ريبة و لا تلذذ محرم، و هذا القول لا يخلو من قوة، و ان كان الأحوط الاجتناب، فالأحوط للمرأة سترها عن الأجانب من الرجال.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 319

و يحرم على الرجل النظر إذا كان مع الريبة أو التلذذ المحرم و ان كان المنظور اليه رجلا مثله، شيخا أو شابا أو كانت امرأة من محارمه و كذلك في المرأة فيحرم عليها النظر بريبة أو تلذذ الى امرأة مثلها أو رجل

من محارمها.

المسألة 94

يحرم النظر الى شعر المرأة الأجنبية و ان كان مقطوعا منها، فإذا وصلت المرأة شعرها بشعر امرأة أخرى لم يجز لزوجها و محارمها من الرجال النظر اليه، و يشكل الحكم بوجوب ستره على المرأة عن نظرهم و نظر الآخرين، و لكنه أحوط، كما ان الأحوط عدم نظر الأجنبي إلى القرامل التي توضع في شعر المرأة، و ان لم يظهر الشعر نفسه للرائي، و الى الحلي الذي يكون عليها و ان لم تبد مواضع الزينة منها، و الأحوط أيضا لزوم ستر ذلك على المرأة عن الأجانب من الرجال.

المسألة 95

الواجب في غير الصلاة هو أن يستر المكلف عورته عن أى ناظر، و ان تستر المرأة جميع بدنها عن الأجانب من الرجال و المراهقين، بل و عن الصبيان الذين يكون النظر منهم إلى المرأة أو النظر منها إليهم مثيرا للشهوة، و لا يعتبر في ذلك ساتر مخصوص و لا كيفية خاصة، بل المدار إن يتأدى الواجب بأي وجه اتفق.

المسألة 96

لا يتقيد وجوب الستر في الصلاة بوجود ناظر، بل يجب الستر على المكلف و ان لم يوجد في المكان احد ينظر اليه، أو كان الوقت أو المكان مظلما لا تستبين فيه الأشياء، أو كان الرائي الموجود ممن يباح له النظر الى المصلي كالزوجة للزوج و بالعكس.

المسألة 97

يجب على الرجل في صلاته ستر القبل و الدبر و البيضتين، و الأحوط لزوما ستر العجان و هو ما بين الدبر و أصل الذكر و ستر الشعر النابت في أطراف العورة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 320

و الواجب في ذلك ستر عين العورة، فلا يكفي ستر اللون وحده، بل يجب ستر الشبح الذي يرى من وراء الثوب و الذي تعد حكايته حكاية العين عرفا، و لا يجب ستر حجم العورة.

المسألة 98

يجب على المرأة في صلاتها أن تستر جميع جسدها و رأسها و رقبتها و شعرها ما عدا الوجه و اليدين و القدمين، و يراد بالوجه ما وجب غسله في الوضوء، و يراد باليدين الكفين إلى أول الزندين، و يراد بالقدمين ظاهرهما و باطنهما الى المفصل بينهما و بين الساق، و لا بد من أن تستر شيئا من حدود الوجه و اليد و القدم ليحصل العلم بتحقق الستر الواجب، و يجب عليها أن تستر ما تحت الذقن حتى ما يبدو منه بعد أن تلبس الخمار على الأحوط.

المسألة 99

لا يجب على المرأة ستر ما على الوجه أو الكفين من زينة أو حلي، و لا ستر الشعر و القرامل الموصولة بشعرها إذا كان شعرها جميعه مستورا، و إذا وجد الناظر الأجنبي سترت ذلك عن الناظر على الأحوط كما تقدم لا من حيث الصلاة، فإن تعمدت فلم تستره كانت متجرئة لعدم التستر عن الأجنبي و لم تبطل صلاتها.

المسألة 100

لا يجب على الأمة المملوكة في الصلاة ستر رأسها و لا عنقها و لا شعر رأسها، و يجب عليها ستر جميع ما عدا ذلك من جسدها كله، غير الوجه و الكفين و القدمين كالحرة، سواء كانت قنة أم مدبرة أم مستولدة أم مكاتبة، و إذا كانت مبعضة وجب عليها ستر الرأس و الشعر و العنق و كان حكمها حكم الحرة.

المسألة 101

لا يشترط في صلاة الحرة إذا كانت صغيرة غير بالغة أن تستر رأسها

كلمة التقوى، ج 1، ص: 321

و رقبتها في الصلاة، فإذا صلت و هي مكشوفة الرأس و الرقبة كانت صلاتها صحيحة.

المسألة 102

يجب الستر على الوجه المتقدم بيانه في الذكر و الأنثى في جميع الصلوات الواجبة و المندوبة حتى في صلاة الجنازة على الأحوط، و يجب في قضاء الأجزاء المنسية من الصلاة و في سجود السهو، و لا يجب في سجود التلاوة و لا في سجدة الشكر.

المسألة 103

الطواف في البيت بمنزلة الصلاة فيشترط فيه ستر العورة.

المسألة 104

إذا أبدت الريح عورة المصلي أو بعضها من غير اختياره أو انكشفت كذلك غفلة منه لم تبطل صلاته بذلك، فإذا هو لم يعلم بانكشافها حتى أتم الصلاة أو حتى حصل له الستر اتفاقا أجزأته صلاته و لم تجب عليه اعادتها. و إذا علم بذلك في أثناء الصلاة، فإن اتفق حصول الستر له قبل أن يعلم بانكشاف العورة أو مقارنا لحصول العلم صحت صلاته، و ان لم تنستر عورته الا بعد العلم بها، فالظاهر بطلان صلاته، و الأحوط له أن يتم الصلاة ثم يعيدها.

المسألة 105

إذا نسي المكلف أن يستر عورته و صلى و لم يتذكر حتى أتم الصلاة أو حتى حصل له الستر اتفاقا صحت صلاته و لم تجب عليه اعادتها.

و إذا تذكر ذلك و هو في أثناء الصلاة فإن اتفق له حصول الستر قبل أن يتذكر أو مقارنا لتذكره صحت صلاته و ان لم تنستر عورته الا بعد التذكر فالظاهر البطلان و الأحوط إتمام الصلاة ثم اعادتها.

و كذلك الحكم إذا ترك التستر غافلا و صلى، فيجري فيه التفصيل المتقدم و إذا ترك التستر جاهلا بالحكم بطلت صلاته.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 322

المسألة 106

يجب ستر العورة مطلقا فلا يكفي سترها من بعض الجوانب إذا كانت مكشوفة من جانب آخر و لو من فوق، كما إذا كان الثوب واسع الجيب بحيث لا يستر العورة إذا نظر الناظر اليه من فوق أو من إمام في حال الركوع أو من تحت، كما إذا وقف المصلي على شباك أو طرف سطح و ليس له ساتر عمن ينظر اليه من تحته، و إذا وقف على الأرض لم يجب عليه الستر من تحته.

المسألة 107

الأحوط أن يستر عورته حتى عن نفسه، فلا تصح الصلاة إذا كان يرى عورة نفسه و لو في بعض أحوال الصلاة و ان كانت مستورة عن الآخرين، و مثال ذلك ان يلبس ثوبا واسع الجيب يكشف له عورته في بعض حالات الصلاة و لا يراها غيره.

المسألة 108

يكفي في الستر أن يكون المصلي مستور العورة من أول الصلاة الى آخرها و في جميع حالاتها، و ان كان ساتره في حال القيام مثلا ثوبا لا يكفي لستره في حال الركوع و السجود و لكنه يضم اليه قبل أن يركع شيئا آخر يستمر معه الستر و لا تنكشف له عورة، أو يلبس ثوبا مخرقا فيتستر به في كل حالة من حالات الصلاة على وجه مخصوص بحيث يتأدى به الواجب.

المسألة 109

يكفي في ستر الصلاة أن يتستر المصلي بالورق و الحشيش و لو في حال الاختيار إذا تأدى به المقصود، و يكفي أن يتستر بالقطن أو الصوف أو الوبر غير المنسوج كذلك. و يكفي في حال الاضطرار أن يطلي بالطين على وجه يستر عين العورة و لا يكفي مجرد ستر لونها و لا يكفي ذلك في حال الاختيار.

و لا يكفيه أن يستر عورته بيده أو بيد زوجته حتى في حال الاضطرار.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 323

الفصل السابع في شرائط لباس المصلي
اشارة

و هي أمور:

[الأول: الطهارة]
المسألة 110

الأول: يشترط في لباس المصلي أن يكون طاهرا، سواء كان ساترا أم لا، و قد سبق تفصيل ذلك في الفصل العاشر من كتاب الطهارة.

و يستثنى من ذلك ما لا تتم الصلاة فيه منفردا كالتكة و الجورب و القلنسوة، و جميع ما يعفى عنه في الصلاة، و يلاحظ الفصل الحادي عشر من كتاب الطهارة فقد فصلنا الكلام فيه على ذلك.

[الثاني: أن يكون مباحا]
المسألة 111

الثاني: يشترط في لباس المصلي أن يكون مباحا، سواء كان ساترا أم لا، و حتى ما يحمله إذا كان يتحرك بحركات الصلاة، و الأحوط مطلقا، فلا تجوز الصلاة في المغصوب و ان كان خيطا قد خيط به بعض ملابسه، و تبطل الصلاة إذا كان المصلي عامدا في فعله و عالما بحرمته و ان كان جاهلا بأنه يبطل صلاته على الأقوى، و تبطل صلاته كذلك إذا كان جاهلا بالحكم عن تقصير.

و لا تبطل صلاته إذا كان جاهلا قاصرا، و لا تبطل إذا كان جاهلا بالغصبية أو ناسيا لها، حتى الغاصب نفسه إذا نسي الغصبية فصلى، نعم تبطل صلاة الغاصب الناسي إذا كان ممن لا يبالي بذلك إذا تذكر الغصبية.

المسألة 112

لا فرق في حرمة الصلاة في المغصوب بين أن يكون مغصوب العين أو مغصوب المنفعة كما إذا أجر المالك ثوبه للغير ليلبسه مدة معينة، فلا تصح الصلاة فيه إذا غصب من المستأجر و تبطل الصلاة فيه إذا كان متعلقا لحق الغير و غصب ذلك الحق، كحق الزكاة و حق الخمس، بل

كلمة التقوى، ج 1، ص: 324

و حق الرهانة على الأحوط، نعم لا تبطل الصلاة إذا كان من الحقوق التي لا تمنع من إيقاع الصلاة فيه كحق الخيار للبائع و نحوه.

المسألة 113

إذا صبغ الثوب بصبغ مغصوب فالأحوط اجتناب الصلاة فيه و في الخيط المصبوغ بل لا يخلو عن وجه.

نعم إذا أجبر الصباغ على صبغ الثوب و كان الثوب و الصبغ مباحين، أو أجبر الخياط على خياطته و كان الثوب و الخيط مباحين، فالظاهر صحة الصلاة فيه و ان كان آثما بإجبار العامل و مشغول الذمة له بأجرة عمله.

المسألة 114

إذا طهر الثوب المتنجس أو غسله من وسخه بماء مغصوب، فإذا جف الماء من الثوب صحت الصلاة فيه، و الأحوط عدم الصلاة فيه قبل الجفاف، و عليه قيمة الماء لمالكه.

المسألة 115

إذا أذن المالك لأحد في الصلاة في ثوبه المغصوب منه صحت له الصلاة فيه و ان بقي مغصوبا، سواء كان المأذون له في الصلاة هو الغاصب أم غيره، و إذا أذن في الصلاة فيه إذنا مطلقا صح للآخرين الصلاة فيه، و أشكل الجواز في الغاصب نفسه الا ان يعلم عموم الاذن له و لغيره، فتصح له الصلاة فيه كما تصح لغيره.

المسألة 116

إذا اضطر الإنسان إلى لبس الثوب المغصوب لحفظ نفسه جاز له لبسه إذا كان المضطر غير الغاصب و صحت له الصلاة فيه، و إذا كان المضطر هو الغاصب فيشكل الحكم بجواز لبسه و صحة الصلاة فيه.

و إذا اضطر الى لبس الثوب المغصوب لحفظ نفس الثوب لا لحفظ نفسه أشكل الحكم بالجواز، إلا إذا كان بقصد رد الثوب الى مالكه،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 325

فيجوز له لبس الثوب لهذه الغاية و تصح له الصلاة فيه إذا كان حفظ الثوب موقوفا على لبسه.

المسألة 117

إذا صلى المكلف في الثوب و هو ناس لغصبيته ثم تذكرها في أثناء صلاته فان كان عليه ساتر آخر مباح و أمكنه نزع الثوب المغصوب من غير فعل مناف للصلاة، وجب عليه نزع الثوب المغصوب فورا، و لم يتشاغل بالصلاة مدة نزعه، فإذا نزعه قبل أن تفوت الموالاة بين اجزاء الصلاة أتم صلاته و كانت صحيحة مجزية، و إذا فاتت الموالاة أو حصل له ما ينافي الصلاة أو لم يكن عليه ساتر آخر مباح قطع الصلاة و أعادها إذا كان الوقت متسعا و لو لإدراك ركعة واحدة من الصلاة، و إذا ضاق الوقت عن ذلك و كان عليه ساتر آخر اشتغل بالصلاة في حال النزع، و كذلك الحكم إذا صلى في الثوب و هو جاهل بغصبيته ثم علم بها في أثناء الصلاة.

المسألة 118

إذا اشترى الثوب بثمن في الذمة ثم وفاه من مال تعلق به الخمس أو الزكاة صح البيع و جازت له الصلاة في الثوب، فإن أدى الخمس أو الزكاة من مال آخر برئت ذمته، و ان لم يؤده جاز للحاكم الشرعي ان يتتبع المال فيأخذ منه الخمس أو الزكاة، فإذا أخذه منه رجع البائع بذلك على المشتري.

و إذا اشترى الثوب بعين المال الذي تعلق به الخمس أو الزكاة لم تصح الصلاة فيه و كان حكمه حكم المغصوب إلا إذا أدى الحق من مال آخر، أو ضمنه بمراجعة الحاكم الشرعي ضمانا شرعيا. و يصح البيع إذا أجازه الحاكم بحسب ولايته فيكون ما يقابل مال الزكاة أو الخمس ملكا للفقراء و السادات على تأمل.

الثالث أن لا يكون من أجزاء الميتة،
المسألة 119

الثالث من شرائط لباس المصلي أن لا يكون من أجزاء حيوان ميت، سواء كان الحيوان مما يحل أكله إذا ذكي أم مما يحرم، و سواء كانت

كلمة التقوى، ج 1، ص: 326

ميتته نجسة أم طاهرة، كميتة السمك و نحوه مما لا نفس له سائلة على الأحوط.

المسألة 120

إذا أخذ الإنسان جلد الحيوان أو لحمه أو شحمه أو غير ذلك من اجزائه من يد مسلم، أو اشتراه من سوق المسلمين، أو وجده في أرضهم، فهو بحكم المذكى، و لا يكفي مجرد ذلك في الحكم عليه بالتذكية حتى يقترن بتصرف أو أثر يدل على التذكية كبيع المسلم إياه أو أكله منه، أو الصلاة فيه، و إذا لم تقترن يد المسلم أو سوق المسلمين بمثل هذا التصرف أو الأثر الدال على التذكية لم تكن أمارة دالة على تذكية الحيوان، و كذا ما يوجد مطروحا في أرضهم.

المسألة 121

ما يشترى من سوق المسلمين و هو مقترن بأثر أو تصرف يدل على التذكية فهو بحكم المذكى كما تقدم، سواء اشتراه من مسلم أم من شخص مجهول الإسلام و الكفر، و كذا ما يكون في أرض المسلمين.

المسألة 122

يجب اجتناب ما يؤخذ من الكافر من الجلود و الشحوم و اللحوم سواء كان في بلاد الكفر أم في بلاد الإسلام، و ان كان في سوق المسلمين، الا ان يعلم بسبق يد المسلم عليه المقرونة بالتصرف المناسب للتذكية فيحكم بطهارته و جواز الصلاة فيه و كذا ما يوجد في أرض الكفار و يجب اجتناب ما يؤخذ من مجهول الإسلام و الكفر إذا كان في بلاد يغلب عليها غير المسلمين، و كذلك إذا كان في بلاد يغلب عليها المسلمون و كانت السوق التي أخذ منها لغير المسلمين على الأحوط في هذا الأخير.

المسألة 123

إذا كان ما في يد المسلم أو ما في سوق المسلمين مسبوقا بيد الكافر، كالجلود و اللحوم و الشحوم التي يستوردها المسلمون من بلاد الكفار، فان لم يعلم باشتمال ما في يد الكافر على المذكى و غيره حكم بعدم تذكيته

كلمة التقوى، ج 1، ص: 327

و وجب اجتنابه جميعا، و ان علم إجمالا بأن ما في يد الكافر يشتمل على المذكى و غيره، فللبناء على الطهارة و الإباحة فيه وجه، أما جواز الصلاة فيه فهو مشكل.

المسألة 124

إذا كان المسلم ممن يقول بطهارة جلد الميتة إذا دبغ، فالأحوط اجتناب ما في يده من الجلود.

المسألة 125

لا يجوز على الأحوط استصحاب شي ء من أجزاء الميتة حال الصلاة و ان لم يكن ملبوسا، و إذا استصحبه بطلت صلاته على الأحوط، و قد ذكرنا ذلك في فصل ما يعفى عنه في الصلاة.

المسألة 126

الأجزاء التي لا تحلها الحياة من الحيوان لا تنجس بموته إذا كان طاهر العين في حال حياته كالشعر و الصوف و الوبر، كما ذكرناه في مبحث نجاسة الميتة، فإذا كان الحيوان مما يؤكل لحمه جازت الصلاة في الثوب المتخذ من صوفه أو وبره أو شعره، و ان أخذ منه بعد موته، و إذا أصابتها رطوبة الميتة حين نتفها أو قلعها فلا بد من تطهيرها من النجاسة العرضية.

المسألة 127

إذا صلى في جلد الميتة أو في شي ء من اجزائها ناسيا، و كانت الميتة مما له نفس سائلة، وجبت عليه إعادة الصلاة إذا تذكر في الوقت و يجب قضاؤها إذا تذكر بعد الوقت، و إذا كانت الميتة مما لا نفس له لم تجب عليه الإعادة.

المسألة 128

إذا صلى في شي ء من أجزاء الميتة و هو لا يعلم بأنها ميتة حتى أتم الصلاة صحت صلاته و لم تجب عليه اعادتها، و إذا كان ملتفتا شاكا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 328

لم تجز له الصلاة فيه الا ان تقوم لديه امارة تدل على التذكية و إذا صلى كذلك فصلاته باطلة.

المسألة 129

إذا شك في شي ء انه جزء من حيوان أم من غيره، حكم بأنه طاهر و جازت له الصلاة فيه، و كذلك إذا علم بأنه جزء حيوان و شك في ان ذلك الحيوان مما له نفس سائلة أم لا فتصح له الصلاة فيه.

[الرابع: أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه،]
المسألة 130

الرابع من شرائط لباس المصلي أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، فلا تصح الصلاة في جلد الحيوان غير المأكول و لا في شعره أو صوفه أو وبره، و لا في شي ء من أجزائه أو شي ء من فضلاته، سواء كان الحيوان مذكى أم حيا أم ميتا، و سواء كان ذا نفس سائلة أم لا إذا كان ذا لحم، كالسمك المحرم أكله على الأحوط، و سواء كان ما صلى فيه من الحيوان ملبوسا أم مخلوطا به أم محمولا له، حتى الشعرات التي تقع على ثياب المصلي منه، و حتى عرقه و ريقه و ان كان يابسا إذا كانت له عين موجودة.

المسألة 131

لا فرق في الحكم الآنف ذكره بين أن يكون الحيوان محرم الأكل بالأصالة أم بالعرض على الأحوط كالحيوان الجلال و موطوء الإنسان و شارب لبن الخنزيرة، فلا تصح الصلاة في شي ء من أجزائه و فضلاته على الأحوط، و الظاهر ان الحكم لا يعم الحيوان الذي يحرم أكله على الإنسان لكون لحمه مضرا له أو لأنه نذر ترك أكله أو حلف عليه.

المسألة 132

تصح الصلاة في الشمع أو العسل إذا وقع على ثياب الإنسان و ان كانا من فضلات النحل و تصح الصلاة في الحرير كما سيأتي تفصيله و ان كان فضلة دود القز، و تصح الصلاة في دم البرغوث و البق و نحو ذلك من الحيوانات التي لا لحم لها، و تصح الصلاة في الصدف للشك في أنه جزء من الحيوان أم لا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 329

المسألة 133

تصح الصلاة في فضلات الإنسان الطاهرة إذا وقعت على البدن أو على الثياب منه أو من غيره، كالعرق و الريق و اللبن و الوسخ و الشعر، فيجوز للمرأة أن تصلي في فضلات الطفل الطاهرة التي تقع على بدنها أو على ثيابها، و في بقايا اللبن التي تقع على صدرها أو على ثيابها في أثناء الرضاع و غيره، و في الشعر الذي تصل به شعرها، سواء كان شعر رجل أم امرأة.

المسألة 134

تجوز الصلاة في اللباس إذا شك في انه متخذ من الحيوان المأكول أو من غير المأكول و تجوز الصلاة في الشي ء إذا شك فيه انه من أجزاء الحيوان أو غير الحيوان.

المسألة 135

إذا صلى الإنسان في غير المأكول و هو لا يعلم بأنه غير مأكول و كان جهله بنحو الشبهة الموضوعية، فالظاهر صحة صلاته، و إذا كان جاهلا بالحكم أو ناسيا للموضوع أو الحكم فالأحوط بل الظاهر بطلان صلاته.

[الخامس: أن لا يكون من الذهب]
المسألة 136

الخامس من شرائط لباس المصلي ان لا يكون من الذهب إذا كان المصلي رجلا فلا تجوز الصلاة في الذهب للرجال، و لا يجوز لهم لبس الذهب حتى في غير الصلاة، و إذا لبس الرجل الذهب في غير الصلاة كان آثما، و إذا صلى فيه كان آثما و بطلت صلاته، سواء كان الملبوس ذهبا خالصا أم ممزوجا، إذا صدق معه انه لبس الذهب و صلى فيه، و سواء كان مما تتم الصلاة فيه كالثوب المنسوج بالذهب أم كان مما لا تتم الصلاة به كالخاتم و المنطقة و حمائل السيف.

المسألة 137

يجب على الرجل اجتناب المموه بالذهب إذا صدق معه لبس الذهب

كلمة التقوى، ج 1، ص: 330

عرفا، فإذا لم يصدق عليه ذلك لم يحرم، و ان كان الأحوط تركه، و كذلك الحكم في الملحم به.

المسألة 138

يحرم التزين بالذهب على الرجال بمثل الزر و السن و نحوهما و ان لم يكن لبسا للذهب، فلا تبطل الصلاة إذا صلى الرجل و هو متزين به على الظاهر، و ان أثم بذلك.

المسألة 139

لا تبطل صلاة الرجل بحمل الذهب معه في صلاته، سواء كان المحمول معه مسكوكا أم غيره، و لا بأس بشد الأسنان به.

المسألة 140

لا تحرم تحلية السيف و الخنجر بالذهب و إذا حملهما الرجل كذلك لم يصدق عليه أنه لبس الذهب عرفا فلا مانع من الصلاة فيهما، و لكنه إذا جعل غمد السيف كله أو أكثره من الذهب أو كان السيف نفسه من الذهب بحيث يعد في العرف انه لبس الذهب، فالظاهر حرمة لبسه و بطلان الصلاة فيه.

المسألة 141

يجوز للنساء لبس الذهب و تصح لهن الصلاة فيه، و لا يحرم على الصبي المميز لبس الذهب، و لا تصح صلاته فيه على الأحوط، بل لا يخلو عن قوة.

المسألة 142

إذا شك الرجل في شي ء انه ذهب أم غيره، جاز له لبسه و صحت له الصلاة فيه.

المسألة 143

يحرم على الرجل لبس الذهب و تبطل الصلاة سواء كان ظاهرا أم مستورا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 331

المسألة 144

يجوز للمكلف حمل الساعة التي يكون قابها من الذهب، و تصح له الصلاة و هو يحملها و اما زنجير الساعة إذا كان مصوغا من الذهب فيحرم عليه التزين به و لا تبطل الصلاة فيه، و لا يبعد صدق لبس الذهب عليه عرفا إذا علقه في رقبته، فتحرم الصلاة فيه.

المسألة 145

إذا صلى الرجل في الذهب و هو لا يعلم بأنه ذهب فالظاهر صحة صلاته فيه، و كذلك الحكم إذا صلى فيه و هو ناس لكونه من الذهب، أو ناس للحكم بحرمة الصلاة فيه فتصح صلاته و اما الجاهل بالحكم و خصوصا المتردد فيه حال دخوله في الصلاة فعليه إعادة الصلاة على الأقوى في المتردد و على الأحوط في المتردد و غيره.

[السادس: أن لا يكون حريرا خالصا]
المسألة 146

السادس من شرائط لباس المصلي ان لا يكون حريرا خالصا إذا كان المصلي رجلا، فلا تجوز الصلاة فيه للرجال، و إذا صلى الرجل فيه كانت صلاته باطلة، سواء كان مما تتم الصلاة فيه منفردا أم لا كالتكة و القلنسوة و الجورب، و لا يجوز لبسه للرجل في غير الصلاة أيضا، إلا إذا اضطر الى لبسه لمرض أو برد بحيث لا تتأدى الضرورة إلا بلبسه، و يجوز لبسه كذلك في حال الحرب.

و إذا اضطر الرجل الى لبس الحرير لبعض ما ذكر، فالأحوط له نزعه حال الصلاة إلا إذا كان مضطرا الى لبسه حال الصلاة، فتجوز له الصلاة فيه حين ذاك، و هذا لا يتحقق إلا إذا كان الاضطرار عاما لجميع الوقت.

المسألة 147

يجوز للرجال لبس الحرير إذا كان ممتزجا بقطن أو كتان أو صوف أو غير ذلك مما ينسج معه فيخرج به عن كونه حريرا خالصا، و تصح لهم الصلاة فيه، و يجوز أن تكف به ثيابهم و ملابسهم المصنوعة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 332

من غيره و ان زاد الحرير الذي يكف به على مقدار أربع أصابع، و يجوز لهم لبس الثياب و الملابس من غير الحرير إذا كانت أعلامها و سفائفها و أزرارها و قياطينها من الحرير و ان كانت كثيرة و يجوز لهم افتراش الحرير الخالص حتى في حال الصلاة، و يجوز الركوب عليه و التدثر به الا إذا صدق عليه اللبس كما قد يتفق في بعض الحالات.

المسألة 148

إذا خلط الحرير بشي ء لا تصح فيه الصلاة كالصوف و الوبر مما لا يؤكل لحمه، جاز للرجل لبسه و لم تصح له الصلاة فيه، و إذا خلط بما تصح فيه الصلاة كالقطن و الكتان و صوف و وبر ما يؤكل لحمه، جاز للرجل لبسه و صحت له الصلاة فيه، و يعتبر في الخليط الذي يمتزج معه أن يكون بمقدار يصدق على الثوب انه مخلوط و ليس حريرا خالصا، و المدار في ذلك على نظر أهل العرف و لا يكفي الخليط المستهلك.

المسألة 149

لا يجوز للرجل أن يلبس ثوبا تكون بطانته من الحرير الخالص و ان كانت البطانة الى نصف الثوب، و لا تصح له الصلاة فيه، و لا يجوز له لبس ثوب يكون أحد نصفيه من الحرير الخالص.

المسألة 150

إذا نسج الثوب طرائق بعضها حرير و بعضها غيره: قطن أو صوف أو نحوهما فلا مانع للرجل من لبسه و الصلاة فيه، و ان زاد عرض الواحدة من الطرائق على مقدار الكف، و كذلك إذا خيط الثوب من قطع بعضها حرير و بعضها غيره، إذا لم يجتمع من الحرير مقدار كبير في موضع واحد، كنصف الثوب أو ثلثه مثلا.

المسألة 151

تجوز الصلاة للرجل في ثوب له ظهارة و بطانة من غير الحرير، و يجعل الإبريسم غير المنسوج ما بين الظهارة و البطانة بدلا عن القطن و الصوف الذي يجعل بينهما في بعض الألبسة، و إذا وضعت ما بينهما

كلمة التقوى، ج 1، ص: 333

قطعة من الحرير المنسوج و خيطت كالبطانة بحيث يصدق على لابس الثوب انه قد لبس الحرير المحض، فالظاهر حرمة لبسه للرجل و عدم صحة صلاته فيه.

المسألة 152

يجوز للرجل ان يصلي و هو يحمل معه ثوبا أو قطعة من الحرير و ان كان الثوب المحمول مما تتم الصلاة فيه، و يجوز له أن يصلي في عمامة طرفها من الحرير و ان زاد على مقدار كف.

المسألة 153

يجوز للنساء لبس الحرير الخالص و تصح الصلاة لهن فيه على الأقوى، و يجوز للصبي لبس الحرير و لا يحرم على وليه أن يلبسه إياه، و لا تصح صلاة الصبي المميز فيه على الأحوط، بل لا يخلو عن قوة.

المسألة 154

إذا كان الرجل كثير القمل بحيث اضطر لكثرته الى لبس الحرير لدفعه عنه، أو لزمه العسر و المشقة الشديدة بدونه، جاز له لبسه، و إذا كان اضطراره اليه أو لزوم العسر بدونه حتى في حال الصلاة جازت له الصلاة فيه.

المسألة 155

إذا شك المكلف في الثوب انه حرير خالص أو مخلوط بغيره جازت له الصلاة فيه، و كذلك إذا علم ان الثوب من الحرير الممتزج و شك في ان الخليط مما تصح فيه الصلاة أو مما لا تصح.

المسألة 156

إذا صلى الرجل في الحرير و هو لا يعلم انه حريرا و كان ناسيا لذلك صحت صلاته فيه و لم تجب عليه اعادتها، و إذا صلى فيه و هو جاهل بالحكم فالأحوط له إعادة الصلاة و خصوصا إذا كان مترددا حال الصلاة.

المسألة 157

إذا لم يكن للرجل ساتر في صلاته الا ثوب الحرير، فان اضطر الى

كلمة التقوى، ج 1، ص: 334

لبسه لمرض أو برد، جاز له لبسه للاضطرار و إذا كان الاضطرار الى لبسه عاما لجميع الوقت جازت له الصلاة فيه كما تقدم في المسألة المائة و السادسة و الأربعين، و ان لم يكن مضطرا الى لبسه نزعه و صلى عاريا.

و كذلك الحكم إذا لم يكن له ساتر الا المغصوب أو الميتة أو الذهب، فيلبسه و يصلي فيه إذا كان مضطرا الى لبسه في جميع الوقت، و ينزعه و يصلي عاريا مع عدم الاضطرار.

و إذا لم يكن له ساتر الا غير مأكول اللحم لبسه و صلى فيه مع الاضطرار إليه في جميع الوقت كما قلنا في نظائره و إذا لم يكن مضطرا الى لبسه احتاط فصلى في الثوب، ثم نزعه و صلى عاريا.

و إذا لم يجد له ساترا غير النجس و كان العذر مستمرا الى آخر الوقت، فالظاهر وجوب الصلاة في الثوب النجس سواء كان مضطرا الى لبس الثوب أم لا، و قد تقدم هذا في المسألة المائة و الرابعة و الستين من كتاب الطهارة، فلتراجع ففيها تفصيل للمورد.

[مسائل]
المسألة 158

يجب على المكلف تحصيل الساتر للصلاة مع القدرة، و لو بالشراء أو الاستئجار بأكثر من عوض مثله، ما لم يكن ذلك مضرا بحاله، و تجب الاستعارة و الاستيهاب من الغير إذا أمكن له ذلك و لم يلزم منه الحرج.

المسألة 159

يحرم على الإنسان لباس الشهرة على الأحوط الذي لا يترك، و هو أن يلبس الإنسان ما يخالف زيه، من حيث جنس الملابس أو لونها، أو وضعها و تفصيلها غير المناسب لأمثاله، و يحرم على الرجل أن يلبس ما تختص به النساء تشبها بهن، و يتخذ ذلك زيا له، و يحرم على المرأة أن تلبس ما يختص به الرجال تشبها بهم و تتخذ ذلك زيالها.

و إذا لبس الإنسان لباس الشهرة و صلى فيه لم تبطل صلاته، و ان كان آثما في لبسه، و إذا لبس الرجل ما تختص به المرأة كما ذكرنا أو

كلمة التقوى، ج 1، ص: 335

لبست المرأة ما يختص به الرجل و صليا في ذلك اللباس لم تبطل صلاتهما فيه، و ان كانا آثمين.

المسألة 160

إذا لم يكن للمصلي ساتر في صلاته، تستر بورق الشجر و الحشيش و بالقطن، و الصوف غير المنسوج، و قد تقدم في المسألة المائة و التاسعة ان ذلك يكفيه حتى في حال الاختيار، فان لم يجد ذلك تستر بالطين أو الوحل أو في حفرة يدخل فيها، أو نحو ذلك مما يواري به عورته، و صلى قائما و أتى بالركوع و السجود كما يفعل المختار.

و ان لم يجد ما يستر به عورته فإن أمن من المطلع وجب عليه أن يصلي قائما و يومي الى الركوع و السجود و الأحوط له أن يستر قبله بيده في حال القيام، و المراد بأمن المطلع أن لا يكون هناك أحد ينظر اليه، أو يكون الوقت أو المكان مظلما يستره عن الناظر، أو يكون الحاضر أعمى أو يكون ممن يعلم بعدم نظره، أو يكون ممن يباح له النظر الى عورته كالزوجة و الأمة.

و ان لم

يأمن من الناظر المحترم وجب عليه أن يصلي جالسا، و أن ينحني للركوع و السجود بمقدار لا تبدو معه عورته، فان لم يمكنه ذلك أومأ برأسه للركوع و السجود، و الا فبعينيه، و يجعل الانحناء أو الإيماء للسجود أكثر منه للركوع على الأحوط، و يرفع ما يسجد عليه و يضع جبهته عليه على الأحوط كذلك.

المسألة 161

يستحب للعراة أن يصلوا جماعة إذا كان معهم من يؤمهم، فيجلسون صفا، و يجلس الإمام في وسط الصف و يتقدمهم بركبتيه، و يومي الإمام للركوع و السجود على نهج ما سبق و يركع المأمومون و يسجدون مع أمن المطلع.

و إذا كانوا في ظلمة يأمنون معها من نظر بعضهم الى بعض صلوا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 336

قياما كصلاة المختار، و لا يترك الاحتياط بأن يعيدوا الصلاة بعد ذلك مع الإيماء.

المسألة 162

إذا لم يجد المكلف ساترا في صلاته و احتمل أن يجده في آخر الوقت فالأحوط له أن يؤخر صلاته الى آخر الوقت، و إذا قدمها في سعة الوقت برجاء استمرار العذر أو كان يائسا من زواله ثم وجد الساتر في الوقت وجبت عليه إعادة الصلاة و إذا استمر العذر الى آخر الوقت أجزأته صلاته.

المسألة 163

إذا وجد المكلف ثوبين و علم بأن أحدهما مغصوب و الآخر مباح و لم يعلم به على التعيين وجب عليه اجتنابهما، فإذا لم يكن عنده ساتر سواهما صلى عاريا، و كذلك الحكم إذا علم أن أحد الثوبين حرير و لم يعلم به على التعيين.

و إذا علم أن أحد الثوبين نجس و الأخر طاهر و لم يعلم به على التعيين وجب عليه ان يصلي في كل واحد من الثوبين على انفراده مرة، و إذا لم يسع الوقت غير صلاة واحدة صلاها بأحد الثوبين و قضاها بعد الوقت في الثوب الآخر أو في ثوب معلوم الطهارة، و كذلك الحكم إذا علم أن أحد الثوبين من جلد مأكول اللحم و الآخر من جلد غير المأكول.

المسألة 164

إذا صلى الإنسان مستلقيا أو مضطجعا و كان الفراش تحته حريرا أو من أجزاء غير المأكول صحت صلاته عليه، و كذلك إذا كان نجسا و كانت نجاسته غير متعدية إلى بدن المصلي أو الى ساترة و إذا كان ملتحفا به على وجه يصدق عليه انه صلى فيه أشكل الحكم بصحة صلاته.

المسألة 165

تجوز الصلاة في ما يستر ظهر القدم و لا يغطي شيئا من الساق كالجورب المصنوع كذلك و نحوه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 337

الفصل الثامن في ما يستحب للمصلي من الثياب و ما يكره
المسألة 166

يستحب للمصلي أن يكون تام الستر لجميع جسده، و يتأكد الاستحباب في ما بين السرة و الركبة، و ينبغي أن يلبس ثيابا متعددة، فإن كل شي ء يصلي فيه المصلي مما هو عليه يسبح معه كما في الحديث.

و يستحب للرجل أن يضع على عاتقه شيئا إذا صلى و هو مكشوف الظهر، و أن يلبس العمامة و السراويل، و ينبغي له إذا لبس العمامة أن يكون متحنكا، و يستحب له ان يلبس في صلاته أنظف ثيابه و أجودها، و أن يكون متطيبا، ففي الحديث ركعتان يصليهما متعطر أفضل من سبعين ركعة يصليها غير متعطر، و ينبغي أن يكون لباسه من القطن أو الكتان، و ان يكون أبيض اللون، و يستحب له في صلاته أن يلبس خاتما من العقيق أو الفيروزج، و أن يصلي في النعل العربية، و يستحب للمرأة أن لا تصلي و هي عطلاء من الحلي فتلبس قلادة و نحوها. و يستحب لإمام الجماعة أن يلبس الرداء في صلاته بل لا ينبغي له ترك ذلك.

المسألة 167

تكره الصلاة في اللباس الأسود سواء كان قميصا أم قباء أم سروالا، أم غيرها من الملابس حتى القلنسوة، و تستثنى من ذلك العمامة و الخف و الكساء، و منه العباء، و الظاهر عموم الكراهة للرجل و المرأة.

و تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع بالصبغ، سواء كان بلون الحمرة أم الصفرة أم الخضرة أم غيرها من الألوان.

المسألة 168

يكره للرجل أن يصلي في ثوب واحد رقيق و ان كان ساترا، أو يصلي في سروال ليس معه غيره و ان لم يكن رقيقا، و ان تصلي المرأة في أقل من ثوبين و ان كان الثوب الواحد ساترا لجميع بدنها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 338

المسألة 169

يكره للمصلي أن يتزر فوق القميص، و أن يتوشح بالرداء، و التوشح هو ان يدخل الرداء تحت يده اليمنى ثم يلقيه على منكبه الأيسر أو بالعكس، فيكون أحد المنكبين مكشوفا، و يكره أن يشتمل الصماء و هو أن يدخل طرفي الرداء تحت أحد إبطيه ثم يلقيهما على منكب واحد، و تتأكد كراهة التوشح في إمام الجماعة.

المسألة 170

يكره للرجل أن يصلي و هو متلثم، و يكره للمرأة أن تصلي و هي متنقبة، و هذا إذا لم يمنعهما اللثام و النقاب عن القراءة و الأذكار الواجبة، و الا كان مبطلا للصلاة، و يكره للمكلف أن يصلي و هو مختضب قبل أن يغسل خضابه سواء كان رجلا أم امرأة، و يكره للرجل أن يصلي و هو معقوص الشعر.

المسألة 171

يكره للمكلف أن يصلي و في يده خاتم عليه صورة ذي روح، أو يصلي في ثوب فيه تماثيل لذوات أرواح، أو يصلي و معه دراهم عليها صورة، و يكره له أن يصلي و معه حديد بارز و لا بأس به إذا كان مستورا كمفتاح أو سكين يحملهما في كيسه، أو سيف يتقلده و هو في غمده.

المسألة 172

يكره للمكلف أن يصلي في ثوب أحد لا يتوقى من النجاسة أو يتهم بغصب و نحوه.

المسألة 173

يكره له أن يصلي في أبوال الخيل و البغال و الحمير إذا أصابت ثيابه أو بدنه حتى يغسلها و ان كانت طاهرة على الأقوى كما تقدم بيانه، و يكره له أن يصلي في نعل من جلد حمار مذكى، و يكره له أن يدخل يديه تحت ثوبه و هو في الصلاة فيلصقهما ببدنه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 339

المسألة 174

و هنا ألبسه قد ثبت النهي عنها تحريما أو كراهة أو احتياطا على على وجه العموم فينبغي التنزه عنها في حال الصلاة.

فمنها أن يلبس المكلف لباس الشهرة، أو يلبس الرجل ما تختص به المرأة أو تلبس المرأة ما يختص به الرجل كما تقدم ذكره في المسألة المائة و التاسعة و الخمسين.

و منها أن يلبس ألبسه الكفار و أعداء الدين.

و منها الثياب التي توجب التكبر و الخيلاء.

و منها أن يلبس الشيخ ملابس الشباب.

و منها أن تلبس المرأة خلخالا له صوت.

الفصل التاسع في مكان المصلي و شرائطه
اشارة

و هي عدة أمور:

[الأول: أن يكون مباحا،]
المسألة 175

الأول من شرائط مكان المصلي أن يكون مباحا، فتبطل صلاته إذا كان سجوده على موضع مغصوب، بل و تبطل صلاته على الأحوط إذا كان موضع بقية صلاته مغصوبا و ان كان سجوده على موضع مباح.

و مثال ذلك أن تكون الطبقة الأولى من المنزل ملكا له، و تكون الطبقة الثانية منه ملكا لغيره، فإذا صلى في الطبقة الثانية بدون اذن مالكها كانت صلاته باطلة و ان كان سجوده على السقف الذي يملكه هو، أو يكون موقفه في موضع من الأرض يملكه غيره، فإذا صلى فيه بغير اذن مالكه بطلت صلاته و ان كان سجوده على موضع يملكه هو.

و لا فرق بين أن يكون المكان مغصوب العين أو مغصوب المنفعة، كما إذا استأجر الدار أو الموضع أحد، فلا تجوز الصلاة فيهما إلا بإذن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 340

المستأجر و لا يكفي في الصحة الاذن من المالك، أو يكون المكان متعلقا لحق شخص آخر، كحق الرهن على الأحوط، و حق غرماء الميت إذا مات و عليه دين يستوعب التركة أو يزيد عليها. و حق الميت إذا أوصى بثلث ماله و لم يخرج ثلثه و لم يعزل، و حق السبق لمن سبق الى مكان في مسجد أو مشهد، فلا تجوز الصلاة في المكان بغير اذن صاحب ألحق.

المسألة 176

إذا سبق أحد إلى مكان من المسجد أو المشهد اختص به و لم يجز لغيره على الأحوط أن يصلي فيه الا باذنه، و إذا قام من المكان معرضا عنه بطل حقه، و كذلك إذا قام عنه و هو متردد في العود اليه و عدمه، فلا يجوز له منع من أخذ المكان بعده، و إذا قام من المكان ناويا العود إليه، فإن

بقي رحله فيه فلا ريب في بقاء حقه، و ان لم يبق رحله فالأحوط مراعاة حقه.

المسألة 177

إذا صلى الإنسان في المكان المغصوب و هو عالم بالغصبية و بحرمة الصلاة فيه و عامد في فعله بطلت صلاته كما تقدم، سواء كان عالما بفساد الصلاة فيه أم جاهلا بذلك، و كذلك إذا كان جاهلا بالحرمة و كان جهله عن تقصير فتبطل صلاته فيه كالعامد.

و إذا كان جاهلا بالغصبية أو غافلا أو ناسيا لها صحت صلاته، و كذلك إذا كان جاهلا بالحرمة و كان جهله عن قصور فيكون معذورا و إذا نسي الغاصب غصبية المكان فصلى فيه فالظاهر صحة صلاته و ان كان الأحوط استحبابا له إعادة الصلاة، و إذا كان ممن لا يبالي بذلك على تقدير تذكره فالأقوى بطلان صلاته.

المسألة 178

تبطل الصلاة على الفراش المغصوب و ان كانت الأرض تحته مباحة، و تبطل على الأرض المغصوبة و ان كان الفراش فوقها مباحا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 341

المسألة 179

إذا كان السقف مباحا و الأرض التي تحته مغصوبة، فالأحوط اجتناب الصلاة. على السقف و إذا صلى عليه فالأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها.

المسألة 180

الظاهر صحة الصلاة تحت السقف المغصوب و تحت الخيمة المغصوبة و في ظل الجدار المغصوب إذا كانت الأرض التي صلى عليها مباحة، و ان انتفع بالسقف أو الجدار في حال صلاته فوقاه من مطر أو حر أو برد مثلا.

المسألة 181

تبطل الصلاة على الدابة إذا كانت مغصوبة أو كان رحلها أو سرجها مغصوبا و لا تبطل الصلاة عليها إذا كان نعل الدابة مغصوبا.

المسألة 182

تبطل الصلاة في السفينة المغصوبة، و لا تبطل الصلاة فيها إذا كان فيها لوح مغصوب أو ما أشبه ذلك، نعم تبطل إذا كانت صلاته على نفس اللوح المغصوب.

المسألة 183

لا تبطل الصلاة في الأرض المباحة إذا كان في بعض طبقاتها البعيدة عن ظاهرها تراب مغصوب.

المسألة 184

إذا اضطر المكلف إلى الصلاة في المكان المغصوب جازت له الصلاة فيه و منه المحبوس بغير حق في المكان المغصوب فتصح له الصلاة فيه.

المسألة 185

إذا صلى الإنسان في مكان و هو يعتقد غصبيته كانت صلاته باطلة و ان تبين له بعد ذلك ان المكان غير مغصوب، فيجب عليه أن يعيد الصلاة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 342

المسألة 186

لا يجوز التصرف في الأرض المغصوبة و لا تحل الصلاة فيها و ان كان مالكها مجهولا، فيرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي، و لا تجوز الصلاة و لا غيرها من التصرفات في الأرض أو الدار المجهولة المالك و ان لم تكن مغصوبة إلا بإذن الحاكم الشرعي.

المسألة 187

إذا غصب الإنسان أدوات و مواد من آجر و شبهه، و عمر بها دارا أو عقارا، فالظاهر صحة الصلاة في الدار أو العقار إذا كانت الأرض مباحة، الا أن يبلط الأرض بالمواد المغصوبة أو يكون السقف منها فلا تصح الصلاة عليهما، و يجب الرجوع في أمر الآلات و المواد المغصوبة إلى مالكها، و إذا كان المالك مجهولا رجع فيها الى الحاكم الشرعي.

المسألة 188

إذا كانت الدار أو الأرض مشتركة بين مالكين لم يجز لأحدهم التصرف فيها و لا الصلاة فيها إلا بإذن الباقين، و لا تصح الصلاة فيها لغيرهم إلا بإذنهم جميعا، و لا يكفي الاذن من بعضهم إلا إذا علم منه برضا الجميع.

المسألة 189

تقدم في المسألة المائة و الثامنة عشرة حكم ما إذا اشترى الثوب بمال تعلق به الخمس أو الزكاة، و يجري نظير ذلك في الدار أو الأرض إذا اشتراها المكلف بمثل ذلك المال فيأتي فيها التفصيل المتقدم في المسألة و تترتب الأحكام المذكورة فيها فلتلاحظ.

المسألة 190

إذا مات الإنسان و عليه حقوق من زكاة أو خمس أو مظالم، فان كان الحق متعلقا بالأعيان لم يجز للورثة أن تتصرف في الأعيان التي تعلق بها الحق قبل أدائه أو ضمانه بمراجعة الحاكم الشرعي، فإذا كانت الأعيان التي تعلق بها الحق دارا أو أرضا لم تصح الصلاة فيها قبل ذلك و ان كان الحق ثابتا في ذمة الميت كان حكمه حكم سائر الديون و سيأتي بيانه في المسألة اللاحقة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 343

المسألة 191

إذا مات الإنسان و عليه ديون للناس تستوعب ما تركه من الأموال أو تزيد عليها أو تنقص عنها لم يجز لورثته و لا لغيرهم التصرف في الأموال المتروكة حتى الصلاة في الأرض و المنازل، قبل وفاء الدين أو ضمانة، إلا إذا علم برضا الغرماء بالتصرف، و الظاهر ان ما يقابل الدين من التركة لا يزال ملكا للميت، فلا بد من اذن ولي أمر الميت و من رضا الغرماء.

و ولي أمر الميت هو الوصي الذي عهد اليه بذلك، فان لم يكن عهد الى أحد فالولي هو الحاكم الشرعي، و إذا ضمن الدين ضامن و رضي الغرماء بضمانه صح كذلك.

و كذلك الحكم إذا كان بعض الورثة قاصرا أو غائبا، و ان لم يكن على الميت دين، فلا يجوز التصرف في التركة إلا مع رضى الغائب و تمييز حصة القاصر أو ضمان حقهما بوجه شرعي.

المسألة 192

إذا أذن المالك لأحد في الصلاة في داره المغصوبة منه صحت صلاته فيها و لم تصح للآخرين الذين لم يأذن لهم، و إذا أذن في الصلاة أذنا مطلقا صحت الصلاة فيها لكل أحد إلا الغاصب فيشكل جواز صلاته فيها إلا إذا أذن له بالخصوص أو علم بأن أذن المالك شامل له.

المسألة 193

الإذن الذي يسوغ معه الدخول في الملك و الصلاة فيه و نحوها من التصرفات، قد يكون من المالك نفسه، و قد يكون من وكيله المخول في مثل ذلك، و قد يكون من أحد خاصته و أقربائه الذين يعلم رضى المالك بفعلهم، فيصح الاعتماد على ذلك فإذا دخل المنزل و صلى صحت صلاته، و الأذن قد يكون بالفعل، و مثال ذلك أن يكون المالك حاضرا ملتفتا فيأذن للرجل بدخول الدار أو الصلاة فيها، و قد يكون تقديريا، و مثاله أن يكون المالك غائبا أو غافلا، و لكن المكلف يعلم انه لو كان حاضرا أو كان ملتفتا لإذن بذلك، فيصح له الدخول و الصلاة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 344

و الأذن الفعلي قد يكون بالقول الصريح كما إذا قال له ادخل المنزل و صل فيه، و قد يكون بالفعل كما إذا أدخله المنزل و فرش له السجادة أو أمر من يصنع له ذلك، و قد يكون بالفحوى، كما إذا أذن له بالجلوس أو النوم في بيته و الأكل من ماله، فيكون ذلك دالا على إباحة الصلاة بطريق أولى، و لا بد في أذن الفحوى من القطع أو الاطمئنان بالمراد، و لا يكتفي بالظن فإن الإذن بالجلوس في بعض المجالس لا يستلزم الإذن بالصلاة فيها.

و قد يكون بشاهد الحال كما في المضائف و الرباع المفتوحة الأبواب فيكفي ذلك

في الدلالة على الأذن، فيجوز للمكلف الدخول و الصلاة فيها و ان لم يحصل القطع بالرضا، و اما في غير ذلك كالحمامات و الخانات و نحوها فلا يجوز الوضوء من مائها و الصلاة فيها إلا بإذن المالك أو المستأجر أو وكيلهما أو يحصل العلم بالرضا.

المسألة 194

يجب على المكلف أن يقتصر في التصرف على ما يتناوله الأذن فإذا أذن له المالك بدخول البيت لم تجز له الصلاة فيه، و إذا أذن له في الصلاة لم يجز له النوم أو المكث أكثر مما يتعارف لذلك، و إذا أذن له بالدخول في حجرة لم يجز له الدخول في حجرة أخرى إلا مع العلم بالرضا.

المسألة 195

تصح للإنسان الصلاة في الأراضي المتسعة إذا كانت لسعتها بحيث يتعسر على الناس اجتنابها، و يصح الوضوء من مائها، و ان لم يأذن بذلك ملاكها أو كان فيهم الطفل أو المجنون، و لا تجوز له الصلاة فيها إذا علم بكراهة المالك للصلاة فيها، إلا إذا لزم الحرج على المكلف باجتنابها.

المسألة 196

تجوز الصلاة من غير اذن في بيت الأب و بيت الأم، و بيت الأخ و بيت الأخت و بيت العم و بيت العمة و بيت الخال و بيت الخالة، و بيت الموكل

كلمة التقوى، ج 1، ص: 345

الذي فوض إليه الأمر و بيت الصديق، و هذه هي البيوت التي ذكرتها الآية الحادية و الستون من سورة النور، فأجازت للإنسان أن يأكل منها بغير اذن، فتجوز له الصلاة فيها بغير اذن كذلك ما لم يعلم بالكراهة أو يظن ذلك ظنا اطمئنانيا أو تقوم عليه حجة شرعية كالبينة.

المسألة 197

لا يجوز للغاصب الدخول في المكان المغصوب كما لا يجوز له سائر التصرفات فيه، و إذا دخله وجب عليه الخروج منه، و وجوب الخروج عليه انما هو من باب لزوم ارتكاب أقل المحذورين و الا فهو عاص آثم في خروجه منه كما هو عاص آثم في بقائه فيه.

و إذا صلى في المكان و هو في سعة الوقت و كان عالما متذكرا كانت صلاته باطلة كما تقدم، فعليه الخروج، و إذا شرع في الصلاة ناسيا للغصبية و تذكرها في الأثناء وجب عليه الخروج، فان كان خروجه يستلزم وقوع ما ينافي الصلاة منه كانت الصلاة باطلة أيضا لعدم التمكن من إتمامها، و إذا استطاع الخروج بدون ما ينافي الصلاة و لو بالإيماء وجب عليه إتمام الصلاة و لو بالإيماء و هو في حال خروجه ثم اعادتها بعد ذلك على الأحوط.

و كذلك الحكم في غير الغاصب إذا كان عالما بالغصبية فتجري فيه الأحكام المذكورة في المسألة، و إذا ضاق عليه الوقت وجب عليه الإتيان بالصلاة و هو في حال الخروج و يأتي بها مع الإيماء، و إذا كان الركوع لا يوجب زيادة

في المكث ركع و هو ماش، و عليه قضاؤها بعد ذلك على الأحوط.

المسألة 198

إذا دخل الرجل المكان المغصوب و هو يجهل غصبيته ثم علم بها بعد دخوله وجب عليه الخروج منه و لم يجز له الدخول في الصلاة إذا كان في سعة الوقت حتى يخرج، و إذا لم يعلم بالغصبية حتى دخل في الصلاة و كان في سعة الوقت وجب عليه قطع الصلاة و استينافها بعد الخروج

كلمة التقوى، ج 1، ص: 346

إذا كان الخروج يستلزم ما ينافي الصلاة، و الا أتمها في حال خروجه و لو بالإيماء ثم أعادها بعد ذلك على الأحوط.

و إذا ضاق عليه وقت الصلاة أتى بها و هو في حال الخروج، و إذا كان في أثناء الصلاة أتمها، و هو في حال خروجه كذلك، و إذا كان الركوع لا يوجب زيادة في المكث ركع و هو ماش و أومأ للسجود و الا أومأ لهما كما تقدم، و لا يجب عليه قضاء الصلاة بعد ذلك و ان كان أحوط.

و يجب عليه في أثناء خروجه أن يسلك أقرب الطرق و أن يستلزم الاستقبال في صلاته بقدر الإمكان و كذلك الحكم إذا دخل المكان و هو ناس للغصبية ثم تذكرها، أو اعتقد ان المالك اذن له بالدخول فدخل ثم تبين له خلاف ذلك، أو أذن المالك له بدخول المكان فدخله ثم رجع المالك عن إذنه فيجري فيهم التفصيل المذكور في المسألة و تترتب عليهم أحكامه.

المسألة 199

المدار في الاذن على دلالته على رضا المالك بالدخول أو التصرف في المكان، فإذا أذن المالك بهما و دلت القرائن على عدم رضاه بذلك و انه انما أذن خوفا أو حياءا أو لغيرهما من الدواعي لم يصح الاعتماد عليه.

[الثاني: أن يكون قارا،]
المسألة 200

الثاني من شرائط مكان المصلي أن يكون قارا، فلا تصح الصلاة اختيارا في المكان الذي لا استقرار فيه للمصلي، كالسيارة و السفينة السائرتين و الأرجوحة المتحركة و على ظهر الدابة السائرة و سائر أدوات النقل في حال مسيرها، و تصح مع الاضطرار الى ذلك، و إذا اضطر إلى الصلاة فيه وجب عليه مراعاة الاستقرار و الاستقبال بحسب المستطاع، فيدور وجهه و بدنه الى القبلة إذا استدارت السفينة أو واسطة النقل التي هو فيها، و يمسك عن القراءة و الذكر حال حركته و استدارته إلى القبلة، و يقرأ و يذكر حال استقراره و يمسك حال الاضطراب إذا لم يحصل به فصل طويل يمحو صورة الصلاة، و إذا أمكنه التشاغل بالذكر

كلمة التقوى، ج 1، ص: 347

ما دام الاضطراب، حتى لا تمحى صورة الصلاة بالسكوت الطويل لزمه ذلك، فإذا استقر عاد الى قراءته أو ذكره مع المحافظة على الترتيب و الموالاة في القراءة، و ان لم يمكنه ذلك استمر في قراءته أو ذكره و ان لم يستقر.

المسألة 201

تجوز الصلاة اختيارا في السفينة حال وقوفها، بل حتى في وقت مسيرها إذا أمكنت له المحافظة على الشرائط الواجبة في الصلاة من استقرار و استقبال و غيرهما، و تجوز الصلاة على الدابة أيضا إذا أمكن فيها ذلك.

المسألة 202

لا تصح الصلاة على الشي ء الذي لا يمكن الاستقرار عليه مثل كثيب الرمل الناعم و صبرة الطعام و بيدر التبن و كدس القطن المندوف و أمثال ذلك.

[الثالث: أن لا يتقدم على قبر المعصوم]
المسألة 203

الثالث من شرائط مكان المصلي أن لا يتقدم على قبر المعصوم على الأحوط إذا لم يكن بين المصلي و بين القبر الشريف حائل يكون رافعا لسوء الأدب، و الظاهر جواز الصلاة مع المساواة للقبر و لا يكفي في الحائل القفص و الصندوق و الثياب التي تكون حول القبر الشريف.

[مسائل]
المسألة 204

يكره تقدم المرأة على الرجل و محاذاتها له إذا صليا في مكان واحد، سواء سبق أحدهما صاحبه في دخوله في الصلاة أم اقترنا، و لا تختص الكراهة بأحدهما و لا بمن شرع في الصلاة لاحقا، و لا كراهة مع وجود حائل بينهما أو بعد أحدهما عن الآخر بعشرة أذرع. و تخف الكراهة بأن يتقدم الرجل على المرأة بصدره، و تكون أخف من ذلك إذا كان سجود المرأة مع ركوعه، و تزول الكراهة إذا كان سجودها وراء موقفه، و الأحوط في الحائل بينهما ان يكون مانعا عن المشاهدة، و يكفي الحائط و ان كان قصيرا أو كثير النوافذ.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 348

المسألة 205

لا فرق في الحكم المذكور بين أن تكون المرأة أجنبية عن الرجل أو من محارمه أو زوجته أو أمته، و لا فرق بين أن تكون صلاتهما فريضة أو نافلة أو مختلفة.

و يختص الحكم بالصلاتين الصحيحتين، فلا كراهة على من كانت صلاته صحيحة منهما أن يتقدم أو يتأخر على الثاني أو يحاذيه في المكان إذا كانت صلاته فاسدة.

المسألة 206

لا كراهة على الرجل أن يصلي و أمامه أو الى جانبه امرأة غير مشغولة بالصلاة، و لا كراهة على المرأة أن تصلي و خلفها أو الى جنبها رجل غير مشغول بالصلاة و ان كان الجالس مشغولا بعبادة أخرى.

المسألة 207

تجوز الصلاة الفريضة في جوف الكعبة، و تجوز كذلك فوق سطحها، و إذا صلى المكلف على سطحها وجب عليه أن يصلي قائما و أن يجعل أمامه في جميع حالات صلاته شيئا من فضاء البيت الشريف يستقبله.

المسألة 208

تصح الصلاة في المكان النجس إذا كانت نجاسته جافة لا تتعدى الى ثياب المصلي أو بدنه نعم تشترط طهارة موضع الجبهة، فلا يصح السجود على الموضع النجس و ان كانت نجاسته غير متعدية و سيأتي بيانه في الفصل الآتي.

المسألة 209

إذا صلى الإنسان في المكان النجس أو المتنجس و تعدت نجاسته الى بدن المصلي أو الى ثيابه بطلت صلاته إذا كانت النجاسة المتعدية مما لا يعفى عنها في الصلاة، و لا تبطل إذا كانت النجاسة مما يعفى عنها، و مثال ذلك ان يكون المكان متنجسا بالدم، و يتعدى منه الى ثياب المصلي أو الى بدنه ما لا يبلغ سعة الدرهم.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 349

المسألة 210

لا تجوز الصلاة اختيارا في مكان لا يستطيع المكلف فيه أن يأتي بأفعال الصلاة على الوجه الصحيح، و مثال ذلك ان يكون المكان هابط السقف فلا يستطيع المصلي ان ينتصب في القيام أو يكون ضيقا فلا يقدر فيه على أن يركع أو يسجد على الوجه الواجب، فلا يصح له ذلك إذا كان قادرا على أن يأتي بها على النحو المطلوب، و إذا اضطر إلى الصلاة في ذلك المكان جاز له ذلك و وجب عليه أن يحافظ على الواجبات بقدر الإمكان.

المسألة 211

إذا كان الموضع يعرض الإنسان لقطع الصلاة و عدم التمكن من إتمامها كالموضع الذي يشتد فيه الزحام و المكان الذي يشتد فيه المطر أو الريح فيتعرض المكلف من أجل ذلك لإبطال الصلاة و عدم التمكن من إتمامها، فالظاهر انه لا مانع من الصلاة في ذلك المكان برجاء الإتمام فإذا أتمها كذلك كانت صحيحة، نعم الأحوط له أن لا يصلي فيه إذا كان مطمئنا بعدم التمكن من الإتمام.

الفصل العاشر في موضع الجبهة في السجود
المسألة 212

يشترط في صحة الصلاة طهارة موضع الجبهة في السجود من النجاسة و من أي شي ء حكم الشارع بنجاسته، كالمتنجس، أو بأن له حكم النجاسة، كالرطوبة التي تخرج بعد البول أو بعد المني و قبل الاستبراء منهما، و كأحد أطراف الشبهة المحصورة و قد تقدم ذلك في أول فصل أحكام النجاسة، و تقدم في المسألة المائة و السابعة و الخمسين هناك بعض التفصيلات الأخرى عن ذلك فلتراجع المسألتان.

المسألة 213

يشترط في موضع الجبهة أن يكون من الأرض أو من نباتها غير

كلمة التقوى، ج 1، ص: 350

المأكول و لا الملبوس للإنسان عادة، فيجوز السجود على التراب و الرمل و الحصى و المدر و الحجر و على الصخور و ان كانت صلبة ملساء أو مرتفعة القيمة كالمرمر و حجر الرحى و غيرهما إذا صدق عليها اسم الأرض، و يجوز على حجر الجص و النورة قبل احراقهما و على الطين الأرمني و طين الرأس، و لا يجوز السجود على الذهب و الفضة و العقيق و الفيروزج، و القير و الزفت و الحديد و سائر المعادن و لا على البلور و الزجاج و كل ما خرج عن اسم الأرض، و لا يجوز على الأحوط على حجر الجص و النورة بعد الإحراق و لا على الخزف و الآجر كذلك.

المسألة 214

لا يجوز السجود على ما يأكله الإنسان عادة من نبات الأرض كالحنطة و الأرز و سائر الحبوب و البقول و الفواكه و الثمار المأكولة و ان لم يصل زمان أكلها أو احتاجت في أكلها إلى طبخ أو طحن و خبز أو عمل آخر و لا يجوز السجود على الجوز و اللوز و أشباههما و ان كان اللب المأكول منها مستورا بالقشور.

و يجوز السجود على ورق الشجر و على خشبه و لحاه، و على سعف النخيل و جذعه و على قشور الفواكه و الثمار بعد الانفصال إذا كانت القشور مما لا تؤكل عادة، و يجوز السجود على قشور الأرز و نخالة الحنطة و الشعير، و على الحنظل و الخرنوب و أمثالهما من الثمار التي لا تؤكل، و على الأزهار و الأوراد غير المأكولة، و على نوى التمر و نوى الفواكه

و البذور غير المأكولة أو الداخلة في ضمن العقاقير.

المسألة 215

لا يجوز السجود على ورق العنب قبل يبسه، و يشكل جواز السجود عليه بعد يبسه.

المسألة 216

يجوز السجود على النبات الذي يأكله الحيوان كالحشائش و التبن و القصيل و القت و أنواع المعلوفات، و لا يترك الاحتياط باجتناب السجود

كلمة التقوى، ج 1، ص: 351

على عقاقير الأدوية كعنب الثعلب و لسان الثور و الترياك و غيرها.

و اجتناب السجود على ورق الشاي و القهوة و يجوز على التتن.

المسألة 217

إذا كان النبات مما يؤكل عادة في بعض البلاد دون بعض فالمدار على الغلبة في نوع البلاد فان كان الغالب فيها أكله وجب اجتناب السجود عليه و ان كان الغالب فيها ترك أكله جاز السجود عليه و ان لم تحصل الغلبة لأحدهما أو لم تعلم فالأحوط الاجتناب.

المسألة 218

لا يجوز السجود على النباتات التي تنبت على وجه الماء و لا على الرماد و الفحم مما خرج عن اسم النبات بعد احتراقه.

المسألة 219

يجوز السجود على النباتات التي تؤكل عند الضرورة و المخمصة أو عند بعض الناس.

المسألة 220

لا يجوز السجود على ما يلبسه الإنسان عادة من نبات الأرض كالقطن و الكتان و القنب، و ان احتاجت الى غزل و نسج، بل و ان لم تبلغ أوان ذلك على الأحوط ان لم يكن أقوى، و يجوز السجود على خشبها و ورقها و على قشور القطن بعد انفصاله.

المسألة 221

يجوز السجود على الخوص و الليف و ان لبسا في بعض أوقات الضرورة أو عند بعض الناس.

المسألة 222

يجوز السجود على الخشب و ان اتخذ منه القبقاب و نحوه مما قد يلبس كالحذاء أو صنع منه غمد السيف و الخنجر، فإنها لا تعد من

كلمة التقوى، ج 1، ص: 352

الملابس المتعارفة، بل يجوز السجود على نفس القبقاب و الغمد إذا كان من الخشب.

المسألة 223

يجوز السجود على القرطاس إذا علم انه متخذ من غير المأكول و لا الملبوس، و إذا علم انه متخذ من أحدهما أو شك في ذلك فالأحوط اجتناب السجود عليه.

المسألة 224

إذا منعته التقية من أن يسجد على ما يصح السجود عليه، جاز له أن يسجد على أي شي ء تتأدى به التقية، فيصح له السجود على الصوف و الوبر و الثياب و غيرها مما لا يصح السجود عليه، و لا تجب عليه اعادة صلاته و ان أمكن له أن يعيدها في الوقت تامة الشرائط.

المسألة 225

إذا لم يجد المصلي ما يصح السجود عليه، أو لم يستطع السجود عليه لحر الرمضاء أو تراكم الثلج و نحو ذلك، سجد على ثوبه القطن أو الكتان أو على القير أو القفر مخيرا بينها، و لا يتعدى الى سائر المعادن، فان لم يكن لديه شي ء منها سجد على ظهر كفه.

المسألة 226

إذا دخل المكلف في الصلاة و فقد في أثنائها ما يصح السجود عليه فان استطاع أن يحصل ما يسجد عليه و هو في صلاته و لو بالإشارة المفهمة لغيره أو الحركة غير المنافية للصلاة لزمه ذلك و أتم صلاته، و ان لم يمكنه ذلك، فان كان الوقت واسعا و كان من الممكن له تحصيل ما يسجد عليه إذا هو قطع صلاته، وجب عليه قطع الصلاة و استينافها بعد تحصيل ما يسجد عليه و ان كان غير متمكن من تحصيل ذلك في جميع الوقت أو كان الوقت ضيقا وجب عليه أن يتم الصلاة و يسجد على ثوبه القطن أو الكتان أو على القير أو القفر كما تقدم في المسألة السابقة فان لم يجد شيئا من ذلك سجد على ظهر كفه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 353

المسألة 227

إذا اعتقد في شي ء انه مما يصح السجود عليه فسجد عليه في صلاته ثم علم بخلاف ذلك فان كان علمه بالخلاف بعد رفع رأسه من السجود، مضى في صلاته، و وجب عليه اجتناب ذلك الشي ء في بقية سجداته، و ان علم بالخلاف قبل أن يرفع رأسه من السجود، ترك الذكر و جر جبهته الى ما يصح السجود عليه إذا أمكن له ذلك، ثم أتى بالذكر و أتم الصلاة، و ان لم يمكن جرى فيه التفصيل المذكور في المسألة المتقدمة، فإن كان في سعة الوقت و أمكن له تحصيل ما يسجد عليه في الوقت، قطع صلاته و استأنفها على ما يصح السجود عليه، و إذا كان الوقت واسعا و لكنه لا يتمكن من تحصيل ما يسجد عليه في جميع الوقت أو كان الوقت ضيقا، سجد على ثوبه من القطن أو الكتان أو

على القير أو القفر، فان لم يجد ذلك سجد على ظهر كفه.

المسألة 228

يشترط في موضع الجبهة أن يكون مما يمكن تمكين الجبهة عليه، فلا يصح السجود على الوحل أو الرمل الناعم أو التراب الذي لا تتمكن الجبهة عليه عند السجود، و لا على الطين إذا كان كذلك، و إذا كان الطين مما يمكن تمكين الجبهة عليه صح السجود عليه، فإذا لصق بالجبهة شي ء منه وجبت إزالته للسجدة الثانية، و كذلك إذا مكن جبهته على التراب و علق بالجبهة منه ما يعد حائلا فتجب ازالته للسجود اللاحق.

المسألة 229

إذا لم يجد لسجوده الا الشي ء الذي لا يمكن الاعتماد عليه كالوحل و الطين و الرمل و التراب الناعمين سجد عليه بأن يضع جبهته و لا يمكنها.

المسألة 230

إذا كان المكلف في أرض غمر وجهها الطين لمطر أو غيره، و لم يجد مكانا جافا للصلاة فيه، فإذا جلس أو سجد عليها تلطخت ثيابه و بدنه بطينها، صلى قائما و ركع ثم أومأ للسجود إيماء و لم يجلس، و تشهد و سلم و هو قائم.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 354

و الأحوط الاقتصار في ذلك على صورة لزوم الحرج أو الضرر من الجلوس على الطين، فإذا لم يكن حرجيا و لا موجبا للضرر سجد على الأرض و جلس للتشهد.

و إذا جلس في صلاته و سجد على الطين، و كان الجلوس و السجود عليه يوجبان الحرج أو الضرر الذي لا يحرم تحمله كانت صلاته صحيحة و لم تجب عليه اعادتها، و إذا كانا يوجبان الضرر الذي يحرم تحمله و يجب دفعه كانت صلاته باطلة فتجب عليه إعادتها.

المسألة 231

أفضل ما يسجد عليه المكلف هو التربة الحسينية، ففي الحديث عن الامام الصادق (ع): ان السجود على تربة أبي عبد اللّه (ع) يخرق الحجب السبع، و عنه (ع) السجود على طين قبر الحسين (ع) ينور إلى الأرضين السبعة.

و السجود على الأرض أفضل من السجود على النبات، و لعل السجود على تراب الأرض أفضل من السجود على الحجر.

المسألة 232

إذا وضعت التربة الحسينية في مسجد أو مشهد أو في محل معد للصلاة فيه اختصت به فلا يجوز لأحد إخراجها منه الى مكان آخر و ان كان مساويا له أو أفضل منه، الا إذا علم بأنها قد وضعت لمطلق الانتفاع، و إذا أخرجها أحد من موضعها كانت بحكم المغصوب، فلا تصح الصلاة عليها لمن يعلم بأمرها و يجب ردها الى موضعها.

الفصل الحادي عشر في ما يستحب و ما يكره من الأمكنة
المسألة 233

لا يضر بصلاة الإنسان أن يمر بين يديه و هو يصلي حيوان أو إنسان، و لا ينقص من فضلها شي ء، و لكن يستحب لمن أراد الصلاة في موضع

كلمة التقوى، ج 1، ص: 355

يكون فيه معرضا للمرور بين يديه أن يجعل بين يديه سترة يتقي بها، و يكفي أن تكون السترة عصى أو سهما أو رمحا أو حجرا أو كومة تراب أو أي شي ء آخر، أو يخط في الأرض بين يديه خطا.

المسألة 234

تستحب الصلاة في المسجد و قد ورد الحث في ذلك عن أئمة الهدى (ع)، و استفاضت أحاديثهم في بيان فضلها، و قد ورد عنهم (ع): ان الصلاة في المسجد الجامع في البلد تعدل ثواب مائة صلاة في غير المسجد، و ان الصلاة في مسجد القبيلة تعدل ثواب خمس و عشرين صلاة، و ان الصلاة، في مسجد السوق تعدل ثواب اثنتي عشرة صلاة.

المسألة 235

يستحب للإنسان أن يتخذ في بيته مسجدا يعده للصلاة فيه، فيصلي فيه نوافله و فرائضه حين يعرض له ما يمنعه من الخروج الى المساجد، و لا تلحق هذا المصلي أحكام المسجد الخاصة و لا يسقط معه استحباب الخروج الى المساجد في الصلاة، و في الحديث عن الامام الصادق (ع) انه قال لحريز بن عبد اللّه: اتخذ مسجدا في بيتك فإذا خفت شيئا فالبس ثوبين غليظين من أغلظ ثيابك فصل فيهما ثم اجث على ركبتيك فاصرخ الى اللّه و سله الجنة و تعوذ باللّه من شر الذي تخافه، و إياك أن يسمع اللّه منك كلمة بغي و ان أعجبتك نفسك و عشيرتك.

و من خواص هذا المصلي انه يستحب نقل المحتضر إليه إذا اشتد به النزع فإنه يوجب التخفيف عنه.

المسألة 236

أفضل المساجد هو المسجد الحرام، ثم مسجد الرسول (ص) و قد ورد في الحديث عن الإمام أبي جعفر (ع): من صلى في المسجد الحرام صلاة مكتوبة قبل اللّه منه كل صلاة صلاها منذ يوم وجبت عليه الصلاة، و كل صلاة يصليها الى أن يموت، و ورد ان الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة، و عن الامام الباقر (ع) صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 356

ألف صلاة في غيره من المساجد، و ورد ان الصلاة في مسجد الرسول (ص) تعدل عشرة آلاف صلاة في ما سواه من المساجد و ان الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجد الرسول (ص)، و ورد غير ذلك، و هذا الاختلاف منزل على اختلاف المصلين في مراتب اخلاصهم، فكلما كان العبد أكثر إخلاصا كان عمله أفضل و كان لطف اللّه به أكبر.

ثم مسجد الكوفة و

المسجد الأقصى، و الصلاة في كل واحد منهما تعدل ثواب ألف صلاة.

المسألة 237

تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة المعصومين (ع) و خصوصا في مشهد علي و حائر الحسين (ع)، و قد نقل عنهم (ع): ان الصلاة عند علي (ع) بمائتي ألف صلاة، و في حديث زيارة الحسين (ع): من صلى خلفه صلاة واحدة يريد بها اللّه لقي اللّه تعالى يوم يلقاه و عليه من النور ما يغشى له كل شي ء يراه.

المسألة 238

صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، و صلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، و على هذا فتكون صلاتها في البيت أفضل من أي مسجد تريد الخروج إلى الصلاة فيه و ان كان هو المسجد الحرام أو أحد المساجد المعظمة الأخرى، أو أحد مشاهد المعصومين و المراد من بيتها هو البيت الذي تأوي اليه و ان كانت مسافرة.

المسألة 239

يستحب للإنسان أن يفرق صلاته في أمكنة متعددة سواء كانت صلاته في مسجد أم في غيره فان كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة كما في الحديث.

المسألة 240

يكره لمن كان في جوار المسجد أن يصلي في غير المسجد، فإذا صلى في غيره من غير علة كانت صلاته ناقصة الفضل غير كاملة، لا بالإضافة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 357

إلى الصلاة في المسجد، بل بالإضافة إلى الصلاة في غير المسجد لغير جاره.

و الظاهر أن الحكم لا يشمل من ترك الصلاة في المسجد ليصلي في مسجد آخر، و خصوصا إذا كانت الصلاة في المسجد الأخر أفضل أو كان يشتمل على خصوصية أخرى كصلاة الجماعة و نحوها.

المسألة 241

يكره هجر المسجد و تعطيله من الصلاة، ففي الحديث عن أبي عبد اللّه (ع) ثلاثة يشكون الى اللّه عز و جل: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله و عالم بين جهال و مصحف معلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه.

المسألة 242

يستحب السعي إلى المساجد و كثرة التردد إليها، فعن النبي (ص) من مشى الى مسجد من مساجد اللّه فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع الى منزله عشر حسنات و محا عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات، و عن الإمام أبي عبد اللّه (ع) من مشى الى المسجد لم يضع رجلا على رطب و لا يابس الا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة.

المسألة 243

تكره الصلاة في الحمام حتى المسلخ منه، و تخف الكراهة إذا كان نظيفا، و لا كراهة في الصلاة على سطحه.

المسألة 244

تكره الصلاة في المزبلة، و في بيت الغائط، و على السطح الذي يتخذ مبالا، و في المجزرة، و هي المكان الذي يتخذ لذبح الحيوانات أو نحوها.

المسألة 245

تكره الصلاة في معاطن الإبل و هي مباركها، و في مرابض البقر، و تخف الكراهة إذا كنست و رشت قبل الصلاة فيها، و ينبغي انتظار يبس الموضع، و يكره في مرابط الخيل و البغال و الحمير.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 358

المسألة 246

تكره الصلاة في بيت فيه خمر أو مسكر و ان لم يكن البيت معدا لذلك، أو كان المسكر محصورا في آنية و نحوها.

المسألة 247

تكره الصلاة في بيت المجوسي و ان لم يكن ملكا له و لم يكن حاضرا وقت الصلاة و إذا رش بالماء و جف زالت الكراهة عن الصلاة فيه، و تكره الصلاة في بيت فيه مجوسي حاضر و ان لم يكن البيت ملكا له.

المسألة 248

تكره الصلاة في قرى النمل و المواضع التي تسكنها و ان لم يكن فيها نمل ظاهر حال الصلاة، و تكره في مجاري الماء و ان لم يجر فيها بالفعل، و لا تكره الصلاة على سقف أو بناء يجري تحته نهر أو عين أو ساقية.

المسألة 249

تكره الصلاة على الأرض السبخة و هي التي يعلو وجه الأرض ما يشبه الملح، و انما تكون الصلاة مكروهة عليها إذا كان السبخ الموجود على وجهها لا يمنع من تمكين الجبهة على الأرض بالمقدار الواجب في السجود، و إذا كان مانعا من ذلك كانت الصلاة باطلة كما تقدم نظائره في المسألة المائتين و الثامنة و العشرين، و إذا كان السبخ لا يمنع من ذلك و لكنه يمنع من قرار الجبهة في السجود على الوجه الكامل كانت الصلاة مكروهة، فإذا سوى المصلي الأرض بيده أو بجبهته حتى استقرت على الأرض زالت الكراهة.

المسألة 250

تكره الصلاة على الثلج و الجمد، و هذا إذا لم يكن مانعا من صدق السجود على الأرض، فإذا كثر الثلج و تراكم حتى أصبح السجود عليه لا يعد سجودا على الأرض في نظر أهل العرف كانت الصلاة باطلة، و إذا لم يجد المصلي شيئا مما يصح السجود عليه وجب ان يسجد على ثوبه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 359

القطن أو الكتان أو على القير أو القفر، فان لم يجد ذلك سجد على ظهر كفه كما ذكرنا في المسألة المائتين و الخامسة و العشرين.

المسألة 251

تكره الصلاة في الطرق و الجواد سواء كانت في البلاد أم في خارجها، و سواء كانت مشغولة بالمارة حين صلاة الإنسان فيها أم لا، و إذا أضرت الصلاة بالمارة حرمت بل الأحوط اعادتها.

المسألة 252

تكره الصلاة و في قبلة المصلي نار مضرمة أو سراج موقد، و لا كراهة في أن تكون أمامه مصابيح كهربائية.

و تكره صلاته و أمامه تمثال لذي روح سواء كان التمثال مجسما أم منقوشا، و تزول الكراهة إذا سترت الصورة بثوب و نحوه، و لا كراهة إذا كانت الصورة على يمين المصلي أو عن شماله أو من خلفه أو تحت قدمه. و تكره الصلاة و بين يديه مصحف مفتوح أو كتاب مفتوح أو نقش ينظر فيه.

المسألة 253

تكره الصلاة و امام المصلي عذرة، أو يكون في قبلته حائط ينز من كنيف أو من بالوعة يبال فيها، و تزول الكراهة بستر موضع النز.

المسألة 254

تكره الصلاة في المقبرة و ان لم يصل على شي ء من القبور و لم يكن أمامه شي ء منها، و تكره الصلاة على قبر من غير فرق بين أن يأتي المصلي بجميع أفعال صلاته على القبر أو ببعضها، كما إذا سجد أو قام في صلاته على القبر، و لا تشمل ما إذا كان الميت مدفونا في أرض الحجرة و صلى الإنسان على سطحها، و تكره الصلاة و أمام المصلي قبر و ترتفع الكراهة بوجود حائل بين المصلي و القبر كجدار و نحوه، و المدار في الحائل أن لا يعد المصلي معه مستقبلا للقبر.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 360

و تكره الصلاة بين قبرين أو أكثر، و ترتفع الكراهة بوجود حائل بين القبرين، فإذا كان القبران عن يمين المصلي و يساره كفى في رفع الكراهة أن يجعل حائلا بينه و بين أحد القبرين، و إذا كان أحد القبرين أمامه و الآخر خلفه، وضع الحائل أمامه فيكون رافعا لكراهة الصلاة بين القبرين و لكراهة الصلاة خلف القبر. و إذا كانت القبور التي يصلي بينها أربعة كفى حائلان يضع أحدهما بين اليمين و اليسار و الثاني من أمام كما تقدم.

و ترتفع الكراهة أيضا في الصلاة بين القبرين أو أكثر ببعد عشرة أذرع عن كل قبر منها، فإذا كانا عن يمينه و يساره احتاج الى بعد عشرة أذرع من اليمين و عشرة أذرع من اليسار، و كذلك إذا كانا من الامام و الخلف، و إذا كانت القبور من الجهات الأربع احتاج الى بعد عشرة أذرع من

كل جهة.

المسألة 255

ينبغي التنزه عن بيت فيه كلب غير كلب الصيد أن يصلى فيه، و عن بيت فيه جنب و ان يصلي و أمامه سيف أو سلاح من حديد، أو يصلي على بيدر من حنطة أو شعير.

الفصل الثاني عشر في بعض أحكام المسجد
المسألة 256

يستحب بناء المسجد و قد استفاضت الأحاديث عن المعصومين (ع) في بيان فضل ذلك و الحث عليه، و قد تكرر عنهم (ع) ان من بنى مسجدا بنى اللّه له بيتا في الجنة.

المسألة 257

يكفي في تحقق المسجدية أن يبني الموضع بقصد كونه مسجدا ثم يصلي فيه شخص واحد بإذن الباني و بقصد التسلم و القبض، فإذا تم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 361

ذلك تحققت وقفيته و جرت له أحكام المسجد و ان كان الأحوط إجراء صيغة الوقف فيقول مالك الموضع أو وكيله وقفته مسجدا قربة الى اللّه تعالى.

المسألة 258

يجوز لباني المسجد أو واقفة أن يعمم المسجدية على جميع الموضع أو يخصصها ببعض اجزائه كما يشاء، فله أن يجعل الأرض و البناء و السطح مسجدا، و له أن يجعل الأرض وحدها مسجدا دون البناء، أو يجعل الأرض و البناء مسجدا دون السطح، أو يجعل السطح مسجدا دون الأرض و البناء، أو يجعل بعض الغرف دون بعض، و له أن يبني الموضع طبقتين مثلا و يجعل الجميع مسجدا أو يجعل بعضه دون بعض حسب ما يعين في جعله و قصده، فإذا جعل ذلك و تم الوقف لم يجز التبديل و الاستثناء بعد ذلك.

المسألة 259

يشكل أن يجعل الموضع مسجدا خاصا بطائفة من المسلمين دون طائفة، بل يمنع ذلك، نعم يصح أن يقف الموضع مصلى لطائفة منهم، فيختص بتلك الطائفة، و لا تجري عليه أحكام المسجد.

المسألة 260

يجوز نقض بناء المسجد إذا أشرف على الانهدام و تجديد بنائه، و يجوز نقض بنائه لتوسعته مع حاجة المصلين الى ذلك و ان لم يكن خرابا و لم يشرف على الانهدام، بل يجوز ذلك إذا اقتضته مصلحة معلومة الأهمية أو دفع مفسدة معلومة الأهمية كذلك و يجوز فتح أبواب و منافذ جديدة للمسجد و ايصاد أخرى إذا اقتضت المصلحة ذلك.

المسألة 261

تحرم زخرفة المسجد على الأحوط و هي تزيينه بالذهب، و يحرم على الأحوط نقشه بصور ذوات الأرواح، و لا يحرم تزيينه بكتابة الآيات و الأحاديث على جدرانه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 362

المسألة 262

لا يخرج الموضع عن المسجدية و ان خربت عمارته و ذهبت عنه آثار المسجدية، و لا تسقط عنه أحكامها، فلا يجوز تنجيسه و يحرم هتكه، و لا يجوز بيعه و لا إدخاله في الملك أو في الطريق بعوض أو بدون عوض، و لا يجوز بيع آلاته و أجزائه كأخشابه و حجارته و حديده بل يجب صرف أعيانها في تعميره إن أمكن، فان لم يمكن ذلك لكون المسجد غير قابل للتعمير، أو لكونه معمورا و مستغنيا عنها، وجب صرف أعيانها في تعمير مسجد آخر، و ان لم يمكن ذلك جاز بيعها و صرف قيمتها في تعمير المسجد نفسه، فان لم يمكن ذلك صرفت القيمة في تعمير مسجد آخر.

المسألة 263

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 1، ص: 362

يحرم تنجيس المسجد و تنجيس شي ء من أجزائه أو أدواته، و يجب تطهيره من النجاسة إذا تنجس بفعله أو بفعل غيره، و قد فصلنا أحكام ذلك و فروضه في المسألة المائة و الخامسة و السبعين من كتاب الطهارة و المسائل التي بعدها، فلتراجع.

المسألة 264

لا يجوز تمكين اليهود و النصارى و غيرهم من أصناف الكفار من دخول المساجد و ان لم يتلوث المسجد بنجاستهم.

المسألة 265

يجوز أن يجعل موضع الكنيف مسجدا بعد أن تطم نجاسته و رطوباته بتراب طاهر، و كذلك الأمكنة الأخرى التي تكون فيها النجاسات، و الأحوط استحبابا أن تزال أعيان النجاسة عن الموضع أو لا قبل أن يطم بالتراب، و إذا كان في الموضع ماء نجس تسري نجاسته الى التراب الطاهر الذي يوضع عليه فلا بد من نزح الماء أولا أو تجفيفه قبل طمه بالتراب.

المسألة 266

يحرم إخراج الحصى من المسجد إذا كان من أجزاء المسجد أو من

كلمة التقوى، ج 1، ص: 363

الموقوفات عليه و إذا أخرجه وجب رده اليه مع الإمكان، و يجوز إخراجه إذا كان من القمامة و الأوساخ التي تكون فيه، كما إذا كانت الأرض مفروشة بالكاشاني أو الحجر و وقع فيه بعض الحصى و لا بأس بإخراج التراب الزائد مما يعد من القمامة و الكناسة و ان كانت أرض المسجد من التراب.

المسألة 267

يحرم دفن الميت في أرض المسجد و ان علم بأنه لا يلوث أرض المسجد إذا دفن فيها.

المسألة 268

يستحب أن تجعل مواضع التطهير على أبواب المساجد سواء كانت للتطهير من الحدث أم كانت لقذف النجاسة و للتطهير منها، و إذا كانت من الثاني فيجب التوقي عن سراية النجاسة إلى جدران المسجد و أرضه.

المسألة 269

يستحب كنس المسجد و إخراج القمامة منه و يتأكد ذلك في يوم الخميس و ليلة الجمعة، و يستحب الإسراج فيه ليلا، من غير فرق بين أوقات الصلاة و غيرها و وجود المصلين و عدمهم و حاجة المسجد الى الانارة و عدمها فان ذلك من تعظيم شعائر اللّه.

المسألة 270

يستحب السبق الى دخول المسجد و اطالة المكث فيه، ففي الحديث:

أحب البقاع الى اللّه عز و جل المساجد، و أحب أهلها الى اللّه أو لهم دخولا و آخرهم خروجا منها، و يستحب التطيب و لبس الثياب الفاخرة عند التوجه الى المسجد.

المسألة 271

يستحب للإنسان أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله المسجد، و أن يقدم رجله اليسرى عند خروجه منه و أن يصلي على النبي (ص) عند دخوله، و يقول: اللهم اغفر لي ذنوبي، و افتح لي أبواب رحمتك،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 364

و أن يصلي على النبي (ص) عند خروجه و يقول: اللهم اغفر لي ذنوبي و افتح لي أبواب فضلك، و أن يتعاهد نعليه قبل دخوله المسجد حذرا من وجود النجاسة فيهما.

المسألة 272

يستحب لمن دخل المسجد أن يكون على طهارة و ان يستقبل القبلة بعد دخوله و ان يبسمل و يحمد اللّه و يصلي على النبي (ص) و يدعو بما أحب، و أن يصلي صلاة التحية و هي ركعتان و تتأدى الوظيفة بأن يصلي صلاة أخرى واجبة أو مندوبة، أدائية أو قضائية.

المسألة 273

يكره ان ترفع المنارة أكثر من سطح المسجد، و أن تجعل للمساجد شرافات و محاريب و الظاهر أن المحاريب التي يكره اتخاذها في المساجد هي المقاصير التي أحدثها أئمة الجور.

المسألة 274

يكره الاستطراق في المساجد، الا أن يصلي المستطرق فيها ركعتين، و يكره التنخم و التنخع و البصاق في المسجد، و النوم فيه الا عند الضرورة، و يكره الحذف بالحصى، و السؤال عن الضالة و قراءة الشعر إلا إذا كان في دعاء أو موعظة أو حكمة أو رثاء للمعصومين (ع).

المسألة 275

يكره رفع الصوت في المساجد إلا في الأذان و الصلاة و خطبة الجمعة و أمثال ذلك من العبادات التي جرت سيرة المتشرعة على الإتيان بها في المساجد كقراءة القرآن و مراثي أهل البيت (ع) و المواعظ و التدريس.

المسألة 276

يكره فيها البيع و الشراء و غيرهما من المعاوضات، و عمل الصنائع و التكلم في أمور الدنيا، و يكره تمكين الصبيان و المجانين من دخولها، و سل السيف فيها و تعليقه في القبلة و ان لم يكن مسلولا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 365

المسألة 277

يكره لمن أكل الثوم أو البصل أو غيرهما مما تكون له رائحة مؤذية أن يدخل المسجد ما دامت الرائحة موجودة، و يكره أن تكشف فيه العورة أو السرة أو الفخذ أو الركبة و ان لم يوجد فيها ناظر أو أمن من اطلاعه.

المسألة 278

تقدم في المسألة المائتين و الثامنة و الثلاثين ان صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد الذي تريد الخروج إليه.

المسألة 279

المذكور في الأدلة ان الإعلان في الفرائض أفضل من السر فيها، و ان الإسرار في النوافل أفضل من العلن فيها، و ليس معنى ذلك ان صلاة النوافل في المنازل أفضل من صلاتها في المساجد، فقد يكون السر في المساجد و قد تكون العلانية في المنزل.

فإذا صلى الإنسان الفريضة في المسجد علانية نال كلتا الخصوصيتين من الفضل في الفريضة، و إذا صلاها في المسجد سرا أو صلاها في المنزل علانية نال احدى الخصوصيتين من الفضل، و فاتته الأخرى.

و كذلك إذا صلى النافلة في المسجد سرا نال كلتا الخصوصيتين من الفضل في نافلته، و إذا صلاها في المسجد علانية أو صلاها في المنزل سرا نال احدى الخصوصيتين من الفضل في نافلته و فاتته الأخرى.

الفصل الثالث عشر في الأذان و الإقامة
المسألة 280

يستحب الأذان و الإقامة في الفرائض اليومية استحبابا مؤكدا، سواء كانت الفريضة أداء أم قضاء و جماعة أم فرادى، و مقصورة أم تامة، و سواء كان المصلي رجلا أم امرأة، و هما في صلاة الجماعة أشد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 366

تأكيدا من الفرادى، و في صلاة المغرب و الفجر أشد تأكيدا من غيرهما من الفرائض، و في صلاة الحضر أشد تأكيدا من صلاة السفر، و على الرجال أشد تأكيدا من النساء و التأكيد في الإقامة أشد، بل الأحوط عدم تركها لغير الضرورة، و في تركها بل و في ترك الأذان حرمان من ثواب جزيل.

المسألة 281

لا يشرع الأذان و لا الإقامة في غير الفرائض اليومية من الصلوات سواء كانت واجبة أم مندوبة، نعم يستحب في صلاة العيدين أن يقول المؤذن: الصلاة، ثلاث مرات، و في تعديتها الى غيرها من الفرائض إشكال.

المسألة 282

الأذان على قسمين، الأول: أذان الإعلام بدخول الوقت، و قد تكثرت الروايات بذكر فضله و الحث عليه، فعن الرسول (ص): المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم و صومهم و لحومهم و دمائهم، لا يسألون اللّه عز و جل شيئا إلا أعطاهم و لا يشفعون في شي ء إلا شفعوا، و يعتبر في هذا القسم أن يكون في أول الوقت.

الثاني: أذان الصلاة، و هو متصل بها و ان أتى المكلف بها في آخر الوقت، بل و ان أتى بها قضاء بعد الوقت، و قد ورد عن أبي عبد اللّه (ع): إذا أنت أذنت و أقمت صلى خلفك صفان من الملائكة و ان أقمت إقامة بغير أذان صلى خلفك صف واحد، و يعتبر في أذان الصلاة قصد القربة و كذلك في أذان الاعلام على الأحوط.

المسألة 283

الأذان سواء كان للاعلام أم للصلاة، ثمانية عشر فصلا، فيقول المؤذن: اللّه أكبر (أربع مرات)، أشهد ان لا إله إلا اللّه (مرتين)، أشهد أن محمدا رسول اللّه (مرتين)، حي على الصلاة (مرتين) حي على الفلاح (مرتين) حي على خير العمل (مرتين) اللّه أكبر (مرتين) لا إله إلا اللّه (مرتين).

كلمة التقوى، ج 1، ص: 367

و الإقامة سبعة عشر فصلا، فيقول: اللّه أكبر (مرتين) و يأتي بكل واحدة من الشهادتين، و من الحيعلات الثلاث (مرتين، مرتين)، ثم يقول قد قامت الصلاة (مرتين) اللّه أكبر (مرتين) لا إله إلا اللّه (مرة واحدة).

المسألة 284

الشهادة لعلي (ع) بالولاية و بإمرة المؤمنين ليست من فصول الأذان و لا من فصول الإقامة، و لا بأس بالإتيان بها على وجه الاستحباب العام، و تستحب الصلاة على محمد و آله عند ذكر اسمه الشريف.

المسألة 285

يجوز للمسافر أن يأتي بفصول الأذان و الإقامة مرة مرة من غير تكرار، و يجوز للمسافر و للمستعجل و ان لم يكن مسافرا أن يكتفي بالإقامة وحدها من غير أذان و يأتي بها تامة.

المسألة 286

يستحب أن ينطق بفصول الأذان و الإقامة ساكنة الأواخر، و أن يتأنى في الأذان و يطيل الوقوف على فصوله، و أن يسرع في الإقامة مع الوقف القصير على السكون في آخر الفصل، و عليه أن يلاحظ ان اسراعه لا يغير حركة و لا يبدل حرفا.

و إذا أتى بآخر الفصل من الأذان أو الإقامة متحركا وجب عليه أن يراعي قواعد اللغة في النطق بالحركة و في وصل آخر الفصل بما بعده فلا يقف على حركة و لا يصل على غير القاعدة.

الفصل الرابع عشر في شرائط الأذان و الإقامة و أحكامهما
اشارة

يشترط في الأذان و الإقامة عدة أمور.

[أحدها: النية]
المسألة 287

أحدها: النية كسائر العبادات، فلا بد منها في ابتداء العمل، و لا بد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 368

فيها من قصد القربة و لا بد من استدامتها حكما حتى يتم العمل.

و المراد باستدامة النية حكما أن يكون الإتيان بجميع أجزاء العمل ناشئا عن نيته الأولى للفعل و عن قصد القربة فيه، فلا يصح الأذان و لا الإقامة إذا أخل بذلك، و كذلك في أذان الاعلام على الأحوط.

المسألة 288

إذا قصد التقرب في الأذان ثم أخل به في الأثناء حتى أتمه بطل أذانه، و إذا رجع الى قصد القربة فيه، فان فاتت الموالاة بين الفصول بطل عمله كذلك و ان لم تفت الموالاة أعاد الفصول التي أتى بها بغير قصد القربة، فإذا فعل ذلك كان أذانه صحيحا و كذلك الحكم في الإقامة.

المسألة 289

يعتبر تعيين الصلاة التي يؤذن لها أو يقيم إذا كانت متعددة، و مثال ذلك أن تكون عليه صلاة حاضرة و صلاة فائتة فإذا أراد الأذان أو الإقامة فلا بد و أن يعين أن أذانه أو اقامته لأي الصلاتين و إذا لم يعين صلاته لم يكفه أذانه و لا إقامته لأحدهما.

و إذا قصد بأذانه أو اقامته صلاة معينة ثم أراد أن يصلي بهما صلاة أخرى لم يكفه ذلك و عليه إعادتهما.

[الثاني: العقل و الايمان،]
المسألة 290

الثاني من شرائط الأذان و الإقامة: العقل و الايمان، فلا يصح أذان المجنون و لا اقامته و لا أذان غير المؤمن و لا اقامته، و لا تكفيان لغيرهما جماعة و لا فرادى، بل و لا تكفيان لصلاتهما، فإذا أفاق المجنون أو استبصر المخالف بعد الأذان و الإقامة فعليهما الاستيناف. و يكفي أذان الصبي المميز و إقامته لصلاة نفسه، و الأحوط عدم الاكتفاء بإقامته لغيره جماعة و لا فرادى.

المسألة 291

يشترط في أذان الاعلام ان يكون المؤذن رجلا فلا يصح أذان المرأة، و لا يصح كذلك أذان المرأة و لا إقامتها لصلاة الجماعة للرجال إذا كانوا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 369

جميعا أو بعضهم أجانب عنها، بل و لا يترك لاحتياط بعدم الاكتفاء بأذانها و إقامتها لجماعتهم إذا كانوا جميعا من محارمها، و لا يترك الاحتياط بعدم اكتفاء الرجل بسماع أذانها أو إقامتها، و ان لم يكن أذانها و لا سماع الرجل لها على الوجه المحرم.

و يكتفي بأذانها و إقامتها لجماعة النساء، و للمرأة الأخرى إذا سمعت أذانها و إقامتها على ما سيأتي بيانه.

[الثالث: الترتيب]
المسألة 292

الثالث من شرائط الأذان و الإقامة الترتيب بينهما، فيجب تقديم الأذان بجميع فصوله على الإقامة بجميع فصولها، و يجب الترتيب بين فصول الأذان على الوجه المتقدم و بين فصول الإقامة كذلك، فإذا قدم الإقامة على الأذان عامدا أو جاهلا أو ساهيا فعليه اعادتها بعد الأذان.

و إذا خالف الترتيب في فصول الأذان فقدم ما هو متأخر منها، فعليه أن يرجع الى الفصل الذي أخره عن موضعه فيأتي به و بما بعده على الترتيب الصحيح، و إذا كان قد أتى بالفصل متأخرا عن موضعه أتى بما بعده على ما يوافق الترتيب، و إذا حصل بسبب ذلك فصل طويل يخل بالموالاة بين الفصول أعاد الأذان كله، سواء كان عامدا أم جاهلا أم ساهيا و كذلك الحكم في فصول الإقامة.

[الرابع: الموالاة]
المسألة 293

الرابع من شرائطهما: الموالاة بين الأذان و الإقامة، و ما بين كل فصل من الأذان و لاحقه، و ما بين كل فصل من الإقامة و لاحقه كذلك، و ما بينهما و بين الصلاة على وجه تحصل لهما الصورة المجعولة لهما في الشريعة و في عرف المتشرعة، فإذا وقع ما بينهما فصل طويل يخل بذلك كان مبطلا.

[الخامس: أدائهما بالعربي الصحيح،]
المسألة 294

الخامس من شرائطهما أن ينطق بكل فصل من فصولهما على النهج العربي الصحيح، فلا يصح الأذان و لا الإقامة إذا أبدل حرفا بحرف،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 370

بل و لا حركة بحركة، أو زاد في الكلمة حرفا أو نقص، و لا تكفي الترجمة إلى لغة أخرى.

[السادس: الوقت،]
المسألة 295

السادس من شرائطهما الوقت، فلا يكتفي بالأذان و لا الإقامة قبل دخول الوقت، سواء كان عامدا أم لا حتى إذا دخل عليه الوقت و هو في أثنائهما.

نعم يجوز تقديم أذان الإعلام قبل طلوع الفجر إذا كان المقصود منه الاعلام بقرب طلوع الفجر، و لا يصح إذا كان المقصود الاعلام بدخول الوقت، و الأحوط إعادة الأذان بعد دخوله.

[السابع: الطهارة و القيام]
المسألة 296

السابع يشترط في الإقامة أن يكون المقيم متطهرا من الحدث، و أن يكون قائما، بل و يعتبر فيها أن يكون مستقبلا للقبلة على الأحوط، و لا يشترط شي ء من ذلك في الأذان، نعم يستحب أن يكون المؤذن متطهرا قائما مستقبلا حال أذانه.

المسألة 297

إذا أحدث في أثناء الأذان لم يبطل أذانه، و تستحب له إعادة الأذان بعد الطهارة و إذا أحدث في أثناء الإقامة تطهر و أعاد الإقامة.

المسألة 298

إذا نام في أثناء أذانه أو جن أو أغمي عليه ثم أفاق، فإن فاتت الموالاة بين الفصول أعاد الأذان و ان لم تفت الموالاة جاز له أن يتم الأذان و يكتفي به، و إذا نام في أثناء الإقامة أو جن أو أغمي عليه ثم أفاق فالأحوط إعادة الإقامة بل يتعين ذلك في النوم.

المسألة 299

إذا أذن أو أقام بقصد الصلاة منفردا، ثم حضر معه من يأتم به قبل دخوله في الصلاة استحب له إعادة الأذان و الإقامة، و إذا ائتم به بعد دخوله في الصلاة أتمها و لا شي ء عليه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 371

المسألة 300

لا فرق بين أذان الاعلام و غيره في وجوب مراعاة النهج العربي الصحيح و اجتناب اللحن فيه.

المسألة 301

إذا ترك الأذان و أقام للصلاة، ثم بدا له أن يؤذن للصلاة فعليه أن يعيد الإقامة بعد الأذان.

المسألة 302

يسقط الأذان عن المكلف في عدة مواضع.

(الأول): إذا صلى المكلف الظهر في الموقف بعرفة، و أراد أن يجمع بينها و بين العصر سقط عنه أذان العصر، و الأقرب أن سقوط الأذان هنا عزيمة، فلا يجوز له أن يؤذن لصلاة العصر، و إذا فرق بين الفريضتين أذن للعصر.

(الثاني): إذا صلى المغرب ليلة المزدلفة و أراد أن يجمع بينها و بين العشاء سقط عنه أذان العشاء و سقوطه عزيمة كذلك، فلا يجوز له أن يأتي بالأذان، و إذا فرق بين الفريضتين أذن للعشاء.

(الثالث): إذا صلى الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة، و أراد أن يجمع بينها و بين العصر سقط عنه أذان العصر، و الأحوط له تركه، و إذا فرق بين الفريضتين لم يسقط أذان العصر.

(الرابع): إذا صلت المستحاضة صلاة الظهر أو المغرب و كان حكمها أن تجمع بين الفريضتين سقط عنها الأذان للعصر و العشاء، و سقوطهما رخصة على الأقوى، فإذا أذنت لصلاة العصر فعليها أن تغتسل لها و لا تكتفي بغسل واحد للفريضتين، و كذلك في المغرب و العشاء.

(الخامس): المسلوس إذا كان ممن يجوز له أن يجمع بين الظهرين أو العشاءين بوضوء واحد كما ذكرنا في المسألة الأربعمائة و السابعة و العشرين من كتاب الطهارة، فإذا جمع بينهما سقط عنه أذان الفريضة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 372

الثانية، و سقوطه على سبيل الرخصة، و إذا أذن للفريضة الثانية لم يكفه وضوء واحد للفريضتين، فلا بد له من الوضوء للفريضة الثانية.

المسألة 303

لا يختص سقوط الأذان بهذه المواضع المذكورة، بل يسقط في كل مورد جمع فيه المكلف بين الفريضتين أو الفرائض، فيؤذن و يقيم للصلاة الأولى، ثم يقيم للثانية، و هكذا إذا كانت أكثر من ذلك كما

في قضاء الفوائت المتعددة، سواء كان الجمع بين الفريضتين مستحبا أم مباحا.

المسألة 304

يحصل التفريق بين الفريضتين بطول الزمان بينهما و ان لم يكن مشغولا بتعقيب و نحوه، و يحصل بالإتيان بالنافلة بينهما، بل لعله يحصل بمطلق التطوع بين الفريضتين و ان لم يكن من الرواتب.

المسألة 305

يسقط الأذان و الإقامة عن المكلف في مواضع:

(الأول): من يريد الدخول في صلاة جماعة قد أذنوا لها و أقاموا، و لم يسمع هو أذانها و لا إقامتها، فيدخل مع الإمام في الصلاة من غير أذان و لا اقامة، سواء كان دخوله معه في أول الصلاة أم في أثنائها.

المسألة 306

(الثاني): من يدخل المسجد للصلاة فيه، و قد أقيمت في المسجد صلاة جماعة، سواء دخل المسجد في حال اشتغالهم بالصلاة أم بعد فراغهم منها و قبل تفرق صفوفهم، فيسقط عنه الأذان و الإقامة لصلاته، سواء أراد الصلاة منفردا أم جماعة، و سواء كان إماما في الجماعة الجديدة أم مأموما.

و الأقوى أن سقوط الأذان و الإقامة عنه عزيمة إذا كان الموضع مسجدا، فلا يجوز له أن يأتي بهما و انما تترتب هذه الأحكام مع اجتماع الشرائط التي نذكرها في المسائل الآتية.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 373

المسألة 307

يشترط في ترتب الأحكام المذكورة في المسألة المتقدمة.

أولا: أن تكون صلاة المكلف و صلاة الجماعة المقامة في المسجد متحدتين في المكان عرفا، فإذا كانت أحدهما في المسجد و الأخرى على سطحه لم يسقط الأذان و الإقامة عن المكلف في صلاته، و كذلك إذا كانتا متباعدتين في المكان كثيرا.

و ثانيا: أن تكون صلاة الجماعة المقامة في المسجد بأذان و اقامة، فلا يسقط الأذان و الإقامة عن المكلف في صلاته إذا كانت صلاة الجماعة بغير أذان و لا اقامة، كما إذا اكتفوا بسماعهما من الغير، أو سقط الأذان و الإقامة عنهم بسبب دخولهم على جماعة سابقه عليهم.

و ثالثا: أن تكون صلاة الجماعة السابقة صحيحة، فلا يسقط الأذان و الإقامة عن المكلف إذا كانت صلاة الجماعة قبله باطلة، كما إذا كان المأمومون فيها يعلمون بفسق الإمام أو كانت باطلة بسبب آخر.

المسألة 308

إذا كانت صلاة المكلف قضاء عن نفسه أو غيره، أشكل الحكم بسقوط الأذان و الإقامة عنه و ان كانت صلاة الجماعة قبله أدائية، فلا يترك الاحتياط بأن يأتي بهما برجاء المطلوبية، و كذلك إذا كانت صلاة الجماعة قضائية، سواء كانت صلاة المكلف أدائية أم قضائية، فيأتي بالأذان و الإقامة في صلاته برجاء المطلوبية.

المسألة 309

إذا دخل المكلف المسجد لصلاة المغرب فرأى الجماعة بعد فراغها من صلاة العصر قبل أن تتفرق صفوفها أشكل الحكم بالسقوط أيضا، فلا يترك الاحتياط بالأذان و الإقامة برجاء المطلوبية كما تقدم.

المسألة 310

إذا أقيمت صلاة الجماعة في مكان آخر غير المسجد و دخل المكلف فوجدهم قد فرغوا من الصلاة و لم تتفرق صفوفهم، فان كان دخوله

كلمة التقوى، ج 1، ص: 374

الى المكان بقصد الايتمام، سقط عنه الأذان و الإقامة إذا صلى في ذلك المكان كما في المسجد، و ان كان قد دخله لا بقصد الايتمام لم يسقط عنه الأذان و الإقامة في صلاته، و هذا هو الفارق الأول بين المسجد و غيره، و الفارق الثاني أن السقوط هنا رخصة لا عزيمة، فيجوز له أن يؤذن و يقيم لصلاته بخلاف السقوط في المسجد كما تقدم.

المسألة 311

إذا شك المكلف في تفرق صفوف الجماعة عند دخوله المسجد أم لا فالأحوط له أن يأتي بالأذان و الإقامة لصلاته برجاء المطلوبية، و كذلك إذا شك في أن مكان صلاته و مكان صلاة الجماعة متحد عرفا أم لا، أو شك في أن الجماعة قبله أذنوا و أقاموا أم لا، فيأتي بالأذان و الإقامة لصلاته برجاء المطلوبية، و إذا شك في صحة صلاتهم حملها على الصحة.

المسألة 312

الثالث من مواضع سقوط الأذان و الإقامة: أن يسمع المكلف أذان غيره و اقامته لصلاته فإنه يكتفي بما سمع، فإذا سمع الأذان و الإقامة كليهما اكتفى بهما و لم يؤذن لصلاته و لم يقم، و إذا سمع الأذان وحده اكتفى به عن الأذان لصلاته و أتي بالإقامة وحدها، ثم صلى، و إذا سمع الإقامة وحدها فله أن يكتفي بها عن الإقامة و يدخل في صلاته، و إذا أذن لصلاته فعليه أن يأتي بالإقامة بعده لفوات الترتيب.

المسألة 313

لا فرق في الأذان و الإقامة المسموعين بين أن يكونا لصلاة منفرد أم لجماعة و لا فرق في السامع أيضا فيكتفي بما سمع لصلاته سواء كان إماما أم مأموما أم منفردا، و لا فرق بين السماع و الاستماع.

المسألة 314

الأحوط الاكتفاء بما سمع، فلا يؤذن و لا يقيم لصلاته إذا سمعهما، و إذا أراد الإتيان بهما مع سماعهما، فالأحوط أن يأتي بهما برجاء المطلوبية لاحتمال كون السقوط عزيمة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 375

المسألة 315

انما يكتفي المكلف بما سمع من الأذان أو الإقامة إذا كان ما سمعه تاما غير ناقص و قد سمع جميع الفصول، فلا يكتفي به إذا كان ناقصا، أو كان تاما و لم يسمع المكلف منه جميع الفصول.

المسألة 316

إذا كان الأذان الذي سمعه ناقصا، جاز للسامع أن يتم ما نقص منه و يكتفي به لصلاته، و هذا هو المورد الذي دل النص الصحيح عليه، و يشكل التعدي في الحكم إلى الإقامة إذا كانت ناقصة أو الى الأذان و الإقامة إذا كانا تامين و لكن المكلف لم يسمع بعض فصولهما، فالأحوط في هذه الموارد أن يأتي بهما تامين برجاء المطلوبية.

المسألة 317

انما يكتفي بسماع أذان الغير و إقامته إذا لم يحصل فصل طويل بينه و بين الصلاة بحيث تفوت به الموالاة، و انما يكتفي به إذا كان السامع قاصدا به الصلاة من أول الأمر، فإذا قصد الصلاة بعد أن سمع الأذان و الإقامة أو بعد أن سمع بعضهما أشكل الحكم بالاكتفاء بسماعهما، فالأحوط أن يأتي بالأذان و الإقامة برجاء المطلوبية بل لا يخلو من وجه.

المسألة 318

الأحوط عدم اكتفاء الرجل بسماع أذان المرأة و إقامتها و ان لم يكن أذانها و لا سماع الرجل لها على الوجه المحرم، و تكتفي المرأة بسماع أذان الرجل و اقامته و تكتفي بسماع أذان المرأة و إقامتها.

المسألة 319

يستحب في الأذان أن يكون المؤذن متطهرا من الحدث قائما مستقبلا، من غير فرق بين أذان الاعلام و أذان الصلاة و قد تقدم في المسألة المائتين و السادسة و التسعين انه يشترط في الإقامة الطهارة و القيام و ان اعتبار الاستقبال فيها أحوط.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 376

المسألة 320

يستحب في الأذان وضع الإصبعين في الأذنين و رفع الصوت فيه بقدر الإمكان إذا كان المؤذن ذكرا، من غير ان يجهد نفسه، و إذا أقام استحب له رفع الصوت دون ذلك.

المسألة 321

يستحب الإفصاح بالألف و الهاء بل بكل حرف من ألفاظ الأذان و الإقامة و انما يكون الإفصاح مستحبا إذا كانت مراعاته أبين للكلمة و أبعد عن اللبس، و اما إذا توقف عليه النطق الصحيح بالكلمة فالظاهر وجوبه لا استحبابه، فإذا لم ينطق بالهاء من لفظ الجلالة في آخر الفصل أو من كلمة الصلاة في حي على الصلاة مثلا كانت الكلمة ناقصة غير صحيحة و كذلك إذا حذف الهاء من أشهد، و قد ذكرنا ذلك في المسألة المائتين و الرابعة و التسعين.

المسألة 322

يستحب أن يستقر في الإقامة و يتمكن كما يستقر في الصلاة.

المسألة 323

يكره التكلم في أثناء الأذان و الإقامة، و تشتد الكراهة بعد قول المقيم: قد قامت الصلاة، و تستحب له إعادة الإقامة إذا تكلم فيها بعد ذلك، إلا إذا كان التكلم في تقديم إمام أو في تسوية الصف و ما أشبه ذلك.

المسألة 324

يستحب أن يفصل بين الأذان و الإقامة بجلسة أو تسبيح أو سجدة أو صلاة ركعتين و قد ورد الفصل بينهما بخطوة، و يؤتى بها برجاء المطلوبية.

المسألة 325

تستحب حكاية الأذان لمن سمعه، من غير فرق بين أذان الاعلام و أذان الصلاة و حكاية الأذان هي أن يقول السامع كما يقول المؤذن، معه أو

كلمة التقوى، ج 1، ص: 377

بعده من غير فصل يعتد به، و ينبغي أن يقول بعد الحيعلات: لا حول و لا قوة إلا باللّه، و الظاهر ان هذا ذكر مستقل و ليس من حكاية الأذان و لا بد لا عنها.

و تجوز حكاية الأذان و هو في الصلاة، و لكن الأحوط ترك الحكاية في الحيعلات.

المسألة 326

إذا أراد السامع حكاية الإقامة اتى بحكايتها برجاء المطلوبية، و إذا قال المقيم قد قامت الصلاة فينبغي للسامع أن يقول: اللهم أقمها و أدمها و اجعلني من خير صالحي أهلها عملا.

المسألة 327

في الخبر عن أبي عبد اللّه (ع): من سمع المؤذن يقول اشهد أن لا إله إلا اللّه و اشهد ان محمدا رسول اللّه فقال مصدقا محتسبا، و أنا اشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه (ص) اكتفي بها عن كل من ابى و جحد و أعين بها من أقر و شهد كان له من الأجر عدد من أنكر و جحد و عدد من أقر و شهد.

المسألة 328

يستحب في من ينصب مؤذنا أن يكون عدلا، و أن يكون مبصرا عارفا بالأوقات و أن يكون رفيع الصوت و أن يرتقي على مرتفع كالجدار و المنارة و نحوهما، و لا بأس باستخدام مكبرة الصوت في الأذان و غيره من العبادات التي يطلب فيها بلوغ الصوت إلى أكبر عدد ممكن.

المسألة 329

إذا نسي الإنسان الأذان و الإقامة حتى دخل في الصلاة ثم تذكرهما جاز له قطع الصلاة و الإتيان بهما ما لم يركع في صلاته، سواء كانت الصلاة فرادى أم جماعة، و كذلك إذا نسيهما ثم تذكرهما قبل الركوع و تردد مدة في أن يرجع إليهما أم لا، أو عزم على تركهما و عدم الرجوع لتداركهما، فيجوز له قطع الصلاة و الرجوع في جميع هذه الصور.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 378

و كذلك إذا نسي الإقامة وحدها و تذكرها قبل القراءة فيجوز له قطع الصلاة و الرجوع إليها، و إذا ترك الأذان و الإقامة عامدا أو ترك الإقامة وحدها كذلك و أحرم للصلاة لم يجز له قطعها على الأحوط.

المسألة 330

لا يجوز أخذ الأجرة على أذان الصلاة، و أذان الصلاة كنفس الصلاة عبادة لنفس المكلف فإذا كانت الإجارة عليه أو قصد أخذ الأجرة مما ينافي ذلك كان الأذان باطلا و يشكل جواز أخذ الأجرة على الأذان الاعلام، و لا بأس بارتزاق المؤذن من بيت المال.

المسألة 331

يستحب ان يقول بعد الإقامة و قبل تكبيرة الإحرام: (اللهم رب هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة بلغ محمدا صلى اللّه عليه و آله الدرجة و الوسيلة و الفضل و الفضيلة، باللّه استفتح و باللّه أستنجح و بمحمد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أتوجه اللهم صل على محمد و آل محمد و اجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقربين.

مقدمة

أهم ما يحتاج اليه العبد عند وقوفه في صلاته بين يدي ربه هو حضور قلبه، و هو أن يفرغ قلبه و مشاعره لهذا العمل الكبير الذي يريد القيام به، و يسمى أيضا الإقبال على الصلاة و التوجه في ظاهره و باطنه إليها، فمن الأقوال المأثورة عن الامام زين العابدين (ع) انه لا يقبل من صلاة العبد الا ما أقبل عليه، و عن الامام محمد بن علي الباقر (ع): ان العبد ليرفع له من صلاته نصفها و ثلثها و ربعها و خمسها، فما يرفع له الا ما أقبل عليه بقلبه و انما أمروا بالنوافل ليتم لهم ما نقصوا من الفريضة.

و حضور القلب في الصلاة و توجهه إليها يكون نتيجة لأمرين، لا بد منهما، فهما قوام ايمان المؤمن و ركيزة سلوكه المستقيم و عمله الصالح.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 379

الأول: استشعاره لعظمة اللّه: المعبود بالحق الذي يريد القيام بين يديه امتثالا لأمره و تطلعا للمزيد من لطفه.

و الثاني: استشعاره عظمة الصلاة نفسها: العبادة الكبرى التي جعلها اللّه طهورا، للعبد من الفحشاء و المنكر، و سببا لنقائه و صفائه و معراجا لارتقائه.

ان العبد إذا آمن باللّه عز و جل حق الايمان، و استيقن باحاطته الشاملة المطلقة بجميع الموجودات و المكونات حق اليقين، و

علم حق العلم ان جميع الأشياء قائمة به سبحانه، و خاضعة لأمره و مسلمة وجوهها اليه، و مسبحة بحمده، و أن كل ما ينالها من تكامل و تطور و ارتقاء فهو نتاج لخضوعها لربها و إسلامها لأمره و اتباعها السبيل الذي يسره لها و وجهها اليه بتقديره و تدبيره.

ان البذرة الصغيرة لا يمكن لها مطلقا أن تصبح شجرة كبيرة يانعة، تؤتي أكلها و تنتج ثمرها، ما لم تسلم وجهها لمكونها و مبدعها العظيم، فتسلك السبيل الذي يسره و النظام الذي قدره.

و ان النطفة الحقيرة لا يمكن لها أن ترتقي فتعود حيوانا كبيرا، له منافعه و فوائده في الحياة ما لم تخضع لبارئها فتتبع ما أمرها به من أمر و تسير على ما نهج لها من نظام.

و ان السماوات و الأرض و ما فيهما و ما بينهما لا يمكن لها أن تصل الى هذه الغاية من الأحكام و الإتقان ما لم تخضع للاله الذي صنع كل شي ء فيها فأحسن، و صور فأتقن، و قدر فأحكم، و ربط الغايات فيها بالمبادئ و المسببات بالأسباب.

و ان الحوين المنوي الضعيف النحيف لا يمكن له أن يصبح إنسانا سويا كاملا، تسخر له جميع ما في السماوات و الأرض، الا إذا اتبع الهدي الذي وجهه اليه ربه، و سار على نهجه طائعا خاضعا (الم تر ان اللّه يسجد له من في السماوات و من في الأرض و الشمس و القمر و النجوم و الجبال، و الشجر و الدواب، و كثير من الناس، و كثير حق عليه العذاب،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 380

و من يهن اللّه فما له من مكرم، ان اللّه يفعل ما يشاء).

ان العبد إذا آمن بجميع ذلك حق الايمان،

و قد مهد له العلم الحديث أن يؤمن، و ألزمه الفكر الواعي الحصيف أن يعترف، ثم نظر في نفسه و رأى عناية اللّه به خاصة، التي شملته قبل تكوينه و بعد وجوده، و التي لا ينقطع عنه مددها و لا ينقص عطاؤها، و لا يخرج عن أحاطتها به طرفة عين، و لو قدر له أن يخرج عن حياطتها أو ينتهي عنه عطاؤها لما كان شيئا مذكورا.

ثم نظر في الصلاة نفسها، فوجدها أحد مظاهر عناية اللّه به و كبرى المناهج التي أعدها له ليتكامل بها و يرتقي، و يؤدي بها حق العبودية، و يستمد بسببها من لطف اللّه و من فضله و مدده و نوره ما يرتفع به الى مصاف الأولياء الكاملين الواصلين.

و اى لطف أعظم من أن يأذن الإله العظيم الذي لا منتهى لعظمته و لا منتهى لجلالة و كبريائه و لا منتهى لغناه، لعبده الضعيف الذي لأحد لضعفه، في أن يقف بين يديه، و يناجيه و يدعوه و يبثه شكواه و نجواه، و ينزل به رجاءه و حوائجه و مهماته، و هو يسمع له و يستجيب، و يكشف ضره، و يزيده من الهدى و يزيده من العطاء و يزيده من النور و الصفاء.

ان العبد إذا آمن بجميع هذه الحقائق حق الايمان و استشعرها في فكره و في قلبه و في مشاعره حق الاستشعار، و كل هذه الحقائق جلي لا ريب فيه، تهيأ له حضور القلب في صلاته و عباداته و بلغ الغاية التي يريدها من عبادته و التي أرادها اللّه له حين قدره و صوره و هداه، و يسر له السبيل.

فيكون في وقوفه في صلاته بين حالين: رغبة في التقدم ليستزيد من عطاء ربه

و خوف من التأخر فيبتلي بالخذلان و الحرمان منه، و في حديث الامام جعفر بن محمد (ع): (لا تجتمع الرغبة و الرهبة في قلب الا وجبت له الجنة، فإذا صليت فاقبل بقلبك على اللّه عز و جل، فإنه ليس من عبد مؤمن يقبل بقلبه على اللّه عز و جل و دعائه، إلا أقبل اللّه عليه بقلوب المؤمنين و أيده مع مودتهم إياه بالجنة).

كلمة التقوى، ج 1، ص: 381

الفصل الخامس عشر في نية الصلاة و أحكامها
المسألة 332

الواجبات في الصلاة أحد عشر:

النية، و تكبيرة الإحرام، و القيام، و القراءة، و الركوع، و السجود، و الذكر، و التشهد، و التسليم، و الترتيب، و الموالاة.

و الأركان من هذه الواجبات هي: تكبيرة الإحرام. و القيام، و الركوع، و السجود، على ما سيأتي بيانه في مواضعه ان شاء اللّه، و كذلك النية، فهي ركن بمعنى ان نقيصتها مبطلة للصلاة و ان كانت سهوا، و لكن الزيادة لا تتصور فيها.

و بقية المذكورات واجبات و ليست أركانا، فلا تبطل الصلاة بنقصانها و لا بزيادتها إذا وقعتا سهوا، و تفصيل هذه المجملات سيأتي في مواضعه من الكتاب ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 333

النية الواجبة في الصلاة هي قصد الفعل على وجه يكون الباعث إلى إيجاده هو امتثال أمر اللّه، و لا تفتقر الى أكثر من الإرادة الإجمالية التي تكون عند الإنسان حين يأتي ببعض أعماله الاختيارية من تحرك أو سكون أو قيام أو قعود، و الفارق هو أن الداعي للفعل هو الامتثال كما ذكرنا، فلا يجب في النية إخطار صورة العمل في الذهن، و لا التلفظ بكلمات تدل على القصد المذكور بل الأحوط ترك التلفظ بنية الصلاة كما سيأتي.

المسألة 334

قد يكون الدافع الأول للإنسان إلى امتثال أمر اللّه، هو حب الإنسان للّه عز اسمه و هذا هو أفضل العبادات كما دلت عليه الروايات المعتبرة، و قد يكون الدافع له الى ذلك هو انه سبحانه وحده المستحق للعبادة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 382

بالذات، كما في المناجاة المنقولة عن أمير المؤمنين (ع)، و قد يكون الدافع له هو الشكر العملي لنعم المعبود على عبده، و قد يكون الدافع له هو طلب مرضاته و الابتعاد عن موجبات غضبه، و قد يكون الدافع له هو طلب المثوبة و الرحمة منه في الدار الآخرة و دفع العقوبة فيها، و قد يكون الدافع له هو رجاء الثواب أو دفع العقاب في الدنيا، كما في الصلوات و الأدعية الواردة لقضاء الحوائج و تفريج الكرب و الشدائد، درجات بعضها فوق بعض في مراتب القرب بحسب مراتب العبد في المعرفة، و كلها مجزئ صحيح في التعبد له سبحانه.

المسألة 335

يجب في النية تعيين العمل المقصود إذا كان ما على العبد من الأعمال متعددا، كما إذا طاف بالبيت الحرام في وقت صلاة الصبح، و أراد صلاة إحدى الفريضتين، فيجب عليه حين يقوم للصلاة أن يعين ما يأتي به أ هو فريضة الوقت أم هو صلاة الطواف، و كما إذا وجبت عليه صلاة الآيات في وقت الفريضة اليومية، و أراد الشروع بإحداهما، فعليه أن يعين في ابتداء العمل ان ما يشرع به هو أيهما.

و يكفي التعيين الإجمالي، فيقصد مثلا ما وجب عليه أولا من الصلاتين أو ما اشتغلت به ذمته ثانيا و إذا اتحد العمل الواجب عليه و قصد امتثال الأمر المتوجه اليه فقد حصل التعيين.

المسألة 336

لا يجب في النية قصد الأداء و القضاء إذا كانت الصلاة متحدة و لا الوجوب و الندب فإذا أتى بصلاة الظهر و هو في وقتها كانت أداء و ان لم ينوها كذلك، و إذا أتى بها بعد الوقت فهي قضاء و ان لم ينوها كذلك، و كانت صحيحة في الصورتين.

و إذا علم أن عليه صلاة ظهر واجبة، أما قضاء أو أداء، كفاه أن يأتي بصلاة الظهر بقصد ما في ذمته من الفريضة، و إذا نوى بالركعتين بعد طلوع الفجر صلاة الصبح فهي واجبة و ان لم يقصد الوجوب، و إذا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 383

نوى بهما نافلة الصبح فهي مندوبة و ان لم يذكر الندب و كان العمل صحيحا في الصورتين.

المسألة 337

إذا قصد بالفريضة امتثال الأمر المتوجه اليه بها، و لكنه توهم ان الأمر المتوجه بها أدائي، أو انه قضائي فأتم العمل، ثم تبين له ان الأمر بخلاف ما توهم صحت فريضته في الصورتين.

المسألة 338

تجب نية الأداء أو القضاء، و الوجوب أو الندب إذا توقف على ذلك تعيين العمل كما إذا كانت على المكلف فريضة فائتة، و هو في وقت فريضة حاضرة، فإذا أراد الشروع في الامتثال، فعليه أن يعين ما يأتي به، أ هي فريضة القضاء أم الأداء و إذا قام بعد طلوع الفجر ليصلي ركعتين، فعليه أن يعين ما يأتي به أ هو الفريضة الواجبة أم النافلة المندوبة.

المسألة 339

القصر و الإتمام من القيود التي أخذها الشارع في الصلاة المأمور بها، فلا بد للمكلف من قصدهما في النية، نعم يكفي القصد الإجمالي في صحة العمل، فإذا كان المكلف جاهلا بأن حكمه القصر أو التمام، فله أن يشرع في الصلاة بقصد امتثال الأمر المتوجه اليه بالفعل، و يبني في نفسه على أن يتم صلاته كما ينبئه زيد الثقة العالم بحكمه، فإذا أعلمه ذلك الثقة بأن حكمه القصر مثلا و أتم صلاته كما انبأه كانت صلاته صحيحة إذا طابقت الواقع، و إذا ظهر له ان قول ذلك الثقة مخالف للواقع وجبت عليه الإعادة.

المسألة 340

إذا كان المسافر في أحد الأماكن الأربعة التي يتخير فيها المسافر بين القصر و التمام فنوى القصر في صلاته، جاز له العدول عنه الى التمام، فإذا أتمها كذلك كانت صحيحة، و إذا نوى التمام في صلاته جاز له

كلمة التقوى، ج 1، ص: 384

العدول عنه الى القصر، إذا لم يتجاوز محل العدول، و إذا تجاوز محل العدول تعين عليه الإتمام.

و إذا نوى القصر في هذه المواضع، ثم أتم الصلاة ساهيا من غير عدول في النية، فالظاهر صحة الصلاة و ان كان الأحوط له استحبابا إعادة الصلاة، و كذلك إذا نوى التمام ثم قصر ساهيا من غير عدول في النية.

المسألة 341

يكفي في النية التصور الإجمالي للعمل بأن يقصد الصلاة مثلا بمالها من أجزاء و واجبات و لا يجب تصورها تفصيلا.

المسألة 342

إذا نوى الوجوب في صلاة الفريضة صحت، و ان كانت مشتملة على كثير من المستحبات و لا تجب ملاحظة هذه المستحبات في نية الصلاة، و لا نية الاستحباب فيها عند الإتيان بها، فلا يجب عليه أن ينوي الاستحباب في القنوت و الذكر المستحب مثلا عند الإتيان بهما.

المسألة 343

الأحوط أن لا يتلفظ المصلي بنية الصلاة، و الظاهر ان الصلاة لا تبطل بذلك، إلا في صلاة الاحتياط التي تجب للشكوك الصحيحة، فإذا تكلم بنيتها عامدا بطلت صلاة الاحتياط و وجبت إعادة الفريضة التي شك فيها، و الأحوط أن يعيد صلاة الاحتياط أولا ثم يعيد الفريضة.

المسألة 344

يجب في جميع العبادات و في الصلاة على الخصوص أن تكون خالصة عن الرياء و السمعة، و قد تقدم في المسألة الثلاثمائة و الحادية و الثمانين من كتاب الطهارة بيان معنى الرياء و السمعة، و قد تكرر في أحاديث أهل البيت (ع) ان الرياء نوع من أنواع الشرك و انه يوجب بطلان العمل و إحباط الثواب عليه، ففي الخبر عن أبي عبد اللّه (ع): كل رياء شرك انه من عمل للناس كان ثوابه على الناس و من عمل للّه كان ثوابه على اللّه، و عن الامام الرضا (ع): اعملوا لغير رياء و لا سمعة،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 385

فان من عمل لغير اللّه و كله اللّه الى ما عمل، ويحك ما عمل أحد عملا الا رداه اللّه به ان خيرا فخير، و ان شرا فشر.

المسألة 345

دخول قصد الرياء في العمل قد يكون محضا، بأن يأتي الإنسان بالصلاة مثلا لمحض إراءة الناس و استجلاب نظرهم اليه و لا يقصد بها التقرب الى اللّه، و لا ريب في بطلان هذا العمل، لأنه رياء، و لعدم قصد القربة فيه.

المسألة 346

و قد يأتي الإنسان بالصلاة بقصد الرياء و القربة معا، و لا ريب في بطلان الصلاة كذلك، سواء كان الرياء هو الداعي المستقل بالتأثير في إيجاد العمل، و القربة انما هي داع غير مستقل، أو كانت القربة هي الداعي المستقل بالتأثير و الرياء هو الداعي التابع و غير المستقل أو كان الداعي هو المجموع المركب منهما على وجه انضمام الاثنين و اشتراكهما في التأثير، أو كان كل واحد من الرياء و قصد القربة داعيا مستقلا بالتأثير، و المراد باستقلال كل منهما أن يكون كل واحد منهما مستقلا بالتأثير لو فقد الآخر، فالعبادة تكون باطلة في جميع هذه الفروض.

المسألة 347

و قد يأتي الإنسان بالعمل نفسه بقصد القربة، و لكنه يأتي ببعض الأجزاء الواجبة في العمل بقصد الرياء، و قد تقدم في فصل شرائط الوضوء أن قصد الرياء في الجزء يوجب بطلان ذلك الجزء فإذا اكتفى المكلف بالجزء الباطل و لم يتداركه بطل العمل كله لنقصان جزئه، و إذا تدارك الجزء الباطل فإعادة قبل أن تفوت الموالاة بين الأجزاء كان العمل صحيحا و ان كان آثما في المراءاة.

و هذا انما يتم في الوضوء و الغسل و الأذان و الإقامة و نحوها من العبادات، و لا يصح وقوعه في الصلاة و إذا وقع مثل ذلك في الصلاة كانت باطلة للزوم الزيادة العمدية فيها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 386

المسألة 348

و قد يأتي الإنسان ببعض الأعمال المستحبة في الصلاة بقصد الرياء كما إذا رأيي في القنوت أو في جلسة الاستراحة بعد السجدتين، أو في الدعاء و الذكر المستحبين، و الظاهر عدم بطلان الصلاة إذا رأيي في القنوت أو في جلسة الاستراحة و كان قد أتى بصلاته بقصد القربة، و لكنه إذا رأيي في الدعاء أو الذكر المستحب فيها كان مبطلا للصلاة، لأنه من الكلام المحرم، و لا يترك الاحتياط في الجميع.

المسألة 349

قد يأتي الإنسان بالصلاة نفسها بداعي القربة و لكنه يقصد الرياء بإتيانها في مكان مخصوص أو زمان مخصوص، و مثال ذلك أن يرائي بالصلاة في المشهد أو في المسجد أو في الصف الأول من الجماعة، أو يرائي بإتيانه بالصلاة في أول وقتها، و الظاهر بطلان الصلاة بذلك.

المسألة 350

و قد يرائي في أوصاف العمل التي تتحد معه، و مثال ذلك أن يرائي بالإتيان بالصلاة جماعة أو بالإتيان بها خاشعا أو يرائي بالقراءة فيها متأنيا، أو بلهجة تدل على الرهبة و الأقوى بطلان الصلاة بذلك.

و إذا قصد الرياء بالخشوع وحده من غير أن يقصده وصفا من أوصاف الصلاة أثم بمراءاته، و لم تبطل صلاته.

المسألة 351

و قد يرائي الإنسان ببعض الأعمال المقارنة للصلاة كالتحنك و لبس الخواتم، فان قصد الرياء في صلاته متحنكا أو متختما كانت صلاته باطلة، و ان قصد الرياء بالتحنك و لبس الخواتم وحدهما من غير أن يسري الرياء الى نفس الصلاة كان آثما بذلك و صحت صلاته.

المسألة 352

و قد يكون الرياء في مقدمات العمل، كما إذا قصد الرياء في سعيه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 387

الى المسجد أو الى المشهد، و لا تبطل الصلاة بذلك على الأقوى و ان أثم بريائه.

المسألة 353

لا تبطل العبادة بخطور الرياء على قلب الإنسان ما لم يقصده بالفعل و لا يضر في صلاته أن يرائي بغض بصره عن بعض المحرمات و هو في أثناء الصلاة أو ترك بعض المحرمات أو يرائي بالتصدق في أثناء الصلاة و ان كان آثما بمراءاته.

المسألة 354

لا فرق في إبطال الصلاة بالرياء بين أن يقصده في ابتداء الصلاة أم في أثنائها، و لا يبطل العمل بالرياء المتأخر عنه، فإذا صلى بداعي القربة الخالصة ثم بدا له أن يذكر عمله لبعض الناس لاستجلاب نظرهم، لم تبطل صلاته بذلك.

المسألة 355

ما ذكرناه من اشتراط الخلوص من الرياء و بطلان العبادة بقصده يجري في السمعة، من غير فرق بينهما.

المسألة 356

العجب هو أن يدخل في نفس الإنسان العجب من عمله و الاكبار له، و هو من الموبقات التي توجب حبط الثواب، و لكنه لا يوجب بطلان العمل على الأقوى، سواء حصل له في أثناء العمل أم مقارنا لنيته أم متأخرا عنه، و قد تقدم ذلك في المسألة الثلاثمائة و الخامسة و الثمانين من كتاب الطهارة.

المسألة 357

الضمائم الأخرى التي قد يضمها الإنسان إلى قصد القربة في عباداته إذا كانت محرمة و متحدة مع العمل أو مع جزئه كان العمل بسببها محرما، فتقع العبادة باطلة، و كذلك إذا كانت الضميمة هي الداعي المستقل في إيجاد العمل و كان قصد القربة داعيا تبعيا، فتبطل العبادة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 388

بذلك، و ان كانت الضميمة التي نواها مباحة أو راجحة فضلا عن أن تكون محرمة.

و تبطل العبادة أيضا إذا كان الداعي لإيجادها هو المجموع من الضميمة و قصد القربة، بحيث تكون العبادة أثرا مشتركا لكل من الأمرين.

و إذا كان قصد القربة هو الداعي المستقل في إيجاد الفعل و كانت الضميمة داعيا تبعيا كانت العبادة صحيحة، و كذلك إذا كان كل من قصد القربة و قصد الضميمة داعيا مستقلا في التأثير في إيجاد العمل على ما تقدم من معنى الاستقلال في المسألة الثلاثمائة و السادسة و الأربعين و ان كان الأحوط الإعادة في هذا الفرض.

فلا تبطل الصلاة إذا أتى بها بقصد القربة الخالصة، و لكنه اختار الإتيان بها في موضع مخصوص لبرودة الموضع في أيام الصيف أو لدفئه في أيام الشتاء، أو لانتظار مجي ء أحد من أصدقائه أو أرحامه، أو لانتظار فقير يدفع اليه قسطا من زكاته أو خمسه أو غير ذلك من الضمائم المباحة أو الراجحة المقصودة بالتبع

أو الاستقلال بالمعنى المتقدم.

المسألة 358

إذا أتى الإنسان ببعض أفعال صلاته بقصد الصلاة، و بقصد غاية أخرى، ليست من الصلاة، كما إذا نهض في صلاته بقصد القيام للركعة الثانية، و بقصد الاحترام لصديقه القادم، أو انحنى في قيامه بقصد الركوع في صلاته و قصد التعظيم لرجل يكبر شأنه، فإن كان الجزء الذي أتى به كذلك ركنا من أركان الصلاة وقع باطلا، و أبطل الصلاة كما في مثال الركوع، و كما إذا كبر بقصد تكبيرة الإحرام و بقصد أمر آخر ليس من الصلاة، سواء كان عامدا في فعله أم ساهيا و كذلك إذا كان جزءا غير ركن و كان عامدا في فعله، فتبطل الصلاة بذلك.

و إذا كان جزءا غير ركن و كان المكلف ساهيا في فعله، فإن أمكن له أن يتدارك ذلك الجزء، وجب عليه أن يتداركه و صحت صلاته بذلك، و مثال ذلك ان يسهو في ذكر الركوع أو السجود فيأتي به بقصد الذكر

كلمة التقوى، ج 1، ص: 389

و بقصد شي ء آخر ليس من الصلاة، ثم يتذكر ذلك قبل أن يرفع رأسه من ركوعه أو سجوده، فعليه أن يعيد الذكر و يتم الصلاة، و ان لم يمكن تدارك الجزء الذي أخل به كما إذا تذكر بعد رفع رأسه من الركوع أو السجود في المثال المتقدم، و كما إذا كان الإخلال كذلك بسجدة و لم يتذكر الا بعد الدخول في الركوع من الركعة اللاحقة، مضى في صلاته و وجب عليه قضاء الجزء إذا كان مما يقضى كالسجدة و التشهد، و سجد للسهو إذا كان مما يجب له سجود السهو و كانت الصلاة صحيحة بذلك.

و لا تبطل الصلاة إذا فعل كذلك في بعض مستحبات الصلاة من غير

فرق بين القرآن و الذكر و غيرهما.

المسألة 359

إذا رفع الإنسان صوته ببعض الأذكار أو القراءة الواجبتين في الصلاة بقصد تنبيه أحد على أمر، لم يبطل ذلك الجزء و لم تبطل الصلاة بذلك إذا كان الإتيان بهما بقصد الامتثال.

نعم يبطل الجزء إذا كان المقصود بالأصالة هو اعلام الغير و كان قصد الجزئية تابعا، أو كان الإتيان بالواجب مستندا الى كل من قصد الجزئية و قصد الاعلام منضمين، و تبطل الصلاة أيضا إذا كان المكلف عامدا في ذلك، و إذا كان ساهيا في فعله لم تبطل صلاته و عليه ان يتدارك الجزء إذا كان في موضع تداركه.

و لا تبطل الصلاة إذا كبر بقصد مطلق الذكر لإعلام الغير أو جاء ببعض الأذكار الأخرى لا بقصد الجزئية لهذه الغاية.

المسألة 360

وقت نية الصلاة عند ابتدائها قبل التكبير لها، و أمرها في غاية البساطة و خصوصا بناء على أنها الداعي الارتكازي للعمل كما هو المختار.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 390

المسألة 361

يجب بقاء القصد الإجمالي من أول الفعل الى آخره بحيث يكون صدور جميع أجزاء الفعل و واجباته ناشئا عن ذلك الداعي الموجود في القلب، و ان لم يلتفت اليه المكلف بالفعل و لكنه بمجرد التنبيه يعلم انه يجري في عمله على قصده الأول الذي ابتدأ به العمل، و هذه هي الاستدامة الحكمية التي تجب في النية.

و تنافيها الغفلة التامة التي قد تكون عند الإنسان في بعض الحالات، فلا يدري ماذا يعمل، فيكون عمله بلا نية، سواء كان في ابتداء العمل أم في أثنائه، و قد سبق ان نقصان النية مبطل للصلاة سواء وقع عن عمد أم عن سهو.

المسألة 362

لا يشترط الجزم بالنية في صحة العمل، فمن كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما و صلى في أحد الثوبين لاحتمال أن يكون هو الطاهر منهما، ثم علم بعد الفراغ أن ما صلى فيه هو الثوب الطاهر صحت صلاته، و ان كان يتمكن من الصلاة بثوب طاهر، و من صلى إلى جهة يحتمل أنها جهة القبلة الواقعية ثم علم بعد فراغه انه قد صلى إلى جهة القبلة صحت صلاته، و ان كان يمكنه معرفة القبلة إذا انتظر مجي ء زيد مثلا بعد ساعة و الوقت باق.

و قد تقدم في المسألة المائتين و الحادية عشرة انه لا مانع من الصلاة في المكان الذي يتعرض فيه لإبطال الصلاة لشدة الازدحام و نحوها، فيصلي فيه برجاء إتمام الصلاة، فإذا أتم صلاته فيه كانت صحيحة، و ان أمكن له أن يصلي في مكان آخر لا زحام فيه.

المسألة 363

إذا نوى المكلف و هو في الصلاة أن يقطعها، أو نوى أن يأتي بشي ء يقطعها كالتكلم عامدا أو الحدث أو الفعل الماحي لصورة الصلاة و أتم صلاته و هو على هذه النية كانت صلاته باطلة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 391

و إذا نوى ذلك و أتى ببعض أفعال الصلاة و هو على نية قطع الصلاة ثم عاد الى نيته الأولى، فالأحوط له وجوبا أن يعيد الفعل الذي أتى به في حال نية القطع و يتم الصلاة ثم يعيدها، و إذا لم يعد ذلك الفعل كانت صلاته باطلة.

و إذا نوى ذلك و لم يأت بشي ء من أفعال الصلاة ثم رجع الى نيته الأولى لم تبطل صلاته و ان كان الأحوط له استحبابا أن يتم صلاته ثم يعيدها.

و إذا نوى ذلك و أتى ببعض الأفعال لا بقصد

الجزئية للصلاة ثم عاد الى نيته الأولى، فإن كان ما أتى به فعلا ماحيا لصورة الصلاة بطلت صلاته، و كذلك إذا كان ركنا أو كان فعلا كثيرا لا يمحو صورة الصلاة على الأحوط فيهما.

و إذا كان ما أتى به فعلا قليلا لا يمحو صورة الصلاة و ليس بركن، فالظاهر الصحة و خصوصا إذا كان قرآنا أو ذكرا و قد أتى بهما بقصد القربة المطلقة، و ان كان الأحوط استحبابا أن يتم الصلاة ثم يعيدها.

المسألة 364

المدار في النية على ما يقصده الإنسان بقلبه من الصلاة و لا يضره أن يسبق لسانه فيذكر صلاة سواها أو يسبق خياله فيخطر فيه غيرها.

المسألة 365

إذا دخل في فريضة ثم أخطأ فتوهم أنها نافلة، و أتمها على ذلك صحت فريضة، كما افتتحها ما لم يقع فيها خلل في عدد الركعات أو غير ذلك، و إذا دخل في نافلة و أتمها بزعم أنها فريضة صحت نافلة.

المسألة 366

إذا دخل في فريضة و شك في انه نواها ظهرا أم عصرا، فان علم أنه لم يصل الظهر قبلها أو شك في ذلك فعليه ان يعينها ظهرا، فإذا عينها كذلك و أتمها كانت صحيحة، و ان علم انه قد صلى الظهر قبل ذلك

كلمة التقوى، ج 1، ص: 392

أبطل ما بيده و استأنف العصر، و إذا أتم ما بيده ثم استأنف العصر فهو أحوط، و كذلك الحكم في المغرب و العشاء.

و إذا قام إلى صلاة و شك بعد دخوله في أنه نوى الصلاة التي قام إليها أم نوى غيرها فالأحوط الإتمام ثم الإعادة في غير الظهرين و العشاءين المتقدم ذكرهما و في غير موارد العدول الآتي ذكرها.

المسألة 367

لا يجوز العدول من صلاة إلى صلاة أخرى إلا في مواضع.

(الأول): إذا شرع في صلاة العصر قبل الظهر ناسيا، ثم تذكر و هو في أثناء الصلاة وجب عليه أن يعدل بنيته الى الظهر و يتمها، ثم يصلي العصر بعدها.

و إذا شرع في صلاة العشاء قبل المغرب ناسيا، ثم تذكر قبل القيام للركعة الرابعة وجب عليه أن يعدل بنيته الى المغرب و يتمها ثم يصلي العشاء بعدها، و كذلك إذا تذكر بعد القيام للرابعة و قبل الركوع فيها، فيهدم قيامه و يتمها بنية المغرب، و يسجد بعدها سجود السهو للقيام الزائد وجوبا إذا تلبس معه بقراءة أو تسبيح، و احتياطا مستحبا إذا لم يتلبس مع القيام بشي ء من ذلك.

و إذا تذكرها بعد ركوع الرابعة أتمها عشاء ثم صلى المغرب، و أعاد العشاء بعدها احتياطا، و قد تقدم ذلك في المسألة الثامنة عشرة.

(الثاني): إذا شرع في قضاء فريضة فائتة، ثم تذكر أن عليه فريضة فائتة أخرى قبلها، و كانت الفريضتان

مما يجب الترتيب بينهما في الأداء كالظهر و العصر من يوم واحد، و المغرب و العشاء كذلك، وجب عليه العدول إلى السابقة و يتمها، و إذا تجاوز محل العدول جرى فيها البيان المتقدم في الموضع الأول، و لا يترك الاحتياط بأن يعيد السابقة بعد ان يتمها إذا عدل إليها من اللاحقة.

و إذا كانت الفريضتان الفائتتان مما لا يجب الترتيب بينهما في الأداء كالصبح و الظهر و كالظهر و المغرب، و كالظهر و العصر من يومين و المغرب

كلمة التقوى، ج 1، ص: 393

و العشاء من يومين، لم يجب عليه العدول إلى السابقة، بل لا حاجة إليه في تحصيل فراغ الذمة منهما، فان الظاهر عدم وجوب الترتيب في قضاء الصلوات الفوائت كما سيأتي في مبحث قضاء الصلوات ان شاء اللّه، فإذا أتم الفائتة التي بيده ثم صلى بعدها الفائتة السابقة عليها برئت ذمته منهما على الأقوى.

(الثالث): إذا شرع في فريضة حاضرة، ثم تذكر في أثنائها أن عليه فريضة فائتة استحب له أن يعدل بنيته إلى الفائتة إذا هو لم يتجاوز محل العدول.

(الرابع): من صلى الجمعة أو الظهر في يومها و قرأ فيها غير سورة الجمعة و المنافقين، حتى تجاوز نصف السورة استحب له أن يعدل بنيته من الفريضة إلى النافلة، ثم يستأنف الفريضة بعدها و يقرأ فيها سورة الجمعة و المنافقين.

و إذا تذكر قبل أن يتجاوز نصف السورة، استحب له أن يعدل عن السورة التي قرأها إلى سورة الجمعة أو المنافقين و يتم صلاته و ان كانت السورة التي قرأها هي سورة التوحيد أو سورة الجحد.

(الخامس): إذا شرع في صلاة فريضة منفردا، و حضرت الجماعة و خشي أن تفوته صلاة الجماعة إذا هو أتم الفريضة التي

بيده، جاز له قطعها ليدرك الجماعة، و إذا أمكن له أن يتمها ركعتين و يدرك الجماعة بعدهما استحب له أن يعدل بها الى نافلة و يتمها ركعتين كذلك.

و المراد بإدراك الجماعة أن يدرك الركعة الأولى مع الامام، و يلاحظ ما سيأتي ان شاء اللّه في مبحث صلاة الجماعة.

(السادس): إذا شرع المسافر في صلاة فريضة مقصورة، ثم بدا له و هو في صلاته ان ينوي إقامة عشرة أيام في ذلك المكان، فيجب عليه العدول في صلاته إلى نية التمام.

(السابع): إذا نوى المسافر إقامة عشرة و شرع في الصلاة بنية

كلمة التقوى، ج 1، ص: 394

التمام، ثم بدا له و هو في صلاته ان يترك الإقامة، وجب عليه ان يعدل في صلاته الى القصر، و إذا تجاوز محل العدول فدخل في ركوع الثالثة فالأحوط له أن يتمها رباعية ثم يعيدها مقصورة.

و إذا كان بعد أن نوى الإقامة قد صلى صلاة رباعية تامة قبل أن يعدل عن نية الإقامة وجب عليه أن يتم في جميع صلواته في ذلك الموضع حتى يسافر منه و سيأتي تفصيل ذلك في فصل نية الإقامة، من صلاة المسافر.

(الثامن): إذا كان المسافر في المواضع التي يتخير فيها بين القصر و التمام فنوى القصر في صلاته، جاز له العدول عنه الى التمام فيها، و إذا نوى التمام فيها جاز له العدول عنه الى القصر.

(التاسع): إذا شرع المكلف في صلاة الاحتياط لبعض الشكوك الصحيحة التي تعرض في الصلاة، و تذكر فيها ان صلاته صحيحة لا تحتاج إلى صلاة احتياط، فله أن يعدل بها الى نافلة.

المسألة 368

إذا شرع في قضاء فريضة فائتة ثم علم ان الفريضة الحاضرة قد تضيق وقتها، لم يجز له العدول إليها، بل يجب

عليه ابطال ما بيده و استئناف الفريضة الحاضرة.

المسألة 369

إذا عدل من صلاة إلى صلاة أخرى حيث لا يصح له العدول، فان لم يفعل بعد العدول شيئا صح له ان يرجع بالنية إلى صلاته الأولى، و ان أتى بعد عدوله ببعض أفعال الصلاة و كان عامدا في فعله بطلت الصلاتان معا، و كذلك إذا كان ساهيا، و قد أتى بعد عدوله بركوع أو سجدتين، فتبطل الصلاتان، و ان كان ساهيا و لم يزد ركنا رجع بنيته الى صلاته الأولى و أعاد الأفعال التي أتى بها بعد العدول و أتم الصلاة، و الأحوط إعادتها بعد الإتمام.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 395

المسألة 370

إذا كان في صلاة العصر مثلا و اعتقد انه لم يصل الظهر قبلها، فعدل بنيته الى الظهر و بعد أن أتمها تذكر انه قد صلى الظهر من قبل، وجب عليه أن يصلي العصر و لم تكفه هذه الصلاة عنها، و هكذا في كل فريضة اعتقد وجوبها فعدل إليها ثم تبين له انها غير واجبة عليه، فلا تكفي عن الفريضة التي عدل عنها و ان كانت مثلها في عدد الركعات.

المسألة 371

إذا خرج الإنسان إلى السفر في سفينة و نحوها مما يمكن الصلاة فيه، فصلى فيها بنية التمام لأنه لم يخرج بعد عن حد الترخص، فوصل الى حد الترخص و هو في أثناء الصلاة فإن كان قبل ركوع الثالثة عدل بنيته الى القصر و أتمها ركعتين، و ان دخل في ركوع الثالثة قطع الصلاة و أعادها قصرا.

و إذا كان في رجوعه من السفر و دخل في الصلاة بنية القصر و وصل الى حد الترخص في أثناء الصلاة عدل الى التمام.

المسألة 372

إذا قصد في الصلاة امتثال ما في ذمته و كان يعتقد انها الظهر، و بعد أن أتمها تذكر انه قد صلى الظهر من قبل و ان ما في ذمته هي العصر أجزأته صلاته عن العصر، و كذلك العكس فتجزيه صلاته عن الظهر.

المسألة 373

لا يعتبر في الصلاة أن يقصد أن ما بيده هي الركعة الأولى أو الثانية من الصلاة أو غيرهما، و لا يعتبر في النافلة ان يقصد ان الركعتين اللتين بيده هما الأولتان منها أو ما بعدهما، فإذا توهم ان الركعة التي بيده هي الثانية من الفريضة مثلا و أتم الركعة بهذه النية، و بعد أن أتمها تذكر انها الأولى صحت ركعته على ما هو الواقع و لم يضره خطأه في الاعتقاد و كذلك العكس.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 396

و إذا قام الى ركعتين من نافلة النهار أو من نافلة الليل، و توهم انهما الركعتان الأولتان منها، و بعد ان أتم الركعتين تذكر انهما الثالثة و الرابعة أو غيرهما، صحت صلاته على ما هو الواقع و لم يضره الخطأ في الاعتقاد.

الفصل السادس عشر في تكبيرة الإحرام
المسألة 374

تكبيرة الإحرام أحد الأركان في الصلاة فلا تنعقد الصلاة بدونها، سواء تركها عن عمد أم عن سهو، و بالشروع في التكبيرة يحصل الدخول في الصلاة و لكن منافيات الصلاة لا تحرم الا بعد إتمامها، و يجوز له قطع التكبيرة قبل أن يتمها.

و تبطل الصلاة بزيادتها عمدا، فإذا كبر المصلي للإحرام مرتين عامدا بطلت صلاته و احتاج الى ثالثة و إذا كبر رابعة بطلت و احتاج الى خامسة، و هكذا، فإذا كبر شفعا بطلت الصلاة و إذا كبر وترا صحت.

و يشكل الحكم في زيادتها سهوا، و لا بد من مراعاة الاحتياط في ذلك، فإذا كبر شفعا ساهيا أتم صلاته ثم أعادها، و هكذا إذا كان في صلاة و كبر لصلاة أخرى.

المسألة 375

صورة التكبير ان يقول المكلف (اللّه أكبر) و لا يجزيه أن يأتي بما يرادفها في العربية أو بترجمتها من لغة أخرى، و الأحوط لزوما أن يأتي بها مجردة غير موصولة بما قبلها من أدعية الافتتاح أو غيرها، و لا بما بعدها من بسملة أو استعاذة، كما تلقاها المسلمون يدا بيد من الرسول الكريم (ص).

و تجب مراعاة النطق الصحيح بها من حيث مخارج الحروف، و من حيث حركاتها، و من حيث الموالاة بين الحروف و بين الكلمتين، و أن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 397

لا يزيد في حروفها أو ينقص كما إذا مد الهمزة من اللّه، أو قال أكبار، أو قال أكبر بتشديد الراء أو قال: (الكبر).

المسألة 376

لا يصح أن يضم الى لفظ الجلالة ما يدل على التعظيم و نحوه، كما إذا قال: (اللّه العظيم أكبر) أو قال اللّه تعالى أكبر، و إذا قال اللّه أكبر من ان يوصف أو من ان يحد، فلا يترك الاحتياط بإتمام الصلاة و إعادتها.

المسألة 377

يجب القيام في تكبيرة الإحرام، فإذا كبر للفريضة جالسا مع قدرته على القيام بطلت صلاته، سواء كان عامدا في ذلك أم ساهيا، و يجب الاستقرار فيها كذلك، فإذا ترك الاستقرار في التكبيرة عامدا بطلت صلاته، و إذا تركه ساهيا فالظاهر عدم البطلان بذلك إلا إذا رجع الى ترك القيام.

المسألة 378

لا يصدق التلفظ بتكبيرة الإحرام و لا بغيرها من قراءة الصلاة و أذكارها و ادعيتها حتى ينطق بها بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع، و يكفي التقدير إذا وجد المانع أو كان غير صحيح السمع، فلا تصح التكبيرة إذا لم يتحقق ذلك، و لا تصح إذا سمع احدى الكلمتين من التكبير و لم يسمع الأخرى، و هكذا في غير التكبير من القراءة و الأذكار.

المسألة 379

من لا يحسن التكبيرة يجب عليه أن يتعلمها، و لا يصح له الدخول في الصلاة ما لم يتعلم، و إذا أمكنه النطق بها صحيحة و لو بالتلقين كلمة كلمة كفاه ذلك، و إذا ضاق الوقت و لم يمكنه ذلك أتى بها ملحونة فان لم يستطع أتى بترجمتها، و الأحوط أن تكون بلغته إذا كان غير عربي و ان أحسن ترجمتها في لغة أخرى، و لا يكتفي بغير الترجمة و ان كان من الأذكار العربية و من أذكار الصلاة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 398

المسألة 380

المعذور في نطقه كالتمتام و الفأفاء و من يبدل بعض الحروف ببعض، و من لا يستطيع الإفصاح في بعض الحروف أو بعض الكلمات يجب عليه أن يأتي بها على قدر ما يمكنه، و الأخرس الذي لا يمكنه النطق يخطرها بقلبه و يشير إليها بإصبعه و يحرك لسانه إن أمكن، و في حكم تكبيرة الإحرام في ذلك غيرها من التكبيرات المستحبة في الصلاة.

المسألة 381

من ترك التعلم عامدا حتى ضاق الوقت كان إثما في فعله و وجب عليه أن يصلي على نهج ما ذكرنا و لا يترك الاحتياط بقضاء الصلاة بعد أن يتعلم.

المسألة 382

يستحب للمصلي أن يفتتح صلاته بست تكبيرات بالإضافة إلى تكبيرة الإحرام فيكون المجموع سبع تكبيرات، و يجوز له أن يأتي بخمس أو بثلاث و لكن السبع أفضل.

و له ان يجعل تكبيرة الإحرام أيتها شاء، و يشكل الحكم بالصحة إذا نوى الإحرام بجميع التكبيرات، و إذا اختار احدى التكبيرات فجعلها للإحرام جهر بها إذا كان اماما و أسر في الباقي و الظاهر ان الحكم المذكور لا يختص بالفرائض اليومية بل يشمل غيرها من الفرائض و النوافل.

المسألة 383

يجوز له أن يأتي بالتكبيرات المذكورة متوالية من غير دعاء بينهن، و الأفضل أن يكبر ثلاثا، ثم يقول: اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت، سبحانك اني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي انه لا يغفر الذنوب إلا أنت. ثم يكبر اثنتين، و يقول: لبيك و سعديك و الخير في يديك و الشر ليس إليك و المهدي من هديت لا ملجأ منك إلا إليك، سبحانك و حنانيك تباركت و تعاليت سبحانك رب البيت. ثم يكبر اثنتين، و يقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ عٰالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ حَنِيفاً مسلما

كلمة التقوى، ج 1، ص: 399

وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ صَلٰاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيٰايَ وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ لٰا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا من الْمُسْلِمِينَ. ثم يتعوذ باللّه من الشيطان الرجيم و يقرأ الحمد.

المسألة 384

يستحب أن يقول حينما يتوجه إلى القبلة و قبل التكبير: اللهم إليك توجهت و مرضاتك طلبت و ثوابك ابتغيت و بك آمنت و عليك توكلت، اللهم صل على محمد و آله، و افتح مسامع قلبي لذكرك و ثبتني على دينك و لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني و هب لي من لدنك رحمة انك أنت الوهاب.

المسألة 385

يستحب أن يرفع يديه بالتكبير من غير فرق بين تكبيرة الإحرام و غيرها، و ليكن الرفع الى النحر أو حيال الوجه أو الى الأذنين، و لا يتجاوزهما، و يستحب ان يستقبل بباطن كفيه و أن يبسطهما و ينبغي ضم أصابعهما.

و مقتضى الأدلة أن يكبر و هو رافع يديه، فإذا رفع يديه و كبر ثم أرسلهما كفى ذلك في أداء الوظيفة، و لا يتعين ان يبتدئ بالتكبير عند ابتداء رفع يديه و ينتهي عند انتهائه.

المسألة 386

إذا شك المكلف في انه أتى بتكبيرة الإحرام أم لا، فان كان شكه قبل أن يدخل في ما بعدها وجب عليه أن يأتي بالتكبيرة، و ان شك في الإتيان بها بعد ما دخل في غيرها بنى على انه قد أتى بها و مضى في صلاته.

و يكفي أن يدخل في دعاء التوجه بعدها، أو في الاستعاذة، أو في البسملة للقراءة. و إذا أتى بالتكبيرة ثم شك في صحتها، حكم بالصحة على الأقوى، سواء دخل في ما بعدها أم لا.

المسألة 387

إذا كبر المصلي ثم شك في أن تكبيرته هذه تكبيرة الإحرام أو تكبيرة الركوع بنى على انها تكبيرة الإحرام.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 400

الفصل السابع عشر في القيام
المسألة 388

القيام في حال تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، تبطل الصلاة بتركه عمدا و سهوا، فمن أتى بتكبيرة الإحرام جالسا مع قدرته على القيام بطلت صلاته، سواء كان عامدا أم ساهيا، و كذلك من كبر في حال نهوضه قبل قيامه.

و القيام المتصل بالركوع ركن كذلك من أركان الصلاة، و المراد به أن يكون ركوعه عن قيام، فمن ركع لا عن قيام مع قدرته بطلت صلاته، و مثال ذلك أن يقرأ جالسا في صلاته ثم يركع، أو يجلس في أثناء قراءته أو بعدها ثم يركع، سواء أتى بالركوع من جلوس أم من قيام، كما إذا قرأ و هو جالس ثم نهض متقوسا حتى الركوع من قيام، فتبطل صلاته في جميع ذلك، سواء فعل ذلك عامدا أم ساهيا.

المسألة 389

إذا هوى من القيام لا بقصد الركوع، ثم نواه في أثناء هويه و ركع بطلت صلاته لأنه لم يأت بالقيام المتصل بالركوع، و إذا لم يصل الى حد الركوع وجب عليه أن ينتصب قائما ثم يركع، فإذا فعل ذلك صحت صلاته، و كذلك إذا لم ينو الركوع في انحنائه و ان وصل فيه الى حد الركوع، فيجب عليه أن ينتصب قائما ثم يركع، و تصح بذلك صلاته.

المسألة 390

القيام في حال القراءة أو حال التسبيح في الأخيرتين واجب غير ركن، فمن ترك القيام و قرأ أو سبح في صلاته و هو جالس بطلت صلاته إذا كان عامدا، و لم تبطل إذا كان ساهيا و كذلك الحكم في القيام بعد الركوع، و القيام مستحب في حال القنوت.

المسألة 391

القيام الركن في حال تكبيرة الإحرام هو القيام في جميع التكبيرة، فلا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 401

يجوز، للمصلي أن يبدأ بالتكبيرة قبل أن يتم قيامه و لو بحرف واحد منها، و لا يجوز أن ينحني المأموم للركوع مع الامام قبل أن يتم تكبيرة إحرامه و لو بحرف واحد، و أيهما فعل ذلك بطلت صلاته سواء كان عامدا أم ساهيا، فيجب على المصلي أن يستقر قائما قبل أن يبدأ بالتكبيرة و بعد أن يتمها من باب المقدمة.

المسألة 392

القيام في حال القراءة و حال التسبيح في الأخيرتين واجب غير ركن كما تقدم ذكره قريبا، و هل هو واجب مستقل في حال القراءة و التسبيح أو هو شرط فيهما، وجهان، و لا يترك الاحتياط، فمن قرأ أو سبح و هو جالس نسيانا، و تذكر بعد أن أتم القراءة أو التسبيح فعليه إعادتهما قائما على الأحوط، و كذلك إذا تذكر في أثنائهما، فعليه أن يستأنفهما من قيام على الأحوط، و ان تذكر ذلك بعد الدخول في الركوع صحت صلاته إذا أتى بالقيام المتصل بالركوع.

المسألة 393

القيام مستحب في حال القنوت، و معنى ذلك انه يجوز ترك القيام بترك القنوت و لكن ليس للمصلي أن يأتي بالقنوت جالسا اختيارا، فان فعل ذلك عامدا لم يأت بوظيفة القنوت، و لا تبطل الصلاة بذلك و لكن الأحوط استحبابا إتمام الصلاة ثم اعادتها.

المسألة 394

إذا نسي القراءة أو نسي بعضها حتى ركع لم تبطل صلاته إذا كان ركوعه عن قيام.

المسألة 395

القيام المتصل بالركوع هو ما يتحقق بعده الركوع بالفعل، و لذلك فلا تتحقق زيادته إلا بزيادة الركوع معه، فإذا نسي القراءة أو نسي بعضها و هوى إلى الركوع ثم تذكر قبل أن يصل في هويه الى حد الركوع، وجب عليه الرجوع الى القيام و إتمام القراءة و لم تبطل صلاته بذلك، و ليس ما أتى به قبل هويه الأول قياما متصلا بالركوع.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 402

و إذا هوى بقصد الركوع و تذكر قبل وصوله الى حد الركوع أنه قد ركع قبل ذلك، أرسل نفسه الى السجود و لم تبطل صلاته و ليس ما أتى به قبل هويه قياما متصلا بالركوع.

و كذلك القيام في حال تكبيرة الإحرام، فلا تتحقق زيادته إلا بزيادة تكبيرة الإحرام معه، و قد تقدم الإشكال في بطلان الصلاة بزيادة التكبيرة سهوا في المسألة الثلاثمائة و الرابعة و السبعين و انه لا بد فيها من الاحتياط بإتمام الصلاة ثم اعادتها، و هو بذاته حكم زيادة القيام في حال تكبيرة الإحرام.

المسألة 396

لا تبطل الصلاة بزيادة القيام إذا وقعت سهوا و مثال ذلك أن يقوم في موضع القعود أو ينسى فيقرأ مرة ثانية بعد قراءته الواجبة فيكون ذلك زيادة في القيام كما هي زيادة في القراءة و لا تبطل الصلاة بهما.

المسألة 397

إذا شك في القيام بعد الدخول في ما بعده لم يعتن بشكه و بنى على وقوع ما شك فيه، كما إذا شك في القيام حال تكبيرة الإحرام بعد الدخول في الاستعاذة أو في القراءة، و كما إذا شك في القيام حال القراءة بعد الدخول في الركوع، أو شك في القيام المتصل بالركوع بعد الوصول الى حد الركوع أو شك في القيام بعد الركوع و قد هوى إلى السجود.

المسألة 398

يجب على المصلي إذا كان قادرا أن ينتصب في قيامه و يعتدل، فتبطل صلاته إذا كان منحنيا في قيامه أو مائلا الى أحد الجانبين، و يجب أن يكون مستقرا مطمئنا، فلا تصح صلاته إذا كان ماشيا أو مضطربا في قيامه أو متحركا حركة تنافي الطمأنينة و الاستقرار، و أن يكون مستقلا على الأحوط فلا يعتمد في قيامه على عصى أو جدار أو غيرهما، و تصح صلاته في جميع ما ذكر إذا كان مضطرا اليه، و تصح صلاته مطرقا برأسه، فلا يجب عليه نصب العنق، نعم يستحب ذلك كما سيأتي في آخر الفصل.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 403

المسألة 399

لا يجوز له أن يفرج ما بين رجليه تفريجا فاحشا لا يصدق معه القيام عرفا أو ينافي الاستقامة و الاعتدال فيه، و يجوز إذا كان قليلا لا ينافي شيئا من ذلك.

و الأحوط أن يكون وقوفه على قدميه معا، فلا يكفي ان يقف على رجل واحدة أو على أصل القدمين أو على أصابعهما.

المسألة 400

إذا صدق على المصلي أنه واقف على قدميه صحت صلاته و ان كان اعتماده على إحداهما أكثر من الأخرى.

المسألة 401

لا تبطل صلاة الإنسان إذا ترك الانتصاب في قيامه أو ترك الاستقرار أو الاستقلال فيه ناسيا أو ساهيا، و ان كان القيام ركنا، نعم لا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة إذا مشى في القيام الركني ساهيا أو ناسيا أو تحرك فيه بما يشبه المشي.

المسألة 402

يتخير المضطر الى الاعتماد في حال قيامه، بين أن يعتمد على جدار أو عصى، أو إنسان و لا يتعين على الأقطع أن يعتمد على خشبته الخاصة التي أعدها لمشية، و يجب على الإنسان شراء ما يعتمد عليه أو استيجاره إذا اضطر إليه في صلاته و لم يجده الا بالشراء أو الاستيجار.

المسألة 403

إذا اضطر الإنسان إلى ترك الانتصاب في قيامه أو الى عدم الاستقرار فيه أو الى الاعتماد على عصى و نحوها، أو اضطر الى الوقوف على رجل واحدة، أو الى التفريج بين الرجلين بنحو ينافي الاستقامة و لا ينافي القيام أو غير ذلك من الأعذار التي لا تنافي صدق القيام عرفا وجب عليه ذلك، و لم تصح له الصلاة جالسا، و يلاحظ ما علقناه على هذه المسألة من كتاب العروة الوثقى في الحكم إذا دار الأمر في هذه الأعذار بعضها مع بعض.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 404

المسألة 404

إذا عجز المكلف عن القيام في الصلاة بجميع مراتبه التي تقدم ذكرها أو الإشارة إليها وجب عليه أن يصلي جالسا، و جرى في الجلوس جميع ما تقدم في القيام، فيجب فيه الانتصاب و الاستقرار و الاستقلال و غيرها.

المسألة 405

للتفريج الفاحش بين الرجلين مراتب، فما صدق معه القيام عرفا من مراتبه فهو مقدم على الجلوس كما تقدم، و ما لم يصدق معه القيام منها فالأحوط معه تكرار الصلاة، فيصلي مفرجا بين رجليه كذلك مرة، و يصلي جالسا مرة أخرى.

المسألة 406

إذا تعذر عليه الجلوس في صلاته، و لو بأن يكون معتمدا على شي ء أو متكئا على جدار، وجب عليه أن يصلي مضطجعا على جانبه الأيمن و مستقبلا بمقاديم بدنه كهيئة الميت المدفون فان لم يقدر، فعلى جانبه الأيسر، فإن تعذر عليه ذلك صلى مستلقيا على ظهره كهيئة المحتضر.

و يجب عليه الانحناء لركوعه و سجوده بالقدر الممكن له من الانحناء، و لو برفع موضع سجوده، فإذا لم يمكنه الانحناء أومأ برأسه، و الأحوط أن يجمع بين الإيماء و غمض العينين في الركوع و السجود، و أن يرفع شيئا يضع جبهته عليه في السجود، و ليجعل ايماءه للسجود اخفض منه للركوع، و يجعل غمض العينين للسجود أزيد منه للركوع، و الأحوط الإيماء في السجود بمساجده الأخرى.

المسألة 407

إذا كان قادرا على القيام في الصلاة و لكنه يعجز عن الركوع قائما كبر و قرأ قائما ثم جلس و أتى بالركوع جالسا و إذا عجز عن الركوع قائما و جالسا، صلى قائما و أومأ للركوع و إذا عجز عن الركوع و السجود صلى قائما و انحنى للركوع بالمقدار الممكن و لو يسيرا، ثم ينحني للسجود و لو برفع موضع سجوده فان لم يقدر أومأ برأسه للسجود و غمض عينيه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 405

و رفع شيئا يضع جبهته عليه و ان تمكن من الجلوس جلس و أومأ للسجود على النهج المتقدم و يراجع ما يأتي في فصل الركوع.

المسألة 408

إذا كان المكلف ممن وظيفته الصلاة جالسا فصلى كذلك، و أمكنه القيام للركوع فقط وجب عليه ان يقوم بعد القراءة ثم يركع عن قيام، و كذلك الحكم إذا تجددت له القدرة على القيام في جميع الصلاة و ضاق الوقت عن اعادتها، فيقوم بعد القراءة للركوع و يتم صلاته.

و إذا أمكنه القيام في جميع الصلاة و كان الوقت متسعا فلا بد من إعادة الصلاة.

المسألة 409

إذا كان قادرا على القيام في بعض ركعات الصلاة دون بعض وجب عليه أن يقوم الى أن يعجز فيتم صلاته جالسا، فإذا أحس من نفسه القدرة على القيام قام و هكذا، و كذلك إذا أمكنه القيام في بعض الركعة دون بعض وجب عليه القيام في أول الركعة الى أن يعجز ثم يتم الركعة جالسا.

المسألة 410

إذا عجز عن القيام في الصلاة و ظن أو احتمل أن تتجدد له القدرة على القيام في آخر الوقت وجب عليه تأخير الصلاة، و لكنه إذا صلى في سعة الوقت مع الاحتمال برجاء استمرار العذر الى آخر الوقت ثم انكشف له استمرار عذره كذلك صحت صلاته.

المسألة 411

إذا كان قادرا على القيام و لكنه يخشى حدوث مرض إذا هو قام في صلاته أو يخاف بطء زوال مرض يجده جاز له ان يصلي جالسا، و كذلك إذا كان القيام يوجب له الحرج و المشقة الشديدة، و إذا كان ممن يصلي جالسا و عرض له خوف المرض من صلاته جالسا أو لزم الحرج جاز له ان يصلي مضطجعا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 406

المسألة 412

إذا صلى الإنسان قائما و عجز في أثناء صلاته عن القيام جلس في صلاته، و إذا عجز عن ذلك اضطجع، فإذا عجز استلقى، و عليه ان يترك القراءة أو الذكر عند انتقاله من حالة الى حالة حتى يستقر، و انما تصح صلاته في هذه الفروض إذا كان العذر مستمرا الى آخر الوقت، فإذا زال العذر و الوقت باق وجبت عليه إعادة الصلاة.

المسألة 413

إذا صلى جالسا و تجددت له القدرة على القيام في أثناء الصلاة، فإن كان الوقت واسعا وجبت عليه إعادة الصلاة، و ان كان الوقت ضيقا وجب عليه ان يتم صلاته قائما، و عليه ان يترك القراءة و الذكر في حال انتقاله الى القيام حتى يستقر، و كذلك الحكم في المضطجع إذا قدر على الجلوس، و في المستلقي إذا قدر على الاضطجاع، فيعيد صلاته إذا كان الوقت واسعا، و ينتقل إلى الحالة التي تجددت له القدرة عليها إذا كان الوقت ضيقا و يترك القراءة و الذكر في حال انتقاله حتى يستقر.

المسألة 414

إذا تجددت للمكلف القدرة على القيام بعد أن أكمل القراءة جالسا فان كان مع سعة الوقت، فقد تقدم انه تجب عليه إعادة الصلاة في جميع الفروض، و ان كان الوقت ضيقا وجب عليه القيام للركوع، و لم تجب عليه إعادة القراءة، و إذا تجددت له القدرة في أثناء القراءة، فعليه القيام و إتمام القراءة و لا يجب عليه استينافها.

و إذا تجددت له القدرة في أثناء الركوع جالسا فان كان قد أتم الذكر الواجب فيه، وجب عليه ان ينتصب قائما لرفع الرأس من الركوع، و ان كان قبل أن يتم الذكر، فعليه أن يتمه بقصد الرجاء على الأحوط، و يجب عليه ان يرتفع منحنيا حتى يصل الى حد الركوع قائما ثم عليه على الأحوط أن يأتي بالذكر بقصد الرجاء مرة أخرى، و إذا انتصب في هذه الصورة قائما ثم ركع بطلت صلاته، و إذا تجددت له القدرة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 407

بعد أن رفع رأسه من الركوع جالسا، فلا يترك الاحتياط في أن ينتصب قائما برجاء المطلوبية.

المسألة 415

يجب الاستقرار و الطمأنينة حال القراءة و التسبيحات، سواء كان ممن يصلي قائما أم جالسا أم مضطجعا أم مستلقيا، و يجب الاستقرار في حال الذكر في الركوع و السجود سواء أتى بهما قائما أم جالسا أم مؤميا، و في جميع أفعال الصلاة و أذكارها، و حتى في حال القنوت و جلسة الاستراحة و الأذكار المستحبة.

المسألة 416

موضع التكبير المستحب هو حال الانتصاب قبل الركوع أو قبل السجود أو بعد السجود، فإذا أتى في حال الهوي أو حال النهوض فقد أتى به في غير محله، و لا يجوز ذلك مع العمد، و لا تبطل به الصلاة.

المسألة 417

يتخير من يصلي جالسا في كيفية جلوسه، و لا تتعين عليه كيفية خاصة، و يستحب أن يكون متربعا، قالوا: و من التربع أن يجلس القرفصاء، و هو أن يجلس على ألييه و قدميه و يرفع فخذيه و ساقيه عن الأرض، فإذا أراد الركوع ثنى رجليه و ركع، و يتورك في جلوسه بين السجدتين و في حال التشهد.

المسألة 418

يستحب للمصلي في حال قيامه أن يسدل منكبيه، و أن يرسل يديه، و أن يضم أصابع كفيه، و يضعهما على فخذيه قبالة ركبتيه، اليمنى على الفخذ الأيمن، و اليسرى على الفخذ الأيسر، و أن يقيم صلبه و نحره، و أن يصف قدميه، و يستقبل بأصابعهما القبلة، و ان يفرق بينهما بمقدار ثلاث أصابع مفرجات أو أزيد إلى شبر، و ان يسوي بينهما في الاعتماد، و أن يكون نظره الى موضع سجوده، و أن يكون في قيامه خاضعا خاشعا مستكينا.

و يستحب للمرأة أن تجمع بين قدميها و لا تفرق بينهما كما يفعل الرجل، و أن تضم يديها الى صدرها على ثديها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 408

الفصل الثامن عشر في القراءة
المسألة 419

تجب قراءة فاتحة الكتاب في الركعة الأولى و الثانية من كل فريضة، سواء كانت من الفرائض اليومية أم غيرها، عدا صلاة الأموات، و تجب فيهما على الأحوط قراءة سورة كاملة بعد الفاتحة، حتى في الفريضة المعادة.

و يسقط وجوب السورة إذا أوجبت قراءتها المشقة الشديدة على المكلف لمرض أو استعجال أو ضرورة أخرى توجب ذلك، فيجوز له حين ذلك الاقتصار في صلاته على قراءة الفاتحة وحدها.

و تحرم قراءة السورة عند ضيق الوقت أو الخوف أو الضرورة الشديدة التي توجب تحريم الفعل فيجب على المكلف عند ذلك الاقتصار على قراءة الفاتحة و ترك قراءة السورة.

المسألة 420

لا يجوز أن يقدم السورة على فاتحة الكتاب، فإذا قدمها عليها عامدا، بطلت صلاته سواء أعادها بعد الفاتحة أم لم يعدها.

و إذا قدم السورة على الفاتحة ساهيا، فان تذكر ذلك بعد الركوع صحت صلاته، و ان تذكره قبل الركوع، فان كان قد قرأ الحمد بعد السورة أعاد السورة و يجزيه أن يقرأ سورة أخرى غيرها و ان لم يقرأ الحمد وجب عليه أن يقرأها ثم يأتي بعدها بسورة.

المسألة 421

النوافل كالفرائض، فلا بد فيها من قراءة الفاتحة و لا تصح بدونها، و لا تجب فيها قراءة السورة و ان كانت النافلة واجبة عليه بنذر و شبهه، فللمصلي أن يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وحدها، و أن يأتي معها بآيات من سورة أو آيات من سور متعددة، و بسورة واحدة و بسور متعددة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 409

و تستثنى من ذلك النوافل ذات الكيفيات المخصوصة و التي عينت فيها قراءة سور معينة أو آيات خاصة، كصلاة الوصية و صلاة الغدير و صلاة الغفيلة و بعض صلوات الحاجة، فلا بد و أن تقرأ فيها السور أو الآيات المعينة.

و إذا علم أن تعيين السور فيها انما هو شرط لكمال النافلة لا لمشروعيتها جاز له ترك تلك السورة فيها، كما يجوز له قراءة غيرها، و ذلك كالسور التي تستحب قراءتها في صلاة جعفر أو في صلاة الليل.

المسألة 422

إذا ترك القراءة في صلاة الفريضة ساهيا و تذكر بعد وصوله الى حد الركوع صحت صلاته، و لم يجب عليه في ذلك سجود السهو على الأقوى و ان كان الإتيان به أحوط.

و كذلك إذا ترك قراءة الحمد وحدها ساهيا أو ترك قراءة السورة وحدها و تذكر بعد الركوع فلا شي ء عليه.

و إذا ترك القراءة أو ترك احدى السورتين ساهيا و تذكر قبل الدخول في الركوع وجب عليه ان يأتي بما تركه و إذا ترك الحمد وحدها فعليه أن يقرأها و أن يأتي بالسورة بعدها ليحصل الترتيب.

المسألة 423

لا يجوز للمصلي أن يقرأ في صلاته ما يفوت الوقت بقراءته من السور، سواء كان ذلك لطول السورة أم لقصر الوقت، و ان قرأ فالظاهر عدم بطلان الصلاة بذلك و ان كان عامدا في فعله، فإذا كان في سعة الوقت وجب عليه أن يعدل عن تلك السورة إلى غيرها و يتم صلاته و إذا كان الوقت ضيقا قطع السورة و أتم صلاته من غير سورة، نعم تبطل الصلاة إذا قصد بها الأداء و لم يدرك ركعة من الوقت سواء كان عامدا في ذلك أم ساهيا.

و إذا قرأ ما يفوت به الوقت و كان ساهيا و لم يتنبه الا بعد فراغه من الصلاة و خروج الوقت و قد أدرك من الوقت مقدار ركعة صحت صلاته.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 410

المسألة 424

تشكل قراءة سورة العزيمة في صلاة الفريضة، لعدم إمكان الجمع مع قراءتها بين غرضي الشارع، فإذا قرأها عامدا، فان سجد لها عند تلاوة آية العزيمة كما هو الأقوى بطلت صلاته لزيادة السجود، و ان هو لم يسجد لها كان عاصيا و آثما بترك السجود، و كان عليه أن يتم الصلاة ثم يعيدها على الأحوط.

و إذا قرأها ساهيا أو ناسيا فان تذكر قبل أن يقرأ آية العزيمة وجب عليه أن يعدل إلى سورة أخرى و يتم الصلاة، و ان تذكر بعد قراءة آية العزيمة و السجود لها نسيانا وجب عليه أن يتم صلاته و كانت صحيحة على الأقرب.

و ان تذكر بعد قراءة آية العزيمة و قبل السجود لها كان حكمه هو ما تقدم في العمد، فان سجد لها كما هو الأقوى بطلت صلاته للزيادة و ان لم يسجد لها كان عاصيا و وجب عليه ان يتم الصلاة

ثم يعيدها على الأحوط.

و إذا قرأ سورة العزيمة ساهيا و لم يتذكر الا بعد الدخول في الركوع فان كان قد سجد لها في حال نسيانه فعليه إتمام صلاته و كانت صحيحة، و كذلك إذا سها عن سجدة التلاوة حتى أتم الصلاة، فعليه أن يأتي بالسجدة إذا تذكرها بعد الفراغ و كانت الصلاة صحيحة. و ان تذكر و هو في الصلاة انه لم يسجد سجدة التلاوة جرى فيه الحكم المتقدم في صورة العمد، فان هو سجد لها بطلت صلاته، و إذا عصى و ترك السجود كان عليه ان يتم الصلاة ثم يعيدها على الأحوط.

المسألة 425

إذا لم يقرأ سورة العزيمة في فريضته و لكنه قرأ آية السجدة في أثنائها لم تبطل صلاته بذلك، و جرى فيها الحكم المتقدم في صورة العمد، فان سجد بعد تلاوة الآية بطلت صلاته، و إذا عصى أو سها فلم يسجد لها وجب عليه أن يتم صلاته، و كذلك إذا قرأ الآية في فريضته ناسيا.

و إذا سمع من يقرأ الآية أو استمع اليه و هو في الفريضة أومأ إلى

كلمة التقوى، ج 1، ص: 411

السجود و أتم صلاته و صحت، و الأحوط ان يسجد لها بعد الفراغ من الصلاة أيضا.

المسألة 426

تجوز قراءة سور العزائم في صلاة النافلة، فإذا قرأ آية السجدة منها سجد و هو في الصلاة ثم قام فأتم نافلته و لم تبطل بذلك و ان كانت واجبة عليه بنذر و شبهه، و كذلك الحكم إذا قرأ آية السجدة وحدها.

المسألة 427

سور العزائم الأربع هي الم تنزيل، و حم فصلت، و سورة النجم، و سورة العلق، و موضع السجود هو آخر الآية الكريمة من السورة.

المسألة 428

البسملة جزء من كل سورة، فتجب قراءتها معها، عدا سورة التوبة و هي سورة براءة، فلا بسملة فيها، و إذا أتى بالبسملة لسورة معينة لم تكف لغيرها، فإذا بدا له أن يقرأ سورة أخرى، فعليه أن يعيد البسملة بقصدها.

المسألة 429

سورة الفيل و لِإِيلٰافِ قُرَيْشٍ سورة واحدة، فلا تكفي قراءة أحدهما في الفريضة، بل لا بد من أن يجمع بينهما، و يقدم سورة الفيل مع البسملة الواقعة بينهما، و كذلك الحكم في سورة الضحى و أ لم نشرح، فيجب أن يجمع بينهما و يقدم سورة الضحى مع البسملة الواقعة بينهما.

المسألة 430

يجوز أن يقرأ سورتين أو أكثر في ركعة واحدة من الفريضة على كراهة، و الأحوط ترك ذلك، و لا كراهة إذا فعل ذلك في النافلة.

المسألة 431

يجب تعيين السورة قبل الشروع فيها و يكفيه التعيين الإجمالي الحاصل من الاعتياد و نحوه، و إذا أتى بالبسملة من غير أن يعين سورة وجب

كلمة التقوى، ج 1، ص: 412

عليه إعادة البسملة و ان يعينها لسورة خاصة يختارها، و كذلك إذا أتى بالبسملة بقصد سورة معينة ثم نسي أي سورة عينها أو أتى بالبسملة و شك في أنه قصدها لسورة خاصة أم لا، فعليه في جميع هذه الفروض أن يختار سورة معينة و يعيد البسملة لها.

المسألة 432

إذا أتى بالبسملة و شرع بعدها في سورة و شك في أثناء قراءتها في أنه هل عين البسملة لها أم لغيرها و قرأها نسيانا بنى على الصحة.

المسألة 433

إذا عزم على قراءة سورة معينة في صلاته أو كان معتادا على قراءتها، فنسي، و قرأ غيرها كفاه ذلك مع التعيين و لو على سبيل الاجمال و لم يكفه مع عدم التعيين.

المسألة 434

يجوز لمن شرع في قراءة احدى السور في الفريضة أن يعدل منها إلى سورة أخرى ما لم يتجاوز النصف، و يستثنى من ذلك سورتا التوحيد و الجحد، فلا يجوز لمن شرع في إحداهما و لو بالبسملة لها أن يعدل منها الى غيرهما من السور، و لا يجوز لمن شرع في إحداهما و لو بالبسملة أن يعدل منها إلى الأخرى منهما.

المسألة 435

يجوز لمن قرأ إحدى السور في صلاة الجمعة أو صلاة الظهر في يوم الجمعة أن يعدل منها إلى سورة الجمعة في الركعة الأولى، و الى سورة المنافقين في الركعة الثانية ما لم يتجاوز النصف و ان كانت السورة التي قرأها هي التوحيد أو الجحد، بل و ان تعمد قراءتهما في الفريضة، فيجوز له العدول عنهما الى السورتين ما لم يتجاوز النصف.

المسألة 436

الأحوط لمن قرأ سورة الجمعة أو المنافقين في صلاة الجمعة أو الظهر

كلمة التقوى، ج 1، ص: 413

من يوم الجمعة ان لا يعدل عنهما الى غيرهما من السور و ان لم يبلغ النصف.

المسألة 437

يجوز العدول مع الضرورة من سورة إلى غيرها و ان قرأ أكثر السورة، و حتى من سورتي الجحد و التوحيد، و سورتي الجمعة و المنافقين في ظهر يوم الجمعة، بل يجب ذلك.

و مثال الضرورة أن ينسى بعض السورة التي شرع فيها فلا يقدر أن يتمها، أو يخاف أن يفوت الوقت إذا أتمها، أو يحصل له مانع آخر من إتمامها، و من ذلك أن يقرأ إحدى سور العزائم في فريضته ساهيا، و يتذكر قبل إتمامها، فيجب عليه العدول عنها كما ذكرنا في ما تقدم.

قيل: و من ذلك ما لو نذر أن يقرأ في صلاته سورة خاصة لا غيرها، ثم ينسى فيقرأ غير تلك السورة التي نذر قراءتها، فيعدل عن السورة التي قرأها إلى السورة المنذورة، و لكن الأحوط في هذا الفرض أن يتم السورة التي شرع فيها ثم يأتي بعدها بالسورة المنذورة و يقصد بإحداهما ما في ذمته و بالثانية القربة المطلقة.

المسألة 438

إذا أتى بالبسملة بقصد احدى السورتين: الجحد أو التوحيد، ثم نسي اي السورتين قد عينها، أتى بإحدى السورتين بلا بسملة، لاحتمال انها هي السورة التي قصدها، ثم يأتي بعدها بالسورة الثانية مع البسملة، لاحتمال انها هي المعينة، و يقصد الجزئية بالسورة المعينة في الواقع، و بالثانية القربة المطلقة.

المسألة 439

قد يشكل العدول في النافلة من سورتي الجحد و التوحيد الى غيرهما، و الأحوط في هذا الفرض أن يأتي بالسورة التي عدل إليها بقصد القربة المطلقة.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 1، ص: 413

المسألة 440

يجب على الرجل أن يجهر بالقراءة في صلاة الصبح و أولتي المغرب

كلمة التقوى، ج 1، ص: 414

و العشاء، و يجب عليه الإخفات في أولتي الظهر و العصر إلا في يوم الجمعة، فيجب الجهر في صلاة الجمعة و لا يترك الاحتياط به في صلاة الظهر.

المسألة 441

يستحب الجهر بالبسملة في الظهر و العصر للفاتحة و السورة، و في ثالثة المغرب، و أخيرتي الظهرين و العشاء إذا اختار فيها القراءة.

المسألة 442

إذا جهر المصلي عامدا في موضع يجب فيه الإخفات بالقراءة، أو أخفت في موضع يجب فيه الجهر بها بطلت صلاته، و إذا فعل ذلك ناسيا أو جاهلا صحت صلاته، و إذا كان الجاهل مترددا في الحكم فجهر أو أخفت في غير محله برجاء المطلوبية فالأحوط الإعادة.

المسألة 443

إذا فعل ذلك ناسيا أو جاهلا ثم تذكر ما نسيه أو علم ما جهله و هو في أثناء القراءة أو بعد الفراغ منها و قبل الركوع صح ما مضى من قراءته و لم تجب عليه اعادة ما قرأه.

المسألة 444

يعذر الجاهل بالحكم في مسألة الجهر و الإخفات، سواء كان جاهلا بوجوب الجهر و الإخفات أم كان جاهلا بمعناهما أم كان جاهلا بموضعهما، و المراد بجهل الموضع ان يعلم بوجوب الجهر و الإخفات في بعض الفرائض و يجهل الفريضة التي يجبان فيها، فيتوهم ان الصبح مثلا مما يخفت فيه، و ان الظهرين مما يجهر فيه.

المسألة 445

إذا جهل المأموم بوجوب الإخفات عليه إذا وجبت عليه القراءة، فجهر بها، صحت صلاته على الظاهر و ان كان الأحوط استحبابا له الإعادة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 415

المسألة 446

تتخير المرأة في الصلاة الجهرية بين الجهر و الإخفات و ان سمعها الأجنبي إلا إذا كان في مقام الريبة و التلذذ، و يجب عليها الإخفات في الصلاة الإخفاتية.

و إذا أجهرت في موضع يجب فيه الإخفات جرى فيها ما تقدم بيانه في حكم الرجل فتعذر حيث يعذر الرجل و تبطل صلاتها حيث تبطل صلاته.

المسألة 447

الجهر هو أن يظهر جوهر الصوت في القراءة، و الإخفات هو أن يقرأ و لا يظهر جوهر صوته، نعم يشكل الاكتفاء إذا ظهر به الصوت كالمبحوح الشديد البحة، اما البحة الخفيفة فالظاهر تحقق الإخفات معها.

المسألة 448

لا يجوز الإفراط في الجهر بحيث يكون خارجا عن المعتاد كالصياح و تبطل الصلاة إذا فعل ذلك.

المسألة 449

تقدم في المسألة الثلاثمائة و الثامنة و السبعين: ان القراءة لا تتحقق حتى ينطق بالكلمات بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع و يكفي التقدير إذا وجد المانع أو كان غير صحيح السمع و هذا هو أدنى مراتب الإخفات، فلا يجزي ما هو أقل من ذلك لعدم صدق القراءة، و عدم صدق الإخفات، و لا يجزي إذا كان يسمع بعض الكلمات أو بعض الحروف و لا يسمع بعضها.

المسألة 450

لا يتأدى الجهر في القراءة الجهرية حتى يجهر في جميع الكلمات و الحروف و في أواخر الآيات، فتجب المحافظة على ذلك و لا يعتنى بالمسامحة العرفية.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 416

المسألة 451

تجوز القراءة في المصحف لغير القادر على الحفظ، بل تجوز حتى للقادر و للحافظ، و يجوز لمن لا يحسن أو لا يحفظ أن يتابع غيره في القراءة و لو بتلقينه آية آية.

المسألة 452

التمتام و الفأفاء و من يبدل بعض الحروف ببعض و من لا يقدر على الإفصاح ببعض الكلمات أو ببعض الحروف تجب عليه القراءة بما يمكنه، و لا يجب عليه الايتمام في صلاته، نعم هو أحوط كما هو أفضل، و بحكمه من لا يقدر الا على الملحون و لا يستطيع التعلم.

المسألة 453

الأخرس الذي لا يستطيع النطق عليه ان يحرك لسانه مع الإمكان و يشير بيده الى ألفاظ القرآن بقدر ما يمكنه و لا يجب عليه الايتمام، و بحكمه من لا يمكنه التلفظ لشلل أو آفة أخرى في لسانه.

المسألة 454

يجب التعلم على من لا يحسن القراءة إلا إذا تمكن من تأدية الصلاة الصحيحة بالايتمام أو بالمتابعة في القراءة لغيره و لو بالتلقين آية آية فيكفيه ذلك من غير فرق بين الفاتحة و السورة.

المسألة 455

إذا تعلم بعض الفاتحة و ضاق الوقت، وجب عليه أن يقرأ في صلاته ما تعلم من الفاتحة و أن يقرأ من سائر القرآن عوض البقية منها على الأحوط.

و إذا لم يتعلم من الفاتحة شيئا قرأ من غيرها من القرآن بعدد آيات الفاتحة و بمقدار حروفها على الأحوط و ان لم يحسن من القرآن شيئا سبح اللّه و كبره و ذكره بقدر حروف الفاتحة، على الأحوط كذلك، و الأحوط أن يأتي بالتسبيحات الأربع بقدرها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 417

المسألة 456

تجب مراعاة الترتيب بين آيات الفاتحة، و بين آيات السورة، و ما بين جملهما، و كلماتهما، و تجب مراعاة الموالاة في قراءتهما، فإذا خالف الترتيب في شي ء مما ذكر أو أخل بالموالاة و كان عامدا بطلت صلاته، و ان كان ساهيا وجب عليه أن يعيد الجملة التي وقع الخلل فيها و ما بعدها، و إذا حصل بسبب ذلك ما يخل بقراءة الآية أعادها و ما بعدها، و إذا حصل ما يخل بأصل القراءة كالفصل الطويل أعاد القراءة.

المسألة 457

تجب القراءة الصحيحة بإخراج الحروف من مخارجها المعروفة بحيث لا يبدل حرفا بحرف، أو يلتبس به عند أهل اللسان، و موافقة الأسلوب العربي في هيئة الكلمة و هيئة الجملة في حركات بناء الهيئة و سكناته، و حركات الاعراب و البناء في آخر الكلمة و سكناتهما، و المد الواجب، و الإدغام، و الحذف، و القلب في مواضعها.

فإذا أخل المصلي بشي ء من ذلك بطلت قراءة الكلمة أو الجملة التي أخل بها، و إذا كان الإخلال عن عمد بطلت صلاته للزيادة العمدية، و ان كان الإخلال عن سهو أو نسيان و كان في المحل وجب عليه ان يستأنف ما أخل به فان هو لم يستأنف بطلت الصلاة للنقيصة العمدية، و ان لم يتذكر ذلك حتى تجاوز المحل و دخل في الركن أتم صلاته و لا شي ء عليه.

المسألة 458

مواضع المدهي الواو المضموم ما قبلها، و الألف المفتوح ما قبلها، و الياء المكسور ما قبلها، إذا كان بعد إحداهما همزة، أو كان بعده سكون لازم، و السكون اللازم هو الذي لا يختلف حاله في الوصل و الوقف.

و أمثلة الأول قوله تعالى (لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ)، و قوله تعالى (وَ جٰاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، وَ جِي ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ)، و من أمثلة الثاني قوله تعالى (ق) و (ن)، و (ص)، و (يس) و غيرها من الحروف المفردة في أوائل السور. و يتأكد في ما كان بعد حرف المد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 418

حرف ساكن مدغم في حرف آخر، كقوله تعالى (وَ لَا الضّٰالِّينَ) و قوله تعالى (يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ) و لا يترك الاحتياط بمراعاة ذلك و خصوصا في الفرض الأخير.

المسألة 459

القدر اللازم في مد حرف المد ما تتوقف عليه إقامة الكلمة و النطق بها على النهج العربي، و لا يجب مدة أكثر من ذلك، و لكن يحسن أن يمد بمقدار ألفين، و أحسن منه الى أربع ألفات، و لا تبطل الكلمة إذا مد حرف المد فيها أكثر من ذلك، إلا إذا خرجت الكلمة بطول المد عن كونها كلمة.

المسألة 460

يجب الإدغام في الكلمة الواحدة التي يجتمع فيها حرفان متماثلان و كانا متحركين أو كان الأول منهما ساكنا و الثاني متحركا، و مثال الأول الإدغام في ود و يردونكم من قوله تعالى (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ)، و مثال الثاني الإدغام في كلمة (مدا) من قوله تعالى:

(فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمٰنُ مَدًّا) بل يجب الإدغام إذا اجتمع الحرفان المتماثلان في كلمتين و كان الأول ساكنا و الثاني متحركا كما قوله تعالى (وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي) و قوله تعالى (اذْهَبْ بِكِتٰابِي) و قوله تعالى (أَيْنَمٰا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ).

المسألة 461

الأحوط لزوم الإدغام إذا التقت نون ساكنة أو تنوين بأحد حروف (يرملون) و كانا في كلمتين كقوله تعالى (وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ) و قول (أشهد ان لا إله إلا اللّه) في التشهد و في الأذان و الإقامة، و كلمة (اللهم صل على محمد و آل محمد) و كذلك إذا وقعا في كلمة واحدة في القنوت أو الدعاء، و لم تلتبس الكلمة بعد ادغامها بكلمة أخرى، و إذا التبست بها فلا إدغام.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 419

المسألة 462

يجب إدغام لام التعريف في أربعة عشر حرفا من حروف الهجاء و يجب إظهارها في أربعة عشر حرفا منها، فيجب ادغامها في التاء، و في التاء و الدال، و الذال، و الراء، و الزاي و السين، و الشين، و الصاد، و الضاد، و الطاء، و الظاء، و اللام، و النون.

و يجب إظهارها مع الألف، و الباء، و الجيم، و الحاء، و الخاء، و العين، و الغين، و الفاء، و القاف، و الكاف، و الميم، و الواو، و الهاء، و الياء.

فيجب إدغام لام التعريف في كلمة الجلالة: اللّه، و الرحمن، و الرحيم، و الدين، و الصراط، و الذين، و الضالين من سورة الفاتحة، و كلمة الصمد من سورة التوحيد، و يجب إظهارها في كلمة: الحمد، و العالمين، و المستقيم، و المغضوب في الفاتحة.

المسألة 463

الأحوط لزوم قلب التنوين و النون الساكنة ميما إذا وقعت بعد إحداهما باء، من غير فرق بين أن يكونا في كلمة واحدة أو في كلمتين، و مثال ذلك قوله تعالى (ذٰلِكَ مِنْ أَنْبٰاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) و قوله تعالى:

(جَزٰاءً بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ).

المسألة 464

يجب ان تحذف همزة الوصل عند الدرج، كالهمزة في لفظ الجلالة، و في كلمة: الرحمن، و الرحيم، و العالمين، و الدين، و اهدنا، و الصراط، و المستقيم، و نحوها و يجب أن تثبت عند الابتداء بها، فإذا قال:

(الحمد للّه) أو قال (الرحمن الرحيم) أو قال (اهدنا الصراط) أو قال (اللّه الصمد) اثبت الهمزة في الابتداء.

و إذا أثبت همزة الوصل عند الدرج في القراءة أو حذفها عند الابتداء بها بطلت قراءة الكلمة و إذا كان متعمدا بطلت الصلاة، و إذا كان ساهيا وجبت عليه إعادة قراءة الكلمة و ما بعدها على نهج ما تقدم في المسألة الأربعمائة و السابعة و الخمسين.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 420

و يجب ان تثبت همزة القطع في إياك و في أنعمت و غيرهما، فإذا حذفها في الدرج بطلت قراءة الكلمة و كان الحكم في الصلاة هو ما تقدم.

المسألة 465

يكفي أن ينطق بالحرف على الوجه الصحيح عند أهل اللسان و ان لم يعرف مخارج الحروف التي تذكر في علم التجويد و لم يلتفت إليها، فالمناط في الصحة أن يتكلم بالحرف و بالكلمة على النهج العربي المستقيم، فإذا جهل ذلك وجب عليه التعلم.

المسألة 466

الأحوط لزوما ترك الوقف على الحركة، فلا يجوز له أن يقرأ مثلا (الحمد للّه رب العالمين) بفتح النون و يقف على ذلك، بل يلزمه حينئذ أن يصلها بما بعدها، و كذلك الحركات في أواخر سائر الآيات، فلا يظهرها عند الوقف على الآية بل يجب تسكينها.

و الظاهر جواز الوصل بالسكون ما لم يحصل به إخلال في الكلمة، كما إذا أراد تسكين آخر الكلمة و وصلها بما بعدها فظهرت في آخر الكلمة حركة غير صحيحة، كأن يقول (و إياك نستعين) و يريد إسكان النون ثم يصلها في أول (اهدنا) فتظهر نون نستعين مكسورة.

المسألة 467

لا فرق في الحركة التي يريد الوقف عليها بين ان تكون حركة اعراب أو بناء، أو حركة تشير الى حرف محذوف، و مثال ذلك الكسرة في كلمة يسر في قوله تعالى (وَ اللَّيْلِ إِذٰا يَسْرِ)، و في الواد من قوله (جٰابُوا الصَّخْرَ بِالْوٰادِ) و في كلمتي أكرمن و أهانن في قوله تعالى (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) و (رَبِّي أَهٰانَنِ) فان الكسرة في هذه المواضع تدل على ياء محذوفة، فإذا وصل الكلمة بما بعدها أتى بها مكسورة و إذا أراد أن يقف عليها نطق بها ساكنة.

المسألة 468

إذا أراد وصل الكلمة بما بعدها فأظهر الحركة في آخر الكلمة و انقطع

كلمة التقوى، ج 1، ص: 421

نفسه قبل أن يصلها فعليه أن يعيد الكلمة، الا أن يكون الفصل قليلا لا ينافي الوصل عرفا فيكتفي بها.

المسألة 469

لا يجوز الفصل بين حروف الكلمة الواحدة بحيث تخرج بسبب الفصل عن كونها كلمة واحدة و تبطل قراءة الكلمة بذلك، سواء كان عامدا أم ساهيا أم مضطرا، و إذا كان عامدا في ذلك بطلت الصلاة، و إذا كان ساهيا أو غالطا أو مضطرا أعاد الكلمة و ما بعدها.

المسألة 470

و تجب الموالاة كذلك بين الجار و المجرور و بين حرف التعريف و مدخولة، بل و بين المضاف و المضاف اليه و بين الموصوف و صفته، و بين المبتدأ و خبره، و الفعل و فاعله و نحو ذلك مما يتعلق بعضه ببعض بحيث لا يجوز الفصل فيه بأجنبي، فإذا فصل ما بينها ساهيا أو غالطا أعاد قراءة تلك الجملة و ما بعدها، و إذا كان عامدا أعاد قراءة الجملة و أتم الصلاة ثم أعادها على الأحوط وجوبا.

المسألة 471

الأحوط أن يختار المكلف في القراءة ما يتداوله غالب المسلمين من القراءات و ان كان الأقوى عدم تعيين ذلك، فيجوز له أن يقرأ بما يوافق احدى القراءات المعروفة، و لا يكفي أن يقرأ بما يخالف القراءات المعروفة و ان كان موافقا للنهج العربي.

المسألة 472

يحسن اتباع علماء التجويد في ما ذكروه من المحسنات من أماله و إشباع و تفخيم و ترقيق في بعض الحروف، و من إظهار أو إخفاء في التنوين و النون الساكنة و نحو ذلك، و لا تجب مراعاة شي ء منه.

المسألة 473

إذا اتصلت القراءة بعضها ببعض تولدت في الغالب بعض الكلمات المهملة، و يحصل ذلك من إلحاق آخر الكلمة بأول ما بعدها، و هذا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 422

التولد انما هو بالدقة العقلية، و لا تخلو منه أي قراءة أو كلام متصل، و لا يضر ذلك بالقراءة و لا يوجب نقصانها و لا بطلانها، كما إذا تولدت من قراءة (الحمد للّه) كلمة دلل و من قراءة (للّه رب) كلمة هرب و هكذا.

نعم إذا فصل القاري بين اجزاء الكلمات، و ألحق آخر الكلمة السابقة بأول اللاحقة، و تولدت من ذلك عرفا كلمة مهملة كانت مضرة بالقراءة، و بطلت الصلاة إذا كان متعمدا، و وجبت إعادة قراءة الكلمتين و ما يلحق بهما، مع السهو أو الغلط، فان هو لم يعدها بعد الالتفات كانت صلاته باطلة، و على هذا فيكون التمييز بين الكلمات بهذا المعنى واجبا.

المسألة 474

الأحوط أن يقرأ (مالك يوم الدين) و ان جازت أيضا قراءة (ملك يوم الدين) كما نسبت إلى جماعة من القراء. و الأحوط لزوما أن يقرأ (الصراط) بالصاد في الموضعين.

المسألة 475

تجب القراءة في (إياك نعبد و إياك نستعين) بكسر الهمزة و تشديد الياء في الموضعين و يشكل الاعتماد على قراءة تخفيف الياء.

المسألة 476

المشهور بين القراء قراءة (كفؤا) بضم الفاء و بالهمزة، فلا ينبغي تركها، و تجوز قراءة (كفوا) بضم الفاء و بالواو بدلا عن الهمزة، كما ان الأحوط ترك قراءة (كفوا) بتسكين الفاء و بالواو بدل الهمزة.

المسألة 477

إذا لم يرد الوقوف على كلمة أحد، و أراد وصلها بما بعدها، قال:

(قل هو اللّه أحدن اللّه الصمد) بضم الدال و كسر نون التنوين، و رقق اللام في لفظ الجلالة من الآية الثانية، و يشكل أن يحذف التنوين و يثبت الضمة في كلمة أحد، و ان قرأ بها أبو عمرو بن العلاء البصري:

كلمة التقوى، ج 1، ص: 423

المسألة 478

لا ريب في ان سورة الفلق و سورة الناس من القرآن، و تجوز قراءتهما في الصلاة الفرائض منها و النوافل.

المسألة 479

إذا شك القاري في إعراب كلمة أو بنائها، أو شك في بعض حروفها، أو شك في كلمة ان- مثلا- هل هي مفتوحة الهمزة أو مكسورتها، أو شك في بعض كلمات الآية أو في تقدم بعض الكلمات على بعض و تأخرها، لم يجز له أن يكرر الآية على الوجهين، بل يجب عليه أن يتعلم، و يجوز له أن يختار أحد الوجهين فيقرأ به في صلاته، و يتقرب به لاحتمال انه القرآن الصحيح، ثم يفحص بعد الفراغ من صلاته، فإذا تبين له أن ما أتى به مطابق للواقع صحت صلاته، و إذا تبين له انه غلط، وجبت عليه إعادة الصلاة.

المسألة 480

إذا أراد المصلي و هو في حال القراءة أو الذكر أن يتقدم من مكانه أو يتأخر أو يتحرك أو ينحني لبعض الأغراض التي تقتضي ذلك، وجب عليه أن يدع القراءة في حال تحركه حتى يستقر و يطمئن، فإذا استقر استمر في قراءته، و لا يضر بذلك تحريك اليد أو الأصابع و كذلك الحكم في التسبيح أو القراءة في الأخيرتين.

المسألة 481

إذا تحرك مضطرا أو مقهورا في حال قراءته حتى خرج عن الاستقرار فالأحوط له لزوما بعد أن يستقر أن يعيد ما قرأه في حال تحركه و عدم استقراره، و كذلك في تسبيح الأخيرتين.

المسألة 482

إذا سمع ذكر النبي (ص) استحب له أن يصلي عليه، و لا ينافي ذلك الموالاة المعتبرة في صحة الصلاة، فلا تبطل صلاته بذلك، نعم قد تنافي الموالاة في الآية كما إذا فصلت الصلاة على النبي بين المضاف و المضاف

كلمة التقوى، ج 1، ص: 424

إليه في الآية أو بين الصفة و الموصوف أو بين المبتدأ و الخبر، فإذا كانت كذلك وجبت عليه إعادة قراءة الموضع الذي وقعت فيه المنافاة.

و كذلك الحكم إذا سلم عليه أحد فوجب عليه رد السلام، و بحكم القراءة غيرها من أذكار الصلاة و أقوالها.

المسألة 483

إذا أكمل قراءة الآية و شك بعد الفراغ منها في صحة قراءتها، حكم بالصحة سواء دخل في ما بعدها أم لا، و الأحوط استحبابا أن يعيد قراءتها بقصد الاحتياط في كلتا الصورتين، و كذلك الحكم في التسبيحة إذا أتمها و شك في صحتها بعد الفراغ منها.

الفصل التاسع عشر في مستحبات القراءة
المسألة 484

تستحب الاستعاذة قبل القراءة في الركعة الأولى من الصلاة، سواء كانت فريضة أم نافلة، فيقول بعد تكبيرة الإحرام، أو بعد أدعية التوجه: أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، أو يقول: أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، و يستحب الإخفات بها.

المسألة 485

يستحب الجهر بالبسملة في الصلاة الإخفاتية في كل من الفاتحة و السورة، و في الأخيرتين من الفريضة إذا اختار فيهما القراءة، سواء كان إماما أم منفردا، و الأحوط الإخفات بها للمأموم إذا قرأ خلف الامام، و يجب الجهر بها في الصلاة الجهرية للإمام و المنفرد.

المسألة 486

يستحب التأني في القراءة و تبيين الحروف و الحركات في الكلمات، و تحسين الصوت، و الوقوف على فواصل الآيات، و أن يستشعر عظمة القرآن و هو يتلو آياته.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 425

المسألة 487

يستحب التدبر في معاني ما يقرأه من الآيات و الاتعاظ بها، (و إذا مر بآية فيها ذكر الجنة و ذكر النار سأل اللّه الجنة و تعوذ باللّه من النار).

كما في رواية ابن أبي عمير.

المسألة 488

تستحب السكتة بعد الفراغ من قراءة الحمد، و السكتة بعد الفراغ من قراءة السورة و قبل التكبير للركوع أو للقنوت.

المسألة 489

يستحب للمصلي إذا فرغ من قراءة الحمد أن يقول: الحمد للّه رب العالمين، سواء كان إماما أم منفردا، و كذلك يستحب للمأموم إذا فرغ الامام من قراءة الفاتحة، بل و كذلك يستحب للمأموم إذا قرأ خلف الامام.

و يستحب للمصلي إذا فرغ من سورة التوحيد أن يقول: كذلك اللّه ربي، مرة، أو مرتين، أو ثلاثا. أو يقول كذلك اللّه ربنا ثلاثا، سواء كان إماما أم منفردا، و لم يرد استحباب ذلك في المأموم إذا فرغ الامام من قراءة السورة، و يستحب له إذا فرغ من سورة الجحد أن يقول:

اللّه ربي و ديني الإسلام، ثلاثا، أو يقول ربي اللّه و ديني الإسلام.

المسألة 490

يستحب أن تكون القراءة في صلاة الصبح بعم يتساءلون، و هل أتي، و هل أتاك، و لا أقسم بيوم القيامة و ما ضاهاها من السور، و أن تكون في صلاة الظهر و العشاء بسورة الأعلى و الشمس، و ما أشبههما، و أن تكون في صلاة العصر و المغرب بسورة التوحيد و إذا جاء و التكاثر و الزلزلة و نحوها.

المسألة 491

يستحب أن يقرأ سورة الجمعة في الركعة الأولى و سورة المنافقين في الركعة الثانية في كل من صلاة الصبح و صلاة الظهر و صلاة العصر من

كلمة التقوى، ج 1، ص: 426

يوم الجمعة، و في صلاة العشاء من ليلتها و أن يقرأ سورة الجمعة في الركعة الأولى و سورة التوحيد في الثانية من صلاة المغرب منها.

و ورد كذلك استحباب قراءة الجمعة في الأولى، و سورة التوحيد في الثانية من صلاة الصبح و صلاة العصر من يوم الجمعة.

و ورد استحباب قراءة الجمعة في الأولى و سورة الأعلى في الثانية في ليلة الجمعة و صبحها.

المسألة 492

يستحب أن يقرأ سورة هل أتى على الإنسان في الركعة الأولى و سورة هل أتاك حديث الغاشية في الركعة الثانية من صلاة الغداة في يوم الاثنين و يوم الخميس.

المسألة 493

يستحب أن يقرأ المصلي سورة القدر في الركعة الأولى من صلاته و سورة التوحيد في الركعة الثانية، بل ورد انهما أفضل ما يقرأ في الفرائض، و ان العالم (ع) قال: عجبا لمن لم يقرأ في صلاته إنا أنزلناه في ليلة القدر كيف تقبل صلاته، و روي ما زكت صلاة لم يقرأ فيها:

قل هو اللّه أحد.

المسألة 494

يكره للمصلي أن يترك قراءة قل هو اللّه أحد في فرائضه الخمس جميعا، و لعل كراهة ذلك لا ترتفع بقراءة السورة في بعض النوافل.

المسألة 495

يكره أن يقرأ سورة قل هو اللّه أحد بنفس واحد.

المسألة 496

يكره ان يعيد في الركعة الثانية نفس السورة التي قرأها في الركعة الأولى إلا إذا كانت سورة التوحيد فلا كراهة في ذلك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 427

المسألة 497

يستحب أن يعيد صلاة الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة إذا قرأ فيهما بغير سورة الجمعة و المنافقين، و قد تقدم في المسألة الثلاثمائة و السابعة و الستين: ان من صلى الجمعة أو الظهر في يومها فقرأ فيهما غير سورة الجمعة و المنافقين حتى تجاوز نصف السورة استحب له أن يعدل من الفريضة إلى النافلة، ثم يستأنف الفريضة و يقرأ فيها سورتي الجمعة و المنافقين، و إذا تذكر قبل أن يتجاوز نصف السورة استحب له أن يعدل عن السورة التي قرأها إلى سورة الجمعة و المنافقين و يتم صلاته، و ان كانت السورة التي قرأها هي سورة التوحيد أو الجحد.

المسألة 498

يجوز للمصلي أن يقصد إنشاء الخطاب للّه تعالى بقوله إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ و لا ينافي ذلك قصد القرآنية، فهو يخاطب اللّه عز و جل بالقرآن، و كذلك في قوله الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و قوله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ، و قوله اهْدِنَا الصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ، و يقصد إنشاء الحمد للّه و الثناء عليه و طلب الهداية منه بالقرآن.

الفصل العشرون في التسبيح أو القراءة في الأخيرتين
المسألة 499

يتخير المصلي في الركعتين الأخيرتين من الرباعيات و في الركعة الثالثة من المغرب بين أن يقرأ فيها سورة الحمد وحدها، و أن يأتي بالتسبيحات الأربع، و هي: (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر) فيأتي بها مرة واحدة مع التكبير، فتكون أربع تسبيحات، أو يأتي بها ثلاث مرات بدون التكبير، فتكون تسع تسبيحات، و تجب المحافظة فيها على العربية من حيث الكلمات و من حيث الحروف و الحركات، و يستحب أن يضيف إليها الاستغفار، ثم يكبر بعدها للركوع.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 428

المسألة 500

من لا يقدر على أن يأتي بالتسبيح على الوجه الصحيح تتعين عليه قراءة الحمد إذا كان قادرا عليها، فان لم يتمكن أتى من التسبيحات بالقدر الممكن منها، فان عجز أتى بالذكر المطلق.

المسألة 501

من نسي قراءة الفاتحة في الركعتين الأولتين من صلاته لم تتعين عليه قراءتها في الأخيرتين على الأقوى، بل يتخير بين القراءة و التسبيح كغيره من المكلفين، و ان كان الأحوط له استحبابا ان يختار القراءة.

المسألة 502

الأقوى ان القراءة في الأخيرتين أفضل من التسبيح لإمام الجماعة، و أن التسبيح أفضل من القراءة، للمأموم، و انهما متساويان في الفضل للمصلي المنفرد.

المسألة 503

يجب على المصلي الإخفات في الأخيرتين سواء اختار القراءة فيهما أم التسبيح على الأحوط، و سواء كان إماما أم منفردا، و يستحب له الجهر بالبسملة إذا اختار القراءة و قد تقدم ذكر هذا قريبا.

المسألة 504

إذا أجهر بالقراءة أو بالتسبيح عامدا بطلت صلاته، و إذا أجهر جاهلا أو ناسيا صحت صلاته و لم تجب عليه اعادة ما قرأ و ان تذكر قبل الركوع و إذا تذكر في أثناء القراءة أو التسبيح صح ما مضى منه و أخفت في الباقي.

المسألة 505

لا يجب التوافق بين الركعتين الأخيرتين في القراءة أو التسبيح، فيجوز له أن يقرأ في إحدى الركعتين و يسبح في الأخرى، و لا يجب التساوي بينهما في التسبيح إذا اختاره، فله أن يأتي في إحداهما بالتسبيحات الأربع و يأتي في الثانية بالتسع.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 429

المسألة 506

إذا نوى أن يأتي بالقراءة في الركعة، فله ان يعدل عن القراءة إلى التسبيح قبل الشروع فيها، و كذلك العكس، و إذا شرع في القراءة أو في التسبيح بعد القصد إليه، فالأحوط ان لا يعدل عنه الى الآخر.

المسألة 507

إذا نوى أن يقرأ الحمد فسبق لسانه الى التسبيح من غير قصد، فالأقوى عدم الاجتزاء به، فعليه أن يقرأ الحمد، أو يعيد التسبيح بعد العدول بالنية اليه، و كذلك إذا قصد التسبيح فسبق لسانه إلى القراءة.

المسألة 508

إذا شرع في الفاتحة أو في التسبيح من غير قصد تفصيلي، فإن كان قاصدا لأحدهما على نحو الاجمال كفاه ذلك و صحت صلاته، و ان كان غافلا بحيث لا يدري ماذا يفعل لم يجزه ذلك، و عليه أن يختار أحدهما و يأتي به.

المسألة 509

إذا اعتقد المصلي انه في الركعة الأولى أو الثانية من صلاته فقرأ الحمد ثم تذكر بعد إتمامها انه في الثالثة أو الرابعة، فإن قصد بقراءته الحمد امتثال الأمر الواقعي المتوجه اليه كانت صلاته صحيحة و لم تجب عليه إعادة القراءة أو التسبيح إذا كان قبل الركوع، و إذا قصد بقراءته امتثال الأمر في الركعة الأولى أو الثانية على نحو التقييد بطلت صلاته.

و كذلك الحكم إذا اعتقد انه في الركعتين الأخيرتين، فاختار القراءة ثم تذكر انه في الأولتين فإن قصد بالقراءة امتثال الأمر المتوجه اليه بها صحت صلاته و لم يعد القراءة، و إذا قصد امتثال الأمر المتوجه إليه في الأخيرتين على وجه التقييد بطلت صلاته.

المسألة 510

إذا اعتقد انه في الأخيرتين من صلاته فقرأ التسبيحات ثم تذكر انه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 430

في الأولتين فإن تذكر ذلك قبل الركوع وجب عليه ان يقرأ الحمد و السورة و يتم صلاته و لا شي ء عليه، و إذا تذكر ذلك بعد الركوع مضى في صلاته و لا شي ء عليه كذلك و الأحوط استحبابا ان يسجد للسهو في الصورتين.

المسألة 511

إذا نسي القراءة و التسبيح في الأخيرتين حتى هوى للركوع، فان تذكر قبل أن يصل الى حد الركوع وجب عليه أن يعود الى القيام و يأتي بالقراءة أو التسبيح و يتم صلاته، و ان تذكر بعد ان وصل الى حد الركوع مضى في صلاته، و الأحوط استحبابا أن يسجد للسهو للنقيصة و ان كان الأقوى عدم وجوب ذلك.

المسألة 512

يجوز للمكلف أن يزيد على المقدار الواجب من التسبيح و يأتي به بقصد الذكر المطلق، و لا يجوز ذلك إذا كان بقصد الورود.

المسألة 513

إذا شك في انه أتى بالتسبيح أو القراءة بعد ما هوى إلى الركوع لم يعتن بشكه و ان لم يصل بعد الى حد الركوع.

و إذا شك في صحتهما بعد ما فرغ منهما، بنى على الصحة، و قد ذكرنا هذا في المسألة الأربعمائة و الثالثة و الثمانين.

الفصل الحادي و العشرون في الركوع
المسألة 514

يجب في كل ركعة من الصلاة ركوع واحد، سواء كانت الصلاة فريضة أم نافلة و تستثنى من ذلك صلاة الآيات، فتجب في كل ركعة منها خمسة ركوعات على ما يأتي بيانه في فصل صلاة الآيات، و صلاة الأموات، فلا ركوع فيها و لا سجود كما تقدم في فصل صلاة الأموات من كتاب الطهارة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 431

و الركوع ركن من أركان الصلاة، فإذا تركه المصلي عامدا أو ساهيا بطلت صلاته و كذلك إذا زاده عمدا أو سهوا، و تستثنى من ذلك زيادته في صلاة الجماعة للمتابعة على ما سيأتي تفصيله في مبحث صلاة الجماعة.

المسألة 515

الركوع هو الانحناء الى الامام بمقدار يصل مجموع أصابع اليد و منها الإبهام إلى الركبتين بحيث يمكن للمصلي أن يضع أطراف أصابعه كلها على ركبتيه إذا أراد، فيجب على المكلف أن ينحني في صلاته بالمقدار المذكور، و لا يكفيه الانحناء أقل من ذلك، و يجب ان يكون انحناؤه بقصد الخضوع للّه، و الأحوط استحبابا ان يكون بمقدار تصل راحتاه الى الركبتين، و لا يكفي أن ينحني الى أحد جانبيه أو يرفع ركبتيه و ينزل عجيزته حتى تصل كفاه الى ركبتيه، و إذا كان المكلف غير مستوي الخلقة في طول يديه أو طول ساقية أو قصر اليدين، أو الساقين وجب عليه ان ينحني بمقدار ما ينحني مستوي الخلقة.

المسألة 516

يجب في الركوع الذكر، و الأحوط للمكلف ان يختار التسبيح، و يتخير بين أن يأتي بتسبيحة واحدة كبرى، و هي: سبحان ربي العظيم و بحمده، أو ثلاث صغريات، و هي: سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه، و يكفيه غير ذلك من الذكر، كالتكبير و التهليل و التحميد، و إذا أتى بشي ء من ذلك فلا بد و أن يكون بقدر ثلاث تسبيحات صغريات أو أكثر، فيقول مثلا سبحان اللّه و الحمد للّه و اللّه أكبر، أو الحمد للّه ثلاثا.

المسألة 517

تجب الطمأنينة في الركوع حتى يتم الذكر الواجب، فإذا تركها عامدا بطلت صلاته و الأحوط لزومها في الذكر المندوب، و إذا تركها فيه عامدا أثم و لم تبطل صلاته على الظاهر، و لا تجب الطمأنينة في ما يأتي به بقصد الذكر المطلق.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 432

المسألة 518

يجب رفع الرأس بعد الفراغ منه حتى ينتصب قائما، فإذا ترك القيام بعد الركوع عامدا و سجد بطلت صلاته.

المسألة 519

تجب الطمأنينة في القيام بعد الركوع، فإذا تركها عامدا بطلت صلاته.

المسألة 520

لا يجب وضع اليدين على الركبتين في الركوع، فإذا تركه عامدا لم تبطل صلاته و ان كان الأحوط استحبابا عدم تركه.

المسألة 521

إذا عجز عن الانحناء التام بنفسه و احتاج الى الاعتماد على شي ء وجب عليه أن يعتمد و ينحني بالمقدار الواجب، فإذا هو لم يستطع ذلك حتى مع الاعتماد اتى بالقدر الممكن من الانحناء و هو قائم، و لا يصح له مع ذلك أن يركع و هو جالس، و ان أمكنه و هو جالس أن يأتي بالركوع التام.

فإذا عجز عن الانحناء أصلا و هو قائم وجب عليه أن يصلي قائما مع الركوع جالسا و يتم صلاته كذلك، ثم يعيد الصلاة قائما مع الإيماء في حال القيام الى الركوع، و عليه أن يغمض عينيه في حال الإيماء إلى الركوع على الأحوط.

و ان لم يمكنه الانحناء حتى جالسا و معتمدا، صلى قائما و أومأ للركوع برأسه، و ضم اليه تغميض العينين على الأحوط.

و إذا عجز عن الإيماء غمض عينيه و جعل ذلك ركوعا ثم فتح عينيه و جعل ذلك رفعا من الركوع و أتى بالذكر الواجب في حال الإيماء أو في حال غمض العينين.

المسألة 522

إذا أتى بالركوع جالسا أو موميا له و هو قائم أو منحنيا بالانحناء

كلمة التقوى، ج 1، ص: 433

غير التام، ثم استطاع الركوع من قيام بعد رفع الرأس من ركوعه، فان كان الوقت ضيقا وجب عليه أن يتم صلاته و لم تجب عليه اعادة ركوعه، بل لم يجز له ذلك، و الأحوط له القيام للهوي منه الى السجود، و يأتي به برجاء المطلوبية، و إذا كان الوقت واسعا وجبت عليه إعادة الصلاة.

المسألة 523

حد الركوع في حال الجلوس هو أن ينحني الجالس بمقدار انحنائه في حال قيامه، و أدنى مراتب الركوع في الجلوس هو أدنى مراتبه في القيام، و أفضله في حال الجلوس هو أفضله في حال القيام و هو أن ينحني حتى يتساوى ظهره و يمد عنقه و ان لم يساو مسجده كما في حال القيام.

المسألة 524

الركوع بجميع مراتبه التي تقدم بيانها ركن من أركان الصلاة، فإذا زاده في الصلاة أو نقصه عمدا أو سهوا بطلت صلاته، سواء كان ركوعه بالانحناء غير التام أم بالإيماء و غمض العينين، أم كان حكمه الركوع من جلوس.

المسألة 525

يجب أن يكون الانحناء بقصد الركوع، و يكفى القصد الإجمالي الحاصل من استمرار النية في ابتداء الصلاة، فإذا انحنى المصلي ليتناول من الأرض شيئا، أو ليضع عليها شيئا أو نحو ذلك لم يكن ذلك ركوعا و لم تبطل به الصلاة، فإذا رفع رأسه بعد انحنائه و أتم قراءته أو تسبيحه أو قنوته ركع، و إذا كان قد أتمها قبل انحنائه وجب عليه أن ينتصب ثم يركع ليحصل القيام المتصل بالركوع.

المسألة 526

إذا هوى المصلي إلى السجود و تذكر قبل ان يضع جبهته على الأرض انه لم يركع، وجب عليه أن ينتصب قائما ثم يركع و يتم صلاته، و إذا قام منحنيا حتى ركع من غير أن ينتصب بطلت صلاته.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 434

و كذلك الحكم إذا تذكر و هو في السجدة الأولى انه لم يركع أو بعد أن أتم السجدة الأولى و رفع رأسه منها، فيجب عليه أن يقوم منتصبا ثم يركع عن قيام و يتم صلاته، و إذا تذكر ذلك بعد أن دخل في السجدة الثانية بطلت صلاته.

المسألة 527

إذا هوى المصلي من قيامه بقصد الركوع ثم نسيه في أثناء الهوي و نزل الى السجود، فهنا صور تجب مراعاتها.

(الصورة الأولى): أن يطرأ له النسيان قبل أن يصل في انحنائه إلى حد الركوع، و حكمه في هذه الصورة أن ينتصب قائما ثم يركع بعد القيام و يتم صلاته.

(الصورة الثانية): ان يحصل له نسيان الركوع بعد أن يصل الى حده، ثم يهوي بنية السجود و لكنه حين تذكر لم يخرج بعد عن حد الركوع، فيجب عليه أن يبقى في حد الركوع و يطمئن في ركوعه و يأتي بالذكر الواجب، ثم يرفع رأسه و يتم صلاته.

(الصورة الثالثة): أن يصل الى حد الركوع و هو بنية الركوع، ثم ينسى بعد ذلك و يهوي حتى يخرج عن حد الركوع، سواء دخل في السجدة أم لم يدخل، و في هذه الصورة يكون قد حصل منه الركوع آنا ما، و لكنه نسي الطمأنينة و الذكر في الركوع، فيجب عليه ان ينتصب قائما بقصد الرفع من ركوعه ثم يسجد و يتم صلاته.

(الصورة الرابعة): أن يحدث له نسيان الركوع عند وصوله الى الحد، و

معنى ذلك ان الركوع لم يتحقق منه، فيجب عليه ان ينتصب قائما ثم يركع بعد قيامه و يتم ركوعه و صلاته، و لا اعادة عليه في جميع هذه الصور، و لكن الاحتياط حسن على كل حال.

المسألة 528

الأحوط ان انحناء المرأة في الركوع كانحناء الرجل فيه، فالواجب منه أن يكون بمقدار تصل أطراف أصابعها الى ركبتيها، و لكن المرأة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 435

لا تزيد على ذلك، بخلاف الرجل فإنه تستحب له الزيادة فيه حتى يتساوى ظهره كما سيأتي.

المسألة 529

الواجب في ذكر الركوع أن يأتي بتسبيحة واحدة كبرى مرة واحدة، أو بثلاث تسبيحات صغريات، أو بمقدارهن من مطلق الذكر على ما تقدم في المسألة الخمسمائة و السادسة عشرة و يستحب أن يأتي بالكبرى ثلاثا، و يستحب التثليث في مطلق الذكر بأن يأتي بالمقدار الواجب منه ثلاث مرات، و تستحب اطالة الذكر بالزيادة على ذلك، و في صحيح ابان بن تغلب: دخلت على أبي عبد اللّه (ع) و هو يصلي، فعددت له في الركوع و السجود ستين تسبيحة.

المسألة 530

لا يجب عليه إذا كرر التسبيح في الركوع و السجود أن يقصد الوجوب في الأول أو غيره و الاستحباب في الباقي.

المسألة 531

لا يجوز للمكلف أن يشرع في الذكر الواجب حتى يصل الى حد الركوع و حتى يطمئن و يستقر في ركوعه، و إذا أتى بالذكر أو بشي ء منه قبل ذلك كان باطلا، و إذا كان متعمدا في ذلك بطلت صلاته، و إذا كان ساهيا وجبت عليه اعادة الذكر مع الطمأنينة و الاستقرار، و إذا كان ساهيا و لم يتذكر الا بعد رفع رأسه من الركوع فلا شي ء عليه.

و كذلك الحكم إذا نهض من الركوع قبل إتمام الذكر، بحيث أتمه في حال نهوضه، فتكون صلاته باطلة مع تعمد ذلك، و إذا كان ساهيا و لم يخرج في نهوضه عن حد الركوع وجب عليه العود الى الركوع و اعادة الذكر مع الطمأنينة و الاستقرار، و إذا لم يلتفت حتى رفع رأسه و خرج عن حد الركوع فلا شي ء عليه.

المسألة 532

إذا كان لا يستطيع الاستقرار حال الركوع بمقدار أداء الذكر لمرض

كلمة التقوى، ج 1، ص: 436

أو ضعف أو نحوهما، جاز له أن يأتي بالذكر من غير استقرار، و لكن يجب أن يأتي بالذكر و هو في حد الركوع، و إذا لم يستطع المكث في حد الركوع مدة الذكر جاز له أن يبدأ بالذكر قبل وصوله الى حد الركوع، أو يبدأ به في حال الركوع و يتمه في حال النهوض.

المسألة 533

إذا ترك الطمأنينة في ركوعه ساهيا و لم يلتفت حتى انتصب قائما، فالظاهر صحة صلاته، و الأحوط استحبابا أن يعيد الصلاة.

المسألة 534

يجوز أن يأتي في ركوعه و سجوده بتسبيحة كبرى و تسبيحة صغرى، و بتسبيحة كبرى و ثلاث صغريات، و بتسبيحة كبرى أو صغرى و غيرهما من مطلق الذكر بحيث يفي بالمقدار الواجب من الذكر أو يزيد.

المسألة 535

يجوز له أن يعدل من احدى التسبيحات إلى الأخرى أو الى مطلق الذكر، و ان كان بعد الشروع فيه، كأن يقول: سبحان بقصد الصغرى ثم يقول متصلا بها: ربي العظيم و بحمده، فتكون واحدة كبرى، و بالعكس، فيقول سبحان بقصد الكبرى ثم يتمها ثلاث صغريات أو يقول سبحان اللّه بقصد ثلاث صغريات فيتمها بقوله و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه.

المسألة 536

لا بد في الذكر من أداء الحروف من مخارجها، و المحافظة على حركات الكلمات و حركات الحروف و سكناتها و على الموالاة بين الحروف و بين الكلمات كما يقتضيه النطق على النهج العربي الصحيح.

المسألة 537

يجوز له في كلمة (ربي العظيم) أن يظهر ياء المتكلم من ربي و يجوز له ان يحذفها و يبقى الكسرة في الباء دليلا عليها، و إذا أظهر ياء المتكلم فالأحوط أن يحركها بالفتح.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 437

المسألة 538

إذا تحرك المصلي مضطرا أو مقهورا في حال الركوع حتى خرج عن الاستقرار وجب عليه أن يترك الذكر الواجب في تلك الحال حتى يستقر، و إذا أتى بالذكر عامدا قبل الاستقرار و الطمأنينة بطلت صلاته، و إذا أتى به في تلك الحال ساهيا أو مقهورا فالأحوط إعادته بعد ان يستقر، و يأتي به بقصد الاحتياط و القربة.

المسألة 539

لا تضر الحركة اليسيرة التي لا تنافي الاستقرار و الطمأنينة عرفا، و لا تضر حركات أصابع اليد أو أصابع الرجل.

المسألة 540

إذا انحنى المصلي حتى بلغ أول حد الركوع و أتى بالذكر الواجب مطمئنا، ثم ازداد انحناء حتى ساوى ظهره أو زاد عليه لم يضره ذلك، سواء أتي بذكر مندوب أم لا، و لا يكون ذلك من زيادة الركوع، و كذلك العكس، كما إذا انحنى حتى ساوى ظهره و أتى بالذكر الواجب ثم رجع الى أول حد الركوع و أطال الذكر.

و إذا انحنى بمقدار الركوع و أتى بالذكر، ثم ارتفع قليلا حتى خرج عن حد الركوع عرفا ثم رجع الى حد الركوع فالأحوط إعادة الصلاة.

المسألة 541

إذا شك في أن لفظ العظيم بالظاء، أو بالضاد، لم يجز له أن يأتي بالذكر على الوجهين، و الأحوط له أن يترك التسبيحة الكبرى و يأتي بثلاث صغريات أو بمطلق الذكر.

و يجوز له أن يختار أحد الوجهين فيأتي به متقربا لاحتمال انه هو المطلوب، ثم يفحص بعد فراغه من الصلاة فإذا تبين له أن ما أتى به مطابق للواقع صحت صلاته، و إذا ظهر انه غلط أعاد الصلاة، و قد تقدم نظيره في القراءة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 438

المسألة 542

يستحب للمصلي أن يكبر للركوع و هو منتصب قبل أن يهوي له، و قد ذكرنا في المسألة الأربعمائة و السادسة عشرة أن موضع التكبير المستحب هو حال الانتصاب قبل الركوع أو السجود أو بعد السجود، فإذا أتى به في حال الهوي أو حال النهوض فقد أتى به في غير محله و لا يجوز تعمد ذلك، و لا تبطل به الصلاة، فإذا شاء التكبير في حال الهوي أو حال النهوض فليكن بقصد مطلق الذكر لا بقصد التكبير للركوع أو السجود.

المسألة 543

يستحب له أن يرفع اليدين بالتكبير، و قد تقدم بيانه في فصل تكبيرة الإحرام.

المسألة 544

يستحب له أن يضع كفيه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، و يمكنهما من عيني الركبتين و أن يضع اليد اليمنى على الركبة اليمنى أولا، ثم يضع اليد اليسرى على الركبة اليسرى، و ان تضع المرأة يديها على فخذيها فوق ركبتيها.

المسألة 545

يستحب له أن يرد ركبتيه الى خلفه و أن يسوي ظهره في ركوعه بحيث لو صبت عليه قطرة ماء لاستقرت في مكانها، و أن يمد عنقه و يجنح بمرفقيه و يكون نظره بين قدميه.

المسألة 546

يستحب أن يقول قبل الذكر الواجب: (اللهم لك ركعت و لك أسلمت و بك آمنت، و عليك توكلت و أنت ربي، خشع لك قلبي و سمعي و بصري و شعري و بشري و لحمي و دمي و مخي و عصبي و عظامي و ما أقلته قدماي غير مستنكف و لا مستكبر و لا مستحسر)، و أن يكرر التسبيح ثلاثا أو خمسا أو سبعا، و قد تقدم استحباب اطالة الذكر،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 439

و قد ذكر المشهور استحباب الختم على الوتر، و يستحب ان يصلي على محمد و آله بعد الذكر أو قبله.

المسألة 547

يستحب أن يقول بعد قيامه من الركوع و انتصابه: سمع اللّه لمن حمده، و أن يقول الحمد للّه رب العالمين، و يقول: الحمد للّه رب العالمين أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة، الحمد للّه رب العالمين و أن يجهر بها صوته، و أن يرفع يديه إذا رفع رأسه من الركوع.

المسألة 548

يكره للمصلي أن يطأطئ رأسه في ركوعه بحيث يكون أخفض من جسده، أو يرفع رأسه بحيث يكون أعلى من جسده.

المسألة 549

تقدم انه يستحب للراكع أن يجنح بيديه، و لذلك فلا ينبغي له أن يضم يديه الى جنبيه، و قد مر أيضا انه يستحب له أن يضع كفيه على ركبتيه، فلا ينبغي له أن يضع احدى الكفين على الأخرى و يدخلهما بين الركبتين.

المسألة 550

ورد في بعض النصوص لا قراءة في ركوع و لا سجود، انما فيهما المدحة للّه عز و جل ثم المسألة، فينبغي ترك قراءة القرآن في الركوع.

المسألة 551

يكره للمصلي أن يدخل يديه تحت ثيابه و يلاصق بهما جسده، و ظاهر الحديث عدم اختصاص الكراهة بحال الركوع بل تشمل جميع أحوال الصلاة.

المسألة 552

ما ذكرناه في أحكام الركوع من واجبات و مستحبات و مكروهات و غيرها لا يختص بركوع الفريضة و لا اليومية، بل هو شامل لمطلق

كلمة التقوى، ج 1، ص: 440

الصلاة الفريضة و غيرها، و اليومية و غيرها، و الراتبة و غيرها، و في بطلان النافلة بزيادة الركوع و مطلق الركن سهوا أشكال، فلا يترك الاحتياط فيها.

الفصل الثاني و العشرون في سجود الصلاة
المسألة 553

تجب على المكلف في كل ركعة من الصلاة سجدتان، سواء كانت الصلاة فريضة أم نافلة، و تستثنى من ذلك صلاة الأموات، فلا سجود فيها و لا ركوع و قد تقدم ذكرها، و السجود الواجب هو وضع الجبهة على الأرض أو ما يقوم مقامها بقصد التذلل و الخضوع للّه سبحانه، و على هذا تدور زيادة السجدة أو السجدتين و نقصهما، و تترتب الأحكام الآتي ذكرها.

المسألة 554

السجدتان في الركعة الواحدة ركن من أركان الصلاة، فإذا تركهما المصلي معا بطلت صلاته، سواء كان عامدا في ذلك أم ساهيا، و إذا زاد سجدتين في ركعة واحدة و كان عامدا بطلت صلاته كذلك، و يشكل الحكم إذا زادهما سهوا، فلا يترك الاحتياط بأن يتم الصلاة ثم يعيدها.

و تبطل الصلاة بنقصان سجدة واحدة و بزيادتها إذا كان عامدا في فعله، و لا تبطل بنقصان السجدة الواحدة و لا بزيادتها إذا كان ساهيا.

المسألة 555

تجب في السجود عدة أمور:

(الأول): وضع المساجد السبعة على الأرض على النحو الذي يأتي تفصيله في المسائل الآتية، و المساجد السبعة هي الجبهة، و الكفان، و الركبتان، و إبهاما الرجلين، و قد ذكرنا أن تحقق موضوع السجود يدور مدار وضع الجبهة، و به تحصل الزيادة و النقصان في السجود، فإذا هوى إلى الأرض و وضع مساجده عليها ما عدا الجبهة لم يصدق

كلمة التقوى، ج 1، ص: 441

السجود، و إذا كانت في غير موضعها لم تتحقق الزيادة و إذا وضع جبهته على الأرض و لم يضع عليها سائر مساجده صدق السجود، و حصلت الزيادة إذا كانت السجدة ثالثة أو كان السجود في غير موضعه.

المسألة 556

الثاني من واجبات السجود الذكر، و الأحوط أن يختار التسبيح كما تقدم في الركوع، و يتخير بين أن يأتي بتسبيحة واحدة كبرى، و هي سبحان ربي الأعلى و بحمده، أو بثلاث صغريات و هي: سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه، و يكفيه مطلق الذكر إذا كان بقدر ثلاث تسبيحات صغريات كما ذكرناه في الركوع، فلتراجع المسألة الخمسمائة و السادسة عشرة.

المسألة 557

الثالث من واجبات السجود: الطمأنينة فيه بمقدار ما يأتي بالذكر الواجب، فتبطل الصلاة بتركها عامدا، و تلزم على الأحوط في الذكر المندوب، و إذا تركها فيه عامدا أثم و لم تبطل صلاته.

و إذا أتى بالذكر الواجب عامدا قبل حصول الطمأنينة بطلت صلاته، و إذا أتى به كذلك ساهيا بطل الذكر و لم تبطل الصلاة فتجب عليه اعادة الذكر مع الطمأنينة، و إذا لم يتذكر حتى رفع رأسه من السجود فلا شي ء عليه.

و كذلك الحكم إذا ترك الطمأنينة قبل أن يتم الذكر، فتبطل صلاته مع العمد، و تصح صلاته إذا كان ساهيا و لم يتذكر الا بعد رفع رأسه من السجود، و إذا تذكر قبل أن يرفع رأسه أعاد الذكر مع الطمأنينة.

المسألة 558

الرابع من واجبات السجود: رفع الرأس منه، ثم الجلوس بعده و الطمأنينة في الجلوس.

المسألة 559

الخامس: الانحناء للسجدة الثانية حتى يضع مساجده السبعة على الأرض كما فعل في السجدة الأولى.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 442

المسألة 560

السادس: أن تبقى المساجد في مواضعها حتى يتم الذكر في كل واحدة من السجدتين فإذا رفع بعض المساجد حال الذكر أو في أثنائه و كان عامدا بطلت صلاته، و إذا رفع ما عدا الجبهة من المساجد ساهيا و تذكر قبل رفع رأسه وجب عليه أن يضع المساجد في مواضعها و يعيد الذكر، و إذا رفع جبهته فقد فات موضع التدارك، فعليه أن يتم صلاته و لا شي ء عليه و إذا وضع جبهته ليتدارك الذكر بطلت صلاته.

و لا مانع من أن يرفع غير الجبهة من مساجده السبعة عن الأرض في غير حال الذكر و ان كان عامدا، فإذا أراد أن يشرع في الذكر وضعها في مواضعها الى أن يتم الذكر.

المسألة 561

السابع أن يكون موضع جبهة المصلي في سجوده مساويا لموقفه أو يكون أرفع منه أو اخفض بما لا يزيد على أربع أصابع مضمومة، و هذا إذا كانت الأرض مستوية، و يغتفر التفاوت بينهما إذا كانت الأرض منحدرة انحدارا تدريجيا من موضع السجود الى موقف المصلي أو بالعكس، و ان زاد على المقدار المذكور.

و لا يضر أن يرتفع بعض المساجد الأخرى غير الجبهة على موقف المصلي أو ينخفض عنه بأكثر من ذلك و ان كانت الأرض مستوية ما لم يخرج به السجود عن مسماه عرفا، و لا يضر أن يرتفع بعض المساجد على بعض أو ينخفض عنه حتى الجبهة إلا إذا خرج عن مسمى السجود.

المسألة 562

الثامن: أن يضع المصلي جبهته على الأرض أو على ما تنبته، بشرط أن لا يكون مما يأكله الإنسان أو يلبسه عادة، و قد تقدم بيان ذلك في الفصل العاشر من هذا الكتاب.

المسألة 563

التاسع: أن يكون موضع الجبهة في السجود طاهرا من النجاسة و المتنجس

كلمة التقوى، ج 1، ص: 443

و من أي شي ء حكم الشارع بأن له حكم النجاسة كالرطوبة التي تخرج بعد البول أو بعد المني و قبل الاستبراء منهما، و كأحد أطراف الشبهة المحصورة للنجاسة المعلومة بالإجمال، و ليراجع أول الفصل العاشر من كتاب الطهارة و المسألة المائة و السابعة و الخمسين منه.

المسألة 564

العاشر: أن يأتي بالذكر على النهج العربي في الحروف و الكلمات و الحركات و السكنات و الموالاة بين الحروف و بين الكلمات على حد ما تقدم في ذكر الركوع و في القراءة.

المسألة 565

الجبهة هي الموضع المستوي ما بين الجبينين، و ما بين قصاص شعر الرأس و طرف الأنف الأعلى و الحاجبين، و يكفي أن يضع على الأرض منها ما يصدق بوضعه مسمى السجود و ان كان أقل من الدرهم، و لا يشترط أن يكون هذا المقدار متصلا أو مجتمعا، نعم يعتبر أن لا يكون متباعد الأجزاء فيكفي السجود على السبحة من الطين غير المطبوخ و على الحصى المتصل بعضها ببعض إذا وقع عليها من الجبهة ما يصدق به مسمى السجود.

المسألة 566

يعتبر في السجود أن تباشر الجبهة الشي ء الذي يسجد عليه، فإذا كان على الجبهة أو على الشي ء ما يمنع من ذلك لم يكف السجود عليه، حتى الوسخ إذا تراكم على التربة أو الشي ء الذي يسجد عليه، فأصبح حائلا دون وصول الجبهة إليه، فلا بد من إزالته إذا أراد السجود عليه و إذا كان قليلا لا يعد حائلا فلا مانع من السجود، و كذلك إذا كانت المواضع الخالية من الحائل متفرقة غير متباعدة نظير ما تقدم في السجود على الحصى فلا بأس بالسجود عليه.

و إذا تدلى الشعر على الجبهة فحال بينها و بين موضع السجود وجب رفع الشعر حتى يحصل القدر الواجب من السجود، و إذا سجد على

كلمة التقوى، ج 1، ص: 444

الطين فلصق بجبهته فلا بد من إزالته للسجدة الثانية، و لا يمنع التراب اليسير الذي لا يعد حائلا، و لا اللون الذي لا يكون جرما، و لا يعتبر في غير الجبهة من المساجد أن يباشر الأرض أو الشي ء الذي يسجد عليه.

المسألة 567

المسجد في الكفين هو باطنهما، فيجب وضعه في السجود مع القدرة و لا يكفي وضع ظاهرهما الا مع الضرورة، فيجزي وضعه حين ذاك، و إذا لم يمكنه وضع باطن الكفين و لا ظاهرهما كمن قطع كفه انتقل إلى الأقرب فالأقرب إلى الكف، كالمعصم و الزند و الذراع و المرفق و العضد، و الأحوط وضع جميع الكفين في السجود مع الاختيار و لا يكفي المسمى أو الأصابع، فضلا عن رؤوس الأصابع أو ضم أصابع الكف و السجود عليها.

المسألة 568

الركبة هي مجمع عظمي الساق و الفخذ، و المسجد من الركبتين هو ظاهرهما و يكفي وضع المسمى منه و لا يجب الاستيعاب، و لا يجزي السجود على أحد جانبي الركبة اختيارا و لا على باطنهما إذا أمكن ذلك.

المسألة 569

الأحوط أن يضع طرفي الإبهامين من الرجلين في السجود و لا يتعين ذلك، فله أن يسجد على أي جزء من الأنملة العليا من الإبهام و على ظاهر الإبهام و باطنه. و إذا قطع إبهام رجله سجد على ما بقي منه، فإذا استؤصل الإبهام كله سجد على سائر أصابعه، و إذا قطعت جميع أصابعه، سجد على موضع الإبهام من قدمه.

المسألة 570

الواجب في السجود على المساجد السبعة هو أن يضعها على المواضع بمقدار يصدق معه السجود و يحصل التمكن و الاستقرار، و هذا هو المقدار الواجب من الاعتماد على الأعضاء السبعة في السجود، و لا يجب

كلمة التقوى، ج 1، ص: 445

إلقاء ثقل البدن عليها، و ان كان الأحوط استحبابا ذلك، و لا تجب المساواة بين الأعضاء في الاعتماد، و يجوز له أن يشارك معها غيرها من الأعضاء كالذراع و أصابع القدمين.

المسألة 571

إذا سها المكلف فوضع جبهته على موضع مرتفع لا يصدق معه السجود عرفا لارتفاعه، فالأحوط له أن يرفع جبهته ثم يضعها على موضع يتحقق معه السجود و يصح عليه و لا يجر جبهته جرا.

و إذا وضعها على موضع مرتفع يصدق معه السجود عرفا، و لكنه لا يغتفر شرعا لأنه يزيد على أربع أصابع من موقفه، فالأحوط أن يجر جبهته جرا حتى يضعها على موضع يجوز السجود عليه، و لا يرفع جبهته ثم يضعها لاحتمال زيادة السجدة إذا رفعها، و إذا لم يمكنه جر جبهته، فالأحوط له أن يرفع رأسه و يأتي بالسجدة و يتم صلاته ثم يعيدها.

المسألة 572

إذا وضع جبهته ساهيا على موضع لا يصح السجود عليه وجب على الأحوط أن يجرها الى ما يصح السجود عليه و لا يرفعها ثم يضعها عليه لأنه يستلزم احتمال زيادة السجدة.

و إذا لم يتمكن من جر الجبهة رفع رأسه على الأحوط و أتى بالسجدة و أتم صلاته ثم أعادها، من غير فرق بين أن يلتفت في أثناء الذكر أو بعد إتمامه، و إذا لم يلتفت الى سهوه الا بعد رفع رأسه من السجود صحت صلاته و الأحوط استحبابا اعادتها.

المسألة 573

يجوز للمكلف إذا وضع جبهته على ما يصح السجود عليه أن يجرها الى موضع آخر أفضل من الأول مثلا أو أحوط، أو يكون السجود عليه أرفق بالمصلي، و لا يبتدئ بالذكر حتى تستقر الجبهة و تحصل الطمأنينة.

المسألة 574

إذا سجد المصلي فارتفعت جبهته عن الأرض قهرا ثم عادت، فعليه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 446

أن يأتي بالذكر إذا لم يكن قد أتى به في المرأة الأولى، ثم يرفع رأسه، و يسجد للثانية و يتم صلاته ثم يعيدها على الأحوط و إذا ارتفعت جبهته قهرا و أمكنه أن يتحفظ عن وقوعها على الأرض مرة ثانية، رفع رأسه من السجدة و أتم الصلاة ثم أعادها على الأحوط.

المسألة 575

إذا حرك بعض مساجده عن موضعه في حال الذكر حركة تنافي الاستقرار في المسجد و كان عامدا فالأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها، و إذا كان ساهيا أعاد الذكر على الأحوط، و إذا تذكر بعد رفع رأسه من السجود فلا شي ء عليه، و لا فرق بين المساجد في ذلك حتى إبهام الرجل، و حتى أصابع الكف، و لا تضر الحركة القليلة و المسجد ثابت في موضعه.

المسألة 576

إذا كانت في جبهة المصلي قرحة أو نحوها تمنعه من السجود، فان كانت لا تستوعب الجبهة كلها وجب عليه السجود على الموضع السليم منها، و لو بأن يحفر حفيرة فيضع الموضع السليم من الجبهة على الأرض، و إذا استوعبت القروح الجبهة كلها سجد على جبينه الأيمن على الأحوط فان لم يقدر سجد على جبينه الأيسر، فان لم يستطع ذلك سجد على ذقنه، فان تعذر عليه وضع جزءا من وجهه على الأرض: الأنف أو الخد أو غيرهما، فان لم يقدر أومأ إلى السجود مع الانحناء الممكن، و وضع شيئا على جبهته أو وجهه مع الإمكان ليسجد عليه.

المسألة 577

إذا لم يستطع الانحناء للسجود وجب عليه أن ينحني بالمقدار الممكن له و يرفع ما يسجد عليه الى جبهته و وضع سائر المساجد في مواضعها.

و إذا لم يقدر على الانحناء مطلقا أومأ برأسه للسجود و رفع ما يسجد عليه الى جبهته و وضع سائر المساجد في مواضعها مع الإمكان، فان لم يقدر أومأ برأسه و غمض عينيه و رفع شيئا يضعه على جبهته فان لم يقدر كفاه الإيماء المجرد مع غمض العين.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 447

المسألة 578

إذا اقتضت التقية أن يسجد المكلف على الصوف أو القطن أو غيرهما مما لا يصح السجود عليه بحيث لا تتأدى التقية إلا بذلك، صح له السجود عليه و أجزأه، و لا يجب عليه التخلص منها بالذهاب الى مكان آخر و ان كان ممكنا.

و إذا وجد المندوحة في المكان نفسه بحيث أمكن له السجود في موضع منه مفروش بالحصى مثلا أو الحصر، أو البواري وجب عليه اختيار ذلك.

المسألة 579

إذا نسي سجدة واحدة أو نسي السجدتين معا و قام للركعة اللاحقة، و تذكر قبل الدخول في الركوع وجب عليه الرجوع فيأتي بالسجدة المنسية أو السجدتين و يتم صلاته، ثم يسجد للسهو للقيام الزائد إذا تلبس معه بقراءة أو تسبيح، و إذا لم يقرأ في قيامه و لم يسبح لم يجب عليه سجود السهو و ان كان الإتيان به أحوط.

و إذا نسي سجدة واحدة و تذكرها بعد الدخول في الركوع مضى في صلاته، فإذا أتمها قضى السجدة المنسية ثم سجد سجدتي السهو لنسيانها على الأحوط.

و إذا نسي السجدتين معا و تذكرهما بعد الدخول في الركوع بطلت الصلاة، و إذا نسي السجدة الواحدة، أو السجدتين من الركعة الأخيرة و تذكر بعد التسليم، ففيها تفصيل سنتعرض له في مبحث الخلل الواقع في الصلاة ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 580

لا تصح الصلاة على الشي ء الذي لا تستقر المساجد عليه في السجود كالرمل الناعم و صبرة الطعام و بيدر التبن و كدس القطن المندوف، و التراب الذي لا تتمكن الجبهة أو المساجد عليه عند السجود، و إذا استقرت المساجد عليه بعد الوضع و التمكين صحت صلاته عليه، مع مراعاة شروط موضع الجبهة. و يجب ان يراعى حال الاستقرار

كلمة التقوى، ج 1، ص: 448

و الطمأنينة في سجوده و ذكره و سائر واجباته، فلا يبدأ بالذكر أو بالقراءة و غيرهما الا بعد الاستقرار، و قد تعرضنا لهذا في المسألة المائتين و الثانية، و المسألة المائتين و الثامنة و العشرين.

المسألة 581

يستحب التكبير للسجود حال الانتصاب سواء كان قائما أم قاعدا، و أن يرفع يديه بالتكبير و أن يسبق بيديه إلى الأرض في هويه الى السجود، و أن يستوعب جبهته بالسجود فيضعها كلها على ما يصح السجود عليه، و أن يصيب الأنف ما يصيب الجبهة. و يجتزأ بوضع أي جزء من الأنف على ما يصح السجود عليه، و أن يبسط كفيه و يضم أصابعهما بعضها الى بعض حتى الإبهام و يجعلهما حيال وجهه و أن ينظر في سجوده إلى أنفه، و أن يكون موضع جبهته مساويا لموقفه.

المسألة 582

يستحب أن يقول في سجوده قبل الشروع في الذكر: (اللهم لك سجدت و بك آمنت و لك أسلمت و عليك توكلت، و أنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه و شق سمعه و بصره، الحمد للّه رب العالمين تبارك اللّه أحسن الخالقين). و يستحب له أن يكرر التسبيحة الكبرى ثلاثا أو خمسا أو سبعا، و تستحب اطالة الذكر كما تقدم في الركوع و أن يصلي على محمد و آله قبل الذكر أو بعده.

المسألة 583

تقدم في المسألة المائتين و الحادية و الثلاثين أن أفضل ما يسجد عليه المكلف هو التربة الحسينية و ان السجود على الأرض أفضل من السجود على النبات و لعل السجود على تراب الأرض أفضل من السجود على الحجر.

المسألة 584

يستحب للإنسان أن يدعو في سجوده لحوائجه و حوائج اخوانه المؤمنين في الدنيا و الآخرة، و مما ورد عنهم (ع) في طلب الرزق أن يقول و هو ساجد: يا خير المسئولين و يا خير المعطين ارزقني و ارزق عيالي من فضلك فإنك ذو الفضل العظيم. و مما ورد عن أبي الحسن (ع) في

كلمة التقوى، ج 1، ص: 449

سجوده: يا من علا فلا شي ء فوقه و يا من دنا فلا شي ء دونه اغفر لي و لأصحابي. و لا يختص ذلك بالسجدة الأخيرة من الصلاة.

المسألة 585

يستحب أن يتورك بين السجدتين و بعدهما، و هو أن يجلس على جانبه الأيسر أو على ألييه، و يجعل ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى، فإذا رفع رأسه من السجود و جلس كذلك و انتصب في جلوسه كبر للرفع من السجود و رفع يديه بالتكبير، ثم وضع يده اليمنى على فخذه الأيمن و يده اليسرى على فخذه الأيسر ثم قال استغفر اللّه ربي و أتوب إليه، ثم كبر و هو جالس للسجدة الثانية و رفع يديه في التكبير و هوى للسجدة الثانية.

المسألة 586

و مما ورد استحبابه أن يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي و ارحمني و أجرني و ادفع عني و عافني إني لما أنزلت الي من خير فقير تبارك اللّه رب العالمين.

المسألة 587

يستحب أن يرفع بطنه و ذراعيه عن الأرض و ان يجنح بذراعيه و ان لا يضع شيئا من بدنه على شي ء منه و ان يباشر الأرض بكفيه، و ان يزيد في تمكين الجبهة و سائر المساجد في السجود و ان يكبر بعد الجلوس من السجدة الثانية و يرفع يديه بالتكبير.

المسألة 588

الأحوط أن يجلس بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى و الركعة الثالثة من الرباعية، و هي جلسة الاستراحة، و ان يطمئن بها، و إذا نسيها فقام، رجع إليها على الأحوط ما لم يركع.

المسألة 589

يستحب أن يبسط يديه عند وضعهما على الأرض للنهوض و يعتمد عليهما، و لا يعجن بهما في الأرض و هو أن يعتمد عليهما و هما مقبوضتا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 450

الأصابع، و يستحب أن يرفع ركبتيه من الأرض قبل يديه و أن يقول عند نهوضه: بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد، أو يقول: اللهم بحولك و قوتك أقوم و أقعد و أركع و أسجد.

المسألة 590

يستحب للمرأة عند هويها الى السجود أن تضع ركبتيها قبل يديها على الأرض، و ان تقعد قبل السجود و أن تبسط ذراعيها و تلصق بطنها في الأرض حال سجودها و تضم أعضاءها بعضها الى بعض، و ان تجلس على أليتيها و تضم فخذيها و ترفع ركبتيها، و إذا نهضت انسلت انسلالا و لم ترفع عجيزتها.

المسألة 591

يكره للمصلي أن يقعي في جلوسه بين السجدتين و بعدهما، و الإقعاء هو أن يعتمد الجالس بصدر قدميه على الأرض و يجلس على عقبيه.

المسألة 592

يكره له أن ينفخ موضع سجوده، و إذا تولد من النفخ حرفان و صدق عليهما الكلام عرفا كان مبطلا مع تعمد ذلك، و لكن تحقق الفرض مشكل بل ممنوع، فان النفخ صوت يشبه الحروف و ليس منها، و كذلك التنحنح، و سيأتي التعرض لذلك في مبحث مبطلات الصلاة.

المسألة 593

ينبغي له ترك قراءة القرآن في سجوده، و قد تقدم نظير هذا في الركوع و يكره له أن لا يرفع يديه من الأرض بين السجدتين.

الفصل الثالث و العشرون في بقية أقسام السجود
المسألة 594

من السجود الواجب سجود السهو عند حصول أحد أسبابه، و سيأتي تفصيلها و بيان أحكامها في فصل سجود السهو من مباحث الخلل و الشك الواقعين في الصلاة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 451

المسألة 595

يجب السجود عند تلاوة احدى آيات السجود الأربع من سور العزائم، سواء قرأ الآية منفردة أم قرأها مع السورة أو بعض السورة.

و سور العزائم الأربع كما تقدم في فصل القراءة، هي سورة الم تنزيل، و سورة حم فصلت، و سورة النجم، و سورة العلق. و آيات السجود هي الآية الخامسة عشرة من الم تنزيل، عند قوله (وَ هُمْ لٰا يَسْتَكْبِرُونَ)، و الآية السابعة و الثلاثون من حم فصلت، عند قوله (تَعْبُدُونَ)، و الآية الثانية و الستون من سورة النجم عند قوله في آخر السورة (وَ اعْبُدُوا)، و الآية التاسعة عشرة من سورة العلق عند قوله في آخر السورة (وَ اقْتَرِبْ).

و كذا يجب السجود على من استمع الى قراءتها من قارئ آخر، بل و على من سمعها على الأحوط.

المسألة 596

يستحب السجود في أحد عشر موضعا من القرآن:

(1) عند قراءة الآية المائتين و السادسة من سورة الأعراف، (2) عند قراءة الآية الخامسة عشرة، من سورة الرعد، (3) عند قراءة الآيتين التاسعة و الأربعين و الخمسين من سورة النحل، (4) عند قراءة الآية المائة و التاسعة من سورة بني إسرائيل، (5) عند قراءة الآية الثامنة و الخمسين من سورة مريم، (6) عند قراءة الآية الثامنة عشرة من سورة الحج، (7) عند قراءة الآية السابعة و السبعين من السورة نفسها، (8) عند قراءة الآية الستين من سورة الفرقان، (9) عند قراءة الآيتين الخامسة و العشرين و السادسة و العشرين من سورة النمل، (10) عند قراءة الآية الرابعة و العشرين من سورة ص، (11) عند قراءة الآية الحادية و العشرين من سورة الانشقاق و كذا يستحب السجود لمن استمع الى قراءة هذه الآيات من قارئ آخر أو سمعها.

و يستحب السجود

عند قراءة كل آية من القرآن أمر فيها بالسجود، و عند استماعها أو سماعها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 452

المسألة 597

لا يجب السجود على من كتب آية العزيمة أو رآها مكتوبة أو أخطرها في قلبه، و لم يتلفظ بها.

المسألة 598

يجب السجود على من قرأ الآية كلها أو استمع إليها أو سمعها، و لا يجب على من قرأ بعض الآية أو استمع اليه و ان كان هو لفظ السجود من الآية.

المسألة 599

إذا قرأ بعض الآية و سمع بعضها الآخر من قارئ آخر غيره وجب السجود عليه على الأحوط، و كذلك إذا سمع بعضها من قارئ و سمع باقيها من آخر إلا إذا انفصلت القراءتان عرفا.

المسألة 600

إذا قرأ آية العزيمة غلطا أو استمع إليها ممن قرأها غلطا، فالظاهر عدم وجوب السجود عليه و الأحوط استحبابا السجود.

المسألة 601

إذا قرأ آية السجدة مرارا أو استمع إليها مرارا، أو قرأها و استمع إليها وجب عليه السجود لكل مرة مع اختلاف الزمان، و كذلك إذا قرأها و استمع الى من يقرأها في وقت واحد، و هو الأحوط في ما إذا استمع إلى جماعة يقرءونها في وقت واحد.

المسألة 602

يجب السجود إذا سمع قراءة الآية و ان كان القاري صغيرا أو مجنونا، بل و ان كان القاري غافلا أو سمعها من آلة مسجلة الصوت، الا إذا قصد بها غير القرآن.

المسألة 603

يجب السجود فورا بعد قراءة الآية أو سماعها، و لا يسقط الوجوب

كلمة التقوى، ج 1، ص: 453

بالتأخير فإذا أخر السجود عامدا أثم و وجب عليه السجود فورا و هكذا، و إذا نسي السجدة أتى بها عند تذكره و ان طالت المدة.

المسألة 604

إذا قرأ آية السجود أو سمعها و هو ساجد في غير الصلاة، وجب عليه أن يرفع رأسه من سجوده ثم يسجد للتلاوة، و لا يكفيه أن يستمر في سجوده بقصدها، و لا يكفيه أن يجر جبهته الى مكان آخر بقصدها.

المسألة 605

إذا سمع آية السجدة و هو في صلاة الفريضة أومأ للسجود و أتم صلاته ثم سجد لها بعد الفراغ من الصلاة على الأحوط.

المسألة 606

لا يجب السجود على المكلف إذا سمع همهمة قارئ الآية و لم يميز نطقه بكلمات الآية و حروفها.

المسألة 607

لا يجري الحكم لترجمة الآية في لغة أخرى و ان كانت مطابقة، فلا يجب السجود لقراءة الترجمة أو سماع قراءتها، و لا يجب السجود لقراءة ما يرادف كلمات الآية في العربية و ان طابقت جميع مفرداتها.

المسألة 608

يكفي أن ينوي السجود قبل وضع الجبهة أو مقارنا له، و لا يجب أن تكون النية قبل الهوي للسجود.

المسألة 609

إذا وجب عليه سجود التلاوة مرارا، كفاه أن يسجد بقصد الامتثال، فإذا رفع رأسه من السجدة، سجد الثانية، و لا يجب عليه أن ينتصب من السجدة الأولى أو يرفع مساجده عن الأرض، و هكذا حتى يتم العدد الذي وجب عليه من السجود، و لا يكفيه أن يستمر في سجوده و ان تعددت منه النية و الذكر أو رفع غير الجبهة من المساجد.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 454

المسألة 610

يجب في سجود التلاوة السجود على المساجد السبعة كما في سجود الصلاة، و وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، و أن يكون مسجد الجبهة مساويا لموضع قدمه أو يكون أرفع منه أو أخفض بما لا يزيد على أربع أصابع على الأحوط في جميع ذلك.

و تجب فيه النية و اباحة المكان و ان لا يكون لباسه مغصوبا إذا كان السجود يعد تصرفا فيه عرفا.

المسألة 611

ليس في سجود التلاوة تكبير افتتاح و لا تشهد بعده و لا تسليم، و لا يشترط فيه ستر العورة و لا طهارة البدن و الثياب من الخبث، و لا سائر صفات الساتر التي تعتبر في ثياب المصلي و لا يجب فيه الاستقبال و لا طهارة موضع الجبهة، و لا تشترط فيه الطهارة من الحدث، فيجب السجود على الجنب و الحائض و كل محدث بالحدث الأكبر أو الأصغر إذا تحقق لهم سبب الوجوب، و يستحب لهم في مواضع الاستحباب.

المسألة 612

الأحوط في سجود التلاوة أن يأتي ببعض صور الذكر المنصوصة و لو بما يقوله المصلي في سجود الصلاة.

و مما ورد فيه أن يقول: لا إله إلا اللّه حقا حقا، لا إله إلا اللّه ايمانا و تصديقا، لا إله إلا اللّه عبودية و رقا سجدت لك يا رب تعبدا ورقا، لا مستنكفا و لا مستكبرا بل أنا عبد ذليل خائف مستجير.

أو يقول: الهي آمنا بما كفروا و عرفنا منك ما أنكروا و أجبناك الى ما دعوا، الهي العفو العفو.

أو يقول: أعوذ برضاك من سخطك و بمعافاتك من عقوبتك، و أعوذ بك منك، لا احصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

و يستحب التكبير لرفع الرأس منه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 455

المسألة 613

إذا وجب عليه السجود مرارا، و شك في عدد ما وجب عليه بين الأقل و الأكثر جاز له أن يكتفي بالأقل فلا يجب عليه أن يأتي بالأكثر و ان كان أحوط، و إذا علم العدد و شك في مقدار ما أتى به من السجود بنى على الأقل و وجب عليه أن يأتي بالباقي.

المسألة 614

السجود للّه سبحانه من أفضل العبادات التي يتقرب بها اليه، و في حديث الامام الصادق (ع) و الامام الرضا (ع): أقرب ما يكون العبد من اللّه تعالى و هو ساجد.

و من أهم ما يتأكد استحبابه من ذلك سجدة الشكر، فعن أبي عبد اللّه (ع) من سجد سجدة الشكر، لنعمة و هو متوضئ كتب اللّه له بها عشر صلوات، و محا عنه عشر خطايا عظام، و عنه (ع) السجود منتهى العبادة من بني آدم، و عن أبي جعفر (ع) أن أبي علي بن الحسين (ع) ما ذكر للّه عز و جل نعمة عليه الا سجد، و لا قرأ آية من كتاب اللّه عز و جل فيها سجود الا سجد، و لا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، و لا وفق لإصلاح بين اثنين الا سجد، و كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك، و في الحديث كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر (ع) بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس الى وقت الزوال.

المسألة 615

يستحب في سجود الشكر بسط الذراعين و إلصاق الصدر و البطن بالأرض، و أدنى ما يجزي فيه من القول: أن يقول شكرا للّه شكرا للّه شكرا للّه. و مما ورد فيه أن يقول شكرا شكرا مائة مرة، أو يقول عفوا عفوا مائة مرة، أو يقول حمدا للّه مائة مرة، و له أن يقتصر على سجدة واحدة، و يستحب أن يأتي بسجدتين يفصل بينهما بتعفير الخدين أو الجبينين على الأرض، فيعفر الأيمن أولا، ثم الأيسر، ثم يسجد الثانية، و تستحب اطالة السجود.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 456

المسألة 616

يستحب أن يقول الإنسان في سجوده ما روي عن الرسول (ص):

سجد لك سوادي و آمن بك فؤادي، رب هذه يداي و ما جنيت على نفسي، يا عظيما يرجى لكل عظيم اغفر لي الذنوب العظيمة، و قال (ص) ان جبرئيل (ع) علمه ذلك، و قال (ص) من قالها في سجوده لم يرفع رأسه حتى يغفر له.

و ما ورد عن أمير المؤمنين (ع) انه كان يقول في سجوده: أناجيك يا سيدي كما يناجي العبد الذليل مولاه، و أطلب إليك طلب من يعلم أنك تعطي و لا ينقص مما عندك شي ء، و أستغفرك استغفار من يعلم انه لا يغفر الذنوب إلا أنت، و أتوكل عليك توكل من يعلم انك على كل شي ء قدير.

المسألة 617

من أدعية السجود ما ورد عن الامام زين العابدين (ع) انه كان يقول في سجدة الشكر: الحمد للّه شكرا، مائة مرة، و كلما قاله عشر مرات قال شكرا للحبيب، ثم يقول يا ذا المن الذي لا ينقطع أبدا و لا يحصيه غيره عددا و يا ذا المعروف الذي لا ينفد أبدا يا كريم يا كريم يا كريم ثم يدعو و يتضرع و يذكر حاجته، ثم يقول اللهم لك الحمد أن أطعتك و لك الحجة ان عصيتك لا صنع لي و لا لغيري في إحسان منك الي في حال الحسنة يا كريم يا كريم صل على محمد و أهل بيته و صل بجميع ما سألتك و أسألك من في مشارق الأرض و مغاربها من المؤمنين و المؤمنات، و ابدأ بهم و ثن بي برحمتك، ثم يضع خده الأيمن على الأرض و يقول اللهم لا تسلبني ما أنعمت به علي من ولايتك و ولاية محمد و آله

عليه و عليهم السلام، ثم يضع خده الأيسر على الأرض، و يقول مثل ذلك، و مما ورد أن يقول بعد العود الى السجود مائة مرة شكرا شكرا.

المسألة 618

لا يعتبر في سجدة الشكر ما يعتبر في سجود الصلاة من الشرائط نعم الأحوط فيها أن يسجد على مساجده السبعة و ان يضع جبهته على ما يصح

كلمة التقوى، ج 1، ص: 457

السجود عليه و لا تكبير قبلها و لا بعدها، و يستحب له إذا رفع رأسه من السجدة أن يمسح موضع سجوده بيده ثم يمسح بها وجهه و ما نالته من بدنه، ففي الحديث انه أمان من كل سقم و داء و آفة و عاهة. و مما يتأكد استحبابه و المواظبة عليه السجود بعد أداء صلاة الفريضة أو صلاة النافلة شكرا للّه على توفيقه لأدائها و التقرب بامتثالها.

الفصل الرابع و العشرون في التشهد
المسألة 619

يجب في كل صلاة ثنائية تشهد واحد، و موضعه بعد رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الثانية، و يجب في كل صلاة ثلاثية أو رباعية تشهدان، التشهد الأول بعد إتمام الركعة الثانية من الصلاة كما تقدم، و التشهد الثاني بعد الركعة الأخيرة منها، و هو واجب و ليس بركن، فتبطل الصلاة إذا تركه عامدا، و لا تبطل إذا تركه ساهيا أو ناسيا، فإذا تذكره قبل أن يدخل في الركوع من الركعة اللاحقة وجب الرجوع اليه و الإتيان به و بما بعده حتى يتم الصلاة، و إذا تذكره بعد أن دخل في الركوع مضى في صلاته و قضى التشهد بعد أن يتمها و أتى بعد ذلك بسجدتي السهو.

المسألة 620

يجب في التشهد الإتيان بالشهادتين و الصلاة على محمد و آل محمد، و الأحوط أن يختار الصيغة المتعارفة عند المتشرعة من الشهادتين، فيقول: (أشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، اللهم صل على محمد و آل محمد).

و يجب فيه الجلوس بمقدار ما يأتي بذلك، و يجب أن يكون مطمئنا في جلوسه الفترة المذكورة و أن يأتي بالذكر مترتبا على النهج المتقدم، فيأتي بالشهادة الأولى ثم الشهادة الثانية، ثم الصلاة على محمد و آل محمد، و أن يوالي في نطقه بالفقرات و الكلمات كما يقتضيه النطق

كلمة التقوى، ج 1، ص: 458

الصحيح و أن يحافظ في تأدية الأذكار المذكورة على النهج العربي الصحيح في أداء الحروف و الكلمات، و حركاتها و سكناتها كما سبق في نظائره.

و لا يكفيه أن يبدل ألفاظ الشهادتين و الصلاة المتقدم ذكرها، أو يبدل شيئا منها بما يرادفها و ان كانت عربية صحيحة و

صريحة في معناها.

المسألة 621

لا تعتبر في الجلوس حال التشهد كيفية خاصة، فيجزيه أن يتربع في جلوسه، أو يتورك أو يثني رجليه تحته أو يجلس على أي كيفية يختارها، نعم يستحب له أن يكون متوركا في جلوسه، و لا يترك الاحتياط بترك الإقعاء و قد تقدم بيان معناهما في ما يستحب و ما يكره بين السجدتين.

المسألة 622

من لا يحسن الإتيان بذكر التشهد، يجزيه مع الإمكان أن يتابع غيره في اللفظ و لو بالتلقين كلمة كلمة، و من لا يمكنه ذلك يجب عليه التعلم، فإذا عجز عن التعلم أو ضاق الوقت عنه، أتى بما يتمكن منه و ترجم الباقي، و إذا لم يقدر على شي ء منه ترجم الجميع، فان لم يستطع، كفاه أن يأتي بالتحميد بقدر التشهد، و ان لم يحسنه كفاه سائر الأذكار فيأتي منها بقدر التشهد.

المسألة 623

يستحب للرجل أن يتورك في جلوسه حال التشهد كما تقدم، و قد سبق أيضا بيان كيفية جلوس المرأة في المسألة الخمسمائة و التسعين، و يستحب للرجل أن يجعل يديه على فخذيه مضمومتي الأصابع و أن يكون نظره الى حجره، و أن يقول قبل الشهادتين: بسم اللّه و باللّه و الحمد للّه و خير الأسماء للّه، أو يبدل الفقرة الأخيرة بقوله و الأسماء الحسنى كلها للّه، ثم يأتي بالشهادتين كما مر، فإذا قال: اللهم صل على محمد و آل محمد، و كان في التشهد الأول قال و تقبل شفاعته و أرفع درجته،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 459

أو قال و تقبل شفاعته في أمته و ارفع درجته، ثم حمد اللّه مرتين أو ثلاثا، ثم قال بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد، و قام للركعة الثالثة.

المسألة 624

يستحب أن يأتي في التشهد الأول و الثاني بما اشتملت عليه موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) و هو ذكر طويل حذفناه للاختصار، و أشرنا إليه ليطلبه من يريده في الحديث الثاني من باب كيفية التشهد من كتاب وسائل الشيعة.

الفصل الخامس و العشرون في التسليم
المسألة 625

التسليم أحد واجبات الصلاة، و هو آخر أجزائها، فيشترط فيه جميع ما يشترط في الصلاة من طهارة و استقبال و ستر عورة، و غير ذلك، و به يخرج من الصلاة و تحل للمكلف جميع منافياتها، و هو واجب، و ليس بركن، فإذا تركه المصلي متعمدا بطلت صلاته، و إذا تركه ساهيا أو ناسيا، و تذكره قبل أن تفوت الموالاة، و قبل أن يأتي بما ينافي الصلاة عمدا و سهوا كالحدث الأصغر أو الأكبر، وجب عليه أن يأتي بالتسليم و لا شي ء عليه.

و إذا تركه ساهيا أو ناسيا أو اعتقد خروجه من الصلاة، و لم يتذكر حتى فاتت الموالاة، أو حصل منه ما ينافي الصلاة عمدا و سهوا، فعليه إعادة الصلاة على الأحوط بل لا تخلو من قوة.

و إذا تركه ساهيا أو ناسيا و تذكره بعد ان تكلم بحرفين أو أكثر أو بحرف واحد مفهم للمعنى على الأحوط وجب عليه أن يأتي بالتسليم و أن يأتي بعده بسجدتي السهو.

المسألة 626

للتسليم صيغتان، إحداهما: (السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين) و الثانية (السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته)، و الواجب منه هو احدى

كلمة التقوى، ج 1، ص: 460

الصيغتين، فإذا أتي بالصيغة الأولى منهما خرج بها من الصلاة، و كانت الثانية مستحبة، و الأحوط عدم تركها، و إذا قدم الصيغة الثانية كانت هي الواجبة و خرج بها من الصلاة و لم يأت بالصيغة الأخرى.

المسألة 627

قول: السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته، ليس من صيغ التسليم، بل هو من التوابع المستحبة في التشهد أو في التسليم، فلا يخرج به من الصلاة و لا يضر بالصلاة تركه.

المسألة 628

يجزي في الصيغة الثانية من التسليم أن يقول: السلام عليكم، و الأحوط أن يضيف إليها قول و رحمة اللّه و بركاته.

المسألة 629

يجب في التسليم الموالاة بين كلماته و حروفه و الإتيان به على النهج العربي في الحركات و السكنات و مخارج الحروف كما تقدم في نظائره.

المسألة 630

التسليم مخرج من الصلاة و ان لم يقصد به الخروج منها، نعم إذا قصد مع التسليم عدم الخروج به من الصلاة، فالأحوط إعادة الصلاة.

المسألة 631

حكم التسليم كحكم الأذكار الواجبة في الصلاة، فإذا لم يحسنه المكلف كفاه أن يتابع به غيره و لو بالتلقين كلمة كلمة، فان لم يتهيأ له ذلك وجب عليه أن يتعلم، فان عجز أو ضاق الوقت عن التعلم كفته الترجمة، و الأخرس يخطر ألفاظ التسليم بقلبه و يشير إليها بيده أو بغيرها.

المسألة 632

يجب فيه الجلوس و الطمأنينة، و يكفي أن يجلس فيه على أية كيفية أراد، و يستحب فيه التورك و وضع اليدين على الفخذين و لا يترك الاحتياط بترك الإقعاء.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 461

المسألة 633

يكفي أن يقصد المصلي بألفاظ التسليم معانيها المرادة في الشريعة و ان لم يعلم بها على سبيل التفصيل، و هذا القصد الإجمالي يكفي في جميع ألفاظ الصلاة و أذكارها.

المسألة 634

إذا سلم المصلي أومأ في التسليم الأخير إلى يمينه بمؤخر عينيه أو بأنفه على وجه لا ينافي الاستقبال في الصلاة، و يأتي بذلك برجاء المطلوبية سواء كان إماما أم مأموما أم منفردا.

الفصل السادس و العشرون في الترتيب و الموالاة
المسألة 635

يجب الترتيب بين أفعال الصلاة على الوجه الذي تقدمت الإشارة إليه في الفصول السابقة، فيكبر للإحرام في أول الصلاة، ثم يقرأ الفاتحة و بعدها السورة، ثم يركع، ثم ينتصب من الركوع، ثم يسجد السجدتين، و يرفع رأسه من كل واحدة منهما حتى يجلس و يطمئن، و يأتي بكل ذكر و كل قول في موضعه المعين له، ثم يقوم بعد ذلك للركعة الثانية، و يأتي بأفعالها و أقوالها كذلك، و يقنت فيها بعد القراءة و قبل الركوع، و يتشهد بعد السجدتين، حتى يتم صلاته على هذا الترتيب، فإذا تشهد التشهد الأخير من الصلاة سلم.

و إذا خالف الترتيب عامدا فقدم ما هو متأخر وقع باطلا، و بطلت صلاته سواء كان ما قدمه قولا أم فعلا، سواء كان ركنا أم غيره.

المسألة 636

إذا خالف المصلي الترتيب ساهيا أو ناسيا، فهنا صور تجب مراعاتها لتطبيق أحكامها.

(الصورة الأولى): أن يقدم ركنا على ركن، و مثال ذلك أن يقدم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 462

السجدتين معا في الركعة فيأتي بهما قبل الركوع منها، و الحكم فيها هو بطلان الصلاة.

(الصورة الثانية): أن يقدم ركنا على واجب غير ركن، و مثاله أن يأتي بالركوع قبل القراءة، ساهيا أو ناسيا، أو يأتي بالسجدتين قبل ان ينتصب قائما بعد الركوع، و الحكم في هذه الصورة أن يمضي في صلاته و يتمها و لا شي ء عليه.

(الصورة الثالثة): أن يقدم واجبا غير ركن على الركن، و مثال ذلك أن يسهو فيأتي بالتشهد قبل السجدتين، أو يأتي بسجدة واحدة قبل الركوع، و الحكم فيها أن يعود الى الركن فيأتي به إذا لم يكن قد أتى به، ثم يأتي بما بعده حتى يحصل الترتيب، و يجب عليه سجود السهو إذا

حصل منه ما يوجب سجود السهو، لا مطلقا.

(الصورة الرابعة): أن يقدم واجبا غير ركن على واجب غير ركن، و مثال ذلك أن ينسى فيقدم السورة على الفاتحة، أو يقدم التشهد على سجدة واحدة، و الحكم فيها أن يأتي بالواجب الذي أخره، إذا لم يكن قد أتى به ثم يأتي بما بعده حتى يحصل الترتيب، و يسجد للسهو إذا حصل منه ما يوجب ذلك، كما تقدم، و سيأتي بيان موارد وجوب سجود السهو.

المسألة 637

ليس من مخالفة الترتيب أن يأتي بالسجدة بقصد أنها الأولى ثم يتذكر انها الثانية، أو يأتي بها بقصد أنها الثانية، و يتذكر بعد ذلك انها الأولى، فلا يوجب ذلك خللا في صلاته. و ليس من مخالفة الترتيب أن يقوم المصلي في ركعة و يعتقد أنها الثانية مثلا فيأتي فيها بالقنوت، و التشهد، ثم يتذكر أنها الركعة الأولى أو انها الركعة الثالثة، فعليه ان يتم صلاته على الوجه الصحيح و لا شي ء عليه في زيادة القنوت و لا التشهد.

و كذلك إذا قام في الركعة و اعتقد أنها الثالثة فترك القراءة و سبح،

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 1، ص: 463

كلمة التقوى، ج 1، ص: 463

و تذكر بعد الركوع انها الثانية فعليه أن يمضي فيها على انها الثانية كما ظهر له فيتشهد فيها و يتم على ذلك صلاته، و لا يضره خطأه في الاعتقاد.

المسألة 638

تجب الموالاة بين أفعال الصلاة على وجه لا يقع ما بينها فصل يوجب محو صورة الصلاة في نظر المتشرعة، و تبطل صلاة المكلف إذا حصل ذلك عن عمد، سواء كان ذلك بسكوت طويل أم بفعل كثير، و يشكل الحكم بالبطلان إذا فعل ذلك ساهيا أو ناسيا، و لا يترك الاحتياط معه بإتمام الصلاة ثم اعادتها.

المسألة 639

تجب الموالاة في ألفاظ الصلاة كالتكبير و القراءة و التسبيح و الأذكار، فلا يجوز الفصل ما بين الآيات أو بين الكلمات أو بين الحروف بما يمحو قراءة الكلمة أو الفقرة أو الآية أو السورة أو يبطل وحدتها و اتصالها، فإذا فعل ذلك متعمدا بطلت قراءته و صلاته، و إذا فعله ساهيا وجب عليه أن يعيد قراءة الموضع الذي أخل فيه و ما بعده على وجه يحصل معه الترتيب، و لا تبطل صلاته بذلك إلا إذا محيت به صورة الصلاة فيتمها ثم يعيدها على ما تقدم.

المسألة 640

إذا أخل بالموالاة في تكبيرة الإحرام على الوجه المتقدم بطلت تكبيرته، و بطلت صلاته و ان كان ساهيا.

و إذا أخل بالموالاة في التسليم ساهيا وجب عليه أن يعيد التسليم إذا تذكر ذلك قبل أن يأتي بما ينافي الصلاة، و إذا أتى بالمنافي قبل أن يعيد التسليم بطلت صلاته. و إذا لم يتذكر حتى فعل ما ينافي الصلاة عمدا و سهوا كالحدث، فعليه إعادة الصلاة على الأحوط بل لا يخلو من قوة.

و إذا لم يتذكر حتى فعل ما ينافي الصلاة عمدا و لا ينافيها سهوا كالتكلم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 464

وجبت عليه اعادة التسليم و صحت صلاته و عليه أن يسجد للسهو إذا تكلم ساهيا.

المسألة 641

ليس من الفصل المخل بالموالاة أو الماحي لصورة الصلاة أن يطيل المصلي ركوعه أو سجوده و يكثر الذكر أو يقرأ بالسور الطوال في صلاته أو يأتي بالمستحبات الأخرى فيها.

المسألة 642

لا تجب الموالاة العرفية في الصلاة بمعنى أن يتابع بين أفعالها من غير فصل و ان كان قصيرا لا يضر باسم الصلاة، و لا تجب كذلك في القراءة و لا في غيرها من الأقوال و الأذكار و لا تبطل الصلاة و لا القراءة و لا الذكر بفواتها.

الفصل السابع و العشرون في القنوت
المسألة 643

يستحب القنوت في جميع الصلوات الفرائض منها و النوافل، و يتأكد استحبابه في الصلوات الجهرية من الفرائض، و في الصبح و المغرب على الخصوص، و في صلاة الجمعة و صلاة الوتر و القول بوجوبه في صلاة العيد أحوط و لعله أقوى، و الأحوط أن يؤتى بالقنوت في صلاة الشفع برجاء المطلوبية.

المسألة 644

موضع القنوت في كل صلاة بعد القراءة و قبل الركوع من الركعة الثانية، و موضع القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع منها.

و تستثنى من ذلك صلاة العيد، ففيها خمسة قنوتات في الركعة الأولى منها، و أربعة قنوتات في الركعة الثانية، و تستثنى كذلك صلاة الجمعة، ففيها قنوتان، أحدهما في الركعة الأولى قبل الركوع منها،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 465

و الثاني في الركعة الثانية بعد الركوع، و صلاة الآيات، فيستحب فيها خمسة قنوتات و مواضعها قبل الركوع الثاني منها و قبل الركوع الرابع، و قبل السادس و قبل الثامن و قبل العاشر و يكفي فيها قنوتان أحدهما قبل الركوع الخامس و الثاني قبل العاشر، و الأحوط أن يؤتى بالأول منهما برجاء المطلوبية، و أدنى ما يجزي فيها قنوت واحد يؤتى به في الركعة الثانية قبل الركوع الأخير.

المسألة 645

لا يتعين في القنوت دعاء مخصوص، فيكفي فيه كل ما يأتي به المكلف من ذكر أو تحميد أو ثناء أو دعاء، فيكفي مثلا أن يقول: سبحان اللّه خمسا أو ثلاثا، أو يقتصر على الصلاة على محمد و آله (ع) أو يقول:

اللهم اغفر لي ذنبي، و يجوز أن يكون منظوما أو منثورا.

و يستحب أن يكون مشتملا على الثناء على اللّه و الصلاة على النبي و آله، و الاستغفار لذنبه، و أتم من ذلك أن يكون مشتملا أيضا على الاستغفار لإخوانه و الدعاء لهم، و أولى من ذلك أن يقرأ الأدعية المروية عن المعصومين (ع) في قنوتاتهم.

المسألة 646

يجوز القنوت ببعض آيات القرآن، و يختار منها ما اشتمل على الثناء و التحميد، و التمجيد له سبحانه، أو ما اشتمل على الدعاء، كقوله تعالى رَبَّنَا اصْرِفْ عَنّٰا عَذٰابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذٰابَهٰا كٰانَ غَرٰاماً إِنَّهٰا سٰاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقٰاماً. و قوله تعالى رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلٰاةِ، وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، رَبَّنٰا وَ تَقَبَّلْ دُعٰاءِ، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوٰالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسٰابُ.

المسألة 647

مما ورد التأكيد عليه في القنوت كلمات الفرج، و هي: لا إله إلا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلي العظيم، سبحان اللّه رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و ما فيهن و ما بينهن و رب العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 466

و لم أجد لفظ ما فوقهن في خبر عنهم (ع) و لذلك فالأحوط تركه، و اما كلمة و ما تحتهن، فله أن يأتي بها برجاء المطلوبية، كما ان له أن يزيد بعد قوله و رب العرش العظيم (وَ سَلٰامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) برجاء المطلوبية أو بقصد القرآنية.

المسألة 648

مما يتوسل به للاستجابة في القنوت و في الدعاء في غير القنوت ان يبتدئ الداعي بالصلاة على محمد و آله ثم يسأل حاجته، و يختم دعاءه بالصلاة على محمد و آله، فقد ورد ان اللّه عز و جل أكرم من أن يقبل أول الدعاء و آخره و يرد وسطه.

المسألة 649

مما ورد عنهم (ع) في القنوت ان يقول: اللهم اغفر لنا و ارحمنا و عافنا و اعف عنا في الدنيا و الآخرة انك على كل شي ء قدير، و مما ورد أيضا: رب اغفر و ارحم، و تجاوز عما تعلم انك أنت الأعز الأجل الأكرم، و مما نقل عنهم (ع): اللهم اهدنا في من هديت و عافنا في من عافيت، و تولنا في من توليت، و بارك لنا في ما أعطيت، و قنا شر ما قضيت، انك تقضي و لا يقضى عليك لا يذل من واليت و لا يعز من عاديت، تباركت ربنا و تعاليت، أستغفرك و أتوب إليك.

المسألة 650

الأحوط ترك القنوت بالدعاء الملحون، سواء كان لحنه في الاعراب أم في الكلمات نفسها، و سواء كان مغيرا للمعنى أم لا، و كذلك الدعاء بغير العربية من اللغات الأخرى، و لا تتأدى بهما وظيفة القنوت.

المسألة 651

يجوز الدعاء في القنوت لمن يريد، و له أن يذكر اسمه في الدعاء له، و الأحوط بل الأقوى ترك ذلك إذا كان في الدعاء له معصية أو اعانة على إثم أو إغراء بقبيح، و يجوز الدعاء على أحد يخشاه و له أن يسميه، على أن لا يكون ظالما في دعائه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 467

المسألة 652

تستحب اطالة القنوت في الصلاة، فقد روي عنهم (ع) أفضل الصلاة ما طال قنوتها، و يتأكد ذلك في صلاة الوتر، و يستحب الجهر بالقنوت في الصلاة الجهرية و الإخفاتية سواء كان المصلي منفردا أم اماما أم مأموما، على أن لا يسمع الامام صوته.

المسألة 653

يستحب للمكلف أن يكبر قبل القنوت و أن يرفع يديه بالتكبير كما سبق في نظائره، فإذا وضع يديه بعد التكبير رفعهما للقنوت.

و قد نسب إلى الأصحاب قده انه يستحب له ان يرفع كفيه في القنوت حيال وجهه و أن يبسطهما، و يجعل باطنهما الى السماء، و أن تكونا منضمتين مضمومتي الأصابع إلا الإبهامين، و ان يكون نظره في حال القنوت الى كفيه، و لم أقف في النصوص على ما أفادوا، فإذا أتى به المكلف فليأت به برجاء المطلوبية.

المسألة 654

يكره له أن يرفع يديه في القنوت حتى يجاوز بهما رأسه، و يكره أن يمسح بهما وجهه و رأسه و صدره بعد وضعهما من قنوت الفريضة، و يستحب له ذلك في قنوت النافلة و بعد رفع اليد في الدعاء في غير الصلاة.

المسألة 655

ليس للمصلي أن يأتي بالقنوت جالسا في حال الاختيار كما تقدم في المسألة الثلاثمائة و الثالثة و التسعين، فإذا فعل ذلك عامدا لم يأت بوظيفة القنوت و عليه ان يتم صلاته ثم يعيدها على الأحوط، و إذا فعل ذلك ساهيا و تذكره قبل الدخول في الركوع فالأحوط له أن يأتي بالقنوت قائما برجاء المطلوبية ثم يركع، و إذا تذكره بعد الدخول في الركوع أتم صلاته و لا شي ء عليه، و هذا إذا لم يحصل له خلل في ركن كما إذا أتى بالركوع جالسا.

المسألة 656

إذا نذر القنوت في الصلاة انعقد نذره، و أصبح القنوت واجبا عليه،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 468

فإذا ترك القنوت فيها ساهيا فلا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة بعد إتمامها.

المسألة 657

إذا نسي القنوت و هوى إلى الركوع، فان تذكره قبل أن يبلغ حد الركوع جاز له أن يعود الى القيام و يأتي بالقنوت ثم يركع، و ان تذكره بعد أن دخل في الركوع أتم ركوعه و قضى القنوت بعد رفع رأسه من الركوع ثم سجد، و كذلك إذا تذكر القنوت بعد الهوي للسجود و قبل وضع جبهته على الأرض، فيجوز له أن يعود الى القيام و يقضي القنوت ثم يسجد، و إذا تذكر القنوت و هو في السجود أو بعده في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها قضاه بعد الصلاة، فيأتي به جالسا مستقبلا، و إذا تذكره في الطريق استقبل القبلة و أتى به، و إذا ترك القنوت في محله عامدا، أو تذكره في الركوع و ترك قضاءه بعد الركوع عامدا فلا قضاء له.

الفصل الثامن و العشرون في التعقيب
المسألة 658

يستحب التعقيب استحبابا مؤكدا، و هو أن يشتغل الإنسان بعد فراغه من الصلاة بالذكر و الدعاء و المناجاة و التلاوة و أمثالها من العبادات القولية، و هو بعد صلاة الفريضة أشد تأكدا منه بعد صلاة النافلة، و خصوصا بعد صلاة الصبح، ثم بعد صلاة العصر، و قد روي عن أبي عبد اللّه (ع) ان اللّه فرض عليكم الصلوات الخمس في أفضل الساعات فعليكم بالدعاء في أدبار الصلوات، و عنه (ع) التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد، و عنه (ع) من صلى صلاة فريضة و عقب إلى أخرى فهو ضيف اللّه و حق على اللّه أن يكرم ضيفه.

المسألة 659

الظاهر انه لا يصدق التعقيب على الدعاء و نحوه إذا انفصل عن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 469

الصلاة بمدة، بحيث لا يكون في نظر المتشرعة من توابع الصلاة و في أدبارها، و الظاهر انه لا يصدق التعقيب على الجلوس في المصلي فارغا غير مشتغل بدعاء و نحوه، و ان كان في انتظار صلاة أخرى.

و الأفضل فيه أن يكون المعقب متطهرا مستقبلا جالسا في مصلاه، و لا يسقط استحبابه إذا انتفى ذلك و يستحب أن يقرأ الأدعية و الأذكار الواردة عن المعصومين (ع) و هي كثيرة و وافية بالمراد.

المسألة 660

إذا نسي التعقيب أو أعرض عنه لبعض الموانع، فله أن يعود اليه و يأتي به إذا لم يفت موضعه الذي تقدمت الإشارة اليه، و لم تسقط بذلك وظيفته و استحبابه، و كذلك إذا أحب أن يطيل في التعقيب بعد أن قرأ بعض الدعاء و سجد للشكر مثلا أو هم بالقيام.

المسألة 661

يستحب بعد الفراغ من التسليم أن يكبر ثلاثا و أن يرفع يديه بالتكبير كما يرفعهما في تكبير الصلاة، و يستحب أن يقول بعد ذلك: لا إله إلا اللّه إلها واحدا و نحن له مسلمون، لا إله إلا اللّه و لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين و لو كره المشركون، لا إله إلا اللّه ربنا و رب آبائنا الأولين، لا إله إلا اللّه وحده وحده، أنجز وعده، و نصر عبده، و أعز جنده، و هزم الأحزاب وحده فله الملك و له الحمد يحيي و يميت و يميت و يحيي و هو حي لا يموت بيده الخير و هو على كل شي ء قدير و ظاهر الرواية أن هذا التكبير و هذا الدعاء يؤتى بهما قبل تسبيح الزهراء (ع).

المسألة 662

أفضل ما يعقب به الإنسان بعد الفراغ من صلاته هو تسبيح الزهراء (ع) ففي الحديث: ما عبد اللّه بشي ء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة (ع) و لو كان شي ء أفضل منه لنحله رسول اللّه (ص) فاطمة، و عن أبي عبد اللّه (ع) تسبيح فاطمة في كل يوم في دبر كل صلاة، أحب الي من صلاة ألف ركعة في كل يوم، و هو أن يقول: اللّه أكبر. أربعا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 470

و ثلاثين مرة، ثم يقول: الحمد للّه، ثلاثا و ثلاثين مرة، ثم يقول: سبحان اللّه. ثلاثا و ثلاثين مرة. و قد ورد أيضا تقديم التسبيح على التحميد. و هو و هو مستحب في غير التعقيب أيضا و عند ارادة النوم، و يستحب أن تتخذ السبحة لذلك و لغيره من طين قبر الحسين (ع).

المسألة 663

إذا شك في عدد التكبير أو التحميد أو التسبيح من تسبيح الزهراء و كان في المحل بنى على الأقل، فإذا كان ناقصا أتمه، و إذا شك فيه بعد أن تجاوز محله و دخل في ما بعده بنى على الإتيان به و لم يلتفت، و إذا علم بالنقص رجع الى موضع النقص فأتمه و أتى بما بعده، و إذا زاد في التكبير أو التحميد رفع اليد عن الزائد و أضاف إليه واحدة على الأحوط و إذا زاد في التسبيح رفع اليد عن الزائد و لا شي ء عليه.

المسألة 664

يستحب أن يقول بعد تسبيح الزهراء (ع): اللهم أنت السلام و منك السلام و لك السلام و إليك يعود السلام، سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد للّه رب العالمين، السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته، السلام على الأئمة الهادين المهديين، السلام على جميع أنبياء اللّه و رسله و ملائكته، السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، السلام على علي أمير المؤمنين، السلام على الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة أجمعين، السلام على علي ابن الحسين زين العابدين، السلام على محمد بن علي باقر علم النبيين، السلام على جعفر بن محمد الصادق، السلام على موسى بن جعفر الكاظم، السلام على علي بن موسى الرضا، السلام على محمد بن علي الجواد، السلام على علي بن محمد الهادي، السلام على الحسن بن علي الزكي العسكري، السلام على الحجة ابن الحسن القائم المهدي صلوات اللّه عليهم أجمعين، ثم يسأل حاجته.

المسألة 665

يستحب أن يقول: استغفر اللّه الذي لا إله الا هو الحي القيوم ذو

كلمة التقوى، ج 1، ص: 471

الجلال و الإكرام و أتوب إليه، ثلاث مرات، و أن يقول: اللهم اهدني من عندك و أفض علي من فضلك و انشر علي من رحمتك و أنزل علي من بركاتك، و أن يقول: اللهم صل على محمد و آل محمد، اللهم أعتقني من النار و أدخلني الجنة و زوجني من الحور العين، و أن يقول: سبحانك لا إله إلا أنت اغفر لي ذنوبي كلها جميعا فإنه لا يغفر الذنوب كلها جميعا إلا أنت، و ان يقول: اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك و أعوذ بك من كل شر

أحاط به علمك اللهم إني أسألك عافيتك في أموري كلها، و أعوذ بك من خزي الدنيا و عذاب الآخرة، و أن يقول:

أعوذ بوجهك الكريم و عزتك التي لا ترام و قدرتك التي لا يمتنع منها شي ء من شر الدنيا و الآخرة و من شر الأوجاع كلها و من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم، و أن يقول: توكلت على الحي الذي لا يموت و الحمد للّه الذي لم يتخذ ولدا و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن له ولي من الذلي و كبره تكبيرا.

المسألة 666

يستحب أن يقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا فردا صمدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا، عشر مرات، و أن يقرأ سورة الحمد، و آية الكرسي، و آية شهد اللّه انه لا إله الا هو و الملائكة و أولو العلم، الى قوله فان اللّه سريع الحساب، و هما الآيتان الثامنة عشرة و التاسعة عشرة من سورة آل عمران، و آية قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، الى قوله: و ترزق من تشاء بغير حساب، و هما الآيتان السادسة و العشرون و السابعة و العشرون من السورة المذكورة. و يستحب أن يقول بعد الفريضة: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر، ثلاثين مرة، و أفضل من ذلك أن يقولها أربعين مرة.

المسألة 667

يستحب أن يقول بعد الصلاة: اللهم إني أدينك بطاعتك و ولايتك

كلمة التقوى، ج 1، ص: 472

و ولاية رسولك و ولاية الأئمة من أولهم إلى آخرهم. (و يسميهم) ثم يقول اللّهم إني أدينك بطاعتك و ولايتهم و الرضا بما فضلتهم به غير متكبر و لا مستكبر، على معنى ما أنزلت في كتابك على حدود ما أتانا فيه و ما لم يأتنا مؤمن مقر مسلم بذلك، راض بما رضيت به يا رب أريد به وجهك و الدار الآخرة، مرهوبا و مرغوبا إليك فيه، فأحيني ما أحييتني على ذلك و أمتني إذا أمتني على ذلك و ابعثني إذا بعثتني على ذلك، و ان كان مني تقصير في ما مضى فإني أتوب إليك منه و أرغب إليك في ما عندك، و أسألك أن تعصمني من معاصيك، و لا تكلني الى نفسي طرفة

عين أبدا ما أحييتني، و لا أقل من ذلك و لا أكثر، ان النفس لأمارة بالسوء الا ما رحمت يا أرحم الراحمين، و أسألك أن تعصمني بطاعتك حتى تتوفاني عليها و أنت عني راض و أن تختم لي بالسعادة و لا تحولني عنها أبدا و لا قوة إلا بك.

المسألة 668

يستحب أن يقرأ بعد صلاة الغداة و بعد صلاة المغرب قبل أن يقبض ركبتيه، لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد يحيي و يميت و يميت و يحيي و هو حي لا يموت بيده الخير و هو على كل شي ء قدير، عشر مرات، و أن يقول بعد كل من صلاة الصبح و صلاة المغرب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم، سبع مرات، و أفضل من ذلك أن يقوله مائة مرة.

و يستحب أن يقول بعد صلاة الصبح: سبحان اللّه العظيم و بحمده و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم، عشر مرات، و أن يقول: سبحان اللّه العظيم و بحمده استغفر اللّه و أسأله من فضله، عشر مرات. و أن يقول: ما شاء اللّه كان لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم، مائة مرة، و أن يقرأ سورة التوحيد، إحدى عشرة مرة، و أفضل من ذلك أن يقرأها مائة مرة، و أن يقول: لا إله إلا اللّه الملك الحق المبين، مائة مرة.

و يستحب أن يقول بعد فريضة الفجر أيضا مائة مرة: اللهم صل على محمد و آل محمد، و مائة مرة: أسأل اللّه العافية، و مائة مرة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 473

أستجير باللّه من النار، و مائة مرة: و

أسأله الجنة، و مائة مرة: أسال اللّه الحور العين، و مائة مرة: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر، و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم، و يستحب أن يقول بعد صلاة الصبح و صلاة العصر سبعين مرة: استغفر اللّه و أتوب اليه، و أن يقرأ أدعية الصباح بعد الصبح، و هي كثيرة جدا، و أدعية المساء بعد العصر، و ان يقرأ الأدعية المختصة بالظهرين و العشاءين بعدها.

الفصل التاسع و العشرون في ما ينافي الصلاة
المسألة 669

منافيات الصلاة أمور:

(الأول): تبطل الصلاة بخروج الحدث من المصلي، سواء كان الحدث أصغر أم أكبر، و ان كان خروجه قبل الحرف الأخير من التسليم، و سواء كان خروجه عمدا أم سهوا أم اضطرارا، و حتى إذا نسي التسليم و أحدث قبل الإتيان به كما تقدم في فصل التسليم.

و يستثنى من ذلك دائم الحدث، كالمسلوس و المبطون و المستحاضة و قد تقدمت أحكامها جميعا في مواضعها من كتاب الطهارة فلتراجع.

المسألة 670

(الثاني) تبطل الصلاة إذا التفت المصلي بجميع بدنه عامدا حتى خرج عن الاستقبال، سواء كان التفاته الى الخلف أم الى اليمين أم اليسار، أم الى ما بينهما، و سواء كان التفاته في حال القراءة أو الذكر أم في حال أخرى، و تبطل الصلاة إذا التفت ببدنه كله ساهيا الى اليمين أو الى اليسار أو الخلف، و تبطل الصلاة إذا التفت بوجهه الى ما وراءه عامدا أو ساهيا و ان كان مستقبلا بسائر بدنه، و تبطل الصلاة إذا التفت بوجهه عامدا بحيث خرج عن الاستقبال بوجهه إذا هو أوقع بعض أفعال الصلاة في حال انحرافه أو أتى بشي ء من أقوالها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 474

و لا تبطل الصلاة إذا التفت ساهيا الى ما لا يبلغ حد اليمين أو اليسار و ان كان التفاته ببدنه كله، و حتى إذا أتى ببعض أفعال الصلاة أو أقوالها في حال انحرافه، و لا تبطل الصلاة إذا التفت بوجهه الى ما لا يبلغ الى الخلف و ان كان عامدا، إذا هو لم يأت في حال التفاته بشي ء من أفعال الصلاة أو أقوالها، نعم يكره ذلك مع العمد.

المسألة 671

(الثالث): كل فعل يمحو صورة الصلاة في نظر المتشرعة، سواء كان الفعل كثيرا أم قليلا، كالوثبة، و العفطة، و الرقص، و القفزة، و كذلك السكوت الطويل إذا محا صورة الصلاة فتبطل الصلاة إذا أتى المكلف بشي ء من ذلك في صلاته متعمدا، و يشكل الحكم بالبطلان إذا صدر منه ساهيا، و لا يترك الاحتياط بإتمام الصلاة ثم اعادتها.

و لا تبطل الصلاة بالفعل غير الماحي لصورة الصلاة و ان كان كثيرا، و لا بالسكوت غير الماحي للصورة و ان كانا مفوتين للموالاة العرفية بين أفعال الصلاة،

و قد تقدم ذكر ذلك في المسألة الستمائة و الثانية و الأربعين.

المسألة 672

الظاهر ان الإتيان بالصلاة في أثناء الصلاة، من الفعل الماحي لصورة الصلاة الأولى، فإذا تعمد الإنسان فعل ذلك بطلت الصلاتان معا، و إذا فعله ساهيا لم تبطل الصلاتان فإذا كانت إحداهما مضيقة الوقت وجب عليه أن يتمها، فإذا هو مضى فيها بطلت الأخرى، و إذا كانت الفريضة الثانية منهما مرتبة على الأولى، وجب عليه أن يتم الأولى، فإذا هو مضى فيها بطلت الثانية.

و إذا كانت الفريضتان موسعتين في الوقت، و لم يكن بينهما ترتيب، تخير في أن يتم أيتهما شاء فإذا مضى فيها بطلت الأخرى، و ستأتي لذلك أمثلة في فصل صلاة الآيات، و في فصل صلاة الاحتياط إذا عرض له أحد الشكوك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 475

المسألة 673

إذا صدر من المصلي سكوت طويل أو فعل كثير و نحو ذلك، و شك في أن ما صدر منه محا صورة الصلاة أم لا، بنى على بقاء الصورة، فيجب عليه إتمام الصلاة و كانت صحيحة.

المسألة 674

(الرابع) التكلم في الصلاة عامدا، و ان كان بحرفين مهملين لا يدلان على معنى، فتبطل الصلاة بذلك، و كذلك إذا تكلم بحرف واحد و أشبع حركته حتى حصل منها حرف آخر، و حتى إذا تكلم بحرف واحد على الأحوط إذا كان مفهما للمعنى، مثل (ق) فإنه فعل أمر من الوقاية فإذا تكلم به عامدا و هو ملتفت الى معناه بطلت صلاته على الأحوط، و كذلك إذا نطق عامدا بحرفين مفردين من غير تركيب، فتبطل الصلاة بذلك على الأحوط بل لا يخلو من قوة.

المسألة 675

التنحنح و النفخ انما هي أصوات تشبه الحروف، و ليست كلاما و لا حروفا، فلا تبطل الصلاة إذا تنحنح المكلف أو نفخ في أثناء صلاته، و لا يجب عليه سجود السهو إذا فعل ذلك ساهيا، و يشكل الحكم في التأوه و الأنين إذا حدث منهما حرفان، فلا يترك مع ذلك الاحتياط بإعادة الصلاة بعد إتمامها، و لا شي ء عليه إذا حدث منه حرف واحد.

المسألة 676

لا مانع من صدور كلمة (آه) في الصلاة بقصد الشكوى الى اللّه سواء كانت في ضمن دعاء أم في غيره، و سواء ذكر المتعلق فقال (آه من ذنوبي، أو من سوء عملي) أم لم يذكر و سواء كانت لسبب أخروي أم دنيوي، و إذا قالها المصلي لغير ذلك عامدا أبطلت الصلاة.

المسألة 677

إذا مد حرف المد أو حرف اللين في قراءته أو في ذكره حتى زاد فيه مقدار حرف أو أكثر لم تبطل صلاته بذلك و لم تبطل قراءته و لا ذكره، إلا إذا خرجت الكلمة بطول المد فيها عن كونها كلمة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 476

المسألة 678

لا فرق في بطلان الصلاة بالتكلم في أثنائها عامدا بين أن يكون مختارا في ذلك، أو مضطرا فيه أو مكرها عليه، و لا بين أن يكون مخاطبا لأحد أم لا.

المسألة 679

لا تبطل الصلاة إذا تكلم في أثنائها ساهيا أو تكلم باعتقاد انه قد فرغ من صلاته ثم تذكر أنه لم يفرغ بعد منها، و عليه سجود السهو بعد التسليم من الصلاة.

المسألة 680

لا ينافي الصلاة إن يأتي في أثنائها ببعض الأذكار أو الدعاء أو قراءة القرآن، غير أذكار الصلاة و دعائها و قراءتها، فلا تبطل الصلاة بذلك، إلا إذا كان الدعاء بالمحرم، و منه الدعاء على مؤمن ظلما، فلا يجوز ذلك، بل الأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها، و الا إذا كانت القراءة بالآيات التي توجب السجود و هو في صلاة فريضة.

المسألة 681

إذا دعا المصلي على أحد في صلاته و هو يعتقد أنه كافر، ثم علم أنه مؤمن لم تبطل صلاته بذلك.

المسألة 682

انما يكون ما يأتي به قرآنا و غير مناف للصلاة إذا تلاه بقصد القرآنية، فإذا قرأ المصلي الآية أو الآيات و قصد بها غير القرآن لم تكن منه و كانت الصلاة باطلة، و كذلك إذا قرأها و هو لا يعلم أنها قرآن، و مثله الذكر، فلا بد و أن يكون الإتيان به بقصد الذكر.

المسألة 683

إذا أتى المكلف بالذكر في صلاته لا بقصد الذكر، بل بقصد أن ينبه الغير على شي ء، كان مبطلا للصلاة، و إذا قصد به الذكر و لكنه رفع صوته به بقصد التنبيه لم تبطل صلاته، و كذلك إذا قصد به الذكر،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 477

و كان الداعي له إلى الإتيان بالذكر هو تنبيه الغير، و مثله الحكم في آية القرآن، و مثال ذلك أن يجهر الإمام في قراءته في موضع الإخفات فيقرأ المأموم قوله تعالى (وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ) لينبهه على ذلك.

المسألة 684

يشكل جواز الدعاء في الصلاة إذا كان المخاطب به غير اللّه سبحانه، كما إذا قال المصلي لأحد (غفر اللّه لك)، و الأحوط تركه.

المسألة 685

يجوز للمصلي أن يكرر الذكر أو القراءة عمدا إذا لم يكن ذلك بقصد الجزئية، بل كان بقصد مطلق الذكر و مطلق القراءة في الصلاة أو بقصد الاحتياط إذا احتمل أنه أخل بها في القراءة الأولى، و لا يجوز التكرار إذا كان من باب الوسوسة، و إذا أعادها للوسوسة، فالأحوط إعادة الصلاة.

المسألة 686

لا يجوز للمصلي أن يبتدئ غيره بالسلام أو بتحية أخرى، كقوله صبحك اللّه بالخير و نحوه، و كذلك إذا قصد به الدعاء، فقد تقدم الإشكال في الدعاء مع مخاطبة الغير به فالأحوط تركه.

المسألة 687

إذا سلم أحد على الإنسان و هو في صلاته بقصد التحية، وجب على المصلي رد السلام و إذا ترك الرد و استمر في صلاته عصى بتركه و أثم و لم تبطل صلاته على الأقوى.

المسألة 688

إذا سلم أحد على المصلي وجب أن يكون الرد منه بمثل ما سلم، فإذا قال: سلام عليكم، وجب أن يكون جوابه مثل قوله: سلام عليكم، بل و لا يترك الاحتياط في أن يكون الجواب مثل السلام في التعريف و التنكير و في الجمع و الافراد، فإذا قال: السلام عليكم، وجب أن يقول في جوابه السلام عليكم، و لا يكفي أن يقول سلام عليكم أو السلام عليك، و إذا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 478

قال: السلام عليك، فجوابه مثل قوله: السلام عليك و إذا أتى بلفظ السلام منكرا، فالجواب مثله.

و في غير حال الصلاة يستحب أن يكون الرد بالأحسن، فإذا قال المسلم: سلام عليكم استحب أن يقول في الجواب عليكم السلام، و أفضل من ذلك أن يضم إليها و رحمة اللّه و بركاته.

المسألة 689

إذا قرأ المصلي في جواب السلام آية من القرآن، مثل قوله تعالى:

سَلٰامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ، أو سَلٰامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي، و قصد بها القرآنية أشكل الحكم بكفايتها في رد التحية، فلعل قصد القرآنية ينافي التحية، فلا تتأدى بها وظيفة رد السلام.

المسألة 690

إذا قال المسلم: عليكم السلام، فلا بد و أن يكون الرد عليه من المصلي بمثل قوله، فيقول أيضا: عليكم السلام، لأنه تحية ترد بمثلها، و إذا سلم على المصلي بالملحون، وجب أن يكون الجواب من المصلي صحيحا، و لا يجوز بالملحون على الأحوط، و أما أن يقول في الجواب: سلام عليكم بقصد القرآنية أو بقصد الدعاء فقد تقدم الاشكال فيهما، فلا يكفيان في كلا الفرضين.

و إذا قال: سلام، بدون عليكم، وجب أن يكون الرد من المصلي بمثل قوله، فيقول: سلام و يقدر عليكم.

المسألة 691

إذا كان المسلم على المصلي صبيا مميزا أو امرأة أجنبية، فالأقوى وجوب الرد، و أن يكون الرد بمثله، و كذلك إذا سلم الرجل على امرأة أجنبية في صلاتها، فيجب عليها الرد بمثله.

المسألة 692

إذا سلم أحد على جماعة و فيهم من يصلي، جاز للمصلي منهم ان

كلمة التقوى، ج 1، ص: 479

يرد السلام، و إذا رد عليه غيره، فالأحوط أن لا يرد المصلي، و ان كان الراد صبيا مميزا.

المسألة 693

إذا سلم أحد على جماعة، و شك الإنسان في أنه ممن قصد بالسلام أم لا، لم يجب عليه الجواب، و لم يجز له الرد إذا كان في الصلاة.

المسألة 694

إذا سلم أحد على المصلي مرات متعددة، فلا يترك الاحتياط بالتكرار في الجواب، إلا إذا خرج السلام بسبب التكرار عن صدق التحية، فلا يجب الجواب بعد ذلك.

المسألة 695

يجب الفور في رد السلام، فإذا أخره المكلف حتى خرج عن صدق الجواب عليه سقط وجوبه بعد ذلك، و أثم بالتأخير إذا كان متعمدا، و إذا كان في الصلاة لم يجز له أن يأتي به بعد ذلك و إذا أتى به بطلت صلاته.

و إذا شك في خروجه عن صدق الجواب عليه أتى به إذا كان في غير الصلاة، و إذا كان في الصلاة فلا يترك الاحتياط بالرد و اعادة الصلاة بعد إتمامها.

المسألة 696

يجب على المكلف إسماع رد السلام سواء كان في حال الصلاة أم في غيرها، إلا إذا كان المسلم أصم، أو كان بعيدا و لو بسبب مشيه سريعا و نحو ذلك، فيكفي أن يكون الجواب على النحو المتعارف بحيث يسمعه لو كان صحيح السمع أو كان قريبا، و الأحوط تنبيهه للجواب مع الإمكان بإشارة و نحوها.

المسألة 697

إذا كانت التحية بغير لفظ السلام كقول صبحك اللّه بالخير، و نحوه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 480

فالظاهر عدم وجوب الرد و ان كان الأحوط ذلك، و لا تجوز مراعاة هذا الاحتياط إذا كان في الصلاة.

المسألة 698

إذا لم يدر المصلي أن المسلم سلم عليه بأي صيغة ليرد عليه بمثلها، فالأحوط له أن يحييه بقوله سلام عليكم بقصد التحية ثم يعيد الصلاة بعد إتمامها.

المسألة 699

يكره السلام على الإنسان في حال صلاته.

المسألة 700

إذا سلم أحد على جماعة وجب عليهم رد تحيته وجوبا كفائيا، فإذا ردها أحدهم كفى ذلك في أداء الواجب و سقط وجوب الرد عن الباقين و ان كان الراد صبيا مميزا، و يستحب للباقين الرد إذا كانوا في غير الصلاة، و الأحوط أن لا يرد المصلي السلام إذا رد غيره من المقصودين بالتحية كما سبق في المسألة الستمائة و الثانية و التسعين. و لا يسقط الوجوب عنهم إذا رد السلام غيرهم.

المسألة 701

يستحب الابتداء بالسلام استحبابا مؤكدا، و هذا الحكم عام للمفرد و الجماعة، سواء كان السلام على مفرد أم على جماعة، و تتأدى الوظيفة بأن يسلم واحد من الجماعة عند الالتقاء بأحد أو عند المرور به أو الدخول عليه، و يجوز للباقين بل يستحب لهم أن يسلموا عليه أيضا أو يسلم بعضهم، و يجب عليه الرد على كل من سلم منهم، و لا يكفي أن يرد تحية بعضهم إذا سلم غيره.

المسألة 702

يجوز للرجل أن يسلم على المرأة الأجنبية عنه، و يجوز لها أن تسلم عليه ما لم يكن خوف فتنة أو ريبة أو تلذذ محرم.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 481

المسألة 703

يجب على المسلم أن يرد تحية الكافر إذا سلم عليه، و الأحوط أن يكون الرد بقول سلام، أو يقول: عليك.

المسألة 704

يتأكد الاستحباب في أن يبدأ الراكب بالسلام على الماشي، و أن يسلم أصحاب الخيل على أصحاب البغال، و أصحاب البغال على أصحاب الحمير، و أن يسلم القائم على الجالس، و الجماعة القليلة على الجماعة الكثيرة، و الصغير على الكبير، و لا يمنع هذا التأكد في الاستحباب من العكس، فيستحب للماشي أن يسلم على الراكب و كذلك في الباقي و لكن تأكد الاستحباب في ما تقدم.

المسألة 705

إذا سلم رجل على أحد الشخصين، و لم يعلما أيهما قصد بتحيته، لم يجب عليهما الرد، و الأحوط استحبابا أن يرد كل واحد منهما على تحيته إذا كانا في غير الصلاة، و لا تجوز مراعاة هذا الاحتياط في حال الصلاة.

المسألة 706

إذا سلم كل من الرجلين على الآخر في وقت واحد، وجب على كل واحد منهما رد السلام على صاحبه و لم يكفه سلامه عن الجواب.

المسألة 707

رد السلام ليس تحية مبتدأة فلا يجب ردها، فإذا اعتقد الرجل مخطئا أن صاحبه سلم عليه فرد عليه السلام لم يجب على صاحبه أن يرد عليه و ان كان أحوط و إذا اعتقد كل من الرجلين أن الآخر قد سلم عليه فردا السلام معا و كانا مخطئين لم يجب عليهما رد ذلك و ان كان الرد أحوط.

المسألة 708

لا يجب رد السلام إذا كان سخرية أو مزاحا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 482

المسألة 709

يجب رد السلام على الخطيب و الواعظ و أمثالهما إذا ابتدأ بالتحية، و يكفي الرد من بعض المستمعين، و لا يسقط وجوب الرد عن المكلف حتى يعلم أن بعض المقصودين بالتحية قد أجاب، فإذا شك في ذلك وجب عليه الرد.

المسألة 710

يستحب لمن عطس و ان كان في الصلاة أن يضع إصبعه على أنفه و يقول: الحمد للّه و صلى اللّه على النبي و آله، و يستحب ذلك لمن سمع عطسة غيره أيضا، و يستحب تسميت العاطس فيقول له: يرحمك اللّه أو يرحمكم اللّه، و يقول العاطس في جوابه يغفر اللّه لك أو يغفر اللّه لكم و يرحمكم، و الأحوط أن لا يسمت العاطس إذا كان في الصلاة، و لا يجوز للعاطس أن يرد التسميت و هو في الصلاة.

المسألة 711

إذا تكلم الإنسان في صلاته خوفا من ظالم أو دفعا لضرر عن نفسه أو لبعض المسوغات الأخرى لم يأثم في فعله و بطلت صلاته.

المسألة 712

(الخامس) من منافيات الصلاة: تعمد القهقهة، و المراد بها الضحك المشتمل على الصوت و الترجيح، و يلحق بها الضحك المشتمل على الصوت و ان لم يكن معه ترجيع على الأحوط، و بحكم العمد ما إذا قهقه مضطرا أو مقسورا، فتبطل الصلاة بجميع ذلك.

و لا تبطل الصلاة بالتبسم و ان كان عامدا، و لا بالقهقهة سهوا إذا لم تكن ماحية لصورة الصلاة، و إذا محت صورة الصلاة جرى فيها الاحتياط المتقدم في المسألة الستمائة و الحادية و السبعين، و لا تبطل الصلاة إذا امتلأ جوفه ضحكا حتى أحمر وجهه و لم يظهر له صوت إلا إذا كان ماحيا لصورة الصلاة.

المسألة 713

(السادس): تعمد البكاء لشي ء من أمور الدنيا، أو لذكر ميت،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 483

سواء كان البكاء مشتملا على صوت أم لا، على الأحوط في الثاني، فتبطل الصلاة إذا تعمد البكاء لذلك، و بحكم التعمد ما إذا بكى مضطرا أو مقسورا، و لا يبطلها إذا وقع سهوا.

و أما البكاء في الصلاة خوفا من اللّه أو عبودية له أو شوقا اليه أو رغبة في ما عنده أو نحو ذلك فهو من موجبات القرب من اللّه سبحانه و العلو في المنزلة لديه.

و لا بأس بالبكاء في الصلاة إذا كان تذللا للّه تعالى و توسلا اليه ليقضي له حاجة دنيوية أو ليدفع عنه بلاء أو مكروها دنيويا.

المسألة 714

لا ينبغي الريب في جواز البكاء على الحسين (ع) أو على أحد المعصومين (ع) في الصلاة إذا كان البكاء عليهم لرجحانه شرعا أو للتوسل بهم و بالبكاء عليهم لقبول العمل و النجاة في الآخرة نعم، الأحوط تركه في الصلاة إذا كان لمحض الرقة و الظلامة الإنسانية، و ما يشبه ذلك.

المسألة 715

(السابع): الأكل و الشرب الماحيان لصورة الصلاة، سواء كانا قليلين أم كثيرين فيجري فيهما الكلام المتقدم في الفعل الماحي لصورة الصلاة، فتبطل الصلاة بهما مع العمد، و يجري الاحتياط المتقدم مع السهو، فيتم الصلاة ثم يعيدها كما ذكرنا في المسألة الستمائة و الحادية و السبعين.

المسألة 716

لا تبطل الصلاة بابتلاع بقية طعام موجودة في الفم أو بين الأسنان، و لا يبطلها وضع قليل من السكر و نحوه في الفم فيذوب شيئا فشيئا و يدخل مع الريق قليلا قليلا.

المسألة 717

وردت الرخصة لمن كان في صلاة الوتر و هو يريد صوم ذلك اليوم و خاف أن يفاجئه الفجر قبل فراغه من الوتر و هو عطشان فيجوز له

كلمة التقوى، ج 1، ص: 484

أن يتقدم نحو الماء إذا كان قريبا منه و يشرب منه كفايته، ثم يعود في صلاته و دعائه و لا يبطل ذلك صلاته إذا لم يأت بشي ء ينافي الصلاة من استدبار القبلة أو حركة ماحية لصورة الصلاة أو نحو ذلك.

و الأحوط أن يقتصر في ذلك على الوتر المندوب، فلا يعم الوتر المنذورة، و لا يعم غير الوتر من النوافل و لا يلحق الأكل و غيره من المنافيات بشرب الماء نعم لا يختص الحكم بحال الدعاء في الوتر بل يعم جميع الحالات فيها.

المسألة 718

(الثامن) من منافيات الصلاة: التكفير، و هو وضع احدى اليدين على الأخرى، و الظاهر أن حرمة التكفير في الصلاة إنما هي حرمة تشريعية، لا نفسية، و انما تبطل الصلاة به إذا أتى به بقصد الجزئية للصلاة، أو قيد به امتثاله لأمر الصلاة، و إذا لم يكن على أحد النحوين لم تبطل به الصلاة و ان كان مأثوما بفعله، و لذلك فلا يختص التحريم بالنحو الذي يصنعه غيرنا، بل المدار على قصد التشريع به في أي نحو كان.

المسألة 719

لا تبطل الصلاة إذا كفر فيها ساهيا، و ان كان الأحوط الإعادة معه في جميع الصور المتقدمة و لا تبطل الصلاة إذا وضع احدى اليدين على الأخرى لغرض آخر كحك الجسد و نحو ذلك.

المسألة 720

إذا اقتضت التقية أن يكفر في صلاته، بحيث لا تتأدى التقية إلا به لزمه أن يكفر فيها و أجزأته صلاته، و إذا ترك التكفير في هذه الحال ففي صحة صلاته أشكال، و الأحوط الإعادة بل لا تخلو من قوة إذا كان ملتفتا.

المسألة 721

(التاسع) قول آمين بعد قراءة الفاتحة في الصلاة، و حرمة التأمين

كلمة التقوى، ج 1، ص: 485

تشريعية لا نفسية، كما ذكرناه في التكفير، و انما تبطل به الصلاة إذا أتى به المكلف بقصد الجزئية للصلاة أو قيد به امتثاله لأمر الصلاة فتبطل به الصلاة حين ذاك كما في التكفير و الأحوط اجتنابه مطلقا.

المسألة 722

لا تبطل الصلاة بقول آمين بقصد الدعاء في القنوت أو الركوع أو السجود مثلا، و لا تبطل بقول آمين بعد الفاتحة إذا كان ساهيا أو اقتضته التقية.

المسألة 723

إذا اقتضت التقية أن يقول آمين بعد الفاتحة بحيث لا تتأدى إلا به، لزمه ذلك و أجزأته صلاته كما قلنا، و إذا ترك التأمين في حال التقية فإن كان ملتفتا فالأحوط إعادة الصلاة و خصوصا مع خوف الضرر على النفس، و ان كان غافلا صحت صلاته.

المسألة 724

(العاشر) من منافيات الصلاة: أن يزيد المكلف في صلاته جزءا أو ينقصه عامدا فتبطل صلاته للزيادة أو النقيصة العمديتين، أو يزيد فيها ركنا أو ينقصه عامدا أو ساهيا فتبطل صلاته للإخلال بالركن، و سيأتي تفصيل الكلام في ذلك في مبحث الخلل الواقع في الصلاة.

المسألة 725

(الحادي عشر): أن يعرض له أحد الشكوك التي يحكم معها ببطلان الصلاة كالشك في ركعات الصلاة الثنائية أو الثلاثية، و في الأولتين من الرباعية، و سيأتي في فصل الشك في الركعات بيان ما هو المبطل منها و تفصيل القول فيه.

المسألة 726

إذا أتم الإنسان صلاته و شك بعد التسليم: هل أحدث في صلاته أو هل عرض له فيها أحد ما يوجب بطلانها أم لا، حكم بصحة الصلاة و عدم عروض المبطل.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 486

المسألة 727

إذا علم بأنه قد نام عامدا، و لكنه شك هل كان نومه في أثناء الصلاة أم بعد أن أتمها، فإن علم أن نومه كان بعد بنائه على الفراغ من الصلاة حكم بصحة صلاته، و ان لم يعلم بذلك، وجبت عليه إعادة الصلاة.

و كذلك إذا علم بأن النوم قد غلبه قهرا، و لم يعلم أنه بعد الصلاة أو في أثنائها، أو وجد نفسه نائما في السجدة، و شك في أنها السجدة الأخيرة من الصلاة أو هي سجدة الشكر، فعليه إعادة الصلاة، في الفروض الثلاثة.

المسألة 728

لا يجوز للإنسان أن يقطع صلاة الفريضة من غير سبب يوجب ذلك، و يجوز إذا اقتضته ضرورة دينية أو دنيوية كحفظ نفسه أو حفظ نفس محترمة أو حفظ عرض أو مال أو إمساك دابة شاردة أو عبد أبق أو غريم هارب، بل يجوز قطعها على الأقوى لأي غرض مهم راجح سواء كان دينيا أم دنيويا، فيجوز قطع الصلاة لإزالة النجاسة عن المسجد مثلا مع سعة الوقت إذا رآها في أثناء الصلاة أو رأى من يساعده على إزالتها.

و قد تقدم استحباب قطع الفريضة إذا نسي الأذان و الإقامة و تذكرهما قبل الدخول في الركوع، و استحباب قطعها إذا شرع فيها ثم حضرت صلاة الجماعة.

المسألة 729

يجوز قطع النافلة و ان كانت منذورة إلا إذا تضيق وقت الوفاء بالنذر، كما إذا نذر أن يأتي بصلاة جعفر مثلا قبل الزوال من يوم الجمعة، أو نذر صلاة الوتر قبل طلوع الفجر من ليلة الجمعة، فلا يجوز له قطعها عند تضيق وقتها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 487

المسألة 730

إذا وجب على المكلف قطع الصلاة فلم يقطعها و أتم صلاته، فالظاهر صحة الصلاة و ان أثم بترك الواجب الذي وجب له قطع الصلاة.

المسألة 731

يكره أن يلتفت المصلي بوجهه عن القبلة و لو قليلا كما بيناه في أول هذا الفصل أو يلتفت ببصره، و أن يعبث بلحيته أو برأسه أو بيده، أو بشي ء من أعضائه، و أن يفرقع أصابعه، و أن يتمطى، أو يتثاءب، أو يبصق، أو يمتخط، و أن يئن في صلاته أو يتأوه، أو ينفخ موضع سجوده أو يشبك أصابعه، أو يغمض عينيه، أو يحدث نفسه.

المسألة 732

يكره للإنسان أن يدخل في الصلاة و هو يدافع البول أو الغائط أو الريح، و أن يقوم إلى الصلاة متكاسلا أو متناعسا أو متثاقلا، و أن يقرن بين قدميه في حال قيامه كالمقيدتين و أن يتورك فيضع يديه على وركيه حال القيام، و أن ينظر في نقش خاتم أو في مصحف أو كتاب، و في حكم ذلك أن ينظر في زخارف المكان الذي يصلي فيه، و أن ينصت في أثناء صلاته ليسمع قول القائل.

المسألة 733

يكره القرآن في صلاة الفريضة، و هو أن يقرأ سورتين أو أكثر في الركعة الواحدة منها، و قد ذكرنا ذلك في المسألة الأربعمائة و الثلاثين.

المسألة 734

تستحب الصلاة على النبي (ص) عند ذكره أو سماع ذكره، سواء كان الذاكر أو السامع في الصلاة أم في غيرها، و سواء ذكر بأحد أسمائه أو ألقابه أو كناه الشريفة (ص)، و في الصحيح عن أبي جعفر (ع):

و صل على النبي (ص) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره.

المسألة 735

يستحب تكرار الصلاة عليه مهما تكرر ذكره (ص)، فإذا سمع ذكره و هو في التشهد صلى عليه و لم يكتف بالصلاة الواجبة في التشهد.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 488

المسألة 736

الظاهر ان الاستحباب فيها على الفور، فلا يجعل بين ذكره و الصلاة عليه فصلا طويلا، و لا تعتبر في الصلاة عليه صيغة خاصة، فيكفي أن يقول: اللهم صل عليه، أو صلوات اللّه عليه، أو صلى اللّه عليه، أو غير ذلك من الصيغ، و لا بد من أن يضيف إله إليه في الصلاة عليه.

صلوات اللّه عليهم أجمعين.

الفصل الثلاثون في الخلل الواقع في الصلاة
المسألة 737

إذا أخل الإنسان بشي ء من واجبات الصلاة أو شرائطها عامدا بطلت صلاته، سواء كان الواجب أو الشرط الذي أخل به ركنا أم غير ركن، و سواء كان فعلا أم قولا أم وصفا، كالجهر و الإخفات و الطمأنينة، و الاستقلال و الترتيب و الموالاة، حتى إذا أخل بحرف أو كلمة أو حركة من القراءة أو الذكر، أو بالموالاة بين حروف الكلمات أو بين الكلمات نفسها على الوجه الذي تقدم إيضاحه في مواضعه.

و المراد بالإخلال في هذه المسألة أن ينقص الشي ء أو ينقص شرطه أو ينقص وصفا أو كيفية تجب فيه، فإذا فعل ذلك عامدا بطلت صلاته، و بحكمه ما إذا فاتت الموالاة أو الترتيب سهوا و أمكن للمكلف تدارك الخلل بتكرار الفعل فلم يتداركه عامدا.

المسألة 738

إذا زاد في صلاته جزءا عامدا بطلت صلاته، سواء كان الجزء الذي زاده ركنا أم واجبا غير ركن، و سواء كان قولا أم فعلا، و سواء كان موافقا لاجزاء الصلاة في الصورة، كسجدة ثالثة أو ركوع ثان أم مخالفا لها، كالتكفير و التأمين إذا قصد بهما الجزئية للصلاة، و سواء قصد الإتيان به في ابتداء النية، أم في الأثناء.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 489

المسألة 739

انما تتحقق الزيادة إذا قصد بالشي ء الجزئية للصلاة، فلا يضر بالصلاة ما يأتي به من الأفعال المباحة لا بقصد الجزئية، كحك الجسد، و حركة اليد، و مسح الوجه، إلا إذا كان ماحيا لصورة الصلاة، و لا تضربها القراءة و الذكر و الدعاء، التي يأتي بها بقصد مطلق القراءة و الذكر و الدعاء لا بقصد الجزئية.

المسألة 740

لا تبطل الصلاة بزيادة الأجزاء المستحبة كالقنوت، و لا بنقيصتها، إلا إذا أوجبت خللا في نية القربة، و مثال ذلك أن يقيد امتثاله بصلاة ذات قنوتين، أو بصلاة لم يشرع فيها القنوت فتبطل الصلاة بذلك.

المسألة 741

إذا أخل الإنسان بشرط ركن من شرائط الصلاة، و هو جاهل بالحكم، فترك الطهارة من الحدث فيها، أو صلى قبل دخول الوقت بطلت صلاته، و كذلك إذا أخل بالقبلة فصلى مستدبرا للقبلة، أو منحرفا عنها الى اليمين أو اليسار، أو انحرف بجميع بدنه عنها بحيث لا يعد مستقبلا، و أن لم يبلغ محض اليمين أو اليسار، أو انحرف بوجهه عن القبلة بحيث لا يعد مستقبلا بوجهه و أوقع بعض أفعال الصلاة في حال انحرافه، فتبطل صلاته في جميع هذه الفروض كما في العامد.

و تبطل صلاته كذلك إذا ترك ركعة تامة، أو ترك ركوعا أو ركنا آخر من أركان الصلاة، و تبطل صلاته إذا زاد ركنا من أركانها كالركوع، فحكم الجاهل بالحكم في جميع ما ذكر حكم العامد. و إذا أخل الجاهل بالحكم بشي ء من باقي شروط الصلاة أو أجزائها غير الركنية، فزاد شيئا منها أو نقص، فالظاهر أن حكمه حكم الساهي، إلا إذا كان جاهلا مترددا في صحة العمل و فساده فالظاهر اجراء حكم العامد عليه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 490

المسألة 742

إذا ترك الإنسان الطهارة من الحدث و صلى ساهيا عن ذلك أو صلى ساهيا بغسل أو وضوء أو تيمم باطل، لنقصان بعض أجزائه أو شرائطه، كانت صلاته باطلة، سواء تذكر ذلك في أثناء الصلاة أم بعد الفراغ منها.

المسألة 743

إذا أخل بالوقت ساهيا فصلى قبل دخوله بطلت صلاته، و كذلك إذا أخل بالقبلة سهوا، فصلى مستدبرا للقبلة أو كانت القبلة إلى يمينه أو يساره فتبطل صلاته.

المسألة 744

إذا صلى ساهيا مع نجاسة ثوبه أو بدنه، أو صلى معها و هو جاهل بموضوع النجاسة أو بحكم الصلاة فيها، ففي صحة صلاته و عدمها تفصيل ذكرناه في المسألة المائة و الثامنة و الخمسين و ما يتلوها من المسائل من كتاب الطهارة فلتراجع.

المسألة 745

إذا أخل المكلف بستر عورته ساهيا فلم يسترها و لم يلتفت حتى أتم الصلاة صحت صلاته، و تراجع المسألة المائة و الرابعة و ما قبلها و ما بعدها من كتاب الصلاة في الفروض التي تتعلق بذلك، و إذا أخل بشرائط الساتر، فان صلى في غير المأكول ساهيا فالظاهر بطلان صلاته، و إذا صلى في الحرير أو الذهب و نحوهما ساهيا فالظاهر صحتها.

المسألة 746

إذا أخل بشرائط المكان في صلاته ساهيا، فالظاهر عدم بطلانها بذلك، من غير فرق بين اباحة المكان و غيرها، نعم إذا صلى في المكان المغصوب ناسيا لغصبيته، و كان المصلي هو الغاصب نفسه و كان ممن لا يبالي على تقدير تذكره، فالظاهر بطلان صلاته و ان كان ناسيا، و كذلك الحكم في اللباس المغصوب.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 491

المسألة 747

لا تبطل صلاة المكلف إذا سجد على ما لا يصح السجود عليه ساهيا، سواء كان ذلك لنجاسته، أم لكونه من غير الأرض أو نباتها، أم لكونه مما يؤكل أو يلبس عادة، أم لكونه أرفع أو أخفض من موقفه بأكثر مما يجوز، و كل ذلك إذا لم يتذكر حتى فات موضع تداركه، و إذا تذكره بعد رفع رأسه من السجود، فالأحوط المضي في صلاته ثم اعادتها.

المسألة 748

إذا زاد الإنسان في صلاته ركوعا ساهيا بطلت صلاته، و يشكل الحكم إذا زاد سجدتين في ركعة واحدة ساهيا، أو زاد تكبيرة الإحرام، فلا يترك الاحتياط في هذين الفرضين بأن يتم صلاته ثم يعيدها.

و يستثنى من ذلك ما إذا زاد الركوع أو السجدتين للمتابعة في صلاة الجماعة، و مثال ذلك ما إذا كان مأموما و رفع رأسه قبل الإمام في ركوعه أو سجوده ساهيا، ثم علم ان الامام لا يزال راكعا أو لا يزال ساجدا، فإنه يعود الى الركوع أو السجود، و لا تضره زيادة الركوع أو زيادة السجود، و سيأتي بيان ذلك في أحكام الجماعة.

المسألة 749

إذا زاد الإنسان في صلاته ركعة تامة ساهيا بطلت صلاته، سواء تشهد بعد الركعة الرابعة ثم قام إلى الخامسة، أو جلس بعدها بمقدار التشهد ثم قام، أم لم يجلس بعدها و لم يتشهد، فتبطل صلاته في جميع الفروض على الأقوى.

و ان كان الأحوط استحبابا إذا كان قد تشهد في الرابعة أن يرفع اليد عن زيادة الركعة فيجلس بعد الخامسة، و يسلم من غير تشهد، و إذا كان قد جلس فيها بمقدار التشهد أن يفعل كذلك فيجلس بعد الخامسة و يتشهد و يسلم، ثم يعيد الصلاة في الصورتين.

المسألة 750

تقدم في المسألة الثلاثمائة و الخامسة و التسعين: ان زيادة القيام

كلمة التقوى، ج 1، ص: 492

المتصل بالركوع لا تتحقق إلا بزيادة الركوع معه، و أن زيادة القيام حال تكبيرة الإحرام لا تتحقق كذلك إلا بزيادة تكبيرة الإحرام معه، و تقدم في أول الفصل الخامس عشر أن النية ركن في الصلاة و لكن الزيادة لا تتصور فيها.

المسألة 751

إذا نسي المكلف أنه مسافر أو نسي أن حكمه هو القصر في الصلاة فأتم صلاته، فان هو لم يتذكر حتى خرج الوقت صحت صلاته و لم يجب عليه قضاؤها، و هو مستثنى من الحكم المتقدم ببطلان الصلاة بزيادة الركعة. و إذا تذكر في الوقت وجبت عليه إعادة الصلاة، فإن هو لم يعدها في الوقت وجب عليه قضاؤها، و سيأتي ذلك في أحكام صلاة المسافر.

المسألة 752

إذا زاد الإنسان في صلاته جزءا غير ركن ساهيا لم تبطل صلاته بذلك، كما إذا زاد فيها سجدة، أو تشهدا، أو قراءة، أو ذكرا، و لا يجب عليه سجود السهو إلا إذا كان من الموارد الخاصة التي يجب السجود لها، و سيأتي بيانها في فصل سجود السهو.

المسألة 753

إذا ترك الركوع سهوا و لم يتذكر حتى دخل في السجدة الثانية من الركعة بطلت صلاته، و إذا تذكره و هو في السجدة الأولى أو بين السجدتين، رفع يده عن السجدة الزائدة و قام و أتى بالركوع عن قيام و أتم صلاته و لا شي ء عليه.

المسألة 754

إذا نسي السجدتين من ركعة واحدة، و لم يتذكرهما حتى دخل في ركوع الركعة التي بعدها بطلت صلاته، و إذا تذكرهما في حال القيام أو في حال القراءة و قبل الركوع، رفع اليد عن القيام و القراءة و أتى بالسجدتين، ثم قام و قرأ أو سبح و أتم صلاته، ثم سجد للسهو للقيام الزائد إذا تلبس معه بقراءة أو بتسبيح.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 493

المسألة 755

إذا نسي السجدتين من الركعة الأخيرة و تشهد و سلم و فعل ما ينافي الصلاة عمدا و سهوا من حدث أو استدبار للقبلة، ثم تذكر نقص السجدتين بطلت صلاته، و إذا تذكرهما بعد ما سلم و قبل أن يأتي بالمبطل، فلا يترك الاحتياط بأن يأتي بالسجدتين و بالتشهد بعدهما و التسليم ثم يسجد للسهو لاحتمال زيادة التسليم في غير موضعه، ثم يعيد الصلاة، و إذا تذكرهما قبل أن يأتي بالتسليم أتى بالسجدتين و بالتشهد و التسليم بعدهما و صحت صلاته.

المسألة 756

إذا ترك النية أو ترك تكبيرة الإحرام ساهيا أو ناسيا بطلت صلاته، و كذلك الحكم إذا ترك القيام حال تكبيرة الإحرام أو نسي القيام المتصل بالركوع فتبطل صلاته لنقصان الركن.

المسألة 757

إذا نسي ركعة من صلاته، فان تذكرها بعد التشهد و قبل التسليم وجب عليه أن يأتي بالركعة و يتم صلاته، و إذا تذكر الركعة بعد التسليم و قبل أن يأتي بما يبطل الصلاة عمدا و سهوا من حدث أو استدبار، قام و أتى بالركعة و أتم الصلاة، ثم سجد للسهو للسلام في غير موضعه، و إذا تذكرها بعد أن سلم و أتي بالمبطل بطلت صلاته و عليه اعادتها، سواء كانت الصلاة رباعية أم غيرها، و كذلك الحكم إذا نسي أكثر من ركعة.

المسألة 758

إذا نسي التسليم في الصلاة و لم يتذكر حتى أتى بما يبطل الصلاة عمدا و سهوا، فالأحوط ان لم يكن أقوى أن يأتي بالتسليم ثم يعيد الصلاة.

المسألة 759

إذا نسي الإنسان جزءا غير ركن من أجزاء الصلاة و تذكره قبل أن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 494

يفوت موضع تداركه، وجب عليه أن يعود فيتدارك ذلك الجزء المنسي، ثم يأتي بما بعده من الأجزاء و الأذكار ليحصل الترتيب و لا يعتد بما أتى به منها قبل أن يتدارك ذلك الجزء ثم يتم صلاته.

فإذا نسي سجدة واحدة أو تشهدا و تذكرهما بعد القيام للركعة اللاحقة و قبل الدخول في ركوعها، وجب عليه أن يعود فيأتي بالسجدة أو التشهد المنسي، ثم يقوم و يتم صلاته ثم يسجد للسهو للقيام إذا تلبس معه بقراءة أو تسبيح، و إذا لم يتلبس بهما فلا سجود عليه.

المسألة 760

إذا نسي جزءا غير ركن و تذكره بعد أن فات موضع تداركه مضى في صلاته، فإذا أتمها وجب عليه قضاء الجزء المنسي إذا كان سجدة واحدة، و كذلك إذا كان تشهدا على الأحوط، و أتى بسجود السهو لهما، و لا يجب قضاء غير السجدة و التشهد من الأجزاء المنسية و لا سجود السهو لها.

المسألة 761

يفوت محل تدارك الجزء المنسي في الصلاة لأحد أمرين:

(الأول): إذا لم يتذكر المكلف انه ترك الجزء حتى دخل في ركن بعده، و مثال ذلك أن ينسى القراءة في الأولتين أو ينسى التسبيح في الأخيرتين، أو ينسى بعضهما، أو اعرابهما أو الترتيب فيهما، أو ينسى القيام فيهما أو الطمأنينة، ثم لا يتذكر ذلك الا بعد الدخول في الركوع فيجب عليه إتمام الصلاة و لا شي ء عليه.

و من أمثلة ذلك أن ينسى السجدة الواحدة أو ينسى التشهد و لا يتذكر الا بعد الدخول في الركوع من الركعة اللاحقة، و قد تقدم ذكر هذا الفرض و بيان حكمه في المسألة المتقدمة.

المسألة 762

إذا نسي القراءة أو التسبيح أو نسي بعضهما أو اعرابهما أو الترتيب فيهما، و تذكر قبل الدخول في الركوع لم يفت محل التدارك،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 495

فيجب عليه أن يرجع و يأتي بما نسيه منها، و أن يأتي بما بعده ليحصل الترتيب، و لا شي ء عليه غير ذلك.

المسألة 763

إذا نسي القيام أو الطمأنينة في حال القراءة أو التسبيح و تذكرهما قبل الدخول في الركوع فلا يترك الاحتياط في أن يعود فيأتي بالقراءة أو التسبيح قائما مطمئنا بقصد الاحتياط و القربة المطلقة، لا بقصد الجزئية، و كذلك إذا نسي الطمأنينة حال التشهد أو في الأذكار الواجبة الأخرى، و تذكرها بعد أن أتم التشهد أو أتم الذكر، فلا يترك الاحتياط بأن يأتي بالتشهد أو الذكر مطمئنا بقصد الاحتياط لا بقصد الجزئية.

المسألة 764

(الثاني) مما يفوت به محل تدارك الجزء المنسي: أن يكون ذلك الجزء واجبا في فعل من أفعال الصلاة، فإذا نسي الجزء و لم يتذكره حتى مضى ذلك الفعل فقد فات محل تدارك الجزء المنسي، و مثال ذلك ذكر الركوع أو السجود، فإنهما واجبان في حال الركوع و السجود، فإذا نسي المكلف الذكر و لم يتذكره حتى رفع رأسه من الركوع فقد فات محل تدارك الذكر فيه، و كذلك الأمر في ذكر السجود، و كذلك إذا نسي الطمأنينة في الركوع أو السجود، و تذكرها بعد رفع الرأس منهما، أو نسي وضع بعض المساجد غير الجبهة حتى رفع رأسه من السجود أو نسي فوضع جبهته على الموضع النجس، و تذكر بعد رفع رأسه من السجود، و حكمه أن يمضي في صلاته و لا شي ء عليه كما تقدم.

المسألة 765

إذا نسي الذكر في الركوع أو السجود و تذكره قبل رفع رأسه منهما وجب عليه أن يأتي بالذكر قبل أن يرفع رأسه، و كذلك إذا نسي بعض المساجد غير الجبهة فلم يضعه على الأرض في سجوده و تذكره قبل رفع رأسه من السجود، فيجب عليه أن يضع المساجد و يأتي بالذكر قبل ان يرفع رأسه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 496

و أما وضع الجبهة على الأرض فلا يتحقق السجود الا به، فإذا نسيه المكلف فلا بد له من العود اليه و لا يفوت محل تداركه الا بالدخول في الركوع من الركعة اللاحقة.

و إذا نسي الطمأنينة حال الذكر في الركوع أو السجود و تذكره قبل رفع الرأس منه فقد تقدم ان الاحتياط لا يترك بأن يأتي بالذكر مطمئنا بقصد الاحتياط لا بقصد الجزئية.

المسألة 766

إذا نسي الانتصاب بعد الركوع، فان تذكره قبل وضع الجبهة على الأرض في السجدة الأولى وجب عليه أن يقوم فيأتي به ثم يسجد، و إذا تذكره بعد الدخول في السجدة الثانية فات محل تداركه، فيجب عليه أن يمضي في صلاته و لا شي ء عليه، و إذا تذكره في السجدة الأولى أو بين السجدتين و قبل أن يدخل في السجدة الثانية، فالأحوط له أن يعود فيأتي بالانتصاب بعد الركوع ثم يسجد السجدتين و يتم الصلاة ثم يعيدها، و كذلك الاحتياط إذا نسي الجلوس بعد السجدة الأولى و لم يتذكره حتى دخل في السجدة الثانية فيأتي به و يتم الصلاة ثم يعيدها.

المسألة 767

إذا نسي الطمأنينة في القيام بعد الركوع و تذكرها قبل أن يضع جبهته على الأرض في السجدة الأولى، فالأحوط له أن يعود الى القيام و يأتي بالطمأنينة فيه برجاء المطلوبية، و كذلك إذا نسي الطمأنينة في الجلوس بعد السجدة الأولى و تذكرها قبل وضع الجبهة في السجدة الثانية.

المسألة 768

قيل ان التسليم الواجب مما يفوت به محل التدارك للجزء المنسي، و فيه إشكال، فإذا نسي المكلف السجدتين من الركعة الأخيرة و لم يتذكرهما الا بعد التسليم الواجب، فان فعل ما ينافي الصلاة عمدا و سهوا بطلت الصلاة، و ان لم يأت بالمبطل فالأحوط لزوما أن يأتي بالسجدتين و بما بعدهما من التشهد و التسليم و أن يسجد للسهو لاحتمال

كلمة التقوى، ج 1، ص: 497

زيادة التسليم في غير موضعه ثم يعيد الصلاة كما ذكرناه في المسألة السبعمائة و الخامسة و الخمسين.

و إذا نسي سجدة واحدة من الركعة الأخيرة أو نسي التشهد منها و تذكرهما بعد التسليم و قبل أن يأتي بما يبطل الصلاة أتى بالسجدة أو التشهد بقصد ما في الذمة من أداء أو قضاء لهما، و أتى بما بعدهما على الترتيب ثم سجد للسهو لما في ذمته بسبب نسيان الجزء أو التسليم في غير موضعه و صحت صلاته، و ان تذكرهما بعد التسليم و فعل ما يبطل الصلاة أتى بهما و بسجود السهو ثم أعاد الصلاة.

و ان تذكرهما قبل التسليم لم يفت موضع تداركهما، فيجب عليه أن يأتي بهما و بما بعدهما على الترتيب و تصح بذلك صلاته.

المسألة 769

إذا علم أنه قد نسي سجدتين من ركعتين و قد فات موضع تداركهما، وجب عليه قضاؤهما بعد الصلاة و ان كانتا من الأولتين، و عليه سجدتا السهو لكل واحدة منهما على الأحوط.

المسألة 770

إذا نسي فأخفت في القراءة في موضع وجوب الجهر لم تجب عليه اعادة ما مضى من قراءته و ان تذكره في أثناء القراءة أو قبل الدخول في الركوع، و يجب عليه الجهر في بقية القراءة إذا كان تذكره في أثنائها، و يمضي في صلاته إذا كان تذكره بعد الفراغ من القراءة.

و كذلك الحكم إذا نسي فأجهر في موضع وجوب الإخفات من القراءة أو التسبيح.

الفصل الحادي و الثلاثون في الشك في الصلاة و أفعالها
المسألة 771

إذا شك الإنسان هل أتى بالصلاة الواجبة عليه أم لم يأت بها، و كان شكه بعد خروج وقت الصلاة، بنى على أنه قد أتى بالصلاة المشكوكة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 498

و لم يلتفت الى شكه. و كذلك إذا شك في تحقق شي ء من شرائط الصلاة أو في شي ء من أجزائها أو في صحته، أو في عدد الركعات بعد ما خرج وقتها. فيبني على أنه قد أتى بها على الوجه الصحيح و لا يعتني بشكه، و إذا شك في الإتيان بالصلاة و وقتها لا يزال باقيا وجب عليه أن يأتي بها، و سيأتي بيان حكم الشك في الشرائط أو الأجزاء أو عدد الركعات.

المسألة 772

لا فرق في الصلاة التي يشك في الإتيان بها بين أن تكون واحدة أو متعددة، فإذا شك في الإتيان بصلاة الصبح و وقتها باق، وجب عليه أن يأتي بها، و إذا كان الشك بعد الوقت لم يلتفت اليه، و إذا شك في الإتيان بالظهرين أو العشاءين، فحكمه كذلك.

و إذا علم بأنه قد صلى الظهر مثلا، و شك في انه صلى العصر أيضا أم لا، فعليه أن يصليها إذا كان الوقت باقيا، و لم يعتن بشكه إذا كان بعد الوقت، و مثله ما إذا شك في صلاة العشاء.

المسألة 773

إذا علم قبل خروج الوقت أنه صلى العصر و شك في أنه قد صلى الظهر أيضا أم لا فالأحوط له أن يأتي بالظهر، و كذلك إذا علم و هو في الوقت أنه صلى العشاء و شك في الإتيان بالمغرب.

المسألة 774

إذا بقي من الوقت مقدار أربع ركعات و شك في الإتيان بصلاة الظهر و العصر فعليه أن يأتي بالعصر، بل و بالظهر أيضا على الأحوط، بناء على ما هو المختار من اشتراك الفريضتين في جميع الوقت، فيأتي بالعصر أداء في ما بقي من الوقت، ثم يأتي بالظهر على الأحوط قضاء بعد الوقت، و إذا علم بأنه قد صلى العصر و شك في انه أتى بالظهر و قد بقي من الوقت مقدار أربع ركعات وجب عليه أن يأتي بالظهر.

المسألة 775

إذا بقي من الوقت مقدار ركعة و شك في الإتيان بالصلاة كان من

كلمة التقوى، ج 1، ص: 499

الشك في الوقت فعليه الإتيان بالفريضة، بل لا يترك الاحتياط إذا شك في الإتيان بها و قد بقي من الوقت أقل من ذلك، فيأتي بالفريضة المشكوكة على الأحوط.

المسألة 776

المراد بالشك ما يخالف اليقين، فإذا ظن الإتيان بالصلاة و كان في الوقت وجب عليه أن يأتي بها، و إذا كان بعد الوقت لم يعتن باحتمال العدم، و كذلك الحكم إذا ظن عدم الإتيان بالصلاة.

المسألة 777

إذا شك في خروج الوقت و عدمه استصحب بقاءه فإذا شك معه في الإتيان بالصلاة وجب عليه الإتيان بها.

المسألة 778

إذا شك و هو في صلاة العصر في أنه صلى الظهر قبلها أم لا، بنى على عدم الإتيان بها على الأحوط، فإن كان في الوقت المشترك بين الفريضتين عدل بنيته الى الظهر و أتمها ثم صلى العصر بعدها، و إذا كان في الوقت المختص بالعصر، أتم العصر، ثم صلى الظهر قضاء على الأحوط.

المسألة 779

إذا تيقن انه صلى احدى الظهرين و لم يأت بالأخرى و لم يعلم أن ما أتى به أيتهما على التعيين، كفاه أن يصلي أربع ركعات بقصد ما في الذمة، من غير فرق بين أن يكون في الوقت المشترك بين الفريضتين أم في الوقت المختص بالعصر أم في خارج الوقت.

و إذا علم بأنه صلى احدى العشاءين و لم يعلم بها على التعيين وجب عليه أن يأتي بهما معا، سواء كان في الوقت المشترك أم في الوقت المختص بالعشاء أم في خارج الوقت، و إذا كان في الوقت المختص بالعشاء أتى بالعشاء في الوقت ثم أتى بالمغرب قضاء، و ينوي امتثال أمرهما المحتمل.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 500

المسألة 780

إذا شك و هو في الوقت في أنه أتى بالصلاة أم لا، فوجب عليه أن يأتي بها كما تقدم، ثم نسي أن يأتي بها في الوقت وجب عليه أن يقضيها بعد الوقت، و ان كان بالفعل شاكا فيها بعد الوقت.

و إذا اعتقد بأن شكه في الإتيان بالصلاة كان بعد خروج الوقت فلم يأت بالفريضة، ثم تبين له أن شكه كان في الوقت وجب عليه قضاء الصلاة.

و إذا اعتقد بأن شكه في الإتيان بالصلاة كان في الوقت، و لكنه ترك الصلاة عمدا أو سهوا، ثم تبين له أن شكه كان بعد خروج الوقت لم يجب عليه القضاء.

المسألة 781

من يكون كثير الشك في أنه أتى بالصلاة أم لا، فحكمه حكم غيره من الناس، فإذا شك و هو في الوقت فعليه الإتيان بالصلاة، و إذا شك بعد خروج الوقت لم يعتن بشكه، و من يكون وسواسيا في ذلك يبني على أنه قد أتى بالصلاة و ان كان في الوقت.

المسألة 782

يجب إحراز شرائط الصلاة قبل الدخول فيها و في أثنائها، و لا يصح الشروع في الصلاة مع الشك في وجود الشرائط أو الشك في وجود بعضها، و يكفي إحرازها بأمارة شرعية أو أصل شرعي كما إذا قامت البينة على الطهارة أو على القبلة، أو اعتمد في دخول الوقت على أذان الثقة العارف بالوقت، أو أحرز طهارته من الحدث أو من الخبث بالاستصحاب، و نحو ذلك من الامارات و الأصول الشرعية المحرزة.

و كذلك الحكم إذا شك في شي ء من الشروط في أثناء الصلاة، فلا بد من إحرازه باستصحاب و نحوه و قد تقدمت تفاصيل ذلك في المباحث المتقدمة.

و إذا شك في شي ء منها بعد الفراغ من صلاته حكم بالصحة في الصلاة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 501

الماضية، و وجب إحراز الشروط للصلوات الآتية، فإذا شك بعد أن فرغ من صلاته هل تطهر لها من الحدث أو من الخبث بنى على الصحة في صلاته الماضية، و وجب عليه أن يتطهر للصلاة الآتية.

المسألة 783

إذا شك في جزء من أجزاء الصلاة و كان شكه فيه قبل أن يدخل في جزء آخر يكون بعده في الترتيب بين أجزاء الصلاة وجب عليه أن يأتي بالجزء المشكوك، و مثال ذلك ان يشك في الإتيان بتكبيرة الإحرام قبل أن يدخل في القراءة أو في الاستعاذة، أو يشك في القراءة قبل أن يدخل في الركوع، أو يشك في الركوع و هو قائم، أو يشك في السجدة أو في السجدتين معا و هو جالس، قبل أن يقوم و قبل أن يتشهد، أو يشك في التشهد قبل أن يقوم للركعة اللاحقة، فيجب عليه في جميع هذه الفروض و نظائرها أن يأتي بالجزء الذي شك فيه.

و إذا

شك في الجزء بعد ما تجاوز موضعه و دخل في جزء آخر يكون بعده في ترتيب أجزاء الصلاة بنى على أنه قد أتى بالجزء المشكوك، و لم يلتفت الى شكه، و مثال ذلك ان يشك في الإتيان بتكبيرة الإحرام بعد ما شرع في الاستعاذة أو في القراءة، أو يشك في القراءة بعد أن دخل في القنوت أو في الركوع، أو يشك في الركوع بعد أن هوى للسجود، أو يشك في السجود بعد أن دخل في التشهد أو بعد ما قام للركعة اللاحقة، و هكذا، فيمضي في صلاته و يبني على وقوع الجزء الذي شك فيه، سواء كان ذلك في الركعتين الأولتين أم في الأخيرتين، و سواء كان في صلاة رباعية أم في غيرها.

المسألة 784

يراد بالدخول في الغير أن يدخل في أي فعل يكون بعد الشي ء المشكوك بحسب ترتيب أفعال الصلاة و أجزائها، كالاستعاذة أو القراءة بالنسبة إلى تكبيرة الإحرام، و كالسورة بالنسبة إلى الفاتحة، و كالآية اللاحقة بالنسبة إلى الآية السابقة عليها من الفاتحة أو السورة، بل و آخر كل آية بالنسبة إلى أولها، و كالقنوت بالنسبة إلى القراءة أو الى

كلمة التقوى، ج 1، ص: 502

السورة، و حتى مقدمات الأفعال، كما إذا شك في الركوع أو في القيام بعد الركوع بعد ما هوى إلى السجود، أو شك في التشهد بعد أن نهض من الأرض للقيام، فلا يلتفت الى شكه في جميع ذلك.

المسألة 785

إذا شك في السجدة أو في السجدتين معا، و هو آخذ في القيام وجب عليه الرجوع و الإتيان بالسجود المشكوك، و هذا استثناء من القاعدة التي ذكرناها في المسألة المتقدمة دل عليه النص فيعمل به في مورده و لا يتعدى منه الى غيره.

المسألة 786

من كانت وظيفته الصلاة من جلوس، إذا شك في السجود بعد ما جلس و كان جلوسه بدل القيام لم يلتفت الى شكه إذا اشتغل في جلوسه بقراءة أو تسبيح أو تشهد، و إذا كان شكه قبل ذلك أشكل الحكم فيه، و لا يترك الاحتياط بعدم الالتفات الى شكه و إتمام الفرض ثم اعادته، و كذلك إذا شك في التشهد و قد جلس جلوسه بدل القيام، فلا يلتفت الى شكه إذا كان بعد ما اشتغل في جلوسه بقراءة أو تسبيح، و يجري فيه الاحتياط المتقدم إذا كان قبل ذلك.

و إذا علم أن جلوسه للسجدة أو للتشهد، و شك في أنه سجد أم لا، أو تشهد أم لا كان من الشك قبل التجاوز فيأتي بالشي ء المشكوك، و إذا جلس و لم يعلم أن جلوسه بدل القيام أو هو جلوس السجدة أو للتشهد و شك في الإتيان بالسجدة أو التشهد وجب عليه أن يأتي بهما.

المسألة 787

إذا شك في صحة الفعل الذي أتى به بعد ما فرغ منه بنى على صحته و ان لم يتجاوز عنه و لم يدخل في غيره، و مثال ذلك أن يشك في صحة نطقه بالتكبير بعد ما فرغ من تكبيرة الإحرام، أو يشك في صحتها لفقد بعض شروطها، أو يشك في صحة القراءة بعد ما أتمها، أو يشك في صحة قراءة الكلمة أو الآية أو السورة، فيبني على صحة ما فعله.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 503

المسألة 788

إذا شك في جزء قبل أن يتجاوز عنه فأتى به، ثم تذكر أنه قد أتى به سابقا، فان كان من الأركان بطلت صلاته كما إذا شك في الركوع و هو قائم فأتى به ثم تذكر أنه قد ركع أولا، فعليه الإعادة لزيادة الركن، و إذا كان ذلك في تكبيرة الإحرام أو في السجدتين أتم الفرض ثم اعاده على الأحوط كما ذكرنا ذلك من قبل.

و ان كان من الأجزاء غير الأركان مضى في صلاته و لا شي ء عليه الا إذا كانت زيادته سهوا توجب سجود السهو، فعليه السجود لها و سيأتي تفصيل ذلك.

المسألة 789

إذا شك في الجزء بعد الدخول في ما بعده فلم يأت به، ثم تذكر انه لم يأت به قبل ذلك، فهنا صور تجب ملاحظتها:

(الصورة الأولى): أن يكون في محل يمكنه فيه تدارك ذلك الجزء المنسي، على حسب ما بيناه في الفصل السابق، و الحكم في هذه الصورة أن يرجع الى الجزء فيأتي به و يتم صلاته سواء كان ركنا أم غيره، و مثال ذلك أن يشك في الإتيان بالسجدة أو بالتشهد بعد قيامه للركعة اللاحقة، فإذا تذكر انه لم يأت بالسجدة أو التشهد، و كان قبل الدخول في الركوع وجب عليه أن يعود فيأتي بالسجدة المنسية أو التشهد ثم يقوم فيتم الصلاة، و عليه سجود السهو للقيام الزائد إذا تلبس معه بقراءة أو تسبيح، و كذلك إذا شك في الركوع بعد الهوي للسجود و لم يأت به ثم تذكر انه لم يركع من قبل، فعليه ان يعود و يأتي بالركوع و يتم صلاته و لا شي ء عليه.

(الصورة الثانية): أن يكون في محل لا يمكنه تدارك ذلك الجزء المنسي، و يكون الجزء المنسي ركنا،

و الحكم في هذه الصورة هو بطلان الصلاة، و مثال ذلك أن يشك في الإتيان بتكبيرة الإحرام و هو في القراءة فيمضي في صلاته ثم يتذكر بعد دخوله في الركوع انه لم يكبر للإحرام

كلمة التقوى، ج 1، ص: 504

فتبطل صلاته لنقصان الركن، و هكذا إذا شك في الركوع أو في السجدتين بعد التجاوز و تذكر نقصهما بعد الدخول في الركن.

(الصورة الثالثة): أن يكون في محل لا يمكنه تدارك ذلك الجزء و لم يكن ركنا و الحكم فيها أن يمضي في صلاته و يتمها و لا شي ء عليه، و إذا كان ذلك الجزء سجدة واحدة أو تشهدا وجب قضاؤه بعد إتمام الصلاة و الإتيان بسجدتي السهو لنقصانه.

المسألة 790

إذا شك المكلف في الإتيان بالتسليم و هو في التعقيب، بنى على أنه قد أتى به، و لم يلتفت الى شكه، و كذلك إذا شك في الإتيان به بعد ما وجد نفسه بانيا على الفراغ من الصلاة، و إذا شك في الإتيان به في غير هاتين الصورتين، فلا بد من الإتيان بالتسليم، و إذا شك في الإتيان به كذلك و فعل ما يبطل الصلاة قبل أن يأتي بالتسليم فعليه إعادة الصلاة.

المسألة 791

إذا شك المأموم هل أتى بتكبيرة الإحرام أم لا، فان كان ذلك في ابتداء صلاته و قبل الإتيان بأي فعل يتعلق بها، بنى على عدم الإتيان بتكبيرة الإحرام، و وجب عليه أن يأتي بها، و ان كان شكه بعد الركوع مع الإمام أو القنوت معه إذا كان دخوله في الثانية، بنى على أنه أتى بالتكبيرة و مضى في صلاته، و كذلك إذا قرأ خلف الإمام أو سبح و كان ممن حكمه ذلك. و إذا شك في التكبيرة بعد أن وجد نفسه بهيئة المصلي و قد أنصت لقراءة الامام و نحو ذلك فلا يترك الاحتياط بإتمام الصلاة ثم اعادتها.

و إذا تعمد فأبطل ما بيده بتكلم أو انحراف ببدنه عن القبلة ثم أتى بالتكبيرة صحت صلاته، و الظاهر انه لا طريق له غير ذلك إذا كانت الجماعة واجبة، كصلاة الجمعة أو العيدين عند اجتماع شرائطهما.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 505

المسألة 792

إذا كان في فعل من أفعال الصلاة، و شك في الفعل السابق عليه، هل حصل له فيه شك في محله أم لا، لم يلتفت الى هذا الشك و مضى في صلاته، و مثال ذلك أن يكون في القراءة و يشك في تكبيرة الإحرام: هل شك في الإتيان بها قبل أن يشرع في القراءة أم لم يشك، أو يكون في الركوع و يحصل له مثل هذا الشك في الشك في القراءة أم لا، فعليه أن لا يعتني بشكه.

المسألة 793

الظن في أفعال الصلاة بحكم الشك، فإذا ظن المكلف فعل الواجب و هو في محله و لم يتجاوز عنه الى غيره وجب عليه أن يأتي بالفعل، و إذا كان ظنه بعد أن تجاوز الفعل، و دخل في ما بعده لم يلتفت و بنى على أنه قد أتى به.

و كذلك الحكم إذا ظن ترك الفعل. نعم إذا كان الظن اطمئنانيا بالفعل أو بالترك بنى على وفق اطمئنانه و أتم الصلاة ثم إعادتها إذا كان ما عمله مخالفا للقاعدة المتقدم ذكرها.

الفصل الثاني و الثلاثون في الشك في عدد الركعات
المسألة 794

إذا شك المصلي في عدد الركعات، فلا بد له من التأمل في أطراف شكه على الأحوط و التذكر للملابسات حتى يستقر شكه أو يزول أو يحصل له الترجيح، و لا يسوغ له العمل بحكم الشك بمجرد حصوله، و إذا كان من الشكوك التي توجب البطلان، فالأحوط عدم الابطال به الا مع اليأس من حصول العلم أو الظن بأحد الطرفين، بل لا يخلو ذلك من قوة.

المسألة 795

تبطل صلاة الإنسان (بالمعنى الذي سيأتي بيانه) إذا عرض له أحد الشكوك الآتي ذكرها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 506

(1): كل شك يتعلق بصلاة ثنائية الركعات، كصلاة الصبح، و صلاة السفر، و صلاة الآيات، و صلاة الطواف.

(2): كل شك يتعلق بصلاة ثلاثية الركعات، و هي صلاة المغرب.

(3): كل شك يتعلق بالأولتين من الرباعية.

(4): الشك بين الاثنتين و الثلاث، أو بين الاثنتين و الأربع، أو بين الاثنتين و الثلاث و الأربع من الصلاة الرباعية إذا كان قبل إكمال السجدتين.

(5): كل شك في الرباعية غير ما تقدم إذا لم يمكن إرجاعه إلى الشكوك المنصوصة.

(6): من لم يدر كم صلى من ركعة.

المسألة 796

الظاهر أن عروض أحد هذه الشكوك موجب لجواز إبطال الصلاة بعد أن يستقر الشك، و ليس موجبا لبطلان الصلاة في نفسه، و نتيجة لذلك، فإذا زال الشك قبل أن يفعل المبطل، و حصل له العلم أو الظن بأحد الأعداد الصحيحة صحت صلاته.

المسألة 797

الصور الصحيحة من الشك في عدد الصلاة الرباعية تسع.

(الأولى): أن يشك المصلي بين الاثنتين و الثلاث بعد أن أكمل السجدتين، و الحكم فيها هو أن يبني على ان ما بيده هي الركعة الثالثة و يأتي بالرابعة، فإذا أتم صلاته أتى بركعة واحدة قائما، و صحت صلاته و لا اعادة عليه.

المسألة 798

يتحقق إكمال السجدتين هنا و في كل مورد نذكره في ما بعد، بإتمام الذكر الواجب من السجدة الثانية، و ان لم يرفع المصلي رأسه من السجود.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 507

المسألة 799

(الصورة الثانية): أن يشك بين الثلاث و الأربع من غير فرق بين أن يكون قائما أم جالسا أم في غير ذلك من أفعال الصلاة، و الحكم فيها:

أن يبني على ان ما بيده هي الركعة الرابعة و يتم صلاته، فإذا أتمها احتاط بالإتيان بركعتين من جلوس إذا كان قد أتم السجدتين من الركعة، و إذا كان شكه قبل إتمام السجدتين فالأحوط له أن يأتي بركعة من قيام.

المسألة 800

(الصورة الثالثة) أن يشك بين الاثنتين و الأربع بعد إكمال السجدتين من الركعة بما تقدم بيانه، و الحكم فيها: أن يبني على ان ما بيده هي الركعة الرابعة و يتم صلاته، ثم يحتاط بعدها بركعتين من قيام، و لا اعادة عليه.

المسألة 801

(الصورة الرابعة) ان يشك بين الاثنين و الثلاث و الأربع بعد إكمال السجدتين و الحكم فيها أن يبني على أن ما بيده هي الركعة الرابعة، فعليه أن يتم صلاته ثم يحتاط بعدها بركعتين من قيام يأتي بهما أولا، ثم يأتي بركعتين من جلوس.

المسألة 802

(الصورة الخامسة) ان يشك بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين، و الحكم فيها أن يبني على ان ما بيده هي الركعة الرابعة و يتم صلاته، ثم يسجد بعدها سجدتي السهو للشك بين الأربع و الخمس.

المسألة 803

(الصورة السادسة) أن يشك بين الأربع و الخمس و هو قائم قبل الركوع، فهو في حال قيامه شاك في ان ما تحقق فعله منه ثلاث أو أربع، و حكمه أن يبني على ان ما تحقق فعله منه أربع ركعات، فيجب عليه أن يجلس للتشهد و التسليم، فإذا أتم الصلاة أتى بركعتين من جلوس على

كلمة التقوى، ج 1، ص: 508

الأحوط كما هو الحكم في الصورة الثانية المتقدمة، ثم سجد للسهو احتياطا للقيام الزائد، بل يتعين عليه سجود السهو إذا تلبس مع القيام بقراءة أو تسبيح.

المسألة 804

(الصورة السابعة) أن يشك بين الثلاث و الخمس و هو قائم قبل الركوع، فهو في حال قيامه شاك في ما تحقق فعله منه هل هو ركعتان أو أربع، و حكمه أن يبني على الأربع كما تقدم في الصورة الثالثة، فيجب عليه أن يجلس للتشهد و التسليم، فإذا سلم أتى بركعتين من قيام ثم سجد سجدتي السهو للقيام الزائد كما ذكرنا في الصورة السادسة.

المسألة 805

(الصورة الثامنة) أن يشك بين الثلاث و الأربع و الخمس و هو قائم قبل الركوع فهو في حال قيامه شاك في ان ما أكمله من صلاته ركعتان أو ثلاث أو أربع، و الحكم فيها أن يبني على ان ما تحقق فعله من صلاته أربع ركعات كما تقدم في الصورة الرابعة، و يجب عليه أن يجلس للتشهد و التسليم، فإذا سلم أتى بركعتين من قيام ثم أتى بعدهما بركعتين من جلوس، ثم سجد بعدهما سجدتي السهو للقيام الزائد كما في الصورتين السادسة و السابعة.

المسألة 806

(الصورة التاسعة) أن يشك بين الخمس و الست و هو قائم قبل الركوع، فهو في حين قيامه شاك بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين، فيبني على أن ما أتى به أربع ركعات و يجب عليه أن يجلس للتشهد و التسليم، فإذا سلم أتى بسجدتي السهو للشك بين الأربع و الخمس ثم يسجد للسهو مرة ثانية للقيام الزائد كما ذكرنا في الصور الثلاث المتقدمة، و الأحوط استحبابا في الصور الأربع المتأخرة أن يعيد الصلاة بعد أن يأتي بعمل الشك الذي تقدم بيانه فيها.

المسألة 807

إذا شك بين الأربع و الست بعد إكمال السجدتين، فالأحوط له أن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 509

يبني على الأربع، فإذا أتم الصلاة و سلم سجد سجدتي السهو للشك في الزيادة ثم أعاد الفرض.

المسألة 808

الشك في عدد الركعات الذي تترتب له الأحكام المتقدمة من صحة أو بطلان هو ما تساوى فيه الاحتمالان عند التردد، و أما الظن في الركعات فهو حجة شرعية يجب على المكلف أن يعمل على وفقه، فإذا تردد مثلا بين الثلاث و الأربع، و ظن الثالثة أو ظن الرابعة، فعليه أن يبني على ما ظنه و يتم صلاته و لا شي ء عليه، و كذلك غيره من صور الشك، و لا فرق في ذلك بين ما يتعلق بالركعتين الأولتين و الأخيرتين، و لا بين الشكوك المبطلة و الصحيحة، حتى في الصلاة الثنائية أو الثلاثية.

و يستثنى من ذلك الشك بين الأربع و الخمس إذا ظن الخامسة، ففي العمل بظنه هنا أشكال لانصراف الأدلة عن الظن المبطل، فعليه أن يبني على الأربع و يأتي بسجدتي السهو بعد التسليم، ثم يعيد الصلاة على الأحوط.

المسألة 809

إذا كان الشك الذي عرض للمكلف مما لا يصح الا بعد إكمال السجدتين، و شك في أنه أتى بهما أم لا أو شك في انه أتى بإحداهما، بطلت صلاته إذا كان شكه قبل النهوض للقيام أو قبل التشهد، و ذلك لأن عليه أن يأتي بالسجدة أو السجدتين بمقتضى شكه فيهما و هو في المحل فيكون شكه في الركعات قبل إكمال السجدتين و يكون مبطلا.

و مثال ذلك أن يشك بين الاثنتين و الثلاث و هو جالس قبل أن يقوم أو يتشهد، فإذا شك مع ذلك في الإتيان بالسجدة أو بالسجدتين معا، بطلت صلاته، للشك بين الاثنتين و الثلاث قبل إكمال السجدتين و كذلك إذا شك بين الاثنتين و الأربع أو بين الاثنتين و الثلاث و الأربع. و إذا كان شكه في السجود بعد القيام أو بعد النهوض

للقيام مضى في صلاته ثم أتى بعمل الشك الذي عرض له في الركعات.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 510

المسألة 810

إذا شك بين الاثنتين و الثلاث و هو في التشهد و كان شاكا في الإتيان بالسجود، فالحكم بالصحة في غاية الإشكال، من جهة الشك في أنه في محل السجود أو بعد التجاوز، فان هذا التشهد إذا كان في الركعة الثانية فقد تجاوز عن محل السجود، و إذا كان في الركعة الثالثة كان زيادة لا اعتبار بها و يكون شكه في السجود شكا في المحل، و لذلك فالاحتياط لازم بإتمام الصلاة و الإتيان بعمل الشك ثم اعادة الصلاة، و كذلك إذا كان الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع.

المسألة 811

إذا شك بين الثلاث و الأربع و هو قائم قبل الركوع ثم علم بأنه قد نسي إحدى السجدتين قبل قيامه لهذه الركعة، أو أنه قد نسي السجدتين معا، بطلت صلاته، لأنه أصبح شاكا بين الاثنتين و الثلاث قبل إكمال السجدتين، و كذلك الحكم إذا شك بين الثلاث و الخمس أو بين الثلاث و الأربع و الخمس و هو قائم قبل الركوع، ثم علم بنقصان السجود من الركعة التي قام منها فتبطل صلاته لأنه شاك بين الاثنتين و الأربع أو بين الاثنتين و الثلاث و الأربع قبل إكمال السجدتين، و مثله الشك بين الخمس و الست قائما إذا عرض له مثل ذلك.

المسألة 812

إذا عرض للمكلف أحد الشكوك الصحيحة فبنى في صلاته على ما يقتضيه حكم شكه ثم تحول شكه ظنا وجب عليه العمل بظنه، و مثال ذلك أن يشك في صلاته بين الثلاث و الأربع، فيبني على أنها أربع كما هو مقتضى العمل بشكه، ثم يحصل له الظن بأنها ثلاث فيجب عليه العمل بما ظنه و لا احتياط عليه.

و إذا كان ظانا بأنها ثلاث و بدأ بالعمل على وفق ظنه، فتحول ظنه الى شك بين الثلاث و الأربع حتى استقر الشك وجب عليه أن يعمل عمل الشك فيبني على الأربع ثم يأتي بصلاة الاحتياط. و إذا كان ظانا بأنه صلى ثلاث ركعات ثم تبدل الى الظن بأنها أربع وجب عليه أن يعمل

كلمة التقوى، ج 1، ص: 511

بالظن الأخير، و إذا شك في صلاته أحد الشكوك، ثم تبدل الى شك آخر وجب عليه أن يعمل عمل الشك المتأخر، و مثال ذلك أن يشك بين الثلاث و الأربع ثم يتبدل شكه الى الشك بين الاثنتين و الأربع،

فيلزمه عمل الشك الأخير، فيبني على الأربع إذا كان شكه بعد إكمال السجدتين و يأتي بصلاة الاحتياط، و تبطل صلاته إذا كان قبل إتمام السجدتين.

المسألة 813

إذا شك بين الاثنتين و الأربع قبل إكمال السجدتين، فلا يجوز له المضي في صلاته على شكه، و إذا مضى فيها على الشك بطلت، و لم ينفعه أن ينقلب شكه بعد ذلك الى شك آخر أو الى ظن، و إذا عرض له هذا الشك ثم انقلب شكه بالتروي الى ما بين الثلاث و الأربع من غير ان يمضي في صلاته على شكه الأول، فإنه يعمل على شكه الأخير كما تقدم، و كذلك إذا كان شكه الأول بعد إكمال السجدتين. و مثله الحكم في الشك بين الاثنتين و الثلاث و بين الاثنتين و الثلاث و الأربع في التفصيل المذكور.

المسألة 814

إذا تردد المكلف في أن الحالة التي حصلت له في صلاته هي ظن أو شك، بحيث لم يستطع تمييزها، فان علم أن حالته السابقة كانت ظنا، فهو ظان، و ان لم يعلم بها أو لم تكن له حالة سابقه فهو شاك.

و إذا حصلت له حالة في أثناء صلاته، و لما انتقل الى جزء آخر من الصلاة تردد في أن تلك الحالة كانت ظنا أم شكا، فيشكل الحكم عليها في بعض الفروض، كما إذا عرضت له الحالة في الركعة الثانية قبل إكمال السجدتين و بعد أن أكمل السجدتين تردد في أن تلك الحالة التي عرضت له هل كانت ظنا فتكون صلاته صحيحة أم كانت شكا بين الاثنتين و الثلاث فتكون صلاته باطلة لأن الشك قبل إكمال السجدتين، ففي مثل هذا الفرض لا بد له من إتمام الصلاة ثم اعادتها و ان كان بالفعل ظانا، و كذلك الحكم في نظائره من الشكوك التي يعتبر فيها إكمال السجدتين.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 512

و إذا عرضت له تلك الحالة في الركعة

الثانية بعد إكمال السجدتين، ثم تردد بعد ذلك هل كانت تلك الحالة ظنا بالثلاث، فعليه أن يتم صلاته و لا احتياط عليه، أم كانت شكا بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين فتجب عليه صلاة الاحتياط، ففي مثل هذا الفرض يبني على حالته الموجودة عنده بالفعل، فان كان بالفعل شاكا حكم بأنه شاك، فعليه الاحتياط، و ان كان بالفعل ظانا حكم بأنه كان ظانا، فلا يجب عليه الاحتياط.

و إذا فرغ من صلاته ثم علم بعد ذلك انه قد تردد في أثناء صلاته بين الاثنتين و الثلاث، و انه قد بنى على الثلاث و أتم صلاته على ذلك، و لكنه شك في أن بناءه على الثلاث هل كان من أجل حصول ظن له بذلك أو كان من أجل أن حكمه البناء على الثلاث للشك، فالأقوى وجوب الإتيان بصلاة الاحتياط.

المسألة 815

إذا شك في الصلاة و بعد أن انتقل الى فعل آخر منها تردد في أن شكه المتقدم مما يوجب بطلان الصلاة، أو مما يوجب البناء و صلاة الاحتياط، فالأحوط له أن يأتي بعمل الشك لو كان صحيحا ثم يعيد الصلاة، و مثال ذلك أن يشك بين الاثنتين و الثلاث، فلما استمر في صلاته، شك في أن شكه بين الاثنتين و الثلاث هل كان قبل إكمال السجدتين فيكون مبطلا، أو كان بعد إكمالها فعليه البناء على الثلاث و صلاة الاحتياط، فيبني على الثلاث و يأتي بالركعة قائما ثم يعيد صلاته، و كذلك الاحتياط إذا كان شكه الثاني بعد الفراغ من الصلاة.

المسألة 816

إذا شك في صلاته و بنى، فلما أتم الصلاة تردد في أن شكه المتقدم هو ما أوجب عليه أن يأتي بركعة واحدة أم بركعتين، وجب عليه أن يأتي بالركعة الواحدة و بالركعتين ثم يعيد الصلاة على الأحوط. و مثال ذلك أن يتردد بعد أن أتم الصلاة هل كان شكه في صلاته بين الاثنتين

كلمة التقوى، ج 1، ص: 513

و الثلاث فعليه الاحتياط بركعة واحدة أم كان بين الاثنتين و الأربع، فعليه ركعتان، و حكمه هو ما تقدم.

المسألة 817

إذا علم بعد فراغه من صلاته أنه قد عرض له في أثنائها أحد الشكوك و لم يعلم به على التعيين، فان تيقن أنه إحدى الصور الصحيحة من الشك، وجب عليه أن يأتي بركعتين من قيام و بركعتين من جلوس و ركعة من قيام و سجود السهو، ثم أعاد الصلاة على الأحوط.

و إذا احتمل أيضا أنه إحدى الصور الباطلة من الشك وجب عليه أن يأتي بما تقدم ذكره و أن يعيد الصلاة بعد ذلك.

المسألة 818

إذا حدث له أحد الشكوك في صلاته و هو لا يعلم الحكم فيه لجهل أو نسيان وجب عليه أن يعمل على أحد الوجوه المحتملة في الحكم، و إذا كان بعض الوجوه راجحا في ظنه عمل بالراجح، ثم فحص بعد الفراغ عن الحكم في المسألة، فإن وجد ما عمله مطابقا لفتوى الفقيه الذي يجب عليه تقليده أو موافقا للاحتياط صحت صلاته، و ان كان مخالفا لهما أعادها.

المسألة 819

إذا طرأ له أحد الشكوك في صلاته فبنى على ما يقتضيه شكه و لما فرغ من صلاته انقلب شكه الى شك آخر، فالأحوط له أن يأتي بعمل الشك الثاني ثم يعيد الصلاة، سواء انقلب شكه قبل شروعه بصلاة الاحتياط أم في أثنائها أم بعد الفراغ منها، و سواء انقلب شكه الى ما يعلم معه بالنقيصة أم لا.

و إذا انقلب شكه الى ما يعلم معه بالزيادة فلا بد له من الإعادة، و مثال ذلك أن يشك أولا بين الثلاث و الأربع، ثم ينقلب شكه بعد الفراغ الى ما بين الخمس و الست.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 514

المسألة 820

إذا شك بين الثلاث و الأربع و بعد الفراغ من الصلاة انقلب شكه الى ما بين الثلاث و الخمس وجبت عليه الإعادة، للعلم أما بالزيادة أو لأن الشك الثاني من الشكوك غير المنصوصة و الحكم فيها هو البطلان، و كذلك إذا شك و هو في الصلاة بين الاثنتين و الأربع، ثم انقلب شكه بعد الفراغ الى ما بين الاثنتين و الخمس.

المسألة 821

إذا شك بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين فبنى على الثلاث كما يقتضيه شكه، ثم شك بعد ذلك، هل أنه لا يزال في الركعة التي بنى على أنها الثالثة أو صلى بعدها أخرى فتكون هذه رابعة، لزمه حكم الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع.

المسألة 822

إذا شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فلما بنى على الأربع ظن بعدم كونها اثنتين لزمه حكم الشك بين الثلاث و الأربع، و إذا ظن بعدم كونها ثلاثا، لزمه حكم الشك بين الاثنتين و الأربع، و إذا ظن بعدم كونها أربعا، لزمه حكم الشك بين الاثنتين و الثلاث.

و هذا انما يكون إذا حصل له الظن قبل فراغه من الصلاة، و أما إذا حصل له الظن بالعدم بعد الفراغ منها، فيجري عليه حكم شكه الأول على الأحوط في جميع الفروض الثلاثة.

المسألة 823

من يشك أحد الشكوك الصحيحة يجب عليه أن يأتي بعمل الشك الذي عرض له فيبني و يتم صلاته و يأتي بصلاة الاحتياط على التفصيل الذي تقدم بيانه، و لا يجوز له أن يقطع الصلاة و يستأنفها، و لا يجوز له أن يبني و يتم الصلاة ثم يستأنفها من غير أن يأتي بصلاة الاحتياط، و إذا فعل كذلك فاستأنف الصلاة من غير أن يأتي بما يبطل الأولى بطلت الصلاتان معا، سواء كان في أثناء الصلاة الأولى أم كان بعد إتمامها و قبل صلاة الاحتياط.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 515

و إذا أتى بالمبطل ثم استأنف الصلاة وقعت الصلاة المستأنفة صحيحة، و أثم في إبطال الأولى، و كذلك إذا أتى بالمبطل قبل صلاة الاحتياط صحت الصلاة المستأنفة و سقط الاحتياط و كان آثما بإبطال الصلاة الأولى.

المسألة 824

إذا شك في صلاته أحد الشكوك المبطلة ثم غفل و أتم صلاته، و تبين له بعد الفراغ مطابقة عمله للواقع، بطلت صلاته إذا كانت الصلاة ثنائية أو ثلاثية أو كان في الأولتين من الرباعية، و صحت إذا كان في الأخيرتين من الرباعية.

المسألة 825

إذا شك في الصلاة الثنائية أو الثلاثية أو الأولتين من الرباعية، فلا يجوز له أن يمضي في صلاته و هو على شكه، و إذا مضى كذلك بطلت صلاته، فإذا شك بين الواحدة و الاثنتين مثلا، فلا يجوز له المضي في صلاته و هو شاك و ان علم انه إذا استمر في صلاته و انتقل الى حالة أخرى من الصلاة يتبين له الحال، بل عليه أن يتأمل و يتروى و هو في الحالة التي عرض له فيها الشك و يدع القراءة و الذكر، فان ظهر له الحال استمر في صلاته و إذا استقر شكه أبطل الصلاة. نعم إذا عرض له الشك و قد أكمل ذكر السجود، يجوز له أن يرفع رأسه من السجود ثم يتروى و هو جالس فان رفع الرأس من السجدة ليس جزءا فلا يكون مضيا في الصلاة.

المسألة 826

إذا كان المسافر في أحد المواضع الأربعة التي يتخير فيها بين القصر و التمام في صلاته فاختار التقصير فيها، و شك في عدد ركعاتها بطلت.

و الظاهر انه يجوز له العدول بنيته الى التمام بعد عروض الشك و قبل إبطال الصلاة، فإذا عدل الى التمام و كان شكه من الشكوك الصحيحة في الرباعية أتى بعمل الشك و صحت صلاته و ان كان الأحوط استحبابا اعادتها بعد ذلك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 516

المسألة 827

إذا مات المكلف قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط وجب على وليه قضاء أصل الصلاة و لم يجب عليه قضاء صلاة الاحتياط، و لا يجب على الولي قضاء ما فات الميت من الأجزاء المنسية من تشهد أو سجدة واحدة، و الأحوط له قضاء أصل الصلاة، و إذا مات قبل أن يسجد للسهو، فالأحوط لوليه لزوم قضائهما عنه.

المسألة 828

تجب في صلاة الاحتياط النية و تكبيرة الإحرام و قراءة الفاتحة و الركوع و السجود فإذا كانت ركعة واحدة تشهد بعد ذلك و سلم، و إذا كانت ركعتين قام للركعة الثانية فأتمها ثم تشهد و سلم، و لا أذان فيها و لا اقامة، و لا سورة بعد الفاتحة و لا قنوت، و يجب فيها الإخفات في القراءة على الأحوط ألا البسملة فيستحب فيها الجهر و ان كان الإخفات أحوط، و يعتبر في هذه الصلاة جميع ما يعتبر في الصلاة من الشرائط و الأجزاء.

المسألة 829

تجب المبادرة إلى صلاة الاحتياط بعد التسليم من صلاته و لا يجوز الفصل بينهما بشي ء من مبطلات الصلاة و إذا أتى بينهما بشي ء منها أعاد الصلاة، و إذا تكلم ساهيا قبل صلاة الاحتياط أتى بسجدتي السهو على الأحوط.

المسألة 830

لا يجوز الاقتداء فيها حتى بمثلها من صلاة الاحتياط، و ان كانت جهة الاحتياط بين الامام و المأموم متحدة.

نعم إذا اتحد الامام و المأموم في أصل الصلاة، فشكا في صلاتهما معا شكا واحدا، و وجبت عليهما من أجل ذلك صلاة احتياط واحدة، فالظاهر جواز القدوة في هذه الصورة بالخصوص، و مثال ذلك أن يقتدي المأموم بامامه في صلاة رباعية، فيشك كل من الامام و المأموم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 517

فيها بين الثلاث و الأربع مثلا، و يبنيان في صلاتهما على الأربع حتى يفرغا منها، فإذا قام الإمام لصلاة الاحتياط جاز للمأموم أن يقتدي به في صلاة احتياطه.

المسألة 831

إذا علم الشاك بعد ما بني في صلاته و فرغ منها، أن صلاته تامة لم يجب عليه الإتيان بصلاة الاحتياط، و إذا فعل المنافي بعد الصلاة ثم تذكر أنها تامة لم تجب عليه إعادتها.

المسألة 832

إذا أتم الشاك صلاته على البناء في شكه و اتى بصلاة الاحتياط بعدها، ثم علم أن صلاته تامة، كانت صلاة الاحتياط نافلة له، و إذا تذكر ذلك و هو في أثناء صلاة الاحتياط جاز له أن يقطعها، و أن يتمها نافلة، و إذا كانت ركعة واحدة فالأحوط له أن يضم إليها ركعة ثانية برجاء المطلوبية.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 1، ص: 517

المسألة 833

إذا أتم الشاك صلاته على البناء في شكه، ثم علم انه زاد فيها ركعة، وجبت عليه إعادة الصلاة، سواء كان تذكره ذلك قبل الإتيان بصلاة الاحتياط أم بعدها أم في أثنائها، و مثال ذلك أن يشك بين الأربع و الخمس بعد السجدتين، فيبني على الأربع، ثم يعلم بعد التسليم انه قد صلى خمس ركعات، أو يشك بين الثلاث و الأربع و الخمس في حال القيام، فيبني على الأربع، و يجلس للتشهد و التسليم كما تقدم في الصورة الثامنة، ثم يعلم بعد التسليم انه قد صلى خمسا، فتجب عليه الإعادة.

المسألة 834

إذا أتم الشاك عمل الشك فبنى في صلاته ثم أتى بصلاة الاحتياط، و علم بعد ذلك بنقصان صلاته لم تجب عليه اعادتها و كانت صلاة الاحتياط جابرة لنقصها، فإذا شك بين الاثنتين و الأربع و بنى في

كلمة التقوى، ج 1، ص: 518

صلاته على الأربع، و أتى بركعتين قائما، ثم تذكر أن صلاته كانت ركعتين صحت صلاته و كانت ركعتا الاحتياط بدلا عما نقص من الصلاة، و كذلك إذا شك بين الاثنتين و الثلاث أو بين الثلاث و الأربع ثم علم بعد الإتيان بصلاة الاحتياط نقصان الصلاة.

المسألة 835

إذا أتم المكلف الصلاة بعد شكه و بنائه، و أتى بعدها بصلاة الاحتياط ثم علم بعد ذلك أن صلاته تنقص أكثر مما كان يحتمل، و ان صلاة الاحتياط لا تفي به، و مثال ذلك أن يشك بين الثلاث و الأربع فيبني على الأربع و يأتي بركعة قائما أو ركعتين جالسا، ثم يتذكر أنه قد صلى ركعتين فقط، فان تبين له ذلك قبل أن يفعل المنافي بعد صلاة الاحتياط قام فأتم الناقص متصلا بصلاة الاحتياط و سجد للسهو مرتين على الأحوط في جميع ذلك ثم أعاد الصلاة، و إذا تبين له ذلك بعد أن أتي بالمنافي أعاد الصلاة.

المسألة 836

إذا أتم الصلاة بعد شكه و بنائه و أتى بصلاة الاحتياط و علم بعد ذلك بنقصان صلاته أقل مما كان يحتمل، و ان صلاة الاحتياط تزيد على نقص صلاته، و مثال ذلك أن يشك بين الاثنتين و الأربع بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع و يأتي بركعتين قائما ثم يتذكر ان صلاته كانت ثلاث ركعات، فهي تنقص ركعة واحدة لا ركعتين. فان تذكر ذلك قبل أن يأتي بالمبطل قام فأتى بما نقص من صلاته متصلا، و سجد للسهو مرتين على الأحوط كما تقدم ثم أعاد صلاته، و إذا كان قد أتى بما ينافي الصلاة أعادها.

المسألة 837

إذا تذكر نقصان صلاته قبل أن يشرع بصلاة الاحتياط كان حكمه من نسي من صلاته ركعة أو ركعتين، فان تذكر ذلك بعد التسليم و قبل أن يأتي بما يبطل الصلاة عمدا و سهوا وجب عليه أن يقوم فيتم ما نقص من صلاته متصلا، فإذا سلم أتى بسجدتي السهو على الأحوط للسلام في

كلمة التقوى، ج 1، ص: 519

غير موضعه، و إذا أتى بما يبطل الصلاة وجبت عليه اعادتها كما ذكرنا في المسألة السبعمائة و السابعة و الخمسين.

المسألة 838

إذا علم نقصان صلاته و هو في أثناء صلاة الاحتياط وجب عليه أن يلغي صلاة الاحتياط و يتم ما نقص من صلاته ثم يعيدها، سواء كانت صلاة الاحتياط التي شرع فيها موافقة لما نقص من صلاته في عدد الركعات و في صفتها من قيام أو جلوس، أم مخالفة له في أحدهما أو في كليهما.

نعم إذا شك في صلاته بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بعد إكمال السجدتين، فبنى على الأربع و أتى بركعتين قائما من صلاة الاحتياط، ثم تذكر بعدهما و قبل الإتيان بالركعتين من جلوس ان صلاته تنقص ركعتين صحت صلاته و كانت ركعتا الاحتياط اللتان أتى بهما جابرتين لنقصها، و لا يجب عليه أن يأتي بصلاة الاحتياط الأخرى التي تجب عليه في هذا الشك و هي الركعتان من جلوس.

المسألة 839

إذا عرض للمكلف احد الشكوك فوجبت عليه صلاة الاحتياط و شك هل أنه أتى بها أم لا، فان كان شكه بعد خروج وقت الصلاة بنى على أنه أتى بصلاة الاحتياط و لم يعتن بشكه، و ان شك في الإتيان بها و هو في مكان الصلاة و لم يأت بما ينافيها أتى بصلاة الاحتياط و صحت صلاته، و ان شك في ذلك بعد أن أتى بما يبطل الصلاة و منه الفصل الطويل الماحي لصورة الصلاة وجبت عليه إعادة الصلاة، و إذا شك في الإتيان بها و قد دخل في فعل آخر لا ينافي الصلاة أو حصل فصل لا يمحو صورة الصلاة فالأحوط له أن يأتي بصلاة الاحتياط ثم يعيد الصلاة.

المسألة 840

إذا زاد الإنسان في صلاة الاحتياط ركعة تامة أو زاد فيها ركنا و لو سهوا بطلت، و كذلك إذا نسي فيها ركنا على الأحوط فتجب اعادتها ثم اعادة الصلاة على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 520

المسألة 841

إذا زاد في صلاة الاحتياط جزءا غير ركن ساهيا أو نقصه كذلك، و كان مما يوجب سجدتي السهو إذا وقع في الفريضة فالأحوط أن يأتي بالسجدتين بل لعله الأقوى.

المسألة 842

إذا شك في جزء من صلاة الاحتياط بعد ما تجاوزه و دخل في غيره لم يلتفت الى شكه، و إذا شك فيه و هو في محله أتى به و أعاد صلاة الاحتياط ثم أعاد الصلاة على الأحوط الا إذا كان الفعل المشكوك قراءة أو ذكرا فيأتي به برجاء المطلوبية و يتم احتياطه و لا يعيد الصلاة.

المسألة 843

إذا شك في شرط أو جزء منها بعد الفراغ لم يعتن بشكه.

المسألة 844

إذا شك في عدد ركعات الاحتياط بنى على الأكثر الا أن يكون الأكثر مبطلا فيبني على الأقل، و الأحوط استحبابا إعادة صلاة الاحتياط بعد ذلك ثم اعادة أصل الصلاة.

المسألة 845

إذا نسي سجدة من صلاة الاحتياط أو نسي تشهدا منها وجب عليه قضاؤهما بعد الصلاة ثم سجد لهما سجود السهو.

المسألة 846

إذا شك: هل أنه شك شكا يوجب عليه صلاة الاحتياط أم لا، فان كان شكه في أثناء الصلاة رجع الى حالته الموجودة لديه بالفعل من شك و غيره، و ان كان شكه بعد التسليم و قد بنى على نفسه فارغا من الصلاة لم يلتفت الى شكه، و ان لم يتحقق له الفراغ البنائي من الصلاة وجب عليه أن يأتي بعمل الشك الذي احتمله.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 521

المسألة 847

إذا نسي الإنسان صلاة الاحتياط و دخل في صلاة أخرى، ففي المسألة صور، و لكل صورة حكمها، فلتلاحظ.

(الصورة الأولى): أن يكون قد أتى بما يبطل الصلاة قبل الشروع في الصلاة الأخيرة، و تكون هذه الصلاة التي شرع فيها غير مترتبة شرعا على الصلاة الأولى التي نسي احتياطها، و مثال ذلك أن يشرع في نافلة مطلقة أو في قضاء فريضة فائتة. و الحكم في هذه الصورة أنه يجوز له أن يتم الصلاة التي شرع فيها إذا كان وقت صاحبة الاحتياط موسعا، سواء كانت ما شرع فيها فريضة أم نافلة، ثم يعيد أصل الصلاة الأولى، و عليه أن يقطع النافلة أو الفريضة التي شرع فيها و يأتي بالأولى إذا كان وقتها مضيقا و لا يكتفي بصلاة الاحتياط في كلا الفرضين.

(الصورة الثانية): أن تكون الصلاة الأخرى التي شرع فيها مترتبة شرعا على الصلاة الأولى، و يكون المكلف قد أتى بما يبطل الصلاة قبل الشروع في الأخرى، و مثال ذلك أن يشرع بفريضة العصر أو بنافلتها قبل صلاة الاحتياط للظهر، و يكون قد أتى بالمبطل قبل الشروع فيها.

و الحكم في هذه الصورة أن يقطع الصلاة التي شرع فيها سواء كانت نافلة أم فريضة، و يأتي بأصل الصلاة الأولى و لا يكتفى

بصلاة الاحتياط، ثم يأتي بالفريضة الثانية المرتبة بعدها، و بالنافلة إذا شاء.

(الصورة الثالثة): أن يشرع في الصلاة الأخيرة من غير أن يأتي بما يبطل الأولى، و تكون الصلاة الأخيرة غير مترتبة على الأولى، و مثال ذلك أن يقوم بعد التسليم من الصلاة الأولى و قبل صلاة الاحتياط فيشرع في نافلة مطلقة أو في قضاء فريضة فائتة، و الحكم في هذه الصورة أن يقطع هذه الصلاة إذا كانت نافلة و يأتي بصلاة الاحتياط، و يدعها إذا كانت فريضة و يصلي الاحتياط، فإذا صلى الاحتياط فيها بطلت الفريضة الثانية و صحت الأولى إذا تم احتياطها. و يجوز له أن يتم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 522

الفريضة التي شرع فيها فتصح، و تبطل الصلاة الأولى بذلك فإذا أتم الفريضة الثانية أعاد الأولى من أصلها.

(الصورة الرابعة) أن يشرع في الصلاة الأخيرة من غير أن يأتي بما يبطل الأولى، و أن تكون الصلاة التي شرع فيها مترتبة شرعا على الأولى، و مثال ذلك أن يقوم بعد التسليم و قبل الاحتياط للظهر فيشرع في فريضة العصر أو في نافلتها.

و الحكم أن يقطع الصلاة التي شرع فيها سواء كانت نافلة أم فريضة و يأتي بصلاة الاحتياط للأولى ثم يعيد الفريضة الثانية بعدها و النافلة إذا شاء.

الفصل الثالث و الثلاثون في الشكوك التي لا يلتفت إليها
المسألة 848

لا يعتنى بالشك في عدة مواضع.

(الأول): الشك في جزء من أجزاء الصلاة بعد أن يتجاوز الإنسان محل ذلك الجزء و يدخل في فعل آخر يأتي بعده في الترتيب الشرعي بين أفعال الصلاة، و قد تقدم بيانه في المسألة السبعمائة و الثالثة و الثمانين و ما بعدها من المسائل.

(الثاني): الشك في الإتيان بالصلاة أو في تحقق شي ء من شروطها أو واجباتها أو في عدد ركعاتها، بعد خروج

وقت الصلاة، و قد تقدم تفصيله كذلك في أول الفصل الحادي و الثلاثين.

المسألة 849

(الثالث): إذا شك في جزء من أجزاء الصلاة أو في شرط من شرائطها أو في عدد ركعاتها، و كان شكه بعد الفراغ من الصلاة حكم بصحة صلاته و لم يلتفت الى شكه، سواء كانت الصلاة ثنائية أم ثلاثية أم رباعية، و لا يجري هذا الحكم في الشك بعد الفراغ إلا إذا كانت

كلمة التقوى، ج 1، ص: 523

الصلاة صحيحة على أحد تقادير الشك، و مثال ذلك أن يشك الإنسان بعد الفراغ هل أنه صلى ثلاثا أو أربعا، فيحكم بصحة صلاته إذا كانت رباعية، و كذلك إذا كانت ثلاثية، لأنه يحتمل الصحة في كلا الفرضين، و تبطل صلاته إذا كانت ثنائية، لأنه يعلم ببطلانها بزيادة ركعة أو ركعتين.

أو يشك بعد الفراغ هل صلى اثنتين أو خمسا، فان صلاته تكون باطلة إذا كانت رباعية أو ثلاثية، و تكون صحيحة إذا كانت ثنائية.

المسألة 850

إذا شك في الرباعية بعد الفراغ منها بين الاثنتين و الثلاث، فقد علم أن السلام وقع في غير موضعه، فيجب أن يبني في شكه على الثلاث و يأتي بالرابعة متصلة، ثم يأتي بصلاة الاحتياط لهذا الشك، ثم يأتي بسجدتي السهو للسلام الأول الواقع في غير موضعه و إذا تكلم بعد التسليم سجد للسهو مرة ثانية.

المسألة 851

(الرابع): إذا كان الإنسان كثير الشك وجب عليه أن يحكم بصحة صلاته، فإذا شك في الإتيان بفعل من أفعال الصلاة أو تحقق شرط من شروطها، حكم بأنه قد أتى به، سواء كان في محله أم قد تجاوز عنه و دخل في غيره، و مثاله أن يشك في الإتيان بالقراءة أو الركوع أو السجود أو القيام، فيبني على أنه قد أتى به، و كذلك إذا شك هل انه ركع ركوعا واحدا أم ركوعين، و أتى بقراءة واحدة أم قراءتين، و بتشهد واحد أم تشهدين، بنى على عدم الزيادة، و إذا شك في عدد الركعات بنى على صحة ما فعله، فإذا شك بين الثلاث و الأربع بنى على الأربع إذا كانت صلاته رباعية، و بنى على الثلاث إذا كانت ثلاثية، و إذا شك بين الاثنتين و الثلاث بنى على الاثنتين إذا كانت الصلاة ثنائية و بنى على الثلاث إذا كانت ثلاثية و بنى على الثلاث كذلك إذا كانت رباعية ثم أتى بالرابعة، و كذلك إذا شك في صحة ما أتى به من فعل أو شرط أو قراءة أو ذكر، بنى على الصحة فيه. و سيأتي بيان المراد من كثرة الشك و بيان الفرق بين كثرة الشك في الصلاة و الوسوسة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 524

المسألة 852

إذا كثر شك الإنسان في فعل معين من أفعال الصلاة أو شرط خاص من شروطها اختص الحكم بذلك الشي ء الذي يكثر فيه الشك و لم يشمل غيره من الأجزاء و الشروط، و مثال ذلك أن يكثر شكه في النية وحدها، أو في تكبيرة الإحرام خاصة، أو في القراءة فقط، أو يكثر شكه في الطهارة في حال الصلاة من الحدث أو من الخبث،

فيبني على الصحة في ذلك الشي ء خاصة، و إذا اتفق له الشك في غير ذلك الشي ء وجب عليه أن يعمل فيه عمل الشك.

و كذلك إذا كثر شكه في صلاة معينة كصلاة الظهر مثلا أو العصر لم يلتفت الى الشك فيها، و أتى بعمل الشك في الصلوات الأخرى إذا شك فيها، و كذلك إذا كثر شكه في الأولتين مثلا أو بين الاثنتين و الثلاث، فيختص حكم كثرة الشك بذلك المورد و لا يتعدى الى غيره.

و إذا كثر شكه في الصلاة في مكان خاص دون غيره من الأمكنة، و مثاله أن يكثر شكه إذا صلى في المسجد مثلا أو في موضع معين منه، فإجراء حكم كثير الشك عليه موضع تأمل، و الأحوط له ترك الصلاة في المكان الذي يكثر عليه الشك فيه.

المسألة 853

المدار في كثرة الشك: ان تحصل للشخص في نظر أهل العرف حالة ثانوية غير متعارفة، هي كثرة الشك، فإذا تحققت له هذه الحالة في نظرهم ثبت له حكم كثير الشك، و إذا كان المكلف ممن لا تسلم له ثلاث فرائض من الشك في واحدة منها، فهو من أفراد كثير الشك شرعا.

و يشترط في ثبوت حكم كثير الشك له أن لا يكون حصول هذه الحالة له من أجل حصول بعض الطواري كالخوف، أو الغضب، أو الارهاق، أو بعض العوارض الأخرى التي توجب الارتباك في الذهن و الاضطراب في التفكير، فلا يثبت له في مثل ذلك حكم كثير الشك.

المسألة 854

الوسوسة صفة تحصل للإنسان من كثرة الشك و التردد في الأمر و قد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 525

تحصل من غيرها حتى يفقد حالة الطمأنينة بحصول الشي ء و ان كان قاطعا بحصوله، فلا يطمئن بطهارة يده مثلا من النجاسة و ان غسلها عشرين مرة، و لا يطمئن بصحة إحرامه في الصلاة و ان كبر عشرين تكبيرة، و حتى يحصل له القطع بحدوث بعض النتائج من مقدمات قد لا توجب حتى الوهم، فيقطع بوصول النجاسة إلى بدنه أو ثيابه من ملاصقة بعض الأجسام أو توهم ملاصقتها، و يقطع بانتقال بعض الأمراض من ملامسة بعض الأشياء أو توهم ملامستها.

المسألة 855

لا يثبت حكم كثرة الشك للإنسان حتى يعلم بتحقق الحالة له في نظر أهل العرف، كما تقدم، فإذا شك في ثبوت الصفة له و عدم ثبوتها، بنى على عدمها، و إذا تحققت الصفة ثبت له حكمها، و لا يزول عنه حتى يعلم بزوال الحالة عنه، فإذا شك في زوالها و عدمه بنى على بقائها.

المسألة 856

إذا كان الإنسان كثير الشك لم يجز له أن يعتني بشكه، فلا يجوز له أن يأتي بالشي ء الذي يشك في فعله، فإذا شك في الركوع مثلا لم يجز له أن يركع، و إذا خالف ذلك فركع بطلت صلاته، و كذلك غيره من أفعال الصلاة و ان لم يكن ركنا على الأحوط.

نعم إذا شك في القراءة أو الذكر، فله أن يأتي بهما بقصد القربة المطلقة ما لم تبلغ حالته حد الوسوسة فلا يجوز له ذلك.

المسألة 857

إذا علم الإنسان أنه كثير الشك، و لكنه شك: هل أن كثرة شكه مطلقة، فعليه أن لا يلتفت الى أى شي ء شك فيه، أو هي خاصة في المورد المعين، فعليه أن لا يتعداه في الحكم الى غيره، وجب عليه أن يقتصر في الحكم على المورد المعين.

المسألة 858

إذا ثبتت للمكلف صفة كثرة الشك فلم يلتفت الى شكه، ثم تبين له

كلمة التقوى، ج 1، ص: 526

بعد ذلك أن الواقع على خلاف ما بنى عليه، وجب عليه أن يعمل بمقتضى الواقع الذي ظهر له، فإذا استبان له انه قد ترك ركنا بطلت صلاته، و مثال ذلك ان يشك في أنه ركع أم لم يركع، فإذا بنى على انه ركع و لم يعتن بشكه، ثم تذكر أنه قد ترك الركوع، فان كان في موضع يمكنه تداركه وجب عليه أن يعود اليه و يأتي به و يتم صلاته و إذا فات محله و لم يمكن تداركه بطلت الصلاة.

و إذا كان الشي ء الذي شك فيه واجبا غير ركن فتركه، ثم تبين له انه لم يأت به، وجب عليه أن يأتي به إذا لم يفت موضع تداركه، و إذا فات محله مضى في صلاته و صحت، و إذا كان الجزء المتروك سجدة واحدة أو تشهدا وجب عليه قضاؤهما و سجود السهو لهما بعد إتمام الصلاة. و إذا شك في زيادة الفعل فبنى على عدم زيادته ثم ظهر له انه قد زاده، فان كان ركوعا بطلت صلاته و إذا كان تكبيرة الإحرام أو سجدتين أتم الصلاة ثم أعادها على الأحوط كما تقدم. و إذا كان واجبا غير ركن أتم صلاته و لا شي ء عليه.

المسألة 859

من كثر شكه في صلاته جاز له ضبط عددها و أفعالها بالخاتم يحوله من إصبع إلى إصبع، و بالسبحة أو الحصى ينقلها من موضع الى موضع، و لا يجب عليه ذلك، و كذلك غير كثير الشك من الناس.

المسألة 860

(الخامس): إذا شك إمام الجماعة في عدد ركعات الصلاة و كان المأموم حافظا للعدد رجع الإمام اليه و لم يعتن بالشك الذي حصل له، سواء أوجب ذلك له ظنا أم لا، و سواء كان المأموم واحدا أم متعددا، و عادلا أم فاسقا، و رجلا أم امرأة، و سواء كانت الصلاة ثنائية أم ثلاثية أم رباعية، و سواء كان الشك في الأولتين أم الأخيرتين.

و إذا شك المأموم في عدد ركعات الصلاة و كان الامام حافظا للعدد رجع المأموم اليه و لم يعتن بشكه كذلك، و مثله الحكم على الأقرب في أفعال الصلاة إذا كان الشك في فعل كليهما، و مثال ذلك أن يشك الإمام

كلمة التقوى، ج 1، ص: 527

أو المأموم هل أننا ركعنا أم لا، فيرجع الشاك منهما الى الحافظ و لا يعتني بشكه.

و إذا كان الشك في فعل نفسه خاصة، كما إذا شك المأموم: اني هل ركعت مع الإمام أم لا، فالظاهر أنه يجب عليه أن يعمل بموجب شكه، فيأتي بالواجب إذا كان في محله، و يمضي في صلاته، إذا كان بعد التجاوز عنه.

المسألة 861

في رجوع الظان بالركعات من الامام و المأموم إلى المتيقن اشكال، فلا يترك الاحتياط بأن يتم الصلاة على وفق ظنه، ثم يعيدها إذا كان يقين صاحبه مخالفا لظنه.

و كذلك الإشكال في رجوع الشاك في الركعات الى الظان بها، فلا يترك الاحتياط بأن يتم الشاك صلاته على وفق ظن صاحبه ثم يعيدها إذا كان مقتضى شكه الإعادة، و مثال ذلك أن يكون شكه في الأولتين، أو يكون شكه في الأخيرتين و يكون ظن صاحبه للأقل، كما إذا شك المأموم بين الثلاث و الأربع و كان الامام ظانا بأنها ثلاث، فعلى المأموم

أن يتم الصلاة على وفق ظن الامام ثم يعيدها و إذا كان الشك في الأخيرتين و كان ظن صاحبه بالأكثر أتم صلاته على وفق ظن صاحبه ثم جبرها بصلاة الاحتياط و صحت صلاته.

و أما الظن بالأفعال فقد تقدم انه بحكم الشك، فيصح للظان من الامام أو المأموم بالأفعال أن يرجع الى المتيقن منهما إذا كان التردد في فعل كليهما كما قلنا في الشك.

المسألة 862

إذا اختلف المأمومون في اعتقادهم بعدد الركعات، فزعم بعضهم انها ثلاث ركعات مثلا، و زعم بعضهم انها أربع، فليس للإمام إذا شك أن يرجع الى أحد الفريقين، إلا إذا حصل له الظن من قول بعضهم، فيعمل وفق ظنه، و إذا لم يحصل له الظن فلا بد له من أن يأتي بعمل الشك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 528

المسألة 863

إذا شك الإمام في عدد الركعات و كان بعض المأمومين متيقنا بالعدد و كان بعضهم شاكا فيه رجع الإمام إلى المتيقن منهم.

و أما البعض الآخر الشاك منهم، فان حصل له الظن عمل به اعتمادا على ظن نفسه لا على ظن غيره، و ان لم يحصل له الظن بشي ء فالأحوط له أن ينوي الانفراد في صلاته و يعمل عمل الشك، و إذا هو لم ينفرد، فلا بد له من أن يعمل على وفق شكه بعد الإتمام فيعيد الصلاة إذا كان مقتضى شكه الإعادة كما إذا كان شكه في الثنائية أو الثلاثية أو الأولتين من الرباعية.

و يعيد الصلاة أيضا إذا كان الشك في الأخيرتين من الرباعية و كان عمل الامام لا يطابق البناء على الأكثر، و مثال ذلك أن يكون الشك بين الثلاث و الأربع و كان عمل الامام بعد رجوعه الى المتيقن على البناء على الأقل، فعلى المأموم الشاك أن يعيد الصلاة إذا أتمها مع الامام و لم ينو الانفراد. و إذا عمل الامام على البناء على الأكثر، كان على المأموم بعد أن يتم الصلاة أن يأتي بصلاة الاحتياط.

المسألة 864

إذا شك الامام و المأمومون في عدد الركعات و لم يكن بينهم من يعلم بعددها، فللمسألة صور تجب مراعاتها.

(الصورة الأولى): أن يتحد الشك بين الجميع، و مثال ذلك أن يشكوا جميعا بين الثلاث و الأربع مثلا دون اختلاف، فيجب على الجميع أن يعملوا عمل هذا الشك، فيبنوا على الأربع، و يأتوا بعد التسليم بصلاة الاحتياط.

(الصورة الثانية): أن يختلفوا في شكهم بحيث لا يكون بينهم قدر مشترك، و مثال ذلك أن يشك الامام بين الاثنتين و الثلاث، و يشك المأمومون بين الأربع و الخمس، و الحكم ان يعمل

كل واحد منهم عمل شكه الخاص به.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 529

(الصورة الثالثة): أن يختلف الامام و المأمومون في شكهم و يكون بينهم قدر مشترك يجتمعون فيه، و مثال ذلك أن يشك الامام بين الاثنتين و الثلاث، و يشك المأمومون بين الثلاث و الأربع فالثلاث هي القدر المشترك بين الجميع، أو يشك أحدهما بين الثلاث و الأربع و يشك الآخر بين الأربع و الخمس، فتكون الأربع هي القدر المشترك بينهم، و لا يترك الاحتياط في أن يرجعوا الى القدر المشترك المذكور فيتموا الصلاة ثم يعيدوها بعد الإتمام.

و كذلك إذا اختلف الامام مع المأمومين في الشك و اختلف المأمومون ما بينهم، فتجب عليهم مراعاة الاحتياط، و إذا حصل الظن لبعضهم عمل بموجب ظنه.

المسألة 865

(السادس): إذا شك الإنسان في عدد ركعات النافلة تخير فيها بين ان يبني على الأقل، و هو أفضل، و أن يبني على الأكثر فيتم صلاته و لا شي ء عليه، و إذا كان الأكثر مفسدا للنافلة بنى على الأقل، و لا فرق في الحكم بين أن تكون النافلة ذات ركعة واحدة كالوتر، أو ذات ركعتين كأكثر النوافل، أو رباعية كصلاة الأعرابي.

و لا يختلف هذا الحكم في النافلة إذا أصبحت واجبة بنذر أو عهد أو يمين، و لا يلحق هذا الحكم الفريضة إذا عرض لها وصف النفل كالفريضة المعادة جماعة، أو المعادة للاحتياط المستحب و الفريضة التي يتبرع بقضائها عن الغير، و لا يلحق صلاة الصبي و لا صلاة الطواف و العيد المستحبين على الأقرب.

المسألة 866

حكم الشك في أجزاء النافلة هو حكم الشك في أجزاء الفريضة، فإذا شك في الشي ء منها و هو في محله أتى به، و إذا شك فيه بعد ما تجاوزه و دخل في غيره لم يلتفت الى شكه.

المسألة 867

إذا ترك ركنا من أركان النافلة بطلت، سواء كان عامدا أم ساهيا،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 530

و كذلك إذا زاد فيها ركنا عامدا، و إذا زاد فيها ركنا ساهيا، ففي البطلان و عدمه اشكال و لا يترك الاحتياط.

المسألة 868

إذا نسي جزءا من أجزاء النافلة و تذكره قبل أن يدخل في ركن بعده رجع الى ذلك الجزء المنسي فأتى به و بما بعده على الترتيب كما في الفريضة، سواء كان الجزء المنسي ركنا أم غيره، و إذا تذكره بعد أن دخل في ركن بعده ففي الرجوع إليه إشكال و لا يترك الاحتياط.

المسألة 869

إذا نسي سجدة واحدة أو تشهدا من صلاة النافلة، فلا يترك الاحتياط بقضائهما بعد التسليم، و لا يترك الاحتياط بسجود السهو إذا فعل ما يوجبه في النافلة.

المسألة 870

إذا زاد في النافلة ركعة و لو سهوا بطلت، و كذلك إذا شك فيها بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الاثنتين، ثم تذكر انها ثلاث.

المسألة 871

إذا ظن في عدد ركعات النافلة، فالأحوط له أن يعمل فيها على ظنه ما لم يكن موجبا للبطلان بل لا يخلو من قوة.

المسألة 872

إذا شرع في بعض النوافل التي قد جعلت لها في الشريعة كيفية مخصوصة أو حددت في قراءتها سورة خاصة أو آيات معينة، أو تكرار سور أو آيات مخصوصة أو نحو ذلك من الخصوصيات و نسي تلك الكيفية أو تلك السورة المحددة، رجع إليها و تداركها إذا لم يفت موضع تداركها، فإذا فات موضع ذلك لم تتحقق له تلك الصلاة المعينة فإن هو أرادها فلا بد له من الإعادة.

و إذا كان قد قصد في نيته امتثال تلك النافلة الخاصة على نحو التقييد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 531

كان ما أتى به باطلا و إذا قصدها على نحو تعدد المطلوب كان ما أتى به نافلة مطلقة.

المسألة 873

تقدم في فصل الشك في عدد الركعات: ان الظن في الركعات بحكم العلم، فعلى المكلف إذا ظن بالعدد أن يعمل على ظنه و لا احتياط عليه سواء كان في الصلاة الثنائية أم الثلاثية أم الرباعية، و في الأولتين منها أم الأخيرتين، إلا إذا كان الظن موجبا للبطلان، فالأحوط فيه أن يأتي بعمل الشك ثم يعيد الصلاة، و تراجع المسألة الثمانمائة و الثامنة.

و تقدم الإشكال في رجوع الشاك في عدد الركعات من الامام أو المأموم إلى الظان به منهما و بيان الاحتياط في ذلك في المسألة الثمانمائة و الحادية و الستين.

و تقدم في فصل الشك في الصلاة و أفعالها، أن الظن في الأفعال بحكم الشك، فيجب على الظان فيها أن يأتي بعمل الشك، فإذا ظن الفعل أو الترك و كان في محل الشي ء المشكوك وجب عليه أن يأتي به، و إذا كان بعد التجاوز عنه مضى في صلاته و لم يلتفت، إلا إذا كان الظن اطمئنانيا فعليه أن يتم الصلاة وفق اطمئنانه

ثم يعيدها، إذا كان عمله مخالفا لقاعدة الشك في المحل أو التجاوز و تراجع المسألة السبعمائة و الثالثة و التسعون.

و تقدم أيضا ان الظن بالإتيان بالصلاة أو بعدم الإتيان بها بحكم الشك في ذلك، فإذا ظن بأحدهما و هو في الوقت وجب عليه أن يأتي بالصلاة، و إذا كان بعد خروج الوقت بنى على أنه قد أتي بالصلاة و لم يلتفت.

المسألة 874

يصح الاعتماد على شهادة البينة العادلة في أفعال الصلاة و في عدد ركعاتها و في إحراز شروطها، كالطهارة من الحدث أو الخبث، و القبلة، و الوقت.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 532

و قد تقدم في مبحث الوقت انه يصح الاعتماد فيه على أذان الثقة العارف، و تقدم في مبحث القبلة تفصيل القول في صحة الاعتماد على الظن بالقبلة و عدمها.

المسألة 875

ما ذكرناه في هذه الفصول من أحكام الخلل الواقع في الصلاة عمدا أو سهوا، و أحكام الشك و الظن لا يختص بالصلاة اليومية، بل يعم غيرها من الفرائض الواجبة كصلاة الآيات، و القضاء، و صلاة الطواف، و صلاة الجمعة و العيدين، فتبطل بنقصان الركن و زيادته عمدا و سهوا، و تبطل بالزيادة العمدية في غير الركن من الأجزاء و لا تبطل بزيادته سهوا، و يجب فيها قضاء السجدة و التشهد إذا نسيهما، و يجب فيها سجود السهو إذا طرأ فيها أحد موجباتها كما في الفريضة اليومية.

و إذا عرض فيها شك في عدد الركعات بطلت، لأنها ثنائية، و إذا شك في فعل من أفعالها و كان في محل الشي ء المشكوك أتى به و إذا كان بعد التجاوز عنه لم يلتفت.

الفصل الرابع و الثلاثون في قضاء الأجزاء المنسية
المسألة 876

يجب قضاء السجدة الواحدة من الركعة إذا نسيها و لم يتذكرها حتى دخل في الركوع من الركعة اللاحقة، من غير فرق بين أن تكون السجدة من الركعتين الأولتين أو الأخيرتين، و يجب قضاء التشهد إذا نسيه و لم يتذكره الا بعد الدخول في الركوع كذلك، فيأتي بهما بعد الصلاة، و يجب عليه أن يسجد للسهو لنسيان التشهد، و لنسيان السجدة أيضا على الأحوط، و قد ذكرنا ذلك في المسألة السبعمائة و الستين و ما بعدها.

المسألة 877

إذا نسي سجدة واحدة من الركعة الأخيرة أو نسي التشهد منها و تذكرهما بعد التسليم فان كان قبل أن يأتي بما يبطل الصلاة وجب

كلمة التقوى، ج 1، ص: 533

عليه أن يأتي بالسجدة أو التشهد بقصد ما في ذمته من أداء أو قضاء لهما، ثم يأتي بما بعدهما حتى يحصل الترتيب، فإذا سلم سجد للسهو لما في ذمته بسبب نسيان الجزء أو التسليم في غير موضعه، و صحت صلاته بذلك.

و ان تذكرهما بعد التسليم و فعل ما يبطل الصلاة، أتى بهما و بسجود السهو لهما، ثم أعاد الصلاة، و قد تقدم ذلك في المسألة السبعمائة و الثامنة و الستين.

المسألة 878

يجب قضاء أبعاض التشهد إذا نسيها، كما إذا نسي الشهادتين أو نسي إحداهما أو الصلاة على محمد و آل محمد، فيقضى الجزء الذي تركه وحده، و لا تجب اعادة التشهد كله، نعم إذا نسي الصلاة على آل محمد وجب أن يقضي صيغة الصلاة على محمد و آل محمد كلها، و كذلك إذا نسي كلمة وحده لا شريك له أعاد الشهادة الأولى كلها، و إذا نسي كلمة عبده و رسوله أعاد الشهادة الثانية كلها.

المسألة 879

إذا نسي الذكر من السجدة في الصلاة أو نسي وضع بعض المساجد ما عدا الجبهة أو غير ذلك مما يجب في سجود الصلاة لم يجب قضاؤه فالحكم مختص بقضاء السجدة نفسها.

المسألة 880

يعتبر في قضاء السجدة المنسية ان يكون جامعا لجميع ما يشترط في الصلاة من طهارة، و استقبال، و ستر عورة، و نحوها، و لجميع ما يعتبر في سجود الصلاة من وضع المساجد و طهارة موضع الجبهة، و وضعها على ما يصح السجود عليه، و الذكر، و الطمأنينة و غير ذلك من شرائط و واجبات.

و يعتبر في قضاء التشهد المنسي أن يكون جامعا لجميع ما يعتبر في تشهد الصلاة من شروط، و واجبات، كالطهارة و الاستقبال و الجلوس

كلمة التقوى، ج 1، ص: 534

و الطمأنينة و الإتيان بالشهادتين و الصلاة على محمد و آل محمد بالصيغة المتعارفة في تشهد الصلاة.

المسألة 881

يجب في قضاء السجدة و التشهد نية البدلية عن الجزء المنسي، و تجب المبادرة إليهما بعد التسليم، فلا يجوز على الأحوط أن يفصل ما بينهما و بين الصلاة بما ينافيها، نعم لا بأس بالفصل القليل بالدعاء و الذكر و نحوه مما يجوز إيقاعه في الصلاة إذا لم يناف الفورية العرفية، و لا يجوز تأخيرهما عن التعقيب.

المسألة 882

إذا فصل ما بين قضاء السجدة أو التشهد و بين الصلاة بما يبطل الصلاة عمدا و سهوا كالحدث و استدبار القبلة، كفاه أن يأتي بهما و ان كان الأحوط استحبابا أن يعيد الصلاة بعد ذلك و كذلك الحكم في ما يبطل الصلاة عمدا لا سهوا، كالتكلم و القهقهة إذا أتى بهما عامدا، و لا يضره إذا وقع ذلك منه سهوا، و هذا إذا كانت السجدة أو التشهد من غير الركعة الأخيرة، و قد تقدم حكمهما إذا كانا منها.

المسألة 883

لا يترك الاحتياط في أن يسجد للسهو إذا أتى بما يوجب سجود السهو في أثنائهما أو قبل الإتيان بهما.

المسألة 884

إذا أتى بقضاء التشهد بعد الصلاة، و نسي أن يأتي ببعض أجزائه، فإن تذكر ذلك قبل أن يأتي بما يبطل الصلاة عمدا و سهوا تدارك ما نسي منه فأتى به، و ان تذكره بعد ما أتى بالمبطل و كان ذلك من التشهد الأخير فالأحوط له اعادة التشهد ثم اعادة الصلاة، و إذا كان من التشهد الأول كفاه أن يعيد التشهد خاصة.

المسألة 885

إذا أتى بقضاء السجدة بعد الصلاة و نسي أن يأتي فيها بالذكر أو

كلمة التقوى، ج 1، ص: 535

ببعض ما يجب في السجود ما عدا وضع الجبهة لم تجب اعادة القضاء و ان كان أحوط.

المسألة 886

إذا وجب على المكلف قضاء سجدات متعددة من الصلاة، و كانت السجدات من غير الركعة الأخيرة، كفاه أن يأتي بقضائها واحدة بعد واحدة حتى يتم عدد السجدات المنسية و لا يشترط التعيين في النية انها الأولى أو الثانية، ثم سجد بعدها للسهو لكل سجدة منها و إذا كانت احدى السجدات المنسية من الركعة الأخيرة و ذكرها بعد التسليم، قدمها على الأحوط و أتى بما بعدها من تشهد و تسليم كي يحصل الترتيب، ثم قضى بقية السجدات المنسية ثم سجد للسهو لكل واحدة من السجدات الأولى و من التشهد الزائد و سجد للسهو لما في ذمته من السجدة الأخيرة أو التسليم في غير موضعه، و إذا كان ذلك بعد أن فعل المنافي أعاد الصلاة. و كذلك الحكم إذا تعدد نسيان التشهد فيقدم التشهد الأخير على النهج المذكور في السجدة سواء بسواء.

المسألة 887

لا تجب مراعاة الترتيب في قضاء الأجزاء المنسية من الصلاة، فيصح له أن يقضى اللاحق في الفوت قبل السابق و ان كانت مراعاة الترتيب أحوط استحبابا.

المسألة 888

إذا علم المصلي بأنه نسي إما سجدة أو تشهدا لم يعلم بالمنسي منهما على التعيين، وجب عليه أن يحتاط بقضائهما معا.

المسألة 889

إذا علم بأنه نسي السجدة و لكنه شك هل انه ذكرها في موضعها من الصلاة فتداركها قبل الفوت أم لا، فالأحوط لزوم قضائها بل لا يخلو من قوة و كذلك الحكم في التشهد.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 536

المسألة 890

يجب تقديم صلاة الاحتياط على قضاء الأجزاء المنسية إذا اتفقا للمكلف في صلاة واحدة، و ان كان فوت الأجزاء متقدما على الشك الذي أوجب عليه صلاة الاحتياط، و يجب تقديم الاحتياط كذلك على سجود السهو إذا اتفقا له، و ان كان موجب سجود السهو متقدما و إذا وجب على المكلف قضاء الأجزاء و سجود السهو فالأحوط تقديم قضاء الأجزاء على السجود.

المسألة 891

إذا علم بوجوب قضاء السجدة أو التشهد عليه، ثم انقلب علمه شكا لم يجب عليه القضاء، سواء كان انقلاب اعتقاده شكا في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها.

المسألة 892

إذا وجب عليه قضاء أحدهما، و شك هل أنه أتى بقضاء ما عليه أم لا، وجب عليه الإتيان به إذا كان الشك في الوقت، و كذلك إذا كان بعد الوقت على الأحوط.

المسألة 893

إذا تردد في الفائت منه بين الأقل و الأكثر، بنى على الأقل.

المسألة 894

إذا علم أنه نسي بعض أفعال الصلاة، و شك هل أنه سجدة أو تشهد فيلزمه قضاؤه أو غيرهما من الأجزاء غير الركنية فلا يجب، لم يجب عليه القضاء و لا سجود السهو.

المسألة 895

إذا شرع في نافلة أو فريضة، ثم تذكر ان عليه قضاء سجدة أو تشهد، تعين عليه قطعها و الإتيان بالقضاء.

المسألة 896

إذا وجب عليه قضاء سجدة أو تشهد من صلاة الظهر و ضاق وقت

كلمة التقوى، ج 1، ص: 537

العصر فإن بقي من الوقت مقدار ركعة فقط وجب تقديم صلاة العصر، و أتى بقضاء الجزء بعدها، و إذا بقي من الوقت ما يدرك منه ركعة بعد قضاء الجزء أشكل الحكم بوجوب تقديم القضاء، و لكنه إذا قدم القضاء ثم صلى العصر صح الجميع.

المسألة 897

إذا وجبت على المكلف صلاة الاحتياط للظهر و ضاق وقت العصر، فإن بقي من الوقت مقدار ركعة فقط قدم العصر، ثم أعاد الظهر من أصلها و لم يكتف بصلاة الاحتياط.

و إذا بقي من الوقت ما يدرك منه ركعة بعد صلاة الاحتياط، أشكل الحكم بتقديم صلاة الاحتياط كما سبق في نظيره، و لكنه إذا أتى بصلاة الاحتياط ثم صلى العصر صح الجميع.

الفصل الخامس و الثلاثون في سجود السهو
المسألة 898

يجب سجود السهو لأحد الأمور الآتية.

(الأول): يجب للتكلم ساهيا بحرفين أو أكثر و ان كانا غير مفهمين، و يجب للتكلم بحرف واحد إذا كان مفهما على الأحوط، كما ذكرنا في فصل منافيات الصلاة، و كذلك إذا تكلم عامدا باعتقاد انه قد فرغ من الصلاة أو سبقه لسانه فتكلم من غير قصد، فالأحوط لزوم سجود السهو لهما.

و قد تقدم في مبطلات الصلاة أن التنحنح و النفخ أصوات تشبه الحروف و ليست كلاما و لا حروفا، فلا تبطل الصلاة إذا تنحنح المكلف أو نفخ في أثناء صلاته عامدا، و لا يجب عليه سجود السهو إذا فعل ذلك ساهيا و يشكل الحكم في التأوه و الاثنين إذا حدث منهما حرفان، فلا يترك الاحتياط بسجود السهو لهما إذا كان ساهيا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 538

المسألة 899

إذا تكلم في الصلاة بتوهم ان ما تكلم به قرآن أو ذكر أو دعاء، و تبين انه ليس منه، فالحكم بصحة صلاته مشكل، فلا بد له من سجود السهو ثم اعادة الصلاة.

المسألة 900

(الثاني): التسليم في غير موضعه ساهيا على الأحوط، و المراد به الإتيان بإحدى الصيغتين المخرجتين من الصلاة، سواء قصد به الخروج من الصلاة أم لم يقصد ذلك.

المسألة 901

(الثالث): نسيان سجدة واحدة من الصلاة حتى يفوت موضع تداركها، فإذا نسيها كذلك وجب عليه قضاؤها بعد الصلاة، و وجب عليه أن يسجد للسهو لنسيانها على الأحوط. و لا يجب سجود السهو إذا نسي الذكر من السجدة أو نسي بعض واجباتها الأخرى.

المسألة 902

(الرابع): نسيان التشهد حتى يفوت موضع تداركه، فيجب قضاؤه بعد الصلاة، و يجب سجود السهو لنسيانه، و لا يجب السجود إذا نسي أبعاض التشهد حتى فات موضع تداركها و ان وجب قضاؤها كما تقدم في المسألة الثمانمائة و الثامنة و السبعين.

المسألة 903

(الخامس): الشك بين الأربع و الخمس من ركعات الصلاة الرباعية إذا كان بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع و يأتي بعد التسليم بسجدتي السهو كما تقدم بيانه في صور الشك الصحيحة.

المسألة 904

(السادس): القيام ساهيا في موضع يجب فيه القعود، أو القعود في موضع يجب فيه القيام كذلك، بشرط أن يتلبس مع القيام أو القعود

كلمة التقوى، ج 1، ص: 539

بقراءة أو تسبيح أو ذكر، و لا يجب السجود لهما إذا لم يتلبس معهما بذلك.

المسألة 905

(السابع): إذا علم إجمالا بأنه إما زاد أو نقص في صلاته و كانت الزيادة و النقيصة غير مبطلتين.

المسألة 906

لا يجب السجود لكل زيادة و نقيصة في الصلاة على الأقوى، في غير مورد العلم الإجمالي المتقدم ذكره و ان كان الأحوط استحبابا ذلك، و لا تصدق الزيادة على المستحبات.

المسألة 907

يجب تعدد سجود السهو إذا تعدد السبب الذي يوجبه، سواء كان السبب من نوع واحد أم من أنواع متعددة، و مثال تعدد السبب من نوع واحد، أن ينسى سجدتين أو أكثر من كل ركعة سجدة، أو يقوم في موضع القعود مرات متعددة في صلاته مع التلبس بالقراءة أو الذكر في كل مرة، فيجب عليه سجود السهو لكل سجدة في المثال الأول، و لكل قيام في المثال الثاني و مثال تعدد السبب من أنواع: أن ينسى سجدة و تشهدا و يشك بين الأربع و الخمس في صلاة واحدة فيجب عليه سجود السهو لكل واحد منها.

المسألة 908

الكلام الواحد موجب واحد إذا كان عن سهو واحد و ان كان طويلا، و إذا تعدد السهو تعدد الموجب، و مثال ذلك ان يتكلم ساهيا ثم يتذكر، ثم يسهو ثانيا فيستمر بكلامه الأول، و هكذا فعليه لكل مرة سجود.

المسألة 909

إذا ترك السجدة أو التشهد و قام ساهيا، و تذكر ذلك قبل دخوله في الركوع وجب عليه أن يعود فيأتي بالسجدة أو التشهد و يتم صلاته، ثم يسجد سجدتي السهو مرة واحدة للقيام الزائد، و ان كان قد أتى

كلمة التقوى، ج 1، ص: 540

بقراءة الحمد و السورة و القنوت و التكبير للركوع، و إذا أتى بسجوده بقصد ما في الذمة فهو أحوط.

المسألة 910

لا يجب في نية سجود السهو تعيين السبب الموجب له و ان تعدد و اختلف نوعه، و لا يجب الترتيب فيه فيجوز أن يقدم في الامتثال ما كان سببه متأخرا.

المسألة 911

موضع سجدتي السهو بعد التسليم من الصلاة و تجب المبادرة إليهما على الأحوط، فان أخرهما عامدا عصى بذلك و وجبت عليه المبادرة ثانيا، و هكذا الى أن يؤديهما، و إذا نسيهما وجب أن يأتي بهما متى تذكر و لو بعد مدة، و لا تبطل الصلاة بذلك، و لا تبطل بتركه أصلا و ان كان الأحوط الإعادة.

المسألة 912

إذا عين في نيته سببا خاصا لسجوده ثم تذكر ان السبب الذي أوجب عليه السجود غير ما قصده، صح سجوده إذا قصد به امتثال ما في ذمته، و كان ذكره للسبب الخاص من باب الخطأ في التطبيق، و وجبت عليه الإعادة إذا كان قصده على وجه التقييد.

المسألة 913

كيفية سجود السهو أن ينوي السجود، ثم يضع جبهته و بقية مساجده في مواضعها من سجود الصلاة، و يتخير في الذكر بين صيغتين، إحداهما:

(بسم اللّه و باللّه اللهم صل على محمد و آل محمد) و إذا اختار هذه الصيغة فعليه أن يجمع بين ما تقدم كما ذكره في الكافي، و بين أن يقول:

(بسم اللّه و باللّه و صلى اللّه على محمد و آل محمد) على ما في رواية الفقيه و التهذيب.

و الصيغة الثانية: (بسم اللّه و باللّه، السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته) و إذا اختار هذه الصيغة فعليه أن يأتي بها بدون الواو

كلمة التقوى، ج 1، ص: 541

مرة، كما ذكرناه على ما في رواية الكافي و بعض نسخ الفقيه، و مع الواو مرة أخرى، فيقول كما في التهذيب: (بسم اللّه و باللّه و السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته) ثم يرفع رأسه و يسجد مرة ثانية و يقول فيها ما تقدم، ثم يجلس و يتشهد بالتشهد الخفيف المتعارف و هو أن يقول: (أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله اللهم صل على محمد و آل محمد) و وصفه بالخفيف بلحاظ خلوه من الزيادات المندوبة في تشهد الصلاة، ثم يسلم و يكفي في التسليم أن يقول: السلام عليكم.

المسألة 914

لا يجب التكبير لسجود السهو و لا لرفع الرأس منه، و الأحوط أن يراعى فيه جميع ما يعتبر في سجود الصلاة من شرائط الصلاة كالطهارة من الحدث و الخبث و ستر العورة و الاستقبال و ترك جميع المنافيات، و أن تجتمع فيه شرائط السجود و واجباته من وضع جميع المساجد

و طهارة موضع الجبهة و ان يكون مما يصح السجود عليه، و أن لا يكون أرفع من موقف المصلى أو أخفض منه بأكثر من أربع أصابع، و الطمأنينة في السجود و الانتصاب و الطمأنينة بين السجدتين، بل لا يخلو بعض ذلك من قوة.

المسألة 915

لا يجب سجود السهو حتى يعلم بتحقق سببه فإذا شك في وجود السبب الموجب لم يجب السجود.

المسألة 916

إذا علم بوجوب السجود عليه ثم شك هل أتى به أم لا، وجب عليه أن يأتي به، و ان طالت المدة، بل لا يترك الاحتياط حتى إذا شك فيه بعد خروج الوقت.

المسألة 917

إذا علم بوجوب سجود السهو عليه، ثم انقلب علمه شكا لم يجب عليه السجود.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 542

المسألة 918

إذا علم بوجوب السجود عليه و تردد في عدده بين الأقل و الأكثر بنى على الأقل.

المسألة 919

إذا شك في بعض أجزاء سجود السهو، فان كان في محله وجب أن يأتي به، و إذا شك فيه بعد الفراغ من العمل بنى على الصحة و لم يلتفت الى شكه، و إذا شك فيه بعد التجاوز عن محل الشي ء المشكوك و قبل الفراغ من العمل، فلا يترك الاحتياط بالإتيان به بقصد القربة المطلقة.

المسألة 920

إذا شك هل سجد سجدة واحدة أم سجدتين بنى على الأقل، فعليه أن يأتي بالثانية، حتى إذا كان شكه بعد الدخول في التشهد، فيأتي بالسجدة بقصد القربة المطلقة على الأحوط، كما تقدم في المسألة المتقدمة.

المسألة 921

إذا علم بأنه قد زاد فيه سجدة أو نقص منه سجدة فالأحوط اعادة سجدتي السهو.

المسألة 922

إذا نسي الذكر في سجود السهو و تذكره بعد رفع الرأس منه فالأحوط له اعادة السجود بل لا يخلو من قوة.

الفصل السادس و الثلاثون في بعض فروع الشك
المسألة 923

إذا تردد المصلي في أن ما بيده هي آخر ركعة من الظهر، أو أنه قد أتم الظهر و هذه أولى ركعة من صلاة العصر بنى على انها آخر صلاة الظهر، فعليه أن يتمها و يسلم ثم يصلي العصر. و إذا وقع له مثل ذلك في العشاءين، فشك هل أن ما بيده ثالثة المغرب أو أنه قد أتم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 543

المغرب و هذه أولى صلاة العشاء، فالحكم البطلان من حيث أن المغرب لا يدخلها الشك.

المسألة 924

إذا عرض له أحد الشكوك الصحيحة فبنى على الأكثر، ثم شك هل أن ما بيده هي آخر ركعة من صلاته أو أنه أتمها، و هذه أولى ركعة من صلاة الاحتياط، فان كانت صلاة الاحتياط التي وجبت عليه ركعة واحدة، كفاه أن يتم الركعة التي بيده بقصد ما هي عليه واقعا، فإذا أتمها و سلم أتى بركعة الاحتياط بقصد الرجاء و لا اعادة عليه.

و إذا كانت صلاة الاحتياط التي وجبت عليه ركعتين، كما إذا فرض الشك الذي عرض له بين الاثنتين و الأربع، فعليه أن يتم الركعة التي بيده بقصد إتمام الصلاة، و بعد التسليم يأتي بركعتي الاحتياط ثم يعيد الصلاة على الأحوط استحبابا.

المسألة 925

إذا تردد هل أن ما بيده هي الركعة الرابعة في المغرب أو أنه قد صلى المغرب ثلاثا و هذه أولى ركعة من صلاة العشاء، فان كان ذلك بعد الدخول في الركوع من الركعة التي بيده بطلت صلاته و وجبت عليه أن يعيد المغرب، و ان كان قبل الركوع منها جعلها من المغرب و عليه أن يجلس و يتشهد و يسلم ثم يسجد سجدتي السهو للقيام الزائد.

و كذلك الحكم إذا كان في الظهرين، فشك في أن ما بيده هي خامسة الظهر أو أنه قد أتم صلاة الظهر أربعا و هذه أولى صلاة العصر فإذا كان قبل الركوع من ركعته جعلها خامسة الظهر و جلس و تشهد و سلم و سجد للسهو، ثم صلى العصر، و إذا كان بعد الدخول في الركوع بطلت الصلاة، فعليه أن يعيد الظهر ثم يصلي العصر.

المسألة 926

إذا شك بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين، و علم بأنه لم يتشهد في صلاته، فعليه أن يبني على الثلاث و يقوم للرابعة، و لا يجوز

كلمة التقوى، ج 1، ص: 544

له أن يتشهد قبل القيام، فإذا أتم الصلاة أتى بصلاة الاحتياط لشكه، ثم أتى بقضاء التشهد، و سجد له سجدتي السهو.

و كذلك الحكم إذا كان قائما فشك بين الثلاث و الأربع و علم بأنه لم يتشهد في صلاته، فيبني على الأربع و يتم صلاته فإذا فرغ منها أتى بصلاة الاحتياط ثم بقضاء التشهد ثم بسجود السهو.

المسألة 927

إذا علم بعد الفراغ من صلاة العصر أنه قد صلى الظهرين تسع ركعات، و لم يدر أن الركعة الزائدة كانت في الظهر أم في العصر، وجب عليه أن يأتي بفريضة رباعية يقصد بها ما في ذمته من احدى الفريضتين، و إذا علم بذلك قبل التسليم من صلاة العصر حكم بصحة صلاة الظهر و وجب عليه أن يعيد العصر.

و إذا عرض له مثل ذلك في العشاءين فعلم بأنه صلاهما ثماني ركعات و لم يدر ان الركعة الزائدة كانت في أي الفريضتين، فان كان ذلك بعد الفراغ من صلاة العشاء وجبت عليه اعادة الفريضتين معا و إذا كان قبل التسليم من صلاة العشاء صحت صلاة المغرب و وجبت عليه اعادة العشاء.

المسألة 928

إذا أعاد المصلي صلاة المغرب احتياطا أو نسيانا، ثم علم قبل أن يتم الثانية منهما، بأنه قد زاد ركعة في إحدى الصلاتين، فيجوز له أن يكتفي بالأولى منهما لقاعدة الفراغ و يرفع اليد عن الثانية، و يجوز له أن يتم الصلاة الثانية، فيعلم بأنه قد أتى بمغرب صحيحة، أما الأولى و أما الثانية، و ليس ذلك من الشك في ركعات المغرب فتكون باطلة، بل هو شاك في أنها مغرب تامة الركعات أو هي لغو إذا كانت الأولى هي التامة و كانت الثانية هي الزائدة.

المسألة 929

إذا شك في صلاته بين الثلاث و الأربع فبنى على الأربع، ثم سها فزاد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 545

في صلاته ركعة كانت صلاته باطلة للزيادة على الأربع البنائية، و ان كان بالفعل شاكا بين الأربع و الخمس.

المسألة 930

إذا شك في الإتيان بركن من أركان الصلاة بعد أن تجاوز موضعه و دخل في غيره، فكان حكمه المضي في صلاته و عدم الالتفات الى الشك، و لكنه نسي فأتى بالركن المشكوك فيه، كانت صلاته باطلة، نعم إذا انكشف له الخلاف، فعلم أنه لم يأت بالركن أولا و ان إتيانه به كان في موضعه كانت الصلاة صحيحة.

المسألة 931

إذا علم بعد قيامه للركعة اللاحقة أنه قد ترك سجدة من الركعة السابقة فهنا صور.

(الصورة الأولى): أن يعلم أنه قبل القيام قد جلس بقصد الجلوس بين السجدتين ثم نسي السجدة الثانية بعد جلوسه فقام عنها، و في هذه الصورة يجوز له أن يهوي من قيامه إلى السجدة المنسية من غير أن يجلس، فإنه قد أتى بالجلوس الواجب بين السجدتين.

(الصورة الثانية): أن يعلم انه لم يأت بالجلوس أصلا بعد السجدة، بل نهض من سجوده فقام للركعة و في هذه الصورة يجب عليه الجلوس أولا ليحصل الجلوس الواجب بين السجدتين، ثم يسجد السجدة المنسية، فإذا سجد من غير أن يجلس عامدا، بطلت صلاته، و إذا فعل ذلك ناسيا فلا شي ء عليه.

(الصورة الثالثة): أن يعلم أنه قد جلس بعد السجدة بقصد جلسة الاستراحة بعد السجدتين ثم قام و عليه في هذه الصورة أن يجلس أولا ثم يسجد.

المسألة 932

الجزء الذي يقع في غير محله من الصلاة، لا يكون الدخول فيه دخولا في الغير، فإذا شك في الجزء المتقدم عليه بعد الدخول فيه لم يكن ذلك

كلمة التقوى، ج 1، ص: 546

من الشك بعد التجاوز، فيجب عليه أن يأتي بالشي ء المشكوك فيه، و مثال ذلك أن ينسى التشهد في الركعة الثانية فيقوم للركعة الثالثة، فإن هذا القيام في غير محله، فإذا شك و هو قائم في السجود قبله، وجب عليه أن يرجع و يأتي بالسجدة المشكوكة و لم يكن ذلك من الشك بعد التجاوز.

المسألة 933

إذا علم بعد قيامه للركعة بأنه ترك احدى السجدتين قطعا، و شك هل أنه أتى بالسجدة الأخرى أم لم يأت بها، وجب عليه أن يعود لتدارك السجدة المنسية فإذا جلس وجب عليه أن يأتي بكلتا السجدتين المتيقنة منهما و المشكوكة و لا تجب عليه إعادة الصلاة.

المسألة 934

إذا كان الإنسان كثير الشك، فإنما يجري حكم كثرة الشك في الشك البسيط، فلا يعتني به كما تقدم بيانه، و لا يجري حكم كثرة الشك مع العلم الإجمالي و ان كان شاكا أيضا. و مثال ذلك أن يعلم إجمالا و هو في حال القيام بأنه قد ترك أما السجدة أو التشهد من الركعة التي قام عنها، فيجب عليه أن يعود فيأتي بالسجدة و التشهد معا، و ان كان كثير الشك، أو يعلم إجمالا بعد دخوله في الركوع بأنه قد ترك أما السجدة أو التشهد، فيجب عليه أن يمضي في صلاته فإذا أتمها وجب عليه أن يأتي بقضاء السجدة و قضاء التشهد، و أن يسجد للسهو لما في ذمته من نسيان أحدهما، و ان كان كثير الشك.

المسألة 935

إذا علم إجمالا بأنه قد ترك اما السجدة أو التشهد، فان كان ذلك قبل أن يفوت موضع تداركهما وجب عليه أن يرجع فيأتي بالسجدة و التشهد معا و يتم صلاته على الترتيب.

و إذا كان ذلك بعد أن فات موضع التدارك وجب عليه أن يمضي في صلاته، ثم يأتي بقضائهما معا بعد الصلاة و أن يسجد للسهو لما في ذمته من نسيان أحدهما.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 547

المسألة 936

إذا علم إجمالا بأنه إما زاد في صلاته قراءة أو نقصها، أو علم بأنه قد زاد التسبيحات الأربع في الأخيرتين أو نقصها، وجب عليه في كلا الفرضين أن يأتي بسجدتي السهو للعلم الإجمالي المذكور بالزيادة أو النقيصة غير المبطلتين.

الفصل السابع و الثلاثون في صلاة القضاء
المسألة 937

يجب قضاء ما فات المكلف أن يأتي به من الصلاة اليومية في وقته، سواء تركه عمدا أم سهوا أم جهلا، أم لنوم استوعب الوقت، أم لمرض و شبهه، أم أتى بالصلاة باطلة لنقصان شرط فيها أو جزء يوجب البطلان أو لزيادة مبطلة كما فصلناه في مباحث المبطلات و الخلل الواقع في الصلاة و لا يجب على الإنسان أن يقتضي ما فاته قبل بلوغ الحلم، و ما فاته في حال جنونه إذا كان الجنون مستوعبا للوقت، سواء كان مطبقا أم أدوارا، و لا يجب عليه قضاء ما فاته في حال الإغماء إذا استوعب الوقت، و لا يجب عليه قضاء ما فاته حال كفره إذا كان الكفر أصليا و لم يسلم في الوقت.

و المراد بالكفر الأصلي ما قابل الارتداد، و لا يجب على المرأة أن تقضي ما فاتها لحيض أو نفاس إذا استوعب العذر الوقت.

المسألة 938

إذا بلغ الصبي الحلم قبل أن يخرج وقت الصلاة فأدرك منه و لو مقدار ركعة وجب عليه أداء الفريضة إذا لم يكن قد أداها قبل البلوغ، فإذا تركها وجب عليه قضاؤها، و كذلك الحكم في المجنون و المغمى عليه، إذا أفاقا في الوقت، و الكافر إذا أسلم، و الحائض و النفساء إذا نقتا من الدم في أثناء الوقت.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 548

المسألة 939

إذا دخل وقت الصلاة على المكلف و مضى منه مقدار ما يؤدي به المختار صلاته كاملة حاضرا كان أم مسافرا، و متوضئا كان أم مغتسلا أم متيمما، و لم يؤد الصلاة، ثم عرض له الجنون أو الإغماء أو الحيض أو النفاس وجب عليه قضاء تلك الصلاة بعد الوقت، و تراجع المسألة الثانية و الخمسون في أحكام الوقت و المسألة الخمسمائة و الحادية و السبعون في أحكام الحائض من كتاب الطهارة فإن فيهما تفصيلا للمقام.

المسألة 940

إذا طرأ الجنون و الإغماء على المجنون و المغمى عليه بسبب اختياري لهما فالأحوط لزوم قضاء الصلاة عليهما، و أما الحائض و النفساء فالظاهر سقوط القضاء عنهما و ان كان سبب حدوث الحيض أو النفاس بفعلهما اختيارا.

المسألة 941

يجب على المرتد إذا عاد إلى الإسلام أن يقضي ما فاته من الصلوات في أيام ردته، سواء كان ارتداده عن فطرة أم عن ملة.

المسألة 942

يجب على المخالف إذا استبصر أن يقضي ما تركه من الصلاة قبل استبصاره و بعده و يجب عليه أن يقضي ما أتى به قبل استبصاره على خلاف مذهبه و ان كان موافقا لمذهبنا على الأحوط و لا يجب عليه قضاء ما أتى به على وفق مذهبه.

و إذا استبصر في أثناء الوقت و كان قد صلى الفريضة على وفق مذهبه، فالأحوط له اعادة هذه الصلاة، فان لم يعدها فالأحوط قضاؤها.

المسألة 943

يجب قضاء الصلاة على من شرب المسكر أو المخدر ففاتته الصلاة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 549

بسبب ذلك، من غير فرق بين العالم بالحكم و الجاهل به و العاصي و المكره و المضطر.

المسألة 944

يجب على فاقد الطهورين قضاء الصلاة إذا وجد الطهور، و يسقط عنه أداؤها و الأحوط استحبابا أن يجمع بين الأداء و القضاء.

المسألة 945

لا قضاء لصلاة الجمعة إذا فاتت مع اجتماع شرائطها، بل يجب على المكلف أن يأتي بصلاة الظهر، فإذا مضى وقت الظهر و لم يصلها وجب عليه قضاء الظهر لا قضاء الجمعة.

المسألة 946

يجب قضاء الفرائض غير اليومية إذا فات وقتها، حتى النافلة المنذورة في وقت معين على الأحوط، و يستثنى من ذلك صلاة العيدين، فلا قضاء لها إذا فاتت.

المسألة 947

يجوز قضاء ما فاته من الفرائض في أي وقت شاء من ليل أو نهار، و في سفر أو حضر.

المسألة 948

يجب قضاء الفريضة كما فاتت، فيجب فيها الجهر بالقراءة إذا كانت جهرية في أصلها و ان قضاها نهارا، و يجب الإخفات فيها إذا كانت إخفاتية في أصلها و ان قضاها ليلا، و يجب الإتمام فيها إذا كانت من فوائت الحضر و ان قضاها سفرا و يجب القصر فيها إذا فاتت في السفر و ان قضاها حاضرا.

المسألة 949

إذا فاتت الصلاة على المسافر و هو في أحد مواضع التخيير، فالأحوط له أن يقضيها قصرا، بل لعله الأقوى، سواء خرج من تلك الأماكن أم لم يخرج و أراد قضاء الصلاة فيها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 550

المسألة 950

إذا وجب على المكلف الاحتياط في بعض الموارد بالجمع بين القصر و التمام، ففاتته تلك الصلاة وجب عليه في قضائها أن يجمع بين القصر و التمام.

المسألة 951

إذا كان المكلف مسافرا في أول الوقت ثم حضر، أو كان حاضرا في أول وقت الصلاة ثم سافر، و فاتته الصلاة وجب عليه أن يقضيها كما هي في آخر الوقت، فان كان مسافرا قضاها قصرا و ان كان حاضرا قضاها تماما.

المسألة 952

يستحب قضاء النوافل الرواتب استحبابا مؤكدا، و يستحب قضاء النوافل غير الرواتب إذا كانت موقتة، و الأولى أن يأتي بقضاء هذه باحتمال المطلوبية، و يجوز قضاء النافلة الفائتة في أي وقت شاء من الليل أو النهار، و لا يتأكد قضاء ما فات الإنسان من النافلة حال المرض.

المسألة 953

يستحب لمن عجز عن قضاء النوافل الرواتب أن يتصدق عن كل ركعتين بمد، فان لم يتمكن تصدق عن كل أربع ركعات بمد، فان لم يتمكن تصدق عن نافلة النهار بمد و عن نافلة الليل بمد.

المسألة 954

لا يجب الترتيب في قضاء الفرائض غير اليومية، فيجوز له أن يقدم قضاء ما فات منها متأخرا، فإذا فاتته صلاة الكسوفين معا، جاز له أن يقدم ما شاء منها، و لا يجب الترتيب بينها و بين قضاء اليومية، فيجوز له تقديم أيهما شاء و ان كان متأخرا في الفوات.

المسألة 955

الأظهر عدم وجوب الترتيب في قضاء الفوائت من الصلاة اليومية، إلا في الفريضتين المترتبتين في أدائهما كالظهرين، و كالعشاءين، إذا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 551

كانا من يوم واحد، فيجب الترتيب في قضائهما كذلك، و لا يجب أن يقدم قضاء ما سبق في الفوت على المتأخر في غير ذلك، سواء علم الترتيب أم جهله، و على هذا فلا يجب التكرار إذا جهل الترتيب في جميع الفروض.

المسألة 956

إذا فاتته صلاة معينة- كصلاة العصر مثلا- عدة أيام و كان مسافرا في بعضها و حاضرا في بعضها، و لم يعلم بعدد الأيام، وجب أن يقضى ما علم فوته من صلاة السفر و صلاة الحضر و ان لم يحصل الترتيب.

المسألة 957

إذا فاتته صلاة واحدة و لم يدر انها الظهر أو العصر، أجزأه أن يأتي بأربع ركعات بقصد ما في ذمته، و إذا كان في السفر أتى بركعتين بقصد ما في الذمة، و إذا لم يدر انها في سفر أو حضر أتى برباعية واحدة و ثنائية واحدة يقصد بهما ما في الذمة.

المسألة 958

إذا علم بأن إحدى الظهرين قد فاتته و لم يعلم بها على التعيين، و احتمل ان الأخرى قد فاتته أيضا، كفاه أن يأتي بأربع ركعات يقصد بها امتثال ما تنجز عليه فعلا منهما.

و إذا أراد الاحتياط استحبابا أتى برباعية أخرى برجاء المطلوبية قبل الرباعية المتقدم ذكرها، و برباعية بعدها.

المسألة 959

إذا فاتته احدى الصلوات الخمس و لم يعلم بها على التعيين كفاه أن يأتي بصبح و مغرب و برباعية مرددة بين أن تكون ظهرا أو عصرا أو عشاء، و يتخير فيها بين الجهر و الإخفات و إذا كان مسافرا أتى على الأحوط بمغرب، و بركعتين جهريتين مرددة بين الصبح و العشاء، و ركعتين اخفاتيتين مرددة بين الظهر و العصر.

و إذا جهل أنه كان مسافرا حين فاتته الفريضة أم حاضرا، فالأحوط

كلمة التقوى، ج 1، ص: 552

له أن يأتي بمغرب، و بركعتين جهريتين مرددة بين الصبح و العشاء المقصورة، و بركعتين اخفاتيتين مرددة بين الظهر و العصر المقصورتين، و أربع ركعات مرددة بين الظهر و العصر و العشاء التامة، و يتخير فيها بين الجهر و الإخفات.

المسألة 960

إذا فاتته فريضتان من الصلوات الخمس ليوم واحد و لم يعلم بهما على التعيين، كفاه أن يأتي بصبح و مغرب و بأربع ركعات مرددة بين الظهر و العصر يخفت فيها و بأي هذه الصلوات الثلاث بدأ أجزأه، ثم يأتي بعدها بأربع ركعات مرددة بين العصر و العشاء يتخير فيها بين الجهر و الإخفات.

و إذا كان مسافرا أجزأه أن يأتي بركعتين مرددتين بين الصبح و الظهر و العصر، و بمغرب و بأي هاتين الصلاتين بدأ أجزأه، ثم يأتي بعدهما بركعتين مرددتين بين الظهر و العصر و العشاء.

و إذا جهل سفره و حضره كفاه أن يأتي بركعتين مرددتين بين الصبح و الظهر و العصر، ثم يأتي بأربع ركعات مرددة بين الظهر و العصر، و بمغرب، ثم يأتي بركعتين مرددتين بين الظهر و العصر و العشاء ثم بأربع ركعات مرددة بين العصر و العشاء.

المسألة 961

إذا فاتته ثلاث فرائض من الصلوات الخمس ليوم واحد و لم يعلم بها على التعيين، وجب عليه أن يأتي بالصلوات الخمس، و عليه أن يأتي بالظهرين منها مترتبتين و بالعشاءين مترتبتين، و له أن يقدمهما على الظهرين أو على الصبح أو على الجميع و ان يؤخرهما عنه.

و إذا كان مسافرا كفاه أن يأتي بركعتين مرددتين بين الصبح و الظهر و ركعتين مرددتين بين الظهر و العصر و يأتي بالمغرب ثم بركعتين مرددتين بين العصر و العشاء.

و إذا جهل سفره و حضره أتى بركعتين مرددتين بين الصبح و الظهر،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 553

و أتى بالظهر تامة و بالعصر تامة، ثم أتى بركعتين مرددتين بين الظهر و العصر، ثم أتى بالمغرب و أتى بعدها بركعتين مرددتين بين العصر و العشاء ثم أتى بالعشاء تامة.

المسألة 962

إذا فاتته أربع فرائض من الصلوات الخمس ليوم واحد وجب عليه أن يأتي بالصلوات الخمس و جرى في الترتيب على النهج المتقدم في المسألة السابقة.

و إذا كان مسافرا أتى بالصلوات الخمس مقصورة على النهج المتقدم في الترتيب.

و إذا جهل سفره و حضره أتى بالخمس قصرا كما في المسافر، و أضاف إليها ظهرا و عصرا تامتين قبل المغرب، و عشاء تامة بعدها.

المسألة 963

إذا فاتته خمس فرائض مرتبة و لم يعلم أيها فاتته أولا كفاه أن، يأتي بخمس صلوات بأي منها بدأ، نعم يجب الترتيب بين الظهرين و بين العشاءين إذا كانا من يوم واحد، و كذلك إذا فاته أكثر من خمس فرائض مترتبة فيكفيه أن يأتي بالصلوات الفائتة كيف شاء و لا يجب عليه الترتيب إلا في الظهرين و العشاءين إذا كانا من يوم واحد.

المسألة 964

إذا فاتته صلاة معينة عدة أيام و لم يعلم بعددها وجب عليه أن يقضي ما علم فوته من عدد تلك الفريضة، فيكتفي بالأقل، و كذلك إذا فاتته صلوات مختلفة و لم يعلم بعددها و قد تقدم ان الأظهر عدم وجوب الترتيب فلا يجب عليه التكرار إذا جهله.

المسألة 965

وجوب القضاء موسع فيجوز للمكلف التأخير فيه إذا لم يؤد ذلك الى التسامح في أداء الواجب و التهاون بأمر اللّه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 554

المسألة 966

يجوز لمن اشتغلت ذمته بقضاء فائتة أو فوائت أن يصلي الفريضة الحاضرة في أول وقتها، و الأحوط استحبابا أن يقدم الفائتة، و قد تقدم أنه يستحب لمن شرع في الحاضرة و تذكر أن عليه فائتة أن يعدل بنيته إلى الفائتة ما لم يتجاوز محل العدول، أو لم يخف فوت فضيلة الحاضرة.

المسألة 967

يجوز لمن اشتغلت ذمته بفوائت سابقه ثم فاتت منه صلاة اليوم الحاضر، أن يقدم قضاء فائتة اليوم على الفوائت السابقة و على الصلاة الأدائية بل هو الأحوط استحبابا و يكتفي بها بناء على المختار من عدم وجوب الترتيب بين الفوائت في القضاء.

المسألة 968

الأحوط استحبابا لمن احتمل اشتغال ذمته ببعض الفوائت أو احتمل وجود خلل في بعض صلواته الماضية أن يأتي بها قضاء حتى يعلم بفراغ ذمته.

المسألة 969

يجوز لمن اشتغلت ذمته بقضاء بعض الفرائض أن يأتي بالنوافل، و يجوز لمن دخل عليه وقت الفريضة أن يصلي النافلة قبلها، سواء كانت من الرواتب أم من غيرها.

المسألة 970

تجب المباشرة في قضاء الفوائت من المكلف نفسه، فلا تجوز له الاستنابة فيه ما دام حيا، و ان عجز عن القضاء، و لا يجزي التبرع من الآخرين.

المسألة 971

تجوز القدوة في صلاة القضاء، فيجوز لمصلي القضاء أن يأتم بمصلي

كلمة التقوى، ج 1، ص: 555

الأداء و بمصلي القضاء، و يجوز لمصلي الأداء أن يأتم بمصلي القضاء و ان لم تتحد الفريضة بينهما.

نعم يشترط أن يعلم بأن المكلف مشغول الذمة بالفائتة، فإذا صلاها الامام احتياطا فالحكم بجواز القدوة فيها مشكل بل ممنوع.

المسألة 972

إذا طرأ للمكلف بعض الأعذار في صلاته كالمتيمم و المسلوس و المبطون و المصلي جالسا و نحوهم، فالأحوط له تأخير قضاء الفائتة إلى وقت ارتفاع العذر، و إذا علم بعدم ارتفاع العذر الى آخر عمره جاز له أن يأتي بالقضاء. و إذا انكشف له الخلاف فزال عذره و تمكن من الإتيان بالصلاة التامة كانت عليه اعادة القضاء على الأحوط بل على الأقوى.

المسألة 973

يستحب تمرين الطفل المميز على تأدية الواجبات و النوافل و على قضاء الصلاة إذا فاتت منه في أوقاتها، و يستحب تمرينه على العبادات الأخرى من الصيام و غيره مع تمكنه.

المسألة 974

الأقوى شرعية عبادة الطفل، و نتيجة لذلك، فإذا أدى الصلاة في الوقت ثم بلغ الحلم بعد ذلك و الوقت باق أجزأته صلاته التي أتى بها و لم تجب عليه اعادتها، و إذا صلى على الميت صحت صلاته إذا كانت جامعة للشرائط و لما يعتبر فيها و سقط بها الوجوب عن المكلفين.

المسألة 975

يجب على ولي الصغير حفظه عن كل ما فيه ضرر عليه أو على غيره من الناس، و يجب منعه عن الأمور التي علم من الشارع إرادة عدم وقوعه من أحد و ان كان صبيا كالزنا و اللواط و شرب الخمر و الغيبة و النميمة و الغناء و نحوها من المفاسد.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 556

و قد تقدم في المسألة المائة و الرابعة و السبعين من كتاب الطهارة ما يتعلق بمنع الأطفال عن تناول النجاسات و المتنجسات، و تقدم في شرائط لباس المصلي أنه يجوز للصبي لبس الحرير و الذهب، و لا يحرم على وليه أن يلبسه إياهما، و لكن لا تصح صلاة الصبي المميز فيهما على الأحوط، بل لا يخلو من قوة.

المسألة 976

يجب على ولي الميت أن يقضى عنه ما فاته من الصلوات الواجبة، سواء كان الميت رجلا أم امرأة على الأحوط فيها، و سواء كان حرا أم عبدا، و سواء كان فوت الصلاة منه لعذر أم لغير عذر على الأقوى إذا لم يكن ترك الميت للصلاة على وجه العناد و عدم المبالاة، فلا يجب القضاء على الولي مع ذلك.

و يجب عليه أن يقضى ما فات الميت من الصوم، فما فات منه في السفر يجب على الولي قضاؤه سواء تمكن الميت من قضائه في حياته أم لا، و ما فات منه لمرض، فان تمكن الميت من قضائه قبل موته و لم يقضه وجب على الولي قضاؤه من بعده، و ان لم يتمكن الميت من قضائه في حياته لم يجب على الولي من بعده و كذلك الحكم في ما فات المرأة لحيض أو نفاس، فيجب على الولي قضاء ما تمكنت هي من قضائه و لم تقضه

دون ما لم تتمكن من قضائه و قد بينا ذلك في قضاء الصوم.

المسألة 977

ولي الميت الذي يجب عليه قضاء ما فات من صلاته هو أولى الناس بميراثه من الذكور، فإذا تعدد الذكور الذين هم أولى بالميت و بميراثه، فالولي هو أكبرهم سنا، و لا يختص بالولد الأكبر على الأقوى، و لا يختص الميت الذي يجب القضاء عنه بالأبوين.

المسألة 978

الواجب على الولي هو قضاء ما فات الميت من صلاة نفسه، فلا يجب عليه أن يقضي عن الميت ما وجب عليه بالإجارة أو بسبب كونه وليا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 557

لميت آخر، و الظاهر انه يجب على الولي أن يقضي ما فات الميت من صلاة النذر الموقت إذا فات وقتها و لم يصلها.

المسألة 979

لا فرق في الحكم بين طبقات الوارث، فمن كان من الذكور أولى بميراث الميت من غيره كان هو الولي و وجب عليه القضاء، و إذا تعددوا وجب على الأكبر منهم كما تقدم، سواء كان ولدا أم ولد ولد، أم أخا أم عما أم غيرهم.

المسألة 980

إذا مات ولي الميت بعده لم ينتقل الحكم إلى الأكبر من بعد الولي، فلا يجب عليه قضاء ما فات الميت الأول.

المسألة 981

إذا كان ولي الميت صبيا لم يبلغ الحلم أو كان مجنونا، لم يسقط وجوب القضاء عليه بذلك، فيجب القضاء على الطفل إذا بلغ، و على المجنون إذا أفاق، و إذا مات قبل البلوغ، أو قبل الإفاقة من الجنون لم يجب القضاء عن الميت على الأكبر بعده.

المسألة 982

الولي هو أكبر الورثة الذكور سنا، و ان سبقه الوارث الآخر بالبلوغ.

المسألة 983

إذا كان الشخص هو أولى الناس بميراث الميت في نفسه و كان ذكرا أو أكبر الذكور، و لكنه ممنوع من الإرث لأنه قاتل، أو مملوك أو كافر، لم تزل بذلك ولايته و لم يسقط وجوب القضاء عنه.

المسألة 984

إذا تساوى الولدان في السن وجب القضاء عليهما وجوبا كفائيا سواء أمكن تقسيط الواجب عليهما أم لم يمكن، و كذلك على الأحوط

كلمة التقوى، ج 1، ص: 558

إذا اشتبه الأكبر بين شخصين أو أشخاص و لم يعلم به على التعيين، فيعمل ظاهرا على نحو الوجوب الكفائي.

المسألة 985

الأكبر سنا هو من سبقت ولادته لا من سبق انعقاد نطفته فإذا كان للرجل ولدان من زوجتين و كان أحد الوالدين أسبق حملا من أخيه، و كان الثاني أسبق ولادة منه فولي الرجل هو الثاني لا الأول، و إذا ولد له توأمان، فوليه أولهما ولادة.

المسألة 986

يسقط القضاء عن الولي إذا تبرع بالقضاء عن الميت متبرع فأتى بالقضاء و كان عمله صحيحا، و لو ببركة أصالة الصحة، و يسقط عنه القضاء كذلك إذا استؤجر عن الميت من يصلي عنه الفوائت التي وجبت عليه و أتي الأجير بالعمل صحيحا، و لو ببركة أصالة الصحة، و إذا لم يأت الأجير أو المتبرع بالعمل أو علم بعدم صحة عمله لم يسقط الوجوب عن الولي.

المسألة 987

لا يجب على الولي أن يباشر القضاء عن الميت بنفسه، فيصح له أن يستأجر من يأتي بالقضاء و تكون أجرة الأجير في مال الولي نفسه لا في مال الميت.

المسألة 988

إذا استأجر أحدا للإتيان بالعمل فعلى الأجير ان يقصد النيابة عن الميت في الإتيان بالقضاء عنه لا عن الولي الذي استأجره و ان وجب عليه الفعل أيضا.

المسألة 989

لا يجب الترتيب في قضاء الصلوات عن الميت كما تقدم في قضاء المكلف عن نفسه، إلا في الظهرين و في العشاءين إذا كانا من يوم واحد، فلا يجب التكرار إذا جهل الترتيب.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 559

المسألة 990

يجب على الولي الجهر في قضاء الصلاة الجهرية و ان كان القضاء عن امرأة.

المسألة 991

يجب على الولي في قضائه عن الميت أن يراعي تكليف نفسه بحسب اجتهاده أو تقليده و ان خالف اجتهاد الميت أو تقليده، سواء كان في أحكام الشك و السهو أم في أجزاء الصلاة و شرائطها، و سواء علم ببطلان مذهب الميت في المسألة أم لا.

المسألة 992

إذا شك الولي في فوت الفرائض عن الميت و عدمه لم يجب عليه القضاء، و إذا علم بفوتها و تردد في عددها بين الأقل و الأكثر وجب عليه قضاء الأقل.

المسألة 993

إذا أخبر الميت نفسه بأن عليه فوائت يجب عليه قضاؤها كفى ذلك في وجوب القضاء على الولي على الأحوط.

المسألة 994

إذا دخل وقت الفريضة و مضى على المكلف مقدار ما يؤديها و لم يصلها ثم مات في أثناء الوقت وجب على الولي أن يؤديها عنه، و الأحوط له أن يأتي بها قبل خروج وقتها و ان يقصد بها امتثال الأمر الفعلي بها و لا ينوي بها القضاء المعهود إلا إذا أتى بها بعد الوقت.

المسألة 995

إذا كانت على الميت فوائت من صلاة و صوم و لم يكن له ولي أو كان له ولي، و مات قبل أن يقضى الفوائت التي على الميت، أو كان له ولي و قضى عنه ثم تبين للورثة بطلان ما أتى به الولي من القضاء لم يجب الاستيجار من تركة الميت، و انما يجب الاستيجار من التركة مع الوصية من الميت بذلك فتخرج من الثلث، و إذا أوصى الميت بذلك فاستؤجر احد لذلك

كلمة التقوى، ج 1، ص: 560

عملا بالوصية لم يسقط وجوب القضاء عن الولي إلا إذا أتى الأجير بالعمل صحيحا، كما تقدم.

المسألة 996

يجب القضاء على الولي و ان كان مشغول الذمة بفوائت لنفسه أو لغيره، و يتخير في تقديم ما شاء منها.

المسألة 997

وجوب القضاء على الولي موسع، فلا يجب عليه الفور في ذلك و ان كانت المبادرة أحوط استحبابا.

الفصل الثامن و الثلاثون في صلاة الاستئجار
المسألة 998

يجوز التبرع من الآخرين بقضاء الصلاة و العبادات التي وجبت على الميت في حياته، و مات و لم يؤدها في وقتها، و لم يقضها بعد الوقت، و كانت مما يقضى، و تبرأ ذمة الميت بذلك إذا أتى به المتبرع صحيحا، و يجوز التبرع عن الميت بالمستحبات، و يجوز الإتيان بالأعمال المستحبة كالحج المندوب و الزيارة و الصلاة و الصوم المندوبين، و إهداء ثوابها للأموات أو للاحياء، و تجوز النيابة عن الاحياء في بعض المستحبات.

و لا يجوز التبرع و لا الاستئجار في الواجبات عن الاحياء، و ان عجزوا عن الإتيان بها، و يستثنى من ذلك الحج الواجب، فإذا استطاع المكلف بحسب المال و عجز عن المباشرة لهرم أو مرض لا يرجى زواله وجب عليه أن يستأجر من يحج عنه.

المسألة 999

يجوز الاستئجار لقضاء الصلوات الفائتة عن الأموات و لقضاء سائر العبادات، من صوم و حج، و تبرأ ذمة الميت المنوب عنه إذا أتى الأجير بالعمل صحيحا سواء كان المستأجر وصيا للميت أم وارثا له أم أجنبيا عنه.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 561

المسألة 1000

مرجع النيابة في كل من المتبرع و الأجير الى أن يقوم هذا النائب بما وجب على الميت بدلا عنه، و يحتاج ذلك الى أن يضيف النائب عمله الى المنوب عنه ليكون وافيا بمصلحة الفعل الواجب على المنوب عنه و يكون ذلك مصححا للبدلية عنه، و هذا هو المقدار المستفاد من أدلة النيابة و لا أثر في الأدلة لتنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه أو تنزيل عمل نفسه منزلة عمله.

المسألة 1001

يشترط في الأجير أن يكون عاقلا، و أن يكون مؤمنا، فلا تصح اجارة المجنون إلا إذا كان جنونه أدوارا و كانت الإجارة و العمل في دور إفاقته، و لا تصح اجارة غير المؤمن و ان أتى بالعمل موافقا لمذهب أهل الحق، و يشترط فيه أن يكون بالغا على الأحوط، بل لا يخلو من قوة، و يشترط فيه أن يكون عارفا بأحكام الصلاة و القضاء بحيث يأتي بالعمل صحيحا.

المسألة 1002

لا تشترط العدالة في الأجير، فيكفي الاطمئنان بالأداء و إذا أتى بالعمل، و شك في صحة عمله بني على الصحة و ان لم يكن عادلا.

المسألة 1003

قد ذكرنا أن مقتضى أدلة النيابة أن عمل النائب إذا أضافه الى الشخص المنوب عنه يكون وافيا بمصلحة الفعل الواجب على المنوب و يقع بدلا عنه، و لذلك فيمكنه أن يقصد به التقرب و يقع فعله مقربا للمنوب عنه، و موجبا لاستحقاقه المثوبة عليه، و لا يكون مقربا للنائب سواء كان أجيرا أم متبرعا، إلا إذا قصد التقرب الى اللّه بالإحسان الى المنوب عنه بتفريغ ذمته من التكليف.

المسألة 1004

من اشتغلت ذمته ببعض الفوائت الواجبة من صلاة أو صوم تجب عليه المبادرة إلى قضاء ما عليه إذا ظهرت له أمارات الموت، فإذا عجز

كلمة التقوى، ج 1، ص: 562

عن القضاء وجبت عليه الوصية به، فإذا أوصى به وجبت على الوصي و الوارث إخراجه من الثلث، و إذا لم يوص به لم يجب عليهم إخراجه.

و إذا كان عليه ديون مالية من زكاة أو خمس أو رد مظالم، أو كفارات أو فدية صوم شهر رمضان أو ديون للناس وجب عليه الفور في تأديتها و لم يجز له التأخير، فإذا عجز عن الوفاء وجبت عليه الوصية إلى ثقة مأمون ليخرجها بعد موته، و مخرج هذه الديون من أصل التركة سواء أوصى بها أم لم يوص، و من هذا القسم الأخير الحج، سواء كان واجبا بالأصل أم بالنذر.

المسألة 1005

إذا أخبر الميت بواجبات مالية عليه، كفى ذلك في وجوب إخراجها من أصل التركة إذا اجتمعت شرائط نفوذ الإقرار و منها انتفاء التهمة.

المسألة 1006

إذا أوصى الميت بصلاة أو صوم و لم تكن له تركة لم يجب على وصيه أو وارثه إخراج ذلك من ماله، نعم يجب قضاء ذلك على الولي كما تقدم في الفصل السابق و ان لم يوص به الميت.

المسألة 1007

إذا أوصى الميت بواجب وجب عليه من باب الاحتياط اللازم، فان كان الاحتياط واجبا عند الورثة أيضا و كان الموصى به حجا أو واجبا ماليا وجب إخراجه من الأصل، و ان كان واجبا بدنيا كالصلاة و الصيام أو كان الاحتياط مستحبا و لو عند الورثة وجب إخراجه من الثلث.

المسألة 1008

إذا أجر الرجل نفسه لقضاء صلاة أو صوم و نحوهما و مات قبل القيام بالعمل، فان كان متعلق الإجارة هو أن يباشر الأجير العمل بنفسه أو كان ظاهر الإجارة ذلك و ان لم تشترط عليه المباشرة صريحا، بطلت الإجارة بالنسبة الى ما بقي عليه من العمل، و أصبح مال الإجارة دينا في ذمته إذا كان قد قبضه، فيجب إخراجه من أصل التركة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 563

و يستثنى من ذلك ما إذا كانت الإجارة على الحج فمات بعد الإحرام و دخول الحرم، فالظاهر صحة حجه و فراغ ذمة المنوب عنه، و في استحقاقه لمال الإجارة تفصيل ذكرناه في فصل الحج النيابي من كتاب الحج.

و ان لم تشترط عليه المباشرة، وجب الاستئجار للعمل من أصل تركته، فان لم تكن تركة لم يجب على الورثة، و يجوز لهم و لغيرهم التبرع بالعمل أو بالمال أو الاستئجار له من الزكاة.

المسألة 1009

لا يجوز للوصي أو الوارث أن يستأجر للصلاة عن الميت أحدا من أهل الأعذار، كالعاجز عن القيام، و المتيمم، و المسلوس، و المبطون، و صاحب الجبيرة، و أمثالهم من أهل الاضطرار، و لا يكفي عملهم إذا تبرعوا عن الميت بالقضاء، و ان كان الميت من أهل الأعذار أيضا لما فاتته الصلاة.

و هذا إذا كان المقصود أن يباشر الأجير القضاء بنفسه، و اما إذا لم تشترط المباشرة فتصح الإجارة و على الأجير المعذور أن يستأجر غيره من القادرين للقيام بالقضاء.

المسألة 1010

إذا استأجر الوصي شخصا قادرا على القضاء، فأصبح من أهل الأعذار وجب عليه التأخير في القضاء الى أن يرتفع عنه العذر، فإذا يئس من زوال العذر أو علم بعدم زواله و قد اشترطت عليه مباشرة العمل بنفسه انفسخت الإجارة، و إذا لم تشترط عليه المباشرة وجب عليه استئجار غيره من القادرين على العمل كما تقدم.

المسألة 1011

إذا اشترط عليه في عقد الإجارة أن يأتي بالقضاء على وفق تكليف الميت باجتهاده أو تقليده، أو على وفق تكليف المستأجر أو النائب، وجب على الأجير أن يأتي بالعمل على وفق الشرط، فإذا خالفه لم يستحق الأجرة و كذلك الحكم إذا دلت القرائن على إرادة شي ء من ذلك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 564

و إذا أطلقت الإجارة و لم تعين القرائن شيئا من ذلك، فالظاهر أن يكون العمل على وفق تكليف الأجير، فتجب عليه ملاحظة تكليف نفسه اجتهادا أو تقليدا، و يستحق الأجرة بذلك سواء وقعت الإجارة على الصلاة الصحيحة أم على تفريغ ذمة الميت من التكليف، و إذا أتى الأجير بالعمل موافقا لتكليفه و كان باطلا باعتقاد الولي أو الوصي، لم يجز لهما الاكتفاء به و وجب عليهما اعادة العمل مباشرة أو استئجارا.

المسألة 1012

إذا عرض للأجير في صلاته عن الميت شك أو سهو، فعليه أن يعمل بمقتضى تقليده أو اجتهاده في الشك أو السهو، و لا تجب عليه إعادة الصلاة إلا إذا اشترط عليه في عقد الإجارة أن يعيد الصلاة مع الشك و السهو، أو أن يعمل على رأي خاص في ذلك فيعمل على وفق الشرط، و الأحوط الجمع في هذه الصورة، بل لا يخلو من قوة.

المسألة 1013

يجوز أن يستأجر الرجل للقضاء عن المرأة، و أن تستأجر المرأة للقضاء عن الرجل و يعمل الأجير في صلاته وفق تكليف نفسه، فيجب على الرجل أن يجهر في القراءة في الصلاة الجهرية و ان كان نائبا عن المرأة، و تتخير المرأة فيها بين الجهر و الإخفات و ان كانت نائبة عن الرجل.

المسألة 1014

يجوز أن يؤتى بصلاة الاستئجار جماعة و فرادى سواء كان الأجير اماما أم مأموما، نعم يشترط في صحة القدوة به إذا كان إماما أن يعلم بأن الميت المنوب عنه مشغول الذمة بالصلاة، فلا تصح القدوة إذا كانت الصلاة احتياطية.

المسألة 1015

لا يجب الترتيب في قضاء الصلاة عن الميت كما تقدم في قضاء الولي، سواء كان الميت عالما بترتيب الفوائت أم لا، إلا في الفريضتين المترتبتين

كلمة التقوى، ج 1، ص: 565

في أدائهما كالظهرين و العشاءين إذا كانتا من يوم واحد، نعم يجب الترتيب على الأجير إذا اشترط عليه ذلك في عقد الإجارة.

المسألة 1016

إذا استؤجر جماعة للقضاء عن ميت واحد، صح لكل واحد منهم مع إطلاق عقد الإجارة ان يقضى ما استؤجر عليه من الفوائت، أو ما لحقه عند تقسيم العمل بينه و بين شركائه في الإجارة، و لا يجب الترتيب بينهم إلا في الظهرين أو العشاءين من يوم واحد، فتجب ملاحظة ذلك بينهم، و يجب الترتيب بينهم إذا اشترط عليهم ذلك في عقد الإجارة كما ذكرنا، و حينئذ، فلا بد من تعيين الوقت لكل واحد منهم، و تعيين الفريضة التي يبتدئ فيها بدوره، و الفريضة التي بها يختم، و الملاحظة لذلك بينهم حتى يحصل الترتيب المطلوب.

المسألة 1017

لا تبرأ ذمة الميت المنوب عنه من الصلاة الواجبة حتى يأتي الأجير بالعمل صحيحا فإذا علم بأن الأجير لم يأت بالعمل، أو علم بعدم صحة عمله الذي أتى به وجب الاستئجار ثانيا.

فإذا لم يمكن استرجاع مال الإجارة، أو لم يصح استرداده كان الاستيجار الثاني من مال المستأجر إذا كان مفرطا في العقد الأول، و من مال الميت مع عدم التفريط.

المسألة 1018

إذا أخبر الأجير بأنه قد أتى بالعمل صحيحا، و كان قوله موجبا للاطمئنان بذلك، قبل قوله، و يشكل قبوله إذا لم يكن موجبا للاطمئنان، و إذا علم بإتيانه بالعمل أو اطمئن به و شك في صحة العمل حمل عليها، سواء كان في الوقت المعين للقضاء في عقد الإجارة أم بعده.

و إذا مات الأجير قبل انقضاء المدة المعينة لذلك، فلا بد من الاستئجار لمقدار ما يحتمل بقاؤه من العمل.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 566

المسألة 1019

إذا استؤجر الأجير للإتيان بالقضاء بنفسه، لم يجز له أن يستأجر غيره للعمل إلا إذا أذن له المستأجر بذلك، و إذا استؤجر لتحصيل العمل المعين، سواء كان بمباشرته بنفسه، أم باستئجار غيره، جاز له أن يستأجر غيره ممن يقوم بالعمل، و ليس له أن يستأجره بأقل من الأجرة التي جعلت له في عقد الإجارة، إلا إذا أتى ببعض العمل، أو كانت الأجرة الثانية من غير جنس الأجرة الأولى.

المسألة 1020

إذا تبرع أحد عن الميت فقضى ما فاته من الصلاة قبل أن يأتي بها الأجير، فإن كانت الإجارة واقعة على تفريغ ذمة الميت من الواجب انفسخت بذلك، لحصول فراغ ذمة الميت ظاهرا بعمل المتبرع، فيرجع المستأجر عليه بالأجرة كلها إذا كان قد قبضها، أو ببقيتها إذا كان قد أتى ببعض العمل قبل الانفساخ، و إذا كانت الإجارة واقعة على الإتيان بالعمل الصحيح لم تنفسخ بذلك، و لو لاحتمال عدم فراغ ذمة الميت واقعا بعمل المتبرع.

المسألة 1021

إذا تبرع أحد عن الأجير فقضى عنه الصلوات التي استؤجر عليها، فان لم تشترط عليه المباشرة بنفسه في القضاء استحق مال الإجارة بعمل المتبرع، و إذ اشترط عليه ذلك لم يستحق منه شيئا.

المسألة 1022

إذا أتم الأجير عمله ثم تبين بطلان عقد الإجارة استحق بعمله أجرة المثل، و كذلك الحكم إذا فسخت الإجارة بعد العمل لغبن أو غيره من موجبات خيار الفسخ.

المسألة 1023

إذا اشترط على الأجير أن يأتي بالعمل كله في مدة معينة، و انقضى الوقت، و لم يأت بالعمل أو أتى ببعضه و بقي بعض، لم يجز للأجير أن يأتي به بعد الوقت المحدد إلا بإذن من المستأجر و إذا أتى بالعمل

كلمة التقوى، ج 1، ص: 567

بعد المدة المضروبة و لم يستأذن من المستأجر برئت ذمة الميت و لم يستحق الأجير الأجرة.

المسألة 1024

إذا تردد الوصي أو الوارث في الصلوات الفائتة من الميت بين الأقل و الأكثر، جاز له الاقتصار بالإجارة على الأقل، و مثال ذلك أن يتردد في أن الفائت من صلاته اليومية، صلاة شهر واحد أو شهرين مثلا، فله أن يستأجر أحدا لصلاة شهر واحد، و إذا تردد في الصلاة الفائتة بين المتباينين وجب عليه الاحتياط بالجمع بينهما، و مثال ذلك أن يشك في أن الصلاة الفائتة من الميت صلاة سفر أم حضر، فيجب عليه الاستئجار لهما معا، فإذا كان الفائت صلاة شهر مثلا، فعليه أن يستأجر لقضاء صلاة شهر سفرا و لقضاء صلاة شهر حضرا، و من المعلوم أن وجوب الجمع انما هو في الصلاة المقصورة.

و كذلك الحكم إذا تردد الأجير في الصلاة التي وجبت عليه بالإجارة و لم يمكنه الاستعلام، فان تردد في عددها بين الأقل و الأكثر جاز له أن يقتصر في القضاء على الأقل، و إذا تردد بين المتباينين كما إذا شك في أن صلاة الشهر التي استؤجر عليها هي صلاة سفر أم حضر وجب عليه الاحتياط بالجمع.

المسألة 1025

يجب على الأجير في نية العمل أن يعين الشخص الذي ينوب عنه في القضاء، و يكفي التعيين على وجه الاجمال كأن ينوي الصلاة عمن استؤجر للقضاء عنه أو عن صاحب المال، و نحو ذلك، و كذلك الحكم في المتبرع.

المسألة 1026

إذا أطلق عقد الإجارة و لم يعين فيه شي ء من حيث اشتمال العمل على المستحبات، وجب على الأجير أن يأتي بالعمل على النحو المتعارف في ذلك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 568

المسألة 1027

إذا نسي الأجير بعض المستحبات التي اشترطت عليه أو التي يقتضيها الإطلاق أو نسي بعض الواجبات غير الأركان، فللمسألة صور تختلف أحكامها.

(الصورة الأولى): أن تكون الإجارة مطلقة غير مقيدة بشي ء، و لا ريب، في أن متعلقها عند الإطلاق ينصرف الى العمل الصحيح و الى الوجه المتعارف من المستحبات، فإذا نسي الأجير جزءا غير ركن، لم يؤثر ذلك في استحقاق الأجرة إذا هو أتى بالعمل على الوجه الصحيح، فتدارك الجزء المنسي إذا كان مما يتدارك، و سجد له إذا كان نسيانه يوجب سجود السهو، و إذا نسي مستحبا لم يؤثر شيئا كذلك.

(الصورة الثانية): أن تؤخذ المستحبات في العمل و الأجزاء غير الركنية أجزاء صريحة في متعلق الإجارة و لا ريب في تقسيط الأجرة عليها في هذه الصورة، فإذا نسي الأجير منها شيئا نقص من أجرته بنسبة ذلك الجزء الى المجموع.

(الصورة الثالثة): أن يؤخذ الإتيان بالمستحبات و الأجزاء غير الركنية شرطا في متعلق الإجارة، فإذا نسي الأجير منها شيئا لم ينقص من الأجرة شي ء و كان للمستأجر خيار الفسخ لتخلف الشرط.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 1، ص: 568

(الصورة الرابعة): أن تكون الإجارة على تفريغ ذمة الميت من التكليف مع شرط الإتيان بالمستحبات و الأجزاء غير الركنية، و الحكم فيها كما تقدم في الصورة الثالثة، فيكون للمستأجر خيار تخلف الشرط فإذا هو لم يفسخ كان للأجير تمام الأجرة.

الفصل التاسع و الثلاثون في صلاة الجماعة و شرائطها
المسألة 1028

تكثرت الأخبار الدالة على استحباب صلاة الجماعة و الحث عليها حثا بالغا، و مضاعفة الثواب على حضورها، و الذم الشديد على تركها،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 569

و استحبابها شامل لجميع الفرائض، و يتأكد

الاستحباب في الصلاة اليومية و في الأدائية منها، و في صلاة الصبح و العشاءين على الخصوص.

و فضلها الذي ذكرته الأحاديث المشار إليها يتضاعف بمضاعفة فضل الموضع الذي تقام فيه، و الامام الذي يؤتم به، و الجماعة الذين يأتمون، و كل ذلك مما لا ريب فيه.

المسألة 1029

تجب الجماعة في صلاة الجمعة و في صلاة العيدين إذا اجتمعت فيهما شرائط الوجوب. و الجماعة حينئذ أحد شرائط الصحة فيهما، و لا تجب في أصل الشريعة في غير هذين الموضعين.

المسألة 1030

من لا يحسن القراءة الواجبة في الصلاة إذا كان قادرا على تعلم القراءة و لكن الوقت ضاق عن ذلك، فالأحوط له لزوم الايتمام، و ان عجز عن التعلم أصلا لم يجب عليه الايتمام، و قد تقدم تفصيل حكمه في الفصل الثامن عشر في القراءة.

المسألة 1031

إذا نذر الإنسان أن يأتي بالفريضة جماعة انعقد نذره و وجب عليه الوفاء به فإذا خالف النذر عامدا و صلى منفردا بطلت صلاته على الظاهر و وجبت عليه كفارة النذر.

و تجب الجماعة أيضا بالعهد أو اليمين عليها، و تجب على الوسواسي إذا توقف عليها ترك وسوسته في الصلاة، و تجب على الولد إذا أمره بها أحد والديه و كان الأمر عن شفقة على الولد، أو كان في المخالفة إيذاء لهما.

المسألة 1032

لا تجوز صلاة الجماعة في النوافل الأصلية و ان أوجبها الإنسان على نفسه بنذر و شبهه، حتى صلاة الغدير على الأقوى، و تستثنى من ذلك صلاة الاستسقاء فتستحب فيها الجماعة، و تجوز في الفريضة إذا أتى

كلمة التقوى، ج 1، ص: 570

بها الإنسان منفردا و أراد إعادتها جماعة، و في الفريضة التي يتبرع بها الإنسان عن غيره، و تصح الجماعة كذلك في صلاة العيد إذا لم تجتمع فيها شرائط الوجوب كما يصح أن يأتي بها منفردا.

المسألة 1033

تصح القدوة في الصلاة اليومية و ان اختلفت صلاة الإمام مع صلاة المأموم في الجهر و الإخفات و في القصر و التمام و في الأداء و القضاء، فيجوز للمأموم الذي يصلي الصبح مثلا أن يقتدي بإمام يصلي الظهر أو غيرها من الصلوات، و بالعكس، و ان كانتا مختلفتين في الجهر و الإخفات و في الأداء و القضاء و يجوز للمسافر أن يقتدي بالحاضر، و بالعكس.

المسألة 1034

إذا أدى الإنسان فريضة الوقت منفردا استحب له أن يعيدها في الوقت جماعة سواء كان في اعادتها اماما أم مأموما، فيجوز له ان يقتدي في تلك الصلاة المعادة بغيره سواء كان امامه مبتدئا للصلاة أم معيدا أيضا، و يجوز لغيره أن يقتدي به في تلك الصلاة المعادة سواء كان المأموم مبتدئا للصلاة أم معيدا.

المسألة 1035

إذا أراد المكلف اعادة صلاته احتياطا، صح له أن يقتدي في إعادته بإمام يصلي الفريضة وجوبا، سواء كان الاحتياط الذي أعاد المأموم من أجله الصلاة واجبا أم مستحبا، و إذا كان الامام هو الذي يريد اعادة صلاته احتياطا، فيشكل جواز القدوة به في تلك الصلاة سواء كان المأموم يصلي وجوبا أم يعيد صلاته احتياطا، سواء كان الاحتياط للإمام أو للمأموم وجوبيا أم استحبابيا، بل و ان كان احتياط الامام و المأموم من جهة واحدة.

و يستثنى من ذلك ما إذا صليا جماعة فعرضت لهما معا في صلاتهما بعض العوارض المشتركة و أعادا صلاتهما لذلك، فتصح القدوة في صلاتهما المعادة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 571

المسألة 1036

لا تصح القدوة في الصلاة اليومية بصلاة الاحتياط التي تجب في الشكوك، فإذا عرض للمكلف شك أوجب عليه صلاة ركعة أو ركعتين للاحتياط، و قام بعد التسليم ليأتي بها، فلا يجوز لغيره أن يقتدي به في هذه الصلاة، و لا يجوز للشاك نفسه أن يقتدي في صلاة الاحتياط بإمام يصلي فريضة، و لا يجوز له أن يقتدي في صلاة الاحتياط بإمام يصلي صلاة الاحتياط، و مثال ذلك أن يشك كل من الرجلين في صلاته، فيقوم أحدهما ليصلي الاحتياط الذي وجب عليه لشكه، و يقوم الآخر ليقتدي به في احتياطه أيضا، فلا يجوز ذلك و ان كان احتياطهما متماثلا، أو كانا متحدين في الشك.

و يستثنى من ذلك ما إذا اتحد الامام و المأموم في أصل الصلاة، و شكا فيها شكا واحدا، فكان الشك مشتركا بينهما، و مثال ذلك أن يكونا معا في صلاة رباعية، فيشكان معا في صلاتهما بين الثلاث و الأربع مثلا، فإذا بنيا على الأربع- كما هو الحكم في هذا الشك-

و أتما صلاتهما و قام الإمام ليأتي بركعة الاحتياط، جاز للمأموم أن يقتدي به فيها، و قد تقدم ذلك في المسألة الثمانمائة و الثلاثين.

المسألة 1037

تشكل صحة الاقتداء لمأموم يصلي احدى الفرائض اليومية أداء أو قضاء بإمام يصلي صلاة الطواف، و لمأموم يصلي صلاة الطواف بإمام يصلي فريضة يومية، و الأحوط الترك في الصورتين، بل الأحوط الترك أن يقتدي في صلاة الطواف بمثلها.

المسألة 1038

لا يقتدي من يصلي اليومية بإمام يصلي صلاة الآيات أو صلاة العيد أو صلاة الأموات، و لا يقتدي من يصلي احدى هذه الثلاث بإمام يصلي اليومية، و لا بعض هؤلاء الثلاثة ببعض.

المسألة 1039

تنعقد صلاة الجماعة في غير الجمعة و العيدين بإمام و مأموم واحد،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 572

و يصح أن يكون المأموم الواحد امرأة و صبيا مميزا على الأقوى، و لا تنعقد في صلاة الجمعة و العيدين بأقل من خمسة رجال أحدهم الإمام.

المسألة 1040

تنعقد الجماعة إذا نوى المأموم الاقتداء بالإمام المعين، و ان لم ينو الإمام الإمامة، بل و ان كان جاهلا باقتداء المأموم به، و إذا لم ينو المأموم الائتمام لم تنعقد الجماعة، و ان تابعه في الأقوال و الأفعال، فإذا أتى في صلاته بما هو وظيفة المفرد صحت صلاته مفردا و ان أخل بذلك بطلت صلاته.

نعم تشترط نية الإمام للإمامة في صلاة الجمعة و العيدين، و المراد بذلك أن ينوي الصلاة المعينة التي يجعله المأمومون فيها اماما، و كذلك في الصلاة المعادة جماعة من قبل الإمام.

المسألة 1041

يشترط في صلاة الجماعة وحدة الإمام، فإذا نوى المأموم الاقتداء باثنين أو أكثر لم تصح جماعة، و إذا قصد بها التشريع بطلت، و ان لم يقصد التشريع بصلاته و أتى فيها بما هو وظيفة المنفرد صحت صلاته منفردا.

المسألة 1042

يجب تعيين الإمام في النية، و يكفي التعيين الإجمالي كما إذا قصد الائتمام بالإمام الحاضر أو بإمام هذه الجماعة، و لا يكفي أن يقتدي بأحد هذين الشخصين أو بمن يكون أطولهما صلاة أو بأسرعهما قراءة، إذا لم يعين ذلك قبل دخوله في الصلاة.

المسألة 1043

لا يجوز الاقتداء بمأموم لإمام آخر، و يصح الاقتداء بالمأموم بعد انفراده، و مثال ذلك أن يكون مسبوقا في صلاته، أو مقيما يصلي خلف امام مسافر، فإذا قام المسبوق أو المتم ليتم صلاته بعد تسليم امامه صح للآخرين الاقتداء به.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 573

المسألة 1044

إذا شك المكلف بعد دخوله في الصلاة في أنه نوى الايتمام أم لا، فالأحوط له أن ينوي الانفراد و يتم صلاته منفردا، و ان علم أنه قام بنية الدخول في الجماعة أو ظهرت عليه أحوال الايتمام كالانصات في القراءة و نحوه.

المسألة 1045

إذا اعتقد المكلف أن المتقدم في الجماعة هو زيد، فنوى الايتمام به، ثم ظهر له بعد الفراغ من الصلاة أنه عمرو، فها هنا صور:

(الصورة الأولى): أن يكون عمرو الذي ظهر أنه امام الجماعة غير عادل، و الأحوط في هذه الصورة بطلان اقتدائه، فلا تكون صلاته جماعة، و لكن الظاهر صحة صلاته منفردا، و لا يضر بصحة صلاته ترك القراءة، فإنه إنما تركها سهوا باعتقاد صحة الجماعة، فتكون صلاته صحيحة (لحديث لا تعاد) و لا يضر بها كذلك أن يزيد فيها سجدة و نحوها للمتابعة إذا اتفق له ذلك، لعين ما تقدم.

نعم، تبطل صلاته إذا حصل منه ما يبطل الصلاة عمدا و سهوا، كما إذا زاد في صلاته ركوعا للمتابعة، أو زاد سجدتين في ركعة واحدة للمتابعة كذلك.

و إذا تبين له ذلك و هو في أثناء الصلاة و لم يقع منه ما يبطل الصلاة عمدا و سهوا وجب عليه أن يتم صلاته منفردا.

(الصورة الثانية): أن يكون عمرو عادلا، و لكن المأموم قد قصد الاقتداء بزيد على وجه التقييد، بحيث كان قصده الايتمام به لا بغيره من الأئمة و ان كانوا عدولا، و لا ينبغي الريب في بطلان اقتدائه في هذه الصورة، و تصح منفردا إذا لم يقع منه ما يبطلها عمدا و سهوا كما تقدم.

(الصورة الثالثة): أن يكون عمرو عادلا أيضا، و يكون المأموم قد قصد الايتمام بزيد لا على نحو التقييد بل على نحو

تعدد المطلوب،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 574

و معنى ذلك انه قصد الايتمام بزيد لأنه حاضر و لكنه لا يمنع من الاقتداء بغيره إذا كان هو الامام الحاضر، و الظاهر صحة الاقتداء في هذه الصورة.

المسألة 1046

إذا علم المكلفان بعد فراغهما من الصلاة أن كل واحد منهما قد نوى الإمامة للآخر، فالظاهر صحة صلاتهما معا، إذا لم يرجع أحدهما إلى الآخر في الشك، و لم يأت في صلاته بما يبطل صلاة المنفرد عمدا و سهوا، و إذا انتفى أحد الشرطين المذكورين في كلتا الصلاتين بطلتا على الأحوط، و إذا انتفى أحد الشرطين في صلاة أحدهما بطلت صلاته خاصة.

و إذا علما بعد الصلاة أن كل واحد منهما قد نوى الايتمام بالآخر، فالأحوط لكل منهما استيناف الصلاة، و كذلك إذا شكا في ما قصداه في نيتهما، و ان كان للصحة وجه في بعض الفروض فلا يترك الاحتياط بالاستيناف.

المسألة 1047

لا يصح أن تنقل نية الاقتداء من إمام الى أمام آخر، و يستثنى من ذلك ما إذا عرض للإمام ما يمنعه من إتمام صلاته، كما إذا مات الإمام في أثناء صلاته، أو جن أو أغمي عليه أو أحدث فيها أو تذكر حدثا سابقا قبل الصلاة، فيجوز للمأمومين أن يقدموا اماما آخر يتمون معه صلاتهم، سواء كان الامام الجديد من المأمومين أم من غيرهم، و يجوز لهم أن يتموا صلاتهم فرادى.

و كذلك الحكم إذا عرض للإمام ما يعجزه عن صلاة المختار، كما إذا عجز عن القيام في صلاته، و المأمومون قادرون على ذلك، فيجوز له أن يقدم اماما آخر أو يتموا الصلاة فرادى.

المسألة 1048

لا يجوز للمصلي منفردا أن ينوي الائتمام في أثناء صلاته.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 575

المسألة 1049

يجوز للمأموم أن ينقل نيته من الايتمام الى الانفراد إذا بدا له ذلك في أثناء الصلاة و كان في الابتداء عازما على الايتمام الى آخر الصلاة، و إذا قصد من أول الأمر أن يأتم في بعض الصلاة و ينفرد في باقيها فصحة ذلك له في غاية الاشكال.

و هذا في غير المأموم المسبوق، و المقيم إذا صلى خلف المسافر اللذين يعلمان انهما ينفردان في صلاتهما بعد تسليم الإمام.

المسألة 1050

إذا بدا للمأموم فنوى الانفراد بعد أن أكمل الإمام القراءة أجزأته قراءة الامام و لم تجب عليه اعادتها، و إذا نوى الانفراد في أثناء القراءة، فلا يترك الاحتياط باستيناف القراءة من أولها، و أن يأتي بقراءته بقصد القربة المطلقة.

المسألة 1051

إذا بدا للمأموم فنوى الانفراد عن الامام لم يجز له العود الى الايتمام في صلاته تلك، و ان كان بعد نية الانفراد بلا فصل.

المسألة 1052

لا يضر في بقاء المأموم على الايتمام أن يتردد في الانفراد و عدمه ما لم ينو الانفراد في صلاته بالفعل.

المسألة 1053

إذا شك المأموم في أنه عدل بنيته الى الانفراد أم لم يعدل، بنى على عدم العدول و بقاء الايتمام.

المسألة 1054

إذا كان الإمام أو المأموم قاصدا للقربة في صلاته و لكنه لم يقصد القربة في الجماعة فالظاهر صحة الصلاة و صحة الجماعة، و مثال ذلك أن يقصد المأموم بصلاته جماعة التوقي من الوسوسة في صلاته أو من الشك فيها أو من كلفة تعلم القراءة و أمثال ذلك من الغايات فتصح

كلمة التقوى، ج 1، ص: 576

صلاته، و جماعته، و لكن إدراك الامام و المأموم ثواب الجماعة لا يكون الا بقصد القربة في الجماعة.

نعم يشترط أن لا يكون ما يقصده من الغايات منافيا للقربة، أو داخلا في المحرمات كالرياء و السمعة و نحوهما و قد تقدم ذلك في فصل النية في الصلاة و الوضوء.

المسألة 1055

إذا كان الامام مشغولا بنافلة أو غيرها من الصلوات التي لا يجوز فيها الاقتداء، فنوى المأموم القدوة و دخل معه فيها ساهيا أو جاهلا لم تنعقد جماعة، فان تنبه لذلك في أثناء صلاته من غير أن يخل بوظيفة المنفرد، وجب عليه أن يتم صلاته منفردا و كانت صحيحة، و كذلك إذا لم يتنبه حتى فرغ من الصلاة و لم يخل بصلاة المنفرد، و إذا أخل بوظيفة المنفرد في صلاته كانت باطلة، سواء تنبه لذلك في أثناء الصلاة أم بعد الفراغ منها.

المسألة 1056

يدرك المأموم الجماعة إذا دخل مع الإمام في صلاته في أول قيامه للركعة أو في أثناء قراءته أو في القنوت من الركعة الثانية، أو عند ركوع الإمام أو بعد دخوله في الركوع و قبل أن يرفع رأسه منه، و ان كان قد أتم الذكر، فتصح قدوة المأموم إذا دخل في الصلاة في جميع هذه الفروض و تحسب له تلك الركعة مع الامام.

و يكفي في الفرض الأخير أن يكبر المأموم للإحرام و يصل الى حد الركوع و الامام لا يزال بعد في حد الركوع الشرعي، و ان كان قد رفع رأسه قليلا من ركوعه، فالظاهر صحة قدوة المأموم بذلك و انه قد أدرك تلك الركعة مع الامام، و لا يضر بذلك أن الامام قد رفع رأسه قليلا ما دام لم يخرج عن حد الركوع.

المسألة 1057

إذا لم يصل المأموم إلى حد الركوع حتى رفع الإمام رأسه عن حد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 577

الركوع الشرعي لم تصح قدوة المأموم و فاتته الركعة مع الامام، و هذا الحكم انما هو في الفرض الأخير و ما قبله من المسألة المتقدمة.

و لا يجري في الفروض السابقة عليهما، فإذا كان المأموم قد دخل مع الإمام في الصلاة من أول الركعة أو في أثناء القراءة أو في أثناء القنوت من الركعة الثانية ثم سها فلم يركع مع الإمام أو منعه الزحام فلم يركع حتى رفع الإمام رأسه من الركوع لم تبطل قدوته و لا صلاته بذلك، فعليه أن يركع ثم يلتحق بالإمام و لو في السجود، و هذا هو الحكم في الركعة في ابتداء الجماعة، و أما في الركعات الأخرى، فلا يضر بقدوة المأموم تخلفه عن الإمام في الركوع إذا كان قد

أدركه حال القراءة أو التسبيح أو القنوت من الركعة، و لم يركع مع الامام فيها سهوا أو لعذر آخر، فإنه يركع و يلتحق به و لو في السجود، و أما إذا تخلف عنه جالسا مثلا فلم يقم معه سهوا أو لزحام حتى فاته الركوع من الركعة اللاحقة، فلا يترك الاحتياط بإتمام الصلاة جماعة ثم إعادتها أو بالإتمام منفردا إذا لم تفت الموالاة.

المسألة 1058

إذا اعتقد المأموم أنه يدرك الإمام في ركوعه فكبر و ركع، و علم أنه لم يدركه، فعليه أن يتم ركوعه و صلاته منفردا، ثم يعيد الصلاة على الأحوط، و إذا بقي من صلاة الإمام ركعات جاز له أن يعدل بصلاته إلى نافلة و يلتحق بالإمام في باقي صلاته.

و إذا كبر و ركع، و شك في أنه أدرك الإمام في ركوعه أم لم يدركه، فلا يترك الاحتياط في أن يتم صلاته جماعة ثم يعيدها.

المسألة 1059

الظاهر أنه يجوز للمأموم أن يدخل في الصلاة إذا كان الامام راكعا و كان المأموم يحتمل انه يدرك الامام قبل أن يرفع رأسه من الركوع احتمالا معتدا به، فإذا كبر و ركع، فإن أدركه راكعا صحت صلاته، و ان لم يدركه فعليه أن يتم ركوعه و صلاته منفردا، و يجوز له أن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 578

يعدل بعد ذلك الى النافلة و يلتحق بالجماعة في باقي الركعات. و لا يجوز له أن يدخل في الصلاة إذا كان الاحتمال ضعيفا لا يعتد به.

المسألة 1060

إذا نوى المأموم الاقتداء و كبر، و رفع الإمام رأسه قبل أن يصل المأموم إلى حد الركوع تخير بين أن ينفرد في صلاته، و ان ينتظر الإمام الى أن يقوم في الركعة اللاحقة فيجعلها الأولى من صلاته و إذا كان الانتظار يوجب الخروج عن صدق الاقتداء لابطاء الامام تعين عليه الانفراد.

المسألة 1061

إذا كان الإمام في التشهد الأخير من صلاته جاز للمأموم أن يدخل معه فينوي و يكبر للإحرام و هو قائم، ثم يجلس و يتشهد مع الامام بقصد القربة المطلقة، فإذا سلم الامام قام هو لصلاته، و لم يستأنف النية و لا التكبير، بل يقرأ و يركع حتى يتم صلاته، فينال بذلك فضل صلاة الجماعة، و ان لم يدرك شيئا من ركعاتها.

و إذا وجد الإمام في السجدة الأولى أو الثانية من الركعة الأخيرة، فالأحوط له عدم الدخول مع الإمام في هذه الحالات لاضطراب الأدلة في ذلك.

المسألة 1062

لا تنعقد صلاة الجماعة حتى تتحقق فيها عدة شروط.

(الأول): أن لا يكون بين الامام و المأموم حائل يحجبه عنه في نظر أهل العرف، فتبطل قدوة المأموم بذلك، سواء كان الحائل ستارا أم جدارا أم شجرة، أم أي شي ء يكون حاجبا بينهما، بل و ان كان إنسانا واقفا من غير المأمومين، و لا يضر وجود الحائل القصير الذي يحجب في بعض الأحوال لا مطلقا، كالجدار الذي يكون ارتفاعه مقدار شبر أو نحوه، فيكون حائلا عند السجود، و لا يحول في باقي حالات الصلاة.

و كذلك يشترط عدم الحائل بين المأموم و بين المأمومين الآخرين

كلمة التقوى، ج 1، ص: 579

الذين يكونون واسطة اتصاله بالإمام، فتبطل قدوة ذلك المأموم إذا وجد الحائل بينه و بينهم و لم يتصل بالإمام من جهة أخرى، و مثال ذلك أن يوجد الحائل بين أهل الصف الثاني و الصف الأول، أو بين بعض المأمومين في الصف الأول و من هم في صفهم من جهة الامام، و لا يضر وجود الحائل إذا منع المأموم من اتصاله بالإمام من جهة و كان متصلا به من جهة أخرى، و مثال ذلك

أن يوجد الحائل بين بعض المأمومين في الصف الثاني و من يتقدمهم في الصف الأول فلا يضرهم ذلك إذا كانوا يتصلون بالإمام بواسطة المأمومين الذين في صفهم.

المسألة 1063

الحائل الذي يمنع من انعقاد الجماعة، و يبطلها إذا حدث في الأثناء، هو الذي يحجب الامام عن المأموم أو يحجب عنه المأمومين الذين يكونون واسطة اتصاله بالإمام، سواء استمر وجود الحائل مدة الصلاة أم حدث في فترة من الصلاة ثم زال.

المسألة 1064

لا يعتبر هذا الشرط في صلاة المرأة خلف الرجل، فلا يضر بقدوتها أن يوجد حائل بينها و بين الإمام، أو بينها و بين المأمومين من الرجال، إذا هي علمت بأحوال الإمام من خلف الستار فتمكنت من متابعته في ركوعه و سجوده و قيامه و قعوده.

و يعتبر في جماعتها عدم الحائل إذا كان الإمام امرأة، فيكون حكمها كالرجل سواء بسواء.

و لا يترك الاحتياط في ما إذا صلت خلف الرجل بأن لا يكون بينها و بين النساء المأمومات حائل إذا كن واسطة بينها و بين الإمام.

المسألة 1065

الأقوى عدم الجواز إذا كان الحائل من الزجاج و نحوه مما لا يمنع المشاهدة أو الثوب الرقيق الذي يرى الشبح من ورائه، و لا يجوز على الأحوط إذا كان من الشبابيك أو الجدران المخرمة التي لا تمنع

كلمة التقوى، ج 1، ص: 580

المشاهدة، و أحوط من ذلك المنع إذا لم يكن في الحائل غير ثقب يمكنه المشاهدة منه في حال القيام أو في حال الركوع أو في حال الجلوس مثلا.

المسألة 1066

لا تعد الظلمة و لا الغبار حائلا، فتصح الجماعة معهما، و كذلك النهر أو الطريق إذا فصلا بين الامام و المأموم أو بين صفوف المأمومين و لم يحصل معهما البعد الممنوع في الجماعة.

المسألة 1067

ليس من الحائل المانع من صحة الجماعة حيلولة المأمومين بعضهم دون بعض، فلا يمنع أهل الصف المتقدم من انعقاد القدوة لأهل الصف المتأخر و ان لم يدخلوا بعد في الصلاة إذا كانوا مشرفين على الدخول فيها، و لا يكفي مطلق التهيؤ لها، و لكن لا يترك الاحتياط في الانتظار.

المسألة 1068

لا يقدح في صحة القدوة أن يطول الصف حتى لا يرى المأمومون الامام لبعده عنهم، و لا يقدح فيها كون الصفوف المتأخرة أطول من الصف المتقدم فلا تبطل صلاة المأمومين بذلك.

المسألة 1069

إذا كان الإمام في محراب داخل في جدار أو غيره لم تصح قدوة من يصلي على يمين المحراب أو على يساره من المأمومين، لحيلولة الجدار بين الامام و بينهم، و تصح قدوة من يقف من المأمومين مقابلا لباب المحراب إذا لم يكن بينه و بين الإمام حائل و لا بعد مانع، و تصح قدوة من يقف الى يمين ذلك المأموم أو الى يساره مع اتصال الصف و ان كانوا لا يرون الامام.

و كذلك الحكم إذا امتلأ المسجد بالمأمومين فصلى بعضهم خارج المسجد مقابل الباب، صحت قدوته إذا لم يكن بينه و بين المأموم في الداخل حائل و لا بعد مانع، و صحت قدوة من يكون على يمين ذلك المأموم أو على يساره ممن يكون خارج المسجد مع اتصال الصف على الأقوى.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 581

المسألة 1070

إذا حالت الأسطوانات بين المأمومين بعضهم مع بعض، لم تصح قدوة من لم يتصل منهم بالإمام أو بمن يتصل به من أهل الصفوف المتقدمة عليه، و لا يكفي اتصاله بالصف المتأخر عنه.

المسألة 1071

إذا تجدد الحائل في أثناء الصلاة بطلت الجماعة كما تقدم، فعلى المأموم أن يأتي في بقية صلاته بوظيفة المنفرد، فإذا هو لم يأت بذلك بعد وجود الحائل بطلت صلاته.

المسألة 1072

لا يضر بقدوة المأموم وجود الحائل غير المستقر، و مثال ذلك أن يمر إنسان أو حيوان أو غيرهما بين الامام و المأموم، أو بين المأموم و المأمومين الذين يكونون واسطة اتصاله بالإمام فلا تبطل الجماعة بذلك، و إذا اتصلت المارة بينهما كان لها حكم الحائل المستقر فلا تصح القدوة.

المسألة 1073

إذا كان متيقنا بعدم وجود الحائل، ثم شك في حدوثه، بنى على عدمه و صحت قدوته سواء كان شكه في الحدوث في أثناء الصلاة أم قبل الدخول فيها أم بعد الفراغ منها.

و إذا شك في وجود الحائل و عدمه و لم يعلم بحالته السابقة لم يجز له الدخول في الصلاة حتى يحرز عدم الحائل، و كذلك إذا كان شكه بعد الدخول في الصلاة غفلة، فإذا هو لم يحرز ذلك تعين عليه الانفراد.

المسألة 1074

إذا نوى الاقتداء بالإمام و هو جاهل بوجود الحائل، لعمى أو غيره، ثم تبين له وجود الحائل لم تصح جماعته، فعليه أن يتم صلاته منفردا، و لا تبطل صلاته بمجرد ترك القراءة لاعتقاده صحة الجماعة كما تقدم في نظائره، نعم تبطل صلاته إذا أتى بما يبطل الصلاة عمدا و سهوا،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 582

كما إذا زاد فيها ركوعا للمتابعة أو سجدتين في ركعة واحدة فعليه إعادة الصلاة.

المسألة 1075

إذا أتم أهل الصف الأول صلاتهم فسلموا و جلسوا في أماكنهم، أشكل الحكم في قدوة أهل الصف الثاني في بقية الصلاة، بل الظاهر بطلان قدوتهم لوجود الحائل و هم أهل الصف الأول، و للبعد بينهم و بين الامام، و إذا قام أهل الصف الأول بعد تسليمهم بلا فصل و اقتدوا بالإمام في صلاة أخرى فالظاهر صحة قدوة الجميع.

المسألة 1076

(الثاني من شرائط انعقاد الجماعة): أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم علوا معتدا به، سواء كان دفعيا كالأبنية و ما يشبهها أم انحداريا يشبه التسنيم كسفح الجبل على الأحوط لزوما في الثاني، فلا تصح الجماعة إذا كان موقف الامام أرفع من موقف المأموم بمقدار شبر أو أكثر، و هذا هو المراد من العلو المعتد به.

و لا تبطل الجماعة إذا كان ارتفاع موقف الإمام أقل من شبر، و لا تبطل إذا كان العلو انحداريا تدريجيا يصدق معه كون الأرض مبسوطة، و لا يضر بالجماعة أن يكون موقف المأموم أعلى من موقف الامام و ان كان دفعيا و كثيرا، إلا إذا كان لكثرة ارتفاعه ينافي صدق الجماعة عند المتشرعة فلا تصح الجماعة حين ذاك.

المسألة 1077

(الثالث من شرائط الجماعة): أن لا يكون المأموم بعيدا عن الإمام أو بعيدا عن المأمومين الذين يكونون واسطة اتصاله بالإمام.

و البعد المانع من صحة الايتمام هو البعد الذي ينافي وحدة الجماعة و اتصالها عرفا بعضها ببعض، فلا يضر البعد الذي لا ينافي وحدة الجماعة و اتصالها و ان كان مما لا يتخطى.

نعم يستحب اتصال الصفوف في الجماعة و عدم تباعدها بأكثر من

كلمة التقوى، ج 1، ص: 583

مسقط جسد الإنسان إذا سجد، و الظاهر أن المراد به البعد ما بين الصفين في حال السجود.

المسألة 1078

لا يضر بالقدوة أن يكون المأموم بعيدا من ناحية إذا كان متصلا بالجماعة من جهة أخرى، و مثال ذلك أن يكون بعيدا عن الصف المتقدم عليه، و لكنه متصل بالمأمومين في صفه الى ما يقابل الامام ثم بالصفوف المتقدمة الى أن تتصل بالإمام، أو بالعكس، و لا يكفي اتصاله بالصف المتأخر عنه.

المسألة 1079

إذا تباعد المأمومون في الصف الثاني أو في الصف الثالث فلم يتصل بعضهم ببعض لم يضر ذلك بجماعتهم إذا كان كل واحد منهم متصلا بالصف المتقدم عليه، و إذا تباعد المأمومون في الصف الأول بطلت قدوة من لم يتصل منهم بالإمام أو بمن يتصل به، و لم يكفه قربه من أهل الصف الثاني كما ذكرناه من قبل.

المسألة 1080

(الرابع من شرائط صحة الجماعة): أن لا يتقدم المأموم في موقفه على الإمام، فإذا تقدم عليه بطلت قدوته، و عليه أن يتم صلاته منفردا، بل يجب أن يتأخر المأمومون عن الإمام في الموقف و في جميع أحوال الصلاة إذا تعددوا، و أن يقف المأموم الواحد عن يمين الامام محاذيا لموقفه، و أن تتأخر المرأة عن الامام و ان كانت واحدة على الأحوط لزوما في جميع ذلك.

المسألة 1081

الشروط الأربعة المتقدم بيانها كما هي شروط في صحة انعقاد الجماعة في ابتدائها، فهي كذلك شروط في صحة بقاء الجماعة، فإذا حدث الحائل بين الامام و المأموم في أثناء الصلاة بعد ما لم يكن موجودا أو علا موقف الامام على المأموم أو حصل البعد المخل بوحدة الجماعة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 584

و اتصالها، أو تقدم المأموم على الامام بطلت الجماعة و تعين على المأموم الانفراد.

و إذا شك المأموم في حدوث شي ء منها و كان متيقنا بعدمه سابقا بنى على عدم حدوثه و صحت له القدوة، سواء كان شكه في حدوث ذلك الشي ء قبل الدخول في الجماعة أم بعد انعقادها.

و إذا شك في حدوث شي ء منها و هو لا يعلم بحالته السابقة لم يجز له الدخول في الجماعة حتى يحرز عدمه، و كذلك إذا شك فيه بعد دخوله في الجماعة غفلة، فلا يصح له البقاء على القدوة حتى يحرز عدم ذلك الشي ء، فان لم يحرز عدمه تعين عليه الانفراد.

و إذا شك في وجود واحد منها بعد فراغه من الصلاة و هو يجهل حالته السابقة، فإن علم أنه قد أتى بما يبطل صلاة المنفرد عمدا و سهوا، فعليه إعادة الصلاة على الأحوط، بل على الأقوى في بعض الصور، و ان

لم يعلم بأنه أتى بالمبطل بنى على الصحة.

المسألة 1082

تقدم في المسألة الألف و السابعة و الستين انه ليس من الحائل المانع من صحة الجماعة حيلولة بعض المأمومين دون بعض، و يكفي في صحة قدوة المتأخرين من أهل الصفوف أن يكون المتقدمون منهم مشرفين على الدخول في الصلاة و ان لم يدخلوا بعد فيها، و لا يكفي مطلق التهيؤ لها.

و هو كما لا يمنع من القدوة من حيث كونه حائلا، لا يمنع من القدوة كذلك من حيث كونه بعدا و فاصلا، و لكن لا يترك الاحتياط بالانتظار.

المسألة 1083

إذا بطلت صلاة أهل الصف المتقدم لعروض بعض المبطلات لصلاتهم، بطلت قدوة من تأخر عنهم من الصفوف، لبعد هؤلاء عن الامام، و لحيلولة أولئك دونهم، سواء كان أهل الصف المتقدم أنفسهم عالمين ببطلان صلاتهم أم جاهلين به، و إذا شك في بطلان صلاتهم و عدمه بنى على الصحة و صحت القدوة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 585

المسألة 1084

إذا كانت صلاة أهل الصف المتقدم صحيحة بحسب تقليدهم، و هي باطلة بحسب تقليد أهل الصف المتأخر أشكل الحكم جدا بصحة القدوة لهؤلاء، فلا بد لهم من مراعاة الاحتياط.

المسألة 1085

لا يضر بقدوة المأموم أن يفصل بينه و بين الإمام صبي مميز إذا كان مأموما إلا إذا علم ببطلان صلاته.

الفصل الأربعون في شرائط إمام الجماعة
المسألة 1086

يشترط في إمام الجماعة أن يكون بالغا، عاقلا، مؤمنا، عادلا، و أن يكون طاهر المولد، و أن يكون ذكرا إذا كان المأمومون أو بعضهم ذكورا، و أن لا يكون ممن يصلي قاعدا إذا كان المأمومون ممن يستطيع القيام، و لا مضطجعا أو مستلقيا إذا كانوا ممن يستطيع القيام أو القعود، و أن يكون صحيح القراءة إذا كان المأموم صحيح القراءة و كان الايتمام في الأولتين.

المسألة 1087

تشكل امامة غير البالغ لغير البالغ، و تجوز إذا كانت للتمرين.

المسألة 1088

العدالة هي الاستقامة على الشريعة بإتيان واجباتها و اجتناب محرماتها من كبائر ما نهي عنه و الإصرار على صغائره، على أن تكون الاستقامة المذكورة صفة ثابتة في نفس المكلف لا حالة غير قارة فيها، و هذا هو مراد من فسر العدالة بأنها ملكة اجتناب الكبائر و الإصرار على الصغائر، و إذا تحققت للإنسان صفة الاستقامة و ثبتت في نفسه و تحقق له بسببها اجتناب الكبائر، فلا ينافيها ارتكاب الصغيرة نادرا،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 586

فلا تزول عدالته بذلك، و الأحوط استحبابا للمأموم ترك الايتمام به قبل الاستغفار منها إذا اتفق له الاطلاع عليها.

و اما منافيات المروة فلا تضر بالعدالة إلا إذا انطبق عليها أحد العناوين المحرمة.

المسألة 1089

الكبيرة هي المعصية التي وصفت في نصوص المعصومين (ع) بأنها كبيرة، أو علم من طريق معتبر آخر بأنها كبيرة في الشريعة، أو التي ورد الوعيد في الكتاب أو السنة على ارتكابها بالنار، أو التي ورد في الكتاب أو السنة بأنها أعظم من إحدى الكبائر المعلومة.

و قد عد منها في النصوص: الشرك باللّه، و إنكار ما أنزل اللّه، و اليأس من روح اللّه، و الأمن من مكر اللّه، و الكذب على اللّه و على رسوله (ص) و على أوصيائه (ع)، بل مطلق الكذب، و المحاربة لأولياء اللّه، و إنكار حقهم (ع)، و عقوق الوالدين، و المراد الإساءة إليهما، و قتل النفس التي حرم اللّه، و الزنا، و اللواط، و شرب الخمر، و القمار، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم ظلما، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و السحر، و اليمين الغموس، (و هي الحلف باللّه على الكذب أو على حق امرئ، أو لمنعه حقه كما في بعض النصوص)،

و الغلول، (و هي الخيانة مطلقا أو في خصوص الفي ء)، و حبس الزكاة و الحقوق المفروضة من غير عسر، و ترك الصلاة متعمدا، و ترك شي ء مما فرض اللّه، و الاستخفاف بالحج، و شهادة الزور، و كتمان الشهادة، و نقض العهد، و قطيعة الرحم، و بخس المكيال و الميزان، و معونة الظالمين، و الركون الى الظالمين، و التكبر، و الاشتغال بالملاهي (كالغناء و ضرب الأوتار، و الرقص، و نحوها مما يتعاطاه أهل الفسوق)، و السرقة، و أكل الميتة، و أكل الدم، و أكل لحم الخنزير، و أكل ما أهل به لغير اللّه من غير ضرورة، و التعرب بعد الهجرة (و المراد الخروج الى البلاد التي ينقص فيها الدين)، و أكل السحت، (و منه أثمان العذرة و الميتة و المسكر، و الرشوة على الحكم، و أجر الزانية) و الإسراف

كلمة التقوى، ج 1، ص: 587

و التبذير، و الإصرار على الصغائر، و الغيبة، و النميمة، و البهتان على المؤمن، و هو أن يعيبه بما ليس فيه، و القيادة، و هي السعي ليجمع بين اثنين على وطء محرم، و الرياء، و استصغار الذنب، و الغش للمسلمين، الى غير ذلك مما يطول عده.

المسألة 1090

لا تحصل العدالة حتى تستقر صفة الاستقامة في نفس المكلف و تكون هي الغالبة على سلوكه و تصرفاته، فلا تثبت العدالة إذا كانت المزاحمات لصفة الاستقامة من الشهوة و الغضب و غيرهما هي الغالبة على أمره و ان كان سريع الندم بعد العمل.

المسألة 1091

تثبت عدالة الإنسان بالعلم بتحققها فيه، و بشهادة البينة العادلة بها، و بحسن الظاهر الموجب للوثوق بحصولها فيه، فان الظاهر كاشف عن الباطن غالبا ما لم يعلم خلافه، بل و بالاطمئنان و الموثوق بها، سواء حصل من الشياع أم من أي امارة أو قرينة أخرى، و لا يجوز الايتمام بمجهول الحال.

المسألة 1092

إذا شهدت البينة بعدالة الرجل، كفى ذلك في صحة الايتمام به الا إذا عارضتها بينة أخرى فشهدت بعدم العدالة، فتتساقط البينتان و تمتنع القدوة، و لا يقدح بحجية البينة أن يشهد عادل واحد بخلافها.

المسألة 1093

إذا شهد جماعة لم تتوفر فيهم شرائط البينة بعدالة الرجل، و حصل للمكلف الاطمئنان بقولهم، كفى ذلك في ثبوت عدالته و صحة الايتمام به، و كذلك إذا حصل له الاطمئنان و الوثوق بها من شهادة عدل واحد أو من اقتداء عدلين بالرجل أو جماعة مخصوصين، فيكفي ذلك في صحة الايتمام و ترتيب الآثار، إذا كان المكلف من أهل التمييز و المعرفة لا من البسطاء الذين يحصل لهم الاطمئنان بأقل ظاهرة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 588

المسألة 1094

لا تصح إمامة المرأة للرجل و لا للخنثى، و تجوز إمامة المرأة للمرأة على كراهة.

المسألة 1095

لا تجوز امامة الخنثى للرجل، بل و لا للخنثى مثلها، و تصح إمامتها للمرأة إذا أتت الخنثى في الصلاة بوظيفتى الرجل و المرأة.

المسألة 1096

تجوز امامة القاعد للقاعد و المضطجع، و تجوز امامة المضطجع لمثله.

المسألة 1097

تجوز القدوة بمن لا يحسن القراءة إذا كان معذورا غير مقصر في ذلك، و كان الايتمام به في غير الأولتين.

المسألة 1098

يجوز اقتداء الأفصح بالفصيح، بل و بغير الفصيح إذا كان مؤديا للقدر الواجب في القراءة.

المسألة 1099

لا تصح إمامة الأخرس لغير الأخرس، و لا للأخرس على الأحوط لزوما.

المسألة 1100

الظاهر جواز امامة المجذوم و الأبرص على كراهة، و لا يترك الاحتياط في المحدود بالحد الشرعي بعد التوبة، و في الأعرابي، و الظاهر عدم تناول النواهي لمن يسكن مع الأعراب لضرورة إذا كان من أهل الكمالات الشرعية العالية.

المسألة 1101

تجوز إمامة الأعمى إذا كان ممن يسدد نفسه إلى القبلة، أو كان له من يسدده إذا انحرف.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 589

المسألة 1102

يجوز اقتداء من يصلي متوضئا بإمام وظيفته الصلاة متيمما على كراهة، و تجوز امامة صاحب الجبيرة على أعضاء وضوئه أو غسله لغيره، و تجوز امامة من اضطر إلى الصلاة مع النجاسة و استمر به العذر الى آخر الوقت، و تصح إمامة المرأة المستحاضة للمرأة الطاهرة إذا أدت ما يجب عليها من الأعمال الواجبة عليها في استحاضتها. و في جواز امامة المسلوس و المبطون لغيرهما تأمل.

المسألة 1103

إذا تردد الأمر في التقديم بين إمامين أو أكثر، قدم من رضي المأمومون بإمامته أو كرهوا امامة غيره. و صاحب المنزل في منزله أولى بالإمامة من غيره حين يتردد الأمر بينهما، و هذا إذا كان الغير مأذونا له بالصلاة، و إذا لم يؤذن له لم تصح قدوته، و الامام الراتب في مسجد أولى في التقدم في مسجده.

و الأولى تقديم الفقيه الجامع للشرائط مع وجوده، فإذا تعدد فالأولى تقديم الأعلم، فان لم يوجد قدم الأجود قراءة و أداء للفظ القرآن على الوجه الصحيح، فان تساووا في ذلك قدم أفقه الجماعة في الدين.

المسألة 1104

إذا عرف المكلف شخصا بالعدالة، و شك بعد ذلك في انتفاء عدالته بنى على بقائها و جاز له الاقتداء به حتى يعلم بانتفائها.

المسألة 1105

إذا رأى المكلف من العادل كبيرة لم يجز له الاقتداء به حتى يتوب منها، فإذا تاب جاز له الاقتداء به لعدم زوال ملكة الاستقامة الثابتة له بذلك، نعم إذا تكرر ذلك منه بحيث دل على تزلزل الصفة في نفسه و عدم ثباتها، أو على ضعفها أمام المغريات لم يجز له الاقتداء به حتى تثبت له الصفة مرة أخرى، و المراد بالكبيرة أن تكون كبيرة عند العادل نفسه و ان لم تكن كبيرة عند الرائي.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 590

الفصل الحادي و الأربعون في أحكام الجماعة
المسألة 1106

يجب على المأموم ترك القراءة في الركعتين الأولتين من الصلاة الجهرية، إذا سمع و لو همهمة الإمام في القراءة، بل الأحوط له لزوم الإنصات، و لا ينافي ذلك أن يشتغل بالذكر الخفي فإنه يستحب له ذلك، و إذا لم يسمع من القراءة حتى الهمهمة جازت له القراءة، و الأحوط له أن يأتي بها بقصد القربة المطلقة، لا بقصد الجزئية و ان كان الأقوى جوازها بقصد الجزئية.

و الأحوط له لزوما ترك القراءة في الركعتين الأولتين من الصلاة الإخفاتية، و يستحب له أن يشتغل فيهما بالتسبيح و التحميد و الصلاة على محمد و آله.

المسألة 1107

لا فرق في الحكم المذكور في الأولتين بين أن يكون عدم سماع القراءة لبعد الامام عنه أو لصمم المأموم، أو لبعض الموانع ككثرة الأصوات و نحوها.

المسألة 1108

إذا سمع المأموم بعض قراءة الإمام دون بعض فالأحوط له ترك القراءة.

المسألة 1109

إذا شك هل انه يسمع قراءة الإمام أم لا، أو شك في ما يسمعه أ هو صوت الإمام أم صوت غيره، فالأحوط له ترك القراءة، و يجوز له أن يقرأ بنية القربة المطلقة.

المسألة 1110

يتخير المأموم في الركعتين الأخيرتين من الصلاة الجهرية أو الإخفاتية

كلمة التقوى، ج 1، ص: 591

بين القراءة و التسبيح، سواء قرأ الإمام فيهما أم سبح، و سواء سمع المأموم قراءة الإمام فيهما و تسبيحه أم لم يسمع، و قد تقدم في المسألة الخمسمائة و الثانية: ان القراءة في الأخيرتين أفضل من التسبيح، لإمام الجماعة، و أن التسبيح أفضل من القراءة للمأموم، و انهما متساويان في الفضل للمصلي المنفرد.

المسألة 1111

إذا قرأ المأموم ساهيا في الصلاة الجهرية و هو يسمع قراءة الإمام، أو اعتقد أن الصوت الذي يسمعه ليس صوت الإمام فقرأ، ثم تبين له أنه صوته لم تبطل صلاة المأموم بذلك في كلتا الصورتين.

المسألة 1112

الأحوط استحبابا للمأموم أن يكون مطمئنا مستقرا في قيامه حال قراءة الامام و لا يجب ذلك عليه على الأقوى.

المسألة 1113

لا يجوز للمأموم أن يتأخر عن القيام حال قراءة الإمام إذا كان تأخره مخلا بالمتابعة الواجبة، فيأثم في ذلك إذا كان متعمدا، و يجب عليه أن يلتحق بالإمام، و إذا كان تأخره فاحشا يخل بالهيئة الاجتماعية لصلاة الجماعة وجب عليه أن ينفرد، و الأحوط ان لا يتأخر عنه كثيرا و ان كان غير مخل بالمتابعة.

المسألة 1114

تجب على المأموم متابعة الإمام في أفعال الصلاة، من قيامها و قعودها و ركوعها و سجودها، فلا يجوز له التقدم على الامام فيها، بل الأحوط و الأفضل أن يتأخر عنه تأخرا يصدق معه المتابعة، و لا يجوز التأخر الفاحش عنه.

المسألة 1115

إذا تقدم المأموم على الإمام في الأفعال عامدا أثم، و لم تبطل صلاته و لا جماعته بذلك، و كذلك إذا تأخر عنه فيها تأخرا فاحشا، و ان كان

كلمة التقوى، ج 1، ص: 592

الأحوط استحبابا إتمام الصلاة معه ثم الإعادة و لا سيما إذا تأخر عنه بركن أو أكثر.

و تبطل جماعته إذا كان التأخر مما تذهب به هيئة الجماعة في نظر المتشرعة فيجب عليه ان يتم صلاته منفردا.

المسألة 1116

إذا رفع المأموم رأسه من الركوع أو من السجود قبل الامام سهوا وجب عليه العود مع الامام و المتابعة على الأحوط، و لا تضره زيادة الركن فهي مغتفرة في متابعة الجماعة، و ان رفع الإمام رأسه من الركوع أو من السجود قبل عود المأموم فلا شي ء عليه. و إذا أمكنه العود إلى المتابعة و لم يعد أثم و لم تبطل بذلك صلاته، و هذا كله إذا كان رفع رأسه بعد الذكر.

و إذا رفع رأسه قبل الامام و قبل أن يأتي بالذكر، فان كان عامدا في ترك الذكر بطلت صلاته، و مثال ذلك: ان يعتقد أن الامام رفع رأسه من الركوع فرفع رأسه و هو يعلم انه لم يأت بالذكر، فتبطل صلاته، و ان كان ساهيا في ترك الذكر وجب عليه العود للمتابعة كما تقدم و الإتيان بالذكر، فإن أمكنه العود لذلك و لم يعد متعمدا، فلا يترك الاحتياط بإتمام الصلاة ثم إعادتها في هذه الصورة، و إذا لم يعد إلى المتابعة ساهيا أو اعتقد عدم الفرصة فلم يعد إليها فلا شي ء عليه و ان كان رفعه قبل الإتيان بالذكر ساهيا.

المسألة 1117

إذا رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل الامام عامدا أثم بفعله، و لم يجز له العود إلى المتابعة، فإن هو عاد إلى المتابعة في الركوع أو السجود عامدا وجب عليه أن يتم الصلاة ثم يعيدها على الأحوط، و كذلك إذا عاد إلى المتابعة فيهما ساهيا و كان ما زاده ركوعا أو سجدتين من ركعة واحدة، فعليه إتمام الصلاة و اعادتها، و لا تجب الإعادة إذا كان ما زاده سجدة واحدة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 593

المسألة 1118

إذا رفع رأسه من الركوع قبل الامام ساهيا ثم عاد الى الركوع للمتابعة فإن وصل الى حد الركوع قبل أن يرفع الإمام رأسه صحت صلاته، و ان لم يصل الى حد الركوع حتى رفع الإمام رأسه منه فلا يترك الاحتياط بأن يتم صلاته مع الامام ثم يعيدها.

و إذا حدث مثل ذلك في سجدة واحدة فرفع المأموم رأسه من السجود سهوا ثم عاد إلى المتابعة فيها، و رفع الإمام رأسه قبل أن يصل المأموم إلى السجود، فان علم بذلك قبل أن يضع جبهته رفع رأسه مع الامام، و إذا علم به بعد أن وضع جبهته على الأرض لم تبطل صلاته بذلك.

المسألة 1119

إذا رفع المأموم رأسه من السجدة فوجد الامام ساجدا، و اعتقد انه لا يزال في سجدته الأولى، فعاد إليها بقصد المتابعة، ثم تبين له بعد رفع الرأس ان الامام كان في الثانية، فإن كان المأموم في سجوده الثاني قد قصد امتثال الأمر المتوجه اليه بالسجود و انما قصد المتابعة لتخيل ان الامام لا يزال في السجدة الأولى كانت سجدته هي الثانية، و عليه أن يتم الصلاة مع الامام، و ان قصد به المتابعة على نحو التقييد، فعليه إعادة الصلاة و الأحوط أن يتم الصلاة ثم يعيدها.

و كذلك الحكم إذا رفع رأسه من السجدة فوجد الامام ساجدا، فاعتقد انه في السجدة الثانية، فسجد معه بقصد الثانية، ثم تبين له ان الامام كان في الأولى، فإن كان سجوده بقصد امتثال الأمر المتوجه اليه بالفعل، و كان قصد السجدة الثانية لتوهم ان الامام فيها، كانت سجدته للمتابعة، فعليه أن يسجد الثانية مع الامام و يتم صلاته، و ان قصد السجدة الثانية على نحو التقييد تعين عليه أن يتم

الصلاة منفردا.

المسألة 1120

إذا ركع المأموم أو سجد قبل الامام عامدا أثم بذلك، و لم يجز له الرجوع للمتابعة في الركوع أو السجود، فعليه أن ينتظر في ركوعه أو سجوده حتى يلتحق به الامام، و إذا عاد الى القيام أو الجلوس و تابع

كلمة التقوى، ج 1، ص: 594

في الركوع أو السجود مع الامام كان عليه إتمام الصلاة ثم اعادتها على الأحوط.

و إذا ركع أو سجد قبل الامام ساهيا وجب عليه العود على الأحوط، فيعود الى القيام ثم يركع مع الإمام، أو الى الجلوس فيسجد معه، و يجب عليه أن يأتي بالذكر في ركوعه أو سجوده الأول قبل ان يرجع الى المتابعة، و عليه أن يكتفي بالذكر الواجب لئلا ينافي فورية المتابعة، فإذا أتى بركوع المتابعة أو سجودها كان عليه أن يأتي بالذكر فيهما أيضا على الأحوط، و لا تبطل صلاته إذا ترك العود للمتابعة، سواء تركها عامدا أم ساهيا، بل يكون آثما مع العمد.

المسألة 1121

إذا ركع المأموم قبل الإمام في حال قراءته، فان كان عامدا في ذلك بطلت صلاته لتركه القراءة و ما هو بدلها و هو قراءة الامام، و ان كان ساهيا فالظاهر الصحة. و كذلك الحكم إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الامام و قبل الذكر الواجب، فتبطل صلاته إذا كان عامدا لترك الذكر، و لا شي ء عليه إذا كان ساهيا.

المسألة 1122

لا تجب على المأموم متابعة الإمام في أقوال الصلاة و أذكارها من غير فرق بين الواجب منها و المندوب و ما يسمعه من أقوال الامام و ما لم يسمعه، فلا يجب على المأموم التأخر عن الامام فيها أو المقارنة معه، حتى في التسليم، فلا تبطل صلاة المأموم إذا سلم قبل الامام عامدا و لا تجب عليه اعادة التسليم إذا سلم قبله ساهيا، و الأحوط له استحبابا التأخر عن الإمام في جميع الأقوال و خصوصا في التسليم.

و تستثنى من ذلك تكبيرة الإحرام، فلا يجوز للمأموم أن يتقدم فيها على الامام، بل الأحوط وجوبا أن يتأخر بتكبيرته عن تكبيرة الإمام.

المسألة 1123

إذا كبر المأموم للإحرام قبل الامام ساهيا انعقدت صلاته منفردا، و يجوز له أن يقطعها ليدرك الجماعة فيبطلها ثم يكبر بعد تكبيرة الإمام.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 595

المسألة 1124

يجوز للمأموم أن يكرر ذكر الركوع و السجود و ان لم يكرره الامام، و أن يطيل الذكر ما لم يستلزم فوات المتابعة فيأثم بذلك إذا كان عامدا، و تبطل قدوته إذا كان موجبا لذهاب هيئة الجماعة في نظر المتشرعة و تكون صلاته فرادى.

المسألة 1125

إذا كان الامام يرى استحباب جلسة الاستراحة بعد السجدتين فتركها، و كان المأموم مقلدا لمن يرى وجوبها أو يقول بوجوب الاحتياط فيها، فلا يجوز له أن يتركها، و هكذا في كل فعل من أفعال الصلاة يتركه الإمام لأنه يراه مستحبا، فلا يجوز للمأموم أن يتركه إذا كان مقلدا لمن يرى وجوبه أو يرى وجوب الاحتياط فيه.

المسألة 1126

إذا ركع المأموم قبل الامام ساهيا، ثم وجده يقنت في ركعة لا قنوت فيها، فيجب على المأموم أن يعود الى القيام ليتابع الإمام في الركوع و لا يدخل معه في القنوت الزائد. و إذا قام إلى الركعة قبل الامام ساهيا، ثم وجده يتشهد في ركعة لا تشهد فيها أو يأتي في الركعة بسجدة ثالثة وجب عليه أن يعود الى الجلوس ليتابع الإمام في القيام و لا يدخل معه في التشهد الزائد أو السجدة الزائدة، و هكذا.

المسألة 1127

يتحمل الامام عن المأموم قراءة الفاتحة و السورة في أولتي الإمام إذا ائتم به فيهما و لا يتحمل عنه غير القراءة فيهما من أفعال الصلاة و أقوالها، و يجب على المأموم في الأخيرتين أن يقرأ الحمد أو يأتي بالتسبيحات، و لا يتحمل عنه الامام ذلك و ان قرأ الإمام فيهما و سمع المأموم قراءته، و قد تقدم ذكر ذلك في أول هذا الفصل.

المسألة 1128

إذا كانت الأخيرتان للإمام أولتين للمأموم، وجب على المأموم فيهما ان يقرأ لنفسه، سواء قرأ الإمام فيهما أم سبح، فان أمهله الإمام حتى

كلمة التقوى، ج 1، ص: 596

يتم قراءة الحمد و السورة وجب عليه ذلك، و ان لم يمهله اقتصر على قراءة الحمد وحدها و ترك السورة و ان لم يمهله أن يتم الحمد، فالأحوط له أن يتم الصلاة منفردا.

المسألة 1129

إذا ركع الامام قبل أن يشرع المأموم في قراءة السورة في الفرض المتقدم ذكره أو قبل إتمام السورة، فإن أمكن للمأموم أن يتم السورة أو يقرأها و يلتحق بالإمام بحيث لا يوجب ذلك له تخلفا مضرا بالمتابعة العرفية، فلا يترك الاحتياط بالإتيان بالسورة و إتمامها إذا كان شرع فيها، و الالتحاق بالإمام و لو بعد الركوع، و ان كان ذلك يوجب له تخلفا يضر بالمتابعة العرفية ترك السورة و اقتصر على الفاتحة وحدها كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، و هذا هو المقصود بامهال الامام و عدم إمهاله.

المسألة 1130

إذا أدرك المأموم الامام و قد دخل في الركوع سقطت عنه القراءة، سواء كان في الركعتين الأولتين للإمام أم في الأخيرتين، و إذا أدركه قبل الركوع و كان في الأخيرتين وجبت على المأموم القراءة كما تقدم بيانه قريبا، فإذا علم أن الامام لا يمهله أن يتم قراءة الفاتحة، فالأحوط له أن لا يكبر للإحرام حتى يركع الامام فتسقط عنه القراءة

المسألة 1131

إذا كانت الركعة الثانية للإمام هي الأولى للمأموم تحمل الإمام القراءة عنه فيها، فإذا قنت الإمام تابعه المأموم في القنوت استحبابا، فإذا تشهد الامام بعد السجدتين استحب للمأموم أن يتشهد معه و أن يتجافى في تشهده، فإذا قام لركعته الثانية و هي ثالثة الإمام وجبت عليه القراءة فيها، و استحب له القنوت، فان لم يمهله الامام ترك القنوت و ان لم يمهله للسورة تركها على النحو الذي تقدم بيانه قريبا، و أتم الركعة مع الامام و تشهد هو في ثانيته، و التحق برابعة الامام، و عليه أن يسبح فيها أو يقرأ، فإذا تخلف بسبب ذلك عن الامام فلم يدركه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 597

في الركوع أتم صلاته منفردا على الأحوط، و ان لم يمهله الامام لقراءة الفاتحة في ثانيته أتم الصلاة منفردا على الأحوط كما ذكرناه في ما تقدم.

المسألة 1132

إذا كانت الأخيرتان للإمام أولتين للمأموم و اعتقد أن الامام يمهله للقراءة فقرأ و لم يدركه في الركوع لم تبطل جماعته بذلك، فله الالتحاق بالإمام بعد الركوع إذا لم يكن التخلف عنه كثيرا موجبا لذهاب الهيئة الاجتماعية، و لا تبطل جماعته إذا تعمد فأتى بالقنوت و هو يعلم بأنه لا يدرك الركوع مع الإمام، فإذا أتم قنوته و ركوعه التحق بالإمام، و إذا ذهبت هيئة الجماعة بذلك أتم صلاته منفردا.

المسألة 1133

يجب على المأموم أن يخفت في قراءته خلف الامام، حتى إذا كانت الصلاة جهرية، كما إذا لم يسمع قراءة الامام و لا همهمته فقرأ استحبابا، أو أدرك الإمام في الأخيرتين فقرأ في صلاته وجوبا، فان عليه أن يخفت في قراءته في جميع ذلك، حتى في البسملة على الأحوط و إذا نسي أو جهل فجهر في قراءته لم تبطل صلاته، و إذا كان جاهلا مترددا في الحكم ففي صحة صلاته اشكال، فلا يترك الاحتياط بالإعادة.

المسألة 1134

إذا كانت ثالثة الإمام ثانية للمأموم وجب عليه أن يتشهد فيها بعد السجدتين ثم يقوم لثالثته و هي رابعة الامام فيسبح و يلتحق بالإمام قبل الركوع أو في الركوع و إذا لم يلحقه في الركوع فالأحوط له أن ينوي الانفراد، و إذا بقي على نية الايتمام أتم الصلاة و أعادها على الأحوط، و هكذا في كل فعل وجب عليه دون الامام فيجب عليه أن يأتي به فإذا أدرك الإمام في الركوع أو قبله بقي على قدوته و ان لم يدركه في الركوع نوى الانفراد على الأحوط.

المسألة 1135

يجوز للمأموم أن يدخل في الجماعة و ان لم يدر ان الامام في الأولتين

كلمة التقوى، ج 1، ص: 598

من صلاته أم في الأخيرتين، فإذا دخل في الصلاة قرأ الحمد و السورة بقصد القربة، فإذا تبين له أن الامام في الأخيرتين أجزأته تلك القراءة، و ان تبين له انه في الأولتين لم يضره ذلك.

المسألة 1136

إذا اعتقد المأموم أن الإمام في الأولتين من صلاته فلم يقرأ اكتفاء بقراءة الإمام، ثم ظهر له أن الامام في الأخيرتين فإن تبين له ذلك قبل الركوع وجب عليه أن يأتي بالقراءة، فان لم يمهله الامام لقراءة السورة قرأ الحمد وحدها و لحق بالإمام و ان لم يمهله لقراءة الحمد نوى الانفراد كما تقدم، و ان تبين له ذلك بعد الدخول في الركوع مضى في صلاته. و إذا اعتقد أن الامام في الأخيرتين، فقرأ ثم ظهر له انه في الأولتين لم يضره ذلك و إذا كان في أثناء القراءة لم يجب عليه إتمامها.

المسألة 1137

إذا زاد الامام سهوا في صلاته سجدة أو تشهدا أو قنوتا أو غير ذلك مما لا تبطل الصلاة بزيادته سهوا، لم يتابعه المأموم في تلك الزيادة و لم ينو الانفراد عنه، و إذا نقص منها شيئا لا تبطل الصلاة بنقصه سهوا وجب على المأموم أن يأتي به.

المسألة 1138

إذا نقص الامام بعض أفعال صلاته سهوا و أتى به المأموم في محله كما ذكرنا ثم تذكر الامام فوت ذلك الشي ء و رجع اليه ليتداركه، فالأحوط للمأموم أن ينوي الانفراد في صلاته.

المسألة 1139

إذا اعتقد الامام دخول الوقت فشرع في الصلاة، و اعتقد المأموم عدم دخول الوقت أو شك في دخوله لم يجز له الاقتداء بالإمام في تلك الصلاة، فإذا دخل عليه الوقت في أثناء الصلاة و اعتقد المأموم بدخوله جاز له الايتمام به في بقية الصلاة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 599

المسألة 1140

إذا شرع المكلف في صلاة نافلة، و أقيمت الجماعة، و خشي أن هو أتم نافلته أن تفوته الجماعة جاز له أن يقطع النافلة، و يكفي في جواز القطع أن يخاف فوت الركعة الأولى منها. و إذا شرع في صلاة الفريضة منفردا ثم حضرت الجماعة، و خشي أن هو أتم صلاته أن تفوته الجماعة جاز له في جميع الصور قطع الفريضة لإدراكها، و إذا كان في الركعة الأولى أو الثانية من الفريضة أو في الثالثة قبل الركوع فيجوز له أن يعدل بنيته إلى النافلة فيتمها ركعتين إذا لم تفته الجماعة بذلك.

المسألة 1141

لا يبعد اختصاص الحكم بجواز العدول من الفريضة إلى النافلة في الفرض المتقدم بالصلاة غير الثنائية، و قد عرفت جواز قطع الفريضة لإدراك الجماعة في جميع الصور، سواء عدل إلى النافلة أم لم يعدل، و سواء صح له العدول أم لم يصح.

المسألة 1142

يجوز للمأموم أن يأتي بالمستحبات في الصلاة و ان تركها الامام، فيجوز له أن يأتي بالتكبيرات الست التي يفتتح بها الصلاة و ادعيتها، و بالأدعية المستحبة في الركوع و السجود، و التكبيرات للركوع و السجود و غير ذلك مما يستحب في الصلاة، و يجوز له أن يترك الإتيان بها، و ان أتى بها الامام.

و إذا أتى بالتكبيرات الافتتاحية قبل إحرام الإمام بالصلاة فلا يأتي بتكبيرة الإحرام إلا بعد أن يحرم الامام.

المسألة 1143

تصح القدوة مع اختلاف الامام و المأموم في أجزاء الصلاة و شرائطها اجتهادا أو تقليدا، إذا هما اتحدا في العمل، و لم يستعملا محل الخلاف في صلاتهما، فإذا كان الامام يرى استحباب السورة في الصلاة مثلا، و كان المأموم يرى وجوبها، صح له أن يقتدي به إذا قرأ الإمام السورة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 600

في صلاته، و لم يضر بقدوته أن الامام لا يقول بوجوبها، و كذلك في جلسة الاستراحة بعد السجدتين.

بل الأقوى صحة الاقتداء حتى في صورة المخالفة في العمل بين الامام و المأموم، من غير فرق بين المسائل المعلومة للمأموم و المسائل التي يقوم على الحكم فيها دليل معتبر عنده أو عند مقلده فتصح القدوة في الجميع، فتصح قدوة المأموم الذي يرى وجوب جلسة الاستراحة بالإمام الذي يرى استحبابها و ان تركها في صلاته، و لكن على المأموم أن يأتي بها في صلاته، و هكذا.

نعم يشكل الحكم بصحة الاقتداء إذا اختلفا في العمل في ما يتعلق بالقراءة في مورد تحمل الامام عن المأموم، كما إذا ترك الإمام السورة لأنه يرى استحبابها و كان المأموم يعتقد وجوبها، أو ترك الإمام إدغاما أو مدا في القراءة و كان المأموم يرى وجوبهما، فلا يترك

الاحتياط بترك الاقتداء في هذا الفرض.

و لا يصح الاقتداء إذا علم المأموم ببطلان صلاة الإمام أو قامت لديه أو لدى مقلده حجة شرعية على بطلانها، كما إذا أخل الإمام بركن في رأي المأموم، أو أخل بشرط معتبر لديه في الصلاة في حال العمد و السهو، و ان كان الامام لا يرى ذلك، أو توضأ بماء يعلم المأموم بنجاسته، و ان كان الامام يعتقد طهارته، أو كان المأموم يعلم بأن الامام على غير وضوء و ان كان الامام يجهل ذلك، فلا تصح القدوة في مثل هذه الصور.

المسألة 1144

إذا وجد المأموم في ثوب امامه أو على بدنه نجاسة لا يعفى عنها في الصلاة و كان الامام لا يعلم بها، ففي المسألة صور.

(إحداها): أن يعلم المأموم أن الامام يعلم بالنجاسة سابقا و قد نسيها، و انه ممن يقول ببطلان الصلاة بالنجاسة ناسيا، كما هو المختار، و الحكم في هذه الصورة عدم صحة الاقتداء به، و إذا كان الامام ممن يرى صحة الصلاة لناسي النجاسة إذا تذكرها بعد الفراغ من

كلمة التقوى، ج 1، ص: 601

الصلاة، كانت من صغريات المسألة المتقدمة، فتصح له القدوة كما ذكرناه.

(الصورة الثانية): أن يعلم المأموم أن الامام جاهل بأصل وجود النجاسة، و الحكم فيها صحة الاقتداء به.

(الصورة الثالثة): أن لا يعلم المأموم أن الامام جاهل بأصل وجود النجاسة أو ناس لها، و لا يبعد جواز الاقتداء في هذه الصورة و لكن الأحوط تركه.

المسألة 1145

إذا أحرز المأموم أوصاف الإمام المعتبرة في القدوة، و أحرز صحة صلاته بالأمارات المعتبرة و الأصول الشرعية المصححة، فاقتدى به، ثم انكشف له بعد الفراغ من الصلاة عدم وجود بعض الشرائط فيه أو في صلاته، فالظاهر صحة صلاته و جماعته.

و من أمثلة ذلك أن يتبين للمأموم بعد الصلاة أن الامام فاسق، أو غير متطهر في صلاته، أو علم بعد الفراغ أن الامام قد ترك ركنا أو أتى بما يبطل الصلاة سهوا و عمدا، فلا يضر ذلك في صلاة المأموم و جماعته إذا هو لم يترك الركن و لم يأت بالمبطل، و يغتفر للمأموم ما يغتفر له في صلاة الجماعة من ترك القراءة و زيادة ركن و نحوه للمتابعة، و الأحوط الإعادة في الوقت، و القضاء إذا كان بعد الوقت.

و إذا تبين له ذلك في أثناء الصلاة وجب

عليه أن ينفرد في بقية صلاته، و وجبت عليه القراءة إذا لم يدخل في الركوع. و إذا تبين له بعد الفراغ ان الامام امرأة أو خنثى ليس لهما أن تؤما الرجل أو علم بأنه مجنون، فلا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة إذا أخل المأموم في صلاته بوظيفة المنفرد.

المسألة 1146

إذا نسي الإمام واجبا من واجبات الصلاة و علم المأموم بذلك كان على المأموم تنبيه الامام على ذلك على الأحوط مع الإمكان، فان لم يمكنه التنبيه، أو نبهه فلم يتنبه، أو لم يلتفت لأنه قاطع بصحة عمله، و كان

كلمة التقوى، ج 1، ص: 602

المنسي ركنا أو قراءة في الأولتين قبل دخول المأموم في الركوع وجب عليه الانفراد على الأقوى في الفرض الأول، و على الأحوط في الفرض الأخير.

و إذا لم يكن المنسي ركنا و لا قراءة فعلى المأموم أن يأتي بالمنسي و لم تبطل قدوته بذلك فيتم صلاته مع الامام، و إذا كان المنسي قراءة و لم يلتفت إليها المأموم إلا بعد الركوع لم تبطل قدوته أيضا فيتم صلاته مؤتما.

المسألة 1147

إذا تذكر الامام بعد أن أتم صلاته بأنه كان محدثا أو أنه قد ترك في صلاته شرطا أو جزءا ركنا، أو نحو ذلك مما يبطل الصلاة عمدا و سهوا، وجبت عليه إعادة الصلاة و لم يجب عليه إعلام المأمومين بذلك، و إذا تذكر ذلك في أثناء الصلاة ففي وجوب إعلامهم تأمل، و لكنه أحوط.

المسألة 1148

إذا أتم الإمام السجدتين من الركعة و شك المأموم هل اني سجدت كلتا السجدتين أو سجدت واحدة فقط، فان كان في المحل وجب عليه أن يسجد الثانية، و ان كان بعد تجاوزه و الدخول في غيره لم يلتفت الى شكه، و هكذا إذا شك في أنه ركع مع الإمام أو نسي الركوع، و في كل موضع يشك في فعله خاصة، فعليه أن يأتي بالمشكوك إذا كان في محله، و عليه أن لا يلتفت الى شكه إذا كان بعد التجاوز، و إذا شك الإمام أو المأموم في فعلهما معا و كان الآخر منهما متيقنا رجع الشاك اليه و لم يلتفت الى شكه.

المسألة 1149

إذا اقتدى المأموم في صلاة مغربه بصلاة الإمام في العشاء و شك في الركعة أنها الثالثة أو الرابعة رجع الى الامام إذا كان متيقنا، فإذا كانا في الجلوس مثلا ثم قام الامام علم المأموم ان ما أتمه هي الثالثة، فعليه أن يتشهد و يسلم و كانت صحيحة، و ان تشهد الامام علم أنها الرابعة،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 603

فيجري فيه حكم من زاد في صلاته ركعة تامة ساهيا، فتجب عليه إعادة الصلاة كما ذكرناه في فصل الخلل الواقع في الصلاة.

و إذا كان في حال القيام انتظر قائما حتى يركع الامام و يسجد السجدتين فان قام بعدهما للرابعة علم المأموم ان ما بيده هي الثالثة فيجب عليه أن يتم الركعة و تكون صلاته صحيحة، و ان تشهد الامام ليسلم، علم المأموم ان ما بيده هو قيام الرابعة، فعليه أن يجلس من قيامه و يتشهد و يسلم على الثالثة، ثم يسجد سجدتي السهو للقيام الزائد إذا تلبس معه بقراءة أو تسبيح و كانت صلاته صحيحة كذلك،

و إذا كان في حال الركوع أو السجود أو ما بينهما انتظر حتى يتم الامام ركعته، فان تبين له أنها الثالثة أتم الصلاة و كانت صحيحة، و ان تبين له انها الرابعة كانت باطلة.

المسألة 1150

إذا لم يدر المكلف ان الامام شرع في صلاة فريضة أم نافلة، لم تصح له القدوة فيها، و كذلك إذا لم يدر أنه شرع في فريضة يومية أم في صلاة آيات و شبهها مما لا تجوز القدوة به في الصلاة اليومية، فلا تصح القدوة حتى يعلم قبل الدخول معه انه يصلي فريضة يومية إذا كانت الصلاة التي يريد المأموم أداءها معه فريضة يومية.

و إذا علم بأن الامام يصلي فريضة يومية جاز له أن يأتم به فيها و ان لم يعلم أي الفرائض هي، و أنها مقصورة أم تامة و أداء أم قضاء.

المسألة 1151

يشكل اغتفار زيادة الركوع للمتابعة إذا زاد أكثر من مرة واحدة في الركعة الواحدة، فإذا رفع المأموم رأسه من الركوع قبل الامام سهوا، و عاد للمتابعة، ثم سها فرفع رأسه مرة ثانية قبل الامام و عاد للمتابعة، فلا يترك الاحتياط بإتمام الصلاة ثم اعادتها، و كذلك الأمر في السجدة الواحدة، فإذا رفع رأسه قبل الامام ساهيا و عاد للسجود، ثم رفع رأسه قبل الإمام مرة ثانية في تلك السجدة و عاد للسجود، أشكل الحكم باغتفار ذلك و أشد من ذلك إشكالا أن يزيد السجدتين معا في ركعة واحدة مرتين،

كلمة التقوى، ج 1، ص: 604

فتكون زيادته أربع سجدات في ركعة واحدة، فلا يترك الاحتياط بالإتمام ثم الإعادة.

المسألة 1152

إذا صلى المأموم الفريضة احتياطا أداء أو قضاء، و اقتدى فيها بإمام يصلي فريضة متيقنة، فلا إشكال في اغتفار زيادة الركن إذا زاده ذلك المأموم المحتاط في صلاته للمتابعة، و لا إشكال في رجوع ذلك المأموم إذا شك في صلاته الى الامام إذا كان حافظا، نعم يشكل رجوع الإمام إذا شك في صلاته الى ذلك المأموم المحتاط إذا كان وحده هو الحافظ، سواء انحصر المأموم به أم لم ينحصر.

المسألة 1153

لا يضر في بقاء القدوة أن يسلم الامام و يفرغ من صلاته و المأموم لا يزال مشغولا بالتشهد أو بالسلام الأول، فهو لا يزال مأموما و لا تجب عليه نية الانفراد.

المسألة 1154

إذا كان المأموم مسبوقا بركعة أو ثلاث استحب له أن يتابع الإمام في تشهده الأخير، و أن يكون حال التشهد متجافيا حتى يسلم الامام، فيقوم هو لباقي صلاته، و يجوز له أن ينفرد فيقوم لصلاته بعد السجدتين و قبل تشهد الامام و تسليمه.

المسألة 1155

يجوز للمأموم إذا رأى ضيقا في الصف الذي هو فيه أن يمشي إلى الصف المتقدم عليه، أو الى الصف المتأخر عنه، بشرط أن لا ينحرف عن القبلة، فإذا مشى الى خلفه مشى القهقرى، و الأحوط له أن يجر رجليه جرا، و يجب عليه أن يترك الذكر و القراءة في حال المشي حتى يطمئن و يستقر، فيعود الى ذكره و قراءته.

المسألة 1156

يستحب للمكلف أن ينتظر الجماعة و أن تأخر بسبب ذلك عن أول

كلمة التقوى، ج 1، ص: 605

الوقت سواء كان إماما في الجماعة أم مأموما، فصلاته مع الجماعة أفضل من صلاته منفردا في أول الوقت، و صلاته مع الجماعة مع التخفيف أفضل من صلاته منفردا مع الإطالة.

المسألة 1157

الإمامة في الجماعة أفضل من الاقتداء، ففي الحديث عن الامام الصادق (ع) من أم قوما بإذنهم و هم به راضون، فاقتصد بهم في حضوره و أحسن صلاته بقيامه و قراءته و ركوعه و سجوده، و قعوده، فله مثل أجر القوم و لا ينقص عن أجورهم شي ء.

المسألة 1158

يجوز لمن صلى الفريضة منفردا أن يعيدها جماعة، بل يستحب له ذلك، سواء كان في الجماعة إماما أم مأموما، بل يجوز لمن صلاها جماعة إماما أو مأموما أن يعيدها في جماعة أخرى سواء كان في الجماعة الثانية اماما أم مأموما.

و تشكل الصحة إذا كان كل من الامام و المأموم قد صلى الفريضة منفردا، ثم أرادا أن يعيداها جماعة من غير أن ينضم الى جماعتهما من لا تكون صلاته معادة و الأحوط الترك.

المسألة 1159

تجزيه الصلاة المعادة جماعة إذا تبين له بعد ذلك بطلان صلاته الأولى.

المسألة 1160

إذا أدى المكلف صلاته منفردا أو جماعة ثم احتمل وجود خلل فيها جاز له اعادتها منفردا أو جماعة و ان كانت صحيحة بحسب الظاهر، و لا تشرع اعادتها منفردا في غير هذا الفرض.

و انما تجوز له إعادة الصلاة مع احتمال وجود الخلل إذا لم يكن ذلك عن وسوسة أو كثرة شك و لا تجوز مع أحدهما.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 606

المسألة 1161

الأحوط لزوما ان لم يكن الأقوى: أن يقف المأموم إذا كان رجلا واحدا عن يمين الامام محاذيا لموقفه، و إذا كانوا رجالا أكثر من واحد أن يقفوا خلف الامام، و إذا كان امرأة واحدة أن تقف خلف الامام، و الأفضل أن يكون مسجدها خلف موقفه، و أقل من ذلك في الفضل أن يكون سجودها محاذيا لقدمه، و أقل من ذلك أن يكون سجودها محاذيا لركبتيه، و إذا كن نساء أكثر من واحدة أن يصطففن خلف الامام، و إذا كان المأموم رجلا واحدا و امرأة واحدة أو أكثر: أن يقف الرجل الى جنب الامام، و تقف النساء خلفهما، و إذا كانوا رجالا و نساء أن يقف الرجال خلف الامام و أن تصطف النساء خلف الرجال. و إذا كان الامام للنساء امرأة وقفت في وسط الصف و لم تتقدم عليهن.

المسألة 1162

ينبغي أن يكون موقف الامام محاذيا لوسط الصف، و يستحب له أن يقتصد في صلاته فلا يطيل في أفعالها من ركوعها و سجودها، و خصوصا إذا كان معه من يضعف عن الإطالة إلا إذا علم أن جميع المأمومين معه يحبون التطويل. و يستحب له أن يسمع من خلفه قراءته و أذكاره في ما لا يجب الإخفات فيه، و يتأكد ذلك في التشهد و التسليم، و أن يطيل الركوع إذا أحس بدخول من يريد الصلاة معه، فينتظر مثلي ركوعه ثم ينتصب قائما، و يستحب للمأموم إذا فرغ الامام من قراءة الفاتحة أن يقول: الحمد للّه رب العالمين، و يستحب ذلك للإمام أيضا و المنفرد إذا فرغا من قراءتها، بل يستحب ذلك للمأموم إذا قرأ خلف الإمام.

المسألة 1163

أفضل صفوف الجماعة أولها، و أفضل أولها ما دنا من الامام كما ورد في الصحيح، و أفضل الصفوف في صلاة الجنازة آخرها، فيستحب للمأموم في غير الجنازة الوقوف بقرب الامام، و الوقوف في ميامن الصفوف، فان ميامن الصفوف أفضل من مياسرها.

و يستحب أن يكون الصف الأول لأهل العلم و العقل و التقوى في الدين و أن تكون ميامنه لذوي المزية و الفضل منهم.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 607

و تستحب استقامة الصفوف و إتمامها، و المحاذاة بين مناكب المأمومين فيها و سد الفرج الموجودة فيها، و أن تتقارب الصفوف بعضها من بعض بحيث يكون بين الصفين مقدار مسقط جسد الإنسان إذا سجد، و يستحب أن يقوم المأمومون على أرجلهم عند قول المؤذن قد قامت الصلاة.

المسألة 1164

إذا كان المأموم ممن يقرأ خلف الامام، كما إذا كان في الصلاة الجهرية و لم يسمع حتى همهمة الإمام في القراءة، أو كانت أولتاه أو إحداهما مع أخيرتي الإمام، فيستحب له إذا أتم قراءته قبل الامام أن يشتغل بالتحميد و التهليل و التسبيح حتى يفرغ الإمام، أو يبقى آية من قراءته و يشتغل بذلك فإذا فرغ الإمام قرأ الآية و ركع مع الإمام.

المسألة 1165

يستحب للإمام المسافر إذا أتم صلاته و كان المأمومون مقيمين أن يستنيب من يتم بهم صلاتهم، و كذلك إذا عرض له ما يمنعه من إتمام الصلاة من حدث أو رعاف أو نحوهما، و يكره له أن يستنيب من المأمومين من كان مسبوقا بركعة أو أكثر، بل الأولى أن لا يستنيب الا من شهد الإقامة.

و إذا فرغ الامام من صلاته فسلم، يستحب له أن يجلس في موضعه و لا ينصرف حتى يتم المأمومون صلاتهم، كما إذا كان فيهم مسبوقون أو كانوا مقيمين و كان الامام مسافرا، و كذلك يستحب للمأموم إذا كان مسافرا فسلم على ركعتين، ان لا يقوم من موضعه حتى يتم الامام المقيم صلاته و يسلم.

المسألة 1166

يكره التنفل عند الشروع في الإقامة، و يكره التكلم بعد قول المقيم قد قامت الصلاة، و قد تقدم في مبحث الأذان و الإقامة كراهة التكلم حتى للمنفرد، و إذا تكلم أعاد الإقامة استحبابا، و يستثنى من ذلك ما إذا كان التكلم في تقديم إمام أو في تسوية، الصف و ما أشبه ذلك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 608

المسألة 1167

يكره أن يقف المأموم وحده خلف الصفوف إذا كان له موضع فيها، فإذا لم يجد موضعا وقف حذاء الإمام أو أخر الصفوف.

المسألة 1168

يكره للمأموم أن يسمع الإمام شيئا مما يقول و ان كان قليلا أو بعضا من الذكر.

المسألة 1169

يكره للإمام أن يخص نفسه بالدعاء، سواء كان الدعاء من إنشاء الإمام نفسه أم مأثورا، نعم إذا كان الدعاء مأثورا في قنوت الامام (ع) خاصة لم يغيره.

المسألة 1170

يكره أن يأتم المسافر بالحاضر و الحاضر بالمسافر، إذا كانت صلاتهما مختلفتين في القصر و التمام، بل يكره الائتمام إذا كانت صلاة أحدهما مقصورة و صلاة الآخر تامة و ان كانا معا مسافرين أو حاضرين، كما إذا صلى الحاضر صلاة مقصورة قضاء فيكره للحاضر الآخر أن يأتم به في صلاة تامة، أو صلى المسافر صلاة تامة قضاء فيكره للمسافر الآخر أن يأتم به في صلاة مقصورة حاضرة.

و لا كراهة في أن يأتم به في صبح أو مغرب، و ان كان أحدهما مسافرا و الآخر حاضرا، و لا كراهة في أن يأتم الحاضر بالمسافر أو العكس في مواضع التخيير إذا اختار المسافر الإتمام.

(تنبيه): يراد بالكراهة في المسألة ان ايتمام المسافر بالحاضر و الحاضر بالمسافر يكون أقل فضلا من ايتمام الحاضر بالحاضر أو المسافر بالمسافر في مثل تلك الصلاة، و لا نقص في الصلاة من جهة أخرى، و هذا هو معنى الكراهة في العبادة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 609

الفصل الثاني و الأربعون في صلاة المسافر و شرائطها
المسألة 1171

يجب قصر الصلاة الرباعية في السفر إذا اجتمعت الشروط الآتي بيانها، و القصر هو إسقاط الركعتين الأخيرتين من الرباعية، و لا قصر في صلاة الصبح و المغرب.

و شروط القصر هي: (1): أن يكون السفر مسافة تامة، (2): أن يقصد قطع المسافة من حين خروجه، (3): أن يستمر هذا القصد عنده فلا يعدل عنه أو يتردد فيه، (4): ان لا يقصد من أول سفره أو في أثنائه أن يقيم عشرة أيام قبل بلوغ المسافة، أو يتردد في الإقامة و عدمها، أو يقصد أن يمر بوطن له قبل بلوغ المسافة، أو يتردد في المرور بالوطن و عدم المرور، (5): أن لا يكون سفره معصية، (6):

أن لا يكون المسافر من الذين

بيوتهم معهم، (7) أن لا يكون ممن اتخذ السفر عملا له و دأبا، (8): أن يصل في سفره الى حد الترخص.

و لا بد من بيان المراد في كل واحد من هذه الشروط.

المسألة 1172

(الشرط الأول): المسافة الشرعية للتقصير ثمانية فراسخ، سواء كانت ممتدة في ذهابه، أو في إيابه، أم كانت ملفقة من الذهاب و الإياب، و لا فرق في التلفيق بين أن يكون الذهاب أربعة فراسخ أو أكثر أو أقل، إذا كان المجموع منه و من الإياب يبلغ الثمانية، حتى إذا كان الذهاب فرسخا واحدا و الإياب سبعة فراسخ.

و يستثنى من ذلك ما إذا تردد في ما دون أربعة فراسخ، حتى بلغ الثمانية، كما إذا تردد في فرسخين أربع مرات، أو تردد في ثلاث فراسخ ثلاث مرات، فإنه ليس بمسافر عرفا فلا يجب عليه التقصير، و يستثنى منه ما إذا قطع المسافة الملفقة أو الممتدة في مدة طويلة جدا يخرج بها عن كونه مسافرا، كما إذا قطع المسافة في مدة سنة مثلا، و يستثنى من

كلمة التقوى، ج 1، ص: 610

ذلك ما إذا كانت المسافة التي قطعها مستديرة حول البلد، بحيث لا يصدق عليه أنه يبتعد عنها.

المسألة 1173

لا يشترط على الأقوى في المسافة الملفقة أن يكون الذهاب و الإياب في يوم واحد، أو أن يتصل إيابه بذهابه، بل يكفي أن يقطع المسافة قاصدا لها و أن لا يقصد إقامة عشرة أيام في أثنائها أو يتردد في الإقامة و عدمها، أو يحصل له أحد قواطع السفر الأخرى و لا يضره مع ذلك ان يبيت ليلة أو أكثر قبل عودته.

المسألة 1174

الفرسخ الواحد عبارة عن ثلاثة أميال شرعية، و الميل الواحد أربعة آلاف ذراع بذراع اليد، و ذراع اليد هي ما بين المرفق و طرف الإصبع الوسطى من متوسط الخلقة عند مدها، فإذا كان طول الذراع المتوسطة خلقة سبعة و أربعين سنتيمترا، كان مجموع المسافة الشرعية خمسة و أربعين كيلومترا و مائة و عشرين مترا. و إذا كان أقل الأذرع المتوسطة يبلغ خمسة و أربعين سنتيمترا كما هو الظاهر، كان مجموع المسافة ثلاثة و أربعين كيلومترا و مائتي متر، و يكون هو المراد من أدلة التحديد.

المسألة 1175

المسافة الشرعية مبنية على التحقيق لا على المسامحة، فإذا نقص ما قطعه عن الثمانية فراسخ و لو بشي ء قليل لم يجز له التقصير في الصلاة و الإفطار في الصيام، و إذا اختلفت الأذرع المتوسطة في المقدار أخذ بأقلها، إذا علم أنه من الأذرع المتوسطة.

المسألة 1176

تثبت المسافة الشرعية بين مبدأ السفر و المقصد، بالعلم سواء حصل من الاختبار أم من الشياع أم من البينة الشرعية، و لا تثبت بقول العادل الواحد.

المسألة 1177

إذا شك في وجود المسافة بين مبدأ سفره و مقصده وجب عليه أن يتم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 611

في صلاته، و كذلك إذا ظن بوجود المسافة إذا لم يكن ذلك عن بينة شرعية، و الظاهر عدم وجوب الفحص عن وجود المسافة إلا إذا كانت مقدمات حصول العلم ظاهرة تحتاج الى تنبيه لا الى فحص.

المسألة 1178

إذا شهدت بينة عادلة بوجود المسافة بين البلدين و شهدت بينة أخرى بعدمها، فان كانت البينتان معا قد استندتا في شهادتهما الى العلم سقطتا عن الحجية، و وجب الإتمام، و إذا استندت إحداهما إلى العلم و استندت الثانية في شهادتها الى الأصل قدمت البينة التي استندت الى العلم.

المسألة 1179

إذا اعتقد المكلف بأن ما بين البلدين يبلغ مسافة شرعية فقصر في صلاته ثم تبين له بعد ذلك عدم المسافة، وجبت عليه اعادة ما صلاة إذا كان الوقت باقيا، و وجب قضاؤه إذا كان بعد الوقت. و كذلك الحكم إذا اعتقد بعدم المسافة فأتم صلاته ثم ظهر له وجود المسافة فعليه اعادة ما صلاة إذا كان في الوقت، و لزمه قضاؤه إذا كان بعد الوقت، و كذا إذا شك في وجود المسافة فبنى على عدمها و صلى تماما ثم تبين له الخلاف.

المسألة 1180

إذا اعتقد المكلف عدم المسافة بين البلدين أو شك فيها فبنى على العدم ثم علم في أثناء السير بوجود المسافة وجب عليه التقصير في بقية سفره و ان كان الباقي لا يبلغ المسافة.

المسألة 1181

يترتب الأثر على بلوغ المسافة قاصدا لها و ان لم يكن القاصد مكلفا بالفعل فالصبي الذي يقطع المسافة قاصدا إذا بلغ في أثناء سفره يجب عليه التقصير في بقية سفره و ان كان الباقي منه لا يبلغ المسافة، و إذا صلى في سفره قبل بلوغه صلاها قصرا، و كذلك المجنون الذي يتأتى منه القصد إذا قطع المسافة قاصدا و أفاق في أثناء سفره فعليه التقصير في بقية سفره و ان كان الباقي دون المسافة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 612

المسألة 1182

المدار على الطريق الذي يسلكه المكلف الى مقصده في ذهابه و إيابه، فإذا بلغ مجموع الذهاب و الإياب فيه ثمانية فراسخ كان عليه التقصير، و ان كان لذلك البلد طريق آخر لا يبلغ المسافة، و إذا سلك طريقا لا يبلغ المسافة وجب عليه الإتمام و ان كان له طريق آخر يبلغ المسافة أو يزيد.

المسألة 1183

إذا كانت المسافة التي يقطعها المكلف مستديرة و كان مجموعها يبلغ ثمانية فراسخ وجب عليه التقصير، سواء كان الذهاب الى المقصد يبلغ أربعة فراسخ أم لا يبلغها أم يزيد عليها، و يستثنى من ذلك ما إذا كانت المسافة مستديرة حول بلد المكلف بحيث لا يصدق عليه أنه يبتعد عنه، فيجب عليه الإتمام كما بيناه في أول هذا الفصل.

المسألة 1184

إذا كان البلد صغيرا أو متوسطا، فمبدأ حساب المسافة هو آخر البلد و ان كان خارج السور، و إذا كان البلد كبيرا جدا، بحيث يعد الخارج من محلة منه الى أخرى مرتحلا في نظر أهل العرف، فمبدأ حساب المسافة هو آخر المحلة التي يسكن المكلف فيها، و إذا لم يبلغ البلد هذا المقدار من الكبر و كان الخروج الى المقصد لا يبلغ المسافة من آخر البلد و يبلغها من آخر المحلة، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام.

المسألة 1185

(الشرط الثاني): أن يقصد قطع المسافة التامة من أول خروجه في سفره، فإذا قصد في أول مسيره قطع بعض المسافة فقط، و بعد أن قطعه عزم ان يواصل مسيره الى أن يتم المسافة، لم يجب عليه التقصير، و مثال ذلك أن يقطع في عزمه الأول فرسخين و بعد عزمه الثاني قطع فرسخين آخرين، فلا تقصير عليه و ان كان المجموع من مسيرة الأول و الثاني و رجوعه الى موضعه الذي خرج منه يبلغ الثمانية ملفقة.

و يستثنى من ذلك ما إذا كان المقدار الذي قصده في مسيره الثاني

كلمة التقوى، ج 1، ص: 613

مع عوده الى موضعه يبلغ الثمانية فيجب عليه التقصير من أول مسيره الثاني، و مثال ذلك أن يقطع في عزمه الأول فرسخين أو ثلاثة ثم يقصد ثلاثة فراسخ أخرى فيكون ذهابه في مسيره الثاني ثلاثة فراسخ و إيابه إلى موضعه الذي خرج منه خمسة فراسخ أو ستة، و المجموع منهما يبلغ ثمانية فراسخ أو تسعة و هي مسافة تامة ملفقة يجب فيها التقصير.

المسألة 1186

لا يجب التقصير على المكلف إذا لم يدر أي مقدار يقطع في مسيره، كما إذا خرج في طلب حيوان شارد، أو عبد أبق، أو خرج للصيد لا يدري أين يجده، فإذا وجد العبد أو الحيوان أو الصيد و عزم على الرجوع و كان العود يبلغ ثمانية فراسخ ممتدة أو يزيد عليها وجب عليه التقصير في العود. و كذلك إذا قطع بعض الطريق في الطلب، ثم ذكر له أن الضالة أو العبد أو الصيد يوجد على بعد فرسخين أو ثلاثة مثلا، فذهب الى ذلك الموضع و كان المجموع من ذهابه الى الموضع، و عوده الى موضع خروجه يبلغ المسافة، فيجب عليه

التقصير من أول مسيره الثاني، و إذا لم يبلغ المسافة لم يجب عليه القصر في الصورتين.

المسألة 1187

إذا خرج من موضعه الى بعض النواحي ينتظر فيها رفقة يسافر معهم، و إذا لم يتيسروا لم يسافر، فلا تقصير عليه في موضع الانتظار إلا إذا بلغ المسافة التامة من موضع خروجه و لا تقصير عليه كذلك إذا خرج من موضعه لطلب حاجة أو وسيلة سفر ان تيسرت له سافر و ان لم تحصل لم يسافر، إلا إذا كان حين خروجه من موضعه مطمئنا بتيسر الرفقة و حصول الحاجة، و الوسيلة، بحيث كان عازما على السفر للاطمئنان بحصولها فيجب عليه التقصير بعد خروجه عن محل الترخص من موضعه.

المسألة 1188

يكفي في الحكم بالتقصير أن يقطع المسافة مع القصد اليه و ان لم يتصل مسيره على النحو المتعارف في الأسفار، الا أن يخرج بالإبطاء و طول المدة عن اسم السفر، كما ذكرناه في أول هذا الفصل.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 614

المسألة 1189

يكفي في وجوب القصر على المكلف أن يقطع المسافة مع القصد اليه و لو بالتبع لغيره في السفر كالزوجة تسافر مع زوجها و المملوك يتبع سيده، و كالخادم و الأسير و المكره إذا علموا بأن المتبوع يقصد المسافة، و إذا لم يعلموا بأنه يقصد المسافة فعليهم الإتمام، و يجب عليهم الاستعلام عن ذلك على الأحوط.

المسألة 1190

إذا علم التابع بأنه يفارق المتبوع قبل أن يبلغ مسافة التقصير، أو ظن ذلك وجب عليه الإتمام، و كذلك إذا شك في المفارقة إلا إذا كان عازما على مواصلة السفر و ان فارق صاحبه.

المسألة 1191

إذا اعتقد أن المتبوع لم يقصد مسافة في سفره أو شك في ذلك فصلى تماما، ثم علم أنه كان قاصدا لها، فان كان المقصد الذي يريده المتبوع معلوما عند التابع و لكنه يجهل كونه مسافة وجب عليه القصر، بل و وجب عليه قضاء ما صلاة، و إذا كان المقصد مجهولا لديه فالظاهر وجوب التمام إذا لم يكن الباقي مسافة.

المسألة 1192

إذا أركب في قطار أو ألقي به في سفينة و نحوها و قطع به المسافة مقسورا بحيث لم تكن له خيرة في حركة السفر و هو يعلم ببلوغ المسافة فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام.

المسألة 1193

(الشرط الثالث): أن يستمر لديه قصد المسافة حتى يبلغها، فإذا عدل عن قصد المسافة أو تردد فيه قبل أن يبلغ أربعة فراسخ وجب عليه الإتمام في الصلاة.

و إذا بلغ أربعة فراسخ ثم عدل عن مواصلة السفر أو تردد فيه، فهنا صور تختلف أحكامها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 615

(الصورة الأولى): أن يعزم على العودة إلى الموضع الذي سافر منه و لا ينوي إقامة عشرة أيام في الموضع الذي وصل اليه و لا في غيره، و الحكم في هذه الصورة هو وجوب القصر عليه للمسافة الملفقة.

(الصورة الثانية): أن يعزم على العودة إلى الموضع الذي سافر منه، و يتردد في نية الإقامة قبل عودته اليه، و الحكم فيها هو وجوب التقصير الى أن يعود، أو يمضي عليه ثلاثون يوما مترددا، و هو في مكانه، فإذا تم له ثلاثون يوما وجب عليه التمام في ذلك المكان و في عودته الى موضعه الا أن ينشئ سفرا جديدا.

(الصورة الثالثة): أن يبلغ أربعة فراسخ ثم يعدل عن مواصلة السفر أو يتردد فيه، و يعزم أيضا على عدم العودة إلى الموضع الذي سافر منه، و الحكم فيها هو وجوب الإتمام إلا إذا أنشأ سفرا جديدا، و كذلك الحكم إذا تردد في أن يعود الى الموضع الذي سافر منه أم لا.

المسألة 1194

إذا قصد السفر الى موضع معين يبلغ المسافة و قطع بعض المسافة بهذا القصد ثم عدل عنه الى موضع آخر يبلغ المسافة من موضع ابتداء سفره، وجب عليه القصر و ان كان لا يبلغ المسافة من موضع عدوله، و كفاه ذلك في استمرار القصد.

المسألة 1195

إذا قصد عند خروجه السفر الى أحد بلدين و لم يعين أحدهما و قطع بعض المسافة بهذا القصد، كفاه ذلك في قصد المسافة و في وجوب القصر عليه إذا كان كل واحد من البلدين يبلغ المسافة من موضع سفره، و ان كان ما عينه أخيرا لا يبلغ المسافة من موضع التعيين.

المسألة 1196

إذا قصد الإنسان السفر الى مكان معين و قطع بعض المسافة بهذا القصد، ثم تردد في مواصلة السفر، ثم عاد بعد ذلك الى قصد السفر الى غايته، فهنا صورتان.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 616

(الصورة الأولى): أن يعود الى قصد السفر الى غايته، من غير أن يقطع في حال تردده شيئا من الطريق، و حكمه في هذه الصورة تقصير الصلاة سواء كان ما بقي من الطريق الى المقصد يبلغ المسافة أم لا.

(الصورة الثانية): أن يقطع في حال تردده شيئا من الطريق ثم يعود بعد ذلك الى الجزم بالسفر فعليه أن يسقط من الحساب ما قطعه من الطريق في حال التردد ثم ينظر في مجموع ما قطعه أولا في حال الجزم بالسفر و ما بقي من الطريق في ذهابه الى المقصد بعد العود الى الجزم و رجوعه الى الوطن، فان كان مجموع ذلك يبلغ مسافة التقصير و لو ملفقة فعليه تقصير الصلاة و الأحوط استحبابا الجمع، و ان كان لا يبلغ المسافة وجب عليه الإتمام.

المسألة 1197

إذا قصد المكلف السفر الى موضع و قطع بعض المسافة بهذا القصد و حضرت الصلاة فصلاها قصرا، ثم عدل عن السفر لم تجب عليه اعادة ما صلاة سواء كان الوقت باقيا أم خارجا.

المسألة 1198

(الشرط الرابع): أن لا يكون ناويا من أول سفره أو في أثنائه أن يقيم عشرة أيام قبل أن يبلغ المسافة، أو يكون من قصده أن يمر بوطنه قبل أن يبلغ المسافة، فإن الإقامة و المرور بالوطن قاطعان للسفر، فإذا قصد أحدهما لم يكن قاصدا للمسافة فعليه إتمام الصلاة و كذلك إذا كان مترددا في نية الإقامة أو في المرور بالوطن قبل أن يبلغ المسافة فيجب عليه الإتمام.

المسألة 1199

لا يضر بقصد المسافة أن يحتمل الإقامة أو المرور بالوطن احتمالا ضعيفا لا يوجب له التردد في القصد و لا ينافي العزم على مواصلة السفر فيجب عليه التقصير، و نظير ذلك أن يعزم على السفر و لا يتردد فيه و هو يعلم أنه لو عرض له عدو يصده عن الطريق أو مرض يمنعه من الحركة لم يسافر، و لو عرض له ذلك في الأثناء لرجع عن قصده و لكن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 617

احتمال ذلك لما كان ضعيفا لم يمنعه من العزم و الاستمرار في القصد.

المسألة 1200

إذا شرع في السفر و هو عازم على إقامة عشرة أيام أو على المرور بوطنه قبل أن يبلغ المسافة، ثم عدل عن ذلك و عزم على الاستمرار في سيره من غير اقامة و لا مرور بوطن نظر في ما بقي من الطريق بعد عزمه هذا، فان كان يبلغ المسافة و لو بإحدى صور التلفيق، وجب عليه القصر، و ان كان أقل من المسافة وجب عليه الإتمام، و كذلك الحكم إذا كان مترددا في الإقامة أو المرور بالوطن ثم عدل عن التردد و عزم على السفر من غير اقامة و لا مرور بوطن.

المسألة 1201

إذا شرع في السفر و هو لا يعزم إقامة عشرة أيام و لا مرورا بوطن و قطع بعض المسافة بهذا القصد، ثم عزم على الإقامة أو المرور بالوطن في أثناء المسافة، ثم عدل الى نيته الأولى، فهنا صورتان.

(الصورة الأولى): أن لا يقطع في حال عزمه على الإقامة أو المرور بالوطن شيئا من الطريق ثم يرجع الى نيته الأولى، و حكمه في هذه الصورة هو تقصير الصلاة و ان كان الباقي من الطريق الى المقصد لا يبلغ المسافة.

(الصورة الثانية): ان يقطع في حال عزمه على الإقامة أو المرور بالوطن شيئا من الطريق، ثم يعود الى نيته الأولى، و عليه أن يسقط هذا من الحساب، ثم ينظر مجموع ما قطعه أولا في حال نيته الأولى، و ما بقي من الطريق في ذهابه الى المقصد بعد عوده إلى النية الأولى ثم رجوعه الى وطنه، فان بلغ مجموعه المسافة و لو بإحدى صور التلفيق وجب عليه التقصير، و ان لم يبلغ المسافة وجب عليه الإتمام، و كذلك الحال إذا طرأت له حالة التردد في الإقامة أو المرور

بالوطن، ثم عاد الى نيته الأولى فتجري فيه الصورتان و ينطبق حكمهما.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 618

المسألة 1202

(الشرط الخامس): أن لا يكون السفر محرما، فلا يجوز للمكلف تقصير الصلاة إذا كان سفره حراما، كالفرار من الزحف الواجب، و إباق العبد من سيده، و منه سفر الولد مع نهي أحد الأبوين إذا كان النهي عن شفقة منهما عليه، و لا يحرم إذا كان النهي لمصلحة تعود إلى الأبوين نفسهما أو لبعض الدواعي الأخرى، نعم يحرم السفر إذا كان فيه إيذاء و عقوق لهما.

و منه ما إذا سافر لغاية محرمة، كمن يسافر لقتل نفس محترمة، أو لقطع طريق، أو لسرقة، أو زنا أو اعانة ظالم، و شبه ذلك من الغايات، و ليس من السفر المحرم ما كان لغاية مباحة، و لكن قد يتفق فيه صدور بعض المحرمات كشرب الخمر و الزنا، و الغيبة، و نحوها، فلا يجب فيه إتمام الصلاة إذا لم يكن العمل المحرم هو الغاية المقصودة في السفر.

المسألة 1203

إذا استلزم سفر الإنسان ترك واجب عليه، فلا يترك الاحتياط بالجمع فيه بين القصر و التمام، إذا قصد بسفره التوصل الى ترك الواجب، بل و لا يترك الاحتياط بالجمع إذا التفت الى أن سفره يستلزم ترك الواجب فسافر، و ان لم يقصد بسفره التوصل اليه، و مثال ذلك ما إذا كان الإنسان مدينا لأحد، و طالبه الدائن بدينه، و كان المدين ممن يمكنه الأداء في الحضر و لا يمكنه في السفر، فيكون سفره مستلزما لترك وفاء الدين مع وجوبه عليه.

المسألة 1204

إذا كان السفر مباحا، و لكن المكلف ركب في سفره سيارة مغصوبة، أو مشى في أرض مغصوبة، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام إذا انحصرت وسيلة السفر بالسيارة المغصوبة، أو انحصر الطريق بالأرض المغصوبة، و كان المسافر ملتفتا الى ذلك، و إذا سافر في سيارة مغصوبة أو على دابة مغصوبة بقصد الهرب بها عن مالكها أو بيعها في بلد آخر، وجب عليه الإتمام في صلاته.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 619

المسألة 1205

تابع الجائر في سفره إذا كان مختارا في ذلك، و كان ممن يعد من أعوانه في ظلمه أو مقوية أمره أو معظمة سلطانه أو نحو ذلك وجب عليه الإتمام في سفره، و إذا كان سفر الجائر نفسه طاعة أو مباحا وجب على الجائر القصر في ذلك السفر و وجب على التابع الإتمام فيه.

و إذا كان التابع مكرها أو تبعه لدفع مظلمة و لو عن غيره، أو لغرض صحيح آخر وجب عليه التقصير في سفره و ان كان سفر الجائر في معصية.

المسألة 1206

إذا سافر التابع منفردا امتثالا لأمر الجائر و كان في ذلك اعانة له في جوره أو تقوية لأمره أو تعظيم لسلطانه أو نحو ذلك وجب عليه الإتمام في سفره و ان كان السفر مباحا لو لا ذلك.

المسألة 1207

الراجع من سفر المعصية إذا كان لا يزال متلبسا بالمعصية، كما إذا سافر لشراء الخمر أو الآلات المحرمة و رجع بها ليبيعها في بلده أو غير بلده، يجب عليه الإتمام في إيابه كما في ذهابه، و إذا كان في رجوعه غير متلبس بالمعصية، فالظاهر وجوب التقصير عليه و الإفطار إذا كان الرجوع يبلغ مسافة تامة، سواء كان تائبا من المعصية أم لا، و إذا كان أقل من المسافة فعليه الإتمام و الصيام.

المسألة 1208

إذا سافر للصيد لهوا وجب عليه الإتمام في صلاته و صيامه في ذهابه و إذا رجع من سفره و كان الرجوع وحده يبلغ المسافة وجب عليه القصر و الإفطار فيه، و ان كان لا يبلغ المسافة وجب عليه الإتمام و الصيام، و لا فرق في الحكم بين صيد البر و البحر.

المسألة 1209

إذا سافر للصيد لقوته و قوت عياله وجب عليه القصر في ذهابه و إيابه

كلمة التقوى، ج 1، ص: 620

و كذلك إذا كان الصيد للتجارة التي يتعيش بها هو و عياله، و إذا كان الصيد للتجارة لغير الحاجة لذلك، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام في الصلاة و يجب عليه الإفطار في الصوم، و لا فرق في الحكم بين صيد البر و البحر.

المسألة 1210

إذا كان سفر المكلف في ابتدائه مباحا ثم قصد المعصية في أثنائه، فإن كان ما قطعه من الطريق قبل قصد المعصية لا يبلغ المسافة وجب عليه الإتمام بمجرد قصد المعصية، و ان كان ما قطعه منه مسافة فأكثر، فالأحوط له الجمع بين القصر و التمام حين يتلبس بالسير بقصد المعصية، و عليه القصر قبل ذلك، كما إذا كان في المنزل الذي عدل فيه و قبل أن يتلبس بالسير.

المسألة 1211

إذا كان سفر المكلف في ابتدائه معصية ثم عدل عنه إلى الطاعة، فإن كان الباقي منه يبلغ مسافة تامة و لو بإحدى صور التلفيق وجب عليه القصر حين يتلبس بالسير و ان كان لا يبلغ المسافة وجب عليه الإتمام حتى يعود الى وطنه، و الأحوط استحبابا أن يجمع بين القصر و التمام.

المسألة 1212

إذا نوى السفر المباح أولا و قطع بعض المسافة، ثم عدل عنه الى قصد المعصية، ثم عاد إلى نية السفر المباح، فهنا صور.

(الصورة الأولى): أن يبلغ مجموع ما قطعه أولا و أخيرا بنية الطاعة مسافة تامة أو أكثر، و لا يقطع في حال نية المعصية شيئا من الطريق، و حكمه في هذه الصورة وجوب التقصير.

(الصورة الثانية): أن يبلغ ما قطعه أولا و أخيرا بنية الطاعة مسافة تامة أو أكثر، و لكنه قطع ما بينها شيئا من الطريق بنية المعصية أيضا، و الأحوط له في هذه الصورة الجمع بين القصر و التمام.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 621

(الصورة الثالثة): أن يكون ما قطعه أولا في حال نية الطاعة وحده مسافة تامة أو أكثر، و الظاهر وجوب التقصير عليه بعد عوده إلى نية الطاعة، سواء بلغ الباقي وحده مسافة أم لا و سواء اتصل بعضه ببعض أم لا.

المسألة 1213

إذا كانت غاية الإنسان في سفره ملفقة من الطاعة و المعصية، فالمدار في الحكم على استناد السفر الى أى الغايتين، فإذا استند سفره الى الطاعة و كانت المعصية مقصودة بالتبع لزمه التقصير في الصلاة، و إذا استند إلى المعصية لزمه التمام، و كذلك إذا استند السفر إليهما معا، سواء كان كل واحد منهما مؤثرا مستقلا أم كانا مؤثرين على نحو الاشتراك، و الأحوط استحبابا الجمع بين القصر و التمام في الصورتين الأخيرتين.

المسألة 1214

إذا كان موضع الغاية المحرمة التي سافر إليها يقع في أثناء طريقه، و لكن الوصول إليها يتوقف على قطع مسافة أخرى يصل إليها ثم يرجع منها الى غايته، كما إذا كان القطار أو الوسيلة الأخرى التي سافر فيها لا تقف الا بعد مرحلة أو أكثر من ذلك الموضع، فهو يحتاج الى قطع تلك المسافة ثم العود الى موضع غايته، فهل تعد تلك المسافة الأخرى من سفر المعصية أم لا.

الظاهر انها انما تعد من سفر المعصية إذا كان قطعها يعد مقدمة للغاية المحرمة، بحيث تكون المعصية غاية له منها كما هي غاية لأصل سفره.

المسألة 1215

لا يحرم السفر بقصد التنزه، و لا يكون موجبا للتمام ما لم يكن لهوا.

المسألة 1216

إذا كان أصل السفر مباحا و لغاية صحيحة، و لكن كانت للمسافر غاية محرمة تقع في جوانب الطريق، فيخرج عن الجادة في بعض النقاط لعمل ذلك المحرم، ثم يعود إلى الجادة، فإن كانت تلك الغاية المحرمة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 622

مقصودة له في أصل سفره و لو على سبيل الاشتراك بينها و بين الغاية المباحة وجب عليه الإتمام في سفره.

و إذا كان الغرض من السفر هو الغاية الصحيحة وحدها، و لكن يعرض له قصد الغاية المحرمة في الأثناء، فيخرج عن الجادة ثم يعود، فان كان موضع المعصية قريبا بحيث لا يعد الخروج اليه من الجادة سفرا عرفا، فهو على حكم القصر، و ان كان بعيدا بحيث يعد الخروج اليه من الجادة سفرا، وجب عليه الإتمام في أثناء الخروج، فإذا عاد إلى الجادة، و كان ما قطعه أولا قبل خروجه إلى الغاية المحرمة يبلغ وحده المسافة أو يزيد عليها، فعليه القصر في الباقي و ان لم يبلغ الباقي وحده المسافة. و كذلك إذا كان الباقي من الطريق يبلغ المسافة، و لو ملفقة، فيجب عليه القصر، و إذا كان الباقي أقل من المسافة، و لكن المجموع منه و مما قطعه أولا يبلغ المسافة كان عليه الجمع بين القصر و التمام.

المسألة 1217

إذا سافر الإنسان لغاية محرمة، ثم عرض له في أثناء سفره أن يخرج عن الجادة إلى غاية مباحة، فان كان خروجه عن الجادة لتلك الغاية يبلغ مسافة و لو ملفقة، وجب عليه القصر في خروجه الى أن يعود إلى الجادة، و ان لم يبلغ المسافة كان عليه الإتمام فيه.

المسألة 1218

إذا سافر لغاية محرمة وجب عليه الإتمام في ذهابه و في المكان الذي قصد اليه حتى يأخذ في العود، فإذا أخذ في العود و كان يبلغ مسافة تامة وجب عليه القصر فيه سواء تاب أم لم يتب، و قد ذكرنا ذلك قبل عدة مسائل.

المسألة 1219

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 1، ص: 622

إذا سافر المكلف لغاية مباحة و قطع بهذا القصد مقدارا من الطريق، ثم عرض له بعد ذلك قصد غاية محرمة في أثناء الطريق، بحيث كانت

كلمة التقوى، ج 1، ص: 623

غايته في هذا الجزء من السفر ملفقة من طاعة و معصية، و بعد انتهاء قصده المحرم أصبح سفره خالصا للغاية الأولى المباحة.

و الظاهر أنه يجب عليه إتمام الصلاة في الجزء المتوسط من السفر الذي كانت غايته ملفقة من الطاعة و المعصية، و أما في المقدار الباقي من سفره بعد انتهاء المقصد المحرم، فللمسألة صور.

(الصورة الأولى): أن يكون قد قطع في أول سفره و قبل أن يعرض له القصد المحرم مسافة تامة أو أكثر، و حكمه في هذه الصورة هو وجوب التقصير في ما بقي من سفره بعد انتهاء القصد المحرم، و ان لم يكن الباقي بنفسه مسافة.

(الصورة الثانية): أن يكون الباقي وحده مسافة تامة و لو بالتلفيق، و حكمه في هذه الصورة هو وجوب التقصير كذلك.

(الصورة الثالثة): أن يكون مجموع ما قطعه أولا حال نية الطاعة و ما بقي أخيرا بعد إسقاط ما قطعه للمقصد المحرم، لا يبلغ المسافة، و حكمه فيها هو وجوب الإتمام في الباقي.

(الصورة الرابعة): أن يبلغ المجموع منهما مسافة تامة بعد إسقاط المتخلل،

و عليه في هذه الصورة أن يجمع في الباقي بين القصر و التمام.

المسألة 1220

إذا كان سفر المكلف لغاية محرمة و كان في شهر رمضان، فنوى الصوم، ثم عدل في أثناء سفره و يومه إلى نية الطاعة، فإن كان عدوله قبل الزوال و كان الباقي من الطريق يبلغ مسافة و لو ملفقة وجب عليه الإفطار، و إذا كان عدوله بعد الزوال فالأقوى وجوب البقاء على الصوم.

و إذا كان السفر مباحا فنوى الإفطار، ثم عدل في سفره الى قصد المعصية، فإن كان عدوله قبل الزوال مع عدم الإتيان بالمفطر وجبت عليه نية الصوم، و الأحوط وجوبا قضاء اليوم بعد ذلك، و إذا كان عدوله بعد الزوال أو بعد أن أتى بالمفطر بطل صومه، و الأحوط استحبابا أن يمسك بقية النهار تأدبا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 624

المسألة 1221

إذا سافر الإنسان سفرا محرما فهو في حكم الحاضر، فيجب عليه حضور الجمعة إذا أقيمت بشرائطها، و لا تسقط عنه نوافل الصلاة الرباعية، و يصح له أن يأتي بالصوم المندوب و غير ذلك من أحكام الحاضر.

المسألة 1222

(الشرط السادس): أن لا يكون من الذين بيوتهم معهم كسكان البادية الذين يدورون في البراري و ليس لهم فيها مساكن معينة، فحكمهم إتمام الصلاة و الصيام، بل و ان كانت لهم مساكن معينة يقطنونها في بعض السنة، و يخرجون عنها في البعض الآخر و معهم بيوتهم يطلبون منابت العشب و مواضع القطر، أو يخرجون الى بعض الأرياف في المواسم، لطلب الرزق، فإذا خرجوا كذلك كان حكمهم الإتمام.

المسألة 1223

إذا سافر هؤلاء لمقصد آخر كالحج و الزيارة و قضاء بعض الحقوق و علاج بعض الأمراض و كانوا في غير بيوتهم وجب عليهم تقصير الصلاة و الإفطار في الصوم، و إذا كانت بيوتهم معهم كان حكمهم الإتمام، و كذلك إذا خرج بعضهم لارتياد منزل و نحو ذلك، فان كان بيته معه لزمه الإتمام و ان لم يكن بيته معه لزمه القصر.

المسألة 1224

السائح الذي ليس له وطن مخصوص من الأرض يجب عليه الإتمام في صلاته و صيامه، و بحكمه من أعرض عن وطنه الأول و سافر عنه و بنى على عدم التوطن في موضع أصلا فحكمه الإتمام، و أما من أعرض عن وطنه الأول فسافر عنه و لم يعين له وطنا خاصا بعد فالأحوط له الجمع بين القصر و التمام.

المسألة 1225

(الشرط السابع): أن لا يكون ممن اتخذ السفر عملا، و الظاهر

كلمة التقوى، ج 1، ص: 625

من أدلة المسألة أن المراد بهذا الصنف من الناس من يعتاد السفر و يتخذه دأبا له لأجل غاية محللة.

و من أمثلة ذلك المكاري، و الجمال، و سائق السيارة و القطار، و الملاحون في السفن، و البواخر و الطائرات، و الموظفون فيها الذين يعملون فيها في أثناء السفر و ساعي البريد و الراعي، و نحوهم، فيجب عليهم إتمام الصلاة و الصيام في أسفارهم للغايات التي اعتادوا السفر من أجلها، إذا كانت الأسفار التي دأبوا عليها تبلغ المسافة الشرعية التامة أو تزيد عليها، فإذا كان السائق مثلا يعمل في سيارته في ما دون المسافة لم يثبت له هذا الحكم فإذا اتفق له السفر في سيارته مسافة فأكثر، وجب عليه التقصير في الصلاة و الإفطار في الصيام، و كذلك المكاري و الحطاب و غيرهما.

المسألة 1226

يجب إتمام الصلاة و الصيام على السائق و المكاري إذا كان السفر عملا لهما، سواء كان سفرهما لحاجة الآخرين كما إذا استأجرهما أحد للسفر، أم كان لحاجتهما بنفسهما كما إذا سافر السائق في سيارته لنقل أمتعته و أهله من بلد الى بلد آخر، و كذلك الملاح، و غيره من أفراد هذا الصنف.

المسألة 1227

إذا كان السائق أو المكاري ممن اعتاد السفر مسافة معينة كالسفر من النجف الى كربلاء أو الى بغداد أو الى البصرة مثلا، فاتفق له الخروج في عمله الى غيرها من المسافات كالسفر إلى مكة أو إلى أقطار أخرى وجب عليه الإتمام و الصيام في سفره ذلك أيضا.

المسألة 1228

التاجر الذي يدور في تجارته في البلاد أو بين الأحياء و يدأب على السفر فيها، بحيث لا استقرار له في موضع مخصوص، يجب عليه إتمام الصلاة في سفره و بحكمه كل عامل يدور في عمله و لا يكون له استقرار في موضع كالنجار و البناء و الحداد و العمال الآخرين الذين يدورون

كلمة التقوى، ج 1، ص: 626

في عملهم و يدأبون على السفر من أجله في البلاد و الرساتيق و القرى، فيجب عليهم الإتمام في سفرهم.

و كذلك الذين يدأبون على السفر لجلب الخضر و الفواكه و الحبوب و الأمتعة و البضائع، و يكون عملهم نقل هذه الأشياء من موضع الى موضع.

و ليس من هذا القسم على الظاهر من يسافر من بلده ليجلب لنفسه نوعا من البضاعة و يقوم ببيعها في البلد، و ان تكرر ذلك منه، فيجب عليه التقصير في سفره.

المسألة 1229

الظاهر أن من أفراد هذا الصنف، الذين يدأبون على السفر للتعلم أو للتعليم أو للعمل في موضع، فمتى صدق على التلميذ أو على المعلم أو العامل أنه ممن دأبه السفر للغاية التي يعمل فيها وجب عليه إتمام الصلاة و الصيام في سفره.

المسألة 1230

المعيار في الدخول في هذا الصنف هو أن يصدق على الشخص انه اتخذ السفر عملا له، فمتى صدق عليه ذلك في نظر أهل العرف وجب عليه أن يتم الصلاة و الصيام و ان كان في السفرة الأولى، و لم يحتج الى تكرر السفر.

المسألة 1231

إذا سافر السائق أو المكاري أو الملاح أو غيرهم من أفراد هذا الصنف سفرا لا يعد من عمله، كما إذا سافر للحج أو للزيارة أو لعلاج مرض وجب عليه التقصير و الإفطار في ذلك السفر، و كذلك إذا احتاجت سيارته أو سفينته للإصلاح فخلفها عند من يصلحها و رجع الى أهله، فعليه التقصير في رجوعه إلى أهله إذا كان الرجوع يبلغ المسافة.

و إذا استؤجر للحج أو الزيارة فسافر لذلك، و حج و زار بالتبع فعليه إتمام الصلاة في هذا السفر لأنه من عمله، و كذلك إذا استؤجر

كلمة التقوى، ج 1، ص: 627

للسفر الى بلد، و بعد أن بلغ المقصد رجع الى أهله بسيارته أو دوابه فارغة من غير مكاراة، فعليه الإتمام في سفر رجوعه لأنه من عمله.

المسألة 1232

إذا اتخذ الإنسان السفر عملا في شهور معينة من السنة، كالسائق، و المكاري يتخذ السفر عملا في أشهر الحج لنقل الحجاج بين جدة و مكة، و بين مكة و المدينة أو في فصل معين منها كالسائق و المكاري يتخذ السفر عملا له لجلب الخضر و الفواكه في أيام الصيف، ثبت له الحكم في المدة المعينة فيجب عليه إتمام الصلاة و الصيام فيها، و إذا سافر في غيرها من أيام السنة وجب عليه القصر و الإفطار.

المسألة 1233

(الحملدارية) الذين ينقلون الحجاج إلى مكة و المدينة في أيام الحج خاصة، لا يعدون ممن عملهم السفر، و خصوصا إذا كان زمان السفر قصيرا، فيجب عليهم التقصير في الصلاة.

المسألة 1234

من كثر سفره لبعض العوارض أو الأغراض التي اقتضت له ذلك، يجب عليه القصر في صلاته و الإفطار في صيامه عند اجتماع سائر الشرائط، سواء اتحد مقصده و غايته في أسفاره أم تعدد، و سواء قصد ذلك من أول الأمر أم وقع له اتفاقا، و لا يجوز له إتمام الصلاة و الصيام إلا إذا اتخذ السفر عملا له كما تقدم.

المسألة 1235

إذا أقام من عمله السفر- و المكاري على الخصوص- في بلده أو في موضع آخر عشرة أيام، فالأحوط له الجمع بين القصر و التمام في السفرة الأولى التي يسافرها بعد ذلك سواء كانت العشرة التي أقامها منوية أم لا.

المسألة 1236

إذا كان المكلف ممن عمله السفر، و شك هل أنه أقام عشرة أيام

كلمة التقوى، ج 1، ص: 628

ليلزمه الاحتياط بالجمع في سفرته الأولى أم لا، بنى على وجوب الإتمام.

المسألة 1237

(الشرط الثامن): أن يخرج في سفره حتى يصل الى حد الترخص، و هو الموضع الذي يتوارى فيه المسافر عن أهل البيوت، و علامة وصوله الى هذا الموضع أن يتوارى عنه أهل البيوت، أو يخفى عليه الأذان بحيث لا يسمع صوت المؤذن، و هاتان العلامتان متقاربتان جدا، أو هما متحدتان و لا اختلاف بينهما، فهما علامتان على البعد الخاص الذي إذا وصل اليه المسافر في خروجه وجب عليه القصر في صلاته و إذا بلغه في عودته الى وطنه وجب عليه الإتمام فيها كما سيأتي ذكره.

المسألة 1238

المدار في الرؤية على البصر المتعارف و الموضع المستوي، فلا اعتبار في البصر بما خرج عن المتعارف في القوة أو في الضعف، و لا اعتبار في الموضع المرتفع أو المنخفض، بل يقدر البعد في الموضع المستوي و البصر المتعارف بين الناس، و كذلك في سماع الأذان، فيقدر بالمتعارف في صوت المؤذن و أذن السامع و موانع السمع و في الموضع المستوي.

المسألة 1239

المعيار في خفاء الأذان هو عدم سماع الأذان في آخر البلد من ناحية المسافر، و أن يكون الأذان على مرتفع معتاد في أذان البلد، و المراد خفاء مطلق الصوت و ان لم يميز كونه أذانا أو غيره.

المسألة 1240

يشكل اعتبار حد الترخص في محل الإقامة، و في المكان الذي يتردد فيه بين الإقامة و السفر ثلاثين يوما، فإذا وصل المسافر الى حد الترخص من موضع عزم على الإقامة فيه عشرة أيام و أراد الصلاة فيه، فلا يترك الاحتياط بأن يجمع فيه بين القصر و التمام أو يؤخر الصلاة حتى يدخل محل الإقامة فيصليها تماما. و كذلك إذا سافر من موضع نوى فيه الإقامة و أراد الصلاة قبل أن يصل الى حد الترخص منه فالأحوط له أن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 629

يجمع بين القصر و التمام أو يؤخر الصلاة الى أن يبلغ حد الترخص فيصليها قصرا.

و كذلك في الموضع الذي تردد فيه بين السفر و الإقامة ثلاثين يوما، فأتم الصلاة فيه بعد الثلاثين، فإذا سافر من ذلك الموضع و أراد الصلاة قبل الوصول الى حد الترخص منه فالأحوط له أن يجمع بين القصر و التمام أو يؤخر الصلاة حتى يصل الى حد الترخص منه، فيصليها قصرا.

المسألة 1241

إذا شك في وصوله الى حد الترخص بنى على عدم وصوله اليه فيجب عليه إتمام الصلاة إذا كان في خروجه الى السفر، و يجب عليه القصر إذا كان في رجوعه منه.

(تنبيه): إذا شك في وصوله الى حد الترخص في خروجه الى السفر فصلى تماما كما بيناه، و عند رجوعه من السفر أراد الصلاة في ذلك الموضع، فينبغي له أن يصلي قصرا قبل الوصول، إلى النقطة التي صلى فيها تماما في خروجه.

فان هو صلى الحاضرة قصرا في تلك النقطة حصل له العلم الإجمالي ببطلان احدى الصلاتين: الحاضرة أو المتقدمة، فتجب عليه إعادة الصلاة الحاضرة تماما، و قضاء الصلاة المتقدمة عند خروجه قصرا.

فان هو لم يعد الحاضرة وجب عليه

قضاؤها تماما كذلك مع قضاء المتقدمة قصرا.

المسألة 1242

إذا اعتقد المكلف بعد خروجه الى السفر أو عند رجوعه منه انه قد بلغ حد الترخص فصلى صلاته الحاضرة وفق ما يعتقده من قصر أو تمام، ثم ظهر له أنه صلاها قبل حد الترخص كانت صلاته باطلة و وجبت عليه إعادتها إذا كان في الوقت و قضاؤها إذا كان خارج الوقت، و الصور المحتملة في المسألة أربع.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 630

(الصورة الأولى): إذا اعتقد في ابتداء سفره انه بلغ حد الترخص فصلى الحاضرة قصرا، ثم علم أنه قد صلاها قبل حد الترخص، فتجب عليه إعادتها إذا كان في الوقت، فان كان عند الإعادة قد بلغ حد الترخص أعادها قصرا و ان لم يبلغ حد الترخص بعد أعادها تماما.

و إذا كان بعد خروج الوقت وجب عليه قضاؤها، فإن كان قد خرج وقتها قبل أن يصل الى حد الترخص قضاها تماما و ان كان بعد بلوغه حد الترخص قضاها قصرا، و إذا شك في ذلك جمع بين القصر و التمام على الأحوط.

(الصورة الثانية): إذا اعتقد في ابتداء سفره انه لم يبلغ حد الترخص فصلى الحاضرة تماما، ثم علم أنه صلاها بعد حد الترخص، فتجب عليه اعادتها قصرا إذا كان لا يزال مسافرا، و إذا كان قد وصل الى محل إقامته أو رجع الى وطنه و الوقت لا يزال باقيا أعادها تماما.

و إذا كان بعد خروج الوقت وجب عليه قضاؤها و كان الاعتبار بحال فوت الفريضة و هو آخر وقتها، فان كان فيه مسافرا قضاها قصرا، و ان كان فيه حاضرا قضاها تماما.

(الصورة الثالثة): إذا اعتقد و هو في رجوعه من السفر أنه قد بلغ حد الترخص فصلى الفريضة الحاضرة

تماما ثم علم أنه لم يبلغ حد الترخص، وجبت عليه إعادة الفريضة إذا كان في الوقت، فان كان مسافرا أعادها قصرا، و ان كان حاضرا أو مقيما أعادها تماما كما تقدم، و إذا كان بعد خروج الوقت اعتبر بحال فوتها و هو آخر الوقت، فان كان حين فوتها مسافرا قضاها قصرا، و ان كان حاضرا قضاها تماما.

(الصورة الرابعة): إذا اعتقد و هو في رجوعه من السفر انه لم يبلغ حد الترخص فصلى الحاضرة قصرا، ثم علم أنه قد بلغ الحد عند ما صلاها، وجب عليه أن يعيد الصلاة تماما إذا هو لم يسافر في الوقت بعد ذلك، و إذا كان بعد خروج الوقت اعتبر بحال الفوت كما تقدم.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 631

الفصل الثالث و الأربعون في قواطع السفر
اشارة

و هي ثلاثة أمور،

(الأول: الوطن)
المسألة 1243

لا ريب في أن مرور المسافر بوطنه قاطع لسفره، فيجب عليه أن يتم الصلاة فيه حتى ينشئ سفرا جديدا تجتمع فيه شرائط التقصير المتقدم ذكرها، بل عرفت ان بلوغ حد الترخص من وطنه موجب لانقطاع سفره و وجوب الإتمام عليه.

المسألة 1244

الوطن العرفي هو الموضع الذي يتخذه الإنسان مسكنا و مقرا له، و لا يشترط في صدق الوطن أن يقصد دوام الإقامة فيه، فالبلد أو القرية التي هي مسقط رأسه و كانت مسكن أبويه من قبله، إذا اتخذها مسكنا له، كانت وطنا له في نظر أهل العرف و ان لم يقصد دوام الاستيطان فيها.

نعم قد يتردد في صدق الوطن العرفي على الوطن الذي يستجده الإنسان إذا لم يقصد دوام الإقامة فيه، بل قصد البقاء فيه موقتا، و سواء صدق على الوطن الموقت أنه وطن عرفي أم لم يصدق، فان له حكم الوطن الدائم إذا خرج المقيم فيه عن اسم المسافر عرفا، فيجب فيه إتمام الصلاة و ان لم ينو إقامة عشرة أيام.

و لا يعتبر في الوطن العرفي أن يكون له فيه ملك، و لا أن يقيم فيه ستة أشهر، نعم لا يترك الاحتياط في الوطن المستجد بأن لا يكتفي بمجرد نية التوطن في ترتيب أحكام الوطن عليه، حتى يقيم فيه مدة يصدق معها انه وطنه. فإذا مر به في أول اتخاذه وطنا و لم ينو إقامة عشرة أيام، فالأحوط أن يجمع فيه بين القصر و التمام الى أن يقيم فيه المدة المذكورة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 632

المسألة 1245

يمكن أن يكون للرجل منزلان في بلدين أو قريتين، و يكون له في كل واحد منهما زوجة و أطفال مثلا، و ينوي الاستيطان الدائم في المنزلين جميعا، و يجزئ اقامته في السنة عليهما، فيكون كل واحد من البلدين وطنا عرفيا له، بل يمكن أن يكون له أكثر من وطنين عرفيين، و تترتب على كل واحد منها أحكام الوطن الواحد، فإذا مر به و هو مسافر، انقطع سفره و لم

يتصل ما قبله من المسافة بما بعده و وجب عليه إتمام الصلاة حتى ينشئ سفرا جديدا، و ان لم يكن له فيه ملك أو إقامة ستة أشهر.

المسألة 1246

إذا أعرض الإنسان عن وطنه، فالأقوى عدم جريان أحكام الوطن عليه بعد ذلك، و ان كان له فيه ملك و قد استوطنه ستة أشهر، فإذا مر به و هو مسافر لم ينقطع سفره و لم يجب عليه إتمام الصلاة فيه، و الأحوط استحبابا أن يجمع فيه بين القصر و التمام.

المسألة 1247

يكفي في صدق الوطن أن يقصد الإنسان التوطن في المكان و لو بالتبع لغيره و لا تناط التبعية في الوطن بالبلوغ و عدمه. بل يكفي القصد الارتكازي الموجود في نفس الولد: بأن وطنه هو وطن أبيه أو وطن أمه مثلا، فان هذا القصد يحقق له موضوع الوطن بالتبعية، سواء كان بالغا كبيرا أم صغيرا مميزا، فإذا أعرض عن تبعية أبيه و انفرد عنه لحقه حكم وطنه المستقل و ان لم يكن بالغا، و كذلك الحكم في الزوجة و المملوك و غيرهما من الأتباع.

المسألة 1248

إذا قصد التوطن الدائم في مكان، ثم حصل له التردد في الاستيطان فيه فلا يترك الاحتياط بالجمع فيه بين القصر و التمام حتى يتحقق الاعراض عنه، سواء كان وطنا أصليا أم مستجدا، و خصوصا إذا أقام فيه مدة يصدق معها أنه وطنه عرفا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 633

المسألة 1249

يتحقق الوطن و تترتب عليه أحكامه و ان كان المنزل الذي يسكن فيه مغصوبا إذا قصد استيطانه و الإقامة فيه أبدا، و كذلك إذا حرمت السكنى فيه من جهة أخرى.

المسألة 1250

إذا قصد الإقامة في موضع مدة طويلة و لكنها محدودة، كما إذا عزم الإقامة في بلد سنين لطلب علم أو ابتغاء تجارة مثلا، بحيث تنتهي الإقامة فيه بانتهاء الغاية، فقد تقدم أنه قد يتردد في صدق الوطن العرفي عليه، و لكنه بحكم الوطن الدائم، فينقطع سفره إذا كان مسافرا و مر به، و يجب عليه فيه إتمام الصلاة و الصيام و ان كان عازما على الخروج منه قبل أن تتم له عشرة أيام، أو كان مترددا في إقامتها، و إذا سافر منه الى وطنه أو الى موضع يقيم فيه عشرة أيام و كان الطريق بين البلدين لا يبلغ ثمانية فراسخ امتدادية وجب عليه التمام في سفره الى أن يعود، الى ما سوى ذلك من أحكام الوطن.

المسألة 1251

إذا كان للإنسان محل عمل في ما دون المسافة من وطنه، و هو يخرج إليه في كل يوم ليعمل فيه ثم يعود الى بلده، فان محل عمله هذا لا يعد وطنا له، و ان دأب على العمل فيه مدة طويلة، و لكنه لا يعد مسافرا إذا كان فيه، فإذا خرج من بيته صباحا الى محل عمله ليعمل فيه يومه، ثم ليسافر مساء الى بلد آخر يبلغ المسافة، فعليه إتمام الصلاة في محل العمل، فإذا سافر من محل عمله لزمه التقصير، و إذا رجع من سفره فوصل الى محل عمله انقطع سفره فيجب عليه إتمام الصلاة فيه، و ان لم يصل بعد الى وطنه، و إذا خرج من وطنه بقصد السفر و لم يمر بمحل عمله و لكنه مر بالقرية أو الموضع الذي هو فيه لأنه منزل من منازل سفره، فالأحوط له إذا أراد الصلاة فيه أن يجمع بين القصر

و التمام، و كذلك في الرجوع، و إذا كان المقصد الذي سافر اليه يبلغ المسافة من

كلمة التقوى، ج 1، ص: 634

وطنه و لا يبلغ المسافة من محل عمله جمع فيه بين القصر و التمام في الصورة الثانية.

[الثاني: قصد إقامة عشرة أيام متوالية]
المسألة 1252

(الثاني من قواطع السفر): قصد إقامة عشرة أيام متوالية في مكان واحد، و بحكمه العلم بأنه سيبقى فيه عشرة أيام متوالية، و ان كان غير مختار في ذلك كالمسجون و المجبر على الإقامة و نحوهما، و لا يكفي الظن بأنه يبقى العشرة، فلا ينقطع سفره بذلك بل يجب عليه التقصير.

و مبدأ اليوم هو طلوع الفجر الثاني، و نهايته هو غروب الشمس، فإذا نوى اقامة العشرة عند طلوع الفجر من اليوم كانت نهاية اقامته غروب الشمس من اليوم العاشر و لم تدخل الليلة السابقة و لا اللاحقة إلا بالتبع، و دخلت الليالي التسع المتوسطة.

المسألة 1253

إذا نوى الإقامة بعد مضى ساعة أو ساعات من النهار كانت نهاية العشرة مثل تلك الساعة من اليوم الحادي عشر، فإذا نوى الإقامة عند الزوال فنهاية العشرة هو زوال اليوم الحادي عشر، و إذا نواها عند طلوع الشمس فنهاية العشرة طلوع الشمس من اليوم الحادي عشر.

و إذا نوى الإقامة في أول الليل أو في أثنائه كان أول اقامته طلوع الفجر، و نهايتها غروب الشمس من اليوم العاشر كما تقدم، و كانت الساعات التي تسبقها من الليلة الأولى تابعة للإقامة في الحكم و ليست منها.

المسألة 1254

يشترط في الإقامة أن تكون في موضع واحد، فإذا نوى اقامة العشرة في موضعين أو أكثر، أو في رستاق يتنقل بين قراه، لم تترتب على ما نواه أحكام الإقامة فلا ينقطع سفره، و لا يجوز له إتمام الصلاة، و إذا أقام في بلد واحد كفاه ذلك في ترتيب أحكام الإقامة، و ان انقسم البلد الى جانبين بشط فاصل بينهما و نحوه، كما في بعض بلدان العراق.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 635

و إذا اتسع البلد اتساعا كبيرا بحيث يعد الخروج من محلة منه الى محلة أخرى ارتحالا ينافي وحدة موضع الإقامة، أو كانت المحلات فيه منفصلة بعضها عن بعض، فلا بد من تعيين المحلة التي يقصد الإقامة فيها.

المسألة 1255

يجوز للمقيم أن يخرج في أثناء إقامته إلى توابع البلد الذي أقام فيه من بساتين و مزارع و مياه، مما لا ينافي صدق الإقامة في البلد عرفا، نعم الأحوط لزوما أن لا يخرج عن حد الترخص، و ان كانت مدة خروجه قصيرة و كان من نيته العود عن قريب، و هذا إذا كان عزمه على الخروج عن حد الترخص منذ ابتداء نيته الإقامة فعليه أن يجمع بين القصر و التمام في مدة إقامته و في أيام خروجه.

و أما إذا طرأ له قصد الخروج بعد أن نوى الإقامة و صلى صلاة فريضة رباعية بتمام، أو بعد أن أتم إقامة العشرة في الموضع فالظاهر عدم إخلال ذلك بحكم الإقامة و يأتي تفصيل ذلك في المسألة الألف و المائتين و الثانية و السبعين و ما بعدها فليرجع إليهما.

المسألة 1256

يجوز للمسافر أن ينوي الإقامة في برية قفراء، و إذا نوى الإقامة فلا بد و ان يقتصر منها على ما يصدق معه وحدة محل الإقامة عرفا، و لا يجوز له الخروج عن حد الترخص من ذلك كما في البلدان و القرى.

المسألة 1257

نية الإقامة هي العزم بالفعل على بقاء العشرة في الموضع المعين، و لا يكفي أن يعلق اقامته على حدوث أمر محتمل يظن حصوله أو يشك فيه، فان ذلك ينافي العزم على البقاء بالفعل، و يكفي أن يعزم على البقاء بالفعل و ان كان يحتمل أن يعرض له ما يمنعه من الإقامة إذا كان الاحتمال موهوما لا يعتنى به عند العقلاء.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 636

المسألة 1258

إذا علم المكره أو المجبور على إقامة العشرة بأنه سيبقى العشرة في المكان المعين، وجب عليه أن يتم الصلاة فيه، و ان كان عازما على عدم الإقامة إذا ارتفع عنه القسر.

المسألة 1259

إذا قصد الإقامة في المكان إلى مجي ء زيد من السفر أو الى انقضاء حاجته لم ينقطع سفره بذلك، و وجب عليه القصر في الصلاة، و كذلك إذا نوى الإقامة إلى آخر الشهر و كان في اليوم الحادي و العشرين منه، فاقامته تبلغ العشرة إذا كان الشهر تاما، و تنقص عنها إذا كان الشهر ناقصا، فيجب عليه القصر في الصلاة، و ان بلغت اقامته العشرة بعد ذلك، و هكذا في كل مورد يكون نفس الزمان الذي قصد اقامته مرددا فعليه القصر.

و إذا قصد الإقامة إلى الجمعة الثانية، و هو يبلغ العشرة تامة، و لكنه كان يجهل ذلك لتردده في أول اقامته هل هو فجر يوم الخميس أو فجر يوم الأربعاء، صحت إقامته، فإذا تذكر بعد ذلك أنها عشرة تامة وجب عليه أن يتم صلاته في ما بقي من المدة، و يجب عليه أن يقضي ما صلاة قصرا في حال جهله، و هكذا في كل مثال يكون زمان الإقامة الذي قصده محدودا بحد معلوم، و لا تردد فيه، و انما حصل التردد من المكلف لأمور خارجة من جهل و نحوه.

المسألة 1260

إذا قصدت الزوجة الإقامة في المكان بمقدار ما قصده زوجها، فان كانت لا تعلم المدة التي قصدها الزوج، لم ينقطع سفرها و وجب عليها القصر في الصلاة، و كذلك إذا كان الزمان الذي قصده الزوج مرددا، كما إذا نوى الإقامة إلى انتهاء علاجه من المرض، أو الى ورود المسافرين، أو الى آخر الشهر، فاقامته تبلغ العشرة إذا كان الشهر تاما و تنقص عنها إذا كان الشهر ناقصا، فيجب على الزوجة قصر الصلاة في جميع ذلك، و إذا كان الزمان الذي قصده الزوج محدودا بحد معلوم و انما

كلمة التقوى، ج 1، ص: 637

ترددت الزوجة في المقدار لجهلها بأن أول الإقامة هو اليوم السابق أم اللاحق، فيجب عليها إتمام الصلاة إذا علمت بعد ذلك بأنه يبلغ العشرة، و يجب عليها قضاء ما صلته قصرا قبل ذلك كما تقدم في المسألة السابقة، و كذلك إذا نوى الإنسان الإقامة بمقدار ما قصده رفقاؤه في السفر.

المسألة 1261

إذا نوى المسافر إقامة عشرة أيام في موضع، ثم عدل عن نيته، فان كان عدوله عن الإقامة بعد أن صلى في ذلك المكان صلاة فريضة رباعية بتمام، فحكمه أن يتم الصلاة في ذلك الموضع حتى يخرج منه مسافرا، و ان كان عدوله قبل أن يصلي شيئا من الفرائض، أو بعد أن صلى فريضة لا قصر فيها، كالصبح و المغرب، أو شرع في الفريضة الرباعية و لكنه لم يتمها، أو صلى نافلة تسقط في السفر، أو صام صوما واجبا و ان كان عدوله عن الإقامة بعد الزوال، فحكمه هو وجوب التقصير في جميع هذه الفروض.

المسألة 1262

إذا نوى اقامة العشرة، و أتى بعد ذلك بصلاة رباعية تامة ناسيا لكونه مسافرا أو مقيما، أو كان في أحد مواضع التخيير، فأتم صلاته لذلك ناسيا للإقامة، ثم عدل عن اقامته فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام حتى يخرج من ذلك الموضع مسافرا.

المسألة 1263

إذا نوى اقامة العشرة و أتى بصلاة رباعية بتمام ثم عدل عن اقامته، و تبين له بعد ذلك بطلان صلاته الرباعية، كان حكمه التقصير الا أن يقصد الإقامة من جديد.

المسألة 1264

إذا نوى اقامة العشرة، و فاتته صلاة رباعية بعد نية الإقامة، ثم عدل عن الإقامة بعد ذلك، فان كان عدوله بعد قضاء تلك الصلاة الفائتة وجب عليه أن يتم الصلاة في محل اقامته حتى يخرج منه مسافرا، و إذا كان عدوله قبل أن يقضى تلك الصلاة و قبل أن يأتي بصلاة رباعية

كلمة التقوى، ج 1، ص: 638

تامة أخرى ارتفع حكم الإقامة و وجب عليه التقصير، و كذلك إذا كانت الصلاة الفائتة مما لا تقضى كما إذا فاتت لحيض أو نفاس.

المسألة 1265

إذا نوى اقامة العشرة ثم تردد فيها، جرى فيه حكم العدول بالنية، فإذا كان تردده بعد أن صلى صلاة رباعية بتمام كان حكمه التمام في ذلك الموضع حتى يسافر منه، و إذا كان قبل ذلك كان حكمه التقصير.

المسألة 1266

تصح نية الإقامة من غير المكلف و تترتب على إقامته أحكامها، فإذا كان الصبي الذي يصح منه القصد مسافرا، و نوى اقامة العشرة في موضع، ثم بلغ في أثناء العشرة وجب عليه أن يتم الصلاة في بقية أيام الإقامة، و كذلك إذا بلغ بعد العشرة و قبل سفره من محل الإقامة، و إذا أتى بالصلاة قبل بلوغه صلاها تماما.

و كذلك المجنون إذا نوى الإقامة و كان ممن يتأتى منه القصد، أو نوى الإقامة في حال إفاقته ثم جن، فإذا أفاق من جنونه في أثناء العشرة وجب عليه أن يصلي تماما و كذلك إذا أفاق بعد العشرة و قبل ان يسافر من محل اقامته.

و كذلك المرأة إذا نوت الإقامة و هي حائض و طهرت في أثناء الإقامة أو بعدها و قبل السفر، فيجب عليها أن تتم الصلاة في موضع الإقامة، و كذلك الحكم في جواز الصيام أو وجوبه على المذكورين.

المسألة 1267

إذا انقضت مدة الإقامة و المكلف لا يزال في موضع الإقامة فهو على حكم التمام الى أن يسافر منه، و لا يحتاج إلى إقامة جديدة، و كذلك إذا نوى الإقامة و صلى فريضة رباعية بتمام، فان حكمه إتمام الصلاة في ذلك الموضع حتى يسافر منه و ان عدل عن إقامته أو انقضت مدتها، كما ذكرناه قريبا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 639

المسألة 1268

إذا شرع المسافر في الصلاة بنية القصر، ثم قصد الإقامة و هو في أثنائها وجب عليه أن يعدل بصلاته الى التمام و يكملها أربعا. و إذا عزم الإقامة فشرع في الصلاة بنية التمام ثم عدل و هو في أثنائها عن الإقامة، فإن كان في الركعتين الأولتين منها وجب عليه أن يتمها قصرا، و كذلك إذا كان في الركعة الثالثة قبل الركوع منها، فعليه أن يجلس من قيامه و يسلم و يسجد للسهو للقيام الزائد إذا تلبس معه بقراءة أو تسبيح، و إذا كان بعد الدخول في ركوع الثالثة بطلت صلاته فعليه أن يعيدها قصرا.

المسألة 1269

إذا قصد المسافر إقامة العشرة، و فاتته بعد نية الإقامة صلاة واحدة، أو صلوات متعددة لعذر أو لغير عذر، ثم عدل عن قصد الإقامة قبل أن يقضي الصلوات الفائتة و قبل أن يصلي فريضة واحدة تامة انقطعت اقامته حين العدول فعليه التقصير في صلواته الحاضرة و الآتية و أما الصلوات الفائتة فيجب عليه أن يقضيها تماما.

المسألة 1270

إذا قصد الإقامة و نوى صوم ذلك اليوم، ثم عدل عن الإقامة بعد الزوال و قبل أن يصلي فريضة رباعية تامة بقي على صومه و أجزأه و وجب عليه القصر في الصلاة و لا يصح له صوم غير ذلك اليوم.

المسألة 1271

إذا نوى المسافر إقامة عشرة أيام انقطع سفره و ثبتت له جميع أحكام الحاضر فيجب عليه إتمام الصلاة، و يصح منه الصوم، و يجب عليه إذا كان واجبا، و تستحب له النوافل التي تسقط حال السفر، و يجب عليه حضور صلاة الجمعة عند اجتماع شرائطها.

المسألة 1272

إذا نوى المسافر إقامة عشرة أيام في موضع حتى أتمها، أو نوى

كلمة التقوى، ج 1، ص: 640

اقامة العشرة و صلى بعد نية الإقامة صلاة رباعية تامة، ثم بدا له أن يخرج من موضع إقامته الى ما دون المسافة، فها هنا صور تلزم مراعاتها لتطبيق أحكامها.

(الصورة الأولى): أن يخرج من موضع إقامته الى ما دون المسافة، و هو يعزم الرجوع الى محل إقامته ليستأنف فيه اقامة عشرة أيام أخرى، و حكمه في هذه الصورة إتمام الصلاة في ذهابه و رجوعه و في مقصده و في محل اقامته، و كذلك الحكم إذا عزم على إقامة العشرة في موضع آخر ليس بينه و بين محل إقامته الأولى مسافة.

(الصورة الثانية): ان يخرج الى ما دون المسافة و هو يعزم الرجوع الى محل اقامته ليمكث فيه يوما أو أكثر ثم ينشئ السفر منه بعد ذلك، و حكمه في هذه الصورة إتمام الصلاة كذلك في خروجه و رجوعه و في مقصده و محل اقامته حتى ينشئ السفر.

و كذلك الحكم إذا كان عازما على العود الى محل اقامته و كان مترددا في أن يستأنف فيه اقامة جديدة أم لا، أو كان غافلا عن ذلك، فعليه إتمام الصلاة حتى ينشئ السفر، و هذه هي الصورة الثالثة.

(الصورة الرابعة): أن يخرج من محل إقامته الى ما دون المسافة و هو معرض عن الإقامة فيه، و لكنه يمر به في

رجوعه من مقصده الى وطنه، لأنه منزل من منازل سفره، و حكمه في هذه الصورة هو وجوب القصر، إذا كان الرجوع يبلغ مسافة كما هو المفروض.

(الصورة الخامسة): أن يخرج الى ما دون المسافة و هو عازم على عدم الرجوع الى محل اقامته و على عدم الإقامة في موضع آخر هو دون المسافة، و حكمه هو وجوب القصر إذا كان طريقه الى المقصد ثم الى بدله يبلغ مسافة تامة امتدادية أو ملفقة.

(الصورة السادسة): أن يخرج من محل إقامته الى ما دون المسافة و هو متردد في العود الى محل اقامته و عدم العود اليه أو هو غافل عن ذلك، فان كان تردده في العود الى محل الإقامة أو غفلته عنه أوجب له

كلمة التقوى، ج 1، ص: 641

ترددا في السفر أو غفلة عنه، كان حكمه هو إتمام الصلاة حتى يعزم على السفر.

و ان لم يوجب له ترددا في السفر، كما إذا تردد بين أن يعود من مقصده الى محل اقامته و أن لا يعود اليه بل يسافر من مقصده الى وطنه، و لكنه على فرض رجوعه الى محل إقامته فإنما يمر به على أنه منزل من منازل سفره كما تقدم في الصورة الرابعة، و معنى ذلك انه في خروجه عازم على السفر على أى حال و حكمه القصر في الصلاة.

المسألة 1273

كل ما تقدم بيانه من الصور في خروج المقيم الى ما دون المسافة انما هو في ما إذا بدا له ذلك بعد أن يتم إقامة العشرة كلها أو بعد أن يصلي فريضة رباعية تامة بعد نية الإقامة، و أما إذا قصد الخروج عن حدود الترخص في حال نية الإقامة، فقد تقدم الاشكال فيه، سواء كانت المدة

التي قصد الخروج فيها قليلة أم لا، و سواء قصد المبيت في غير محل الإقامة أم لا، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام في جميع الصور، و هو مع المبيت أشد إشكالا و الزم احتياطا، الا أن ينشئ سفرا أو ينوي إقامة ليس معها قصد الخروج.

المسألة 1274

إذا خرج المقيم من محل اقامته و قصد قطع مسافة تامة امتدادية أو ملفقة بإحدى صور التلفيق، وجب عليه التقصير في ذهابه و في مقصده و في رجوعه و في محل إقامته الذي سافر منه الا إذا نوى فيه اقامة جديدة، و إذا صلى في خروجه قبل حد الترخص فالأحوط له الجمع كما تقدم.

و إذا خرج بقصد السفر ثم بدا له فرجع عن سفره الى محل اقامته قبل أن يبلغ المسافة حتى ملفقة فإن نوى فيه اقامة جديدة كان عليه الإتمام فيه و ليس عليه أن يقضي ما صلاة قصرا حال خروجه، و ان كان في رجوعه عازما على السفر الى وطنه و كان مروره بمحل اقامته لأنه منزل

كلمة التقوى، ج 1، ص: 642

من منازل سفره، فعليه القصر، و ان كان غير عازم على السفر احتاط بالجمع بين القصر و التمام الى أن يسافر من محل إقامته.

المسألة 1275

نية إقامة العشرة في موضع موجبة لقطع السفر و ترتيب أحكام الحاضر كما تقدم و ان كانت الإقامة لغاية محرمة كقتل نفس محترمة أو سرقة مال أو كانت سببا لعقوق أبيه أو غير ذلك من موجبات التحريم فيها.

المسألة 1276

لا يجب على المسافر أن ينوي الإقامة لصوم شهر رمضان إذا اتفق في أيام سفره، و لا لغيره من الصوم الواجب المعين كقضاء شهر رمضان عند تضيق وقته، و كالمنذور المعين، نعم إذا نوى الإقامة باختياره وجب عليه الإتيان بالصوم المعين و جاز له الصوم غير المعين و الصوم المندوب.

و تجب الإقامة للصوم المعين الذي وجب عليه بالإجارة، كما إذا استأجره أحد لصوم الأيام البيض من شهر رجب مثلا أو شهر شعبان فاتفق ذلك في أيام سفره، فعليه أن ينوي الإقامة ليصوم تلك الأيام الواجبة.

المسألة 1277

إذا صلى المقيم فريضة رباعية تامة، ثم عدل عن اقامته بعد التسليم الأول الواجب في الصلاة و قبل التسليم الأخير المستحب فيها لزمه حكم الإتمام.

و كذلك إذا وجب عليه سجود السهو في الصلاة، فعدل عن الإقامة قبل الإتيان به فعليه الإتمام و إذا شك في صلاته فوجبت عليه صلاة الاحتياط للشك، و عدل عن اقامته في أثناء صلاة الاحتياط أو قبلها وجب عليه القصر، و إذا عدل عن الإقامة قبل الإتيان بالأجزاء المنسية منها فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام في محل الإقامة حتى يسافر.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 643

المسألة 1278

إذا عدل المقيم عن نية الإقامة و شك هل كان عدوله بعد أن صلى فريضة رباعية تامة ليلزمه الإتمام أم لا، بنى على عدم ذلك و وجب عليه القصر في الصلاة.

[الثالث: البقاء في موضع واحد ثلاثين يوما]
المسألة 1279

(الثالث من قواطع السفر): أن يبقى المسافر في موضع واحد ثلاثين يوما من غير عزم على إقامة عشرة أيام فيه، سواء كان في هذه المدة مترددا بين البقاء في الموضع و السفر منه، أم كان عازما على بقاء ما دون العشرة، فإذا انتهى ذلك عزم على بقاء مدة أخرى دون العشرة أيضا، و هكذا حتى أتم الثلاثين، أم كان عازما على البقاء حتى تنقضي حاجته و هو لا يدري كم يحتاج من المدة، ثم لا تنقضي الحاجة حتى أتم الثلاثين.

و حكمه هو وجوب قصر الصلاة كل هذه المدة، فإذا كمل له ثلاثون يوما، وجب عليه أن يتم الصلاة في ما زاد على ذلك ما دام في ذلك المكان، سواء بقي فيه قليلا أم كثيرا، بل و ان عزم على السفر بعد صلاة واحدة.

المسألة 1280

لا يكفي الشهر الهلالي إذا كان ناقصا في ترتب الحكم المذكور، فإذا صادف أول تردد المسافر في المكان هلال الشهر، فلا بد من إكماله ثلاثين يوما، و الأحوط استحبابا في اليوم المكمل للثلاثين في هذه الصورة أن يجمع فيه بين القصر و التمام.

المسألة 1281

يكفي التلفيق هنا في اليوم كما في نية الإقامة، فإذا كان أول تردده في أثناء اليوم أكمله من اليوم الحادي و الثلاثين بمقدار ما نقص من ساعاته، فإذا كان أول المدة هو الزوال من اليوم الأول كانت النهاية عند الزوال من اليوم الحادي و الثلاثين.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 644

المسألة 1282

يشترط في ترتب الحكم أن يكون بقاؤه في مكان واحد حتى يتم الثلاثين فلا يكفي أن يبقى الثلاثين في مكانين أو أكثر، و لا يكفي أن يتردد في البقاء، و عدمه و هو مشتغل بالسير فيجب عليه قصر الصلاة في كلتا الصورتين، و لا فرق بين أن يكون موضع بقائه في المدة المذكورة بلدا أو قرية أو مفازة أو مزرعة.

المسألة 1283

يشكل الحكم إذا خرج عن محل بقائه الى ما دون المسافة و ان كان خروجه بقصد العود اليه بعد مدة قليلة كما سبق نظيره في نية الإقامة، فلا يخرج عنه في أثناء المدة، و لا يترك الاحتياط إذا هو خرج.

المسألة 1284

إذا تمت للمسافر ثلاثون يوما في موضع واحد على النهج المتقدم ذكره وجب عليه أن يتم الصلاة في ذلك الموضع، و لكن يشكل الحكم بانقطاع سفره بذلك، فإذا كان الباقي من طريقه لا يبلغ مسافة تامة، فالأحوط له بعد خروجه من ذلك الموضع ان يجمع بين القصر و التمام.

و كذلك إذا خرج بعد الثلاثين الى ما دون المسافة مع قصد العود الى موضع تردده، فلا يترك الاحتياط بالجمع.

المسألة 1285

إذا بقي المسافر في موضع أقل من ثلاثين يوما و هو لا ينوي الإقامة في الموضع فحكمه القصر فإذا انتقل الى مكان آخر و تردد فيه كذلك فحكمه القصر، و هكذا و ان كثرت الأماكن و تعددت مدة البقاء، حتى ينوي إقامة العشرة أو يكمل ثلاثين يوما في موضع واحد.

المسألة 1286

إذا خرج من موضع تردده بعد أن وجب عليه الإتمام فيه، و قصد المسافة وجب عليه القصر، و إذا أراد الصلاة في خروجه قبل أن يبلغ حد الترخص فالأحوط له أن يجمع بين القصر و التمام، و قد تقدم ذكر ذلك في الشرط الثامن من شرائط صلاة المسافر.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 645

الفصل الرابع و الأربعون في أحكام صلاة المسافر
المسألة 1287

إذا اجتمعت الشروط التي تقدم ذكرها في الفصل الثاني و الأربعين وجب على المسافر قصر الصلاة.

و القصر هو إسقاط الركعتين الأخيرتين من صلاة الظهر و العصر و العشاء، فلا يجوز له إتمامها، إلا إذا كان في أحد مواضع التخيير الأربعة، و سيأتي ذكرها، و لا قصر في الصلاة الثنائية و لا في الثلاثية.

و يسقط عن المسافر استحباب نافلة كل من الظهر و العصر، فلا يجوز له الإتيان بها، و لا يسقط استحباب نافلة العشاء و هي صلاة الوتيرة، و الأحوط أن يأتي المسافر بها برجاء المطلوبية.

و لا يسقط عنه استحباب نافلتي المغرب و الصبح و لا نافلة الليل و يجوز له أن يأتي بغير ذلك من النوافل و الصلوات المستحبة.

و لا يجوز للمسافر الصوم الواجب من غير فرق بين صوم شهر رمضان و قضائه و صوم الكفارة و غيرها من أفراد الصوم الواجب، بل و لا المستحب، إلا في مواضع يأتي بيانها ان شاء اللّه تعالى في مواضعها.

المسألة 1288

يشكل استحباب الإتيان بنافلة الظهرين في السفر إذا دخل عليه الوقت و هو حاضر و لم يصل الفريضتين حتى سافر و صلاهما قصرا، فالأحوط ترك النافلة، و كذلك إذا دخل عليه الوقت و هو مسافر و لم يصل الظهر و العصر حتى دخل وطنه أو موضع اقامته فصلاهما تماما، و مثله ما إذا أخر فريضة العصر وحدها حتى دخل المنزل، فالأحوط ترك النافلة في جميع هذه الفروض.

المسألة 1289

إذا تحققت شرائط وجوب القصر و صلى المسافر تماما و كان عالما

كلمة التقوى، ج 1، ص: 646

بأنه مسافر و بأن حكم المسافر هو قصر الصلاة، كانت صلاته باطلة، فتجب عليه إعادتها إذا كان في الوقت و يجب عليه قضاؤها إذا كان بعد الوقت، إلا إذا كان في أحد المواضع الأربعة التي يتخير فيها بين القصر و التمام فتصح صلاته.

المسألة 1290

إذا صلى المسافر تماما في موضع يجب فيه القصر و كان جاهلا بأن حكم المسافر هو وجوب التقصير كانت صلاته صحيحة، سواء كان عالما بأنه مسافر أم جاهلا بذلك أم ناسيا للسفر أم مترددا فيه، فلا اعادة عليه و لا قضاء.

و يختص الحكم المذكور بما إذا كان جاهلا بأصل الحكم و هو وجوب التقصير على المسافر، فلا يعم من أتم جاهلا ببعض الخصوصيات و سيأتي التنبيه عليه في المسألة الآتية.

المسألة 1291

إذا أتم المسافر صلاته في موضع يجب عليه فيه التقصير و كان يعلم بأصل الحكم و لكنه يجهل بعض الخصوصيات كانت صلاته باطلة.

و من أمثلة ذلك أن يتم صلاته لأنه يجهل أن المسافة الملفقة من الذهاب و الإياب حكمها حكم المسافة الممتدة في وجوب التقصير، و من أمثلة ذلك أن يتم صلاته لأنه يجهل أن العاصي بسفره يجب عليه التقصير في رجوعه إذا لم يكن متلبسا بالمعصية، أو أن العاصي بسفره يجب عليه القصر إذا عدل عن المعصية فقصد الطاعة، و من أمثلة ذلك أن يتم صلاته في منزل أخيه أو قريبه لأنه يعتقد انه بحكم وطنه، الى غير ذلك من الخصوصيات، فتجب عليه إعادة الصلاة إذا كان في الوقت و يجب عليه قضاؤها إذا كان بعد الوقت.

المسألة 1292

إذا أتم المسافر صلاته في موضع التقصير و كان يعلم حكم السفر و لكنه يجهل بأنه مسافر كانت صلاته باطلة، و مثال ذلك ما إذا اعتقد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 647

أن الموضع الذي قصده لا يبلغ المسافة فصلى تماما ثم ظهر له انه مسافة تامة، فتجب عليه إعادة الصلاة و إذا كان بعد الوقت وجب عليه قضاؤها.

المسألة 1293

إذا نسي المكلف انه مسافر أو نسي أن حكمه في السفر وجوب التقصير فأتم صلاته، فان تذكر ذلك و الوقت لا يزال باقيا وجبت عليه إعادة الصلاة فإن هو لم يعدها في الوقت بعد التذكر وجب عليه قضاؤها بعد الوقت، و ان هو لم يتذكر ذلك حتى خرج الوقت لم يجب عليه قضاء الصلاة.

المسألة 1294

إذا كان المكلف عالما بأنه مسافر و بأن حكمه في السفر وجوب التقصير، و كان غير ناس لهما، و لكنه غفل حين الإتيان بالصلاة فأتى بأربع ركعات بدلا عن الركعتين، وجبت عليه إعادة الصلاة إذا كان في الوقت و قضاؤها إذا كان بعد الوقت.

المسألة 1295

إذا صام المسافر في موضع يجب فيه الإفطار جرت فيه الاحكام المتقدم ذكرها في إتمام الصلاة، فإن كان عالما عامدا بطل صومه، و ان كان جاهلا بان حكم المسافر هو وجوب الإفطار صح صومه و لم يجب عليه القضاء، و إذا كان عالما بأصل الحكم و جاهلا ببعض الخصوصيات وجب عليه قضاء الصوم و كذلك إذا كان جاهلا بأنه مسافر.

و إذا كان ناسيا لحكم الصوم في السفر أو ناسيا لكونه مسافرا أو غافلا وجب عليه قضاء الصوم.

المسألة 1296

إذا كان المسافر ممن يجب عليه إتمام الصلاة فصلاها قصرا كانت باطلة في جميع الصور و وجبت عليه إعادتها إذا كان في الوقت و قضاؤها إذا كان بعد الوقت.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 648

و تستثنى من ذلك صورة واحدة، و هي ما إذا نوى المسافر إقامة العشرة في موضع و كان يجهل بأن حكم المسافر إذا نوى الإقامة هو وجوب الإتمام فأتى بصلاته قصرا، فان صلاته تقع صحيحة و لا تجب عليه اعادتها و لا قضاؤها.

و إذا كان عالما بالحكم و لكنه نسي اقامته فقصر، بطلت صلاته و كان عليه الإعادة أو القضاء.

المسألة 1297

إذا لم يؤد المسافر الصلاة في الوقت لا قصرا و لا تماما، و كان ممن يجهل أصل الحكم وجب عليه أن يأتي بقضائها قصرا بعد العلم بالحكم، و لكنه إذا قضاها تماما قبل أن يعلم بالحكم أجزأه ذلك على الأقوى.

و إذا كان ناسيا للسفر أو لحكم السفر و لم يؤد الصلاة في الوقت لا قصرا و لا تماما وجب عليه كذلك أن يأتي بقضائها قصرا، و إذا قضاها تماما قبل أن يتذكر لم يجزه ذلك على الأصح.

المسألة 1298

إذا نسي المكلف كونه مسافرا أو نسي أن حكمه في السفر هو التقصير، فشرع في الصلاة بنية التمام ثم تذكر و هو في أثناء الصلاة، فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة وجب عليه أن يكمل صلاته قصرا و أجزأه ذلك، و ان تذكر ذلك بعد دخوله في ركوع الثالثة بطلت صلاته و وجبت عليه إعادتها إذا اتسع الوقت و لو لإدراك ركعة من الصلاة قبل خروج الوقت.

و كذلك الحكم إذا تذكر بعد أن أتم صلاته تماما و قد بقي من الوقت مقدار ركعة فتجب عليه الإعادة و إذا ضاق الوقت عن مقدار ركعة من الصلاة لزمه أن يقضيها قصرا على الأحوط في الصورتين.

المسألة 1299

إذا جهل الإنسان أن مقصده يبلغ المسافة فشرع في الصلاة بنية التمام ثم علم بوجود المسافة و هو في أثناء الصلاة جرى فيه التفصيل

كلمة التقوى، ج 1، ص: 649

المتقدم ذكره، فان كان قبل ركوع الثالثة وجب عليه أن يتم صلاته قصرا، و ان كان بعد الدخول في ركوع الثالثة بطلت صلاته و كذلك إذا كان جاهلا ببعض الخصوصيات فنوى التمام ثم علم بوجوب القصر و هو في أثناء الصلاة، فيأتي فيه التفصيل المذكور.

المسألة 1300

إذا كان المكلف ممن يجب عليه إتمام الصلاة و شرع فيها بنية القصر، ثم علم بالحكم أو تذكره و هو في أثناء الصلاة وجب عليه أن يتم صلاته و أجزأته على الأقوى. فإذا كان ناويا للإقامة مثلا و نوى القصر جاهلا أو ناسيا، ثم تذكر ذلك و هو في أثناء صلاته فعليه إتمام الصلاة، و كذلك من كان مترددا في الإقامة و مضت عليه ثلاثون يوما، فيجب عليه إتمام الصلاة إذا تحقق له الغرض المذكور.

المسألة 1301

إذا قام المكلف إلى الصلاة و وقتها لا يزال باقيا، يجب عليه أن يصليها قصرا إذا كان مسافرا بالفعل و ان كان في أول الوقت حاضرا و يجب عليه أن يصليها تماما إذا كان حاضرا بالفعل، و ان كان في أول الوقت مسافرا، و كذلك إذا سافر بعد دخول الوقت ثم حضر، أو حضر في أثنائه ثم سافر، أو تكرر منه السفر و الحضر في الوقت، و المدار في الجميع هو حال تأدية الصلاة فإن كان فيه مسافرا قصر، و ان كان حاضرا أتم.

المسألة 1302

كل صلاة رباعية تفوت الإنسان و هو مسافر يجب عليه أن يقضيها مقصورة و ان كان حين قضائها حاضرا أو مقيما، و كل صلاة تفوته و هو حاضر أو مقيم يجب عليه أن يقضيها تامة و ان كان حين قضائها مسافرا، و قد تقدم بيان ذلك في فصل قضاء الصلاة.

المسألة 1303

إذا كان الإنسان حاضرا ثم سافر في أثناء الوقت أو كان مسافرا ثم حضر فيه و لم يؤد الصلاة حتى خرج الوقت، وجب عليه أن يقضي تلك

كلمة التقوى، ج 1، ص: 650

الصلاة كما فاتت في آخر الوقت، فان كان فيه مسافرا قضاها قصرا، و ان كان فيه حاضرا أو مقيما قضاها تماما، و كذلك الحكم إذا تكرر منه السفر و الحضر في الوقت، و فاتته الصلاة فيجب عليه أن يقضيها كما فاتت في آخر الوقت.

المسألة 1304

يتخير المسافر إذا كان في أحد الأماكن الأربعة الآتي ذكرها بين أن يؤدي الصلاة الرباعية الحاضرة قصرا أو تماما، و التمام أفضل.

و المواضع الأربعة هي المسجد الحرام في مكة، و مسجد الرسول (ص) في المدينة، و مسجد الكوفة، و حرم الامام الحسين (ع) في كربلاء.

و التخيير في هذه المواضع استمراري، فإذا شرع في الفريضة بنية القصر، يجوز له العدول بها الى التمام، و إذا شرع فيها بنية التمام جاز له العدول الى القصر ما لم يتجاوز محل العدول و لا فرق في الحكم المذكور بين أن يكون المصلي في الصحن من المساجد الثلاثة أو في السطوح أو في المواضع المنخفضة منها كبيت الطشت في مسجد الكوفة.

المسألة 1305

الأقوى إلحاق مكة و المدينة جميعهما بالمسجدين في الحكم، فيتخير المسافر في صلاته بين القصر و التمام و ان كان في غير المسجدين الأعظمين من البلدين، و لا يلحق بلد الكوفة بمسجدها الأعظم في الحكم، و لا بلد كربلاء بالحائر المطهر، و لا يلحق سائر المساجد و المشاهد الشريفة بالمواضع الأربعة.

المسألة 1306

القدر المتيقن في موضع التخيير من حرم الحسين (ع) هو ما صدق معه أنه صلى عند قبر الحسين (ع).

المسألة 1307

يختص الحكم المذكور بالصلاة الحاضرة فلا يعم الصلاة الفائتة المقصورة التي يقضيها المسافر في المواضع الأربعة، فيتعين عليه أن

كلمة التقوى، ج 1، ص: 651

يقضيها قصرا كما فاتت، و ان فاتته في المواضع الأربعة نفسها و أراد قضاءها فيها على الأحوط، سواء خرج من المواضع ثم عاد إليها أم لم يخرج.

المسألة 1308

لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير في المواضع المذكورة، بل يتعين على المسافر الإفطار فيها الا ان ينوي الإقامة فيها أو تمضي عليه ثلاثون يوما مترددا كما في غيرها من المواضع.

المسألة 1309

يستحب أن يقول المصلي بعد الصلاة المقصورة: (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر)، ثلاثين مرة، و لا يسقط استحباب هذا التسبيح إذا حصل قبله ما ينافي الصلاة إلا إذا وقع بعد فصل طويل بحيث لا يصدق معه انه أتى به في دبر الصلاة.

المسألة 1310

الظاهر أن التسبيح المتقدم لا يختص بالصلاة الحاضرة و لا بالمسافر، فإذا قضى الحاضر أو المقيم صلاة مقصورة استحب له أن يأتي بالتسبيح بعدها.

المسألة 1311

تقدم في فصل التعقيب انه يستحب للمصلي أن يأتي بالتسبيح المذكور ثلاثين مرة بعد كل فريضة يصليها، و أفضل من ذلك أن يأتي به أربعين مرة، و تتأدى الوظيفتان إذا أتى بالتسبيح ثلاثين مرة بعد المقصورة بقصد امتثال الوظيفتين معا، و أولى من ذلك أن يأتي بذلك مرة لجبر الصلاة المقصورة، و مرة أخرى للتعقيب.

الفصل الخامس و الأربعون في صلاة الآيات
المسألة 1312

تجب صلاة الآيات على كل مكلف من الناس عند حدوث أحد أسبابها الآتي ذكرها، و لا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة و الخنثى.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 652

المسألة 1313

الأسباب التي تجب لها صلاة الآيات هي أحد أمور:

(الأول): كسوف الشمس.

(الثاني): خسوف القمر، سواء استوعب الكسوف أو الخسوف جميع القرص أم لم يستوعبه و سواء حصل لعامة الناس بذلك خوف أم لم يحصل.

و المراد بهما الكسوفان المعروفان، فتنكسف الشمس بحيلولة جرم القمر بينها و بين الأرض، فيحتجب بسبب ذلك قرص الشمس كله أو بعضه عن الرائي من الناس، و ينخسف القمر بحيلولة الأرض بينه و بين الشمس، فينطمس بسبب ذلك النور من جميع قرصه أو من بعضه.

(الثالث): زلزلة الأرض، و هي الهزة التي تكون فيها أو في إحدى نواحيها، سواء أوجبت الخوف عند الناس أم لم توجب.

(الرابع): كل مخوف سماوي، كالظلمة الشديدة، و الريح الحمراء أو الصفراء، و الصاعقة، إذا كان حدوثه موجبا لخوف غالب الناس، بل الأحوط لزوما وجوب الصلاة عند حدوث كل مخوف الهي و ان كان أرضيا كالخسف و الهدة في الأرض، و النار التي تخرج منها إذا أوجب ذلك الخوف لغالب الناس، و لا تجب الصلاة لغير المخوف، و لا لما أوجب الخوف للقليل من الناس.

المسألة 1314

لا تجب صلاة الآيات لكسوف الشمس بحيلولة أحد الكواكب الأخرى غير القمر و لا بكسوف أحد الكواكب الأخرى غير الشمس و القمر، و لا بكسوف القمر بحيلولة بعض النيازك بينه و بين الشمس أو بينه و بين الأرض، نعم إذا أوجب حدوث بعض هذه المذكورات خوفا لغالب الناس، كان من المخوف السماوي و وجبت له صلاة الآيات لذلك.

المسألة 1315

وقت صلاة الآيات في الكسوفين من حين ابتداء الخسوف أو الكسوف

كلمة التقوى، ج 1، ص: 653

الى آخر انجلاء القرص، و لا يجوز تأخير الصلاة اختيارا عن ذلك، و الأحوط استحبابا أن لا يؤخرها عن ابتداء الانجلاء.

المسألة 1316

تجب صلاة الآيات لكسوف الشمس أو القمر و ان كانت مدة الكسوف أقل من مدة الصلاة على الأقوى، فإذا علم المكلف بالكسوف في حينه وجبت عليه الصلاة و ان انجلى القرص.

المسألة 1317

تجب المبادرة إلى صلاة الآيات في الزلزلة و في سائر الآيات المخوفة بمجرد حدوث السبب، فإن أخر المكلف الصلاة اختيارا كان آثما و لم تسقط عنه الصلاة بذلك بل يجب عليه الإتيان بها، و أمدها ما دام حيا، و إذا أخر الصلاة ناسيا لها أتى بها بعد التذكر. و كذلك إذا لم يعلم بحدوث السبب الا بعد انتهائه على الأحوط لزوما، و ينوي بصلاته الأداء في جميع الصور.

المسألة 1318

صلاة الآيات ركعتان، تشتمل كل ركعة منهما على خمس قراءات و خمسة ركوعات و سجدتين، على التفصيل الذي يأتي بيانه.

و يعتبر في هذه الصلاة جميع ما يعتبر في الصلاة اليومية من شرائط، و أفعال و أذكار، و يثبت فيها جميع ما يثبت في اليومية من مستحبات و مكروهات، على المناهج التي تقدم تفصيلها و لا أذان فيها و لا إقامة.

المسألة 1319

تجب صلاة الآيات كلما تجدد حدوث أحد الأسباب التي تقدم ذكرها، فإذا تعدد حدوث السبب تعدد على المكلف وجوب الصلاة، سواء كان من نوع واحد أم من أنواع متعددة، و سواء تقارن حدوث الأسباب في الزمان أم اختلف، فإذا اتفق حدوث الريح المخوفة مثلا و الزلزلة، و أحد الكسوفين في وقت واحد وجبت الصلاة على المكلف ثلاث مرات، لكل واحد من الأسباب المذكورة مرة. و كذلك إذا حدثت في أوقات متعددة

كلمة التقوى، ج 1، ص: 654

و ان كانت من نوع واحد كما إذا حدثت عدة زلازل أو صواعق في فترات متفرقة.

المسألة 1320

إذا تعدد السبب و كان من نوع واحد، لم يفتقر المكلف في صلواته الى التعيين في النية، فإذا حدثت الزلزلة مثلا مرارا في أوقات متعددة كفاه أن يأتي بصلاة الآيات بعدد ما حدث من مرات الزلزلة، بقصد السبب المذكور و لم يجب عليه أن يقصد أن صلاته للمرة الأولى أو الثانية من الزلزلة، و كذلك إذا تعدد حدوث الخسوف.

و إذا تعدد النوع فالأحوط لزوما أن يعين السبب في النية فإذا حدث الخسوف و الزلزلة في وقت واحد، فعليه أن يعين في النية السبب الذي صلى من أجله.

المسألة 1321

المخوف السماوي عنوان واحد يشمل جميع أنواع المخوفات كالصاعقة و الريح و الظلمة، فإذا تعدد السبب منه كفى المكلف أن يأتي بصلاة الآيات بعدد ما حدث من الأسباب و ينوي في كل واحدة منها الصلاة للمخوف السماوي و لم يفتقر الى تعيين السبب المخصوص منها.

المسألة 1322

كيفية صلاة الآيات: أن ينوي المكلف الصلاة، على النهج المتقدم متقربا بها الى اللّه، و يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يقرأ الفاتحة و يقرأ بعدها سورة، ثم يركع الركوع الأول، فإذا أتم الذكر رفع رأسه من الركوع، و قرأ الفاتحة و سورة، و ركع بعدهما الركوع الثاني، فإذا رفع رأسه منه قرأ الفاتحة و سورة و ركع الركوع الثالث، ثم رفع رأسه بعد الركوع، و قرأ الفاتحة و سورة و ركع الركوع الرابع، ثم رفع رأسه و قرأ الفاتحة و سورة للمرة الخامسة و ركع بعدهما الركوع الخامس، فإذا رفع رأسه من ركوعه هوى إلى الأرض و سجد السجدتين، ثم قام للركعة الثانية و صنع فيها مثل ما صنع في الركعة الأولى، فإذا أتم الركوع الخامس في هذه الركعة و هو الركوع العاشر في صلاته هوى إلى الأرض

كلمة التقوى، ج 1، ص: 655

و سجد السجدتين، ثم أتى بعدهما بالتشهد و التسليم، و يأتي بالأذكار في الركوع و السجود و التشهد و التسليم كما في الصلاة اليومية، و يصح أن تكون السورة التي يأتي بها واحدة، فيقرأها بعد الفاتحة في كل قيام، و يصح أن تكون متغايرة.

المسألة 1323

يجوز للمكلف أن يقرأ بعد الفاتحة في قيامه الأول بعضا من سورة ثم يركع فإذا رفع رأسه من الركوع وجب أن يقرأ من موضع قطعه من السورة نفسها، و لم يجز له أن يقرأ الفاتحة، و تخير بين أن يقرأ بعض السورة و أن يتمها ثم يركع، فإذا رفع رأسه من الركوع فان كان لم يتم السورة وجب عليه أن يقرأ من موضع قطعه منها و لا يقرأ الفاتحة كما تقدم في القيام السابق، و ان كان قد أتم

السورة وجب عليه أن يقرأ الفاتحة و تخير بعدها بين أن يقرأ سورة تامة أو بعض سورة ثم يركع، و هكذا حتى يتم الركوعات الخمسة، فكلما كان ركوعه عن بعض سورة يتحتم عليه بعد ذلك الركوع أن يقرأ من موضع قطعه من السورة المتقدمة، و لا يشرع له أن يقرأ قبله الفاتحة، و إذا كان ركوعه بعد إتمام سورة يتحتم عليه بعد ذلك الركوع أن يقرأ الفاتحة و يقرأ بعدها سورة تامة أو بعض سورة، و كذلك الحكم في الركعة الثانية.

و إذا اختار تبعيض السورة، فلا بد له و أن يتم سورة كاملة في كل ركعة من صلاته و له أن يزيد على السورة.

و إذا ركع الركوع الخامس عن بعض سورة ثم هوى إلى السجود، وجب عليه إذا قام للركعة الثانية أن يقرأ الفاتحة ثم يقرأ من موضع قطعه من السورة المتقدمة، و لا بد أن يقرأ في الركعة سورة تامة غير ذلك كما ذكرنا.

و نتيجة لما تقدم فيجوز للمكلف أن يقرأ الفاتحة و سورة تامة في كل قيام من صلاته و ان يختار تبعيض السورة في كل قيام منها على الوجه الذي تقدم بيانه، و ان يختار إتمام السورة في بعض قياماته و التبعيض في بعضها مع مراعاة الأحكام السابقة.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 656

المسألة 1324

يستحب التكبير لكل واحد من الركوعات، و لرفع الرأس منه، الا الركوع الخامس و الركوع العاشر، فيستحب بعد رفع الرأس منهما أن يقول: سمع اللّه لمن حمده.

المسألة 1325

يستحب القنوت في صلاة الآيات خمس مرات، قبل الركوع الثاني، و الرابع، و قبل السادس، و الثامن، و العاشر، و دون ذلك في الاستحباب أن يقنت قبل الركوع الخامس، و العاشر، و يأتي بالأول منهما برجاء المطلوبية، و أدنى من ذلك في الفضل أن يقنت قبل الركوع العاشر فقط.

المسألة 1326

يستحب الجهر بالقراءة في صلاة الآيات، سواء كانت الآية في الليل أم في النهار، حتى في كسوف الشمس على الأصح.

المسألة 1327

يستحب الإتيان بها جماعة، سواء كانت لكسوف أحد النيرين أم لغيرهما، و سواء احترق القرص كله في الكسوفين أم لا، و يتأكد استحباب الجماعة فيها مع احتراق القرص.

المسألة 1328

يستحب التطويل في صلاة الآيات و خصوصا في كسوف الشمس، حتى للإمام في صلاة الجماعة.

المسألة 1329

يستحب أن يقرأ فيها بالسور الطوال، كسورة الحجر، و الكهف، و الأنبياء، و سورة النور، و الروم، إذا اتسع الوقت لذلك، و يستحب أن يكون كل من قنوته و ركوعه و سجوده بمقدار قراءته في الطول، و يستحب أن يختار إكمال السورة في كل قيام على التبعيض فيها و التفريق.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 657

المسألة 1330

يستحب الفزع فيها الى المساجد و أن تصلى تحت السماء.

المسألة 1331

إذا علم المكلف بكسوف أحد النيرين في وقته، و لم يصل صلاة الآيات حتى انجلى القرص وجب عليه قضاء الصلاة، سواء احترق القرص كله أم لا، و سواء كان عامدا في ترك الصلاة أم ناسيا لها، أم جاهلا بالحكم، و أثم إذا كان عامدا.

و إذا لم يعلم بالكسوف أو الخسوف حتى انجلى القرص ثم علم به بعد ذلك، فان احترق القرص كله وجب عليه قضاء الصلاة، و ان لم يحترق كله لم يجب قضاؤها، و كذلك إذا شك في احتراق القرص كله و عدمه، فلا يجب عليه القضاء، إلا إذا ثبت بطريق شرعي كالبينة و قد تقدم بيان الحكم في سائر الآيات غير الكسوفين، في المسألة 1317 فلتراجع.

المسألة 1332

إذا علم المكلف بكسوف أحد النيرين في وقته و ترك الصلاة متعمدا حتى انجلى القرص، و قد احترق القرص كله، فالأحوط لزوم الغسل عليه بل لا يخلو من قوة، و قد ذكرنا ذلك في الفصل الأربعين من كتاب الطهارة، و الأحوط أن يأتي بقضاء الصلاة بعد الغسل، و قبل أن يحدث.

المسألة 1333

إذا علم بحدوث الآية فصلى في الوقت ثم تبين له فساد صلاته وجبت عليه إعادة الصلاة إذا كان لا يزال في الوقت، و وجب عليه قضاؤها إذا كان بعد خروج الوقت و لا فرق في ذلك بين الكسوفين و الزلزلة و سائر الآيات المخوفة.

المسألة 1334

لا يجب على المرأة الحائض أو النفساء أداء صلاة الآيات إذا اتفق

كلمة التقوى، ج 1، ص: 658

حدوث سببها في أيام حيض المرأة أو نفاسها، و الأحوط لزوم القضاء عليهما بعد الطهر.

المسألة 1335

يثبت الكسوف و الخسوف و غيرهما من الآيات التي تجب لها الصلاة بالعلم، و بشهادة العدلين، و تترتب مع شهادة البينة جميع الأحكام المتقدمة، فيجب على المكلف قضاء الصلاة و ان لم يحترق القرص إذا شهدت له البينة بذلك و لم يصل في الوقت، و يجب عليه القضاء إذا شهدت البينة بالكسوف و احتراق القرص و ان كانت شهادتها بعد الوقت، و يلزمه الاحتياط بالغسل إذا شهدت البينة في الوقت بالكسوف و احتراق القرص ففرط و لم يصل الفريضة حتى خرج الوقت، و كذلك إذا شهدت البينة في الوقت بالكسوف و لم تشهد بالاحتراق ففرط و لم يصل ثم علم بعد الوقت باحتراق القرص فيلزمه الاحتياط بالغسل.

المسألة 1336

لا يثبت الكسوف و لا سائر الآيات بشهادة عادل واحد، و لا بقول الفلكي، و الرصدي إذا لم يوجب قولهم الاطمئنان بحدوث الآية، فإذا أوجب الاطمئنان بحدوثها فلا يترك الاحتياط بترتيب الآثار.

المسألة 1337

إذا شهد عند المكلف جماعة لا تتوفر فيهم شروط البينة بحدوث الكسوف أو الخسوف، فلم يصل صلاة الآيات، ثم تبين له بعد مضي الوقت انهم صادقون في قولهم لم يجب عليه قضاء الصلاة إلا مع احتراق القرص و ان كان الأحوط استحبابا القضاء.

و كذلك إذا شهد بحدوث الآية شاهدان يجهل حالهما ثم علم بعد الوقت انهما عادلان فلا يجب عليه قضاء الصلاة و ان كان أحوط.

المسألة 1338

إذا حدثت الآية في بلد وجبت الصلاة على من في ذلك البلد ممن تجتمع فيه الشرائط المتقدمة، و على أهل المواضع التي تشترك معهم

كلمة التقوى، ج 1، ص: 659

في رؤية الآية نوعا، و ان فصل ما بين الموضعين نهر، كدجلة و الفرات مثلا، و لا تجب الصلاة على غيرهم ممن لا يشترك معهم في رؤية الآية نوعا و ان كان قريبا، أو كان البلد عظيما جدا بحيث إذا وقعت الهدة أو الصاعقة مثلا في طرف منه لا تحصل رؤيتها لأهل الطرف الآخر من البلد للبعد ما بين الموضعين و ان كان البلد واحدا.

المسألة 1339

إذا صلى المكلف صلاة الآيات جماعة لحقته أحكام صلاة الجماعة المتقدم ذكرها في الصلاة اليومية، فيتحمل الإمام القراءة عن المأموم فيها، و لا يتحمل عنه غيرها من أقوال الصلاة و أفعالها كما في اليومية، و تجب على المأموم فيها متابعة الإمام في أفعال الصلاة، و الأحوط استحبابا أن يتابعه في الأقوال.

المسألة 1340

تدرك الجماعة فيها بإدراك الإمام قبل الركوع الأول أو في أثنائه من الركعة الأولى أو الركعة الثانية، و الأحوط أن لا يدخل مع الإمام في الركعة إذا فاته الركوع الأول منها، فإذا فاته الركوع الأول من الركعة الأولى صبر الى أن يقوم الإمام إلى الركعة الثانية فيدخل معه و يدرك ركعة واحدة و يتم الثانية منفردا، و إذا فاته الركوع الأول من الركعة الثانية صلى منفردا.

المسألة 1341

تجري في صلاة الآيات أحكام الخلل التي ذكرناها في الصلاة اليومية، فيبطلها الإخلال بكل شي ء تبطل به الصلاة اليومية، و تصح في كل مورد يحكم بالصحة إذا وقع في اليومية، و ركوعاتها أركان فتبطل الصلاة بالزيادة فيها أو النقصان، سواء وقع عمدا أم سهوا و يجب سجود السهو فيها في المواضع التي يجب السجود لها في الصلاة اليومية.

المسألة 1342

صلاة الآيات ثنائية العدد كما قلنا سابقا، فإذا وقع شك في عدد

كلمة التقوى، ج 1، ص: 660

ركعاتها بطلت الصلاة، و إذا شك في شي ء من ركوعاتها أو في فعل من أفعالها جرى فيه حكم الشك في أفعال الصلاة اليومية فيجب عليه الإتيان بالشي ء المشكوك فيه إذا كان الشك فيه قبل التجاوز عن محله، و يجب عليه البناء على وقوع الشي ء إذا كان الشك فيه بعد التجاوز عنه و الدخول في غيره على التفصيل المتقدم في مباحث الشك.

المسألة 1343

إذا وجبت صلاة الآيات في وقت الصلاة اليومية و كان الوقت يتسع لهما معا تخير المكلف في تقديم أيتهما أراد، الا أن يخاف فوت وقت الفضيلة للصلاة اليومية فيكون الأفضل له تقديمها.

و إذا تضيق وقت إحداهما دون الأخرى وجب عليه أن يقدم الصلاة التي ضاق وقتها و يؤخر الأخرى، و إذا ضاق وقتهما معا، وجب عليه أن يقدم الصلاة اليومية ثم يأتي بصلاة الآيات قضاء.

المسألة 1344

إذا ظن سعة الوقت للفريضتين فشرع في صلاة الآيات ثم تبين له في أثنائها تضيق وقت الصلاة اليومية، وجب عليه ان يقطع صلاة الآيات و يصلي اليومية، فإذا أتمها، عاد إلى صلاة الآيات من حيث قطعها فأتمها و كانت صحيحة، و لا يبطلها وقوع الصلاة اليومية في أثنائها، فلا يجب عليه استينافها إلا إذا وقع فيها أحد المبطلات الأخرى.

و إذا شرع في صلاة اليومية ثم تبين له في أثنائها تضيق وقت صلاة الآيات، قطع اليومية، و صلى صلاة الآيات، ثم استأنف الصلاة اليومية من أولها على الأحوط.

المسألة 1345

إذا فرغ من صلاة الآيات قبل أن ينجلي القرص، استحب له أن يعيد الصلاة أو يجلس في مصلاه مشغولا بالذكر و الدعاء حتى يتم الانجلاء.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 661

الفصل السادس و الأربعون في صلاة العيدين
اشارة

من ينظر في أدلة صلاة الجمعة نظرة موضوعية مستوعبة، يتضح له عظم خطر هذه الفريضة في الإسلام، و كبير أثرها في بناء مجتمعة، و شده بأصول الإسلام و فروعه، بل و كبير أثرها في بناء العقيدة و ترسيخها، و تهذيب المجتمع و توجيهه في سلوكه الفردي و الاجتماعي.

و من أجل ذلك كانت صلاة الجمعة في أصلها وظيفة خاصة من وظائف المعصوم (ع) الرئيس الأعلى في الإسلام عند بسط يده و التمكين له في الأرض، فلا يقيمها في تلك الحال الا هو، أو من يخوله هو هذا الحق من الأكفاء، لتشد الرعية بالراعي و المأمومون بالإمام، و ليمدوا بالمد الدائب الواعي، المتصل بمنبع الحق و الهدى و الاهتداء.

و في حال غيبة ولي الحق (ع) أو حال عدم البسط له في أيام ظهوره، لا يبعد حكم هذه الفريضة عن هذه الدائرة أيضا، فلا تقام صلاة الجمعة بين المسلمين الا على ضوء رشده و تحديده من حيث أن الامام المعصوم (ع) بعد الرسول (ص) هو ولي التشريع في الإسلام و؟؟ القائم؟؟

على حفظه، و قد تظافرت الأدلة على وجوب إقامتها و الحث عليها و التحذير من تركها.

المسألة 1346

الظاهر وجوب إقامة صلاة الجمعة على الفقيه العادل حين يجتمع له العدد و الأمن من الخوف، و تتوفر بقية الشروط المعتبرة في هذه الصلاة، كما أن الظاهر وجوب السعي إليها من المكلفين إذا أقامها الفقيه العادل، الا من استثني منهم، كالمسافر، و المريض، و الشيخ الكبير و الأعمى، و من بعد عن موضع إقامتها بفرسخين، و سائر من دلت النصوص على استثنائه. و لم نتعرض هنا للأحكام المتعلقة بصلاة الجمعة، حذرا من التطويل.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 662

المسألة 1347

شأن صلاة العيدين في جميع ما ذكرناه شأن صلاة الجمعة، فهي حق خالص للمعصوم (ع) أيام حضوره و بسط يده، فلا يقيمها غيره الا بأمره، و الظاهر وجوبها مع الفقيه العادل إذا اجتمعت له الشرائط في حال غيبة المعصوم (ع) كما تقدم في صلاة الجمعة.

المسألة 1348

إذا لم تجتمع شرائط الوجوب لصلاة العيدين كانت مستحبة، فيستحب أن يأتي بها المكلفون جماعة، و يصح أن يصليها المكلف منفردا.

المسألة 1349

وقت صلاة العيدين من أول طلوع الشمس في صباح يوم الفطر أو يوم الأضحى إلى زوال الشمس من ذلك اليوم، و في بعض النصوص الواردة في ذلك: انه يستحب أن يكون الخروج الى المصلى بعد طلوع الشمس، و ان هذا كان دأب الرسول (ص) و من تمكن من إقامتها من خلفائه المعصومين (ع).

المسألة 1350

لا أذان و لا اقامة في صلاة العيدين، و قد ورد أن أذانهما طلوع الشمس فإذا طلعت الشمس خرج الناس الى الصلاة، و ورد أيضا أن يقول المؤذن: (الصلاة) ثلاث مرات.

المسألة 1351

صلاة العيد ركعتان تشتمل الركعة الأولى منهما بعد القراءة على خمس تكبيرات و خمسة قنوتات، يقنت مرة بعد كل تكبيرة منها، ثم يركع بعد القنوت الخامس و يسجد السجدتين، و تشتمل الركعة الثانية بعد القراءة على أربع تكبيرات و أربعة قنوتات يقنت بعد كل تكبيرة كذلك ثم يركع و يسجد السجدتين و يتم الصلاة. و شرائط هذه الصلاة و أفعالها و أذكارها هي شرائط الصلاة اليومية و أفعالها و أذكارها و هي على نهجها كذلك في المستحبات و المكروهات.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 663

المسألة 1352

يكفي في نيتها أن يقصد المكلف الإتيان بصلاة العيد امتثالا لأمر اللّه المتوجه اليه بها، و لا يفتقر فيها الى تعيين أنها صلاة الفطر، أو الأضحى، و لا حاجة الى أن يقصد بها الندب أو الوجوب، حتى إذا كانت مع الفقيه العادل، فإنها عند اجتماع الشرائط فيها يتعين فيها الوجوب، و مع فقد بعض الشروط يتعين فيها الاستحباب، فهي لا تحتاج الى التعيين على كلا التقديرين.

المسألة 1353

كيفية صلاة العيد: أن ينوي الإنسان الصلاة كما تقدم و يكبر للإحرام، ثم يقرأ الحمد و سورة، فإذا أتم القراءة كبر ثم قنت، و أتى في قنوته بما تيسر له من دعاء أو ذكر، و أفضله أن يأتي ببعض المأثور، ثم كبر التكبيرة الثانية و قنت بعدها القنوت الثاني، ثم كبر الثالثة و أتى بعدها بالقنوت الثالث، ثم التكبيرة الرابعة و القنوت الرابع، ثم أتى بالتكبيرة الخامسة و القنوت الخامس، فإذا أتمه كبر للركوع ثم ركع، فإذا رفع رأسه من الركوع هوى إلى الأرض فسجد السجدتين، ثم قام بعدهما للركعة الثانية، فقرأ الحمد و سورة، ثم كبر بعدها و قنت ثم كبر و قنت حتى يتم التكبير و القنوت أربع مرات، ثم ركع و سجد السجدتين و تشهد و سلم.

و التكبيرات و القنوتات المذكورة واجبة على الظاهر في صلاة العيد، فتبطل الصلاة إذا تعمد تركها أو ترك شيئا منها، و لا يجوز الإخلال بها إذا كانت الصلاة واجبة.

المسألة 1354

لا تتعين على المكلف في صلاة العيد قراءة سورة خاصة، فتجزيه بعد الفاتحة قراءة أية سورة أراد من القرآن، كما ذكرنا. نعم يستحب له أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد سورة الأعلى، و أن يقرأ في الركعة الثانية بعد الحمد سورة الشمس، أو يقرأ في الأولى سورة الشمس و في الثانية سورة الغاشية.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 664

المسألة 1355

يستحب أن يأتي في كل من قنوتاته بالأدعية و الأذكار المأثورة عن المعصومين (ع) و هي كثيرة. و مما ورد عنهم (ع) أن يقول في كل قنوت: (اللهم أهل الكبرياء و العظمة، و أهل الجود و الجبروت، و أهل العفو الرحمة، و أهل التقوى و المغفرة، أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا، و لمحمد صلى اللّه عليه و آله ذخرا و مزيدا، أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا و آل محمد، و أن تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا و آل محمد، صلواتك عليه و عليهم أجمعين، اللهم إني أسألك خير ما سألك عبادك الصالحون، و أعوذ بك مما استعاذ منه عبادك المخلصون).

المسألة 1356

يستحب الغسل قبل الصلاة و التطيب، و لبس الثياب النظيفة، و أن يجهر بالقراءة، سواء كان إماما أم منفردا، و أن يرفع يديه في جميع التكبيرات كما يرفعهما في تكبير الصلاة اليومية، و أن يكون سجوده على الأرض دون غيرها مما يصح السجود عليه، و يستحب الإصحار بهذه الصلاة إذا صليت جماعة إلا إذا كانت في مكة فإنه يستحب أن يؤتى بها في المسجد الحرام، و أن يعتم بعمامة بيضاء، و أن يخرج إلى الصلاة ماشيا على قدميه حافيا، على سكينة و وقار، و أن يشمر ثيابه و سراويله الى نصف الساق.

المسألة 1357

يكره التنفل قبل صلاة العيد و بعدها الى الزوال، حتى قضاء النافلة الفائتة فإذا أراد قضاءها أخره الى ما بعد الزوال، و يستثنى من ذلك صلاة ركعتين في مسجد الرسول (ص) قبل الخروج إلى صلاة العيد، فقد ورد استحبابها و أنها من فعل الرسول (ص)، و يكره الخروج إلى صلاة العيد مع السلاح الا عند الخوف، و يكره نقل المنبر الى موضع الصلاة، فإذا احتاج الإمام إلى المنبر صنع له ما يشبه المنبر من الطين أو غيره ليخطب عليه، و يكره أن تصلى صلاة العيد تحت سقف.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 665

المسألة 1358

حكم الجماعة في صلاة العيد هو حكمها في الصلاة اليومية، فتسقط القراءة فيها عن المأموم، و يتحملها عنه الامام سواء كانت الجماعة فيها واجبة أم مستحبة، و لا يتحمل الامام غير القراءة من التكبيرات و القنوتات و الأذكار و الافعال، و تجب على المأموم متابعة الإمام.

المسألة 1359

إذا فاته بعض التكبيرات في صلاة الجماعة، كبر للإحرام و دخل مع الامام و تابعه في ما أدركه معه من التكبيرات و القنوتات ثم أتى بالبقية مخففة و لحق بالإمام في الركوع، و يكفيه أن يكبر ثم يقول سبحان اللّه و الحمد للّه ثم يكبر الثانية و يكرر الذكر، و هكذا حتى يتم العدد الذي فاته منها، و إذا لم يمهله الإمام أتمها مخففة و لحقه و لو في السجود، سواء كانت الجماعة واجبة أم مستحبة، على الأقوى.

المسألة 1360

لا تبطل صلاة العيد إذا سها المكلف فيها، فترك القراءة أو ترك بعضها، أو ترك التكبيرات أو القنوتات أو ترك شيئا منها، و لم يتذكر حتى دخل في الركوع، فيتم ركوعه و صلاته و لا شي ء عليه، و إذا تذكر ذلك قبل أن يدخل في الركوع أتى بالشي ء الذي تركه و بما بعده ثم ركع و أتم الصلاة، و إذا ترك تكبيرة الإحرام أو الركوع أو السجدتين ساهيا، و لم يتذكر حتى دخل في الركن بعده بطلت صلاته.

المسألة 1361

إذا شك في شي ء من التكبيرات أو القنوتات أو الأجزاء الأخرى من صلاة العيد، و كان في المحل وجب عليه أن يأتي بالشي ء الذي شك فيه، و إذا شك فيه بعد ما تجاوز محله و دخل في غيره لم يلتفت الى شكه و مضى في صلاته.

المسألة 1362

لا تقضى صلاة العيد إذا فاتت المكلف فلم يصلها حتى زالت الشمس من يوم العيد، سواء كانت واجبة أم مستحبة، و سواء تركها عامدا

كلمة التقوى، ج 1، ص: 666

أم ساهيا، و ان كان عاصيا و آثما إذا تركها عامدا في وقت وجوبها.

نعم ورد في بعض النصوص إذا ثبتت رؤية الهلال بعد زوال الشمس أفطر الناس ليؤمهم و أخروا الصلاة الى الغد، فلا بأس بالإتيان بصلاة العيد قضاء في مثل هذا الفرض برجاء المطلوبية.

المسألة 1363

إذا نسي سجدة واحدة أو نسي تشهدا من صلاة العيد و لم يتذكر حتى فات موضع تدارك الشي ء المنسي وجب عليه أن يقضيه بعد التسليم، و إذا أتى فيها بما يوجب سجود السهو وجب عليه أن يسجد للسهو إذا كانت صلاة العيد واجبة عليه، و كذلك إذا كانت مستحبة على الأحوط لزوما في كل من قضاء الجزء المنسي و سجود السهو.

المسألة 1364

إذا اتفق العيد و الجمعة في يوم واحد و قد اجتمعت شرائط الوجوب فيهما، فإذا حضر صلاة العيد من كان نائيا عن البلد تخير بين أن يحضر الجمعة أو يرجع الى أهله، و ينبغي للإمام أن يعلم الناس بذلك في خطبة العيد.

المسألة 1365

يستحب التكبير في الفطر بعد أربع صلوات، أولاها صلاة المغرب من ليلة الفطر، و أخيرتها صلاة العيد، فإذا أتم الصلاة قال: (اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر، و للّه الحمد، اللّه أكبر على ما هدانا، و الحمد للّه على ما أبلانا).

و يستحب التكبير في الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة إذا كان في منى، أولاها ظهر يوم النحر، و أخيرتها صلاة الصبح في اليوم الثالث عشر، و إذا كان في بقية الأمصار كبر عقيب عشر صلوات، أولاها ظهر يوم النحر و أخيرتها صلاة الصبح من اليوم الثاني عشر، فيأتي بالتكبير المتقدم و يزيد في آخره (و اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام).

و قد وردت في هذا التكبير نصوص متعددة، فيجزيه أن يأتي بواحدة من الصور المنصوصة، و ما ذكرناه واحدة منها.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 667

الفصل السابع و الأربعون في بعض الصلوات المندوبة
المسألة 1366

من أهم ما ورد الحث عليه في أخبار أهل البيت (ع) و تظافرت فيه أحاديثهم، بل أطبقت عليه أحاديث الخاصة و العامة من المسلمين:

صلاة جعفر، و تسمى أيضا صلاة التسبيح، و صلاة الحبوة، لقول الرسول (ص) لجعفر بن أبي طالب لما أراد أن يعلمه إياها: الا أمنحك الا أعطيك، الا أحبوك، و قد وعد في الحديث فاعلها و المواظب على الإتيان بها بالأجر الكبير، و العطاء الوفير.

و هي أربع ركعات بتسليمتين، يقرأ في كل ركعة منها، فاتحة الكتاب و سورة، ثم يقول: (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر) خمس عشرة مرة، ثم يركع، و يقولها في ركوعه عشر مرات، ثم يرفع رأسه من الركوع و يقولها و هو منتصب، عشر مرات، ثم يهوي الى السجود و

يقولها في السجدة الأولى عشر مرات، فإذا جلس بين السجدتين قالها عشر مرات، ثم سجد الثانية و قالها في السجود عشر مرات، فإذا رفع رأسه من السجدة قالها و هو جالس عشر مرات، ثم قام للركعة الثانية و قرأ فاتحة الكتاب و سورة، ثم أتى بالتسبيحات المذكورة خمس عشرة مرة، ثم قنت و دعا في قنوته بما تيسر، و ركع بعد القنوت، و أتى في ركوعه بالتسبيحات عشر مرات، و صنع بعد قيامه من الركوع، و في سجوده، و بين السجدتين كما صنع في الركعة الأولى، حتى يجلس من السجدة الثانية فيأتي بالتسبيحات عشر مرات، ثم يتشهد و يسلم، ثم قام للركعتين الأخيرتين و كبر للإحرام و صنع في الركعتين كما صنع في الركعتين السابقتين حتى يتمهما بالتشهد و التسليم، فيكون قد أتى في مجموع صلاته بالتسبيحات الأربع ثلاثمائة مرة، في كل ركعة منها خمس و سبعون مرة.

المسألة 1367

ليس لصلاة جعفر وقت معين تختص به، فيجوز للمكلف أن يأتي

كلمة التقوى، ج 1، ص: 668

بها في أي وقت شاء من ليل أو نهار في السفر و في الحضر، و ورد أن أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة و قد أمر الإمام الرضا (ع) بالتطوع بها في ليلة النصف من شعبان، و في حديث رجاء بن أبي الضحاك انه (ع) كان يصلي في آخر الليل أربع ركعات بصلاة جعفر، و يحتسب بها من صلاة الليل، فمن الراجح أن يأتي بها الإنسان في هذه الأوقات.

المسألة 1368

يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى منها بعد الحمد سورة الزلزال، و في الركعة الثانية سورة العاديات، و في الركعة الثالثة سورة النصر، و في الرابعة سورة التوحيد.

و ورد أيضا أن يقرأ في الأولى سورة الزلزال و في الثانية سورة النصر و في الثالثة سورة القدر و في الرابعة سورة التوحيد. و ورد كذلك أن يقرأ فيها بقل هو اللّه أحد و قل يا أيها الكافرون.

المسألة 1369

يجوز للمكلف أن يأتي بصلاة جعفر فيحتسبها من نوافل الليل أو من نوافل النهار، و المراد أن تتداخل النافلتان، فينوي بالصلاة التي يأتي بها نافلة المغرب مثلا و صلاة جعفر فيكون بذلك مؤديا لكلتا الوظيفتين و يحصل على ثوابهما معا و قد تقدم ان الامام الرضا (ع) كان يفعل ذلك في أربع ركعات من صلاة الليل.

المسألة 1370

يجوز للمكلف أن يصلي ركعتين من صلاة جعفر حتى يسلم، فإذا أعجله أمر لا بد له منه انصرف اليه، فإذا قضي الأمر رجع فأتم الصلاة، و لم يحتج الى استيناف الصلاة من أولها.

المسألة 1371

يجوز له إذا كان مستعجلا أن يأتي بصلاة جعفر مجردة عن التسبيح، ثم يأتي بالتسبيح بعدها ثلاثمائة مرة و هو ذاهب الى حاجته و كذلك إذا كان عاجزا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 669

المسألة 1372

القنوت في صلاة جعفر كالقنوت في سائر الصلوات و النوافل فيؤتى به في الركعة الثانية بعد القراءة و التسبيح و قبل الركوع في كلتا الصلاتين.

المسألة 1373

الأحوط أن يأتي بذكر الركوع أو السجود قبل التسبيحات أو بعدها و لا يكتفي بالتسبيحات عن الذكر، و يأتي به بقصد القربة المطلقة، كما لا تسقط الأذكار الأخرى الموظفة في الصلاة.

المسألة 1374

إذا ترك التسبيحات ساهيا في بعض المواضع أو ترك بعضها و تذكر و قد دخل في موضع آخر، أتى فيه بالوظيفتين الفائتة و الحاضرة، فإذا نسي التسبيحات في الركوع مثلا و تذكرها بعد رفع الرأس منه، أتى في حال انتصابه من الركوع بالتسبيحات عشرين مرة، و إذا نسي التسبيحات بعد القراءة و تذكرها في الركوع، أتى بها في ركوعه خمسا و عشرين مرة، و هكذا إذا نسيها و لم يتذكر إلا في السجود أو بين السجدتين، و إذا تذكرها بعد الفراغ من الصلاة أتى بما فاته، برجاء المطلوبية.

المسألة 1375

يستحب له في السجدة الثانية من الركعة الرابعة أن يقول بعد فراغه من التسبيح: (سبحان من لبس العز و الوقار، سبحان من تعطف بالمجد و تكرم به، سبحان من لا ينبغي التسبيح الا له، سبحان من أحصى كل شي ء علمه، سبحان ذي المن و النعم، سبحان ذي القدرة و الكرم، اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك و منتهى الرحمة من كتابك، و اسمك الأعظم و كلماتك التامة التي تمت صدقا و عدلا، صل على محمد و أهل بيته و افعل بي كذا و كذا) و يذكر حاجته، و قد روي الدعاء بلفظ آخر فيجوز بكل منهما.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 670

صلاة الغفيلة و الوصية
المسألة 1376

تقدم في الفصل الأول في أعداد الصلاة، في المسألة الرابعة: استحباب صلاة الغفيلة بين العشاءين، و في الحديث عن الرسول (ص): تنفلوا في ساعة الغفلة و لو بركعتين خفيفتين فإنهما تورثان دار الكرامة، و عن أبي عبد اللّه (ع): من صلى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الأولى: الحمد، و ذا النون إذ ذهب مغاضبا، الى قوله، و كذلك ننجي المؤمنين، و في الثانية: الحمد و قوله و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو، الى آخر الآية، فإذا فرغ من القراءة رفع يديه و قال، (اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد و آل محمد و ان تفعل بي كذا و كذا، اللهم أنت ولي نعمتي و القادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحق محمد و آله لما قضيتها لي) و سأل اللّه حاجته أعطاه اللّه ما سأل، و قد تقدم ذكر هذه الصلاة هناك.

المسألة 1377

الركعتان المذكورتان ليستا من نافلة المغرب، فالأفضل الإتيان بهما بعدها و لا موجب لجعلهما من النافلة.

المسألة 1378

ذكرنا في المسألة الخامسة استحباب صلاة الوصية بين العشاءين أيضا، و في الحديث عن الامام الصادق (ع) عن أبيه عن آبائه (ع) عن رسول اللّه (ص) انه قال: (أوصيكم بركعتين بين العشاءين، يقرأ في الأولى الحمد و إذا زلزلت الأرض ثلاث عشرة مرة. و في الثانية الحمد مرة و قل هو اللّه أحد خمس عشرة مرة، فإن فعل ذلك في كل شهر كان من المؤمنين، فإن فعل ذلك في كل سنة مرة كان من المحسنين، فان فعل ذلك في كل جمعة مرة كان من المخلصين، فان فعل ذلك في كل ليلة زاحمني في الجنة، و لم يحص ثوابه الا اللّه تعالى) و الشأن في هاتين الركعتين شأن الصلاة المتقدم ذكرها فهي صلاة مستقلة عن نافلة المغرب.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 671

صلاة يوم الغدير
المسألة 1379

مما ورد الأمر به صلاة يوم الغدير، و هو اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة، اليوم الذي نص فيه رسول اللّه (ص) بالإمامة و الخلافة من بعده على أمير المؤمنين علي (ع)، و أمر المسلمين بمبايعته و التسليم عليه بالخلافة.

و هي ركعتان يقرأ فيهما: فاتحة الكتاب، ثم سورة التوحيد عشر مرات، ثم يقرأ آية الكرسي عشر مرات، ثم يقرأ سورة القدر عشر مرات، ثم يركع و يسجد، و يقوم للركعة الثانية و يقرأ فيها كما قرأ في الركعة الأولى، ثم يقنت و يركع، و يتم الصلاة، و ورد في الرواية أن وقت هذه الصلاة قبل أن تزول الشمس بنصف ساعة.

المسألة 1380

لا يجوز أن يؤتى بهذه الصلاة جماعة على الأقوى، و قد ذكرنا ذلك في مبحث صلاة الجماعة، في المسألة (1032). و إذا فاتته هذه الصلاة و أراد قضاءها كما ورد في هذه الرواية أتى به برجاء المطلوبية.

المسألة 1381

ورد الأمر كذلك بالصلاة في يوم المباهلة، و هو اليوم الرابع و العشرون من شهر ذي الحجة، و هي ركعتان كصلاة يوم الغدير، و هي نظيرتها في الكيفية و في القراءة و الوقت، فمن أراد الإتيان بها فليأت بها برجاء المطلوبية، و قد ذكر في الرواية أن قراءة آية الكرسي فيها الى قوله:

هم فيها خالدون.

صلاة أول الشهر
المسألة 1382

و صلاة أول الشهر ركعتان، ورد في الخبر أن الامام محمد بن علي الجواد (ع) كان يصليهما في أول يوم من كل شهر جديد يدخل عليه، يقرأ في الركعة الأولى: الحمد مرة، و قل هو اللّه أحد ثلاثين مرة، و في

كلمة التقوى، ج 1، ص: 672

الركعة الثانية: الحمد مرة، و انا أنزلناه في ليلة القدر ثلاثين مرة، و يتصدق بما تيسر، يشتري بذلك سلامة الشهر كله. و يستحب أن يقرأ بعد فراغه من الصلاة: (بسم اللّه الرحمن الرحيم، وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلّٰا عَلَى اللّٰهِ رِزْقُهٰا وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهٰا وَ مُسْتَوْدَعَهٰا كُلٌّ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ، بسم اللّه الرحمن الرحيم، وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللّٰهُ بِضُرٍّ فَلٰا كٰاشِفَ لَهُ إِلّٰا هُوَ، وَ إِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلٰا رَادَّ لِفَضْلِهِ، يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، بسم اللّه الرحمن الرحيم، وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللّٰهُ بِضُرٍّ فَلٰا كٰاشِفَ لَهُ إِلّٰا هُوَ، وَ إِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، بسم اللّه الرحمن الرحيم، سَيَجْعَلُ اللّٰهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً، مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لٰا قُوَّةَ إِلّٰا بِاللّٰهِ- حَسْبُنَا اللّٰهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ، لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ. رَبِّ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، رَبِّ

لٰا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوٰارِثِينَ).

و وقت هذه الصلاة هو أول يوم من الشهر، فيجوز الإتيان بها في أي جزء من أجزاء اليوم و لا تختص بوقت معين منه.

صلاة المهمات
المسألة 1383

في الخبر عن الامام الحسين بن علي (ع) انه قال: إذا كان لك مهم، فصل أربع ركعات تحسن قنوتهن و أركانهن، تقرأ في الأولى: الحمد مرة، و (حَسْبُنَا اللّٰهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ) سبع مرات، و في الثانية الحمد مرة، و قوله (مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لٰا قُوَّةَ إِلّٰا بِاللّٰهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مٰالًا وَ وَلَداً) سبع مرات، و في الثالثة الحمد مرة، و قوله (لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ) سبع مرات، و في الرابعة الحمد مرة، و قوله (وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ) سبع مرات، ثم تسأل حاجتك.

و عن أبي عبد اللّه (ع): إذا عسر عليك أمر فصل ركعتين، تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب و قل هو اللّه أحد، و انا فتحنا لك فتحا مبينا الى قوله و ينصرك اللّه نصرا عزيزا، و في الثانية فاتحة الكتاب، و قل هو اللّه أحد، و أ لم نشرح لك صدرك، و قد جرب.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 673

و عن أبي عبد اللّه (ع): من كانت له الى اللّه حاجة، فليقصد الى مسجد الكوفة، و يسبغ وضوءه و يصلي في المسجد ركعتين يقرأ في كل واحدة منهما فاتحة الكتاب و سبع سور معها، و هي المعوذتان و قل هو اللّه أحد، و قل يا أيها الكافرون، و إذا جاء نصر اللّه و الفتح، و سبح اسم ربك الأعلى و انا أنزلناه في ليلة القدر، فإذا فرغ من الركعتين و

تشهد و سلم و سأل اللّه حاجته فإنها تقضى بعون اللّه ان شاء اللّه.

و عن أمير المؤمنين (ع) انه قال: من ظلم فليتوضأ و ليصل ركعتين يطيل ركوعهما و سجودهما، فإذا سلم، قال: (اللهم اني مغلوب فانتصر) ألف مرة فإنه يعجل له النصر.

صلاة الشكر
المسألة 1384

عن أبي عبد اللّه (ع) قال في صلاة الشكر إذا أنعم اللّه عليك بنعمة فصل ركعتين تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب و قل هو اللّه أحد، و تقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب و قل يا أيها الكافرون و تقول في الركعة الأولى في ركوعك، و سجودك: الحمد للّه شكرا شكرا و حمدا، و تقول في الركعة الثانية في ركوعك و سجودك: الحمد للّه الذي استجاب دعائي و أعطاني «1» مسألتي.

صلاة ليلة الدفن
المسألة 1385

ذكرنا في المسألة السبعمائة و التاسعة و السبعين من كتاب الطهارة استحباب صلاة الهدية للميت ليلة دفنه، و قد رويت هذه الصلاة عن النبي (ص)، و هي ركعتان يقرأ في الركعة الأولى منهما الحمد و آية الكرسي، و يقرأ في الثانية الحمد و سورة القدر عشر مرات، فإذا سلم قال: (اللهم صل على محمد و آل محمد، و ابعث ثوابها الى قبر فلان).

______________________________

(1) الذكر كما جاء في الكافي الجزء الثالث- مؤسسة دار الكتب الإسلامية- طهران، الحمد لله الذي استجاب دعائي و أعطاني مسألتي.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 674

و الأحوط أن يقرأ آية الكرسي إلى قوله (هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ) و ان كان الأقوى أن آخر آية الكرسي قوله تعالى (وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).

المسألة 1386

يجوز أخذ الأجرة لهذه الصلاة، و الأولى أن يدفعها المستأجر للمصلي بقصد التبرع أو الهدية للمؤمن أو الصدقة عليه، و يصليها الأجير بقصد التبرع و الإحسان إلى الميت.

المسألة 1387

يجوز للشخص الواحد أن يأتي بصلاة الهدية أكثر من مرة واحدة لميت واحد بقصد إهداء الثواب له، و لا يجوز له أن يصليها أكثر من مرة بقصد أخذ الأجرة عليها، إلا إذا أذن له المستأجر بذلك، فيجوز له حينئذ تكرار الصلاة و أخذ الأجرة عليها بمقدار إذن المستأجر، و قد تقدم في فصل دفن الميت بعض أحكام هذه الصلاة.

صلاة تحية المسجد
المسألة 1388

إذا دخل الإنسان المسجد استحب له أن يصلي فيه ركعتين تحية للمسجد، ففي حديث أبي ذر (رض) قال دخلت على رسول اللّه (ص) و هو في المسجد جالس، فقال لي يا أبا ذر ان للمسجد تحية، قلت و ما تحيته، قال ركعتان تركعهما، و عنه (ص): لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلوا فيها ركعتين.

الفصل الثامن و الأربعون في بعض أحكام الصلاة المندوبة
المسألة 1389

الصلوات المندوبة أكثر من أن يحيط بها عد أو يستوعبها إحصاء، فالصلاة خير موضوع فمن شاء أقل و من شاء أكثر، فمنها النوافل الرواتب اليومية، و قد أشرنا إليها و الى أوقاتها في الفصلين الأولين من

كلمة التقوى، ج 1، ص: 675

كتاب الصلاة، و منها النوافل المبتدأة، و منها ذوات الأسباب و الغايات الخاصة، و منها المؤقتة بأوقات معينة، و منها المطلقة التي ليس لها وقت محدد و لا سبب مخصوص.

المسألة 1390

يجب في جميع الصلوات المندوبة أن تفرد كل ركعتين منها بتسليم، فلا تكون أقل من ركعتين و لا أكثر، عدا ما استثنى، و هما صلاة الوتر، و صلاة الأعرابي، و لا فرق في ذلك بين الرواتب اليومية و غيرها و يستحب القنوت في جميع النوافل أيضا، و موضعه هو الركعة الثانية، بعد إتمام القراءة و قبل الركوع، و يستثنى من ذلك صلاة الوتر فيستحب فيها القنوت و هي ركعة واحدة.

المسألة 1391

يجوز للمكلف أن يأتي بالصلوات المندوبة جالسا حتى في حال الاختيار، و يجوز له أن يصليها ماشيا و راكبا، و يجوز له أن يأتي بها و هو في المحمل، و ان كان الأفضل أن يأتي بها قائما مستقرا.

و إذا صلاها جالسا مع الاختيار استحب له أن يحتسب كل ركعتين جالسا بركعة واحدة قائما، فيجعل نافلة الصبح أربع ركعات من جلوس بتسليمتين، و يجعل نافلة المغرب ثماني ركعات من جلوس كل ركعتين منها بتسليم، و إذا صلى الوتر جالسا استحب له أن يأتي بالوتر مرتين كل مرة ركعة مفردة بتسليم، و إذا أراد صلاة جعفر جالسا صلاها ثماني ركعات من جلوس و أفرد كل ركعتين منها بالتسليم، و هكذا.

المسألة 1392

يجوز في المندوبات أن يصلي ركعة منها قائما و يصلي الأخرى جالسا، و بالعكس و يجوز أن يصلي بعض الركعة جالسا و بعضها قائما، فيقرأ الفاتحة و بعض السورة جالسا ثم يقوم فيتم ركعة من قيام كما يجوز له عكس ذلك، و يجوز له أن يتم القراءة جالسا ثم يقوم للركوع.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 676

المسألة 1393

إذا قرأ في النافلة و هو جالس و أبقى من السورة بعض آياتها، ثم قام و أتم قراءته و ركع قائما احتسبت له صلاة القائم في صلاته، فإذا صنع كذلك في كل ركعة أجزأته عن صلاة القائم و لم يحتج أن يحتسب كل ركعتين بركعة قائما كما ذكرنا آنفا.

المسألة 1394

الأفضل في الجلوس أن يجلس متربعا، و قد ذكروا أن من التربع أن يجلس القرفصاء، و هي أن يجلس على ألييه و قدميه و يرفع عن الأرض فخذيه و ساقيه، فإذا أراد الركوع ثنى رجليه و ركع.

و يكره الإقعاء و هو أن يعتمد على الأرض بصدر قدميه و يجلس على عقبيه أو يقعي كإقعاء الكلب.

المسألة 1395

إذا نذر نافلة الصبح أو نافلة المغرب مثلا، و كان نذره مطلقا انعقد نذره و صح له أن يأتي بها جالسا، الا أن يقصد بنذره ما هو الأفضل أو ما هو المتعارف، فيتعين عليه أن يصليها قائما.

المسألة 1396

لا تجب في الصلوات المندوبة قراءة السورة بعد الفاتحة، فيصح للمصلي أن يكتفي في نافلته بقراءة الفاتحة وحدها.

المسألة 1397

إذا كانت للنافلة كيفية مخصوصة في الشريعة، و قد عينت فيها قراءة سورة أو سور، أو آيات مخصوصة، كصلاة يوم الغدير، أو صلاة ليلة الدفن، تعين على المصلي أن يأتي بالسور و الآيات المعينة فيها، فإذا هو لم يأت بذلك عامدا لم تصح نافلته، و إذا كان ساهيا صحت نافلة مطلقة و لم تصح النافلة المعينة، فلا يستحق الأجرة المسماة عليها في مثل صلاة ليلة الدفن و عليه الإعادة إذا كان الوقت باقيا.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 677

المسألة 1398

يجوز في النافلة المطلقة أن يقرأ بعد الحمد بعض سورة أو يقرأ فيها آية واحدة أو أكثر، و يجوز أن يقرأ فيها أكثر من سورة، و يجوز له أن يقرأ فيها بسور العزائم، و يرجع في أحكام سجوده الى ما فصلناه في سجود التلاوة من مباحث السجود.

المسألة 1399

يجوز لمصلي الصلاة المندوبة أن يعدل من سورة إلى سورة أخرى، و ان تجاوز النصف منها، نعم قد يشكل الحكم بجواز العدول إذا كان من سورة التوحيد أو من سورة الجحد الى غيرهما، و الأحوط أن يأتي بالسورة التي عدل إليها بقصد القربة المطلقة.

المسألة 1400

يجوز للمصلي قطع الصلاة المندوبة حتى في حال الاختيار و لا أثم عليه في ذلك.

المسألة 1401

ذهب جماعة من الفقهاء قدس اللّه أسرارهم الى أن الصلاة المندوبة لا تبطل بزيادة الركن فيها ساهيا، و هو مشكل، فلا يترك الاحتياط بالإعادة.

المسألة 1402

إذا شك مصلي النافلة في عدد ركعاتها لم تبطل بذلك، و تخير بين البناء على الأقل و البناء على الأكثر، و إذا كان البناء على الأكثر مبطلا تعين البناء على الأقل.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 1، ص: 677

المسألة 1403

إذا نسي المصلي سجدة واحدة من نافلته أو تشهدا و لم يتذكر حتى فات موضع تدارك الجزء المنسي، فلا يترك الاحتياط بقضاء ذلك الجزء، و كذلك إذا عرض له ما يوجب سجود السهو في نافلته، فلا يترك الاحتياط بسجود السهو لذلك.

كلمة التقوى، ج 1، ص: 678

المسألة 1404

إذا شك المصلي في أجزاء النافلة و أفعالها جرى عليه حكم الشك في أفعال الفريضة، فإن كان شكه و هو لا يزال في المحل أتى بالجزء المشكوك فيه، و ان كان قد تجاوز عنه و دخل في غيره مضى في صلاته و لم يلتفت.

المسألة 1405

لا تصح صلاة الجماعة في الصلوات المندوبة حتى في صلاة الغدير كما تقدم، و يستثنى من ذلك صلاة العيدين إذا كانت مستحبة، و صلاة الاستسقاء.

المسألة 1406

ذكر جماعة ان إيقاع النافلة في المنزل أفضل من الإتيان بها في المسجد، و ما ذكروه في غاية الاشكال، و قد قلنا في المسألة المائتين و التاسعة و السبعين: المذكور في الأدلة أن الإعلان في الفرائض أفضل من السر فيها، و ان الإسرار في النوافل أفضل من العلن فيها، و ليس معنى ذلك ان صلاة النوافل في المنزل أفضل من صلاتها في المسجد، إذ من المعلوم ان السر قد يتحقق في المساجد و ان العلانية قد تكون في المنزل، فإذا صلى الإنسان الفريضة في المسجد علانية نال كلتا الخصوصيتين من الفضل في فريضته، و إذا صلاها في المسجد سرا أو صلاها في المنزل علانية نال احدى الخصوصيتين من الفضل و فاتته الأخرى.

و كذلك الأمر في النافلة، فإذا صلاها في المسجد سرا، نال كلتا الخصوصيتين من الفضل في نافلته، و إذا صلاها في المسجد علانية أو صلاها في المنزل سرا، نال احدى الخصوصيتين من الفضل فيها و فاتته الأخرى.

و الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

الجزء الثاني

تتمة العبادات

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين، الرحمن الرحيم، و أفضل صلواته و تسليماته و رحماته المباركة الدائمة على سيد خلقه و خاتم أنبيائه محمد و آله الطيبين المطهرين المنتجبين المعصومين.

رَبَّنٰا أَتْمِمْ لَنٰا نُورَنٰا وَ اغْفِرْ لَنٰا إِنَّكَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ و بعد فهذا هو القسم «1» الأول من الجزء الثالث من رسالة كلمة التقوى و هو يحتوي على كتاب الصوم، و كتاب الاعتكاف، و كتاب الزكاة و كتاب الخمس و الأنفال و

كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من كتب العبادات، و من الله سبحانه اسأل لنفسي و لجميع إخواني في ديني و أوليائي فيه أن يتم علينا نعمته، و يعمّنا بفضله و رحمته و أن يمدّنا بهداه و توفيقه، و يثبتنا على معرفته و يبلّغنا ما نرجو من خيره و برّه و رعايته و كفايته في دنيانا و آخرتنا انه ارحم الراحمين، و خير الغافرين، و أن يستجيب لعبده الضعيف المفتقر إلى فضله:

محمد أمين زين الدين

______________________________

(1) و هو الجزء الثاني حسب تجزئتنا في طبعتنا هذه، بعد أن جمعنا الطهارة و الصلاة في الجزء الأول، و خصصنا الجزء الثالث لكتاب الحج.

الناشر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 5

كتاب الصوم

اشارة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 7

كتاب الصوم الصوم احدى الدعائم الكبرى التي بني عليها الإسلام، كما تواترت به النصوص عن الرسول، و عن أهل بيته الطّاهرين (صلوات الله و سلامه عليه و عليهم أجمعين) و هو إحدى الفرائض العظمى التي فرضها الله سبحانه على عباده، لتتهذب و تسمو بها نفوسهم، و تطهر و تطمئن بها قلوبهم، و تطيب و تزكو بها أعمالهم، و تمحى و تكفّر بها خطيئاتهم، و تتوثق و تعمق بها صلات مجتمعهم، و تعظم و تقوى و ترسخ بها في نفوسهم و قلوبهم صلتهم الكبرى بربهم، و تشع هذه الصلة الكبرى من وراء الأعماق و الابعاد على جميع الصلات و القلوب و النفوس فتملؤها ببركة الصوم بالنور و الهدى، و المزيد من الطهر و الحباء و العطاء و الفضل الذي لا يعرف الحدود.

و الصوم احدى الضروريات في الدين التي يكفر منكرها، و يعزّر تاركها، و يقتل بعد إقامة التعزير عليه من أصرّ على تركها.

و الصوم هو

الجنة الواقية للعبد من النار، و الوسيلة القريبة لقبول دعائه و استغفاره و توبته، و السبب المقوم لما شذّ من أخلاقه، و ما نشز من طباعه، و ما انحرف من أعماله و سلوكه، و قد اختار الله لعبادته هذه أفضل الشهور عنده، و أكرمها عليه، فكرّم شهره هذا و عظّمه و شرّفه بإنزال الكتاب الكريم فيه، و اختصّه بليلة القدر، و جعلها خيرا من ألف شهر، و ميزه بمضاعفة الحسنات فيه لمن عمل، و قبول الدعوات ممن توسّل، و نجح الطلبات لمن أمّل، ليكون الصوم العظيم و الشهر العظيم ربيعا للعبادة، و موسما للطاعة و القربى، و ليتسامى العباد في موسمهم هذا إلى المنازل، و يستبقوا إلى الخيرات، و يسارعوا إلى الغايات.

و في الحديث عن الرسول (ص): من صام شهر رمضان و حفظ فرجه و لسانه، و كفّ أذاه عن الناس، غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها و ما تأخر، و أعتقه من النّار، و أحلّه دار القرار.

و كتاب الصوم يشتمل على عدة فصول

كلمة التقوى، ج 2، ص: 8

الفصل الأول في النية
المسألة الأولى:

تجب النية في الصوم، و هي القصد إلى الإمساك عن جميع المفطرات متقربا به إلى الله (تعالى)، و يراد بالإمساك هنا أن يترك المكلف المفطرات المشار إليها، و سيأتي تعدادها و بيانها في الفصل الثاني- ان شاء الله تعالى-، و ان يكون تركه إياها عن عزم و تصميم نفساني، يكون به تركها اختياريا و مقصودا للإنسان، و من البيّن أن ترك الإنسان للشي ء لا يعدّ إمساكا عن فعله في نظر أهل العرف ما لم يكن تركه بعزم من الإنسان و اختيار.

و مثال ذلك: ان يترك الشخص فعل الشي ء لنوم أو غفلة عنه، أو لعدم

وجود ذلك الشي ء لديه، فلا يعدّ ممسكا عنه، فإذا كان الإمساك عن المفطرات بداعي امتثال أمر اللّه و التقرب به إليه حصلت النية الواجبة في العبادة، و تحقق الصوم الواجب أو المندوب، و إذا كان الإمساك لغاية أخرى كان تابعا لتلك الغاية التي قصدها، و مثاله: أن يمسك عن فعل المفطر أو عن شي ء آخر، لوجود مرض يمنعه عن فعله، أو بقصد التوقّي من ضرر فيه، أو لبعض الدواعي الأخرى، فلا يكون صوما و لا يكون عبادة.

المسألة الثانية:

يعتبر في صحة الصوم- إذا كان واجبا أو كان مندوبا معيّنا-، ان يعين المكلف في نيته نوع ذلك الصوم الذي يريد الإتيان به، فيقصد في الصوم الواجب كونه قضاء عن شهر رمضان مثلا، أو كونه كفارة عن الإفطار، أو بدلا عن الهدي في حج التمتع، أو وفاء بنذر، أو ما سوى ذلك من أنواع الصوم الواجب، و يجب ذلك حتى في الواجب المعيّن على الأحوط، كما إذا نذر صوم يوم أو أيام معينة من الأسبوع أو من الشهر، و كما إذا أراد صيام الأيام الثلاثة بعد الإحرام بالحج بدلا عن هدي التمتع، و إذا كان صومه لإحدى الكفارات فعليه أن يعيّن انها أي الكفارات، حتى إذا كانت الكفارة الواجبة عليه واحدة غير متعددة.

و لا فرق في وجوب تعيين الصوم في النية بين شهر رمضان و غيره، نعم، يتميز شهر رمضان عن غيره بأنه متعين في ذاته، و ان أيام هذا الشهر لا تقبل صوما

كلمة التقوى، ج 2، ص: 9

سواه، فإذا صام المكلف في شهر رمضان و قصد في نيته ليلا الإتيان بالصوم الخاص بغد صح صومه و كفاه ذلك في التعيين و ان لم يذكر في نيته

ان اليوم من شهر رمضان، و كذلك إذا قصد في نيته صوم غد امتثالا للأمر الخاص به فيصح الصوم، و يكفي في التعيين.

و كذلك الصوم المندوب المعين، فلا تترتب الآثار الخاصة لذلك الصوم من ثواب خاص و أثر وضعي معيّن، و نحو ذلك، إلّا إذا عيّن الصائم في نيته نوع الصوم المقصود، فيقصد به صوم الأيام البيض مثلا، أو صوم يوم المولود أو يوم الغدير.

و إذا صام اليوم المعيّن و قصد في نيّته طبيعة الصوم المطلقة و لم يقصد الخصوصية في اليوم، كان صوما مندوبا مطلقا، و لم تترتب عليه الآثار الخاصة للصوم المعيّن، المذكورة في الأحاديث الواردة فيه.

المسألة الثالثة:

لا تصح في أيام شهر رمضان نية صوم آخر، فإذا صام المكلف بعض أيام الشهر أو صام الشهر كله، و نوى بما أتى به صوما آخر غير صيام شهر رمضان، و كان الناوي جاهلا بأنه في شهر رمضان، أو ناسيا له، أو غافلا عنه، أجزأه ما أتى به عن شهر رمضان إذا كان ذلك المكلف ممن يجب عليه صوم الشهر، فلا يجب عليه قضاؤه بعد ذلك، و لم يكفه عن الصوم الذي نواه، سواء كان واجبا أم مندوبا.

و إذا صام في شهر رمضان و نوى صيام غيره، و هو يعلم بأنه في شهر رمضان لم يجزه ذلك عن الشهر، بل و لم يجزه عما نواه على الأحوط.

المسألة الرابعة:

إذا كان الصوم الذي يأتي به المكلف مما يفتقر في صحته إلى تعيين نوعه في النية، و هو الصوم الواجب، و الصوم المندوب المعيّن، و قد ذكرنا هذا الحكم في المسألة الثانية، كفى المكلف أن يعيّنه على وجه الإجمال، فإذا علم الشخص ان صوم يوم غد- مثلا- مما أمر اللّه به لبعض المميزات التي أوجبت الأمر بصومه كفاه في الصحة ان ينوي صوم غد امتثالا لأمر الله المتعلق به، و ان لم يعلم بالعنوان الخاص الذي تعلق به الأمر، و لا بالخصوصية المميزة التي أوجبت الأمر به، و إذا علم المكلف ان في ذمته يوما واحدا يجب عليه صيامه، كفاه في صحة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 10

الصوم أن ينوي صوم اليوم وفاء لما في ذمته من التكليف، و ان لم يتذكر ان الصوم قضاء يوم من شهر رمضان مثلا أو أداء لنذر تعلّق به أو غير ذلك، أو تذكر ذلك و لم يقصده في النية على الخصوص،

و إذا علم ان في ذمته واجبات متعددة، أجزأه في صحة الصوم أن ينوي الإتيان بالواجب الأول منها.

المسألة الخامسة:

إذا أراد المكلف أن يصوم صوما مندوبا مطلقا غير معين، و كان الزمان صالحا لذلك، كفاه في صحة صومه أن ينوي طبيعة الصوم المطلقة امتثالا لأمر الله (تعالى)، فإذا نوى الصوم كذلك صح منه، و المراد بكون الزمان صالحا للصوم المندوب ان لا يكون من الأيام التي منع الشارع من الصوم فيها، كيومي العيدين، و كأيام التشريق لمن كان بمنى و نحوها من الأيام التي حرم الله صومها.

و انما يكتفى في صحة الصوم المندوب المطلق بالنية التي ذكرناها إذا لم يكن المكلف مشغول الذمة بقضاء شهر رمضان، فإذا كانت ذمته قد اشتغلت بذلك لم يصح صومه بالنية المذكورة، بل لا يصح منه صوم مطلق النافلة بتلك النية و لا بغيرها سواء كانت من المندوب المطلق أم المندوب المعيّن.

و قد ذكرنا في هذه المسألة من الطبعة الأولى أنه يكفي في الصحة أيضا ان يقصد الصائم موضوع أمر الله المتعلق بالصوم و في ذلك خفاء يعسر تبيّنه على العامة من الناس و لأجل خفائه تركنا ذكره هنا.

المسألة السادسة:

لا يجب على المكلف أن يتعرض في نية الصوم لقصد الوجوب في الصوم الواجب و لا لقصد الندب في الصوم المندوب، بأن ينوي في نفسه: (أصوم غدا لوجوبه، أو لندبه قربة الى الله)، و لا يجب عليه ان يتعرض لقصد الأداء إذا أتى بالصوم في وقته المعين له و لقصد القضاء إذا أتى به بعد فوات وقته، إلا إذا توقف على ذلك تعيين الصوم الذي يأتي به، فيجب عليه قصده من أجل التعيين.

و لا يجب التعرض لسائر صفات الأمر أو المأمور به التي لا يفتقر إليها تعيين الصوم المنوي، و لا لسائر الأوصاف الأخرى، و مثال ذلك أن يأتي المكلف

بصيامه الواجب عليه أو المستحب في أيام الصيف طلبا لمزيد الثواب بذلك، أو يأتي به في أوقات شريفة أو في أمكنة شريفة طلبا لزيادة التعبد فيها، فلا يلزمه قصد هذه الخصوصيات في نيته.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 11

المسألة السابعة:

يكفي في صحة صوم المكلف- سواء كان واجبا أم مندوبا و مطلقا أم معينا- أن ينوي الإمساك عن جميع المفطرات التي نهاه الله- سبحانه- عن تناولها و ان لم يعلم بها و بعددها على التفصيل، بل و ان أخطأ في بعض المفطرات فزعم انه غير مفطر، كالقي ء و الحقنة بالمائع، فإذا نوى الإمساك عن كل مفطر يحرم تناوله على الصائم، و ترك الجميع حتى القي ء و الاحتقان و لم يتناول منها شيئا صح صومه، و لم يضرّه توهمه المذكور الذي أخطأ في اعتقاده به.

المسألة الثامنة:

إذا أراد الإنسان أن يصوم عن غيره، فيعتبر في صحة صومه أن يقصد النيابة في صومه عن الشخص الذي يريد الصيام عنه، و لا بد و ان ينوي امتثال الأمر المتوجه الى ذلك الشخص، سواء كان المكلف مستأجرا للصيام عنه أم كان متبرعا بالصوم عنه، و إذا علم النائب أن الميت مشغول الذمة بصوم واجب عليه، و لم يدر أن الصوم من قضاء شهر رمضان أو من واجب آخر واجب القضاء، كفاه ان يقصد بصومه النيابة عن الرجل الميت في امتثال الواجب الذي اشتغلت به ذمته.

و إذا علم المكلف ان عليه صوما واجبا قد اشتغلت به ذمته، و تردد في ذلك الصوم أنه مما وجب عليه لنفسه، أو مما وجب عليه بالنيابة عن غيره، كفاه في الصحة أن ينوي ما في ذمته من الواجب.

المسألة التاسعة:

إذا وجب على المكلف صومان من نوع واحد، و كان الصومان اللذان وجبا عليه غير مختلفين في الاحكام و لا في الآثار، كفاه في الصحة و حصول الامتثال عند الإتيان بأحد الصومين، أن ينوي الإتيان بذلك النوع الواحد الواجب عليه، و لا يحتاج إلى أن يعين ان الذي يأتي به اي الفردين الواجبين عليه من النوع، و مثال ذلك: ان يجب على الرجل قضاء صيام أيام متعددة من شهر رمضان، و يكون جميع تلك الأيام من سنته الحاضرة أو يكون جميعها من سنته الماضية، فلا يجب عليه في الامتثال أن يقصد أن ما يأتي به هو اليوم الأول مثلا من أيام القضاء الواجب عليه أو اليوم الثاني منها. و نظيره في الحكم أيضا ما إذا وجب عليه نذران من الصوم و كلا النذرين للشكر على نعمة حصلت له، أو لزجر نفسه

عن الوقوع في أمر مرجوح، فلا يجب عليه عند الوفاء بالنذرين أن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 12

ينوي أن ما يأتي به من الصوم هو وفاء النذر الأول أو الثاني، و يكفيه في الصحة ان يصوم اليوم وفاء للنذر، فيفي بأحدهما ثم يصوم يوما آخر بمثل تلك النية فيحصل الوفاء بالنذرين.

و إذا وجب على الإنسان صومان يختلف أحدهما عن الآخر في بعض الأحكام أو الآثار، افتقر في صحة الصوم و حصول الامتثال الى التعيين في النية عند الإتيان بالصوم، و من أمثلة ذلك ان يجب على المكلف قضاء صيام يوم أو أكثر من شهر رمضان في السنة الحاضرة، و يجب عليه مثل ذلك من السنة الفائتة، فإذا أراد أن يأتي بأحد القضاءين، فلا بد و ان يعين في نية صومه أن ما يأتي به هو امتثال قضاء السنة الحاضرة أو قضاء السنة الماضية لأن أحدهما يختلف عن الثاني في بعض الآثار.

و من أمثلة ذلك أن يجب على الإنسان صوم يوم أو أيام لنذر شكر، و يجب عليه مثل ذلك لنذر زجر، فلا بد من التعيين عند ارادة الوفاء بأحدهما لاختلاف الآثار بينهما.

المسألة العاشرة:

إذا نذر المكلف أن يصوم يوما معينا من أسبوع، لوجود خصوصية فيه تقتضي استحباب صوم ذلك اليوم، و نذر صوم يوم معين من شهر لوجود خصوصية فيه تقتضي استحبابه أيضا، فانعقد النذران للرجحان الخاص في صوم اليومين ثم اتفق اجتماعهما في يوم واحد، و مثال ذلك: أن ينذر صوم يوم الخميس المقبل، و ينذر صوم يوم المولود من هذا العام، و اتفق أن يكون يوم الخميس الذي عيّنه في نذره الأول هو يوم المولود الذي عيّنه في نذره الثاني، فيجب عليه أن يصوم

ذلك اليوم و ان يقصد بصومه امتثال النذرين معا، و إذا صامه بهذه النية كان ما اتى به وفاء للنذرين كليهما.

و إذا صام اليوم و نوى بصومه امتثال أحد النذرين خاصة صح و كان وفاء لذلك النذر الذي نواه وحده، و الأحوط له ان يدفع الكفارة لعدم وفائه بالنذر الآخر.

و إذا نذر أن يصوم يوم الثلاثاء المقبل مثلا، لا لخصوصية فيه توجب رجحان صومه على التعيين، بل لانه يوم يستحب فيه الصيام بالاستحباب العام، و نذر أيضا أن يصوم اليوم العاشر من هذا الشهر لمثل ذلك، و اتفق حصولهما في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 13

يوم واحد، فكان يوم الثلاثاء الذي نذر صومه هو بنفسه اليوم العاشر انعقد النذر السابق من النذرين و وجب على المكلف الوفاء به خاصة، و سقط النذر اللاحق منهما فلا يجب الوفاء به و لا تلزمه الكفارة بتركه.

المسألة 11:

وقت نية الصوم في شهر رمضان و في كل صوم واجب معيّن عند طلوع الفجر الثاني المعروف بالفجر الصادق، بحيث تحصل المقارنة بين النية و أول الصوم و لا تتأخر عنه، و يجوز للمكلّف أن يقدّمها على الفجر فيأتي بها في أي جزء يشاء من أجزاء الليل.

و إذا نسي المكلف أن يأتي بنية الصوم في شهر رمضان أو في غيره من الصوم الواجب المعيّن حتى تجاوز الوقت المذكور، وجب عليه أن يأتي بالنية متى تذكرها قبل مجي ء الزوال، إذا هو لم يتناول من المفطرات شيئا في حال نسيانه، و الأحوط له لزوما أن يقضي صوم ذلك اليوم من شهر رمضان و من الصوم الواجب المعين إذا كان مما يجب قضاؤه عند فوته.

و كذلك الحكم إذا نسي ان الواجب عليه في النية هو

أن يأتي بها في الوقت المذكور، أو نسي الصوم نفسه أو جهل الحكم أو جهل الصوم، فترك النية حتى تجاوز وقتها، فعليه أن يأتي بالنية متى تذكر أو علم قبل مجي ء الزوال إذا لم يتناول مفطرا، و يلزمه الاحتياط بالقضاء كما ذكرنا.

و وقت النية في الصوم الواجب غير المعين عند طلوع الفجر الصادق أيضا، و يمتد وقتها الى زوال الشمس، فإذا كان على المكلف صوم يوم أو أكثر من قضاء شهر رمضان أو من نذر صوم غير معيّن أو سواهما من الواجبات غير المعينة، و أصبح و هو غير ناو للصوم في ذلك اليوم ثم بدا له أن يصوم فيه، فيجوز له- إذا كان قبل الزوال- أن ينوي صوم اليوم قضاء عما في ذمته من الشهر، أو وفاء لما عليه من النذر، و هذا إذا لم يكن قد تناول مفطرا بعد الفجر، و لم يطرأ عليه ما يفسد الصوم من رياء و شبهه، فإذا كان كذلك و نوى الصوم و أتم صيام اليوم أجزأه عما نواه من الواجب، و ان تضيق عليه وقت قضاء شهر رمضان الماضي بمجي ء شهر رمضان المقبل، و لا يجعله ذلك من الواجب المعين، و لا يشمله الاحتياط الذي ذكرناه في أول هذه المسألة للواجب المعين من لزوم القضاء بعد الإتمام، و يجوز للمكلف أن يقدم النية في الصوم الواجب غير المعين على الفجر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 14

فيأتي بها في أي جزء من أجزاء الليل، كما سبق في الواجب المعين.

و يمتد وقت النية في الصوم المندوب ما دام النهار، فيصح للمكلف أن ينوي هذا الصوم إذا بقي من النهار شي ء و ان كان قليلا، و لم يكن قد تناول

مفطرا أو أفسد صومه برياء و شبهه، و يصح بذلك صومه.

المسألة 12:

يجوز للمكلف إذا قدم نية الصوم في أثناء الليل أن يتناول بعض المفطرات قبل طلوع الفجر، و لا يضر ذلك بنيته إذا كان قصده للصوم في نهار ذلك اليوم لا يزال مستمرا، و لا فرق في ذلك بين الجماع و غيره من المفطرات، و لا بين الصوم الواجب و المندوب المعين منهما و غير المعين.

المسألة 13:

إذا قدّم المكلّف نية الصوم ليلا ثم نوى الإفطار بعد أن طلع الفجر و لم يتناول مفطرا، ثم بدا له فنوى الصوم قبل مجي ء الزوال، صح صومه إذا كان مندوبا أو واجبا غير معين، و وجب عليه صوم ذلك اليوم ثم قضاؤه بعد الإتمام- على الأحوط- إذا كان من شهر رمضان، أو كان واجبا معينا مما يجب قضاؤه كما تقدم.

المسألة 14:

إذا أفسد المكلف صومه بقصد رياء أو سمعة أو شبههما، ثم بدا له فجدّد نية الصوم قبل أن تزول الشمس، لم يصح بذلك صومه- على الأحوط- و ان لم يتناول من المفطرات شيئا.

و إذا صام الرجل في يوم يشك فيه انه من شعبان أو من شهر رمضان، ثم أفسد صومه بقصد الرياء أو السمعة، بطل صومه، و لم يصح إذا جدّد نيته قبل الزوال- على الأصح- و لا يكفيه صومه عن شهر رمضان إذا استبان بعد ذلك ان اليوم من شهر رمضان، و ان كان ثبوت ذلك قبل الزوال.

المسألة 15:

صوم كل يوم من أيام شهر رمضان عبادة مستقلة عن غيره من أيام الشهر، و يختلف بعضها عن بعض في الأحكام و الآثار، و لذلك فلا بد للمكلف في صيام كل يوم من نية، و الأحوط استحبابا ان يضم إلى نية كل يوم من أيامه نية صيام الشهر كلّه، و النية- على الأقوى- هي الدّاعي النفساني الّذي يحرّك الإنسان على

كلمة التقوى، ج 2، ص: 15

ان يفعل، و لذلك فهي في غاية البساطة و اليسر، و لا عسر في أمرها و لا تعقيد، و لا ينفك العاقل الملتفت عنها.

المسألة 16:

اليوم الذي يشك الإنسان فيه أنه من شهر شعبان أو من شهر رمضان محكوم شرعا بأنه من شهر شعبان، و لذلك فلا يصح للمكلف أن يصومه بنية انه من شهر رمضان، و إذا صامه بهذه النية ثم تبين أنه من شهر رمضان لم يجزه عن الواجب و لزمه قضاؤه.

و إذا صام المكلف يوم الشك بنية الندب أو صامه قضاء عما في ذمته أو وفاء بنذر و نحوه صح صومه، و إذا علم بعد ذلك انه من شهر رمضان أجزأه عنه، و إذا استبان له ذلك و هو في أثناء النهار جدّد النية عن صوم الشهر و ان كان قبل الغروب و أجزأه عنه.

المسألة 17:

إذا نوى المكلف الإفطار في يوم الشك، ثم علم في أثناء النهار ان اليوم من شهر رمضان، فان كان قد تناول بعض المفطرات فيه قبل علمه بثبوت شهر رمضان وجب عليه أن يمسك عن المفطرات في بقية النهار، و وجب عليه قضاء صومه بعد ذلك، و كذلك إذا علم بالثبوت بعد زوال الشمس من النهار، و ان لم يتناول شيئا من المفطرات فعليه الإمساك في بقية النهار ثم القضاء.

و إذا علم بثبوت شهر رمضان قبل أن تزول الشمس من يوم الشك، و لم يك قد تناول مفطرا في يومه، نوى الصوم فيه و أتم اليوم، و الأحوط لزوما أن يقضي صومه بعد ذلك، و لا فرق في جميع هذه الأحكام بين ان يكون قد عزم على الإفطار فيه من أول الأمر فلم ينو الصوم، و ان يصبح صائما بنية شهر شعبان ثم ينوي الإفطار فيه.

المسألة 18:

يشترط في صحة الصوم ان يستمر المكلف على نية الصوم الى آخر أجزاء النهار، فلا يبدل نيته بنية أخرى تنافيها، فإذا نوى المكلف في أثناء النهار أن يقطع صومه فعلا و لا يستمر بإمساكه، أو نوى أن يقطع صومه بعد فترة، أو نوى أن يتناول المفطر في وقته الحاضر أو في ما يأتي من النهار، و هو يعلم بأن ذلك الشي ء الذي نوى أن يتناوله مفطر من الصوم شرعا، بطل صومه، لعدم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 16

استمراره على نية الصوم.

و يبطل صوم المكلف أيضا إذا حصل منه تردد في أن يتم صيام يومه إلى الليل أو لا يتمه، على وجه ينافي قصد الاستمرار فيه، و إذا حصل منه التردد على نحو لا ينافي قصد الاستمرار في الصوم، و لو

برجاء أن يبقى مستمرا على الصوم إلى الليل، لم يبطل صومه بتردده.

و إذا كان المكلف صائما صياما واجبا غير معين، و عرض له بعض ما ذكرناه من منافيات الاستمرار في النية، فنوى قطع الصوم، أو نوى أن يتناول المفطر، أو تردد في أن يتم صيامه أو لا يتمه ترددا ينافي الدوام على النية و لم يتناول المفطر بالفعل، ثم جدّد نية صومه قبل ان تزول الشمس في ذلك اليوم صح صومه بتجديد نيته في وقتها.

و كذلك في الصوم المندوب إذا عرض له شي ء من ذلك و لم يتناول مفطرا، ثم جدد نية الصوم قبل غروب الشمس فيصح صومه بتجديد النية.

المسألة 19:

إذا نوى الصائم أن يتناول شيئا معينا، و كان يعتقد بأن تناول ذلك الشي ء في أثناء النهار من المفطرات شرعا للصائم، و كان مخطئا في اعتقاده فيبطل صومه لعدم استمرار نية الصوم منه، و ان كان الشي ء الذي نوى تناوله ليس من المفطرات الشرعية.

المسألة 20:

لا يشترط في صحة الصوم أن يكون المكلف الصائم ملتفتا إلى النية في آنات الصوم، فإذا نوى الرجل في الليل ان يصوم غدا متقربا إلى الله و نام في ليلته قبل أن يطلع عليه الفجر، و لم ينتبه من نومه طول نهاره حتى دخل الليل، كان صومه صحيحا سواء كان واجبا أم مندوبا، و كذلك إذا نوى الصوم في أثناء الليل ثم عرضت له غفلة عن الصوم و استمرت معه غفلته حتى انقضى النهار، أو نسي أنه صائم و لم يتذكر صومه الا بعد دخول الليل فان صومه صحيح في جميع هذه الفروض.

المسألة 21:

إذا نوى المكلف صوما خاصا، فالأحوط له ان لا يعدل في نيته بعد طلوع الفجر أو في أثناء النهار الى صيام آخر فيما عدا الفرضين الآتي ذكرهما

كلمة التقوى، ج 2، ص: 17

(الأول): إذا نوى الرجل صوما مندوبا، ثم تذكر في أثناء النهار ان في ذمته صوما واجبا غير معين كقضاء شهر رمضان، و الصوم المنذور غير المعين، فيجوز له ان يعدل عن صومه المندوب الى هذا الواجب غير المعين إذا كان عدوله اليه قبل زوال الشمس، و خصوصا إذا كان الصيام الواجب الذي تذكرة قد تضيق وقته.

(الثاني): إذا نوى الرجل صوما مندوبا مطلقا، ثم تذكر أو علم في أثناء النهار ان صوم هذا اليوم مندوب معين فيجوز له ان يعدل عن صومه المندوب المطلق الى المندوب المعين و ان كان عدوله إليه في آخر النهار.

و في التحقيق ان هذين الفرضين و أمثالهما لا تكون من باب العدول في النية، بل هي ابطال للصوم الأول و نية جديدة للصوم الثاني في وقت تصح نيته و القصد اليه.

الفصل الثاني في المفطرات
المسألة 22:

المفطرات التي يجب على الصائم أن يجتنبها و يمسك عن تناول شي ء منها عشرة أشياء:

(1) الأكل، (2) الشرب، (3) الجماع، (4) الاستمناء، (5) بقاء الصائم على الجنابة عامدا حتى يطلع عليه الفجر، (6) الكذب على الله أو على رسوله (ص) أو على الأئمة المعصومين (ع)، (7) الارتماس، (8) أن يدخل الصائم الغبار الغليظ الى جوفه عامدا، (9) أن يتقيأ عامدا، (10) ان يحتقن بالمائع.

[ (الأول و الثاني): الأكل و الشرب،]
المسألة 23:

(الأول و الثاني) من المفطرات الشرعية للصائم: الأكل و الشرب، و لا فرق في الحكم بين ما يتعارف أكله و شربه للإنسان من الأشياء و ما لا يتعارف له و لا يعتاد منها، و لا بين الكثير منه و القليل، حتى ما يخرج من بين الأسنان بتخليلها من بقايا الطعام بعد الأكل، فلا يجوز للصائم ابتلاعه سواء استخرجه بالخلال أو

كلمة التقوى، ج 2، ص: 18

اللسان أم خرج بنفسه، و حتى الرطوبة التي تبقى من الريق على السواك إذا استاك به الصائم، و على الخيط إذا بلّه الخياط بريقه مثلا ليدخله في سم الإبرة فإذا أخرج الصائم السواك أو الخيط من فمه و قد ابتل من ريقه، ثم أعاده إلى فمه، فلا يجوز له ان يبتلع ما عليه من الرطوبة، و إذا ابتلعها بطل صومه، و إذا امتزج ريق الصائم بهذه الرطوبة فالأحوط له لزوما ان لا يبتلع ريقه حتى تستهلك تلك الرطوبة التي امتزج بها و تكون معدومة عرفا.

المسألة 24:

إذا علم المكلف ان ترك تخليل أسنانه بعد أكله الطعام ليلا يؤدي إلى ابتلاع بعض بقاياه العالقة ما بين الأسنان في حال الصوم، أو اطمأن بذلك أو احتمله احتمالا يعتني به العقلاء، وجب عليه أن يخلل أسنانه بعد الأكل، و إذا ترك التخليل في هذه الفروض، فوصل بعض بقايا الطعام إلى جوفه و هو صائم بطل صومه، و لا يجب عليه تخليل أسنانه إذا احتمل ذلك احتمالا ضعيفا لا يعتنى بمثله، و لا يجب عليه التخليل أيضا إذا شك في احتماله أنه مما يعتني به العقلاء أو لا يعتنون به.

المسألة 25:

يجوز للصائم أن يبتلع ريقه المجتمع في فمه و ان كثر، و حتى إذا كان اجتماع الريق في فمه باختياره و عمده، الا أن يخرج الريق في كثرته عن الحدّ المألوف، كما في الناس المبتلين ببعض الأمراض، فالأحوط لزوما أن لا يبتلع الزائد عن المقدار المألوف في هذه الفروض إذا كان صائما.

المسألة 26:

يجوز للصائم أن يبتلع النخامة، و هي الخلط الذي يخرج من الصدر، بل و يجوز له ابتلاعها و ان وصلت إلى الفم على الأقوى، و لا يضرّ ذلك بصومه، و يجوز له ابتلاع الخلط الذي ينزل من الرأس أيضا إذا هو لم يصل الى الفم، و إذا وصل الى الفم فالأحوط لزوما للصائم عدم ابتلاعه.

و إذا خرجت النخامة إلى خارج الفم حرم ابتلاعها سواء كانت مما يخرج من الصدر أم مما ينزل من الرأس، و إذا ابتلعها الصائم بعد خروجها بطل صومه.

المسألة 27:

المفطر الذي يجب على الصائم الإمساك عنه هو ما يصل الى الجوف بما يسمى

كلمة التقوى، ج 2، ص: 19

أكلا أو شربا في نظر أهل العرف، فيعمّ ما يصل الى الجوف بطريق الأنف، فلا يجوز للصائم أن يبتلع الماء أو المائع الذي يستنشقه أو يدخله إلى الجوف بطريق أنفه بانبوب و نحوه، و يعم ما يصل الى الجوف بطريق منفذ حادث يتخذه الأطباء لإيصال الغذاء الى الجوف و لو مؤقتا، و الأحوط لزوم الاجتناب عما يصل بطريق التغذية الأخرى المعروفة من إبرة أو حاقنة في الوريد و نحوها.

المسألة 28:

لا يضر بصحة الصوم ما يصل إلى جوف الصائم بطريق لا يسمى أكلا و لا شربا في نظر أهل العرف، و من أمثلة ذلك أن يقطر الصائم الدواء في عينه أو في أذنه أو في جرحه النافذ فيصل الدواء من هذه المنافذ الى جوفه، و لا يضر بصحة الصوم ان يزرق الدواء بالإبرة في بعض عضلات الصائم أو في أحد عروقه، إذا كان ذلك للعلاج من بعض الأمراض أو الآلام و لم تكن للغذاء.

المسألة 29:

يجوز للصائم أن يدخل إصبعه أو أي جسم آخر في فمه و يخرجه عامدا و ان أوصله إلى حلقومه و لا يبطل بذلك صومه، و لا يبطل صومه إذا أنفذ هو أو غيره في جسده آلة جارحة: سكينا أو خنجرا أو غيرهما، حتى بلغت الآلة إلى جوفه و ان تعمد فعل ذلك، و يجوز للصائم الاستياك، و لكنه إذا أخرج عود السواك من فمه ثم أعاده إليه فلا يسوغ له أن يبتلع ما على السواك من رطوبة الفم الموجودة عليه، و لا يبتلع ريقه إذا امتزج بتلك الرطوبة على الأحوط، كما تقدم في المسألة الثالثة و العشرين.

إذا استعمل الصائم الفرشاة المألوفة لتنظيف الأسنان فاستاك بها من غير ماء و خالية من المساحيق و المعاجين جرى فيها حكم السواك الذي بيّناه، فلا يمنع من السواك بها، و يجب عليه التوقي من رطوبات الفم التي تكون عليها، فلا يجوز له ابتلاعها و لا ابتلاع ماء الفم الذي يتجمع فيه بسبب السواك بها، فإنه أكثر من الحد المألوف فيه، و لا يجوز له ابتلاع الريق إذا امتزج به، و الأحوط للصائم لزوما ان لا يستاك بالفرشاة مع المعاجين و المساحيق، بل و لا مع

الماء الخالي منها، و يلاحظ الأمر السابع من الأمور التي تكره للصائم و سيأتي ذكرها في المسألة المائة و الثالثة عشرة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 20

المسألة 30:

انما يبطل صوم الصائم بالأكل أو الشرب أو بغيرهما من المفطرات، إذا كان المكلف الصائم عامدا مختارا في تناوله، فلا يبطل صومه إذا تناول المفطر ساهيا غير قاصد لتناوله، و لا يبطل صومه إذا تناول المفطر ناسيا للصوم، أو ناسيا لكون الشي ء الذي تناوله من المفطرات، و لا فرق في هذا الحكم بين الصوم الواجب و الصوم المندوب: المعين منهما و غير المعين.

المسألة 31:

إذا تناول الصائم بعض المفطرات و كان يجهل أن الشي ء الذي تناوله من المفطرات في حكم الشريعة، و يحسب ان تناوله مما يجوز له لم يبطل بذلك صومه، سواء كان قاصرا في جهله أم مقصرا، فلا يجب عليه القضاء و لا الكفارة. و ان كان الأحوط استحبابا له قضاء صوم ذلك اليوم، و يتأكد الاحتياط في الجاهل المقصر.

و إذا تناول الصائم المفطر و كان جاهلا مترددا في حكم الشي ء الذي تناوله: أ هو من المفطرات في حكم الإسلام أم لا، بطل صومه و وجب عليه قضاؤه، و كذلك الجاهل بالموضوع إذا تناوله و هو يعلم بوجوب الاجتناب عنه فيكون صومه باطلا بتناوله و يجب عليه قضاؤه.

المسألة 32:

لا يبطل صوم الصائم إذا قسره أحد اقتسارا، فأوقعه في المفطر من غير مباشرة منه و لا اختيار، و مثال ذلك أن يوجر أحد الماء أو الطعام في حلق الصائم فيبتلع الصائم ذلك من غير قصد، و ان يدفعه في النهر فيرتمس في الماء من دون خيرة له، فلا يبطل صومه، و يجب عليه ان يتم صوم ذلك اليوم و لا قضاء عليه.

و إذا أكره الصائم مكره على أن يتناول بعض المفطرات، فتناوله مكرها عليه بطل صومه و وجب عليه قضاؤه، و لا إثم عليه في إفطاره لأنه مكره غير مختار.

المسألة 33:

إذا تناول الصائم بعض المفطرات للتقية، فقد توجب التقية على الصائم أن يترك صيام ذلك اليوم و يفطر فيه مع من يخالفه في المذهب تقية منه، فإذا هو تناول المفطر في هذا الفرض بطل صومه و وجب عليه أن يقضي صوم ذلك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 21

اليوم، و لا إثم عليه في إفطاره للتقية، و مثال ذلك: أن يفطر الصائم من الشيعة مع الجمهور في يوم عيد الفطر عندهم، و هو غير ثابت عند الشيعة، للتقية منهم، فيترتب عليه الحكمان المذكوران، و لا يأثم بإفطاره معهم، بل يأثم إذا خالف مقتضى التقية فلم يفطر.

و قد توجب التقية على الصائم أن يجاري من يتقي منهم، فيتناول بعض الأشياء المفطرة عند الشيعة و هي لا تضر بصحة الصوم عند من خالفهم، أو يجاريهم في صحة الإفطار في ذلك الوقت فيفطر معهم بعد سقوط قرص الشمس و قبل دخول وقت المغرب عند الشيعة، فيصح صومه في كلا الفرضين و لا يجب عليه القضاء بتناول المفطر للتقية.

و هذا كله في التقية من الجمهور الذين يخالفون الصائم الشيعي

في المذهب، و إذا أفطر الصائم للتقية من غيرهم كان صومه باطلا في جميع الصور، و من أمثلة هذا ان يتقي الصائم من بعض الظالمين من الشيعة أو من غير المسلمين، فيتناول المفطر اتقاء منهم في الفروض المذكورة أو غيرها.

المسألة 34:

لا يمنع الصائم من أن يمص الخاتم أو الفص من العقيق و غيره أو يمص الحصاة الخالية من تراب و غيره، و أن يمضغ الطعام للصبي و أن يزق الطائر و يذوق المرق، شريطة أن لا يتعدى شي ء منها إلى الحلق، و إذا تحفظ عن ذلك جهده فسبق شي ء منها إلى حلقه من غير قصد و لا علم لم يفسد بذلك صومه.

و إذا علم الرجل الصائم بأنه لا يقدر على التحفظ و ان اجتهد، و أنه متى عمل هذه الأشياء سبقه شي ء منها إلى حلقه، فلا يجوز له فعلها و يكون عامدا بفعله، فإذا فعل شيئا من المذكورات في هذا الفرض و سبقه شي ء منها لزمه القضاء على الأحوط.

و لا بأس على الصائم في أن يمضغ العلك من اللبان و نحوه و ان يبتلع ريقه بعده و ان تأثر ريقه بطعم العلك أو برائحته، و لا يجوز له ذلك إذا كان تأثره بالطعم أو الرائحة لتفتت أجزاء العلك في الفم و امتزاجها بالريق فيبطل الصوم بابتلاعه، و لا بأس بأن يمصّ لسان الطفل و لسان الزوجة إذا لم تكن عليهما من رطوبة الريق أو غيرها.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 22

المسألة 35:

يجوز للصائم أن يتمضمض بالماء و أن يستنشق به، شريطة أن يتحفظ جهده فلا يتعدى شي ء من الماء الى الحلق، و يستحبان له في الوضوء و الغسل، و ينبغي له بعد أن يمج الماء من فمه في المضمضة ان لا يبتلع ريقه حتى يبصق ثلاث مرات.

و تكره له المبالغة في المضمضة و الاستنشاق و ان كانا لوضوء أو غسل.

و إذا علم الصائم بأنه لا يمكنه التحفظ في مضمضته أو استنشاقه، و انه متى تمضمض أو

استنشق سبقه الماء الى جوفه لم يجز له فعلهما و كان عامدا في فعله، فإذا تمضمض أو استنشق في هذا الفرض و سبقه شي ء من الماء الى الجوف لزمه القضاء على الأحوط.

المسألة 36:

إذا تمضمض الصائم فابتلع ماء المضمضة ناسيا لم يفسد بذلك صومه.

و إذا تمضمض فسبقة الماء الى جوفه من غير اختيار له فان كانت مضمضته لوضوء صلاة فريضة فلا شي ء عليه، سواء كانت الفريضة التي توضأ لها حاضرة أم فائتة، و يومية أم غيرها من الفرائض الواجبة، و ان كانت مضمضته لوضوء صلاة نافلة أو لغير ذلك من الوضوءات المستحبة، أو لغسل و ان كان لفريضة، أو للتداوي أو لتطهير الفم من نجاسة و ما أشبه ذلك من الضرورات، فالأحوط لزوما قضاء الصوم، و إذا كانت المضمضة لبعض الدواعي الأخرى غير الضرورية كالتبرد و تنظيف الفم و غسله و نحوها فلا بد من قضاء الصوم.

المسألة 37:

إذا تمضمض الصائم بغير الماء من المائعات فابتلعه ناسيا، أو سبقه إلى الجوف من غير قصد لم يبطل صومه بذلك و لم يجر عليه حكم المضمضة بالماء، و كذلك الحكم إذا استنشق الصائم بالماء أو بغير الماء سواء كان لوضوء أم لغيره فلا يبطل صومه إذا سبقه الماء أو المائع الذي استنشق به إلى جوفه من غير قصد أو ابتلعه ناسيا.

المسألة 38:

إذا تناول الصائم المفطّر و كان ناسيا، فظن أو اعتقد بأن صومه قد بطل بذلك، فتناول المفطر بعد ذلك عامدا أشكل الحكم بصحة صومه، و الأحوط له لزوما أن يتم صيام يومه ثم يقضيه بعد ذلك.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 23

و إذا اعتقد بأن صومه مستحب يصح له الإفطار فيه فتناول المفطر، ثم تذكر أن صومه كان واجبا بطل صومه.

(الثالث من المفطرات: الجماع).
المسألة 39:

إذا جامع الصائم عامدا و أنزل الماء في جماعة بطل صومه، و يبطل صومه إذا جامع و قصد الإنزال بجماعة و ان لم ينزل بالفعل، لعدم استمرار نية الصوم منه، و لا فرق في الحكمين المذكورين بين أن يكون الوطء في القبل أو في الدبر، و أن يكون لأنثى أو لذكر، و أن يكون لحي أو لميت أو لبهيمة.

و يبطل صوم الصائم كذلك إذا جامع أنثى في قبلها فأدخل و ان لم ينزل الماء و لم يقصد الإنزال، و يبطل صومه أيضا على الأقوى إذا جامع الأنثى في دبرها فأدخل و لم ينزل و لم يقصد الإنزال.

و إذا وطأ غير الأنثى في الدبر و لم ينزل و لم يقصد الإنزال، ففي بطلان صومه بذلك إشكال، و لا يترك الاحتياط فيه بأن يتم الصوم و يقضيه، بل و يدفع الكفارة عنه، من غير فرق بين ان يكون الموطوء خنثى أو ذكرا أو بهيمة و حيا أو ميتا، و كذلك حكم الموطوء في الفرض المذكور إذا كان صائما.

و إذا شك في حصول الدخول و عدمه لم يبطل صومه، إلا إذا كان قد أنزل بالفعل أو قصد الإنزال، أو قصد الدخول في قبل الأنثى أو في دبرها، و لا يترك الاحتياط المتقدم إذا قصد الدخول في دبر غير

الأنثى فيتم الصوم ثم يقضيه.

المسألة 40:

إذا أولج الصائم في غير القبل و الدبر، أو لامس المرأة في أعضائهما الجنسية من غير إدخال و لم ينزل و لم يقصد بفعله الإنزال، لم يبطل صومه، و إذا قصد بفعله الإنزال فسد صومه لانه نوى المفطر فلم تستمر منه نية الصوم، و ان لم ينزل بالفعل.

المسألة 41:

إنما يبطل الصيام بالجماع إذا كان الصائم متعمدا بفعله، فإذا اتفق له أن جامع نائما أو ناسيا للصوم لم يبطل صومه، و كذلك إذا اتفق أن حصل له الدخول من غير إرادة، كما إذا قصد التفخيذ و الملامسة الخارجية فحصل الدخول من غير اختيار، و كما إذا قسره قاسر على ذلك بغير اختياره، فلا يبطل صومه في مثل هذه الفروض.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 24

المسألة 42:

إذا ارتفع العذر الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة عن الصائم في أثناء عمله، فاستيقظ من نومه أو تذكر بعد نسيانه أو انتبه من غفلته أو ارتفع عنه قسر القاسر و هو في أثناء الفعل وجب عليه الإخراج فورا، فان هو استمر في عمله بعد ارتفاع العذر بطل صومه، إلا إذا فقد الاختيار في الاستمرار.

(الرابع من المفطرات: الاستمناء)
المسألة 43:

الاستمناء: هو أن ينزل الإنسان المني من نفسه و هو عامد مختار، بان يفعل أفعالا أو حركات تؤدي إلى إنزال الماء بحسب العادة المعلومة بين الناس أو بحسب عادته هو خاصة، و ان لم يقصد بفعله الإنزال و إنما قصد الفعل المؤدي اليه، فإذا عبث الصائم بعضوه الجنسي، أو قبّل بشهوة، أو تفخذ، أو لمس أو نظر بشهوة، أو تخيل، أو فعل اي فعل يؤدي إلى الإنزال بحسب العادة التي توجب ذلك بين الناس أو بحسب عادته هو خاصة، فأنزل بطل صومه، و وجب عليه قضاء الصوم و دفع كفارته.

المسألة 44:

إذا قصد الصائم الاستمناء بفعل من الأفعال أو بحركة من الحركات و كان يعلم بان الاستمناء مفطر من الصوم، بطل صومه لانه قصد ارتكاب المفطر و لم تستمر منه نية الصوم، و وجب عليه القضاء و ان لم ينزل بالفعل، و لم يكن الفعل الذي أتى به و الحركة التي أجراها مما يؤدي إلى الإنزال.

المسألة 45:

إذا أتى الصائم بشي ء من تلك الأفعال أو الحركات عامدا، و كان يحتمل من نفسه انه ينزل المني عند ما يأتي بذلك الفعل أو الحركة، و هو يعلم بأن الإنزال مفطر من الصوم، فيبطل صومه لتردده في البقاء على نية الصوم، و ان كان غير قاصد للإنزال.

المسألة 46:

لا يبطل صوم الصائم بفعل أي شي ء من تلك الافعال أو الحركات، إذا هو لم ينزل المني بالفعل، و لم يقصد الإنزال و كان واثقا من نفسه بأنه لا ينزل، و لا يبطل صومه إذا سبقه المني من غير ان يفعل فعلا اختياريا يؤدي إليه.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 25

المسألة 47:

يجوز للصائم ان ينام نهارا و ان كان يعلم من حالته انه متى نام يحتلم في نومه، و لا يعدّ ذلك من الاستمناء، سواء كان عليه حرج في ترك النوم أم لا، و لا يبطل صومه إذا نام كذلك فاحتلم، إلا إذا كان قاصدا للاستمناء.

المسألة 48:

يجوز للصائم إذا احتلم في النهار أن يستبرئ قبل غسله من الجنابة بالبول و الخرطات، و ان علم بخروج بقايا المني منه باستبرائه، و لا يعدّ ذلك من الاستمناء، و إذا احتلم في النهار و استيقظ من نومه في أثناء إنزاله لم يجب عليه أن يتحفظ من خروج المني عن المجرى.

نعم إذا استيقظ من نومه قبل أن تبتدئ حركة نزول المني في احتلامه وجب عليه في هذه الصورة ان يتحفظ من الإنزال، فلا يجوز له أن يستمر على ما يوجب ذلك من تخيل أو ضغط على بعض الأعضاء من جسده أو غير ذلك، و إذا استمر عليها عامدا حتى أنزل بطل صومه، لانه قد استمنى باختياره، بل و يبطل صومه إذا قصد الانزال باستمراره على تلك الحال و ان لم ينزل بالفعل، و شمله الحكم الذي بيناه في المسألة الرابعة و الأربعين و ما بعدها.

المسألة 49:

إذا احتلم الصائم في النهار و اغتسل من جنابته قبل أن يبول و يستبرئ، فلا يضرّ بصحة صومه أن تخرج منه بقايا المني بعد الغسل، إذا خرجت منه بنفسها من غير اختياره، نعم يبطل صومه في هذه الصورة إذا تبول أو تخرط عامدا فأخرج بقية المني منه قاصدا لإخراجها بالاستبراء، و لذلك فالأحوط له عند طروء مثل هذا الفرض، بل الأقوى ان يؤخر البول إلى الليل مع الإمكان.

(الخامس من المفطرات: أن يبقى الصائم على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر).
المسألة 50:

بقاء الصائم المجنب على جنابته عامدا الى أن يطلع عليه الفجر الصادق، من مفطراته من صومه إذا وقع ذلك له في صوم شهر رمضان و في قضائه، بل في كل صوم واجب على الأحوط، سواء كان الصوم الواجب معينا أم غير معين، و سواء كانت جنابة الصائم بجماع أم بإنزال من غير جماع، و سواء بقي المكلف

كلمة التقوى، ج 2، ص: 26

على جنابته يقظان أم نام بعد علمه بالجنابة و هو عازم على عدم الغسل.

و لا يضرّ تعمد البقاء على الجنابة بالصوم المندوب، و ان كان الأحوط استحبابا للصائم اجتناب ذلك في المندوب أيضا.

المسألة 51:

إذا تعمد الإنسان الجنابة قبل أن يطلع الفجر بزمان قصير لا يسع الغسل و لا التيمم، كان هذا المكلف متعمدا على البقاء على الجنابة، فيبطل صومه إذا كان صائما و كان صومه واجبا، و إذا وسع الوقت التيمم و لا يسع الغسل، وجب عليه ان يتيمم، فإذا تيمم عن جنابته قبل طلوع الفجر عليه كان صومه صحيحا، و إن كان آثما بتعمده إيقاع الجنابة مع علمه بضيق الوقت عن الغسل.

و إذا ترك التيمم في هذه الصورة حتى طلع الفجر بطل صومه و وجب عليه قضاؤه إذا كان الصوم مما يقضى، و لزمته الكفارة إذا كان مما تجب فيه الكفارة.

المسألة 52:

إذا أصبح الصائم فوجد نفسه جنبا من غير تعمد لذلك لم يبطل صومه بذلك إلا في قضاء شهر رمضان، فالأقوى فيه بطلان الصوم، و الأحوط استحبابا إلحاق كل صوم واجب غير معين بقضاء شهر رمضان في هذا الحكم فإذا أصبح فيه جنبا ترك صوم ذلك اليوم و أبدله بصيام يوم آخر.

و إذا تضيق الوقت في قضاء شهر رمضان بمجي ء شهر رمضان المقبل و عرضت للمكلف في صومه مثل هذه الحالة فالأحوط له الجمع فيصوم ذلك اليوم ثم يعيد قضاء اليوم بعد انتهاء شهر رمضان و يدفع عنه الفدية.

المسألة 53:

لا يبطل صوم الصائم إذا احتلم في أثناء النهار، سواء كان صومه واجبا معينا أم موسعا أم كان مندوبا معينا أم غير معين.

المسألة 54:

إذا طهرت المرأة من حيضها أو من نفاسها ليلا في شهر رمضان أو في غيره من الأزمان التي يجب عليها الصيام فيها وجب عليها أن تغتسل من حدثها قبل طلوع الفجر الصادق مع إمكان ذلك، و إذا كانت لا تستطيع الغسل لبعض الأعذار وجب عليها التيمم، و إذا تعمدت البقاء على حدثها فلم تغتسل و لم تتيمم حتى طلع عليها الفجر بطل صومها في شهر رمضان، بل و في قضائه و في كل صوم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 27

واجب، سواء كان معينا أم غير معين على الأحوط في القضاء و ما بعده.

و إذا طهرت من أحد الدمين قبل طلوع الفجر بفترة وجيزة لا تسع الغسل و لا التيمم، نوت الصوم و صح صومها، و كذلك إذا طهرت من أحدهما و لم تعلم بطهرها حتى طلع الفجر، فيكون صومها صحيحا.

المسألة 55:

إذا كانت المرأة مستحاضة كثيرة الدم فلا يصح صومها إلا إذا أتت بأغسال الاستحاضة التي تجب عليها في نهار يوم الصوم، بل و لا يصح صومها إلا إذا أتت بغسل الليلة السابقة على ذلك اليوم على الأحوط، و لا يترك الاحتياط في المستحاضة المتوسطة فتلحق بالمستحاضة الكثيرة الدم في الحكم المذكور.

فإذا تركت المستحاضة الكبرى أو المتوسطة غسل الفجر أو غسل الظهرين مع وجوبهما عليها للصلاة بطل صومها في ذلك اليوم إذا كانت صائمة، و كذلك يبطل صومها إذا تركت غسل العشاءين في الليلة الماضية إلا إذا اتفق لها ان اغتسلت في تلك الليلة قبل الفجر لصلاة الليل، فيصح صومها في ذلك اليوم لمجيئها بهذا الغسل.

و انما يعتبر الإتيان بالأغسال النهارية في صحة صوم المستحاضة كما بينا، إذا كانت هذه الأغسال قد وجبت عليها للصلاة، و

إذا لم تجب عليها أغسال النهار للصلاة في ذلك اليوم كان صومها فيه صحيحا و ان لم تغتسل، و مثال ذلك أن تصلي المرأة صلاة الفجر و هي نقية من الدم، فإذا استحاضت بعد الصلاة استحاضة متوسطة و أخرت الغسل الواجب إلى صلاة الغروب لم يبطل صومها في ذلك اليوم إذا كانت صائمة، و كذلك إذا صلت الظهرين و هي نقية من الدم، ثم استحاضت بعد ذلك استحاضة كبرى و تركت الغسل إلى صلاة العشاءين، فيصح صومها.

المسألة 56:

لا يجب على المرأة تقديم غسل الاستحاضة على الفجر للصوم، بل لا يكفي ذلك لصحة صومها إذا هي قدّمته، الا ان تعيد غسلها بعد الفجر، و لا يعتبر في صحة صوم المستحاضة أن تأتي ببقية الأعمال الواجبة عليها غير الغسل، من الوضوء لكل فريضة و تبديل القطنة و الخرقة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 28

المسألة 57:

إذا نسي المجنب غسل الجنابة في شهر رمضان و صام يوما منه أو أياما و هو جنب، بطل صوم تلك الأيام التي نسي الغسل فيها، و وجب عليه قضاء صومها و لا تجب عليه الكفارة، و الأحوط لزوما إلحاق قضاء شهر رمضان به في الحكم المذكور، فإذا نسي المكلف غسل الجنابة و صام يوما أو أياما من القضاء بطل صومها و وجبت عليه إعادتها.

و لا يلحق بشهر رمضان في الحكم المذكور غير قضائه من الصوم الواجب كالنذر المعين و شبهه، و لا يلحق بالجنابة حدث الحيض و النفاس، فإذا نسيت المرأة فلم تغتسل من حدثهما و صامت في شهر رمضان أو في قضائه لم يبطل صومها فيهما.

المسألة 58:

إذا كان المجنب من ذوي الأعذار عن الغسل للصوم وجب عليه ان يتيمم بدلا عن غسل الجنابة، فإذا ترك التيمم متعمدا بطل صومه، و قد ذكرنا هذا في المسألة الحادية و الخمسين، و كذلك الحكم إذا ترك المجنب غسل الجنابة متعمدا حتى ضاق الوقت عن أداء الغسل فإنه يجب عليه التيمم و إذا تيمم صح صومه و ان كان آثما بترك الغسل، و إذا ترك التيمم عامدا بطل صومه.

المسألة 59:

إذا كان المكلف المجنب من ذوي الأعذار عن غسل الجنابة، فتيمم قبل طلوع الفجر بدلا عن غسله جاز له أن ينام بعد تيممه حتى يصبح، و لا يجب عليه أن يبقى متيمما مستيقظا حتى الصباح و ان كان ذلك أحوط له استحبابا، و كذلك إذا تيمم من جنابته ثم أحدث بعد تيممه حدثا أصغر غير النوم، فلا يجب عليه أن يعيد التيمم بدلا عن الغسل، و ان كانت اعادة التيمم أحوط استحبابا.

المسألة 60:

إذا احتلم الصائم في النهار لم تجب عليه المبادرة إلى الغسل، فيجوز له أن يؤخر غسله من الجنابة ما لم يتضيق عليه وقت الصلاة، و لا يضر هذا التأخير بصحة صومه و ان كان الأحوط استحبابا له أن يبادر إلى الغسل.

المسألة 61:

يجوز لمن أجنب في ليل شهر رمضان أن ينام بعد جنابته و قبل أن يغتسل

كلمة التقوى، ج 2، ص: 29

إذا علم انه يستيقظ من نومه ليغتسل من جنابته قبل طلوع الفجر، و يجوز له ان ينام كذلك إذا احتمل انه يستيقظ للغسل قبل الفجر احتمالا يعتد به، و لا فرق في هذا الحكم بين النومة الأولى و الثانية و الثالثة و الأكثر من ذلك.

و إذا علم بأنه متى نام لم يستيقظ للغسل قبل الفجر، حرم عليه النوم على الأحوط، و إذا نام في هذه الصورة و لم يستيقظ للغسل حتى طلع الفجر فهو متعمد في البقاء على الجنابة، فيبطل صومه و يجب عليه القضاء و الكفارة، حتى إذا كانت نومته هي النومة الأولى.

و كذلك الحكم إذا كان يحتمل انه يستيقظ من نومه قبل الفجر احتمالا ضعيفا لا يعتني به العقلاء بحيث يعدّونه إذا نام مع هذا الاحتمال متعمدا في ترك الغسل و البقاء على الجنابة، فلا يجوز له النوم في هذه الصورة قبل الفجر، و إذا نام و لم يستيقظ حتى طلع عليه الفجر وجب عليه القضاء و الكفارة و ان كان في النومة الأولى.

المسألة 62:

إذا نام الجنب ليلا في شهر رمضان و هو عازم على ترك الغسل قبل طلوع الفجر، و استمر في نومه الى ان طلع الفجر كما عزم بطل صومه و وجب عليه القضاء و الكفارة و ان كان في نومته الأولى.

و إذا نام و هو متردد في أنه يغتسل قبل الفجر أو لا يغتسل، بحيث أوجب هذا التردد له ترددا في نية صومه، ثم استمر به النوم الى ان طلع عليه الفجر، بطل صومه و وجب عليه القضاء دون الكفارة،

و الأحوط له التكفير استحبابا.

المسألة 63:

إذا نام المجنب ليلا و هو عازم على أن يغتسل من جنابته قبل الفجر، أو كان غافلا عن ذلك، و استمر به النوم الى الفجر، فان استمرت به نومته الأولى بعد أن علم بالجنابة فلم ينتبه منها- كما قلنا- حتى أصبح، صح صومه و لم يجب عليه القضاء، و ان استمرت به نومته الثانية أو الثالثة أو الأكثر من ذلك بعد ان علم بجنابته وجب عليه القضاء دون الكفارة، و الأحوط له استحبابا دفع الكفارة في النومة الثالثة و ما بعدها.

المسألة 64:

النومة الأولى أو الثانية أو الثالثة، هي التي تكون بعد علم المكلف بجنابته

كلمة التقوى، ج 2، ص: 30

كما ذكرنا، فلا تعدّ منها النومة التي احتلم فيها، و الظاهر ان حكم النومة الرابعة و ما بعدها هو حكم النومة الثالثة، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثالثة و الستين.

المسألة 65:

لا يترك الاحتياط بإلحاق كل صوم واجب بشهر رمضان في الحكم المذكور سواء كان الصوم الواجب معينا أم غير معين، و قد ذكرنا هذا في المسألة الخمسين، و لا يترك الاحتياط بإلحاقه به في الحكم حتى في الكفارة إذا كان ذلك الصوم الواجب مما فيه الكفارة كالمنذور و شبهه.

المسألة 66:

إذا نقت المرأة الحائض و المرأة النفساء من دم الحدث ليلا و نامتا عن غسلهما قبل الفجر لم يشملهما حكم المجنب الذي تقدم ذكره في المسائل الماضية، بل يكون المدار في حكمهما على صدق التواني عن الغسل الواجب عليهما و عدم صدقه، فإذا صدق على المرأة أنها متوانية عن الغسل الواجب عليها من الحيض، أو النفاس بطل صومها و ان كان ذلك في النومة الأولى بعد علمها بنقائها من الدم، و ان لم يصدق عليها التواني لم يبطل صومها و ان تعدد نومها.

المسألة 67:

إذا نسي الصائم المجنب غسل الجنابة و صام أياما من غير غسل و شك في عدد الأيام التي صامها بين الأقل و الأكثر، فلهذا الفرض صور متعددة لا بد من مراعاتها و تطبيق أحكامها الآتية:

(الصورة الأولى): أن يعلم المكلف آخر أيام جنابته و يشك في أول حدوثها عليه، و مثال ذلك: ان يعلم الرجل بأنه قد اغتسل من الجنابة في آخر يوم من الشهر مثلا، و يشك في ان وقوع الجنابة كان في أي يوم من أيام الشهر، و الظاهر أن حكم المكلف في هذه الصورة صحة صومه في الأيام الأولى التي يحتمل حدوث الجنابة فيها و لا يتيقن وجودها، و يجب عليه قضاء المقدار الذي يعلم بوجود الجنابة فيه من الأيام و هو الأقل، فإذا شك في أنها خمسة أيام فقط أو أكثر من ذلك، وجب عليه قضاء الأيام الخمسة المتيقنة خاصة، و يصح صومه في المقدار الزائد عليها.

(الصورة الثانية): أن يعلم المكلف بأول أيام جنابته، و يشك في وقت نهايتها، و مثال ذلك ما إذا علم دون ريب بأنه قد أجنب في أول ليلة من الشهر

كلمة التقوى، ج 2، ص:

31

و شك في انه اغتسل من جنابته في نصف الشهر أو في العشرين منه، و حكم المكلف في هذه الصورة ان يقضي العدد الأكثر من الأيام التي يشك في وجود الجنابة فيها، فيجب عليه ان يقضي صوم عشرين يوما في المثال الذي ذكرناه.

(الصورة الثالثة): ان يعلم الإنسان بأيام معينة من الشهر كان ناسيا لغسل الجنابة فيها، و لكنه يشك في انه هل توجد قبل تلك الأيام المعينة أو بعدها أيام أخرى قد نسي الغسل فيها أيضا أم لا يوجد غيرها و مثال ذلك: ما إذا تيقن دون ريب انه كان مجنبا و ناسيا للغسل في اليوم العاشر من الشهر و في يومين بعده، و شك في حالته في ما قبل هذه الأيام الثلاثة و ما بعدها، و الحكم في هذه الصورة هو وجوب قضاء الصوم في تلك الأيام الثلاثة المتيقنة، و صحة الصوم في الأيام السابقة عليها، و لا يترك الاحتياط لزوما في قضاء الأيام المتأخرة من الأيام التي يحتمل وجود الجنابة فيها أيضا، بل الحكم بوجوب قضائها لا يخلو من قوة، فإذا احتمل انه قد نسي الغسل مع الأيام الثلاثة المتيقنة ثلاثة أيام أخرى لزمه قضاء ستة أيام.

(الصورة الرابعة): ان يعلم الرجل بأيام معينة من الشهر كان ناسيا لغسل الجنابة فيها، و يعلم أيضا ان معها أياما غيرها قد نسي الغسل فيها كذلك و لكنه لا يعلم بعددها على نحو القطع.

(الصورة الخامسة): ان لا يعلم المكلف شيئا عن جنابته لا عن ابتداء وقوعها و لا عن وقت نهايتها و لا عن أثنائها، و الظاهر ان الحكم في كلتا الصورتين الرابعة و الخامسة هو وجوب قضاء المقدار الذي يتيقن ببطلان الصوم فيه من الأيام

و هو العدد الأقل، و ان كان الأحوط للمكلف استحبابا قضاء العدد الأكثر.

المسألة 68:

إذا كان الصائم المجنب عالما بعدد أيام جنابته في أول الأمر ثم نسي عددها بعد ذلك و شك فيه بين الأقل و الأكثر، فالأحوط له استحبابا قضاء العدد الأكثر مما يحتمله في جميع الصور التي تقدم ذكرها، و لكن الأقوى فيها هو ما ذكرناه من التفصيل.

و كذلك الحكم في قضاء الصلوات التي صلاها في تلك الأيام التي نسي فيها غسل الجنابة، فتجري فيها الصور التي تقدم ذكرها في المسألة المتقدمة و تنطبق أحكامها في قضاء الصلوات سواء بسواء.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 32

و مثله ما إذا نسي المكلف غسل غير الجنابة من الأحداث التي يشترط في صحة الصلاة أن يغتسل منها، كغسل مس الميت و نحوه، فإذا نسي المكلف بعض هذه الأغسال و صلّى، ثم اغتسل من حدثه بعد ذلك، و شك في عدد الصلوات التي صلاها في أيام حدثه و قبل أن يغتسل منه، فتجري الصور المذكورة، و أحكامها في قضاء تلك الصلوات.

المسألة 69:

إذا علم المكلف بأنه كان جنبا، و شك في أنه اغتسل من جنابته تلك أو لم يغتسل منها، فهو مجنب يجب عليه الغسل، فإذا ترك الغسل متعمدا، و بقي على جنابته المستصحبة حتى أصبح بطل صومه إذا كان صائما و لزمه القضاء و الكفارة، و جرى فيه جميع الأحكام التي ذكرناها للجنابة المعلومة.

المسألة 70:

إذا أجنب المكلف ليلا و أراد أن يغتسل من جنابته لصوم واجب عليه، فان كان في آخر الوقت صح له أن ينوي في غسله الوجوب، و إذا أراد الغسل من الجنابة للصوم قبل آخر الوقت لم يقصد بغسله الوجوب على الأحوط، بل يأتي به بقصد القربة، و إذا أتى به بقصد القربة كفاه في صحة صومه، و كفاه للصلاة به إذا طلع عليه الفجر و دخل وقت الصلاة و لم ينقضه بحدث.

المسألة 71:

إذا كان المجنب فاقدا للماء و التراب اللذين يتطهر بهما من حدث الجنابة و كان في شهر رمضان أو في صوم واجب معين غيره، نوى الصوم و ان كان مجنبا و صح صومه لوجود العذر، و كذلك الحكم في المرأة الحائض و النفساء إذا فقدتا الماء و التراب فيصح صومهما مع الحدث لوجود العذر.

و إذا اتفق مثل ذلك للمجنب أو للحائض أو للنفساء في قضاء شهر رمضان أو في صوم واجب غير معين سواه ففي صحة صومهم إشكال.

المسألة 72:

يجوز للمكلف إذا مس الميت ليلا في شهر رمضان ان يؤخر غسل مس الميت عامدا حتى يصبح، و لا يضر ذلك بصحة صومه، و لا يضر صومه ان يمس الميت نهارا، و كذلك الحكم في غير شهر رمضان من الصوم الواجب أو المندوب سواء كان معينا أم غير معين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 33

المسألة 73:

إذا ظنّ المكلف أن في الوقت سعة يتمكن فيه من أن يجامع مختارا و يغتسل قبل طلوع الفجر، فجامع أهله باختياره ثم تبين له بعد الجماع ان الوقت ضيق لا يتسع لفعله، فان كان قد راعى الوقت قبل الفعل فحصل له الظن ثم انكشف له الخطأ، صح صومه، و ان فعل ذلك من غير مراعاة للوقت وجب عليه قضاء الصوم.

و إذا تمكن في هذا الفرض من التيمم قبل أن يطلع الفجر وجب عليه التيمم، فإذا تيمم قبل الفجر صح صومه و لم يجب عليه القضاء، و إذا أمكن له التيمم و تركه عامدا حتى طلع الفجر بطل صومه و لزمه القضاء و الكفارة كما سبق في المسألة الحادية و الخمسين.

(السادس من المفطرات: تعمد الكذب على الله أو على رسوله (ص) أو على الأئمة الطاهرين (ع)).
المسألة 74:

تعمد المكلّف أن يكذب على الله سبحانه أو على الرسول (ص) أو على أحد الأئمة المعصومين (ع) من المفطرات على الأحوط، و كذلك تعمد الكذب على بقية الأنبياء و أوصيائهم و على الزهراء (ع) إذا رجع الكذب عليهم الى الكذب على الله، و الأحوط الإلحاق به في الحكم مطلقا و ان لم يرجع اليه.

و لا فرق في الكذب عليهم بين أن يكون ما نقله المكلف عنهم خبرا يتعلق بأمور الدين أو خبرا يتعلق بأمور الدنيا، و من الكذب ما إذا أفتى كاذبا و أخبر بفتواه عن الله (تعالى)، و من الكذب ما إذا وضع الخبر غيره من الناس، و أسنده هو في نقله الى الله أو الى احد المعصومين (ع) و هو يعلم بأن الخبر موضوع كاذب، و لا فرق بين ان يكون الكذب منه بالقول أو الكتابة، بل بكل ما يصدق معه الكذب عليهم، من إشارة أو كناية أو غيرها.

و من الأمثلة لذلك أن

يسأله سائل: هل قال الرسول أو الإمام هذا القول؟

و الخبر المسؤول عنه صادق صحيح، فيقول: لا، أو يشير إشارة أو يكني كناية تدل على أن المعصوم (ع) لم يقل ذلك، و ان يسأله أحد عن خبر موضوع كاذب: هل قاله المعصوم (ع)؟ فيقول: نعم، أو يشير إشارة أو يكني كناية تدل على ان المعصوم قد قال ذلك، فيكون قوله أو إشارته أو كنايته كذبا متعمدا على الرسول

كلمة التقوى، ج 2، ص: 34

الرسول أو الامام و يبطل بها صومه إذا كان صائما.

و من الأمثلة لذلك: أن ينقل له ناقل قولا صادقا عن الرسول (ص) أو عن الامام فيكذّبه و يقول: ان المعصوم لم يقل هذا القول، و ان ينقل له قولا كاذبا عن أحدهما، فيقول: ان المعصوم قال ذلك، فيكون كاذبا و يبطل بذلك صومه، و كذلك إذا أخبر هو بالقول الصادق عنهم ثم كذّبه، أو أخبر ليلا بالقول الكاذب، ثم صدّقه نهارا و هو صائم.

المسألة 75:

إذا تعمد الصائم الكذب على الله أو على أحد المعصومين (ع) ببعض الوجوه التي بيّناها بطل صومه، و ان تاب بعد ذلك من كذبه، و استغفر، أو رجع عن كذبه بلا فصل، فان ذلك كله لا يوجب صحة صومه بعد بطلانه.

المسألة 76:

إذا قصد الصائم الصدق في اخباره، ثم علم بعد ذلك ان الخبر الذي نقله كاذب لم يبطل صومه بنقل ذلك الخبر، و إذا قصد الكذب في الحديث و أخبر به بهذه النية، ثم علم بعد نقله ان الخبر الذي نقله صادق غير كاذب، بطل صومه إذا كان يعلم بأن الكذب على الله من المفطرات، فإنه نوى الإتيان بالمفطر فلم تستمر منه نية الصوم، و إذا اضطر الى الكذب على الله أو على الرسول (ص) للتقية من ظالم لم يبطل صومه بذلك على الأقوى.

المسألة 77:

إذا نقل الصائم الخبر الكاذب هازلا في اخباره به فلم يقصد معنى الخبر الذي نقله، أو لم يقصد أنه مطابق للواقع أو أخبر به على نحو الهزء بمضمونه، أو أراد التبكيت بواضعة لم يبطل صومه بذلك.

المسألة 78:

إذا تعمد الصائم الكذب على العلماء من أهل الفتيا أو على رواة الحديث، فان كان المقصود له من ذلك الكذب على الله أو على المعصومين كان مبطلا للصوم، و ان لم يقصد به ذلك لم يبطل به صومه و ان كان حراما يوجب الإثم.

المسألة 79:

إنما يبطل صوم الصائم بالكذب على الله سبحانه أو على الرسول (ص) أو على بعض المعصومين (ع) إذا ارتكبه المكلف متعمدا لذلك، و لا يضرّ بالصوم إذا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 35

فعله المكلف ساهيا أو صدر منه عن جهل مركب، و قد ذكرنا هذا في المسألة السادسة و السبعين.

المسألة 80:

الأخبار المودعة في الكتب من جوامع الحديث و غيرها انما يجوز الاخبار بها إذا كانت معلومة الثبوت، أو قامت على ثبوتها حجة شرعية معتبرة، و لا يجوز الاخبار بما لم يعلم ثبوته منها و لم تقم عليه حجة شرعية ثابتة، إلا إذا كان الاخبار به على سبيل النقل و الحكاية عن الكتاب، أو عن راوي القول، لا عن المعصوم المروي عنه.

(السابع من المفطرات: الارتماس في الماء).
المسألة 81:

ارتماس الصائم في الماء من المفطرات على الأحوط، و المراد به هنا رمس الإنسان رأسه،- و هو ما فوق الرقبة- سواء رمسه مع بقية بدنه، أم رمس رأسه وحده، و المفطر من الرمس هو ان يكون جميع الرأس في الماء في وقت واحد، و ان كان ذلك الوقت قليلا، و لا يبطل الصوم ان يغمس الصائم اجزاء رأسه في الماء جزءا بعد جزء على التعاقب، و ان استوعب الجميع، إذا لم تجتمع أجزاء الرأس كلها في الماء في وقت واحد، و لا يضر بصحة الصوم أن يغمس المنافذ من الرأس وحدها في الماء، فيغمس عينيه و أنفه و أذنيه في الماء و تكون منابت الشعر من الرأس خارجة منه.

المسألة 82:

إذا رمس الصائم رأسه كله في الماء حتى اجتمعت جميع أجزائه فيه بطل صومه و ان كان شعره في خارج الماء، كما إذا كان شعر الرأس طويلا فلم يدخله مع بشرة الرأس و المنافذ و المنابت في الماء، أو كانت رقبته في خارج الماء، كما إذا طأطأ رأسه في الحوض أو في الإناء المملوء فغمسه فيه و لم يدخل الرقبة معه.

المسألة 83:

لا يضر بصحة صوم الصائم أن يرتمس في الماء المضاف، أو في غير الماء من المائعات، و ان كان الأحوط له استحبابا أن يجتنب ذلك و خصوصا الارتماس في الماء المضاف.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 36

المسألة 84:

يشكل الحكم بصحة صوم الصائم إذا طلى رأسه بالحنّاء مثلا أو بطين الرأس أو بشي ء آخر يمنع من وصول الماء إلى البشرة ثم رمسه كذلك في الماء، فلا يترك الاحتياط باجتناب الارتماس في مثل هذه الصور، و بقضاء الصوم إذا رمس الصائم رأسه كذلك.

المسألة 85:

لا يضر بصحة صوم الصائم أن يفيض الماء على رأسه بإناء أو غيره، و ان كان الماء كثيرا يغمر جميع الرأس في وقت واحد، إلا إذا صدق عليه الرمس في الماء عرفا، كما إذا رمس الصائم رأسه في شلال ينحدر ماؤه أو في نهر منصب من الأعلى، و أمثال ذلك من المياه المنحدرة من الأعلى بكثرة و قوة، فإذا رمس رأسه في مثل هذه الفروض بطل صومه على الأحوط.

المسألة 86:

إذا علم الصائم ان أحد هذين المائعين الموجودين لديه ماء مطلق و الثاني ماء مضاف مثلا، حرم عليه الارتماس في أي واحد منهما، و إذا ارتمس في كلا المائعين بطل صومه و وجب عليه قضاؤه، و كذلك إذا ارتمس في أحدهما فقط، فلا يبعد وجوب القضاء عليه أيضا.

المسألة 87:

انما يكون رمس الرأس في الماء من المفطرات للصائم إذا وقع ذلك منه عامدا، فلا يضر بصومه إذا ارتمس في الماء ساهيا أو ناسيا أو على غير اختيار منه، كما إذا وقع الرجل في النهر فانغمس فيه على غير إرادة منه، و كما إذا دفعه أحد في حوض الماء أو في النهر، فانغمس فيه مقسورا من غير اختيار منه، فلا يبطل صوم الصائم في هذه الفروض و ما أشبهها.

المسألة 88:

إذا ألقى الصائم بنفسه في الماء، و هو يحسب ان ذلك لا يوجب له الارتماس في الماء فارتمس فيه مقهورا من غير قصد، فان كان فعل ذلك مع الاطمئنان بعدم حصول الارتماس بإلقاء نفسه، لم يبطل صومه، و ان ألقى نفسه و هو غير مطمئن بذلك أشكل الحكم بعدم بطلانه، فلا يترك الاحتياط في هذا الفرض بأن يتم صومه ثم يقضيه بعد ذلك.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 37

المسألة 89:

إذا ارتمس الصائم في الماء ساهيا أو ناسيا أو مقهورا على الارتماس من غيره، ثم ارتفع عنه العذر و هو مرتمس وجب عليه ان يبادر فيخرج رأسه من الماء، فان هو تباطأ و لم يبادر في إخراج رأسه مع قدرته على المبادرة فيه بطل صومه و وجب عليه قضاء الصوم.

المسألة 90:

إذا أكره الصائم مكره على أن يرتمس في الماء فارتمس فيه مكرها بطل صومه بالارتماس و ان كان غير آثم بفعله لأنه مكره عليه، فيجب عليه قضاء الصوم، و كذلك إذا وجب عليه الارتماس في الماء لإنقاذ غريق محترم النفس، فيبطل صومه للارتماس و يجب عليه قضاء الصوم و ان كان الارتماس واجبا عليه للإنقاذ.

المسألة 91:

إذا ارتمس الصائم في الماء ليؤدي أحد الأغسال الشرعية، فللمسألة صور مختلفة و لكل صورة منها حكمها كما سيأتي:

(الصورة الأولى): أن يكون الصوم الذي ارتمس المكلف في أثنائه واجبا معينا عليه كشهر رمضان و كالمنذور المعين، و أن يكون المكلف متذكرا لصومه حين ما ارتمس في الماء، و أن يكون متعمدا في ارتماسه، فيبطل صومه في هذه الصورة و يبطل غسله و يجب عليه قضاء الصوم.

(الصورة الثانية): أن يكون الصوم واجبا معينا على المكلف كما في الصورة الأولى، و ان يكون المكلف ناسيا لصومه حين ما ارتمس في الماء، و أن يكون متعمدا في ارتماسه، فيصح صومه و يصح غسله كلاهما معا في هذه الصورة.

(الصورة الثالثة): أن يكون الصوم واجبا غير معين على المكلف، كقضاء شهر رمضان و كالنذر المطلق، و أن يكون المكلف متذكرا لصومه حين ما ارتمس في الماء و أن يكون متعمدا في ارتماسه، فيبطل صومه، و يصح غسله.

(الصورة الرابعة): أن يكون الصوم واجبا غير معين على المكلف كما في الصورة الثالثة، و ان يكون المكلف ناسيا لصومه حين ما ارتمس في الماء، و ان يكون متعمدا في ارتماسه، فيصح صومه و يصح غسله كلاهما.

و كذلك الحكم و التفصيل إذا كان الصوم مندوبا، فإذا كان المكلف متذكرا لصومه و متعمدا في ارتماسه بطل صومه و صح غسله

كما في الصورة الثالثة، و إذا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 38

كان ناسيا لصومه و متعمدا في ارتماسه، صح صومه و صح غسله كلاهما كما في الصورة الرابعة.

و لا فرق في الحكم بين أن يكون ارتماسه لغسل واجب و غسل مندوب، و لا يأتي في المسألة فرض أن يكون المكلف غير متعمد للارتماس، لان المفروض في المسألة ان المكلف قد ارتمس لأحد الأغسال و لذلك فلا بد و ان يكون متعمدا و قاصدا للارتماس.

المسألة 92:

إذا وجب على الصائم أن يغتسل أحد الأغسال لجنابة أو غيرها، و لم يمكنه امتثال الأمر به الا بأن يأتي به بنحو الارتماس، فان كان صومه واجبا معينا عليه كشهر رمضان و النذر المعيّن فهو معذور شرعا عن الطهارة المائية، فلا يجب عليه الغسل و يلزمه الإتيان بالتيمم بدلا عنه، و ان كان صومه واجبا غير معيّن أو كان مستحبا وجب عليه أن يغتسل مرتمسا، و يكون تكليفه هذا بالارتماس مبطلا لصومه.

المسألة 93:

إذا ارتمس الصائم في الماء و كان ذلك في صيام قضاء شهر رمضان عند تضيق وقت القضاء بمجي ء شهر رمضان المقبل أو في الصيام الواجب المعين سواء كان نذرا أم غيره، فيجب على المكلف قضاء صوم ذلك اليوم كما تقدم في مطلق الصوم، و يلزمه على الأحوط مضافا الى ذلك إتمام صيام ذلك اليوم، و يلزمه دفع الفدية عن صيام القضاء بعد الإتيان.

و اما شهر رمضان نفسه فلا بد فيه من إتمام صيام اليوم منه إذا تناول فيه احد المفطّرات، من غير فرق بين الارتماس و غيره، مضافا إلى وجوب القضاء عليه.

(الثامن من المفطرات: ان يدخل الصائم الغبار الغليظ إلى جوفه عامدا).
المسألة 94:

إذا تعمد الصائم أن يوصل الغبار الغليظ إلى جوفه فسد صومه، بل و غير الغليظ منه على الأحوط، الا ما يعسر الاحتراز منه، فلا يكون وصوله الى الجوف مضرا بصحة الصوم، كما إذا انعقد الغبار و تلبد به الجوّ، و لم يمكن التحفظ منه، أو كان التحفظ منه عسرا شاقا.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 39

و لا يضر بصحة الصوم ما يدخل من الغبار الى الجوف غفلة أو نسيانا أو قهرا على المكلف بغير ارادة منه، و يلزم الصائم التحفظ من دخوله الى جوفه مع الإمكان على الأحوط، الا مع الاطمئنان بعدم الوصول.

المسألة 95:

يلحق بالغبار الغليظ في حكمه المذكور البخار الغليظ الذي يوجب رطوبة ما يلاقيه، فإذا تعمد الصائم إيصاله إلى جوفه فسد صومه، و كذلك دخان التتن و نحوه فلا يجوز للصائم إدخاله إلى جوفه عامدا.

(التاسع من المفطرات: التقيؤ عامدا).
المسألة 96:

إذا تقيأ الصائم متعمدا في فعل ذلك بطل صومه و ان كان تقيؤه لضرورة أوجبت له ذلك من مرض و شبهه، و لا يقدح في صحة صومه أن يتقيأ ساهيا أو ناسيا أو يغلب عليه القي ء من غير اختيار منه.

و المبطل منه للصوم ما يعدّ في العرف قيئا، فلا يضر بصوم الصائم إخراج النواة و أشباهها إذا انزلقت الى حلقه من غير ارادة، و لا إخراج الذبابة و أمثالها من الحشرات إذا دخلت في حلقه فأن ذلك كله لا يعدّ من القي ء في نظر أهل العرف.

المسألة 97:

إذا تجشّأ الصائم فخرج بالتجشّؤ من جوفه شي ء من الطعام أو غيره من غير اختيار لم يضرّ خروج ذلك بصحة صومه، و يجب عليه التحفظ كيلا يرجع ما خرج منه الى جوفه، و يحرم عليه أن يبتلعه أو يبتلع شيئا منه إذا وصل الى الفم، فإذا ابتلعه الصائم عامدا بعد خروجه و وصوله الى الفم بطل صومه و وجب عليه القضاء و الكفارة، بل تلزمه كفارة الإفطار على المحرم و هي كفارة الجمع على الأحوط، و لا يضر بصوم الصائم ما خرج منه بالتجشؤ إذا رجع الى جوفه من غير اختيار، فلا يجب عليه قضاء و لا غيره.

المسألة 98:

إذا علم الصائم بأنه متى تجشّأ خرج معه القي ء من جوفه لم يجز له أن يتجشّأ عامدا، و لا يجوز له كذلك أن يتجشّأ اختيارا إذا أوجب له ترددا في استمراره على نية الصوم، و مثال ذلك أن يقصد التجشّؤ و ان صحبه القي ء، فلا يجوز له ذلك،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 40

و إذا تجشّأ فسد صومه و ان لم يخرج معه قي ء لعدم استمراره على نية الصوم، و يجوز له التجشّؤ في ما عدا ذلك.

المسألة 99:

يحرم ابتلاع الذّباب و نحوه من الحشرات على المكلف، سواء كان صائما أم غير صائم، فإذا دخلت ذبابة في حلق الإنسان، وجب عليه أن يخرجها مع الإمكان، و قد قلنا آنفا: إن إخراجها من الحلق إذا دخلت اليه لا يعدّ من القي ء عرفا، فلا يكون مضرا بصومه إذا كان صائما.

و إذا دخلت الذبابة أو الحشرة في حلق الصائم و لم يمكن إخراجها من جوفه الا بالتقيؤ حرم عليه التقيؤ إذا كان في شهر رمضان و نحوه من الصيام الذي يعلم أو يحتمل أن المحافظة على صحته أكثر أهمية و أشد في الإسلام من هذا الواجب الآخر.

(العاشر من المفطرات: الاحتقان بالمائع).
المسألة 100:

إذا احتقن الصائم بشي ء من المائعات بطل صومه، و ان كان بماء خالص، أو كان الرجل مضطرا الى الاحتقان لمرض و نحوه، فيبطل صومه و يجب عليه قضاؤه إذا كان الصوم مما يقضى، و ان لم يأثم بفعله إذا كان مضطرا اليه، و الأقوى بطلان الصوم مع صدق الحقنة بالمائع و ان لم يصل المائع إلى الجوف، بل كان بمجرد الدخول في الدبر.

المسألة 101:

لا يضر بصحة الصوم ان يحتقن الصائم بشي ء من الجامدات و ان ذاب بعد دخوله بسبب حرارة الجسد، و لا يضرّ بصحة الصوم ان يحتقن بما يشك في كونه جامدا أو مائعا.

[مسائل]
المسألة 102:

لا يبطل صوم الصائم بتناول شي ء من المفطّرات الآنف ذكرها جميعا، إلا إذا كان عامدا في تناوله، ما عدا المفطر الخامس منها، و هو البقاء على الجنابة حتى يصبح، فلا يضرّ بصحة صوم الصائم أن يتناول شيئا من المفطرات التسعة الأخرى إذا كان ساهيا عند تناوله أو غافلا أو مقهورا على الفعل من دون اختيار منه، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثلاثين و ما بعدها، و يبطل بها صوم الصائم إذا اتى

كلمة التقوى، ج 2، ص: 41

بشي ء منها عامدا، و ان كان مكرها على فعله من أحد أو مضطرا الى تناوله، نعم، يرتفع عنه الإثم و العصيان بسبب الإكراه و الاضطرار و قد تكرر ذكر هذا.

و اما البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر فقد فصلنا الحكم فيه في البحث عن المفطر الخامس فليرجع اليه من يشاء.

المسألة 103:

إذا تناول الصائم بعض المفطرات و هو جاهل بالحكم ففي ذلك صورتان يختلف الحكم فيهما.

(الصورة الأولى): أن يكون المكلف في حال أخذه للمفطر جاهلا يحسب ان تناول ذلك الشي ء مما يجوز له شرعا فلا يبطل صومه بتناوله للمفطّر في هذه الصورة و لا يجب عليه القضاء و لا الكفارة، سواء كان جاهلا قاصرا أم مقصرا، و يكون آثما بفعله إذا تناوله كذلك و كان جهله عن تقصير، و الأحوط له استحبابا قضاء الصوم في كلا الفرضين، إذا كان الصوم مما يقضى، و الاحتياط في الجاهل المقصر أشد تأكدا.

(الصورة الثانية): ان يكون المكلف حين تناول المفطر جاهلا مترددا في حكم تناول الصائم لذلك الشي ء، و حكمه في هذه الصورة حكم العامد فيبطل صومه و يلزمه القضاء و الكفارة، و قد سبق منا بيان هذا في المسألة الحادية و

الثلاثين، و تقدم في المسألة الثالثة و الثلاثين حكم الإفطار للتقية، و تقدمت في غضون ذلك المبحث مسائل تتعلق بالمقام، فليرجع إليها من يريد.

المسألة 104:

إذا نسي المكلف أنه صائم فوضع اللقمة في فمه ليأكلها أو أخذ الجرعة من الماء ليشربها، ثم تذكر أنه صائم وجب عليه أن يخرجها من فمه، و إذا ابتلعها عامدا بعد تذكره للصوم بطل صومه و لزمه القضاء و الكفارة، و كذلك الحكم إذا اعتقد ان الليل لا يزال باقيا فوضع اللقمة من الطعام أو الجرعة من الماء في فمه، ثم علم بطلوع الفجر، فيجب عليه إخراج ما في فمه و يحرم عليه ابتلاعه.

المسألة 105:

إذا غلب العطش على الصائم حتى خشي منه الضرر، أو لزم من الصّبر عليه الحرج الشديد، جاز له أن يشرب من الماء مقدار ما يندفع به الضرر و يرتفع به الحرج، و لا إثم عليه في ذلك، و يبطل به صومه، فيجب عليه قضاء صوم ذلك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 42

اليوم، و إذا كان في شهر رمضان وجب عليه أن يمسك عن المفطرات في بقية نهاره حتى عن تناول الماء بالمقدار الذي يزيد عن الضرورة و ما يرتفع به الحرج، و لا يجب ذلك في غير شهر رمضان و ان كان واجبا معينا.

المسألة 106:

لا يجوز للمكلّف إذا كان صائما صوما واجبا معينا عليه أن يذهب مختارا إلى موضع يعلم بأنه يكره فيه على الإفطار في صومه، أو يضطر إليه اضطرارا أو يقسره عليه أحد اقتسارا، و إذا ذهب مختارا إلى ذلك الموضع، فاضطر فيه الى تناول المفطّر- و لو بنحو القسر عليه- بطل صومه على الأحوط، بل الأحوط بطلان صومه بمجرد قصده الى ذلك الموضع إذا كان يعلم أو يطمئن بحصول الإفطار فيه متى وصل اليه، لعدم استمراره على نية الصوم.

المسألة 107:

لا يجوز للصائم أن يبتلع ريقه إذا امتزج بريقه دم أو غيره من المحرمات أو المحلّلات المفطرة، الا أن يستهلك ذلك الخليط في الريق، حتى يصدق في العرف أنه انما يبتلع ريقه وحده و لا يجوز له ان يتعمد مزج ذلك الخليط بريقه اختيارا حتى يستهلكه ليبتلعه، من غير فرق بين المحرّمات و المحلّلات المفطرة.

المسألة 108:

الوقت الذي يكون فيه الصوم هو النهار، و أوله طلوع الفجر الثاني الصادق، و آخره دخول الليل، و هو ذهاب الحمرة المشرقية من تمام ربع الفلك من طرف المشرق على الأقوى، فإذا استقبل الإنسان نقطة الجنوب و نظر الى جهة المشرق لم يجد أثرا للحمرة من مشرق الشمس إلى قمة رأسه.

و لا يضم الى النهار جزء من الليل، نعم لا بد للمكلّف من الإمساك عن المفطرات في جزء من الليل قبل طلوع الفجر، و في جزء من الليل بعد النهار ليحصل له العلم بأنه قد أمسك عن المفطرات في جميع أجزاء النهار و آناته و يستيقن بامتثال الأمر بالصوم الواجب.

المسألة 109:

لا يجوز للصائم أن يتناول شيئا من المفطرات حتى يعلم بدخول الليل، و يصح له ان يعتمد في دخول وقت الإفطار على إخبار بينة عادلة بأن الوقت قد دخل، و يصح له ان يعتمد في ذلك على أذان المؤذن الثقة العارف بالوقت.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 43

و يصح له ان يعتمد فيه على الظن الذي يحصل له بالنظر و المراعاة للوقت، و هذا إذا كان في السماء غيم يمنع من الرؤية و من حصول العلم بالوقت، و لا يكتفى بالظن في غير هذه الصورة، و ان كانت في السماء علة أخرى تمنع الرؤية غير الغيم من قتام أو ضباب و شبههما، و لا يكتفى بالظن الذي يحصل للمكلف من غير النظر و المراعاة في صورة وجود الغيم على الأحوط.

فإذا أفطر الصائم و هو شاك في دخول الوقت و عدمه لزمه قضاء صوم ذلك اليوم مع الكفارة، إلّا إذا حصل له العلم بعد ذلك بان الوقت قد دخل عند إفطاره، أو يكون قد اعتمد على إخبار

البينة أو على أذان الثقة العارف بالوقت، و ان لم يوجبا له قطعا و لا ظنا بالوقت، فلا يجب عليه القضاء و الكفارة في هذه الفروض.

و إذا أفطر اعتمادا على الظن في غير الصورة التي ذكرناها وجب عليه القضاء و الكفارة.

المسألة 110:

يجوز للمكلف أن يتناول المفطرات في آخر الليل حتى يعلم بطلوع الفجر الثاني، أو تشهد البينة العادلة بطلوعه، أو يسمع أذان المؤذن الثقة العارف بالوقت.

و إذا تناول المكلف بعض المفطرات و هو شاك في طلوع الفجر فلا شي ء عليه بذلك إذا لم يستبن له بعد ذلك طلوع الفجر و لا عدمه عند تناوله.

و إذا شهدت البينة العادلة بطلوع الفجر، أو سمع المكلف أذان المؤذن الثقة، فلم يعتمد على ذلك و تناول المفطر وجب عليه القضاء و الكفارة، و ان لم يتضح له بعد ذلك أنه أكل أو شرب بعد الفجر أو قبله.

المسألة 111:

لا يكتفى بخبر العادل الواحد إذا أخبر بدخول وقت الإفطار و لا بطلوع الفجر و لا ببقاء الليل، فإذا أخبر العادل الواحد مكلفا صائما بأن وقت الإفطار قد دخل لم يجز للصائم أن يفطر من صومه اعتمادا على خبره، بل و يشكل جواز تقليده في ذلك و ان كان المقلد أعمى لا يبصر أو محبوسا لا يمكنه الخروج لرؤية الوقت.

و إذا أفطر الصائم اعتمادا على خبر العادل بدخول الوقت وجب عليه القضاء و الكفارة عن ذلك اليوم إلا إذا أفاده قوله العلم بدخول الليل، أو ظهر له

كلمة التقوى، ج 2، ص: 44

بعد إفطاره أن قول ذلك العادل مطابق للواقع و أنه قد تناول المفطّر بعد دخول الليل، فيسقط عنه وجوب القضاء و الكفارة بعد وضوح الأمر.

المسألة 112:

إذا أخبر العادل الواحد بأن الفجر قد طلع و لم يحصل للصائم القطع بذلك من قوله، لم يحرم على الصائم أن يتناول المفطر بعد اخباره.

و إذا أنباه العادل بطلوع الفجر فلم يعول على خبره- كما قلنا- و تناول المفطّر بعد خبره، ثم ظهر له بعد ذلك أن المخبر صادق في قوله و أن الفجر كان طالعا حين ما تناول المفطر، فان كان قد راعى الوقت بنفسه قبل تناوله و لم يظهر له شي ء فلا إثم عليه بتناول المفطر، و لا قضاء للصوم، و ان تناول المفطر من غير مراعاة و لا نظر في الوقت لزمه قضاء الصوم، و هذا الحكم ثابت في نفسه و سيأتي تفصيله- ان شاء الله تعالى-، و لا مدخل لخبر العادل فيه، و قد مر ذكر بعض الفروض المشابهة له، و إذا أخبره العادل بطلوع الفجر و أفاده قول المخبر علما بطلوعه، حرم عليه

أن يتناول شيئا مفطرا لأنه قد علم بالوقت، و ليس لإخبار العادل به.

المسألة 113:

تكره للصائم عدة أمور:

(1): أن يباشر زوجته أو أمته بمداعبة أو بتقبيل أو لمس بشهوة أو تفخيذ، أو ما يشبه ذلك، و هذا إذا كان واثقا من نفسه بأنه لا يغلب على أمره فيسبقه نزول المني منه بسبب هذه الافعال.

و إذا قصد إنزال المني بهذه المباشرة فسد صومه و ان لم ينزل منه شي ء بالفعل، لأنه نوى المفطر فلم تستمر منه نية الصوم، و إذا كان من عادته ان يحصل منه الإنزال بمباشرة المرأة بمثل ذلك حرمت عليه المباشرة على الأحوط إذا كان الصوم واجبا معينا، و في قضاء شهر رمضان بعد الزوال، و كذلك إذا أوجب ذلك ترددا في نية الصوم و قد سبق ذكر كل هذا مفصلا.

(2): يكره للصائم ان يكتحل بكحل يحتوي على مسك أو صبر، أو يكتحل بشي ء غيرهما مما يصل طعمه أو ريحه الى الحلق.

(3): يكره له أن يتناول سعوطا، و السعوط هو المائع الذي يصب في الأنف، و المكروه منه ما لا يعلم بوصوله الى الحلق، و اما ما يعلم بأنه يصل الى الحلق

كلمة التقوى، ج 2، ص: 45

فالأقوى تحريمه.

(4): يكره له أن يشم النرجس و الرياحين، و المراد بالرياحين كل نبات طيب الرائحة سواء كان من النبات نفسه أم من الأزهار.

(5): يكره له أن يحتقن بالجامد.

(6): يكره له أن يخرج من بدنه دما يوجب خروجه له الضعف، سواء كان إخراجه بفصد أم بحجامة أم بغيرهما و إذا علم ان ذلك يسبب له الإغماء كان حراما.

(7): يكره له أن يقلع ضرسه أو يدمي فمه و لو بسواك و شبهه.

(8): يكره له أن يدخل الحمام إذا

خشي من دخوله الضعف.

(9): يكره له أن يبلّ الثوب على جسده، أو يلبس ثوبا مبلولا.

(10): يكره له أن يستاك بعود رطب.

(11): يكره للمرأة الصائمة أن تجلس في الماء.

(12): يكره له أن ينشد شعرا و هو صائم، سواء كان في شهر رمضان أم في غيره من أقسام الصوم، و يكره له أن ينشد الشعر في شهر رمضان و ان أنشده في الليل أو أنشده و هو غير صائم لبعض مسقطات الصوم، و كذلك الحكم في المرأة، و يستثنى من الشعر ما كان في مدح الرسول (ص)، و المعصومين (ع) و رثائهم، بل مطلق ما كان حقا كالدعاء و المناجاة و الموعظة و الحكمة و غيرها من الشعر الحق، فلا كراهة في إنشاده، بل قد يكون من العبادات المحبوبة التي توجب القرب الى الله.

(13): يكره للصائم ان يأتي شيئا من مكروهات الأعمال و الأخلاق و الآداب النفسانية، فإنها في حال الصوم و في شهر رمضان للصائم و غير الصائم تكون أشد كراهة منها في سائر الأحوال و الأوقات، كما ان المحرمات تكون فيهما أشد حرمة منها في بقية الأحوال و الأزمان

كلمة التقوى، ج 2، ص: 46

الفصل الثالث في الكفارات
المسألة 114:

إذا تناول الصائم بعض المفطّرات التي ذكرناها في الفصل الثاني و كان متعمدا في فعله، غير ساه و لا ناس للحكم و لا الموضوع، و لا مكره من أحد على تناول المفطّر و لا مجبر عليه، وجبت عليه الكفارة إذا كان صومه من الأنواع التي تجب الكفارة إذا أفسدها، و سيأتي ذكر هذه الأنواع في المسألة الآتية.

و وجوب الكفارة عند إفسادها شامل لجميع المفطرات التي تقدم ذكرها، حتى الاحتقان بالمائع على الأقوى و حتى الارتماس في الماء، و القي ء، و

الكذب على الله و على رسوله و على المعصومين على الأحوط.

و اما نوم الصائم على الجنابة حتى يصبح فقد فصّلنا الحكم فيه في المسألة الحادية و الستين و ما بعدها، فلتراجع، و قد ذكرنا في المسألة الحادية و الثلاثين و المسألة المائة و الثالثة حكم من ارتكب بعض المفطرات جاهلا قاصرا أو مقصرا، و حسبنا هنا هذه الإشارة إلى تلك الموارد.

المسألة 115:

تجب الكفارة على الصائم إذا تناول مفطرا فأفسد صومه متعمدا كما قلنا في المسألة السابقة في أربعة أنواع من الصوم:

(1): صوم شهر رمضان، إذا أفطر فيه في أي جزء من أجزاء النهار.

(2): صوم قضاء شهر رمضان إذا أفطر فيه بعد زوال الشمس من النهار.

(3): الصوم المنذور إذا كان وقته معينا في أصل النذر.

(4): صوم الاعتكاف.

المسألة 116:

إذا أفطر الصائم يوما من أيام شهر رمضان متعمدا و لا عذر له في إفطاره، و كان إفطاره بتناول مفطر محلّل في شريعة الإسلام وجب عليه على نحو التخيير اما أن يعتق رقبة، و اما أن يصوم شهرين متتابعين، و اما أن يطعم ستين مسكينا، أو يدفع لكل واحد منهم مدا واحدا من الطعام.

و إذا أفطر يوما من الشهر و كان إفطاره بتناول مفطر محرّم في الإسلام وجب

كلمة التقوى، ج 2، ص: 47

عليه- على الأحوط- ان يدفع عن صومه كفارة الجمع، فيدفع الخصال الثلاث المذكورة جميعا، فيعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستين مسكينا.

المسألة 117:

إذا أفطر المكلف الصائم في قضاء شهر رمضان متعمدا في فعله، و كان إفطاره بعد زوال الشمس من النهار، وجب عليه معيّنا ان يطعم عشرة مساكين أو يدفع لكل مسكين منهم مدا واحدا من الطعام كما تقدم، فان هو لم يقدر أن يطعمهم لبعض الأعذار وجب عليه ان يصوم بدلا عن ذلك ثلاثة أيام، و لا يجزيه صومها إذا كان قادرا على إطعام المساكين العشرة.

المسألة 118:

إذا أفطر المكلف متعمدا في صيام نذر معين، وجب عليه ان يدفع كفارة خلف النذر، و هي- على الأقوى- مثل كفارة خلف اليمين، فيجب عليه على- نحو التخيير- اما أن يطعم عشرة مساكين، و اما أن يكسوهم، و اما أن يعتق رقبة، فإن عجز عن الخصال الثلاث، و لم يقدر على الإتيان بواحدة منها، وجب عليه- على وجه التعيين- ان يصوم ثلاثة أيام بدلا عن ذلك.

المسألة 119:

إذا جامع الإنسان زوجته- نهارا- و هو صائم صوم الاعتكاف، وجب عليه أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا، أو يدفع لكل مسكين مدا من الطعام، و كان مخيرا بين هذه الخصال الثلاث كما سبق في كفارة الإفطار في شهر رمضان على مفطر محلّل.

و تجب هذه الكفارة أيضا على من جامع زوجته ليلا في أيام اعتكافه، و إذا اعتكف الإنسان في أيام شهر رمضان و جامع زوجته فيه نهارا، وجب عليه أن يجمع بين الكفارتين، فيدفع كفارة الاعتكاف التي ذكرناها و يدفع معها كفارة الإفطار في شهر رمضان، و قد سبق ذكرها في المسألة المائة و السادسة عشرة.

و إذا كان اعتكاف الرجل في صوم آخر من الأنواع التي تجب فيها الكفارة، و جامع فيه نهارا وجب عليه أن يجمع بين كفارة الاعتكاف و كفارة الإفطار في الصوم الذي أفطر فيه، و لا تجب كفارة الاعتكاف على المعتكف بغير الجماع من بقية المفطرات، و يأتي تفصيل الحكم في كتاب الاعتكاف.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 48

المسألة 120:

إذا ارتكب الصائم ما يوجب الكفارة في أيام متعددة، وجب عليه أن يأتي بالكفارة بعدد الأيام التي أفسد صومه فيها، سواء كان في شهر رمضان أم في غيره من أنواع الصيام التي تجب فيها الكفارة، و سواء كان المفطّر الذي تعمّد ارتكابه من جنس واحد أم من جنس مختلف، فأكل في اليوم الأول، و شرب في اليوم الثاني، و جامع في اليوم الثالث، و هكذا، و سواء تخلّل منه التكفير بين الأيام التي أفطرها، فأتى بعد كل يوم أفطره بكفارته أم لا، فلا بدّ لكل يوم أفطر فيه من كفارة مستقلة، و لا فرق في الحكم المذكور

بين ان تكون الكفارة التي وجبت عليه كفارة مفردة لأنه أفطر على شي ء محلل، و أن تكون كفارة جمع، لأنه أفطر بتناول شي ء محرّم.

المسألة 121:

إذا فعل الصائم ما يوجب الكفارة أكثر من مرة واحدة في يوم واحد، فتناول المفطّر في يومه مرتين، أو أكثر عامدا، لم تتعدد عليه الكفارة لذلك اليوم الواحد، سواء كان المفطر الذي تناوله من جنس واحد، فأكل في يومه مرتين أو أكثر أم كان من جنس مختلف، فأكل في يومه و شرب و ارتمس، و سواء تخلل منه دفع الكفارة بين تناول المفطّرين أم لا، و هذا هو الحكم في غير الجماع من موجبات الكفارة.

و إذا تكرر الجماع من الصائم في يوم واحد فلا يترك الاحتياط بتعدد الكفارة عليه، فإذا جامع في يومه مرتين كفّر عنهما كفارتين، و إذا جامع ثلاثا كفّر ثلاثا، و لا فرق في لزوم الاحتياط في الحكم المذكور للجماع بين المحلّل منه و المحرم، فإذا تكرر الجماع المحلّل من الصائم في يوم واحد من شهر رمضان وجبت عليه الكفارة المخيّرة بين الخصال الثلاث بعدد ما جامع، سواء كان جماعه لزوجة واحدة أم لأكثر، و سواء تخلل التكفير منه بين الجماعين أم لا.

و إذا تكرر منه الجماع المحرم وجبت عليه كفارة الجمع- على الأحوط- بعدد ما جامع كذلك، و قد تقدم بيان هذه الكفارة في المسألة المائة و السادسة عشرة.

و كذلك الحكم- على الأحوط- إذا تناول في يومه مفطرا غير الجماع، ثم جامع فيه بعد ذلك فتتعدد الكفارة، و مثله ما إذا انعكس الفرض، و إذا تكرر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 49

الجماع في الصورتين تعددت كفارته، و إذا تكرر المفطّر الآخر لم تجب فيه غير كفارة واحدة.

المسألة 122:

تجب على الصائم كفارة الجمع- على الأحوط- إذا أفطر في شهر رمضان على مفطر محرم، كما قلنا في المسألة المائة و السادسة عشرة، سواء

كان المحرم الذي أفطر عليه محرما بالأصالة، كشرب الخمر و أكل اللحم غير المذكّى، و أكل الطعام المغصوب، أم كان محرما بالعارض كجماع الزوجة في أيام حيضها، و أكل ما يضره أكله و أكل لحوم الحيوانات الجلالة و شرب ألبانها.

المسألة 123:

إذا وجبت على الإنسان كفارة مخيرة بين خصال، ككفارة الإفطار في شهر رمضان على مفطر محلّل و كفارة الاعتكاف و تعذر عليه بعض الخصال من الكفارة تخير بين باقي الخصال المقدورة له، فإذا وجبت عليه كفارة الإفطار في شهر رمضان مثلا و تعذر عليه أن يعتق رقبة، تخير بين ان يصوم شهرين متتابعين و ان يطعم ستين مسكينا، و إذا لم تمكن له الا خصلة واحدة منها تعينت عليه تلك الخصلة المقدورة، فيتعين عليه إطعام المساكين إذا لم يقدر على العتق و الصيام.

و كذلك الحكم إذا وجبت على الشخص كفارة واحدة مخيرة من جهة و مرتبة في جهة ككفارة الإفطار في الصوم المنذور المعين و كفارة مخالفة اليمين و قد ذكرناهما في المسألة المائة و الثامنة عشرة، فإذا تعذر عليه بعض خصال التخيير من الكفارة، تخير بين باقي الخصال الممكنة منها، و إذا لم يقدر الا على خصلة واحدة منها تعينت عليه تلك الخصلة و لا ينتقل حكمه الى الخصلة المرتبة عليها إلا إذا عجز عن جميع خصال التخيير و قد بينا هذا في المسألة المشار إليها.

و إذا وجبت على المكلف كفارة الجمع ككفارة الإفطار في شهر رمضان على مفطر محرّم في الشريعة و تعذر عليه أن يأتي ببعض خصالها وجب عليه أن يأتي بالباقي المقدور من الخصال على الأحوط.

المسألة 124:

إذا أفطر المكلف الصائم في شهر رمضان على مفطر محلّل، ثم تناول من بعده في ذلك اليوم نفسه مفطرا محرّما وجبت عليه كفارة واحدة مخيّرة بين الخصال الثلاث بسبب إفطاره الأول، و لم تجب عليه كفارة الجمع بسبب تناول المفطّر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 50

المحرم في اليوم نفسه، إلا إذا كان المفطّر الثاني الذي

ارتكبه جماعا محرما، فتجب عليه كفارة مخيرة بإفطاره الأول، و تجب عليه كفارة جمع بالإفطار الثاني.

المسألة 125:

إذا علم المكلف الصائم بأنه قد تناول احد مبطلات الصوم، و لم يعلم أن المبطل الذي فعله مما يوجب عليه قضاء الصوم فحسب، أو هو مما يوجب عليه القضاء و الكفارة كليهما، وجب عليه قضاء الصوم فقط، و لم تجب عليه الكفارة، و إذا علم بأنه قد تناول أحد المفطّرات التي توجب عليه الكفارة، و لم يدر أن المفطّر الذي تناوله محلل يوجب عليه كفارة مفردة، أو هو محرم يوجب عليه كفارة الجمع وجبت عليه كفارة مفردة و لم تجب عليه كفارة الجمع.

المسألة 126:

إذا علم الشخص بأنه قد وجبت عليه كفارات متعددة و شك في عددها أ هي خمس كفارات أم ست مثلا؟ و مثال ذلك: أن يفطر أياما من شهر رمضان و تجب عليه لكل يوم كفارة، ثم يشك في عدد الأيام التي أفطرها و عدد ما وجب عليه في إفطارها من الكفارات أ هي العدد الأقل الذي يحتمله أم العدد الأكثر؟ فيكفيه أن يأتي بالقدر المتيقن وجوبه منها و هو العدد الأقل، و إذا كان سابقا قد علم بعدد ما وجب عليه من الكفارات، ثم نسي عددها بعد ذلك، فالأحوط له استحبابا ان يأتي بالعدد الأكثر، و ان كان الأقوى الاكتفاء بالأقل حتى في هذه الصورة أيضا.

المسألة 127:

إذا تناول الصائم المفطّر عامدا في يوم من أيام صومه الواجب وجبت عليه الكفارة بتحقق سبب وجوبها عليه، و لا يسقط وجوبها عنه إذا تعمد فسافر في ذلك اليوم، سواء سافر بعد الزوال أم قبله، و سواء قصد بسفره الفرار من الكفارة أم لم يقصد ذلك.

و إذا خرج المكلف الصائم إلى السفر لم يجز له الإفطار حتى يصل في سفره الى حد الترخص، فإذا تناول المفطر متعمدا قبل ان يبلغ الى حد الترخص وجبت عليه الكفارة و لم يسقط عنه وجوبها إذا بلغ حدّ الترخص في يومه الذي سافر فيه أو بلغ المسافة التامة فيه، و إذا وجبت الكفارة على الرجل الصائم أو على المرأة الصائمة، بحصول سبب وجوب الكفارة ثم طرأ لهما ما يسقط وجوب الصوم عنهما من مرض أو حيض أو نفاس أو غيرها لم يسقط وجوب الكفارة عنهما على

كلمة التقوى، ج 2، ص: 51

الأحوط.

المسألة 128:

إذا تعمّد المكلّف الإفطار في يوم الشك في آخر شهر رمضان وجبت عليه الكفارة بإفطاره، سواء اتضح له بعد ذلك أن اليوم من شهر رمضان أم لم يتضح له شي ء، و إذا ثبت بعد ذلك بوجه شرعي ان اليوم من شهر شوال سقط عن المكلف وجوب الكفارة، و استحق الإثم و العقوبة بجرأته على الإفطار فيه قبل الثبوت الشرعي للهلال.

و إذا أصبح المكلف في اليوم الذي يشك الناس فيه انه أول شهر رمضان أو آخر شهر شعبان، و حصل له العلم بان اليوم أول رمضان، فإذا تعمّد فيه الإفطار وجبت عليه الكفارة. و إذا استبان له بعد ذلك انه مخطئ في اعتقاده و أن اليوم من شعبان، سقط عنه وجوب الكفارة.

المسألة 129:

إذا استحل الإنسان الإفطار في شهر رمضان، و كان عالما بوجوب صومه في الإسلام و عامدا في استحلال الإفطار فيه كان مرتدا عن الإسلام، سواء أفطر بالفعل أم لم يفطر، و من أفطر فيه و كان عالما بالحكم عامدا في إفطاره و غير مستحل للإفطار، وجب تعزيره على فعله، فان كان إفطاره بجماع زوجته عزّره الإمام أو نائبه بخمسة و عشرين سوطا، و إذا كان إفطاره بغير الجماع من المفطرات أو بجماع غير زوجته عزّر بما يراه الامام (ع) أو نائبه.

المسألة 130:

من أفطر في شهر رمضان و كان عالما بالحكم و عامدا في إفطاره و غير مستحل لإفطاره عزر كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، فإن هو عاد الى جريمته فأفطر في الشهر عالما عامدا بعد التعزير الأول عزّر مرة ثانية، فان عاد الى مثل الجريمة بعد التعزير الثاني فأفطر، قتل في المرة الثالثة، و الأحوط أن يعزّر في الثالثة، فإن عاد فأفطر كذلك بعد التعزير الثالث قتل في المرة الرابعة.

المسألة 131:

إذا أكره الرجل الصائم زوجته و هي صائمة أيضا فجامعها في شهر رمضان وجب على الرجل ان يدفع كفارة صيامه و كفارة صيام زوجته معا، و ان يعزر مرة عنه و مرة أخرى عنها، فيدفع كفارتين و يعزر مرتين فيضرب في كل تعزير منهما

كلمة التقوى، ج 2، ص: 52

خمسة و عشرين سوطا.

و إذا أكره الرجل الزوجة على الجماع في أول الأمر ثم إطاعته في أثناء العمل، فلا يترك الاحتياط بأن يدفع الرجل كفارتين و تدفع المرأة كفارة واحدة، و إذا هي أطاعته من أول الأمر لزم الرجل تعزيره و كفارته و لزم المرأة تعزيرها و كفارتها، و لا فرق في الأحكام التي بينّاها بين أن تكون الزوجة دائمة أو متمتعا بها.

المسألة 132:

يختص الحكم الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة بالرجل و زوجته، و بما إذا أكرهها على الجماع و كانا كلاهما صائمين، و لذلك، فلا يتحمل الرجل عن أمته كفارة و لا تعزيرا إذا أكرهها على الجماع في مثل الفرض المذكور بل و لا يتحمل عن المرأة الأجنبية إذا أكرهها فجامعها و هما صائمان.

و لا يتحمل الرجل عن زوجته شيئا إذا أكرهها على الإفطار بغير الجماع من المفطرات الأخرى، فلا تلزمه كفارتها و لا تعزيرها، و لا يتحمل عن زوجته شيئا إذا أكرهها على الجماع و كان مفطرا غير صائم لمرض أو سفر و كانت هي صائمة، و لا تتحمل الزوجة عن زوجها شيئا إذا أكرهته على الجماع و هما صائمان، و لا يتحمل الرجل عن زوجته شيئا إذا أكرههما غيرهما على الجماع و هما صائمان، بل و لا يتحمل عنهما شيئا من أكرههما على ذلك و ان كان عاصيا آثما بما فعل.

المسألة 133:

إذا وجبت الكفارة المخيرة على المكلّف لافطار يوم من شهر رمضان فعجز عن الخصال الثلاث التي يتخير بينها، فلم يستطع أن يأتي بأي واحدة منها وجب عليه أن يتصدّق بما يطيق، و إذا وجبت عليه الكفارة المخيرة المذكورة لغير الإفطار في شهر رمضان من موجباتها الأخرى و عجز عن جميع خصالها كما ذكرنا، وجب عليه أن يصوم بدلا عنها ثمانية عشر يوما، فإذا عجز عن ذلك أيضا استغفر الله بدلا عن الكفارة.

فإن هو استطاع الإتيان بالكفارة بعد ذلك أو استطاع الإتيان ببعض خصالها وجب عليه الإتيان بها في كلا الفرضين على الأحوط.

المسألة 134:

تجب الكفارة على الإنسان إذا حصل له أحد الأسباب الموجبة لها وجوبا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 53

موسعا، و لكن لا يجوز لمن كلّف بها أن يؤخر الإتيان بها الى حدّ يلزم منه التهاون بأمر الله، و لا تجب عليه كفارة ثانية بسبب تأخيرها، و ان مضى عليها أمد طويل.

المسألة 135:

يجوز للإنسان أن يتبرع بدفع الكفارة عن الميت إذا اشتغلت ذمة الميت بالكفارة، و يشكل الحكم بجواز التبرع عن الغير إذا كان حيا، و الأحوط ترك التبرع عنه، و يتأكد هذا الاحتياط إذا أراد التبرع عنه بالصوم من خصال الكفارة الواجبة عليه.

المسألة 136:

لا يقدح في صحة صوم الصائم ظاهرا أن يفطر بعد دخول الليل بتناول شي ء محرم فلا يبطل بذلك صومه و ان أثم بارتكاب ذلك، و لا يضر بصحة صومه أيضا ان يقصد و هو صائم في النهار أن يجعل إفطاره في الليل على شي ء من المحرمات و ان عصى و أثم، بل و تضاعف إثمه و جرمه، و حرم و سقط بذلك حظه عن بلوغ مراتب الصيام، و تبوّئ منازل الصائمين و درجات القبول عند الله رب العالمين، و خصوصا إذا كان في شهر الصوم الذي يتضاعف فيه العقاب على المحرمات كما يتضاعف فيه الثواب على الطاعات.

المسألة 137:

مصرف الإطعام في الكفارة هم الفقراء المحتاجون الذين لا يملكون قوت سنتهم بالفعل و لا بالقوة، و هم المراد من المساكين الذين ذكرتهم نصوص الكفارة في الكتاب الكريم و السنّة المطهرة، و لا بد من إطعام العدد المعين من المساكين في الكفارة الواحدة مع التمكن من الحصول على العدد، فيجب على المكلف أن يطعم ستين مسكينا تامة في كفارة الإفطار في شهر رمضان مثلا، و يجب عليه أن يطعم عشرة مساكين كاملة في كفارة الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال، و هكذا في الكفارات الأخرى، فيجب عليه أن يتم العدد المعين في الكفارة التي وجبت عليه.

و إذا أطعم الفقير الواحد مرتين أو أكثر في الكفارة الواحدة لم يجزه ذلك عن أكثر من مسكين واحد، نعم يجزيه ذلك عند الإعواز و عدم التمكن من إتمام العدد لقلة الموجودين من المساكين عن بلوغ العدد الذي يجب إطعامه، فيجوز له التكرار في هذه الصورة حتى يبلغ العدد، فإذا وجد ثلاثين مسكينا فقط أطعمهم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 54

مرتين، و

إذا وجد عشرين مسكينا أطعمهم ثلاث مرات، و هكذا. و إذا وجد أربعين مسكينا أطعمهم جميعا مرة ثم كرر الإطعام على عشرين منهم، و لا يكفيه أن يطعم ثلاثين منهم مرتين، و إذا وجد ثمانية مساكين في كفارة قضاء شهر رمضان أطعمهم مرة ثم كرر الإطعام على مسكينين.

و يتخير المكلف في الإطعام الواجب عليه بين أن يشبع الفقراء حتى يكتفوا مرة واحدة، و ان يدفع الطعام إليهم أو إلى وكيلهم إذا كانوا راشدين و الى ولي أمرهم إذا كانوا قاصرين، ليوصل الطعام إليهم، و لا يترك الاحتياط في كفارة الظهار بأن يدفع للفقير الواحد مدين من الطعام، و يكفي في غيرها من الكفارات ان يدفع مدا واحدا لكل مسكين.

و لا يترك الاحتياط في كفارة اليمين بأن يكون المدّ الذي يدفعه للمسكين من التمر أو من الحنطة أو دقيقها أو خبزها، و يكفي في غيرها من سائر الكفارات أن يدفع مدا من مطلق الطعام، و يدفع للفقير الصغير في جميع الكفارات بمقدار ما يدفعه للفقير الكبير.

المسألة 138:

إذا كان للفقير عيال فقراء و كان وكيلا عنهم في قبض ما يدفع إليهم من الطعام أو وليا على القاصرين منهم، جاز للمكلف أن يدفع اليه من طعام الكفارة بمقدار عددهم و تبرأ ذمة المكلّف من الإطعام بمقدار ما يدفع اليه، فإذا قبض الفقير طعام الكفارة بحسب وكالته و ولايته دفع الى الراشدين من عياله حصصهم، و بقيت حصص الصغار و المولى عليهم امانة بيده يتولى صرفها في مصالحهم و حاجاتهم بحسب ولايته عليهم.

و إذا لم يكن رأس العائلة وكيلا عنهم و لا وليا عليهم، أمكن للمكلف الذي وجبت عليه الكفارة، أن يجعله وكيلا عنه في إشباعهم أو في دفع

الحصص إليهم و تبرأ ذمة المكلف إذا قام وكيله هذا بأمر الكفارة فأشبعهم أو دفع الطعام إليهم أو الى ولي أمرهم، و لا تبرأ ذمة المكلف من الواجب بمجرد دفع المال الى الوكيل.

المسألة 139:

يجوز السفر اختيارا على الأقوى للمكلف بالصيام في شهر رمضان، و ان كان سفره لا لحاجة أو لعذر يدعوه الى السفر فيه، و المشهور بين الفقهاء كراهة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 55

السفر فيه، الا أن يكون السفر لحج أو لعمرة أو مال يخاف تلفه فيسافر لحفظ المال، أو أخ في الله يخشى هلاكه فيسافر ليدفع عنه ما يحذره عليه، و لعل الأقرب ان المراد من أدلة المسألة هو أفضلية الإقامة في شهر رمضان على السفر فيه، و ان النواهي الواردة في النصوص عن المسافرة في الشهر انما هي نواه عرضية عنه من جهة استلزام السفر في الشهر للإفطار فيه و ترك ما هو أفضل و هو الإقامة فيه و أداء الصوم امتثالا لأمر الله سبحانه في الشهر المعظم عنده.

و سواء أ كان المراد من النواهي عن السفر فيه هو الكراهة كما هو المشهور، أم كان المراد بها النهي عن ترك ما هو أفضل، فإن ذلك يزول بمضي الليلة الثالثة و العشرين من الشهر، فلا كراهة و لا نهي عن السفر بعدها.

المسألة 140:

إذا كان السفر في شهر رمضان لا يستلزم من المكلف إفطارا من الصوم، و مثال هذا: ان يسافر الرجل بعد ان يدخل عليه الليل لبعض الغايات المباحة أو المستحبة ثم يعود الى بلده قبل طلوع الفجر فالظاهر عدم شمول النواهي لمثل هذا السفر و ان تكرر منه في كل ليلة، كما يفعله بعض الخطباء الذين يسافرون في ليالي الشهر الى قرى تبعد عن بلادهم بما يبلغ المسافة الشرعية أو تزيد على ذلك للقراءة و الوعظ في تلك القرى النائية ثم يعودون الى بلادهم و منازلهم في نفس الليلة، فلا كراهة في مثل ذلك

و لا حرمة على تقدير القول بها كما يراه بعض الأعاظم (قده)، فضلا عن القول الذي اخترناه من أن النواهي انما هي نواه عرضية عن السفر لانه يستلزم ترك ما هو أفضل في هذا الشهر و هو الإقامة فيه و الصوم.

و كذلك إذا سافر المكلف في نهار شهر رمضان بعد الزوال، فإن إتمام صوم اليوم واجب عليه في هذه الصورة، فإذا هو قضى حاجته من السفر و عاد الى بلده ليلا لم يفته الصوم في سفره، و سيأتي بيان وجوب إتمام الصوم على المكلف إذا سافر بعد الزوال في المسألة المائة و الرابعة و الستين.

و أجلى من ذلك و أكثر وضوحا ما إذا كان المكلف ممن عمله السفر فقد ذكرنا في مباحث صلاة المسافر ان الأقوى في هذا الصنف هو وجوب إتمام الصلاة و الصيام عليه، فلا يفوته الصوم في شهر رمضان و ان سافر الى موضع عمله في صباح كل يوم من الشهر و رجع عصرا أو ليلا إلى منزله.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 56

و من ذلك أيضا من يسافر في شهر رمضان بعد الزوال أو بعد دخول الليل و يصل قبل طلوع الفجر من ليلته تلك الى موضع ينوي الإقامة فيه عشرة أيام، فيجب عليه الصوم لإقامته في الموضع، و لا يفوته شي ء من صيام شهر رمضان و كذلك إذا وصل الى الموضع الذي ينوي فيه اقامة العشرة قبل زوال النهار و لم يكن قد تناول في يومه مفطرا، فتجب عليه نية الصوم و لا يفوته شي ء منه.

المسألة 141:

المدّ الذي يجب دفعه الى المسكين من الإطعام في الكفارة هو ربع الصاع الشرعي، و الصاع الشرعي هو ستمائة و أربعة عشر مثقالا صيرفيا و

ربع مثقال، فيكون المدّ مائة و ثلاثة و خمسين مثقالا صيرفيا، و ثلاث عشرة حمصة و نصفا، و المراد من الحمصة الجزء الواحد من أربعة و عشرين جزءا من المثقال الصيرفي، و على هذا فإذا دفع المكلف الى المسكين ثلاثة أرباع الكيلو (و الكيلو هو الوزن الغربي الشائع بين الناس في زماننا) فقد زاد على المدّ الواجب دفعه في الكفارة بضعة مثاقيل صيرفية.

و إذا دفع الى الفقير خمسة عشر مثقالا و نصفا (بالمثقال المعروف في البحرين، و هو عشرة مثاقيل صيرفية)، فقد زاد على المد الواجب دفعه مثقالا صيرفيا واحدا و عشر حمصات و نصفا، و إذا دفع الى الفقير نصف حقة اسلامبولية فعليه ان يضيف إليه ثلاثة عشر مثقالا صيرفيا و ثلاث عشرة حمصة و نصفا ليكون المجموع مدا.

المسألة 142:
اشارة

يجب على المكلّف قضاء الصوم و لا تجب عليه الكفارة في عدة مواضع:

(الموضع الأول): إذا نام المكلّف المجنب ليلا

في شهر رمضان بعد ما علم بجنابته، و هو عازم على الغسل من جنابته قبل أن يطلع عليه الفجر، أو و هو غافل عن ذلك، ثم انتبه بعدها و نام مرة ثانية و استمرت به نومته الثانية حتى طلع عليه الفجر، فيجب عليه قضاء صوم ذلك اليوم و لا تجب عليه الكفارة، و كذلك الحكم في النومة الثالثة و ما بعدها إذا استمرت به الى الصباح في الفرض المذكور، فيجب عليه القضاء دون الكفارة على الأقوى، و قد بيّنا هذا في المسألة الثالثة و الستين، و الأحوط له استحبابا ان يدفع الكفارة إذا انتبه بعد النومة الثانية ثم نام النومة الثالثة أو ما بعدها و استمرت به الى الصبح و الأقوى الأول.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 57

و يلحق بشهر رمضان في هذا الحكم على الأحوط، كل صوم واجب سواء كان معينا أم غير معين، و تراجع المسألة الخامسة و الستون.

(الموضع الثاني): إذا أخل المكلف بنية صومه،

فتردّد في الاستمرار على قصد الصوم و عدمه، أو أخلّ بالنية بما ينافي التقرب و الإخلاص فيها، أو أحدث له نية أخرى تنافي الأولى كما إذا نوى قطع صومه في أثناء النهار، أو نوى أن يتناول أحد المفطّرات و هو يعلم بان ذلك الشي ء مفطر من الصّوم، فإذا هو أخل بنية الصوم بأحد المنافيات المذكورة و لم يأت بشي ء من المفطّرات وجب عليه القضاء دون الكفارة.

و من ذلك ما إذا نام المكلف المجنب في الليل و هو متردد في أن يغتسل من جنابته قبل الفجر أو لا يغتسل و استمر به نومه حتى أصبح، فيجب عليه قضاء الصوم دون الكفارة.

(الموضع الثالث): إذا نسي المكلف المجنب غسل الجنابة

و صام يوما أو أياما متعددة من شهر رمضان أو من قضائه و هو مجنب ناس للغسل فيجب عليه قضاء صوم ذلك اليوم أو الأيام التي نسي الغسل فيها و لا تجب عليه الكفارة و قد بينّا هذا في المسألة السابعة و الخمسين.

(الموضع الرابع): إذا شك المكلف في طلوع الفجر و عدم طلوعه

و تناول شيئا من المفطرات من غير مراعاة منه للوقت، ثم تبين له ان الفجر كان طالعا حين ما تناول المفطر، فيجب عليه قضاء الصوم، و ان كان اعمى لا يبصر، أو كان محبوسا غير قادر على مراعاة الوقت، أو كان غير عارف بالفجر، على الأقوى في كل أولئك، و لا تجب عليه الكفارة.

و إذا قامت عند المكلف بينة شرعية على طلوع الفجر، أو سمع أذان الثقة العارف بالوقت، فلم يعتمد عليهما، و استصحب بقاء الليل و تناول المفطّر من غير مراعاة منه للوقت، ثم استبان له بعد التناول صدق البينة، أو المؤذن، و أنه قد تناول المفطّر بعد طلوع الفجر، لزمه القضاء و الكفارة معا.

و إذا تناول المفطّر بعد أن نظر في الوقت و راعى الفجر و لم يظهر له شي ء، ثم تبين له بعد ذلك ان الفجر كان طالعا عند ما تناول المفطّر، فلا قضاء عليه و لا كفارة، و ان كانت مراعاته للوقت لم تفده اعتقادا و لا ظنا ببقاء الليل، و الأحوط له استحبابا قضاء الصوم في هذه الصورة، و الاحكام التي ذكرناها كلها تجري في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 58

صوم شهر رمضان.

و اما غير شهر رمضان من أنواع الصيام، فان كان من الصوم الواجب غير المعين كقضاء شهر رمضان، و كالنذر المطلق، أو كان من الصوم المندوب، فإذا تناول المفطر ثم ظهر له ان الفجر كان

طالعا عند ما تناول المفطّر فالظاهر بطلان صومه، سواء كان قد راعى الوقت قبل تناوله أم لم يراع.

و ان كان من الصوم الواجب المعين غير شهر رمضان، فان هو تناول المفطر و لم يراع الوقت قبل تناوله فالظاهر بطلان صومه إذا استبان له طلوع الفجر عند تناوله، و إذا كان قد راعى الفجر قبل أن يتناول فلا يترك الاحتياط بأن يتم صوم ذلك اليوم ثم يقضيه بعد إتمامه إذا كان الصوم مما يقضى.

(الموضع الخامس): إذا أخبر المكلف مخبر من الناس بان الليل لا يزال باقيا،

فاعتمد المكلف على قول المخبر و تناول المفطّر، ثم تبين له خطأ ذلك المخبر في قوله و أن الفجر قد طلع حينما تناوله، فيجب على المكلف قضاء صوم ذلك اليوم و ان كان المخبر عادلا، و يلاحظ ما يأتي بيانه في آخر الموضع السادس.

(الموضع السادس): إذا أخبر المكلف أحد بأن الفجر قد طلع

فاعتقد أو ظن بان المخبر هازل في قوله، و ان الفجر لم يطلع بعد و تناول المفطّر، فإذا ظهر له بعد تناوله ان الفجر كان طالعا في ذلك الحال لزمه قضاء الصوم.

و يستثنى منه و من الموضع الخامس المتقدم ذكره ما إذا نظر في الوقت و راعى الفجر قبل ان يتناول المفطّر و لم يظهر له شي ء، فلا يجب عليه قضاء الصوم إذا تبين له الخطأ في كلتا الصورتين.

(الموضع السابع): إذا سمع الصائم أذان المؤذن

الثقة العارف بالوقت للمغرب أو شهدت له البينة العادلة بدخول الليل فاعتمد على أذان المؤذن أو على قول البينة و أفطر من صومه، ثم تبين له انهما مخطئان و أن الليل لم يدخل حين ما أفطر، فيجب عليه القضاء و لا تجب عليه الكفارة.

و إذا أخبره عادل واحد بان وقت المغرب الشرعي قد دخل فاعتمد على قول ذلك العادل و أفطر من صومه ثم تبين له أن العادل مخطئ في قوله فالظاهر وجوب القضاء و الكفارة عليه. و كذلك الحكم إذا قلّد أحدا في إفطاره فأفطر معه، ثم تبين له الخطأ فيجب عليه القضاء و الكفارة، و ان كان المكلف أعمى لا يبصر أو محبوسا لا يقدر على المراعاة على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 59

(الموضع الثامن): إذا حدثت في الجو ظلمة
اشارة

أوهمت المكلف بان الليل قد دخل، و لهذه المسألة صور تختلف فروضها و أحكامها.

(الصورة الأولى):

أن توجب الظلمة الحادثة للمكلف قطعا بدخول الليل عليه فيفطر لذلك من صيامه، ثم يتبين له بعد إفطاره خطأه في ما اعتقد، و ان الوقت لم يدخل في حال إفطاره، و الظاهر صحة صومه في هذه الصورة، فلا يجب عليه قضاء اليوم، و يجب عليه أن يمسك عن المفطرات في بقية نهاره إذا كان الصوم واجبا.

(الصورة الثانية):

أن توجب الظلمة الحادثة في الجو للمكلف شكا في دخول الوقت، و يفطر مع كونه شاكا غير قاطع، ثم ينكشف له بعد تناول المفطر أن الليل لم يدخل في حال إفطاره، و يجب عليه في هذه الصورة قضاء الصوم و دفع الكفارة، و يجب عليه أن يمسك في بقية النهار، إذا كان في شهر رمضان، و كذلك الحكم إذا أفطر مع الشك لحدوث الظلمة ثم لم يستبن له شي ء، فعليه القضاء و الكفارة، و الإمساك حتى يدخل الليل إذا كان صائما في الشهر.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 2، ص: 59

(الصورة الثالثة):

ان يحدث له مثل الفرض المتقدم فيكون شاكا في دخول الليل و يفطر مع شكه، ثم ينكشف له ان الليل قد دخل عند ما أفطر، و لا قضاء و لا كفارة عليه في هذه الصورة، و ان كان آثما في إفطاره مع الشك للتجري الحاصل منه.

(الصورة الرابعة):

ان توجب الظلمة الحادثة في الجو للمكلف ظنا بدخول الليل و يتناول المفطر لذلك، ثم ينكشف له ان الوقت لم يدخل في حال إفطاره، فإن كانت في السماء علة من الغيم و قد راعى الوقت قبل إفطاره حتى حصل له الظن بدخول الليل بسبب المراعاة صح صومه و وجب عليه ان يمسك عن المفطرات في بقية نهاره إذا كان الصوم واجبا.

و ان لم تكن في السماء علة أو كانت فيها علة غير الغيم من غبار و نحوه، أو لم يراع الوقت في صورة وجود الغيم، لزمه القضاء و الكفارة، و عليه أن يمسك في بقية النهار إذا كان في شهر رمضان.

(الموضع التاسع): إذا تمضمض الصائم

للتبرد فسبق الماء الى جوفه من غير إرادة منه و لا قصد، لزمه قضاء الصوم و لم تجب عليه الكفارة، و كذلك إذا أدخل الماء في فمه بغير مضمضة للتبرد أو تمضمض أو أدخل الماء في فمه للتداوي من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 60

بعض الآلام أو لتطهير الفم من النجاسة، أو تمضمض لوضوء مستحب أو لغسل واجب أو مستحب، فسبقه الماء الى جوفه من غير ارادة فعليه قضاء الصوم على الأحوط في جميع هذه الفروض، و لا كفارة عليه.

و إذا تمضمض الصائم للوضوء لصلاة فريضة فسبقه الماء الى جوفه من غير إرادة، فلا قضاء عليه و لا كفارة، سواء كانت الفريضة التي توضأ لها حاضرة أم فائتة، و يومية أم غير يومية، و سواء كان الوضوء لها بعد حضور وقتها، أم للتهيّؤ لها قبل حضور الوقت.

و إذا نسي الصائم الحكم أو نسي الصوم، فابتلع الماء، لم يفسد بذلك صومه في جميع الفروض التي ذكرناها في المسألة، و كذلك الحكم إذا تمضمض بغير الماء

من المائعات ناسيا أو سبقه المائع غير الماء الى جوفه من غير قصد، فلا يفسد بذلك صومه، و قد سبق بيان جميع هذه الأحكام في المسألة السادسة و الثلاثين و ما بعدها.

(الموضع العاشر): إذا أكره الصائم مكره

يخشى الصائم من مخالفته على الإفطار في شهر رمضان فتناول المفطّر مكرها غير مختار، فلا اثم عليه و وجب عليه قضاء الصوم و لم تجب عليه الكفارة، و يجب عليه ان يمسك في بقية النهار إذا ارتفع عنه الإكراه.

و كذلك الحكم إذا اضطر إلى الإفطار في الشهر، فيجوز له تناول المفطّر الذي دعت إليه الضرورة بمقدار ما تدعوا اليه، و لا إثم عليه بذلك، و يلزمه قضاء صومه و لا تجب عليه الكفارة، و لا يجوز له ان يتناول غير ما دعت إليه الضرورة من بقية المفطّرات التي لم يضطر إليها، و يحرم عليه ان يتناول من المفطّر الذي اضطر إليه أكثر من المقدار الذي تسدّ به الحاجة، فإذا أحوجته شدة الظمأ الى تناول الماء شرب منه مقدار ما تتأدى به الضرورة و يحفظ الحياة و لم يجز له التجاوز عنه و لم يجز له تناول المفطرات الأخرى.

و إذا أكره على الإفطار في غير شهر رمضان من الصوم الواجب المعين، فأفطر فيه مكرها وجب عليه قضاء الصوم إذا كان الصوم مما يقضى، و لا إثم عليه بإفطاره، و كذلك حكمه إذا اضطر إلى الإفطار فيه.

(الموضع الحادي عشر): إذا اقتضت التقية

من الصائم أن يفطر يوما من شهر رمضان أو من صوم واجب معين غيره، جاز له الإفطار فيه، فإذا أفطر لذلك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 61

لزمه القضاء و لم تلزمه الكفارة، و وجب عليه أن يمسك في بقية النهار إذا ارتفعت عنه التقية و كان اليوم الذي أفطر فيه من شهر رمضان.

(الموضع الثاني عشر): إذا أفطر الصائم في شهر رمضان

أو في صوم واجب معين، لسبب يوجب عليه الإفطار من سفر أو مرض أو حيض أو نفاس، أو لسبب يبيح له الإفطار، وجب عليه القضاء دون الكفارة.

الفصل الرابع في شرائط صحة الصوم و شرائط وجوبه
اشارة

يعتبر في صحة الصوم أن تتوفر في المكلف الصائم عدة أمور، و يسمي الفقهاء هذه الأمور شرائط صحة الصوم:

المسألة 143:

يشترط في صحة الصوم (أولا) أن يكون الصائم مسلما، و لذلك فلا يصح صوم الشخص إذا كان كافرا و لو في بعض يومه، و مثال ذلك: ان يطلع الفجر عليه و هو كافر ثم يسلم بعد طلوعه، أو يسلم في أثناء النهار قبل الزوال، فلا يصح منه صوم ذلك اليوم و ان لم يتناول فيه مفطرا قبل إسلامه.

و هل يشترط في صحة صوم الصائم ان يكون مؤمنا؟ فيه إشكال، فإذا استبصر المخالف و اهتدى الى الإيمان بعد ان طلع الفجر و دخل النهار، و كان الصوم واجبا معينا عليه كشهر رمضان، فالأحوط لزوما له ان يجدّد نية الصوم بعد اهتدائه و استبصاره و يتم صوم نهاره، ثم يقضي صوم ذلك اليوم إذا كان الصوم مما يقضى.

و كذلك الحكم في من ارتد عن الإسلام، فلا يصح منه الصوم إذا ارتد في يومه، سواء كان ارتداده عن فطرة أم عن ملة، و سواء سبق الارتداد منه على نية الصوم أم نوى الصيام و هو مسلم ثم ارتد بعد ان سبقت منه نية الصوم فيبطل صومه.

و يشكل الحكم بصحة صوم المرتد إذا تاب عن ارتداده و عاد إلى الإسلام بعد طلوع الفجر أو في أثناء النهار قبل زوال الشمس و لم يتناول قبل توبته

كلمة التقوى، ج 2، ص: 62

مفطرا، فعليه أن ينوي صوم ذلك اليوم على الأحوط لزوما و يتم صومه ثم يقضيه إذا كان الصوم مما يقضى.

المسألة 144:

يشترط في صحة الصوم (ثانيا) أن يكون الصائم عاقلا في جميع نهار الصوم، فلا يصح صومه إذا كان مجنونا سواء كان جنونه مطبقا أم أدوارا، و سواء جنّ في جميع النهار أم في جزء منه و ان طرأ له

في آخر النهار و في فترة قصيرة منه.

و لا يترك الاحتياط في السكران، فإذا سبقت منه نية الصوم ليلا في حال صحوه ثم سكر بعد ان نوى الصوم و أفاق من سكره في أثناء النهار و لم يتناول مفطرا في نهاره وجب عليه أن يتم صومه و عليه قضاء اليوم بعد إتمامه، و إذا لم تسبق منه نية الصوم في الليل و سكر ثم أفاق من سكره قبل الزوال و لم يتناول في نهاره مفطرا وجب عليه ان ينوي الصوم بعد إفاقته من سكره و ان يتم صيام يومه ثم يقضيه بعد ذلك.

و إذا أفاق من سكره بعد الزوال و كان في شهر رمضان استحب له أن يمسك في بقية نهاره سواء تناول المفطر في يومه أم لم يتناول، و يجب عليه قضاء صيام اليوم في جميع الصّور.

و كذلك الحكم في المغمى عليه على الأحوط، فتجري فيه الصور التي ذكرناها في السكران و تنطبق عليه أحكامها و لا قضاء عليه في جميع الصور، إلا إذا ترك الصوم بعد إفاقته من الإغماء فيجب عليه القضاء في هذه الصورة خاصة.

المسألة 145:

يشترط في صحة الصوم (ثالثا) إذا كانت الصائمة امرأة ان تكون نقية من الحيض و النفاس في جميع أجزاء النهار، فلا يصح صوم المرأة الحائض و لا النفساء و ان طرأ لها الحيض أو النفاس في جزء قليل من أول النهار أو من آخره.

و أما المرأة المستحاضة فيصح منها الصوم إذا أتت بما يجب عليها من أغسال النهار و بغسل الليلة الماضية، و قد تقدم تفصيل أحكامها في المسألة الخامسة و الخمسين و ما بعدها فلتراجع.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 63

المسألة 146:

يشترط في صحة الصوم (رابعا) أن لا يصبح الصائم و هو مجنب على تفاصيل تقدم منا ذكرها في المفطر الخامس، و لا فرق بين أن يكون الصائم المجنب رجلا أم امرأة أم خنثى، و يشترط فيها أيضا: أن لا تصبح المرأة الصائمة على حدث الحيض أو النفاس بعد نقائها من الدم ليلا، و قد سبق ذكر هذا الحكم أيضا في المبحث المذكور.

المسألة 147:

يشترط في صحة الصوم (خامسا) ان يكون المكلف بالصوم حاضرا غير مسافر أو هو بحكم الحاضر، فلا يصح الصوم من الرجل أو المرأة إذا كانا مسافرين سفرا يوجب عليهما القصر في الصلاة، و قد فصلنا فروض جميع ذلك و أحكامه في مباحث صلاة المسافر، و يعتبر في عدم صحة الصوم من المكلف المسافر أن يكون عالما بذلك، و سنتعرض- ان شاء الله تعالى- لبيان هذا الشرط في المسألة المائة و التاسعة و الأربعين.

و تستثنى من الحكم المذكور ثلاثة مواضع يصح فيها الصوم من المسافر:

(الموضع الأول): صوم الأيام الثلاثة التي تجب على من تمتع بالعمرة إلى الحج ان يأتي بها إذا هو لم يجد الهدي الواجب عليه في حجه، (الموضع الثاني):

صوم الأيام الثمانية عشر التي يأتي بها الحاج إذا أفاض من عرفات قبل أن يدخل وقت الغروب الشرعي فيجب عليه بسبب ذلك أن يذبح بدنة كفارة لما فعل، فان هو لم يجد البدنة وجب عليه صيام الأيام المذكورة بدلا عنها، (الموضع الثالث):

صوم النذر إذا اشترط الناذر فيه ان يأتي به في السفر أو في سفر كان أو حضر.

فيصح صوم المكلف في هذه المواضع الثلاثة و ان كان مسافرا.

المسألة 148:

لا يصح الصوم المندوب في السفر- على الأقوى- كما لا يصح الصوم الواجب فيه، و يستثنى من ذلك صوم الأيام الثلاثة التي يستحب للإنسان أن يصومها في المدينة لقضاء الحاجة، و يتعين في هذه الأيام أن تكون هي الأيام التي عينت في النصوص الواردة في المسألة و هي يوم الأربعاء و الخميس و الجمعة فلا يتعدى الى غيرها، و قد ذكرناها في أحكام المدينة من توابع كتاب الحج.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 64

المسألة 149:

إذا صام المكلف في السفر و هو يعلم بأن الصوم لا يصح منه في حال سفره بطل صومه كما ذكرنا، و إذا صام في السفر و هو جاهل بهذا الحكم و ان الصوم لا يصح في السفر صح صومه إذا بقي على جهله بالحكم إلى آخر النهار، فإذا انتفى هذا الشرط و علم بالحكم في أثناء النهار و لو بفترة يسيرة منه بطل صومه.

و لا يصح الصوم من المسافر إذا نسي فصام، سواء نسي كونه مسافرا أم نسي حكم الصوم في السفر فيبطل صومه في الصورتين.

المسألة 150:

إذا كان المسافر ممن يجب عليه أن يتم الصلاة في سفره، صح منه الصوم و وجب عليه إذا كان الصوم واجبا سواء كان معينا أم موسعا، و من أمثلة ذلك:

أن ينوي المسافر إقامة عشرة أيام أو أكثر في موضع واحد، فيجب عليه أن يتم صلاته ما دام مقيما في ذلك الموضع، و يصح منه الصوم و يجب عليه ما دامت اقامته في الموضع المذكور.

و من أمثلة ذلك: ان يتردد المسافر في موضع واحد بين أن يقيم في ذلك الموضع و ان يسافر منه، و يبقى في ذلك المكان على تردده المذكور ثلاثين يوما، فيجب عليه بعد هذه المدة ان يتم الصلاة في ذلك الموضع حتى يخرج منه، و يصح الصوم و يجب عليه أيضا في ذلك الموضع حتى يخرج منه، و من أمثلة ذلك: ما إذا قصد المعصية في سفره فيجب عليه ان يتم الصلاة و ان يصوم و ان كان مسافرا لم ينو الإقامة و لم يتردد فيها ثلاثين يوما.

و من أمثلة ذلك المكاري و الجمّال و الأعراب الذين تكون بيوتهم معهم، و الذين يكون السفر عملا لهم،

فيجب على هؤلاء جميعا إتمام الصلاة و ان كانوا مسافرين، و يصح منهم الصوم و يجب عليهم في مواضع الوجوب، و قد فصّلنا هذا كله في مباحث صلاة المسافر من كتاب الصلاة، و يأتي بيان الباقي في المسائل المقبلة ان شاء الله تعالى.

المسألة 151:

يشترط في صحة الصوم (سادسا) أن يكون الصائم آمنا من التضرر بالصوم، فلا يصح صوم المريض إذا كان الصوم يوجب له شدة مرضه أو طول

كلمة التقوى، ج 2، ص: 65

مدة المرض، أو شدة ألمه، أو عسر برئه منه، و كذلك الأرمد إذا أوجب الصوم له مثل هذه الآثار.

و كذلك الحكم إذا ظنّ الصائم أن الصوم يوجب له تلك الآثار و الأعراض، أو احتمل ذلك احتمالا يعتني به العقلاء و يوجب لهم الخوف من عروض تلك الآثار بسبب الصوم.

و لا يصح صوم الصحيح إذا علم ان الصوم يوجب له المرض أو ظن ذلك أو احتمله احتمالا يوجب الخوف كما قلنا في نظيره، و إذا كان المكلف المريض ممن لا يتضرر بالصّوم صح منه و وجب عليه.

المسألة 152:

انما يعتمد على قول الطبيب في ذلك إذا أوجب قوله للمكلف ظنا بضرر الصوم أو خوفا من وقوعه فلا يصح الصوم من المكلف حين ذلك، و إذا ظن المكلف الضرر بالصوم أو حصل له الخوف من وقوعه، و قال له الطبيب: لا ضرر عليك في الصوم، فإن أذهب قول الطبيب ذلك الظن أو الخوف عن المكلف صح منه الصوم و وجب عليه، و ان لم يذهب ظنه بالضرر و خوفه منه لم يصح منه الصوم و لم يجب عليه.

المسألة 153:

إذا كان الصوم يوجب للمكلف الصائم ضعفا و لا يسبّب له مرضا، لم يجز له الإفطار و ان كان الضعف الذي يسببه الصوم شديدا، إلا إذا أوجب الحرج على المكلّف لشدّته، فيجوز له الإفطار للزوم الحرج، ثم يجب عليه قضاء الصّوم بعد ذلك.

و إذا أدى به الصوم الى ضعف يقعد به عن العمل اللازم له في تحصيل معاشه، فان كان لا يتمكن من غير ذلك العمل الذي أعجزه الصوم عنه جاز له الإفطار و وجب عليه قضاء الصوم بعد ذلك، و الأحوط له في كلتا الصورتين أن يقتصر في إفطاره على مقدار ما تتأدى به الضرورة و يرتفع به الحرج و يزول به الضعف المقعد له عن العمل، و يمسك عن الزائد على ذلك المقدار من المفطرات، و يقضي الصوم عند التمكن.

المسألة 154:

إذا اعتقد المكلف بأن الصوم لا يوجب له ضررا أو ظن عدم الضرر به

كلمة التقوى، ج 2، ص: 66

فصام، ثم تبين له وجود الضرر به بعد أن أتم صيامه، فالظاهر صحة صومه فلا يجب عليه قضاؤه بعد ذلك.

و إذا اعتقد وجود الضرر بالصوم أو ظن ذلك أو خافه، و صام مع اعتقاده أو ظنه أو خوفه بطل صومه و ان استبان له بعد ذلك عدم الضرر به، و يجب عليه قضاؤه.

المسألة 155:

إذا نوى المكلف في الليل صوم غد متقربا به الى الله ثم نام و استمر به النوم و لم ينتبه في نهاره حتى دخل الليل صح صومه، و إذا لم تسبق منه نية الصوم ليلا ثم نام و لم يستيقظ في نهاره حتى دخل الليل، أو استيقظ من نومه بعد الزوال بطل صومه إذا كان واجبا و وجب عليه قضاؤه إذا كان الصوم مما يجب قضاؤه و عليه الإمساك عن المفطرات في بقية النهار إذا كان في شهر رمضان.

و إذا استيقظ من نومه قبل الزوال و لم يكن قد سبقت منه نية الصوم قبل نومه فان كان في شهر رمضان أو في صوم واجب معين غيره نوى الصوم قبل الزوال و أتم صوم يومه ثم قضاه على الأحوط لزوما، و قد سبق ذكر هذا في مباحث النية.

و ان كان الصوم واجبا غير معين كقضاء شهر رمضان و النذر المطلق غير المعين نوى الصوم حين ما يستيقظ قبل الزوال و صح بذلك صومه، و ان كان الصوم مندوبا مطلقا أو معينا صح منه و ان نواه قبل الغروب و قد سبق ذكر جميع ذلك في مباحث النية، و كذلك إذا غفل المكلف عن نية

الصوم و لم يلتفت إليها، فيجري فيه حكم النائم في جميع الصور التي ذكرناها.

المسألة 156:

يصح الصوم من الصبي غير البالغ إذا كان مميزا، و يصح كذلك من الصبية المميّزة كما تصح منهما العبادات الأخرى و يستحب لوليهما أن يمرنهما على ذلك.

و مبدأ وقت تمرين الصبي و الصبية على الصوم و على غيره من العبادات هو أن يبلغا السن التي تحصل لهما القوة و القدرة فيها على الإتيان بتلك العبادة التي يريد الولي تمرينهما عليها، و هي تختلف في الصبيان فإذا بلغا ذلك و حصلت لهما الطاقة لذلك مرّنهما على ما يريد و أخذ بتمرينهما كلما ازدادا قوة و طاقة، و على هذا تجتمع النصوص المختلفة الواردة في تحديد السن للتمرين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 67

المسألة 157:

يشترط في صحة الصوم المندوب ان يكون المكلف غير مشغول الذمة بقضاء شي ء من شهر رمضان، فلا يصح منه صوم النافلة إذا كان مشغول الذمة بالقضاء، و لا يعم الحكم غير قضاء شهر رمضان من أقسام الصوم الواجب المعين أو غير المعين على الأقوى، فيصح من المكلف ان يصوم صوما مندوبا إذا كانت ذمته مشغولة بصوم كفارة، أو بصوم نذر أو غيرهما من الواجبات.

(و أما شرائط وجوب الصوم على المكلف فهي أيضا عدة أمور):

المسألة 158:

يشترط في وجوب الصوم على الإنسان (أولا و ثانيا): ان يكون بالغا و ان يكون عاقلا، فلا يجب الصوم على الصبي و ان اتفق له أن أدرك و بلغ الحلم في نهاره بعد أن طلع عليه الفجر و هو غير بالغ، فلا يجب عليه صوم ذلك اليوم و ان لم يتناول فيه شيئا من المفطرات قبل بلوغه.

نعم، إذا كان قد نوى الصوم ليلا بنية الندب في شهر رمضان ثم اتفق ان بلغ الحلم في أثناء ذلك النهار، فعليه أن يتم صوم ذلك اليوم واجبا على الأحوط، فإن هو أفطر في ذلك اليوم و لم يتم صيامه كان عليه قضاؤه، و كذلك الصبية في جميع الأحكام المذكورة.

و لا يجب الصوم على المجنون و ان صحا من جنونه بعد طلوع الفجر و لم يتناول شيئا من المفطرات قبل إفاقته، و كذلك إذا اعترضه الجنون في جزء يسير من النهار في أوله أو آخره، نعم، إذا كان جنونه أدوارا و كان يعترضه في الليل فقط و يصحو منه قبل الفجر الى دخول الليل، فيصح صومه و يجب عليه.

المسألة 159:

يشترط في وجوب الصوم (ثالثا) على المكلف عدم الإغماء، فلا يجب الصوم على من أغمي عليه في نهار الصوم، و ان اتفق له طروء ذلك عليه في جزء قليل من أول النهار أو أثنائه أو آخره.

نعم، إذا سبقت من المكلف نية الصوم في وقتها و لو في أثناء الليل ثم أغمي عليه و أفاق من إغمائه نهارا، فعليه ان يتم صوم ذلك اليوم على الأحوط لزوما، و ان لم تسبق منه النية في وقتها- كما ذكرنا- و أفاق من إغمائه قبل الزوال نوى الصّوم و أتمه على الأحوط كذلك، فان

هو لم يتم صومه كان عليه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 68

القضاء في كلتا الصورتين، و تلاحظ المسألة المائة و الرابعة و الأربعون.

المسألة 160:

يشترط في وجوب الصوم (رابعا) على المكلف عدم المرض الذي يتضرر به في صومه، و قد تقدم ذكر هذا في المسألة المائة و الحادية و الخمسين، فلا يجب الصوم على المريض الذي يضرّ به الصوم لمرضه، و لا على الصحيح الذي يسبب الصوم له المرض كما تقدم ذكره في المسألة المشار إليها.

المسألة 161:

إذا برئ المريض من مرضه بعد زوال الشمس من النهار لم يصح منه صوم ذلك اليوم إذا كان صومه واجبا، و ان لم يتناول في يومه شيئا من المفطرات، و لا يصح صومه كذلك إذا برئ من مرضه قبل الزوال و قد تناول فيه بعض المفطرات.

و إذا برئ من المرض قبل الزوال و لم يكن قد تناول مفطرا، فالأحوط له لزوما أن ينوي الصوم حين برئه قبل الزوال و يصوم يومه، ثم يقضيه بعد إتمامه و هذا إذا كان في شهر رمضان أو في صوم واجب معين غيره.

المسألة 162:

يشترط في وجوب الصوم (خامسا) على المرأة المكلفة أن تكون نقية من الحيض و النفاس، فلا يجب الصوم عليها إذا كانت حائضا أو نفساء في يومها، و ان حصل ذلك لها في جزء يسير من النهار في أوله أو آخره.

المسألة 163:

يشترط في وجوب الصوم (سادسا) ان يكون المكلف حاضرا غير مسافر أو هو بحكم الحاضر، فلا يجب عليه الصوم إذا كان مسافرا سفرا يوجب عليه القصر في الصلاة، و قد سبق في المسألة المائة و الخمسين بعض ما يتعلق بتوضيح هذا الشرط.

المسألة 164:

إذا خرج المكلف الصائم من بلده بقصد السفر منه، فان كان خروجه الى السفر قبل زوال النهار وجب عليه الإفطار من صومه إذا خرج عن حدّ الترخص من بلده سواء عزم على السفر من الليل أم لم ينو ذلك من الليل بل حصل له العزم على السفر في أثناء النهار، فيتعين عليه الإفطار في الصورتين. و كذلك الحكم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 69

إذا خرج المسافر المقيم من الموضع الذي نوى فيه اقامة عشرة أيام بقصد الارتحال عنه، فإذا سافر منه قبل الزوال و هو صائم وجب عليه الإفطار إذا تجاوز حدّ الترخص من موضع اقامته و ان لم ينو السفر من الليل.

و إذا كان خروج المكلف الصائم إلى السفر بعد الزوال من النهار وجب عليه ان يتم صوم يومه سواء كان قد نوى السفر من الليل أم حصل له العزم على السفر بعد دخول النهار، و كذلك المسافر المقيم إذا خرج من موضع اقامته بعد الزوال فيجب عليه إتمام صوم يومه في الصورتين.

و المدار في الحكم المذكور على ابتداء سفر المكلف من بلده أو من موضع اقامته لا على خروجه عن حد الترخص فإذا ابتدأ في السفر قبل الزوال وجب عليه الإفطار و ان كان خروجه عن حدّ الترخص بعد الزوال.

المسألة 165:

إذا قدم المسافر الى بلده أو الى موضع قد عزم على أن يقيم فيه عشرة أيام، فإن كان وصوله الى ذلك الموضع قبل زوال الشمس من النهار و لم يتناول في يومه شيئا من المفطرات وجب عليه ان يصوم ذلك اليوم و أجزأه صومه عن الفرض، و ان كان وصوله الى بلده أو الى موضع اقامته بعد الزوال أو كان قد تناول بعض

المفطرات قبل وصوله من السفر لم يجب عليه الصوم، و يستحب له ان يمسك في بقية النهار إذا كان في شهر رمضان.

و المدار في الحكم في هذه المسألة على دخوله الى البلد أو الى موضع الإقامة لا على دخوله في حدّ الترخص فإذا هو دخل الى البلد بعد الزوال لم يجب عليه الصوم و ان كان قد دخل في حد الترخص قبل الزوال.

المسألة 166:

قد ذكرنا آنفا ان المسافر انما يجب عليه الإفطار من الصوم إذا خرج عن حدّ الترخص من بلده أو من الموضع الذي نوى الإقامة الشرعية فيه، فلا يجوز له الإفطار قبل ذلك، و قد سبق في المسألة المائة و السادسة و العشرين ان الصائم إذا سافر في شهر رمضان من بلده أو من موضع اقامته و تناول المفطّر قبل ان يصل الى حد الترخص وجب عليه القضاء و الكفارة.

المسألة 167:

يجب الإفطار على المكلف المسافر إذا اجتمعت له شروط السفر الشرعي،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 70

و ان كان في أحد المواضع الأربعة التي يتخير المسافر في صلاته فيها بين القصر و الإتمام، و قد ذكرنا شروط السفر الشرعي مفصّلة في مباحث صلاة المسافر من هذه الرسالة، و بينّا فيها أحكام الصلاة في مواضع التخيير.

المسألة 168:

يجوز للمكلف أن يسافر مختارا في أيام شهر رمضان و ان لم يك سفره لضرورة أو لحاجة ملحة و لا تجب عليه الإقامة فيه إذا كان مسافرا، و قد ذكرنا في المسألة المائة و التاسعة و الثلاثين وجها قريبا لعدم كراهة السفر أيضا.

و حكم الصوم الواجب المعين حكم شهر رمضان في ذلك، فيجوز للمكلف السفر فيه اختيارا و لا تجب له الإقامة إذا كان المكلف مسافرا على الأقوى، نعم، الأفضل للمكلف ترك السفر فيهما اختيارا إلا لضرورة أو حاجة، و الإقامة لهما إذا كان المكلف مسافرا.

المسألة 169:

إذا نذر الرجل لله على نفسه صوم يوم معين أو أيام معينة، و إذا آجر نفسه للصيام عن غيره يوما أو أياما معينّة، فالأحوط له ان لا يسافر مختارا في الوقت الذي حدده على نفسه لصوم النذر أو الإجارة، فإن السفر في ذلك الوقت يكون مفوتا للحق الذي ملكه لله على نفسه بالنذر الذي نذره، و الحق الذي ملكه للغير بالإجارة التي أوقعها، و لا تشمله أدلة جواز السفر للمكلف فإنها منصرفة عن مثله.

المسألة 170:

يكره لمن جاز له الإفطار في شهر رمضان ان يتملّى من الطعام و الشراب، سواء كان إفطاره لسفر أم لمرض أم لغيرهما من موجبات الإفطار و يكره له أن يجامع نهارا و الكراهة في الجماع أشدّ.

المسألة 171:

يرخص للرجل و المرأة إذا بلغا سن الشيخوخة و تعذر عليهما صوم شهر رمضان لكبر سنهما أن يفطرا فيه، و لا يجب عليهما إذا أفطرا في هذه الصورة ان يدفعا عن الصوم فدية، و ان كان دفعها أحوط لهما استحبابا.

و يرخص لهما في إفطاره إذا بلغا سن الشيخوخة و لم يتعذر عليهما الصوم، و لكن كان عليهما في الصوم حرج و مشقة، و يجب عليهما إذا أفطرا في هذه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 71

الصورة دفع الفدية، فيدفع الواحد منهما بدل كل يوم يفطر فيه مدّا من الطعام، و إذا كان المدّ الذي يدفعه للمسكين من الحنطة فهو أفضل، و الأفضل كذلك ان يدفع مدّين.

و إذا أفطر الشيخ أو الشيخة للزوم الحرج و المشقة عليهما في الصّوم و دفعا الفدية، ثم تمكنا من قضاء الصوم بعد ذلك لم يجب عليهما القضاء.

المسألة 172:

يرخص للمكلف الذي يكون به داء العطاش (و هو الذي لا يرتوي من شرب الماء) أن يفطر في شهر رمضان، سواء تعذر عليه الصوم بسبب وجود هذا الداء، أم كان عليه في الصوم حرج و مشقة، و سواء كان الداء الذي يجده مما يرجى زواله أم لا، و يجب عليه ان يتصدق عن كل يوم يفطره بمدّ من الطعام، و إذا تصدق عن كل يوم بمدين من الطعام فهو أفضل.

و إذا أفطر ذو العطاش لوجود ذلك العذر و دفع الفدية عن إفطاره، ثم استطاع بعد ذلك ان يقضي صومه ففي وجوب القضاء عليه إشكال، و لا يترك الاحتياط بالقضاء.

المسألة 173:

يرخص للمرأة الحامل إذا كانت قريبة الولادة و كان الصوم يضرّ بها أو يضر بحملها، أن تفطر في شهر رمضان و يجب عليها ان تتصدق عن كل يوم تفطر فيه بمدّ من الطعام، ثم تقضي صومه بعد ذلك، و هي المراد بالحامل المقرب المذكورة في نصوص المسألة.

المسألة 174:

إذا كانت المرأة المرضعة قليلة اللّبن و كان الصوم يضرّ بها أو برضيعها جاز لها ان تفطر في شهر رمضان، و وجب عليها أن تتصدق عن كل يوم تفطر فيه بمدّ من الطعام و ان تقضي صيامه بعد ذلك، سواء كان الرضيع ولدا لها أم كانت متبرعة بإرضاعه أم كانت مستأجرة له.

و يختص الحكم المذكور في المرضعة بأن لا تجد من يقوم مقامها في إرضاع الطفل، فلا يرخص لها في الإفطار من الصوم إذا وجدت امرأة أخرى ترضع الطفل عنها و لو بأجرة، و لا يرخص لها في الإفطار إذا وجدت ما يكفي الطفل من الحليب المستحضر لمثل هذه الحاجة، أو من المغذيات الأخرى غير المضرّة به، و لا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 72

يرخص لها على الأحوط إذا أمكن لها ان تستعمل بعض مدرّات اللبن في ثديها إذا كان استعمالها لا يضر بصومها و لا بصحتها.

الفصل الخامس في طرق ثبوت الهلال
المسألة 175:

يثبت كون اليوم أول الشهر- لترتيب الآثار الشرعية من الصوم أو الإفطار أو غيرهما من الآثار الأخرى، كمواقف الحج و مراسم الزيارات-، برؤية المكلف نفسه لهلال الشهر، و بتواتر الخبر برؤيته بين الناس، و بكل طريق يفيد العلم بالرؤية من شياع و غيره، فإذا حصل العلم للمكلف برؤية الهلال وجب عليه ان يرتب أثر الرؤية من صوم أو فطر أو غيرهما، و ان انفرد برؤية الهلال في البلد فلم يره احد من الناس غيره، أو شهد بالرؤية عند الحاكم الشرعي فلم يقبل الحاكم شهادته، أو ردّها و لم يرتّب الأثر عليها لنقصان الموازين الموجودة عنده عن الإثبات، فيجب على المكلف نفسه ترتيب أثر رؤيته.

المسألة 176:

يثبت أن اليوم أول الشهر بما يوجب الاطمئنان الكامل برؤية الهلال في ليلته من شياع يفيد ذلك و نحوه و لو بمعونة التوثيق لبعض الشهود بالرؤية و القرائن التي تحف بالشهادة.

و الاطمئنان الكامل الذي ذكرناه هو المعروف عند العلماء بالعلم العادي، و هو الذي يعتمد عليه عامة العقلاء في أمورهم و معاملاتهم التي تدور بينهم في البيع و الشراء و الأخذ و العطاء.

و من الواضح ان حصول هذا الاطمئنان للإنسان لا يتوقف على عدد معين من الشهود و لا يرتبط بنوع محدد من القرائن و الشواهد، و لذلك فقد يحصل الاطمئنان الكامل للإنسان بثبوت الشي ء إذا شهد به عدد من الشهود و صحبت شهادتهم بعض القرائن الشاهدة لهم بالصدق، و لا يحصل بشهادة مثل هذا العدد أو بأكثر منه إذا خلت شهادتهم من المؤيدات.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 73

و إذا حصل الاطمئنان التام للمكلف برؤية الهلال من الشياع أو الاستفاضة أو نحوهما على الوجه الذي تقدم بيانه وجب عليه أن يرتب

أثر الرؤية كذلك.

المسألة 177:

يثبت أول الشهر بالبينة الشرعية، و هي شهادة رجلين عادلين بأنهما قد رأيا الهلال في ليلته، سواء كان الشاهدان من أهل بلد المكلف أم من غير بلده، و سواء كانت في السماء علة تمنع من رؤية سواهما أم لا، إلا إذا أوجب ذلك ريبا في صدق رؤية الشاهدين.

و مثال ذلك: ما إذا كثر الناظرون غيرهما إلى جهة الهلال الراغبون في اكتشاف امره، و انتفت العلة المانعة من الرؤية في السماء و في الرأيين، على وجه لو كان في الجهة هلال لظهر لغير الشاهدين من الناظرين الآخرين، و فيهم الموثوقون المتثبتون في أمور دينهم، فإذا لم يدّع الرؤية سوى الشاهدين من الناس أوجب ذلك ريبا في صحة رؤيتهما، و قوة في احتمال عروض الاشتباه لهما في ما ادّعيا، فلا تشمل شهادتهما أدلة حجية البينة في هذه الصورة.

المسألة 178:

يعتبر في حجية البينة الشرعية ان يكون الشاهدان عادلين، و قد أوضحنا المعنى المراد من العدالة في فصل شرائط الإمام من مباحث صلاة الجماعة من هذه الرسالة، و يعتبر في حجية البينة ان يتفق الشاهدان في شهادتهما على أمر واحد، فإذا شهد كل واحد منهما على شي ء غير ما شهد به الآخر لم تقبل شهادتهما.

و مثال ذلك: ان يشهد احد الشاهدين العادلين بأنه رأى هلال شهر شعبان في ليلة معينة و يشهد العادل الثاني بأنه رأى هلال شهر رمضان بعد مضي ثلاثين ليلة من رؤية الشاهد الأول لهلال شعبان، فلا تكون شهادتهما جامعة لشروط البينة، لاختلاف الأمر الذي شهدا به، و ان اشتركت شهادتهما في بعض اللوازم، فلا يثبت بشهادتهما ان ليلة رؤية الشاهد الثاني هي أول ليلة من شهر رمضان، و مثل ذلك ما إذا اختلف الشاهدان في

أوصاف الهلال على وجه يؤدي الى تعدّد ما يشهدان به، فتسقط شهادتهما عن الاعتبار.

المسألة 179:

يعتبر في حجية البينة ان يشهد الرجلان برؤية الهلال بالحسّ، فلا يقبل

كلمة التقوى، ج 2، ص: 74

قولهما إذا شهدا بان الليلة هي ليلة الهلال شهادة حدسية تعتمد على بعض القواعد النظرية و ان كانا قاطعين بصحة ما يقولان، و لا تقبل شهادتهما إذا شهد أحدهما برؤية الهلال حسا، و شهد الثاني شهادة تعتمد على الحدس كما تقدم.

المسألة 180:

إذا شهدت البينة الشرعية برؤية الهلال و علم المكلف بشهادتهما و كانت عدالة الشاهدين ثابتة لديه بوجه معتبر شرعا، وجب على المكلف ان يرتب أثر الرؤية على شهادتهما من صوم و فطر و غيرهما، و ان لم تشهد البينة بمحضر الحاكم الشرعي أو شهدت عنده ورد شهادتها لانه لا يعلم بعدالة الشاهدين أو لسبب آخر.

المسألة 181:

يثبت الهلال إذا حكم الحاكم الشرعي بثبوته و كان الحاكم جامعا لشرائط الحكومة الشرعية، فيجب على المكلف إنفاذ حكمه إذا هو لم يعلم بخطإ الحاكم في الحكم و لم يعلم بخطإ مستنده فيه، و مثال العلم بخطئه في الحكم: ان يحكم الحاكم بأن يوم الأربعاء مثلا أول شهر رمضان، و يعلم المكلف لسبب من الأسباب ان يوم الأربعاء المعين ليس من شهر رمضان قطعا.

و مثال العلم بخطإ مستند الحاكم في الحكم: ان يعلم المكلف بان الحاكم قد قصّر في بعض مقدمات حكمه، فلم يهتم في تحصيل العلم أو الاطمئنان من الشياع، أو لم يهتم في طلب التعديل في البينة، أو قبل شهادة الشاهدين مع اختلافهما في أوصاف الهلال، أو غفل فخالف الموازين الشرعية غافلا.

و ليس من الخطأ في المستند ان يقبل الحاكم الشهادة مع اختلاف الشهود في أوصاف الهلال إذا اتفق شاهدان عادلان من الشهود على وصف واحد، فان مستند الحاكم في حكمه هو تلك البينة الشرعية و هي متفقة الشهادة حسب الفرض فهي مقبولة، لا مجموع شهادة الشهود و ان كان الشهود المختلفون في الوصف عدولا أيضا.

و ليس من الخطأ في المستند أن يكون للحاكم رأي يخالف فيه اجتهاد المكلف أو تقليده في بعض مقدمات الحكم، و مثال ذلك: ان يستند الحاكم في حكمه بثبوت الهلال الى شياع يفيد

الاطمئنان أو الظن، لانه يرى الاكتفاء بذلك، و كان رأي المكلف أو رأي مقلّده ان لا يعتمد على الشياع إلا إذا أفاد العلم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 75

بالرؤية، فيجب على المكلف إنفاذ حكم الحاكم في مثل هذه الفروض.

المسألة 182:

إذا حكم الحاكم الشرعي الجامع لشرائط الحكومة الشرعية بأن اليوم المعين هو أول الشهر، و علم المكلف بذلك و لم يعلم بخطئه في الحكم و لا بخطئه في المستند وجب عليه ان يرتب الآثار الشرعية على حكمه من صوم و إفطار و غيرهما كما ذكرنا، و لا يختص وجوب إنفاذ حكم الحاكم بمن يرجع إليه في التقليد، بل يجب إنفاذه حتى على المجتهد الآخر و مقلّديه، إلا إذا كان المجتهد الآخر يرى عدم حجية حكم الحاكم الشرعي في الأهلّة.

المسألة 183:

إذا التبس الأمر في أول الشهر فلم تثبت رؤية الهلال فيه بأحد الطرق الشرعية، وجب على المكلف ان يكمل عدّة الشهر السابق ثلاثين يوما تامة من يوم رؤية الهلال فيه، فإذا شك في أول شهر رمضان و لم تثبت رؤية هلاله بوجه شرعي، وجب ان يكمل شهر شعبان ثلاثين يوما من يوم رؤية الهلال فيه فيكون اليوم الحادي و الثلاثون أول شهر رمضان، و إذا شك في أول شهر شوال كذلك وجب ان يكمل شهر رمضان ثلاثين يوما من يوم هلاله و يكون اليوم الحادي و الثلاثون أول شهر شوال.

و هكذا إذا التبس الأمر في عدة من الشهور أو التبس الأمر في شهور السنة كلها، فيعدّ كل شهر منها ثلاثين يوما الا أن يعلم النقصان عن ذلك عادة فيؤخذ بالعلم.

المسألة 184:

لا تثبت رؤية الهلال بشهادة النساء، إلا إذا كانت شهادتهن في ضمن الشياع المفيد للعلم، أو في ضمن الشياع المفيد للاطمئنان الكامل بالرؤية، فتكون شهادتهن جزءا من السبب الموجب للثبوت.

و لا يثبت الهلال بشهادة عادل واحد من الرجال، و ان انضم الى شهادته يمين، أو انضم إليه شهادة امرأتين عادلتين، و لا يثبت بقول المنجمين و أشباههم من علماء الفلك، و ان كانوا ثقات أو عدولا، و لا يعدّ اليوم الخامس من شهر رمضان في السنة الماضية أول شهر رمضان في السنة الحاضرة، فإذا كان يوم الأحد مثلا أول يوم من شهر رمضان في العام الماضي كان يوم الخميس أول شهر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 76

رمضان في العام الحاضر، و لا يعدّ اليوم الرابع من شهر رجب في هذا العام أول شهر رمضان منه.

و لا عبرة بغيبة الهلال قبل الشفق أو بعده، فلا يكون

مغيب الهلال بعد الشفق في ليلة، دليلا على ان هذه الليلة هي الليلة الثانية من الشهر، و لا عبرة بتطوق الهلال، فلا يكون ذلك دليلا على ان تلك الليلة هي الليلة الثانية من الشهر، و لا بغير ذلك من الطرق و ان أفادت الظن للمكلف بما دلت عليه.

و إذا رؤي الهلال في النهار قبل زوال الشمس منه، ففي اعتبار ذلك دليلا على ان ذلك اليوم هو أول يوم من الشهر إشكال.

المسألة 185:

إذا أفطر المكلف في يوم الشك في أول شهر رمضان و لم يصمه ثم شهدت البينة الشرعية برؤية هلال الشهر في الليلة الماضية أو ثبتت رؤيته فيها بأحد الطرق المعتبرة شرعا، وجب على المكلف قضاء صيام ذلك اليوم، و إذا بقي من النهار شي ء وجب عليه ان يمسك فيه عن المفطرات.

و كذلك الحكم إذا أفطر المكلف في يوم الشك في أول شهر رمضان ثم شهدت البينة العادلة برؤية هلال شهر شوال في الليلة التاسعة و العشرين بعد ذلك اليوم، أو ثبتت رؤية الهلال فيها بأحد الطرق الشرعية الأخرى، فيجب على المكلف قضاء صيام يوم الشك الذي أفطر فيه.

المسألة 186:

إذا صام المكلف في يوم الشك في هلال شهر شوال، ثم علم و هو في أثناء النهار برؤية الهلال في الليلة الماضية، وجب عليه الإفطار و لو عند الغروب، و كذلك إذا شهدت له البينة الشرعية بثبوته أو قامت عليه احدى المثبتات الشرعية الأخرى، فيجب عليه الإفطار في بقية نهاره.

المسألة 187:

إذا ثبتت رؤية الهلال في بلد بوجه شرعي معتبر الحجية، كفى ذلك في الثبوت في البلدان الأخرى التي توافق ذلك البلد في الأفق أو تلازمه في الرؤية، بحيث إذا ظهر الهلال في البلد الذي ثبتت فيه الرؤية، ظهر في تلك البلدان، و لا تثبت الرؤية في البلدان التي تخالفه في ذلك.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 77

المسألة 188:

يجوز الاعتماد على وسائل الاتصال المعروفة في العصر الحاضر من برق و هاتف و نحوهما إذا أفادت العلم برؤية الهلال في البلد الذي حصلت منه المكالمة أو الاتصال السلكي أو اللاسلكي، أو أفادت العلم بقيام الحجة الشرعية على الرؤية فيه، من حكم حاكم شرعي بالثبوت أو تحقق شياع تام، أو شهادة بينة عادلة معتبرة، و كذلك إذا كان المخبر بالثبوت بتوسط تلك الوسيلة بينة عادلة، مع القطع بأن الخبر خبرها.

المسألة 189:

الأسير و السجين الذي لا يقدر على تحصيل العلم بشهر الصوم، يجب عليه التحري و الفحص عنه مهما أمكنه، فإذا حصل له الظن بالشهر وجب عليه صومه، و إذا انقطع عنه خبره فلم يمكن له تحصيل العلم به و لا تحصيل الظن، تخير شهرا من شهور السنة فصامه، و لا يترك الاحتياط في ان يجري على الشهر الذي ظنه أو الذي تخيره من الشهور، أحكام شهر رمضان، فيتابع صومه حتى يتمه، و يدفع الكفارة إذا تعمد الإفطار فيه كما في شهر رمضان.

و إذا صام الشهر الذي ظن أنه شهر رمضان أو الذي تخيره من شهور السنة في الفروض المتقدمة، ثم علم ان ذلك الشهر بعينه هو شهر رمضان أو بعده، صح صومه و كفاه عن الواجب، و كذلك إذا استمر به الحال فلم يظهر له من أمره شي ء فيصح صومه و يكفيه عن الواجب، و إذا علم ان الشهر الذي صامه قبل شهر الصوم وجبت عليه اعادته.

و إذا استمر به الأسر أو الحبس أكثر من سنة واحدة، وجب عليه ان يطابق بين الشهر الذي يصومه في السنة الثانية و الشهر الذي صامه في السنة الأولى، بأن يكون ما بينهما احد عشر شهرا، و في المسألة

قيود أشرنا إليها في تعليقتنا على كتاب العروة الوثقى، فلتراجع.

الفصل السادس في أحكام قضاء شهر رمضان
المسألة 190:

يشترط في وجوب قضاء شهر رمضان على المكلف أن يكون بالغا حين

كلمة التقوى، ج 2، ص: 78

يفوت منه صومه، و لذلك فلا يجب عليه أن يقضي ما فاته من صوم شهر رمضان قبل بلوغه.

نعم، إذا اتفق للصبي انه قد بلغ الحلم قبل طلوع الفجر في شهر رمضان و لم يصم ذلك اليوم، وجب عليه قضاؤه، و كذلك إذا بلغ مقترنا مع طلوع الفجر، و لم يصم اليوم، فيجب عليه القضاء، و ان كان مثل هذه الاتفاقات نادر الوقوع.

و قد سبق في المسألة المائة و الثامنة و الخمسين ان الصبي إذا نوى الصوم في شهر رمضان بنية الندب، ثم بلغ الحلم في أثناء ذلك اليوم، فعليه ان يتم صيام اليوم بنية الوجوب- على الأحوط- فإن هو لم يتم صيام اليوم كان عليه قضاؤه.

المسألة 191:

يشترط في وجوب قضاء الصوم في شهر رمضان على الشخص ان يكون عاقلا حين فوت الصوم منه، فلا يجب عليه ان يقضي الصوم إذا فاته في حال الجنون، سواء كان جنونه في جميع النهار أم في بعضه، و في أوله أم في آخره، و ان كان سبب الجنون قد عرض له باختياره.

المسألة 192:

لا يجب على المكلف ان يقضي ما فاته من صوم شهر رمضان في حال الإغماء، و ان عرض له ذلك في بعض النهار من أوله أو آخره، و قد سبق منا في المسألة المائة و التاسعة و الخمسين: ان المغمى عليه إذا سبقت منه نية الصوم في وقتها أو في أثناء الليل ثم أغمي عليه و أفاق من إغمائه في أثناء النهار، فيجب عليه أن يتم صوم ذلك اليوم، و إذا لم تسبق منه النية قبل الإغماء و أفاق من إغمائه قبل زوال الشمس فعليه أن ينوي الصوم بعد إفاقته قبل الزوال و يتم اليوم على الأحوط، و إذا هو لم يتم صومه في كلتا الصورتين، لزمه القضاء و تلاحظ المسألة المائة و الرابعة و الأربعون.

المسألة 193:

يشترط في وجوب قضاء الصوم في شهر رمضان على المكلف ان يكون مسلما في حال فوت الصوم منه، فلا يجب عليه ان يقضي صومه إذا كان كافرا في حال فوت الصوم و ان أسلم في أول النهار.

و إذا أسلم الكافر قبل أن يطلع عليه الفجر في شهر رمضان و لم يصم ذلك اليوم وجب عليه قضاؤه، و كذلك إذا أسلم و كان إسلامه مقارنا لطلوع الفجر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 79

على الأحوط، فإذا لم يصم يومه فعليه القضاء.

المسألة 194:

يجب على المكلف ان يقضي ما فاته من صوم شهر رمضان لسكر، سواء كان سكره محرما أم لا، و مثال ذلك: ان يضطر لتناول المسكر للتداوي من بعض الأمراض العسرة العلاج، مع انحصار العلاج به بحيث لا دواء له سواه.

و يجب على المرتد أن يقضي ما فاته من صوم شهر رمضان في أيام ارتداده عن الإسلام، سواء كانت ردته عن ملة أم عن فطرة، و يجب على المرأة ان تقضي ما فاتها من صوم الشهر في أيام حيضها أو نفاسها.

المسألة 195:

يجب على المكلف قضاء الصوم إذا نام في شهر رمضان و لم يأت بنية الصوم و استمر به النوم الى ان دخل عليه الليل، فيبطل صومه و يجب عليه القضاء، و كذلك إذا استمر به النوم الى ما بعد الزوال، فلم ينتبه و لم ينو الصوم، فيبطل صومه و يجب عليه القضاء، و إذا انتبه من النوم في الفرض المذكور قبل ان تزول الشمس، فعليه أن ينوي الصوم قبل الزوال و يتم صوم يومه و يقضيه بعد ذلك على الأحوط، و قد سبق ذكر هذا الحكم في المسألة المائة و الخامسة و الخمسين.

و كذلك حكم المكلف إذا عرضت له الغفلة فلم يلتفت و لم ينو الصوم و استمرت به غفلته فتجري فيه الفروض التي ذكرناها في النائم و تتعلق به أحكامها و قد مر بيان هذا في المسألة المشار إليها.

المسألة 196:

يجب على المخالف في المذهب إذا استبصر ان يقضي ما فاته من صوم شهر رمضان فلم يصمه حين كان على مذهبه السابق، فيلزمه قضاء الصوم بعد اهتدائه، و يجب عليه أن يقضي ما اتى به من صوم شهر رمضان إذا كان قد اتى به باطلا على مذهبه السابق.

و لا يجب عليه أن يقضي ما صامه من الشهر، و كان صومه موافقا لمذهبه الأول، فلا يجب عليه قضاؤه بعد استبصاره و ان كان صومه غير موافق للشرائط المعتبرة في الصحة عند الشيعة، و لا يجب عليه أن يقضي ما صامه من الشهر و كان صومه موافقا لمذهب الشيعة في الشرائط، و ان كان مخالفا لمذهبه الأول و انما يصح صومه في هذه الصورة إذا تأتي منه قصد القربة في صومه، و إذا لم يتأت منه قصد

كلمة التقوى، ج 2، ص: 80

القربة في الصوم لم يصح و وجب عليه قضاؤه.

المسألة 197:

إذا علم المكلف ان الصوم فاته في أيام من شهر رمضان و شك في عدد الأيام التي فاته صومها و تردد فيها بين الأقل و الأكثر، كفاه أن يقضي أقل عدد يحتمل فوته من الأيام، فإذا شك في ان الأيام الفائتة من الشهر كانت عشرة أيام أو خمسة عشر يوما، أجزأه ان يصوم عشرة أيام، و كذلك إذا علم ببطلان صومه في بعض أيام الشهر لنقصان بعض شروط الصحة فيها، و تردد في عدد تلك الأيام.

و لا يختلف الحكم الذي ذكرناه في المسألة بين أن يكون المكلف جاهلا بعدد الأيام من أول أمره، و ان يكون عالما بعددها سابقا ثم نسيه بعد ذلك و تردد فيه فيكتفي بقضاء الأقل، و ان كان الأحوط له استحبابا في هذه الصورة ان يأتي بقضاء الأكثر.

و لا يختلف الحكم أيضا بين أن يكون فوات الصوم على الإنسان في تلك الأيام لتركه الصوم فيها عامدا أو ساهيا أو جاهلا، أو لغير ذلك من الفروض التي يكون حكمه فيها بطلان الصوم و وجوب قضائه، و ان يكون فوات الصوم عليه لمانع عرض له من سفر أو مرض أو حيض أو نفاس للمرأة أو غير ذلك، سواء كان تردد المكلف في عدد الأيام بين الأقل و الأكثر من جهة شكه في وقت حدوث المانع له، كما إذا شك في ان أول سفره أو مرضه الذي طرأ له و أفطر من أجله كان هو اليوم الخامس من الشهر أو العاشر منه مثلا، أو كان من جهة شكه في زمان زوال المانع منه و ارتفاعه عنه، كما إذا شك في

ان سفره أو مرضه هل استمر به الى اليوم العاشر من الشهر فقط، أو الى العشرين منه مثلا، فيكفيه ان يقضي أقل عدد يحتمل فوته عليه من الأيام في جميع الصور، و ان كان الأحوط له استحبابا ان يقضي العدد الأكثر، و قد سبقت في المسألة السابعة و الستين فروض أخرى تختلف في بعض الأحكام عن هذه المسألة، فلا ينبغي ان يلتبس أمرها على المكلف المتنبه.

المسألة 198:

إذا مضى على المكلف يوم من شهر رمضان أو أيام منه، ثم شك بعد مضيّها في أنه هل صام ذلك اليوم أو الأيام و أدى التكليف الواجب فيها أو لم يصم و لم يؤدّ، بنى على الصوم و الأداء فيها، و لم يلتفت الى شكه، و كذلك إذا مضى عليه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 81

الشهر كلّه ثم شك بعد مدة: هل صام في الشهر أو لم يصم؟ فيبني على الأداء و لا يلتفت الى شكه.

و إذا صام اليوم أو الأيام أو الشهر و بعد انتهائها شك في صحة صومه فيها، بنى على الصحة و لم يجب عليه القضاء.

المسألة 199:

يجب على المكلف قضاء ما فاته من شهر رمضان وجوبا موسعا، و لا تجب عليه المبادرة فيه، و يجوز له ان يؤخره الى ان يتضيق وقته بوصول شهر رمضان المقبل، فإذا ضاق وقته بذلك وجب عليه أن يبادر الى امتثاله، و لا يجوز له ان يؤخره عن شهر رمضان مختارا، و إذا أخر المكلف القضاء عن شهر رمضان من غير عذر أثم بتأخيره على الأحوط ان لم يكن ذلك هو الأقرب، و وجب عليه ان يدفع الفدية، و بقي القضاء في ذمته واجبا موسعا.

و إذا أخر القضاء عن شهر رمضان المقبل لأمر يعذر فيه فلا إثم عليه في التأخير، و وجب عليه دفع الفدية عنه، و بقي القضاء في ذمته واجبا موسعا.

المسألة 200:

لا يجب على المكلف ان يتابع في صوم قضاء رمضان بعضه ببعض، و يجوز له أن يفرق بين أيامه، و لكن المتابعة ما بينها أفضل، و لا يجب عليه التعيين في النية إذا كان ما وجب عليه قضاء أيام من شهر رمضان واحد، فلا يجب عليه عند الصوم ان ينوي ان ما يأتي به هو قضاء اليوم الأوّل منه أو اليوم الثاني مثلا، و إذا وجب عليه قضاء من رمضانين أو أكثر، و أراد الصيام عن بعضها وجب عليه ان يعين في نيته ان ما يأتي به للسنة الأولى أو السنة الثانية، و يلاحظ ما حررناه في المسألة التاسعة.

المسألة 201:

لا يجب الترتيب في القضاء بأن يأتي بالأول منه فالأول، فإذا كان على المكلف قضاء أيام من شهر رمضان واحد لم يجب عليه عند الامتثال أن يأتي بقضاء اليوم الأول منها قبل اليوم الثاني، بل و يصح له أن يقدم الثاني على الأول، و إذا كان في ذمته قضاء رمضانين أو أكثر، لم يمتنع عليه أن يأتي بقضاء الشهر اللاحق منها قبل ان يأتي بقضاء السابق، بل يتعين عليه ان يقدم قضاء اللاحق إذا كان من السنة الحاضرة و قد تضيق وقته بوصول شهر رمضان المقبل، و إذا قدم قضاء

كلمة التقوى، ج 2، ص: 82

السابق على اللاحق في هذه الصورة كان آثما بتقديمه، و صح صومه و أجزأه عن السابق كما نواه.

و إذا أتى بالصوم عما في ذمته في هذه الصورة و لم يعين في نيته ان ما اتى به قضاء اي شهر مما في ذمته انصرف الى السابق منه.

المسألة 202:

إذا وجب على المكلف قضاء شهر رمضان و غيره من أنواع الصوم الواجب لم يجب عليه الترتيب بين الصومين، فيجوز له أن يقدّم أيهما شاء على الآخر، إلا إذا ضاق وقت احد الواجبين فيقدم منهما ما تضيق وقته، فيقدم صوم النذر المعيّن إذا حلّ وقته، و يقدم صوم القضاء للسنة الحاضرة، إذا تضيق وقته بمجي ء شهر رمضان المقبل.

المسألة 203:

إذا أفطر المكلف شهر رمضان أو أفطر منه أياما لمرض، و مات قبل أن يبرأ من مرضه فيتمكن من القضاء لم يجب على ولي المكلف أن يقضي عنه هذا الصوم الفائت، و كذلك حكم المرأة إذا أفطرت من الشهر أياما لحيض أو نفاس ثم ماتت قبل أن تتمكن من القضاء، فلا يجب على ولي المرأة أن يقضي عنها ما فاتها من تلك الأيام التي افطرتها.

و إذا أفطر الرجل أو المرأة في السفر ثم ماتا في أثناء سفرهما أو بعد العودة منه و قبل ان يتمكنا من قضاء الصوم وجب على الولي قضاء الصوم عنهما على الأقوى.

المسألة 204:

إذا أفطر المكلف شهر رمضان أو أفطر بعض أيامه لمرض ثم استمر به المرض فلم يتمكن من قضاء الصوم بسبب استمرار مرضه الى ان دخل عليه شهر رمضان المقبل، سقط عنه وجوب قضاء الأول، و وجب عليه أن يتصدق بدلا عن كل يوم أفطره من الشهر الأول بمدّ من الطعام، و لا يكفيه قضاء الصوم- لو أنه قضاه- عن الصدقة، و الأحوط له استحبابا ان يجمع بين الصدقة و القضاء.

و إذا أفطر المكلف شهر رمضان أو أفطر بعض أيامه لسبب آخر غير المرض من سفر و نحوه، و استمر به ذلك السبب الموجب للإفطار إلى مجي ء شهر رمضان الثاني، لزمه قضاء الصوم الفائت من الشهر الأول بعد انتهاء شهر رمضان الذي

كلمة التقوى، ج 2، ص: 83

حضر، و وجبت عليه الصدقة عن كل يوم من الفائت بمدّ من الطعام على الأحوط.

و كذلك حكم المكلف إذا أفطر بسبب المرض و برئ منه ثم عرض له سبب آخر من سفر و نحوه فمنعه من قضاء ما فاته من الصوم الى أن

جاء شهر رمضان الثاني، أو كان إفطاره في الشهر بسبب السفر مثلا، ثم لزمه مرض منعه من القضاء الى رمضان الثاني، فيجب عليه في كلتا الصورتين ان يجمع بين قضاء الصوم بعد انتهاء شهر رمضان الذي حضر و الصدقة عن كل يوم من القضاء بمدّ من الطعام على الأحوط.

المسألة 205:

إذا أفطر المكلف شهر رمضان، أو أفطر منه أياما لعذر من الأعذار كمرض أو غيره، ثم ارتفع عنه ذلك العذر في أثناء السنة وجب عليه ان يقضي صومه كما تقدم، فإذا أخر قضاءه متعمدا الى أن حل عليه شهر رمضان وجب عليه القضاء بعد خروج رمضان و لزمته الفدية.

و كذلك حكمه إذا أفطر في الشهر أياما و أخر قضاءها متسامحا، ثم عرض له عند تضيق الوقت عذر يمنعه من القضاء قبل رمضان، فعليه قضاء الأيام بعد خروج الشهر مع الفدية، و كذلك إذا أخر القضاء عازما على ان يأتي به متصلا بشهر رمضان المقبل، فاتفق ان عرض له عند ضيق الوقت ما يمنعه من الصوم، فعليه القضاء بعد خروج الشهر مع الفدية على الأحوط، و إذا كان في إفطاره في الشهر أو في بعضه متعمدا لا عذر له لزمته كفارة الإفطار مع القضاء و الفدية عن كل يوم في جميع الصور الآنف ذكرها.

المسألة 206:

إذا استمر المرض بالمكلف سنين متعددة فأفطر في تلك السنين للعذر الملازم له، المانع له من الصوم وجبت عليه الفدية لكل واحدة من السنين الأولى مرة واحدة و لم يجب عليه قضاء صومها، و اما السنة الأخيرة الحاضرة، فإن بري ء المكلف فيها من مرضه قبل مجي ء شهر رمضان اللاحق وجب عليه قضاء صوم الشهر فيها، فإذا صامه لم تجب عليه الفدية عنه، و ان لم يبرأ من مرضه حتى حل شهر رمضان سقط عنه قضاء السابق، و وجبت عليه الفدية كالسنين الماضية.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 84

المسألة 207:

لا يتكرر وجوب الفدية على المكلف إذا هو أخّر صوم القضاء عاما أو أكثر، بل تجب عليه فدية سنة واحدة، و ان كان متعمدا في تأخير القضاء، و يأثم بتأخيره عن سنته إذا كان عامدا لا عذر له.

المسألة 208:

فدية كل يوم من الأيام التي يفطرها المكلف كفارة مستقلة عن غيرها، و لذلك فيجوز له ان يدفع أكثر من فدية يوم واحد الى فقير واحد، بل و يجوز له ان يدفع جميع ما وجب عليه من الفدية إلى فقير واحد و إن كانت لشهور متعددة، ما لم يخرج بذلك عن كونه فقيرا مستحقا.

المسألة 209:

لا تجزي قيمة الفدية عن الفدية نفسها، بل يجب على المكلف أن يدفع عين المدّ من الطعام الى الفقير، نعم، يصح للمكلف أن يدفع قيمة الطعام الى الفقير المستحق، و يوكله عن نفسه في ان يشتري بها عين الطعام بالنيابة عنه، و يوكله أيضا في ان يسلم لنفسه العين التي اشتراها له، فإذا اشترى الفقير عين الطعام بالوكالة عن المالك، ثم قبض لنفسه العين المشتراة بالوكالة عنه أيضا، أجزأت عن الموكل، و كذلك الأمر في الكفارات.

المسألة 210:

ليست الفدية التي تلزم المكلف في الصوم من النفقة، و لذلك فلا يجب على الرجل ان يدفع فدية الصوم عن زوجته إذا وجبت الفدية عليها، و لا عن أبويه إذا كانا فقيرين، و لا عن ولده إذا كان محتاجا، و لا عن عبده المملوك له إذا وجبت عليهم، فضلا عمن سواهم ممن يستحب له الإنفاق عليهم.

المسألة 211:

يجوز للمكلف أن يفطر في النهار قبل زوال الشمس إذا كان صائما في قضاء شهر رمضان، و لم يتضيق وقت القضاء بمجي ء شهر رمضان المقبل، و إذا تضيق عليه وقت القضاء بذلك لم يجز له الإفطار فيه قبل الزوال، و إذا أفطر في هذه الصورة أثم بإفطاره و لم تجب عليه الكفارة.

و لا يجوز له الإفطار في صوم القضاء بعد زوال الشمس من النهار، سواء كان موسعا أم تضيق وقته، بمجي ء رمضان، و إذا أفطر فيه بعد الزوال متعمدا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 85

لزمته الكفارة في كلتا الصورتين، و قد ذكرنا كفارته، و مقدارها في المسألة المائة و السابعة عشرة.

و كذلك الحكم إذا صام قضاء شهر رمضان بالنيابة عن غيره على الأحوط، فليس له أن يفطر فيه بعد الزوال، و إذا أفطر فيه لزمته الكفارة.

المسألة 212:

يجوز للمكلف ان يفطر قبل زوال الشمس في غير قضاء شهر رمضان من أنواع الصوم الواجب إذا كان وجوبه موسعا غير معين كصوم النذر المطلق و العهد المطلق، و الأحوط له ترك الإفطار فيه بعد الزوال.

و لا يجوز للمكلف ان يفطر في الصوم الواجب المعيّن لا قبل الزوال و لا بعده، و إذا أفطر فيه متعمدا وجبت عليه الكفارة إذا كان من الأنواع التي تجب فيها الكفارة. و اما الصوم المندوب فيجوز له الإفطار فيه و لو قبل غروب الشمس سواء كان معينا أم مطلقا.

المسألة 213:

يجب على ولي الميت ان يقضي عن ميته ما فاته من الصوم الواجب، سواء كان فوته عن عمد أم عن عذر من الأعذار، و سواء كان عمده بترك الصوم أم بالإتيان به على وجه باطل، و سواء كان العذر الذي فاته الصوم بسببه سفرا أم مرضا أم غيرهما.

و لا يجب على ولي الميت أن يقضي ما تركه الميت على وجه الطغيان و عدم المبالاة بالواجب، و لا يجب على الولي أن يقضي عن الميت ما فاته من الصوم لغير السفر من الأعذار كالمرض و التقية إذا لم يتمكن الميت في حياته من قضاء ذلك الصوم الفائت، و اما ما تركه في حال السفر فالأقوى وجوب قضائه على الولي و ان لم يتمكن الميت من قضائه في حياته و قد سبق بيان هذا في المسألة المائتين و الثالثة.

المسألة 214:

ولي الميت الذي يجب عليه ان يقضي ما فات ميّته من الصيام هو أولى الناس بميراثه من الورثة الذكور، و إذا تعدد ورثته الذكور، فالولي منهم هو أكبرهم سنّا عند وفاة الميت، و لا يختص بالولد الأكبر له على الظاهر، نعم يكون الولد الأكبر مع وجوده هو ولي أبيه إذا مات و لا يعم بقية ورثته الآخرين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 86

و على ما ذكرناه فلا يختص الميت الذي يجب القضاء عنه بأن يكون أبا، بل يشمل غير الأب من الرجال و لا يختص بالرجال بل يشمل الأم و غيرها من النساء فيجب على الولي القضاء عنهن بعد الموت.

المسألة 215:

لا يسقط وجوب القضاء عن الولي إذا كان طفلا أو كان مجنونا أو كان حملا في بطن أمه حين موت الميت، فيجب القضاء عليه إذا كمل بعد ذلك.

و إذا كان للميت وليان متساويان في السن، وجب قضاء ما فات الميت على الوليين على نحو الوجوب الكفائي، فإذا قام أحد الوليين بالقضاء الواجب و وفى به، سقط وجوب القضاء عن الولي الآخر، و إذا تركاه جميعا و لم يأتيا به كانا آثمين معا لعدم امتثالهما.

المسألة 216:

الأكبر سنا من الورثة أو من الأولاد هو من كان أسبق في الولادة، و ان انعقدت نطفتهما معا، كما في التوأم أو سبق المتأخر في الولادة على الأول في انعقاد النطفة، كما في الولدين لشخص واحد من زوجتين، فتحمل إحداهما بولدها قبل أن تحمل الثانية بشهر، و تلد الزوجة الثانية ولدها قبل ولادة الأول بشهرين، لأن مدة الحمل بالأول كانت تسعة أشهر و مدة الحمل بالثاني ستة أشهر، فيكون الولد الثاني هو ولي أبيه لأنه المولود السابق.

المسألة 217:

يصح لغير الولي ان يتبرع بقضاء الصوم عن الميت، سواء كان للميت ولي شرعي يجب عليه القضاء أم لم يكن له ولي، فإذا تبرع أحد فقضى عن الميت ما فاته من الصوم سقط وجوب القضاء عن الولي، و لا يسقط عنه الوجوب حتى يقضي المتبرع الصيام بالفعل، و إذا قام المتبرع فصام عن الميت بعض ما عليه من الأيام و لم يكمل قضاء الجميع وجب على الولي أن يقضي صوم الأيام الباقية.

المسألة 218:

يتخير ولي الميت بين ان يتولى قضاء الصوم بنفسه عن الميت، و ان يستأجر أحدا غيره يصوم بالنيابة عن الميت، و إذا اختار الوجه الثاني فاستأجر من يصوم عن الميت فلا يسقط الوجوب عن الولي حتى يعلم أن الأجير قد أتى بالعمل كما تقدم في المتبرع، فلا يسقط الوجوب عن الولي إذا علم ان الأجير لم يأت بالصيام

كلمة التقوى، ج 2، ص: 87

الذي استأجره عليه، أو علم بأنه قد أتى به على وجه غير صحيح، و لا يسقط الوجوب عنه إذا شك في ان الأجير أتى بالعمل أو لم يأت به.

و إذا علم الولي بأن الأجير قد صام عن الميت، و شك في صحة الصيام الذي قام به، حمل عمله على الصحة و سقط وجوب القضاء عن الولي بذلك، و تجري هذه الفروض و الأحكام كلها في المتبرع في المسألة المتقدمة.

المسألة 219:

إذا أوصى الميت وصيه قبل موته بأن يستأجر من يصوم أو يصلي عنه ما فاته، كان سقوط وجوب القضاء عن الولي مراعى بأداء الأجير للعمل، فإذا استأجر الوصي أحدا لذلك، و قام الأجير بالعمل على الوجه الصحيح سقط وجوب القضاء عن الولي، و إذا لم يأت الأجير بالعمل أو اتى به على وجه باطل، أو شك الولي بأن الأجير أتى بالعمل أو لا، لم يسقط وجوب القضاء عن الولي، و إذا علم بأن الأجير أتى بالعمل المستأجر عليه و شك في صحة ما أتى به بنى على الصحة في العمل و سقط عنه وجوب القضاء.

المسألة 220:

يجب على ولي الميت أن يقضي ما علم ان ميتة مات و هو مدين به من الصوم و الصلاة، و يجب عليه أن يقضي ما شهدت البينة الشرعية بأن الميت مدين به من الصوم و الصلاة حين موته.

و يجب عليه قضاء ما أقر الميت في حال حياته بأنه مدين به من ذلك على الأحوط، و يجب عليه قضاء ما علم بان الميت كان مدينا به في حال حياته من الصوم و الصلاة ثم شك الولي في ان الميت أتى به في حياته أو لم يأت به حتى مات، على الأقوى في بعض الصور المذكورة، و على الأحوط في الجميع.

المسألة 221:

إذا شك المكلف في وجوب شي ء عليه من قضاء الصوم و الصلاة، و كان مقتضى استصحاب بقاء شغل الذمة بذلك العمل- في رأيه- انه يجب عليه الإتيان به، ثم لم يأت بالعمل حتى مات، فهل يجب على الولي من بعده قضاء ذلك العمل عنه أو لا يجب؟ الظاهر انه لا يجب القضاء على الولي حتى تتم الحجة على الوجوب عند الولي نفسه، و قد أشرنا الى هذا في الفرض الأخير من المسألة المتقدمة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 88

المسألة 222:

يجب على ولي الميت أن يقضي ما وجب على الميت نفسه من الصوم، سواء كان من قضاء شهر رمضان، أم كان واجبا عليه بنذر أو عهد أو يمين أم كفارة أم غيرها، و لا يجب عليه ان يقضي ما وجب على الميت لغيره بإجارة أو ولاية و شبهها.

الفصل السابع في صوم الكفارة
المسألة 223:

من الكفارات ما يجب فيه الصوم منضما الى خصال أخرى تجب معه جميعا، و هو كفارتان:

(الأولى): كفارة من قتل مؤمنا متعمدا.

(الثانية): كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان بتناول مفطر محرم و كان متعمدا.

و الخصال التي يجب دفعها في هاتين الكفارتين: ان يعتق المكلف رقبة، و أن يصوم شهرين متتابعين، و ان يطعم ستين مسكينا، فعلى المكلف إذا ارتكب احدى هاتين الجريمتين ان يجمع بين الخصال الثلاث المذكورة وجوبا في الكفارة الأولى منهما، و احتياطا لا بدّ منه في الكفارة الثانية.

المسألة 224:

من الكفارات ما يجب فيه الصوم على المكلف إذا عجز عن الإتيان بخصلة أو خصال أخرى تجب قبل الصوم، و هو إحدى عشرة كفارة:

(الأولى): كفارة من قتل مؤمنا خطأ.

(الثانية): كفارة من ظاهر من زوجته ثم أراد وطأها بعد المظاهرة.

و الكفارة الواجبة فيهما: أن يعتق المكلف رقبة، فإذا عجز عن عتقها وجب عليه ان يصوم شهرين متتابعين، و إذا عجز عن صوم الشهرين وجب عليه أن يطعم ستين مسكينا.

(الثالثة): كفارة من أفطر في قضاء شهر رمضان بعد زوال الشمس من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 89

النهار، و كفارته أن يطعم عشرة مساكين، فان هو لم يقدر على ذلك وجب عليه ان يصوم بدل ذلك ثلاثة أيام، و قد سبق ذكرها في المسألة المائة و السابعة عشرة.

(الرابعة): كفارة مخالفة اليمين، (الخامسة): كفارة مخالفة النذر على الأقوى، (السادسة): كفارة المرأة إذا هي خدشت وجهها في المصاب حتى أدمته، أو هي نتفت شعر رأسها في المصاب، (السابعة): كفارة الرجل إذا شق ثوبه لموت ولده أو لموت زوجته.

و الكفارة في كل واحد من هذه الموجبات الأربعة: ان يطعم المكلف عشرة مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة مؤمنة، و

يتخير بين الخصال الثلاث المذكورة، فإن عجز عنها جميعا و لم يقدر على الإتيان بأيّ واحدة منها، وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام.

(الثامنة): كفارة المكلف المحرم بالحج أو بالعمرة إذا قتل نعامة في أثناء إحرامه، و الكفارة الواجبة عليه بسبب ذلك أن ينحر بدنة، فان هو عجز عن البدنة، وجب عليه أن يفض ثمن البدنة على البر أو على غيره من الطعام الذي يصح إخراجه في الكفارة، و يطعم به ستين مسكينا يدفع لكل مسكين منهم مدّا، و الأحوط له استحبابا ان يدفع لكل مسكين مدّين، إذا وسعت قيمة البدنة لذلك.

و إذا قصرت قيمة البدنة عن الوفاء بإطعام ستين مسكينا، أطعم المقدار الذي تسعه القيمة من عدد المساكين و لم يجب عليه إتمام العدد، و إذا اتفق ان زادت قيمة البدنة على إطعام الستين لم تجب عليه الصدقة بالزائد على ذلك.

فان عجز عن الصدقة المذكورة صام على الأحوط لزوما بمقدار ما بلغت الصدقة من عدد المساكين فيصوم عن كل مسكين يوما، سواء بلغت ستين مسكينا أم لم تبلغ، فان عجز عن ذلك صام ثمانية عشر يوما.

(التاسعة): كفارة من أحرم بالحج أو بالعمرة إذا قتل بقرة وحشية في أثناء إحرامه.

و كفارة من فعل ذلك أن يذبح بقرة أهلية، فإن عجز عن البقرة وجب عليه أن يفض ثمن البقرة على البر أو على غيره من طعام الكفارات، و أطعم به ثلاثين مسكينا و جرى فيه نظير البيان الذي فصّلناه في كفارة قتل النعامة.

فإذا عجز عن الصدقة على الوجه الذي ذكرناه صام على الأحوط لزوما بمقدار ما بلغت الصدقة أياما كما تقدم، سواء بلغت ثلاثين يوما أم لم تبلغ، فان

كلمة التقوى، ج 2، ص: 90

عجز عن ذلك

صام تسعة أيام.

(العاشرة): كفارة من أحرم بالحج أو العمرة و قتل ظبيا في أثناء إحرامه.

و كفارة من فعل ذلك ان يذبح شاة، فإن هو عجز عن الشاة فض ثمنها على البر أو غيره من طعام الكفارة، و أطعم به عشرة مساكين على النهج الذي سبق ذكره في كفارة النعامة و بقرة الوحش، فإذا عجز عن الصدقة المذكورة صام على الأحوط لزوما بمقدار ما بلغت الصدقة أياما، سواء بلغت عشرة أيام أم لم تبلغ، فان لم يقدر على ذلك صام ثلاثة أيام.

(الحادية عشرة): كفارة الحاج إذا خرج من موقف عرفات قبل أن يدخل وقت المغرب الشرعي عامدا، فيجب عليه ان ينحر بدنة فان لم يقدر على ذلك وجب عليه ان يصوم ثمانية عشر يوما في مكة أو في الطريق أو في أهله إذا رجع إليهم.

المسألة 225:

من الكفارات ما يجب فيه الصيام على نحو التخيير بينه و بين غيره من الخصال، و هو ست كفارات:

(الأولى): كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان عامدا فتناول فيه مفطرا محللا، (الثانية): كفارة من جامع امرأته و هو معتكف، (الثالثة): كفارة من عاهد الله على فعل شي ء أو على تركه ثم أخلف عهده و لم يف به، (الرابعة): كفارة المرأة إذا جزّت شعر رأسها في المصاب.

و الكفارة الواجبة في كل واحدة من المذكورات: أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، فيجب على المكلف ان يأتي بواحدة من الخصال الثلاث المذكورة و أيّتها أتى بها أجزأته.

(الخامسة): كفارة من حلق رأسه عامدا و هو محرم، و كفارة من فعل ذلك ان يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يتصدق على ستة مساكين فيدفع لكل مسكين مدّين من الطعام،

و تجزيه أية خصلة أتى بها من هذه الثلاث.

(السادسة): كفارة الرجل إذا وطأ أمته و هي محرمة بإذنه.

و كفارته إذا فعل ذلك و كان صاحب يسر أن ينحر بدنة أو يذبح بقرة أو شاة، فيتخير بين هذه الأنعام الثلاث، و إذا كان معسرا، وجب عليه أن يذبح شاة أو يصوم، و يتخير بين هاتين الخصلتين، و ليكن الصوم الذي يأتي به ثلاثة أيام

كلمة التقوى، ج 2، ص: 91

على الأحوط، و هذه غير كفارة الرجل بنفسه عن جماعة للأمة إذا كان محرما معها، و هي مذكورة في كفارات الإحرام من كتاب الحج.

المسألة 226:

يجب على المكلف أن يتابع في صوم الشهرين الواجبين عليه في كفارة الجمع، و في الكفارة المرتبة و الكفارة المخيّرة و قد بينّاها جميعا في المسائل الثلاث الماضية.

و يحصل التتابع الشرعي الواجب بين الشهرين، بأن يصوم المكلف الشهر الأول كله تامّا و يصوم معه يوما من الشهر الثاني، فإذا أدى المكلف الصوم على هذا الوجه كفاه ذلك في حصول التتابع الواجب بين الشهرين، و جاز له أن يفرق بين بقية أيام الشهر الثاني في صيامه إياها.

و يجب على المكلف ان يتابع في صوم الأيام الثلاثة الواجبة في كفارة خلف اليمين و خلف النذر، و ان يتابع على الأحوط في صوم الأيام الثلاثة التي يصومها في الحج من بدل هدي التمتع إذا هو لم يجد الهدي، عدا ما يستثنى فيها، و سيأتي التنبيه على هذا في المسألة المائتين و الثانية و الثلاثين- ان شاء الله تعالى-، و الأحوط استحبابا للمكلف ان يتابع في صوم بقية الكفارات.

المسألة 227:

إذا نذر الإنسان أن يصوم لله شهرا أو شهرين أو أقل من ذلك أو أكثر لم يجب عليه أن يتابع بين الأيام المنذورة في الصوم، إلا ان يشترط على نفسه التتابع في صيغة نذره، أو ينصرف اللفظ الذي تعلّق به النذر الى المتتابع، و مثال الثاني:

أن ينذر ان يصوم شهرا هلاليا أو يصوم أسبوعا، و منه ما إذا نذر ان يصوم شهرا و قصد منه الشهر الهلالي فإن اللفظ في هذه الأمثلة ينصرف إلى المتتابع، و كذلك الحكم في العهد و اليمين المتعلقين بالصوم.

المسألة 228:

إذا نذر الرجل ان يصوم شهرين متتابعين اتبع قصده من كلمة التتابع التي اشترطها في صيغة النذر، فان قصد التتابع الشرعي في الصوم، جاز له أن يصوم شهرا و يوما متتابعا في الأيام، ثم يفرق بين بقية أيام الشهر الثاني كما تقدم، و ان قصد في نذره التتابع في صوم جميع الأيام المنذورة، أو كان ذلك هو الذي ينصرف اليه لفظ النذر، كما إذا نذر لله ان يصوم شهرين هلاليين متّصلين،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 92

وجب عليه ان يتابع بين جميع أيام الشهرين.

و كذلك إذا نذر أن يصوم شهرا متتابعا، فان قصد التتابع الشرعي جاز له ان يصوم من الشهر خمسة عشر يوما متتابعة ثم يفرق صوم بقية الأيام منه، و ان قصد التتابع في جميع أيام الشهر أو كان ذلك هو ما ينصرف إليه لفظ المنذور، كما إذا نذر شهرا هلاليا، وجب عليه ان يتابع صوم جميع أيام الشهر، و حكم العهد و اليمين في جميع ما بيناه هو حكم النذر.

المسألة 229:

لا يجري التتابع الشرعي الذي ذكرناه في بقية أفراد الصوم المتتابع، فلا يجوز للمكلف ان يفرق فيها اختيارا بعد تجاوز النصف كما في الشهرين المتتابعين و الشهر المتتابع.

المسألة 230:

لا يجب على المكلف أن يتابع في قضاء الصوم المنذور المعين، فإذا نذر الرجل ان يصوم الأيام البيض من شهر معين، ففاته صوم تلك الأيام، فلا يجب عليه التتابع في قضائه، و لا يجب عليه التتابع في قضاء صوم قد نذر فيه التتابع، و مثال ذلك أن ينذر لله أن يصوم عشرة أيام متوالية من شهر رجب في هذا العام ثم انقضى شهر رجب من العام المعين و لم يصم فيه نذره لبعض الأعذار، فإذا أراد ان يقضي صوم هذه الأيام الفائتة، لم يجب عليه أن يتابع بين أيام القضاء، و ان كان الأحوط له استحبابا أن يتابع القضاء في كلا الفرضين.

المسألة 231:

إذا وجب على المكلف صوم متتابع في كفارة أو صوم نذر فيه التتابع، فلا يجوز له ان يبتدئ في صومه في وقت يعلم بان التتابع لا يحصل فيه، لتخلل يوم أو أيام يحرم صومها كالعيدين و أيام التشريق لمن كان بمنى، أو لتخلل شهر رمضان أو صوم واجب معيّن غير رمضان كالنذر المعين، فلا يجوز له أن يبتدئ صوم شهرين متتابعين في أول شهر شعبان مثلا، أو في أول شهر ذي الحجة، لأن تتابع صومه ينقطع بمجي ء شهر رمضان في الفرض الأول، و بتخلل العيد في الفرض الثاني، و هكذا في نظائره من الأمثلة.

نعم، إذا ابتدأ المكلف بصوم الشهرين المتتابعين في ذلك الوقت و كان غافلا عن وجود ما يمنعه من التتابع في الصوم و استمرت به الغفلة إلى أن أتى وقت ذلك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 93

المانع، صح صومه الماضي، و بنى عليه صوم الأيام الباقية من الشهرين بعد انتهاء المانع، و لم ينقطع بذلك تتابع صومه، بسبب الغفلة.

و كذلك إذا

ابتدأ بصوم الشهرين المتتابعين و هو يعتقد سلامة الأيام من الموانع، و استمر به الاعتقاد الى أن وصل وقت المانع، فيصح صومه الماضي و يبني عليه صيام الباقي بعد انتهاء المانع، و إذا كان المكلف ملتفتا شاكّا بوجود المانع أو جاهلا بالحكم فالظاهر بطلان صومه.

المسألة 232:

يستثنى من الحكم المتقدم صوم الأيام الثلاثة التي يصومها المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا هو لم يجد الهدي الواجب عليه في حجه، فيجوز له ان يصوم يوم التروية و يوم عرفة بعد ان يحرم بالحج، ثم يأتي بصيام اليوم الثالث منها بعد العيد بلا فصل و بعد العيد و أيام التشريق بلا فصل لمن كان بمنى، و لا يكون هذا الفصل مخلّا بالتتابع الواجب عليه في صيام الأيام الثلاثة المذكورة.

و يختص الاستثناء بهذا المورد، فلا يصح صومه إذا فرق بين الأيام الثلاثة على غير هذه الصورة، فلا يجوز له ان يصوم يوم عرفة وحده و يكمل الأيام بعد العيد، و لا يجوز له ان يصوم اليوم السابع و يوم التروية و يأتي باليوم الثالث بعد يوم عرفة و يوم العيد، فيجب عليه الاستئناف في جميع ذلك.

المسألة 233:

إذا وجب على الرجل صوم يشترط فيه التتابع كصوم الكفارة الذي يجب فيه ذلك و كصوم النذر الذي يشترط فيه على نفسه ان يتابع صومه، فأفطر في أثناء صومه عامدا من غير عذر بطل التتابع و وجب عليه أن يستأنف صومه متتابعا.

و كذلك إذا صامه في زمان لا يحصل فيه التتابع لتخلل عيد أو تخلل صوم واجب معين من نذر و شبهه، كما سبق ذكره قريبا، فيجب عليه استئناف الصوم متتابعا.

المسألة 234:

إذا كان على المكلف صوم لا يجب فيه التتابع في أصله كقضاء شهر رمضان و كالنذر المطلق، فنذر لله أن يتابع في صوم أيامه وجب عليه ذلك، و إذا نذر التتابع فيه ثم صامه و أفطر في أثنائه عامدا و لم يتابع أثم لمخالفة نذره و وجبت

كلمة التقوى، ج 2، ص: 94

عليه كفارة مخالفة النذر، و كان صومه صحيحا، فيجزيه عما في ذمته من الواجب و لا يجب عليه الاستئناف.

المسألة 235:

إذا وجب على الإنسان صوم متتابع فأفطر في أثنائه لمرض حدث له، أو أفطرت المرأة في أثنائه لحيض أو نفاس أو نحو ذلك من الأعذار التي لا يكون حدوثها بفعل المكلف و اختياره بنفسه، صح صومه، و بنى عليه صيام الأيام الباقية بعد ارتفاع العذر المانع له من الصوم، و لم يقدح ذلك بتتابع الصوم الواجب عليه.

و إذا اتفق ان حدث المرض أو الحيض أو النفاس أو العذر الآخر للمكلف بفعله بنفسه و اختياره، كما إذا تناول بعض المستحضرات أو الحبوب فحدث له ذلك و أفطر من صومه انقطع به تتابع الصوم و وجب على المكلف أن يستأنف الصوم و يأتي به متتابعا بعد زوال العذر.

و كذلك الحكم في السفر الموجب للإفطار، فينقطع به تتابع الصوم، و ان كان المكلف مضطرا اليه على الأحوط، فيجب عليه ان يستأنف الصوم و يتابعه بعد رجوعه من السفر، إلا إذا اضطر الى السفر و كان اضطراره بنحو القهر الذي يخرج به المكلف عن الاختيار، كما إذا سافر به متغلّب و قطع به المسافة مقسورا على أمره و لم يملك التخلص منه، فإذا أفطر بسبب ذلك لم ينقطع تتابع صومه إذا واصلة بعد ارتفاع العذر عنه.

المسألة 236:

إذا نسي المكلف نية الصوم في بعض أيام الصوم الذي يجب فيه التتابع، و لم يتذكر إلا بعد زوال النهار، لم يصح منه صوم ذلك اليوم و لم ينقطع به تتابع صومه، فيبني ما يأتي من صومه على ما مضى، و كذلك إذا غفل عن نية الصوم أو نام عنها و لم ينتبه للإتيان بها حتى فات محلّها، فيجزي فيه حكم الناسي.

و نظير ذلك أيضا ما إذا نسي المكلف صومه المتتابع الواجب عليه،

فنوى في أثنائه صوما آخر غيره، و لم يتذكر إلا بعد الزوال، فلا ينقطع تتابع صومه بتخلل ذلك اليوم في جميع الفروض المذكورة، و يبني ما يأتي به من الصوم على ما مضى منه.

و مثله في الحكم ما إذا نذر الإنسان أن يصوم يوم كل خميس مثلا، ثم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 95

وجبت عليه الكفارة لأحد الأسباب بعد ذلك، فإذا أراد ان يصوم شهرين متتابعين لكفارته وجب عليه أن يصوم كل خميس من الشهرين وفاء بالنذر السابق الذي نذره، و لا يكون ذلك مخلّا بتتابع صوم الكفارة على الأقوى.

و بحكمه أيضا صوم الشهر المتتابع و الأيام المتتابعة إذا وجبا عليه، فتجري فيهما الاستثناءات المذكورة في هذه المسألة.

الفصل الثامن في أقسام الصوم
[ (القسم الأول) (القسم الثاني): الصوم الواجب و المندوب.]
المسألة 237:

يقع الصوم على أربعة أقسام: (القسم الأول) الصوم الواجب و قد سبق الكلام منا على الكثير المهم من أنواع هذا القسم في الفصول المتقدمة، و بينا الوافر الوافي بالحاجة من أحكامها و حسبنا في المقام هذه الإشارة إليه.

(القسم الثاني): الصوم المندوب.

و استحباب الصوم على وجه الاجمال، بل و تأكد استحبابه مما ثبت بالضرورة، بحيث لا ينكره أحد من المسلمين، و قد ورد الحث الشديد عليه عن الرسول و خلفائه المعصومين (صلوات الله و سلامه عليه و عليهم أجمعين)، ففي الحديث عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع) قال: قال رسول الله (ص):

(الصوم جنة من النار) و عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) عنه (ص): (لكل شي ء زكاة و زكاة الأبدان الصيام)، و عن أبي عبد الله (ع): (أن الله تعالى يقول: الصوم لي و أنا أجزي عليه)، و عنه (ع) قال أبي (ع): (ان الرجل يصوم يوما تطوعا يريد ما عند الله فيدخله الله

به الجنة)، و عنه (ع) قال رسول الله (ص): (الصائم في عبادة و ان كان نائما في فراشه ما لم يغتب مسلما)، و عنه (ع): (نوم الصائم عبادة و صمته تسبيح و عمله متقبل و دعاؤه مستجاب)، و عن الرسول (ص): (للصائم فرحتان، حين يفطر، و حين يلقى ربه، و الذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك) إلى غير ذلك مما تواتر عنهم (صلوات الله و سلامه عليهم) بالسنة مختلفة.

المسألة 238:

للصوم المندوب أنواع كثيرة العدد، فمنه ما أمر به في الشريعة المطهرة على

كلمة التقوى، ج 2، ص: 96

وجه الإطلاق، فليس له وقت معين و لا سبب خاص، و من هذا النوع صوم جميع أيام السنة عدا ما استثني منها، و هي الأيام التي يحرم الصوم فيها، و سيأتي ذكرها في آخر هذا الفصل ان شاء الله تعالى، و الأيام التي يجب صومها تعيينا كشهر رمضان، و الأيام التي يتعين صومها على المكلف لنذر أو عهد أو يمين، و من كان عليه قضاء شهر رمضان، فليس له ان يصوم النافلة و قد بينا هذا في المسألة المائة و السابعة و الخمسين.

المسألة 239:

من الصوم المندوب ما أمر به في الشريعة لسبب خاص، و لم يجعل له وقت معين يختص وقوعه فيه، فمن هذا النوع: صوم ثلاثة أيام في المدينة المنورة لقضاء الحاجة، و قد ذكر تفصيل الصوم و العمل فيها، في صحيح معاوية بن عمار عن الإمام أبي عبد الله (ع) و قد رواه في الباب الحادي عشر من أبواب المزار من كتاب وسائل الشيعة، فليرجع إليه من أراد الوقوف عليه، و قد فصلنا ذكره في المسألة الألف و المائة و الثامنة و الخمسين من كتاب الحج من هذه الرسالة.

و من هذا النوع: الصوم لعمل ليلة الرغائب، و ليلة الرغائب هي أولى جمعة من شهر رجب، فيصام يوم الخميس قبلها و ان لم يكن الخميس من رجب، و العمل مذكور في اعمال شهر رجب من كتاب الإقبال للسيد ابن طاوس (قده) و في بعض كتب الدعاء المعتبرة كمفاتيح الجنان. و أفراد هذا النوع كثيرة، مذكورة في كتب الدعاء، و لا يترك الاحتياط بأن يؤتى بالصوم في

هذه الموارد و أمثالها برجاء المطلوبية.

المسألة 240:

من الصوم المندوب ما أمر به في الشريعة في وقت معين، و أفراد هذا النوع كثيرة أيضا، و هي متفاوتة في مراتب الفضل حسب ما ورد فيها من الأحاديث عن المعصومين (ع).

فمن المندوبات المؤكدة، و لعله أشدّها تأكدا: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، و قد وردت فيه كيفيات عديدة، و أفضل كيفياتها: أن يصوم الإنسان أول خميس من الشهر و آخر خميس منه، و أول أربعاء من العشر الوسطى.

و يستحب للإنسان قضاء هذا الصوم إذا فاته، و إذا عجز عن هذا الصوم لكبر سن أو عطش أو غيرهما استحب له أن يتصدق عن كل يوم من الأيام

كلمة التقوى، ج 2، ص: 97

الثلاثة بمدّ من الطعام أو بدرهم.

المسألة 241:

من المندوبات المؤكدة أن يصوم الإنسان اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة، و هو يوم الغدير، ففي الحديث: (و صيامه يعدل عند الله عز و جل في كل عام مائة حجة و مائة عمرة مبرورات متقبلات).

و يستحب صوم اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول، و هو يوم مولد الرسول (ص) على القول المشهور، و قد ورد في فضل الصوم فيه (ان من صامه كتب الله له صيام سنة) و في بعض الأحاديث: (كتب الله له صيام ستين سنة).

و يستحب صوم اليوم السابع و العشرين من شهر رجب، و هو يوم بعث الرسول (ص) بالرسالة من الله سبحانه، و قد ورد فيه (ان من صامه كتب الله له صيام ستين شهرا)، و في بعض الروايات: (كتب الله له صيام سبعين عاما).

و يستحب صوم اليوم الخامس و العشرين من شهر ذي القعدة، و هو يوم دحو الأرض، فعن أبي الحسن (ع): (من صام ذلك اليوم كان

كفارة سبعين سنة)، و في رواية أخرى: (من صام ذلك اليوم و قام تلك الليلة فله عبادة مائة سنة، صام نهارها و قام ليلها).

و يستحب صوم يوم عرفة، و هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة إذا لم يشك المكلف في هلال الشهر، و لم يضعفه الصوم عن الدعاء، و قد ورد فيه: (من صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة).

و يستحب صوم اليوم الأول من شهر ذي الحجة، و قد ورد: (ان من صامه كتب الله له صوم ثمانين شهرا)، و في حديث آخر: (من صام ذلك اليوم كان كفارة ستين سنة).

و يستحب صوم يوم التروية و هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، فعن أبي عبد الله (ع): (صوم يوم التروية كفارة سنة)، و يستحب صوم الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة ففي الحديث: (فإن صام التسع كتب الله له صوم الدهر).

و يستحب صوم أول يوم من المحرم و ثالثه و تاسعه، بل يستحب صوم شهر المحرّم كله، ففي الحديث عن النبي (ص): (و ان أفضل الصيام من بعد شهر رمضان صوم شهر الله الذي يدعونه المحرّم)، و عنه (ص): (من صام يوما من المحرّم، فله بكل يوم ثلاثون يوما)، و عن أبي عبد الله (ع): (من أمكنه صوم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 98

المحرّم فإنه يعصم صائمه من كل سيئة).

و يستحب الإمساك في يوم عاشوراء حزنا الى ما بعد العصر، و ليكن إفطاره على شربة ماء.

و يستحب استحبابا مؤكدا صوم اليوم الأول من شهر رجب، و صوم الأيام البيض منه، و هي اليوم الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر، و يستحب صوم كل واحد من اليوم الخامس و العشرين من

شهر رجب و اليوم السادس و العشرين و اليوم السابع و العشرين منه.

و يستحب كذلك صوم شهر رجب كله، فقد ورد الترغيب المؤكد عن أئمة الهدى (ع) في جميع ذلك، انظر الباب السادس و العشرين من أبواب الصوم المندوب من كتاب وسائل الشيعة.

و يستحب استحبابا مؤكدا صوم شهر شعبان كله و بعضه كما ورد عنهم (ع)، و يلاحظ الباب الثامن و العشرون و الباب التاسع و العشرون من أبواب الصوم المندوب من كتاب الوسائل.

و يستحب صوم يوم الجمعة من الأسبوع فعن الإمام أبي الحسن الرضا (ع): قال رسول الله (ص): (من صام يوم الجمعة صبرا و احتسابا أعطي ثواب صيام عشرة أيام غرّ زهر لا تشاكل أيام الدنيا).

و ينبغي أن لا يفرد يوم الجمعة بالصوم وحده، بل يصوم معه يوما آخر قبله أو بعده.

المسألة 242:

يجوز لمن يصوم صياما مندوبا في أي نوع من أنواعه أن يفطر اختيارا من صومه و لو قبل غروب الشمس و قد ذكرنا هذا الحكم في المسألة المائتين و الثانية عشرة و ذكرناه في مواضع اخرى من الفصول المتقدمة، و لا إثم عليه في ذلك، و يكره له بعد الزوال.

المسألة 243:

يستحب للصائم صوما مندوبا ان يجيب دعوة أخيه المؤمن إذا دعاه الى تناول الطعام، فيفطر من صومه اجابة له، سواء كان ذلك قبل الزوال أم بعده، بل يستحب له إذا دعاه و هو لا يعلم بصيامه ان يجيب دعوته و لا يعلمه بأنه صائم.

و يستحب كذلك لمن كان صومه واجبا موسعا أن يجيب المؤمن إذا دعاه الى

كلمة التقوى، ج 2، ص: 99

الطعام قبل الزوال فيفطر يومه إجابة لدعوة أخيه و ينال بذلك ثواب إجابة الدعوة، ثم يصوم بعد ذلك ما يجب عليه، و اما الإفطار فيه بعد الزوال فقد سبق ان الأحوط لزوما تركه.

(القسم الثالث): الصوم المكروه.
المسألة 244:

يكره للشخص ان يصوم يوم عرفة إذا كان الصوم يضعفه عن الدعاء فيه، و يكره صومه أيضا إذا شك في هلال شهر ذي الحجة، و احتمل أن يكون ذلك اليوم هو يوم العيد.

المسألة 245:

يكره للضيف ان يصوم متطوعا بدون إذن مضيّفه، سواء نهاه المضيّف عن الصوم أم لا، و سواء كان صومه مندوبا مطلقا أم كان مندوبا معينا.

المسألة 246:

يكره للولد ان يصوم تطوعا بدون إذن أبيه، و الأحوط اعتبار إذن والدته أيضا، و في اعتبار إذن الجد أبى الأب في صوم ولد ولده تطوعا إشكال، و الأحوط اعتباره.

المسألة 247:

يحرم صوم يوم عاشوراء إذا صامه الرجل بنية التبرك، و يحرم صومه بالحرمة التشريعية إذا صامه بقصد كونه مندوبا و مؤكدا عليه كسائر الأيام التي يستحب للإنسان أن يصومها بالخصوص و ان لم يقصد به التبرك، و إذا صامه بقصد انه مستحب على العموم كسائر أيام السنة التي لا خصوصية فيها، صح صومه و وقع مكروها على الأقوى، و إذا أمسك فيه عن المفطرات حزنا إلى ما بعد العصر ثم أفطر كان مستحبا من غير كراهة و قد تقدم ذكر هذا قريبا.

(القسم الرابع): الصوم المحرم.
المسألة 248:

يحرم على المكلف صوم يوم عيد الفطر و يوم عيد الأضحى، و لا يبيح الصوم فيه أن يكون في كفارة قتل مؤمن في أحد الأشهر الحرم.

المسألة 249:

يحرم على الإنسان صوم أيام التشريق إذا كان بمنى، سواء كان ناسكا أم غير

كلمة التقوى، ج 2، ص: 100

ناسك- على الأحوط- و أيام التشريق هي اليوم الحادي عشر و اليوم الثاني عشر و اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة.

المسألة 250:

يحرم على الإنسان أن يصوم يوم الشك في أول شهر رمضان بنية انه من شهر رمضان، و قد سبق تفصيل أحكامه في المسألة السادسة عشرة و ما بعدها.

المسألة 251:

يحرم على المكلف ان يصوم نذرا في معصية، و هو يقع على وجهين: (الوجه الأول) ان ينذر الصوم شكرا لله إذا تيسّر له ان يفعل أمرا محرما معينا، أو يترك واجبا معينا، و كذلك إذا نذر الصوم شكرا على فعل محرم، أو ترك واجب مطلق غير معين، (الوجه الثاني) ان ينذر الصوم ليزجر به نفسه عن أن يأتي بطاعة خاصة، أو يترك معصية معينة، أو ليزجر نفسه و يعاقبها، لانه فعل طاعة معينة أو ترك معصية معينة.

و بحكم ذلك ان ينذر الصوم ليزجر به نفسه عن أن يأتي بأية طاعة من الطاعات أو عن ان يترك أية معصية من المعاصي التي اعتاد ارتكابها مثلا، أو ليؤنّب نفسه و يعاقبها إن هو فعل أية طاعة، أو ترك أية معصية، و لا ريب في حرمة هذه النذور بنفسها و عدم انعقادها كما لا ريب في حرمة الصوم وفاء بها.

المسألة 252:

يحرم على الإنسان صوم الصمت، و هو ان ينوي في صومه ترك الكلام في جميع النهار أو في جزء منه، بحيث يجعل الصمت عن الكلام قيدا من قيود صومه، و يعتبر الكلام أحد المفطّرات التي ينوي الإمساك عنها في صومه.

و لا يحرم على المكلف الصائم ان يترك التكلم و يلتزم بالصمت في نهاره أو في جزء منه إذا لم يدخل ذلك في نية الصوم، و يحسن للصائم بل و يستحب له ان يترك الفضول من الكلام و الخوض في ما لا يحمد من القول و الفعل، و يعدّ ذلك من الآداب الرفيعة للصوم، كما يكره ذلك لغير الصائم أيضا.

و اما الخوض في الباطل و المحرم من الأقوال و الافعال فهو من المحرمات على الصائم و غيره، و هو

على الصائم و في شهر الله العظيم أشد حرمة منه في غيرهما.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 101

المسألة 253:

يحرم على المكلف صوم الوصال، و هو أن ينوي صوم جميع نهاره و ليلته إلى وقت السحر، أو ينوي صوم يومين متصلين لا يفطر بينهما، بل يحرم عليه ان يضم بعض ساعات الليل الى النهار في نية صومه و ان لم يبلغ الى وقت السحر، فينوي الصوم طول النهار إلى الساعة الأولى أو الثانية بعد دخول الليل.

و لا يضر بصومه أن يؤخر إفطاره فلا يأكل شيئا الى السحر أو الى أكثر من ذلك، إذا هو لم يجعل ذلك جزءا أو قيدا في صومه.

المسألة 254:

يحرم على الزوجة ان تصوم صوما مندوبا إذا كان صومها يزاحم حق الزوج الواجب عليها، و الأحوط لزوما لها أن تجتنب الصوم المندوب بغير إذن الزوج.

المسألة 255:

يحرم على العبد المملوك أن يصوم متطوعا إذا كان صومه يزاحم حق مالكه، و الأحوط له بل الأقوى وجوب اجتناب الصوم المندوب بغير إذن مالكه.

المسألة 256:

يحرم صوم الولد تطوعا إذا كان صومه يوجب أذى والديه، أو يوجب أذى أحدهما.

المسألة 257:

يحرم صوم الدهر، و المراد به ان يصوم الإنسان جميع أيام عمره حتى يومي العيدين و غيرهما من الأيام التي يحرم صومها.

المسألة 258:

يحرم الصوم على المسافر إذا كان سفره يوجب عليه القصر في الصلاة، و قد سبق ذكر هذا الحكم في المسألة المائة و السابعة و الأربعين و غيرها من مسائل فصل شرائط الصوم، و ذكرنا هناك بعض المستثنيات من هذا الحكم.

المسألة 259:

يحرم صوم المريض، و من يضر الصوم بصحته على ما تقدم بيانه في فصل شرائط الصوم.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 102

المسألة 260:

يستحب للمكلف أن يمسك عن المفطّرات تأدبا في شهر رمضان في عدة موارد، و لا يجزيه إمساكه هذا عن الصيام الواجب عليه.

(المورد الأول): إذا وصل المسافر الى بلده أو الى موضع يعزم على إقامة عشرة أيام تامة فيه، و كان قد تناول بعض ما يفطر الصائم قبل وصوله إلى البلد أو إلى موضع الإقامة، فيستحب له ان يمسك في بقية نهاره من الشهر، سواء كان وصوله إليه قبل الزوال أم بعده.

(المورد الثاني): إذا وصل المسافر الى بلده أو الى محلّ يعزم على إقامة العشرة فيه بعد زوال الشمس، سواء قد تناول المفطر قبل وصوله أم لم يتناول شيئا، فيستحب له ان يمسك عن المفطرات في بقية نهاره، و إذا وصل المسافر إلى أحدهما قبل زوال النهار و لم يتناول في يومه شيئا من المفطرات، وجب عليه ان ينوي الصوم حين وصوله، فإذا نوى الصوم و أتم يومه صح صومه و كفاه عن الواجب، و قد بيّنا هذا في المسألة المائة و الخامسة و الستين.

(المورد الثالث): إذا برئ المريض من مرضه في أثناء النهار من الشهر و قد تناول بعض المفطرات في يومه أمسك في بقية نهاره استحبابا.

(المورد الرابع): إذا برئ المريض من مرضه بعد زوال الشمس من النهار أمسك في بقية نهاره استحبابا، و ان لم يكن قد تناول مفطرا في يومه قبل برئه، و إذا هو برئ من مرضه قبل الزوال و لم يكن قد تناول مفطرا، لزمه على الأحوط ان ينوي الصوم في يومه و يتمه ثم يقضيه بعد إتمامه، و قد

ذكرنا هذا في المسألة المائة و الخامسة و الستين.

(المورد الخامس): إذا طهرت المرأة من حيضها أو نفاسها في أثناء النهار من الشهر، أمسكت في بقية نهارها استحبابا، سواء طهرت منهما قبل الزوال أم بعده، و سواء تناولت بعض المفطرات قبل طهرها أم لم تتناول منها شيئا.

(المورد السادس): إذا أسلم الكافر في أثناء النهار من شهر رمضان أمسك في بقية يومه استحبابا، سواء تناول في يومه شيئا من المفطرات قبل ان يسلم أم لم يتناول.

(المورد السابع): إذا بلغ الصبي الحلم في النهار من شهر رمضان، و لم يكن قد نوى الصوم في يومه، استحب له ان يمسك في بقية نهاره، سواء كان قد تناول

كلمة التقوى، ج 2، ص: 103

المفطر في ذلك اليوم أم لا، و إذا كان قد نوى الصوم بنية الندب قبل بلوغه في ذلك اليوم وجب عليه ان يتم صومه وجوبا على الأحوط، فإن هو لم يتم صومه في هذه الصورة، فعليه قضاء ذلك اليوم، و تلاحظ المسألة المائة و الثامنة و الخمسون.

(المورد الثامن): إذا أفاق المجنون من جنونه في أثناء النهار قبل الزوال أو بعده من شهر رمضان، استحب له ان يمسك بقية اليوم و ان لم يتناول في اليوم مفطرا قبل إفاقته من الجنون.

(المورد التاسع): إذا أفاق المغمى عليه من إغمائه بعد الزوال أمسك بقية النهار استحبابا، إذا لم تسبق منه نية الصوم في وقتها أو في أثناء الليل، و إذا سبقت منه النية كذلك قبل الإغماء عليه وجب عليه ان يتم صومه و كفاه ذلك عن الواجب، و إذا أفاق من إغمائه قبل الزوال و لم تسبق منه نية الصوم في وقتها أو في أثناء الليل، نوى الصوم قبل الزوال

و أتم الصوم وجوبا على الأحوط، فإن هو لم يتم صومه وجب عليه قضاء صومه في كلتا الصورتين كما قلنا في المسألة المائة و التاسعة و الخمسين.

(المورد العاشر): إذا أفاق السكران من سكره بعد ان زالت الشمس من النهار و لم يكن قد نوى الصوم في وقت النية أمسك بقية النهار استحبابا، و إذا كان قد نوى الصوم في وقت النية وجب عليه ان يتم صوم يومه و يقضيه بعد ذلك، و قد بينا هذا في المسألة المائة و الرابعة و الأربعين.

خاتمة كتاب الصوم

للصوم درجات مختلفة الشأن، متفاوتة الآثار و التأثير في نفس المكلف الصائم و في سلوكه الاختياري في هذه الحياة، و في قربه و بعده من ربه العلي الكبير، و أقل هذه الدرجات و أدناها منزلة هو الصوم العام الذي يشترك في الإتيان به جميع المكلفين، يؤدون به الفرض الواجب عليهم، و يبتغون به نيل المثوبة و الرضا من الله و امتثال امره، و هو الإمساك عن المفطّرات التي حددتها الشريعة عند توفر الشرائط المعينة في الأوقات المبينة.

و لا ريب في ان لهذه الدرجة من الصوم على وحدتها، مراتب مختلفة في نظر الشريعة الإسلامية المطهرية، و في حصول القرب من الله، فمن يمسك عن المفطرات

كلمة التقوى، ج 2، ص: 104

التي حرمها الله عليه عند صومه، و يتنزه جهده مع ذلك في عمله و في سرّه و جهرة عن المحارم التي نهاه الله عنها حتى في غير الصوم، يكن حريا بنيل القرب من الله- سبحانه- و اكتساب الأجر الكبير الذي وعد الله به الصائمين، و تكن نفسه جديرة بالارتفاع في مراتب التقوى و الورع حتى تبلغ الغاية التي تطمح إليها، و التي مرّن نفسه

و مرّن إرادته عليها طوال صومه و طوال شهره.

و إذا أضاف إلى ذلك ما يكتسبه من عطاء شهره العظيم في إقامته فيه للصلاة و تلاوته للكتاب و قراءته للدعاء و مواظبته على الاستغفار، و في سائر تعبداته لله، و صدقاته و مبراته في الشهر الذي يتضاعف فيه أجر العمل، و يغفر فيه الزلل، حصل له من مجموع ذلك نبع من الخير لا ينضب و مدد لا ينقطع. فإذا واصل السير في طريقه الذي اتخذه، و دأب على السعي فيه بعد انقضاء الصوم و انتهاء الشهر ارتقى في السلّم مرتبة بعد مرتبة و درجة بعد درجة، كما يقول سبحانه في كتابه:

وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زٰادَهُمْ هُدىً وَ آتٰاهُمْ تَقْوٰاهُمْ، و كما يقول وَ يَزِيدُ اللّٰهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَ الْبٰاقِيٰاتُ الصّٰالِحٰاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوٰاباً وَ خَيْرٌ مَرَدًّا.

و من الواضح أتم الوضوح أن هذا المكلف الصائم المحافظ بمنتهى جهده على سلامة صومه و سلامة دينه لا يستوي منزلة مع المكلف الآخر الذي يمسك عن المفطرات المحظورة في الصوم كما ذكرنا، و لكنه يطلق لنفسه أن يرتكب غيرها من المحارم و المآثم التي لم تحكم ظواهر الشريعة بأنها من المفطرات.

و من أمثلة ذلك: من يصوم عن المفطرات الظاهرة، و لكنه لا يبالي أن ينظر النظرة المحرمة أو يرتكب الغيبة الخبيثة أو النميمة المهلكة أو يفتري الكذبة الفاحشة أو يفعل الفعلة الآثمة أو يتعاطى المعاملة المحرّمة أو يسمع أخاه أو قريبه أو أهله الكلمة النابية أو القولة الجارحة أو يفعل الفعلة السوءاء.

و صحة الصوم بحسب ظواهر الشريعة لا تعني أبدا ان الصوم مقبول عند الله يؤتي ثماره الطيبة و يؤدي نتاجه المحمود.

و ما ظنك بعبد يمسك عن منهيات الصوم

من المباحات و المحرمات ليرضي ربه بهذه العبادة، ثم يرتكب تلك الجرائر أو بعضها؟! و ماذا يبقى له إذا وضعت الاعمال في كفتي الميزان؟! و من المضحك المبكي ان يقول مع ذلك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

و لا فارق في نتيجة الأمر بين ان يرتكب الحرام في يوم صومه أو في ليله،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 105

و خصوصا في شهر الله العظيم الذي يتضاعف فيه العقاب على الفعل المحرم كما يتضاعف الثواب على فعل الطاعة و القربة، و لا سيما إذا صام في نهاره عن المباحات و أفطر في ليله على بعض الموبقات أو على أم الخبائث!!.

و من الصائمين في النهار من يقضي سهرته في ليالي الصوم، في ليالي شهر العبادة و التقوى و التوبة،. في ليالي شهر الله العظيم المبارك، على مائدة القمار و الميسر أو نظائرها من المهلكات، و قد يزاولها في أواخر نهار الصوم!، بحجة انه يقتل بعض الوقت و يخفف من عناء الصوم!!.

نعم، انه يقتل الوقت، و يقتل الصوم!، و يقتل كل طاقة و عدة في نفسه يرجى ان تعود به إلى سبيل الخير!. و لا حول و لا قوة إلا بالله.

و أدنى ما يؤمل لمثل هذا الصائم المرتكب للمحرمات إذا كانت صغيرة و أكثر منها، ان تتساوى كفتا ميزانه، فيخرج من إتعاب صومه صفر الكف صفر الميزان!!.

و في بعض الأحاديث عن الرسول (ص): (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع و العطش)، و في حديث الإمام الصادق (ع): (و دع المراء و أذى الخادم و ليكن عليك وقار الصائم فإنّ رسول الله (ص) سمع امرأة تسبّ جاريتها و هي صائمة، فدعا بطعام فقال لها: كلي، فقالت: إني صائمة،

فقال: كيف تكونين صائمة و قد سببت جاريتك؟ إن الصوم ليس من الطعام و الشراب).

و الثانية من درجات الصوم، و هي ارفع من الدرجة الأولى مقاما، و أوسع أثرا و أبلغ تأثيرا، هي أن يصوم الإنسان عن المفطرات المعينة، و تصوم معه جوارحه عن المآثم و المكروهات و المشتبهات و عن جميع ما لا يحمد و لا يحسن بالعبد المطيع من الأقوال و الأفعال و الحركات و التصرّفات، ففي الحديث عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع): (إذا صمت فليصم سمعك و بصرك و شعرك و جلدك، و عدّ أشياء غير هذا، قال: و لا يكن يوم صومك كيوم فطرك).

و يسمي بعض العلماء هذه الدرجة صوم الخاصة من الناس، و صوم الجوارح يعني ان تمنع و تصان كل جارحة من المحرّمات و الأسواء و المكروهات و المشتبهات التي تأتي من قبلها.

فصوم اللسان أن يحفظه الصائم عن محرمات القول كبيرها و صغيرها و عن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 106

مكروهاته و عن جميع فضول الحديث و مشتبهاته و ما لا يحمد و لا يحسن منه، فيعتصم عن جميع ذلك بالصمت، و بالعبادة و تلاوة الكتاب و قراءة الدعاء، و الذكر و الاستغفار، أو بالقول النافع المجدي في الدين و الدنيا.

و صوم السمع ان يصون المكلف جارحته عن الإصغاء لأي محرم و باطل و اي افك و زور و اي قول منكر أو فعل مكروه أو مشتبه، و لأي سفه يوجب استماعه للمرء حزازة في الدين أو نقصا في المروءة، أو ضعة في النفس أو في الخلق.

و هكذا في صوم بصره و سائر جوارحه و مشاعره، فيصونها عن الانحراف أو الشذوذ أو الميل في السلوك الصحيح

و عن كل ما يخدش و يريب، و يتجه بها جميعا الى النافع المجدي من الحركات و الأعمال الزكية.

و ما ظنك بعبد يطوّع جميع جوارحه في صومه هذا التطوع، و يحوطها هذه الحياطة، و يسمو بعقله و قلبه و نفسه و مشاعره هذا السموّ، فهل يبقى مجال من مجالات الخير الأعلى و الكمال الإنساني الرفيع، لا يستطيع هذا العبد بلوغه؟ و هل تبقى غاية من غايات النفوس الكريمة لا يستطيع إدراكها؟.

و لهذه الدرجة كذلك مراتب تحصل من دقة مراقبة المرء لنفسه و محاسبته إياها عما قد تميل إليه أو تنزلق فيه في بعض المواقف أو إزاء بعض الأهواء المرغوبة.

و لا ضير على السالك إذا ضعف يوما أو ساعة، أو قصر أو قهر في بعض المجاهدات، و كان ضعفه أو قصوره في ما لا يضرّ بدينه- كما هو المفروض-، و لا سيما إذا عاد فثابر قويا في مجاهدته و محاسبته، و قد يكون بعد عودته و مثابرته أقوى جلدا على الجهاد و المحاسبة منه قبل ذلك، و قد يكون بعد عودته و مصابرته في الجهاد ارفع منزلة و أكثر سموا و ارتفاعا منه قبل، و لكن المنازل تكون مختلفة على أي حال.

و أرقى درجات الصوم و أسماها شأنا و مقاما هو صوم الصفوة المنتجبة الخالصة من النبيين (ص) و أوصيائهم المعصومين (ع)، و صوم هذه الطبقة المصطفاة، هو أن يصون الصائم منها عقله و قلبه و نفسه و مشاعره، و سرّه و علانيته عن الفكر بغير الله، بل و عن الغفلة عنه، و النسيان و التناسي لمواعيده،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 107

و عن التعلق بغير سببه، و الشغل بغير طاعته و موجبات رضاه، و عن التباطؤ

في إقامة حدوده و أداء حقوقه و حقوق عباده.

و هو في الحقيقة مظهر كامل من مظاهر العصمة في هذه النفوس المطهّرة من الأرجاس، و مجلي من مجالي الانسداد الكلي بالله وحده، الذي اختصت به هذه القيمة من الخلق، الذين اختارهم الله قادة للإنسانية إلى الخير الأعلى و الكمال الأرفع، و جعلهم أولياء لها في جميع الأمور، و الله اعلم حيث يجعل رسالته و حيث يجعل اصطفاءه و اجتباءه، فصلوات الله عليهم أجمعين و على أرواحهم و أجسادهم صلاة تعمنا و جميع اتباعهم المؤمنين و المؤمنات باللطف و الرحمة، و تشملنا بالهدي و البركة، و تنير منّا البصائر و تطهّر لنا الضمائر.

و قد يرتقي بعض الخاصة من أتباع الأنبياء و الأوصياء بطول الجهاد و المران و شدة المحاسبة للنفس، و دقة المراقبة عليها، فيسيرون في سبيل ساداتهم و قادتهم، و يتبعون رشدهم، حتى يصلوا بنفوسهم و قلوبهم و عقولهم و مشاعرهم إلى أرقى مراتب العدالة، و حتى يبلغوا في صومهم و صلواتهم و عباداتهم إلى اسمي منازل القرب من الله.

و لكن العدالة المكتسبة غير العصمة، و التابع غير القائد المتبوع، و الكامل المتزائد في الكمال، غير الناقص المتكامل، و المستضي ء بنور غيره غير المضي ء المنير، و الله سبحانه هو مؤتي كل نفس ما هي له أهل و موفّيها جزاء ما كسبت من منزلة و من ثواب أو عقاب.

و من الأحاديث الجامعة في معاني الصوم و آدابه، ما رواه جراح المدائني عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع)، قال: (ان الصيام ليس من الطعام و الشراب وحده، انما للصوم شرط يحتاج ان يحفظ حتى يتم الصوم، و هو الصمت الداخل، إلى ان قال (ع): فإذا

صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، و غضّوا أبصاركم و لا تنازعوا و لا تحاسدوا و لا تغتابوا، و لا تماروا، و لا تكذبوا، و لا تباشروا و لا تخالفوا و لا تغاضبوا و لا تسابّوا و لا تشاتموا و لا تنابزوا و لا تجادلوا و لا تباذوا و لا تظلموا، و لا تسافهوا و لا تزاجروا، و لا تغفلوا عن ذكر الله و عن الصلاة و الزموا الصمت و السكوت و الحلم و الصبر و الصدق، و مجانبة أهل الشر، و اجتنبوا قول الزور و الكذب و المراء و الخصومة، و ظن السوء، و الغيبة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 108

و النميمة، و كونوا مشرفين على الآخرة منتظرين لأيامكم منتظرين لما وعدكم الله متزودين للقاء الله، و عليكم بالسكينة و الوقار و الخشوع و الخضوع، و ذل العبد الخائف من مولاه، راجين خائفين راغبين راهبين، قد طهرتم القلوب من العيوب، و تقدست سرائركم من الخب و نظفت الجسم من القاذورات، تبرأ إلى الله من عداه، و واليت الله في صومك بالصمت من جميع الجهات مما قد نهاك الله عنه في السّر و العلانية، و خشيت الله حق خشيته في السّر و العلانية، و وهبت نفسك لله في أيام صومك، و فرّغت قلبك له و نصبت قلبك له في ما أمرك و دعاك اليه، فإذا فعلت ذلك كله، فأنت صائم لله بحقيقة صومه صانع لما أمرك و كلما نقصت منها شيئا مما بينت لك فقد نقص من صومك بمقدار ذلك) إلى آخر الحديث.

و الحمد لله رب العالمين

كلمة التقوى، ج 2، ص: 109

كتاب الاعتكاف

اشارة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 111

كتاب الاعتكاف و هو يحتوي على فصلين

كلمة

التقوى، ج 2، ص: 112

الفصل الأول في الاعتكاف و شرائطه
المسألة الأولى:

الاعتكاف هو أن يلبث المكلّف في المسجد متقربا إلى الله بلبثه و بقائه فيه في المدة المطلوبة، فإذا نوى الرجل التعبد لله بمكثه و إقامته في المسجد و اقام فيه المدة المعينة فقد حصل منه الاعتكاف الشرعي، و ان لم يقصد مع ذلك أن يأتي بعبادة أخرى في أثناء مكثه في المسجد، من تلاوة قرآن أو قراءة دعاء أو ذكر أو استغفار أو غيرها، فلا يكون قصد شي ء من العبادات الأخرى من مقومات معنى الاعتكاف، و إن كان الأحوط للمكلف أن يقصد الإتيان بها مع اللبث في المسجد.

المسألة الثانية:

يصح أن يقع الاعتكاف من المكلف في أي وقت يصح فيه الصوم، و سيأتي منّا- إن شاء الله تعالى-: ان الصوم شرط في صحة الاعتكاف، و لا يصح بدونه، و لذلك فلا يصح الاعتكاف في وقت لا يجوز فيه الصوم، و الأفضل إيقاع الاعتكاف في شهر رمضان، و أفضل أيام الشهر للاعتكاف هي الأيام العشرة الأواخر منه، ففي الحديث عنه (ص) انه قال: (اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجتين و عمرتين) و عن أبي عبد الله (ع) قال: (اعتكف رسول الله (ص) في شهر رمضان في العشر الأول، ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثم اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثم لم يزل (ص) يعتكف في العشر الأواخر).

المسألة الثالثة:

لا ريب في شرعية الاعتكاف في الإسلام، و لا ريب في ثبوت استحبابه بين جميع المسلمين، و على ذلك جرت سيرتهم، و اتفقت نصوصهم عن الرسول (ص)، فهو مستحب في أصل الشرع، و قد يجب على الإنسان بالعارض من نذر أو عهد أو يمين، و قد يجب عليه بالشرط في ضمن العقد، و مثال ذلك: أن يشترط أحد المتعاقدين على الآخر في ضمن عقد يجري بينهما من بيع أو إجارة أو

كلمة التقوى، ج 2، ص: 113

صلح أو نكاح أو غير ذلك من العقود: أن يعتكف ثلاثة أيام، فيجب على صاحبه أن يعتكف إذا هو قبل بالشرط، سواء اشترط عليه أن يعتكف الأيام لنفسه أم لغيره.

المسألة الرابعة:

يصح للإنسان أن يعتكف بالنيابة عن غيره إذا كان الشخص المنوب عنه ميتا، بل الظاهر جواز النيابة عن الغير إذا كان حيا و كان الاعتكاف مندوبا له، سواء كان متبرعا بالاعتكاف عنه أم كان مستأجرا له أم مشروطا عليه في ضمن العقد، كما أشرنا إليه.

المسألة الخامسة:

يشترط في صحة الاعتكاف (أولا): أن يكون المعتكف مسلما، فلا يصح اعتكاف الرجل إذا كان كافرا كما في نظائره من العبادات، و يشكل الحكم في اشتراط ان يكون المعتكف مؤمنا بالمعنى الأخص، و قد سبق نظير هذا الإشكال في الصوم و غيره من العبادات، و لذلك فلا بد فيه من مراعاة الاحتياط، فإذا شرع غير المؤمن باعتكاف واجب ثم استبصر في أثناء اعتكافه، فعليه ان يجدد نية الاعتكاف بعد استبصاره و يتم اعتكافه، ثم يقضيه بعد إتمامه، و إذا شرع في اعتكاف مندوب و كان استبصاره بعد انقضاء يومين منه، فالأحوط له أيضا أن يجدد النية و يتم الاعتكاف ثم يقضيه بعد الإتمام، و إذا استبصر في أثناء اليومين الأولين من الاعتكاف أمكن له التخلص من الإشكال، فيرفع يده عن الاعتكاف الذي شرع فيه، و يستأنفه من أوله على الوجه الصحيح، و يمكن له أن يجري مع الاحتياط على النهج السابق.

المسألة السادسة:

يشترط في صحة الاعتكاف (ثانيا): ان يكون المعتكف عاقلا، فلا يصح اعتكاف المجنون و ان كان جنونه أدوارا إذا وقع اعتكافه في دور جنونه، و لا يصح الاعتكاف من السكران و نحوه، و إذا نوى الاعتكاف قبل سكره ثم سكر بعد ان سبقت منه النية فلا يترك الاحتياط له- إذا أفاق من السكر- بأن يتم اعتكافه ثم يقضيه بعد ذلك إذا كان واجبا.

المسألة السابعة:

يشترط في صحة الاعتكاف (ثالثا): النية كسائر العبادات، فينوي اللبث في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 114

المسجد متقربا به الى الله، فإذا كان الاعتكاف واحدا و نواه كذلك صح و كفاه، سواء كان واجبا أم مندوبا، و لم يجب تعيينه أو وصفه في النية، و إذا تعددت الاعتكافات الواجبة على المكلف، و اختلف بعضها عن بعض في الأثر، وجب على المكلف في نيته أن يعين الاعتكاف الذي يريد القيام به، و مثال ذلك أن يكون بعض الاعتكافات الواجبة عليه منذورا و بعضها واجبا باليمين أو بالعهد أو بالإجارة، فيجب عليه التعيين، و إذا تعددت الاعتكافات المطلوبة منه و كانت من نوع واحد و لم يختلف بعضها عن بعض في الأثر، فكانت كلها من الواجب بالنذر للشكر مثلا أو من الواجب بالعهد أو باليمين، لم يجب على المكلف أن يعين في نيته ان ما يريد الإتيان به هو المنذور الأول أو الثاني مثلا.

و كذلك إذا استؤجر المكلف لاعتكافين أو أكثر ينوب بها عن شخص واحد، فلا يجب عليه أن يقصد ان ما يأتي به هو اي الاعتكافات عن المنوب عنه، و إذا تعدد المنوب عنه، فلا بد من التعيين، و هكذا.

و لا يعتبر في النية ان يقصد الوجوب في الاعتكاف الواجب، و الندب

في المندوب، بل تكفي فيه نية القربة، و يكفي قصد امتثال الأمر المتوجه اليه بالعمل، و إذا قصد الوجوب في الاعتكاف الواجب صح و كفى، و كذلك إذا نوى الندب في الاعتكاف المندوب، و لا ينافي ذلك ان الاعتكاف في اليوم الثالث منه يكون واجبا على المعتكف.

و وقت النية في الاعتكاف هو أول الشروع فيه، فإذا أراد الرجل أن يبدأ في الاعتكاف من أول النهار نواه قبل طلوع الفجر متصلا به أو مقارنا له، و لا يصح ان يؤخر نيته عن الفجر فيمرّ عليه جزء من النهار بغير نية.

و يشكل الحكم بالصحة إذا هو بيّت النية من الليل و هو يريد الاعتكاف من أول الفجر، فليس شأن الاعتكاف شأن الصوم ليكتفى فيه بتبييت النية من الليل و لا يصح قياسه عليه في الحكم.

و إذا أراد الرجل الشروع في الاعتكاف من أول ليلته، أو في أثنائها نوى العمل من ذلك الوقت، و صح، و إذا أراد الشروع فيه بعد انقضاء شطر من النهار فينويه وقت الشروع به.

المسألة الثامنة:

يشترط في صحة الاعتكاف (رابعا): ان يكون المعتكف صائما، فلا يصح

كلمة التقوى، ج 2، ص: 115

الاعتكاف بغير صوم، و يتفرع على اعتبار هذا الشرط شرط آخر، و هو أن يكون الاعتكاف في وقت يصح فيه الصوم، فلا يصح إذا اعتكف في وقت لا يصحّ صومه كيومي العيدين و أيام التشريق لمن كان بمنى، فإذا اعتكف الرجل من يوم العيد، أو كان العيد في ضمن أيام اعتكافه الثلاثة، بطل اعتكافه و لم يصح، و لا يصح منه الاعتكاف إذا كان مسافرا سفرا لا يصح فيه الصوم، أو كان مريضا لا يصح منه الصوم، أو صحيحا يتعذر عليه الصوم، و

لا يصح من المرأة إذا كانت حائضا أو نفساء، لذلك و لحرمة اللبث في المسجد عليهما.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 2، ص: 115

و إذا كان المسافر ممن يصح منه الصوم كمقيم العشرة و من يكون عمله السفر و غيرهما من الأصناف، فلا يمنع من الاعتكاف إذا أراد فيجوز له أن يصوم و يعتكف في سفره.

المسألة التاسعة:

لا يعتبر في صوم المعتكف أن يأتي به المكلف من أجل الاعتكاف نفسه، فإذا اتفق له انه كان صائما في شهر رمضان أو في قضائه، أو في واجب غيرهما من نذر أو كفارة أو عهد، أو كان صائما صوما مندوبا صح له أن يعتكف في ذلك الصوم، و كفاه في حصول الشرط المعتبر في الاعتكاف.

و يصح إذا كان المكلف صائما بالنيابة عن غيره تبرعا أو مستأجرا عليه، فيجوز له ان يعتكف في هذا الصوم و يكفيه في حصول الشرط و ان كان اعتكافه لنفسه.

و كذلك إذا كان اعتكافه منذورا أو واجبا عليه بالنيابة عن غيره، فيكفيه أن يعتكف في أي صيام اتفق، و حتى إذا كان مستأجرا للصيام عن غيره، و مستأجرا أيضا للاعتكاف عن شخص آخر، فيصح له أن يأتي بالصيام و بالاعتكاف المستأجر عليهما للشخصين في أيام واحدة و يحصل بالصوم شرط صحة الاعتكاف.

و إذا أحرم المتمتع بحج التمتع في أوائل شهر ذي الحجة و لم يجد هديا لحج التمتع و أراد أن يصوم الأيام الثلاثة في مكة بدلا عن الهدي، فيجوز له أن يعتكف في المسجد الحرام، و يجعل صومه عن الهدي صوما لاعتكافه.

المسألة العاشرة:

إذا نذر الرجل ان يعتكف أياما معينة أو أياما مطلقة وجب عليه أن يفي

كلمة التقوى، ج 2، ص: 116

لله بما نذره، و جاز له ان يأتي بالاعتكاف الذي أوجبه على نفسه في صوم مندوب، و لا يجب عليه الصوم لذلك الاعتكاف على الأقوى، و لا تنافي بين أن يكون الاعتكاف واجبا عليه، و ان يكون الشرط فيه و هو الصوم مندوبا، فإذا هو أتم الصوم المندوب و لم يقطعه صح اعتكافه و كان وفاء بنذره لحصول شرطه،

و إذا قطع الصوم لأنه مندوب انقطع الاعتكاف و كان آثما بذلك إذا كان نذر الاعتكاف معينا، أو كان في اليوم الثالث منه، و وجب عليه استئناف الاعتكاف.

المسألة 11:

يشترط في صحة الاعتكاف (خامسا): أن لا يكون أقل من ثلاثة أيام، فإذا نوى الرجل ان يعتكف أقل من ثلاثة أيام لم تصح منه نيته و كان اعتكافه باطلا، و مثال ذلك: ان ينوي الاعتكاف من ضحى يوم الأربعاء أو من زوال الشمس فيه إلى الغروب من يوم الجمعة، أو ينوي الاعتكاف من أول يوم الجمعة إلى ظهر يوم الأحد، أو الى وقت العصر منه، و إذا نذر الاعتكاف كذلك لم ينعقد نذره على ما سيأتي بيانه.

و يوم المعتكف هو يوم الصائم، و حدّه من طلوع الفجر الثاني الصادق إلى دخول الليل، و هو زوال الحمرة المشرقية، و قد بيّنا هذا في كتاب الصوم، فإذا نوى المكلف أن يعتكف من طلوع الفجر في يوم الجمعة إلى الغروب الشرعي من يوم الأحد، صح اعتكافه و كملت له الأيام الثلاثة، و إذا نذره كذلك صح نذره و لزمه الوفاء به، و تدخل فيه الليلتان المتوسطتان، و هما ليلة السبت و ليلة الأحد في المثال الذي ذكرناه، و لا تدخل فيه الليلة الأولى و هي ليلة الجمعة، و لا الليلة الرابعة و هي ليلة الاثنين، فلا يجب عليه الاعتكاف فيهما، و هذا هو الحد الأقل للاعتكاف.

و يجوز للرجل أن يزيد في نيته على الحدّ المذكور في الاعتكاف، فينوي الاعتكاف من أول الليلة الأولى أو في أثنائها، أو يقصد الاعتكاف الى آخر الليلة الرابعة أو الى بعضها أو إلى بعض نهار اليوم الرابع أو إلى آخره، فيصح منه جميع ذلك، و

يجوز له ان يعتكف أكثر منه، و إذا زاد يوما رابعا أو خامسا أو أكثر دخلت الليالي المتوسطة في الاعتكاف و شملها حكمه.

المسألة 12:

إذا اعتكف الإنسان خمسة أيام تامة وجب عليه أن يعتكف اليوم السادس

كلمة التقوى، ج 2، ص: 117

إلى غروبه الشرعي، و دخلت الليلة المتوسطة في الاعتكاف أيضا، فلا يجوز له ان يفسخ الاعتكاف و يرفع اليد عنه حتى يتم اليوم السادس، و يجوز له ان يستمر في اعتكافه أكثر من ذلك، و ان يفسخه إذا كان مندوبا.

و قد ذهب بعض العلماء إلى إجراء الحكم المتقدم ذكره في الزائد على الستة من أيام الاعتكاف، فكلما زاد المعتكف يومين في الاعتكاف وجب عليه اليوم الثالث، فإذا اعتكف الرجل ثمانية أيام تامة وجب عليه أن يعتكف اليوم التاسع، و إذا اعتكف احد عشر يوما، وجب عليه ان يعتكف اليوم الثاني عشر، و لم نقف لهذا القول على دليل، و لكن فيه احتياطا مستحبا لا ينبغي تركه.

المسألة 13:

يشكل الحكم بالاكتفاء في صحة الاعتكاف بثلاثة أيام ملفقة، و هي أن يعتكف الرجل من ظهر اليوم الأول مثلا إلى ظهر اليوم الرابع، فلا يترك الاحتياط بعدم الاكتفاء به، فلا ينوي الاعتكاف ثلاثة أيام ملفقة و لا ينذره كذلك، بل القول بعدم الاكتفاء بذلك لا يخلو من قوة، و هذا إذا قصد بنيته و بنذره الاعتكاف الشرعي المعروف بين المتشرعة.

المسألة 14:

إذا نذر الرجل أن يعتكف أقل من ثلاثة أيام، فالمعنى الظاهر من قوله هذا:

انه قد قيّد اعتكافه الذي نذره بأن يكون أقل من المدة المعتبرة للاعتكاف الشرعي، و لا ريب في بطلان هذا النذر من أصله، فلا ينعقد و لا يجب الوفاء به، و لا يجب قضاؤه إذا كانت الأيام التي نذر الاعتكاف فيها معينة، و كذلك الحكم إذا نذر الاعتكاف ثلاثة أيام معيّنة تامة، ثم تبين له بعد إيقاع النذر ان احد الأيام الثلاثة التي نذر اعتكافها يوم عيد يحرم صومه، فيبطل نذره و ان كان الناذر غافلا عن العيد حين إنشائه صيغة النذر، أو كان العيد غير ثابت على الوجه الشرعي، ثم ثبت بعد إنشاء صيغة النذر أنه أحد الأيام التي نذر اعتكافها، فيبطل نذر الناذر من أصله و لا يجب قضاؤه.

و كذلك إذا نوى الرجل الاعتكاف في الأيام الثلاثة المعينة و شرع فيه، ثم ثبت ان العيد في أحد أيام اعتكافه، أو تذكر ذلك بعد غفلته فيبطل اعتكافه من أصله.

و إذا نذر الرجل ان يعتكف يوما أو يومين معينة أو غير معينة، و لم يقيد

كلمة التقوى، ج 2، ص: 118

نذره بهذا العدد صح نذره، و وجب عليه ان يتم اعتكافه ثلاثة أيام تامة.

المسألة 15:

يشترط في صحة الاعتكاف (سادسا): ان يكون في مسجد جامع تقام فيه صلاة الجماعة الصحيحة، فلا يصح الاعتكاف في غير مسجد من مشهد أو معبد غيره، و لا في مسجد قبيلة أو مسجد سوق، و ان كانت تنعقد فيها صلاة جماعة صحيحة.

و أفضل من ذلك و أحوط ان يقع الاعتكاف في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول (ص)، أو مسجد الكوفة أو مسجد البصرة، و يصح الاعتكاف في

هذه المساجد الأربعة، و ان اتفق أن لا تنعقد فيها صلاة جماعة صحيحة بالفعل كمسجد البصرة مثلا.

المسألة 16:

يشترط في صحة اعتكاف العبد المملوك (سابعا): ان يأذن له مالكه بالاعتكاف، فلا يصح له ان يعتكف بغير إذنه، و ان كان السيد في ذلك الوقت غير محتاج لخدمة أو لعمل آخر، و كان صوم العبد صحيحا، لأنه في شهر رمضان مثلا، أو كان السيد قد أذن له بالصوم، فلا يصح اعتكاف العبد في جميع ذلك بغير إذن، و هذا إذا كان العبد خالصا في عبوديته و لم يتحرر منه شي ء، سواء كان قنّا أم مدبّرا أم مكاتبا لم يتحرر منه شي ء، أم كانت الأمة أم ولد لسيدها.

و يراد بالعبد القن المملوك الذي لم يتشبث بالحرية من بعض جهاته، و يراد بالمدبّر من أنشأ سيده له الحرية إذا مات السيد قبله، و المكاتب من يكاتبه سيده على أن يؤدي له مبلغا من المال فيكون حرّا إذا أدى له المبلغ كله، أو إذا أدّاه إليه أقساطا، و أم الولد هي الأمة التي يطأها سيّدها لأنها ملك يمينه، فتلد له ولدا أو تحمل منه و تتشبث بالحرية بسبب ذلك، فإذا مات السيد انعتقت بعد موته من نصيب ولدها في الميراث، و الأقسام المذكورة تشترك جميعا في ان المملوك لا يزال عبدا خالصا لسيده لم يتحرر منه شي ء بالفعل، فلا يصح له الاعتكاف إلا بإذنه.

المسألة 17:

إذا كان العبد مبعّضا فانعتق بعضه و أصبح ذلك البعض حرّا و بقي بعضه الآخر مملوكا لسيده، و هاياه مولاه في الزمان فقسّم أوقاته بينهما بحسب ما في العبد من نصيب الحرية و الرقّية، فجعل بعض أيامه خاصة للسيد يقوم العبد فيها

كلمة التقوى، ج 2، ص: 119

بخدمته و بالأعمال التي تعود إليه، أداء لنصيب العبودية في العبد، و عيّن أياما أخرى تكون

خاصة للعبد يستقل فيها بأعماله و تصرفاته لنفسه، وفاء بحق الحرية الثابت له، أمكن لهذا العبد المبعض أن يعتكف في أيامه الخاصة به إذا كانت وافية بزمان الاعتكاف، و لا يحتاج في ذلك إلى إذن من السيد، بل الظاهر أنه يصح له الاعتكاف في أيامه و ان نهاه السيد عنه و صرّح له بالمنع.

المسألة 18:

يشترط في صحة اعتكاف الأجير الخاص أن يأذن له مستأجره المالك لمنفعته بأن يعتكف، فلا يصح له أن يعتكف بغير إذنه، و هذا إذا كان الاعتكاف ينافي حق المستأجر، و مثال ذلك: أن يستأجر الإنسان الأجير لتكون جميع أعماله و منافعه مملوكة للمستأجر مدة معلومة، فلا يحق لهذا الأجير أن يعتكف بغير إذن مستأجره، فان الاعتكاف بعض أعماله المملوكة للمستأجر، و يكون الحكم فيه في تلك المدة نظير الحكم في العبد المملوك.

و لا يترك الاحتياط لزوما في ان تستأذن المرأة زوجها إذا أرادت الاعتكاف من جهة اعتبار الصوم في صحة الاعتكاف، و قد سبق في المسألة المائتين و الرابعة و الخمسين من كتاب الصوم ان الأحوط للمرأة أن تجتنب الصوم المندوب بغير اذن زوجها.

و إذا كان صومها واجبا أو كان مندوبا و قد اذن لها الزوج به، فلا يصحّ لها الاعتكاف إلا بإذنه، إذا كان اعتكافها ينافي حق استمتاع الزوج.

و لا يصح اعتكاف الولد على الأحوط لزوما إذا نهاه الأب عنه أو نهته الأم، و كان نهيهما بداعي الشفقة و العطف عليه، و لا يصح اعتكافه أيضا إذا كان الاعتكاف يوجب أذيتهما أو أذية أحدهما لبعض الأسباب العقلائية التي توجب ذلك، و لا اعتبار بذلك إذا كان لتوهمات و أسباب غير عقلائية.

المسألة 19:

يشترط في صحة الاعتكاف (ثامنا): أن يستمر المكلف في لبثه في المسجد المعيّن حتى تكمل الأيام التي نوى اعتكافها، فلا يخرج من المسجد إلا لضرورة عقلية أو شرعية أو عرفية تحتمّ عليه الخروج، فإذا خرج من المسجد عامدا مختارا لغير ذلك كان اعتكافه باطلا، و ان كانت فترة خروجه قليلة يسيرة، و سنذكر في المسائل الآتية أمثلة من هذه الأعذار التي تبيح له

الخروج و لا تضرّ باعتكافه.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 120

و ليس من الأعذار التي تبيح له الخروج ان يكون المكلف جاهلا بالحكم، فإذا خرج عامدا من غير ضرورة تسوغ له الخروج بطل اعتكافه، سواء كان جاهلا مقصّرا أم جاهلا قاصرا.

و من أمثلة ذلك: أن يعتقد ان الخروج من المسجد إذا كان يسيرا لا يبطل به الاعتكاف، أو يظن ان الخروج إجابة لدعوة أخيه لبعض المناسبات لا تكون مضرة بعمله، فيبطل اعتكافه إذا فعل كذلك، و يجب عليه قضاء الاعتكاف إذا كان واجبا.

المسألة 20:

يشكل الحكم بصحة اعتكاف الرجل إذا خرج من المسجد لغير حاجة تسوّغ له الخروج، و كان ناسيا للحكم بعدم جواز خروج المعتكف، أو ناسيا لأصل اعتكافه، فلا يترك الاحتياط لزوما بالبطلان بل لا يبعد القول به، و لا يبطل اعتكاف المكلف إذا أكرهه أحد من الناس يخشى وعيده على الخروج من المسجد، فخرج منه مكرها، و أولى من ذلك بعدم البطلان ما إذا قسره قاسر متغلب فأخرجه من المسجد من غير اختيار و لا قدرة على الامتناع، أو أخرجه نائما، و كذلك إذا خرج منه غافلا غير ملتفت لفعله، أو احتاج إلى الخروج منه لبول أو غائط أو نجاسة أخرى، حذرا من تلوث المسجد بها، أو اضطر إلى الخروج لمراجعة طبيب لا بدّ من مراجعته أو لتناول علاج، أو شراء حاجة لا يستقيم بدونها، و تلاحظ المسألة السادسة و الأربعون.

المسألة 21:

لا يضر بلبث المعتكف في المسجد و مكثه فيه أن يخرج يده من الباب لمصافحة أحد في خارج المسجد مثلا، أو ليأخذ منه حاجة أو ليدفع صدقة إلى فقير، أو يخرج رأسه للنظر إلى شي ء إذا كان بدنه و سائر أعضائه داخل المسجد، فالمدار في ذلك على صدق اللبث في المسجد عرفا.

المسألة 22:

سبق في المسألة الخامسة انه يشترط في صحة الاعتكاف ان يكون المعتكف مسلما، و لا فرق في هذا بين أصناف الكفار و مللهم، و لا بين الكافر الأصلي و المرتد عن الإسلام، فإذا ارتد المعتكف عن الإسلام في أيام اعتكافه بطل اعتكافه، سواء ارتدّ في نهاره و هو صائم أم في لياليه، و سواء كانت ردته عن فطرة أم عن ملة،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 121

و سواء تاب بعد ارتداده و رجع إلى الإسلام أم لم يتب و لم يرجع، و سواء كانت فترة ارتداده قصيرة أم طويلة.

المسألة 23:

الاعتكاف عبادة شريعة من العبادات، و لذلك فيشترط في صحته ان يأتي المعتكف به متقربا إلى الله، و قد بينّا هذا في المسألة السابعة، و يعتبر ان تكون النية فيه مستمرة حكما من أول حدوثه إلى أن يتم آخر جزء منه كما هو الحكم في العبادات الأخرى، و من أجل ذلك فلا يجوز للمعتكف ان يعدل من اعتكاف نواه إلى اعتكاف غيره، و ان كان مثله في الوجوب أو الاستحباب، أو كانا واجبين عليه بالنذر، أو كانا واجبين بالإجارة و النيابة عن الغير، بل و ان كانا بالنيابة عن شخص واحد، فإذا عيّن في نيته اعتكافا خاصا لم يجز له ان يعدل في الأثناء إلى نية اعتكاف آخر.

المسألة 24:

لا يصح لرجل واحد ان يعتكف اعتكافا واحدا ينوب فيه عن شخصين أو أكثر من الأموات أو من الأحياء، فينوي في اعتكافه الواحد النيابة عن الشخصين معا بحيث يكون الاعتكاف لهما على سبيل الاشتراك بينهما، فإذا نوى ذلك كان اعتكافه باطلا و لم يكف عن أحدهما على الظاهر.

و يجوز للرجل ان يعتكف اعتكافا واحدا و يهدي ثوابه إلى شخصين أو إلى أكثر، سواء كانا ميتين أم حيين أم كان أحدهما حيا و الآخر ميتا، و يجوز له ان يتبرع بذلك و أن يستأجر عليه.

المسألة 25:

يجوز للمكلف إذا اعتكف اعتكافا مندوبا- لم يوجبه على نفسه بنذر أو ما يشبهه أو بإجارة أو غيرها- ان يقطع اعتكافه في اليومين الأولين منه، فيصح له أن يخرج من المسجد فيهما متى أراد و لا يأثم بذلك، و إذا أتم اعتكاف اليومين الأولين وجب عليه ان يعتكف اليوم الثالث، و لم يجز له الخروج من المسجد حتى يتم ذلك اليوم إلى الغروب الشرعي، و المراد أن يتم اعتكاف اليومين من أولهما إلى الغروب الشرعي من اليوم الثاني، فإذا حصل له ذلك لم يصح له الخروج من المسجد في ليلة اليوم الثالث و لا في نهاره إلى دخول وقت الغروب.

و كذلك الحكم في الاعتكاف المنذور غير المعيّن، فيجوز للناذر قطع اعتكافه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 122

في اليوم الأول و الثاني، و يحرم عليه قطعه في ليلة اليوم الثالث و نهاره على نهج الاعتكاف المندوب.

و لا يجوز للمكلف قطع الاعتكاف المنذور إذا كان معينا لا في اليومين الأولين و لا في اليوم الثالث، و بحكمه الاعتكاف الواجب المعين بالعهد و اليمين، و تلاحظ المسألة العاشرة.

المسألة 26:

يستحب للمكلف دخول المسجد و المكث فيه و إطالة اللبث و البقاء فيه في أوقات الصلاة و غيرها، و أن يكون الرجل أول داخل للمساجد و آخر خارج منها، و ذلك من عمارة مساجد الله التي دلت عليها النصوص الكثيرة من الكتاب الكريم و السنة المطهّرة، و لا يختص ذلك بالمسجد الجامع، و ما تقام فيه الجماعة، بل يعم جميع المساجد الصغيرة و الكبيرة، و ليس هذا من الاعتكاف الشرعي المبحوث عنه، و لا يشترط بشرط، و لا حدّ له و لا وقت، بل هو باب من أبواب الخير المفتوحة

مطلقا، و يتضاعف الأجر و تكبر العمارة إذا ضمت إلى ذلك عبادة أخرى، من طهارة و صلاة و تلاوة و ذكر و دعاء و استغفار.

و إذا نذرها الناذر انعقد نذره و لزمه الوفاء به، و لا بد في صحة النذر من تعيين العمل المنذور و العبادة المقصودة، و لا يكون ذلك من الاعتكاف الشرعي و ان طالت المدة و تنوعت العبادة التي يأتي بها بل و ان اتفق انه كان صائما، فلا يكون بذلك معتكفا و لا تلزمه احكامه.

المسألة 27:

أقل الاعتكاف الشرعي ثلاثة أيام تامة و منه الليلتان المتوسطتان و قد تقدم بيان هذا، فإذا نذر المكلّف أن يعتكف ثلاثة أيام في النهار خاصة منها دون الليل لم يصح نذره و لم يجب عليه الوفاء به، و هذا إذا قصد بنذره الاعتكاف المعروف بين الفقهاء و المتشرعة، و إذا قصد بنذره أن يمكث في المسجد تلك المدة و ان لم يكن من الاعتكاف المصطلح عليه بينهم صح نذره و لزمه الوفاء به، كما قلنا في المسألة الماضية.

المسألة 28:

إذا نذر الرجل ان يعتكف ثلاثة أيام تامة لم تدخل الليلة الأولى و لا الليلة الرابعة، فهما خارجتان عن المحدود عرفا، و لا تدخل الليلة الأولى إلا إذا أراد

كلمة التقوى، ج 2، ص: 123

من اليوم المنذور ما يعمّ ليلته، و لا تدخل الليلة الرابعة إلّا إذا نوى إضافتها إلى الأيام المنذورة، و هو واضح.

و إذا نذر أن يعتكف شهرا هلاليا، وجب عليه أن يعتكف ما بين الهلالين، و لذلك فيلزمه أن يعتكف الليلة الأولى من الشهر، لأنها جزء منه عرفا، و إذا نذر أن يعتكف أسبوعا، وجب عليه ان يبتدئ بالاعتكاف من أول ليلة من ليالي الأسبوع إلى الغروب الشرعي من اليوم السابع، فتدخل الليلة الأولى و لا تدخل الليلة الثامنة.

و إذا قصد في نذره أن يعتكف من النصف في الليلة الأولى من الأسبوع إلى النصف من الليلة الثامنة كما يتعارف عليه في التوقيت الغربي، لزمه العمل حسب ما قصد في نذره.

المسألة 29:

إذا نذر الرجل ان يعتكف شهرا، وجب عليه ان يعتكف شهرا هلاليا من الهلال إلى الهلال، سواء بلغ عدده ثلاثين يوما، أم هلّ الهلال الثاني على نقص، و إذا نذر ان يعتكف مقدار شهر لزمه ان يعتكف ثلاثين يوما تامة، و ان بدأ باعتكافه من أول الهلال، فلا يكتفي به إذا كان ناقصا، و يلزمه ان يعتكف الليلة الأولى من الثلاثين فهي جزء من الشهر.

و إذا نذر أن يعتكف شهرا من الشهور الشمسية، وجب عليه أن يعين في نذره الشهر الذي يريده فان الشهور الشمسية مختلفة في العدد، فبعضها ناقص دائما و بعضها تام دائما و بعضها زائد دائما، و عليه أن يبدأ في اعتكافه من الوقت الذي يدخل فيه الشهر المنذور

إلى الوقت الذي به ينتهي.

المسألة 30:

إذا نذر الرجل ان يعتكف شهرا وجب عليه ان يتابع اعتكافه في الشهر المنذور من أوله إلى آخره، للانصراف إلى ذلك عرفا من ظاهر نذره، سواء كان الشهر الذي نذره معينا أم مطلقا غير معين، و كذلك إذا نذر ان يعتكف أسبوعا فإنه ينصرف إلى التتابع.

و إذا نذر أن يعتكف مقدار شهر كان نذره مطلقا، فلا تجب عليه المتابعة في اعتكافه، و جاز له أن يفرّق بين أيامه كيفما أراد، فإذا فرق أيام اعتكافه ثلاثة ثلاثة، أو أكثر من ذلك حتى أتم مقدار الشهر الذي نذره صح اعتكافه و وفى

كلمة التقوى، ج 2، ص: 124

بنذره، و إذا اعتكف منه يوما على انفراده، فعليه ان يضم إلى اعتكاف ذلك اليوم اعتكاف يومين آخرين غيره ليحصل بذلك شرط صحة اعتكاف اليوم المنذور و بدون هذه الضميمة لا يصح، و يجوز ان يضم إليه أكثر من ذلك إذا شاء.

و إذا اعتكف منه يومين على انفرادهما أضاف إليهما اعتكاف يوم ثالث أو أكثر ليحصل الشرط و يصح الاعتكاف.

المسألة 31:

إذا نذر الشخص أن يعتكف شهرا أو زمانا معلوم المقدار، و شرط في نذره أن يكون اعتكافه فيه متتابعا، ثم أخلّ بتتابعه فترك اعتكاف يوم منه أو أكثر، بطل اعتكاف ذلك الشهر أو الزمان كلّه، و وجب عليه أن يستأنف الاعتكاف في غير ذلك الشهر أو الزمان الذي أبطل اعتكافه، و ان يأتي به متتابعا كما شرط في نذره، و ان اعتكف من الشهر أو الزمان المنذور ثلاثة أيام أو أكثر أو اعتكف نصف الشهر تاما، فلا يكفيه ذلك عن شي ء من الواجب.

و إذا كان الشهر أو الزمان الذي نذر اعتكافه معينا، بطل اعتكافه بإخلاله بالتتابع فيه- كما قلنا- و

وجب عليه قضاء الشهر أو المنذور من أوله، و ان يأتي بالقضاء متتابعا، على الأحوط لزوما، و إذا بقيت من الشهر المعين أو الزمان المعين بقية من أيامه بعد إبطاله، فالأحوط لزوما للمكلف أن يبتدئ بالقضاء المتتابع من الأيام الباقية منه و لا يؤخر القضاء عنها.

و كذلك الحكم إذا نذر الرجل اعتكاف الشهر أو الزمان المعلوم، و كان نذره ينصرف إلى المتتابع في نظر أهل العرف، فتجري فيه الأحكام التي فصلناها في الشرط الصريح.

المسألة 32:

إذا نذر الشخص ان يعتكف أربعة أيام، و لم يشترط في نذره أن تكون الأيام الأربعة متتابعة و لم تقم قرينة خاصة و لا عامة على إرادة التتابع من صيغة النذر، من انصراف أو انسباق يعوّل عليه أهل اللسان، أو نحو ذلك، فإذا نذر الرجل ان يعتكف كذلك، و أخلّ عامدا باليوم الرابع فلم يعتكف فيه، صح اعتكافه في الأيام الثلاثة التي أتى بها، و وجب عليه أن يقضي اعتكاف اليوم الرابع، و أن يضم إليه اعتكاف يومين آخرين ليصح بهذه الضميمة اعتكاف اليوم الرابع المنذور، و يصح قضاؤه بحصول شرطه، و يجوز له أن يجعل يوم القضاء أي الأيام الثلاثة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 125

أراد.

المسألة 33:

إذا نذر المكلف أن يعتكف خمسة أيام انعقد نذره، و وجب عليه أن يفي به، و وجب عليه عند الوفاء به أن يضيف إلى الخمسة المنذورة اعتكاف يوم سادس، سواء اتى بالأيام الخمسة متتابعة فيأتي باليوم السادس متصلا بها، أم اعتكف الأيام الثلاثة الأولى منفردة، ثم اعتكف اليومين الرابع و الخامس منفصلة عنها، فعليه أن يعتكف اليوم السادس متصلا بهما، و لا يصح له أن يعتكف اليوم السادس منفردا عنهما، و إذا فصل اليوم السادس عنهما بطل اعتكاف اليومين، و وجب عليه أن يعيد اعتكافهما متصلين بيوم سادس، و إذا نذر أن يعتكف خمسة أيام متتابعة، وجب عليه- عند الوفاء بالنذر- أن يأتي باعتكاف ستة أيام متتابعة، و لم يجز له التفريق.

المسألة 34:

لا يشترط في صحة الاعتكاف أن يكون المعتكف بالغا، فيصح اعتكاف الصبي المميز على الأقوى، إذا اتى به على الوجه الشرعي المطلوب، و تلزمه الأحكام التي تتوقف عليها صحة الاعتكاف، فإذا هو اعتكف يومين لزمه ان يعتكف معهما يوما ثالثا متصلا بهما، و إذا اعتكف خمسة أيام لزمه اعتكاف اليوم السادس كما في المكلف البالغ، و إذا هو لم يفعل بطل اعتكافه، و لم يأثم، و يلزمه أن يجتنب محرمات الاعتكاف.

المسألة 35:

يعتبر في صحة الاعتكاف الواحد أن يقع في مسجد واحد، فلا يصح للرجل أن يعتكف اعتكافا واحدا في مسجدين، و مثال ذلك: أن يكون في البلد مسجدان جامعان تنعقد فيهما جماعة صحيحة، فيعتكف الرجل في أحدهما يوما أو يومين، ثم يتم اعتكافه في الجامع الآخر، فيبطل اعتكافه و لا يصح، و ان كان الجامعان متجاورين أو متصلين، و يصح الاعتكاف في الزيادات التي تضاف إلى المسجد الجامع في عمارته و تصبح بذلك جزءا منه، كما يصح في الزيادات التي أضيفت إلى المسجد الحرام، و إلى المسجد النبوي و أصبحت جزءا منه.

نعم، يشكل الحكم بجواز الاعتكاف في المسعى بين الصفا و المروة، بعد ان أضيفت مساحته إلى المسجد الحرام و ألحقت به، فإنها من المشاعر الخاصة المعظمة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 126

للحج و العمرة، و لذلك فيشكل جدا الحكم بنفوذ التصرف فيها و إلحاقها بالمسجد الحرام، بحيث يصح الاعتكاف فيها، سواء زاحم الساعين أم لم يزاحمهم و لا فرق بين الطبقة الأولى من المسعى و الثانية، و لا يمنع ذلك من الصلاة فيه، و إن لم تثبت لها خصوصية الصلاة في المسجد الحرام.

المسألة 36:

لا فرق بين أجزاء المسجد و مواضعه في صحة الاعتكاف فيها، فيجوز للمكلف ان يعتكف على سطح المسجد، و في سردابه و في محرابه و في أبهائه و إيواناته و حجره، و في الطبقة الثانية منه إذا اتفق فيه ذلك، إلا إذا علم بخروج الموضع الذي يعتكف فيه عن المسجد، و يكفي في إحراز ذلك و إثباته يد المسلمين، و المؤمنين الذي تلقوا المسجد كذلك طبقة منهم عن طبقة، و خلفا عن سلف، و عرفوا مواضعه و اجزاءه و ما هو داخل

في المسجد و ما هو خارج عنه، فيعتمد على ذلك ما لم يثبت خلافه.

و إذا شك في موضع انه جزء من المسجد أو من المرافق الخارجة عنه و لم يحرز ذلك، لم تجر على ذلك الموضع المشكوك أحكام المسجد، فلا يصح الاعتكاف فيه.

المسألة 37:

إذا وضع الإنسان رحله في موضع من مواضع المسجد ليعتكف فيه، لم يتعين عليه أن يعتكف في ذلك الموضع فيجوز له أن يتحول عنه إلى موضع آخر من المسجد، و كذلك إذا شرع في الاعتكاف في موضع معين من المسجد فيجوز له الانتقال إلى غيره فيتم اعتكافه فيه، إلا إذا تعين عليه ذلك بملزم شرعي، كما إذا نذر الاعتكاف فيه، و كانت له بعض المميزات التي توجب رجحانه و فضله على غيره، بل الظاهر أنه يكفي في رجحانه انه احد المواضع في مسجد يصح الاعتكاف فيه، و ان لم يرجح على غيره من اجزاء المسجد، فينعقد نذره لذلك، و يتعين بسبب النذر، و كذلك إذا استأجره أحد للنيابة في الاعتكاف، و شرط عليه في عقد الإجارة ان يعتكف في ذلك الموضع من المسجد، لبعض الأغراض التي يلاحظها المستأجر، فيتعين على النائب أن يعتكف في الموضع المعين بسبب الشرط.

المسألة 38:

لا يعتكف المكلف عند قبر مسلم بن عقيل (ع)، أو قبر هاني بن عروة (ره)،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 127

و لا في المساحة بينهما، فإنها ليست من مسجد الكوفة، و تشكل صحة الاعتكاف في المأذنة التي تقع عند باب الفيل من المسجد، للشك في كونها من اجزاء المسجد، أو من مرافقه الخارجة عنه.

المسألة 39:

إنما يجوز الاعتكاف في المكان إذا ثبت شرعا كونه مسجدا من مساجد الاعتكاف، و قد ذكرناها في المسألة الخامسة عشرة، فيصح في أحد المساجد الأربعة، و في المسجد الجامع في البلد الذي تقام فيه صلاة جماعة صحيحة، و إنما يثبت ذلك بعلم المكلف به بسبب تواتر أو شياع يورث العلم أو بسبب قرينة خاصة أو عامة توجب ذلك، و يثبت أيضا بالبينة الشرعية التامة الشرائط، و بحكم الحاكم الشرعي، إذا وقع عنده ترافع و خصومة في الموضع، فحكم فيه بأنه مسجد جامع، و لا يثبت بحكم الحاكم إذا لم يكن في مورد تنازع و فصل خصام.

المسألة 40:

إذا اعتقد المكلف في مكان أنه من المساجد التي يصح الاعتكاف فيها، فاعتكف فيه، ثم ظهر له انه مخطئ في اعتقاده كان اعتكافه باطلا، و لم تلزمه أحكام الاعتكاف، فلا يجب عليه الاستمرار فيه إذا تبين له ذلك في أثنائه، و ان كان في اليوم الثالث منه، و إذا كان الاعتكاف واجبا مطلقا وجبت عليه إعادته في أحد المساجد التي يصح فيها الاعتكاف، و إذا كان واجبا معينا لزمه قضاؤه بعد فوات وقته.

المسألة 41:

لا يصح الاعتكاف في غير المساجد التي سبق ذكرها، و حكم المرأة في ذلك هو حكم الرجل، فلا يصح لها أن تعتكف في الموضع الذي أعدته في بيتها لصلاتها، و ان كان مما تقام فيه صلاة جماعة صحيحة.

المسألة 42:

إذا اعتكف المكلف في أحد المساجد ثم عرض له ما يمنعه من أن يتم اعتكافه فيه، كما إذا انهدم ذلك المسجد فلم يمكنه البقاء فيه خوفا من وقوع سقفه أو جداره عليه، أو منعه ظالم مستبد من المكث في المسجد، أو حدث له أحد موجبات الخوف من البقاء و اللبث فيه، بطل اعتكافه، فإذا كان الاعتكاف واجبا مطلقا وجب على المكلف أن يستأنف الاعتكاف من أوله في مسجد جامع آخر، أو في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 128

المسجد الأول نفسه إذا زال المانع عنه، و لا يتعين عليه أن يكون الاستئناف في المسجد نفسه، و إذا كان الاعتكاف واجبا معينا وجب عليه قضاء اعتكافه بعد بطلانه، و يتخير في القضاء بين أن يأتي به في جامع آخر أو في المسجد الأول إذا زال المانع عنه، و لا يجوز له إتمام الاعتكاف الأول و البناء عليه إذا كانت مدة خروجه من المسجد تخل بوحدة الاعتكاف.

المسألة 43:

إذا خرج المعتكف من المسجد لوجود المانع من البقاء فيه كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، ثم زال المانع من البقاء بعد فترة قصيرة بحيث كان خروجه من المسجد لا يخل بوحدة اعتكافه عرفا، جاز له الرجوع إلى المسجد الأول و البناء على اعتكافه السابق فيه، و وجب عليه ذلك إذا كان الاعتكاف واجبا، و لا يصح له الذهاب بعد رجوعه إلى مسجد آخر، و لا يكفيه إتمام الاعتكاف الأول فيه لتعدد المسجد بل لا بد من الاستئناف.

المسألة 44:

إذا اعتكف العبد المملوك من غير إذن مالكه كان اعتكافه باطلا، و قد ذكرنا هذا في المسألة السادسة عشرة، فإذا أعتقه مالكه في أثناء هذا الاعتكاف لم يجب عليه إتمامه، و ان مضى منه يومان تامان.

و إذا أذن له سيده فشرع في الاعتكاف ثم أعتقه في اليوم الأول أو في اليوم الثاني كان له أن يقطع الاعتكاف فيهما إذا كان مندوبا، أو كان واجبا موسعا، و إذا مضى عليه من الاعتكاف يومان تامان وجب عليه ان يعتكف اليوم الثالث، و إذا اعتكف خمسة أيام وجب عليه ان يعتكف اليوم السادس، كما سبق في أحكام المعتكف الحرّ.

و إذا كان اعتكافه واجبا مضيقا وجب عليه أن يتمه و ان كان عتقه في اليوم الأول أو الثاني، و كذلك إذا كان اعتكافه واجبا موسعا، و قد نذر أن يتمه إذا شرع فيه فلا يجوز له قطعه، و ان كان عتقه في أول أيامه.

المسألة 45:

إذا أذن السيد لعبده فاعتكف، جاز للمولى أن يرجع عن اذنه للعبد في اليوم الأول أو الثاني من أيام اعتكافه، فإذا رجع عن اذنه بطل اعتكاف العبد و لم يجز له ان يستمر فيه، و لا يجوز للمولى أن يرجع عن الإذن في اليوم الثالث، و إذا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 129

رجع عن إذنه لم يبطل برجوعه اعتكاف العبد و وجب عليه إتمام اليوم، و كذلك الحكم إذا رجع عن إذنه في اليوم السادس.

و لا يجوز للمولى ان يرجع عن إذنه إذا كان اعتكاف العبد واجبا مضيّقا، و ان كان في اليومين الأولين منه أو كان الاعتكاف موسعا و قد نذر أن يتمه إذا شرع فيه، و إذا رجع المولى عن إذنه في هذه

الفروض فلا أثر لرجوعه.

المسألة 46:

لا يجوز للمعتكف أن يخرج من مسجد اعتكافه إلا لأمر واجب عليه كصلاة الجمعة تقام في مسجد آخر من البلد، أو لحاجة لا بدّ له منها، و المعتبر في ذلك أن تكون الحاجة التي يخرج لأجلها ضرورة له في أنظار العقلاء من الناس، أو يكون ترك الخروج لها مما يوجب الحرج عليه أو الضرر الذي لا يتحمل عادة، فلا يصح له الخروج مثلا لإقامة الشهادة على أمر ما لم تكن ضرورية له و ماسة بشؤونه، و هي بلا ريب مختلفة من شخص إلى شخص، و من أمر إلى أمر، و من مقام إلى مقام، و لذلك فلا بد له من التأمل و دقة الملاحظة لتمييز ما هو ضروري من غيره، و لا يصح له الخروج من المسجد لحضور صلاة الجماعة إذا كان الحضور لها غير واجب، بل و لا يجوز للمعتكف ان يؤدي الصلاة في غير المسجد الذي اعتكف فيه، إلا في مكة، فتجوز له الصلاة في بيوتها و مساجدها، و لا يتعين عليه ان يصلي في المسجد الذي اعتكف فيه، فان مكة كلها حرم الله كما ورد في النصوص عن المعصومين (ع).

و يصح له الخروج لتشييع الجنازة و ما يتعلق بذلك من تغسيل للميت و تكفين و صلاة عليه و دفن، و يصح له الخروج لعيادة المريض، و خصوصا إذا كان المريض ممن يتعلق بالمعتكف و تعد عيادته من ضروراته الخاصة.

و يشكل بل يمنع الخروج لغير ذلك من تشييع مسافر أو استقبال قادم و نحو ذلك من الحاجات و ان كانت راجحة، أو ذات مصلحة له في دينه أو دنياه، و الميزان في الجميع ما قدمنا ذكره في أول المسألة،

و هو ان تكون الحاجة واجبة شرعا أو ضرورة لا بدّ له منها في نظر أهل العقل و التمييز، أو يكون ترك الخروج لها موجبا للحرج و الضرر الذي لا يتحمل عادة.

المسألة 47:
اشارة

إذا أجنب المعتكف في مسجد الاعتكاف، فللمسألة صور متعددة تجب

كلمة التقوى، ج 2، ص: 130

ملاحظتها و العمل بأحكامها.

(الصورة الأولى):

ان يكون الرجل غير قادر على الاغتسال من جنابته في المسجد، لعدم وجود الماء فيه، أو لخوفه من أن يلوث المسجد بنجاسة أو غيرها، أو لوجود مانع آخر من الغسل فيه، فيجب عليه الخروج من المسجد و الاغتسال في خارجه، و إذا ترك الخروج من غير عذر كان مكثه في المسجد محرما لأنه جنب فيبطل بذلك اعتكافه، على إشكال في إطلاق الحكم.

(الصورة الثانية):

ان يكون الرجل قادرا على الاغتسال من جنابته و هو في المسجد من غير أن يلوثه بشي ء، و تكون المدة التي يحتاج إليها في الاغتسال في المسجد لو انه اغتسل فيه أطول من مدة الخروج منه لو انه خرج منه و اغتسل في خارجه، و يجب عليه في هذه الصورة أيضا أن يخرج من المسجد و يغتسل في خارجه، و لا يجوز له البقاء و الاغتسال فيه.

(الصورة الثالثة):

ان ينعكس الفرض المتقدم فيكون الزمان الذي يحتاج إليه في الاغتسال و هو في المسجد أقل من مدة الخروج لو أنه خرج و اغتسل في خارجه، و يتعين عليه في هذه الصورة ان يغتسل في المسجد و لا يجوز له الخروج منه بغير غسل.

(الصورة الرابعة):

ان تكون المدة التي يحتاج إليها في الاغتسال و هو في المسجد مساوية للمدة التي يحتاج إليها في الخروج بغير غسل، و يتخير في هذه الصورة بين الأمرين، فيجوز له الاغتسال من حدثه في المسجد و يصح له الخروج منه و الغسل في خارجه، و لا يجوز له التساهل و التباطؤ في كل من الأمرين، و كذلك الحكم في غسل المرأة من الاستحاضة إذا احتاجت اليه و هي معتكفة فيجري فيه هذا التفصيل.

المسألة 48:

إذا مسّ المعتكف إنسانا ميتا بعد برده و لم يتمكن أن يغتسل في المسجد غسل مسّ الميت جاز له أن يخرج من المسجد ليغتسل في خارجه و ان كان مسه للميت باختياره، و إذا أمكن له ان يغتسل في المسجد لم يجز له الخروج من المسجد، فإن هذا الحدث لا يمنع من اللبث في المسجد- كالجنابة- ليكون موجبا للخروج منه، و كذلك الحكم إذا وجب الغسل على المعتكف لانه ترك صلاة الآيات عامدا لكسوف الشمس أو القمر و قد احترق القرص كله، و هو يعلم بذلك، فيجب عليه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 131

الغسل، و يجري عليه الحكم المذكور في مس الميت.

المسألة 49:

إذا كان المعتكف مدينا لأحد من الناس دينا حالّا أو مؤجّلا و حضر وقته، و طلب الدائن منه وفاءه، فاحتاج المعتكف إلى الخروج من المسجد ليؤدي إليه دينه، جاز له الخروج لذلك، بل وجب عليه الخروج إذا لم يتمكن من الوفاء إلا بذلك، و إذا كانت لديه وديعة أو أمانة شرعية أو حق آخر لشخص و طلب منه المالك أن يردّ إليه أمانته أو يدفع له حقه وجب عليه ردّ المال إلى أهله، فإذا توقف ذلك على الخروج من المسجد جاز له الخروج منه بل وجب عليه ذلك، و إذا ترك الخروج عامدا أثم بذلك، و لم يبطل اعتكافه على الأصح.

و كذلك إذا وجبت عليه صلاة الجمعة أو غيرها من الواجبات الشرعية فترك الخروج إليها عامدا، و استمر في مكثه في المسجد فيأثم بتركه للواجب و لا يبطل اعتكافه.

المسألة 50:

إذا طرأت للمعتكف ضرورة أو حاجة لا بدّ له منها، فخرج من المسجد لقضائها، وجب عليه ان يسلك الطريق الأقرب إلى موضع الحاجة، و لا يجوز له السلوك في الذّهاب أو الإياب في الطريق الأبعد، إلا إذا كان التفاوت بين الطريقين يسيرا فلا يضره ذلك، و يعتبر ان يكون مسيره إلى مقصده في الذهاب و الرجوع على الوجه المتعارف، فلا يجب عليه الإسراع أكثر من ذلك، و لا يسوغ له التأني و التمهل و الوقوف في المشي و الحركة دون ذلك، و لا يجوز له أن يمكث في المقصد أو قبله أو بعده أكثر مما يستدعيه قضاء الحاجة و أداء الضرورة، و الأحوط له ترك الجلوس ما دام في خارج المسجد حتى يعود إليه، و إذا اضطر اليه فلا يجلس تحت الظل مع إمكان ذلك، و

إذا اضطر إلى الجلوس في الظل و لم يمكن له غيره جاز له ذلك، و مثاله: ان يضطر إلى ركوب سيارة ذات سقف، أو يضطر إلى الجلوس في موضع ذي ظل، و عليه ان يقدّر الضرورة بقدرها و لا يتعداه.

المسألة 51:

إذا خرج المعتكف من المسجد لضرورة سوّغت له الخروج منه فطالت مدة خروجه و بقائه في غير المسجد، حتى محيت صورة الاعتكاف في نظر أهل العرف

كلمة التقوى، ج 2، ص: 132

بطل اعتكافه و وجب عليه استئنافه إذا كان اعتكافه واجبا موسعا، و لزمه قضاؤه إذا كان واجبا مضيقا، بل الأحوط إعادته إذا كان مندوبا، و كان بطلانه بعد مضي يومين منه، فيعيده اعتكافا تاما ثلاثة أيام.

المسألة 52:

الاعتكاف هو اللبث في المسجد و الكون فيه متقربا بذلك إلى الله- كما قلنا في أول الفصل- من غير فرق بين أنحاء الكون و البقاء فيه، سواء مكث المعتكف فيه قائما أم جالسا أم مضطجعا أم ماشيا، و منتبها أم نائما.

المسألة 53:

إذا طلق الرجل زوجته و هي معتكفة في المسجد و كان طلاقها رجعيا، فان كان اعتكافها مندوبا و هي في أثناء اليوم الأول أو اليوم الثاني منه وجب عليها ان تترك الاعتكاف، و تخرج إلى منزلها لتعتد فيه عدة الطلاق، و كذلك إذا كان اعتكافها واجبا موسعا و لم تمض منه يومان تامان، فيبطل اعتكافها، و عليها ان تخرج إلى منزلها لتعتد فيه، و كذلك الحكم إذا كان اعتكافها واجبا موسعا أو معينا أو كان مندوبا و قد أتمت منه اليوم الأول و الثاني و قد اشترطت في الاعتكاف ان ترجع عنه إذا عرض لها عارض، و سيأتي- ان شاء الله- توضيح المراد من هذا الشرط، فيجب على المطلقة الرجعية في هذه الصور كلها أن تترك الاعتكاف و تعود إلى منزلها للعدة، فإذا أتمت العدة استأنفت الاعتكاف إذا كان واجبا موسعا أو مضيقا فتقضيه.

المسألة 54:

إذا طلق الرجل زوجته في أثناء اعتكافها طلاقا رجعيا، و كان الاعتكاف عليها واجبا معينا، و لم تكن قد اشترطت فيه أن ترجع عن اعتكافها إذا عرض لها عارض، وجب عليها ان تتم اعتكافها و لم يجز لها أن تخرج من المسجد، فإذا أتمت اعتكافها خرجت بعده إلى منزلها لتكمل عدة الطلاق فيه، و كذلك إذا كان الاعتكاف مندوبا و قد أتمت منه يومين كاملين، و لم تكن قد اشترطت فيه الشرط المذكور، فعليها ان تعتكف اليوم الثالث ثم تخرج بعده لتكمل عدة الطلاق في بيتها.

و إذا طلق الرجل امرأته في أثناء اعتكافها طلاقا بائنا، اعتدت من طلاقها، و إن كانت معتكفة في المسجد، و لم يجب عليها الخروج إلى المنزل.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 133

المسألة 55:

الاعتكاف إما واجب معين على المعتكف، و هو ما عيّنه على نفسه بنذر أو عهد أو يمين، أو تعيّن عليه بإجارة أو بشرط في ضمن عقد، فينذر لله- مثلا- أن يعتكف العشرة الأولى من شهر رجب في هذا العام، أو ينذر أن يعتكف الأيام البيض منه، أو يستأجر لذلك نيابة عن زيد، و يتم الإيجاب و القبول بين المستأجر و الأجير على ذلك، و الحكم فيه ان يعتكف المكلّف كما عيّن، و لا يجوز له التأخير فيه.

و اما واجب موسع، و هو ما أوجبه الشخص على نفسه بنذر أو شبهه مما تقدم ذكره، أو وجب عليه بإجارة أو شرط و لم يعيّن له وقت، فينذر لله ان يعتكف أياما معلومة العدد في هذه السنة- مثلا- أو في الأشهر الحرم منها، أو في شهر رجب، أو يستأجره أحد لذلك، و الحكم فيه انه لا يتعين الإتيان به على المكلف في

وقت خاص، و إذا ابتدأ به فاعتكف منه يومين تامين وجب عليه ان يعتكف لليوم الثالث، و إذا اشترط فيه تتابع أيامه وجب عليه أن يأتي ببقية أيامه متتابعة كما شرط.

و إذا لم يشترط ذلك جاز له ان يفرق الأيام على ان لا يكون ما يأتي به في كل مرة أقل من ثلاثة أيام، و قد سبق تفصيل هذا في المسائل المتقدمة.

و اما مندوب و الحكم فيه نظير ما قلنا في الواجب الموسّع.

المسألة 56:

يصح للمكلف عند ما ينوي الاعتكاف و يريد الشروع فيه أن يشترط على الله ان يترك اعتكافه و يلغيه إذا طرأ له طارئ، سواء كان اعتكافه الذي يريد الشروع فيه واجبا معينا أم موسعا أم مندوبا، فيقول مثلا: أعتكف في هذا المسجد ثلاثة أيام تامة أو عشرة كاملة متقربا إلى الله تعالى و اشترط لنفسي أن يحلّني الله من اعتكافي إذا عرض لي عارض من أمره (تعالى) فأترك الاعتكاف متى عرض لي ذلك.

فإذا اشترط المكلف في نيته هذا الشرط جاز له الرجوع عن اعتكافه متى عرض له العارض، في أي قسم من أقسام الاعتكاف كان، و في أي يوم من أيامه عرض له العارض، و لا ضير عليه و لا إثم في رجوعه، و يجوز له- على الأقوى- أن يشترط لنفسه الرجوع عن الاعتكاف متى شاء، سواء عرض له شي ء

كلمة التقوى، ج 2، ص: 134

أم لا، فيقول: و اشترط لنفسي أن لي ان أدع الاعتكاف في أي يوم من أيامه إذا شئت، فإذا اشترط لنفسه الرجوع كذلك صح له شرطه، و لم يأثم برجوعه عنه، و تجب عليه الإعادة أو القضاء بعد ذلك إذا كان الاعتكاف واجبا في كلتا الصورتين.

و موقع

الاشتراط في الاعتكاف هو وقت إيقاع نيته كما ذكرنا، فلا يصح الشرط و لا يؤثر أثره إذا أوقعه قبل نية الاعتكاف أو بعد النية و الشروع فيه، و إذا اشترط الشرط في موضعه ثبت، و لم يسقط إذا أسقطه بعد ذلك.

المسألة 57:

لا ينفذ الشرط المذكور- على الظاهر- إذا نذر المكلف ان يعتكف أياما و اشترط في صيغة نذره ان يكون له الرجوع عن اعتكافه، فيقول مثلا: لله علي ان اعتكف ثلاثة أيام أو عشرة أيام، و اشترط لنفسي أن يكون لي الرجوع عن الاعتكاف إذا عرض لي عارض من أمر الله، أو اشترط أن يكون لي ترك الاعتكاف إذا شئت و ان لم يعرض لي عارض، فلا يصح الشرط و لا يؤثر شيئا إذا لم يذكر في نية الاعتكاف إلا أن يكون النذر نفسه مطلقا غير مشروط بشي ء، و يكون الاعتكاف الذي تعلق به النذر هو المشروط بالشرط المذكور، فإذا نذر المكلف الاعتكاف كما بيناه ثم أتى بالاعتكاف المشروط وفاء بنذره صح نذره و اعتكافه و نفذ الشرط، و هو اشتراط إجمالي في نفس الاعتكاف، فيجوز له الرجوع في الاعتكاف، سواء كان المنذور معينا أم غير معين، و سواء نذر الأيام متتابعة أم غير متتابعة، و إذا نذره كذلك ثم رجع فلا إثم عليه، و لا يجب عليه قضاء المنذور إذا كان معينا، و لا يجب عليه استئنافه إذا كان مطلقا.

المسألة 58:

لا يسوغ للمعتكف أن يشترط في اعتكافه ان تحل له بعض محرمات الاعتكاف، أو يجوز له ارتكاب بعض ما ينافيه من جماع و شبهه، و سيأتي ذكرها في الفصل الثاني- إن شاء الله تعالى-، و إذا هو اشترط لنفسه ذلك لم ينفذ شرطه.

المسألة 59:

إذا اشترط المكلف لنفسه ان يحل له الرجوع عن اعتكافه نفذ شرطه في اعتكافه الذي شرط ذلك فيه، و لم ينفذ في اعتكاف آخر، فإذا اعتكف في أول الشهر، و شرط فيه أن يحل له الرجوع نفذ شرطه في ذلك الاعتكاف خاصة، و لم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 135

يجز له الرجوع في اعتكافه الثاني الذي يأتي به بعده إذا لم يشترط ذلك فيه، و إذا عزم على اعتكافين، لم يصح له ان يشترط في الأول أن يكون له الرجوع في الثاني، و لا يصح له إذا اعتكف ان يشترط في اعتكافه ان يكون لولده أو لزوجته مثلا أن يرجعا في اعتكافهما.

المسألة 60:

لا يصح تعليق نية الاعتكاف على حصول أمر مرتقب- على الأحوط- فيقول مثلا: اعتكف في هذا المسجد ثلاثة أيام متقربا إلى الله (تعالى) إذا كان أخي زيد قد قدم من سفره، أو إذا كان هذا اليوم أول الشهر، و إذا علق نيته كذلك كان اعتكافه باطلا.

و يصح إذا علق نيته على أمر حاصل بالفعل و هو يعلم بحصوله، فيقول مثلا:

اعتكف في المسجد ثلاثة أيام متقربا إلى الله (تعالى) إذا كان هذا اليوم هو يوم الجمعة، و كان يعلم انه يوم الجمعة، أو يقول: أعتكف إذا قدم أخي من سفره و هو يعلم أن أخاه قد قدم من السفر، و ليس هذا من التعليق، و ان كان تعليقا بحسب الظاهر.

الفصل الثاني في أحكام الاعتكاف
المسألة 61:

يحرم على الرجل المعتكف جماع حليلته، سواء كانت زوجة دائمة أم منقطعة أم أمة مملوكة له أم محلّلة له من مالكها، و سواء كانت معتكفة أم غير معتكفة، و سواء جامعها في القبل أم في الدبر، و في المسجد أم في خارجه.

و يحرم عليه- على الأحوط- لمس المرأة بشهوة و شمّها و تقبيلها كذلك، و يحرم جميع ذلك على المرأة المعتكفة، و أما جماع الأجنبية غير الحليلة و غير المرأة فهو من المحرمات الكبرى مطلقا، و لا تختص في حال الاعتكاف، و ان اشتدت حرمتها و تضاعف جرمها و عقابها على المعتكف، و على الصائم و في شهر رمضان.

و لا يحرم على الرجل المعتكف أن ينظر إلى حليلته بشهوة إذا لم يقصد

كلمة التقوى، ج 2، ص: 136

بنظرته الاستمناء و إنزال الماء، و لا يحرم على المرأة المعتكفة أن تنظر إلى زوجها بشهوة و تلذذ جنسي، و ان كان الأحوط لكل منهما استحبابا اجتناب ذلك.

المسألة 62:

يحرم الاستمناء- على الأحوط لزوما- على كل من الرجل المعتكف و المرأة المعتكفة، و ان وقع على الوجه المحلل لغير المعتكف، و مثال هذا: أن ينظر الرجل إلى حليلته بشهوة و تلذذ جنسي حتى يمني، فيحرم ذلك على المعتكف، سواء وقع ذلك منه ليلا أم نهارا، و في المسجد أم في خارجه، و إذا وقع في النهار حرم أيضا لمنافاته للصوم المعتبر في صحة الاعتكاف.

و إذا وقع الاستمناء على الوجه المحرم على المعتكف و غيره، كانت حرمته أشد و كانت العقوبة عليه أشق.

المسألة 63:

يحرم على المعتكف و المعتكفة شم الطيب و التطيب به، من غير فرق بين أقسام الطيب و أنواع استعماله، سواء شمه من القارورة أم من غيرها، و سواء وضعه في بدنه و شعره أم في ملابسه أم في مأكله و مشربه، أم غسل بعض أعضائه أو ملابسه بصابون فيه طيب، بل الأحوط للمعتكف عدم التطيب به و ان كان فاقدا لحاسة الشم.

نعم، لا بأس لمن فقد حاسة الشم ببعض الاستعمالات التي لا تعدّ تطيبا في نظر أهل العرف، و مثال ذلك: أن يقرب قارورة الطيب من أنفه أو يحملها معه بنحو لا يظهر ريحها للآخرين فيعدّ متطيبا و مستعملا له، فلا يمنع من ذلك و لا يضرّ باعتكافه، و يحرم على المعتكف أن يتلذذ بشم الريحان، و هو كل نبت طيب الرائحة سواء كان طريا أم يابسا.

المسألة 64:

لا يبعد ان يكون المراد من شم الطيب- الذي دلت النصوص على المنع منه للمعتكف- هو ما يكون شمّ الطيب للتلذذ بشمه و التمتع به، فان ذلك هو ما ينصرف إليه اللفظ في متفاهم أهل العرف، و على هذا فلا يضر باعتكاف المعتكف إذا شم الطيب بغير قصد، و مثال ذلك: أن يمرّ في طريقه بد كان أو سوق يباع فيه العطر فيشم رائحته، أو يمرّ به في الطريق إنسان متعطر فيشم رائحته من غير قصد فلا يخلّ ذلك باعتكافه، و كذلك الحكم في تاجر العطور أو عاملها إذا اعتكف و ملابسه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 137

تفوح بالرائحة بمقتضى عمله و صناعته، فإنه يشمّ الطيب و لا يقصد التلذذ بشمه، فلا يضر ذلك باعتكافه، و ان كان الأحوط له استحبابا إبدال ملابسه المعتادة له في أيام اعتكافه،

إذا أمكن له ذلك.

المسألة 65:

يحرم على المعتكف البيع و الشراء في أيام اعتكافه، و الأحوط له لزوما ترك مطلق التجارة حتى بالصلح، و الإجارة و غيرهما من المعاوضات على الأعيان و المنافع، فيجتنبها جميعا في حال اعتكافه، و لا يختص بالبيع و الشراء، إلا إذا اضطر إلى ذلك فيباح له عند الاضطرار بمقدار ما تتأدّى به ضرورته، و لا يتناول الحكم بالحرمة و الاحتياط بالترك الذي ذكرناه مثل قبول الهدية و أخذ المرأة المهر في عقد النكاح أو المتعة، و أخذ الرجل الفدية في الخلع أو المبارأة.

و لا يمنع الاعتكاف المعتكف من ان يشتغل بالأمور المباحة كالكتابة و الخياطة و النساجة إذا لم يكن ذلك بالأجرة، فقد سبق أن الأحوط للمعتكف ترك ذلك، و المرأة المعتكفة كالرجل المعتكف في جميع ما ذكرناه.

المسألة 66:

إذا احتاج الرجل المعتكف أو المرأة المعتكفة إلى شراء بعض الأشياء الضرورية لأكله و شربه و نحوهما، في حال اعتكافه، فإن أمكن له أن يوكّل من يشتري له الشي ء الذي يريده، أو يبيع المتاع الذي يحتاج إلى ثمنه ليشتري به ما يريد لزمه التوكيل، و لا يمنع من ذلك، فإن الممنوع منه هو ان يشتري المعتكف و يبيع بنفسه، فلا يحرم عليه ان يشتري له وكيله، و إذا تعذر عليه التوكيل و اضطر إلى البيع أو الشراء، جاز له ذلك بمقدار ضرورته.

و إذا لم يضطر إلى البيع و الشراء، و كان عدم وجود ذلك الشي ء عنده يوجب الحرج و المشقة الشديدة عليه أشكل الحكم فيه بصحة اعتكافه إذا باع أو اشترى لذلك، و ان كان غير آثم ببيعه و شرائه مع فرض ذلك.

المسألة 67:

تحرم المماراة على المعتكف، سواء وقعت منه في أمر من أمور الدنيا أم كانت في أمر من أمور الدين، و المراد بالمماراة المجادلة، سواء حصلت من المجادل ابتداء، أم حصلت منه ردا لقول أو رأي ادعاه الشخص الآخر، و المذموم من المماراة هو ما يصد به المجادل بيان فضله و رسوخه في العلم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 138

و الاطلاع عليه، و غلبته على مجادلة، و حرمة هذا النوع من المماراة لا تختص بالمعتكف، فتكون فيه أشد.

و أما المجادلة إذا أراد بها إحقاق الحق، أو إبطال الباطل، أو إلقاء النور و الإيضاح على بعض الأمور، لئلا يلتبس منها ما هو صحيح بما هو فاسد فهي محمودة، بل هي طاعة و عبادة، و الفارق بين المذموم و الممدوح هو ما يقصده الفاعل في قرارة نفسه، و ان الله لا يخادع في امره.

و للمجادلات-

قبل ذلك- أبعادها و آثارها في نفوس الخاصة من الناس فضلا عن العامة، و للنفس و النزعات و الانفعالات طرائقها في الكر و الفرّ و تلوين الأمور و تأويل الكلمات لكسب المواقف، و للشيطان مع ذلك مواقفه و مراصده من نفوس الناس و قلوبهم، ليقرّب و يبعد و يضلّل و يوهم، و العاقل البصير هو من يتأمل و لا يتعجل، و ان كان سريع الفهم حتى تتبين له قوله الحق فيقولها صريحة من غير التواء، ثم يسكت إذا اقتضى الأمر السكوت، أو تتضح له مراسم الحق من قوله صاحبه فيتبعها من غير تردد ثم يحمد، أو يستبين له غير ذلك فيناقش هادئا و ينقد مستفهما مستوضحا، و لا يغلب انفعاله على حقه، أو يسكت سليما غير ظالم و لا مظلوم.

المسألة 68:

لا يجب على المعتكف ان يجتنب ما يحرم على المحرم بالحج أو بالعمرة، فلا يحرم عليه لبس المخيط مثلا، و لا إزالة الشعر عن البدن، و لا أكل الصيد، و لا عقد النكاح لنفسه أو لغيره، و لا غير ذلك من محرمات الإحرام و تروكه.

المسألة 69:

الصوم شرط في صحة الاعتكاف و قد تكرر منا ذكر هذا في الفصل الأول، و لذلك فيحرم على المعتكف و المعتكفة تناول جميع المفطرات، كالأكل و الشرب و الارتماس و تعمد القي ء، لأنها محرمة في الصوم، فتكون من المحرمات في الاعتكاف، و يختص تحريمها بالنهار، و اما محرمات الاعتكاف التي بينّاها في المسائل المتقدمة من هذا الفصل فلا فرق في تحريمها على المعتكف و المعتكفة بين الليل و النهار، و لا بين ان يكونا في المسجد و أن يكونا في خارجه، كما إذا خرجا منه لقضاء بعض الضرورات.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 139

المسألة 70:

يجوز للمعتكف أن ينظر في الأمور المباحة، و أن يعمل منها ما يشاء في حال اعتكافه، ليكسب بها و يتعيش في ما بعد الاعتكاف بما أنتجه عمله من منافع و نتاج و لا يضر ذلك باعتكافه، إذا لم يكن نظره و عمله من البيع و الشراء المحرمين عليه، و لم يكن من التجارات التي يلزمه الاحتياط بتركها كما بيناه في المسألة الخامسة و الستين، و يجوز له أن ينصب له وكلاء و عمّالا يقومون بإعماله في أثناء اعتكافه و مكثه في المسجد، حتى في البيع و الشراء و المضاربة و الزراعة له، و ما أشبه ذلك، فيصح له التوكيل و الاستنابة فيها.

المسألة 71:

إذا تناول المعتكف بعض المفطرات في النهار فسد صومه، و بطل بذلك اعتكافه، فان فساد الشرط يوجب بطلان المشروط، و إذا جامع امرأته في الليل أو في النهار فأدخل فيها بطل اعتكافه، و ان لم ينزل في جماعة إياها، و كذلك إذا ارتكب احد محرمات الاعتكاف التي سبق ذكرها كشم الطيب و الريحان ليتلذذ بهما، و كالبيع و الشراء و المماراة المحرمة فيبطل اعتكافه و يلزمه استئناف الاعتكاف إذا كان واجبا مطلقا و يلزمه قضاؤه إذا كان واجبا معينا.

و إذا فعل أحد المحظورات التي يلزم المعتكف الاحتياط بالاجتناب عنها كالاستمناء و لمس المرأة، أو تقبيلها بشهوة و كالتجارات بغير البيع و الشراء و أمثال ذلك، لزمه الاحتياط، فعليه أن يتم اعتكافه إذا كان واجبا، و إن كان وجوبه لمضي يومين من الاعتكاف المندوب، ثم يستأنفه أو يقضيه.

المسألة 72:

إذا جامع المعتكف زوجته ساهيا فالأحوط له لزوما ان يتم الاعتكاف الذي بيده ثم يستأنفه بعد إتمامه إذا كان واجبا مطلقا، و يقضيه إذا كان واجبا معينا، بل و لا يترك الاحتياط بالاستئناف بعد أن يتم الاعتكاف في المندوب أيضا إذا جامع سهوا في اليوم الثالث منه، و كذلك إذا اتى ببعض محرمات الاعتكاف الأخرى ساهيا فلا يترك الاحتياط المذكور في الجميع.

المسألة 73:

إذا كان المعتكف قد شرط في نية الاعتكاف ان له الرجوع عن اعتكافه إذا عرض له عارض من أمر الله، أو أن يكون له الرجوع عن اعتكافه مطلقا و ان لم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 140

يعرض له شي ء ثم فعل أحد مفسدات الاعتكاف، فإن كان قد فعل المفسد بقصد الرجوع عن اعتكافه أو قصد الرجوع عنه بعد ان ارتكب المفسد لم يجب عليه إتمام اعتكافه، و لزمه استئنافه أو قضاؤه إذا كان واجبا.

و إذا كان قد نذر الاعتكاف الخاص المشروط فيه الرجوع كما ذكرنا في المسألة السابعة و الخمسين ثم فعل المفسد بقصد الرجوع عن الاعتكاف أو قصد الرجوع عنه بعد ان ارتكب المفسد لم يجب عليه قضاء الاعتكاف أو استئنافه، و إذا لم يقصد الرجوع عنه أشكل الحكم فيه، و عليه الاحتياط بإتمامه ثم قضاؤه إذا كان معينا و استئنافه إذا كان مطلقا.

المسألة 74:

حكم الاعتكاف المندوب في اليوم الثالث منه هو حكم الواجب، فإذا ارتكب فيه بعض مفسدات الاعتكاف فعليه إتمامه ثم قضاؤه اعتكافا تاما ثلاثة أيام، إلا إذا كان قد شرط لنفسه فيه الرجوع ثم قصد الرجوع بفعله للمفسد، أو قصد الرجوع بعد أن ارتكبه، فلا يجب عليه قضاؤه، و إذا أفسد الاعتكاف المندوب في اليومين الأولين فلا شي ء عليه و لا قضاء له، سواء كان قد شرط الرجوع أم لم يشرط.

المسألة 75:

إذا فعل المعتكف ما يوجب فساد اعتكافه، و كان الاعتكاف واجبا معينا عليه وجب عليه قضاؤه، و مثله الاعتكاف المندوب إذا أفسده في اليوم الثالث على ما بيّناه من التفصيل في المسائل الماضية، و الظاهر عدم وجوب المبادرة و الفور في قضاء الاعتكاف، فإذا أخره لم يأثم، إلا إذا أدّى التأخير إلى التهاون بالواجب.

المسألة 76:

إذا باع المعتكف أو اشترى في أيام اعتكافه فعل بذلك محرما على الأحوط و أثم بذلك، و بطل به اعتكافه على الأقوى و قد تقدم ذكر هذا، و لم يبطل بيعه و لا شراؤه.

المسألة 77:

إذا مات المعتكف في أثناء اعتكافه لم يجب على وليه قضاء الاعتكاف عنه بعد موته، سواء كان الاعتكاف الذي مات فيه واجبا عليه بنذر أو شبهة، معينا أم غير معين، أم كان مندوبا، و ان كان في يومه الثالث، فإن الولي إنما يجب عليه قضاء ما

كلمة التقوى، ج 2، ص: 141

فات الميت من الصلاة و الصيام، و لا يجب عليه قضاء ما فاته من سائر العبادات، و إذا نذر الرجل أن يصوم أياما و هو معتكف فيها ثم مات قبل وفائه بنذره وجب على الولي قضاء الصوم و هو معتكف كما نذره الميت.

المسألة 78:

إذا جامع المعتكف أهله فسد اعتكافه و وجبت عليه الكفارة بذلك، و سيأتي بيانها في المسألة الآتية، سواء جامعها في النهار أم في الليل، و الأحوط لزوم الكفارة له إذا أفسد اعتكافه بالجماع و ان كان اعتكافه مندوبا و كان في اليوم الأول منه أو اليوم الثاني، إلا إذا ترك الاعتكاف فيهما و رجع عنه قبل الجماع، فلا كفارة عليه في هذه الصورة.

و لا تجب الكفارة على المعتكف إذا أفسد اعتكافه بغير الجماع من محرمات الاعتكاف كالبيع و الشراء و شم الطيب و غيرها و ان كان الاعتكاف واجبا، و كذلك الحكم في المرأة المعتكفة، فتجب عليها الكفارة إذا أفسدت اعتكافها بالجماع على النهج الذي ذكرناه في الرجل المعتكف، و لا كفارة عليها في غير الجماع.

المسألة 79:

كفارة المعتكف أو المعتكفة إذا أفسدا اعتكافهما بالجماع هي كفارة من أفطر عامدا في شهر رمضان فتناول مفطرا محللا في يوم من أيامه، فيتخير بين أن يعتق رقبة، و ان يصوم بدلا عنها شهرين متتابعين، و ان يطعم ستين مسكينا، أو يدفع لكل مسكين منهم مدّا من الطعام، و الأولى استحبابا أن يأتي بالكفارة مرتبة ككفارة الظهار، فيتعين عليه مع القدرة أن يعتق رقبة مؤمنة، فإذا عجز عن العتق تعين عليه ان يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع ذلك أطعم ستين مسكينا، أو يدفع لكل مسكين منهم مدّين من الطعام.

المسألة 80:

إذا اعتكف الرجل في أيام شهر رمضان و جامع زوجته في النهار عامدا، فسد بذلك صومه و فسد اعتكافه و وجبت عليه كفارتان، إحداهما لإفطاره في شهر رمضان، و الثانية لإفساده الاعتكاف بالجماع، و قد تقدم ذكرهما و بيان خصال التخيير فيهما، و لا تتداخلان، و لا تكفي إحداهما عن الأخرى، و كذلك حكم المرأة المعتكفة إذا حصل لها مثل هذا الفرض، فعليها كفارتان مخيرتان بين

كلمة التقوى، ج 2، ص: 142

الخصال المذكورة.

و إذا اعتكف الرجل و هو صائم في قضاء شهر رمضان و جامع زوجته بعد زوال النهار فسد صومه و اعتكافه، و وجبت عليه كفارة من أفطر في قضاء الشهر، و هي أن يطعم عشرة مساكين أو يدفع لكل مسكين منهم مدّا من الطعام فان هو لم يقدر على إطعامهم و لو لعدم وجود المساكين وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام، و وجبت عليه معها كفارة إفساد الاعتكاف المتقدم ذكرها.

و إذا اعتكف في صيام منذور معيّن و أفسد صومه و اعتكافه بالجماع وجبت عليه كفارة خلف النذر و كفارة إفساد الاعتكاف، و قد

سبق ذكر كفارة النذر في فصل الكفارات من كتاب الصوم، و هكذا حكم المرأة المعتكفة إذا اتفق لها مثل هذه الفروض فيجري فيها مثل ذلك.

المسألة 81:

إذا نذر الرجل أن يعتكف في شهر رمضان، و صام و اعتكف فيه، ثم أفسد صومه و اعتكافه بالجماع، وجبت عليه ثلاث كفارات الأولى لمخالفة النذر، و الثانية لإفطاره في شهر رمضان، و الثالثة لإفساد الاعتكاف بالجماع.

و إذا كانت زوجته صائمة و أكرهها على الجماع في الفرض المذكور بغير رضاها وجبت عليه اربع كفارات: إحداها لمخالفة نذره، و الثانية لإفساد اعتكافه، و الثالثة لإفطاره من صومه في شهر رمضان، و الرابعة تحملا عن زوجته لأنه أكرهها على الجماع و هما صائمان، و قد سبق ان هذا هو الحكم الثابت في مثل هذا الفرض، و تلاحظ المسألة المائة و الحادية و الثلاثون من كتاب الصوم.

المسألة 82:

لا يتحمل الرجل المعتكف عن زوجته كفارة إفساد الاعتكاف إذا أكرهها على الجماع و هما معتكفان، كما يتحمل عنها كفارة الإفطار في شهر رمضان إذا أكرهها على الجماع فيه و هما صائمان، فإذا أكره زوجته على الجماع و هما معتكفان فجامعها في الليل وجبت عليه كفارة واحدة لإفساد اعتكافه خاصة، و لم تجب عليه كفارة زوجته، و إذا أكرهها فجامعها في النهار و هما معتكفان في غير شهر رمضان، وجبت عليه كفارة الاعتكاف لنفسه و وجبت عليه كفارة الصوم لنفسه إذا كان صومه مما تجب فيه الكفارة، و لا يتحمل عن زوجته شيئا، و إذا أكرهها على الجماع في النهار و هما معتكفان في شهر رمضان وجبت عليه ثلاث

كلمة التقوى، ج 2، ص: 143

كفارات إحداهما لإفساد اعتكاف نفسه بالجماع، و الثانية لإفطاره في يوم من شهر رمضان، و الثالثة تحملا عن زوجته لأنه أكرهها على الجماع و هما صائمان، و لا يتحمل كفارتها لإفساد اعتكافها.

المسألة 83:

إذا اعتكفت المرأة و أفسدت اعتكافها بالجماع و هي مختارة في ذلك غير مكرهة، فإن كان الجماع ليلا وجبت عليها كفارة واحدة لإفسادها الاعتكاف، و مثال ذلك: أن يكون الزوج غير معتكف فيجامعها في اعتكافها ليلا و هي مطيعة له غير مكرهة فتجب عليها كفارة الاعتكاف و لا شي ء على الزوج، و إذا جامعها نهارا وجبت عليها كفارة إفساد الاعتكاف و كفارة إبطال الصوم إذا كان صومها مما تجب فيه الكفارة.

و كذلك الحكم إذا كان كل من الزوج و الزوجة معتكفين و جامعها الزوج و هي مختارة غير مكرهة فإذا كان الجماع ليلا وجبت على كل واحد منهما كفارة واحدة لإفساد الاعتكاف، و إذا كان الجماع في النهار وجبت

على كل منهما كفارة إفساد الاعتكاف و كفارة إبطال الصوم إذا كان مما تجب فيه الكفارة، و إذا كان صوم أحدهما مما لا تجب فيه الكفارة وجبت عليه كفارة الاعتكاف خاصة.

و الحمد لله رب العالمين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 145

كتاب الزكاة

اشارة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 147

كتاب الزكاة الزكاة إحدى فرائض الإسلام الكبرى، و إحدى الدعائم الراسخة التي أقيم عليها بناؤه، و هي قرينة الصلاة و عديلتها في المنزلة، ففي الصحيح عن الصادقين عليهما السلام: (فرض الله الزكاة مع الصلاة) و في حديث أبي جعفر (ع): (ان الله تبارك و تعالى قرن الزكاة بالصلاة فقال أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ، فمن اقام الصلاة و لم يؤت الزكاة لم يقم الصلاة).

و يكفر مانع الزكاة إذا كان جاحدا لها، فعن أبي عبد الله (ع): (من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن و لا مسلم)، و في رواية أخرى: (من منع قيراطا من الزكاة فليمت ان شاء يهوديا أو نصرانيا) و هو يستحق العقاب الشديد إذا منعها مستخفا بها أو متهاونا، كما في الروايات الكثيرة الواردة عنهم (ع).

و الزكاة حصن الأموال من التلف و حرز لها من عروض الآفات، فعن الرسول (ص): (داووا مرضاكم بالصدقة و حصّنوا أموالكم بالزكاة).

و عن أبي عبد الله (ع): (إنما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء و معونة للفقراء، و لو ان الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا، و لاستغنى بما فرض الله له، و ان الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا عروا، إلا بذنوب الأغنياء، و حقيق على الله تبارك و تعالى ان يمنع رحمته ممن منع حق الله في ماله، و أقسم بالذي خلق الخلق و

بسط الرزق انه ما ضاع مال في بر و لا بحر، إلا بترك الزكاة، إلى ان قال (ع): و ان أحب الناس إلى الله تعالى أسخاهم كفا، و أسخى الناس من أدّى زكاة ماله، و لم يبخل على المؤمنين بما افترض الله لهم في ماله).

و في هذا الكتاب احد عشر فصلا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 148

الفصل الأول في الشرائط العامة لوجوب الزكاة و هي عدة أمور:
[الأول: البلوغ]
المسألة الأولى:

(الأول من شرائط وجوب الزكاة): البلوغ، فإذا كان المال مما يعتبر في وجوب الزكاة فيه ان يحول عليه الحول، و هو الأنعام الثلاث، و النقدان، اشترط في وجوب الزكاة فيه أن يكون مالك المال بالغ الحلم في جميع الحول، فلا تجب الزكاة في المال إذا كان صاحبه صغيرا غير بالغ الحلم من أول الحول إلى آخره، و إذا أدرك المالك في أثناء الحول كان ابتداء حول المال من حين بلوغ مالكه، فإذا تم الحول من ذلك الوقت وجبت فيه الزكاة.

و إذا كان المال مما لا يعتبر فيه الحول و هو الغلات الأربع: اشترط في وجوب الزكاة فيه ان يكون صاحب المال بالغا في وقت تعلق الزكاة به، و هو حين انعقاد الحب من الغلة إذا كانت من الحبوب، و صدق الاسم عرفا عليها إذا كانت من التمر أو العنب و سيأتي بيان ذلك.

[الثاني: العقل]
المسألة الثانية:

(الثاني من شرائط وجوبها العقل): و يجري فيه نظير التفصيل المتقدم في شرط البلوغ، فإذا كان المال مما يعتبر فيه أن يحول عليه الحول اشترط في وجوب الزكاة فيه ان يكون مالكه عاقلا في جميع الحول فإذا عرض له الجنون في أثناء الحول انقطع و لم تجب الزكاة فيه ما دام المالك مجنونا، و إذا أفاق من جنونه استأنف الحول من حين البرء، و إذا كان المال مما لا يعتبر فيه الحول اشترط في وجوب الزكاة ان يكون المالك عاقلا حين تعلق الزكاة بالمال، و لا فرق في الحكم بين أن يكون الجنون مطبقا و ان يكون أدوارا.

[الثالث: الحرية]
المسألة الثالثة:

(الثالث من شرائط وجوب الزكاة): أن يكون صاحب المال حرّا غير مملوك، و الكلام في هذا الشرط نظير ما سبق في البلوغ و العقل، فلا يدخل المال

كلمة التقوى، ج 2، ص: 149

في الحول ما دام صاحبه مملوكا و لا تجب فيه الزكاة إذا كان صاحبه في وقت تعلق الزكاة به عبدا، و ان قلنا بان العبد يملك المال كما هو القول الصحيح المختار، و إذا أعتق العبد سيده استأنف حول المال- إذا كان مما يعتبر فيه الحول- من حين عتقه.

و لا فرق في هذه الأحكام بين أن يكون صاحب المال عبدا قنا أو مدبرا، أو مكاتبا، أو أم ولد للمالك، و إذا كان بعضه حرّا و بعضه مملوكا و وزع المال على قدر ما فيه من الحريّة و العبوديّة، فإذا بلغ نصيب الحريّة من المال مقدار النصاب الشرعي للزكاة وجبت فيه الزكاة و لا يجب في نصيب الرقّية شي ء و ان بلغ مقدار النصاب.

[الرابع: الملك]
المسألة الرابعة:

(الرابع من شرائط وجوب الزكاة): ان يكون المكلف مالكا للمال في جميع الحول إذا كان مما يعتبر فيه الحول، و يكفي ان يكون مالكا له في وقت تعلق الزكاة به إذا كان من الغلات كما تقدم في الشروط السابقة.

و نتيجة لذلك فلا تجب الزكاة في المال الموهوب للشخص و لا في المال المقترض قبل أن يحصل القبض فيهما فان الشخص الموهوب له و المقترض لا يملكان المال حتى يحصل القبض، و لا تجب الزكاة في المال الموصى به للمكلف قبل وفاة الموصى فان الموصى له لا يملك المال قبل وفاته.

المسألة الخامسة:

إذا ملّك السيّد عبده نصابا من المال الزكوي لم تجب الزكاة في ذلك المال على العبد لأنه ليس حرا، و لا على مولى العبد لأنه ليس مالكا للمال بعد أن ملّكه للعبد.

[الخامس: القدرة]
المسألة السادسة:

(الخامس من شرائط وجوب الزكاة): أن يكون مالك المال قادرا على التصرف فيه تصرفا خارجيا، و المراد بذلك ان يكون متمكنا من إتلافه و العمل فيه بما يريد من أنواع التصرف، فيعتبر أن يكون المالك قادرا على مثل هذه التصرفات في المال طوال الحول في الأنعام الثلاث و في النقدين، إذا كان المال منها، و قادرا على التصرف كذلك في وقت تعلق الزكاة به إذا كان من الغلات.

و مما يتفرع على اعتبار هذا الشرط أن الزكاة لا تجب في المال إذا كان

كلمة التقوى، ج 2، ص: 150

غائبا عن صاحبه بحيث لم يصل إليه و لا إلى وكيله المفوض منه ليتصرف فيه كما يريد و متى أراد، و لا تجب في الدين الذي لم يستوفه مالكه من المدين، و لم يقع تحت نفوذه، و لا تجب في المال الذي سرقه السارق من صاحبه أو جحده، أو دفنه صاحبه في موضع و نسي موضع دفنه، و لا في المال الذي رهنه مالكه عند أحد أو وقفه، أو نذر أن يتصدق به، و لا في المال الذي حجر مالكه عن التصرف فيه بأحد موجبات الحجر كالسفه و الفلس.

المسألة السابعة:

المعيار في معرفة أن مالك المال متمكن من التصرف في ماله أو غير متمكن منه هو نظر العقلاء و أهل العرف في ذلك، و إذا شك في مورد أو مال أنه مما يمكنه التصرف فيه أو لا، فإن كان الشك فيه للشك في مفهوم التصرف و كان بنحو الشبهة الحكمية، فلا بدّ من إخراج الزكاة من ذلك المال، و ان كان للشك فيه بنحو الشبهة الموضوعية و كان يعلم بحالته السابقة و انه كان متمكنا من التصرف في المال

أو غير متمكن منه عمل على الحالة السابقة، و ان لم يعلم بحالته السابقة فالظاهر عدم وجوب الزكاة فيه.

[السادس: النصاب]
المسألة الثامنة:

(السادس من شروط وجوب الزكاة): ان يبلغ المال مقدار النصاب الشرعي، و سيأتي بيان ذلك- إن شاء الله تعالى-، و اعتبار هذا الشرط على نحو اعتبار الشروط المتقدمة، فيجري فيه البيان السابق فما يعتبر فيه الحول من الأموال يشترط فيه أن يكون بمقدار النصاب في جميع الحول من أوله إلى آخره، فإذا قصر عن مقدار النصاب في أثناء الحول انقطع الحول من ذلك الحين، و لم تجب فيه الزكاة و إذا بلغ المقدار في أثنائه ابتدأ الحول من ذلك الوقت، و ما لا يعتبر فيه الحول يشترط فيه أن يكون بمقدار النصاب في وقت تعلق الزكاة به، و هو حين انعقاد الحب أو صدق اسم الغلة.

المسألة التاسعة:

يستحب للولي الشرعي على الصبي و المجنون ان يخرج زكاة مال التجارة إذا هو اتجر لهما بمالهما، و لا يثبت مثل هذا الاستحباب في أن يخرج الولي زكاة مال المجنون من الأنعام أو الغلات أو النقدين، و الأحوط ترك إخراجها أيضا من الأموال المذكورة التي يملكها الصبي غير البالغ.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 151

و لا يثبت الاستحباب للولي الشرعي على الحمل في بطن أمه إذا اتجر له بماله ان يخرج زكاة مال التجارة له، و لا زكاة غير ذلك من أمواله.

المسألة العاشرة:

لا يعتبر في وجوب الزكاة على مالك المال عدم الإغماء عليه، أو عدم عروض السكر له، فلا ينقطع حول المال الزكوي من الأنعام الثلاث أو من النقدين بعروض الإغماء على مالكه في أثناء الحول و ان طالت مدة الإغماء، و لا بحدوث السكر له و ان استوعب السكر الحول كله، و لا يسقط بذلك وجوب الزكاة في المال إذا تم له الحول، و لا يضر حصول الإغماء أو السكر كذلك بوجوب الزكاة إذا حدثا أو حدث أحدهما للمالك في وقت تعلق الزكاة بالغلّات.

المسألة 11:

قد ذكرنا في ما تقدم ان الزكاة لا تجب في الغلات الأربع حتى يكون المالك بالغ الحلم في الوقت الذي تتعلق الزكاة بها، و هو حين انعقاد الحب في الحنطة و الشعير، و حين صدق الاسم في التمر و العنب، إما سابقا على وقت التعلق أو مقترنا معه، فإذا شك- و هو بالغ- في ان تعلق الزكاة بالغلة قد تحقق بعد البلوغ أو مقارنا له لتجب الزكاة عليه في المال لوجود الشرط، أو كان قبله فلا تجب، لم يجب عليه إخراج الزكاة، لعدم إحراز وجود الشرط، سواء علم تأريخ بلوغه أم جهله، و كذلك إذا شك حين تتعلق الزكاة بالمال في تحقق بلوغه و عدم تحققه، أو علم وقت تعلق الزكاة بالمال و شك في سبق البلوغ عليه و تأخره عنه أو جهل تاريخهما معا، فلا يجب عليه إخراج الزكاة من المال في جميع هذه الصور.

المسألة 12:

إذا كان مالك المال مجنونا ثم أفاق من جنونه و شك في ان إفاقته من الجنون قد حصلت قبل تعلق الزكاة بالغلة أو بعد ذلك الوقت، فالصور المحتملة في هذه المسألة هي الصور المحتملة في البلوغ التي ذكرناها في المسألة المتقدمة، و الحكم فيها أيضا هو عدم وجوب الزكاة في جميع الصور.

و إذا كان مالك المال عاقلا ثم طرأ عليه الجنون، فإذا علم بوقت تعلق الزكاة بالغلة، و شك في تقدم طروء الجنون على ذلك الوقت و تأخره عنه، فالظاهر وجوب الزكاة في الغلة، و إذا علم بزمان حدوث الجنون له و شك في تقدم وقت

كلمة التقوى، ج 2، ص: 152

تعلق الزكاة على زمان الجنون و تأخره عنه فالظاهر عدم وجوب الزكاة، و كذلك الحكم إذا جهل كلّا

من التأريخين.

و إذا جهلت الحالة السابقة في مالك المال انه كان مجنونا في تلك الحالة أو عاقلا، و لم يعلم أيضا بسبق الحال الموجودة فيه بالفعل من الجنون أو العقل على وقت تعلق الزكاة بالمال أو تأخرها عنه لم تجب الزكاة أيضا.

المسألة 13:

إذا كان المال الزكوي الذي يملكه المكلف قد تعلق فيه حق الخيار لشخص آخر غير مالكه، فهل يكون تعلق ذلك الخيار به مانعا من تعلق وجوب الزكاة بالمال؟، و هل يكون ابتداء الحول في النصاب من حين العقد أو من حين انقضاء مدة الخيار؟ فيه إشكال، و خصوصا في الخيار المشروط بردّ الثمن.

و مثال ذلك: ان يشتري الإنسان نصابا من الإبل أو البقر أو الغنم و يشترط البائع لنفسه أن يكون له خيار فسخ البيع إذا هو ردّ الثمن على المشتري في مدة معلومة بينهما، و لا يترك الاحتياط بإخراج الزكاة إذا تم الحول من حين العقد الجاري بينهما.

المسألة 14:

إذا كان المال مشتركا بين مالكين أو أكثر، و كانت حصة أحد الشريكين أو الشركاء من المال تبلغ مقدار النصاب الشرعي وجبت عليه الزكاة في حصته، و لا تجب على شريكه الآخر إذا كانت حصته من المال لا تبلغ النصاب، و لا يكفي أن يبلغ مجموع المال نصابا شرعيّا تامّا.

المسألة 15:

تجب الزكاة في نماء الوقف إذا كان مفاد وقفه تمليك النماء للأشخاص الموقوف عليهم، سواء كان الوقف خاصّا أم عامّا، فإذا جعل المالك نخيله المعينة أو كرمه وقفا على ان يكون نماء النخيل و الكرم ملكا لذريته أو للسّادة العلويين أو لعلماء البلد وجبت الزكاة على كل شخص من الموقوف عليهم بلغت حصته من النماء مقدار النصاب أو زادت عليه، نعم، إذا كان الوقف عامّا فإن الفرد من الموقوف عليهم لا يملك الحصة من النماء حتى يقبضها، و لذلك فلا تجب الزكاة في حصته قبل القبض.

و لا تجب الزكاة في نماء الوقف إذا كان مفاد وقفه صرف النماء على

كلمة التقوى، ج 2، ص: 153

الموقوف عليهم من غير تمليك، سواء كان الوقف عامّا أم خاصّا، و مثال ذلك: ان يقف المالك نخيله على ان يصرف نماؤها على ذريته أو على الفقراء، أو على علماء البلد و لم يملكهم النماء.

المسألة 16:

قد سبق في المسألة السادسة ان الزكاة لا تجب في المال المغصوب من المالك، و لا في المسروق، و لا المجحود و ما أشبه ذلك، لأن مالك ذلك المال غير قادر على التصرف فيه في هذه الفروض، فإذا أمكن للمالك أن يخلّص ماله و يسترجعه بسهولة، فيقيم عليه بينة شرعية عند الحاكم و يسترده، أو يستعين بشخص ذي وجاهة و نفوذ و يرفع بذلك يد الظالم عنه مع تيسر ذلك له، فالأحوط له إخراج الزكاة إذا هو ترك المال و لم يخلّصه مختارا في ذلك، و المدار في المسألة ان يكون المالك معذورا عرفا أو شرعا، في عدم تخليص المال من يد المستولي عليه أو غير معذور، فإن كان معذورا في ترك ماله و عدم تخليصه

لم تجب عليه زكاته، و ان كان غير معذور في نظر الشرع أو عند أهل العرف في ذلك وجبت عليه زكاة المال.

المسألة 17:

إذا أمكن للشخص الدائن أن يستوفي دينه من المدين بيسر، فترك دينه و لم يستوفه منه باختياره، لم تجب عليه زكاة المال، فإن الدائن لا يملك عوض الدين إلا بعد قبضه، و كذلك الحكم إذا أراد الشخص المدين أن يفي ما في ذمته فتركه الدائن و لم يستوفه منه فلا تجب عليه زكاته، و ان كان تركه استيفاء الدين بقصد الفرار من زكاته.

المسألة 18:

إذا اقترض الرجل مبلغا من أحد و قبض المبلغ من الدائن أصبح المال ملكا للمقترض، فإذا كان بمقدار النصاب أو أكثر منه و حال عليه الحول بعد القبض وجبت زكاته على المقترض مع اجتماع بقية شرائط وجوبها.

المسألة 19:

إذا تبرع الدائن نفسه فأدّى زكاة مال القرض بعد وجوبها على المقترض، أو تبرع شخص أجنبي فأدّى زكاة المال عن المقترض بعد وجوبها عليه صح ذلك و كفى عن المالك، و إذا شرط المقترض على الدائن في عقد القرض بينهما أن يؤدي عنه زكاة مال القرض إذا حال عليه الحول و المال باق، و قبل الدائن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 154

بالشرط، صح الشرط و وجب عليه العمل به، فإذا و في الدائن بالشرط و أدى الزكاة برئت ذمة المقترض من التكليف بالزكاة، و ان لم يفعل و لم يف بالشرط وجب على المقترض أداء الزكاة من ماله.

المسألة 20:

إذا نذر مالك المال أن يتصدق بعين ماله كلّها، و كان نذره للصدقة بالمال مطلقا غير معلق على شرط و لا مقيد بوقت، و كان النذر سابقا على تعلق وجوب الزكاة بالمال، لم تجب الزكاة في ذلك المال، و قد ذكرنا هذا في المسألة السادسة، و يجب عليه أن يتصدّق بعين ماله وفاء بالنذر، و كذلك الحكم إذا نذر أن يتصدق ببعض معلوم من المال: النصف أو الثلث مثلا، و كان الباقي منه لا يبلغ مقدار النصاب، فيجب عليه أن يتصدق بالمقدار المنذور، و لا تجب الزكاة في الباقي لأنّه دون النصاب.

المسألة 21:

إذا نذر مالك المال أن يتصدق بعين ماله، و كان نذره للصدقة بعد أن تعلقت الزكاة بالمال نفسه، فان كان مراده من صيغة نذره ان يبدأ أولا فيفك المال من حق الزكاة الذي تعلق به حتى يكون خالصا له ثم يتصدق به، وجب عليه ان يؤدي الزكاة من مال آخر، ثم يتصدق بجميع عين المال وفاء بنذره، و ان كان مراده من نذره أن يتصدق ببقية المال بعد ان يؤدي منه مقدار الزكاة، وجب عليه أن يفعل ذلك كما نذر.

و ان كان مراده من النذر ان يتصدق بجميع المال الموجود حتى بمقدار الزكاة الواجب فيه، فلذلك صورتان مختلفتان في القصد و في الحكم.

(الصورة الأولى): ان ينذر الناذر التصدق بجميع المال المذكور و يجعله على نفسه واجبا واحدا يرتبط بعضه ببعض، بحيث إذا تصدق ببعض المال دون بعض يكون غير موف بنذره فلا يفي به حتى يتصدق بالجميع، و يكون النذر على سبيل وحدة المطلوب، و الحكم في هذه الصورة بطلان النذر من أصله، فيجب عليه دفع مقدار الزكاة و يسقط عنه وجوب التصدق.

(الصورة

الثانية): أن ينذر التصدق بالمال و يجعله واجبا انحلاليا بحيث إذا تصدق ببعض المال دون بعض فقد و في ببعض النذر و لم يف بالباقي، و يكون إنشاء النذر على نحو تعدد المطلوب، فيبطل النذر في هذه الصورة في مقدار الزكاة من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 155

المال و يجب عليه أداؤها و يجب عليه التصدق بالباقي من المال بعد الزكاة.

المسألة 22:

إذا كان مال المالك مما يعتبر في وجوب الزكاة فيه أن يحول عليه الحول، و نذر المالك ان يتصدق بعين ماله و كان نذره معلقا على وجود شرط أو مقيدا بوقت معين، فالظاهر ان الزكاة لا تجب في ذلك المال، سواء كان نذره مؤقتا بما قبل تمام الحول أم بما بعده، و سواء حصل الشرط الذي علّق عليه النذر قبل تمام الحول أم حصل مقارنا له أم حصل بعده.

المسألة 23:

كل ما ذكرناه من الأحكام في الفروض السابقة من نذر التصدق بالمال انما هو في نذر الفعل، و المراد به أن ينذر المالك أن يتصدق بماله مطلقا أو معلّقا على وجود شرط.

و أما نذر النتيجة- و المراد به ان ينذر المالك ان يكون ماله صدقة إما مطلقا أو في وقت معين أو عند حصول شرط مخصوص، فيكون النذر بنفسه إنشاء للصدقة- ففي صحة هذا النذر إشكال بل منع.

المسألة 24:

إذا حصلت للمكلف الاستطاعة المالية لحج البيت بالنصاب الزكوي كلّه، بحيث لو ان المكلف اخرج مقدار الزكاة منه لم تحصل له الاستطاعة، فإن تم حول النصاب أو حل وقت تعلق الزكاة به إذا كان من الغلات قبل أن تسافر القافلة إلى الحج، و قبل ان يتمكن المكلف من السفر اليه، وجبت الزكاة في النصاب و انتفت بذلك الاستطاعة كما هو المفروض فلا يجب الحج على المكلف، و ان تمكن المكلف من السفر إلى الحج قبل أن يتم الحول و تتعلق الزكاة بالمال، و توقف أداء الحج على صرف عين النصاب فيه سقطت الزكاة و وجب عليه الحج.

و إذا لم يتوقف أداء الحج على صرف عين المال فيه و لم ينحصر في ذلك، فمقتضى الأدلة ان تجب الزكاة و الحج كلاهما على المكلف، فيتزاحمان، و يمكن المكلف أن يبدل النصاب الزكوي قبل أن يتم عليه الحول بعين أخرى فيسقط وجوب الزكاة بسقوط الحول و تبقى الاستطاعة للحج بغير مزاحم و يتخلص المكلف من الإشكال.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 156

المسألة 25:

إذا كان المال غائبا لا تصل إليه يد المالك و لا يد وكيله ليتمكن من التصرف فيه كما يريده أو كان مدفونا في مكان و نسي الموضع الذي دفن فيه و مضت عليه سنتان أو أكثر، ثم تمكن منه، استحب له أن يزكي المال لسنة واحدة، بل يستحب له إخراج زكاته إذا مضت عليه سنة واحدة، و في تعدية الحكم بالاستحباب لغير الغائب و المدفون من الأموال التي سبق ذكرها في المسألة السادسة إشكال.

المسألة 26:

إذا كان مالك المال متمكنا من التصرف فيه حتى تم له الحول في ما يعتبر فيه الحول، و حتى تعلّق به وجوب الزكاة في الغلات الأربع، استقر عليه وجوب زكاة ذلك المال، فإذا لم يمكنه التصرف في المال بعد ذلك لم يسقط عنه الوجوب، فإذا تجدد له التمكن منه بعد ذلك وجب عليه أداء زكاته، و ان لم يمكنه ذلك و كان عدم تمكنه لتقصير منه فعليه ضمان الزكاة، و لا ضمان عليه إذا كان غير مقصر.

المسألة 27:

تجب الزكاة على الكافر، و لا تصحّ منه إذا أداها في حال كفره، و لإمام المسلمين (ع) أو نائبه أن يأخذ الزكاة منه قهرا، و إذا أتلفها فلهما أن يأخذا منه عوضها من المثل إذا كان المال مثليّا و من القيمة إذا كان قيميّا، و كذلك إذا تلفت بيده على وجه الضمان.

المسألة 28:

إذا أسلم الكافر بعد أن وجبت عليه الزكاة في ماله، فإن كانت العين تالفة في وقت إسلامه سقطت عنه زكاتها، و إذا كانت العين التي تعلقت بها الزكاة موجودة ففي سقوط الزكاة عنه تأمل.

المسألة 29:

إذا اشترى المسلم المال الزكوي من الكافر بعد ان تعلقت به الزكاة وجبت على المشتري المسلم إخراج الزكاة من المال، و كذلك إذا اشترى منه بعض النصاب على الأحوط، فعليه إخراج زكاته، بل الظاهر جريان الحكم في مطلق الانتقال إلى المسلم و ان كان بغير الشراء.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 157

المسألة 30:

تجب الزكاة المالية في كل من الأنعام الثلاثة و هي الإبل و البقر و الغنم، و تجب في النقدين و هما الذهب و الفضة المسكوكان للمعاملة بهما، و تجب في الغلات الأربع، و هي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و لا تجب في ما عدا هذه الأمور التسعة.

و يستحب الزكاة في مال التجارة، و في ما تنبته الأرض مما يكال أو يوزن غير الغلات الأربع كالأرز و السمسم و الدخن و الذرة و العدس و الماش و الحمص، و تستحب في إناث الخيل دون ذكورها، و في حاصل العقار الذي يتخذ للنماء، و سيأتي- ان شاء الله تعالى- تفصيل كل أولئك الأمور و بيان أحكامها و مقادير الزكاة المستحبة فيها في الفصل الخامس.

الفصل الثاني في زكاة الأنعام الثلاثة
المسألة 31:

لا تجب الزكاة في الأنعام الثلاثة حتى تجتمع في كل واحد منها شروط أربعة، زيادة على ما تقدم بيانه في الفصل الأول من شروط وجوب الزكاة في مطلق المال.

و قد سبق في المسألة الثامنة ان الزكاة لا تجب في المال حتى يبلغ مقدار النصاب الشرعي، و النصب المحدّدة في الإبل لوجوب الزكاة فيها اثنا عشر نصابا، و في البقر نصابان، و في الغنم خمسة نصب.

المسألة 32:

لا تجب الزكاة في الإبل المملوكة للمكلف حتى يبلغ عددها خمسا، فإذا بلغت خمسا (و هو النصاب الأول فيها) وجبت فيها شاة، ثم لا يجب في ما زاد على الخمس شي ء غير الشاة حتى يبلغ عددها عشرا، فإذا بلغت عشرا (و هو النصاب الثاني) فتجب فيها شاتان.

ثم لا يجب في ما زاد على العشر شي ء غير الشاتين حتى يبلغ عددها خمس عشرة (و هو النصاب الثالث) فتجب فيها ثلاث شياه.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 158

ثم لا يجب في الزائد على ذلك شي ء غير الثلاث شياه حتى يبلغ عدد الإبل عشرين (و هو النصاب الرابع) فتجب فيها أربع شياه.

ثم لا يجب في الزائد عليها شي ء غير الأربع شياه حتى تبلغ خمسا و عشرين، (و هو النصاب الخامس) فتجب فيها خمس شياه.

فإذا زادت الإبل واحدة و بلغ عددها ستا و عشرين (و هو النصاب السادس) وجب أن يخرج فيها بنت مخاض، و المراد ببنت المخاض من الإبل هي التي دخلت في السنة الثانية من عمرها.

ثم لا يجب في ما زاد على الست و العشرين شي ء غير بنت المخاض حتى يبلغ عدد الإبل ستا و ثلاثين (و هو النصاب السابع) فتجب فيها بنت لبون، و بنت اللبون من الإبل هي التي دخلت في

السنة الثالثة من العمر.

ثم لا يجب في ما زاد على الست و الثلاثين شي ء غير بنت اللبون، حتى يبلغ عددها ستا و أربعين (و هو النصاب الثامن) فتجب فيها حقة، و الحقة من الإبل هي التي دخلت في السنة الرابعة من عمرها.

ثم لا يجب في الزائد على ذلك شي ء غير الحقة حتى يكون العدد واحدة و ستين (و هو النصاب التاسع) فتجب فيها جذعة، و الجذعة من الإبل هي التي دخلت في السنة الخامسة من عمرها.

ثم لا يجب في ما زاد على الإحدى و الستين شي ء غير الجذعة حتى يكون عدد الإبل ستا و سبعين و هو (النصاب العاشر) فتجب فيها بنتا لبون و قد أوضحنا المراد منها في النصاب السابع.

ثم لا يجب في الزائد على ذلك المقدار شي ء غير بنتي اللبون حتى يبلغ عدد الإبل احدى و تسعين (و هو النصاب الحادي عشر) فتجب فيها حقتان و قد ذكرنا معناهما في النصاب الثامن.

ثم لا يجب في ما زاد على الإحدى و التسعين شي ء غير الحقتين حتى يبلغ عدد الإبل مائة و إحدى و عشرين (و هو النصاب الثاني عشر) فتجب فيها في كل خمسين من الإبل حقة و في كل أربعين منها بنت لبون، على ما يأتي توضيحه في المسألة الآتية و هكذا في ما زاد على العدد المذكور.

المسألة 33:

إذا بلغ عدد الإبل الموجودة عند المكلف النصاب الثاني عشر أو زاد عليه،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 159

نظر في عدد الإبل التي يملكها فما فنت عقود عشراته بعدّها خمسين خمسين فقط، و مثال ذلك: أن يكون عدد الإبل مائة و خمسين، فان عدّه بالخمسين ثلاث مرات يفني عقودها و لا يبقى منها شي ء، و عدد

الأربعين لا يفني عقودها، و في مثل هذا الفرض يتعين على المكلف عد الإبل بالخمسين وحدها و يخرج لكل خمسين من الإبل حقة، فيخرج في زكاة المائة و الخمسين ثلاث حقق.

و ما فنت عقود عشراته بعدّها أربعين أربعين فقط، و مثاله: ان يكون العدد مائة و ستين فان عدد الأربعين أربع مرات يفني عقودها و لا يبقى منه شي ء، و عدد الخمسين لا يفني عقودها، و في هذا الفرض يتعين عدّ الإبل بالأربعين خاصة، و يخرج في زكاة كل أربعين بنت لبون، فعليه في زكاة المائة و الستين اربع بنات لبون.

و ما فنت عقود عشراته بكل واحد من الأربعين و الخمسين، و مثال ذلك: ان يكون عدد الإبل مائتين فإنه اربع خمسينات أو خمس اربعينات، و في هذا الفرض يتخير المكلف بينهما فيجوز له أن يخرج في زكاة المائتين خمس بنات لبون بعدّها أربعين أربعين، و يجوز له ان يخرج في زكاتها أربع حقق بعدّها خمسين خمسين.

و ما فنت عقود عشراته بالمركب من الأربعين و الخمسين، و مثال ذلك: أن يكون عدد إبله مائة و سبعين فان فيه خمسين واحدة و ثلاث اربعينات، و يتعين في مثل هذا الفرض ان يعدّها كذلك، فيخرج في زكاة العدد المذكور في المثال حقة واحدة و ثلاث بنات لبون.

و على هذه القاعدة التي ذكرناها فلا يتصور عفو أبدا في عدد الإبل مهما بلغت، إلا في الآحاد ما بين عقود العشرات، و أما العشرات نفسها فلا بدّ و أن تفنى بأحد العددين المذكورين أو بكليهما أو بالمركب منهما، فلا عفو فيها.

المسألة 34:

و لا بدّ من الملاحظة في الحساب لتطبيق القاعدة التي ذكرناها في المسألة المتقدمة، فإنها لا تختلف، فإذا كان

عدد الإبل التي يملكها الإنسان مائة و أربعين ناقة، تعين عليه أن يعدّها خمسينين و أربعين واحدة فيخرج في زكاتها حقتين و بنت لبون، و إذا كان عدد إبله مائتين و أربعين، أمكن له أن يعدها ست أربعينات فيخرج في زكاتها ست بنات لبون، و أمكن له أن يعدها أربعين واحدة، و اربع خمسينات، فيخرج عنها اربع حقق و بنت لبون واحدة، و إذا كانت الإبل مائتين

كلمة التقوى، ج 2، ص: 160

و ستين يتعين عليه ان يعدّها خمسينين و اربع اربعينات، فيخرج في زكاتها حقتين و أربع بنات لبون، و لا يكون عفو في الجميع كما قلنا.

المسألة 35:

لا يجوز للمكلف أن يتساهل في الحساب و التقسيم و يؤدي أقل مما يجب عليه في زكاة إبله، و يتوهم أن الزائد في الإبل عفو لا زكاة فيه، فإذا كان عدد إبله مائتين و سبعين ناقة، وجب عليه أن يعدّها ثلاث خمسينات و ثلاث أربعينات، فيؤدي في زكاتها ثلاث حقق و ثلاث بنات لبون، و هذا هو المقدار الواجب عليه في زكاة العدد المذكور، و لا يكفيه أن يدفع عنها خمس حقق أو يدفع عنها ست بنات لبون، و يسقط الزائد بتوهم وجود العفو.

و إذا كان يملك ثلاثمائة و عشرة من الإبل وجب أن يعدّها ثلاث خمسينات و أربع أربعينات و يخرج في زكاتها ثلاث حقق و أربع بنات لبون، و لا يكتفي بدفع ست حقق مثلا أو بدفع خمس حقق و بنت لبون، و قد أكثرنا من الأمثلة للإيضاح، و الأمر بيّن لا ينبغي أن يخفى.

المسألة 36:

إذا وجب على مالك الإبل أن يخرج في زكاتها بنت مخاض كما في النصاب السادس و لم توجد لديه، كفاه أن يدفع عوضا عنها ابن لبون، و لا يجزيه أن يدفعه بدلا عنها اختيارا مع وجودها لديه، و إذا فقدهما معا جاز له أن يشتري أيهما شاء و يدفعه في الزكاة.

المسألة 37:

لا تجب الزكاة في البقر حتى يبلغ عدد ما يملكه المكلف منها ثلاثين بقرة و هذا المقدار (هو النصاب الأول فيها) فإذا بلغت ذلك وجب على مالكها أن يخرج في زكاتها تبيعا أو تبيعة، و التبيع من البقر هو ما دخل في السنة الثانية من عمره، و كذلك التبيعة، فيجزيه أن يدفع أيهما شاء.

ثم لا يجب في ما زاد على الثلاثين بقرة شي ء غير التبيع أو التبيعة حتى يبلغ عددها أربعين بقرة (و هو النصاب الثاني) فإذا بلغت ذلك وجب على المكلف أن يخرج في زكاتها مسنّة، و هي التي دخلت في السنة الثالثة من عمرها.

فإذا زادت على أربعين بقرة نظر في عددها، فما فنت عقود عشراته بعدّه ثلاثين ثلاثين خاصة كالستين و التسعين، يجب على المكلف عدّه بالثلاثين و يخرج

كلمة التقوى، ج 2، ص: 161

لكل ثلاثين منها تبيعا أو تبيعة، فيخرج من الستين تبيعين أو تبيعتين، و من التسعين ثلاث تبائع من الإناث أو الذكور.

و ما فنت عقود عشراته بعدّه أربعين أربعين خاصة كالثمانين و المائة و الستين تعيّن على المالك أن يعدّه بالأربعين خاصة، فيخرج من الثمانين مسنتين، و من المائة و الستين أربع مسنّات، و ما فنت عقود عشراته بكلّ من الثلاثين و الأربعين كالمائة و العشرين، يتخير مالكها بين العددين، فيجوز له أن يعدّها ثلاث أربعينات و يخرج في

زكاتها ثلاث مسنّات من البقر، و يجوز له أن يعدّها أربع ثلاثينات و يخرج في زكاتها أربع تبائع منها.

و ما فنت عقود عشراته بالمركب منهما كالسبعين و المائة و عشر يتعين على المالك أن يعدّها كذلك فيخرج من السبعين تبيعا واحدا و مسنة واحدة، و يخرج في زكاة المائة و عشر تبيعا واحدا و مسنتين، و هكذا.

و على هذه القاعدة التي ذكرناها فلا يتصور وجود عفو في الأعداد لا زكاة فيه الا في الآحاد ما بين العقود، و اما عقود العشرات نفسها فلا بد و ان تفنى على الثلاثين أو الأربعين أو على كليهما أو على المركب منهما، إلا إذا كان عدد البقر خمسين، فلا تجري فيه القاعدة التي ذكرناها و لا بد فيه من الزيادة و يتعين فيه الأخذ بالأربعين، فيخرج في زكاة الخمسين من البقرة مسنة واحدة و يكون الزائد من العدد عفوا.

المسألة 38:

لا تجب الزكاة في الغنم حتى يبلغ العدد الذي يملكه الإنسان منها أربعين شاة (و هو النصاب الأول فيها) فإذا بلغت ذلك ففيها شاة واحدة.

ثم لا يجب في ما زاد على الأربعين شي ء غير الشاة، حتى يبلغ عددها مائة و احدى و عشرين شاة (و هو النصاب الثاني فيها) فتجب فيها شاتان.

ثم لا يجب في ما زاد على هذا العدد شي ء غير الشاتين، حتى يبلغ مائتين و واحدة (و هو النصاب الثالث) فتجب فيه ثلاث شياه.

ثم لا يجب في الزائد على ذلك شي ء غير الثلاث شياه، حتى يكمل عددها ثلاثمائة و واحدة (و هو النصاب الرابع) فتجب فيها أربع شياه.

ثم لا يجب في ما زاد على ذلك المقدار شي ء غير الأربع شياه حتى يبلغ عددها أربعمائة شاة (و هو النصاب

الخامس) فتجب في كلّ مائة شاة منه إخراج

كلمة التقوى، ج 2، ص: 162

شاة واحدة.

و لا نصاب في الغنم بعد هذه النصب الخمسة، فإذا زاد عددها على أربعمائة أخرج المالك في زكاة كل مائة شاة شاة واحدة، و لا شي ء في ما دون المائة كما لا شي ء في ما بين النصابين غير ما وجب إخراجه في النصاب السابق.

المسألة 39:

لا فرق في الحكم لا في الجنس من الإبل ما بين العراب و البخاتي و سائر أصنافها من ذوات السنام الواحد و السنامين، و لا فرق أيضا ما بين البقر و الجاموس و سائر أصناف البقر الشرقي منها و الغربي، و لا بين الضأن و المعز و سائر أصناف الغنم من ذوات الألبان و الأذناب، و العربي و البربري، و الاسترالي و غيرها و لا بين الذكور و الإناث في الجميع.

المسألة 40:

إذا كان القطيع الواحد من الأنعام مشتركا بين مالكين أو أكثر، وجب أن تلاحظ حصة كل واحد من الشركاء على انفراده فإذا بلغت حصته خاصة مقدار النصاب وجبت فيها الزكاة على مالكها و ان لم تبلغ حدّ النصاب لم تجب الزكاة فيها و ان كان القطيع متحدا في المسرح و المراح و المرعى و الحظيرة و الصنف.

المسألة 41:

إذا كان للمالك الواحد مال زكوي متفرق بعضه عن بعض و هو من جنس واحد، من الإبل مثلا أو من البقر أو الغنم، لوحظ جميع المال فان بلغ جميعه مقدار النصاب الشرعي وجبت فيه الزكاة و ان كان كل قسم من المال على انفراده لا يبلغ النصاب، أو تباعدت أقسام المال في الأماكن و البلاد.

المسألة 42:

الشاة التي تدفع في زكاة الإبل أو الغنم يجب أن تكون جذعا من الضأن أو ثنيّا من المعز، و لا تجزي عن الواجب إذا كانت أقل من ذلك سنّا.

و الجذع من الضأن هو ما كملت له سنة واحدة من عمره و دخل في السنة الثانية، و الثني من المعز هو ما كملت له سنتان و دخل في السنة الثالثة- على الأحوط لزوما- في كل من الجذع و الثني.

و يجوز للمالك أن يدفع أكبر من ذلك سنّا، و يتخير بين أن يدفع الشاة من النصاب نفسه أو من مال غيره أو من شياه غير البلد و ان كانت أقل قيمة من غنم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 163

النصاب.

و كذلك الحكم في الإبل و البقر، فإذا وجبت عليه بنت مخاض أو بنت لبون أو حقة في زكاة إبله، جاز له أن يدفعها من مال آخر يملكه و جاز له أن يشتريها من غيره و من إبل غير البلد و يدفعها في زكاته، و إذا وجبت عليه تبيعة أو مسنة في زكاة البقر، صح له مثل ذلك، و المدار- على الأحوط- أن يكون ما يخرجه وسطا من أفراد مسمّى الواجب، فلا يكفي أن يدفع الأدنى على الأحوط و لا يجب عليه دفع الأعلى، و إذا تطوع بدفعه فهو خير.

المسألة 43:

لا يتعين عليه أن يدفع الزكاة من جنس العين التي وجبت عليه في النصاب، بل يجوز له أن يدفع قيمتها من النقدين و ما بحكمهما، كالأوراق النقدية و النحاس و النيكل المضروبين سكة يتعامل بها الناس بل يجوز له أن يدفع القيمة من غير ذلك إذا كانت القيمة المدفوعة من غير جنس الفريضة، فيجوز أن يدفع التمر و الزبيب

و الحبوب قيمة للزكاة التي وجبت عليه في الأنعام و بالعكس، و إن كان الاقتصار على النقدين و ما بحكمهما أحوط، و أحوط من ذلك أن يكون الإخراج من العين، و اما دفع القيمة من جنس الفريضة ففيه إشكال.

المسألة 44:

إذا كانت العين موجودة و أراد المكلف أن يدفع القيمة بدلا عنها، أو كانت العين تالفة و كان النصاب مثليّا كالغلات الأربع، فالمدار على القيمة في يوم الأداء، فإذا كان الإخراج في غير البلد فالأحوط له أن يدفع أعلى القيمتين في بلد المال و بلد الأداء.

و إذا كانت العين تالفة و هي من القيميّات كالأنعام الثلاثة، فالمدار على قيمة يوم التلف، و إذا كان التلف لا يستوجب الضمان كما إذا حصل بغير تعدّ من المالك و لا تفريط فلا شي ء عليه.

المسألة 45:

يجزي المكلف في أداء الواجب أن يدفع الأنثى زكاة و ان كان النصاب كله من الذكور، و يجزيه أن يدفع الذكر زكاة و ان كان النصاب كله من الإناث، و يجزيه أن يدفع الزكاة من الضأن و ان كان النصاب كلّه من المعز، و أن يدفع المعز و إن كان النصاب كلّه من الضأن، و يجزيه أن يدفع البقر زكاة عن نصاب

كلمة التقوى، ج 2، ص: 164

الجاموس، و أن يدفع الجاموس زكاة عن نصاب البقر، و أن يدفع الإبل البخاتي زكاة عن نصاب الإبل العراب، و أن يدفع العراب زكاة عن الإبل البخاتي سواء تساوت القيمة أم اختلفت في جميع الفروض المذكورة، و إذا اختلط النصاب من الصّنفين أجزأه أن يخرج الزكاة من أي الصنفين شاء.

المسألة 46:

يدخل الصحيح و المريض من الأنعام، و السليم و المعيب، و الشاب و الهرم منها في وجوب عدّه من النصاب، و لا يجزئ أن يدفع المريض زكاة إذا كان النصاب كله من الصحاح، و لا يكفي أن يدفع المعيب زكاة إذا كانت كلها سليمة، و لا يجوز أن يدفع الهرم إذا كانت كلها شابة، بل و لا يجزي ذلك على الأحوط إذا كان النصاب مخلوطا من الصحاح و المراض أو من السليمة و المعيبة أو من الشابة و الهرمة، و إذا كان النصاب كله مراضا أو معيبة أو هرمة جاز الإخراج منه.

المسألة 47:

إذا ملك الإنسان النصاب الأول دون زيادة، و حالت عليه- و هو في ملكه- أحوال، فإن كان يؤدي زكاة النصاب في كل عام من غيره تكررت الزكاة عليه في النصاب ما دام يفعل ذلك، و مبدأ كل حول من حين أداء الزكاة عن الحول السابق عليه، فان ذلك الحين هو الوقت الذي تخلص للمالك فيه ملكية النصاب.

و إذا أخرج الزكاة من المال نفسه نقص بذلك عن النصاب فلا تجب الزكاة فيه للسنة الثانية، و كذلك الحكم إذا لم يخرج منه الزكاة أصلا، فيجب عليه أن يزكيه لسنة واحدة.

و إذا ملك المالك ما يزيد على النصاب الأول و لا يبلغ النصاب الثاني و حالت عليه و هو في ملكه أحوال وجب عليه أن يزكي ذلك المال لكل سنة منها حتى ينقص عدده عن النصاب، فإذا نقص عنه لم تجب فيه الزكاة.

المسألة 48:

الثاني من شروط وجوب الزكاة في الأنعام أن تكون سائمة طوال الحول، فلا تجب الزكاة فيها إذا كانت معلوفة و لو في بعض الحول، و لا يضرّ في تحقق الشرط المذكور في نظر أهل العرف أن تعلف اليوم الواحد أو اليومين بل و الأيام إذا كانت متفرقة في أثناء الحول.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 165

المسألة 49:

لا تجب الزكاة في الأنعام إذا كانت معلوفة و ان كان بسبب اضطرار لعدم وجود مرعى ترعى فيه مثلا، أو لوجود مانع يمنع من إخراجها إلى السوم، كمرض في الماشية أو نزول ثلج أو مطر أو خوف من تسلّط ظالم أو سباع، و سواء كان العلف من مال المالك أم من مال غيره، و سواء أذن المالك بالعلف أم لم يأذن. و من العلف أن يجز النبات المباح فيطعمها إياه أو يتبرع متبرع بعلفها.

المسألة 50:

لا يضر في صدق وصف السائمة على الأنعام أن يستأجر مالكها لها مرعى مملوكا لغيره تسوم فيه، أو يشتري نباتة من مالكه لذلك، أو يرسلها مالكها في أرضه فترعى من نبت مملوك له بنبع الأرض كالحشائش و الكلاء الذي ينبت في الأرض بعد الأمطار أو بعد نضوب الماء منها، و يشكل صدق السائمة عليها إذا أرسلها مالكها في زرع مملوك له قد زرعه لترعى فيه، أو زرع اشتراه من أحد لتسوم فيه، و لا يضر في صدق وصف السائمة أن يدفع الى الظالم المتسلط مالا ليجيزه في أن ترعى أنعامه و مواشيه في أرض مباحة.

المسألة 51:

الثالث من شروط وجوب الزكاة في الأنعام: أن لا تكون عوامل، لا في جميع الحول و لا في بعضه، فلا تجب الزكاة فيها إذا كانت تعمل في نقل المسافرين مثلا من بلد إلى بلد، أو تعمل في نقل الرحال و الأثقال أو في إثارة الأرض أو سقي الزرع أو ما يشبه ذلك من الأعمال.

و لا يمنع من وجوب الزكاة فيها أن تعمل في أثناء الحول يوما أو يومين، بل و أياما إذا كانت الأيام متفرقة، و من غير إعداد لذلك، و إذا أعدّها مالكها للعمل و عملت بعد الإعداد يومين أو أكثر ففي تحقق الشرط إشكال، و لا بد في هذا الفرض من مراعاة الاحتياط بإخراج الزكاة.

المسألة 52:

إذا ملك الرجل نصابا- لا أكثر- من الإبل أو البقر، و كان بعض النصاب المملوك له من العوامل لم تجب الزكاة في جميع النصاب، و كذلك إذا كانت الأنعام التي يملكها أكثر من نصاب و كانت الأنعام غير العاملة منها لا تبلغ مقدار

كلمة التقوى، ج 2، ص: 166

النصاب فلا تجب فيها الزكاة.

المسألة 53:

الرابع من شروط وجوب الزكاة في الأنعام: أن يمضي عليها حول في ملك مالكها و هي جامعة للشرائط، و المراد هنا بالحول أن يدخل الشهر الثاني عشر منذ ابتداء الحول عليها، فإذا دخل الشهر الثاني عشر ثبت وجوب الزكاة فيها بدخوله و استقر على الأقوى، و لا يضر بوجوب الزكاة و استقراره أن يختل بعض الشروط بعد ذلك، و إن حصل الخلل في أثناء الشهر الثاني عشر، غير أن الحول اللّاحق للأنعام لا يبتدي إلا بعد نهاية الشهر الثاني عشر.

المسألة 54:

إذا انتفى بعض الشروط التي ذكرناها لوجوب الزكاة قبل دخول الشهر الثاني عشر بطل الحول من غير فرق بين الشروط العامة التي ذكرناها في الفصل الأول لوجوب مطلق الزكاة و الشروط التي بيناها في هذا الفصل لزكاة الأنعام.

و مثال ذلك: أن ينقص عدد الأنعام عن مقدار النصاب أو يطرأ للمالك أو في الأنعام ما يمنع المالك من التصرف فيها أو يبدلها بغيرها، و إن كان العوض الذي انتقل إليه من جنسها، كما إذا عاوض عن الغنم أو البقر أو الإبل بمثلها، فيبطل الحول و لا تجب على المالك الزكاة إذا تم و ان فعل ذلك باختياره فرارا من الزكاة.

المسألة 55:

إذا أبدل المالك النصاب الزكوي الذي يملكه بنصاب آخر من جنس الأول أو من غير جنسه قبل أن يتم الحول بطل حول النصاب الأول كما قلنا، و استأنف حولا جديدا للنصاب الجديد من الوقت الذي ملكه فيه بالمعاوضة، و كذلك إذا أبدل بعض النّصاب بما يجعله نصابا مرة أخرى، و مثاله: أن تكون له أربعون شاة و تمضي عليها عدة أشهر و هي في ملكه، ثم يبدل عشرين شاة منها بعشرين شاة أخرى، فيجب عليه أن يستأنف الحول للنصاب من حين التبديل.

المسألة 56:

إذا اجتمعت شروط وجوب الزكاة في النصاب الزكوي و حال عليه الحول و الشروط كلها مجتمعة فيه، ثم تلف بعض النصاب قبل أن يدفع المكلف زكاته، فإن كان تلف ذلك البعض بغير تفريط من المالك، فلا ضمان عليه لزكاة ذلك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 167

البعض التالف، و يسقط عنه من الزكاة بنسبة المقدار التالف الى مجموع النصاب، و مثال ذلك: أن يكون عدد النصاب الموجود عنده في الحول خمسا من الإبل، ثم تتلف منه بعد الحول و قبل دفع الزكاة ناقة واحدة، و هي خمس النصاب، و الزكاة الواجبة عليه في هذا النصاب شاة واحدة فإذا كان تلف الناقة منه بغير تفريط سقط عنه خمس الشاة التي يجب عليه إخراجها، لأنه غير ضامن، و يجب عليه أن يدفع أربعة أخماس الشاة فقط، فإذا كانت قيمة الشاة خمسة دنانير و أراد المالك أن يؤدّي القيمة وجب عليه أن يدفع لمستحق الزكاة أربعة دنانير.

و إذا كان عدد النصاب المفروض وجوده عند المالك في الحول عشرا من الإبل و هو النصاب الثاني و كان التالف منه قبل دفع الزكاة ناقة واحدة، و هي عشر النصاب

المذكور، و الزكاة الواجبة في هذا النصاب شاتان، فيسقط عن المكلف عشر الشاتين المذكورتين و يجب عليه أن يدفع تسعة أعشار الشاتين فقط، لأنه غير ضامن، فإذا كانت قيمة الشاتين عشرة دنانير و أراد أن يؤدّي القيمة، وجب عليه أن يدفع للمستحق تسعة دنانير، و هكذا.

و إذا كان تلف التالف من النصاب بتفريط من المالك كان ضامنا للزكاة، فلا يسقط عنه من الزكاة شي ء، و يكفي في حصول التفريط من المالك و ثبوت الضمان عليه أن يؤخر دفع الزكاة عامدا مع تمكنه من أدائها.

و إذا كان تلف التالف من عدد الأنعام الموجودة لا ينقص من النصاب الشرعي شيئا لم يسقط عن المالك شي ء من الزكاة الواجبة عليه و إن كان التلف بغير تفريط، و مثال ذلك: أن يكون عدد الإبل الموجودة لدى المالك في الحول ستّا في الفرض الأول و إحدى عشرة ناقة في الفرض الثاني، فإذا تلفت من الإبل واحدة لم ينقص من النصاب شي ء فلا ينقص من الزكاة شي ء.

المسألة 57:

يبدأ حول السخال منذ يوم ولادتها على الأقوى، سواء كانت الأمهات سائمة أم معلوفة و سواء كانت أولاد إبل أم بقر أم غنم، و إذا ولد بعض النصاب من السخال في وقت ثم ولدت بقية النصاب بعد ذلك، فمبدأ الحول فيها حين تتم ولادة باقي النصاب.

المسألة 58:

إذا كان الإنسان مالكا لأحد النصب من الأنعام، ثم تجدّد له ملك إنعام

كلمة التقوى، ج 2، ص: 168

أخرى من جنس الأنعام الأولى زيادة عليها، فلهذا الفرض صور مختلفة تجب ملاحظتها و لكل صورة منها حكمها.

(الصورة الأولى): ان يملك الرجل الأنعام الجديدة عند انتهاء حول الأنعام الأولى، و تكون الأنعام الجديدة بمقدار يكمل بها النصاب اللاحق أو يزيد عليه، و الحكم في هذه الصورة أن يؤدي المالك زكاة النصاب الأول الذي تم حوله ثم يبتدئ حولا جديدا لمجموع ما يملكه من الأنعام القديم منها و الجديد، و مثال ذلك: أن يكون الرجل مالكا لخمس من الإبل، فتلد له خمسا من الإبل أخرى عند نهاية الحول أو يشتري مثلها في ذلك الوقت أو تنتقل إليه بميراث أو غيره، أو أن يكون الرجل مالكا لثلاثين بقرة، ثم أنتجت له في نهاية حولها إحدى عشرة، فيكون الحول الجديد حولا للأمهات و الأولاد، و عليه أن يزكي النصاب الأول الذي تم حوله فيخرج شاة عن الإبل في المثال الأول و يخرج تبيعا أو تبيعة من البقر في المثال الثاني، و إذا تم الحول الجديد للأنعام القديمة و الجديدة وجب عليه أن يخرج شاتين عن نصاب الإبل و مسنة عن نصاب البقر، و كذلك إذا زادت الأنعام على ما يكمل النصاب اللّاحق في هذه الصورة و لا تبلغ نصابا آخر.

المسألة 59:

(الصورة الثانية): أن يملك الرجل أنعاما جديدة في أثناء حول الأنعام الاولى، و تكون الأنعام الجديدة التي يملكها في ما بعد نصابا زكويا مستقلّا، و مثال ذلك: أن يكون مالكا لخمس من الإبل و تمضي من حولها ستة أشهر، ثم يملك ستّا و عشرين ناقة غيرها، و الحكم في هذه

الصورة أن ينفرد كل من النصابين بحوله، فإذا تم حول النصاب الأول وجبت فيه الزكاة و أخرج عنه شاة في المثال الذي ذكرناه، و إذا انتهى حول النصاب للأنعام الجديدة أخرج في زكاته بنت مخاض، و هكذا.

و بحكم هذه الصورة ما إذا زادت الأنعام الجديدة التي ملكها على النصاب بما لا يبلغ نصابا آخر أكبر منه كما إذا ملك ثلاثين من الإبل.

المسألة 60:

(الصورة الثالثة): أن يملك المكلف أنعاما جديدة في أثناء حول الأنعام الأولى، و تكون الأنعام التي تجدد له ملكها في ما بعد بمقدار يكمل به النصاب

كلمة التقوى، ج 2، ص: 169

اللاحق للأنعام الأولى، و مثال ذلك: أن تكون عند الرجل ثلاثون بقرة و تمضي عليها ستة أشهر و هي في ملكه، فتلد له إحدى عشرة في أثناء حولها، أو يشتري هذا العدد فيكون مجموع ما لديه إحدى و أربعين بقرة، أو يكون الرجل مالكا لأربعين شاة، ثم يملك في أثناء حولها اثنتين و ثمانين شاة جديدة و يصبح مجموع ما لديه من الغنم الجديدة و القديمة مائة و اثنتين و عشرين شاة.

و الحكم في هذه الصورة أن يتم حول الأنعام الأولى، فيؤدي بعده زكاة النصاب الأول، فيخرج فيه تبيعا أو تبيعة في مثال البقر، و يخرج شاة واحدة في مثال الغنم، ثم يستأنف حولا جديدا لمجموع ما لديه من الأنعام القديم منها و الجديد، فإذا انتهى هذا الحول أخرج في زكاته مسنّة في مثال البقر، و أخرج شاتين في مثال الغنم، و كذلك إذا زادت البقر أو الغنم على العدد المذكور في الصورة بما لا يبلغ نصابا آخر.

المسألة 61:

(الصورة الرابعة): أن تكون الأنعام الجديدة التي يملكها المكلف في الفرض المتقدم بمقدار يكون نصابا مستقلّا و هو في الوقت نفسه مكمل للنصاب اللاحق، و مثال ذلك: أن يكون الرجل مالكا لعشرين من الإبل، ثم يملك في أثناء الحول ستّا أخرى، فإن الخمس الجديدة من الإبل نصاب مستقل كما أن الست إذا أضيفت إلى العشرين الأولى كانت متممة للنصاب السادس من الإبل، أو يكون مالكا لخمس من الإبل ثم يملك في أثناء الحول خمس إبل أخرى

فإن الخمس الثانية مكملة للنصاب الثاني من الإبل و هي في الوقت نفسه نصاب مستقل منها.

و الحكم في هذه الصورة نظير ما قدمناه في الصورة الثانية فيكون لكل واحد من النصاب الذي ملكه أولا و النصاب الذي ملكه ثانيا حول مستقل على انفراده، و عند تمام كل حول منهما يجب على المكلف دفع زكاته، فإذا تم حول النصاب الأول دفع أربع شياه في المثال الأول، و دفع شاة واحدة في المثال الثاني، و إذا تم حول النصاب الثاني دفع شاة واحدة في كل من المثالين.

المسألة 62:

(الصورة الخامسة): أن لا تبلغ الأنعام الجديدة التي يملكها الإنسان في ما بعد نصابا مستقلّا، و لا تكون مكملة للنصاب اللاحق، و مثال ذلك: أن يكون الرجل

كلمة التقوى، ج 2، ص: 170

مالكا لخمس من الإبل، فتلد له في أثناء حولها أربعا، أو يكون مالكا أربعين شاة، ثم يملك في أثناء حولها ثلاثين شاة أخرى، فالإبل الأربع الجديدة التي تجدد له ملكها في المثال الأول ليست نصابا مستقلّا بعد الخمس الأولى، و لا مكملة للنصاب اللاحق من الإبل، و كذلك الثلاثون من الغنم التي ملكها في المثال الثاني ليست نصابا مستقلّا بعد الأربعين الأولى و لا مكملة للنصاب اللاحق من الغنم، و لا حكم للأنعام الجديدة في هذه الصورة، فلا يستأنف لها حول، و لا تجب على المالك فيها زكاة سواء ملكها في أثناء الحول الأول أم بعده، و إنما يجب على المالك زكاة النصاب الأول بعد أن يتم حوله.

المسألة 63:

إذا ارتد الرجل المسلم عن دينه و كان ارتداده عن فطرة، فإن كان ارتداده عن الإسلام في أثناء الحول لماله الزكوي انقطع الحول بارتداده، و انتقل المال الى ورثته المسلمين، فإذا بلغت حصة الوارث منهم مقدار النصاب الشرعي استأنف الحول من حين انتقال المال إليه، فإذا تم الحول و هو في ملكه وجبت عليه زكاته، و إذا لم تبلغ حصته مقدار النصاب لم يجب عليه شي ء، و إن كان ارتداده بعد أن تم الحول لماله وجبت الزكاة في المال و وجب على الوارث إخراجها من جميع المال و إن لم تبلغ حصة الواحد منهم مقدار النصاب، و يجوز لهم إخراجها من أموالهم الأخرى فيخلص لهم النصاب.

المسألة 64:

إذا ارتد المسلم و كان ارتداده عن ملّة و كان ذلك بعد أن تم الحول لماله الزكوي، وجبت الزكاة في المال إذا كان بمقدار النصاب أو أكثر، و إذا ارتد في أثناء الحول لم ينقطع حوله بذلك، فيجب أداء الزكاة من المال بعد أن يتم الحول، و الأحوط أن يكون المتولّي لإخراج الزكاة من ماله هو الحاكم الشرعي، و إذا تاب هذا المرتد و رجع إلى الإسلام قبل أن يخرج الحاكم الزكاة من ماله تولى إخراج الزكاة بنفسه.

و إذا أخرج هذا المرتد الزكاة بنفسه قبل أن يتوب من ارتداده، ففي إجزائها عن الواجب إشكال، و لا يترك الاحتياط، فإذا تاب و العين المدفوعة في الزكاة لا تزال باقية في يد المستحق جدّد النية بعد توبتة و أجزأت عنه، و إذا كان الفقير المستحق عالما بأن الدافع مرتد، و قبض منه الزكاة و هو في حال ردته، ثم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 171

تلفت العين عند الفقير كان مشغول الذمة

بها، فإذا تاب المرتد بعد ذلك جاز له أن يحتسبها عليه، و إذا هو لم يتب جاز للحاكم الشرعي إن يحتسبها عليه.

المسألة 65:

إذا ارتدت المرأة عن الإسلام لم ينقطع حول النصاب الذي تملكه بردتها، سواء كان ارتدادها عن فطرة أم عن ملة، فإذا تم الحول عليه وجب أداء الزكاة منه، و الأحوط أن يتولى الحاكم الشرعي إخراجها.

المسألة 66:

إذا تزوج الرجل امرأة و جعل مهرها نصابا زكويا و جرى على ذلك الإيجاب و القبول ملكت المرأة النصاب بالعقد فإذا حال عليه الحول منذ ذلك الوقت و هو في تصرفها وجبت عليها زكاته.

و إذا طلقها الزوج بعد أن تم الحول على النصاب المذكور و قبل أن يدخل الزوج بالمرأة رجع نصف النصاب الى الزوج و وجب على المرأة أن تؤدي زكاة جميع النصاب من النصف الذي استقر لها، و لا يتعين عليها أن تدفع الزكاة منه فيجوز لها أن تدفع الزكاة عنه من مال آخر.

و إذا تلف نصفها قبل أن تدفع الزكاة و كان تلفه بتفريط منها وجب عليها إخراج الزكاة من مالها و لم يسقط من الزكاة شي ء بسبب التلف، و إذا لم تخرج الزكاة هي، تتبع الساعي عين النصاب فأخذ الزكاة منه- و الساعي هو العامل الذي يعيّنه الحاكم الشرعي لأخذ الزكاة من المكلفين بها- فإذا أخذ الزكاة من نصف الزوج، رجع الزوج على الزوجة المطلقة بما أخذه الساعي منه.

و إذا تلف نصف الزوجة المطلقة بغير تفريط منها سقط عنها نصف الزكاة و وجب عليها دفع النصف الثاني، فإذا لم تؤده أخذه الساعي من نصف الزوج و رجع الزوج عليها به.

المسألة 67:

يصدّق مالك المال الزكوي إذا ادّعى أن الحول لم يحل على ماله، أو ادّعى أن بعض ماله قد تلف في أثناء الحول فنقص ماله عن النصاب، أو ادّعى أنه قد أدّى زكاة ماله، أو أنه قد دفع قسما منها، و لا يفتقر في شي ء من ذلك إلى إقامة بيّنة شرعية تثبت صدق قوله في ما يدعيه، و لا إلى يمين، إلا أن يعلم كذبه في ما يقول.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 172

الفصل الثالث في زكاة النقدين
المسألة 68:

يشترط في وجوب الزكاة في الذّهب و الفضة المسكوكين، مضافا إلى ما ذكرناه في الفصل الأول من الشروط العامة لوجوب الزكاة في مطلق الأموال الزكوية: أن تتوفر فيهما ثلاثة أمور:

الأول: أن يبلغ النقد الموجود منهما عند المكلف مقدار النصاب الشرعي، و لكل واحد من الذهب و الفضة نصابان.

المسألة 69:

لا تجب الزكاة في النقد من الذهب حتى يبلغ المقدار الموجود منه عند المكلف عشرين دينارا (و هذا هو النصاب الأول في الذهب)، فإذا بلغ هذا المقدار و توفرت في النصاب بقية الشروط، وجب فيه نصف دينار.

و المراد بالدينار المثقال الشرعي، و وزن المثقال الشرعي يبلغ ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي المعروف و هو يساوي أربعة و عشرين حمصة، و على هذا فالدينار الواحد أو المثقال الشرعي يزن ثماني عشرة حمصة من الذهب، و النصاب الشرعي الأول منه،- و هو كما قلنا عشرون دينارا- يبلغ في وزنه خمسة عشر مثقالا صيرفيا، و نصف الدينار الذي يجب إخراجه في زكاة هذا النصاب إذا كملت شروطه يبلغ وزنه تسع حمصات من الذهب، أو ثلاثة أثمان المثقال الصيرفي.

ثم لا يجب في ما زاد على عشرين دينارا، غير نصف الدينار الذي ذكرناه فقط، حتى يبلغ الزائد أربعة دنانير، فإذا بلغ ذلك (و هذا هو النصاب الثاني من الذهب) فكان المجموع أربعة و عشرين دينارا وجب في زكاته نصف دينار و قيراطان.

و الأربعة دنانير تساوي في وزنها ثلاثة مثاقيل صيرفية، و القيراط هو جزء واحد من عشرين جزءا من الدينار، فالأربعة دنانير تساوي في وزنها ثمانين قيراطا، و القيراطان هما ربع عشرها، كما أن نصف الدينار هو ربع العشر من العشرين دينارا.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 173

و هكذا إذا زادت على ذلك أربعة

دنانير أخرى أخرج المكلف في زكاتها قيراطين آخرين، و لا شي ء في ما دونها، ثم في كل أربعة دنانير قيراطان.

و أيسر من ذلك في الحساب أن يدفع المكلف بعد النصاب الأول ربع العشر من النقد الموجود لديه، فإنه يؤدي بذلك ما وجب عليه من زكاة النقد، و قد يزيد قليلا على المقدار الواجب فيه.

المسألة 70:

لا تجب الزكاة في النقد من الفضة حتى يبلغ مقدار ما يملكه الإنسان منه مائتي درهم، فإذا بلغ هذا المقدار (و هو النصاب الأول من الفضة) وجب فيه إخراج خمسة دراهم، ثم لا يجب في ما زاد على المائتي درهم شي ء غير الخمسة المذكورة حتى يبلغ الزائد أربعين درهما، (و هذا هو النصاب الثاني في الفضة) فإذا بلغ ذلك وجب فيه إخراج درهم واحد.

و وزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية، و هي تساوي خمسة مثاقيل و ربعا من المثاقيل الصيرفية، و على هذا فالنصاب الأول من الفضة- و هو المائتا درهم- يبلغ وزنه مائة و أربعين مثقالا شرعيا، و هي تساوي مائة و خمسة مثاقيل صيرفية، و النّصاب الثاني من الفضة، و هو الأربعون درهما، يبلغ ثمانية و عشرين مثقالا شرعيا، و هي تساوي واحدا و عشرين مثقالا صيرفيا، و الدرهم الواحد الذي يجب في زكاة النصاب الثاني يساوي نصف مثقال صيرفي و ربع عشره، و الخمسة دراهم التي تجب في زكاة النصاب الأول تساوي خمسة أمثال ذلك.

و إذا راعى المكلف الضابط الذي سبق ذكره في المسألة المتقدمة فدفع ربع العشر من المبلغ الموجود لديه من نقد الفضة فقد أدّى ما وجب عليه في زكاته و قد يزيد عليه قليلا في بعض الفروض.

المسألة 71:

الثاني من شروط وجوب الزكاة في النقدين- الذهب و الفضة-: أن يكونا مسكوكين للمعاملة بهما من غير فرق بين سكة الدولة المسلمة و الكافرة، بل المدار على أن تجري المعاملة بهما بين الناس، و يتخذا ثمنا رائجا للمبيعات، فإذا جرت المعاملات بهما بين الناس شملهما الحكم و إن كانا ممسوحين من أثر السكة لكثرة التعامل بهما أو كانا ممسوحين بالأصالة أو

اتخذهما المكلف للزينة، فالمدار في جميع الفروض على ما ذكرناه، فإذا كانت المعاملة بهما جارية بين الناس وجبت

كلمة التقوى، ج 2، ص: 174

الزكاة فيهما و إن لم تجر المعاملة بهما لم تجب الزكاة.

المسألة 72:

الثالث من شروط وجوب الزكاة فيهما: أن يحول الحول على النقدين و هما جامعان للشرائط التي تقدم ذكرها هنا و في الفصل الأول على الوجه الذي فصلناه في حول الأنعام، فإذا نقص النقد عن مقدار النصاب في أثناء الحول، أو بدّل المكلف النصاب بغيره و إن كان العوض من جنسه، أو غيّر السبك، أو صاغ الذّهب و الفضة حليا و نحوه لم تجب الزكاة فيه، و إن فعل ذلك بقصد الفرار من الزكاة، و كذلك الحكم إذا طرأ في أثناء الحول ما يمنع المالك من التصرف في المال.

المسألة 73:

المراد من أن يحول الحول على النقد هو أن يدخل الشهر الثاني عشر كما بيّناه في زكاة الأنعام، فإذا دخل الشهر المذكور استقر وجوب زكاة المال على المكلف، و لا يضر بالوجوب أن يختل الشروط أو يختل بعضها في أثناء الشهر الثاني عشر، و لكن لا يبدأ الحول اللاحق للمال إلا بعد انتهاء ذلك الشهر كما تقدم.

و إذا سبك المكلف الدراهم أو الدنانير بعد أن حال عليهما الحول فنقصت قيمتهما بالسبك وجب عليه إخراج زكاتهما بملاحظتهما دراهم و دنانير.

المسألة 74:

لا تجب الزكاة في المصوغات حليا أو غيره من الذهب أو الفضة، و لا في الأواني المتخذة من أحدهما، سواء اتخذها للاقتناء أم للاستعمال.

المسألة 75:

تجب الزكاة في الذهب و الفضة إذا توفرت فيهما الشروط التي ذكرناها، سواء كان الذهب أو الفضة من الجنس الجيد أم الردي ء أم كان بعض النصاب جيدا و بعضه رديئا.

المسألة 76:

إذا كان نصاب النقد من الذهب أو الفضة كله رديئا، جاز للمكلف إخراج زكاته من الردي ء، و إذا كان جميع النصاب من الجيد، فلا يترك الاحتياط بأن يخرج الزكاة من الجيّد، و إذا كان بعض النصاب جيدا و بعضه رديئا، فالأحوط أن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 175

يبعّض في الزكاة بالنسبة، فإذا كان نصف النصاب من الجيّد، أخرج نصف الزكاة من الجيد، و جاز له أن يدفع النصف الآخر من الردي ء، و إن أخرج جميعها من الجيد فهو أحسن، و إذا كان ربع النصاب من الجيد أخرج ربع الزكاة من الجيد، و صح له أن يدفع الباقي من الردي ء، و هكذا.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 2، ص: 175

المسألة 77:

تتعلّق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة على الأحوط، إذا كان الغش الموجود فيها لا ينافي صدق اسم الذهب أو الفضة عليها في نظر أهل العرف، و إن لم يبلغ الخالص منها مقدار النصاب، و يؤدي زكاتها منها، و إذا كان الغش الموجود فيها بمقدار يضرّ في صدق اسم الذهب و الفضة عليها، فان علم بأن خالص الذهب و الفضة الموجود فيها يبلغ مقدار النصاب الشرعي تعلقت بها الزكاة.

و إن علم بأن خالصهما لا يبلغ النصاب لم يجب فيها شي ء، و إذا شك في أن خالص الذهب و الفضة الموجود فيها هل يبلغ النصاب أو لا، فلا يترك الاحتياط بالتصفية ليعلم حالها، أو دفع الزكاة بقصد الرّجاء.

المسألة 78:

إذا ملك المكلف نصابا من النقد الجيد لم يجز له أن يخرج زكاته من النقد المغشوش، إلا إذا علم بأن الخالص مما يدفعه يبلغ مقدار الزكاة الواجبة عليه، و يجوز له أن يدفع النقد المغشوش و يجعله قيمة للزكاة الواجبة عليه، إذا كانت له قيمة تساوي المقدار الواجب أو تزيد عليه، و كذلك الحكم إذا ملك نصابا من النقد المغشوش- كما ذكرنا في المسألة السابقة- و أراد إخراج زكاته من النقد المغشوش، فلا بد و أن يكون دفعه على الوجه المذكور.

المسألة 79:

إذا ملك الرجل نقدا بمقدار النصاب الشرعي ذهبا أو فضة و شك في أن ما يملكه من النقد الخالص أو من النقد المغشوش، فلا يترك الاحتياط إما بتصفية المال لمعرفة حاله أو بدفع زكاته من باب الرجاء.

المسألة 80:

إذا ملك الإنسان دنانير مغشوشة بالفضة، فإن علم المكلّف بأن ما في الدنانير من الذهب وحده لا يبلغ نصاب الذهب، و ما فيها من الفضة وحده لا يبلغ نصاب الفضة، لم تجب عليه الزكاة فيها، و إن كان المجموع منهما بمقدار قيمة النصاب،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 176

و كذلك الحكم إذا ملك دراهم مغشوشة بالذهب، فلا تجب الزكاة فيها إذا كانت فضتها وحدها لا تبلغ نصاب الفضة، و ذهبها وحده لا يبلغ نصاب الذهب.

و إذا علم بأن ما في الدنانير أو الدراهم المذكورة من الذهب وحده أو من الفضة وحدها أو من كلّ منهما على انفراده يبلغ مقدار نصابه، وجبت عليه الزكاة في ما يبلغ النصاب من أحدهما أو من كليهما، فان علم بالمقدار أدّى زكاته و إن لم يعلم بالمقدار وجبت عليه تصفية المال أو الاحتياط بدفع ما يتيقن معه ببراءة ذمته.

و إذا شك في ان ما في الدنانير و الدراهم من الذهب وحده أو الفضة وحدها أو كلّ من الجنسين على انفراده يبلغ مقدار النصاب أو لا، فلا يترك الاحتياط إما بتصفية المال ليعلم حاله أو دفع الزكاة بقصد الرجاء.

المسألة 81:

إذا ترك الرجل عند أهله مالا من الذهب أو الفضة لنفقتهم أو لغير ذلك و غاب عنهم حولا، ففضل من المال مقدار النصاب، فان كان مالك المال في مدة الحول متمكنا من التصرف في المال المذكور كيفما يريد بتوسط وكيله مثلا، أو باتصاله الدائم بالمكالمات الهاتفية و نحوها، وجبت عليه الزكاة في المال الباقي عند أهله، و إن لم يتمكن من التصرف في المال في حال غيبته لم تجب عليه زكاته.

المسألة 82:

إذا ملك الرجل أموالا زكوية مختلفة في جنسها، لم تجب الزكاة في أي جنس منها حتى يبلغ ما يملكه الرجل من ذلك الجنس بمفرده مقدار النصاب الشرعي المحدّد له، و لا يضم بعض الأجناس إلى بعض، فإذا كان يملك تسعة عشر دينارا من نقد الذهب، و يملك مائة و تسعين درهما من نقد الفضة، لم يضم أحد الجنسين الى الآخر، و لم تجب الزكاة فيهما، و كذلك في الأنعام و الغلات.

و إذا كانت الأموال الزكوية التي يملكها متحدة في الجنس و مختلفة في الصنف، ضم بعضها الى بعض، و مثال ذلك: أن يملك نقودا ذهبية من ضرب دول متعددة، أو يكون مالكا لنقود من الفضة مختلفة في السكة، فيضم بعض النقود الى جنسها، و لا يضر بوحدة النصاب منها أنها مختلفة في الضرب أو السكة، فإذا بلغ مجموعها مقدار النصاب و تمت الشروط المعتبرة فيها وجبت فيها الزكاة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 177

الفصل الرابع في زكاة الغلات الأربع
المسألة 83:

تجب الزكاة في كلّ واحدة من الغلات الأربع، و هي الحنطة و الشعير، و التمر و الزبيب، و لا يلحق السّلت بالحنطة و الشعير بالحكم، على الأقوى، و قد قال بعض علماء اللغة: السّلت بضم السين ضرب من الشعير أبيض لا قشر له، و قيل هو نوع من الحنطة، و المستفاد من النصوص الشرعية المعتبرة أنه غيرهما، فلا تجب الزكاة فيه على القول الأصح.

و في إلحاق العلس بالحنطة إشكال، فقد قيل بأنه نوع منها يكون بناحية اليمن، و تكون منه حبتان في قشر، و قيل هو طعام أهل صنعاء، و لذلك فلا يترك الاحتياط بإخراج زكاته إذا بلغ مقدار النصاب.

و لا تجب الزكاة في ما عدا الغلات الأربع من الحبوب و الثمار

التي تنبتها الأرض، و يستحب إخراج الزكاة من الحبوب مما يكال أو يوزن إذا بلغت مقدار النصاب، و قد أشرنا الى هذا في المسألة الثلاثين، و سيأتي بيانه- إن شاء الله تعالى- في الفصل الخامس.

المسألة 84:

يشترط في وجوب الزكاة في الغلات الأربع زائدا على ما سبق ذكره في الفصل الأول من الشروط العامة لوجوب الزكاة في الأموال الزكوية، أن تتوفر فيها عدة أمور.

(الأمر الأول من الشروط المعتبرة في وجوب الزكاة في الغلات): أن تبلغ الغلة مقدار النصاب.

و النصاب الشرعي في الغلة هو ان يبلغ المقدار الذي يملكه المكلف منها:

ثلاثمائة صاع، وزنة كل صاع تسعة أرطال بالرطل العراقي، و على هذا فالنصاب الشرعي من الغلة هو ما بلغ وزنه ألفين و سبعمائة رطل عراقي.

و وزن النصاب بحسب الدراهم الصيرفية المتعارفة: مائتا ألف و ستة و سبعون ألفا و أربعمائة و اثنا عشر درهما و نصفا، و وزنه بحسب المثاقيل الصيرفية المتعارفة: مائة ألف و أربعة و ثمانون ألفا و مائتان و خمسة و سبعون مثقالا صيرفيا،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 178

و على هذا التحديد فوزن النصاب بحسب الحقق الاسلامبولية الموجودة، يبلغ ستمائة و احدى و تسعين حقة و اثني عشر درهما و نصفا و هو ثمن ربع الحقة.

و هذا المقدار من الحقق الاسلامبولية يعني ثماني و عشرين وزنة اسلامبولية و ثلاثة أرباع الوزنة و يزيد على ذلك بحقة واحدة و اثني عشر درهما و نصفا، و يراد بالوزنة الاسلامبولية الواحدة ما يساوي أربعا و عشرين حقة اسلامبولية.

و إذا كان المن البصري يزن ستين حقة اسلامبولية- كما اشتهر في تلك البلاد في بعض الأوقات- كان النصاب فيه احد عشر منّا و نصفا، و زاد على ذلك بحقة

اسلامبولية واحدة و ثمن ربعها.

و النصاب بحسب الحقة الكبيرة المعروفة في مدينة النجف و ما قاربها من الضواحي،- و هذه الحقة تزن تسعمائة و ثلاثة و ثلاثين مثقالا صيرفيا و ثلث مثقال- يبلغ مائة و سبعة و تسعين حقة كبيرة و أربعمائة و ثمانية مثاقيل صيرفية و ثلث المثقال، و هذا المقدار عبارة ثانية عن ثماني وزنات و خمس حقق و نصف، ينقص منها ثمانية و خمسون مثقالا صيرفيا و ثلث المثقال.

و الوزنة الواحدة من هذه الوزنات أربع و عشرون حقة كبيرة، و تسمى (وزنة كبيرة) للتفرقة بينها و بين الوزنة الاسلامبولية التي تقدم ذكرها، و تسمى أيضا هذه الحقة (كبيرة) للتفرقة بينها و بين الحقة الاسلامبولية و جميعها معروفة في تلك البلاد.

و النصاب بالمن الشاهي المعروف في بلاد إيران، يبلغ مائة و أربعة و أربعين منّا، ينقص منها خمسة و أربعون مثقالا صيرفيا، و وزن المن الشاهي ألف و مائتان و ثمانون مثقالا صيرفيا.

و النصاب بالمن التبريزي- و هو نصف المن الشاهي الذي ذكرناه- يبلغ ضعف المقدار المذكور فهو مائتان و ثمانية و ثمانون منّا تبريزيا ينقص منها خمسة و أربعون مثقالا صيرفيا.

و النصاب بوزن الربعة المعروفة في البحرين و ما والاها من القرى، يبلغ أربعمائة و ستين ربعة و نصفا و يزيد على ذلك بخمسة و سبعين مثقالا صيرفيا، و وزن الربعة المذكورة أربعمائة مثقال صيرفي.

و النصاب بوزن الكيلو غرام (و هو الوحدة الغربية التي اشتهرت في أكثر البلاد في الأزمنة الأخيرة) يبلغ ثمانمائة و أربعة و ثمانين كيلو غراما و نصفا،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 179

و عشرين غراما على وجه التقريب.

المسألة 85:

قد سبق في المسألة الرابعة أنه يشترط في وجوب الزكاة على

المكلف أن يكون مالكا للمال في وقت تعلق الزكاة به، فيعتبر أن يكون مالكا للغلة في ذلك الحين، سواء كان مالكا للشجرة نفسها ببيع أو إرث أو غيرهما من موجبات التملك فيكون مالكا للثمرة بتبعها إلى حين تعلق الزكاة بها، أم ملك الشجرة و الثمرة معا قبل ذلك الوقت إلى أن حضر، أم ملك الثمرة منفردة قبل الوقت فحضر و هي مملوكة له.

و كذلك ما يزرع من الغلات، سواء ملكه بالزراعة أم بانتقال الزرع إليه قبل الوقت حتى حلّ و تعلقت الزكاة بالمال.

المسألة 86:

الأقوى أن الزكاة تتعلق بالغلة في الوقت الذي يصدق عليها اسم الحنطة أو الشعير، أو التمر عند أهل العرف، و في الوقت الذي يصدق اسم العنب في الزبيب، و إن كان الأحوط استحبابا أن تتعلق بها عند انعقاد الحبّ في الحنطة و الشعير، و عند اصفرار التمر أو احمراره في ثمر النخيل و عند صيرورته حصرما في ثمرة الكرم كما هو القول المشهور، و أحوط من ذلك أن يؤخذ بأحوط القولين في كل مورد بخصوصه، و ستأتي في المسائل الآتية أمثلة لذلك.

المسألة 87:

المدار في بلوغ الغلة مقدار النصاب على أن تبلغه عند جفاف الثمرة و يبسها و إن كان وقت تعلق الزكاة بها قبل ذلك، فإذا كان الرطب أو العنب يبلغ مقدار النصاب في حال كونه رطبا أو عنبا، و لكنه يقل عن النصاب إذا جفّ و صار تمرا و زبيبا، لم تجب فيه الزكاة.

المسألة 88:

أصناف التمر التي تؤكل بحسب العادة الجارية بين الناس في حال كونها رطبا، و إذا لم تؤكل حتى تجفّ يقلّ ثمرها، يقدر النصاب في هذه الأصناف مع فرضها جافة يابسة، فإذا كان الرطب منها على تقدير بقائه إلى أن يجف و ييبس يبلغ مقدار النصاب وجب إخراج زكاته على الأحوط، و إلا لم يجب. و إذا كان بعد يبسه مما لا يصدق عليه اسم التمر، ففي وجوب الزكاة فيه إشكال، و لا يترك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 180

الاحتياط فيه، و كذلك الحكم في أصناف الزبيب التي تؤكل عنبا بحسب العادة، و إذا لم تؤكل حتى تجف قلّ زبيبها أو لم يصدق اسم الزبيب عليها.

المسألة 89:

إذا أراد مالك الغلة إن يقتطف ثمرته كلها في حال كونها رطبا أو عنبا، و قبل أن تجف فتكون تمرا أو زبيبا، فالأحوط له أن يؤدي الزكاة حين ذلك، إذا كانت الغلة تبلغ مقدار النصاب لو أنها بقيت حتى تجف، و إذا بذل المالك الزكاة حين ذلك وجب على الساعي قبولها منه. و إذا أراد المالك أن يتصرف في الثمرة و هي بسر أو حصرم، و كان تصرّفه فيها أكثر مما يتعارف فالأحوط له أن يضمن حصة المستحق بمراجعة الحاكم الشرعي.

المسألة 90:

وقت إخراج الزكاة هو حين جذاذ التمر، و اقتطاف الزبيب، و تصفية الحنطة و الشعير، فإذا أخر المالك إخراجها عن هذا الوقت مع وجود من يستحق الزكاة من غير عذر يمنعه من الإخراج كان ضامنا، و جاز للساعي أن يطالبه بها، و لا تجوز مطالبته بها قبل ذلك.

و إذا دفع المالك الزكاة قبل وقت إخراجها و بعد تعلق الوجوب بها وجب على الساعي قبولها منه.

المسألة 91:

يجوز لمالك المال أن يدفع الزكاة و الثمر لا يزال على الشجر إذا كان الدفع بعد تعلق الزكاة بالمال، سواء دفع الزكاة من العين، أم دفع قيمته تمرا أو زبيبا، و يشكل الحكم بجواز الدفع إذا بذل الزكاة بسرا أو حصرما إلا إذا أراد اقتطاف الثمرة كلها بسرا أو حصرما، و تلاحظ المسألة التاسعة و الثمانون.

المسألة 92:

يجوز للمالك أن يدفع القيمة بدلا عن العين، سواء كانت القيمة التي يدفعها عنها من الذهب أو الفضة و ما هو بحكمهما، أم كانت من غير ذلك إذا كانت من غير جنس الفريضة، و قد تقدم ذكر هذا في المسألة الثالثة و الأربعين، فلتراجع هي و ما بعدها فان لهما صلة بالمقام.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 181

المسألة 93:

إذا أدى المكلف زكاة الغلة ثم حال على الغلة حول أو أكثر و هي لا تزال في ملكه لم تجب فيها الزكاة مرة أخرى، نعم إذا باع الغلة بأحد النقدين و كان الثمن بمقدار نصاب ذلك النقد وجبت فيه الزكاة كلما حال عليه حول و هو لا يزال بمقدار النصاب، و قد سبق ذكر هذا.

المسألة 94:

إذا بلغت الغلة مقدار النصاب الشرعي أو زادت عليه بالغة ما بلغت، و اجتمعت فيها بقية الشروط، وجبت فيها الزكاة، و مقدار الزكاة التي يجب إخراجها من المال هو العشر إذا كانت الغلة تسقى سيحا بالمياه الجارية على الأرض، سواء كانت تنبع من الأرض أم تنحدر عليها من أعالي الجبال، أم تتجمع فيها من مياه الأمطار و السيول و نحوها، أو تسقى بماء السماء أو بما تمتصّه جذور الشجر و الزرع من مياه الأرض، و لا ينافي ذلك أن يحتاج الري إلى شق جداول و مجاري، ليعم الماء على أنحاء الأرض المغروسة أو المزروعة.

و إذا كانت الغلة تسقى بالدّوالي و النواضح و شبهها أو بالوسائل الحديثة للري، فمقدار الزكاة فيها هو نصف الشعر، و إذا كانت الغلة تسقى بالأمرين معا، بحيث يصدق عند أهل العرف أن سقي الغلة بهما معا على التساوي، وجب في نصف الغلة إخراج العشر منه و في النصف الآخر منها إخراج نصف العشر، و إذا غلب أحدهما بحيث ينسب السقي إليه و لا يعتد بالآخر لقلّته فمقدار الزكاة يتبع ما غلب منهما.

و إذا شك المكلف في أن الأمرين متساويان في سقاية الغلة بهما معا أو أن أحدهما أغلب، كفاه أن يدفع في الزكاة نصف العشر، و إن كان دفع العشر أحوط له استحبابا.

المسألة 95:

إذا كان النخيل أو الكرم أو الزرع يسقى بالسيح أو بماء المطر و كان ذلك كافيا في إنمائه و إرواء غلته و سقاه مالكه مع ذلك بالمكائن و نحوها، و لم يؤثر ذلك في كثرة الغلة، وجب على المالك في زكاة غلته دفع العشر، و إن كان يسقى بالأدوات و الوسائل الحديثة و نحوها و كان ذلك مستمرا،

و كافيا، و سقاه المالك مع ذلك بالسيح من غير أن يؤثر فيه وجب في زكاته نصف العشر.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 182

المسألة 96:

إذا سقي المالك نخيله أو كرمه أو زرعه بالدوالي و الأدوات، و أصابته الأمطار، فإن استغنى بها لكثرتها و غزارتها عن السقي بالدوالي وجب في غلته إخراج العشر، و إن أوجب ذلك اشتراك الأمرين في السقاية في نظر أهل العرف، وجب في نصف الغلة إخراج العشر و في نصفها الآخر نصف العشر، و إن لم توجب الأمطار شيئا من ذلك ففي الغلة نصف العشر.

المسألة 97:

إذا أخرج أحد الناس الماء من الآبار أو العيون بالدوالي أو المكائن فأجراه في أرض مباحة عبثا أو لبعض أغراض خاصة، ثم بدا له بعد ذلك فزرع الأرض أو زرعها شخص غيره، بحيث اكتفى الزرع بذلك الماء الموجود في الأرض، ففي وجوب العشر في زكاة غلته إشكال، و لكنه أحوط.

و كذلك إذا صرف ذلك الماء بعد أن استخرجه أو صرفه غيره فسقي به زرعه في غير تلك الأرض فيجري فيه الإشكال و الاحتياط المتقدم.

و إذا أخرج الماء لسقاية زرع معيّن ثم بدا له بعد ذلك و سقى به زرعا آخر، أو زاد الماء عن كفايته فسقي بالزائد منه زرعا آخر فالظاهر وجوب نصف العشر في زكاته.

المسألة 98:

ما ذكرناه من التفصيل في الحكم بين ما يسقى بالأدوات و غيرها إنما هو في سقي الغلة نفسها، لا سقي أصول النخيل و الشجر، فالنخيل و الشجر الذي يسقى بالدوالي و الأدوات، إذا اكتفى في وقت إثماره و تنمية غلته و إنضاجها بمص جذوره من الماء الموجود في الأرض لكثرته، يجب في زكاة غلته إخراج العشر تامّا، و النخيل و الشجر الذي يكتفي بالسيح و الماء المخزون في الأرض، إذا احتاج في إثماره و نضوج غلته إلى السقي بالأدوات و الآلات، يجب في زكاة غلته إخراج نصف العشر.

المسألة 99:

لا تجب الزكاة على المالك في حصة السلطان، و المراد بها ما يأخذه السلطان من الثمر و الزرع نفسه باسم المقاسمة، فلا يعدّ ذلك على المالك في النصاب الشرعي و لا يجب عليه دفع زكاته، و كذلك ما يأخذه عمال السلطان و ولاته من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 183

العين الزكوية زائدا على حصة السلطان نفسه إذا لم يكن للمالك بدّ من الدفع إليهم، سواء كان الظلم عامّا له و لغيره أم خاصّا به.

و كذلك ما يأخذه السلطان باسم الخراج إذا كان مرتبطا بالغلة و منسوبا بالمقدار إليها، فلا تجب على المالك زكاة ذلك، بل يخرج الخراج من وسط المال ثم يؤدي الزكاة مما بقي، و الأحوط اعتبار النصاب قبله، بخلاف المقاسمة.

المسألة 100:

الأحوط لزوما عدم استثناء المؤن مطلقا من وجوب الزكاة، فيعتبر النصاب في أصل المال فإذا بلغ مقدار النصاب أخرجت الزكاة منه ثم أخرجت المؤن بعد ذلك.

و المؤن هي ما يحتاج الشجر أو الزرع إليه من أجرة فلّاح أو عامل أو ساق أو حارس، أو أجرة حيوانات للحراثة و الدياسة، أو إصلاح موضع لتشميس الغلة و تصفيتها و ما يشبه ذلك، و منها أجرة الأرض إذا كانت مستأجرة، و أجرة مثلها إذا كانت مغصوبة، و منها خراج السلطان إذا لم يكن مرتبطا بالغلة أو لم يكن منسوبا بالمقدار إليها، و ما يأخذه عمّال السلطان إذا كان من غير العين الزكوية و لم يمكن الامتناع عليهم، فلا يستثنى جميع ذلك من وجوب الزكاة على الأحوط كما تقدم، سواء كانت المؤمن سابقه على وقت تعلق الزكاة بالغلة أم كانت متأخرة عنه.

المسألة 101:

تضم غلة النخيل بعضها إلى بعض و إن كانت متفرقة في المكان أو كانت متباعدة في البلاد إذا كان مالك المال واحدا، فإذا بلغ المجموع حدّ النصاب أو زاد عليه وجبت فيه الزكاة، و إن كانت ثمرة كل قطعة على انفرادها دون النصاب، و كذا إذا اختلفت في زمان الإثمار أو زمان الإدراك، فأثمر بعضها أو أدركت غلته قبل الآخر بشهر أو أكثر فيضم اللاحق إلى السابق إذا كان الجميع ثمرة عام واحد و يزكى الجميع إذا بلغ النصاب.

و كذلك الحكم في غلة الكرم إذا كانت مملوكة لمالك واحد فيجري فيها البيان المتقدم، و مثلهما الحكم في غلة الزروع المتعددة في المكان و البلاد و الوقت إذا كانت مملوكة لشخص واحد.

و إذا أثمرت النخيل المملوكة لمالك واحد مرتين في عام واحد، ضمت

كلمة التقوى، ج 2، ص: 184

الثمرة الثانية إلى الثمرة الأولى، فإذا بلغ مجموعهما مقدار النصاب زكّاه على الأحوط احتياطا لا يترك، و إذا بلغت إحدى الثمرتين مقدار النصاب و نقصت الأخرى عنه زكاهما جميعا على الأحوط كذلك.

المسألة 102:

لا يجوز للمالك أن يدفع الرطب زكاة عن التمر فريضة، و يجوز له أن يدفعه عنه على أن يكون قيمة له، و أحوط من ذلك أن يبيع الرطب بأحد النقدين أو ما هو بحكمهما ثم يدفع ذلك قيمة للتمر، و الأحوط في العنب ذلك فلا يدفعه زكاة عن الزبيب إلا أن يجعله قيمة له و يجري فيه القول المتقدم.

و إذا وجبت عليه الزكاة في نصاب التمر أو الزبيب، فأراد أن يدفع زكاته من تمر آخر أو من زبيب آخر، فالأحوط له أن يدفعه بقصد الواقع فريضة أو قيمة، و كذلك إذا أراد أن يدفع زكاة الحنطة من حنطة أخرى و زكاة الشعير من شعير آخر فيقصد ما وجب عليه في الواقع من الفريضة أو القيمة.

المسألة 103:

إذا وجبت على الإنسان زكاة التمر مثلا، فأراد أن يدفع زكاته من تمر آخر على أن يكون قيمة له، و أراد أن يزيد فيها على المقدار الواجب، لأن التمر المدفوع أدنى منه، أو أراد أن ينقص عن المقدار الواجب لأن التمر المدفوع أجود من تمر النصاب- لم يكن ذلك من الربا المحرم، و لكن قد سبق منّا الإشكال في القيمة إذا كانت من جنس الفريضة، و لذلك فالأحوط الترك و كذلك الأمر في الغلات الأخرى.

المسألة 104:

إذا كان المكلف مدينا لأحد من الناس، و حلّ عليه وقت إخراج الزكاة الواجبة، فالزكاة مقدمة على الدين إذا كانت العين التي تعلقت بها الزكاة موجودة، فيجب عليه دفع الزكاة، و إن كان الدين مطالبا به من صاحبه، و لا يصح له وفاء الدين بالنصاب ما لم يؤدّ الزّكاة منه أو من مال آخر.

و إذا اتفق أن العين الزكوية تلفت مع التفريط كان المكلف ضامنا للزكاة و استقرت دينا في ذمته و كان حكمها كبقية الدين فلا تقدم عليه.

المسألة 105:

إذا مات مالك المال بعد أن تعلق وجوب الزكاة بماله، وجبت الزكاة و لم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 185

تسقط بموته، فيجب على ورثته إخراجها، و إذا مات قبل تعلق الوجوب انتقل المال بموته الى ورثته، فتجب الزكاة على من بلغت حصته منه مقدار النصاب و اجتمعت فيه بقية شروط وجوب الزكاة، و لا زكاة على من لم يملك النصاب منهم، أو لم تجتمع فيه شروط الوجوب، كالطفل الصغير و المجنون، و المحجور عن التصرف.

المسألة 106:

إذا انتقل المال الزكوي إلى ورثة المالك بعد موته- كما فرضنا في المسألة المتقدمة- و كانت حصة بعض الورثة من المال الموروث لا تبلغ مقدار النصاب، و كان لذلك الوارث مال زكوي غيره قد ملكه بسبب غير الميراث المذكور، ضم بعض ماله الى بعض، فإذا بلغ الجميع النصاب الشرعي وجبت عليه فيه الزكاة، و لا تسقط الزكاة عنه لنقصان حصته من الميراث عن النصاب.

المسألة 107:

إذا مات مالك المال بعد أن تعلق وجوب الزكاة بماله و كانت عين المال موجودة حين موته، وجب إخراج الزكاة و ان كان الميت مدينا لغير أرباب الزكاة، و كان الدين الذي عليه يستوعب جميع تركته أو يزيد عليها، و لا نصيب لأصحاب الدين الآخرين في مقدار الزكاة من ماله الزكوي.

و إذا كانت الزكاة قد استقرت في ذمة الميت لا في عين المال، و مثال ذلك: ما إذا تعلقت الزكاة بالمال و مالك المال حي، ثم أتلف المالك المال في حياته، أو تلف المال بنفسه و كان التلف بتفريط المالك فتكون الزكاة في ذمته قبل موته في كلتا الصورتين، فإذا مات بعد ذلك و عليه ديون تستوعب التركة أو تزيد عليها كانت الزكاة دينا كسائر الديون التي في ذمته و لم تتقدم عليها، فيجمع جميع ما على الميت من الديون و منها الزكاة المستقرة في ذمته، ثم ينسب كل واحد من هذه الديون الى مجموعها، فيأخذ صاحب ذلك الدين من تركة الميت بمقدار تلك النسبة، فإذا كان لأحد أصحاب الدين نصف مجموع الديون أخذ نصف التركة، و إذا كان للثاني ربع مجموع الديون أو خمسة أخذ من التركة بتلك النسبة، و هكذا حتى توزع التركة على أصحاب الديون بنسبة ديونهم، و

منهم أرباب الزكاة، فيأخذون من التركة بنسبة مقدار الزكاة إلى مجموع الدين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 186

المسألة 108:

إذا مات مالك المال الزكوي قبل أن تظهر الغلة فيه، أو بعد أن ظهرت في المال و قبل أن يتعلق وجوب الزكاة بها، و كان على المالك الميت دين يستوعب التركة أو يزيد عليها، فإن أدّى ورثة الميت دين مورثهم من مال آخر قبل أن يتعلق وجوب الزكاة بالمال كانت تركة الميت لهم، و ملكوا المال الزكوي بالميراث، فإذا حضر وقت تعلق الزكاة بالغلة وجبت الزكاة على كل وارث منهم بلغت حصته حدّ النصاب أو زادت عليه.

و كذلك الحكم إذا ضمن الورثة دين مورثهم قبل تعلق وجوب الزكاة بالمال و رضي أصحاب الدين بضمانهم فتبرأ ذمة الميت من الدين، و تنتقل التركة إلى ملك الورثة، و تجب الزكاة على من بلغت حصته مقدار النصاب.

و إذا لم يؤدّ الدّين الذي في ذمة المالك و لم يضمنه ضامن، فالأقوى عدم وجوب الزكاة في المال سواء كان موت مالك المال قبل ظهور الثمرة فيه أم كان بعده و قبل تعلق الوجوب بها.

و إذا كان الدين الذي في ذمة المالك لا يستوعب المال وجبت الزكاة في ما زاد على الدين من المال الزكوي على من بلغت حصته حد النصاب من الورثة.

المسألة 109:

إذا ملك الإنسان النخيل أو الكرم أو الزرع قبل أن تظهر ثمرته، أو بعد أن ظهرت الثمرة فيه و قبل تعلّق وجوب الزكاة بها، و بقيت في ملكه حتى حل وقت تعلق الزكاة بالغلة، كانت عليه زكاتها مع اجتماع شروط الوجوب، و إذا ملكها بعد زمان تعلق الوجوب بالغلة، فالزكاة على مالكها الأول الذي تعلق الوجوب بها و هي في ملكه، فإذا علم المالك الأخير أن الأول المكلف قد أدّى الزكاة فلا شي ء عليه، و كذلك إذا أداها

بعد ذلك، فلا شي ء على المالك الأخير.

و إذا لم يؤدها المالك الأول، أخذ الساعي زكاة الغلة من العين، و رجع المالك الثاني بها على المالك الأول، و إذا شك في أن المالك الأول أدى زكاة الغلة أم لم يؤدها، ففي الحكم إشكال.

المسألة 110:

إذا اختلفت أنواع الغلة الواحدة التي يملكها الإنسان، فبعضها من النوع الجيد، و بعضها من الأجود و بعضها من الردي ء، ضم بعض الأنواع الموجودة الى

كلمة التقوى، ج 2، ص: 187

بعض في عدّ النصاب، و جاز للمالك أن يدفع الجيد زكاة عن الجيّد و عن الأجود، و جاز له أن يدفع الردي ء زكاة عن الردي ء، و لم يجز له أن يدفع الردي ء زكاة عن الجيد- على الأحوط- فضلا عن الأجود.

المسألة 111:

الزكاة حق يتعلق بالعين الزكوية إذا اجتمعت فيها الشروط المتقدمة، و هذا الحق يختلف في أحكامه عن سائر الحقوق المعروفة، و من أحكامه أنه لا يجوز لمالك العين الزكوية أن يتصرف فيها تصرفا ينافي الحق المذكور قبل أن يؤدي الزكاة من المال أو من غيره، فليس له- مثلا- أن يتلف جميع النصاب أو يبيعه، بحيث لا يبقى منه مقدار الزكاة.

و إذا باع جميع النصاب كذلك لم يصح بيعه حتى يدفع الزكاة أو يدفعها المشتري بعد ذلك، فإذا دفعها أحدهما صح البيع، و لم يحتج إلى إجازة منه أو من الحاكم الشرعي، و إذا دفعها المشتري رجع بها على البائع، و كذلك غير البيع من التصرفات و أسباب النقل كالهبة و الصلح و غيرهما.

المسألة 112:

يجوز للمكلف أن يعزل زكاة ماله، من عين النصاب أو من مال آخر، حتى مع وجود المستحق على الأقوى، فيتعين ما عزله زكاة، فإذا تجدّد له نماء بعد عزله فهو بحكم الزكاة، سواء كان النماء متصلا كالسمن و الصوف و الوبر، أم منفصلا كاللبن و الدهن و الولد.

و إذا عزل المالك الزكاة أصبحت أمانة في يده، فلا يكون ضامنا لها إذا تلفت عنده إلا إذا فرّط فيها أو أخر دفعها مع وجود من يستحقها، و إذا عزل الزكاة فليس له أن يبدل عينها بعد العزل بعين أخرى.

المسألة 113:

يجوز للحاكم الشرعي أو وكيله أن يخرص ثمرة النخيل أو الكرم أو الزرع على مالكها، فإذا عين الخارص مقدار الغلة و مقدار الزكاة منها، و قبل المالك بذلك على الوجه الذي يأتي بيانه، جاز للمالك أن يتصرف في المال كيف يشاء، و فائدة الخرص الأخرى هي أنه يجوز للمالك و للسّاعي الاعتماد على ذلك التقدير في الأداء من غير حاجة إلى كيل أو وزن لجميع الغلة، فيؤدي مقدار ما عيّنه الخارص للزكاة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 188

و انما تترتب هذه الآثار على الخرص إذا انضمت إليه المعاملة من الحاكم الشرعي أو وكيله التي تشغل ذمة المالك بحصة الفقراء أو تثبتها في العين بنحو الكلي في المعين، و الأحوط أن تكون المعاملة المذكورة بصيغة الصلح، و ان كان الأقوى الصحة إذا وقع الخرص بقصد إنشاء المعاملة المذكورة، و لا بدّ فيها من قبول المالك، و سيأتي بيان هذه المعاملة و تفصيل بعض أحكامها و آثارها في كتاب المزارعة و المساقاة من هذه الرسالة إن شاء الله تعالى.

و وقت الخرص هو وقت تسمية الغلة تمرا و عنبا و حنطة و

شعيرا، و لا يتولى المالك الخرص بنفسه أو بالاستنابة أو التوكيل لغيره إلا إذا اعتمد الحاكم الشرعي على عمله فأنشأ المعاملة معه اعتمادا على خرصه.

و إذا انكشف الخلاف و تبين خطأ الخارص في التقدير وجبت مراعاة الواقع، كما في سائر الموارد التي يتبين فيها خطأ الطريق و مخالفته للواقع.

المسألة 114:

إذا باع المالك الثمر أو الزرع، ثم شك في أن بيعه كان بعد تعلق وجوب الزكاة بالغلة فتكون الزكاة عليه لأنه المالك الأول لها كما ذكرنا في المسألة المائة و التاسعة، أو كان بيعه قبل تعلق الوجوب بها، فتكون الزكاة على المشتري، لم يجب عليه شي ء.

نعم، إذا علم بوقت تعلق الوجوب بالغلة على التعيين، و شك في أن البيع وقع قبل ذلك الوقت المعين أم بعده، لزمه إخراج الزكاة على الأحوط، بل هو الأقوى.

و إذا كان الشاك في ذلك هو المشتري، فالأقوى عدم وجوب الزكاة عليه، نعم إذا علم بأن البائع لم يؤد زكاة المال، فليس له أن يتصرف فيه حتى يؤدي زكاته، و إذا هو أدى الزكاة لم يرجع بها على البائع، و للحاكم الشرعي أو وكيله أن يتبع المال الموجود فيأخذ منه زكاته، و إذا أخذها منه لم يرجع المشتري بها على البائع كذلك.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 189

الفصل الخامس في ما تستحب فيه الزكاة
اشارة

و قد تقدم في المسألة الثلاثين أن الزكاة تستحب في عدة أمور:

(الأول منها): مال التجارة.
المسألة 115:

مال التجارة هو المال الذي يتملكه الإنسان بعقد معاوضة، و كان تملّكه لذلك بقصد الاكتساب به، فلا يشمل الحكم باستحباب الزكاة ما يملكه الإنسان بهبة أو صلح بغير عوض، أو إرث، و لا يكفي مجرد إعداد المال للتجارة و التكسب به، و لا يشمل ما يتملكه بقصد الاقتناء لا بقصد التكسب، و ان كان قد تملكه بعقد معاوضة.

و لا فرق في مال التجارة بين ما تتعلق بمثله الزكاة وجوبا أو استحبابا عند وجود الشرائط كالغلات الأربع، و كالحبوب الأخرى على ما سيأتي من استحباب الزكاة فيها، و ما لا تتعلق الزكاة به كالخضروات و الفاكهة، و لا بين الأعيان و المنافع، فإذا ابتاع الرجل الخضروات أو استأجر الدار أو العقار بقصد الاكتساب بها شملها عنوان مال التجارة و استحبت الزكاة فيها، و كذلك إذا اشترى العقارات من بساتين و مساكن و محلات، و دكاكين و خانات و عمارات و حمامات و غيرها للاكتساب بما تدرّه عليه من منافع و حاصل و نتاج، أو استأجرها لهذه الغاية.

المسألة 116:

يشترط في استحباب الزكاة في مال التجارة أن تتحقق فيه أمور:

(الأول): أن يبلغ ذلك المال مقدار النصاب في أحد النقدين: الذهب أو الفضة. قالوا و لا تستحب الزكاة في مال التجارة إذا كان دون النصاب، و قد استفاض بين العلماء نقل الإجماع على هذا الشرط و لا دليل لهذا الشرط سوى هذا الإجماع المستفيض نقله.

(الشرط الثاني): أن يتم لمال التجارة حول من حين تملك المالك له بقصد الاسترباح به.

(الشرط الثالث): أن يستمر مالك المال على قصد الاكتساب به طول

كلمة التقوى، ج 2، ص: 190

الحول، فإذا عدل عن هذا القصد في بعض الحول، سقط استحباب الزكاة عنه، و إذا

رجع فقصد الاكتساب بالمال مرة ثانية بعد عدوله عنه، استأنف الحول من حين قصده الثاني.

(الشرط الرابع): أن يبقى مال التجارة طول الحول في ملك المالك و لو بملك أعواضه و أبداله و لا يشترط بقاء المتاع بعينه.

(الشرط الخامس): أن يطلب المالك بعوض المتاع رأس ماله أو الزيادة عليه في طول الحول، و رأس المال هو العوض الذي ملك به المتاع، فإذا اتفق للمالك- و لو في بعض الحول- أنه طلب بيع المتاع بنقيصة عن رأس المال لبعض الطواري التي تحوجه الى ذلك سقط استحباب الزكاة.

المسألة 117:

إذا اجتمعت الشروط التي مرّ ذكرها في المسألة المتقدمة في مال التجارة، استحب للمالك أن يخرج زكاة المال، و مقدار الزكاة فيه هو ربع العشر كما في زكاة النقدين.

و الزكاة المستحبة في مال التجارة أيضا حق يتعلق بالعين يختلف في أحكامه عن سائر الحقوق المعروفة كما في الزكاة المالية الواجبة، و يكفي في تعلق الاستحباب بمال التجارة إذا كان من العروض و الأمتعة أن تبلغ قيمته النصاب في أحد النقدين، و إن لم تبلغ النصاب في النقد الآخر، بل و ان لم يستبدل المتاع بالنقد فعلا، و كذلك إذا كان مال التجارة نقدا غير الذهب و الفضة، كالأوراق النقدية الدارجة بين الناس و شبهها.

المسألة 118:

إذا اشترى الإنسان أحد النصب التي تجب فيها الزكاة بعد الحول و قصد بشرائه الاتجار به و التكسب، فإذا حال عليه الحول و اجتمعت فيه شرائط الزكاة الواجبة وحدها، وجب عليه إخراجها دون زكاة التجارة، و إذا اجتمعت فيه شروط زكاة التجارة وحدها استحب له إخراجها دون الزكاة الواجبة، و إذا اجتمعت في المال شروط كل من الزكاة الواجبة و الزكاة المستحبة وجب على المالك إخراج الزكاة الواجبة على الأحوط و سقطت المستحبة.

المسألة 119:

إذا اتجر الإنسان بأحد النصب الزكوية- كما فرضنا في المسألة المتقدمة-،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 191

و تم حول الزكاة المالية قبل أن يتم حول التجارة، وجب عليه إخراج الزكاة المالية و سقطت زكاة التجارة، و إن سبق حول التجارة، فإن أدّى المالك زكاة التجارة قبل أن يتم حول الزكاة الواجبة، سقطت الزكاة المالية عنه، و ان أخّر الزكاة المستحبة و لم يؤدّها حتى تم حول زكاة المال الواجبة، وجب عليه إخراج الزكاة الواجبة، على الأحوط و سقطت زكاة التجارة، و كذلك الحكم إذا حال الحولان معا في وقت واحد.

المسألة 120:

إذا اشترى الرجل أربعين شاة سائمة مثلا و قصد بشرائها أن يتجر بها، ثم استبدلها قبل أن يتم الحول عليها من وقت شرائها بأربعين شاة سائمة غيرها، سقط حول الزكاة المالية الواجبة بتبديل النصاب، و بقي حول زكاة التجارة، فان زكاة التجارة لا يشترط فيها بقاء العين، و يكفي بقاء عوضها كما تقدم في الشرط الرابع، فإذا تم الحول مع اجتماع الشرائط استحب له إخراج زكاة التجارة.

المسألة 121:

إذا كان رأس المال في المضاربة بين الشخصين يبلغ حد النصاب أو يزيد عليه، و اجتمعت شروط زكاة التجارة فيه، فزكاته على ربّ المال خاصة، و إذا ربحت المضاربة و بلغت حصة رب المال من الربح مقدار النصاب كانت زكاتها عليه أيضا، إذا حال حولها و تمت الشرائط فيها، و كذلك حكم العامل إذا بلغت حصته من الربح مقدار النصاب و اجتمعت الشرائط فيها استحب له إخراج زكاتها.

المسألة 122:

إذا كان الشخص مدينا و حلّ عليه وقت إخراج زكاة التجارة، فإن كان الدين الذي اشتغلت به ذمته مطالبا به من أصحابه فهو مقدّم على هذه الزكاة عند المزاحمة و عدم إمكان الوفاء بهما معا، لأن الزكاة مستحبة فلا تزاحم الواجب، و إذا أخّر الدين و أدّى الزكاة صحت منه و ان أثم بترك الواجب و هو وفاء الدين، و إذا كان الدين غير مطالب به جاز للمكلف تقديم الزكاة المستحبة عليه.

المسألة 123:

إذا اتجر الإنسان برأس مال لا يبلغ مقدار النصاب لم تستحب الزكاة فيه كما تقدم، فإذا ظهر الربح في التجارة و بلغ المجموع من رأس المال و من الربح

كلمة التقوى، ج 2، ص: 192

الحاصل له مقدار النصاب ابتدأ الحول منذ ذلك الوقت، فإذا تم الحول و الشرائط استحبت الزكاة فيه.

المسألة 124:

إذا كانت للشخص تجارات متعددة، فكان لكل تجارة منها رأس مال خاص، كان لكل واحدة من التجارات على انفرادها شروطها و أحكامها، فإذا توفرت شرائط الحكم في واحدة منها و لم تجتمع في الثانية استحبت الزكاة في الأولى و لم تستحب في الأخرى، و إذا خسرت إحداها لم تحمل خسارتها على ربح الثانية.

[ (الأمر الثاني: مما تنبته الأرض مما يكال]
المسألة 125:

(الأمر الثاني مما تستحب فيه الزكاة): ما تنبته الأرض مما يكال، كالأرز، و العدس، و الماش، و الحمص، و السمسم، و الدخن، و الذرة، و أمثالها، عدا الغلات الأربع، فقد تقدم بيان الحكم بوجوب الزكاة فيها و تفصيل أحكامها، و لا يشمل الحكم باستحباب الزكاة: البقل، و الريحان، و النعناع، و الفجل، و الجرجير، و شبهها مما يسرع إليه الفساد، و لا يشمل الثمار كالبطيخ، و الخيار، و الباذنجان، و البطاطس، و الجزر، و لا يشمل الفاكهة كالتفاح و الخوخ و المشمش و نحوها، و لا القت، و الأشنان و أوراق الشجر و أزهارها كورق السدر، و التوت، و الآس، و الحناء، و قد ورد في بعض النصوص نفي الزكاة في القطن و الزعفران.

المسألة 126:

يشترط في استحباب الزكاة في ما تنبته الأرض مما تقدم ذكره أن يبلغ مقدار النصاب، و حدّ النصاب الشرعي فيه هو النصاب في الغلات الأربع، و قد بيّناه مفصلا في المسألة الرابعة و الثمانين فلتلاحظ، و مقدار الزكاة المستحبة فيه هو مقدار الزكاة الواجبة في الغلات الأربع، فما سقاه مالكه بالدّوالي و الآلات ففيه نصف العشر، و ما سقي بغيرها ففيه العشر.

[الأمر الثالث: إناث الخيل]
المسألة 127:

(الأمر الثالث مما تستحب فيه الزكاة): الإناث من الخيل، و لا زكاة في الذكور منها، و يشترط في استحباب الزكاة فيها أن تكون سائمة، فلا زكاة فيها إذا كانت معلوفة، و ان يحول عليها الحول و هي في ملك صاحبها، فلا زكاة فيها إذا لم يتم عليها الحول.

و مقدار الزكاة التي يستحب إخراجها عنها هو ديناران شرعيان في كل سنة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 193

عن كل فرس عتيق، و المراد بها الفرس التي تتولد من ذكر و أنثى من الخيل عربيين، و دينار واحد في كل سنة عن كلّ برذون، و هي غير العتيق، و الدينار الشرعي هو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي من الذهب، و قد سبق بيانه في زكاة النقدين، فيكون مقدار الزكاة المستحبة مثقالا صيرفيا و نصفا من الذهب في كل سنة عن الفرس العتيق، و ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي في كل سنة عن البرذون.

و لا فرق في ثبوت هذا الاستحباب بين أن تكون الخيل عوامل أو غيرها، و لا بين أن تكون الفرس مملوكة لمالك واحد أو أكثر، فإذا تعدّد مالك الفرس أخرجت الزكاة المذكورة بنسبة الحصص من الملك، فإذا كانت الفرس مملوكة لمالكين بالمناصفة فالزكاة بينهما بالمناصفة، و إذا كانت مملوكة لأكثر من اثنين أو بالتفاوت فالزكاة بالنسبة.

[مسائل]
المسألة 128:

تقدم منا في المسألة الخامسة و العشرين حكم المال الذي يكون غائبا عن صاحبه فلا تصل إليه يده و لا يد وكيله فلا يمكن له التصرف فيه كما يريد، و المال الذي دفنه مالكه و نسي موضع دفنه و مضت عليه سنة واحدة أو أكثر، ثم تمكن بعد ذلك من التصرف في المال الغائب، و تذكر موضع المال الذي دفنه فيه فأخرجه،

و ذكرنا أنه يستحب له أن يزكي ذلك المال لسنة واحدة.

المسألة 129:

إذا أبدل المالك النصاب الزكوي الذي يملكه في أثناء الحول بنصاب آخر بقصد الفرار من وجوب الزكاة عليه بطل الحول بتبديل النصاب، و سقط عنه وجوب الزكاة، و قد ذكرنا هذا في فصل زكاة الأنعام، و في فصل زكاة النقدين.

نعم، يستحب له أن يخرج زكاة المال إذا تم عليه الحول الأول، و ان بدّل فيه عين النصاب.

المسألة 130:

ذكرنا في فصل زكاة النقدين أن الزكاة لا تجب في غير المسكوك من الذهب و الفضة، فلا تجب في الحلي و المصوغات منهما، نعم، ورد في بعض الأخبار عن الحلي: (و لكن تعيره مؤمنا إذا استعار منك فهو زكاته) و لا بأس بالعمل بذلك برجاء المطلوبية.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 194

الفصل السادس في مصارف الزكاة و مستحقيها و هي ثمانية:
[الأول و الثاني: الفقير و المسكين.]
المسألة 131:

(الأول و الثاني من مستحقي الزكاة): الفقير و المسكين.

و المراد بالفقير: الشخص الذي لا يملك مئونة السنة لنفسه و لمن يعول به لا بالفعل و لا بالقوة، و يقابله الغني، فهو الإنسان الذي يملك المئونة له و لعياله بالفعل أو بالقوة، و يراد بمن يملك مئونته بالفعل من تكون لديه أعيان جميع ما يحتاج إليه في مدة سنته لنفسه و لعياله من مآكل و مشارب و ملابس و غير ذلك من ضروريات الحياة، أو تكون لديه قيمة ذلك من نقود أو أجناس أخرى يمكنه أن يجعلها أثمانا و أعواضا يشتري بها ما يحتاج إليه في سنته، أو يكون له رأس مال يخرج له من الربح ما يقوم بكفايته لذلك، أو تكون لديه مصادر أخرى من ضيعة أو عقار أو حيوان يقوم نماؤها و منافعها بمئونته و شؤونه.

و يراد بمن يملك المئونة بالقوة من يكون ذا صنعة أو عمل أو كسب يقوم إنتاجه و حاصله بما يكفيه لجميع حاجاته في حياته. و الفقير هو من لا يكون له ذلك، و ان ملك شيئا مما تقدم ذكره، بمقدار لا يفي بكفايته و اقامة شؤونه.

و المسكين أسوأ من الفقير حالا و أشد حاجة. و المراد بعيال الشخص من يقوم بنفقاتهم و الصرف عليهم، سواء كانوا ممن تجب نفقاتهم عليه شرعا، أم ممن يستحب له القيام بها، أم

ممن يجوز له ذلك.

المسألة 132:

المدار في الفقر و الغنى على مئونة السنة كما ذكرنا، فمن ملك المقدار الذي يكفيه لذلك كان غنيا، و حرم عليه أن يأخذ الزكاة، فإذا صرف بعض ذلك في حاجاته و أصبح الباقي في يده لا يكفي لمئونة سنة تامة له و لعياله، جاز له أن يأخذ من الزكاة، إذا لم يكن لديه مصدر آخر لبقية المئونة بالفعل أو بالقوة، و لا يجب عليه الصبر الى أن ينتهي جميع ما عنده من المال أو الأعيان المملوكة.

المسألة 133:

لا يجوز لمن يقدر على الاكتساب من الناس أن يأخذ الزكاة، و ان هو ترك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 195

التكسب تكاسلا، و لكنه إذا ترك التكسب متكاسلا في أول الأمر، فعجز عنه بعد ذلك و أصبح غير قادر عليه بالفعل، جاز له أن يأخذها، و مثال ذلك: أن يكون لكسبه وقت مخصوص فيتكاسل عنه حتى يخرج وقته، فيصبح بعد الوقت عاجزا عن المئونة و عن التكسب لها، فيجوز له أخذ الزكاة بعد عجزه و افتقاره و ان كان عاصيا بترك التكسب في وقته.

المسألة 134:

إذا كان الرجل مالكا لضيعة أو عقار لا يكفيه حاصلهما لمئونته فهو فقير بالفعل، فيجوز له أخذ الزكاة، و لا يجب عليه أن يبيع ضيعته أو عقاره و يصرف ثمنهما في المئونة، و ان كان الثمن لو باعهما كافيا لحاجته، و كذلك الحكم في صاحب الحرفة و الصنعة إذا قصر نتاجها عن مقدار كفايته و كانت أثمان الآلات و الأدوات التي يستخدمها في صنعته وافية بمئونته، فيجوز له أخذ مئونته من الزكاة و لا يجب عليه بيع الآلات و التعيش بأثمانها.

و نظيره مالك رأس المال إذا كان الربح الذي يدرّ عليه من رأس ماله لا يفي بمئونته و كان صرف رأس المال وافيا بها، فيجوز له أخذ الزكاة و لا يجب عليه صرف رأس المال في المئونة.

المسألة 135:

يجوز لمالك المال أن يدفع للفقير من زكاة ماله ما يزيد على مئونة سنته التي يحتاج إليها إذا كان الإعطاء له دفعة واحدة، و يجوز للفقير أن يأخذ ذلك منه و تبرأ ذمة المالك بذلك من الحق الواجب عليه، و بحكمه الكاسب الذي يقصر كسبه عن الوفاء بمئونته، بل و التاجر الذي يقصر ربحه عن الوفاء بمقدار حاجته و أمثالهما، فيجوز لمالك المال أن يدفع إليهم من الزكاة أكثر من مئونة السنة إذا كان الإعطاء لهم دفعة واحدة.

و إذا أعطي الفقير أو أحد المستحقين المذكورين من الزكاة دفعات متعددة حتى ملك مقدار مئونة السنة له و لمن يعول به لم يجز أن يعطى من الزكاة شيئا بعد ذلك، و لا تبرأ ذمة المالك بدفع الزائد و لا يجوز للمستحق في هذه الصورة أن يأخذ من الزكاة شيئا حتى ينقص ما بيده عن مئونة سنته.

المسألة 136:

مئونة السنة التي ذكرناها و قلنا أن المدار في الحكم بالغنى و الفقر عليها، هي

كلمة التقوى، ج 2، ص: 196

ما يحتاج إليه الإنسان في حياته و بقائه بما يناسب حاله و شرفه و منزلته في المجتمع الذي يعيش فيه من دار للسكنى تليق به، و أثاث للدار تامة، من فرش و أمتعة، و أدوات و ظروف و أواني، و مطعم و مشرب، و أكسية و أغطية، و ملابس صيفية و شتوية، و وسائل إنارة، و غسل و طبخ و راحة و غير ذلك.

و يراعى في جميع ذلك ما يليق بالفرد و يناسب أمثاله في البلد الذي يسكن فيه، بل و خادم و كتب علمية، و ثياب للتجمل، و سيارة للتنقل إذا كان في مكانته الاجتماعية ممن يحتاج الى ذلك، و

لم يمكن الوفاء بالحاجة، باستئجار و استعارة و نحوهما على الأحوط.

فلا يكون وجود مثل هذه الأمور عند الرجل مانعا من صدق الفقير عليه إذا قصر ما يملكه عما يحتاج إليه، و لا يجب عليه بيعها لشراء باقي مئونته، و يجوز له شراؤها من مال الزكاة الذي يدفع إليه إذا لم تكن موجودة لديه.

و إذا كان لدى الرجل من هذه الأشياء أكثر مما يحتاج إليه بحيث كان ثمن الزائد منها- لو أنه باعه- كافيا له في مئونته، لم يجز له أخذ الزكاة، و كذلك إذا كانت الدار التي يسكنها أو السيارة التي يملكها أو الأثاث الذي يجده أرقى درجة مما يحتاج إليه بحسب حاله و شأنه، و كان التفاوت ما بينهما في القيمة كافيا له في مئونته، فلا يجوز له أخذ الزكاة في هذه الفروض على الأحوط، بل لا يخلو عن قوة، فيجب عليه بيع ذلك و شراء ما يناسب حاله و صرف مقدار التفاوت في مئونته.

المسألة 137:

إذا كان الرجل قادرا على نوع من الاكتساب أو وجه من وجوهه و كان في ذلك مهانة للرجل أو منقصة عليه، أو كانت فيه مشقة شديدة عليه لمرض فيه أو كبر سن أو ضعف، لم يجب عليه التكسب بذلك النوع، و جاز له أخذ الزكاة إذا لم يقدر على غيره.

المسألة 138:

إذا كانت للرجل صنعة أو حرفة و لم يستطع الاكتساب بها لأنه يفقد الآلات و الوسائل التي يحتاج إليها في ذلك العمل، أو لعدم الطالب لما ينتجه في تلك الصنعة، جاز له أخذ الزكاة، و إذا كانت الآلات التي يحتاج إليها في صنعته قليلة المئونة، بحيث يصدق عليه عند أهل العرف أنه قادر على التكسب، أخذ من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 197

الزكاة مقدار ما يشتري به الآلات أو يستأجرها، و اكتسب بها و لم يأخذ من الزكاة غير ذلك.

المسألة 139:

إذا كان الرجل قادرا على تعلّم صنعة أو حرفة تكفيه للتكسب بها و كان تعلم تلك الصنعة ميسورا له و غير محتاج إلى مدة طويلة حرم عليه أخذ الزكاة، و إذا كان تعلم الصنعة شاقا عليه أو كان محتاجا الى وقت طويل جاز له أخذ الزكاة، و إذا كانت المدة التي يحتاج إليها في تعلم الصنعة قليلة و اشتغل بتعلّمها، فإن أمكن له أن يستدين لنفقته في تلك المدة ثم يؤدي الدين بعد ذلك من نتاج صنعته وجب عليه أن يفعل ذلك، و ان لم يتمكن من ذلك أخذ الزكاة في تلك المدة.

المسألة 140:

إذا كان طالب العلم قادرا على الكسب لنفقته، و لكن طلبه للعلم و اشتغاله به يمنعه من ذلك، أو كان التكسب لا يليق بمنزلته الاجتماعية، فإن كان العلم الذي يطلبه و يشتغل به مما يجب تعلمه وجوبا عينيا عليه، جاز له أن يأخذ من حصة الفقراء من الزكاة، و كذلك إذا كان العلم مما يجب تعلّمه على سبيل الكفاية مع عدم من يقوم به غيره، فيجوز له أن يأخذ لنفقته من سهم الفقراء في الزكاة، و ان كان العلم الذي يطلبه مما يستحب تعلمه، لم يأخذ من ذلك.

و يجوز الصرف على طالب العلم من سهم سبيل اللّه، سواء كان العلم الذي يطلبه مما يجب عينا أم كفاية أم مما يستحب، و إذا كان الرجل في طلبه للعلم الديني أو الدنيوي قاصدا لما يحرم من الغايات لم يجز له الأخذ من الزكاة، و إذا كان العلم الذي يطلبه مما لا يجب و لا يستحب شرعا، لم يجز له أخذ الزكاة الا إذا كان فقيرا و غير قادر على الكسب.

المسألة 141:

إذا ملك الرجل مقدارا من المال، و شك في أن المقدار الذي يملكه منه يكفيه لمئونة سنته أو لا يكفيه، لم يجز له أن يأخذ من الزكاة، حتى يعلم أن المال الموجود لديه لا يكفيه، و إذا كان الرجل فقيرا في حالته السابقة، ثم حصل له مقدار من المال و شك في أن ما ملكه من المال يكفيه لسنته أو لا، استصحب فقره السابق و جاز له أخذ الزكاة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 198

المسألة 142:

إذا علم المكلف بدفع الزكاة أن الرجل فقير لا يملك مئونة سنته، أو علم بأنه غني غير مستحق عامله بما علم من أمره، فيجوز له إعطاؤه من الزكاة إذا علم فقره، و لا يجوز له أن يدفع له شيئا منها إذا علم بغناه، و إذا شك في فقره و غناه و كان يعلم بأنه فقير سابقا، جاز له إعطاؤه من الزكاة، و ان علم بغناه سابقا أو جهل أمره في حالته السابقة و اللاحقة لم يعطه من الزكاة، و لم يصدقه في قوله إذا ادعى الفقر، إلا إذا حصل له الوثوق بصدقه.

المسألة 143:

إذا كان لمالك المال دين على الفقير، جاز للمالك الدائن أن يحتسب دينه عليه من الزكاة، فيكون ذلك وفاء لما في ذمة الفقير و أداء لزكاة المالك، و كذلك إذا كان للمالك دين في ذمة ميت و لم تكن للميت تركة تفي بالدين فيجوز له أن يحتسب الدين من الزكاة، و إذا كانت للميت تركة تفي بالدين الذي في ذمته لم يجز للمالك المكلف أن يحتسب الدين زكاة، و إذا كانت للميت المدين تركة و امتنع ورثته عن وفاء دينه من التركة، ففي جواز احتساب الدين من الزكاة إشكال.

المسألة 144:

يجوز لمالك المال أن يدفع زكاته إلى الفقير و لا يعلمه بأنها زكاة، و إذا كان الفقير ممن يترفع في نفسه عن قبض الزكاة و يدخله الحياء من أخذها، استحب للمالك المكلف بالزكاة أن يدفعها له على وجه الصلة ظاهرا، و يقصد في نفسه إيتاء الزكاة، فإذا أخذها الفقير و تملكها صحت زكاة، و لا يجوز للمالك المكلف أن يكذب في ذلك فيقول له مثلا: هذه صلة مني لك و ليست زكاة، و لا بأس بالتورية عند الحاجة إليها، فيقول له: هي صلة و يقصد في نفسه اني أصلك بإيتاء زكاتي لك، و العبرة بقصد الدافع لا بقصد القابض على الأقوى.

المسألة 145:

إذا اعتقد مالك المال أن الرجل فقير يستحق الزكاة فدفع إليه زكاة ماله، ثم ظهر له بعد أن دفعها إليه أنه غني لا يستحق الزكاة، فلذلك صورتان مختلفتان.

(الصورة الأولى): أن يكون المالك قد عزل المبلغ الذي دفعه الى الرجل و قصد أنه زكاة معزولة قبل أن يدفعه الى الرجل، و قد سبق منا في المسألة المائة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 199

و الثانية عشرة ان المالك إذا عزل الزكاة تعينت زكاة، و ليس له بعد العزل أن يبدل عينها بعين أخرى، و الحكم في هذه الصورة أنه يجب على المالك استرجاع عين الزكاة المدفوعة إذا كانت باقية بيد الرجل، فإذا أخذها منه دفعها لمن يستحقها أو صرفها في مصارف الزكاة الأخرى.

و إذا كانت العين تالفة كان الرجل الذي قبضها ضامنا لها، سواء كان عالما بأنها زكاة و قبضها و هو غير مستحق، أم كان جاهلا، فيلزمه دفع مثلها إذا كانت مثلية و دفع قيمتها إذا كانت قيمية، و لا ضمان عليه إذا كان المالك

الدافع للزكاة قد غرّه فقبضها منه مغرورا، فيكون ضمانها على المالك.

و إذا كانت عين الزكاة موجودة و تعذر على المالك استرجاعها من القابض، أو كانت تالفة و تعذر عليه أخذ عوضها منه فلا ضمان على المالك إلا إذا كان مفرّطا في دفعها لذلك الرجل، فدفعها إليه من غير اعتماد على حجة تثبت أنه مستحق فيكون ضامنا لتفريطه، أو كان قد غرّ الرجل كما ذكرنا فقبضها منه مغرورا، فيكون المالك ضامنا للزكاة في الصورتين.

و إذا تمكن المالك فاسترجع العين أو أخذ عوضها من القابض صرف ذلك في مصرف الزكاة.

(الصورة الثانية): أن يكون مالك المال قد دفع المبلغ لذلك الرجل و لم يكن قد عزل المبلغ قبل دفعه إليه، فإذا تبين له بعد الدفع إليه أنه غني غير مستحق للزكاة، لم يكفه ما دفعه إليه عن الزكاة الواجبة، و وجب عليه دفعها لمن يستحقها، و كان المال الذي أعطاه الى الرجل من أموال المالك المكلف، فيجوز له أن يسترجعه من قابضه إذا كان موجودا، و يجوز له أن يتغاضى عنه فلا يطالبه به، و إذا كان المال تالفا تخير المالك بين أن يأخذ منه عوضه و ان يدعه فلا يأخذ منه شيئا، و إذا كان القابض قد غرّه المالك فدفع المال إليه لم يرجع عليه بالعوض إذا كان تالفا.

المسألة 146:

إذا دفع المكلف زكاة ماله الى رجل فقير، و ظهر للمالك بعد دفع المال أن الرجل الذي أعطاه الزكاة هاشمي لا تحل له زكاة غير الهاشمي، و كان المالك الدافع غير هاشمي، جرت فيه الفروض التي ذكرناها في المسألة المتقدمة و ترتبت عليها الأحكام و الآثار التي بيناها.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 200

و كذلك إذا دفع المالك زكاته

الى مستحق ثم ظهر للمالك أن المدفوع إليه ممن تجب عليه نفقته لا تحل له زكاته، فتجري فيه الفروض و الأحكام المتقدمة كلها.

المسألة 147:

إذا دفع المالك زكاة ماله الى الفقيه العادل، لأنه الولي العام للفقراء و لمال الزكاة، برئت ذمة المالك من الزكاة الواجبة عليه، و كذلك إذا دفعها الى الوكيل الذي استنابه الفقيه العادل في ذلك، و اعتمد عليه في تصرّفاته، فتبرأ ذمة المكلف من الزكاة الواجبة عليه بالدفع إليهما.

فإذا دفع الحاكم الشرعي أو وكيله المذكور مال الزكاة الى رجل و لم يقصّر في التعرف على حال الرجل و في الفحص عن أمره من الفقر أو الغنى مثلا أو غير ذلك من الشروط و الصفات المعتبرة في المستحق، ثم ظهر بعد ذلك أن الرجل لا يستحق الزكاة، فلا ضمان على الحاكم الشرعي و لا على وكيله، و إذا قصّر في التعرف و الفحص كان ضامنا للمال المدفوع و كان ضمانه في ماله الخاص لا في مال الزكاة أو بيت المال، و لا ضمان على مالك المال كما تقدم.

المسألة 148:

إذا اعتقد المكلف أن للرجل الفقير صفة خاصة يتميز بها على الفقراء الآخرين، كالعدالة أو المعرفة أو الاجتهاد أو القرابة منه أو غير ذلك من الأوصاف المميزة، و دفع إليه زكاة ماله بانيا على ذلك، ثم ظهر له بعد دفع المال إليه أن الرجل لا يتصف بتلك الصفة التي اعتقدها فيه، فان كان قد قيّد دفع الزكاة إليه بأن تكون تلك الصفة موجودة فيه كان دفعه إليه باطلا و لم يكن إيتاء للزكاة، و لم يجزه ما دفعه عن الواجب الذي كلف به، و جاز له أن يسترجعه منه إذا كانت عين المال موجودة بيد القابض، و أن يأخذ منه عوضه إذا كانت العين تالفة، و لا ضمان على القابض إذا كان الدافع قد غرّه فأوهمه بوجود الصفة و

انطباقها عليه كما سبق في نظيره فلا يأخذ منه عوض المال إذا تلف بيده بعد قبضه.

و يجوز للمالك في هذه الصور كلها أن يجدّد نية إيتاء الزكاة في ما دفعه الى الرجل، فان المفروض أن الرجل فقير يستحق دفع الزكاة إليه و ان لم يتصف بالصفة التي توهمها فيه، فإذا جدد النية أجزأت عنه و برئت ذمته من الواجب

كلمة التقوى، ج 2، ص: 201

سواء كانت عين المال باقية أم تالفة.

و إذا لم يقيد المالك المكلف دفع الزكاة الى الرجل بوجود تلك الصفة، بل كان اعتقاده بوجود الصفة المميزة فيه داعيا إلى إعطائه، صح ما دفعه إليه زكاة و برئت ذمته من الواجب، و لم يجز له أن يسترد المال من القابض و ان كانت العين باقية.

[الثالث: العاملون عليها]
المسألة 149:

(الثالث ممن يستحق الزكاة: العاملون عليها).

و العمل المراد هنا ولاية خاصة يجعلها إمام المسلمين (ع) أو النائب عنه لبعض الناس على عمل من أعمال الزكاة، كجباية مالها، و ضبط مقاديرها، و ضبط الأموال التي تتعلق بها، و تدوين حسابها، و إيصالها إلى الولي العام أو إلى مستحقيها، و غير ذلك من وجوه العمل فيها.

و يشترط في عامل الزكاة أن يكون بالغا و أن يكون عاقلا، و أن يكون مؤمنا عادلا، و ان يكون حرّا على الأحوط في جميع ذلك، و يشترط فيه أن يكون عارفا بالمسائل التي تتعلق بعمله، و بأحكامها، و ان لا يكون هاشميا.

المسألة 150:

إذا قام العامل في الزكاة بوظيفته المحددة له من الولي العام على الوجه المطلوب منه، استحق قسطه من الزكاة و ان كان غنيا، فلا يعتبر فيه ان يكون فقيرا، و استحقاق العامل لهذا السهم بجعل الشارع الأعظم، كما ذكرته الآية الكريمة، لا بعنوان الاستئجار للعمل و المعاوضة عليه.

و يجوز لإمام المسلمين (ع) أو نائبه أن يستأجر موظفين أكفاء للزكاة و القيام بأعمالها و يحدّد لهم وظائفهم و أعمالهم التي يقومون بها، و يعيّن للأجير منهم أجرة معينة أو يجعل له راتبا مقدّرا كفاء عمله، و هؤلاء يستحقون ذلك على وجه المعاوضة، و يصح أن يجعل مصدر الرزق لهم من بيت المال أو من الزكاة.

و يجوز أن يكون الأجير من هذه الفئة هاشميا، و ان لا تجتمع فيه شروط العامل التي تقدم ذكرها في المسألة الماضية، و إذا كان الأجير هاشميا وجب ان يكون رزقه من بيت المال لا من الزكاة، و كذلك إذا كان ممن لا تجتمع فيه شروط العامل المتقدمة على الأحوط، فلا يكون رزقه من الزكاة، بل

يكون من بيت المال.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 202

المسألة 151:

لا يسقط نصيب العاملين على الزكاة في زمان غيبة الإمام (ع) على الأصح، فإذا بسطت يد الفقيه العادل في بعض الأقطار، فعيّن للزكاة سعاة و جباة، و عمّالا، شملهم الحكم و جاز إعطاؤهم من هذا النصيب.

و لا يشمل هذا الحكم من تصدّى بنفسه لإخراج زكاته و جباية زكاة من قبله من الناس و إيصالها إلى الفقيه أو الى المستحقين من الفقراء و غيرهم، فلا يستحق سهم العاملين، و كذلك من تصدى لذلك بإذن الفقيه إذا لم تبسط يده على الوجه الذي تقدم بيانه على الأحوط.

[الرابع: المؤلفة قلوبهم.]
المسألة 152:

(الرابع من مستحقي الزكاة: المؤلفة قلوبهم).

و الذي يستفاد من الأدلة الشرعية الواردة في المسألة ان الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ قوم من المسلمين يكونون ضعفاء في عقائدهم و البصائر في دينهم، فيسهم لهم من الزكاة لتثبت بذلك عقائدهم و يستمالوا إلى السلوك الحسن و العمل الصالح للإسلام.

و الظاهر ان الحكم يختص بمن يعلم أو يحتمل أن إعطاءه المال يوجب له ثبات العقيدة و حسن الإسلام فلا يشمل من يعلم أو يظن بعدم حصول هذه الغاية من إعطائه، فلا يعطى من سهم الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ.

[الخامس: الرقاب.]
المسألة 153:

(الخامس من مصارف الزكاة: الرقاب).

و هم العبيد المماليك الذين يكاتبهم مواليهم على أداء مقادير معينة من المال، فإذا أدّى العبد لسيده المبلغ المعيّن الذي كاتبه عليه كان حرّا، فإذا عجز العبد عن الاكتساب ليؤدي مال الكتابة إلى مولاه و يفك رقبته جاز أن يدفع إليه من سهم الرقاب من الزكاة، و كذلك إذا ضعف كسبه، و احتاج إلى مدة طويلة يكتسب فيها حتى يؤدي ما عليه، فيجوز الدفع إليه من السهم المذكور ليعتق سواء كانت مكاتبة سيده له مطلقة أم مشروطة.

و العبيد الذين يقعون تحت الشدة من قسوة مواليهم، فيشترى العبد منهم من مولاه و يدفع ثمنه من مال الزكاة ثم يعتق، بل يجوز صرف السهم المذكور في عتق مطلق الرقاب، فيشترى العبد من مال الزكاة و يعتق، و ان لم يكن مكاتبا و لم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 203

يكن تحت شدة، و يشترط في هذا الوجه الأخير و هو عتق مطلق الرقاب أن لا يوجد مستحق للزكاة.

[السادس: الغارمون]
المسألة 154:

(السادس من مصارف الزكاة: الغارمون) و الغارم هو الشخص المدين الذي عجز عن أداء دينه، و ان كان مالكا لقوت سنته بالفعل أو بالقوة، فإذا قصر كسب الرجل و ما يملكه من المال عن وفاء دينه، جاز أن يقضى دينه من سهم الغارمين من الزكاة، و يشترط في الدين الذي يقضى من سهم الغارمين، ان لا يكون المدين قد صرفه في معصية، فلا يجوز أن يقضى من هذا السهم دين صرف في ذلك، سواء تاب المدين من تلك المعصية أم لم يتب، بل و ان كان الصارف له في المعصية غير المدين، إذا كان المدين مختارا في ذلك و غير معذور، كما إذا استدان الأب، و

صرفه ولده في معصية و الأب مختار غير معذور في تمكينه من المال.

المسألة 155:

إذا كان المدين قد صرف الدين في معصية و عجز عن وفاء ذلك الدين، ثم تاب من معصيته جاز إعطاؤه من الزكاة من سهم الفقراء إذا كان ممن لا يملك قوت سنته، و لا يمنع من وفاء دينه بما يأخذه من سهم الفقراء، و إذا هو لم يتب من معصيته ففي جواز إعطائه من سهم الفقراء إشكال.

و سيأتي الكلام في جواز دفع الزكاة للفقير إذا كان فاسقا أو متجاهرا بالمحرمات أو بترك الواجبات، و تلاحظ المسائل المتعلقة بذلك في الفصل السابع.

المسألة 156:

إذا شك المكلف بدفع الزكاة في رجل غارم، هل كان قد صرف دينه في معصية أو لا، أشكل الحكم بجواز الدفع اليه لوفاء دينه من سهم الغارمين، و الأقوى جواز ذلك و ان كان الأحوط له الترك.

و لا يجوز للمدين الغارم أن يأخذ من سهم الغارمين ما يسدّ به دينه إذا كان قد صرفه في معصية الله، فإذا دفع إليه مالك الزكاة من هذا السهم ليفي دينه و الدافع يجهل أمر الدين الذي عليه فلا يحل للمدين أن يأخذه منه.

المسألة 157:

إذا صرف المدين دينه في المعصية و هو صبي غير بالغ في حال فعله، أو و هو

كلمة التقوى، ج 2، ص: 204

مجنون غير عاقل، جاز له أن يفي دينه من سهم الغارمين، و كذلك إذا كان المدين معذورا في صرف الدين في المعصية، و مثال ذلك: أن يفعله و هو مضطر إلى فعله أو و هو ناس، أو و هو جاهل بالموضوع فلم يدر ان ذلك المائع الذي اشتراه بمال الزكاة خمر يحرم شراؤه و شربه، أو ان هذا العمل الذي عمله مقامرة يحرم فعلها و صرف المال فيها، أو يكون جاهلا بالحكم غير مقصر في جهله، فيقضى دينه من سهم الغارمين في جميع هذه الصور، و إذا كان جاهلا بالحكم مقصرا في جهله فهو عاص غير معذور، فلا يقضى دينه من سهم الغارمين.

المسألة 158:

لا فرق في الدين الذي يكون في ذمة الرجل المدين و يجوز وفاؤه من سهم الغارمين بين أن يكون بدل مال استقرضه الرجل فبقي في ذمته، و ثمن مبيع اشتراه نسيئة و لم ينقد ثمنه، و عوض شي ء ملكه بالصلح أو بالهبة المعوضة و لم يؤدّ العوض لصاحبه، و مهر امرأة تزوجها و لم يدفع لها مهرها و بقي في ذمته، و غير ذلك من الأموال التي تشتغل بها الذمة في إحدى المعاملات الشرعية، و حتى إذا كان غرامة عن شي ء أتلفه جاهلا أو ناسيا، لا عمدا و عدوانا على الأحوط.

المسألة 159:

إذا كان الدين الذي اشتغلت به ذمة الرجل الغارم مؤجلا فحل أجله، جاز ان يعطى من سهم الغارمين ليفي دينه، و كذلك قبل حلول أجل الدين، فيجوز ان يدفع له من هذا السهم إذا يئس من القدرة على وفاء الدين حين يحلّ أجله.

المسألة 160:

إذا كان المدين قادرا على وفاء دينه من كسبه على سبيل التدريج، فيؤديه للدائن شيئا فشيئا حتى يتمه، و كان الدائن لا يطالبه بدينه بالفعل، فالأحوط عدم إعطائه من سهم الغارمين.

و إذا طالبه الدائن بدفع دينه تاما، و كان المدين عاجزا عن أدائه الّا على نحو التدريج، و لم يتمكن من الاستدانة لوفائه، و لم يمهله الدائن، جاز إعطاؤه من السهم المذكور، لا مطلقا.

المسألة 161:

إذا أعطى مالك الزكاة إلى المدين من سهم الغارمين ليفي دينه، ثم تبين للمالك بعد ان دفع اليه المال ان المدين قد صرف الدين في معصية، لم تبرأ ذمة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 205

المالك من الواجب، و وجب عليه أن يسترجع من المدين ما أعطاه من السهم، و ان كان المدين قد تاب من معصيته التي صرف فيها الدين، و يصح له ان يحتسب المقدار الذي دفعه اليه من سهم الفقراء إذا كان الرجل لا يملك قوت سنته و قد تاب من المعصية، و يشكل أن يحتسبه عليه من سهم الفقراء إذا هو لم يتب.

و كذلك الحكم إذا دفع اليه من سهم الغارمين ثم ظهر له بعد الدفع إليه انه لم يكن مدينا، أو علم بأن الدائن قد ابرأ ذمته من الدين، فيجب على مالك الزكاة ان يسترجع منه ما أعطاه من سهم الغارمين، و يجوز له ان يحتسب المقدار الذي دفعه اليه من سهم الفقراء إذا كان الرجل فقيرا بالفعل.

المسألة 162:

إذا ادعى الشخص أنه مدين لا يقدر على وفاء دينه و اقام البينة على صحة قوله، جاز للمالك ان يدفع له من سهم الغارمين، و إذا ادعى ذلك و لم يقم بينة على ما يدعيه لم يصدّق قوله على الأحوط بمجرد دعواه، و ان صدّقه الدائن في ما يقول.

المسألة 163:

إذا دفع مالك الزكاة إلى المدين العاجز عن وفاء دينه مبلغا من سهم الغارمين ليفي به دينه، ثم علم أن الرجل قد صرف المبلغ الذي أخذه منه في غير وفاء دينه، وجب عليه ان يسترجع المال منه، الا إذا كان الرجل فقيرا، فيصح للمالك أن يحتسب المال عليه من سهم الفقراء أو من سهم سبيل الله.

المسألة 164:

تقدم منا في المسألة المائة و الرابعة و الخمسين: أنه يشترط في الدين ان لا يكون قد صرف في معصية، و المدار في هذا الشرط على نفس صرف الدين فيها، لا على قصد الرجل المدين من الاستدانة، فإذا كان الرجل قد استدان المال لطاعة أو لأمر مباح، ثم صرفه بعد أن قبضه في معصية، لم يجز إعطاؤه لوفاء ذلك الدين من سهم الغارمين. و إذا استدان المال للمعصية، ثم صرفه بعد ما قبضه في طاعة أو في أمر مباح، جاز إيتاؤه لوفاء الدين من سهم الغارمين.

المسألة 165:

إذا كان المدين غير قادر على وفاء دينه بالفعل، و لكنه يستطيع وفاءه بعد مدة، و مثال ذلك: أن تكون للمدين غلة تكفيه لذلك، و هو يرتقب ميعاد حصول

كلمة التقوى، ج 2، ص: 206

تلك الغلة في وقتها، أو يكون له دين عند بعض الناس يفي بما في ذمته، و هو ينتظر حلول أجل دينه، فالظاهر عدم جواز الدفع اليه من سهم الغارمين، إلا إذا طالبه الدائن بتسديد ما في ذمته بالفعل، و لم يمهله، و لم يتمكن من تسديد ذلك بالاستدانة له، فيجوز الدفع اليه من السهم المذكور.

المسألة 166:

إذا كان الغارم مدينا للمالك الذي وجبت عليه الزكاة جاز لدائنه هذا أن يحتسب الدين الذي يملكه في ذمة غارمه عليه زكاة، و ان لم يعلمه بذلك، و يجوز له أن يحتسب بعض أعيان الزكاة التي عليه للغارم ثم يأخذ ذلك لنفسه وفاء لدينه الذي يملكه في ذمة الغارم، و ان لم يقبضها المديون و لم يوكله في قبضها عنه، و لا يجب عليه اعلام المديون بأنه قد احتسبها عليه زكاة و أخذها وفاء للدين.

المسألة 167:

إذا علم المالك المكلف بالزكاة بأن زيدا مدين لبعض الناس و هو عاجز عن وفاء دينه الواجب عليه جاز له أن يفي دينه من الزكاة، و ان لم يعلم زيد الغارم بذلك، و كذلك إذا شهدت عنده بينة عادلة بأن زيدا مدين و عاجز عن وفاء دينه.

المسألة 168:

يصحّ للمالك المكلف بالزكاة أن يفي من زكاته الواجبة عليه دين أبيه و دين ابنه و دين زوجته و غيرهم ممن تجب عليه نفقته إذا كان غارما، و يجوز له أن يدفع زكاته إليه ليفي بها دينه و لا يمنع من ذلك، و لا يجوز له إعطاؤه من الزكاة لنفقته إذا كان فقيرا، و سيأتي بيان هذا في الفصل السابع.

المسألة 169:

إذا كان الغارم- و هو زيد مثلا- مدينا لعبد اللّه، و كان دائنه عبد اللّه مدينا لخالد، و هو المالك الذي وجبت عليه الزكاة في ماله، جاز لعبد اللّه أن يحيل دائنه خالدا بماله من دين في ذمته على مدينة زيد، فيكون زيد بعد الحوالة مدينا لخالد، و تبرأ بذلك ذمة عبد اللّه من دينه، و يحتسب خالد دينه على زيد زكاة على نهج ما تقدم في المسألة المائة و السادسة و الستين.

المسألة 170:

إذا ضمن زيد ما في ذمة أخيه عمرو لدائنه، اشتغلت ذمة زيد بالمال و برئت ذمة أخيه عمرو من الدين، فإذا لم يكن هذا الضمان مقدمة لمعصية ثم أعسر زيد

كلمة التقوى، ج 2، ص: 207

و لم يتمكن من أداء المال الذي ضمنه، جاز إعطاؤه من سهم الغارمين لوفاء الدين.

المسألة 171:

إذا استدان الرجل دينا ليطفئ بالمبلغ فتنة قائمة بين جماعة من المؤمنين، أو ليصلح به ذات بين، أو ليعمر به مسجدا، أو لغير ذلك من المصالح العامة، ثم أعسر المدين فلم يتمكن من أداء الدين جاز إعطاؤه من سهم الغارمين، و لا يعطى منه إذا أمكنه الأداء، و يجوز أن يعطى لذلك من سهم سبيل الله كما سنذكره في المسائل الآتية ان شاء الله تعالى.

[السابع: سبيل الله]
المسألة 172:

(السابع من مصارف الزكاة: سبيل الله) و المراد بسبيل الله ها هنا ما يعم جميع سبل الخير التي تقرب الإنسان الى الله و توجب له مرضاته، و منها بناء القناطر و المدارس و تعمير المساجد و مساكن الحجاج و الزوار و المسافرين في طرق الطاعات، و المستشفيات و الملاجئ و البيوت للضعفاء و الغرباء و تعميرها و تجديدها إذا احتاجت الى الترميم و التجديد، و منها إصلاح ذات البين، و حسم الفتن و الشرور و المخاصمات التي تقع بين المسلمين، و إعطاء أهل الشر و الظلم و مصانعتهم لتخليص المؤمنين و الضعفاء من شرهم و ظلمهم إذا لم يمكن ردعهم و دفع عاديتهم الا بذلك، و كل قربة من القربات إذا كانت لموقعها و جميل أثرها في الشريعة تعدّ سبيلا من سبل الخير.

و الأحوط ان يكون الشخص المدفوع اليه ممن لا يتمكن من فعل تلك القربة بغير الزكاة، فيدفع اليه من هذا السهم عند ذلك، و ان كان الأقوى عدم اشتراط هذا الشرط إذا كان ما يصرف فيه مال الزكاة هو نفس الفعل المقرّب الى الله لا نفس الشخص الذي يفعل القربة.

[الثامن: ابن السبيل]
المسألة 173:

(الثامن من مصارف الزكاة: ابن السبيل)، و هو المسافر الذي ينقطع به الطريق في سفره لنفاد نفقته أو تلفها أو سرقتها أو تلف راحلته، و لا بدل عنده لها، و نحو ذلك، بحيث لا يستطيع مواصلة سفره، و لا يمكن له سدّ حاجته باستدانة مال أو حوالة، أو بيع ما يملكه من مال حاضر أو غائب، و ان كان الرجل غنيا في بلده.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 208

فيدفع اليه من الزكاة ما يكفيه لحاجته و ما يليق بحاله و بمنزلته في الشرف من

مأكول و مشروب و متاع و أثاث، و مركب و وسيلة انتقال و استراحة الى ان يقضي وطره من سفره و الى ان يصل الى بلده، و إذا أمكن أن يدفع اليه ما يحتاج اليه من ذلك حتى يصل الى بلد أو موضع يقدر فيه على الاستدانة أو على التحويل أو على بيع بعض ما يملك من الأموال تعيّن ذلك، إذا كانت نفقته لذلك أقل من نفقة وصوله الى بلده.

و يتخير دافع الزكاة بين ان يدفع الى ابن السبيل أعيان ما يحتاج اليه من الأشياء أو أثمانها ليشتريها، أو أعواضها ليستأجرها إذا تيسر له ذلك، و يراعى ما هو أقل كلفة و ما يليق بحاله من ذلك، و يجوز له أن يدفع اليه ما يليق بحاله و ان كان أكثر كلفة.

المسألة 174:

المراد في ابن السبيل الذي يدفع له من الزكاة عند الحاجة، من يكون مسافرا عن بلده في نظر أهل العرف، و ان لم يكن سفره موجبا للقصر في الصلاة و الإفطار في الصوم، فلا يشترط فيه أن يكون قاصدا للمسافة الشرعية، و لا يضرّ به ان يقيم عشرة أيام أو يكون ممن عمله السفر أو غير ذلك مما يسقط به وجوب القصر في السفر.

و يشترط في ترتب الحكم المذكور لابن السبيل ان لا يكون مسافرا في معصية، فلا يجوز أن يدفع اليه من الزكاة إذا انقطع به الطريق و كان سفره في معصية.

المسألة 175:

إذا فضل في يد ابن السبيل شي ء من الأعيان أو الأثمان التي دفعت اليه من الزكاة، و ان كانت زيادة ذلك الشي ء في يده بسبب تقتيره على نفسه، وجبت عليه إعادته إلى مالك الزكاة الذي دفعه اليه أو الى وكيله، سواء كان الزائد نقدا أم ثيابا أم متاعا أم غيرها، و إذا لم يمكن له دفعه الى المالك نفسه أو الى وكيله، دفعه الى الحاكم الشرعي، و أعلمه بأنه من الزكاة، و إذا أمكن للحاكم الشرعي إيصال ذلك الى المالك أو استئذانه فيه، فالأحوط له ذلك.

المسألة 176:

لا يصدق عنوان ابن السبيل على الرجل حتى يسافر بالفعل و ينقطع به

كلمة التقوى، ج 2، ص: 209

الطريق كما بيّناه، و ليس منه من يعزم على السفر قبل أن يسافر، فلا يدفع اليه من سهم ابن السبيل، و ان كان محتاجا الى السفر، و محتاجا الى المئونة فيه، و يجوز أن يدفع اليه من سهم الفقراء إذا كان فقيرا، و يمكن أن يدفع اليه من سهم سبيل الله إذا كان سفره من القربات و سبل الخير الّتي توصل الى الله كما ذكرنا في ما تقدم، و إذا سافر بالفعل و صدق عليه ابن السبيل دفع اليه من هذا السهم، و ان كان ذلك لقصور ما في يده من المال عن حاجته.

[مسائل]
المسألة 177:

يجزي المكلف في إيتاء الزكاة أن يدفع زكاته الى الرجل إذا علم بأنه ممن يستحق الزكاة، و ان لم يدر أنه من أي الأصناف على نحو التعيين، و يجزيه أن يدفع الزكاة الى الرجل إذا علم بأنه ممن يستحق الزكاة بسببين أو أكثر، و ان لم يقصد حين دفع المال إليه إحدى الجهات التي يستحق الزكاة بسببها.

المسألة 178:

إذا اعتقد الرجل أن الزكاة واجبة عليه في ماله فدفعها الى الفقير، ثم علم بعد دفع المال اليه أن الزكاة لم تكن واجبة عليه، و انه كان مخطئا في اعتقاده، جاز له أن يسترجع المال من الفقير إذا كانت عين المال التي دفعها إليه موجودة، و أمكن له ان يسترجع منه عوضها إذا كانت تالفة، و إذا كان الفقير الذي قبض الزكاة مغرورا من الدافع، فلا ضمان عليه إذا تلفت الزكاة عنده.

المسألة 179:

إذا شك الرجل في ان الزكاة واجبة عليه أو غير واجبة، فدفعها الى الفقير احتياطا، ثم علم بعد ذلك ان الزكاة لم تجب عليه، فقد يقصد حينما يدفع المال الى الفقير ان هذا المال المدفوع أما زكاة و اما صدقة مندوبة، و في هذه الصورة لا يجوز له أن يسترجع المال من الفقير إذا كان موجودا، و لا يأخذ منه عوضه إذا كان تالفا، و قد ينوي حين يدفع المال أنه إما زكاة واجبة و إما هبة، و في هذه الصورة يجوز له أن يسترجع العين إذا كانت باقية، و كانت الهبة التي قصدها لغير رحم، و إذا كانت هبة لذي رحم لم يسترجعها.

المسألة 180:

إذا كان للمكلف مال غائب عنه فأخرج زكاته من مال آخر، ثم علم بعد ذلك أن المال قد تلف قبل دفع الزكاة، جاز له أن يسترد العين من الفقير إذا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 210

كانت موجودة، و أن يسترد منه مثلها أو قيمتها إذا كانت تالفة، و إذا كان قد غرّ الفقير فقبضها منه مغرورا فلا ضمان عليه إذا تلفت العين، و لا حق للدافع في الرجوع عليه.

المسألة 181:

إذا نذر المالك أن يدفع زكاة ماله الى فقير معين من أرحامه أو من غيرهم، وجب عليه أن يدفع الزكاة إليه، و إذا نسي أو غفل فدفع الزكاة إلى فقير آخر، أجزأت عما في ذمته و برئت ذمته من التكليف، و لم يجز له أن يسترد الزكاة من الفقير الذي أخذها و ان كانت العين موجودة.

و إذا فعل ذلك عامدا فأعطى الزكاة الى غير الفقير الذي نذرها له لم تجز عنه، و وجب عليه أن يسترجعها إذا كانت العين باقية و يدفعها للفقير الذي نذر اعطاءها له، و ان يسترجع مثلها أو قيمتها إذا كانت تالفة و يدفعه لمن نذر إعطاءه، و إذا كان الفقير الذي قبض الزكاة مغرورا من الدافع فلا ضمان عليه، و على المالك أن يدفع الزكاة لمن نذر إعطاءه على الأحوط في هذه الصورة.

الفصل السابع في أوصاف من يستحق الزكاة
اشارة

الأوصاف المعتبرة شرعا في من يستحق الزكاة عدة أمور.

[الأمر الأول: الإيمان]
المسألة 182:

(الأمر الأول): يعتبر في من يستحق الزكاة أن يكون مؤمنا، فلا تعطى الزكاة لكافر غير مسلم، من غير فرق بين أصناف الكفار و مللهم، و لا تدفع الزكاة لمن يعتقد خلاف الحق ممن ينتسب إلى الإسلام، و ان كان من فرق الشيعة، حتى المستضعفين منهم، و قد تقدم الكلام في المؤلفة قلوبهم في المسألة المائة و الثانية و الخمسين.

المسألة 183:

أطفال المؤمنين و غير البالغين منهم، و مجانينهم بحكم المؤمنين، فيجوز إعطاؤهم من سهم الفقراء من الزكاة إذا كانوا ممن لا يملك قوت سنته بالفعل و لا بالقوة، سواء كانوا مميّزين أم غير مميزين، و سواء كانوا ذكورا أم إناثا،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 211

و يجوز أن يكون إعطاء الزكاة لهم بنحو التمليك، و في هذه الصورة تدفع الزكاة لولي الطفل و ولي المجنون بقصد تمليك المولّى عليه، و يقبضها الولي عليهما من دافع الزكاة بهذا القصد، و تكون نية إيتاء الزكاة من المالك عند الدفع إلى الولي، فيتم التمليك و تبرأ ذمة الدافع، و يجوز أن يكون إعطاء الزكاة لهم بنحو الصّرف عليهم مباشرة من مالك الزكاة أو بتوسط الولي عليهم، أو بيد أمين آخر إذا لم يكن لهم ولي، و تكون نية إيتاء الزكاة عند الصرف عليهم.

المسألة 184:

إذا كانت ولادة الطفل من أب مؤمن، ألحق الطفل بأبيه في الحكم، فيجوز أن يدفع إليه من سهم الفقراء من الزكاة إذا كان فقيرا، و ان كانت أمه غير مؤمنة، و يشكل الحكم في الطفل إذا كانت الأم التي ولدته مؤمنة و كان الأب غير مؤمن، و يشكل الحكم فيه أيضا إذا كان جدّه أبو أبيه مؤمنا و كان أبوه غير مؤمن، و الأحوط عدم إعطائه من الزكاة في الصورتين.

المسألة 185:

لا يعطى ابن الزنا في حال صغره و قبل بلوغه من الزكاة و ان كان أبواه اللذان تكون من نطفتهما مؤمنين، و هذا الحكم موضع تأمل، و لكنه أحوط.

المسألة 186:

لا يمنع السفه من أن تدفع الزكاة إلى الشخص السفيه إذا كان مستحقا لها، سواء كان رجلا أم امرأة، فيجوز أن تدفع الزكاة إليه بنحو التمليك، فإذا قبضها و ملكها حجر عليه عن التصرف في المال لأنه سفيه حتى يأذن له الولي كسائر أموال السفيه الأخرى، و يجوز أن يصرف على السفيه من سهم سبيل اللّه و من سهم الفقراء، بل و من السهام الأخرى للزكاة إذا كان موردا لها.

المسألة 187:

إذا أدى من يخالف المذهب زكاته الى أهل مذهبه ثم استبصر و اهتدى، فعليه إعادة الزكاة، و كذلك إذا دفع الزكاة الى أهل المذاهب الأخرى من الفرق، فتجب عليه إعادة الزكاة، و ان لم تجب عليه اعادة صلاته و صومه و حجه إذا كان قد أتى بها على طبق مذهبه ثم استبصر، و إذا دفع الزكاة إلى مؤمن ثم استبصر أجزأت عنه و صحت.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 212

المسألة 188:

يكفي في ثبوت ايمان الرجل العامي من الناس و ترتب أحكامه أن يقرّ على وجه الإجمال بأنه مسلم مؤمن، اثنا عشري يعتقد ما يعتقده المسلمون المؤمنون الاثنا عشريون، و ان لم يعرف العقائد الصحيحة لأهل المذهب على وجه التفصيل، و لا أسماء الأئمة و الترتيب في إمامتهم واحدا بعد واحد، و إذا ادّعى أنه من المؤمنين الاثني عشريين، قبل قوله و دفع إليه من الزكاة إذا كان فقيرا، و لم يجب الفحص عنه الا أن تقوم قرينة على كذبه في الدعوى.

المسألة 189:

إذا اعتقد مالك المال في أحد بأنه مؤمن، فأعطاه من زكاة ماله، ثم علم بعد الدفع إليه أنه مخطئ في ما اعتقد، فالأقوى عدم الاجزاء و عليه الإعادة.

[الثاني: عدم كون الدفع إعانة على الإثم]
المسألة 190:

(الثاني من أوصاف مستحق الزكاة): أن لا يكون الرجل الذي تدفع إليه الزكاة ممن يستعين بالزكاة و أمثالها على فعل المعاصي. فلا يجوز دفع الزكاة لمن تكون هذه صفته، و لا لمن يكون الدفع إليه اعانة على الإثم، أو إغراء له أو لغيره بالقبيح، و لا يترك الاحتياط لزوما بمنع شارب الخمر منها، و منع مطلق من يتجاهر بفعل المحرمات الكبيرة، أو بترك الواجبات، و ان لم يصرف الزكاة نفسها و أمثالها في المحرمات.

المسألة 191:

لا يشترط في الفقير الذي يستحق الزكاة أن يكون عادلا، و يكفي في جواز الدفع إليه أن يكون غير متجاهر بالمحرمات أو بترك الواجبات كما ذكرنا، و لا تشترط العدالة في المؤلفة قلوبهم، و لا في الرقاب التي تعتق من الزكاة، و لا في الأشخاص الغارمين الذين تؤدى ديونهم من الزكاة، و لا في سبيل اللّه، و لا في ابن السبيل إذا روعيت الشروط المعتبرة في هذه الأصناف و أحكامها التي تقدم تفصيلها، و الأحوط اشتراط العدالة في الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، و قد تقدم ذكر هذا.

[الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته]
المسألة 192:

(الثالث من أوصاف مستحقي الزكاة): أن لا يكون المستحق الذي تدفع إليه زكاة المالك ممن تجب نفقته على المالك نفسه، و هم أبوه و أمه، و جده لأبيه سواء كان بواسطة أم بوسائط، و أولاده و أولاد ولده و ان تعددت الواسطة ما بينه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 213

و بينهم، سواء كانوا ذكورا أم إناثا، و زوجته، و عبده المملوك له، فلا يجوز للمكلف أن يدفع زكاة ماله أو يدفع شيئا منها الى أحد هؤلاء، للنفقة عليه، بل و لا للتوسعة على الأحوط، و يجوز له أن يدفع زكاته إليهم للإنفاق على عيالهم الذين لا تجب نفقتهم على المالك نفسه، و مثال ذلك: أن تكون لأبيه زوجة غير أمه و أولاد، فيدفع زكاته لأبيه للإنفاق على هؤلاء، و ان تكون لابنه زوجة و مملوك فيدفع إليه زكاته للإنفاق عليهما، و هكذا في عيال الجد أبى الأب و عيال ولد الولد، و لا يجوز له أن يدفع الزكاة إلى أبيه للإنفاق على أمه، أو يدفعها الى ابنه للإنفاق على أولاد الابن.

و يجوز له أن يدفع الزكاة إليهم لأمور أخرى لا

تتعلق بالنفقة، فيدفع الزكاة إلى أبيه أو الى ولده ليتزوج بها إذا كان محتاجا الى التزويج أو ليفي بها دينه إذا كان عليه دين يجب عليه وفاؤه، أو ليشتري بها كتبا علمية أو ثقافية يحتاج إليها.

المسألة 193:

لا يجوز للمكلف أن يدفع شيئا من زكاته لأحد هؤلاء الذين تجب نفقتهم عليه، إذا كان الإعطاء للنفقة الواجبة، سواء كان القسط الذي يدفعه إليهم من سهم الفقراء أم من السهام الأخرى، فإذا كان الشخص الذي تجب نفقته على المكلف موردا للسهام الأخرى من الزكاة، فكان من العاملين في الزكاة أو من المؤلفة قلوبهم، أو من الرقاب التي تعتق من الزكاة أو من الغارمين، أو كان موردا لسهم سبيل اللّه أو ابن السبيل، جاز للمكلف أن يدفع الزكاة إليه في غير النفقة الواجبة و لا يجوز له و لا يجزيه أن يدفع له شيئا منها للنفقة.

المسألة 194:

إذا كان مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على بعض المكلفين، و لكن ذلك المكلف لم يبذل له نفقته، أو كان غير قادر على الإنفاق عليه، أو كان باذلا للنفقة مع منة لا تتحمل عادة، جاز للآخرين دفع زكاتهم اليه، و جاز له أن يأخذ الزكاة منهم إذا أعطوه، و كذلك الحكم في الزوجة إذا امتنع زوجها من الإنفاق عليها، و لم يمكن إجباره على بذل النفقة لها، فيجوز للآخرين إعطاؤها من الزكاة، و يجوز لها أن تأخذ الزكاة منهم.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 214

المسألة 195:

إذا كان الشخص الذي تجب عليه نفقة الفقير المستحق قادرا على النفقة و باذلا لها، أشكل الحكم بجواز دفع الزكاة من الآخرين الى ذلك المستحق للنفقة، بل الأحوط لهم عدم دفع الزكاة إليه للتوسعة إذا كان من تجب عليه النفقة باذلا للتوسعة أيضا.

و لا يجوز للآخرين دفع الزكاة إلى المرأة إذا كان زوجها باذلا لنفقتها، أو كان ممتنعا عن الإنفاق عليها مع إمكان إجباره على البذل، و لا يجوز لها أخذ الزكاة من الدافعين لها في الصورتين.

المسألة 196:

إذا خرجت المرأة من بيت زوجها بغير إذنه فسقطت نفقتها شرعا عن الزوج بسبب ذلك و لم ينفق عليها زوجها لذلك، أشكل الحكم بجواز دفع الزكاة إليها من الآخرين، لأنها قادرة على إزالة سبب الامتناع و عدم النفقة من الزوج.

المسألة 197:

لا تجب على الرجل نفقة زوجته المعقودة عليه بالعقد المنقطع، فإذا كانت فقيرة جاز له أن يدفع زكاته إليها، و جاز ذلك للناس الآخرين، و إذا شرطت عليه في عقد النكاح بينهما أن ينفق عليها و قبل الزوج الشرط منها، وجبت عليه نفقتها، و لم يجز له في هذه الصورة أن يدفع لها من زكاته إذا كان موسرا، و لم يجز ذلك من الآخرين إذا كان الزوج موسرا و باذلا للنفقة المشروطة عليه، و كذلك إذا امتنع عن بذل النفقة و أمكن إجباره على بذلها، و الوفاء بالشرط فلا يدفع لها الآخرون من الزكاة، و إذا كان الزوج معسرا أو ممتنعا و لم يمكن إجباره، جاز للآخرين دفع الزكاة إليها، و جاز لها الأخذ منهم.

المسألة 198:

يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها الى زوجها إذا كان مستحقا للزكاة، و ان أنفق الزكاة عليها بعد أن قبضها، و كذلك الأجير الذي شرط على المستأجر في عقد الإجارة بينهما أن تكون نفقته عليه، و الشخص الذي نذر أحد من الناس أن ينفق عليه، فيجوز لذلك الأجير أن يدفع زكاته لمستأجره إذا كان مستحقا، و للشخص المنذور النفقة ان يدفع زكاته للناذر و إن أنفق الزكاة عليه بعد أن قبضها منه و تملكها.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 215

المسألة 199:

يجوز للمالك المكلف بالزكاة أن يدفع زكاته الى من يعول به إذا كان مستحقا للزكاة، و غير واجب النفقة عليه شرعا، سواء كان من أرحامه أم من الغرباء عنه، و يجوز للآخرين أيضا دفع زكاتهم إليه.

المسألة 200:

إذا عجز المكلف عن الإنفاق على أبيه أو ولده أو على غيرهما ممن تجب عليه نفقته عجزا تاما يوجب سقوط التكليف عنه، فلا يبعد الحكم بجواز دفع زكاة المكلف اليه، و كذلك إذا عجز عن بعض النفقة الواجبة بمثل ذلك العجز الموجب لسقوط التكليف، بحيث لا يقدر على إتمام النفقة، فالظاهر جواز دفع الزكاة إليه من المكلف، و ان كان الأحوط استحبابا عدم الدفع، و يجوز للآخرين دفع زكاتهم اليه بلا ريب.

المسألة 201:

إذا أعسر مالك العبد فلم ينفق على عبده لعسره، أو ترك الإنفاق عليه لسبب آخر و لم يمكن إجباره على دفع النفقة، جاز للآخرين صرف زكاتهم على العبد إذا كان مستحقا، سواء كان مطيعا لسيده أم آبقا، إذا لم يكن إباقه هو السبب في عدم إنفاق السيد عليه، و إذا كان إباقه هو السبب في ذلك أشكل جواز صرف الزكاة عليه، لأنه قادر على إزالة السبب المانع من الإنفاق.

[الرابع: أن لا يكون هاشميا،]
المسألة 202:

(الرابع من أوصاف مستحق الزكاة): أن لا يكون هاشميا، و الزكاة المدفوعة إليه من غير هاشمي، فلا يجوز دفعها للهاشمي و لا يحل له أخذها أو أخذ شي ء منها، حتى من سهم الغارمين، و سهم سبيل اللّه على الأحوط، و قد تقدمت الإشارة الى هذا في المسألة المائة و السادسة و الأربعين، و المسألة المائة و التاسعة و الأربعين.

و يجوز له أخذ الزكاة من الهاشمي، حتى من سهم الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، و لذلك فيصح للحاكم الشرعي إذا بسطت يده أن يستعمل الهاشمي لجباية زكاة الهاشميين خاصة، و يدفع له نصيب العاملين منها، و يجوز له أن يستأجره للعمل في الزكاة و يجعل رزقه من بيت المال، كما قلنا في المسألة المائة و الخمسين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 216

المسألة 203:

يجوز للهاشمي أن ينتفع و أن يسكن في المدارس و الرباطات و المنازل المعدة للحجاج و الزوار، و الملاجئ و أشباهها المتخذة من سهم سبيل اللّه من الزكاة، و أن ينتفع بالكتب الموقوفة المشتراة من هذا السهم.

المسألة 204:

إذا اضطر الهاشمي إلى أخذ الزكاة الممنوعة عليه، و لم يكفه الخمس و بقية الوجوه الشرعية التي يجوز له التناول منها لسدّ اضطراره و حاجته، جاز له أخذ الزكاة، و يقتصر منها على ما يسدّ الضرورة يوما بعد يوم على الأحوط مع الإمكان.

المسألة 205:

يختص الحكم بتحريم الزكاة على الهاشمي بزكاة المال الواجبة و زكاة الفطرة، و لا تحرم عليه الزكاة المندوبة من مال التجارة و غيرها، و لا تحرم عليه الصدقات المستحبة، و لا تحرم عليه الصدقات الواجبة الأخرى كالكفارات و المظالم و الصدقات المنذورة و الموصى بها، و ان كان الأحوط عدم إعطائه من الصدقات الواجبة كلها.

المسألة 206:

يثبت كون الرجل هاشميا بقيام البينة العادلة على صحة نسبه، و بالشياع التام المفيد للعلم بذلك، و بالشياع المفيد للوثوق و الاطمئنان به، و بكل امارة تفيد ذلك، و يصدق قوله إذا أوجب الوثوق بصدق دعواه، أو عضدته القرائن الموجبة لذلك، و إذا تجرّد قوله عن جميع ذلك لم يقبل.

المسألة 207:

إذا ادعى الرجل أنه ليس بهاشمي، جاز إعطاؤه من الزكاة إذا كان مستحقا، إلا إذا علم كذبه في قوله أو اطمأن بكذبه، و يجوز أن تدفع الزكاة لمن يجهل نسبه كاللقيط و نحوه، و الغريب الذي لا تعرف قبيلته إذا كان مستحقا.

المسألة 208:

من كانت أمه هاشمية و أبوه ليس بهاشمي لا يعدّ هاشميا، فيجوز دفع الزكاة إليه إذا كان فقيرا مستحقا، و يجوز له أخذ الزكاة من الهاشمي و غيره.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 217

المسألة 209:

لا فرق في الاحكام التي ذكرناها للهاشمي بين الرجل و المرأة، و الصغير و الكبير، و العاقل و المجنون.

المسألة 210:

يشكل الحكم في ابن الهاشمي من الزنا، و لذلك فلا يجوز- على الأحوط- إعطاؤه من الخمس و لا من زكاة غير الهاشمي، و يجوز له أن يأخذ من زكاة الهاشمي و من فطرته إذا كان مستحقا، و يجوز له أن يأخذ من الزكوات المندوبة، و من الصّدقات الأخرى الواجبة و المندوبة.

الفصل الثامن في جملة من أحكام الزكاة
المسألة 211:

لا يجب على المالك المكلف بالزكاة أن يبسط زكاته على الأصناف الثمانية المستحقين للزكاة، فيقسم المبلغ الواجب عليه ثمانية أقسام متساوية أو متفاوتة في المقدار، و يخصّص لكل صنف قسما من المال ينفق فيه، لا يجب ذلك على الأقوى، بل يجوز له أن يخصّ بزكاته صنفا واحدا من الأصناف أو أكثر، و ان كان البسط على الأصناف أفضل إذا كان المقدار الذي يجب على المكلف يتسع لذلك و كانت الأصناف موجودة.

و لا يجب عليه أن يستوعب الافراد الموجودين من الصنف الذي أراد الدفع اليه، فيصح له أن يدفع جميع زكاته الى فرد واحد منهم، و يجوز له أن يميّز بعض الأصناف على بعض، و ان يفضل بعض الأفراد على بعض.

المسألة 212:

لا تتعين الزكاة لمن حضر من الفقراء و ان طالبوا بها، فيجوز لمالك المال أن يعدل بزكاته الى غيرهم ممن لم يحضر، و خصوصا مع وجود مرجحات للغائبين و ان كانوا من غير أهل البلد.

المسألة 213:

يجوز لمالك المال أن ينقل زكاته الى بلد آخر غير البلد الذي تكون فيه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 218

الزكاة و ان كان المستحق موجودا في بلد الزكاة، و إذا نقل الزكاة- مع وجود المستحق في البلد- فمؤنة النقل على المكلف، لا على الزكاة، و إذا نقل الزكاة فتلفت عين الزكاة بسبب النقل كان على المالك الناقل ضمانها، حتى إذا كان نقلها باذن الفقيه على الأحوط.

و إذا وكل الفقيه مالك المال في أن يقبض زكاة ماله بالوكالة عنه، فقبضها المالك بالوكالة عنه ثم نقلها الى بلد آخر بالإذن من الفقيه أيضا، كانت مؤنة النقل على الزكاة، و لا ضمان على المالك إذا تلفت بالنقل في هذه الصورة.

المسألة 214:

إذا لم يجد المالك المكلف مستحقا في بلد الزكاة، و لم يرج وجوده فيه، و لم يتمكن في ذلك البلد من صرف الزكاة في مصارفها الأخرى، وجب على المكلف نقل الزكاة إلى بلد آخر يمكنه إيتاء الزكاة فيه، فإذا هو عزل مقدار المال الواجب عليه و عيّنه زكاة قبل أن ينقله، فمئونة النقل على الزكاة، و ان هو لم يعزل الزكاة، أشكل الحكم في كون المئونة على المالك نفسه أو على الزكاة، و لا يترك الاحتياط في هذه الصورة بأن يدفع المالك مئونة النقل، و إذا نقل الزكاة فتلفت بسبب النقل فلا ضمان عليه.

و إذا كان المالك يرجو أن يجد المستحق في البلد، و أمكن له صرف الزكاة في مصارفها الأخرى، تخيّر بين أن ينقل الزكاة إلى بلد آخر، و أن يحفظها في موضعها الى أن يجد المستحق الذي يرجو وجوده في البلد و يدفعها اليه، و أن يصرفها في مصارفها التي يتمكن منها بالفعل، و إذا نقلها

في هذه الصورة فتلفت كان عليه ضمانها، و إذا لم يجد من يستحق الزكاة في البلد و لم يرج وجوده فيه، و أمكن له أن يصرف الزكاة في بعض مصارفها في البلد، فنقلها الى بلد آخر، و تلفت بسبب نقلها كان ضامنا لها، و إذا لم يجد المستحق في البلد فعلا و لكنه رجا وجوده في ما يأتي، و لم يتمكن من صرف الزكاة في المصارف الأخرى، فنقلها الى بلد آخر و تلفت بنقلها فلا ضمان عليه، و مئونة النقل تكون على المالك في هذه الصور الثلاث على الأحوط.

المسألة 215:

إذا كان البلد الذي يوجد فيه مال الزكاة غير بلد المالك جاز له أن ينقل الزكاة الى بلده، فإذا تلفت بسبب النقل، فالضمان فيها على نهج ما فصّلناه في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 219

المسألتين السابقتين و على حسب ما ذكرنا فيهما من الصّور.

المسألة 216:

إذا كان للمكلف بالزكاة مال في بلد آخر، جاز له أن يجعله زكاة بدلا عن المال الذي تعلقت به الزكاة، و كذلك إذا نقل مقدار الزكاة من ماله الى بلد آخر، فيجوز له بعد أن يصل ذلك المال أن يجعله زكاة عوضا عما في بلده.

و إذا كان له دين في ذمة أحد في بلد آخر، فيجوز له ان يحتسب دينه على ذلك الرجل عوضا عن زكاته الواجبة عليه إذا كان المدين مستحقا، و يجوز له أن يحوّل عليه مستحقا آخر عوضا عن زكاته في البلد.

المسألة 217:

إذا قبض الفقيه العادل الزكاة من المالك المكلف بها، بحسب ولايته على الفقراء، برئت ذمة المالك من تكليفه بها، و لا ضمان عليه إذا تلفت الزكاة بعد ذلك قبل وصولها الى المستحق، أو كان الدفع لغير من يستحقها اشتباها، و تلاحظ المسألة المائة و السابعة و الأربعون.

المسألة 218:

إذا احتاج المالك في إخراج زكاته من المال أو في معرفة مقدار الزكاة إلى كيل أو وزن فأجرة الكيّال و الوزّان على مالك المال- على الأحوط- لا من الزكاة.

المسألة 219:

إذا استحق الرجل من الزكاة لسببين أو أكثر، و مثال ذلك أن يكون فقيرا و عاملا للزكاة و غارما مثلا، جاز أن يدفع له من الزكاة لكل سبب نصيبا

المسألة 220:

لا حدّ لأقلّ ما يدفع الى الفقير من الزكاة، و الأحوط استحبابا أن لا يدفع إليه أقلّ من خمسة دراهم من زكاة الفضة، و لا أقل من نصف دينار في زكاة الذهب، و مراعاة هذا المقدار في غير النقدين، و قد سبق أنه لا حدّ لأكثر ما يدفع اليه و ان أوجب ذلك غناه أو زاد عليه إذا كان الإعطاء له دفعة واحدة و تراجع المسألة المائة و الخامسة و الثلاثون.

المسألة 221:

يجب إخراج الزكاة في الأنعام و في النقدين بدخول الشهر الثاني عشر من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 220

الحول، و قد بيّنا هذا في المسألة الثالثة و الخمسين و المسألة الثالثة و السبعين، و يجب إخراجها من الغلات الأربع عند جذاذ التمر و اقتطاف الزبيب كما ذكرنا في المسألة التسعين، و الأحوط الأولى أن يكون إخراج الزكاة فورا حسب المستطاع و لو بالعزل، و ان كان الأقوى جواز التأخير، ما لم يؤد ذلك الى حبس الزكاة و منع الحق عن أهله، أو التساهل في أمرها أو في حكم اللّه فيها، فيكون التأخير محرما.

و إذا أخّر المكلف إخراجها مع إمكان الدفع فتلفت الزكاة بسبب ذلك كان ضامنا لها، بل و ان كان التأخير مدة قليلة على الأحوط في هذا الفرض الأخير.

المسألة 222:

إذا أخر المالك إخراج زكاته و هو يعلم بوجود المستحق فتلفت فهو ضامن، و قد تكرّر منا ذكر ذلك، و إذا أخر إخراجها مع وجود المستحق و كان لا يعلم بوجوده، فان فحص عنه و لم يجده فلا ضمان عليه إذا تلفت، و ان أخّرها من غير فحص عن وجوده و تلفت بسبب ذلك فعليه الضمان.

المسألة 223:

إذا عزل المالك زكاة ماله و أتلفها غيره قبل دفعها للمستحق، فان كان المالك قد أخر دفعها بعد العزل و هو يعلم بوجود المستحق- كما فرضنا في أول المسألة المتقدمة- فالضمان ثابت على كل من المالك و المتلف، و للحاكم أن يرجع بمثلها أو قيمتها على أيهما شاء، فإذا هو أخذ البدل من المالك رجع المالك بما غرمه للحاكم على المتلف، و إذا أخذ البدل من المتلف لم يرجع المتلف بما غرمه على المالك.

و ان كان المالك لم يؤخر دفع الزكاة بعد عزلها، فالضمان على المتلف وحده، و كذلك الحكم إذا عزل المالك الزكاة و لم يوجد المستحق، و أتلف الزكاة غيره فالضمان على المتلف، و لا شي ء على المالك، و يجري هذا التفصيل أيضا و ما ذكرناه فيه من الأحكام إذا أتلف المتلف جميع النصاب و فيه الزكاة، و لا موجب لإعادة بيانه.

المسألة 224:

لا يقدم إخراج الزكاة قبل تعلق وجوبها في المال، و إذا قدّمها المالك فأخرجها و دفعها الى المستحق قبل وجوبها في المال لم تقع زكاة، و بقي المال

كلمة التقوى، ج 2، ص: 221

المدفوع الى الفقير على ملك مالكه الأول، و إذا تلف في يد الفقير و هو يعلم بأن المال ملك صاحبه و ليس زكاة، كان ضامنا له، و إذا بقي الفقير على استحقاقه حتى حل وقت وجوب الزكاة في المال، صح للمالك في ذلك الوقت أن يحتسب المال الذي دفعه الى الفقير زكاة عليه إذا كانت عينه موجودة، و ان يحتسب عليه عوضه إذا كان تالفا، و يجوز له أن يأخذ المال منه أو يأخذ العوض و يدفعه زكاة إلى مستحق آخر.

و إذا قبض الفقير ذلك المال و هو

مغرور من المالك، فلا ضمان عليه إذا تلف في يده، و وجب على المالك دفع زكاة المال إذا حل وقت وجوبها.

المسألة 225:

يجوز للمالك أن يقرض الفقير بعض المال قبل أن تجب عليه الزكاة في ماله، فإذا حل وقت وجوب الزكاة عليه و الفقير الذي أقرضه لا يزال مستحقا للزكاة احتسب عوض قرضه عليه زكاة.

و إذا أقرض المالك الفقير- كما ذكرناه- كان مال القرض مملوكا للفقير، فيملك نماءه و نتاجه سواء كان النماء متصلا أم منفصلا، و إذا نقص المال كان النقص داخلا عليه، فإذا حل وقت وجوب الزكاة احتسب المالك عوض مال القرض زكاة على الفقير و لم يحتسب الزيادة التي زادت و النماء الذي حصل، لأنه ملك الفقير، و لم ينقص من المال المدفوع شي ء لأن النقص إذا وقع فهو على الفقير، و إذا خرج الفقير عن وصف الاستحقاق للزكاة، استرد المالك عوض مال القرض، دون زيادة و لا نقيصة، و دفعه زكاة الى من يستحق، و يجوز له أن يدفع الزكاة من مال آخر.

المسألة 226:

إيتاء الزكاة إحدى العبادات الشرعية، و لذلك فتجب فيه نية القربة، و التعيين، و الإخلاص، و غير ذلك مما يعتبر في نية العبادة، و لا يعتبر فيها قصد الوجوب أو الندب، و إذا دفع المالك زكاة ماله و لم ينو القربة في إيتائها بطل دفعه و بقي المال المدفوع مملوكا لدافعة، فإذا نوى القربة فيها بعد ذلك و كانت عين المال موجودة صحت زكاته إذا كانت الشرائط موجودة.

و إذا كانت العين قد تلفت و كانت مضمونة على القابض- كما إذا كان عالما بالحال- جاز للمالك أن يحتسب ما في ذمة القابض زكاة عليه إذا كان لا يزال

كلمة التقوى، ج 2، ص: 222

مستحقا للزكاة، و يجوز له أن يدفع الزكاة إلى فقير آخر، و يبقى ما في ذمة الفقير الأول

دينا عليه، و إذا كانت عين الزكاة قد تلفت و هي غير مضمونة على القابض كما إذا كان مغرورا من المالك الدافع وجب على المالك دفع الزكاة ثانيا.

المسألة 227:

يجوز للمالك المكلف بالزكاة أن يوكل غيره في إيتاء زكاته، فيتولى الوكيل نية إيتاء الزكاة بالوكالة عن المالك حينما يدفعها الى الفقير، و الأحوط أن ينوي المالك أيضا حينما يدفع الوكيل الزكاة إلى الفقير مع الإمكان، كما إذا كان المالك حاضرا حين الدفع.

و يجوز للمالك أيضا أن يوكل شخصا غيره في أن يوصل زكاته الى الفقير، فإذا وكله في ذلك نوى المالك إيصال الزكاة إلى الفقير بالدفع الى الوكيل، و الأحوط أن تبقى نيته مستمرة الى أن يدفع الوكيل المال الى الفقير، و لا بد و أن يكون الوكيل في كلتا الصورتين ثقة مأمونا يصح الاعتماد عليه.

المسألة 228:

إذا دفع المالك زكاته الى الحاكم الشرعي بحسب ولايته العامة على الفقراء، تولى المالك نية إيتاء الزكاة حينما يدفع الزكاة إلى الحاكم، و إذا وكّل المالك الحاكم الشرعي عن نفسه في إيتاء زكاته الى الفقير، تولى الحاكم النية بالوكالة عن المالك عند ما يدفع الزكاة إلى الفقير كما ذكرنا في الصورة الأولى من المسألة السابقة، و إذا وكّل المالك الحاكم الشرعي في إيصال زكاته الى الفقير، نوى المالك الإيصال إلى الفقير بدفع الزكاة إلى الحاكم الوكيل عنه كما في الصورة الثانية من تلك المسألة.

المسألة 229:

إذا اتّجر الولي الشرعي على الطفل أو على المجنون بمالهما، استحب له أن يخرج زكاة مال التجارة، فإذا أخرج الزكاة تولى النية عند الإخراج بحسب ولايته عليهما.

المسألة 230:

إذا تعدّد الحق الواجب على الإنسان، و أراد أن يخرج بعض ما وجب عليه، وجب عليه في نية الأداء أن يعيّن ما يقصد إخراجه من الحق، و مثال ذلك: أن يكون الرجل مكلفا بزكاة و كفارة، فإذا أراد أن يدفع للفقير مقدارا من المال عمّا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 223

عليه، وجب عليه أن يعين في نيته أن ما يدفعه هو الزكاة أو الكفارة، و من أمثلة ذلك أن يكون الشخص مكلفا بزكاة مال و زكاة فطرة، فإذا أراد الدفع الى المستحق، وجب عليه أن يعيّن ما يقصده من الواجبين، و من أمثلة ذلك: أن يكون الإنسان مكلفا في ذمته بخمس و زكاة، و أراد أن يدفع بعض ما عليه، فعليه التعيين، و خصوصا إذا كان المكلف هاشميا و أراد الدفع إلى هاشمي.

و من ذلك أيضا: ما إذا تعدّد محل الوجوب، كما إذا وجبت على الرجل زكاة الأنعام و زكاة الغلات أو النقدين، و أراد أن يخرج القيمة، فعليه أن يعين عند النية أنه يخرج هذا المقدار عن أيها، و ان كان نوع الحق الواجب عليه واحدا، و مثاله: أن يكون الرجل مالكا لخمس من الإبل و أربعين من الغنم، فان الواجب عليه في كل واحد من النصابين المذكورين شاة، فإذا أراد أن يخرج الشاة أو قيمتها، فلا بد و أن يعيّن ان ما يدفعه زكاة عن أي النصابين.

و إذا اتحد الحق الواجب على المكلّف، و اتحد محل الوجوب، كفاه عند النية أن يدفع المال و يقصد بدفعه

أداء ما في ذمته و لا يلزمه التعيين أكثر من ذلك، و مثاله: أن يملك الرجل عشرين من الإبل، فان الواجب عليه فيها هو أربع شياه، فإذا أراد أن يخرج شاة أو يدفع قيمتها، لم يجب عليه في النية أن يعيّن أنها زكاة عن أي النصب الأربعة الموجودة لديه، و كذلك إذا ملك أربعمائة من الغنم، فان الواجب عليه فيها هو شاة في كل مائة منها، فإذا أراد إخراج الشاة أو قيمتها، كفاه أن يدفعها بقصد ما في ذمته، و لا يجب عليه أن يعيّن أنها زكاة أي المئات الأربع التي يملكها.

المسألة 231:

يجوز للفقير الذي يستحق الزكاة أن يوكل أحدا في أن يقبض عنه الزكاة من شخص معين، و يجوز أن يوكله في القبض عنه من أي دافع كان، فإذا أراد مالك الزكاة دفع زكاته الى وكيل الفقير نواها عند الدفع اليه و برئت بذلك ذمته، و ان تلفت الزكاة قبل أن تصل الى الفقير نفسه.

المسألة 232:

إذا وجبت الزكاة على المكلف، و شك في أنه أدى ما وجب عليه أو لم يؤده، وجب عليه أن يخرج الزكاة، و لا فرق في الحكم بين أن تكون الزكاة التي يشك في أدائها للسنة الحاضرة و ان تكون للسنة أو السنين الماضية، نعم، إذا تلف النصاب

كلمة التقوى، ج 2، ص: 224

من غير تفريط منه و هو يحتمل أنه قد أدّى زكاته، فلا ضمان عليه، من غير فرق أيضا بين أن يكون للسنة الحاضرة و ما قبلها.

المسألة 233:

إذا علم الإنسان إجمالا بأنه قد كلف إما بالخمس و إما بالزكاة، وجب عليه أن يدفعهما معا، و لا يكفيه أن يؤدي أحدهما فقط، و ان كان ما أداه هو الأكثر منهما، و إذا كان المالك الذي حصل له هذا العلم الإجمالي هاشميا، جاز له أن يدفع المقدار المعلوم وجوبه عليه الى مستحق هاشمي، و ينوي به أداء ما في ذمته خمسا كان أم زكاة، و يرجع في ما يعود الى حق الامام (ع) من الخمس الى الفقيه العادل على الأحوط.

و إذا اختلف المقدار فيهما، كما إذا علم أن الواجب عليه إذا كان زكاة فهو عشرة، و ان كان خمسا فهو عشرون، وجب عليه أن يدفع الأكثر للهاشمي في الفرض المذكور.

المسألة 234:

إذا كان المكلف مشغول الذمة بحق واجب معلوم من زكاة أو خمس أو غيرهما من الحقوق المالية الواجبة و ظهرت عليه أمارات الموت، وجب عليه أن يوصي بأداء ما عليه من الحق، و أن يبينه إذا كان خفيا على الوصي، و يذكر في الوصية به ما يزيل الخفاء و الالتباس فيه، و يذكر مقداره إذا كان محتاجا الى البيان، و إذا مات جاز للوصي من بعده أن يدفع زكاته أو خمسه الى وارثه إذا كان مستحقا لأحدهما، و ان كان ذلك الوارث واجب النفقة على المالك الميت حين كان حيّا.

المسألة 235:

إذا تعلق وجوب الزكاة بالنصاب، و باعه مالكه على شخص آخر، و شرط على المشتري في عقد البيع أن يؤدي زكاة النصاب عن البائع، و قبل المشتري بالشرط صح ذلك و وجب على المشتري الوفاء بالشرط، فيجب عليه أداء الزكاة، و ان لم يفعل كان آثما، و لا تبرأ ذمة المالك البائع من التكليف بمجرد الشرط حتى يؤدي المشتري الزكاة بالفعل و يفي بالشرط.

و لا يصح للبائع أن يشترط في العقد ان ينتقل وجوب الزكاة من البائع إلى المشتري، و لا يثمر هذا الشرط شيئا و ان قبل به المشتري.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 225

المسألة 236:

إذا تبرع أحد عن مالك المال فدفع عنه الزكاة الواجبة عليه، صح تبرعه و أجزأ ذلك عن المالك، و لا يرجع المتبرع على المالك بشي ء و ان كان تبرعه بالزكاة بطلب من المالك نفسه، و إذا طلب المالك من ذلك الشخص ان يدفع عنه زكاة المال و لم يذكر التبرع، فدفعها ذلك الشخص عنه، جاز له ان يرجع على المالك بالزكاة التي طلب دفعها عنه.

المسألة 237:

إذا وكل المالك رجلا في إيتاء زكاته عنه، أو وكّله في إيصال زكاته الى المستحق، فالمدار في براءة ذمة المالك من الوجوب على وثوقه بان الوكيل أوصل الزكاة إلى الفقير المستحق، سواء كان الوكيل عدلا أم لا، و تلاحظ المسألة المائتان و السابعة و العشرون.

المسألة 238:

لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بين ما وجب على المكلف أولا و ما وجب بعده، فيجوز للمكلف أن يدفع زكاة السنة الحاضرة قبل زكاة السنة الماضية إذا كان مشغول الذمة بهما معا، و كذلك إذا حال الحول على النصاب من الأنعام أو من النقدين فتعلق وجوب الزكاة به، ثم تعلق الوجوب بالغلة بعد ذلك، فيجوز له ان يدفع زكاة الغلة قبل زكاة الأنعام أو النقدين.

المسألة 239:

لا يعطى الفقير- على الأحوط- من سهم الفقراء من الزكاة ليحج بالمبلغ المدفوع اليه أو ليعتمر به أو ليزور، أو ليؤدي به بعض القربات الأخرى، و يجوز ان يعطى لذلك من سهم سبيل الله.

المسألة 240:

إذا وكل المالك المكلف بالزكاة رجلا فقيرا في ان يدفع عنه زكاة ماله أو وكله في ان يوصل زكاته الى الفقراء، فان علم من القرائن الحافّة بالكلام ان وكالته عامة تشمل الدفع لنفسه و الإيصال إليه صح له أن يأخذ لنفسه نصيبا من الزكاة الموكل بدفعها أو بإيصالها، و ان لم يعلم ذلك لم يجز له ان يأخذ منها شيئا.

المسألة 241:

إذا أعطي الفقير من الزكاة نصابا زكويا تاما و حال عليه الحول و هو في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 226

ملكه، وجب عليه إخراج زكاته إذا كانت الشرائط مجتمعة فيه.

المسألة 242:

يجوز على الأقوى إعطاء الزكاة المالية، و إعطاء زكاة الفطرة إلى الفقير و ان كان ممن يسأل الناس بكفه.

المسألة 243:

يستحب لمن يدفع الزكاة من أرباب المال: ان يميز أهل الفضيلة و العلم و أهل الفقه و التقوى و أهل العقل و الاتزان بزيادة نصيبهم من الزكاة على من سواهم، و أن يلاحظ مراتبهم في ذلك، و أن يرجّح الأرحام و الأقرباء على غيرهم، و أن يوفر المتعففين على من سواهم، و من لا يسأل من الفقراء على أهل المسألة منهم، و يستحب له أن يصرف صدقة المواشي الى أهل التجمل، و إذا زاحم هذه الجهات ما هو أكثر أهمية منها قدّمه عليها.

و يستحب للفقيه أو العامل في الزكاة، أو الفقير المستحق أو وكيله إذا أخذ الزكاة ان يدعو لمالك المال، و يتأكد ذلك و يكون أحوط للفقيه إذا أخذ الزكاة بحسب ولايته على الفقراء.

المسألة 244:

دفع الزكاة الواجبة جهرا أفضل من دفعها سرا، و دفع الصدقات المندوبة في السّر أفضل من الجهر بها.

المسألة 245:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 2، ص: 226

يكره لصاحب المال ان يطلب تملّك ما أخرجه في زكاته و في صدقاته الواجبة أو المندوبة بشراء و نحوه من المعاملات، و لا كراهة إذا عاد المال اليه بميراث أن يبقيه في ملكه.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 227

الفصل التاسع في زكاة الفطرة
المسألة 246:

يشترط في وجوب زكاة الفطرة على الإنسان أن تجتمع فيه عدة أمور.

(الأول): أن يكون مكلفا، فلا يجب على الصبي غير البالغ، و لا على المجنون غير العاقل أداء زكاة الفطرة عن نفسه و لا عمّن يعول به، و لا يجب على وليهما الشرعي أن يؤدي هذه الزكاة من مالهما بحسب ولايته عليهما عنهما و عمن يعولان به، و إذا كان الصبي أو المجنون عيالا على الولي أو على غيره وجب على المعيل بهما أداء الفطرة عنهما.

المسألة 247:

(الشرط الثاني) في وجوب الفطرة: أن يكون المكلف غير مغمى عليه عند هلال شهر شوال، و قد نسب القول باشتراط ذلك الى الأصحاب، و هو مشكل، فلا يترك الاحتياط.

المسألة 248:

(الشرط الثالث) في وجوبها: أن يكون الشخص حرّا، فلا تجب هذه الزكاة على العبد المملوك إذا كان قنّا أو مدبّرا أو كانت الأمة أم ولد لسيّدها، و الأحوط للعبد إذا كان مبعّضا قد أعتق بعضه أو كان مكاتبا قد كاتبه سيده على أداء مبلغ من المال ليكون بذلك حرّا، سواء كانت مكاتبته إياه مطلقة أم مشروطة، أن يؤديا زكاة الفطرة عنهما و عمّن يعولان به.

المسألة 249:

(الشرط الرابع) في وجوبها: أن يكون المكلف غنيّا، و هو الذي يملك بالفعل أو بالقوة قوت سنة تامة لنفسه و لعياله، فلا تجب الفطرة على من لا يملك ذلك، و قد سبق بيان هذا في المسألة المائة و الحادية و الثلاثين، و تجب زكاة الفطرة على من ملك قوت سنته على الوجه الذي بيّناه و ان كان مدينا، فلا يكون الدين مانعا من وجوب الفطرة عليه.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 228

المسألة 250:

تجب زكاة الفطرة على الكافر و ان كان لا يصح منه أداؤها، و للحاكم الشرعي مع الإمكان و القدرة أن يأخذها منه في حال كفره، و إذا أمكن للحاكم ذلك و أخذها منه تولى الحاكم نية أخذ الزكاة و دفعها للمستحق.

و إذا أسلم الكافر بعد هلال شهر شوال سقط عنه وجوب أدائها، و لا يسقط وجوب الفطرة عن المخالف في المذهب إذا ترك مذهبه و اعتنق مذهب الشيعة بعد هلال العيد، فيجب عليه أداء الفطرة إذا لم يخرج وقتها.

المسألة 251:

دفع هذه الزكاة من العبادات فلا بد فيها من النية، و لا تصحّ إلا بقصد القربة كسائر العبادات، و لا يعتبر فيها قصد الوجوب أو الندب على نهج ما ذكرناه في إيتاء زكاة المال.

المسألة 252:

يستحب للفقير الذي لا يملك قوت سنته أن يخرج زكاة الفطرة عن نفسه و عن عياله، و إذا ملك صاعا واحدا من الطعام لا أكثر، استحب له أن يتصدق بالصاع على بعض عياله، و يتصدق به هذا على الثاني منهم، و هكذا حتى يدور التصدق بالصاع على جميع عياله، ثم يتصدق به على فقير أجنبي، و يتولى الولي الأخذ و العطاء عن الصغير و المجنون منهم.

المسألة 253:

إذا أدرك الإنسان المكلف آخر جزء من شهر رمضان إلى أول جزء من ليلة هلال العيد و هو جامع لشروط وجوب الفطرة التي تقدم ذكرها، وجبت عليه الفطرة، و لا تجب عليه هذه الزكاة إذا لم يدرك ذلك، ففقد بعض الشرائط المذكورة في ذلك الوقت، سواء اجتمعت له الشرائط في ما قبل ذلك أو في ما بعده أم لم تجتمع له.

المسألة 254:

إذا بلغ الصبي الحلم، أو أفاق المجنون من جنونه، أو أسلم الكافر من كفره، أو أعتق العبد المملوك من رقه، أو ملك الفقير قوت سنته و استغنى، بعد أن غربت الشمس من ليلة الفطر الى ما قبل الزوال من نهار يوم العيد لم تجب عليه الفطرة كما قلنا، و استحب له إخراجها عن نفسه و عمّن يعول به.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 229

المسألة 255:

إذا تمت الشروط التي ذكرناها في المكلّف، وجب عليه إخراج زكاة الفطرة عن نفسه و عن كل فرد ممن يعول به، سواء كان الفرد ممن تجب نفقته على المكلف أم لا، و سواء كان من أرحامه أم أجنبيّا عنه، و سواء كان ذكرا أم أنثى، و كبيرا أم صغيرا، و حرّا أم مملوكا له أم لغيره، و مسلما أم كافرا، و حتى الضيف النازل به إذا صدق في نظر أهل العرف أنه ممن يعول به مضيّفه و لو مؤقتا، و المدار في جميع من ذكرناه أن يكون الفرد منهم ممن يعول به المكلّف في جزء من شهر رمضان الى دخول ليلة الفطر.

المسألة 256:

لا تجب على المضيّف فطرة ضيفه إذا لم يصدق عليه، أنه ممن يعول به، بل تجب فطرته على نفسه أو على من يعول به إذا كان من عيال شخص آخر، و لا تجب فطرته على المضيّف إذا نزل به بعد دخول ليلة الفطر، أو مقارنا لغروب الشمس منها، و ان كان ممن يعدّ من عياله عرفا أو كان مدعوّا للضيافة عنده قبل ذلك، و لا تجب على صاحب المنزل فطرة من يدعوه للوليمة و ان حضر قبل دخول الليلة.

المسألة 257:

إذا ولد للمكلف مولود قبل غروب الشمس من آخر شهر رمضان وجبت على المكلف فطرته، و كذلك إذا كان المولود بعض عياله فكان هو المنفق على مرضعته أو كانت المرضعة مستأجرة من ماله، و كذلك إذا تزوج امرأة أو ملك عبدا، أو استأجر خادما، بحيث دخل المذكورون في ضمن من يعول به قبل غروب الشمس من آخر شهر رمضان فتجب عليه فطرتهم.

و إذا كانت ولادة المولود و الزواج بالمرأة و تملك المملوك بعد غروب الشمس من ليلة الفطر أو مقارنا له لم تجب على الشخص فطرتهم، و يستحب له إخراج الفطرة عنهم إذا تحقق دخولهم في ضمن عائلته بعد الغروب أو قبل زوال الشمس من يوم الفطر.

المسألة 258:

إذا وجبت فطرة الإنسان على غيره لضيافة أو غيرها مما يوجب دخوله في ضمن عياله لم يجب عليه إخراج فطرة أخرى عن نفسه، و ان كان ممن تجب عليه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 230

الفطرة لو كان منفردا، فان لم يؤد المعيل الفطرة عنه عاصيا أو ناسيا أو غافلا، و علم الرجل المعال به بأن المعيل لم يؤد فطرته، فلا يترك الاحتياط بإخراج الفطرة عن نفسه إذا كان غنيا.

المسألة 259:

إذا كان المعيل فقيرا لا تجب عليه الفطرة لفقره، و كان الشخص المعال به غنيّا كالضيف الغني إذا أضافه الفقير، و كالمرأة الغنية إذا تزوجها فقير، وجب على المعال به إخراج الفطرة عن نفسه، و لا يسقط عنه الوجوب إذا تكلف المعيل الفقير فأدّى الفطرة عنه، و إذا أخرج الفقير المعيل الفطرة في هذه الصورة، و قصد بإخراجه التبرع عن المعال به سقطت الفطرة عنه بذلك.

المسألة 260:

تجب فطرة الزوجة على زوجها إذا كانت ممن يعول به الزوج بالفعل، حتى إذا كانت متمتعا بها أو كانت غير واجبة النفقة على الزوج لسبب اقتضى ذلك، و تسقط فطرتها عنه إذا كانت ممن لا يعول به بالفعل و ان كانت ممن تجب نفقتها عليه، و كذلك الحكم في العبد المملوك و غيره من واجبي النفقة، فالمدار في وجوب الفطرة على كونه ممن يعول به بالفعل لا على وجوب نفقته.

و إذا عال بالمرأة المتزوجة غير زوجها، وجبت فطرتها على ذلك المعيل إذا كان غنيا، و كذلك المملوك إذا عال به غير مالكه، فتجب فطرته على المعيل به، و إذا انفردت الزوجة فلم يعل بها زوجها و لا غيره، وجبت فطرتها على نفسها إذا كانت غنية.

المسألة 261:

إذا أنفق الولي الشرعي على الطفل أو المجنون من مالهما، لم تجب فطرتهما على الولي و لا عليهما.

المسألة 262:

يجوز للمكلف أن يوكل غيره إذا كان ثقة في دفع الفطرة الواجبة عليه من مال المكلف نفسه، و يجوز أن يوكله في إيصال الفطرة إلى الفقير، فإذا وكله في دفع الفطرة عنه تولى الوكيل النية عند دفع الفطرة إلى الفقير، و إذا وكله في الإيصال تولى المكلف بنفسه النية، فينوي الإيصال إلى الفقير بالدفع الى الوكيل، و قد ذكرنا مثل هذا في زكاة المال، و يجوز للمكلف أن يأذن للثقة في دفع الفطرة عنه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 231

من مال ذلك الثقة المأذون، فيتولى المأذون النية عنه كما في الصورة الأولى.

و لا يكفي مجرد توكيله لأحد أو الإذن له في براءة ذمة المكلّف من الوجوب ما لم يحصل له الوثوق بالإيصال إلى الفقير، و قد ذكرنا نظير هذا في زكاة المال.

المسألة 263:

إذا وجبت على المكلف فطرة غيره من ضيف أو أجير أو غيرهما، فأخرج ذلك الشخص المعال به الفطرة عن نفسه لم يجز ذلك عن المكلّف المعيل، و لم يسقط عنه الوجوب، و لا يكون ما دفعه عن نفسه فطرة، و هو غير مكلّف بها، إلا إذا قصد التبرع بما دفعه عن المكلّف المعيل، فيجزي عنه حين ذلك، و قد تقدّم مثل هذا الحكم في المسألة المائتين و التاسعة و الخمسين.

المسألة 264:

تحرم على الهاشمي فطرة غير الهاشمي، فلا يجوز له أن يأخذها منه و لا تجزي عن الدافع إذا دفعها إليه، و قد ذكرنا نظير هذا في زكاة المال، و لا فرق بين الرجل و المرأة، و تجوز فطرة الهاشمي للهاشمي، و يجوز للهاشمي دفع فطرته الى غيره.

المسألة 265:

المدار في الحكم الذي بيناه في المسألة الماضية على الشخص المعيل لا على من يعول به، فإذا كان الرجل المعيل غير هاشمي و كانت زوجته مثلا هاشمية، لم يجز له أن يدفع فطرتها إلى هاشمي، و إذا كان الرجل المعيل هاشميا و كانت زوجته غير هاشمية جاز له أن يدفع فطرتها إلى هاشمي و كذلك فطرة الآخرين غير الهاشميين من عياله، فيجوز له دفعها الى هاشمي.

المسألة 266:

المدار في وجوب فطرة الغير على المكلّف هو أن يكون ذلك الشخص ممن يعول المكلّف به، سواء كان مقيما معه في منزله أم كان في منزل آخر، و سواء كان معه في بلده أم كان في بلد آخر، فإذا كانت للرجل زوجة أو ولد أو مملوك أو غيرهم يقيمون في غير منزله أو في غير بلده، و كانوا ممن يعول ذلك الرجل بهم و ينفق عليهم من ماله وجبت عليه فطرتهم.

و إذا سافر الرجل عن أهله و تركهم في بلده و خلّف عندهم ما ينفقون منه على أنفسهم من ماله، وجبت عليه فطرتهم.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 232

المسألة 267:

إذا عال بالمرأة المتزوجة شخص آخر غير زوجها و كان المعيل بها فقيرا لا تجب عليه زكاة الفطرة لفقره أو كان عاصيا لا يؤدّي الفطرة عنها، فالأحوط لزوجها أن يدفع الفطرة عنها و ان لم يكن معيلا بها، و كذلك إذا كانت الزوجة منفردة ليست في عيال زوجها و لا في عيال غيره، و كانت فقيرة لا تؤدي الفطرة عن نفسها لفقرها، فالأحوط للزوج أن يدفع الفطرة عنها.

و كذلك الحكم في العبد المملوك إذا كان المعيل به غير سيّده، و كان المعيل فقيرا لا تجب عليه الفطرة، أو كان عاصيا لا يؤديها، أو لم يكن المملوك في عيال أحد، فالأحوط لسيده أن يؤدي الفطرة عنه.

المسألة 268:

يجب على المكلف أن يخرج الفطرة عن عياله و ان كان غائبا عنهم، و يجوز له أن يوكل بعضهم أو بعض الناس الآخرين فيخرج الوكيل فطرتهم من أموال المكلّف، و يجوز له أن يأذن له بذلك، و إذا وكل أحدا أو أذن له بإخراج الفطرة، فلا تبرأ ذمة المكلف من التكليف إلا إذا حصل له الوثوق بأن الوكيل أو المأذون قد أدى ما وجب عليه.

المسألة 269:

إذا كان الشخص ممن يعول به كافلان من الناس، وجبت فطرته على المعيلين به معا إذا كانا موسرين، و تكون الفطرة بينهما على نحو الاشتراك، و مثال ذلك: أن يكون للأب و الأم ولدان غنيان يعولان بهما، فتجب الفطرة على كل من الولدين، و يشتركان في دفع الصاع الذي يجب إخراجه عن الأب، و الصاع الذي يجب إخراجه عن الأم، و الأحوط للكافلين أن يتفقا في الجنس الذي يخرجان عن الفرد من حنطة أو شعير أو غيرهما.

و إذا كان أحد المعيلين غنيّا و الثاني فقيرا، وجب على الغني أن يخرج حصته من صاع الفطرة على الأحوط، و سقط الوجوب عن الفقير في حصته، و إذا كانا معسرين معا سقط الوجوب عنهما معا.

المسألة 270:

لا يكفي على الظاهر في عدّ الشخص عيالا للمكلف في نظر أهل العرف أن يبذل له المكلف من المال ما يكفيه في النفقة، بل يعتبر في عدّه عيالا أن يكون تابعا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 233

للمعيل في نظر أهل العرف.

المسألة 271:

تجب فطرة الرضيع على أبيه إذا كان أبوه هو المنفق على مرضعة الطفل و ان كانت المرضعة غير أمه، أو كانت المرضعة مستأجرة لرضاعه من مال الأب، و ان كان المنفق على المرضعة غيره، و كذلك الحكم في طفل غيره، فإذا كان الشخص هو الذي ينفق على المرضعة، أو كان هو الذي استأجرها لإرضاع الطفل من ماله ففطرة الطفل عليه، و قد سبقت الإشارة الى هذا في المسألة المائتين و السابعة و الخمسين.

و إذا كانت نفقة المرضعة من مال الرضيع نفسه، أو كانت مستأجرة لرضاعه من ماله، لم تجب فطرة الطفل على أحد، و ان كان القائم بنفقتها أبا الطفل أو قريبه.

المسألة 272:

لا يجب إخراج الفطرة عن الجنين في بطن أمه، إذا لم يولد قبل غروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان، و إذا ولد في ليلة الفطر أو في يوم الفطر قبل زوال الشمس منه، استحب إخراج الفطرة عنه، و قد سبق منا ذكر هذا.

المسألة 273:

يجب على المعيل أن يخرج زكاة الفطرة عن جميع من يعول به، و ان كان إنفاقه عليهم من مال حرام أو مغصوب.

المسألة 274:

إذا دفع الرجل المال الى عياله لينفقوه على أنفسهم، فلم يصرفوا المال المدفوع إليهم في النفقة، و صرفوا على أنفسهم من غير ماله، وجبت الفطرة عليه بعد صدق العيلولة و التبعية له عرفا بالدفع إليهم.

المسألة 275:

إذا مات المكلف بعد طلوع الفجر من يوم الفطر وجب إخراج الفطرة من تركته، عنه و عمّن يعول به، و كذلك إذا مات بعد غروب الشمس من ليلة الفطر و قبل طلوع الفجر على الأحوط، و إذا مات قبل أن تغرب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان لم يجب في التركة شي ء.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 234

المسألة 276:

إذا طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا، أو طلاقا بائنا، فالمدار في الحكم بوجوب فطرة المطلقة على الرجل و عدم وجوبها على وجود العيلولة بها و عدمه، فان كانت المطلقة من عيال الرجل وجبت عليه فطرتها و ان كان طلاقها بائنا، و ان لم تكن من عياله لم تجب عليه فطرتها، و ان كانت رجعيّة أو حاملا منه.

الفصل العاشر في جنس زكاة الفطرة و مقدارها
المسألة 277:

الضابط في الجنس الذي يجب أداء هذه الزكاة منه أن يكون قوتا في الجملة، من الأقوات الغالبة بين الناس في بلد المكلف، سواء كان من الأجناس المعروفة، كالحنطة و الشعير و الأرز و التمر و الزبيب، و الدخن و الذرة، أم كان من الأجناس غير المعروفة في البلاد الأخرى، و يراد بكونه قوتا في الجملة غالبا في البلد، أن يكون كثير الوجود و التقوت به بين الناس في بلد المكلف، و ان لم يقتصر عليه، كالعدس و الماش و اللبن و الدقيق و الخبز.

المسألة 278:

الأفضل في زكاة الفطرة إخراج التمر ثم إخراج الزبيب، و ما كان انفع للفقير و أصلح لحاله، و إذا دفع المكلف بعض الأجناس الأخرى و قصد بما دفعه أن يكون قيمة للتمر أو الزبيب، لم تحصل له فضيلة نفس التمر أو الزبيب، فإذا أراد دفع القيمة، فالأفضل له أن يختار ما هو أنفع للفقير و أصلح لحاله.

المسألة 279:

يعتبر في الجنس الذي يدفعه المكلف في الفطرة أن يكون صحيحا على الأحوط، فلا يكفي ما يكون معيبا، و يشترط فيه أن يكون خالصا، فلا يكفي إذا كان ممزوجا بجنس آخر أو بتراب و ما يشبهه، و يكفي دفعه إذا كان الشي ء الممزوج به مما يتسامح به لقلته، كالحشف القليل في التمر، و الزوان القليل في الحنطة، و أمثال ذلك مما يتعارف وجوده في الأقوات الدارجة، و يكفي دفع الممزوج إذا كان الخالص من الجنس بمقدار الواجب أو يزيد عليه.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 235

المسألة 280:

يكفي في أداء الواجب دفع القيمة لأحد الأجناس التي ذكرناها، إذا كانت القيمة المدفوعة من النقدين أو مما يعدّ بحكم الدراهم و الدنانير في كونه ثمنا رائجا في المعاملات كالأوراق النقدية، و النقود المسكوكة من النيكل و النحاس و شبهها، و يصح أن تكون القيمة من غير ذلك إذا كانت من غير جنس الفريضة، و إن كان الاقتصار على النقدين و ما هو بحكمهما أحوط استحبابا.

المسألة 281:

يجزي دفع الجنس المعيب، و الجنس الممزوج بغيره، و الجنس المشكوك في كفايته و عدمها، إذا دفع المكلف ذلك على أن يكون قيمة لما يريد إخراجه من الأجناس المجزية في زكاة الفطرة، و هذا إذا كانت القيمة من غير جنس الفريضة، و قد نبّهنا على هذا في ما تقدم.

المسألة 282:

إذا أراد المكلف أن يخرج القيمة عن أحد الأجناس المجزية في زكاة الفطرة، اعتبر قيمة ذلك الجنس وقت إخراج الفطرة، لا وقت وجوبها عليه، و اعتبر قيمته في بلد إخراج الفطرة لا في بلد المكلف أو أي بلد آخر.

المسألة 283:

يصح للمكلف أن يخرج الفطرة عن نفسه من جنس، و عن عياله من جنس آخر، و يجوز له أن يعدّد الأجناس بعدد من يعول به من الأفراد، فيخرج عن كل فرد منهم صاعا من جنس غير أجناس الآخرين، و يجوز له أن يدفع عن بعضهم الجنس و عن بعضهم القيمة.

المسألة 284:

المقدار الذي يجب على الإنسان إخراجه في زكاة الفطرة عن نفسه و عن كل فرد ممن يعول به هو صاع واحد من أي جنس أراد إخراجه من الأجناس المتقدم ذكرها.

و الصاع أربعة أمداد بالمدّ الشرعي، و هو عبارة أخرى عن تسعة أرطال بالرطل العراقي، و يبلغ وزنه ألفا و مائة و سبعين درهما بالدراهم الشرعية، و يكون تسعمائة و واحدا و عشرين درهما و ثلاثة أثمان الدرهم بالدراهم المتعارفة في السوق، و هو أيضا عبارة عن ثمانمائة و تسعة عشر مثقالا بالمثاقيل الشرعية،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 236

فيكون ستمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع المثقال بالمثاقيل الصيرفية.

و على هذا التحديد فيكون وزن الصاع بحساب الحقة الاسلامبولية المعروفة، عبارة عن حقتين اسلامبوليتين و ربع حقة، و يزيد على ذلك بواحد و عشرين درهما و ثلاثة أثمان الدرهم من الدراهم المتعارفة.

و الحقة الاسلامبولية الواحدة تساوي أربعمائة درهم متعارف، و تزن مائتين و ستة و ستين مثقالا صيرفيا و ثلثي المثقال على الأصح.

و الصاع بحسب الحقة الكبيرة المعروفة في مدينة النجف و توابعها يبلغ نصف حقة و ثمن حقة و يزيد على ذلك بواحد و ثلاثين مثقالا صيرفيا إلا حمصتين، و الحقة الكبيرة المذكورة تزن تسعمائة و ثلاثة و ثلاثين مثقالا صيرفيا و ثلث المثقال.

و الصاع بحسب المن الشاهي المعروف في بلاد إيران يزن نصف منّ و

ينقص عنه بخمسة و عشرين مثقالا صيرفيا و ثلاثة أرباع المثقال، و المن الشاهي المذكور يساوي ألفا و مائتين و ثمانين مثقالا صيرفيا.

و الصاع بحسب الربعة المعروفة في البحرين- و هي أربعمائة مثقال صيرفي- يكون ربعة واحدة و نصف ربعة و أربعة عشر مثقالا صيرفيا و ثلاثة أرباع المثقال.

و الصاع بحسب الكيلو غرام- و هو الوزن الغربي المعروف في أكثر البلاد- يبلغ كيلوين و يزيد عليهما بتسعمائة و ثمانية و أربعين غراما و خمسي الغرام، فمن دفع في فطرته ثلاثة كيلوات فقد زاد على الصاع واحدا و خمسين غراما و نصفا على وجه التقريب.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 237

الفصل الحادي عشر في وقت وجوب الفطرة و مصرفها
المسألة 285:

وقت وجوب زكاة الفطرة هو دخول ليلة الفطر على الأحوط، و اما وقت إخراجها فهو يوم الفطر، فلا يخرجها المكلف ليلا إلا من باب التقديم، و إذا مات المكلف قبل الفجر أخرجت من تركته احتياطا كما ذكرنا في المسألة المائتين و الخامسة و السبعين، و يستمر وقت إخراج زكاة الفطرة إلى زوال الشمس من نهار يوم الفطر، و لكن الأحوط أن لا يؤخر دفعها أو عزلها عن صلاة العيد، و ان صلّاها في أول وقتها.

المسألة 286:

إذا عزل المكلف فطرته الواجبة عليه في وقتها صحت، و وجب عليه دفعها الى المستحق و ان خرج الوقت، بل و ان تأخر دفعها يوما أو أياما أو أكثر، سواء كان معذورا في تأخيرها أم لا.

و إذا هو لم يدفع الفطرة و لم يعزلها حتى زالت الشمس و خرج وقتها، فالأقوى عدم سقوطها عنه فيجب عليه دفعها، و الأحوط له أن يؤديها بقصد القربة و لا يتعرض عند الدفع لنية الأداء و القضاء.

المسألة 287:

لا يبعد جواز تقديم الفطرة من أول شهر رمضان، و إذا قدّمها المكلف فالأحوط له أن لا ينوي الوجوب بها إلّا في يوم الفطر، و لا يجوز له أن يقدّمها قبل شهر رمضان، و إذا أراد ذلك لبعض الدواعي- كما إذا خاف عدم وجود أجناس الزكاة لديه إذا لم يدفعها في ذلك الوقت أو خاف عدم تيسّر المال عنده- دفع المال للفقير قرضا، ثم احتسبه عليه في يوم العيد فطرة إذا بقي الفقير على صفة الاستحقاق.

المسألة 288:

عزل الفطرة هو أن يفردها المكلف عن سائر أمواله، سواء كانت من الأجناس المجزية في الفطرة، أم من القيمة و ينويها فطرة حين عزلها في الوقت،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 238

و الأقوى لزوم تجديد النية عند ما يدفعها للمستحق، و يصح للمكلف أن يعزل بعض فطرته فيكون لهذا البعض حكم الفطرة المعزولة، و يكون لبقية فطرته حكم غير المعزولة.

و تشكل صحة العزل إذا جعلها في مال أكثر منها، بحيث يكون المال المعزول مشتركا بين المكلف و الزكاة. و يجوز له أن يعينها في مال مشترك بينه و بين غيره إذا كانت حصته من المال بقدر الفطرة أو أقل منها، فينوي أن حصته التي يملكها من المال فطرة، و يكون ذلك عزلا لها في ضمن ذلك المال.

المسألة 289:

إذا عزل المكلف فطرته و عينها في مال مخصوص لم يجز له ان يبدلها بعد العزل بعين أخرى.

المسألة 290:

إذا عزل المكلف الفطرة و لم يدفعها الى المستحق بعد عزلها فتلفت العين المعزولة، فإن كان تأخير دفعها لعدم وجود المستحق أو لعدم تمكنه من الدفع لبعض العوارض المانعة منه فلا ضمان عليه للعين التالفة، و ان أخر الدفع مع تمكنه منه كان ضامنا لها على الأحوط.

المسألة 291:

إذا عزل المكلف الفطرة فالأحوط له ان لا ينقلها بعد العزل الى بلد آخر مع وجود من يستحق الفطرة في البلد الذي عزلها فيه، بل و ان كان المكلف قد عزلها في بلد، ثم أراد أن ينقلها الى بلده، و إذا نقلها الى بلده أو الى بلد آخر فتلفت كان ضامنا لها على الأحوط.

المسألة 292:

الأفضل ان يكون أداء الفطرة في البلد الذي وجبت على المكلف فيه الفطرة، إلا إذا استلزم ذلك نقل الفطرة إليه، فقد تقدم ان الأحوط عدم النقل.

المسألة 293:

مصرف زكاة الفطرة هو بذاته مصرف زكاة المال و قد تقدم ذكره مفصّلا، نعم يجوز دفع الفطرة إلى المستضعف من أهل الخلاف إذا لم يوجد المستحق من المؤمنين، فلا تدفع اليه مع وجود فقير مؤمن على الأحوط.

و يجوز صرف زكاة الفطرة على أطفال المؤمنين و يجوز تمليكهم إياها بدفعها

كلمة التقوى، ج 2، ص: 239

إلى أوليائهم، و قد سبق ذكر جميع ذلك في زكاة المال.

المسألة 294:

لا يشترط في من تدفع اليه زكاة الفطرة ان يكون عادلا، و لا يجوز ان تدفع الى من يستعين بها على فعل المعاصي و المحرمات و من يكون الدفع إليه إعانة على الإثم أو إغراء بالقبيح، أو دفعا لغيره على اتباع خطواته في ذلك، و يمنع على الأحوط من دفعها الى شارب الخمر و المتجاهر بالمحرمات الكبيرة أو بترك الواجبات، و ان لم يصرف مال الفطرة في شي ء من ذلك.

المسألة 295:

يجوز للمكلف أن يتولى دفع الفطرة بنفسه مباشرة، و أن يوكل غيره في إعطائها من ماله أو في إيصالها إلى المستحق بعد ان يعزلها هو بنفسه إذا كان الوكيل ثقة و قد ذكرنا هذا في المسألة المائتين و الثانية و الستين، و الأحوط أن يدفعها الى الفقيه الجامع للشرائط.

المسألة 296:

إذا طلب الفقيه الجامع للشرائط دفع الفطرة إليه، فإن كان طلبه على وجه الحكم به وجب الدفع اليه و لم يختص إنفاذ الحكم بمقلديه خاصة، بل يجب الدفع اليه عليهم و على غيرهم، و إذا كان طلبه إياها على سبيل الفتوى بالدفع إليه، فإن كانت الخصوصية التي لاحظها الفقيه تقتضي أن يكون الفقيه هو المباشر بنفسه لقسمة مال الفطرة، وجب على من يقلده دفع الزكاة اليه و لم يجب ذلك على غيرهم، و ان كانت الخصوصية التي لاحظها انما تقتضي تعيين مصرف خاص للفطرة، جاز للمالك من مقلدي ذلك الفقيه ان يتولى بنفسه دفع الفطرة لذلك المصرف الخاص الذي أراده مقلده، إذا أمكن له تعيين الخصوصية التي لاحظها الفقيه، و أوجب ان يكون الفقير المستحق متصفا بها، و لم يجب عليه إعطاؤها إلى الفقيه المقلد نفسه، و كذلك الحكم في زكاة المال.

المسألة 297:

لا يعطى الفقير المستحق الواحد أقل من صاع واحد على الأحوط لزوما، حتى إذا اجتمع من الفقراء المستحقين جماعة لا تسعهم الفطرة الموجودة إذا قسّمها المالك عليهم صاعا صاعا، فلا يدفع الى الفقير منها أقل من صاع و ان أوجب ذلك حرمان بعضهم، و يجوز ان يدفع للفقير أكثر من ذلك بل و ان

كلمة التقوى، ج 2، ص: 240

أوجبت العطية غناه إذا كان الإعطاء له دفعة واحدة.

المسألة 298:

يستحب ترجيح الأرحام و الجيران و أهل الفضل و العلم و التقوى على من سواهم، فيفضلون على غيرهم في موارد القسمة، و يخصصون في مقامات التعيين، و عند تزاحمهم تلاحظ المرجحات.

المسألة 299:

إذا ادّعى الرجل انه فقير لم يصدّق قوله الا إذا ثبت فقره بعلم أو بيّنة، أو امارة توجب الوثوق بصدقه، أو يعلم بفقره سابقا فيستصحب فقره.

و الحمد لله رب العالمين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 241

كتاب الخمس

اشارة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 243

كتاب الخمس و هو: فرض فرضه الله سبحانه في صريح كتابه الكريم، و جعله للرسول (ص) و عترته و ذريته عوضا لهم عن الصدقات التي حرّمها عليهم، فقال تبارك اسمه وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ.، و ورد في الحديث عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع): (ان الله لا إله إلا هو حيث حرّم علينا الصدقة، أبدلنا بها الخمس، فالصدقة علينا حرام و الخمس لنا فريضة و الكرامة لنا حلال)، و عنه (ع): (لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئا ان يقول:

يا رب اشتريته بمالي، حتى يأذن له أهل الخمس).

و في هذا الكتاب ثلاثة فصول:

الفصل الأول في ما يجب فيه الخمس
المسألة الأولى:

يجب الخمس في سبعة أشياء: (الأول)، الغنائم التي يغتنمها المسلمون من الكفار بالقتال، إذا كانت الحرب معهم بإذن الإمام المعصوم (ع)، و المراد بالغنائم كل ما يستولي عليه المسلمون من أموال الكفار و أشيائهم بسبب الحرب معهم، و لا تختص بما يحويه الجيش المقاتل لهم من الأموال، نعم، في تعلق وجوب الخمس بالأرض و الأشجار و المساكن التي يأخذها المسلمون منهم نظر.

و إذا كان القتال مع الكفار بغير إذن الإمام (ع) فالغنيمة التي تؤخذ منهم كلها للإمام (ع)، من غير فرق بين زمان ظهور الإمام و زمان غيبته (ع)، و من غير فرق بين أن تكون الحرب معهم لامتناعهم عن الاستجابة للإسلام بعد دعوتهم إليه و غير ذلك.

و من الغنائم التي يجب فيها الخمس أيضا ما يأخذه المسلمون من الكفار في الحروب الدفاعية التي يبدأ الكفار فيها بقتال المسلمين فيدافع المسلمون بها

عن أرضهم و أوطانهم، سواء كانت في ظهور الإمام (ع) أم في غيبته.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 244

و من الغنائم أيضا الفداء الذي يؤخذ من الكفار عن بعض الأسرى أو غيرهم إذا كان ذلك بعد المقاتلة لهم و الغلبة عليهم، و منها الجزية التي يبذلها الكفار للسرية المجاهدة من المسلمين و ما يصالحون به من الأموال لكفّ الحرب عنهم، و إذا كان ذلك من غير قتال و غلبة، جرى فيه حكم الفوائد و أرباح المكاسب، فيجب الخمس في ما يزيد منه على مئونة السنة كما سيأتي بيانه.

المسألة الثانية:

الظاهر ان الحكم في ما يؤخذ من الكفار الحربيين للإسلام بالسرقة و النهب من أموالهم، أو بالاغتيال أو بالربا و أمثال ذلك من أساليب الاستيلاء على أموالهم هو حكم أرباح المكاسب، فيعتبر في وجوب الخمس فيه ان يزيد على مئونة السنة لمن يستولي عليه من المسلمين.

المسألة الثالثة:

يجب الخمس في غنائم الحرب الآنف ذكرها في المسألة الأولى بعد إخراج النفقات و المصارف التي تصرف على الغنيمة في ما تحتاج إليه من حفظ و حراسة، و نقل من موضع إلى موضع و رعاية، و من مأكل و مشرب إذا كانت من الإنسان أو الحيوان و غير ذلك، و بعد إخراج ما يجعله الإمام من أعيان الغنيمة لبعض المجاهدين أو غيرهم مكافأة له على عمل يقوم به في أثناء الجهاد أو الدفاع، أو على أمر دبّره، أو غير ذلك من وجوه المصالح في الحرب، و بعد إخراج ما يصطفيه الإمام (ع) لنفسه من الغنيمة، و ما من شأنه أن يختص به إمام المسلمين (ع).

المسألة الرابعة:

لا يدخل في غنائم الحرب ما يوجد في أيدي الكفار مغصوبا من مسلم، أو من كافر داخل في ذمة الإسلام، أو معاهد له، أو شبه أولئك من الذين تحترم أموالهم في دين الله، و إذا وجد شي ء من ذلك بين أعيان الغنيمة وجب أن يحفظ و يرد إلى أهله، و كذلك الأموال غير المغصوبة إذا اتفق وجودها عند الكفار من ودائع و أمانات و أعيان مستأجرة أو مبيعة و نحو ذلك.

المسألة الخامسة:

إذا وجد في الغنيمة بعض الأموال المغصوبة أو غير المغصوبة لكفار محاربين للإسلام أيضا، غير ان هذه الحرب لم تكن معهم، جاز أخذ تلك الأموال، و لا ريب في وجوب الخمس فيه، و هل يعد ذلك من غنائم الحرب فيجب الخمس فيه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 245

قبل إخراج مئونة السنة للمكلّف؟ أو يعدّ من الفوائد و أرباح المكاسب الداخلة عليه، فيجب الخمس في ما زاد منه على مئونة السنة؟ الأحوط الأول.

المسألة السادسة:

يباح ما يؤخذ من أموال الناصب الذي ثبت نصبه أينما وجده المؤمن، و يخرج خمس المال على الأحوط قبل مئونة السنة كما في الغنيمة.

المسألة السابعة:

إذا خرج البغاة و حاربهم المسلمون ليردّوهم إلى الطاعة، فإن كانوا من النصّاب جاز أخذ أموالهم، و جرى فيها حكم غنائم الحرب فوجب فيها إخراج الخمس، و قد ذكرنا هذا في المسألة السادسة، و ان لم يكونوا من النصّاب أشكل الحكم بحل أموالهم.

المسألة الثامنة:

يجب إخراج الخمس من غنيمة الحرب و ان كانت أقل من النصاب، و مقدار النصاب عشرون دينارا شرعيا من الذهب، فلا يشترط في وجوب الخمس في الغنيمة أن تبلغ هذا المقدار.

المسألة التاسعة:

إذا قتل الشخص المسلم أحدا من الكفار كان سلب ذلك المقتول من الغنيمة و لا يختص به قاتله، فيجب فيه الخمس كسائر أعيان الغنيمة، و إذا جعل الولي العام لأمور المسلمين سلب المقتول لمن يقتله اختص به قاتله دون غيره، فان جعله للقاتل على وجه الإطلاق و لم يذكر الخمس دفع السلب إليه، و كان على القاتل أداء خمسه، و إن جعله له بلا خمس وجب ان يخرج خمس السلب من بيت المال ثم يدفع للقاتل.

المسألة العاشرة:

الثاني من الأشياء التي يجب فيها الخمس: المعدن، كالذهب و الفضة و النحاس و الحديد و الرصاص، و العقيق و الياقوت، و الزبرجد و الفيروزج، و الكبريت و النفط، و القير، و الزيبق، و الملح، و الزرنيخ، و غيرها مما يصدق كونه من المعادن.

و اما الجص و النورة، و حجر الرحى، و طين غسل الرأس و الطين الأرمني، و المغرة، و هي الطين الأحمر، فالأحوط استحبابا اجراء حكم المعدن عليها، و ان

كلمة التقوى، ج 2، ص: 246

كان الأقوى انها من أرباح المكاسب، فيجب الخمس في ما زاد منها على مئونة السنة، و لا يعتبر فيها ان تبلغ مقدار النصاب المعتبر في خمس المعدن و سيأتي بيان هذا في المسألة الثانية عشرة.

المسألة 11:

يجب إخراج الخمس من المعدن، سواء عثر عليه في أرض مملوكة للواجد أم في أرض مباحة، و سواء كان الواجد له مسلما أم كافرا و ان كان حربيا، و سواء كان بالغا أم صغيرا، و عاقلا أم مجنونا فيجب على ولي الصغير و المجنون إخراج خمسه إذا بلغ مقدار النصاب.

و إذا كان مخرج المعدن كافرا و لم يؤد خمس المعدن باختياره جاز للحاكم الشرعي مع القدرة أن يجبره على تأديته، و إذا أسلم وجب عليه أداء الخمس إذا كانت العين موجودة، و سقط عنه الوجوب إذا كانت العين تالفة.

المسألة 12:

يشترط في وجوب الخمس من المعدن أن يبلغ ما أخرجه الواجد منه مقدار النصاب، و هو أن تكون قيمته عشرين دينارا شرعيا من الذهب، و لو قبل مئونة إخراجه و تصفيته، فإذا بلغ ذلك تعلّق به الخمس، و لكن الخمس يخرج منه بعد استثناء المئونة، و لا يجب الخمس إذا كان ما أخرجه أقل من ذلك، و ان كان الأحوط استحبابا للمكلف أن يدفع الخمس و ان لم تبلغ قيمته المقدار المذكور.

المسألة 13:

إذا أخرج الشخص الذي وجد المعدن منه دفعات متعددة، و كان جميع الدفعات يعدّ إخراجا واحدا في نظر أهل العرف، كفى في وجوب الخمس فيه ان تبلغ قيمة مجموع الدفعات نصابا، سواء أعرض الرجل عنه بين الدفعات ثم عاد أم لم يعرض حتى أتمها، و إذا كانت الدفعات تعدّ إخراجا متعددا عند أهل العرف، اعتبر في كل إخراج أن يبلغ مقدار النصاب، فلا يجب الخمس في ما يكون أقل من ذلك، سواء أعرض عنه في الأثناء أم لم يعرض.

المسألة 14:

إذا اشترك جماعة متعددون من الناس في معدن واحد فأخرجوه إخراجا واحدا مشتركا في ما بينهم وجب الخمس عليهم إذا بلغ مجموع ما أخرجوه مقدار النصاب، و ان كانت حصة الواحد منهم لا تبلغ ذلك.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 247

المسألة 15:

إذا كان المعدن مشتملا على جنسين أو أكثر، كفى في وجوب الخمس فيه ان يبلغ مجموع ما أخرج منه مقدار النصاب، و ان كانت قيمة كل جنس منه على انفراده دون النصاب.

المسألة 16:

إذا وجد المكلف الواحد معادن متعددة اعتبر في وجوب الخمس فيها، أن يبلغ ما أخرجه من كل معدن منها على انفراده نصابا تاما، سواء اتحد الجنس الذي أخرجه من تلك المعادن أم تعدد، فلا يجب الخمس في المعدن الذي لا يبلغ النصاب منها.

و إذا تقاربت المعادن المذكورة في المكان و اتّحد الجنس الذي أخرجه منها، بحيث كان ذلك موجبا لعد الجميع معدنا واحدا في نظر أهل العرف، كفى في وجوب الخمس أن يبلغ المجموع نصابا واحدا.

المسألة 17:

لا يكفي في أداء الواجب من خمس المعدن أن يخرج المكلف خمسا من مجموع تراب المعدن قبل أن يصفيه و يعلم بمقدار ما يحتوي عليه من جوهر ذلك المعدن، إلا إذا علم بان المقدار من التراب الذي أخرجه في الخمس يحتوي على خمس الجوهر الموجود في مجموع التراب أو يزيد عليه، و إذا شك في ذلك فلا بدّ من التصفية أو دفع ما يعلم بأنه يفي بالحق الواجب عليه.

المسألة 18:

إذا عثر الإنسان على معدن قد استخرج ما فيه من الجوهر أو استخرج مقدار منه، فوجد ذلك ظاهرا على وجه الأرض، فإن علم من القرائن الموجودة أو من أمارات أخرى ان مستخرج المعدن انسان و ان ذلك الإنسان الذي أخرجه قد قصد بفعله تملك ما في المعدن، كان ذلك المال الموجود من اللقطة، أو من مجهول المالك، فلا يتملكه واجده و لا يحلّ له و إن أخرج خمسه، و إذا أراد إخراج خمسه، فالأحوط أن يكون ذلك بمراجعة الحاكم الشرعي.

و إذا علم من القرائن الموجودة أو من دلائل أخرى ان الإنسان الذي استخرجه لم يقصد تملك المعدن بحيازته، أو علم بأنه قد اعرض عن المعدن بعد ان تملكه، فهو لواجده، و يجب عليه إخراج خمسه إذا علم بأن الذي استخرجه لم يؤد

كلمة التقوى، ج 2، ص: 248

خمسه، و كذلك إذا شك في أنه أخرج خمسه أو لا على الأحوط.

و كذلك الحكم إذا علم بأن المعدن قد أخرجه السيل أو المطر أو كشفه عاصف من الريح أو نبشه حيوان فهو لمن وجده، و يجب عليه إخراج خمسه، و إنما يجب الخمس في الفروض المذكورة إذا بلغ ما استخرج من المعدن مقدار النصاب.

المسألة 19:

إذا وجد معدن في أرض مملوكة، فهو ملك لمالك تلك الأرض بتبع أرضه، و إذا حازه احد غير مالك الأرض لم يملكه بحيازته، و إذا أخرجه ذلك الغير من الأرض بغير أمر مالكها فلا يثبت له حق على المالك بسبب إخراجه فليس له أن يطالبه بأجرة على عمله أو بمئونة إخراج، و على هذا فيجب على مالك الأرض أداء خمس مجموع المعدن إذا بلغ النصاب، إذ لا مئونة عليه في الفرض المذكور، و

إذا كان مالك الأرض هو الذي أخرج المعدن أو أخرجه غيره بأمره، أو كان محتاجا بعد إخراجه إلى عمل و تصفية، وجب الخمس على المالك بعد المئونة التي يتحملها.

المسألة 20:

إذا وجد المعدن في الأرض التي فتحها المسلمون من بلاد الكفار بالقتال، و كانت الأرض عامرة في وقت الفتح، فالمعدن مملوك لمن أخرجه إذا كان مسلما، و كان إخراجه للمعدن بإذن ولي أمر المسلمين و يجب عليه أداء خمسه، و كذلك الحكم إذا كانت الأرض التي وجد فيها المعدن من الأرض الموات في وقت الفتح، فالمعدن مملوك لمن أخرجه إذا كان مسلما و عليه أداء خمسه.

و إذا أخرج المعدن كافر من الأرض المفتوحة عنوة، ففي تملكه للمعدن إشكال، سواء كان في أرض معمورة في وقت الفتح أم في أرض موات، و كذلك الحال في المخرج المسلم إذا كان المعدن في الأرض المعمورة في حين الفتح، و كان إخراجه للمعدن بغير إذن ولي المسلمين، ففي تملكه للمعدن إشكال.

المسألة 21:

إذا استأجر الرجل عاملا ليستخرج له معدنا معيّنا، و حدّد في عقد الإجارة بينهما العمل المستأجر عليه، و المدّة و مقدار الأجرة، صحت الإجارة و ملك المستأجر على الأجير العمل له، فإذا استخرج العامل المعدن المعيّن و قصد بعمله

كلمة التقوى، ج 2، ص: 249

حيازة المستأجر للمعدن، ملك المستأجر المعدن الذي أخرجه و وجب عليه أداء خمسه بعد إخراج جميع المئونة التي أنفقها عليه، و منها أجرة الأجير.

و إذا كانت الأرض التي استخرج المعدن فيها مملوكة للمستأجر، فالمعدن مملوك له بتبع ملكه للأرض، و قد ذكرنا هذا في المسألة التاسعة عشرة، سواء قصد الأجير بعمله حيازة المعدن للمستأجر المالك أم لم يقصد ذلك، بل و ان قصد بعمله حيازة المعدن لنفسه، فان هذا القصد منه يقع لغوا و لا يؤثر شيئا، و كذلك إذا كان للمستأجر حق اختصاص في الأرض و ليس مالكا لها، كالأرض التي قد حجرها

فكان بذلك أولى بها من غيره، فلا يجوز للأجير أن يتصرف فيها بغير إذن المستأجر المحجر، و لا يملك المعدن الموجود فيها بالحيازة لنفسه.

المسألة 22:

إذا استأجر الرجل عاملا ليستخرج له المعدن كما فرضنا في المسألة المتقدمة، و حدّد له العمل المستأجر عليه و المدة و عيّن الأجرة، و كان المعدن الذي استأجره على إخراجه في أرض مباحة غير مملوكة و لا مختصة بالمستأجر و لا بأحد غيره، فإذا استخرج الأجير المعدن و قصد بعمله الحيازة للمستأجر، ملك المستأجر المعدن كما قلنا، و ملك العامل الأجرة المعيّنة على المستأجر، فيجب عليه خمس المعدن بعد أداء المئونة.

و إذا قصد الأجير بعمله حيازة المعدن لنفسه، فان كان الأجير في عقد الإجارة الواقع بينه و بين المستأجر قد ملّك المستأجر عمله في الإخراج و منفعته الخارجية فيه بالأجرة المعيّنة، لم يصح له أن يقصد بعمله تمليك المعدن لنفسه، بل يكون قصده هذا لغوا لا يؤثر شيئا بعد أن كان عمله الخارجي مملوكا للمستأجر بالعقد الجاري بينهما، و يكون المعدن مملوكا للمستأجر.

و إذا كان الأجير في العقد الواقع بينه و بين المستأجر قد ملّكه عملا في ذمته، و قصد بعمله في استخراج المعدن أن يسلّم المستأجر ما استحقه في ذمته من العمل المستأجر عليه، كان مقتضى ذلك أيضا أن يملك المستأجر المعدن، و إذا قصد الأجير مع ذلك حيازة المعدن لنفسه كان هذا القصد لغوا لا أثر له، فإنه نتيجة لعمله و هو مملوك للمستأجر حسب الفرض.

و إذا كان الأجير قد ملّك المستأجر عملا في ذمته، و لم يقصد بعمله في إخراج المعدن تسليم المستأجر ما استحقه في ذمته من العمل الذي استأجره عليه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 250

كما

قلنا في الفرض المتقدم، بل قصد بعمله حيازة ذلك المعدن لنفسه، فلا يبعد القول بصحة قصده في هذه الصورة، و يحكم بتملكه للمعدن إذا كان في أرض مباحة، و إن بقي مشغول الذمة للمستأجر بعمل الإجارة.

المسألة 23:

إذا شكّ المكلف في ان المقدار الذي أخرجه من المعدن يبلغ النصاب ليجب فيه الخمس أو لا يبلغ فلا يجب فيه شي ء، فالأحوط له الاختبار أو دفع الخمس، و ان كان الأقوى عدم وجوب ذلك.

المسألة 24:

الواجب في المعدن إنما هو إخراج الخمس من مادة الجوهر الذي يخرج من المعدن، فإذا عمل الإنسان في الجوهر عملا يوجب زيادة قيمته قبل أن يخرج خمسه، كما إذا صاغ تراب الذهب الذي أخرجه من المعدن فجعله حليا، أو حك الياقوت فصيّره عقدا أو فصّا، فالواجب عليه أن يخرج خمس المادة فعليه أن يقوّمها بمفردها و يؤدّي خمسها، نعم، يتعلق بما عمله خمس أرباح المكاسب إذا توفرت فيه شروط وجوب الخمس فيه، و سيأتي بيانها في الأمر السابع الذي يجب فيه الخمس.

المسألة 25:

الثالث من الأشياء التي يجب فيها الخمس: الكنز، و هو المال المذخور في أرض أو في جدار أو غيرهما سواء كان المال المذخور ذهبا أم فضة أم جوهرا أم غير ذلك مما يصدق عليه انه كنز في متفاهم أهل العرف، و سواء كان الذهب و الفضة مسكوكين أم لا، و سواء وجد الكنز في بلاد الإسلام أم في بلاد الكفر، إذا لم يعلم أنه مملوك لمسلم أو لكافر ذمي أو معاهد للإسلام، فيكون الكنز مملوكا لمن وجده، و يجب عليه ان يؤدي خمسه إذا بلغ مقدار النصاب.

المسألة 26:

إذا علم واجد الكنز بأنه مملوك لشخص مسلم أو ذمي أو معاهد وجب عليه ان يدفعه لمالكه إذا كان موجودا، و لوارثه إذا كان ميتا، و كان الوارث موجودا معلوما، و إذا كان المالك مجهولا وجب على واجد الكنز التعريف به إذا كان التعريف به ممكنا، فإن لم يعرفه أو كان التعريف بالكنز غير ممكن، تصدّق به بمراجعة الحاكم الشرعي على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 251

و إذا كان الكنز قديما و علم من القرائن و شواهد الحال بأنه مملوك لشخص مسلم أو ذمي أو معاهد جرى فيه حكم ميراث من لا وارث له على الأحوط فهو من الأنفال، و لا يملكه واجده في جميع الصور المذكورة.

المسألة 27:

إذا وجد الإنسان الكنز في أرض موات بالأصل أو في أرض خربة بعد العمارة و ليس لها مالك، أو وجده في أرض مملوكة لواجد الكنز و قد ملكها بالإحياء، فالكنز في جميع هذه الصور مملوك لواجده إذا لم يعلم بأنه مملوك لمالك محترم كما تقدم ذكره، و يجب عليه إخراج خمسه.

المسألة 28:

إذا وجد الإنسان الكنز في أرض مملوكة له و قد انتقلت إليه تلك الأرض من مالك آخر قبله بالشراء منه أو بالصلح أو بإحدى المعاملات الأخرى التي توجب التمليك الاختياري، وجب على واجد الكنز أن يعرّف به مالك الأرض قبله، فان لم يعرفه هذا، عرّف به من كان مالكا للأرض من قبله، و هكذا فان لم يعرفه احد منهم، فالكنز لواجده و يجب عليه فيه الخمس.

و انما يجب على الواجد ان يعرّف به من ملك الأرض قبله في الفرض المتقدم إذا علم من القرائن و شواهد الحال أن الكنز كان موجودا لما كانت الأرض في يد ذلك المالك، و إذا لم يعلم بوجود هذا الشرط و احتمل ان يكون الكنز متأخرا عن زمان يد ذلك المالك على الأرض، لم يجب تعريفه به، و هكذا الحال في المالك السابق عليه إذا لم يعرفه الأقرب، و هكذا من قبله، فلا يجب التعريف بالكنز على واجده إلا لمن أحرز جريان يده على الكنز.

المسألة 29:

إذا ادعى المالك السابق أن الكنز له صدّقه واجد الكنز في دعواه و دفعه إليه، و لا يتوقف وجوب تصديقه على أن يقيم بيّنة على صحة دعواه، و كذلك إذا لم يعرفه هذا المالك و ادعاه السابق عليه، و إذا ادعاه اثنان من الملاك السابقين على الواجد، فالقول قول الأقرب منهما في اليد إلى الواجد مع يمينه، إلا أن يقيم الآخر السابق عليه في اليد بينة على صحة دعواه فيكون الكنز له.

المسألة 30:

إذا وجد الكنز في أرض مستأجرة من مالكها أو مستعارة منه، بحيث كان

كلمة التقوى، ج 2، ص: 252

مستأجر الأرض أو مستعيرها صاحب يد عليها، وجب على الواجد تعريفه بالكنز كما يجب عليه تعريف مالك الأرض أيضا إذا كان صاحب يد عليها عرفا، فيعرّفهما معا، و لا ريب في ان الموارد مختلفة في صدق ذي اليد على المالك و المستأجر أو المستعير، عرفا و في قوة إحدى اليدين على الأخرى، فلا بد من مراعاة ذلك و ملاحظته، فإذا صدق على أحدهما انه هو صاحب اليد وحده و ادعى انه مالك الكنز، صدّق في دعواه و دفع الكنز اليه من غير بيّنة، و كذلك إذا صدق على كليهما عرفا انه صاحب اليد على الأرض، و ادعى الكنز أحدهما وحده و لم يدّعه الثاني، فيصدق المدعي في قوله و يدفع له الكنز، و إذا ادّعاه كلاهما قدّم قول من كانت يده أقوى.

المسألة 31:

يشترط في وجوب الخمس في الكنز أن يبلغ مقدار النصاب، و مقداره عشرون دينارا شرعيا إذا كان الكنز من الذهب، و مائتا درهم إذا كان من الفضة، و أقل الأمرين منهما على الأحوط إذا كان من جنس آخر غيرهما، و أحوط من ذلك ان يكتفى بأقل النصابين في الجميع.

المسألة 32:

إذا وجد الإنسان كنزا و تملكه، و كان الكنز يبلغ مقدار النصاب وجب فيه الخمس، سواء أخرجه واجده كله دفعة واحدة أم أخرجه في دفعات متعددة، أم لم يخرج منه شيئا، و لا يعتبر ان يبلغ ما يخرجه منه في المرة الواحدة مقدار النصاب.

المسألة 33:

إذا عثر الإنسان على كنوز متعددة، استقل كلّ واحد من الكنوز التي وجدها بحكمه و لم يرتبط بعضها ببعض، فإذا بلغ كنز منها مقدار النصاب وجب الخمس فيه، و لم يجب في الآخر إذا لم يبلغ مقداره و إذا كان كل واحد منها على انفراده لا يبلغ النصاب لم يجب الخمس فيها جميعا، و ان كان المجموع منها بمقدار النصاب أو يزيد عليه.

و إذا عثر على مال واحد مدفون في مكان واحد في ظروف متعددة، فهو كنز واحد، فإذا كان مجموع المال يبلغ مقدار النصاب وجب فيه الخمس، و ان تعدّدت ظروف المال، بل و ان تعدّد جنسه فكان كل ظرف مثلا يحوي جنسا من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 253

المال، و لا ينافي ذلك وحدة الكنز و وحدة الحكم فيه.

المسألة 34:

إذا بلغ الكنز مقدار النصاب قبل إخراج المئونة التي صرفها الإنسان على إخراج الكنز و تصفيته، تعلق به وجوب الخمس على الأحوط، و لكن الخمس يخرج منه بعد استثناء المئونة، و قد ذكرنا نظير هذا في حكم المعدن في المسألة الثانية عشرة.

المسألة 35:

إذا وجد جماعة من الناس كنزا واحدا، و اشتركوا في حيازته و تملكه، و كان مجموع ما أخرجوه منه يبلغ حد النصاب وجب الخمس فيه على الأحوط، و ان كانت حصة الفرد الواحد من الشركاء لا تبلغ النصاب.

المسألة 36:

إذا اشترى الرجل دابة أو حيوانا آخر فوجد في جوف ما اشتراه مالا، وجب عليه أن يعرّف بما وجده مالك الدابة أو الحيوان السابق عليه في الملك، فان هو لم يعرفه عرّف به المالك قبله، و هكذا، فإن لم يعرفه أحد منهم فهو للرجل الذي وجده، و إذا وجد المال في جوف حيوان قد ملكه بالحيازة و لم يجر عليه ملك أحد قبله، فالمال لواجده، و ليس المال في هذه الفروض من الكنز، فلا يجب فيه خمس الكنز، بل يكون من الفوائد و الأرباح المكتسبة، فيجري فيه حكمها، و يجب فيه الخمس بعد إخراج مئونة سنته من أرباحه و سيأتي تفصيل أحكامه و بيان شرائطه في الأمر السابع مما يجب فيه الخمس ان شاء الله تعالى.

و كذلك الحكم إذا وجد مالا في جوف سمكة قد اصطادها، فالمال له و يجري فيه حكم الأرباح أيضا، و إذا كان قد اشترى السمكة من مالك لها قبله، و احتمل ان المال لذلك المالك فعليه أن يعرفه بالمال و ان بعد الفرض، فإذا لم يعرفه فالمال ملك لواجده و هو من الأرباح فإذا توفرت فيه الشروط وجب فيه خمسها.

المسألة 37:

الرابع من الأشياء التي يجب فيها الخمس: ما يخرجه الإنسان من البحر بالغوص فيه من جوهر و لؤلؤ و نحوها، فيجب فيه الخمس، سواء كان معدنيا كاللؤلؤ، أم نباتيا كالمرجان، و لا يشمل الحكم مثل السمك و الحيوان، و ان أخرج بالغوص بل يكون من الأرباح و الفوائد المكتسبة فيكون فيه خمسها إذا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 254

توفرت شروط وجوبه.

المسألة 38:

يجب الخمس في المال الذي يخرجه الإنسان بالغوص إذا بلغت قيمته دينارا شرعيا فصاعدا، سواء اتّحد نوع المال الذي أخرجه أم تعدّد، و سواء أخرجه دفعة واحدة أم في دفعات متعددة، فإذا بلغت قيمة المجموع النصاب المذكور وجب الخمس فيه، و لا يجب في ما دون ذلك.

المسألة 39:

إذا بلغ مال الغوص مقدار النصاب المتقدم ذكره و لو قبل إخراج المئونة التي تصرف عليه، تعلّق به وجوب الخمس على الأحوط، و لكن الخمس يخرج مما زاد على المئونة و لا يخرج من المئونة كما تقدم في المعدن و الكنز.

المسألة 40:

إذا اشترك جماعة في الغوص فأخرجوا من المال ما تبلغ قيمته مقدار النصاب أو تزيد عليه وجب فيه الخمس على الأحوط، و ان كان نصيب كلّ فرد من الجماعة لا يبلغ النصاب و قد سبق نظير ذلك في الكنز و المعدن.

المسألة 41:

ما يخرجه الإنسان من البحر بالآلات من غير غوص لا يلحقه حكم مال الغوص، فلا يجب فيه خمسه و لا يتقدر بنصابه و ان كان ذلك أحوط، و الأظهر انه من الفوائد و الأرباح المكتسبة فيجب فيه خمس الأرباح إذا توفرت فيه شروط ذلك، و إذا غاص الرجل على المال فشدّه في حبل أو جمعه في آلة ثم أخرجه بها، وجب فيه خمس الغوص إذا بلغ النصاب.

المسألة 42:

إذا وجد الرجل الجوهرة أو اللؤلؤة في الساحل، أو أخرجتها الأمواج إلى وجه الماء فحازها من غير غوص لم يلحقها حكم مال الغوص، و لحقها حكم الأرباح المكتسبة و اعتبرت فيها شروطها.

المسألة 43:

إذا غاص الرجل في البحر لا بقصد الحيازة، فصادف جوهرة أو لؤلؤة أو مالا آخر، فأخذ ذلك، وجب فيه الخمس إذا قصد الحيازة حين أخذه للمال و بلغ مقدار النصاب.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 255

المسألة 44:

ما يخرج بالغوص من الأنهار الكبرى من أمثال دجلة و الفرات و النيل- إذا فرض تكوّن الجواهر و اللئالي فيها- يكون حكمه حكم ما يخرج من البحر على الأحوط، فيجب فيه خمس مال الغوص و يعتبر فيه ان يبلغ مقدار النصاب في مال الغوص.

المسألة 45:

إذا غرق مال في البحر أو ألقاه مالكه في البحر عند خوفه من غرق السفينة و أعرض عنه كان مباحا، فإذا أخرجه أحد بالغوص ملكه، و الظاهر عدم إلحاقه بمال الغوص في الحكم و ان كان من اللؤلؤ أو المرجان، فلا يكون فيه خمسه و لا نصابه، بل يجري فيه حكم الأرباح و الفوائد المكتسبة، فيعتبر فيه ان تجتمع فيه شروط هذا النوع، فإذا توفرت فيه شروطه وجب فيه خمسه بعد إخراج مئونة السنة.

المسألة 46:

إذا عثر الغواص في قاع البحر على بعض المعادن، كمعدن ياقوت أو غيره فأخرجه ملكه بإخراجه، و حيازته، و وجب فيه خمس مال الغوص و تعلق به حكمه على الأظهر و لم يتعلق به حكم المعدن.

المسألة 47:

ما يخرج من العنبر بالغوص في البحر يجري عليه حكم مال الغوص من الخمس و مقدار النصاب، و ما يؤخذ منه مما يوجد على وجه الماء أو من ساحل البحر، فالأحوط إخراج خمسه و ان لم تبلغ قيمته مقدار النصاب.

المسألة 48:

الخامس من الأشياء التي يجب فيها الخمس: الأرض التي يشتريها الكافر الذمي من المسلم، سواء كانت أرضا خالية، أم أرض زرع أو غرس، أم أرض دار أو عقار، إذا وقع عقد البيع على نفس الأرض، بحيث كانت الأرض نفسها متعلقا للمعاملة الجارية بينه و بين المسلم البائع، و ان كان الشجر و النخيل و البناء الموجود فيها متعلّقا للمعاملة أيضا، فيتعلق الخمس بنفس الأرض دون ما فيها من البناء و الأشجار و النخيل و الزرع، و لا يجب الخمس إذا وقع البيع على المسكن و الدار و الدكان و الخان و العمارة و الحمّام مثلا بعناوينها الخاصة التي تقابل

كلمة التقوى، ج 2، ص: 256

عنوان الأرض، و ان كانت الأرض داخلة في المبيع.

المسألة 49:

لا يجب الخمس في الأرض التي تنتقل إلى الرجل الذمي من المسلم إذا كان انتقالها إلى ملكه بغير البيع من المعاوضات أو كان انتقالها إليه بالتمليك المجاني بغير عوض.

المسألة 50:

يتخير المالك الذمي إذا تعلق الخمس بأرضه المذكورة بين أن يدفع الخمس من رقبة الأرض نفسها و ان يدفع خمس قيمتها، و يجب قبول ذلك منه، و إذا دفع الخمس من الأرض نفسها فليس لولي الخمس ان يقلع الغرس و البناء و الزرع الموجود فيها، بل عليه أن يبقيه في الأرض بأجرة مثل ذلك على الذمي.

المسألة 51:

ليس في هذا القسم من الخمس نصاب معين، بل يجب الخمس في الأرض المذكورة سواء كانت قيمتها قليلة أم كثيرة، و لا تجب في هذا القسم من الخمس نية القربة، فلا ينوي الآخذ القربة حين يأخذ الخمس من الذمي، و لا حين يدفعه إلى المستحق، و ان تولّى الحاكم الشرعي ذلك، و مصرف هذا الخمس هو مصرف غيره من أقسام الخمس.

المسألة 52:

إذا اشترى الذمي الأرض من المسلم وجب فيها الخمس كما ذكرنا، و لا يسقط عنه وجوب الخمس إذا أسلم بعد ذلك على الأحوط، و لا يسقط وجوب الخمس كذلك إذا باع الذمي الأرض على غيره، سواء كان المشتري كافرا أم مسلما، و لا يسقط الخمس إذا انتقلت الأرض منه إلى غيره بمعاملة أخرى غير البيع أو بميراث، و لا يسقط الخمس إذا ردّ الأرض مالكها الذمي على بائعها المسلم بإقالة أو بيع، و لا يسقط الخمس أيضا إذا كان للبائع المسلم الذي باع الأرض على الذمي خيار الفسخ، ففسخ بيعه على الذمي و استردّ الأرض منه على الأحوط في هذا الفرض الأخير.

نعم، إذا اشترى الأرض المذكورة شيعي أو ملكها بغير الشراء من الأسباب المملّكة جاز له أن يتصرف في الأرض من غير إخراج الخمس.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 257

المسألة 53:

إذا اشترى الذمي الأرض من مسلم و تعلق بها الخمس، ثم انتقلت عن ملكه إلى مالك آخر ببيع أو غيره، ثم اشتراها الذمي الأول مرة أخرى من مسلم وجب في الأرض خمس آخر.

فان كان قد أدّى خمس الأصل من عين الأرض صح بيعه ثم صح شراؤه و وجب عليه تخميس الأربعة أخماس الباقية من الأرض بعد الشراء الثاني، و ان كان قد أدّى الخمس الأول من القيمة ثم باع جميع الأرض ثم اشتراها من مسلم وجب عليه خمس جميع الأرض ثانيا، و كذلك إذا اشترى خمس العين بعد ان دفعه في الخمس و تملكه المستحق، و إذا لم يكن قد أدّى خمس الأصل لا من العين و لا من القيمة ففي صحة بيعه ثم في شرائه إشكال.

المسألة 54:

لا يصح ان يشترط الذمي في شرائه للأرض من المسلم أن لا يكون عليه خمس في الأرض، أو يشترط في العقد أن يكون الخمس على البائع، و إذا اشترط أحد الشرطين كان الشرط باطلا و ان قبل به البائع، و لا يصح كذلك ان يشترط في العقد سقوط بعض الخمس عنه: نصفه أو ربعه مثلا، أو يشترط أن يكون بعضه على البائع، فيبطل الشرط في جميع هذه الصور، نعم، يصح له ان يشترط في العقد على البائع المسلم أن يدفع الخمس عنه تبرعا من ماله، فإذا قبل البائع بالشرط وجب عليه الوفاء به، و لا يسقط الخمس عن المشتري الذمي حتى يؤدي البائع الخمس عنه و يفي له بالشرط، و كذلك إذا شرط الذمي عليه في العقد أن يدفع عنه بعض الخمس: نصفه أو ثلثه مثلا، فيلزم البائع أن يفي له بالشرط كما في الفرض المتقدم، و لا

يسقط الوجوب عن المشتري إلا إذا وفى البائع المسلم له بالشرط.

المسألة 55:

يصح للبائع المسلم أن يشترط في البيع على الذمي الذي يشتري الأرض منه أن يبيع الأرض عليه بعد أن يتملكها، أو يشترط عليه أن يبيعها على مسلم آخر، و لا يسقط الخمس عن المشتري الذمي بذلك.

المسألة 56:

إذا اشترى الذمي أرض الطفل المسلم من وليه الشرعي أو اشترى أرض

كلمة التقوى، ج 2، ص: 258

المجنون المسلم من وليه الشرعي صح شراؤه و نفذت أحكام الشراء و آثاره و وجب الخمس على الذمي في الأرض المشتراة.

المسألة 57:

إذا دفع الذمي خمس الأرض التي اشتراها من المسلم من عين الأرض، أو أخذه ولي الخمس من عين الأرض كذلك و تملّك المستحق ذلك البعض منها ثم اشتراه الذمي تعلق به الخمس.

المسألة 58:

السادس من الأشياء التي يجب فيها الخمس: المال الحلال المختلط بالحرام، بحيث لا يمتاز أحد المالين عن الآخر، و لا يعرف المالك الحقيقي للمال الحرام و لا مقداره، فيجب الخمس في مجموع المال على ما سيأتي تفصيله، فإذا أخرج المكلف خمسه كذلك حلّ له الباقي.

المسألة 59:

اختلاط المال الحلال بالمال الحرام قد يكون على وجه الإشاعة التامة كما إذا كان المالان من جنس واحد و امتزجت أجزاء أحدهما بأجزاء الآخر على نحو لا يمكن التمييز بين الأجزاء، و من أمثلة ذلك: ان يمتزج المائع بالمائع أو الدقيق بالدقيق، أو الحنطة بالحنطة حتى لا تتبين أجزاء المال بعضها عن بعض، و قد يكون الاختلاط بين المالين لا على وجه الإشاعة، و مثال ذلك: ان يكون لدى الرجل مقدار من أكياس الحنطة المملوكة له و اختلط عليه أمرها بمثلها من الحرام، فلم يدر أيّها المملوك له و أيها المحرم المملوك لغيره، أو كان عنده عدد من الكتب و اشتبهت بكتب غيره، فلم يميز بين ما يملكه منها و ما يملكه غيره، و الحكم في كلا الفرضين واحد، فإذا هو لم يعرف مقدار الحرام و لا صاحبه وجب عليه إخراج خمس المال و بإخراجه يحلّ له الباقي، سواء كان المالان المشتبه عليه أمرهما من جنس واحد أم أكثر.

المسألة 60:

يشترط في وجوب الخمس في المال الحلال المختلط بالحرام المتقدم ذكره: أن لا يعرف المكلف مقدار الحرام المختلط بماله، فلا يدري انه يزيد على خمس مجموع المال أو يساويه أو ينقص عنه، و بحكمه أن يعلم بأن الحرام الموجود لا يزيد على الخمس، فهو اما بمقدار الخمس من المجموع أو ينقص عنه، أو يعلم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 259

كذلك بان الحرام الموجود لا ينقص عن مقدار الخمس، فهو اما بمقدار الخمس أو يزيد عليه، و على وجه الإجمال: أن يحتمل ان يكون الحرام الموجود في المال بمقدار الخمس منه، فيكون إخراج الخمس من مجموع المال موجبا لحل الباقي منه.

المسألة 61:

إذا علم المكلف على وجه الإجمال بأن قدر المال الحرام الموجود في مجموع المال يزيد على خمسه، فالظاهر وجوب التصدّق بجميع المقدار المعلوم بالإجمال، و الأحوط لزوما ان يكون التصدق بالمقدار المذكور بإذن الحاكم الشرعي، و أحوط من ذلك أن يصرف جميع المقدار مصرف الخمس بنية التصدق بمجهول المالك أو الخمس بعد استئذان الحاكم الشرعي بذلك.

المسألة 62:

إذا علم المكلف إجمالا بأن الحرام الموجود في مجموع المال أقل من خمسه، فالظاهر وجوب التصدق بالمقدار المعلوم، و الأحوط لزوما ان يكون التصدق بإذن الحاكم الشرعي كما تقدم، و الأحوط إخراج الخمس و صرفه مصرف الخمس بنية الصدقة بمجهول المالك أو الخمس بعد استئذان الحاكم الشرعي بذلك.

المسألة 63:

إذا علم الشخص بمقدار المال الحرام الذي اختلط بماله و لم يعرف مالك ذلك المال وجب عليه التصدّق بالمقدار الحرام عن مالكه، و لا يترك الاحتياط بأن يكون التّصدق به عن مالكه المجهول بإذن الحاكم الشرعي، و إذا عرف المكلف مقدار المال الحرام و عرف مالكه وجب على المكلف دفعه إليه و لم يكفه دفع الخمس و ان كان مساويا له.

المسألة 64:

إذا جهل الشخص مقدار المال الحرام الذي اختلط مع ماله و عرف مالكه، صالحه عن المقدار الذي يملكه في المال المختلط، و إذا لم يرض المالك بالمصالحة، و دار الأمر في مقدار ماله بين الأقل و الأكثر جاز أن يدفع إليه الأقل إذا كان المال في يد الشخص المكلف، فإن لم يرض المالك بالقسمة تعيّن الرجوع إلى الحاكم الشرعي في حسم أصل الدعوى بينهما لا في القسمة، و إذا دار الأمر بين المتباينين، أو دار الأمر بين الأقل و الأكثر و لم يكن المال في يد الشخص المكلّف

كلمة التقوى، ج 2، ص: 260

تعين الرجوع إلى الحاكم في حسم أصل الدّعوى، و المسألة موضع إشكال، و لذلك فالمصالحة بينهما أحوط و أبرأ للذمم من الجانبين.

المسألة 65:

إذا تردد مالك المال الحرام بين افراد محصورين في العدد، فالأحوط وجوب التخلص من الحرام بإرضائهم جميعا، و خصوصا إذا كان اختلاط المال الحلال بالحرام بتقصير من المكلف نفسه، فإذا تعذّر عليه استرضاؤهم جميعا، أو لزم منه الضرر أو الحرج اللذان يرفعان التكليف، رجع في تعيين المالك منهم إلى القرعة.

المسألة 66:

إذا كان المال الحرام في ذمة الشخص المكلف و ليس مختلطا في عين ماله، فلا موضع للخمس، فإذا علم بجنس المال الحرام الذي في ذمته و علم مقداره و عرف صاحبه على التعيين، وجب عليه رد المال إليه، و إذا علم بوجود مالك المال بين أفراد محصورين في عددهم وجب عليه إرضاء الجميع على الأحوط، فإذا تعذّر عليه ذلك، أو لزم منه الحرج أو الضرر الرافع للتكليف رجع إلى القرعة، و إذا علم بوجود صاحب المال في جماعة أو بلد غير محصور في عدد الأفراد، تصدّق بالمال عنه، و الأحوط ان تكون الصدقة بالمال بإذن الحاكم الشرعي عن المالك المجهول، أو يدفع المال إلى الحاكم ليتصدّق به عنه.

و إذا علم جنس المال الحرام و تردد في مقداره بين الأقل و الأكثر، جاز له ان يكتفي بدفع الأقل، فيدفعه إلى المالك إذا عرفه على التعيين، و إذا تردد المالك عنده بين جماعة محصورين في عددهم كان عليه ان يسترضي الجميع كما تقدم، و إذا تعذّر ذلك أو لزم منه الضرر أو الحرج رجع إلى القرعة.

و إذا علم بوجود المالك بين أشخاص أو قبيلة غير محصورة في العدد، تصدّق بالمال عن المالك المجهول بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط، أو دفع المال إليه ليتصدّق به عنه على نهج ما تقدّم.

و في المسألة فروض أخرى ذكرناها في تعليقتنا على

كتاب الخمس من العروة الوثقى، فليرجع إليها من أراد.

المسألة 67:

يتخير المكلف في إخراج هذا القسم من الخمس، فيجوز له ان يدفع مقدار خمسه من مال آخر غير المال المخلوط نفسه، و يجوز له أن يخرجه من نفس المال

كلمة التقوى، ج 2، ص: 261

المخلوط الذي تعلّق به الحكم بعد ان يستأذن من الحاكم الشرعي في إخراجه منه و تعيينه على الأحوط.

المسألة 68:

إذا أخرج المكلف خمس مجموع المال الحلال المختلط بالحرام، على الوجه المطلوب و صرف الخمس في مصارفه ثم عرف مالك المال الحرام بعد ذلك، فلا يكون ضامنا للمالك ماله على الأقوى، و ليس للمالك أن يطالبه بشي ء، و كذلك الحكم في المال المجهول المالك إذا تصدّق به المكلف عن صاحبه ثم استبان له مالك المال بعد الصدقة به فلا ضمان على المكلّف على الأقوى، و ان كان الضمان أحوط له استحبابا في كلا الفرضين.

المسألة 69:

إذا أخرج المكلف الخمس من المال المختلط بالحرام و دفعه للمستحق، ثم علم بعد دفع الخمس ان المقدار الحرام الموجود في المال أقل من مقدار الخمس، لم يسترجع الزائد الذي دفعه إلى المستحق على الأحوط، إن لم يكن ذلك هو الأقوى.

و إذا دفع الخمس إلى المستحق، ثم علم ان الحرام الموجود في المال يزيد على مقدار الخمس الذي دفعه، فالأحوط له لزوما ان يتصدّق بما زاد منه على الخمس، و ان تكون الصدقة به بإذن الحاكم الشرعي.

المسألة 70:

إذا كان لدى الرجل مال معين مجهول المالك فخلطه عامدا بماله ليحلّله بدفع الخمس خوفا من زيادة ذلك المال على مقدار الخمس، فالظاهر ان المال لا يزال على حكم مجهول المالك فلا يحلّ له بالتخميس.

المسألة 71:

إذا كان المال الحلال الذي اختلط بالحرام مما وجب فيه الخمس، لانه من أرباح المكاسب أو من المعادن مثلا، ثم اختلط بالحرام، فالأحوط للمكلّف أن يخمس أولا مجموع المال المختلط ليحلّ بالتخميس مما فيه من الحرام، ثم يخمس الباقي من المال بعد ذلك، و ان كان يكفيه على الأقوى أن يخمس في أول الأمر المقدار الذي يستيقن بوجوب الخمس فيه من المال الحلال، ثم يخمس الباقي بعد ذلك خمس التحليل، و الفارق بين الطريقين واضح لا خفاء فيه.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 262

فإذا كان مجموع المال المختلط من الحلال و الحرام يبلغ مائة دينار مثلا، و كان المقدار الذي يتيقن وجوب الخمس فيه من المال الحلال ستين دينارا، فالباقي للمكلف من المال بعد إخراج الخمس الأول و الخمس الثاني على الطريقة الأولى أربعة و ستون دينارا لا غيرها، و الباقي له بعد إخراج الخمسين على الطريقة الثانية سبعون دينارا و ستمائة فلس.

المسألة 72:

إذا كان المال الحرام الذي اختلط بمال المكلف من المال المأخوذ بغير حق من الزكاة أو من الخمس أو من مال الوقف العام أو الخاص، لم يجب فيه الخمس بسبب الاختلاط، و لا يحلّ للمكلف أخذ الباقي منه إذا أخرج خمسه، بل يجري عليه حكم المال الحرام الذي يعرف مالكه، فيجب على المكلف ان يراجع الولي الشرعي لمال الزكاة أو مال الخمس، و ان يراجع ولي الوقف على الوجوه التي سبق ذكرها في المال المعلوم مالكه و قد بيّناها في المسائل الماضية.

المسألة 73:

إذا أتلف المكلف المال المختلط من الحلال و الحرام قبل ان يخرج الواجب من خمسه لم يسقط عنه وجوب الخمس بإتلاف المال، فان هو عرف مقدار مجموع المال المذكور، فهو مشغول الذمة بخمس ذلك المقدار، و يجب عليه أن يؤديه، و ان لم يعرف مقدار المال و تردّد فيه بين الأقل و الأكثر، جاز له ان يكتفي بدفع خمس الأقل، و الأحوط له استحبابا أن يدفع خمس الأكثر، و يتأكد الاحتياط و الاستحباب فيه إذا علم بمقدار المال في أول الأمر ثم قصّر و أخر دفع الخمس حتى نسي مقدار المال.

المسألة 74:

إذا باع المكلف المال المخلوط من الحلال و الحرام قبل أن يخرج خمسه، جاز لولي الخمس ان يرجع عليه بمقدار الخمس من المال، و صح له ان يرجع على مشتري المال المذكور فيأخذ منه خمس عين المال، و كذلك الحكم إذا نقل المكلف المال إلى مالك آخر بغير البيع من المعاملات، فيتخير ولي الخمس بين الأمرين، و يصح للحاكم الشرعي أن يمضي المعاملة التي أجراها المكلف على المال المذكور، فيأخذ منه خمس العوض الذي انتقل إليه ببيع المال أو بالمعاوضة الأخرى التي أجراها عليه، و إنما يصح هذا الإمضاء إذا لم يكن مخالفا لمصلحة الخمس.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 263

و مثال ذلك: ان يبيع المكلف المال بقيمته المتعارفة له بين الناس أو بما يزيد عليها، فيصح للحاكم في هذه الصورة إمضاء المعاملة كما قلنا، و إذا باع المال بأقل من قيمته لم يصح له إمضاء البيع لانه مخالف لمصلحة الخمس.

المسألة 75:

السابع من الأشياء التي يجب فيها الخمس: ما يزيد عن مئونة الإنسان لنفسه و لعياله في مدة سنة كاملة من فوائده التي تدخل عليه من الصناعات و الزراعات و الأعمال و التجارات و الإجارات و سائر وجوه المهن و الحرف و المكاسب، بل الأقوى وجوب الخمس في كل فائدة تدخل على الإنسان و ان لم تحصل بالتكسب و المعاوضة، كالهبات و الهدايا و الجوائز التي ينالها من بعض المتبرعين، و المكافاة التي قد تصل إليه لقيامه ببعض الأعمال، و ما يوصى به له من الأموال، و الميراث الذي يحصل له من غير احتساب، و النذور، و المهر للزوجة، و عوض الخلع، و حاصل الوقف الخاص، و حاصل الوقف العام إذا قبضه و تملكه، فيجب عليه

الخمس في جميع ذلك إذا زاد عن مئونة الرجل له و لعياله في مدة سنته.

المسألة 76:

المدار في وجوب الخمس في المال الذي يحصل للرجل بسبب الإرث ان يكون الميراث غير محتسب، سواء كان الوارث عالما بالرحم التي أوجبت له استحقاق الميراث أم كان جاهلا بها، و سواء كانت الرحم قريبة أم بعيدة.

المسألة 77:

إذا وجب على الإنسان الخمس في ماله و لم يؤدّه ثم مات، وجب على وارثه من بعده إخراج الخمس، سواء كان المال الذي تركه نفس العين التي تعلّق بها الخمس أم كان عوضها، و كذلك إذا أخرج بعض الخمس في حياته و ترك بعضه حتى مات، فيجب على الوارث إخراج بقية الخمس.

و إذا علم الوارث بأن مورّثه مات و قد انتقل الخمس إلى ذمته فاشتغلت ذمته به بعد ان كان متعلقا بعين المال، وجب عليه وفاؤه من أصل تركة الميت كسائر الديون التي تشتغل بها ذمة الميت.

المسألة 78:

إذا كان الرجل ممن يتعيش في حياته من الحقوق الشرعية الواجبة أو المندوبة، كالزكاة أو الخمس و ردّ المظالم و الصدقات الواجبة الأخرى أو

كلمة التقوى، ج 2، ص: 264

المندوبة، و اتفق ان زاد ما ملكه منها على مئونة السنة له و لعياله، وجب عليه الخمس في المقدار الزائد على المئونة، و إذا ملكها و نمت في ملكه نماءا متصلا أو منفصلا وجب عليه الخمس في نمائها، و سيأتي ان شاء الله تعالى بيان هذا في المسألة الثمانين.

المسألة 79:

إذا باع المكلف شيئا من الأشياء التي يملكها و قد تعلق وجوب الخمس بذلك الشي ء و لم يؤد المالك خمسه قبل البيع، كان البيع في مقدار الخمس من ذلك الشي ء فضوليا، لا يصح إلا بإجازة ولي الخمس و هو الحاكم الشرعي، فإذا هو أمضى البيع فيه و أجازه نفذ و صح، و أخذ الحاكم ثمن مقدار الخمس من البائع، و يجوز له ان يأخذ ثمن ذلك المقدار من المشتري، فإذا كان المشتري قد دفعه من قبل رجع به المشتري على البائع بعد ان يدفعه للحاكم، و إذا لم يمض الحاكم البيع فيه لم ينفذ و لم يصح، و جاز له ان يأخذ الخمس من عين المبيع سواء كانت بيد البائع أم بيد المشتري.

و كذلك الحكم إذا نقل المكلف عين المال الذي وجب فيه الخمس إلى ملك شخص آخر بمعاوضة أخرى غير البيع فتكون المعاملة فضولية في مقدار الخمس على النهج الذي ذكرناه في البيع، و إذا ملّكه المكلف لغيره بغير عوض لم يصح التمليك في مقدار الخمس.

المسألة 80:

يجب الخمس في النماء المنفصل للأعيان التي يملكها الإنسان، كالولد و اللبن من الحيوان المملوك، و كالبيض و الفراخ من الدجاج و الطيور المملوكة، و كالفسيل من النخيل و الودي من الشجر و ان كان الأصل مما لم يتعلق به وجوب الخمس بعد، أو كان الخمس قد تعلق به و ادّاه.

و يجب الخمس في ما هو كالمنفصل من النماء المتصل للعين المملوكة، كالصوف و الوبر من الحيوان، و كالحبوب و الثمر و التمر في الزرع و الشجر و النخيل، فيجب الخمس في هذين النوعين من النماء إذا تمّت فيهما شروط الوجوب المعتبرة في الأرباح و الفوائد.

و اما النماء

المتصل غير ذلك، فإنما يجب الخمس فيه على الأحوط، في ما إذا كان المقصود المتعارف بين الناس من ذلك الشي ء هو الانتفاع بنفس العين، و من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 265

أمثلة ذلك: بعض الشجر الذي لا يثمر فالمقصود المتعارف بين الناس من ذلك البعض هو الانتفاع بخشبه و أغصانه، فإذا نمت الشجرة منه و كبرت ازدادت فائدتها بذلك و تعلّق الخمس بهذا النماء، و الشجر الذي يتعارف بين الناس الانتفاع بورقه كالحنّاء، فإذا نمت شجرته و كثر ورقها كبرت فائدتها و تعلق الخمس بنمائها، و الحيوان الذي يقصد منه الانتفاع بلحمه و سمنه، فإذا سمنت البقرة أو الشاة أو المعزاة تعلق الخمس بنمائها على الأحوط.

و لا يجب الخمس في ما عدا ذلك من النماء المتصل إذا زاد، و ان كان الأحوط استحبابا إخراج خمسه إذا كانت لزيادة ذلك النماء مالية في نظر أهل العرف بحيث تصدق عليه الفائدة، و لكن صدق الفائدة على ذلك ممنوع و ان زادت المالية عرفا.

و لا يجب الخمس في النماء المتصل للعين المملوكة و لا في النماء المنفصل إذا كان مما يحتاج إليه المكلف في مئونته.

المسألة 81:

إذا ارتفعت قيمة السّلعة التي يملكها الإنسان من غير زيادة في عين السلعة و زادت ماليتها بسبب هذا الارتفاع، لم يجب الخمس في هذه الزيادة السوقية، إلا إذا باع المكلف السلعة بتلك القيمة و حصل بالفعل على الزيادة، فيجب عليه الخمس فيها، و هذا بشرط ان يكون الرجل قد ملك تلك السلعة بمعاوضة و كان العوض الذي أخذ السلعة به من جنس الثمن الذي باعها به، و مثال ذلك: ان يشتري الرجل السلعة بخمسين دينارا مثلا، ثم يبيعها عند ارتفاع قيمتها في السوق

بخمسة و سبعين دينارا، فيجب عليه الخمس في الفائدة التي حصلت له و هي مقدار التفاوت بين الثمنين.

و لا يجب الخمس في غير هذه الصورة، كما إذا ملك السلعة بالإرث، أو بهبة غير معوضة، أو ملكها بمعاوضة و كان العوض من غير جنس الثمن الذي باع به العين، و هذا كلّه إذا كان قد تملك العين للاقتناء، و سنتعرض في ما يأتي لحكم العين إذا كانت للتجارة.

المسألة 82:

إذا كانت السلعة التي يملكها المكلف من مال التجارة، بحيث كان قصده من تملكها ان يتّجر بها، و كان قد ملك السلعة بمعاوضة، سواء كان العوض الذي

كلمة التقوى، ج 2، ص: 266

دفعه في تملكها من جنس الثمن الذي يبيعها به أم من جنس آخر، فالظاهر وجوب الخمس في زيادة قيمتها بعد تمام السنة، إذا أمكن له ان يبيعها و ان لم يبعها بالفعل، و إذا لم يمكن له بيعها إلا في السنة التالية، كانت الزيادة من أرباح السنة التالية التي أمكن له البيع فيها، لا من أرباح السنة المتقدمة التي لم يمكن فيها البيع.

المسألة 83:

إذا ملك الشخص سلعة ليكتسب بها و يتّجر، فارتفعت قيمة السلعة في السوق و لم يبعها مالكها في حال ارتفاعها، ثم هبطت القيمة بعد تمام السنة أو في أثنائها، فإن كان الرجل مفرطا في عدم بيع السلعة بتلك الفرصة ضمن خمس زيادة القيمة في تلك الأيام فيجب عليه دفع بدله، و ان كان معذورا غير مفرط في نظر العقلاء، كما إذا ترك بيع السلعة لغيبته عن البلد في تلك الفرصة، أو لغفلته عن ارتفاع القيمة أو لعدم وجود المشتري بالفعل و كما إذا ترك البيع لانه يرجو زيادة السعر أكثر من القيمة الموجودة، أو لعذر آخر مقبول، فلا ضمان عليه للخمس المذكور.

المسألة 84:

ما يكون من سلع التجارة أو من قيمتها دينا في ذمة بعض الناس المتعاملين مع المكلف كالأشياء التي يشتريها سلفا، و الأشياء التي يبيعها نسيئة و ما يشبه ذلك، ان كان مما يمكن حصوله للمكلف إذا طالب المدين به و تيسّر ذلك له، بحيث يكون المال كالموجود لديه، لحلول الأجل في المعاملة و سهولة الوفاء بها متى طلب، فيجب على المكلف خمسه، و إذا اتفق ان زادت قيمة تلك السلع و أمكن له أخذها من المدين و بيعها قبل انتهاء السنة وجب عليه خمس الزيادة أيضا، و كانت من أرباح تلك السنة، و ان لم يمكن له تحصيلها بالفعل صبر إلى وقت تحصيلها، و تكون الزيادة من أرباح السنة المتقدمة على الأحوط.

المسألة 85:

إذا أقرض الرجل أحدا بعض أرباحه أو بعض فوائده في أثناء سنته، و لم يكن قرضه المبلغ لذلك الرجل وجها من وجوه التكسب و الاسترباح، فالظاهر وجوب الخمس في ما أقرضه إيّاه من المال.

المسألة 86:

من أرباح الإنسان ما يدخل عليه من سرقفلية أملاكه و دكاكينه و محلّاته

كلمة التقوى، ج 2، ص: 267

إذا هو آجرها لغيره و أخذ من المستأجر قيمة السرقفلية ليختص المستأجر بتلك الاملاك التي استأجرها، فلا يخرج منها إلا باختياره و رضاه، فيملك المؤجر تلك القيمة (السرقفلية) من المال، و يملك المستأجر ذلك الحق بالعين المستأجرة بحسب الشرط الذي اتفقا عليه في ضمن عقد الإجارة بينهما، و جرى عليه الإيجاب و القبول.

و من الأرباح للمستأجر ما يدخل عليه من سرقفلية المحل أو الدكّان الذي استأجره هو من مالكه، و دفع له سرقفليته التي تقدم ذكرها، فأصبح المستأجر صاحب الحق بموجب الشروط المتبعة، فإذا أراد أن يؤجر المحل لشخص غيره و أخذ منه المبلغ (السرقفلية) لينتقل حق الاختصاص بالمحل منه إلى المستأجر الجديد كان هذا المبلغ من أرباحه الخاصة به.

بل حق الاختصاص هذا و هو (السرقفلية) إذا كان المستأجر قد دفع عوضها للمالك كما بيّنا في ما تقدم أو دفعه للمستأجر السابق عليه، فأصبحت حقّا ثابتا من حقوقه بحسب الشروط المتبعة التي جرى عليها العقد في أصل الإجارة، فإنها تكون من أرباح المستأجر في تلك السنة و يجب الخمس في قيمتها بعد إخراج المئونة، و ان لم يقبض عوضها من مستأجر بعده، و تراجع المسألة الثانية عشرة من رسالتنا في المسائل المستحدثة.

المسألة 87:

الحقوق التي تدفعها الحكومات أو الشركات للموظف عندها أو العامل لديها بعد أن تستغني عن وظيفته، أو عن عمله، فائدة من جملة فوائده التي تدخل عليه، و لذلك فيجب فيها الخمس إذا زادت عن مئونة سنته، و بحكمها ما يدفع لعائلة الموظف و العامل و ورثتهما من الحقوق بعد موتهما فيجب فيه الخمس إذا زاد

على مئونة السنة.

المسألة 88:

إذا ربح الإنسان أو استفاد مبلغا من المال من بعض الجهات، و أراد أن يجعل ذلك المبلغ رأس مال ليتجر به و يكتسب، فالأحوط له أن يؤدي خمس ذلك المبلغ قبل أن يتجر به.

و إذا كان الرجل- بحسب شرفه و منزلته في المجتمع و بين نظرائه من الناس- ممن لا بدّ له من رأس مال، و لا بدّ له من التجارة به، أو كان وجود رأس

كلمة التقوى، ج 2، ص: 268

المال عنده ضرورة له في تحصيل مئونة سنته بما يليق بحاله، بحيث لا يستطيع تحصيل المئونة بغير ذلك، فلا يبعد عدم وجوب الخمس عليه في رأس المال في هاتين الحالتين.

و كذلك الحكم في الآلات التي يحتاج إليها الرجل في صناعته أو حرفته التي يكتسب بها كآلات النجارة للنجار و أدوات الزراعة للزارع و أدوات النساجة للحائك، و أمثال ذلك، فالأحوط له وجوبا أن يخرج خمس الآلات و الأدوات أولا قبل ان يعمل بها و يكتسب، و إذا كان وجود هذه الآلات ضرورة له فلا يمكنه تحصيل مئونته بدونها، أو كان إخراج الخمس منها يوجب تنزّله إلى مكسب لا يليق بحاله أو لا يفي بمئونته فلا يبعد القول بعدم وجوب الخمس فيها كما قلنا في رأس المال لانه يكون من مئونته التي يحتاج إليها.

المسألة 89:

إذا اشترى الرجل من أرباح كسبه أو من بعض فوائده الداخلة عليه بستانا أو دارا أو عقارا، أو اشترى بعض وسائل النقل أو الحمولة أو نحو ذلك، ليستفيد من حاصل ما اشتراه و منافعه، أو ليحصل على الفائدة ببيعه و المعاوضة عليه، وجب عليه إخراج خمس ثمن تلك المشتريات إذا لم يكن قد أدّى خمسه قبل ذلك.

و كذلك ما ينفقه من

الأرباح و الفوائد في تعمير البستان أو الدار أو العقار الذي اشتراه و في غرس ما يحتاج إلى الغرس منه، فيجب إخراج خمس تلك النفقات إذا لم يكن قد أدّاه، و مثله ما ينفقه من الأرباح في تعمير البستان و غيره من الأشياء المذكورة إذا كانت مما لا خمس في أصله كما إذا دخل عليه بميراث محتسب.

المسألة 90:

إذا كان ثمن البستان أو الدار أو العقار أو الشي ء الآخر الذي اشتراه المكلّف دينا في ذمته، وجب عليه إخراج خمس الشي ء المشتري بعد وفاء ذلك الدين، و إذا وفى بعض الدين و بقي بعضه، وجب عليه إخراج خمس البعض الذي أدّى ثمنه من العين، فإذا وفى نصف ثمن البستان أو الدار وجب عليه خمس النصف الذي دفع ثمنه، و بقي النصف الآخر حتى يؤدي ثمنه فيخمسه.

و كذلك إذا اشترى من الأرباح و الفوائد غنما أو بقرا أو إبلا، ليبيعها

كلمة التقوى، ج 2، ص: 269

و يربح من ارتفاع قيمتها، أو ليكتسب ببيع لحمها أو بيع نتاجها من صوف و وبر و لبن و دهن و ولد، فيجب عليه خمس الثمن إذا لم يكن أدّى خمسه من قبل، و إذا باعها أو باع لحمها أو نتاجها، فحصل على زيادة كان عليه خمس الزيادة التي حصلت له، و قد سبق ذكر هذا.

و إذا اشترى البقر أو الغنم أو السيارة لحاجته و حاجة أهله كانت من المئونة فلا يجب الخمس في ثمنها.

المسألة 91:

إذا ملك الرجل بستانا و عمّره للانتفاع بثمره و تمره حتى نمت نخيله و أشجاره و زراعته كانت حاصلات النخيل و الشجر و البستان و الأرض من الفوائد التي تدخل عليه، فإذا زادت هذه الحاصلات على مئونة سنته له و لعياله وجب عليه الخمس في الزيادة، و قد ذكرنا في المسألة التاسعة و الثمانين و ما بعدها انه لا بدّ من تخميس الثمن الذي يشترى به البستان و النفقات التي تصرف في تعميره، و يجب كذلك تخميس الشجر و النخيل التي تغرس فيه، و ان أخذها وديا أو فسيلا من الشجر و النخيل الذي أخرج

خمسه، أو نبت بنفسه لا بفعل أحد كالشجر و فسيل النخل الذي ينبت في الأرض صغارا من سقوط بعض النوى و البذور فيها ثم ينمو و يكبر، فإذا عدّ مالا وجب فيه الخمس.

و اما نماء الشجر و النخيل المنفصل و المتصل فقد تقدّم بيان الحكم فيه في المسألة الثمانين فلتراجع.

و لا يجب الخمس في ارتفاع القيمة للبستان و نحوه في السوق، إلا إذا باعه المالك بأكثر من ثمنه الذي ملك به العين و مما صرفه فيه من ثمن الفسيل و أجرة الفلاح و غير ذلك فيجب الخمس في الزيادة.

و إذا كان الرجل قد تملّك البستان و عمره بقصد التكسب به و تحصيل الفائدة ببيعه، وجب الخمس في زيادة قيمته، و في نمو أشجاره و نخيله إذا زادت قيمته بذلك على الثمن الذي ملكه به، و المال الذي صرفه في تعميره.

المسألة 92:

إذا تعددت مكاسب الإنسان و مصادر فائدته من الأموال، وجب عليه أن يضبط في آخر سنته مجموع ما يحصل له من أرباح و فوائد، و ان يؤدي الخمس مما يزيد عن مئونة سنته من ذلك كله.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 270

المسألة 93:

إذا كان الوجه الذي اتخذه الإنسان في كسبه من الوجوه التي تأتي فوائدها و أرباحها متدرجة في الحصول من أول الشروع فيها، فمبدأ السنة لهذا الشخص هو أول شروعه في الاكتساب، فيكون ذلك الوقت هو أول سنته التي يجب عليه الخمس بعد إخراج مئونتها من مجموع ما اكتسب في السنة من أولها إلى انتهائها، سواء كان الوجه الذي يكتسب به من التجارات أم من الصناعات أم من الأعمال التي تكون لها هذه الصفة.

و إذا كان الوجه الذي يكتسب به الرجل من الوجوه التي تتأخر أرباحها عن وقت الشروع فيها، كالزراعة و الغرس و الفلاحة، فمبدأ السنة له هو وقت ظهور الربح، سواء استمر ظهور الربح مدة بعد ذلك، أم ظهر دفعة ثم انقطع، و كان ما ظهر منه يكفي لمئونة السنة.

و إذا لم تكن للرجل مهنة خاصة يكتسب بها، و حصلت له بعض الفوائد التي تكفيه لمئونته، فمبدأ السنة هو وقت حصول الفائدة.

و إذا تعدّدت وجوه الاكتساب عند الشخص فمبدأ سنته هو أول السنة في أسبق وجوه اكتسابه لتحصيل الفائدة، سواء كان من القسم الأول أم من القسم الثاني، و سواء كان أسبق وجوه اكتسابه أكثرها فائدة أم أقلها، و يجب عليه في آخر سنته أن يضبط مجموع ما حصل له من الفوائد، و يخمس ما يزيد عن مئونة سنته من ذلك كلّه، كما قلنا في المسألة المتقدمة.

المسألة 94:

من الفوائد التي يتعلق بها وجوب الخمس إذا زادت على مئونة الإنسان لسنته، ما يدخل عليه من نماء الغنم التي يملكها، فإذا ملك الرجل قطيعا من الغنم مثلا، و أنتج القطيع من الصوف و اللبن و الدهن و الجبن و أولد سخالا، و باع هذا النتاج، و

حصل منه على أثمان كان ذلك من الفوائد و الأرباح، فإذا زادت الأثمان على مئونته في السنة وجب عليه الخمس في الزائد منها، سواء كانت الغنم التي ملكها مما لا خمس فيه، كما إذا انتقلت إليه بميراث محتسب، أم كانت مما فيه الخمس كما إذا كانت نتاجا وجب فيه الخمس و لم يؤدّه، أم كانت نتاجا قد أدّى خمسة، أو مشتراة بثمن قد خمسه، و كذلك الحكم في غير الغنم من الأنعام أو سائر الحيوان.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 271

المسألة 95:

إذا ظهرت الأرباح و الفوائد من كسب الرجل و مصادر رزقه، بدأ بإخراج مئونته التي يحتاج إليها في تحصيل الربح أو في معيشته و معيشة من يعول به لسنة تامة، فإذا فضل من الأرباح التي اكتسبها شي ء بعد المئونة وجب فيه الخمس و قد تكرر منا ذكر هذا.

و تنحصر المئونة المذكورة في قسمين:

القسم الأول من المئونة ما يصرفه الرجل من المال في تحصيل الربح و ضبطه و حفظه، كأجرة الدكان أو المحل الذي تودع فيه البضاعة و سلع الاكتساب و تحفظ فيه، أو تعرض فيه للراغبين، أو يكون موضعا للعمل و مخزنا للأدوات، و عوض السرقفلية الذي يلزمه ان يدفعه لمالك الدكان أو المحل، أو للمستأجر السابق عليه، و أجور النقل و التحميل و الكتابة و الحساب و الحراسة في ما يحتاج إلى ذلك، و ضرائب الدولة و أجور العامل و الفلاح و الزارع و الراعي و نحو ذلك.

القسم الثاني من المئونة ما يحتاج الإنسان إلى صرفه من المال في الإنفاق على نفسه و عياله على الوجه اللائق بشأنه بحسب شرفه و منزلته في مجتمعة و بلده، من المأكل و الملبس و موضع السكنى، و

الزوجة المناسبة لمكانته، و الأثاث و الفرش و الأواني و الأدوات الكافية، و وسائل الراحة، بل و الخدم و الكتب إذا كان ممن يحتاج إلى ذلك.

و من المئونة ما يحتاج إليه من المال لصدقاته و هداياه و جوائزه التي تناسبه، و زيارته لبعض المشاهد، و ضيافة أضيافه و تكريم بعض الوافدين إليه، و ما يحتاج إليه لاداء الحقوق التي تلزمه من ديون أو نذور، أو كفّارات أو فديات أو أروش جنايات، أو غرامات بسبب إتلاف و شبهه.

و من المئونة ما يحتاج إليه من النفقات و المصارف و الإطعام في بعض المناسبات، و عند ولادة أولاده، و في تربيتهم و تعليمهم، و في ختانهم و تزويجهم، و في مرضه أو مرض بعض أولاده و عياله و في أسفاره للعلاج و غيره، و على وجه الإجمال كل ما يتعارف للإنسان صرف المال فيه على الوجه الذي يحتاج إليه أو الوجه الذي يليق بحاله.

فلا يستثنى ما يزيد من النفقات على ما يليق بحاله، مما يعدّ عند العقلاء

كلمة التقوى، ج 2، ص: 272

و أهل العرف سفها أو سرفا بالنسبة إليه، و لا يستثنى كذلك ما يزيد منها على ما يليق بحاله و ان كان مما لا يعدّ سفها و لا سرفا، و ان كان من المئونة، فالمدار في الاستثناء على المئونة المتعارفة التي تليق بحاله كما ذكرنا.

المسألة 96:

من المئونة ما يكون الانتفاع به بإتلاف عينه و إذهابها، و من هذا القسم:

المأكولات و المشروبات، و الصابون للغسل و التنظيف و ما أشبهها، و من المئونة ما ينتفع به مع بقاء عينه، و من هذا القسم: المسكن و الأجهزة المنزلية للإنارة و التبريد و التدفئة، و الظروف و الأمتعة و

نحوها، فيجوز للمكلف أن يشتري من ذلك في أثناء سنته ما يحتاج إليه من ربح سنته، فيشتري من ربحه دارا يسكنها بالفعل، و أجهزة و ظروفا يحتاج إليها، و يكفي في الحاجة ان يعدّ الشي ء منها لوقت الحاجة بحسب ما يتعارف له فيشتري الفرش و الأواني لمن يقدم عليه من ضيوف و زوار و ان لم يكن محتاجا إليه بالفعل، و يشتري لنفسه و لأولاده و عياله ملابس الشتاء أو ملابس الصيف قبل ان يحين وقتها.

المسألة 97:

يجوز للإنسان أن ينفق مئونته من أرباح سنته، و ان كان يملك مالا آخر قد اخرج خمسه، أو يملك مالا آخر لا يجب الخمس فيه كالمال الذي انتقل إليه بالميراث، و ان كان الأحوط له استحبابا أن يوزّع مئونته على المالين.

المسألة 98:

إذا كان المكلف يملك دارا للسكنى و أثاثا للمنزل و أدوات للحاجة و نحو ذلك قبل سنة الربح اكتفى بذلك، و لم يعد محتاجا إلى هذه الأشياء التي يملكها من قبل، فلا يسقط الخمس عن مقدار قيمة هذه الأشياء من الربح.

المسألة 99:

لا يسقط وجوب الخمس عن مقدار المئونة من الربح حتى يصرفها المكلف بالفعل، فلا تحسب له إذا قتر على نفسه فلم ينفقها، و لا يستثنى له مقدار المئونة إذا تبرع له بها متبرع من الناس، فيجب عليه أداء خمسها في الصورتين.

المسألة 100:

إذا اشترى الإنسان من الربح لمئونته مقدارا من الحبوب أو الدهن أو السكر أو غيرها مما تصرف عينه فزاد بعضه على المئونة وجب على المكلف

كلمة التقوى، ج 2، ص: 273

إخراج خمس ما زاد منه، و كذلك إذا اشترى أقمشة لملابسه و ملابس أهله و أولاده في أثناء السنة، ففضل بعض الأقمشة التي اشتراها عن الحاجة في السنة فيجب عليه إخراج خمس ما فضل منها.

و اما الأشياء التي تبقى أعيانها مع الانتفاع بها في السنة، فلا يجب الخمس فيها إذا كان من شأنها أن تدّخر للانتفاع بها في السنين الآتية، كالمسكن و الأمتعة و الأواني، و ان استغنى عنها في بعض السنة كملابس الصيف في أيام الشتاء و ملابس الشتاء في أيام الصيف.

المسألة 101:

إذا استغنى الإنسان عن بعض الأعيان التي اشتراها من الربح لمئونته و كانت الأشياء المذكورة من شأنها أن تدّخر للسنين الآتية لم يجب الخمس فيها، سواء كان الاستغناء عنها بعد انتهاء السنة التي اشترى الأشياء من ربحها أم كان الاستغناء عنها في أثناء سنة الربح، و قد ذكرنا هذا في المسألة المتقدمة في ملابس الصيف في الشتاء و ملابس الشتاء في الصيف، بل و لا يجب فيها الخمس إذا استغنى عنها في جميع أيام السنة الثانية إذا كانت مما يحتاج إليه في ما بعدها من السنين.

و إذا استغنى عن الأشياء التي اشتراها من الربح في أثناء السنة أو بعد انتهائها استغناء تاما، فلا يحتاج إليها في السنين المقبلة، فالظاهر وجوب الخمس فيها، و كذلك الحكم في حلي المرأة فيجري فيها التفصيل المذكور.

المسألة 102:

إذا اشترى الرجل بعض الأشياء لمئونته في السنة من مال قد أخرج خمسه، و بقي بعض الأشياء التي اشتراها من ذلك المال إلى السنة اللاحقة لم يجب عليه الخمس في ما بقي و ان زادت قيمته السوقية على الثمن الذي اشتراه به، و إذا نقصت قيمته لم يجبر نقصه من ربح السنة.

المسألة 103:

إذا مات الرجل في أثناء سنة اكتسابه بعد ان حصل على الربح أو على شي ء منه، وجب على الوارث أن يخرج الخمس من الربح الذي حصل له بعد استثناء مئونته و مئونة عياله في المدة التي كان فيها حيّا، و يسقط اعتبار مئونة ما بعد موته.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 274

المسألة 104:

إذا لم يربح الشخص في كسب سنته، ثم ربح في السنة الثانية، لم يجز له أن يخرج مئونته في السنة الأولى من ربحه في السنة الثانية.

المسألة 105:

من مئونة الإنسان التي تخرج من أرباح سنته قبل الخمس ما يصرفه من المال في نفقة الحج إذا أتى به في سنة المئونة نفسها، فإذا وجب على المكلّف حج الإسلام بسبب الاستطاعة المالية له، سواء تحققت للمكلف الاستطاعة من ارباحه في تلك السنة أم كان وجوب الحج مستقرّا في ذمته من قبل، و خرج في تلك السنة لأداء الفريضة لم يجب عليه الخمس في نفقة الحج إذا هو لم يتجاوز في الصرف ما يتعارف من النفقة لأمثاله.

و ان لم يحج في سنته تلك لم يستثن له المقدار المذكور من الربح فيجب عليه الخمس فيه، سواء كان معذورا في تركه الحج في تلك السنة أم كان عاصيا فيه، فإذا حج في السنة الثانية أو في ما بعدها كانت نفقته من مئونة سنة حجة.

و إذا حج حجّا مندوبا و كان من شأنه أن يأتي بالحج المندوب كانت نفقته في حجه من المئونة إذا هو أخذها من ربح تلك السنة لا من أرباح السنين الماضية فلا يجب عليه الخمس فيها، و إذا أخذ النفقة من أرباح السنين السابقة وجب فيها الخمس إذا لم يكن قد أدّى خمسها من قبل.

المسألة 106:

إذا كانت استطاعة المكلف للحج مجتمعة من أرباح سنين متعددة وجب عليه الخمس في أرباح السنين المتقدمة إذا لم يكن قد أدّى خمسها من قبل، و لا يجب عليه الخمس في المقدار المتمم لاستطاعته من ربح السنة الحاضرة التي حج فيها، و يجوز له أن يأخذ نفقة حجه كلّها من ربح السنة الحاضرة وحدها إذا كان ربحها وافيا بالنفقة، و إذا أخذ النفقة منها وحدها لم يجب فيها الخمس، و إذا كان قد أدّى خمس أرباح السنين السابقة فلا

يجب فيها الخمس مرة أخرى إذا أراد الحج منها.

المسألة 107:

و من المئونة- التي تخرج من فوائد الإنسان و ربحه من مكاسبه قبل إخراج الخمس- ما يصرفه في نفقة العمرة إذا هو اعتمر في سنة ذلك الربح، سواء كانت

كلمة التقوى، ج 2، ص: 275

العمرة التي يأتي بها واجبة عليه أم مندوبة، و من المئونة ما يصرفه في نفقة زيارة الرسول (ص)، و زيارات المشاهد المشرفة الأخرى، و ان تعددت منه في عامه.

و هذا إذا كان من شأن ذلك الشخص أن يأتي بمثل هذه المندوبات كما قلنا في الحج المندوب. و المدار في ذلك كلّه على أن يكون صرف نفقات الحج و العمرة و المندوبات المذكورة في عام الربح.

فإذا انقضى الحول وجب الخمس في ما يبقى بعد انقضائه من زاد و نقود و غيرها من الأعيان التي تذهب بالانتفاع بها و ان كان لا يزال في أثناء السفر، و لا يجب الخمس في مثل الراحلة و الأثاث، و الأمتعة و نحوها من الأشياء التي تبقى أعيانها مع الانتفاع بها، و ان انقضى الحول، و كان قد اشتراها أو استأجرها من المال للسفر.

المسألة 108:

الظاهر أن وفاء الديون التي تكون على الإنسان يعدّ من مئونته في السنة، فإذا أدّى الدين من أرباح كسبه في السنة لم يجب الخمس في المبلغ الذي وفى به، سواء كانت الاستدانة في عام الربح أم كانت سابقه عليه، و سواء كان الدين لمئونته أم لغيرها، و سواء تمكن من وفائه قبل عام الربح أم لم يتمكن، فلا يجب الخمس في مال الربح الذي يفي به الدين في جميع الصّور.

نعم، إذا كان للدين ما يقابله من الأشياء المملوكة لذلك الإنسان في الخارج، و مثال ذلك: أن يشتري الرجل بالدين ضيعة أو عقارا أو

غيرهما من الأشياء فيتملكه، فإذا أدّى ذلك الدين من مال الربح كانت الضيعة أو العقار الذي يقابل الدين من فوائد ذلك العام، فيجب فيه الخمس، سواء كان الدين و المعاوضة على ذلك الشي ء في عامه أم في عام سابق.

المسألة 109:

إذا أراد الشخص المدين أن يؤدّي الدين من ربح العام بعد انقضائه، فإن كان ذلك الدين لمئونة سنة ذلك الربح فلا خمس عليه في ذلك، و ان كان الدين لغيرها من السنين الماضية وجب عليه ان يخرج خمس الربح قبل أن يؤدّي منه ذلك الدين، فإن أداء الديون السابقة انما تكون من مئونة السنة الحاضرة إذا تحقق الأداء في أثنائها، و ليس منها أن يؤدّي الدين السابق من ربح السنة بعد انقضائها.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 276

المسألة 110:

النذور و الكفارات التي تجب على الرجل و سائر الديون الشرعية التي تشتغل بها ذمته أو يتعلّق وجوبها بأعيان ماله، كالزكاة و الخمس و قيم الأشياء التي يتلفها أو يدخل النقص أو العيب فيها، و أروش الجنايات التي يجنيها و شروط المعاملات التي تلزمه، يكون شأن هذه الأمور شأن الديون العرفية، فيكون وفاؤها من المئونة، و يجري فيها الكلام الذي قدّمنا ذكره في الديون العرفية بجميع فروضه، فإذا هو أدّاها من ربح مكاسبه في أثناء السنة لم يجب الخمس في المقدار الذي تؤدّى به من المال و ان كان لزومها له قبل ذلك العام، و كذلك إذا أدّاها من ربحه في السنة بعد انقضاء السنة و كان لزومها له في تلك السنة، فلا يجب الخمس في المقدار الذي تؤدّى به من ربحها.

و إذا أراد أداءها من ربح السنة بعد انقضائها، و كان لزوم هذه الديون له قبل تلك السنة فلا بدّ من إخراج الخمس قبل أدائها.

المسألة 111:

ما يستقرضه الإنسان أو يستدينه لمئونته قبل أن يظهر الربح من كسبه لا يكون من مئونة سنة الربح فقد سبق منّا ان مبدأ السنة لا ينفك عن ظهور الربح، نعم، يكون ذلك من الدين السابق، فيجري فيه الكلام المتقدم في أداء الدين، و تلاحظ المسألة المائة و الثامنة.

المسألة 112:

إذا اعتقد الرجل في شي ء من الأشياء انه مما يحتاج إليه في مئونته فاشتراه من ربح السنة، ثم علم بعد شرائه ان الشي ء مما لا يحتاج إليه و انه قد أخطأ في اعتقاده، وجب عليه ان يخرج خمس ذلك الشي ء، و لا يترك الاحتياط في أن يلاحظ في تخميسه أكثر الأمرين من قيمة ذلك الشي ء في الوقت الحاضر و رأس المال الذي اشتراه به، و يتأكد هذا الاحتياط في الأشياء التي يشتريها و هو يعلم في حين شرائه إياها بعدم الحاجة إليها في الوقت الحاضر، كالفراش الزائد على الحاجة في المنزل و الكتب التي يعلم بعدم الحاجة إليها، و الجواهر التي تدّخر لوقت الحاجة، و كذلك الحكم إذا اشترى ذلك الشي ء بمبلغ في الذمة ثم وفاه من الربح، فيجري فيه كل ما بينّاه في المسألة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 277

المسألة 113:

إذا حصل الربح للإنسان من كسبه و كان زائدا على مئونته في السنة تعلّق به وجوب الخمس، و يجوز له أن يؤخر دفع الخمس إلى آخر السنة احتياطا للمئونة، لاحتمال أن تزيد على المقدار الذي يعتقد بكفايته، و احتمال ان تتجدد له مئونة اخرى لا يعلمها.

و من النتائج التي تترتب على ذلك، ما إذا علم المكلف بأنه لن توجد له مئونة تزيد على المقدار الذي اعتقد بالحاجة إليه، فالأحوط له استحبابا أن يعجل دفع الخمس و لا يؤخره، و من نتائج ذلك أنه إذا أتلف المال كان ضامنا للخمس، و كذلك إذا أسرف في صرف المال في المئونة، أو وهب المال لغيره، و كانت الهبة لا تعدّ من مئونته عرفا، أو كانت هبة غير لائقة بحاله، أو اشترى بالمال أو باعه على وجه المحاباة و

كانا غير لائقين بشأنه، فيكون ضامنا للخمس في جميع هذه الصور.

المسألة 114:

إذا احتاج المكلف إلى دار يسكنها، و لم يمكن له شراء الدار إلا بربح سنين متعددة من كسبه وجب عليه الخمس في أرباح السنين الماضية من قيمة الدار إذا لم يكن قد دفع خمسها من قبل، و لم يجب عليه الخمس في المقدار المتمم للثمن من ربح السنة التي يشتري فيها الدار، و هذا إذا اشترى الدار في أثناء السنة الأخيرة، و إذا اشتراها بعد انقضاء السنة الأخيرة وجب الخمس في الجميع، حتى في ربح السنة الأخيرة منها.

و كذلك الحكم إذا اشترى في السنة الأولى أرض الدار مثلا و اشترى في السنة الثانية أخشابها و حديدها و في السنة الثالثة حجارتها و آجرها، و هكذا حتى أتم المادة و البناء، فيجب الخمس في تلك الأعيان المشتراة، و لا يجب في ما يصرفه فيها من ربح السنة الأخيرة، إذا كان الصّرف في أثناء السنة و تمّ له سكنى الدار فيها.

و إذا كان الصرف من ربح السنة الأخيرة و السكنى في الدار بعد انتهاء السنة الأخيرة وجب فيه الخمس كما في السنين السابقة، و كذلك إذا كان الصرف في أثناء السنة و لم تحصل السكنى في الدار إلا بعد انتهاء السنة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 278

المسألة 115:

إذا اشترى المكلف دارا لسكناه بثمن بقي دينا في ذمته و سكن الدار، ثم وفى ثمنها من أرباح كسبه في السنة الثانية أو ما بعدها، لم يجب عليه الخمس في الدار و لا في الرّبح الذي وفى به الدين، و كذلك إذا وفى الدين اقساطا من أرباح سنين متعددة بعد شراء الدار و السكنى فيها، فلا يجب فيه الخمس، و كذلك الحكم في غير الدار من أعيان المئونة التي يحتاج إليها

في سنته إذا اشتراه بالدين ثم وفاه من الأرباح اللاحقة.

المسألة 116:

إذا دفع المكلف في أثناء سنته مقدارا من خمس أرباحه في تلك السنة، و كان المبلغ الذي دفعه من الربح فيها، و بعد أن تم حول الاكتساب شرع في حساب الباقي من أرباحه ليتعرّف مقدار خمسه، فعليه أن يدخل المبلغ الذي دفعه من الخمس في حساب الفاضل من الربح، و يتعرّف مقدار خمس الجميع، ثم يسقط ما دفعه من مقدار الخمس الواجب.

المسألة 117:

إذا تلف بعض أشياء المكلف غير المال الذي يكتسب به أو يتجر، أو سرق ذلك الشي ء منه أو غصب، فقد يكون ذلك الشي ء التالف من المئونة التي يحتاج إليها، كما إذا تلف أو سرق بعض فرشه أو أوانيه، فيحتاج إلى شراء غيره من الربح و يكون الشي ء الذي يشتريه بدلا عن التالف من المئونة، و لذلك فلا يجب فيه الخمس، و كذلك إذا كان تلف ذلك الشي ء من أموال المكلف يعدّ في نظر أهل العرف مانعا من صدق الفائدة على الربح الموجود، و مثال ذلك: ان تتلف منه جوهرة عزيزة المنال لا يعوض باقي الربح عنها، بحيث لا يصدق عليه بعد تلفها منه انه ربح في كسبه، فلا يجب فيه الخمس، و في غير هاتين الصورتين فالظاهر وجوب الخمس في الباقي.

المسألة 118:

إذا كان للإنسان أنواع متعددة من التجارة أو من الزراعة أو من وجوه المكاسب الأخرى، و اتفق له ان خسر في بعض تلك الأنواع في سنته أو تلف بعض رأس ماله في البعض و ربح في البعض الآخر، فان كان تلف التالف من أمواله أو خسارته في تجارته تلك يكون في نظر أهل العرف مانعا من صدق الربح

كلمة التقوى، ج 2، ص: 279

أو الفائدة على الربح الذي حصل له من الجهة الأخرى لم يجب الخمس في ذلك الربح كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، و إذا منع من صدق الفائدة في المقدار الذي يسدّ النقص الذي طرأ له في النوع الثاني من كسبه لم يجب الخمس في ذلك المقدار، و ان لم يكن في نظرهم مانعا من صدق الربح أو الفائدة عليه فالظاهر وجوب الخمس في ذلك الربح.

و لا فرق في الحكم بين ان

يقع ذلك في تجارة واحدة أو زراعة واحدة، و ان يكون في تجارات أو زراعات متعددة، و أن يكون في تجارة و زراعة أو غيرها من المكاسب و الفوائد.

و كذلك الحال إذا صرف الإنسان بعض تلك الأموال في نفقاته و بعد ذلك ظهر الربح، فيلاحظ المقياس المذكور من نظر أهل العرف، و لا يبعد أن لاستقلال التجارات و وجوه الاكتساب بعضها عن بعض، و صغرها و كبرها دخلا في حكم العرف بذلك.

و إذا كان الشخص لشرفه و منزلته الاجتماعية الخاصة ممن يكون وجود رأس المال بيده للتجارة مئونة من مؤنة التي لا بدّ له منها، أو ضرورة لا يستطيع التكسب اللائق بشرفه إلا بوجوده، ثم تلف رأس ماله أو طرأت له خسارة أو نقصان فيه، عوّض ما تلف منه أو نقص من الربح الموجود، و لا يجب عليه الخمس في العوض، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثامنة و الثمانين، و كذلك آلات الصناعة إذا كانت ضرورية له في العمل فلا يقدر على التكسب إلا بها و قد ذكرناها أيضا في المسألة المشار إليها.

المسألة 119:

إذا انهدمت الدار التي يسكنها الرجل فليس له أن يأخذ هذه النقيصة التي دخلت عليه في ماله بسبب انهدام داره فيجبر نقصه في المال من الربح، نعم يجوز له أن يعمّر الدار من ربح سنته، فإذا عمرها و أنفق عليها كانت نفقة تعمير الدار من المئونة فلا يجب فيها الخمس، و إذا انهدمت له دار قد أعدّها للاكتساب بإجارتها و أراد عمارتها من الربح وجب عليه أن يخرج الخمس من نفقة التعمير.

المسألة 120:

إذا تعلّق وجوب الخمس بمال الشخص من الأرباح أو الفوائد، ثم أتلف أحد ذلك المال بعد تعلّق الخمس به كان المتلف ضامنا للخمس، سواء كان المتلف

كلمة التقوى، ج 2، ص: 280

هو مالك المال أم غيره، فيأخذ الحاكم الشرعي منه مثل الخمس إذا كان المال مثليّا و قيمته إذا كان قيميّا، و قد ذكرنا في المسألة التاسعة و السبعين حكم ما إذا باع المالك المال الذي تعلّق به الخمس أو اشترى به شيئا، أو نقله إلى ملك مالك غيره بمعاوضة أخرى غير البيع كالهبة المعوّضة و المصالحة بعوض، أو ملّكه غيره بغير عوض فلتلاحظ المسألة المذكورة.

المسألة 121:

إذا أجرى المالك معاملة البيع على الشي ء بثمن في الذمة، ثم دفع عين المال الذي تعلّق به الخمس وفاء عن الدين الذي اشتغلت به ذمته كانت المعاملة صحيحة غير فضولية فلا تحتاج في نفوذها إلى إمضاء الحاكم الشرعي كما هو الحكم في المسألة المشار إليها في المسألة المتقدمة، و بقيت ذمة المالك مشغولة بمقدار الخمس، فإذا كانت عين المال موجودة أخذ الحاكم الخمس من العين، و إذا كانت تالفة رجع بعوض الخمس من المثل أو القيمة و كان مخيّرا بين ان يرجع بالعوض على المالك و الآخذ.

و كذلك الحكم إذا كان النقل إلى الغير بمعاوضة أخرى غير البيع بعوض في الذمة ثم دفع المال وفاء عن الدين فيجري فيه البيان المذكور.

المسألة 122:

الأقوى ان تعلّق الخمس بالمال الذي يجب فيه من الأرباح أو غيرها، من قبيل تعلّق الحق بالعين نظير ما تقدم تفصيله في حق الزكاة، و لذلك فيشكل القول بجواز تصرف المالك في بعض مال الربح قبل أن يدفع خمس المال، و ان كان مقدار الخمس منه باقيا في يد المالك و كان من نيته ان يخرج الخمس من البقية، و يجوز له ذلك إذا صالحه الحاكم الشرعي بحسب ولايته فنقل الخمس من عين المال إلى ذمته.

المسألة 123:

إذا ظهر ربح الاكتساب في أول السنة أو في أثنائها، جاز للمالك أن يتصرف في الربح من حين ظهوره و أن يتجر به و يكتسب، و إذا حصل من الاتجار و التكسب بالربح ربح آخر أو فائدة، فالظاهر ان جميع ما يحصل منه مملوك لمالك المال، و ليس لأرباب الخمس منه شي ء، و يكون شأن هذا الربح كشأن سائر الأرباح التي تحصل للمالك، فإذا أخرجت منها المئونة و بقيت منها بقية وجب

كلمة التقوى، ج 2، ص: 281

الخمس في الباقي.

و إذا ظهر الربح في أول السنة أو في أثنائها كما قلنا في أول المسألة، و لم يتصرف المالك بالربح و لم يتجر به حتى تمّ الحول، تعلّق به وجوب الخمس، و أشكل الحكم بجواز أن يتجر به المالك بعد ذلك إذا هو لم يؤد خمسه، و إنما يصح له الاتجار به و التصرف إذا أجاز الحاكم الشرعي معاملته، و لا يصح للحاكم ان يجيز له المعاملة و يمضيها إلا إذا احتاط للخمس بأن يشترط عليه دفع الخمس و لو من مال آخر.

المسألة 124:

إذا حصل للمكلف بعض الربح من كسبه في أول السنة، فقدّر مئونته التي يحتاج إليها في سنته و أخرجها من الربح الذي حصل له و خمّس الباقي في أثناء السنة، ثم ظهر له بعد دفع الخمس ان ما دفعه أكثر مما يجب عليه، جاز له أن يرجع على المستحق الذي قبضه منه فيأخذ منه ما زاد على المقدار الواجب إذا كانت عين الخمس الذي دفعه موجودة، و يأخذ منه العوض إذا كانت تالفة و كان المستحق عالما بالحال، و لا يرجع عليه بشي ء في صورة التلف إذا كان جاهلا مغرورا من قبل المالك،

و كذلك الحكم إذا دفع المالك الخمس في أثناء السنة أو بعد انقضائها، ثم تبيّن له ان الخمس لم يجب عليه في ماله، فيجري فيه التفصيل المذكور.

المسألة 125:

إذا اشترى الرجل لنفسه من الربح جارية، فإن كان شراؤه للجارية في أثناء الحول و هو محتاج إليها، فهي من المئونة و لا يجب عليه الخمس في قيمتها، و إذا اشتراها بعد انقضاء الحول على ظهور الربح، و استقرار وجوب الخمس عليه في ماله، و كان شراؤه للجارية بعين الربح، لم يجز له التصرف في الجارية و لا وطؤها حتى يؤدي خمس قيمتها.

و إذا اشترى الجارية بثمن في ذمته ثم دفع الربح وفاء لما في ذمته من الثمن كان الشراء صحيحا و جاز له وطء الجارية، و يرجع الحاكم الشرعي بالخمس إذا كانت العين موجودة و ببدله من المثل أو القيمة إذا كانت عينه تالفة، و يتخير في رجوعه بذلك بين المشتري و البائع فيأخذه من أيهما أراد.

و كذلك إذا اشترى المكلف له من ربح ماله ثيابا، فلا يجوز له لبسها و لا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 282

تصح صلاته فيها إذا كان شراؤها بعد انقضاء الحول على ظهور الربح في المال و استقرار الخمس فيه و كان الشراء بعين الربح، و يجوز له لبس الثياب و الصلاة فيها إذا كان شراؤها في أثناء الحول، أو كان بعد انقضاء الحول و كان الشراء بثمن في الذمة، ثم دفع الربح وفاء لذلك.

المسألة 126:

إذا اتخذ الإنسان مهنة الغوص في البحر أو استخراج المعادن من الأرض مكسبا له، كفاه في أداء الواجب عنه، أن يخرج خمس مال الغوص و المعدن، فلا يجب عليه بعد ان يؤدي خمسهما ان يخمّس ما يزيد على مئونته من أرباح ذلك، و لا يكفيه أن يخمّس فاضل هذه الأرباح عن خمس الغوص و المعدن، و لا الكنز إذا اتفق له ذلك.

و إذا أدخل

على ما أخرجه من مال الغوص أو المعدن بعض العمل فارتفعت بذلك قيمته، كما إذا حك الجواهر فجعلها فصوصا، و نظم اللئالي فصيّرها عقودا أو قلائد و ارتفعت بذلك قيمتها، وجب عليه أداء خمس المادة في أصل الغوص و المعدن، و وجب عليه خمس الفوائد و الأرباح التي تحصل له بسبب تلك الأعمال بعد إخراج المئونة، و قد تقدم ذكر هذا في مبحث المعدن و الغوص.

المسألة 127:

سنة الربح- كما سبق منا إيضاحه- محدودة الأول و الآخر، فهي تبدأ من أول ظهور الربح في مكسب الإنسان، و تنتهي إلى ما قبل ذلك اليوم من العام في السنة القمرية، و هي أيضا سنة المئونة لذلك الإنسان، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثالثة و التسعين.

فكل ما يصيبه الرجل من الفوائد من نتاج الزرع، أو من نتاج العمل، أو من نتاج التجارة أو الصناعة في أثناء هذا الحول و قبل انتهائه فهو من ربح السنة، و ان حصل له في اليوم الأخير من العام، فيجب الخمس في ما يفضل عن المئونة من مجموع ذلك، و ما يتأخر من النتاج عن آخر يوم من العام يكون من أرباح السنة المقبلة، و ان كان الزرع أو العمل أو المكسب واحدا.

فنتاج المزرعة الواحدة في اليوم الأخير من السنة يكون من ربح السنة الأولى، و نتاجها في اليوم الثاني بعده يكون من ربح السنة الثانية، و كذلك أجرة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 283

الأجير على عمله في اليوم الأول و اليوم الثاني المذكورين.

و إذا بذر الزارع حنطة أو شعيرا في الأرض فنما الزرع و سنبل بعضه قبل انتهاء السنة كان جميع ذلك من ربح تلك السنة حتى القصيل الذي لم يسنبل، فعلى

المكلف أن يقوّم السنبل الموجود و يقوّم القصيل إذا كانت له قيمة و يخرج خمسه بعد المئونة، فإذا سنبل الباقي من الزرع بعد ذلك كان هذا السنبل من نتاج السنة اللاحقة.

المسألة 128:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 2، ص: 283

إذا آجر الرجل نفسه للعمل عند أحد أياما معلومة و اشترط أن تكون لكل يوم من الأيام على انفراده أجرة، و كانت لهذا الأجير سنة معيّنة لكسبه، كانت أجرته للعمل في اليوم الأخير من العام من ربح سنته الأولى، و أجرته في اليوم الثاني بعده من ربح سنته الثانية كما قلنا آنفا.

و إذا استؤجر للعمل شهرا كاملا مثلا و اشترط المستأجر عليه أنه لا يستحق مجموع الأجرة حتى يتم العمل في مدّة الشهر، كان جميع الأجرة من ربح السنة الثانية و ان كان بعض أيام العمل من السنة الأولى، سواء دفع المستأجر له مال الإجارة سابقا أم لم يدفعه حتى أتمّ العمل في الشهر.

المسألة 129:

يمكن للمكلف أن يغير رأس سنته للأرباح من يوم معيّن إلى يوم غيره و من شهر إلى شهر آخر، فيدفع خمس ما ربحه في المدة الماضية من السنة، ثم يجعل له رأس سنة للأرباح من أول ظهور الربح الجديد، و لا بد و ان يكون ذلك بنظر الحاكم الشرعي و مراجعته على الأحوط لزوما، فيصالحه و يعين له رأس سنة آخر لأرباحه.

المسألة 130:

يجب على المكلف في آخر سنة ربحه ان يؤدّي خمس كل ما فضل عن مئونته و مؤنة عياله من أرباح السنة، و منه ما فضل عنده من الأشياء التي اشتراها للمئونة من حبوب أو دقيق أو دهن، أو سكّر أو شاي، أو نفط أو غاز، أو غيرها من الأشياء التي تذهب عينها بالانتفاع بها.

و إذا كان في ذمته دين قد حضر وقت وفائه، و هو يساوي قيمة تلك الأعيان الزائدة من مئونته أو يزيد عليها لم يجب عليه الخمس في تلك الأعيان،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 284

و إذا كان الدين أقل من قيمة الأعيان، وجب الخمس في ما زاد منها على الدين، و إذا حلّت عليه السنة الثانية و وفى الدين من أرباحها، لم يجب الخمس في تلك الأعيان إذا كانت موجودة إلا إذا زادت على المئونة.

المسألة 131:

إذا اشترى الرجل في أثناء سنته أعيانا لغير المئونة، كبستان أو دار للإجارة أو نحو ذلك، و كان عليه دين يجب وفاؤه في السنة يساوي قيمة تلك الأعيان المشتراة أو يزيد عليها، لم يجب عليه خمس تلك الأعيان التي اشتراها، فإذا وفى الدين في السنة، وجب عليه خمس تلك الأشياء في السنة نفسها، و إذا وفى الدين في السنة الثانية عدّت تلك الأشياء من أرباح السنة الثانية و وجب على المكلف أداء خمسها فيها، سواء كان ذلك الدين من اثمان تلك الأشياء أم كان سابقا عليها.

و إذا وفى من الدّين بعضا وجب الخمس في ما يقابل ذلك البعض من الأعيان، فإذا وفى نصف الدين وجب الخمس في نصف الأعيان، و هكذا.

المسألة 132:

إذا اكتسب الرجل في سنته الأولى و أصاب من كسبه فيها ربحا، ثم اكتسب في سنته الثانية و أصاب فيها ربحا، و أراد ان يدفع خمس سنته الأولى من ربحه في سنته الثانية، و كانت عين ربحه في السنة الأولى موجودة، وجب عليه أن يخمس المبلغ الذي يريد دفعه من ربح السنة الثانية لأنه من فاضل ربحها ثم يدفع باقي المبلغ وفاء عن مقداره من خمس السنة الأولى، و هكذا حتى يفي جميع ما عليه من خمسها.

و إذا أتلف ربح السنة الأولى و استقر الخمس بسبب الإتلاف دينا في ذمته، فأراد وفاء هذا الدين من ربح السنة الثانية كان ذلك من المئونة و لم يجب فيه الخمس إذا كان الوفاء في أثناء السنة، و كذلك إذا صالحه الحاكم الشرعي بمبلغ يكون في ذمته عوضا عن الخمس بعد أن تلفت أعيان المال.

المسألة 133:

إذا استفادت المرأة بعض الفوائد أو اكتسبت بعض الأرباح من عمل أو صناعة أو غيرهما وجب عليها الخمس في ما يفضل من ربحها أو فوائدها عن مئونتها كما هو الحكم في الرجل، و إذا كانت ممن يقوم زوجها أو أبوها أو

كلمة التقوى، ج 2، ص: 285

ولدها أو غيرهم بنفقاتها و مئونتها وجب الخمس في جميع الربح و الفوائد التي تدخل عليها بعد استثناء ما تنفقه على تحصيل الربح، و إذا قام المنفق ببعض نفقاتها دون بعض أخرجت بقية مئونتها من الربح و خمّست الباقي منه، و كذلك إذا نالت بعض الهبات و الهدايا من زوجها أو اقربائها أو غيرهم.

المسألة 134:

لا يشترط في تعلق الخمس بالمعدن و الكنز و ما يخرج بالغوص من البحر و المال الحلال المختلط بالحرام و الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم أن يكون صاحبه بالغا أو عاقلا أو حرّا، فإذا دخل على الطفل أو على المجنون أو على العبد المملوك شي ء من ذلك وجب على ولي الطفل و المجنون، و على سيّد المملوك إخراج الخمس منه، و كذلك الحكم في أرباح مكاسب الطفل، فعلى الولي إخراج خمس أرباحه بعد استثناء المئونة، فإن لم يخرجه الولي في حال طفولة الطفل و ولاية الولي عليه أخرجه الطفل بعد ان يكبر و يبلغ الحلم.

المسألة 135:

يجوز للمؤمن أن يشتري الأموال من الأشخاص الذين لا يعتقدون بوجوب الخمس كالكفّار و المخالفين في المذهب من فرق المسلمين، و ان يقبل الهبة و الجائزة منهم و ان علم ان المال المبيع أو الموهوب له مما تعلّق به وجوب الخمس، و يجوز له التصرف في ذلك المال و لا يجب عليه إخراج خمسه، سواء كان من ربح التجارة أم من المعادن أم غيرهما مما يجب فيه الخمس، و سواء كان المنتقل إليه من المساكن و المناكح و المتاجر أم من غيرها، فإن الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم)، قد أباحوا ذلك لشيعتهم.

و كذلك كل ما ينتقل إلى المؤمن من أولئك بغير البيع و الهبة من المعاملات، فيجوز له أن يستأجر الدار و العقار و العمارة و الضيعة و غير ذلك من أموالهم التي تعلّق بها الخمس، و لا يجب عليه أداء خمسه.

و كذلك ما ينتقل إليه ممن يقول بإباحة الخمس في حال الغيبة من الشيعة الإمامية، و من يقول بإباحة حق الإمام (ع) منهم، فيجوز للمؤمن أن يتصرف في

الأموال المنتقلة إليه من هؤلاء بالبيع أو بالهبة أو بغيرهما من المعاملات، و لا يجب عليه إخراج خمسها، بل و ما ينتقل إليه ممن لا يخمّس من الإمامية تهاونا أو عصيانا، فلا يجب على المؤمن الذي انتقل إليه المال إخراج خمسه، و يكون

كلمة التقوى، ج 2، ص: 286

الخمس في العوض الذي اشتراه به أو دفعه بدلا في المعاوضة، و يكون في ذمة من انتقل عنه المال إذا كان نقله إليه بغير عوض.

و أولى من ذلك بالإباحة أن يدخل المؤمن البيت أو المحلّ أو الضيعة و غيرها من المواضع التي تعلّق بها الخمس من أملاك أحد من هؤلاء الذين تقدم ذكرهم في المسألة، فيأكل هذا المؤمن الداخل و يشرب و يمكث و ينام و يصلي في الموضع، و لا يلزمه شي ء، لإباحة المعصومين (ع) ذلك لشيعتهم.

المسألة 136:

يجوز للمكلف من المؤمنين أن يدخل في الشركة مع من لا يعتقد بوجوب الخمس من الأصناف التي تقدم ذكرها، فيدخل معه بمضاربة أو بمعاملة أخرى توجب الشركة في المال، و لا إثم عليه في الدخول معه، و يجب عليه أداء الخمس في حصته من المال إذا تعلّق بها الخمس، و يجوز له الدخول في الشركة مع من يقول بإباحة الخمس حال الغيبة كذلك، و عليه أن يؤدي خمس حصته إذا تعلّق بها.

المسألة 137:

إذا أغفل المكلّف المكتسب أمر الخمس سنين متعددة، فلم يحاسب نفسه عمّا ربح في كسبه و ما استفاده في تلك السنين، و كان قد ربح فيها و استفاد أموالا، و اشترى من أرباحه و فوائده أملاكا و أشياء لمئونته و لغير مئونته، ثم تنبّه لوجوب الخمس عليه في ذلك، فيجب عليه إخراج الخمس من كل ما اشتراه من أملاك و أشياء لغير المئونة، كما إذا كان قد اشترى من ارباحه و فوائده بستانا أو عقارا أو دارا لغير السكنى، أو اشترى أثاثا و أمتعة و حيوانا لغير المئونة، فيلزمه أداء خمسها.

و يجب عليه أداء خمس ما صرفه من الأموال و النفقات في تعمير البستان و غرس النخيل و الأشجار فيه، و تعمير الدار و العقار المتقدم ذكرهما، و للإحاطة بعلم ذلك على التفصيل تراجع المسائل المتعلّقة به من هذا الفصل.

و اما الأعيان و الأشياء التي اشتراها من الأرباح لمئونته، فان كان قد اشتراها من ربح السنة التي اشترى الأشياء فيها ثم صرفها في المئونة في أثناء السنة نفسها، فلا خمس عليه في ثمنها، كما إذا اشترى له من ربح تلك السنة دارا ليسكنها ثم سكنها بالفعل قبل ان ينقضي الحول، أو اشترى لمنزله

فرشا و أمتعة و أواني من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 287

فوائده في السنة و استعملها في أثنائها.

و كذلك إذا اشترى هذه الأعيان للمئونة بثمن في ذمته و جعله أقساطا، ثم وفى كل قسط من ربحه في السنة التي وفى بها ذلك القسط من دينه فلا يجب عليه الخمس في ذلك، و مثله ما إذا عمّر دار سكناه من أرباح سنة التعمير أو استدان لذلك مبلغا و جعل الدين اقساطا ثم وفى الأقساط على النهج الذي تقدم ذكره.

و إذا كان قد اشترى الأشياء لمئونته من ربح سنين سابقه وجب عليه الخمس في ثمنها إذا لم يكن قد أدّى خمس تلك الأرباح من قبل، و مثله إذا عمّر دار سكناه من ربح سنين سابقه فيجري فيه ذلك الحكم.

و إذا قسم الرجل الثمن الذي اشترى به المئونة أو النفقة التي عمّر بها دار سكناه، فأدّى بعض ذلك من ربح السنة الحاضرة و وفى بعضه من أرباح سنين متقدمة، ترتب على كل واحد منهما حكمه، فلا يجب الخمس في ما أدّاه و صرفه من ربح سنته الحاضرة إذا صرف المئونة في نفس السنة، و لزمه الخمس في ما أدّاه من أرباح السنين الماضية، و إذا كان قد خمّس تلك الأرباح من قبل، فلا يجب عليه الخمس مرة أخرى.

و إذا التبس عليه الأمر فلم يدر انه اشترى الأشياء أو عمّر دار سكناه من اي الربحين ليجري فيه حكمه فالأحوط له المصالحة مع الحاكم الشرعي.

المسألة 138:

يجري في النفقات التي يصرفها الرجل في مئونة تحصيل الربح جميع ما ذكرناه في مئونة الشخص لنفسه و لعياله، فإذا أغفل أمر الخمس و صرف فيها من الأرباح و الفوائد الحاضرة أو المتقدمة، جرى فيها

التفصيل الذي ذكرناه في تلك المئونة، و إذا لم يربح الشخص في بعض السنين فصرف في نفقاته الخاصة أو في نفقة تحصيل الربح من أرباح السنين الماضية وجب عليه الخمس في تلك النفقات، فان المفروض انه قد أغفل خمس الأرباح و لم يؤدّه من قبل، و إذا علم ان بعض الأرباح قد تلف في يده أو حدث له فيها بعض موجبات الضمان غير التلف كالتصرف غير المأذون فيه شرعا و شبهه، كان ضامنا لخمس ذلك الربح.

المسألة 139:

إذا اشترى المكلف من أرباح سنته بعض السلع ليكتسب بها، و ارتفعت قيمة السلعة و لم يبعها حتى حلّ آخر سنته للتكسب كانت السلعة المشتراة بنفسها

كلمة التقوى، ج 2، ص: 288

من الأرباح، فيجب عليه إخراج خمسها عينا أو بحسب قيمتها الموجودة حين الأداء.

الفصل الثاني في مستحق الخمس و مصرفه
المسألة 140:

يقسم الخمس في زمان غيبة الإمام المعصوم (ع) نصفين، نصف منه لإمام العصر (صلوات الله و سلامه عليه و على آبائه الطاهرين)، و هذا النصف يشمل سهم الله (سبحانه) و سهم الرسول (ص) و سهم ذوي القربى، و هي السهام التي ذكرتها الآية الكريمة من سورة التوبة، و النصف الثاني: لليتامى من بني هاشم و المساكين و أبناء السبيل منهم خاصة و لا تعم غيرهم.

المسألة 141:

يشترط في الأصناف الثلاثة الذين يستحقون النصف الثاني من الخمس من بني هاشم: أن يكونوا مؤمنين فلا يستحق الخمس كافر و لا مسلم غير مؤمن، و ان صحّ نسبه إلى بني هاشم و كان فقيرا، و الأطفال بحكم آبائهم الشرعيين، فطفل الأب الهاشمي المؤمن، هاشمي مؤمن، و طفل غير المؤمن بحكم أبيه.

و يشترط في اليتامى أن يكونوا فقراء، فلا يستحق اليتيم الهاشمي من الخمس إذا كان غنيّا، و يشترط في ابن السبيل أن يكون فقيرا محتاجا في بلد التسليم و ان كان غنيا في بلده، و يشترط فيه ان يكون غير قادر على سدّ حاجته في سفره بقرض أو تحويل أو نحوهما، أو ببيع بعض ما يملكه، و يشترط فيه على الأحوط ان لا يكون سفره في معصية.

و لا يشترط في مستحق الخمس من الأصناف الثلاثة ان يكون عادلا، نعم، لا يترك الاحتياط لزوما بمنع شارب الخمر و من تجاهر بارتكاب المحرمات الكبيرة الأخرى أو بترك الواجبات، فلا يعطى من الخمس، و قد تقدم نظير هذا في مستحق الزكاة، بل يقوى عدم جواز إعطاء الخمس للمستحق إذا كان في دفعه إليه إعانة له على الإثم أو إغراء بالقبيح، و خصوصا إذا كان في منعه من الخمس ردع له عن ارتكاب

ذلك.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 289

المسألة 142:

الهاشمي هو الذي ينتسب إلى هاشم بن عبد مناف بأبيه، و لا يحلّ الخمس لمن انتسب إليه من قبل امه، و كان أبوه من قبيلة أخرى، بل يصح له أخذ الزكاة الواجبة من الهاشمي و غير الهاشمي، و يجوز إعطاء الخمس لجميع بني عبد المطلب بن هاشم، و لجميع بني أبي طالب و ان لم يكونوا علويّين أو فاطميين، و ان كان هؤلاء أولى بالتقديم على غيرهم.

المسألة 143:

يثبت نسب الشخص إلى بني هاشم أو إلى غيرهم بإقامة البينة العادلة على صحة نسبه، و بالشياع المفيد للعمل بصحته و بأي أمارة أخرى توجب العلم به، و يصدّق قول من يدّعي النسب إذا حصل للمكلف الوثوق بصدق قوله، أو عضدته امارة توجب الوثوق بصدقه فيعطى من الخمس، و لا يصدق قوله إذا تجرّد عن جميع ذلك.

المسألة 144:

إذا وكّل المكلف بالخمس شخصا في أن يوصل الخمس الواجب عليه إلى من يستحقه و كان الوكيل ممن يوثق بأمانته و ان لم يكن عدلا، فأوصل الوكيل الخمس إلى من يعلم بصحة نسبه، برئت ذمة المكلف بأدائه و ان كان المكلف نفسه لا يعلم بصحة نسب ذلك المستحق، فيكون المدار على علم الوكيل بذلك لا على علم الموكل به.

و من النتائج المتفرعة على هذا الحكم أن الوكيل إذا أخذ الخمس لنفسه و كان يعلم بصحة نسبه، و كانت وكالة المكلّف له عامة تشمل أخذ المال لنفسه إذا كان مستحقا، فتبرأ ذمة المكلف الموكل من الخمس و ان كان لا يعلم بصحة نسب الوكيل.

المسألة 145:

لا يجب على المالك المكلف بالخمس ان يقسم النصف الثاني من خمسه على جميع الأصناف الثلاثة من المستحقين بل يجوز له أن يخصّ به صنفا واحدا منهم فيدفع نصف خمسه جميعا لليتامى خاصة أو للمساكين أو لابن السبيل، و لا يجب عليه ان يستوعب بالعطاء جميع الأفراد الموجودين من ذلك الصنف الذي أراده، بل يصح له ان يدفع جميع النصف إلى فرد واحد من الصنف، و يجوز له أن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 290

يفضّل بعض الأصناف على بعض، و بعض الأفراد من الصنف على بعض.

المسألة 146:

لا يجوز على الأحوط أن يعطى المستحق الواحد من الخمس ما يزيد على كفايته في مئونة سنته و ان أعطاه مالك الخمس ذلك دفعة واحدة، بخلاف الحكم في الزكاة، فقد ذكرنا ان الأقرب جواز ذلك إذا كان الإعطاء في دفعة واحدة.

المسألة 147:

يجوز للمالك المكلف بالخمس أن يدفع من خمسه لابن السبيل من بني هاشم مقدار كفايته بحسب شرفه و منزلته في بلده و في مجتمعة من الأشياء التي يحتاج إليها و التي تليق بمثله من المأكولات و المشروبات و غيرها، أو من الأثمان التي يشتري بها ذلك، و من أجرة المنازل و أجرة وسائل النقل في تنقّله في سفره من موضع إلى موضع حتى يصل إلى بلده، أو إلى موضع يمكنه فيه الحصول على سدّ حاجته من ماله و لو بالاستدانة أو التحويل، و لا يدفع له أكثر من ذلك.

المسألة 148:

لا يجوز للمكلف بالخمس على الأحوط، أن يدفع من خمسه إلى مستحق تجب نفقته عليه في شريعة الإسلام من أبيه و أمه و جدّه لأبيه، و ولده و زوجته، بل القول بالمنع من ذلك لا يخلو من قوة، و يصح له أن يعطيهم من الخمس لغير النفقة الواجبة عليه، من الأمور التي يحتاجون إليها، فيدفع لأبيه أو ولده مثلا مبلغا من مال الخمس ليتزوج، أو ليفي به ديونه، و يعطي أحدهم نفقة لزياراته و للسفر للعلاج من مرض، و للنفقة على من يعول به إذا لم يكن هذا العيال واجب النفقة على المكلف أيضا، و يجوز له أن يدفع إليهم خمس غيره إذا كانوا لا يزالون مستحقين للخمس و مثال ذلك: ان يوكله مالك المال في أن يوصل خمس ماله إلى المستحق فيجوز له أن يطبق الخمس عليهم و يدفعه إليهم بالوكالة عن صاحب المال.

المسألة 149:

يجوز أن يعطى الخمس للفقير المستحق من الهاشميين و ان كان يسأل الناس بكفه، و لا يمنع من الخمس بسبب سؤاله، و قد تقدم نظير هذا الحكم في من يستحق الزكاة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 291

المسألة 150:

يجوز لمالك المال المكلف أن يتولّى بنفسه دفع النصف الثاني من الخمس- و هو حق الهاشميين- للأصناف الثلاثة المتقدم ذكرهم، و الأحوط له استحبابا أن يدفع المال إلى الفقيه الجامع للشرائط ليتولى صرفه في مصارفه، أو يكون الدفع إليهم بإذنه، أو بإرشاده و توكيله.

المسألة 151:

يصرف النصف الأول من الخمس، و هو النصف الذي يختص به الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه و فرج المؤمنين به و جعل أرواحنا فداه) في زمان غيبته (ع) في ما يعلم برضا الإمام صاحب الحق بصرف حقه فيه، من تشييد دعائم الإسلام و إقامة أعلامه و نشر أحكامه و ترويج الشريعة و تثبيت أسس المذهب الحق و إيضاح معالمه و تعليم الجاهلين من المؤمنين و إرشادهم إلى سبيل الحق، و تربية طلاب العلم الجادّين في حفظه و نشره بين الناس، الباذلين أعمارهم و أوقاتهم و قواهم في إعلاء كلمة الله و نصح المؤمنين و دلالتهم على التمسك بالعمل الرضي و الخلق الزكي و إصلاح ذات البين، و إعانة هؤلاء المرشدين على أداء مهمتهم، و تيسير وسائلهم الصحيحة إلى ذلك، و ما يتصل بهذه المضامين العالية التي توجب لهم و للمسترشدين بهم رضا الله و تضمن لهم القرب منه سبحانه.

و يكفي في جواز صرف حق الإمام أيضا أن يوثق برضاه (ع) به وثوقا تامّا، و مما يعلم برضا الإمام في صرف حقه فيه أو يوثق به وثوقا تامّا، أن يدفع بعضه في إعانة المحتاجين المنكوبين من المؤمنين، و خصوصا إذا ضاقت عليهم و على عائلاتهم سبل المعيشة.

المسألة 152:

إذا أحرز المكلف المالك للمال رضا الإمام (ع) قطعا أو وثوقا، جاز له ان يتولى بنفسه صرف الحق في ذلك المورد، و ان كان الأحوط له ان يراجع الفقيه الجامع للشرائط في ذلك، و لا سيما إذا احتمل المالك ان بعض الجهات أو الخصوصيات مما يخفى عليه أو يلتبس عليه أمرها، و الأحوط في صرف الحق مع إحراز الرضا قطعا أو وثوقا كما ذكرنا ان يقصد الدافع بإعطاء

المبلغ من الحق للشخص الذي يطبقه عليه الصدقة عن الإمام (ع).

كلمة التقوى، ج 2، ص: 292

المسألة 153:

إذا لم يوجد في البلد بالفعل من يستحق الخمس، جاز لمالك المال ان ينقل الخمس الواجب عليه إلى بلد آخر، بل الظاهر جواز نقل الخمس إلى بلد آخر مع وجود المستحق في بلد المال إذا لم يكن النقل ينافي فورية إخراج الحق، و يشكل الحكم بجوازه إذا وجد المستحق في البلد و كان النقل ينافي الفورية.

و إذا لم يوجد في البلد بالفعل من يستحق الخمس، و لم يتوقع أن يوجد فيه بعد ذلك، وجب على المكلف نقل الخمس إلى بلد يمكن له فيه أداء الواجب و لو لوكيل المستحق في قبض الحق، و كذلك الحكم إذا لم يوجد المستحق في البلد و لا وكيله، و لم يمكن حفظ المال إلى حين وجوده أو وجود وكيله، فيجب على المكلف نقل الخمس.

المسألة 154:

إذا وجب على مالك المال نقل الخمس إلى بلد آخر كما هو الحكم في الفرضين الأخيرين من المسألة السابقة، صح له عزل الخمس عن بقية ماله، و إذا عزله في هذه الصورة ثم تلف بعد عزله من غير تفريط من المالك فلا ضمان عليه، سواء تلف قبل النقل أم بعده.

و كذلك الحكم إذا جاز للمالك نقل الخمس كما في الصورة الاولى، و استأذن الحاكم الشرعي في ان يعزل الخمس عن بقية ماله لينقله بعد العزل، فعزله لذلك باذنه، فإذا تلف الخمس بعد عزله من غير تفريط من المالك فلا يكون ضامنا، و إذا جاز له نقل الخمس كما في الصورة المذكورة فنقل جميع المال و تلف الجميع بغير تفريط منه فلا ضمان عليه، و مثله ما إذا نقل مقدار الخمس بعد أن تلف باقي المال في موضعه، فإذا تلف الخمس قبل وصوله إلى المستحق من

غير تفريط من المالك فلا ضمان عليه، و يشكل الحكم في ما عدا هذه الفروض، بل الأحوط الضمان في غيرها إذا حصل التلف و ان لم يكن مفرطا.

المسألة 155:

إذا أذن الفقيه العادل لمالك المال في أن ينقل الخمس إلى بلد آخر، فنقله و تلف الخمس بسبب نقله لم يسقط الضمان عن المالك لمجرد اذن الفقيه له بالنقل، إلا إذا كان قد اذن له بالعزل و النقل، فإذا اذن له بهما فلا ضمان على المالك إذا تلف الخمس معهما بغير تفريط و قد ذكرنا هذا في المسألة المتقدمة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 293

المسألة 156:

إذا جعل الفقيه العادل مالك المال وكيلا عنه في أن يقبض خمس ماله، فقبضه المالك بالوكالة عن الفقيه، ثم أذن له بعد قبضه بالوكالة في أن ينقله إلى بلد آخر، فإذا تلف الخمس في نقله بغير تفريط من المالك فلا ضمان عليه.

و كذلك إذا وكّل مستحق الخمس مالك المال في أن يقبض له الخمس من ماله بالوكالة و أذن له في أن ينقله إليه في بلده، فإذا تلف الخمس في هذه الصورة بعد قبضه و نقله بغير تفريط من المالك فلا ضمان عليه.

المسألة 157:

إذا نقل مالك المال خمس ماله إلى بلد آخر، فان كان نقله واجبا فمئونة النقل تكون من الخمس، و ان كان النقل جائزا فمئونة النقل على المكلف، و تلاحظ المسألة المائة و الثالثة و الخمسون، فقد ذكرنا فيها الموارد التي يكون النقل فيها جائزا و التي يكون فيها واجبا.

المسألة 158:

إذا كان للمكلّف بالخمس مال في بلد آخر، جاز له أن يدفع ذلك المال عوضا عن الخمس الواجب عليه الموجود عنده في بلده، و لا يكون ذلك من نقل الخمس، و كذلك إذا نقل بمقدار الخمس من بعض أمواله الخاصة إلى بلد آخر، ثم دفع ذلك المال بعد وصوله عوضا عن الخمس الموجود في بلده، فيصح ذلك و لا يكون من نقل الخمس.

و يجوز للمكلف أن يدفع خمس ماله في البلد إلى وكيل الفقير و ان كان الفقير نفسه في بلد آخر فإذا قبضه وكيل الفقير برئت ذمة المكلف من الخمس الواجب، و جاز للوكيل أن ينقل المال الذي قبضه إلى موكله الفقير في بلده.

و كذلك الحكم في وكيل الحاكم الشرعي، فيجوز الدفع إليه بوكالته عن الحاكم الشرعي، و تبرأ ذمة المالك بالدفع إليه و ان كان الحاكم الشرعي في بلد آخر.

المسألة 159:

إذا كان المال الذي تعلق به الخمس في غير بلد مالك المال، جاز للمالك ان ينقل الخمس إلى بلده الذي هو فيه مع ضمان الخمس إذا تلف في نقله، و هذا إذا كان نقل الخمس إلى بلده لا ينافي فورية دفع الحق إلى أهله، و الأولى له أن يدفع

كلمة التقوى، ج 2، ص: 294

الخمس في بلد المال، و يشكل الحكم بجواز نقل الخمس إلى بلده في الصورة المذكورة إذا كان النقل يستدعي مضي مدة تنافي الفورية.

المسألة 160:

إذا كان للمالك المكلف بالخمس دين في ذمة الفقير المستحق، ففي جواز أن يحتسب ذلك الدين على الفقير خمسا، إشكال. و الأحوط للمالك أن يدفع للفقير مقدار الخمس و ينوي به إيتاء الخمس، فإذا قبضه الفقير و ملكه أخذه المالك منه و قبضه وفاء لدينه إذا شاء، و كذلك في حصة الإمام (ع).

المسألة 161:

تقدم منّا ان المدار في جواز التصرف في حق الإمام (ع) من الخمس على حصول العلم أو الوثوق برضاه (ع) بصرف حقه في ذلك الوجه المراد، فإذا قطع مالك المال أو احتمل ان لمراجعة الفقيه الجامع لشرائط الإفتاء دخلا في رضا الإمام (ع) في صرف حقه في مصارفه المعينة، أو كان ذلك أمكن في إحراز رضاه (ع) تعين نقل الحق إلى الفقيه، و كذلك إذا عيّنت المرجحات فقيها معينا من الفقهاء، فيتعين الرجوع به إلى ذلك الفقيه، و إذا تساوت المحتملات في إحراز رضاه (ع) تخير المالك إذا لم يلزم من النقل تأخير في دفع الحق ينافي وجوب الفورية.

المسألة 162:

تبرأ ذمة المالك المكلّف بالخمس إذا قبضه الفقير المستحق، أو قبضه وكيله المفوض منه، و تبرأ ذمته إذا قبضه الحاكم الشرعي بحسب ولايته على أرباب الحق، أو قبضه وكيله المفوض منه، سواء كان الخمس مستقرّا في ذمة المالك أم كان متعلقا بعين المال، و تبرأ ذمته إذا وكله الحاكم الشرعي في ان يقبض الخمس من ماله بالنيابة عن الحاكم، فقبضه كذلك، و تبرأ ذمته إذا وكّله الفقير المستحق في ان يقبض له الخمس من ماله، فإذا قبضه المالك الوكيل بالوكالة عن الفقير برئت ذمته، و لا تبرأ ذمته من التكليف بغير الوجوه المذكورة.

المسألة 163:

إذا عزل المالك الخمس من بقية ماله و نواه خمسا، ففي صحة عزله إياه بحيث يتعين الخمس في ذلك المال المخصوص إشكال، فلا يترك الاحتياط في ان يراجع الحاكم الشرعي إذا أراد ذلك.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 295

و إذا عزل خمس ماله بغير مراجعة الحاكم الشرعي، ثم نقله إلى بلد آخر لعدم وجود المستحق في بلده فتلف من غير تفريط أشكل الحكم ببراءة ذمته.

المسألة 164:

إذا وجب الخمس على المالك في بعض أمواله، تخيّر بين ان يعطي الخمس من عين المال الذي تعلّق به الوجوب، و ان يدفع ذلك المقدار من مال آخر يملكه فيجعل ذلك عوضا عن العين، سواء كان المال المدفوع نقدا أم غيره، و سواء رضي المستحق أو الحاكم بهذا التعويض أم لا، نعم يجب ان يكون الشي ء أو الأشياء التي يدفعها عوضا عن الخمس مساوية له بقيمتها السوقية، فلا تبرأ ذمة المالك إذا احتسبها بأكثر من قيمتها و ان رضي بها المستحق.

المسألة 165:

إذا وجب على المكلف أداء مبلغ كبير من الخمس و أعسر عن أدائه، و لم يرج زوال العذر و التمكن من امتثال الواجب، و أراد تفريغ ذمته منه، جاز له أن يدفع للفقير الذي يستحق الخمس مبلغا صغيرا من المال و ينوي بدفعه للمستحق أداء ذلك المقدار من الخمس الواجب عليه، فإذا قبله المستحق و قبضه و تملكه منه بالقبض، وهبه المستحق للمالك المكلّف ليكون مملوكا له بالهبة، ثم يدفعه المكلف للفقير مرة ثانية و ينوي به وفاء مقداره من الخمس، ثم يهبه المستحق للمالك بعد قبضه و يتكرّر الأخذ و الرد بينهما على هذا النهج حتى يفي المالك جميع ما عليه من الخمس.

و شرط صحة ذلك أن ينوي المكلّف بدفعه في كل مرة أداء الخمس متقربا به إلى الله، و ان يقصد المستحق بردّه المال في كل مرّة الهبة المملكة للمكلف، بحيث لا يكون ذلك من مجرد الأخذ و الرّد بحسب الصورة فقط، و أن يكون المستحق راضيا بالتسلم للحق من المالك و الدفع بالهبة له.

و لا يجوز إجراء هذه المعاملة في غير مورد استنقاذ المكلف من الخطيئة بعد توبته إلى الله من

تفريطه.

و إذا كان المكلف ممن يرجى زوال إعساره و تمكنه من أداء الواجب بعد ذلك، فالأحوط للمستحق و المكلف أن يجريا المعاملة على نحو القرض، فيقصد المستحق برد المبلغ إقراض المكلف على أن يؤديه إلى المستحقين على سبيل التدريج و يأخذه المكلف منه بهذا القصد، و كذلك الحكم في الزكاة الواجبة إذا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 296

تكثرت على المكلف و لم يمكنه أداؤها.

الفصل الثالث في الأنفال
المسألة 166:

الأنفال هي الأموال التي يختص بها الرسول (ص) في حياته و أيام زعامته الإلهية على الأمة، ثم يختص بها خليفته الإمام المعصوم (ع) من بعد موته، و اختصاص هذه الأموال بهما من شؤون منصبهما الإلهي المجعول لهما من الله سبحانه، و زعامتهما الكبرى للمسلمين، و لذلك فهي لا تنتقل إلى ورثتهما بعد الموت، بل تنتقل بعد الرسول إلى الإمام، ثم تنتقل إلى الإمام بعد الإمام، صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين، و الأنفال المبحوث عنها هي عدة أمور:

(الأول): أراضي الكفار التي يملكها الإسلام من غير قتال، و هي تشمل الأرض التي ينجلي أهلها الكفار عنها خوفا من جيش المسلمين و سطوته، فيملكها الإسلام بعد جلاء أهلها و انصرافهم عنها، و الأرض التي يسلمها أهلها للمسلمين باختيارهم من غير قتال، سواء خرجوا من الأرض بعد أن سلّموها للمسلمين أم لم يخرجوا منها، و لا فرق في الصورتين بين ان تكون الأرض معمورة و ان تكون غير معمورة.

المسألة 167:

لا يختص الحكم الذي ذكرناه في ما يملك من غير قتال بالأراضي، بل يشمل غير الأراضي من الأموال على الأقوى، فإذا ترك الكفار أموالهم المنقولة و غير المنقولة و ملكها الإسلام من غير قتال كانت من الأنفال، و اختص بها الإمام (ع) و ان لم تكن من الأراضي.

المسألة 168:

(الثاني): الأرض الموات، سواء كان خرابها لانقطاع الماء عنها أم لغلبته عليها، أم لاستيلاء الرمل الناعم الكثير أو السبخ على الأرض فلم تعمر لذلك، أم لغير ذلك من أسباب موت الأرض و خرابها، و سواء كانت خرابا بالأصل فلم يملكها أحد و لم يعمرها، كالمفاوز و الصحاري، أم كانت مملوكة لقبائل من الناس

كلمة التقوى، ج 2، ص: 297

ثم باد أهلها أو انجلوا عنها فلم يعرفوا، و يلحق بها في الحكم القرى التي جلا عنها ساكنوها أو بادوا فخربت و درست.

و لا فرق في الأرض الميتة أو القرية الدارسة بين ان تكون في بلاد المسلمين أو بلاد الكفرة، و المفتوحة عنوة من جيش المسلمين و غيرها، فجميعها من الأنفال المختصة بإمام المسلمين (ع).

المسألة 169:

إذا كانت الأرض معمورة ثم طرأ لها بعض العوارض فأصبحت خرابا لا انتفاع بها، فان كان لتلك الأرض مالك معلوم و قد ملكها بالإرث أو بالشراء من مالك آخر قبله أو بغير ذلك من المعاملات التي توجب التملك و الانتقال إلى المالك من الغير، فالأرض المذكورة لا تزال مملوكة لصاحبها و لوارثه من بعد موته، و لا تصبح بسبب خرابها الطارئ من الأنفال.

و إذا كان مالك تلك الأرض قد ملكها بالتعمير و الإحياء ثم تركها فأصبحت خرابا لا انتفاع بها إلا بإحيائها و تعميرها، عادت الأرض بسبب خرابها من الأنفال كما كانت و جرت عليها أحكامها، و كذلك إذا كانت معمورة سابقا ثم باد أهلها و لم يكن لمالكها الأول وارث فتصبح من الأنفال.

المسألة 170:

الأرض التي يفتحها جيش المسلمين من بلاد الكفار بالقتال و القوة، إذا كانت في حال فتحها معمورة، فهي ملك لعامة المسلمين، و قد ذكرنا هذا في كثير من المناسبات و في عدّة من المباحث في هذه الرسالة، فإذا أهملت الأرض بعد ذلك حتى خربت، فهي لا تزال مملوكة لعامة المسلمين و لا تكون من الأنفال.

و ان كانت في حال الفتح مواتا غير معمورة فهي من الأنفال كما ذكرنا في المسألة المائة و الثامنة و الستين، فتجري عليها أحكامها.

المسألة 171:

(الثالث) من الأنفال: كل أرض لا ربّ لها و ان لم تكن مواتا، و منها أسياف البحار و شواطئ الأنهار، و الجزر التي تتكون في البحر و في الأنهار الكبيرة مثل دجلة و الفرات و النيل.

المسألة 172:

(الرابع) من الأنفال: رؤوس الجبال و بطون الأودية، و الآجام، و حكم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 298

رؤوس الجبال يشمل ما يخرج فيها أو يوجد في قممها و أعاليها من نبات و شجر و حجر و غير ذلك، و كذلك بطون الأودية، سواء كانت متسعة أم ضيّقة، و الآجام هي الأرض التي يلتف فيها القصب و نحوه، أو التي تمتلئ بالأشجار و الدوح غير المثمر من غير فرق في الثلاثة بين أن تكون في أراضي الإمام (ع) و الأرض المفتوحة عنوة و غيرهما.

و إذا كانت الأرض مملوكة لمالك معين ثم اتفق لها ان صارت أجمة أو واديا، ففي عدّها من الأنفال إشكال.

المسألة 173:

(الخامس) من الأنفال: القطائع الخاصة لملوك الكفار الذين يفتح جيش المسلمين بلادهم، و صفاياهم التي تختص بهم، فتصبح بعد الفتح من الأنفال التي يختص بها إمام المسلمين (ع).

و القطائع هي الأراضي و الأملاك و الدور التي يختص بها ملك الكفار، و الصفايا هي الأموال الأخرى التي تكون له، و هذا إذا لم تكن قطائعه و صفاياه مغصوبة من مسلم أو من كافر ذمي أو معاهد للإسلام، فإذا كانت كذلك وجب ردّها إلى مالكها الذي غصبت منه.

المسألة 174:

(السادس) من الأنفال: ما يصطفيه الإمام المعصوم (ع) لنفسه من غنيمة الحرب قبل أن تقسم، فيأخذ من الغنيمة سلاحا خاصا أو مركبا معينا، أو جارية أو عبدا، أو ما يشبه ذلك، فيختص بالشي ء الذي يصطفيه و يكون من الأنفال.

المسألة 175:

(السابع) من الأنفال: الغنيمة التي يأخذها المقاتلون المسلمون من الكفار المحاربين إذا كان قتالهم إياهم بغير إذن من الإمام المعصوم (ع) فتكون الغنيمة كلها من الأنفال الخاصة بالإمام (ع)، سواء كان غزو المسلمين للكفار لأنهم امتنعوا عن الدخول في الإسلام بعد عودتهم إليه أم لا، و سواء حدث ذلك في زمان حضور إمام المسلمين (ع) أم في وقت غيبته، و قد ذكرنا هذا في المسألة الأولى من كتاب الخمس.

المسألة 176:

(الثامن) من الأنفال: ميراث الميت الذي لا وارث له، و الأحوط في هذا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 299

القسم من أعيان الأنفال في زمان غيبة الإمام (ع) أن يصرف في الفقراء المحتاجين، و أحوط من ذلك أن يختص به فقراء بلد الميت، و أن يكون الصرف بمراجعة الفقيه الجامع للشرائط.

المسألة 177:

(التاسع) من أعيان الأنفال: المعادن التي لا تكون متعلقا لحق خاص لشخص معين، و مثال هذا: أن يكون المعدن في أرض مملوكة لمالك معلوم، أو يكون موردا لحيازته و إحيائه، فان المعدن في هاتين الصورتين يختص به ذلك المالك و يجب عليه أداء خمسه، و قد سبق بيان أحكامه في الأمر الثاني من الأشياء التي يجب فيها الخمس، فإذا كان المعدن مما لم يتعلق به حق خاص كذلك فهو من الأنفال.

المسألة 178:

قد أباح الأئمة المعصومون (صلوات الله و سلامه عليهم) لشيعتهم في زمان الغيبة أن يتصرفوا في أراضي الأنفال و في أعيان غير الأراضي منها، على وجه يجري عليها الملك، و لذلك فيجوز لهم تملّك أرض الأنفال بإحيائها، و تملك أشجارها و سائر أعيانها بالحيازة، من غير فرق بين الفقير منهم و الغني. و قد تقدم في المسألة المائة و السادسة و السبعين حكم ميراث من لا وارث له.

و الحمد لله رب العالمين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 301

كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

اشارة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 303

كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و هما السبيل الذي يسّره الله لعباده، و أمر أنبياءه و رسله أن يتخذوه نهجا في دعوتهم إلى الحق، و تبيين معارفه للناس و نشر كلمات الله و أديانه التي أنزلها لهدايتهم، فيبينوا للناس معالم الرشد، و يأمروهم باتباعه، و يوضحوا لهم مراسم الغي و ينهوهم عن اقتفائه، و ان يأمروا حفظة الدين من أتباعهم بأن يلتزموا هذا السبيل و يسيروا على هذا الهدي في ما يقولون و ما يعملون، فيأمرون الناس بالمعروف و ينهونهم عن المنكر و يعلنون كلمة الله كما أمر و يتبعون نهجه كما شرع.

و قد ورد في الكتاب الكريم و في أحاديث الرسول (ص) و أخبار المعصومين من عترته أهل بيته (ع) ما يوضح ذلك، و قد قال الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر (ع): (ان الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل الأنبياء و منهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض و تأمن المذاهب و تحلّ المكاسب و تردّ المظالم و تعمر الأرض و ينتصف من الاعداء و يستقيم الأمر).

و قد أثنى الله سبحانه في كتابه على طائفة من اتباع

الأنبياء و حفظة الأديان المتقدمة بالتزامهم هذه القاعدة فقال فيهم لَيْسُوا سَوٰاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ أُمَّةٌ قٰائِمَةٌ يَتْلُونَ آيٰاتِ اللّٰهِ آنٰاءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ، يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ، وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ يُسٰارِعُونَ فِي الْخَيْرٰاتِ وَ أُولٰئِكَ مِنَ الصّٰالِحِينَ، و قال في ذم طائفة أخرى منهم سارت على العكس من ذلك، فاستحقت المقت من الله و اللعنة الشديدة من أنبياء الله لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ عَلىٰ لِسٰانِ دٰاوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذٰلِكَ بِمٰا عَصَوْا وَ كٰانُوا يَعْتَدُونَ، كٰانُوا لٰا يَتَنٰاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ مٰا كٰانُوا يَفْعَلُونَ.

و من الناس من تنقلب عنده الموازين الصحيحة، و تكون له موازين أخرى تتقلب مع الهوى، و تسير في ظلّ الباطل، و الكتاب الكريم يسمي هؤلاء بالمنافقين، لاندفاعهم مع الغايات الدنيئة، و ان كانوا قد ينتسبون إلى بعض الأديان، فيقول عنهم الْمُنٰافِقُونَ وَ الْمُنٰافِقٰاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ، وَ يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ، نَسُوا اللّٰهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ.

و كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يحتوي على ثلاثة فصول.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 304

الفصل الأول في الأمر بالمعروف الواجب، و النهي عن المنكر المحرم
المسألة الأولى:

يقول الله سبحانه في محكم كتابه وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، و يقول في آية كريمة أخرى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ، تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ. و في آية ثالثة وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ يُطِيعُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ، أُولٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّٰهُ إِنَّ اللّٰهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، و الآيات

الكريمة المذكورة واضحة الدلالة على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في دين الإسلام، و على ثبوت الولاية بين المؤمنين بعضهم على بعض لالتزام هذه القاعدة في التعريف بالحق و اتباع هذا السبيل لإظهار دعوة الله في الأرض و نشر حكمته و بث أحكامه بين الناس.

و عن أمير المؤمنين (ع) في بعض خطبه: (فأمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر، و اعلموا أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لن يقرّبا أجلا و لن يقطعا رزقا)، و عنهم (ع): (ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر)، و عن النبي (ص): (ان الله ليبغض المؤمن الضعيف الذين لا دين له، فقيل له: و ما المؤمن الضعيف الذي لا دين له، قال (ص): الذي لا ينهى عن المنكر).

المسألة الثانية:

في الحديث عن الرسول (ص): (لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و تعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات و سلّط بعضهم على بعض و لم يكن لهم ناصر في الأرض و لا في السماء)، و عن الإمام أبي الحسن علي الرضا (ع): (لتأمرن بالمعروف و لتنهنّ عن المنكر، أو ليستعملن عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم)، و عن الرسول (ص): (كيف

كلمة التقوى، ج 2، ص: 305

بكم إذا فسدت نساؤكم و فسق شبابكم، و لم تأمروا بالمعروف و لم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: و يكون ذلك يا رسول الله؟ فقال: نعم، و شر من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف؟. فقيل له: يا رسول الله و يكون ذلك؟

فقال: نعم، و شر من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا، و

المنكر معروفا؟).

و الفارق الكبير بين هذه الذنوب و غيرها: ان هذه الذنوب جرائم اجتماعية عامة توجب فساد المجتمع من أصله و فساد قيمه و ركائزه و انحلال أصوله العامة المشتركة، و لذلك فلا تختص آثارها و سوؤها بفرد خاص من أفراده، و يكون المقت و العقاب عليها عامّا للعامل و غير العامل إذا هو أغضى و تسامح في الأمر، أو سكت عن الإنكار، بل و للكبير و الصغير، و الذنوب الأخرى إنما هي مخالفات شخصية فتختص آثارها و عقابها بالعامل نفسه و لا تعم غيره من الناس، و قد أشارت الأحاديث المتقدمة إلى ذلك، بل صرحت به تصريحا تاما، و لذلك فيجب التنبه كل التنبه و يجب الحذر كل الحذر، و في الحديث: (كان يقال لا يحلّ لعين مؤمنة ترى الله يعصى فتطرف حتى تغيره).

المسألة الثالثة:

المراد بالمعروف هنا ما كان معروفا على سبيل الوجوب في شريعة الإسلام، فيكون الأمر به واجبا عند اجتماع الشرائط الآتي ذكرها، و يقابله ما كان معروفا في الشريعة على سبيل الاستحباب، فيكون الأمر به مستحبا، و سيأتي تفصيل القول فيه، و يقابله أيضا ما كان معروفا يحكم العقل بحسنه و رجحان الإتيان به و ان كان مباحا في الشريعة يجوز فعله و تركه، فيكون الأمر به حسنا.

و المراد بالمنكر ما كان منكرا يحرم الإتيان به في الشريعة سواء كان من المحرمات الكبيرة أم الصغيرة في حكم الإسلام، و يقابله ما كان مرجوحا يكره فعله في الشريعة، و ان لم يكن محرّما كبيرا و لا صغيرا.

المسألة الرابعة:

يجب الأمر بالمعروف إذا كان من القسم الأول الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة، و هو ما يجب الإتيان به في حكم الشرع، و يجب النهي عن المنكر إذا كان مما يحرم فعله في حكم الشرع، و وجوب الأمر و النهي فيهما على وجه الكفاية، فهما فرضان واجبان على كل مكلف يعلم بوجوب الشي ء على الشخص

كلمة التقوى، ج 2، ص: 306

الذي يراد أمره و أنه يترك ما وجب عليه، و يعلم بحرمة الشي ء الآخر على الفرد الذي يراد نهيه و انه يرتكب ما يحرم عليه، فيجب على المكلف الأمر و النهي في الموردين. و إذا قام بعض المكلفين بالأمر و النهي، و كان قيامه يفي بالغرض المقصود من تشريعهما، فيتحقق به حصول الواجب من الشخص المأمور، و يحصل ترك المحرم من الفرد المنهي عنه، كفى ذلك في حصول الامتثال، و سقط وجوب الأمر و النهي عن المكلفين الآخرين، فلا إثم عليهم و لا عقاب إذا لم يأمروا و لم ينهوا.

و

إذا ترك جميعهم الأمر و النهي أثم الجميع و استحقوا بتركهم العقاب، و هذا هو ما يقتضيه الجمع بين الأدلة الواردة في المسألة.

المسألة الخامسة:

يشترط في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على الشخص (أولا):

أن يكون عالما بالمعروف الذي يأمر به و عالما بالمنكر الذي ينهى عنه، فلا يجب عليه الأمر أو النهي إذا كان جاهلا لا يعلم بحكم ما يأمر به أو ينهى عنه، و يكفي في حصول هذا الشرط ان يكون المكلف عالما بالحكم بحسب اجتهاده أو تقليده إذا كانا صحيحين، فيجب عليه الأمر بما يعلم بأنه واجب بمقتضى تقليده الصحيح و يجب عليه النهي عما يعلم بأنه محرم كذلك، بل و يجب الأمر بالمعروف إذا علم على وجه الإجمال بان الشخص قد ترك أحد شيئين واجبين عليه في الشريعة، و يجب عليه النهي عن المنكر إذا علم بان الشخص فعل أحد شيئين يحرم فعلهما و ان لم يعلم به على وجه التعيين، و سيأتي بيان الحكم في ما إذا كان الشخص الذي يأمره أو ينهاه مخالفا له في الاجتهاد أو التقليد.

المسألة السادسة:

يشترط (ثانيا) في وجوب الأمر و النهي على المكلف: ان يقطع أو يحتمل على الأقل بأن أمره و نهيه يؤثران في الشخص المأمور، فيفعل الواجب الذي يأمره به و يرتدع عن المحرم الذي ينهاه عنه، فإذا علم أو اطمأن بأن أمره و نهيه لا يؤثران في الفاعل شيئا، فالظاهر سقوط الوجوب عنه، فإذا ترك الأمر و النهي في هذه الصورة، و ان علم بعدم الأثر لقوله إذا لم تترتب عليه مفسدة أخرى، و من أمثلة وجود المفسدة: إن يتمادى الرجل في غيّه بسبب الأمر و النهي فيترك واجبا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 307

أو واجبات أخرى أو يفعل منكرا أو منكرات أخرى.

و لا يعتبر في هذا الشرط أن يكون تأثير الأمر و النهي بالفعل

فيكفي في الوجوب أن يكون أمر الآمر و نهيه مؤثرين في الفاعل و لو بعد حين و تفكير مدة مثلا.

المسألة السابعة:

يشترط (ثالثا) في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على المكلف:

أن يكون تارك الواجب مصرّا على تركه، و فاعل المنكر مصرّا على فعله، فإذا علم ذلك من حاله و لو بسبب وجود قرينة تدل على إصراره وجب على المكلف أمره و نهيه، و إذا وجدت امارة قطعية أو ظنية تدل على رجوعه إلى الرشد بعد الغي و على إقلاعه عن ترك ما يجب و ارتكاب ما يحرم، لم يجب على المكلف أمره و نهيه، و خصوصا إذا كان أمره و نهيه في هذه الصورة يعدّ توبيخا له و تأنيبا لا يستحقه بعد رجوعه عن الإصرار و عودته إلى التوبة.

و إذا عزم الرجل على ترك المعروف الواجب أو على ارتكاب المنكر و لم يرتكب بالفعل، فلا يبعد وجوب أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر على الآمر، و ان ظهر من بعض الامارات انه غير مصرّ على فعل المخالفة، و على أنه يرجع إلى رشده قبل أن يرتكب، فلا يسقط وجوب الأمر و النهي في هذه الحالة ما لم يقلع عن عزمه بالفعل و تتحقق منه الإنابة إلى الحق.

المسألة الثامنة:

يشترط في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (رابعا): ان يكون وجوب ذلك الواجب و حرمة ذلك المحرم منجّزين على الفاعل ثابتين في حقه، فلا يجب على المكلف أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر إذا كان معذورا في مخالفته، و مثال ذلك: ان يعتقد مخطئا ان ذلك الشي ء مباح في الشريعة، فيفعله و هو محرم عليه في الواقع، أو ترك فعله و هو واجب، فيكون معذورا في مخالفته، و لا يجب على المكلف أمره و نهيه، و من أمثلة ذلك: أن يكون الفاعل مخالفا للآمر في

اجتهاده أو في تقليده، فإذا فعل ما يراه الآمر محرما، أو ترك ما يراه الآمر واجبا لأنه يخالفه في الاجتهاد أو في التقليد كان معذورا في عمله و لم يجب على المكلف أمره و نهيه، و قد سبقت الإشارة إلى هذا في المسألة الخامسة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 308

المسألة التاسعة:

يشترط في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (خامسا): أن يأمن القائم بهما من دخول الضّرر عليه في نفسه أو في ماله أو في عرضه، أو على بعض المسلمين الآخرين الذين تحترم في الإسلام نفوسهم و أعراضهم و أموالهم، فإذا علم الرجل بأن أمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر، يوجب الضرر كذلك، أو ظن بوقوعه، أو احتمله احتمالا يوجب له الخوف من وقوعه سقط عنه التكليف به و لم يأثم بتركه، و كذلك إذا لزم منه العسر و الحرج الشديد.

المسألة العاشرة:

إذا علم المكلف بأن أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر يوجب له ضررا في نفسه أو في ماله كما ذكرنا، و علم أيضا ان أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر يؤثران أثرهما المطلوب و إن دخل عليه الضرر بسببهما، وجب عليه أن يقدّم ما هو أكثر جدوى لدين الله من الأمرين المذكورين و أشدّ أهمية في موازين الشريعة، فإن كان دفع الضرر عن نفسه و ماله أهمّ في حكم الشرع من تأثير أمره و نهيه في الشخص المأمور، سقط عنه وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لذلك الشخص و لم يأثم بتركهما، بل و لزمه أن يدفع الضرر عن نفسه بتركهما، و إن كان تأثير أمره و نهيه في ذلك الشخص أكثر فائدة و جدوى للإسلام، وجب عليه أن يأمره بالمعروف و ينهاه عن المنكر و ان أوجب ذلك الضرر الشديد، و كان ذلك من الجهاد في سبيل الله، و ليس من مجرّد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و في تأريخ الإسلام أمثلة معروفة و مشهورة لذلك.

المسألة 11:

وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر نوعان من التكليف، و لذلك فلا يتوجهان إلى غير المكلّف من الناس، فلا يجبان على الصبي غير البالغ، و لا على المجنون غير العاقل، و ان كانا عارفين ببعض مواردهما، و لا يؤمر بالمعروف و ينهى عن المنكر غير المكلف من صبي أو مجنون.

و انما يؤمر الصبي غير البالغ بالعبادات الشرعية ليتمرّن عليها قبل بلوغه، أو ليحصل منه بعض مراتب الطاعة، و عباداته و ان كانت شرعية على القول الأصح، فهي مندوبة و ليست واجبة، و انما يمنع عن المحرمات لئلا يعتاد على فعلها و يتساهل في أمرها، و

هذا غير الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 309

و لا يبعد القول بحرمة وقوع الكبيرة منه قبل بلوغه إذا كان مميزا، فيحرم عليه شرب الخمر و الزنا و غيرهما من كبائر المحرمات، و من نتائج هذا القول، فيجب أن ينهى عن مثل هذا المنكر إذا ارتكبه أو أراد ارتكابه.

المسألة 12:

يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على جميع المكلّفين من الناس العالمين به القادرين على امتثاله إذا اجتمعت في المكلف منهم شرائط الوجوب التي ذكرناها، و لا يختص وجوبهما بصنف من الناس دون صنف و طائفة دون طائفة، سواء كان الصنف من العلماء أم من غيرهم، و من السلطان و ولاة الأمور أم من الرعية، و من التجار و أصحاب الأموال أم من الفقراء، و من العدول و الثقات أم من الفسّاق أم سائر الأمة، و إذا قام بامتثال التكليف جماعة أو آحاد يتأدى بهم الغرض و يحصل بهم امتثال الواجب، سقط الوجوب عن الباقين من المكلفين، و إذا قصر القائمون عن إتمام الواجب، وجبت على الآخرين مساعدتهم حتى يتموه إلى الغاية المطلوبة شرعا، و إذا ترك الجميع أثم الجميع، و إذا قام بعضهم بما يمكنه و عجز عن الإتمام و لم يساعده الباقون على بلوغ الغاية، أثم التاركون، و سقط الوجوب عن القائمين فيه بمقدار استطاعتهم.

المسألة 13:

لا يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على الشخص حتى تتوفر فيه الشروط التي تقدم ذكرها، فإذا شك في وجود بعض الشروط لم يجب عليه أن يأمر و ينهى، و خصوصا إذا كان أمره و نهيه يوجب أذى أو انتقاصا للفاعل الذي يأمره و ينهاه.

المسألة 14:

إذا اجتمعت للرجل شروط الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و وجب عليه ذلك وجبت عليه المبادرة للامتثال و لم يجز له التأخير، و إذا أخر ذلك لعذر أو لغير عذر لم يسقط عنه الوجوب، و أثم إذا كان غير معذور في تأخيره، و وجبت عليه المبادرة، و هكذا فكلما تأخر وجب عليه الفور و يتكرر عليه الإثم إذا كان لغير عذر.

المسألة 15:

إذا وجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على الإنسان و علم أنه لا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 310

يستطيع التأثير في الفاعل إلا بالاستعانة عليه بشخص غيرهما وجب عليه أن يعلم ذلك الشخص و يستعين به أو يوكل الأمر إليه إذا علم منه القدرة عليه منفردا، و يكون المكلف معذورا في التأخير حتى يستعين بذلك الشخص أو يوكل الأمر إليه.

المسألة 16:

إذا اجتمعت للمكلف شروط الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و لم يأمر و لم ينه، أثم بتركه إذا كان غير معذور في تركه، و قد ذكرنا هذا أكثر من مرة، فإذا انتقص بعد ذلك بعض الشروط ارتفع عنه الوجوب، و مثال ذلك: ان يحصل له العلم بوقوع الضرر عليه في نفسه أو ماله، أو يخاف وقوع الضّرر عليه بعد ان كان آمنا منه، أو يحصل له العلم بعدم تأثير أمره و نهيه في المخاطب بعد ما كان عالما بوجود الأثر لقوله، فيسقط عنه وجوب الأمر و النهي.

و إذا علم بعدم وجود بعض الشروط أو شك في وجود بعضها، فترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لذلك كان معذورا و قد بيّنا هذا في ما تقدم، فإذا اتفق أن توفّرت له الشروط بعد ذلك وجب عليه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فالمدار في الصورتين على إحراز وجود الشرائط في حال قيامه بالأمر و النهي و تصدّيه للامتثال.

المسألة 17:

إذا وجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على المكلف أمكن أن يقع امتثاله لهذا الوجوب على ثلاث مراتب.

(المرتبة الأولى): أن ينكر المكلّف على الشخص تركه لفعل الواجب أو ينكر عليه فعله للمنكر، و يكون إنكاره عليه بقلبه، و من الواضح جدا ان مجرّد إنكاره عليه بالقلب و كراهته ان يقع ذلك منه لا يعدّ أمرا بمعروف و لا نهيا عن منكر إذا لم يعلم الشخص المأمور بإنكار الآمر عليه، و لم يعلم بأن الإنكار و الكراهة قد استحقهما من الآمر بسبب تركه للواجب و فعله للمحرم، و لذلك فلا بد و ان ينضم إلى الإنكار في القلب ما يدلّ المأمور على ذلك، فيعرض الآمر عنه بوجهه

إذا لقيه أو اجتمع به مثلا، و يهجره فلا يزوره، و يحتجب عنه إذا أراد المأمور زيارته أو لقاءه، و ما يشبه ذلك من الأفعال الدالة على المقصود في نظر أهل العرف، و لا ريب أيضا في ان لذلك درجات متفاوتة في الخفة و الشدّة، و لا بدّ للآمر أن يقتصر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 311

على المقدار اللازم له في أداء الواجب، فلا يلجأ إلى الأشدّ إذا كان ما هو أخفّ نافعا و مؤديا للمقصود، و لا ينتقل إلى المرتبة الثانية إذا كان الإنكار في القلب على الوجه المذكور كافيا.

(المرتبة الثانية): أن ينكر الآمر عليه تركه للواجب أو فعله للمحرم، و يكون إنكاره عليه بلسانه، و للإنكار باللّسان أيضا درجات مختلفة، من التعريض بالقول، و الكلمة الظاهرة في المعنى المراد، و الكلمة الصريحة به، و اللين و الشدّة، و الكلمة المؤنبة، و الموبّخة و المزعجة إذا احتاج إليها، و على الآمر أن يعالج الداء بمقدار ما يحتاج إليه من الدواء، على النهج الذي ذكرناه في المرتبة الأولى و ليس له ان ينتقل إلى المرتبة الثالثة إذا كان الإنكار باللسان مجديا.

(المرتبة الثالثة): ان ينكر المكلف الآمر عليه فعله أو تركه بيده، من لكز، و دفع خارجي و ضرب خفيف أو مؤلم و شبه ذلك، و لا ينتقل إلى الشديد أو إلى الأشد إلا بمقدار الضرورة و الحاجة.

و لا يحق له أن يقتل أو يجرح، أو يشلّ، أو يكسر عضوا من أعضائه، أو يعيب جارحة من جوارحه، أو يعطّل حاسة من حواسه أو جهازا من أجهزة بدنه، فان أمر ذلك يختص بالإمام المعصوم (ع) أو نائبه الخاص.

المسألة 18:

يجب على المؤمن إذا رأى من يترك فعل الواجب

أو من يرتكب المنكر المحرّم أن ينكر ذلك بقلبه، سواء استطاع أن يظهر إنكاره القلبي فيأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر ببعض المراتب التي ذكرناها أم لم يستطع أن يفعل شيئا، و هذا المقدار من الإنكار في القلب واجب على المؤمن في جميع الحالات و هو من لوازم الإيمان و اتباع الحق، و ان لم يكن أمرا بمعروف و لا نهيا عن منكر، و لا يكفي عنهما مع القدرة عليهما.

المسألة 19:

من المنكر المحرم على الإنسان أن يتهتّك في دينه فلا يبالي أخطأ أم أصاب في فعله، و وافق حكم الشرع أم خالفه في عمله، فيجب على المكلّفين العارفين بحاله نهيه عن هذا المنكر و زجره عن اقترافه، و من المنكر أن يأتي بالشي ء متجرئا، فيفعل الفعل و هو يعتقد حرمته عليه في الدين، فيستحق العقاب بجرأته و ان كان الفعل الذي أتى به غير محرّم عليه في واقع الأمر.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 312

و من أمثلة ذلك: أن يأكل الرجل أو يتصرف في شي ء و هو يعتقد انه مال مغصوب من غيره، ثم يتبين له بعد ذلك أن المال الذي تصرف فيه ماله، و من أمثلته: أن يشرب مائعا و هو يوقن أن ذلك المائع خمر مسكر، ثم يعلم بعد شربه انه خلّ مباح، و أن يجامع امرأة و هو يرى أنها أجنبية عنه يحرم عليه وطؤها، ثم يعلم بعد الجماع أنها زوجته أو أمته، و من أمثلته: أن يفطر اليوم مختارا و هو يقطع بوجوب صيام ذلك اليوم، ثم يعلم بأنه يوم عيد، فيستحق المكلف العقاب على الفعل في جميع هذه الفروض لتجرئه على مخالفة أمر الله و نهيه، و يجب على المكلفين العالمين

بحاله نهيه عن هذا المنكر و ان لم يكن الفعل محرما عليه في الواقع.

المسألة 20:

من التهافت الصريح في سلوك المكلّف و المنافاة البينة للوازم الإيمان و مقتضيات العقل و الاتزان في الأمور، بل و من الهدم الشديد لبناء الشخصية المؤمنة المتماسكة، أن يأمر الإنسان غيره بالمعروف و هو يترك فعله، أو أن ينهى سواه عن ارتكاب المنكر و هو لا يرتدع عنه، و قد جاء في بعض الخطب لأمير المؤمنين (ع): (لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، و الناهين عن المنكر العاملين به)، و عن الرسول (ص) في وصيته لأبي ذر: (يطّلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار، فيقولون: ما أدخلكم النار و انما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم و تأديبكم؟ فيقولون: انا كنّا نأمركم بالخير و لا نفعله).

المسألة 21:

تشتد حرمة الشي ء المحرم في الشريعة إذا ارتكبه فاعله في الأوقات الشريفة أو في الأمكنة المقدّسة، و من أمثلة ذلك: ان يفعل الشخص الشي ء المحرم في أيام شهر رمضان، أو يترك الواجب في أيامه و لياليه، و أن يفعل ذلك في مكة أو في المدينة أو في أحد المشاعر المقدّسة و أيام الحج، فتشتد حرمة الحرام و يتضاعف العقاب عليها بسبب ذلك، و يتأكد وجوب أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر على المكلفين العالمين بحاله، بل و تشتد الحرمة و يتأكد وجوب الأمر و النهي إذا كان المرتكب من أهل العلم و الدين ممن يتظاهر بالتقوى و يكون التكليف فيها بالأمر و النهي أشدّ تأكدا كما تقدم، و قد يصبح الأمر في ذلك أعظم خطورة و أبلغ أثرا، و لا حول و لا قوة إلا بالله.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 313

المسألة 22:

إذا علم ان تارك المعروف أو فاعل المنكر لا يرتدع عن غيّه حتى تجتمع جماعة من الناس على امره و نهيه، وجب على المكلفين العالمين بالحال إعلام بعضهم بعضا بحال ذلك الإنسان، و وجب عليهم التعاون و التآزر على أداء الواجب معه حتى يتحقق لهم الغرض المقصود من زجره، و يأثم من لا يشترك منهم في أداء الواجب إذا توقف حصول الغرض على اشتراكه، أو كان امتناعه عن الاشتراك سببا في شدة إصرار الفاعل على فعل المحرم و ترك الواجب.

المسألة 23:

إذا علم المكلّف من حال أحد أنه تارك للمعروف الواجب أو مرتكب للمنكر المحرم، فأظهر المكلف عزمه على أمره و نهيه و تصديه لذلك و ارتدع الفاعل عن صفته بمجرّد علمه بذلك و فعل المعروف الذي كان تاركا له، و ترك المحرم الذي كان مرتكبا له من قبل أن يواجهه الآمر بشي ء، سقط الوجوب عن المكلف بالأمر و النهي، و ان كان ترك الفاعل للمنكر حياءا من المكلف و خجلا من مواجهته بالحقيقة.

المسألة 24:

لا يحق للإنسان أن يتطلع إلى غيره في داره و في مخابئه، و يتعقبه في المواضع التي يتردد إليها ليطلع على امره هل يرتكب المنكر في الخفاء أو يترك الواجب فيأمره و ينهاه، بل عليه ان يتبع معه الخطوات المتعارفة بين الناس و بين المؤمنين و المسلمين، و يقبل عذره إذا اعتذر و لا يهتك ستره إذا تستر، و يحمل عمله على الصحة ما أمكن، فإذا علم من حاله شيئا يقتضي الأمر و النهي بأحد الطرق المتعارفة، عامله بما علم، و إذا كشف الفاعل ستر نفسه و تجاهر بالمنكر و ترك الواجب عامله بمقتضى ذلك.

المسألة 25:

إذا ترك الرجل فعل المعروف الذي يجب عليه فعله، أو فعل الشي ء المحرّم الذي يجب تركه، و علم المكلف بذلك، و لكنه شك في أن الفاعل كان عالما بالحكم في حال مخالفته فيجب أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر، أو كان جاهلا بالحكم أو بالموضوع، فلا يجب أمره و لا نهيه لأنه معذور في مخالفته بسبب جهله، وجب على المكلف ان يعلمه الحكم من باب إرشاد الجاهل.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 314

المسألة 26:

إذا ترك الفاعل واجبات متعدّدة أو فعل محرمات متعددة، و لم يستطع المكلف أن يأمره بجميع الواجبات التي تركها، أو ينهاه عن جميع المحرّمات التي فعلها، وجب عليه أن يأمره بما يستطيع امره به من الواجبات و ان ينهاه عما يمكنه النهي عنه من المحرمات، و سقط عنه الوجوب في الباقي لعدم قدرته عليه.

و كذلك الحكم إذا احتمل تأثير أمره و نهيه في بعض الواجبات و المحرمات، و علم بعدم التأثير في الباقي، فيجب عليه أمره و نهيه في الموارد التي يحتمل فيها تأثير قوله و يسقط عنه الوجوب في غيره.

و إذا استطاع أن يقسّم امره و نهيه على فترات من الزمان، فيأمر الفاعل في وقت ببعض الواجبات التي تركها و ينهاه عن بعض المحرمات التي فعلها، ثم يأمره و ينهاه في وقت آخر عن بعض آخر منها، و هكذا حتى يتم الجميع، فيلزمه أن يفعل كذلك فلعل اجتماع عدد كثير من الأوامر و النواهي عليه في وقت واحد هو الذي يوجب عدم قدرته على القيام بالجميع أو يوجب عدم التأثير في المأمور فإذا قسّم الأمر و النهي على فترات متفرقة من الزمان أمكن له استيفاؤها جميعا، و أثرت.

المسألة 27:

الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر علاج شرعي لبعض المنحرفين في أعمالهم و سلوكهم عن الاستقامة التي أرادها اللّه للمؤمنين، و عن لزوم العمل الصحيح الذي حددته شريعة الحق و بينته في أحكامها و من أجل ذلك فلا بد من أن يأخذ الآمر و الناهي في أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر بمقدار ما تتأدّى به الضرورة، و يحصل به العلاج النافع، و لا يجوز له أن يأخذ بالمرتبة الشديدة إذا أمكن العلاج بما هو أخفّ

و أيسر منها، و قد تكرّر منّا بيان هذا و ذكرنا له عدّة من الأمثلة و الفروض.

فإذا فعل الفاعل المنكر و أصرّ على فعله أو ترك المعروف الواجب و أصرّ على تركه، و لم يمكن علاجه الا بإظهار أمره بين الناس و تعريف حاله للآخرين، جاز إعلان أمره إذا كان متجاهرا بارتكابه في ما يقول و ما يفعل، و لا يبالي بكشف ستره، و جاز إعلان أمره على الأقوى إذا كان تأثير الأمر و النهي في إصلاحه يتوقف على تبيين حاله و التشهير به، فإذا كف عن فعله و ارتدع عن منكره و عن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 315

إصراره عليه، وجب ترك ذلك، بل وجب اكباره و إجلاله لسيطرته على نفسه، و إحلاله الموضع اللائق به من المجتمع المسلم السليم.

و لا يجوز إعلان أمره و التشهير به إذا كان متسترا بفعله، و أمكن علاجه بما هو أيسر و أخفّ و ألين، و من الله التوفيق و العون للآمر و المأمور، و لنا و للمؤمنين على الأخذ بأحكامه و اتباع منهاجه و هداه في ما نقول و ما نعمل.

المسألة 28:

يمكن للمكلف أن يعتمد في أمره لصاحبه بالمعروف و نهيه إياه عن المنكر على المكاتبة، فيبسط له فيها من الحديث معه ما لا يقدر على بيانه باللسان، و يكشف له ما لا يمكن كشفه بالقول و ينصب له من القرائن ما يوضح المراد، و يضع النقاط على الحروف كما يقول المثل الدارج، و يتخذ الأسلوب النافع، فإذا كان المكلف في اتباع هذه الطريقة أقدر على التأثير و أكثر ضمانا للعلاج الواجب، وجب عليه ذلك.

المسألة 29:

إذا ترك الفاعل معروفا واجبا أو ارتكب منكرا محرما، وجب على المكلف العالم بحاله أمره بالمعروف الذي تركه و نهيه عن المنكر الذي فعله، مع اجتماع شروط الوجوب كما تقدم، و وجب عليه أمره بالتوبة من تلك الخطيئة التي فعلها، إذا كان عازما على عدم التوبة منها، فان ترك التوبة من الخطيئة احدى كبائر الذنوب، و هما واجبان مستقلان، فيجب على المكلف الأمر بالمعروف في كليهما، و لا يكفي أداء أحدهما عن أداء الآخر، فإذا أمر الفاعل بالمعروف و نهاه عن المنكر من الجهة الأولى ففعل المعروف و ارتدع عن المنكر، و لم يتب من خطيئته وجب على المكلف أمره بالتوبة و لم يسقط عنه وجوب الأمر بها بامتثال الفاعل لأمره الأول.

المسألة 30:

تجب مقاطعة فاعلي الشر و السوء و مرتكبي المنكر و تاركي الواجبات من الناس، و تحرم مجالستهم، و مخالطتهم و الركون إليهم مهما أمكن، و قد قال سبحانه في كتابه وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ، وَ مٰا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّٰهِ مِنْ أَوْلِيٰاءَ ثُمَّ لٰا تُنْصَرُونَ و في الخبر عن أمير المؤمنين (ع): (من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يقوم مكان ريبة)، و عن الإمام جعفر بن محمد (ع): (من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 316

جالس أهل الريب فهو مريب) و في خبر صفوان بن يحيى، عن الإمام أبي الحسن موسى (ع): (من أحبّ بقاءهم فهو منهم، و من كان منهم كان ورد النار)، و قد تصبح مقاطعتهم و مجانبتهم احد الطرق النافعة في علاجهم من الغيّ و ردعهم عن السوء و رجوعهم إلى الرشد.

المسألة 31:

يجب على الفرد المؤمن أن يأمر أهل بيته و عياله و أولاده بالمعروف و ينهاهم عن المنكر، و يتأكد عليه الوجوب في حقهم، و قد قال سبحانه يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً وَقُودُهَا النّٰاسُ وَ الْحِجٰارَةُ.، فإذا علم من حال بعض أهله أنه يترك بعض الواجبات من صلاة أو صيام أو غيرهما، أو يتساهل في أدائه، أو يتسامح في تأدية ما يعتبر فيه من شروط و أجزاء و واجبات أو يأتي به على غير الوجه الشرعي المطلوب، وجب عليه أن يأمره بالمعروف و يستعمل معه المراتب التي قدّمنا بيانها للأمر و النهي، و يلين معه في مورد اللين و يشتد معه في موضع الشدة، حتى يستكمل الواجب و يستوفي الغاية و يتم العلاج، و يأتي المأمور بالواجب الذي تركه و يتم

اجزاءه و شروطه على الوجه الصحيح المراد.

و كذلك إذا علم أن بعضهم يفعل بعض المنكرات المحرّمة من غيبة أو نميمة أو كذب أو غير ذلك من المحرمات الصغيرة أو الكبيرة، فيجب عليه أن ينهاه عن المنكر، و يتخذ معه المراتب التي ذكرناها للنهي و الإنكار حتى يرتدع و يثوب إلى الحق، و أن يأمره بالتوبة في موارد وجوب التوبة كما سبق بيانه في الآخرين، فحق الأهل في ذلك أعظم من حقوق غيرهم، و لعل الولاية ما بين الرجل و بينهم على تأدية هذا الواجب معهم أشدّ من الولاية ما بينه و بين غيرهم، و في الآية الكريمة المتقدمة دلالة على ذلك.

المسألة 32:

لا يختص الحكم المتقدم بربّ العائلة، فإذا علم بعض أفراد أهل البيت بأن بعضهم يترك المعروف أو يفعل المنكر شمله التكليف و وجب عليه الأمر و النهي كما تقدم.

و كذلك الحكم في المرأة المؤمنة إذا علمت ذلك من بعض أهلها، و توفّرت فيها شروط الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فيجبان عليها، و إذا قام بعض افراد العائلة بالواجب و كان أمره و نهيه كافيين في التأثير و حصول الغاية

كلمة التقوى، ج 2، ص: 317

المقصودة سقط الوجوب عن ربّ العائلة و عن الأفراد الآخرين.

المسألة 33:

إذا علم المكلف ان أحد الشخصين المعينين أو الأشخاص المعلومين قد ترك معروفا واجبا أو ارتكب منكرا محرّما، و علم بأن أمره و نهيه لهم يؤثر في ردعهم عن المنكر، وجب عليه أمرهم و نهيهم جميعا، و كذلك إذا احتمل أن أمره و نهيه يؤثر الأثر المطلوب شرعا، فيجب عليه أمرهم و نهيهم جميعا، و مثله ما إذا علم أو احتمل أن أمره و نهيه يؤثر في ردع بعضهم من غير تعيين، فيجب عليه أمرهم و نهيهم جميعا.

و إذا علم أو احتمل ان قوله يؤثر في البعض المعيّن منهم خاصة، و لا يؤثر في الباقين، وجب عليه أن يأمر ذلك البعض المعيّن، و يسقط عنه الوجوب في الآخرين.

المسألة 34:

إذا توقف تأثير الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في تارك المعروف و فاعل المنكر على ان يزوره المكلف في بيته مثلا، أو على أن يطنب معه في الحديث، أو على بيان بعض المحاذير و الآثار السيئة التي يتركها فعل ذلك المنكر أو ترك ذلك الواجب في نفس الفاعل و في عاقبته، أو على قراءة بعض النصوص و الأحاديث التي تحذّره من غضب الله و شدة مقته و أليم أخذه للمجرمين، وجب عليه ذلك مع قدرة المكلف عليه أو الاستعانة بغيره من العارفين.

المسألة 35:

إذا توقف تأثير الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على أن يدخل المكلف في بيت الرجل أو على أن يأكل من طعامه مثلا، و كان البيت مغصوبا أو كان الطعام محرما، كان ذلك من التزاحم بين الأمرين المذكورين، فيقدّم منهما ما هو أكثر أهمية و أعظم فائدة في حكم الإسلام، فإن كان اجتناب المكلف دخول بيت الرجل و الأكل من طعامه أكبر أهمية، وجب عليه ترك الدخول و الأكل، و سقط عنه وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و إذا انعكس الأمر جاز له الدخول و وجب عليه الأمر و النهي، فيدخل البيت المغصوب مثلا و يأكل الطعام الحرام إذا كان المراد تخليص نفس محترمة من القتل، أو كشف شدة كبيرة عن طائفة من المؤمنين، و يجتنب الدخول و الأكل إذا كان المراد أن يأمر الرجل

كلمة التقوى، ج 2، ص: 318

بأداء فريضة من صلاة أو صوم أو ينهاه عن ترك محرم صغير يريد ارتكابه، و يرجع إلى الفقيه الجامع للشرائط في تعيين ما هو الأهم الأكبر من الأمرين المتزاحمين و ما هو محتمل الأهمية منهما، و في تعيين موارد التساوي

و التخيير بينهما.

المسألة 36:

يجب على المؤمن- و خصوصا إذا كان من أهل العلم و الدين، و المتصدّين لنصيحة الناس و إرشادهم و أمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر- أن يأمر نفسه بالمعروف الواجب، و ان ينهى نفسه عن المنكر المحرم، الصغير منه و الكبير، و أن يكون من أشد الناس التزاما بذلك و أثبتهم على إطاعته و تطبيقه على نفسه، و قد ورد في وصية الإمام أمير المؤمنين (ع) لولده محمد بن الحنفية: (كن آخذ الناس بما تأمر به و أكفّ الناس عما تنهى عنه، و أمر بالمعروف تكن من أهله)، و عنه (ع) في بعض خطبه: (و انهوا عن المنكر و تناهوا عنه، فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي)، و عن علي بن الحسين (ع) في حديث له وصف فيه المؤمن و المنافق، قال: (و المنافق ينهى و لا ينتهي، و يأمر بما لا يأتي).

و يستحب له ان يأمر نفسه بالمعروف المندوب و ان يكون من المواظبين عليه، و ان ينهى نفسه عن المكروهات و يكون من التاركين لها، و ان يأخذ نفسه باكتساب الأخلاق و الفضائل الحميدة و التمسك بها، و يجاهدها بنبذ الأخلاق و الرذائل المذمومة و الابتعاد عنها، حتى يصبح من أهل المعروف في الدنيا و أهل المعروف في الآخرة، كما نطقت به النصوص الواردة عن أدلة الهدى (ع)، فإذا هو تحلّى بجميع ذلك و استكمل محامده و اجتنب مذامه في القول و العمل، ثم أمر الناس الآخرين بالمعروف و نهاهم عن المنكر و دعاهم إلى ذلك بالحكمة و الموعظة الحسنة، فقد قام بالامتثال بأرفع مرتبة من الأمر و النهي في الأداء و أضمنها في التأثير، و أكبرها مقاما عند الله و

أقربها زلفة لديه، و قد ورد في بعض أقوال أمير المؤمنين (ع): (من نصب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره و ليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، و معلّم نفسه و مؤدّبها أحق بالإجلال من معلّم الناس و مؤدبهم). و من الله التوفيق و العون لنيل هذه المرتبة و غيرها من مراتب الكمال النفساني و الخير الأعلى المقصود لأهل الدين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 319

المسألة 37:

يجب التآمر بالمعروف و التناهي عن المنكر بين الأفراد و الجماعات من المؤمنين، فكل فرد منهم يأمر نفسه و يأمر الآخرين بفعل المعروف الواجب، و ينهى نفسه و ينهى الآخرين عن ارتكاب المنكر المحرم، و يجب عليهم التواصي بالحق و إقامته، و التواصي بالصبر على الطاعات و الصبر عن المعاصي، و خصوصا إذا اعتيد بين الناس ترك المعروف و ارتكاب المنكر فيجب على المؤمنين ان يتآزروا على محو ذلك ما استطاعوا في أفعالهم و أقوالهم.

و تحرم المجاهرة بين الأفراد و الجماعات بترك المعروف و التظاهر بفعل المنكرات أو استسهال أمرها و التغاضي عن حدوثها، و المجاهرة بترك المعروف جرأة كبيرة على الله و إعلان من العبد بترك واجباته، و التظاهر بالمنكر تجرؤ شديد على الله و إعلان من العبد بفعل محرماته، و من أجل ذلك يكونان أشدّ حرمة و تماديا في الغي و العتو عليه سبحانه و محاربة صريحة له، و يجب تآزر الأفراد و الجماعات المسلمة على نبذ ذلك، و الحيلولة عن وقوع هذا الداء العضال، و قد ذكرنا في أول الكتاب بعض النصوص المحذّرة عن حصوله و المخوفة من سوء عاقبته، و عن الإمام الرضا (ع): (كان رسول الله (ص) يقول: إذا أمتي تواكلت الأمر

بالمعروف و النهي عن المنكر، فليأذنوا بوقاع الهلاك من الله)، و المراد ان يترك كل فرد و كل فريق من الأمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر اتكالا على غيره فلا يقيمهما منهم احد، و في حديث طويل للإمام محمد بن علي الباقر (ع) ذكر فيه رفض الناس لهذه الفريضة في آخر الزمان و ابتغاءهم المعاذير في تركها، ثم قال (ع): (هنالك يتم غضب الله عز و جل عليهم فيعمهم بعقابه، فيهلك الأبرار في دار الأشرار و الصغار في دار الكبار) و تلاحظ المسألة الثانية.

المسألة 38:

يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على الجماعات كما يجب على الأفراد فإذا كان الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر لا يتأدى إلا بقيام جماعة متعددين به و لا يكفي فيه أن يتصدى له فرد واحد، وجب على الجماعة أن يجتمعوا و يدعو بعضهم بعضا إلى ذلك، فيأمروا بالمعروف و ينهوا عن المنكر متعاونين بينهم متآزرين على امتثال التكليف به، سواء كان المعروف الذي يأمرون به و المنكر الذي ينهون عنه من فعل شخص واحد، فلا يأتمر ذلك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 320

الشخص و لا يفعل المعروف الذي تركه إلا إذا اجتمع جماعة من الناس على أمره و لا ينتهي و لا يرتدع عن المحرّم إلا إذا اجتمعوا على نهيه و زجره، أم كان المعروف و المنكر من فعل أشخاص متعددين، فلا يأتمرون و لا ينتهون إلا بتعاون جماعة على أمرهم و نهيهم، و لا يسقط الوجوب عن الجماعة بقيام فرد واحد بالأمر و النهي، لأنه لا يكفي في الأداء بحسب الفرض.

و إذا ترك الجماعة و لم يؤدّوا التكليف أثموا جميعا، و إذا استجاب آحاد لا يكفون بامتثال

التكليف و ترك الباقون، سقط الوجوب عمّن استجاب، و أثم الآخرون الذين لم يستجيبوا.

المسألة 39:

إذا وجب الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، و قام به بعض الأفراد أو الجماعات من المكلفين به، لم يسقط الوجوب عن المكلّفين الآخرين بمجرد تصدي أولئك النفر القائمين، حتى يعلم أن القائمين بالأمر قد أتموا الغرض و تحققت بفعلهم الغاية المطلوبة و العلاج المقصود، أو يثبت ذلك بالبينة الشرعية أو الاطمئنان العقلائي الكافي.

و أولى من ذلك ما إذا اطمأن المكلف بقيام الآخرين بالأمر و النهي أو اطمأن بان القائمين يكفون في تحصيل الواجب، ثم استبان له خلاف ذلك، فيجب عليه التصدي و القيام بالأمر و النهي.

المسألة 40:

إذا تناول الصائم بعض المفطرات فأكل أو شرب أو جامع زوجته و هو ناس للصّوم، أو ناس لكون الشي ء الذي تناوله من المفطرات، لم يضرّ ذلك بصحة صومه، و إذا علم أحد بأن الرجل قد تناول المفطّر ناسيا لم يجب عليه أن يعلمه و أن ينهاه، و لا يكون ذلك من النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف، سواء كان في صيام شهر رمضان أم في غيره من الصيام الواجب أو المندوب، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثلاثين من كتاب الصوم.

المسألة 41:

إذا أكل الرجل شيئا نجسا أو متنجسا أو شربه و هو لا يعلم بنجاسته، و علم شخص آخر بوجود النجاسة في طعام الرجل أو شرابه أو ثوبه الذي صلّى فيه، لم يجب على ذلك الشخص إعلام الرجل بالنجاسة و نهيه عن أكل ذلك الشي ء أو

كلمة التقوى، ج 2، ص: 321

شربه أو الصلاة فيه، و لا يكون ذلك من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و يستثنى من ذلك ما إذا كان ذلك الشخص هو السبب في أكل الرجل و شربه و صلاته في الشي ء النجس أو المتنجس، كما إذا باعه ذلك الشي ء النجس أو وهبه إياه و لم يخبره بأنه نجس أو متنجس، فيجب عليه إعلامه في هذه الصورة و نهيه عن أكل ذلك الشي ء و شربه و استعماله في ما تشترط فيه الطهارة كالصلاة و الطواف، و قد ذكرنا هذا في المسألة المائة و الثالثة و السبعين و ما قبلها من كتاب الطهارة.

المسألة 42:

إذا أراد الرجل أن يشرب مائعا خاصا و هو يعتقد بأنه شراب محلّل و كان المائع خمرا مسكرا يحرم شربه في الإسلام، أو أراد أن يجامع امرأة و هو يرى انها زوجته أو أمته، و كانت المرأة أجنبية عنه يحرم عليه وطؤها، أو أراد أن يقتل شخصا، و هو يوقن أنه مهدور الدم و كان الشخص مسلما محترم النفس و الدم، و علم شخص آخر بحقيقة الحال وجب عليه أن يعلم الرجل و ينهاه عن ارتكاب الأمور المذكورة، و ذلك لأن شرب الخمر، و التعدّي على الأعراض و الفروج، و قتل النفوس المحترمة أمور يعلم من دين الله و من شريعته المطهّرة المنع عنها و عدم جواز الوقوع فيها من أحد

أبدا و ان كان الفاعل جاهلا أو ناسيا.

الفصل الثاني في الأمر بالمعروف المندوب و النهي عن المكروه
المسألة 43:

القسم الثاني من المعروف في دين الإسلام ما كان مندوبا يستحب فعله كالنوافل من الصلاة، و المندوب من الصوم و الزكاة و الحج و العمرة و الزيارة، و المستحب من الطّهارات و الصدقات، و الأمر بهذا القسم من المعروف مندوب، و لا ريب في ثبوت هذا الحكم، ففي الخبر عن الإمام أبي عبد الله (ع): (لا يتكلم الرجل بكلمة حق يؤخذ بها إلا كان له مثل أجر من أخذ بها، و لا يتكلم بكلمة ضلال يؤخذ بها إلا كان عليه مثل وزر من أخذ بها)، و عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (من علّم خيرا فله مثل أجر من عمل به، قلت فان علّمه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 322

غيره يجري ذلك له؟ قال: ان علّمه الناس كلهم يجري له، قلت فان مات، قال و ان مات).

فيستحب الأمر بالمعروف المستحب، و يتأكد الاستحباب في الأمر بالمستحب المؤكد، و يشمل الحكم على الأظهر للمستحب الذي يثبت استحبابه بدليل ضعيف، فيستحب الأمر به، و لا بدّ و ان يقيد هذا القسم من المستحب إذا أمر به بأن يأتي المأمور به برجاء المطلوبية.

و يستحب النهي عن المنكر الذي ثبتت كراهة فعله في الشريعة على النهج الذي بيّناه في الأمر بالمندوب من غير فرق بينهما، فلا اثم و لا عقوبة على المكلف إذا تركهما.

المسألة 44:

يحسن الأمر بالمعروف العقلي و هو الشي ء الذي ثبت حسن الإتيان به في حكم العقل و ان لم يثبت استحبابه في الشرع، فيحسن الأمر به و الإرشاد إلى فعله إذا تركه الفاعل، و لا يعاقب المكلف إذا ترك الأمر به.

المسألة 45:

إذا أقام الرجل لنفسه سنة حسنة أو أجرى له عادة طيبة من عوائد الخير، فاتبعه عليها أولاده أو أهل بيته أو غيرهم، كتب له أجر تلك السنة ما دام عاملا بها، و مثل أجور من عمل بها من الناس، و لا ينقص ذلك من أجور العاملين بسنته شيئا، و مثال ذلك: ان يطعم المحتاجين من أهل قريته أو يكسوهم في أوقات معينة من السنة أو من الشهر، و يتخذ ذلك دأبا له يجري عليه في عمله، ثم يتبع الآخرون سنته في عملهم.

و إذا جعل له سنة سيئة فعمل عليها و اتّبعه غيره على تلك السنة كتب عليه وزرها كاملا ما دام عاملا بها، و كتب عليه مثل أوزار المقتدين بها، و لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، و قد ذكرنا في ما تقدم بعض النصوص الدالة على ذلك.

المسألة 46:

يستحب للمكلف الذي يأمر بالمعروف المندوب و ينهى عن المنكر المكروه، ان يرفق بالمأمور و يلطف معه بأساليب أمره و نهيه، و خصوصا إذا كان المدعوّ ضعيف المعرفة ضعيف التحمل، أو كان جديد عهد بالإسلام أو بالإيمان، فيأمره و ينهاه بالمقادير التي يسهل عليه اتباعها، و بالأساليب التي تزيد في رغبته و في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 323

معرفته و لا يثقل عليه و يحمله أكثر مما يحتمل، فيكون ذلك سببا في انصرافه عن الغاية التي يرجوها له، و قد ينزجر بسببها عن الهدى و الإيمان بالحق.

المسألة 47:

يستحب للمؤمن أن يفعل الخير جهده، و يصنع المعروف الذي يقدر على صنعه مع المؤمنين، من الصدقات المستحبة، و الهدايا و الهبات المندوبة، و إسقاط حقوقه اللازمة لهم، و مساعدتهم في الأعمال التي يستطيع عملها، و الاستجابة لطلباتهم إذا طلبوا، و ما يشبه ذلك من أفعال الخير، و يستحب له أن يكثر من فعل ذلك، و يتخذه دأبا له و عادة، و يكون من أهل المعروف و اصطناع الخير مع الأفراد و الجماعات و في المجتمع، و لا يبتغي بذلك عوضا و لا مكافأة، ففي الخبر عن أبي جعفر محمد الباقر (ع): (صنائع المعروف تقي مصارع السوء، و كل معروف صدقة، و أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، و أهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، و أول أهل الجنة دخولا إلى الجنة أهل المعروف).

المسألة 48:

تستحب إشاعة فعل الخير و صنع المعروف و التزام العادات الحميدة في المجتمع المسلم و بين الأفراد و الجماعات من المؤمنين، و دلالتهم عليها و ترغيبهم فيها، فان (كل معروف صدقة، و الدال على الخير كفاعله) كما يقول الرسول (ص) في الحديث الشريف، و ان (فاعل الخير خير منه و فاعل الشر شر منه)، و ان (من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة) كما يقول أمير المؤمنين (ع) في بعض كلماته المأثورة، (و ان من بقاء المسلمين و بقاء الإسلام ان تصير الأموال عند من يعرف فيها الحق و يصنع المعروف، و ان من فناء الإسلام و فناء المسلمين ان تصير الأموال في أيدي من لا يعرف فيها الحق و لا يصنع فيها المعروف) كما يقول الإمام جعفر بن محمّد (ع).

المسألة 49:

يستحب للإنسان استحبابا مؤكدا إذا فعل أحد معه معروفا أو صنع له خيرا على احد الوجوه التي سبقت الإشارة إليها أن يكافئ الفاعل على معروفه، ففي الحديث عن أبي عبد الله (ع): (من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به، و ليست المكافاة أن يصنع كما صنع به، بل يرى مع فعله لذلك ان له الفضل المبتدأ)، و في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 324

رواية أخرى: (و ليس المكافاة أن يصنع كما صنع به حتى يربي عليه، فان صنعت كما صنع كان له الفضل بالابتداء) و عن الرسول (ص): (من سألكم بالله فأعطوه، و من آتاكم معروفا فكافئوه، و ان لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا الله له حتى تظنوا انكم قد كافأتموه).

و أشد تأكيدا من استحباب المكافاة أن يشكر لصاحب المعروف فعله فيزيد في مقدار المعروف الذي يكافئه به أو في الثناء عليه و

الدعاء له.

و يجب على العبد أن يشكر الله سبحانه على نعمة التي لا ينتهي مدّها و لا يحصى عدّها سواء كانت خاصة به أم عامة له و لغيره، و من متممات شكر الله على نعمته ان يشكر العبد الذي ساق الله إليه النعمة على يديه، و قد دلت على هذا نصوص عديدة، و في الشكر على النعمة أمان لها عن الزوال و ضمان من الله للعبد الشاكر بالمزيد.

المسألة 50:

يحرم على الإنسان أن يكفر المعروف الذي يصل إليه من المخلوقين، و الكفران هو أن يجحد المعروف الذي يسديه إليه صانع المعروف و يغمط حقه فلا يشكر له فعله و لا يكافئه عنه بشي ء و لا يذكره بثناء و لا بدعاء، و أشدّ من ذلك ان يقابل معروفه بالذم و الجحود و الكنود، و أعظم من ذلك في التحريم ان يكفر العبد نعمة ربه، و قد توعّد- سبحانه- من كفر نعمته بالعذاب الشديد، و ورد في أحاديث الرسول (ص) و أوصيائه المعصومين ان كفران النعمة من الذنوب التي تعجل عقوبتها و لا تؤجل إلى الآخرة.

و لذلك فيكون شكر نعمة الله من موارد وجوب الأمر بالمعروف إذا أوتي العبد النعمة من الله فلم يشكر، و يكون كفران نعمته من موارد وجوب النهي عن المنكر.

المسألة 51:

ينبغي إعظام فاعل المعروف الواجب و المندوب، سواء كان ذلك بأمر نفسه و التزامه بأحكام الله و مناهج شريعته، أم كان فعله و التزامه بعد أن أمره الآمرون بالمعروف و دلّوه عليه، فتاب إلى ربه و أناب، فعن أبي عبد الله (ع):

(أقيلوا لأهل المعروف عثراتهم و اغفروها لهم، فان كف الله عز و جل عليهم هكذا، و أومأ بيده كأنه بها يظل شيئا)، و عنه (ع): (أهل المعروف في الدنيا هم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 325

أهل المعروف في الآخرة، يقال لهم ان ذنوبكم قد غفرت لكم فهبوا حسناتكم لمن شئتم).

و يجب تحقير مرتكب المنكر المحرّم فعن أمير المؤمنين (ع) قال: (أمرنا رسول الله (ص) أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة)، و هذا هو أدنى مراتب الإنكار للمنكر، و قد سبق ذكر مراتبه في المسألة السابعة عشرة.

المسألة 52:

يجب على المؤمن العالم بالحق القادر على بيانه و التعريف به بين الناس أن يظهر العلم و يجهر بالحق و يبينه للناس إذا ظهرت البدع و الضلالات المخالفة للحق و كان العالم آمنا من المخاوف و المحاذير، و قد ورد في الحديث عن النبي (ص): (إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله) و في حديث آخر عن الصادقين (ع): (إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه فان لم يفعل سلب نور الإيمان).

و عن الرسول (ص): (إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبّهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به

الدرجات في الآخرة).

و المراد ان يعرّف العلماء الناس ببدع المبتدعين و أهل الريب، و يبينوا لهم أعلام الحق و يوضحوا لهم منارة، و يظهروا لهم بهتان المبتدعين و كذبهم و ان ما يقولونه بهتان و بدعة سبيلها إلى النار، و هذا كله مع الأمن من المحاذير.

المسألة 53:

من متممات فعل المعروف و صنعه للآخرين ان يعتبره فاعل المعروف شيئا صغيرا و ان كبر، يسيرا و ان كثر، و أن يتستر بفعله و دفعه إذا كان من الأموال عن انظار الناس، فإذا أمكنه ان لا يعلم به أحد إلا الله فهو أفضل، و ان يعجّل صنعه و دفعه، فعن الإمام أبي عبد الله (ع): (رأيت المعروف لا يتم إلا بثلاث: تصغيره و ستره و تعجيله، فإنك إذا صغّرته عظّمته عند من تصنعه إليه، و إذا سترته تمته، و إذا عجّلته هنّأته، و إذا كان غير ذلك سخّفته و نكدته).

المسألة 54:

إذا أراد الرجل ان يفعل لأخيه خيرا أو يصنع له معروفا مستحبا، فلا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 326

ينبغي له ان يبذل له من المال أو غيره ما تكون مضرته على الباذل أكثر من منفعته للمبذول له، ففي الحديث عن أحدهما (ع): (و لا تدخل في شي ء مضرته عليك أعظم من منفعته لأخيك) و في خبر آخر: (و لا تعط أخاك من نفسك ما مضرته لك أكثر من منفعته له).

و من أمثلة ذلك: ان يكون على أخيه دين، فيدفع له من ماله مبلغا ليسدّد به دينه أو يوفي قسطا منه، و يكون ضرر ذلك بحال دافع المبلغ أكبر و أبلغ من منفعته لأخيه المدين لفقر الدافع و ضيق ما في يده، و من أمثلته: ان يكون له على أخيه بعض الحقوق اللازمة، فيسقط حقه عن أخيه و يصيب الباذل بسبب إسقاطه للحق ضرر أشد من نفع أخيه، أو يقوم له بعمل كذلك.

المسألة 55:

من المعروف المستحب المؤكد للرجل أن يقرض أخاه المؤمن عند حاجته إلى القرض، و قد روي عن الإمام الصادق (ع): (ما من مؤمن أقرض مؤمنا يلتمس به وجه الله إلا حسب له أجره بحساب الصدقة حتى يرجع إليه ماله)، و عن الرسول (ص): (الصدقة بعشرة، و القرض بثمانية عشر، و صلة الإخوان بعشرين، و صلة الرحم بأربعة و عشرين).

و يجب انظار المدين إذا كان معسرا، و يستحب للدائن إبراء ذمته من الدين و أن يحلّله منه أو من بعضه، سواء كان المدين المعسر حيا أم ميتا.

المسألة 56:

يجب على المكلف إذا أنعم الله عليه بنعمائه في الدنيا، أن يشكر المنعم العظيم على ما آتاه و يعترف له بالفضل و أن يؤدي الحقوق التي تجب عليه في تلك النعمة من زكاة أو خمس أو خراج أو غيرها، و الحقوق التي يوجبها المكلف على نفسه من نذور و أيمان و كفارات و شبهها.

و يستحب له ان يحافظ على دوام نعمته و بقائها، بأن يقوم باصطناع المعروف لأهل المعروف و قضاء حوائج المؤمنين من اخوانه و تفريج كربهم و إغاثة ملهوفهم، و ان يحصّن بذلك نعمته عن الزوال و النفور، و يضمن لنفسه من الله المزيد ففي خبر إبراهيم بن محمد عن أبي عبد الله (ع): (ما من عبد تظاهرت عليه من الله نعمة إلا اشتدت مئونة الناس عليه، فمن لم يقم للناس بحوائجهم فقد عرّض النعمة للزوال، قال: فقلت: جعلت فداك و من يقدر أن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 327

يقوم لهذا الخلق بحوائجهم؟ فقال: انما الناس في هذا الموضع و الله المؤمنون)، و عن أمير المؤمنين (ع) في بعض كلماته: (يا جابر من كثرت نعم الله عليه

كثرت حوائج الناس إليه، من قام لله فيها بما يجب عرّضها للدوام و البقاء و من لم يقم فيها بما يجب عرّضها للزوال و الفناء).

المسألة 57:

ينبغي للرجل ان لا يوجب على نفسه باختياره حقوقا غير واجبة عليه في أصل الشريعة، فينذر على نفسه أن يؤدي حقّا أو مبلغا من المال أو يفعل فعلا مستحبّا، أو يوجب على نفسه مثل ذلك بعهد أو يمين، فإذا نذر الشي ء أو حلف أو عاهد الله على فعله وجب عليه الوفاء به و نال المثوبة على أدائه إذا كان راجحا، و حنث إذا خالفه باختياره و أثم و لزمته الكفارة، و قد فصّلنا أحكام ذلك في كتاب النذر و اليمين، و قد ورد في حديث إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (ع): (لا تتعرضوا للحقوق، فإذا لزمتكم فاصبروا لها).

المسألة 58:

من جوامع الصفات و المعاني الحميدة الباعثة على ملازمة فعل الخير و صنع المعروف العام و الخاص ان يكون المسلم ممن يهتم جهد طاقته بأمور المسلمين، بل يظهر من بعض الأدلة لزوم الاتصاف بذلك، ففي الحديث المشهور أو المتواتر عن الرسول (ص): (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم) و عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع): (ان المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه و لا تكون عنده، فيهتم بها قلبه، فيدخله الله تبارك و تعالى بهمه الجنة)، و من الجوامع المذكورة ان ينصح للمسلمين و يحسن القول فيهم فعن الرسول (ص): (أنسك الناس نسكا أنصحهم حبّا، و أسلمهم قلبا لجميع المسلمين)، و عنه (ص): (ان أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه) و عن أبي عبد الله (ع):

(عليكم بالنصح لله في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه)، و عن أبي جعفر (ع)- في قول الله عز و جل وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً-: (قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم)

و عن أبي عبد الله (ع)- في هذه الآية الكريمة-: و لا تقولوا إلا خيرا حتى تعلموا ما هو.

المسألة 59:

من صنائع المعروف الراجحة للمؤمن، بل المؤكد عليه استحبابها: ان

كلمة التقوى، ج 2، ص: 328

يرحم الضعيف المحتاج من اخوانه و يؤوي اليتيم من أطفال المؤمنين، و يكسو العاري و يغيث الملهوف و يعالج المريض، و ان يصلح طريق المسلمين و يبني القنطرة، و الملجإ للفقراء و الغرباء، و أن يقضي حاجة أخيه المؤمن و يهتم بها و يسعى جهده في قضائها، و ان يشفع له في أمر أو حاجة عند بعض الناس، سواء طلب المؤمن منه الشفاعة أم لم يطلب، و سواء نجح في شفاعته أم لم ينجح، و الروايات في كل أولئك وافرة ظاهرة، و ان يسعى بمقدار طاقته في نفع المؤمنين ففي الخبر عنه (ص): (الخلق عيال الله فأحبّ الخلق إلى الله من نفع عيال الله و أدخل على أهل بيت سرورا)، و عن الإمام علي بن الحسين (ع): (من قضى لأخيه حاجة، فبحاجة الله بدأ، و قضى الله بها مائة حاجة في إحداهن الجنة، و من نفّس عن أخيه كربة نفّس الله عنه كرب الدنيا و كرب القيامة بالغا ما بلغت، و من اعانه على ظالم له اعانه الله على إجازة الصراط عند دحض الاقدام) و الحديث طويل يحتوي على الحث على كثير من المندوبات و صنائع الخير، و بمضمونه أحاديث كثيرة رواها في كتاب وسائل الشيعة، و في جوامع الحديث الأخرى، فليرجع إليها من أراد الاطلاع عليها.

المسألة 60:

يحرم على الإنسان ان يسخط الله فيترك شيئا من واجباته أو يفعل شيئا من معاصيه أو يغيّر شيئا من احكامه فيستوجب بذلك مقت الله و غضبه، و يحرم عليه ان يسخط الله بشي ء ليرضي أحدا من خلقه، و ان كان أبا أو امّا،

أو زوجا أو مالكا أو رحما قريبا أو بعيدا، و قد استفاض عن الرسول (ص): (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، و في الحديث عن علي (ع): (لا دين لمن دان بطاعة مخلوق في معصية الخالق)، و عن أبي عبد الله (ع): (لا تسخطوا الله برضى احد من خلقه و لا تتقربوا إلى الناس بتباعد من الله)، و عنه (ع) في قول الله عز و جل:

وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا، كَلّٰا سَيَكْفُرُونَ بِعِبٰادَتِهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا، قال (ع): (ليس العبادة هي السجود و الركوع، انما هي طاعة الرجال، من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده).

المسألة 61:

يجب على المسلم أن يغضب لله سبحانه إذا رأى واجباته تترك، أو رأى محرماته ترتكب، أو رأى شريعته تغيّر أو أحكامه تعطّل، فإذا غضب لله أمر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 329

و نهى و زجر بما يستطيع من مراتب الإنكار التي تقدم بيانها في مسائل الفصل الأول، و ان يكون غضبه لله بمقدار ما غضب الله لنفسه.

و هذا الحكم مع وجود الشرائط و القدرة على إنفاذه من أهم مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في المجتمع السليم، و وجوب هذه المرتبة و انتشارها في المجتمع من أكبر الأدلة على سلامة المجتمع و بعده عن الأدواء و المؤثرات، و قد سبق في المسألة الثانية و المسألة الثلاثين و السابعة و الثلاثين ما يدل على الحكم، و سبق في المسألة الحادية و الخمسين قول أمير المؤمنين (ع): (أمرنا رسول الله أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة).

و في الخبر عن أبي جعفر (ع): (أوحى الله إلى شعيب النبي (ع): إني معذب من قومك مائة ألف، أربعين

ألفا من شرارهم، و ستين ألفا من خيارهم، فقال: يا ربّ هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز و جل إليه، داهنوا أهل المعاصي و لم يغضبوا لغضبي).

المسألة 62:

ينبغي للمؤمنين أن يؤسّسوا العلاقات في ما بينهم و يقيموها على الحب في الله و البغض لأعدائه، فان الحب إذا أقيم على الايمان الخالص بالله و العمل الزكي بمرضاته، خلص و زكا و ثبت و دام، و أنتج النتائج الطيبة المحمودة للمتحابين في دنياهم و أخراهم، و إذا أقيم على غير ذلك لم يخلص و لم يدم، و سقط بسقوط غاياته، و عن أبي عبد الله (ع): (من أوثق عرى الإيمان ان تحب في الله و تبغض في الله و تعطي في الله و تمنع في الله)، و عنه (ع): (من وضع حبه في غير موضع فقد تعرّض للقطيعة).

المسألة 63:

يستحب استحبابا مؤكدا ان يتزاور المؤمنون في منازلهم الخاصة و في مجامعهم، و يتداولوا فيها النصيحة من بعضهم لبعض في لزوم الحق و الدلالة على سبل الخير، و التذاكر في ما بينهم في ما يثبت العقيدة الصحيحة في قلوبهم، و يبعث الإيمان المشرق في نفوسهم، و التواصي بالحق و التواصي بالصبر و الثبات عليه و على مناهجه، و الصبر و الثبات على ولاء الطيبين الطاهرين محمد و أهل بيته المعصومين (ع) و على محبتهم و الاستنارة بنور أحاديثهم، و الاستشفاء من أدواء النفوس و القلوب بطبهم، و الاستمداد الدائم من عطاء ذلك كلّه، فإنهم وسائل

كلمة التقوى، ج 2، ص: 330

الرحمة التي لا تنقطع، و ينابيع الخير التي لا تنقص و لا تغيض، و أدلة الهدى التي لا تشذ و لا تنحرف و مشارق النور الذي لا ينطفي، و بإحياء أمرهم حياة النفوس و بذكر فضائلهم جلاء الظلمات و بلوغ الغايات، و أن يكثروا من الصلاة عليهم إذا جرى ذكرهم فإن الصلاة عليهم تحطّ الذنوب و

تدفع الكروب و تثبت الإيمان في القلوب.

الفصل الثالث في مجاهدة النفس
المسألة 64:

إذا رأى الإنسان نفسه تاركة وجهة الدين الصحيح في الأعمال الواجبة أو المحرمة أو في بعضها، أو في الالتزام بالأخلاق الحميدة أو الارتكاب للرذائل المذمومة أو في بعض ذلك، وجب عليه أن يجاهد نفسه و يوجهها وجهة الحق الصحيح و يلزمها به و ان يردعها عن المخالفة، و يقف منها موقف الغريم المحاسب حتى يردّها إلى امتثال أمر الله و نهيه، و لا يتسامح معها و لا يتساهل، فان الإصرار على الذنب ذنب آخر، و ان الاستمرار على الجريمة جريمة ثانية قد تكون أكبر منها، و ان البقاء على الرذيلة رذيلة أخرى تضاعف الانحراف و تناقض الاستقامة، و قد تمنع من الحصول عليها، و هذا هو الجهاد مع النفس الذي تكاثرت النصوص الدالة على وجوبه على الإنسان و سمته الجهاد الأكبر، لطوله و استمراره و وجوب اتخاذ اليقظة و الحذر في جميع مراحله، ففي الحديث عن أمير المؤمنين (ع): (ان رسول الله (ص) بعث سرية فلما رجعوا، قال: مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر و بقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله و ما الجهاد الأكبر؟ فقال: جهاد النفس)، و عنه (ص): (الشديد من غلب نفسه)، و في كتاب المجازات النبوية عنه (ص): (المجاهد من جاهد نفسه)، و عنه (ص): (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوها قبل ان توزنوا، و تجهّزوا للعرض الأكبر).

و ليست الكلمات المذكورة مواعظ قيلت لمجرّد التذكير و التنبيه القصير الأمد، و لكنها مناهج واجبة الاتباع، تلقى للعمل الدائم الواجب مدى الحياة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 331

المسألة 65:

يحرم على الإنسان أن يتبع هوى نفسه و رغباتها، إذا كان هواها و رغباتها مخالفة لما يريد الله، فإن الإنسان إذا ترك نفسه و

ما تهوى تمادت في الغي و أوصلته إلى ما لا يحمد، و جرّأته على فعل المنكرات و ترك الواجبات، و لذلك فيجب عليه ان يغالب هوى نفسه و رغباتها ما استطاع، و عن أحدهم (ع): (جاهد هواك كما تجاهد عدوك) و عن أمير المؤمنين (ع): (ان أخوف ما أخاف عليكم اثنتان:

اتباع الهوى و طول الأمل، أما اتباع الهوى فإنه يصدّ عن الحق، و اما طول الأمل فينسي الآخرة). فإذا اجتمعت العلّتان في المرء، فصده الهوى عن اتباع الحق و نسي الآخرة لطول أمله، لم يؤمل فيه خير و لم يرج له صلاح، و عن أبي عبد الله (ع): (احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم، فليس شي ء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم و حصائد ألسنتهم).

المسألة 66:

(رأس الحكمة مخافة الله)- كما يقول الرسول (ص) في الحديث المعروف بين جميع المسلمين-، فيجب على المؤمن ان يخاف الله ربه، المطلع على أمره في سره و علانيته خوفا شديدا يبعثه على طاعته، و يردعه عن جميع معاصيه، و يمنعه عن اتباع الشهوات التي تبعده عن مرضاته، و توجب له استحقاق غضبه و مقته، و يجب عليه ان يرجو الله و رحمته و عفوه و ان سبقت منه المعاصي و كثرت، ففي الخبر عن أبي عبد الله (ع): (ارج الله رجاء لا يجرئك على معصيته، و خف الله خوفا لا يؤيسك من رحمته)، و عن أبي جعفر (ع): (ليس من عبد مؤمن إلا و في قلبه نوران: نور خيفة و نور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا، و لو وزن هذا لم يزد على هذا)، و يجب عليه ان يكون عاملا لما يخاف و لما يرجو، و قد قيل لأبي

عبد الله (ع): (قوم يعملون بالمعاصي و يقولون: نرجو، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت، فقال (ع): هؤلاء قوم يترجحون في الأماني، كذبوا ليسوا براجين، من رجا شيئا طلبه، و من خاف من شي ء هرب منه) فإذا خاف العبد ربه و رجاه، و توازن الخوف و الرّجاء في قلبه، و عمل لهما،- كما ذكرته الأحاديث- و استقام في عمله و لم ينحرف أنتج ذلك له نتيجة معلومة محتومة، و هي تقوى الله، فالتقوى هي حصيلة اجتماع الخوف و الرجاء الشديدين المتوازنين في قلب المؤمن، و العمل الدائب لخوفه و رجائه، و الحفاظ عليهما حتى تكون ملكة ثابتة في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 332

نفسه، و قد أشارت إلى ذلك الآية الكريمة وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زٰادَهُمْ هُدىً وَ آتٰاهُمْ تَقْوٰاهُمْ.

المسألة 67:

من متممات هذه المنزلة، و مقربات الوصول إلى هذه الغاية أن يشتد الخوف في قلب المؤمن، فيبكي خشية من الله لما اقترف من الذنوب، أو يبكي ندما على ما قابل به ربه الكريم العظيم من العصيان، أو خجلا ممّا تفضل عليه من النعم و الأيادي، فعن الإمام أبي محمد الحسن العسكري (ع) عن آبائه (ع) عن الصادق (ع): (ان الرجل ليكون بينه و بين الجنة أكثر مما بين الثرى إلى العرش لكثرة ذنوبه، فما هو إلا ان يبكي من خشية الله (عز و جل) ندما عليها حتى يصير ما بينه و بينها أقرب من جفنه إلى مقلته).

المسألة 68:

إذا توازن الخوف و الرجاء في قلب المؤمن، و أثمر اجتماعهما له ملكة التقوى- كما ذكرنا في ما سبق-، قبل الله منه عمله، و ان كان يسيرا، كما قال سبحانه إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، و بوأه المقام الرفيع من رضاه في الدنيا و الآخرة، و آتاه العزة و الكرامة، كما يقول تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ، و عن أمير المؤمنين (ع): (لا يقلّ عمل مع تقوى، و كيف يقلّ ما يتقبل)، و عن الصادق (ع): (من أخرجه الله من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه الله بلا مال، و أعزّه بلا عشيرة، و آنسه بلا أنيس، و من خاف الله أخاف الله منه كل شي ء، و من لم يخف الله أخافه الله من كل شي ء) و كلما ازدادت ملكة التقوى في نفس المؤمن ثباتا و رسوخا ازداد عطاؤها و عظم نتاجها.

المسألة 69:

يجب على العبد المكلف ان يجتنب الذنب و ان كان صغيرا فضلا عن كبائر الذنوب، ففي خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع): (اتقوا المحقّرات من الذنوب فإنها لا تغفر، قلت: و ما المحقّرات؟ قال (ع): الرجل يذنب الذنب، فيقول طوبى لي ان لم يكن لي غير ذلك) و عن الرسول (ص): (إياكم و المحقّرات من الذنوب فان لكل شي ء طالبا، الا و ان طالبها يكتب ما قدّموا و آثارهم و كل شي ء أحصيناه في إمام مبين)، و عن أمير المؤمنين (ع): (أشد الذنوب ما استهان به صاحبه).

كلمة التقوى، ج 2، ص: 333

و يحرم على العبد ان يصرّ على شي ء من معاصي الله، صغيرة كانت المعصية أم كبيرة، فعن أبي عبد الله (ع): (لا و الله لا يقبل الله شيئا من

طاعته على الإصرار على شي ء من معاصيه)، و عنه (ع): (لا صغيرة مع الإصرار، و لا كبيرة مع الاستغفار)، و عن أبي جعفر (ع) في قول الله عز و جل وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ، قال (ع): (الإصرار أن يذنب و لا يستغفر الله و لا يحدّث نفسه بالتوبة، فذلك الإصرار).

المسألة 70:

تجب التوبة على العبد إذا هو ترك واجبا من واجبات الله- سبحانه-، صغيرا كان أم كبيرا، أو اقترف ذنبا، أو أصرّ على ذنب صغير، أو فعل كبيرة من كبائر الذنوب و أصرّ على فعلها، بل و ان تمادى به الغي فارتكب عدة من الكبائر و أصرّ على فعلها مدة من حياته، فإذا ندم على ما فعل، و تاب إلى الله توبة نصوحا مما اقترف، و كملت له شروط التوبة و أخلص لله فيها، قبل الله منه توبته، فان الله يحب التوابين و يحب المتطهرين كما يقول في كتابه الكريم، و كما يقول سبحانه في آية أخرى وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّٰاسِ عَلىٰ ظُلْمِهِمْ، و كما وعد سبحانه به أهل السيئات من عباده، و ان كانت سيئاتهم موبقة، فقال يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ تَوْبَةً نَصُوحاً، عَسىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ يُدْخِلَكُمْ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهٰارُ، و في الحديث عن الرسول (ص): (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، و عنه (ص): (لا كبير مع الاستغفار و لا صغير مع الإصرار)، و عن أمير المؤمنين (ع): (لا شفيع أنجح من التوبة)، و عن أبي جعفر (ع): (فاما الظلم الذي بينه و بين الله فإذا تاب غفر له).

المسألة 71:

يجب على العبد المذنب ان يندم على معصيته ندامة يأسى بها على ما فرّط، و يستحيي مما واجه به ربه من جرم، و خصوصا إذا كان ما عمله كبيرة أو إصرارا على معصية، و الندم أول شؤون التوبة، بل هو أول الواجبات المقوّمة لها، و عن الرسول (ص): (كفى بالندم توبة)، و عن أمير المؤمنين (ع): (ان الندم على الشي ء يدعو إلى تركه)،

فإذا ندم الرجل و استحيا من سيئ عمله، و عزم في نفسه عزما صادقا على ان لا يعود إلى فعله ما بقي في الحياة، فقد حصل منه الركن الأساس من توبته، و هو التوبة النصوح، كما ورد عن أبي عبد الله (ع) و عن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 334

ولده أبي الحسن موسى (ع) في تفسير الآية الكريمة.

و من دلائل شدة الندم على الذنب ان يعترف المذنب على نفسه بالإساءة و التقصير، و انه يستحق العقاب على ما فرط، فعن أبي جعفر (ع): (و الله ما ينجو من الذنب إلا من أقرّ به)، و عنه (ع): (لا و الله ما أراد الله من الناس الا خصلتين: ان يقرّوا له بالنعم فيزيدهم، و بالذنوب فيغفرها لهم).

المسألة 72:

يجب على النادم التائب من ذنوبه أن يؤدي كلّ فريضة واجبة تركها قبل توبته إذا كانت الفريضة مما يجب قضاؤها، و يلزمه دفع كفارتها إذا كانت مما تجب فيه الكفارة، و يجب عليه أداء الكفارات الأخرى التي اشتغلت بها ذمته ككفارات النذور و العهود و الأيمان و المخالفات التي ارتكبها، و تراجع أحكامها التي فصّلناها عند القدرة و عند العجز في المسائل و الفصول المتعلقة بها من كتاب الصوم و كتاب الحج و كتاب الكفارات.

و يجب عليه أن يؤدي للناس حقوقهم و أموالهم التي استولى عليها بغير حق، فيؤديها إلى أصحابها، أو يستبرئ ذمته منهم بوجه شرعي آخر، و لا تصح توبته بغير ذلك مع القدرة و التمكن، و إذا عجز عن ذلك و لم يمكنه ان يرد المظالم إلى أهلها، وجب عليه الاستغفار للمظلومين.

المسألة 73:

يجب على العبد أن يجدّد التوبة كلما تجدّد منه الذنب، و تصح منه توبته إذا اجتمعت الشروط التي ذكرناها و ان تكررت، و لا يجوز له أن ييأس من روح الله أو يقنط من رحمته، فعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: (يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة و المغفرة، اما و الله انها ليست إلا لأهل الإيمان، قلت: فان عاد بعد التوبة و الاستغفار من الذنوب و عاد في التوبة؟ قال (ع): يا محمد بن مسلم أ ترى العبد المؤمن يندم على ذنبه و يستغفر منه و يتوب ثم لا يقبل الله منه توبته؟! قلت: فان فعل ذلك مرارا يذنب ثم يتوب و يستغفر، فقال: كلما عاد المؤمن بالاستغفار و التوبة عاد الله عليه بالمغفرة، و

ان الله غفور رحيم يقبل التوبة و يعفو عن السيئات، فإياك أن تقنط المؤمنين من رحمة الله).

كلمة التقوى، ج 2، ص: 335

المسألة 74:

يجب على المكلف أن يحاسب نفسه على عمله في كل يوم يمر عليه، فان وجد ما عمله صالحا حمد الله على توفيقه و هدايته، و سأل منه المزيد من الهداية و العون، و ان وجده سيئا ندم عليه و استغفر الله منه، و تداركه بالتوبة، و الروايات الدالة على هذا كثيرة بل مستفيضة.

المسألة 75:

يستحب للإنسان أن يتذكر ذنوبه السابقة، و ان كان قد تاب منها، و يكرّر الندم على فعلها و الاستغفار منها كلما تذكّرها، و ان لا تشغله النعم التي تجدّدت عليه من الله عن ذلك، ففي الخبر عن أبي عبد الله (ع): (ان المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر له، و ان الكافر لينساه من ساعته)، و إذا شغلته النعم المتجددة عليه فلم يذكر ذنوبه و لم يتب إلى الله منها كان ذلك من الاستدراج كما يقول سبحانه سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لٰا يَعْلَمُونَ.

المسألة 76:

يستحب للإنسان أن يتفكر في الأمور التي توجب له العبرة و تفيده الموعظة، و التوجه مع الانتباه الكامل إلى أعمال الخير و البرّ و الانصراف عن أضدادها، و ان يكون كثير التفكر في ذلك، فعن الإمام أبي عبد الله (ع): (التفكر يدعو إلى البر و العمل به) و عن الرسول (ص): (تفكر ساعة خير من قيام ليلة) و عن أبي الحسن الرضا (ع): (ليس العبادة كثرة الصلاة و الصوم، إنما العبادة التفكر في أمر الله (عز و جل))، فيتذكر أصحابا له درجوا قبله، فسبقوه في الأعمال الصالحة، أو في الابتعاد عن المعاصي أو في ملازمة الخصال المحمودة و الأخلاق الفاضلة، أو في نفع الناس و برّهم و إرشادهم، فيفيد من تفكره بهم اعتبارا قويا و شعورا حيّا بالمسؤولية، و اندفاعا للاقتداء بأعمالهم أو السبق عليهم، و عن أبي عبد الله (ع): (كان أكثر عبادة أبي ذر رحمه الله التفكر و الاعتبار).

و يجب على الإنسان التفكر في ملكوت الله، و في مجالي عظمته في خلقه، و مظاهر قدرته، و في شدة بطشه و قوة سلطانه، فيصحح بذلك معرفته بالله، و

يثبت بها عقيدته و يزكي عمله، و لا يجوز له أن يفكر في ذات الله، فالتفكر في ذلك لا يزيده إلا حيرة و تيها، و كيف يحيط الفكر المتناهي المحدود في وجوده و في طاقته

كلمة التقوى، ج 2، ص: 336

و في أبعاده، بموجود تستحيل عليه النهايات في كل جهة من كماله، و عن أبي جعفر (ع): (إياكم و التفكر في الله و لكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظم خلقه)، و عن أبي عبد الله (ع): (من نظر في الله كيف هو، هلك)، و عن أبي جعفر (ع): (اذكروا من عظمة الله ما شئتم و لا تذكروا ذاته، فإنكم لا تذكرون منه شيئا إلا و هو أعظم منه).

المسألة 77:

يجب على العبد أن يتوكل على الله وحده في جميع أموره كلها و يفوضها إليه، و قد قال سبحانه وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّٰهَ بٰالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللّٰهُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ قَدْراً، و قال تعالى أَ لَيْسَ اللّٰهُ بِكٰافٍ عَبْدَهُ، و روي عن أبي الحسن موسى (ع): (التوكل على الله درجات، منها أن تتوكل على الله في أمورك كلّها، فما فعل بك كنت عنه راضيا، تعلم انه لا يألوك إلا خيرا و فضلا، و تعلم ان الحكم في ذلك له، فتوكل على الله بتفويض ذلك إليه، وثق به فيها و في غيرها)، و في حديث لأبي عبد الله (ع): (و من أعطي التوكل أعطي الكفاية، ثم قال: أ تلوت كتاب الله عز و جل وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، و عن أبي بصير عنه (ع) قال: (ليس شي ء إلا و له حد، قلت: جعلت فداك فما حدّ

التوكل؟

قال: اليقين، قلت: فما حدّ اليقين؟ قال: ان لا تخاف مع الله شيئا).

المسألة 78:

تجب على العبد طاعة الله في ما أمره به و نهاه عنه، فعن الرسول (ص): (انه لا يدرك ما عند الله الا بطاعته)، و عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال قال لي: (يا جابر أ يكتفي من ينتحل التشيع أن يقول: يحبّنا أهل البيت، فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله و أطاعه، و ما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع و التخشع و الأمانة و كثرة ذكر الله و الصوم و الصلاة و البرّ بالوالدين. إلى أن قال (ع)- أحبّ العباد إلى الله أتقاهم و أعملهم بطاعته، يا جابر و الله ما يتقرب إلى الله عز و جل إلا بالطاعة، و ما معنا براءة من النار، و لا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، و من كان له عاصيا فهو لنا عدوّ، و ما تنال ولايتنا إلا بالعمل و الورع)، و الأحاديث بهذا المضمون كثيرة واضحة الدلالة.

المسألة 79:

يجب على العبد أن يجتنب حرمات الله كافة، و ان يدرع عن الوقوع فيها

كلمة التقوى، ج 2، ص: 337

أو في بعضها بتقوى الله، و الخوف الشديد من عقابه، فعن زيد الشحام قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (احذروا سطوات الله بالليل و النهار، فقلت:

و ما سطوات الله؟ قال: أخذه على المعاصي)، و عنه (ع): (من أشدّ ما فرض الله على خلقه، ذكر الله كثيرا، ثم قال (ع): لا اعنى سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر، و ان كان منه، و لكن ذكر الله عند ما أحلّ و حرّم فان كان طاعة عمل بها، و ان كان معصية تركها)، و عن

أبي بصير عنه (ع) قال: (من أشد ما عمل العباد انصاف المرء من نفسه، و مواساة المرء أخاه، و ذكر الله على كل حال، قال قلت: أصلحك الله و ما وجه ذكر الله على كل حال؟ قال (ع): يذكر الله عند المعصية يهم بها، فيحول ذكر الله بينه و بين تلك المعصية، و هو قول الله إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذٰا مَسَّهُمْ طٰائِفٌ مِنَ الشَّيْطٰانِ تَذَكَّرُوا فَإِذٰا هُمْ مُبْصِرُونَ).

المسألة 80:

يجب على المكلف أن يتدبر عاقبة كلّ عمل يهمّ به قبل أن يبدأ بفعله، فان وجده خيرا فعله، و ان كان شرّا اجتنبه، ففي وصية أمير المؤمنين (ع) لولده محمد بن الحنفية: (من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، و من تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرّض لمفظعات النوائب، و التدبر قبل العمل يؤمنك من الندم)، و عن أبي عبد الله (ع): (ان رجلا أتى النبي (ص) فقال له يا رسول الله أوصني فقال له: فهل أنت مستوص إن أنا أوصيتك؟، حتى قال له ذلك ثلاثا، و في كلها يقول الرجل: نعم يا رسول الله، فقال له رسول الله (ص):

فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته، فان يك رشدا فأمضه، و ان يك غيّا فانته عنه).

المسألة 81:

(الغضب مفتاح كل شر) كما ورد عن الإمام الصادق (ع)، و (ان الغضب ليفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل) كما عن الرسول (ص)، (و ان الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل النار) كما يقول الإمام محمد بن علي الباقر (ع)، و كما يقول أيضا: (أي شي ء أشدّ من الغضب؟، ان الرجل ليغضب فيقتل النفس التي حرم الله، و يقذف المحصنة).

فيجب على الرجل أن يسكن غضبه فلا يفعل محرما و لا يرتكب سوءا بسبب غضبه، و لا يتجاوز على الآخرين بشي ء لا حق له فيه، من قول أو فعل أو

كلمة التقوى، ج 2، ص: 338

مال أو انتهاك حرمة أو عرض أو غير ذلك مما يتجاوز فيه الحدّ، ففي الخبر عن أبي عبد الله (ع): (إنما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق، و ان رضي لم يدخله رضاه في باطل، و إذا

قدر لم يأخذ أكثر مما له) و عنه (ع): (ان رسول الله (ص) أتاه رجل فقال: يا رسول الله علمني عظة اتعظ بها، فقال: انطلق فلا تغضب، ثم عاد إليه، فقال: انطلق فلا تغضب، ثلاث مرات)، و عنه (ص):

(من كفّ غضبه عن الناس كف الله (تبارك و تعالى) عنه عذاب يوم القيامة).

و عن أبي جعفر (ع): (أيما رجل غضب على قوم و هو قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنه يذهب عنه رجز الشيطان، و أيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسّه، فان الرحم إذا مسّت سكنت).

المسألة 82:

لا يعذر الغاصب في ما يفعله من المحرمات و المحاذير بسبب غضبه و ان كان شديدا، أو توهمت له نفسه الثائرة وجود المعاذير، و يجب عليه ان يتذكر غضب الله عليه في مجاوزته للحدود، فعن أبي عبد الله (ع) قال: (أوحى الله عز و جل إلى بعض أنبيائه، يا بن آدم اذكرني في غضبك أذكرك في غضبي، لا أمحقك في من أمحق، و إذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك، فإن انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك).

المسألة 83:

يحرم على الإنسان ان يتعصّب على غير حق، و عن أبي عبد الله (ع): (من تعصّب أو تعصّب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه) و روى ذلك في حديث له عن الرسول (ص)، و المراد بمن تعصّب له ان يتعصب له بعض الناس في غير الحق فيرضى بفعله و يقرّ له ذلك في اعماله فيكون شريكا له في التعصب، و شريكا له في الإثم، و سئل علي بن الحسين (ع) عن العصبية، فقال: (العصبية التي يأثم عليها صاحبها: ان يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، و ليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، و لكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم).

المسألة 84:

يحرم على الرجل أن يكون سيئ الخلق، ففي حديث الإمام الرضا (ع) عن الرسول (ص): (عليكم بحسن الخلق، فان حسن الخلق في الجنة لا محالة، و إياكم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 339

و سوء الخلق فان سوء الخلق في النار لا محالة)، و عن أبي عبد الله (ع): (من ساء خلقه عذّب نفسه)، و عنه (ص): (أبى الله لصاحب الخلق السي ء بالتوبة، قيل:

و كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه)، و الروايات الدالة على ذلك عديدة.

المسألة 85:

يحرم على المكلف أن يكون سفيها، فعن الصادق (ع): (ان السفه خلق لئيم يستطيل على من دونه و يخضع لمن فوقه)، و يحرم عليه أن يكون ممن يتّقى شره، فعنه (ص): (شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرّهم)، و عن أبي عبد الله (ع): (من خاف الناس لسانه فهو في النار)، و يحرم عليه أن يكون فاحش القول، و ان يكون بذيئا، فعن أبي جعفر (ع): (ان الله يبغض الفاحش المتفحش)، و عنه (ص): (ان من شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه)، و عن أبي عبد الله (ع): (ان الفحش و البذاء و السلاطة من النفاق)، و عنه (ع):

(الحياء من الإيمان و الإيمان في الجنة، و البذاء من الجفاء، و الجفاء في النار).

المسألة 86:

يحرم على الإنسان أن يبغي على غيره بقول أو بفعل، و قد قال أمير المؤمنين (ع): (ان البغي يقود أصحابه إلى النار)، و كتب أبو عبد الله (ع) إلى مسمع أبي سيّار، (أنظر أن لا تكلّمنّ بكلمة بغي أبدا، و ان أعجبتك نفسك و عشيرتك)، و عن النبي (ص): (ان أعجل الشر عقوبة البغي)، و ورد في وصية الإمام أبي عبد الله (ع) لأصحابه: (و إياكم أن يبغي بعضكم على بعض، فإنها ليست من خصال الصالحين، فإنه من بغى صيّر الله بغيه على نفسه، و صارت نصرة الله لمن بغى عليه، و من نصره الله غلب و أصاب الظفر من الله).

المسألة 87:

يستحب للمؤمن أن ينتهز الفرصة لعمل الخير إذا أوتيت له، و ان يبادر إلى فعله مهما أمكن له، و في وصية النبي (ص) لعلي (ع): (يا علي بادر بأربع قبل أربع:

شبابك قبل هرمك، و صحتك قبل سقمك، و غناك قبل فقرك، و حياتك قبل موتك)، و عن أمير المؤمنين في قول الله عز و جل (وَ لٰا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيٰا) قال (ع): (لا تنس صحتك و قوّتك و فراغك و شبابك و نشاطك ان تطلب بها الآخرة)، و عنه (ع): (الفرصة تمر مرّ السحاب فانتهزوا فرص الخير)، و عن أبي

كلمة التقوى، ج 2، ص: 340

عبد الله (ع): (من استوى يوماه فهو مغبون، و من كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، و من كان آخر يوميه شرّهما فهو ملعون، و من لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، و من كان الى النقصان، فالموت خير له من الحياة).

المسألة 88:

يجب على العبد المؤمن ان يحسن ظنه بالله انه ينجيه من عذابه، و لا يؤاخذه بسيئ عمله، و يحرم عليه ان يسي ء ظنه به، فعن أبي الحسن الرضا (ع): (أحسن الظن بالله فان الله (عز و جل) يقول: انا عند ظن عبدي المؤمن إن خيرا فخيرا، و إن شرّا فشرّا)، و عن الرسول (ص) انه قال على منبره: (و الذي لا إله إلا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا و الآخرة إلا بحسن ظنه بالله، و رجائه له، و حسن خلقه، و الكف عن اغتياب المؤمنين، و الذي لا إله إلا هو لا يعذّب الله مؤمنا بعد التوبة و الاستغفار إلا بسوء ظنه، و تقصير من رجائه له، و سوء خلقه و اغتياب المؤمنين،

و الذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله، إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن، لأن الله كريم بيده الخير، يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه و رجاءه، فأحسنوا بالله الظن و ارغبوا إليه)، و عن أبي عبد الله (ع): (حسن الظن بالله ان لا ترجو إلا الله و لا تخاف إلا ذنبك).

المسألة 89:

من زكي الأعمال ان يشتغل المرء بعيوب نفسه عن عيوب الآخرين، فعن الرسول (ص): (طوبى لمن شغله خوف الله عز و جل عن خوف الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين من اخوانه) و عن أبي جعفر (ع): (كفى بالمرء عيبا ان يتعرف من عيوب الناس ما يعمى عليه من أمر نفسه، أو يعيب على الناس امرا هو فيه لا يستطيع التحول عنه إلى غيره، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه).

المسألة 90:

و من زكي الأعمال و الأخلاق ان يكون العبد المؤمن متواضعا، ففي الخبر عن أبي عبد الله (ع)، قال: (في ما أوحى الله عز و جل إلى داود، يا داود كما ان أقرب الناس من الله المتواضعون، كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون)، و سأل الحسن بن الجهم الإمام أبا الحسن الرضا (ع): ما حدّ التواضع؟ فقال: (ان تعطي الناس من نفسك ما تحب ان يعطوك مثله)، و عن أبي عبد الله (ع) عن آبائه (ع): (ان من التواضع أن يرضى بالمجلس دون المجلس، و ان يسلّم على من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 341

يلقى، و ان يترك المراء و ان كان محقّا، و لا تحب ان تحمد على التقوى)، و عن النبي (ص) انه قال لأصحابه: (ان الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدقوا يرحمكم الله، و ان التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرفعكم الله، و ان العفو يزيد صاحبه عزا، فاعفوا يعزكم الله).

المسألة 91:

ينبغي للمؤمن أن يتنزه عن الطمع و عن الرغبات الملحّة، ففي الخبر عن أبي جعفر (ع): (بئس العبد عبد يكون له طمع يقوده، و بئس العبد عبد له رغبة تذلّه)، و عنه (ع): (ان رجلا اتى رسول الله (ص) فقال له: علمني يا رسول الله شيئا، فقال: عليك باليأس مما في أيدي الناس فإنه الغنى الحاضر، قال: زدني يا رسول الله، قال: إياك و الطمع فإنه الفقر الحاضر)، و أوصى أمير المؤمنين (ع) محمد بن الحنفية فقال له: (إذا أحببت أن تجمع خير الدنيا و الآخرة فاقطع طمعك مما في أيدي الناس) و عن أبي عبد الله (ع): (ما أقبح بالمؤمن ان تكون له رغبة تذله).

المسألة 92:

يستحب للعبد المؤمن ان يكون حليما، ففي الحديث عن الرسول (ص):

(ان الله يحب الحيي الحليم، العفيف المتعفف) و عنه (ص): (ما أعز الله بجهل قط و لا أذلّ بحلم قط) و المراد بالجهل هنا ما يقابل الحلم، و عنه (ص): (ما جمع شي ء إلى شي ء أفضل من حلم إلى علم)، و عن أمير المؤمنين (ع): (أول عوض الحليم من حلمه ان الناس أنصاره على الجاهل)، و عن أبي عبد الله (ع): (كفى بالحلم ناصرا، و إذا لم تكن حليما فتحلّم).

و يستحب له أن يكون رفيقا في أموره فعن الرسول (ص): (ان الله رفيق يحب الرفق و يعين عليه)، و عنه (ص): (ان في الرفق الزيادة و البركة، و من يحرم الرفق يحرم الخير)، و عن أبي عبد الله (ع): (من كان رفيقا في أمره نال من الناس ما يريد) و عنهم (ع): (ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا، و أحبّهما إلى الله أرفقهما بصاحبه).

و الحمد لله رب العالمين،

و الصلاة و السلام على خيرته و صفوته من الخلق محمد و آله الطاهرين.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

الجزء الثالث

[تتمة العبادات]

كتاب الحج

اشارة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 5

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ، و أفضل صلواته و تسليماته و رحماته المباركة الدائمة على سيد خلقه محمد و آله الطيبين المطهرين المعصومين.

ربنا أتمم لنا نورنا و اغفر لنا إنك على كل شي ء قدير.

و بعد فهذا القسم الثاني من الجزء الثالث من رسالة كلمة التقوى و هو يحتوي على كتاب الحج من كتب العبادات، و من اللّٰه سبحانه أسأل لي و لجميع إخواني في ديني أن يتم علينا نعمته، و يعمّنا برحمته، و ان يمدّنا بهداه و توفيقه، و يثبت أقدامنا، و يبلغنا ما نرجو من فضله و بره و رعايته و كفايته في دنيانا و آخرتنا. إنه أرحم الراحمين، و أن يستجيب لعبده المفتقر الى فضله.

محمد أمين زين الدين

كلمة التقوى، ج 3، ص: 6

كتاب الحج و هذا الكتاب يحتوي على عدة فصول

الفصل الأول في مقدمات لا بد من ذكرها
المسألة الأولى:

الحج أحد أركان الإسلام و إحدى دعائمه التي أقيم عليها بناؤه، و قد استفاضت في الدلالة على ذلك أحاديث الرسول (ص) و نصوص أهل بيته الطاهرين (ع)، ففي الحديث عن زرارة بن أعين عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) قال: بني الإسلام على خمسة أشياء، على الصلاة، و الزكاة، و الحج، و الصوم، و الولاية. و عن أبي حمزة الثمالي عنه (ع): قال بني الإسلام على خمس دعائم:

إقام الصلاة، و إيتاء الزكاة، و صوم شهر رمضان، و حج بيت اللّٰه الحرام، و الولاية لنا أهل البيت، إلى غير ذلك من الروايات الواردة عنهم (ع) و الواردة من طرق غيرهم من جمهور المسلمين أيضا.

المسألة الثانية:

يجب الحج على كل مسلم من الرجال و النساء إذا اجتمعت له شروط الاستطاعة الآتي ذكرها، و قد دلّ على ذلك صريح الكتاب الكريم، و نصوص السنة المتواترة عن النبي العظيم (ص)، و قام عليه إجماع جميع فرق المسلمين، بل و علم ذلك بالضرورة الثابتة في الإسلام عن الرسول (ص)، و لذلك فمن ينكر وجوب الحج و هو يعلم انه من الأحكام الثابتة بالضرورة في الإسلام و من أقوال الرسول التي لا ريب فيها، يكن مكذبا للرسول في رسالته، و محكوما بالكفر في دينه، و قد ذكرنا في المسألة المائة و الرابعة عشرة من كتاب الطهارة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 7

أن من ينكر إحدى الضروريات في الدين يحكم عليه بالكفر إذا كان عالما بأن ذلك الأمر ضروري، بحيث يعود إنكاره لذلك الأمر الضروري إلى إنكار الرّسالة العظمى نفسها.

المسألة الثالثة:

ذكرنا في المسألة الألف و التاسعة و الثمانين من كتاب الصلاة: ان الاستخفاف بالحج إحدى الكبائر من الذنوب، و الظاهر ان المراد من النص الدال على ذلك: ان من ترك الحج استخفافا به فقد ارتكب خطيئة من كبائر الخطايا، و أما من أنكر أصل وجوب الحج مستخفا به، فهو بعض مصاديق المسألة الثانية السابقة، و هو يزيد على منكر أصل الوجوب بأن إنكاره إياه ناشئ عن استخفافه بالواجب أو بالأمر المتعلق به من الشريعة المطهرة.

المسألة الرابعة:

إذا استطاع الشخص حج البيت و توفرت فيه شروط الاستطاعة، وجب عليه وجوبا عينيا أن يحج البيت مرة واحدة، و لا يجب عليه الحج أكثر من مرة واحدة في عمره، و ان كان من أهل الجدة و اليسار، إلا إذا أوجب الحج على نفسه أكثر من ذلك، بنذر أو بعهد أو يمين أو استئجار من الغير، أو إفساد حج، كما سيأتي بيانه ان شاء اللّٰه تعالى.

نعم، يستحب للمسلم استحبابا مؤكدا أن يكرر حج البيت ما أمكنه التكرار، و خصوصا فيما إذا كان من أهل اليسار، و هذا هو المعنى المقصود من النصوص الكثيرة الإمرة بالحج في كل عام لأهل الجدة، و ليس المراد أن الحج يجب عليهم في كل عام، و يزداد تأكد الاستحباب في أن يحج الموسر في كل خمس سنين مرة، بل في كل أربع سنين مرة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 8

المسألة الخامسة:

لا يجوز للمسلمين أن يعطّلوا البيت الحرام عن الحج إليه، حتى لا يحج إليه أحد منهم و ان اتفق ذلك في سنة واحدة و نحوها، و قد ذكر في الأحاديث ان الناس إذا تركوا البيت فلم يحج إليه أحد منهم نزل عليهم العذاب و لم يناظروا، و وجوب الحج في هذه الحالة وجوب كفائي على المكلفين عامة و لا يختص بأهل الجدة من الناس بل يعم جميع المكلفين منهم من استطاع الحج و من لم يستطع.

و في نصوص الأئمة من أهل البيت (ع) انه يجب على إمام المسلمين و على الوالي ان يجبر الناس على الحج حتى لا يعطّل البيت، فإن لم تكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين، و كذلك الحكم في زيارة قبر الرسول (ص) إذا عطّل

و لو في بعض السنين فلم يزره احد.

المسألة السادسة:

إذا اجتمعت في المكلف شروط الاستطاعة الآتي ذكرها وجبت عليه المبادرة إلى حج البيت في العام الأول من استطاعته و لم يجز له ان يؤخر الحج عن ذلك العام، و إذا أخره عن ذلك العام لعذر أو لغير عذر وجب عليه ان يبادر إلى الإتيان به في العام الثاني، و هكذا.

فإن هو خالف التكليف بالمبادرة فأخر الحج عن عامة الأول من غير عذر كان عاصيا آثما بتأخيره، و إذا كان تأخيره ناشئا عن استخفافه بأمر الحج كان مرتكبا للكبيرة، و هكذا يتكرر العصيان كلما تكررت المخالفة.

المسألة السابعة:

إذا تحققت للمكلف شروط الاستطاعة كما ذكرنا، و كانت للحج مقدمات يتوقف عليها ادراك الحج في وقته من سفر و اعداد راحلة أو وسيلة نقل أخرى و تهيئة أمور يتوقف عليها السفر اليه، و تحصيل

كلمة التقوى، ج 3، ص: 9

زاد أو مال يحصل به الزاد و غير ذلك، وجبت عليه المبادرة إلى تحصيل المقدمات بحيث يدرك الحج في وقته.

و إذا توقف سفره على أن يسير مع قافلة معينة أو على أن يصحب رفاقا معينين، بحيث لا يتمكن من السفر بغير ذلك، وجب عليه الانضمام إلى القافلة المعينة، أو الاصطحاب مع أولئك الرفاق كي لا يفوته أداء الفريضة، و إذا تعددت القوافل التي يمكنه المسير معها كان مخيرا في السفر مع أيها شاء، و المدار على وجود الاطمئنان بالوصول إلى الغاية المقصودة، و هي أداء الواجب في موضعه و في وقته، و لا يتعين عليه أن يختار أوثق القوافل في السلامة فإذا كان مطمئنا بإدراك الغاية- إذا سافر مع القافلة الأخرى أو صحب الرفقة الآخرين- جاز له السفر.

المسألة الثامنة:

إذا توقف سفر المكلف الى الحج على أن يسير مع قافلة مخصوصة أو أن يصحب رفقة معينين، فتأخر متعمدا عن تلك القافلة، أو عن أولئك الرفقة، وفاته الحج في ذلك العام بسبب ذلك استقر الحج في ذمته، و كان عاصيا آثما بالتأخير، سواء صحب قافلة أخرى و رفقة آخرين و لم يدرك الواجب أم لم يصحب، و إذا تعددت القوافل التي يطمئن المكلف بإدراك الحج إذا هو سافر معها، فاختار واحدة من تلك القوافل و سافر معها، و اتفق أن فاته الحج بسفره معها لبعض الطواري، استقر الحج في ذمته و لم يأثم بالتأخير في ذلك العام

لعدم تقصيره.

و إذا أخّر السفر متعمدا الى خروج آخر القوافل، و صدق عليه التفريط بالواجب في نظر العقلاء، و كان هذا التأخير سببا لفوات الحج منه في ذلك العام استقر الحج في ذمته و أثم بالتأخير، و يشكل الحكم في ما إذا شك أهل العرف في صدق التفريط و عدمه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 10

المسألة التاسعة:

الحج باب من أبواب الرحمة الإلهية التي فتحها اللّٰه لعباده، و مصدر من مصادر الفضل و الخير التي جعلها لهم، و قد استفاضت الأحاديث الدالة على عظيم عطائه سبحانه للحاج، و مزيد لطفه به، و جزيل ثوابه له، بل تواترت و تنوعت في دلالتها على ذلك بما لا يمكن حصره و لا عده، ففي الحديث عن الامام جعفر بن محمد عليه السلام قال: كان أبي (ع) يقول: من أمّ هذا البيت حاجا أو معتمرا مبرءا من الكبر، رجع من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه، و عن أبي عبد اللّٰه (ع) أيضا- و قد سأله رجل في المسجد الحرام، من أعظم الناس وزرا؟- فقال (ع): من يقف بهذين الموقفين: عرفة و المزدلفة و سعى بين هذين الجبلين، ثم طاف بهذا البيت و صلى خلف مقام إبراهيم، ثم قال في نفسه و ظن أن اللّٰه لم يغفر له، فهو من أعظم الناس وزرا.

و عنه (ع): الحاج و المعتمر وفد اللّٰه، إن سألوه أعطاهم، و إن دعوه أجابهم، و إن شفّعوا شفّعهم، و إن سكتوا ابتدأهم، و يعوّضون بالدرهم ألف درهم، و في رواية أخرى و يعوّضون بالدرهم ألف ألف درهم، و عنه (ع): ان اللّٰه عز و جل ليغفر للحاج، و لأهل بيت الحاج، و لعشيرة الحاج، و لمن يستغفر له الحاج

بقية ذي الحجة و المحرم و صفر و شهر ربيع الأول و عشر من شهر ربيع الآخر.

المسألة العاشرة:

ورد عن معد الإسكاف قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول:

ان الحاج إذا أخذ في جهازه، لم يخط خطوة في شي ء من جهازه الا كتب اللّٰه (عز و جل) له عشر حسنات، و محا عنه عشر سيئات، و رفع له عشر درجات، حتى يفرغ من جهازه متى ما فرغ، فإذا استقلّت به راحلته لم تضع خفا و لم ترفعه الا كتب اللّٰه له مثل ذلك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 11

حتى يقضي نسكه، فإذا قضى نسكه غفر اللّٰه له ذنوبه، و كان ذا الحجة و المحرم و صفر و شهر ربيع الأول: أربعة أشهر تكتب له الحسنات، و لا تكتب عليه السيئات إلا أن يأتي بموجبه، فإذا مضت الأربعة أشهر خلط بالناس.

و قد تكرر في الحديث: حجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق منه حتى يفنى. و عن الرسول (ص) انه قال لأعرابي: لو أن أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل اللّٰه ما بلغت به ما يبلغه الحاج.

و روي عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول:

الحجة أفضل من عتق سبعين رقبة، فقلت ما يعدل الحج شي ء؟

قال: ما يعدله شي ء، و لدرهم في الحج أفضل من ألفي ألف درهم في ما سواه من سبيل اللّٰه، الى أمثال ذلك من الأحاديث الواردة عنهم عليهم السلام.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 12

الفصل الثاني في شروط وجوب حج الإسلام
اشارة

يشترط في وجوب الحج في الإسلام على الإنسان أن تجتمع فيه عدة أمور:

[الشرط الأول: أن يكون بالغا،]
المسألة 11:

الشرط الأول: أن يكون بالغا، فلا يجب الحج على الصبي و لا الصبية غير البالغين، و ان كانا مراهقين للبلوغ و اجتمعت فيهما بقية الشروط الآتي ذكرها.

و إذا حج الصبي أو حجت الصبية قبل أن يصلا الى حد البلوغ لم يكفهما ذلك عن الحج الواجب بعده، و إن كانا مميزين، و كانت عباداتهما صحيحة شرعية بناء على المذهب المختار، فإذا بلغا بعد ذلك و كانت بقية شروط الوجوب موجودة وجب عليهما الحج بعد البلوغ.

[الشرط الثاني: أن يكون عاقلا،]
المسألة 12:

الشرط الثاني: أن يكون عاقلا، فلا يجب الحج على الشخص إذا كان مجنونا جنونا مطبقا لا يفيق منه و لا يجب الحج عليه إذا كان جنونه يعتريه أدوارا و كان دور إفاقته من الجنون لا يكفي للقيام بجميع أعمال الحج، و لتحصيل ما لم يكن موجودا من مقدمات الحج و الأمور التي يتوقف عليها وجوده.

المسألة 13:

إذا أفاق المجنون الأدواري من جنونه في بعض الأدوار، و استطاع في حال إفاقته إن يهيئ لنفسه بعض المقدمات التي يتوقف عليها سفره للحج أو يهيئ لنفسه جميعها، فاستخرج جواز السفر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 13

للحج مثلا، و أعدّ المال و الرفقة، و استأجر الدابة أو السيارة أو الطائرة للسفر، و قاول المقاول الذي يعدّ له الأمكنة و المنازل و الخيام في سفره، ثم عاوده دور الجنون بعد ذلك، ثم أفاق من الجنون في فترة السفر للحج و القيام بأعماله، و كان بحيث يمكنه إتمام الحج في دور هذه الإفاقة، وجب عليه الحج، و إذا أتى به كذلك صح منه.

و لا يبعد الحكم بوجوب الحج عليه من أول الأمر إذا علم بأنه يتمكن من الإتيان به على هذا الوجه.

المسألة 14:

إذا أعدّ الصبي لنفسه مقدمات السفر للحج قبل أن يبلغ الحلم أو أعدّها له شخص آخر، و سافر قبل بلوغه ليحج، ثم تحقق له البلوغ عند وصوله الى الميقات أو قبل وصوله اليه و تحققت له بقية شروط وجوب الحج، وجب عليه حج الإسلام و صح منه إذا أتى به على الوجه المطلوب، و يكفي في وجوب الحج عليه أن يكون مستطيعا له من ذلك الموضع، و إن لم يكن مستطيعا له من بلده.

المسألة 15:

الظاهر أنه يجرى نظير هذا الحكم في المجنون، فإذا سافر مع القافلة حتى وصل الى الميقات و عوفي من الجنون في الميقات أو قبل وصوله اليه، و كان مستطيعا للحج و لو من ذلك الموضع، و توفرت له بقية شرائط الوجوب، وجب عليه الحج و صح منه إذا أتى به على الوجه المطلوب.

المسألة 16:

إذا سافر الصبي إلى الحج قبل بلوغه، و أحرم بالحج بنية الندب، ثم بلغ الحلم بعد إحرامه و كان مستطيعا للحج و شرائط وجوب الحج فيه مجتمعة، لم يجز له أن يستمر في نيته الأولى فيتم حجه مندوبا و لم يصح له أن يعدل بنيته عن الحج المندوب الى حج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 14

الإسلام، بل يجب عليه أن يعود الى أحد المواقيت الخمسة التي عيّنها الرسول (ص) لأهل الأقطار و يجدد الإحرام فيه بنية الحج الواجب عليه، و لا يتعين عليه أن يرجع الى ميقات أهل بلده على الخصوص، و ان كان ذلك أحوط له استحبابا مع التمكن منه.

و إذا لم يتمكن من الرجوع الى أحد المواقيت وجب عليه أن يرجع الى المقدار الممكن من المسافة بينه و بين الميقات و يجدد الإحرام هناك، و إذا كان قد دخل الحرم لزمه أن يرجع الى خارج الحرم فيحرم منه، و إذا لم يستطع رجع الى المقدار الممكن منه و جدّد الإحرام فيه، فإن لم يتمكن من جميع ذلك أحرم من الموضع الذي هو فيه بنية الحج الواجب.

و كذلك الحكم في الصبية إذا اتفق لها مثل ذلك، و سنذكر إن شاء اللّٰه تعالى في فصل الوقوف بعرفات و في فصل الوقوف بالمشعر الحرام بعض مسائل أخرى تتعلق بحج الصبي إذا أحرم بنية

الحج المندوب، ثم بلغ الحلم قبل الموقفين أو قبل المشعر الحرام.

المسألة 17:

بلوغ الصبي و الصبية إنما هو شرط في وجوب الحج عليهما، و ليس شرطا في شرعيته منهما، فيشرع لهما أن يحجا البيت و أن يعتمرا إذا كانا مميزين كما تشرع لهما سائر العبادات من الصلاة و الصيام و غيرهما، و يستحب لهما الإتيان به، و يترتب على فعلهما ثواب الحج و جزيل أجره إذا أتيا به على الوجه المطلوب و النية الحسنة، و لا تتوقف صحة الحج المندوب منهما- إذا كانا مميزين- على أن يأذن لهما الولي الشرعي عليهما بفعله، إذا كان حجهما لا يستتبع تصرفا في مالهما، كما إذا تبرع لهما متبرع بالمال، و إذا استتبع حجهما تصرفا بالمال فالظاهر لزوم الاستئذان من الولي في هذه الصورة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 15

المسألة 18:

يستحب لولي الصبي غير المميز أن يحجّه، و المراد بإحجاجه أن يجعله حاجا، فيلبسه ثوبي الإحرام، و ينوي بذلك أن يجعل الصبي محرما، فيقول: أحرمت هذا الصبي بعمرة التمتع مثلا أو بحج التمتع قربة الى اللّٰه تعالى، و يلقنه ألفاظ التلبية ليقولها بلسانه إذا كان الطفل يستطيع ذلك، و إذا كان لا يستطيع لبى الولي بالنيابة عنه، ثم جنّب الطفل جميع محرمات الإحرام، و أمره أن يفعل كل ما يجب فعله في الحج أو العمرة، من طواف و صلاة طواف و سعي بين الصفا و المروة و نية لتلك الاعمال و طهارة و وضوء لما يشترط فيه ذلك، و تقصير بعد السعي في عمرة التمتع، و وقوف في عرفات، و المشعر، و أعمال منى في يوم النحر و ما بعده و باقي أعمال الحج.

و إذا كان الصبي لا يتمكن من الإتيان بالعمل بنفسه أتى به الولي بالنيابة عنه و أحضره في المواقف

في مواضعها و تولى عنه النيات و رمى عنه و ذبح، و حلق رأسه، و إباتة في منى في ليالي المبيت و إطافة و سعى به، و لو بأن يحمله أحد فيطوف به و يسعى.

المسألة 19:

لا بدّ و أن يكون الصبي مختونا في حال طوافه أو الطواف به في البيت، سواء كان الطواف للعمرة أم للحج أم للنساء، و لا بدّ و أن يكون طاهر البدن و الثياب من النجاسات في حال طوافه أو الطواف به و الصلاة لطوافه، و أن يكون على وضوء في ذلك الحال، و لو بإجراء صورة للوضوء عليه إذا كان لا يحسن الوضوء، و يجمع على الأحوط في هذه الصورة بين ذلك و بين وضوء الولي بالنيابة عنه و بين صلاته إذا أمكنه فعلها و صلاة الولي بالنيابة عنه، و إذا لم يقدر على إجراء صورة الوضوء توضأ الولي بالنيابة عنه في حال الطواف به، و صلى صلاة الطواف عنه على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 16

المسألة 20:

الظاهر أنه لا فرق في الاحكام التي ذكرناها بين الصبي و الصبية فيستحب إحجاج الصبية كما يستحب إحجاج الصبي، و إجراء الأعمال و النيات عليها كما تجرى عليه، و لا يشترط الختان في طوافها و الطواف بها.

المسألة 21:

يستحب لولي الصبي و الصبية أن يحجهما و يجعلهما محرمين، و يجري عليهما أعمال الحج و العمرة على النحو الذي بيناه، من غير فرق بين أن يكون الولي نفسه محرما أو محلا، و إذا أحجّ الولي الطفل و جعله محرما ثبت إحرام الطفل و تم حجه، و استوجب الثواب عليه، و لم تجر على الولي نفسه أحكام الإحرام بذلك إذا كان محلا.

المسألة 22:

ولي الطفل الذي يستحب له أن يحج الطفل و يوقع منه أفعال الحج و العمرة هو أبوه وجده من قبل أبيه، و وكيلهما الذي يفوضان اليه جميع ذلك، أو يفوضان اليه بعضه، كما إذا وكلاه في أن يحمل الطفل و يطوف به و يسعى، أو أن يرمي عنه، أو يذبح له، أو يحلق رأسه، و في ثبوت الولاية على الطفل لوصي الأب أو الجد، أو للحاكم الشرعي و أمينه إشكال.

و يشكل- بل يمنع- ثبوت الولاية عليه في ذلك للأم، و الجد من قبل الأم، فضلا عن غيرهما ممن يتولى شؤون الطفل، و يتكفله من الأقارب أو الأباعد.

المسألة 23:

إذا سافر الولي بالصبي للحج، و كانت نفقة الصبي في حال سفره لا تزيد على نفقته في حضره، جاز للولي أن يحتسبها من مال الصبي نفسه، و إذا زادت على نفقته في الحضر كانت الزيادة على

كلمة التقوى، ج 3، ص: 17

الولي فيخرجها من ماله و لا يجوز له أن يأخذها من مال الصبي.

و يستثنى من ذلك ما إذا توقف حفظ الصبي على السفر به مع وليه، و يستثنى أيضا ما إذا كان السفر بالطفل مصلحة له، فيكون جميع نفقة الطفل من ماله في الصورتين.

المسألة 24:

إذا أحج الولي الصبي كان على الولي أن يدفع هدي التمتع عنه من مال الولي نفسه، و إذا وجبت على الصبي كفارة صيد في إحرامه فعلى الولي أن يدفع الكفارة من ماله لا من مال الصبي، و إذا أتى الطفل بشي ء من محرمات الإحرام غير الصيد، فالظاهر أنه لا كفارة عليه لا في ماله و لا في مال الولي.

المسألة 25:

يشكل الحكم باستحباب أن يحج الولي بالمجنون غير المميز، على الوجه الذي ذكرناه في الصبي و الصبية غير المميزين، فإذا أراد الأب أو الجد أن يجعله محرما و أن يجري عليه اعمال الحج و العمرة فعل ذلك برجاء المطلوبية.

المسألة 26:

لا يشترط في صحة الحج المندوب من الولد البالغ أن يستأذن أباه أو يستأذن أمه في فعله، نعم، لا يصح حجه إذا كان سفره الى الحج يشتمل على خطر و شبهه فيوجب من أجل ذلك إيذاء لهما أو لأحدهما، و يصدق عليه- بفعل ما يؤذيهما- أنه قد عقّهما، و لا يصح كذلك إذا نهاه أحدهما أو كلاهما عن السفر، لبعض الجهات العقلائية الموجبة للنهي، فيصدق عليه العصيان إذا خالف نهيهما، و لا يعتبر ذلك في الحج الواجب عليه بالاستطاعة، و سيأتي الكلام في الحج الواجب بالنذر و شبهه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 18

المسألة 27:

إنما يحرم السفر على الولد إذا كان موجبا لإيذاء أبيه أو أمه لسبب عقلائي يوجب الأذية في نظر العقلاء من الناس، و على النحو المتعارف بينهم، و لا اعتبار بما يحصل عند بعض الآباء من التخيلات و الوساوس و الأوهام التي لا تعدّ دواعي عقلائية صحيحة.

و كذلك الحكم في نهي الأب و الأم، فالمدار أن يكون النهي لسبب عقلائي يوجب ذلك، و لا اعتبار بما يكون عن دواع غير متعارفة توجب ذلك، أو لبعض انفعالات و خواطر تحدث عند الأب أو الأم من غير مرجح شرعي يوجب ذلك.

و لا يختص ذلك بالسفر للحجب المندوب، بل يعم الأمور الراجحة الأخرى كالسفر للزيارات المستحبة، و كزيارة الأقرباء و الإخوان، و حضور بعض المجالس، و الصلاة في الجماعة.

المسألة 28:

إذا حج الغلام المستطيع للحج و هو يعتقد أنه لا يزال صبيا لم يبلغ الحلم، و ان الحج منه حج مندوب حتى أتم الحج و هو على هذا الاعتقاد، ثم علم بعد إتمام حجه أنه قد بلغ الحلم قبل حجه، فإن كان قد قصد في نفسه امتثال الأمر المتوجه اليه بالحج، صح حجّه و كفاه ما أتى به عن حج الإسلام الواجب عليه، و ذلك لان الأمر المتوجه اليه بالفعل هو الأمر بالحج الواجب، و قد نوى امتثاله، و ان كان يتوهم انه حج مندوب.

و إذا قصد بحجه امتثال الأمر بالحج المندوب- على نحو التقييد بذلك-، لم يكفه ما فعله عن الواجب، فيجب عليه الحج من قابل، و كذلك الفتاة إذا حجّت و هي تعتقد إنها صبيّة غير بالغة، ثم استبان لها أنها قد بلغت قبل الحج، فيتوجه فيها التفصيل المذكور.

و نظير ذلك ما إذا حج الرجل أو المرأة و

هو يعتقد أنه غير

كلمة التقوى، ج 3، ص: 19

مستطيع للحج و أن حجه مندوب، ثم ظهر له أنه كان مستطيعا في حال الحج، فيجري فيه التفصيل الآنف ذكره، و يكفيه حجه عن حج الإسلام الواجب في الصورة الأولى، و يجب عليه الحج في القابل في الصورة الثانية.

[الشرط الثالث: أن يكون حرا،]
المسألة 29:

الشرط الثالث: من شروط وجوب الحج على الإنسان أن يكون حرا، فلا يجب الحج عليه إذا كان عبدا مملوكا أو أمة مملوكة، و ان كان الملك لبعضه، و حتى إذا كان مستطيعا للحج من حيث المال و أذن له سيده بالحج، فلا يكون واجبا عليه، و إذا أذن له مالكه بالحج و أتى به صحّ منه حجه و كان مندوبا و لم يكفه عن حج الإسلام، فإذا أعتق بعد ذلك و كان مستطيعا في حال العتق، أو استطاع بعده وجب عليه أن يحج البيت، و لا يجب عليه الحج إذا هو لم يستطع في حال العتق و لا بعده، و ان كان مستطيعا لما كان مملوكا.

المسألة 30:

إذا أذن السيد لمملوكه بأن يحج، فحج بقصد الحج المندوب كما ذكرناه، ثم أعتقه المولى فأدرك الوقوف في المشعر الحرام و هو حر أجزأه هذا الحج عن حج الإسلام إذا كان مستطيعا للحج في حال عتقه، و كذلك الحكم إذا انعتق بسبب آخر من أسباب العتق قبل الوقوف بالمشعر، فيكفيه ذلك عن الحج الواجب إذا كان مستطيعا، و لا يكفيه عن الواجب إذا لم يكن مستطيعا في ذلك الحال، فإذا تجددت له الاستطاعة بعد العتق وجب عليه الحج.

المسألة 31:

إذا حج العبد بإذن مولاه ثم أعتقه المولى في أثناء الحج، فأدرك الوقوف في عرفات و الوقوف في المشعر الحرام جميعا و هو حر، أجزأه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 20

حجه عن حج الإسلام إذا كان مستطيعا في حال عتقه، و كذلك إذا وقف في عرفات و هو مملوك ثم أدرك الوقوف بالمشعر الحرام و هو حر، و هذا هو الفرض الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة.

و كذلك إذا فاته الوقوف في عرفات لعذر، و أدرك الوقوف في المشعر الحرام و هو حر، فيكفيه حجه عن حج الإسلام إذا كان مستطيعا، و كذلك إذا أدرك الوقوف في عرفات و هو حر وفاته الوقوف بالمشعر الحرام لعذر.

و على وجه الإجمال فالمدار في الحكم بالإجزاء هو أن يدرك أحد الموقفين و هو حر و ان يكون حجه صحيحا، سواء كان الموقف الذي أدركه و صح معه حجه اختياريا أم اضطراريا، و سيأتي في مباحث الوقوفين إن شاء اللّٰه تعالى بيان الاختياري و الاضطراري من الوقوفين و الصور المحتملة في ذلك و ما يصح معه الحج منها و ما لا يصح، فلتراجع المسألة التسعمائة و الحادية و الثلاثون و عدة مسائل

بعدها.

المسألة 32:

إذا أعتق السيد مملوكه في أثناء الحج و أدرك أحد الموقفين و هو حرّ أجزأه ذلك الحج- إذا أتمه- عن حج الإسلام كما ذكرناه، و إن لم يعلم العبد بعتقه حتى أتم الحج، أو كان لا يعلم بأن حجة يجزيه عن الحج الواجب فلا يشترط في الاجزاء ان يجدد النية- بعد عتقه- للإحرام بحج الإسلام، نعم يجب عليه أن يجدّد النية لحج الإسلام إذا كان ملتفتا للموضوع و الحكم معا بعد العتق و في حال العمل.

المسألة 33:

لا فرق في الحكم الذي ذكرناه في حج المملوك بين ان يكون حج إفراد أو حج قران أو حج تمتع، فإذا كان العبد متمتعا و أعتقه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 21

مولاه في أثناء عمرة التمتع أو بعد ان أتمها، أو في أثناء حج التمتع فأدرك الموقفين أو أدرك أحدهما و هو حر، صح جميع عمله و كفاه عن عمرة التمتع و حج التمتع الواجبين إذا كان مستطيعا.

المسألة 34:

إذا أذن السيد لمملوكه بأن يحرم بالحج أو بالعمرة، فأحرم العبد وجب عليه إتمام عمله الذي أحرم به و ان كان عمرة مفردة، و لا يجوز للسيد أن يرجع في إذنه بعد أن يتلبس العبد بالإحرام، و إذا رجع في إذنه لم تجب على المملوك طاعته، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

و إذا رجع المولى في إذنه قبل أن يحرم العبد، و علم العبد برجوعه لم يجز للعبد أن يحرم لانتفاء الشرط، و إذا رجع المولى في إذنه قبل أن يتلبس العبد بالإحرام و لم يعلم العبد برجوع مولاه في الاذن فأحرم، صح إحرامه على الأقوى، و وجب عليه إتمام العمل الذي أحرم به.

المسألة 35:

إذا أذن السيد لعبده بحج التمتع فأحرم العبد بذلك كان السيد مخيرا بين أن يذبح عن العبد هدي التمتع و أن يأمره بالصوم بدلا عن الهدي ثلاثة أيام في الحج و سبعة أيام إذا رجع الى أهله، و إذا أعتق العبد في أثناء الحج على ما تقدم بيانه فأدرك أحد الموقفين و هو حر، وجب هدي التمتع على العبد نفسه، فإن لم يجد وجب عليه الصوم بدلا عنه.

المسألة 36:

إذا آجر السيد عبده للحج أو للعمرة بالنيابة عن أحد وجب على العبد أن يأتي بالعمل المستأجر عليه، و إذا أمره بأن يحج أو يعتمر لنفسه وجب عليه أن يطيع أمر اللّٰه و أمر سيده فيحج أو يعتمر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 22

لنفسه على النحو الذي عيّنه له السيد، و لا يجزيه ذلك عن حج الإسلام إذا أعتق بعد ذلك و استطاع، إلا إذا أعتق في أثناء الحج و أدرك أحد الموقفين و هو حر كما تقدم.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 23

الفصل الثالث في الاستطاعة و جهاتها و أحكامها
المسألة 37:

يشترط في جميع الواجبات الشرعية، و في جميع التكاليف: أن يكون العمل المكلف به مقدورا للإنسان، فلا يصح التكليف بغير المقدور المستطاع، و هذا الحكم معلوم بالبداهة في الشريعة الإسلامية.

و ينفرد حج الإسلام عن سائر الواجبات في الدين بأنه يشترط في وجوبه أن يكون الإنسان مستطيعا لحج البيت استطاعة شرعية، و هذا هو الشرط الرابع من شروط وجوبه.

و يراد بالاستطاعة الشرعية: أن يكون الشخص قادرا على حج البيت قدرة مالية، فيكون له من الزاد و الراحلة ما يبلّغه ذلك، أو يكون له من المال و المملوكات الأخرى ما يحصّل له الزاد و الراحلة، و أن يكون قادرا على بلوغ ذلك من حيث صحة بدنه و قوته على السفر و تحصيل المقصود، و أن يكون آمن السرب و الطريق الى الميقات و الى نهاية الأعمال، فلا مانع له من الوصول و القيام بالواجب، و أن يكون له من الوقت ما يتمكن فيه من تحقيق جميع ذلك، و الوفاء به على الوجه المطلوب، و على ما سنوضحه في المسائل الآتية من بيان، فلا يجب عليه الحج إذا قصرت استطاعته في بعض هذه المجالات.

كلمة التقوى،

ج 3، ص: 24

المسألة 38:

الظاهر انه لا فرق في اشتراط الراحلة بين القريب من الناس الى البيت و البعيد عنه، فإن الحاج من أهل مكة و من قرب منها يحتاج الى الخروج الى عرفة و بقية المشاعر لتأدية المناسك بها، و العود منها الى البيت للطواف و السعي، و مثل ذلك يحتاج فيه الى الراحلة بحسب العادة بين الناس فتعمّه أدلة اشتراط الراحلة.

المسألة 39:

المعتبر في الاستطاعة أن يكون الشخص ممن له زاد و راحلة يبلغ بهما المقصود، سواء كان مالكا لعين الزاد و الراحلة بالفعل، أم كان له من النقود و الأموال الأخرى ما يقدر به على تحصيل الزاد و الراحلة في جميع رحلته الى البيت الحرام متى احتاج إليهما، فلا يشترط في الاستطاعة حمل الزاد معه إذا أمكن له الحصول عليه في منازل سفره، و في مواضع اقامته حتى يبلغ غايته، و لا يشترط فيها ملك الراحلة إذا أمكن له استئجارها و لا يشترط وحدة الراحلة إذا أمكن له استبدالها بغيرها في مراحل سفره حتى يتمه، و لا وحدة نوعها، فله أن يقطع بعض المسافة على راحلة و يقطع بعضها في سفينة أو في سيارة أو غيرهما من وسائل النقل، و إذا لم يوجد الزاد في بعض مراحل السفر اشترط في استطاعة الحاج إمكان حمل الزاد معه، و وجب عليه حمله مع الإمكان، و لو بأن يستأجر دابة أو سيارة لحمل ما يحتاج إليه في سفره من طعام و شراب و متاع، فإذا لم يوجد الزاد في بعض مراحل سفره و لم يمكن له حمله معه أو كان في حمله حرج و مشقة لا تتحمل عادة، سقط عنه الوجوب لأنه غير مستطيع.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 25

المسألة 40:

كلمة الزاد حين تقال مطلقة يراد منها الطعام و ما يتقوّت به الإنسان خاصة، و حين تقال بالإضافة إلى المسافر مع الراحلة، و حين تذكران لبيان معنى الاستطاعة لحج البيت يكون المراد بها ما يحتاج إليه الإنسان في سفره من مطعوم و مشروب، و من أمتعة و أوعية و غير ذلك في أثناء حله و ترحاله أيام سفره، مما يناسب

حاله من قوة و ضعف و يناسب زمانه من صيف و شتاء و حر و برد، و ما يناسب شأنه و مكانته الاجتماعية من شرف و ضعة، فتشمل حتى الخادم إذا كان من شأنه أن يكون له خادم في سفره، و تعم جميع المذكورات لنفسه و لخدمة و ضيوفه إذا كان من شأنه أن يستضاف في حال سفره، و لدابته و سيارته حين يكون ذلك من شؤونه التي لا يمكن سفره الا بها، أو التي يكون سفره حرجا و شاقّا إذا سافر بدونها.

و لا بد و أن يكون له من المال و المكنة زائدا على ذلك ما يكفيه لنفقة أهله و عياله و مؤنتهم مدة سفره عنهم حتى يعود إليهم، و الراحلة هي وسيلة النقل التي يركبها في ذهابه و في تنقله بين المشاعر و في عودته الى وطنه بعد الحج، من دابة أو سفينة أو سيارة أو طائرة أو قاطرة، و يراعى في جميع ذلك ما يليق بشأنه و شرفه و يقوم بحاجته من حيث النوع و المقدار، فقد يكتفي بعض المسافرين باستئجار مقعد واحد من سيارة متعارفة، و قد يحتاج الى سيارة كاملة من نوع مخصوص، و قد يحتاج الى أكثر من ذلك، فإذا وفت قدرته المالية بما يحتاج اليه من الأمور و الشؤون كان مستطيعا من حيث المال، و وجب عليه حج البيت إذا تمت له النواحي الأخرى من الاستطاعة، و إذا قصرت مكنته فلم تف له ببعض المجالات التي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 26

يحتاج إليها من ذلك لم يجب عليه الحج لعدم الاستطاعة.

المسألة 41:

يعتبر في الاستطاعة المالية أن يكون المكلف مالكا بالفعل للزاد و الراحلة، أو لمال و مملوكات يقدر

بها على تحصيل الزاد و الراحلة، على الوجه الذي ذكرناه في المسائل المتقدمة، و لا يكفي في تحقق الاستطاعة أن تكون له صنعة أو حرفة يقدر بواسطتها على أن يوفر لنفسه في أثناء سفره الى الحج جميع ما يحتاج اليه من زاد و نفقة حتى يعود الى وطنه، و لو أنه احتاط و حج على هذه الصورة لم يكفه حجه هذا عن حج الإسلام، فإذا حصلت له الاستطاعة بعد ذلك وجب عليه الحج.

المسألة 42:

الاستطاعة الشرعية التي يجب معها الحج على المكلف هي أن تتحقق له نواحي الاستطاعة التي بيناها من المكان الذي هو فيه، و ان لم يكن مستطيعا للحج من وطنه الذي يسكنه، فإذا خرج الرجل من بلده الى بلد آخر زائرا أو عاملا أو لبعض غايات أخرى و هو غير مستطيع للحج، و اتفق أن توفرت له جهات الاستطاعة للحج في ذلك البلد فحصل لديه من المال ما يكفيه للسفر من ذلك الموضع ذهابا و رجوعا و لنفقات حجه، و نفقات عياله حتى يعود الى وطنه، وجب عليه الحج، و إن كان ما حصل له من المال لا يحقق له الاستطاعة لو كان في وطنه، أو كانت النواحي الأخرى للاستطاعة لا تتم له لو كان في وطنه.

و كذلك الحكم إذا كان غير مستطيع في بلده و خرج الى حج البيت متسكعا، ثم حصلت له الاستطاعة بالتكسب، أو ببذل باذل

كلمة التقوى، ج 3، ص: 27

قبل أن يحرم من الميقات، فيجب عليه حج الإسلام، و يجب عليه الإحرام له من الميقات.

المسألة 43:

إذا كان المكلف غير مستطيع، و خرج الى الحج متسكعا حتى بلغ الميقات و أحرم بالحج بنية الندب لعدم استطاعته، ثم اتفق أن حصلت له الاستطاعة بعد الإحرام بالتكسب أو ببذل باذل، لم يجب عليه الحج فلا يجب عليه الرجوع الى الميقات أو المضي إلى ميقات آخر ليحرم بحج الإسلام بعد إحرامه الأول، بل لا يجوز له ذلك، و لا يجوز له العدول بنيته الى حج الإسلام و لا إلى عمرة مفردة فيتمها ثم يستأنف بعدها حج الإسلام في عامه، بل يجب عليه أن يستمر في نسكه الذي أحرم له حتى يتمه، فإن بقيت استطاعته الى

العام المقبل وجب عليه حج الإسلام فيه، و إن لم تبق استطاعته سقط عنه وجوب الحج.

المسألة 44:

إذا غلت الأسعار فاحتاج المكلف أن يشتري الأشياء التي يحتاج إليها في سفره الى الحج من الطعام أو الأوعية و الأدوات بأكثر من ثمن المثل، أو احتاج الى استئجار ما يحتاج الى استئجاره بأكثر من أجرة المثل وجب عليه الشراء و الاستئجار بذلك مع التمكن من القيمة و لم يسقط عنه وجوب الحج في تلك السنة بسبب ذلك، و كذا إذا توقف تحصيل القيمة على أن يبيع أملاكه بأقل من ثمن المثل فيجب عليه ذلك، إلا إذا كان البيع و الشراء و الاستئجار كذلك موجبا للضرر له بأكثر من المتعارف، أو كان موجبا للحرج الذي يرفع التكليف فيسقط عنه الوجوب حين ذلك.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 28

المسألة 45:

إذا كان المكلف ممن تضطره العلاقات و الملابسات و جهات المعيشة و أشباه ذلك الى العود الى وطنه بعد الحج، و لو للحرج الشديد عليه في البقاء في غير وطنه و المعيشة بعيدا عن أهله، كما هو الحال الغالب في الناس، اعتبر في استطاعته المالية للحج وجود نفقة العود الى بلده بعد الحج فتكون نفقة العود لمثل هذا جزءا من استطاعته في المال.

و لا يعم هذا من كان سائحا في البلاد ليس له وطن يستقر فيه، و المكلف الذي لا يريد العود الى وطنه بعد الحج لجهات أوجبت له ذلك، و الشخص الذي لا عسر و لا حرج عليه في أن يبقى في مكة، فلا يعتبر في استطاعة هؤلاء، ان تكون لديهم نفقة العود الى الوطن بعد الحج.

المسألة 46:

إذا أراد المكلف السفر الى الحج، و عزم على التوطن بعد انتهاء حجه في بلد آخر غير وطنه الأول، لوحظ حاله، فإن كان مضطرا الى ذلك بحيث لا يتمكن من العود الى وطنه الأول، اعتبر في استطاعته المالية أن تكون عنده نفقة الذهاب الى الحج و نفقة الذهاب بعد الحج الى البلد الذي عزم على التوطن فيه، سواء كانت نفقته مساوية لنفقة العود الى وطنه أم أقل منها أم أكثر، و إن كان مختارا في استبدال بلده من غير ضرورة تلجئه الى تركه، اعتبر في استطاعته المالية أن تكون هذه نفقة الذهاب الى الحج، و أقل الأمرين من نفقة العود الى وطنه الأول و نفقة الذهاب الى وطنه الجديد، فإذا كان مالكا لذلك كان مستطيعا و وجب عليه الحج.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 29

المسألة 47:

الاستطاعة للحج هي أن يكون المكلف مالكا لأعيان الزاد و الراحلة التي يحتاج إليها في سفره الى الحج، أو يكون واجدا للنقود التي ينفقها في تحصيل ما يحتاج اليه منها، أو يكون مالكا لأموال أخرى يمكنه بيعها و صرف أثمانها في شراء تلك الأعيان أو استئجارها، و قد سبق بيان جميع هذا مفصلا، و ذكرنا أن الأدلة المعتبرة قد أوضحت كذلك أن الاستطاعة للحج هي السعة في المال أو القوة و اليسار فيه، و مقتضى وصف الاستطاعة بذلك أن المملوكات و الأموال التي يجب بيعها و صرف أثمانها في الحج، لا تشمل الأشياء الضرورية للمكلف، و التي يحتاج إليها في إدارة معيشته، و تدبير شؤونه في حياته، فلا تباع في ذلك الدار التي يحتاج إليها لسكناه و سكنى عياله، و التي تليق به بحسب شرفه و منزلته في المجتمع بنوعها و

عددها، فإن كثيرا من الناس يحتاج في إسكان أهله الى أكثر من دار واحدة، و لا يباع أثاث منزله و لوازم بيته من فرش و أدوات و أوان و آلات، و أرائك و أسرّة، و وسائل يحتاج إليها في تنظيم أموره و ترتيب مسكنه و راحته و راحة أهله و ضيوفه، و لا تباع ثيابه التي يتجمل بها بين الناس أو التي يلبسها في أوقات راحته أو أوقات عمله، و لاتباع كتب العلم الديني إذا كان من أهل ذلك و كانت الكتب موضع حاجته، و لا تباع آلات صنعته التي يفتقر إليها في معاشه، و منها كتب العلم التي تتعلق بصناعته ككتب الطب للطبيب و كتب الهندسة للمهندس و نحوها، و لا تباع دابته أو فرسه أو سيارته التي لا بد له منها في تنقلاته و حركاته، و غير ذلك من الأمور التي يقع في الضيق و الحرج و العسر في حياته بدونها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 30

و يراعى في جميع ذلك ما يليق به و بمنزلته من حيث النوع و العدد، و لاتباع حليّ المرأة، و لا ثياب زينتها، و وسائلها الخاصة التي يحتاج إليه أمثالها في زمانها و في بلدها، و التي تليق بها بحسب شرفها و منزلتها و سنها، و قد ذكرنا نظائر هذا في كتاب الدين عند ذكر المستثنيات فيه.

المسألة 48:

إنما استثنيت هذه الأمور من وجوب البيع للحج من حيث أن وجودها ضروري للمكلف في حياته و لا بد له منها، و إذا باعها وقع في الضيق و العسر في أموره فلا يكون مستطيعا للحج بمقتضى الأدلة الآنف ذكرها.

فإذا زادت الأعيان الموجودة لدى المكلف من هذه الأمور على مقدار حاجته وجب

عليه بيع الزائد منها إذا توقف عليه الحج، و كذلك إذا استغنى عن بعض الأشياء بعد ما كان محتاجا إليه فيجب بيعه إذا توقف عليه أداء الحج، و لا تقصر أدلة الاستطاعة للحج عن شموله، و من ذلك حليّ المرأة و ثياب زينتها بعد أن يكبر سنّها و تكون غير محتاجة إلى استعمالها و لبسها.

المسألة 49:

إذا كانت للمكلف دار يملكها بالفعل، صالحة لسكناه، و قيمتها وافية بمقدار استطاعته للحج، و كانت بيده دار أخرى موقوفة أو مستأجرة أو مستعارة، مما يصح انطباقه عليه، و هي صالحة لسكناه أيضا، و وافية بحاجته، و لا غضاضة و لا منقصة عليه إذا سكن فيها، فالظاهر ثبوت الاستطاعة الشرعية له بملك الدار الأولى و وجوب الحج عليه بها، فيجوز له أن يسكن الدار

كلمة التقوى، ج 3، ص: 31

الموقوفة- و نحوها من المذكورات- و يبيع الدار المملوكة و يحج بثمنها، و يجوز له أن يستبقي الدار المملوكة فلا يبيعها، و يحج متسكعا أو يقترض ما يحج به، و إذا حج كذلك سقط عنه حج الإسلام بذلك، و سيأتي ذكر هذا.

و كذلك الحكم في المستثنيات الأخرى التي لا تباع في الحج كما لاتباع في الدين، فإذا كانت لديه من كتب العلم أو من المستثنيات الأخرى المملوكة ما يكون مستطيعا بقيمته، و كان بيده منها من الموقوفات أو من المستأجرات و المستعارات أو من الموصى بها في سبل الخير أو من المتبرع به لهذه الوجوه ما يسد حاجته فيها و يتعارف لمثله، و لا يوجب له مذلة و لا مهانة تحققت له الاستطاعة بذلك و وجب عليه الحج كما تقدم.

المسألة 50:

إذا كانت للمكلف دار مملوكة تكفيه لسكناه- كما تقدم- و ثمنها يفي باستطاعته للحج لو انه باعها، و لم تكن بيده دار أخرى موقوفة أو موصى بها للخيرات تصلح لسكناه- كما في الفرض السابق- و لكن وجود هذه الدار ممكن له، بحيث إذا طلبها حصل عليها، فالظاهر عدم ثبوت الاستطاعة له بذلك، فلا يجب عليه الحج، و كذلك الحكم في نظائر الدار من المستثنيات إذا وجد

فيها نظير هذا الفرض.

المسألة 51:

إذا كانت للشخص دار مملوكة تصلح لسكناه و لا تزيد على حاجته في نوعها، و لكنها تزيد على حاجته في قيمتها، و إذا استبدل عنها دارا أخرى تصلح لسكناه و تليق بشأنه أيضا كان التفاوت ما

كلمة التقوى، ج 3، ص: 32

بين الدارين في القيمة وافيا باستطاعته للحج، و مثال ذلك ان تكون له دار مملوكة تقع في الشارع المهم من البلد، و قيمة الدار من أجل ذلك تبلغ عشرة آلاف دينار، و إذا باعها بهذه القيمة أمكن له أن يشتري لنفسه مثل تلك الدار في نوعها و في كفايتها له و لياقتها بشأنه، تقع في شارع آخر من البلد و قيمتها من أجل ذلك خمسة آلاف دينار، و التفاوت ما بين الدارين في القيمة و هو خمسة آلاف دينار يفي باستطاعته للحج، فإذا كان بيع الدار الاولى و إبدالها بالثانية ممكنا للمكلف و لا عسر فيه، فالظاهر صدق الاستطاعة بذلك و وجوب الحج عليه، و إذا يمكن له ذلك أو كان عسرا حرجا لم تصدق الاستطاعة و لم يجب الحج.

المسألة 52:

إذا ملك الشخص ما يكفيه لنفقة الحج من النقود و الدراهم مثلا، و كان محتاجا الى صرف جميع ما لديه، أو صرف بعضه في شراء دار يسكنها أو شراء بعض المستثنيات الأخرى التي لا بد له في حياته منها، و التي يقع في العسر و الضيق في المعيشة بدونها، لم تصدق عليه الاستطاعة بذلك، فقد تقدم ان الاستطاعة- كما دلت عليه الأدلة المعتبرة- هي السعة في المال و القوة و اليسار فيه، فلا يجب عليه الحج بما لديه من النفقة، و يجوز له شراء الأعيان التي يحتاج إليها بذلك المال.

و إذا كانت لديه دار

للسكنى أو كانت له بعض المستثنيات التي ذكرناها، و باع تلك المستثنيات الموجودة عنده لم تصدق عليه الاستطاعة للحج بوجود أثمانها عنده ما دام محتاجا في حياته الى مثل تلك المستثنيات، سواء باعها بقصد أن يبدلها بأعيان غيرها من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 33

تلك المستثنيات، فباع الدار ليشتري بثمنها دارا أو كتبا، و باع الكتب ليشتري بها دارا أو كتبا أخرى أم لم يقصد التبديل بسواها.

المسألة 53:

إذا ملك الرجل مبلغا من المال يكفيه لنفقة الحج ذهابا و إيابا و كان محتاجا الى الزواج، فإن هو صرف المبلغ الذي ملكه في الحج لم يتمكن من الزواج، و ان صرفه في النكاح لم يستطع الحج، فإذا كانت حاجته الى الزواج شديدة، بحيث يقع في العسر أو في المرض بتركه، فهو غير مستطيع للحج، و يجب عليه صرف المال في التزويج، و إذا كانت حاجته الى الزواج لا تبلغ العسر أو الوقوع في المرض، وجب عليه الحج و قدّمه على النكاح.

المسألة 54:

ذكر بعض الفقهاء (رضوان اللّٰه عليهم) الوقوع في الزنا، و عدّه من المحاذير التي توجب تقديم الزواج على الحج، إذا دار الأمر بينهما في الفرض الآنف ذكره، و لعل المراد خشية الوقوع في الزنا إذا هو قدم الحج على الزواج و صرف المال فيه، فإن الزنا إذا ترك الزواج إنما يقع الشخص فيه باختياره و إرادته و هو غير مجبر و لا مقسور في فعله كما هو واضح، و هو تام المسؤولية عن وقوعه إذا وقع، و ليس الحج من أسباب وقوعه و لا صرف المال فيه لتكون استطاعته للحج سببا لهذا الشي ء الممنوع شرعا، و الممنوع شرعا كالممنوع عقلا، كما قال بعضهم.

نعم، قد يكون تقديم الحج على الزواج و صرف المال فيه سببا لخوف المكلف من الوقوع في الزنا، و قد يشتد هذا الخوف

كلمة التقوى، ج 3، ص: 34

و يتعقد، فيكون موجبا للعسر و المشقة الشديدة أو للقلق و الكبت و بعض الأمراض النفسانية الأخرى، فالمدار في تقديم الزواج في الفرض المذكور على ذلك- كما بيّناه.

المسألة 55:

الظاهر من النصوص انه يعتبر في تحقق الاستطاعة الشرعية للحج ان يكون المكلف قادرا على الزاد و الراحلة بما بيّنا لهما من المعنى، أو على المال الذي يحصّل به ذلك أو يحصّله بثمنه، و ان تكون قدرته على ما ذكر قدرة تامة فعليّة، و المفهوم من ذلك: انه لا بدّ من أن يكون المكلف مالكا له ملكا فعليا، و لا بد من أن يكون متمكنا من إنفاقه في الحج تمكنا فعليا، فلا مانع له من صرفه و إنفاقه فيه، و نتيجة لذلك، فلا يكون المكلف مستطيعا للحج استطاعة شرعية إذا لم يكن مالكا له بالفعل، و ان

كان قادرا على ان يتملكه بكسب و نحوه، و لا يكون مستطيعا للحج استطاعة شرعية إذا كان له مانع عرفي أو شرعي من أن يصرف المال الذي يملكه في الحج، و ان كان قادرا على رفع المانع، فإن ذلك من القدرة على ان يكون مستطيعا، و ليس من الاستطاعة الفعلية التي دلت عليها النصوص، و جعلتها شرطا لوجوب الحج.

المسألة 56:
اشارة

إذا لم يكن للمكلف ما يكفيه لنفقة الحج من أعيان و منافع، و كان له دين على احد يكفيه لذلك لو أنه استوفاه من المدين، أو هو يتم له نفقة الحج، فللمسألة صور يختلف حكمها باختلاف فروضها.

الصورة الاولى:

أن يكون دينه على الشخص حالا قد حضر وقت وفائه، و أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 35

يكون المدين عازما على وفاء ما في ذمته غير مماطل فيه، و لا ريب في وجوب قبضه على المكلف الدائن إذا دفعه المدين اليه، و وجوب اقتضائه منه و مطالبته به إذا كان دفع الدين له محتاجا إلى المطالبة به فقط، فهو مالك للمال، و قادر على التصرف فيه بالفعل و استطاعته لذلك فعلية.

الصورة الثانية:

أن يكون قد حضر وقت وفاء الدين و يكون المدين مماطلا في دفع الدين له أو يكون منكرا له من أصله، و الظاهر عدم تحقق الاستطاعة الفعلية التي تقدم ذكرها، و إن كان الدائن قادرا على إجبار الغريم على دفع الدين إذا كان مماطلا، و قادرا على إثبات الدين عليه عند الحاكم إذا كان منكرا، فإن ذلك من القدرة على تحصيل الاستطاعة و ليس من الاستطاعة الفعلية التي اعتبرتها النصوص في وجوب الحج.

الصورة الثالثة:

أن يكون الدين مؤجلا لم يحضر وقت الوفاء به، و يكون الغريم غير عازم على وفاء الدين قبل حضور أجله، و لا ريب في عدم تحقق الاستطاعة الفعلية بذلك فلا يجب عليه الحج.

الصورة الرابعة:

أن يكون دينه على الغريم مؤجلا لم يحضر أجله، و يكون المدين باذلا للدين قبل ان يحل الأجل و ان لم يطلب الدائن منه الوفاء بالدين، و الظاهر تحقق الاستطاعة الفعلية بذلك للمكلف فيجب عليه الحج، و لا يجوز له ان يمتنع عن قبض الدين إذا دفعه اليه على الأقوى، و ان كان الدائن المكلف نفسه هو الذي اشترط على الغريم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 36

تأجيل الدين.

الصورة الخامسة:

أن يكون الدين مؤجلا لم يحضر أجله، و يكون المدين عازما على وفاء الدين قبل حضور أجله بشرط ان يطالبه الدائن به، و إذا لم يطالبه به لم يدفعه اليه، و الظاهر عدم تحقق الاستطاعة الفعلية بذلك، فلا تجب عليه المطالبة به، فإن ذلك من تحصيل الاستطاعة و لا يجب الحج عليه.

المسألة 57:

لا تتحقق الاستطاعة الفعلية للحج في فروض المسألة المتقدمة إذا كان الشخص الذي عليه الدين معسرا، أو كان مماطلا لا يتمكن الدائن المكلف من إجباره على دفع الدين، أو كان منكرا لأصل الدين و لا يقدر الدائن على إثبات الحق عليه، أو كان التخاصم معه يستلزم الحرج على الدائن.

المسألة 58:

لا يكون الإنسان مستطيعا للحج إذا كان قادرا على ان يقترض ما يحج به، و ان كان قادرا أيضا على وفاء القرض بسهولة و يسر، فلا يجب عليه الاقتراض لذلك، فإنه من تحصيل الاستطاعة و ليس من الاستطاعة الفعلية، و لا يجب عليه الاقتراض كذلك إذا كان له مال يكفيه لنفقة الحج، و لكنه غائب عنه فلا يتمكن من صرفه بالفعل، و لا يجب عليه الاقتراض إذا كان له مال حاضر لا راغب في شرائه، فالمال الغائب لا يحقق له الاستطاعة بالفعل، فإن المفروض عدم قدرة المكلف على إنفاقه في الحج، و كذلك المال الحاضر في الصورة الأخيرة فإن المفروض عدم راغب فيه فالمال نفسه لا يمكنه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 37

من الحج به و لا ببدله، و الاقتراض في الصورتين إنما هو تملك مال آخر بعوض في الذمة و ليس استبدالا للمال الغائب أو الحاضر، فهو كما ذكرنا تحصيل استطاعة، فلا يكون واجبا على المكلف غير المستطيع.

المسألة 59:

إذا اقترض المكلف مالا يكفيه لنفقته في الحج، أو يتمم له النفقة الموجودة عنده، و كان قادرا على وفاء المبلغ الذي اقترضه إذا حلّ أجله و لا عسر عليه في ذلك تحققت له الاستطاعة الفعلية و وجب عليه الحج، و كذلك إذا اشترى مالا يكفيه لنفقة الحج و بقي الثمن في ذمته، فإذا كان قادرا على وفاء الثمن عند حلول أجله بسهولة و يسر، كان مستطيعا و وجب عليه الحج.

المسألة 60:

إذا كان الدين الذي يملكه المكلف في ذمة غريمه مما يصح بيعه، و كان ثمنه كافيا لنفقة الحج، أو متمما لما عنده من نفقته و لا عسر عليه في ذلك و لا حرج، وجب عليه بيع الدين و الحج به، و قد ذكرنا صور بيع الدين في المسألة الحادية عشرة من كتاب الدين، و في المسألة المائتين و التاسعة من كتاب التجارة، و ذكرنا ما يصح بيعه و ما لا يصح من المال الذي اشتراه في بيع السلف في المسألة الأربعمائة و الواحدة و ما قبلها من كتاب التجارة.

المسألة 61:

إذا ملك الشخص مقدارا من المال يكفيه لنفقة الحج، و كان عليه دين لأحد من الناس، فإن كان الدين الذي في ذمته قد حل وقته و طالب الدائن بوفائه، و لم يكن لدى المكلف المدين ما يفي به

كلمة التقوى، ج 3، ص: 38

الدين غير ذلك المال، كان الدين مانعا من تحقق الاستطاعة فلا يجب عليه الحج.

و كذلك إذا كان صرف المال الموجود لديه في الحج يوجب له العسر و الضيق في تسديد الدين، و ان كان مؤجلا لم يحضر ميعاد وفائه، فلا يجب عليه الحج أيضا، و إذا كان صرف المال الموجود في الحج لا يسبب له ضيقا في تسديد الدين، لم يمنع وجود الدين المذكور عليه من تحقق الاستطاعة و وجوب الحج عليه، سواء كان الدين حالا أم مؤجلا.

المسألة 62:

لا يختلف الحكم في الدين المانع عن تحقق الاستطاعة للمكلّف و عن وجوب الحج عليه في الفرضين الأولين من المسألة المتقدمة بين أن يكون الدين سابقا على تملكه لنفقة الحج و أن يكون متأخرا عنه، فلا يجب عليه الحج في الصورتين، و يستثنى من ذلك ما إذا ملك النفقة حتى حضر أوان الحج، ثم استدان بعد ذلك فإن هذا الدين لا يمنع وجوب الحج عليه، فيجب عليه أن يحج و ان كان متسكعا.

المسألة 63:

إذا ملك الإنسان ما يكفيه لنفقة الحج و اشتغلت ذمته بخمس أو بزكاة أو بغيرهما من الحقوق الشرعية جرى فيها حكم الدين الذي حل أجله و طالب به دائنه فتكون مانعة من وجوب الحج على المكلف إذا لم يكن له ما يفي به الحق الشرعي الذي اشتغلت به ذمته غير المال المذكور.

و كذلك إذا كان الخمس أو الزكاة قد تعلق بعين المال الذي ملكه، بحيث إذا أخرج الحق الشرعي منه لم يكفه الباقي لنفقة الحج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 39

فيكونان مقدمين على الحج.

و إذا كان الحج قد استقر وجوبه في ذمة المكلف من سنة سابقه، و ملك ما يكفيه لنفقة الحج في هذه السنة و اشتغلت ذمته بالخمس أو الزكاة على النحو المتقدم، و دار الأمر بين أن يحج بالمال فيؤدي الفرض الذي استقر في ذمته من الحج، أو أن يصرفه في الخمس أو الزكاة فيؤدي الحق الذي اشتغلت به ذمته، وجب علية الأمران معا فيصرف المال في أداء الحق الشرعي، و يحج و لو ماشيا متسكعا، فإذا لم يمكنه القيام إلا بأحد التكليفين، احتمل التخيير بين الأمرين، و احتمل تقديم الدين.

المسألة 64:

الظاهر انه لا فرق في الحكم الذي بيّناه في المسألة الحادية و الستّين بين أن يكون الدين الذي في ذمة المكلف قصير المدة، و طويلها، و لا بين ان يكون الدائن قد وعده بإبراء ذمته من الدين أو لم يعده بذلك، فالمدار في الحكم هو ما ذكرناه من وجود العسر و الضيق على المكلف في إنفاق المال الموجود لديه في الحج و عدمه.

نعم، قد يمتد أجل الدين أعواما كثيرة فيكون طول المدة موجبا لعدم الاهتمام بالدين عرفا، فلا يكون صرف المال الحاضر

في الحج سببا لوقوع المكلف في عسر أو ضيق، و قد يكون وعد الدائن بإبراء ذمة الغريم من الدين موجبا للوثوق بوعده، فلا يقع الغريم في العسر إذا صرف ماله في الحج، و لم يف به الدين.

المسألة 65:

إذا اكتسب الإنسان مقدارا من المال، و شك في أن ما كسبه هل بلغ الى حد الاستطاعة للحج أم لا، و مثال ذلك: أن يعلم أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 40

استطاعة مثله للحج تحصل بمبلغ خمسمائة دينار، و يشك في أن ما كسبه من المال هل يبلغ هذا المقدار أم لا، و الأحوط لزوم الفحص عن ذلك.

و مثله ما إذا اكتسب مبلغا معلوما من المال، و هو أربعمائة دينار مثلا، و شك في أن هذا المبلغ المعين الذي اكتسبه هل تحصل به الاستطاعة المالية لمثله أم لا، فلا يترك الاحتياط بلزوم الفحص.

المسألة 66:

إذا استطاع المكلف الحج و وجب عليه، و كان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الشرعية الواجبة، وجب عليه إخراجها و لم يجز له تأخيرها مع الإمكان، و يأثم إذا هو أخرها من غير عذر، و لا يجوز له التصرف في المال الذي تعلق به الحق الشرعي في سفر الحج و لا غيره، و إذا كانت ثياب إحرامه و طوافه و ثمن هديه من ذلك المال لم يصح حجه، و سيأتي للمسألة مزيد بيان و تفصيل.

المسألة 67:

المال الغائب عن مالكه إذا كان المالك قادرا على التصرف فيه و الإنفاق منه أو من ثمنه، بواسطة وكيله أو بواسطة مكالماته السلكية أو اللاسلكية يكون بمنزلة الحاضر، فتتحقق به الاستطاعة الفعلية للحج، و تحصل به الشروط المعتبرة في الاستطاعة من الإنفاق على من يعول به في مدة سفره، و من الرجوع الى كفاية بعد الحج، و تحصل به الآثار الأخرى في الحج و غيره، كما إذا بذل منه نفقة الحج لرجل حاضر أو غائب، و نحو ذلك من الآثار المتعلقة بالمال.

و إذا كان المالك غير قادر على التصرف في المال و الإنفاق منه لم تتحقق به الاستطاعة الفعلية للحج إذا لم يكن مستطيعا من وجه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 41

آخر أو يصل المال الى يده.

المسألة 68:

إذا كان للمكلف مال غائب عنه يكفيه لنفقة الحج، أو هو يتمم له ما بيده من نفقة الحج و كان قادرا على التصرف فيه و الإنفاق كما ذكرناه في المسألة المتقدمة تحققت له الاستطاعة المالية للحج كما قلنا، و جرت فيه أحكام مال الاستطاعة للحاضر، فإذا تمت له بقية شروط الاستطاعة و الوجوب، و حضر أوان الحج و تمكن من المسير، ثم تلف المال، فإن كان التلف بتقصير من المالك استقر وجوب الحج في ذمته، و ان كان التلف بغير تقصير من المالك كشف ذلك عن عدم استطاعته و لم يستقر وجوب الحج عليه، و إذا لم يتمكن المالك من التصرف في المال الغائب لم تتحقق به الاستطاعة كما تقدم، و إذا تلف لم يستقر وجوب الحج على المالك، سواء كان بتقصير منه أم بغير تقصير.

المسألة 69:

إذا كان المكلف مالكا لأعيان و نقود تكفيه لنفقة الحج و نفقة عياله في سفره حتى يعود إليهم، و لكن أعيان ماله في يد شخص آخر، فإن كان الشخص الآخر الذي بيده أعيان المال باذلا له ماله متى أراد و غير ممتنع عنه، فالمالك مستطيع يجب عليه الحج.

و ان كان الشخص الذي بيده المال ممتنعا عن دفع المال اليه لم تتحقق له الاستطاعة، و ان كان قادرا على استيفاء المال منه إذا رفع أمره الى الحاكم الشرعي أو الى غيره، و كان قادرا على إثبات حقه إذا كان الرجل منكرا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 42

المسألة 70:

إذا ملك المكلف من المال ما يكون به مستطيعا لحج البيت إذا حضرت أيامه، فالظاهر انه لا يحرم عليه التصرف في ماله المذكور قبل التمكن من المسير الى الحج، فإذا هو أتلف المال أو نقله عن ملكه الى غيره قبل ان يحل أوان الحج انتفت بذلك استطاعته فلا يجب عليه الحج، بل الظاهر انه يجوز له التصرف في المال حال التمكن من المسير الى الحج و حلول أوانه، و ان تحققت له الاستطاعة بذلك و وجب عليه الحج، فإذا هو أتلف المال أو نقله عن ملكه بناقل شرعي بعد حضور أوان الحج و التمكن من المسير وجب عليه أن يحج و لو متسكعا، أو خادما أو أجيرا مثلا.

نعم، يحرم عليه أن يتصرف بمال الاستطاعة إذا توقف إتيانه بفريضة الحج على وجود المال و لم يتمكن من الحج بغيره.

المسألة 71:

إذا كان المكلف مستطيعا للحج في الواقع و هو يعتقد انه غير مستطيع فحج بنية الحج المندوب فإن قصد في حجه امتثال الأمر المتوجه اليه بالحج، صح حجه و كفاه ما اتى به عن حج الإسلام الواجب عليه، فإنه قد قصد بنيته- على وجه الاجمال- كلا من الأمر المتعلق به بالفعل و هو الأمر الوجوبي، و المأمور به المتعلق به بالفعل و هو حج الإسلام، و ان تخيل ان الأمر هو الأمر الندبي، و أن الحج هو الحج المندوب، و ذلك من الاشتباه في التطبيق، و هو لا يضرّ بحصول الامتثال، و ان قصد في حجه امثتال الأمر الندبي على وجه التقييد صح حجه و لم يكفه عمّا في ذمته من حج الإسلام، و قد سبق نظير هذا في المسألة الثامنة و العشرين، في حج الصبي.

كلمة التقوى،

ج 3، ص: 43

المسألة 72:

لا يشترط في الاستطاعة المالية للحج ان يكون ملك المكلف للمال الذي يحج به ملكا لازما، فيكفي فيها أن يكون مالكا له ملكا شرعيا، و يمكنه أن يتصرف فيه و ينفق منه لحاجته حتى يتم حجه و ان كان ملكه للمال متزلزلا قابلا للفسخ، فإذا صالح المكلف أحد بمال يكفيه لنفقة الحج و اشترط المصالح لنفسه خيار الفسخ إلى مدة معلومة، ملك المكلف المال المصالح به و ثبتت له الاستطاعة مع وجود الشروط، نعم، تبقى الاستطاعة مراعاة بعدم الفسخ من صاحب الخيار، فإذا فسخ المصالحة كان ذلك كاشفا عن عدم الاستطاعة من أول الأمر، و كذلك إذا وهبه واهب أجنبي عنه مالا يكفيه للحج و أقبضه المال الموهوب فإنه يكون بذلك مستطيعا، و ان جاز للواهب أن يرجع بما وهب ما دامت العين موجودة، و تكون استطاعته مراعاة بعدم فسخ الواهب، كما سبق في نظيره، فإذا تصرف المكلف الموهوب له بالمال لزمت الهبة و لم يجز للواهب الفسخ كما ذكرناه في كتاب الهبة.

و لا يبعد أن يكون التصرف في المال الموهوب واجبا على المكلف بعد تحقق الاستطاعة له و وجوب الحج عليه إذا انحصر في ذلك أداء الحج.

المسألة 73:

يعتبر في الاستطاعة المالية للحج أن يكون المكلف مالكا للمال الذي يحج به ملكا لازما أو متزلزلا، كما قلنا في المسألة الثانية و السبعين المتقدمة، و لا تتحقق الاستطاعة إذا أباح له مالك المال أن يتصرف فيه كما يشاء، سواء كانت الإباحة لازمة أم غير لازمة،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 44

و مثال الإباحة اللازمة أن يشترط المكلف على المالك في ضمن أحد العقود اللازمة بينهما أن يبيح له التصرف في مبلغ معلوم من ماله، فإذا أباح المالك

له التصرف في المبلغ وفاء بشرطه، و كان المبلغ يكفيه لنفقة الحج لم تثبت له الاستطاعة بذلك، و لم يجب عليه الحج ما لم يملك المبلغ أو ما يعادله من وجه آخر.

المسألة 74:

الاستطاعة المالية هي ان يملك المال الذي يكفيه لنفقات سفره و نفقات حجه و نفقات عوده الى وطنه على الوجوه التي تقدم ذكرها، و أن يكون متمكنا من التصرف في المال، و ان يكون مال الاستطاعة باقيا في ملكه و في نفوذ تصرفه حتى يتم حجه و يعود الى وطنه.

فإذا تلف المال أو تلف بعضه، أو سرق أو سرق بعضه، بحيث قصر الباقي منه عن الوفاء ببعض ما يحتاج إليه في الحج أو في العود، و كان التلف بسبب غير اختياري للمكلف، كشف ذلك عن عدم استطاعته من أول الأمر.

و إذا كان التلف بعد حضور أوان الحج و التمكن من المسير، و كان المكلف عامدا فيه، أو كان بتقصير منه، لم يزل حكم الاستطاعة عنه و لم يسقط عنه وجوب الحج و استقر في ذمته، و سيأتي إنشاء اللّٰه تعالى ذكر مسائل و فروض تتصل بذلك و تتعلق به.

المسألة 75:

إذا ملك المكلف ما يكفيه للحج، و هو لا يعلم ان ما ملكه قد بلغ ذلك المقدار أم لا، ثم تلف المال بعد حضور أوان الحج و تمكنه من المسير، فإن كان التلف بتقصير منه لم يسقط عنه وجوب الحج، فإذا هو لم يحج في ذلك العام و لو متسكعا استقر الحج في ذمته، و إذا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 45

كان التلف بغير تقصير منه سقط الوجوب عنه لعدم بقاء الاستطاعة.

و كذلك إذا ملك المال و هو غافل عن انه قد ملك ما يكون به مستطيعا، و كانت غفلته مما لا يعذر فيها، لإهماله و عدم تحفظه، ثم تلف المال بعد التمكن من المسير الى الحج، فيجري فيه التفصيل المتقدم.

و يشكل الحكم في من يملك

المال في الواقع، و هو يعتقد ان ماله لا يبلغ مقدار الاستطاعة، فهو لا يشك حتى يلزمه الاحتياط بالفحص عن استطاعته، و في من يكون غافلا عن وجوب الاحتياط عند الشك بالفحص عن وجود الاستطاعة و عدمها الذي ذكرناه في المسألة الخامسة و الستين، أو يكون غافلا عن مقدار ما عنده من المال غفلة يعذر فيها، فلا يترك الاحتياط في جميع هذه الفروض، و خصوصا إذا كان تلف المال بعد مضي موسم الحج.

المسألة 76:

إذا أوصى أحد للمكلف بمبلغ من المال يكفيه لنفقة الحج ثم مات الموصى، ملك المكلف المال الموصى به بعد موته و تحققت له الاستطاعة المالية و وجب عليه الحج إذا كانت بقية شروط الوجوب متوفرة، و لم يتوقف ذلك على قبول الموصى له و لا على قبضه للمال، و قد بيّنا في كتاب الوصية أن الوصية من الإيقاعات على الأقوى لا من العقود، حتى إذا كانت تمليكية، فلا تتوقف صحتها على قبول الموصى له بل و لا على قبض المال، و ذكرنا هذا في المسألة التاسعة و المسألة السابعة عشرة و المسألة التاسعة عشرة من الكتاب المذكور و أشرنا إليه في أول كتاب الزكاة و في مواضع أخرى.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 46

المسألة 77:

قد استبان من مجموع ما تقدم: أن الحج يجب على المكلف إذا حصلت له الاستطاعة بالفعل، و لا يجب عليه ان يحصّل الاستطاعة و إن كان قادرا على أن يحصّل المال باختياره، فلا يجب على ذي الصنعة و الحرفة أن يعمل في صنعته و حرفته حتى يجد المال و يحج به، و إذا احترف و أمتهن فحصل بذلك على المال الكافي له وجب عليه الحج، و لا يجب على المكلف أن يتّجر فيربح و يستطيع ليحج، و لكنه إذا فعل ذلك فربح و استطاع وجب عليه الحج، و لا يجب عليه أن يستدين فيملك المال و يحج به، و إذا استدان و ملك المال الكافي و سهل عليه وفاء الدين استطاع بذلك و وجب عليه الحج، و لا يجب عليه أن يستوهب من الآخرين مالا ليحج به، و إذا استوهب المال فاستطاع وجب عليه الحج، و كذلك إذا وهب له احد مبلغا

فلا يجب عليه أن يقبل الهبة و يقبضها، و لكنه إذا قبل الهبة و قبض المال و حصلت له الاستطاعة وجب عليه الحج، و هكذا، و الفارق بين المعنيين واضح لا خفاء فيه.

المسألة 78:

و تحصل الاستطاعة المالية أيضا للمكلف إذا بذل له مالك المال من ماله ما يكفيه لنفقة الحج، و ما يحتاج إليه في السفر ذهابا و عودا حتى يتم أعماله و يرجع الى وطنه، و ما يحتاج إليه في الإنفاق على عياله و أهله حتى يعود إليهم، فإذا قال له: حج و عليّ جميع هذه النفقات التي تحتاج إليها في حجك، أو قال له: بذلت لك جميع نفقاتك لتحج بها، أو عيّن مبلغا من المال يكفيه لجميع ذلك، و قال له: حج بهذا المال، حصلت للمكلف الاستطاعة بهذا البذل و وجب عليه الحج،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 47

و تسمى هذه بالاستطاعة البذلية، و يسمى النوع السابق الذي تقدم ذكره في المسائل الماضية: الاستطاعة الملكية.

و لا فرق على الأقوى في حصول الاستطاعة البذلية بين أن يكون بذل المالك ماله للمكلف على سبيل التمليك له ليحج به، و أن يكون على نحو الإباحة لهذه الغاية، و لا فرق أيضا بين ان يبذل له عين الزاد و الراحلة، و ان يبذل له أثمانها و أعواضها ليشتريها أو يستأجرها، و لا فرق كذلك بين أن يحصل الوثوق للمكلف ببذل الباذل و ان لا يحصل، و يستثنى من ذلك ما إذا لم يثق المكلف ببذله للمال حتى أوجب عدم الوثوق خوفا للمكلف على نفسه إذا سافر اعتمادا على مثل هذا البذل، فلا يجب عليه الحج في هذه الصورة لعدم حصول الاستطاعة في نظر العقلاء، و كذلك إذا عدّ

السفر اعتمادا عليه تفريطا من المكلف في أمر عياله.

و إذا أوجب عدم الوثوق ببذل الباذل شكا للمكلف في بقاء الاستطاعة البذلية و عدم بقائها، و لم يوجب له خوفا على نفسه عوّل على الأصول و الطرق التي يتّبعها العقلاء في أمثال ذلك، كأصالة بقاء البذل، و أصالة بقاء المال، و أصالة السّلامة، و أصالة الصحة، كما يعوّل على هذه الطرق و الأصول إذا شك في بقاء استطاعته الملكية سواء بسواء، و إذا ظهر له خطأ هذه الطرق التي عوّل عليها فالمدار على الواقع في كلا الموردين، و النصوص دالة بإطلاقها على وجوب الحج في جميع ذلك ما لم ينكشف الخلاف فيتبين له عدم الاستطاعة.

المسألة 79:

إذا ملك المكلف بعض نفقة الحج و بذل له أحد بقية ما يحتاج اليه لنفسه و لعياله حتى يعود إليهم، أو بالعكس، وجب عليه الحج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 48

و كانت استطاعته ملكية في بعضها و بذلية في بعضها الآخر، و إذا بذل له نفقة الذهاب الى الحج و لم يبذل له نفقة الرجوع و كان المكلف لا يملك ذلك، لم تتحقق له الاستطاعة و لم يجب عليه الحج، و كذلك إذا بذل له نفقة الحج ذهابا و رجوعا و لم يبذل له نفقة عياله واجبي النفقة عليه أو الذين يلزمه الحرج إذا لم ينفق عليهم، و كان المكلف لا يقدر على الإنفاق عليهم إذا سافر للحج عنهم، فالظاهر عدم حصول الاستطاعة للمكلف بذلك و عدم وجوب الحج عليه.

المسألة 80:

إذا بذل احد للمكلف نفقة الحج على الوجه الذي يجب به الحج و كان المكلف مدينا، لم يمنع الدين من وجوب الحج عليه، و ان كان وقت الدين حاضرا، بل و ان طالب به دائنه، و إذا أمكن للمكلف أن يجمع بين الحج و التكسب لوفاء الدين في البلد أو في أثناء سفره وجب عليه الجمع بينهما، و إذا هو لم يقدر على الجمع بينهما، و أمكن له إذا هو لم يسافر الى الحج أن يتكسب في البلد لوفاء الدين و لو تدريجا تعيّن عليه ذلك، و لم يجب عليه الحج ببذل الباذل على الأقوى.

المسألة 81:

إذا وهب احد للمكلف مبلغا من المال يكفيه لنفقة الحج، و لم يذكر في هبته انه انما يهبه المال ليحج به، لم يجب على المكلف قبول الهدية، و قد ذكرنا في المسألة السابعة و السبعين ان هذا من تحصيل الاستطاعة الملكية للحج فلا يكون واجبا على المكلف، و كذلك الحكم إذا وهب الواهب له مبلغا من المال، و جعل له الخيار في ان يحج به أو لا يحج، فلا يجب على المكلف قبول الهبة، و إذا قبل الهبة و قبض المال

كلمة التقوى، ج 3، ص: 49

الموهوب حصلت له الاستطاعة الملكية و وجب عليه الحج عند اجتماع باقي الشروط.

و إذا وهب له ما يكفيه للحج ليحج بهذا المال الموهوب وجب على المكلف قبول الهبة، و كان ذلك من بذل المال للحج، فيكون بها مستطيعا للحج استطاعة بذلية و يجب عليه الحج، و قد تقدم ان الاستطاعة البذلية، منها ما يكون على سبيل الإباحة و منها ما يكون على وجه التمليك.

المسألة 82:

قد يقف الرجل بعض أملاكه على أن تدفع منافعه لأحد يحج بها البيت، و قد يوصي المالك بأن يصرف ثلث ماله بعد موته أو يصرف شي ء منه في أن يحج به البيت، و قد ينذر الشخص شيئا من ماله أن يصرف في هذا السبيل، فإذا وقف الواقف ماله كذلك و بذل متولي الوقف للمكلف من منافع الوقف ما يكفيه للحج، حصلت له الاستطاعة البذلية بذلك و وجب عليه الحج.

و كذلك إذا بذل له الوصي من ثلث الموصى في الفرض الثاني أو بذل له المالك من ماله المنذور في الفرض الأخير فيجب عليه الحج لتحقق البذل.

المسألة 83:

إذا أوصى شخص للمكلف من ثلث ماله بما يكفيه من النفقة ليحج بها، ثم مات الموصى بعد الوصية وجب على المكلف الحج لتحقق البذل بذلك.

المسألة 84:

إذا كان المكلف ممن يستحق الزكاة، فدفع اليه المالك مقدارا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 50

من مال الزكاة يكفيه لنفقة الحج و نفقة عياله حتى يعود إليهم و اشترط عليه أن يحج بها، فلا أثر لهذا الشرط على الأقوى إذا كان المبلغ الذي دفعه اليه من سهم الفقراء، و لا يكون بذلك من الاستطاعة البذلية و لا يجب على الفقير قبض المبلغ، و إذا قبض المكلف الفقير مال الزكاة المذكور، و أصبح به مستطيعا للحج استطاعة ملكية و تحقق له باقي شرائط الاستطاعة و شرائط الوجوب، وجب عليه الحج.

و كذلك الحكم إذا كان المكلف ممن يستحق الخمس، و دفع اليه المالك ما يكفيه لنفقته و نفقة عياله من مال الخمس، و اشترط عليه أن يحج بالمال الذي دفعه اليه، فلا ينفذ هذا الشرط و لا تحصل للمكلف الاستطاعة البذلية بذلك، و إذا قبض المال و ملكه و أصبح به مستطيعا استطاعة ملكية وجب عليه مع اجتماع الشروط.

المسألة 85:

ذكرنا في المسألة المائة و التاسعة و الثلاثين من كتاب الخمس انه لا يجوز أن يدفع الى المستحق من الخمس ما يزيد على مؤنة السنة له و لعياله، و من أجل ذلك فقد يتوهم أحد ان هذا الحكم يقتضي المنع من أن يدفع له من الخمس ما يكفيه لنفقة الحج في ذهابه و إيابه مع نفقة عياله حتى يعود إليهم، كما قلنا في المسألة المتقدمة.

و لكننا قد أوضحنا كذلك في المسألة المائة و الواحدة من كتاب الخمس: ان مصارف الإنسان في حجه تعد من مئونته في سنته إذا هو حج فيها و كان مجموع تكاليفه و نفقاته في الحج بمقدار ما يتعارف له بحسب ما يليق بحاله و

لا يزيد عليها، فلا تدافع بين المسألتين.

المسألة 86:

إذا كان الشخص ممن يستحق الزكاة فدفع اليه مالك المال ما

كلمة التقوى، ج 3، ص: 51

يكفيه للحج من سهم سبيل اللّٰه من زكاة ماله، و شرط عليه ان يحج بالمال الذي دفعه اليه، و قبل المستحق المال و الشرط وجب عليه الحج، و لم يجز له ان يصرف المال الذي دفعه إليه في غير الحج، و ان أشكل الحكم بصحة الشرط المذكور من المالك.

المسألة 87:

إذا بذل أحد نفقة الحج للإنسان فأتى المبذول له بالحج أجزأه ما أتى به عن حج الإسلام، فإذا وجد الاستطاعة في ماله بعد أن حج ببذل غيره لم يجب عليه ان يحج مرة أخرى.

المسألة 88:

إذا بذلت للشخص نفقته على الوجه الذي تقدم بيانه وجب عليه الحج، سواء كان الباذل للنفقة واحدا أم متعددا، و سواء اشتراك الباذلون في النفقة المبذولة فدفعوا له المبلغ الذي يكفيه و هو خمسمائة دينار مثلا، أم اختص كل واحد منهم بجانب منها، فبذل له أحدهم نفقة الذهاب و الآخر نفقة الرجوع، أو بذل أحدهم له الزاد و بذل الثاني له الراحلة و بذل الثالث نفقة عياله.

و يجب الحج على المكلف ببذل الباذل سواء كان الباذل نفسه قد حج أم لم يحج، بل و ان استقر وجوب الحج في ذمته و لم يؤده بعد. و لا يجوز له البذل إذا وجب عليه الحج، و كان بذل المال للغير يوجب عدم قدرته على أداء الحج الواجب، أو يوجب تأخير قدرته على الحج الى العام المقبل مثلا، و هذا إذا كان قادرا في نفسه على أداء الفرض غير عاجز عنه لمرض أو كبر سن و نحو ذلك.

المسألة 89:

يجوز لمن بذل نفقة الحج لغيره أن يرجع ببذله قبل أن يتلبس

كلمة التقوى، ج 3، ص: 52

المكلف المبذول له في الإحرام، بل و يجوز له أن يرجع ببذله بعد أن يدخل المكلف في الإحرام، إذا لم يكن البذل واجبا على الباذل بنذر و شبهه، و إذا رجع الباذل ببذله لم يجز للمكلف المبذول له ان يتصرف في المال بحج أو غيره.

المسألة 90:

إذا رجع الباذل بماله قبل ان يدخل المكلف المبذول له في الإحرام، و كان قد سافر اغتمادا على بذل المالك و أنفق في سفره بعض المال، جاز له ان يرجع على الباذل بما أنفق في سفره الى ذلك الموضع الذي وصل إليه في سفره، و بما يحتاج اليه من النفقة في عوده من ذلك الموضع الى وطنه، فإن السفر و الرجوع قد أوقعهما المكلف بأمر الباذل فيكون عليه ضمان نفقاتهما.

المسألة 91:

إذا رجع الباذل ببذله بعد أن أحرم المكلف بنسكه، و كان المكلف غير مستطيع في ماله سقط عنه وجوب الحج لعدم الاستطاعة و جاز له العود الى وطنه من ذلك الموضع، و كان له أخذ نفقة ذهابه الى ذلك الموضع و رجوعه منه الى وطنه من الباذل كما قلنا. و إذا هو أتمّ حجه متسكعا أو أجيرا لم يكفه ذلك عن حج الإسلام.

و إذا كان مستطيعا للحج من ذلك الموضع وجب عليه ان يستمر في إحرامه حتى يتم نسكه و يكفيه ذلك عن حج الإسلام، و الظاهر انه يجوز له ان يرجع بنفقة إتمام حجه و عوده على الباذل.

المسألة 92:

إذا وهب احد للمكلف مبلغا من المال ليحج به و قبل المكلف منه الهبة، فالظاهر انه يجوز للواهب ان يرجع بهبته للمال قبل الإحرام

كلمة التقوى، ج 3، ص: 53

و بعده ما لم تكن الهبة لذي رحم، أو يتصرف الموهوب له في المال تصرفا يغير به عين المال، بحيث لا يكون معه المال قائما بعينه، كما هو الحكم في مطلق الهبة.

و إذا رجع الواهب بهبته جرت الاحكام التي ذكرناها في رجوع الباذل ببذله.

المسألة 93:

قد يبذل المالك نفقة الحج لشخص واحد معيّن، فتحصل له الاستطاعة كما مر ذكره، و يجب عليه الحج، و قد يبذل المال لأحد شخصين لا على وجه التعيين، فيقول لعلي و جعفر مثلا: بذلت هذا المبلغ لأحدكما يحج به، و قد يكون بذله لأحد اشخاص ثلاثة أو أربعة أو أكثر على وجه يصدق معه أنه قد عرض الحج على أحدهم، فإذا بذل المال لأحد الشخصين أو الأشخاص كذلك وجب عليهم السبق الى قبض المال المبذول، فإذا سبق أحدهم و قبض المال اختص به، و تحققت له الاستطاعة البذلية، و وجب عليه الحج و سقط التكليف عن الآخرين، و إذا ترك الكل مع تمكنهم جميعا من السبق و من قبض المال استقر الحج عليهم جميعا.

المسألة 94:

إذا كثرت الجماعة الذين بذل المالك نفقة الحج لواحد منهم لا على التعيين، بحيث أن كثرتهم أوجبت عدم صدق عرض الحج في نظر أهل العرف، أو أوجبت الشك في صدق ذلك و عدمه و مثال ذلك أن يبذل الرجل نفقة الحج لأحد الافراد الذين لم يحجّوا من أهل مدينة كربلاء، أو من بني تميم في البصرة، فالظاهر عدم الوجوب، إلا إذا سبق واحد منهم فقبض المال من الباذل، فإن الاستطاعة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 54

تحصل له بذلك و يجب عليه الحج.

المسألة 95:

ذبح الهدي في حج التمتع أو نحره احد الواجبات الاختيارية في الحج، و لذلك فلا يتحقق بذل نفقة الحج للمكلف حتى يبذل الباذل له ثمن الهدي في ما يبذله من النفقة، و نتيجة لذلك فإذا بذل له نفقة الحج غير ثمن الهدي، و لم يكن المكلف واجدا لثمنه لم يجب عليه القبول و لم يجب عليه الحج، و ان كان قادرا على صوم الأيام العشرة بدل الهدي، و إذا كان المكلف مالكا لثمن الهدي و بذل له الباذل باقي نفقات الحج وجب عليه، و كانت استطاعته مركبة من ملك و بذل، و ليست بذلية خالصة و قد أشرنا الى هذا في المسألة الثامنة و السبعين.

المسألة 96:

إذا وجب على المكلف المبذول له بعض الكفارات في حجه أو في عمرته فهو على المبذول له و لا يجب على الباذل منه شي ء.

المسألة 97:

إذا بذل احد للمكلف نفقة الحج على الوجه الذي تقدم بيانه وجب على المكلف ان يأتي من الحج بما هو وظيفته التي حددت له في شريعة الإسلام، فإذا كان المبذول له من أهل الآفاق التي تبعد عن مكة بخمسة و أربعين ميلا أو أكثر وجب عليه ان يأتي بحج التمتع، و لا يجب عليه إذا بذل له حج القران أو الإفراد أو بذل له العمرة المفردة.

و إذا كان المبذول له من أهل مكة أو ما يقرب منها بما لا يزيد على المقدار المذكور وجب عليه أن يأتي بحج القران أو الإفراد، و لا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 55

يجب عليه إذا بذل له حج التمتع، و سنذكر تحديد هذه الوظائف في مبحث أقسام الحج- إن شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 98:

إذا كان المكلف قد أتى بالحج الواجب عليه في الإسلام ثم بذل له باذل نفقة الحج لم يجب عليه ان يحج مرة ثانية.

المسألة 99:

إذا استقر وجوب حجة الإسلام في ذمة المكلف ثم أعسر، و لم يتمكن من أداء الفرض الذي وجب عليه حتى متسكعا، و أصبح معذورا في التأخير بسبب عدم تمكنه، فإذا بذل له أحد نفقة الحج وجب عليه أن يأتي بالحج الواجب عليه من قبل، و بذل الباذل إنما جدّد له القدرة على امتثال ذلك الواجب بعد أن كان معذورا في تأخيره.

و كذلك الحكم إذا استقر وجوب الحج في ذمة المكلف بنذر أو عهد أو يمين ثم عجز عن امتثاله- كما تقدم- و أصبح معذورا عنه، فإذا بذل له أحد نفقة الحج وجب عليه أن يقوم بامتثال الأمر السابق لتجدد القدرة له بهذا البذل.

المسألة 100:

إذا بذل أحد للإنسان مبلغا من المال و جعل له الخيار بين أن يحج بالمال و أن يزور به الحسين (ع) مثلا أو خيّره بين الحج به و التزويج، لم يجب على المبذول له القبول و لم تحصل له بذلك الاستطاعة البذلية فلا يجب عليه الحج، و إذا قبل منه المال المبذول و تملكه و كان المال وافيا بجميع ما يعتبر في الاستطاعة الملكية وجب عليه الحج، و قد تقدم نظير هذا في المسألة الحادية و الثمانين.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 56

المسألة 101:

إذا قبض المكلف نفقة الحج من الباذل و سافر ليحج بها، فسرق المبلغ منه في أثناء سفره أو غصب منه أو تلف بغير تفريط من المكلف زالت استطاعته و كشف ذلك عن عدم وجوب الحج عليه من أول الأمر، إلا إذا تحققت له الاستطاعة بملك مال آخر أو ببذل باذل، و إذا حصلت له الاستطاعة بملك مال آخر فلا بدّ من وجود ما يعتبر فيها من الرجوع الى كفاية بعد الحج.

المسألة 102:

إذا رجع الباذل ببذله- كما تقدم ذكره في بعض المسائل المتقدمة- و كان المكلف مستطيعا للحج و لو من الموضع الذي رجع فيه المالك بالبذل، و كان رجوعه قبل إحرام المكلف وجب عليه أن يحرم بالحج و يتم أعماله، سواء كانت استطاعته بالملك من حين البذل، أم بمال حصل له قبل الإحرام، أم ببذل باذل آخر، فيجب عليه أن يحرم بالحج في جميع هذه الصور، و يكون حجه هو حج الإسلام، و إذا كانت استطاعته بالملك فلا بدّ فيها من الرجوع الى كفاية- كما سيأتي ذكره.

و إذا رجع الباذل ببذله بعد إحرام المكلف بالحج، فإن كانت استطاعته لإتمام الحج موجودة من حين حصول البذل أو بمال حصل له قبل الإحرام وجب عليه إتمام الحج، و كفاه عن حج الإسلام، و إذا حصلت له الاستطاعة لإتمام الحج من ذلك الموضع بمال حصل له بعد الإحرام أشكل الحكم بوجوب الإتمام عليه، و بكفاية ذلك عن حج الإسلام، و تراجع المسألة التسعون و ما بعدها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 57

المسألة 103:

إذا بذل المالك للمكلف مقدارا من المال ليحج به و تخيل أن المقدار المبذول يكفيه للنفقة، ثم استبان له عدم وفائه بذلك، فإن كان البذل واجبا على الباذل بنذر و شبهه وجب عليه ان يتم بذل النفقة، و إذا كان البذل غير واجب عليه لم يجب عليه ان يتم النفقة للمكلف، فإذا هو لم يتم النفقة له لم تتحقق له الاستطاعة البذلية، و جرت عليه الأحكام التي ذكرناها في رجوع الباذل ببذله في المسائل السابقة.

المسألة 104:

إذا بذل الباذل للمكلف مالا معينا ليحج به، و بعد ان أتم المكلف حجه ظهر له ان المال المبذول له كان مغصوبا، لم يجزه ما أتى به عن حج الإسلام، و جاز لمالك المال ان يرجع بمثل ماله المغصوب منه أو بقيمته على الشخص الباذل، و له أن يرجع به على المكلف المبذول له، فإذا رجع المالك به على الباذل لم يكن للباذل أن يرجع بغرامته على المكلف المبذول له، و إذا رجع به على المبذول له جاز له- إذا كان جاهلا بالغصب- ان يرجع بغرامته على الباذل، لأنه مغرور من قبله، و يشكل الحكم بجواز رجوعه على الباذل إذا كان عالما بان المال مغصوب.

المسألة 105:

إذا قال الباذل للمكلف اقترض لنفسك مبلغا من المال و حج به، و عليّ وفاء القرض، لم يجب على المكلف ان يقترض و يحج بمال القرض بمجرد هذا القول، و لا يعدّ هذا من البذل الذي تحصل به الاستطاعة، و إذا اقترض المكلف اعتمادا على هذا الوعد من الرجل،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 58

و كان المبلغ الذي استدانه مما تتحقق به الاستطاعة الملكية، وجب عليه الحج، و اعتبر في استطاعته ان يرجع بعد الحج إلى كفاية.

إذا قال له: اقترض لي مبلغا من المال و حج به، كان ذلك توكيلا له في الاقتراض، و لم يجب على المكلف ان يقترض المبلغ، و لكنه إذا عمل بالوكالة فاقترض المال للباذل تحققت له الاستطاعة البذلية، و وجب عليه ان يحج بالمال، و أجزأه ذلك عن حج الإسلام.

المسألة 106:

يستفاد من ظاهر قوله سبحانه (وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، ان نفس القصد الى البيت المعظم و السعي إليه واجب على من استطاع اليه سبيلا، فالآية الكريمة دالة على ان القصد الى البيت واجب نفسي كبقية أعمال الحج، و لا موجب لرفع اليد عن هذا الظاهر، و لذلك فلا بد من التعبد بنفس القصد الى البيت من حين إحرام المكلف من الميقات، و لا يكفي ان يقع من المكلف على وجه ينافي التقرب، كما إذا أوقعه على وجه الحرام، أو على نحو الرياء أو السمعة، بل و لا على نحو الغفلة أو القهر.

و لا ينافي ذلك ان ينضم إلى داعي التقرب بقصد البيت داع آخر كالتجارة، و اجارة نفسه للخدمة و العمل للتكسب، على نحو يكون كل من قصد القربة و القصد الآخر داعيا مستقلا بنفسه

صالحا للدعوة، و لا يكون التقرب بقصد البيت تبعيا، كسائر الضمائم التي لا تنافي القربة، و قد ذكرناها في مبحث النية من الوضوء و الغسل و غيرهما من العبادات.

و لا يستفاد من الآية الكريمة أكثر من وجوب ذلك تكليفا، فلا يبطل الحج إذا كان القصد من المكلف على غير وجه القربة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 59

المسألة 107:

إذا آجر المكلف نفسه للخدمة، أو للسياقة، أو للطبخ في طريق الحج، أو لعمل صحي يقوم به في أثناء السفر أو لغير ذلك، بأجرة يكون بها مستطيعا للحج، و كانت إجارته على نحو لا ينافي قصد التقرب في مسيره إلى حج البيت كما بيّنا في المسألة المتقدمة، تحققت له الاستطاعة بذلك و وجب عليه الحج و أجزأه فعله عن حج الإسلام.

و يجوز للمكلف المستطيع في ماله ان يؤجر نفسه لبعض الاعمال الآنف ذكرها و هو في طريق الحج إذا كانت إجارته على الوجه المتقدم ذكره، و يجزيه ذلك في أداء الفرض.

المسألة 108:

إذا طلب من المكلف غير المستطيع أن يؤجر نفسه للخدمة أو للسياقة أو لأي عمل آخر، و بذل له من الأجرة ما يكون به مستطيعا للحج، لم يجب عليه قبول ذلك، و لا يكون به مستطيعا، و إذا وقعت الإجارة بينه و بين المستأجر على ذلك، و حصل الإيجاب و القبول، ملك المكلف الأجرة، و تحققت له بها الاستطاعة كما بيّناه، و إذا كان يملك سيارة أو يملك عبدا أو دابة أو غيرها، و كانت منفعة الشي ء الملوك وافية باستطاعته، وجب عليه ان يؤجره و يحج بمال إجارته.

المسألة 109:

يجوز للمكلف غير المستطيع أن يؤجر نفسه ليحج نائبا عن غيره، و لا يكفيه ذلك عن حج الإسلام لنفسه، فإذا استطاع بعد ذلك، بملك أو ببذل وجب عليه الحج، و كذلك إذا حج عن غيره تبرعا، أو حج عن نفسه و هو غير مستطيع، فلا يجزيه ذلك عن حج الإسلام.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 60

المسألة 110:

إذا آجر الإنسان نفسه ليحج نائبا عن غيره و كان مال الإجارة المدفوع اليه كافيا في استطاعة الحج لنفسه، حصلت له الاستطاعة المالية بذلك، فإن علم أو ظهر- و لو بواسطة القرائن الحافة- ان المقصود من إجارته أن يحج عن المنوب عنه في السنة الأولى وجب عليه ان يقدم حج النيابة في تلك السنة، فإن بقيت استطاعته الى العام المقبل وجب عليه الحج لنفسه، و ان ذهبت استطاعته سقط عنه وجوب الحج، و ان علم أو ظهر من القرائن ان المقصود من الإجارة ان يحج عن المنوب عنه و لو في غير السنة الأولى قدم حجه لنفسه في السنة الاولى، و إذا كان صرف المال في الحج لنفسه يوجب عجزه عن الإتيان بالحج عن المنوب عنه لم يجز له تقديم حج نفسه.

المسألة 111:

يشترط في تحقق الاستطاعة للمكلف أن يوجد لديه ما يكفيه لمئونة عياله في مدة سفره للحج حتى يعود إليهم، زائدا على نفقته في الذهاب و الإياب، و يراد بالعيال هنا من تكفّل الإنسان به و التزم بالإنفاق عليه، بحيث أصبح ممن يلزمه العسر و الحرج إذا هو لم ينفق عليه، و ان كان غير واجب النفقة عليه في الشريعة، كالأخ و الأخت الصغيرين أو الكبيرين، و القريب و اليتيم، بل و الأجنبي الذي التزم بمئونته و كان له الشأن الذي تقدم ذكره، فإذا لم يكن لدى المكلف ما يكفيه لمئونتهم لم تحصل الاستطاعة و لم يجب عليه الحج، و هذا الشرط يعتبر في وجود الاستطاعة سواء كانت بملك المال أم ببذل الباذل.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 61

المسألة 112:

قد يعتاد بعض الناس على أن يكون له أضياف قليلون أو كثيرون ينفق من ماله في ضيافتهم و تكريمهم، و يصبح ذلك له من العادات المستمرة المستقرة التي يقع في العسر و الحرج إذا تركها و لم يقم بها، و الظاهر إلحاق هؤلاء الضيوف بالعيال في الحكم المذكور، فيعتبر في استطاعة هذا المكلف أن يكون له ما يفي بنفقات ضيافتهم، إذا كان تركها يوجب له العسر و الحرج كما ذكرنا، سواء كان الضيوف ممن يفدون عليه في أثناء سفره الى الحج أم ممن يقصدون منزله في وطنه و هو غائب، إذا كان ذلك من شأنه و عادته.

و كذلك الحكم في مصانعاته و جوائزه التي اعتاد ان يجريها لبعض الناس، بحيث يلزمه العسر إذا قطعها و لم يقم بها، و لا يعتبر ذلك في من لم يستقر له مثل هذا الاعتياد من الناس و لم يحصل له الشرط المذكور.

المسألة 113:

يشترط في استطاعة المكلف للحج زائدا على جميع ما تقدم ذكره ان تكون له وسيلة مهيأة لتعيّشه و الإنفاق على نفسه و على عياله بعد رجوعه من سفر الحج بحيث لا يقع في ضيق أو حرج من أمره، سواء كانت الوسيلة التي يرجع إليها مالا، أم تجارة، أم زراعة، أم عقارا يؤجره، أم أرضا، أم بستانا يستثمره، أم صناعة و عملا يحترف به، أم أي وسيلة أخرى تناسب شأنه و تسد حاجته فلا تحصل له الاستطاعة و لا يجب عليه الحج إذا ملك نفقة الحج له و نفقة عياله أيام سفره و لم تكن له وسيلة يعتمد عليها في معيشته و النفقة على عياله بعد رجوعه من الحج.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 62

المسألة 114:

يعتبر وجود الشرط الآنف ذكره في استطاعة الإنسان للحج إذا كانت بالملك و لا يعتبر وجوده في الاستطاعة التي تحصل بالبذل، فإذا كان المكلف غير مستطيع فيما يملك، و بذل له أحد نفقته للحج في الذهاب و الإياب و نفقة عياله حتى يرجع إليهم وجب عليه الحج، و ان لم يكن له شي ء يعتمد عليه في تعيشه بعد عودته من السفر من مال أو حرفة.

و يستثنى من ذلك ما إذا كان سفره- مع عدم رجوعه إلى كفاية- يوجب له العسر و الحرج، فلا يجب عليه الحج و ان كانت استطاعته ببذل أحد من الناس.

و إذا ملك الإنسان بعض نفقة الحج و بذل له الباذل باقي النفقة، فكانت استطاعته مركبة من ملك و بذل، فالظاهر اعتبار الشرط المذكور فيها، فلا تحصل له الاستطاعة و لا يجب عليه الحج حتى يكون ممن يرجع بعد سفره الى كفاية، و قد أشرنا الى هذا في المسائل

المتقدمة.

المسألة 115:

يكفي في حصول الشرط الآنف ذكره أن تكون للمكلف وجاهة و شرف بين الناس يتمكن بواسطتهما من مزاولة الأعمال و اجراء المعاملات بمضاربة و نحوها و تحصيل الرزق بذلك، و ان لم يكن ذا مال أو حرفة يتكسب بهما بعد رجوعه، و يكفي لمن يكون من شأنه أن يتعيش من الحقوق الشرعية أو من الخيرات و المبرات أن يتهيأ له ذلك بعد رجوعه من سفر الحج، فإذا ملك الرجل مقدار نفقته للحج و نفقة عياله حتى يعود إليهم، و كان ممن يتهيأ له التعيش من تلك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 63

الأسباب و الأبواب بعد عودته فقد حصل له شرط الاستطاعة و وجب عليه الحج.

المسألة 116:

إذا كان الرجل ذا حرفة يعوّل عليها في كسب رزقه كالبنّاء و النجّار و الحلّاق و الخيّاط، و حصل له من منافع حرفته مبلغ من المال يكفيه لنفقة الحج و لنفقة عياله حتى يعود إليهم، أو حصل له ذلك من ميراث دخل عليه أو من بعض الأسباب الأخرى، كان بذلك مستطيعا و وجب عليه الحج، و كفته حرفته التي يمتهنها في حصول شرط الاستطاعة الآنف ذكره، فهو يرجع بسبب حرفته إلى كفاية، و كذلك من تكون وسيلته في المعيشة أن يؤجّر نفسه للنيابة عن الموتى في الصلاة و الصيام و الحج، فيكتسب بذلك رزقه، و من تكون له حرفة وضيعة كالخادم و الحمّال و أصحاب الحرف الدنيئة.

و إذا علم صاحب الحرفة انه بعد رجوعه من سفر الحج يكون عاجزا عن مزاولة حرفته و اكتساب الرزق بها، و لم تكن له وسيلة اخرى يعوّل عليها كان فاقدا لشرط الاستطاعة، فلا يجب عليه الحج إذا ملك النفقة.

المسألة 117:

إذا ملكت الزوجة نفقة ذهابها الى الحج و رجوعها و ما تحتاج إليه في سفرها كانت مستطيعة للحج و وجب عليها، و يكفيها في حصول شرط الاستطاعة المتقدم ذكره ان يكون زوجها باذلا لها نفقتها بعد رجوعها من سفر الحج، فهي بذلك ممن يرجع الى كفاية و ان كان الزوج فقيرا غير موسر، و كذلك الحكم في الأب الفقير إذا اتفق له نظير هذا الفرض و كان ولده باذلا له نفقته بعد الرجوع، و مثله

كلمة التقوى، ج 3، ص: 64

الولد الفقير إذا جرى له مثل ذلك و كان أبوه باذلا لنفقته.

بل و كذلك حكم غير هؤلاء من العيال المكفولين لغيرهم، إذا اتفق لهم نظير الفرض المتقدم فملك أحدهم نفقة

الحج للذهاب و الإياب و كان يطمئن بأن كافلة يقوم بالإنفاق عليه بعد الرجوع من الحج و ان كان غير واجب النفقة عليه شرعا.

المسألة 118:

إذا كان الشخص ممن لا يقدر على الكسب اللائق بحاله و بشرفه و على اتخاذ الوسيلة لتحصيل رزقه إلا إذا كان له رأس مال يتّجر به، أو يشتري به آلات و أدوات يحتاج إليها في حرفته أو صناعته أو زراعته، اشترط في استطاعته للحج ان يكون مالكا لرأس المال المذكور ليكون ممن يرجع بعد سفر حجه الى كفاية، و ممن يجد الوسيلة التي يكفل بها تحصيل رزقه.

المسألة 119:

يكفي في وجود الشرط المذكور لاستطاعة المكلف أن تكون له حرفة و وسيلة تكفيه في المعيشة يتخذها بعد عوده من سفره، و ان لم تكن مثل حرفته الأولى أو أرفع منها، بل و ان كانت أحط منها، إذا كانت مما تليق بشأنه، و لا توجب له عسرا و لا مشقة.

المسألة 120:

إذا وجد الإنسان الاستطاعة المالية للحج، و تمت له شروطها و نواحيها وجب عليه حج البيت، و لا يتعين عليه ان يكون حجه من ماله، فإذا حج بنفقة غيره، أو حج متسكعا، أو متضيفا عند الناس حتى أتم أعماله صح حجه و كفاه في أداء الفرض.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 65

المسألة 121:

إذا غصب الإنسان المستطيع في ماله مالا لغيره و حج به، فإن هو أجرى المعاملات في شراء الزاد و الراحلة أو استئجارها، و في شراء ما يحتاج اليه من النفقات و الأدوات و الآلات بأعواض في الذمة- كما هو المتعارف في المعاملات الدارجة بين الناس- ثم دفع الأعواض التي جرت عليها المعاملات من المال المغصوب، صح حجه ظاهرا، و ان كان آثما في تصرفه بمال الغير، و اشتغلت ذمته بمثل المال أو قيمته للمالك المغصوب منه.

و ان هو أوقع المعاملات في شراء أعيان النفقة و استئجارها بعين المال المغصوب كانت المعاملات باطلة و لم يصح حجه إذا هو أحرم و طاف بالثوب المشتري بالمال المغصوب، و ذبح في حجه الهدي المشتري به، و أثم و عصى في جميع أعماله و تصرفاته التي أوقعها على المال، و على الأعواض التي أخذها من أهلها بدلا عن المال، و في سفره الى البيت على الراحلة أو السيارة المشتراة أو المستأجرة بعين المال المغصوب و في جميع تنقله عليها، و في السكنى و الإقامة في البيوت و المنازل المستأجرة به، و هكذا، مع ضمانه للمال الذي أتلفه، و الأعواض التي جرت يده عليها.

المسألة 122:

يشترط في وجوب الحج على الإنسان أن يكون مستطيعا للإتيان بالحج استطاعة بدنية، فإذا كان مريضا لا يقدر لمرضه على السفر الى الحج، حتى راكبا في سيارة أو طائرة أو نحوها، لم يجب عليه الحج، و كذلك إذا كان سفره- و هو مريض- يوجب له الحرج و المشقة التي لا تتحمل عادة، فلا يجب عليه الحج، فإذا زال عنه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 66

المرض المانع في العام المقبل، و بقيت له استطاعته المالية وجب عليه

الحج، و كذلك إذا ذهبت استطاعته ثم تجدّدت.

و بحكم المرض غيره من العوارض التي تطرأ على الإنسان في بدنه كالضعف الشديد الذي لا يتمكن معه من السفر و أداء المناسك أو يكون السفر معه موجبا للعسر و الحرج، فإذا عرض له ذلك في سنة استطاعته المالية لم يجب عليه الحج، و إذا ارتفع العارض و وجدت الاستطاعة بعد ذلك وجب عليه.

المسألة 123:

إذا استقر وجوب الحج في ذمة الإنسان استقرارا تاما- على ما تقدمت الإشارة اليه و سيأتي تفصيله-، ثم عرض له بعد استقرار الوجوب عليه عارض لا يقدر معه على امتثال الواجب المستقر في ذمته، و لا يرجى زواله عنه، كمرض لازم أو كبر سن أو شلل أو زمانة أو ضعف شديد لا يرجى البرء منه، سقط عنه وجوب مباشرة الامتثال بنفسه، و وجب عليه أن يستنيب من يحج عنه، و كذلك إذا كان العارض الذي عرض له يوجب له العسر و الحرج في مباشرة أداء الحج بنفسه و لا يرجى زواله، فيسقط عنه وجوب المباشرة و تجب عليه الاستنابة، و سنتعرض- ان شاء اللّٰه تعالى- في ما يأتي لتوضيح هذا المجمل، و تبيان مسائل تتعلق به و فروض تتفرع عليه، و تراجع المسألة المائة و الثالثة و الستون في بيان المراد من وصفنا للعذر بأنه مما لا يرجى زواله.

المسألة 124:

إذا ملك المكلف نفقة الحج، و عرض له في عام استطاعته عارض لا يتمكن معه من مباشرة الحج بنفسه، و لا يرجى زوال ذلك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 67

العارض عنه- كما ذكرنا في المسألة المتقدمة- سقط عنه وجوب المباشرة، و لا يترك الاحتياط بالاستنابة، و كذلك إذا كان العارض يوجب له العسر و الحرج في المباشرة، فيلزمه الاحتياط بالاستنابة و يسقط عنه وجوب المباشرة.

المسألة 125:

إذا عرض للمكلف الذي استطاع الحج في عامه عارض في بدنه من مرض أو كبر سن أو عذر آخر، و احتاج في سفره الى الحج من أجل ذلك العارض الى الركوب في سيارة مريحة من نوع مخصوص، أو في طائرة و نحو ذلك، و هو لا يجد من المال ما يكفيه لذلك، لم يجب عليه الحج، و كذلك إذا احتاج- لمرضه- الى خادم يصحبه في سفره و هو لا يجد ما يكفيه من المال لذلك، فلا يجب عليه الحج، اما للعذر المانع في بدنه كما في المسألة السابقة، و اما لعدم استطاعته مالا.

المسألة 126:

يشترط في وجوب الحج على الإنسان ان يكون مستطيعا للإتيان بالحج من حيث الزمان و يراد من ذلك ان يكون الوقت متسعا لسفر المكلف الى الحج، و للإتيان بجميع أفعاله في مواضعها و أوقاتها المعينة لها في الشريعة، فإذا لم توجد له الاستطاعة المالية إلّا في وقت يضيق عن ذلك و لا يتسع له، لم يجب عليه الحج في ذلك العام، و كذلك إذا لم تحصل له الاستطاعة المالية إلا في وقت يكون السفر فيه للحج لتضيقه موجبا للعسر و الحرج الذي لا يتحمّل عادة، فلا يجب عليه في ذلك العام، فإن بقيت استطاعته الى العام المقبل وجب عليه الحج، و ان ذهبت الاستطاعة لم يجب.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 68

المسألة 127:

يشترط في وجوب الحج على الإنسان أن يكون مستطيعا له من حيث تخلية السرب، و عدم المانع فيه، و السرب هو الطريق الذي يسلكه المكلف في سفره الى البيت، فيعتبر أن لا يكون طريقه ممنوعا لا يمكنه السفر فيه الى الغاية المقصودة، سواء كان المنع خاصا بالمكلف أم عاما له و لغيره، و كذلك الحكم إذا كان الطريق غير مأمون فيخاف الشخص في سلوكه على نفسه أو على بدنه أو على عرضه أو على ماله أو على بعض من يتعلق به و يهمّه أمره، فإذا لم يمكنه السفر لوجود ما يمنعه من السفر في الطريق أو للخوف و عدم الأمن فيه، فهو غير مخلّى السرب و لا يجب عليه الحج.

و إذا استطاع السفر في طريق آخر لا خوف و لا منع فيه وجب عليه الحج منه، و ان كان أبعد شقة و أكثر مؤنة، إلا إذا قصرت استطاعته المالية عن ذلك، فلا يجب لعدم

الاستطاعة.

المسألة 128:

الاستطاعة من حيث تخلية السرب و الأمن فيه شرط واقعي لوجوب الحج على المكلف، كما يظهر من الأدلة المعتبرة في المسألة، و خوف المكلف من سلوك الطريق على ماله أو على عرضه إنّما هو امارة على أنه غير مأمون، و ان المكلف غير مخلّى السرب كما أشترط في الأدلة، فإذا خاف على ماله أو على عرضه من سلوك الطريق و ترك الحج في عامه من أجل ذلك كان معذورا في تركه بحسب الظاهر لوجود الأمارة الدالة و هي الخوف، و إذا تبيّن له بعد ذلك انه لا خوف عليه في السفر، و أنه مخلّى السرب في الواقع، استقر وجوب الحج في ذمته على الأقوى لتحقق شرط الوجوب في الواقع، و وجب عليه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 69

أن يحج و لو متسكعا.

و كذلك الحكم على الأحوط إذا خاف على نفسه من التلف إذا هو سلك الطريق، فإذا تبيّن له بعد ذلك أنه لا خوف عليه استقر وجوب الحج في ذمته كما تقدم، و ان كان السفر محرّما عليه في هذه الصورة، فإن الحرمة فيها ناشئة من جهل المكلف بالأمر الواقع، فلا تكون نافية للاستطاعة، إذا قلنا بأن الحرمة تنفي الاستطاعة.

المسألة 129:

إذا استطاع الشخص أن يحج البيت من طريق طويل، يدور فيه في عدة بلاد أو عدة قارّات ثم يصل منها إلى مكة و يؤدي الفريضة، و وجد الاستطاعة التامة لذلك، من حيث المال و من حيث صحة البدن و من حيث اتساع الوقت و من حيث الأمان و تخلية السرب، و مثال ذلك أن يتوقف حج المسلم التركي للبيت على أن يسافر الى عدة بلاد من الغرب و يطوف في عدة أقطار أو قارات أخرى

يتنقل ما بينها حتى يصل الى مكة و يحقق الغاية، فإذا هو استطاع ذلك من حيث المال و اجتمعت له نواحي الاستطاعة الأخرى، وجب عليه الحج و ان كان له طريق آخر أقرب منه و لكن السفر فيه ممنوع، أو غير مأمون لبعض الجهات التي توجب الخطر أو الخوف.

المسألة 130:

إنما يكون خوف الشخص على ذهاب ماله في الطريق مخلا بشرط الاستطاعة إذا كان ذهاب ذلك المال مما يضرّ بحاله، بحيث يعدّ مع خوفه و عدم أمنه على ذلك المال غير مخلّى السرب في نظر العقلاء و ان كان غير مال استطاعته، و لا يضرّ إذا كان المال الذي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 70

يخشى ذهابه قليلا لا يضرّ تلفه بحاله، و لا يصدق مع خوفه عليه انه غير مخلّى السرب.

و لا يضرّ بأمن الطريق أن يتعرض له عدوّ فيه ببعض الحركات و الأفعال التي تزعجه أو تزعج بعض متعلقيه، إذا كان آمنا من وقوع محاذير و مخاوف لا تتحمل عليه أو على من يعنيه أمره.

المسألة 131:

إذا كان الإنسان ممن يستطيع الحج، و كان سفره عن بلده الى الحج يستلزم تلف مال له في البلد غير مال استطاعته، و كان تلف ذلك المال يوجب له عسرا أو حرجا، أو يوجب له ضررا يعتد به، أو كان سفره يستلزم حدوث ضرر له في نفس أو بضع، لم يجب عليه الحج.

المسألة 132:

إذا نذر المكلف أن يزور الحسين (ع) في يوم عرفة من هذه السنة، و كان غير مستطيع للحج في حال نذره، ثم وجدت له الاستطاعة المالية للحج بعد النذر و قبل حلول أوان الحج، انعقد نذره على الأقوى و وجب عليه أن يزور الحسين (ع) في اليوم المعيّن، و لم تتحقق له استطاعة الحج بمجرد حصول نفقته، فلا يجب عليه الحج.

و كذلك الحكم إذا نذر أن يزور الحسين (ع) في يوم عرفة من كل سنة، و كان حين نذره غير مستطيع للحج، فينعقد نذره و يجب عليه الوفاء به فيزور الحسين (ع) في اليوم المعيّن من كل عام، فإذا اتفق أن وجدت له الاستطاعة المالية للحج في بعض السنين لم تتحقق

كلمة التقوى، ج 3، ص: 71

له الاستطاعة بمجرد ذلك، و لم يجب عليه الحج، لسبق النذر و اشتغال ذمته بالفعل المنذور.

و نظير ذلك في الحكم ما إذا نذر الشخص- و هو غير مستطيع للحج- إن شفى اللّٰه ولده من مرضه، أو إن قدم أخوه من سفره سالما أن يتصدق بمبلغ معين من المال شكرا للّٰه على ذلك، ثم تحقق له الأمر الذي علّق عليه نذره، فشفى اللّٰه المريض أو قدم المسافر، و ملك المبلغ المعيّن و كان المبلغ الذي حصل له يكفيه لنفقة الحج وحدها، أو للوفاء بالنذر وحده، و لا

يفي بهما معا، وجب عليه أن يفي بالنذر لسبقه كما مرّ في نظيره، و لم تتحقق له الاستطاعة للحج بملك ذلك المال، و إذا سبقت له الاستطاعة المالية للحج فملك نفقته أولا، ثم نذر بعد حصولها أن يزور الحسين (ع) في يوم عرفة لم ينعقد نذره و وجب عليه الحج، و مثله الحكم في الفرض الأخير، فلا ينعقد نذره و يجب عليه الحج إذا كانت استطاعته للحج سابقه على النذر.

المسألة 133:

إذا حصلت الاستطاعة المالية للحج عند المكلف، و اجتمعت لديه شروطها و جميع ما يعتبر فيها، و كان ذهابه الى الحج يستلزم ترك واجب فوري من الواجبات الشرعيّة، بحيث لا يتمكن المكلّف من أن يجمع بين الحج و ذلك الواجب الفوري، وقع التزاحم ما بين الواجبين، فيقدّم الأهم منهما و هو ما ثبت في الأدلة الشرعية انه أكبر منزلة عند الشارع و أشد تأكدا في مقام الامتثال، و إذا لم يتضح من الأدلّة ذلك قدّم ما هو محتمل الأهمية منهما، و إذا لم يستبن من الأدلّة الشرعيّة شي ء من ذلك كان الخيار للمكلف في تقديم أي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 72

الواجبين أراد.

و كذلك الحكم إذا كان سفر المكلف الى الحج يستلزم ارتكاب محرّم شرعي، فيقدّم من الأمرين ما ثبت من الأدلّة أن الاهتمام به أبلغ و أشد، ثم ما هو محتمل الأهمية و إذا لم يتضح من الأدلّة شي ء تخيّر المكلف في تقديم أي الأمرين شاء.

المسألة 134:

إذا وجدت الاستطاعة المالية للحج عند المكلف كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، و كان مضيّه الى الحج يستلزم ترك واجب شرعي يكون فعله أهم من الحج أو هو محتمل الأهمية منه، فأخّر الحج عن العام الأول للعذر الشرعي المذكور، لم يستقر الحج في ذمته بمضي ذلك العام، فإن بقيت استطاعته المالية إلى العام المقبل وجب عليه الحج فيه، و ان ذهبت الاستطاعة لم يجب، و كذلك إذا استلزم سفره الى الحج فعل محرّم يكون تركه أهم من الحج أو هو محتمل الأهمية، فيجري فيه القول المذكور.

المسألة 135:

إذا استقر وجوب الحج على الإنسان، و ثبت في ذمته من عام سابق، و قد أخّر الحج عنه لعذر أو لغير عذر، ثم أراد السفر في العام اللاحق لأداء الفرض، و كان مضيه الى الحج في العام اللاحق يستلزم ترك واجب فوري أو فعل محرّم، جرى فيه الحكم السابق بعينه، فيجب عليه أن يقدم من الأمرين ما هو أكثر أهمية عند الشرع، ثم ما هو محتمل الأهمية منهما، فإذا هو أخّر الحج لهذا العذر الشرعي كان معذورا في تأخيره عن هذا العام، و وجب عليه الحج في العام المقبل بعده و لو متسكعا، فإن وجوب الحج قد استقر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 73

في ذمته بحسب الفرض.

المسألة 136:

إذا وجدت الاستطاعة المالية لدى المكلف، و كان في الطريق عدو يمنع من السفر الى الحج، و توقف دفعه على بذل مبلغ من المال يوجب دفعه ضررا على المكلّف، لم يجب على المكلف دفع المال و لم يجب عليه الحج، و كذا إذا كان دفع المبلغ اليه يوجب للمكلف عسرا و حرجا، و إذا تحمل المكلّف الضرر أو الحرج فدفع المال للعدو و حج، فالظاهر صحة حجه و اجزاؤه عن فرض الإسلام إذا كانت استطاعته لا تزال باقية.

المسألة 137:

إذا توقف ارتفاع المانع عن السفر الى الحج على دفع مال في بعض الوجوه المحرمة في الإسلام كان المورد من صغريات المسألة المائة و الثالثة و الثلاثين، فإذا كان وجوب الحج أهم من حرمة دفع المال في ذلك السبيل وجب الحج على المكلف، و لزمه دفع المال لرفع المانع، و إذا كانت حرمة دفع المال في ذلك الوجه أهم من وجوب الحج حرم على المكلف دفع المال و سقط عنه وجوب الحج، و قد تقدم أن المتبع في إثبات ذلك هو الدليل الشرعي، و إذا قدّم المكلّف الحرام في هذه الصورة فدفع المال في الجهة المحرمة و سافر حتى أتم حجه، فالظاهر صحة حجه إذا أتى به على الوجه المطلوب و إجزاء ما أتى به عن حج الإسلام إذا كانت استطاعته للحج لا تزال باقية، و ان كان آثما في تقديم الحرام.

المسألة 138:

إذا آجر الإنسان نفسه لبعض الأعمال التي لا يقدر معها على

كلمة التقوى، ج 3، ص: 74

الإتيان بالحج كالسائق يؤجّر نفسه للسياقة عند أحد طوال شهر ذي الحجة، و كالرجل يؤجّر نفسه للنيابة في زيارة الحسين (ع) في يوم عرفة، و كان غير مستطيع للحج في حال اجارة نفسه، ثم حصلت له الاستطاعة المالية للحج بعد الإجارة المذكورة لم تتحقق له الاستطاعة بذلك، لسبق الإجارة و لم يجب عليه الحج.

المسألة 139:

لا فرق في وجوب حج البيت على المكلف إذا استطاع اليه سبيلا بين أن يكون سفره إليه في طريق البرّ و طريق البحر و طريق الجو، إذا وجد الاستطاعة التّامة له و توفرت لديه شروطها، فيختار الإنسان منها ما شاء إذا أمكن له السفر منها جميعا، و يتعيّن الطريق إذا انحصر إمكان السفر فيه.

المسألة 140:

إذا انحصر إمكان السفر في طريق البحر مثلا أو في طريق الجو، و شك المكلّف في حصول الضرر له إذا سافر في ذلك الطريق، كفى في إثبات وجود الضرر أن يحصل له الخوف الذي يعتد به العقلاء في مثله، فإذا حصل له الخوف الذي يعتنون به و يحذرون بسببه من سلوك ذلك الطريق، لم يجب عليه الحج، و إذا شك في وجود مانع آخر في الطريق غير الضّرر وجب عليه السفر و لم يعتن بوجود هذا الاحتمال.

المسألة 141:

لا يشترط في استطاعة المرأة للحج أن يكون معها من يصحبها في حجها من محارمها، فإذا ملكت ما تحج به من النفقة و كانت آمنة على نفسها و على مالها و جميع شؤونها وجب عليها الحج و إن كانت

كلمة التقوى، ج 3، ص: 75

منفردة ليس معها قريب، و إذا هي لم تأمن على بعض ذلك اشترط في وجوب الحج عليها أن تصحب من تأمن بصحبته، سواء كان قريبا لها أم أجنبي عنها، و لو باستئجاره للسفر معها إذا كانت قادرة على ذلك، فإذا لم تجد من تأمن به، أو لم تجد المال الذي تستأجره به لصحبتها لم تكن مستطيعة و لم يجب عليها الحج، و لا فرق في الحكم بين المرأة ذات الزوج و غيرها.

و إذا حجّت و هي غير آمنة و لم تصحب من تأمن بصحبته لم يكفها ما أتت به عن حج الإسلام، إلا إذا أمنت و زال الخوف عنها قبل الدخول في الإحرام حتى أتمت الأعمال فيكفيها ذلك.

المسألة 142:

لا يشترط في تحقق الاستطاعة للمرأة المتزوجة أن يأذن لها زوجها بالحج، فإذا هي ملكت نفقة الحج تامّة تحققت لها الاستطاعة و وجب عليها الحج مع اجتماع الشرائط، و صح لها أن تحج و ان لم يأذن لها الزوج بذلك، و لا يجوز للزوج أن يمنعها منه، بل يصح لها أن تحج و ان منعها.

و يجوز للزوج أن يمنعها من المبادرة إلى السفر إذا كان وقت الحج موسعا، فيحق له أن يمنعها من السفر مع القوافل السابقة إذا أمكن لها أن تتأخّر و تدرك الحج مع القوافل اللاحقة، و إذا لم يمكن لها أن تسافر مع القافلة اللاحقة لعدم الأمن معها أو لسبب

آخر لم يجز له أن يمنعها من السفر مع القافلة السابقة.

و يجوز له أن يمنعها من السفر مع بعض القوافل إذا كان لا يطمئن على سلامتها من السفر معه، فتلتحق بالقوافل الأخرى المأمونة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 76

المسألة 143:

لا فرق في الأحكام الآنف ذكرها بين الزوجة الدائمة و المتمتع بها، فلا يشترط في استطاعتها أن يأذن لها الزوج، و لا يحل له منعها من الحج إذا استطاعت، و لا تجوز لها اطاعته إذا منعها من تأدية الواجب إلا إذا كان وقته موسعا، و لا فرق في الزوج بين من يمكن له الاستمتاع بالزوجة و من لا يمكن له ذلك لمرض أو ضعف أو غيبة أو غيرها، و كذلك الحال في الحج الواجب بالنذر، أو بسبب آخر إذا كان وقته مضيقا، فتجري فيه الأحكام التي ذكرناها.

المسألة 144:

يعتبر في صحة الحج المندوب من المرأة المتزوجة أن يأذن لها زوجها به، فلا يصح حجها ندبا بغير اذنه، و يحرم عليها إذا منعها من الإتيان به، و لا فرق بين أن يكون حجها منافيا لحق الاستمتاع بها و عدم منافاته و لا بين الزوجة الدائمة و المتمتع بها.

المسألة 145:

المرأة المطلقة من زوجها طلاقا رجعيا بحكم الزوجة، فتجري فيها جميع الأحكام الآنف ذكرها في المسائل المتقدمة ما دامت في العدة الرجعية من زوجها، و لا تجري الأحكام في المطلقة منه طلاقا بائنا، و ان كانت حاملا من الزوج.

و لا صلة بين الرجل و المرأة و هي في عدة وطء الشبهة منه، فلا يجري فيها شي ء من الأحكام المتقدمة، و لا تمنع المرأة المعتدة لوفاة زوجها من الحج، فإذا استطاعت وجب عليها الحج و صح وقوعه منها، و كذلك إذا لزمها الحج بنذر أو عهد أو يمين أو إفساد أو بسبب آخر فلا تمنع بسبب عدة الوفاة من جميع ذلك، و يجوز لها أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 77

تخرج الى حج مندوب أو عمرة مندوبة و هي في أثناء عدتها.

المسألة 146:

إذا ملك الولد البالغ العاقل نفقة الحج و وجدت معها شروط الاستطاعة على الوجه الذي تقدم تفصيله وجب عليه حج الإسلام، و لم تتوقف استطاعته على إذن أبيه له بالحج، و لا على إذن أمه، و يصح حجه إذا أتى به على الوجه المطلوب و ان لم يأذنا له، بل و ان منعاه منه و كان نهيهما له عن شفقة، فلا تجب عليه اطاعتهما في ذلك، و كذلك الحكم في البنت البالغة العاقلة إذا كملت لها شروط الاستطاعة، و قد ذكرنا في المسألة السادسة و العشرين حكم استئذان الولد البالغ أباه في الحج المندوب، و ذكرنا عدم صحة حجه إذا نهاه أحد أبويه أو كلاهما عن الحج المندوب لسبب عقلائي يوجب النهي، أو كان سفره الى الحج يشتمل على خطر و نحوه يوجب ايذاءهما و عقوقهما أو عقوق أحدهما، فلتراجع المسألة المشار إليها و

ما بعدها.

المسألة 147:

إذا اعتقد الشخص أنه قد أدرك و بلغ الحلم، و ان شروط وجوب الحج قد توفرت له فحج بقصد الوجوب، ثم تبين له بعد أن أتم الحج انه كان في وقت حجه صغيرا لم يبلغ الحلم، لم يكفه ما أتى به عن حج الإسلام، فإذا بلغ بعد ذلك و اجتمعت له بقية الشروط وجب عليه أن يأتي بالحج.

و كذلك إذا اعتقد انه حر و ان شروط وجوب الحج قد اجتمعت له فحج بقصد الوجوب، ثم ظهر له بعد الحج انه عبد مملوك في حال حجه فلا يكفه ذلك عن حج الإسلام، فيجب عليه الحج إذا أعتقه مالكه، و وجدت بقية الشروط.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 78

المسألة 148:

إذا حج الشخص الذي وجدت له الاستطاعة و اجتمعت فيه شروطها و هو يعتقد انه لا يزال صغيرا لم يبلغ الحلم، ثم علم بعد أن أتم الحج انه كان بالغا في حال حجه، فإن كان قد نوى بحجه امتثال الأمر المتوجه اليه بالفعل، كفاه ما أتى به عن فرض الإسلام و لم تجب عليه الإعادة، و ان قصد بحجه امتثال الأمر بالحج المندوب لم يكفه عن الفريضة و وجبت عليه الإعادة، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثامنة و العشرين، و إذا نوى بحجه امتثال الأمر الوجوبي المتوجه بحج الإسلام أشكل الحكم بصحة ما أتى به، و الأحوط لزوما الإعادة.

و كذلك إذا حج و هو يعتقد انه عبد مملوك ثم علم بعد ما أتم حجه انه كان حرا في حال حجه، فتجري فيه الفروض التي ذكرناها، و يثبت لكل فرض منها حكمه الذي بيّناه له.

المسألة 149:

إذا وجدت في الشخص شروط وجوب الحج من البلوغ و العقل و الحرية، و تحققت له وجوه الاستطاعة التي ذكرناها في المسائل الماضية، و لكنه كان يعتقد انه صغير السن لم يبلغ الحلم، أو يحسب انه عبد مملوك لم يتحرر، فترك الإتيان بالحج لاعتقاده بذلك حتى مضى وقت الحج، ثم تلف المال أو زالت بعض نواحي الاستطاعة عنه، و علم بالحال بعد ذهاب الاستطاعة أو قبله، فالظاهر ان وجوب الحج قد استقر في ذمته، فيجب عليه أن يحج و لو متسكعا، و سيأتي ان شاء اللّٰه تعالى بيان الوقت الذي يستقر به الحج في ذمة المكلف إذا مضى و الشرائط لديه مجتمعة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 79

المسألة 150:

إذا ملك الشخص مقدارا من المال، و تخيّل أن المقدار الذي ملكه يكفيه لنفقة الحج و نفقة عياله في سفره الى الحج حتى يعود إليهم، فسافر و أتى بالحج بناء منه على ما يعتقد، ثم تبيّن له بعد أن أتم الحج أن المال لا يكفيه لذلك و لا يحقق له الاستطاعة، لم يجزه ما أتى به عن حج الإسلام على الأقوى، فإذا حصلت له الاستطاعة بعد ذلك وجب عليه الحج.

المسألة 151:

إذا ملك الإنسان مقدارا من المال و اعتقد أن المبلغ الذي ملكه لا يكفيه للحج و لا يحقق له الاستطاعة المالية فترك الحج و لم يأتي به، ثم استبان له بعد أن مضى وقت الحج أن ما ملكه يكفيه للحج و انه كان مستطيعا، فالظاهر أن الحج قد استقر في ذمته، فيجب عليه أن يحج و لو متسكعا.

المسألة 152:

إذا وجد المكلف الاستطاعة المالية للحج، و اعتقد أن صرف المال في الحج لا يوجب له ضررا و لا يوقعه في حرج، فسافر و أتى بالحج بانيا على صحة اعتقاده ثم ظهر له بعد أن أتم الحج خطأه في الاعتقاد، و ان صرف ما لديه من المال قد أوقعه في الضرر أو الحرج، فالظاهر صحة حجه و اجزاء ما أتى به عن حج الإسلام.

المسألة 153:

إذا ملك الإنسان ما يكفيه من المال لنفقة الحج، و لكنه اعتقد أن طريقه الى الحج غير مأمون من الخطر، أو اعتقد وجود الضرر أو الحرج عليه في مسافرته الى الحج فترك الحج لذلك، ثم ظهر له

كلمة التقوى، ج 3، ص: 80

خطأه في الاعتقاد، و ان طريق الحج كان مأمونا لا خوف فيه و لا خطر، و أنه لا ضرر عليه في السفر و لا حرج لو انه سافر في تلك الحال، فالظاهر أن وجوب الحج قد استقر في ذمته بذلك، فيجب عليه أن يحج و لو متسكعا.

المسألة 154:

إذا وجدت في الشخص شروط وجوب حج الإسلام من بلوغ و عقل و حرية، و تحققت له وجوه الاستطاعة في المال و صحة البدن و اتساع الوقت و تخلية السرب، ثم ترك الحج متعمدا استقر وجوب الحج في ذمته بلا ريب، إذا بقيت استطاعته الى الوقت الذي يستقر بمضيه وجوب الحج في الذمة و سيأتي ذكره.

المسألة 155:

إذا حصلت للغلام جميع نواحي الاستطاعة فحج قبل أن يبلغ الحلم عامدا و قصد بفعله امتثال الأمر المتعلق بحج الإسلام لم يكفه ذلك عن الفرض، و ان تحقق له بلوغ الحلم في أثناء حجه و قبل أحد الموقفين على الأقوى، فيجب عليه الحج إذا بلغ و حصلت له شروط الوجوب و الاستطاعة بعد البلوغ، و إذا اجتمعت للعبد المملوك نواحي الاستطاعة فحج و هو لا يزال مملوكا لم يجزه ذلك عن الحج الواجب، و يستثنى من ذلك ما إذا انعتق في أثناء الحج فأدرك الموقفين أو أدرك أحدهما و هو حرّ، فيجزيه ما أتى به عن الفرض و لا تجب عليه الإعادة، و قد سبق ذكر هذا في المسألة الحادية و الثلاثين.

المسألة 156:

إذا وجدت في المكلف شروط وجوب الحج من البلوغ و العقل و الحرية و كان غير مستطيع من جهة المال، و حج بقصد امتثال

كلمة التقوى، ج 3، ص: 81

فرض الإسلام، لم يكفه ذلك عن حج الفريضة، فإذا حصلت له الاستطاعة المالية بعد ذلك و وجدت له النواحي الأخرى من الاستطاعة وجب عليه أن يأتي بالفرض.

المسألة 157:

إذا كان في طريق المكلف الى الحج عدوّ لا يندفع إلا بالمال، فإن كان المال الذي يطلبه العدو مما لا يضر دفعه بحال المكلف و لا يوجب له عسرا و لا حرجا، وجب على المكلف دفع المال اليه و لم يسقط عن المكلف وجوب الحج بذلك، و ان كان دفع المال مما يضرّ بحال المكلّف أو يوجب له العسر أو الحرج لم يجب على المكلف دفع المال و سقط عنه وجوب الحج، و لكنه إذا احتمل الضرر أو الحرج على نفسه و دفع المال الى العدو و حج، أجزأه ذلك عن الفرض إذا كانت استطاعته المالية باقية.

المسألة 158:

إذا انحصر طريق الحج في ركوب البحر، و خاف المكلف على نفسه من الغرق أو من حدوث مرض شديد، و كان خوفه مما يعتني العقلاء بمثله و يحذرون عاقبته سقط عنه وجوب الحج كما ذكرناه في المسألة المائة و الأربعين، و كذلك إذا كان خوفه شديدا يوجب له الوقوع في الحرج لشدته و ان لم يكن سببه مما يعتني به العقلاء، و يشكل الحكم بسقوط وجوب الحج عنه إذا استلزم سفره في البحر الإخلال بصلاته، و خصوصا إذا استلزم سفره الإخلال بالصلاة الاختيارية و الإتيان بإبدالها الاضطرارية، كالصلاة مع الطهارة الترابية، أو الصلاة جالسا، و نحو ذلك مما هو وظيفته شرعا عند العذر، و يشكل كذلك إذا كان سفره في البحر يستلزم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 82

أكل المحرّم أو أكل النجس أو شرب النجس، إلا إذا ثبت أن حرمة هذه الأمور على المكلف أشد أهمية و تأكدا في نظر الشارع من وجوب الحج عليه، أو هي محتملة الأهمية منه، و لم يثبت ذلك من الأدلة، و قد

تعرضنا لهذا في المسألة المائة و الثالثة و الثلاثين، فلتراجع.

المسألة 159:

إذا ملك الإنسان نفقة الحج و تمت له أنحاء الاستطاعة في عامه و كان عليه حق شرعي واجب من زكاة أو خمس أو غيرهما من الحقوق الواجبة، وجب عليه إخراج الحق الشرعي الذي اشتغلت به ذمته، أو الذي تعلق بماله و لم يجز له تأخير إخراجه من غير عذر يسوّغ له ذلك، و ليس من الاعذار له في التأخير أن يكون مالكا لنفقة الحج و يقدم الحج على أداء الحق، و إذا هو سافر الى الحج و ترك أداء الحق كان عاصيا آثما في تأخير الحق، و إذا أتى بالحج و كانت نفقته في الحج و نفقة عياله مما لم يتعلق به الحق الواجب، أو كانت مما تعلق به الحق و قد أدّاه منها خاصة كان حجه صحيحا.

و لا يصح حجه إذا كانت ثياب إحرامه، أو ثياب طوافه، أو ثمن هديه من المال الذي تعلق به الحق، و كذلك الحكم إذا كان وجوب الحج قد استقر في ذمته من عام سابق، و كانت عليه الحقوق الآنف ذكرها في ذمته أو في أعيان ماله.

و لا يحل له التصرف في المال الذي تعلق به الحق، فينفق منه في سفر أو حضر أو في نفقة حج أو غيره، و ان بقي من المال مقدار ما فيه من الخمس أو الزكاة، و تراجع المسألة الثالثة و الستون و المسألة السادسة و الستون.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 83

المسألة 160:

ذكرنا في المسألة المائة و الثالثة و العشرين أن المكلف الذي استقر وجوب الحج في ذمته من عام سابق، إذا عرض له عارض في بدنه يمنعه من الإتيان بالحج بنفسه، أو يصبح الإتيان بالحج بسببه موجبا للعسر و الحرج الشديد عليه، و

لا يرجى زوال ذلك العارض عنه، كمرض شديد لازم أو شلل أو هرم أو شبه ذلك، يسقط عنه وجوب الإتيان بالحج بنحو المباشرة بسبب ذلك المعارض و يجب عليه أن يجهّز شخصا آخر يحج عنه بالنيابة، و كذلك من استطاع الحج في عامه من حيث المال و أصابه مثل ذلك العارض الذي وصفناه، فمنعه من الإتيان بالحج بنحو المباشرة، أو أصبح الإتيان بالحج بسببه موجبا للعسر و الحرج، فيسقط عنه وجوب الحج بنحو المباشرة و يجب عليه- على الأحوط لزوما- أن يجهز من ماله أحدا يحج بالنيابة عنه و ان لم يستقر الحج في ذمته.

المسألة 161:

الظاهر من الأدلة الواردة في المسألة أن الاستنابة عند طروء العارض على المكلف انما هي بدل اضطراري جعله الشارع عند تعذر الواجب الاختياري على المكلف، و هو أن يحج البيت بنفسه إذا استطاع اليه سبيلا، و لذلك فيعتبر في صحة الاستنابة و وجوبها على المكلف أن يكون عذره مستمرا، و نتيجة لذلك فإذا استمر العذر فلم يتمكن من الإتيان بالحج حتى أدركه الموت، أجزأه حج النائب الذي استنابه في حياته و لم يجب على وليه أو وارثه القضاء عنه من تركته بعد الموت، و ان كان وجوب الحج قد استقر في ذمته، و إذا اتفق ان ارتفع عنه العذر بعد ان حج النائب عنه، و أمكن له أن يحج البيت

كلمة التقوى، ج 3، ص: 84

بنفسه، وجب عليه أن يأتي بالحج بنفسه كذلك، و لم يجزه ما أتى به النائب و ان كان حجه صحيحا، و استحق به الأجرة المسماة له في عقد الإجارة بينه و بين المكلف، و لا منافاة بين الأمرين بعد ان كان هذا هو ظاهر الأدلة

و مقتضى القاعدة.

المسألة 162:

إذا زال العارض و ارتفع العذر المانع للمكلف عن الإتيان بالحج فقد تبيّن بطلان الاستنابة و عدم مشروعيتها في حقه كما أوضحناه في المسألة السابقة، و نتيجة لذلك فإذا كان المكلف قد استأجر النائب للحج عنه ثم زال العذر و أمكن له أن يحج البيت بنفسه، انفسخت إجارة الأجير لعدم قدرته على العمل المستأجر عليه، و هو النيابة عن المكلف في الحج، لأنها غير مشروعة في حقه كما قلنا، فلا يجب على النائب أن يتم العمل إذا كان قد أحرم لحج النيابة ثم زال العذر، بل يكون إحرامه باطلا، و لا يجب عليه أن يتحلل منه بعمرة مفردة، و إذا استمر في إحرامه و أتم الحج لم يصح حجه و لم يكف عن المنوب عنه، و أولى من جميع ذلك ما إذا كان زوال العذر عن المكلف قبل أن يدخل النائب في الإحرام، فتكون الاستنابة غير مشروعة، و الإجارة باطلة، و عمل النائب بموجبها غير صحيح، نعم يكون الأجير مستحقا لأجرة المثل لما أتى به من العمل قبل أن يبلغه الخبر، و يكون مستحقا لأجرة المثل على جميع عمله إذا لم يبلغه الخبر حتى أتم الحج، و يستثنى من ذلك ما إذا كانت الأجرة المسماة أقل من أجرة المثل فلا يستحق الأجير أكثر منها.

المسألة 163:

قد اتضح مما بيّناه في المسألتين السابقتين أن المدار في صحة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 85

الاستنابة و وجوبها على المكلف هو استمرار العذر و عدم زواله واقعا، و أما اليأس من ارتفاع العارض أو كون العذر مما لا يرجى زواله، فإنما هما أمارتان ظاهريتان على الاستمرار الواقعي للعذر، فإذا عرض العارض للمكلف، و يئس من ارتفاعه، أو كان مما لا

يرجى زواله، و عمل المكلف على وفق الامارة فاستناب من يحج عنه، ثم انكشف خلاف تلك الامارة فزال العارض و ارتفع العذر، لم تصح استنابته و لم يكفه عمل النائب كما ذكرنا و وجب عليه الإتيان بالحج بنفسه.

المسألة 164:

إذا تحقق العذر المسوّغ للاستنابة للمكلف وجبت عليه الاستنابة عن نفسه فورا، فلا يجوز له أن يؤخر الاستنابة إلى العام المقبل من غير عذر، كما هو الحكم في أصل وجوب الحج، و لذلك فلا يجوز للنائب بعد استئجاره أن يؤخر الحج عن عامة.

المسألة 165:

الظاهر أن الحكم بوجوب الاستنابة على المكلف المعذور يعمّ من كان عذره من غير الأعذار المذكورة، كالسجن المؤبد، و المنع الدائم من السفر من قبل الدولة و أشباه ذلك، فإذا استقر وجوب الحج في ذمة المكلف، أو حصلت له الاستطاعة للحج في عامه و طرأ له مثل تلك الأعذار المانعة له من الإتيان بالحج و كان العذر مستمرا لا يرجو ارتفاعه وجبت عليه الاستنابة، و يعم المكلف المعذور بمقتضى أصل خلقته كالشخص الذي لا يستطيع الاستمساك على الدابة و لا يمكنه السفر بوسيلة أخرى لنقصان في تكوينه أو شلل طفولة، فإذا أيسر مثل هذا و استطاع الحج في ماله، كان عليه أن يستنيب من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 86

يحج عنه.

و الظاهر أن الحكم المذكور يعم المكلف المعذور بهذه الأعذار، سواء سبقت استطاعته على وجود العذر أم سبق وجود العذر على حصول الاستطاعة.

المسألة 166:

يختص الحكم الآنف ذكره بحج الإسلام، و لا يجري في الحج الواجب بالنذر أو بالعهد أو اليمين، فإذا وجب الحج على المكلف بالنذر، و عرض له عذر من الأعذار السابق ذكرها، فمنعه عن الحج المنذور، أو كان الحج بسببه موجبا للعسر و الحرج سقط عنه وجوب الوفاء بالنذر و لم تجب عليه الاستنابة له، و كذلك الحكم في الحج الذي يجب على المكلف بالإفساد، إذا كان الحج الثاني الذي يلزمه الإتيان به في العام المقبل هو العقوبة، فإذا عرض له ما يتعذر معه الإتيان به سقط وجوبه، و لم تجب الاستنابة فيه.

المسألة 167:

إذا وجب على الإنسان المعذور بأحد الأعذار التي ذكرناها ان يستنيب في الحج، و لم يجد أحدا ينوب عنه، أو تلف المال الذي بيده فلم يتمكن من ان يستنيب حتى مات، فإن كان وجوب الحج قد استقر في ذمته قبل حصول العذر وجب على وليه أو وارثه بعد الموت أن يقضي الحج عنه من أصل تركته، و ان لم يستقر عليه وجوب الحج، كما إذا استطاع للحج في عامه، و طرأ له العذر المانع من الحج و لم يتمكن من الاستنابة حتى مات، فالظاهر عدم وجوب القضاء عنه بعد الموت.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 87

المسألة 168:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 3، ص: 87

إذا وجد المكلف المعذور الذي تجب عليه الاستنابة من ينوب عنه في الحج، و لكن النائب طلب منه أكثر من أجرة المثل و هو لا يجد الزيادة التي طلبها منه، أو كان دفع تلك الزيادة يوجب له الضرر الذي لا يتحمل أو يوقعه في العسر و الحرج لم تجب عليه الاستنابة لذلك، فإذا مات و لم يستنب للعذر المذكور وجب على وليه القضاء عنه بعد الموت إذا كان الحج قد استقر في ذمته قبل طروء العذر، و لا يترك الاحتياط بالقضاء عنه أيضا إذا طرأ له العذر في عام الاستطاعة.

المسألة 169:

إذا وجبت الاستنابة على المكلف المعذور كما تقدم في الفروض السابقة و ترك الاستنابة مع التمكن منها ثم مات وجب قضاء الحج عنه بعد موته من أصل تركته، و ان كان طروء العذر له في عام الاستطاعة، فإن الحج قد استقر في ذمته بتركه الاستنابة و هو متمكن منها.

المسألة 170:

إذا عرض العارض للإنسان المستطيع، فمنعه من الحج و كان العذر مما يرجى زواله فاستناب المكلف أحدا و حج النائب عنه، ثم حصل اليأس من زوال العذر بعد حج النائب و استمر به العذر حتى مات، كفاه حج النائب، لوجود شرط صحة الاستنابة و هو استمرار العذر في الواقع و ان لم يعلم المكلف بقاءه، لذلك فلا يجب القضاء عنه بعد الموت.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 88

المسألة 171:

إذا تحقق العذر المستمر للمكلف فمنعه عن إتيان الحج بنفسه، وجب عليه أن يستنيب أحدا ليحج عنه كما هو ظاهر الأدلة الواردة في المسألة، و لذلك فيشكل الحكم بكفاية تبرع أحد بالحج عنه، و الأحوط لزوما عدم الاكتفاء بذلك، و لا يترك الاحتياط بأن يكون النائب رجلا و صرورة إذا كان المكلف المعذور رجلا.

المسألة 172:

إذا حصل العذر المستمر للإنسان المستطيع أو الذي استقر الحج في ذمته فلم يتمكن من الحج وجب عليه أن يستنيب أحدا للحج عنه كما قلنا ذلك مرارا، سواء أوقع العقد مع النائب بنحو الإجارة أم بنحو الجعالة أم الصلح بعوض أم الهبة المشروطة، فإذا استنابه على أحد الوجوه الشرعية و أتى النائب بالحج عنه برئت ذمة المكلف و سقط عنه التكليف مع استمرار العذر.

المسألة 173:

يكفيه أن يستنيب أحدا يحج عنه من الميقات، و لا يتعيّن عليه أن تكون الاستنابة عنه من البلد الذي هو فيه أو من وطنه، كما لا يتعيّن عليه أن يستنيبه للحج عنه من ميقات بلده.

المسألة 174:

لا يصح الحج من الكافر و ان كان مكلفا بالفروع كما هو المشهور و لعله الأقوى، بل و ان اعتقد وجوب الحج و قصد التقرب في فعله، فإن الإسلام شرط في صحة كل عبادة، و إذا مات لم يقض عنه و ان كان وارثه مسلما.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 89

المسألة 175:

إذا ملك الكافر نفقة الحج و تمت له شروط الاستطاعة و هو كافر، ثم أسلم و استطاعته لا تزال باقية وجب عليه حج البيت و صح منه بعد إسلامه، و كذلك إذا زالت استطاعته و هو كافر ثم تجددت له بعد إسلامه، فيجب عليه الحج و يصح منه، و إذا استطاع و هو كافر و زالت استطاعته في حال كفره ثم أسلم و لم تتجدد له الاستطاعة بعد الإسلام، ففي سقوط وجوب الحج عنه بسبب إسلامه كما هو المشهور اشكال، و لعل قول الرسول (ص) في الحديث الشريف:

(الإسلام يجبّ ما قبله) انما يدل على أن الإسلام يمحو ما وقع من الكافر قبله من الكفر و الخطايا و الموبقات التي ارتكبها قبل إسلامه، و يرشد الى ذلك اقتران الإسلام بالتوبة و الهجرة في بعض موارد الحديث و أنها تجبّ ما قبلها، فلا يكون الحديث دالا على سقوط وجوب الحج بعد الإسلام بسبب الاستطاعة التي وجدت و زالت في حال الكفر.

المسألة 176:

لا تصح العبادة من الكافر، و قد ذكرنا هذا قبل مسألة، و نتيجة لذلك فإذا أحرم بالحج أو بالعمرة كان إحرامه باطلا، فإذا أسلم بعد إحرامه وجب عليه أن يرجع الى الميقات فيحرم منه، و لم يكفه أن يستمر في إحرامه الأول و لم يعتد بشي ء من أعماله من طواف أو سعي أو غيرهما إذا أوقعه في حال الكفر أو أوقعه في إحرامه الأول و لم يجدّده بعد الإسلام، و إذا لم يتمكن من الرجوع الى الميقات رجع الى الموضع الذي يمكن له الرجوع إليه فأحرم منه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 90

فإن لم يقدر أحرم من موضعه الذي هو فيه.

المسألة 177:

يجب الحج على المرتد عن الإسلام إذا تحققت له الاستطاعة و تمت شروطها، سواء كان ارتداده عن فطرة أم عن ملة، و سواء حصلت له الاستطاعة في حال إسلامه قبل الارتداد، أم في حال ردته بعد الإسلام، و لا يصح حجه إذا أتى به في حال ارتداده، و لا يقضى الحج عنه إذا مات قبل أن يتوب و يرجع الى الإسلام، و ان كان وجوب الحج قد استقر في ذمته.

المسألة 178:

إذا تاب المرتد و رجع الى الإسلام و كان قد استطاع للحج في حال ردته، أو في حال إسلامه السابق على الردة وجب عليه الحج، إذا كانت استطاعته لا تزال باقية، أو زالت ثم تجددت بعد التوبة، و كذلك إذا زالت استطاعته و قد تمت له شرائط استقرار الوجوب في ذمته، فيجب عليه الحج في هذه الفروض، و إذا حج بعد التوبة صح حجه سواء كان مليا أم فطريا بناء على ما هو الأقوى من قبول توبة المرتد و ان كان فطريا.

المسألة 179:

إذا أحرم المرتد في حال ردته عن الإسلام كان إحرامه باطلا، فإذا تاب بعد إحرامه وجب عليه الرجوع الى الميقات و الإحرام منه كما في نظيره الكافر الأصلي، و قد سبق بيانه و بيان بعض الأحكام المتعلقة به في المسألة المائة و السادسة و السبعين.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 91

المسألة 180:

إذا حج المكلف و هو مسلم ثم ارتد بعد الحج، و تاب بعد الارتداد لم يبطل بذلك حجه و لم تجب عليه اعادته، سواء كان ارتداده عن فطرة أم عن ملة.

المسألة 181:

إذا أحرم الإنسان بالحج أو بالعمرة و هو مسلم ثم ارتد بعد إحرامه ثم تاب بعد ردته و رجع الى الإسلام لم يبطل إحرامه الذي أوقعه بسبب الارتداد الذي حصل له في الأثناء، فيجب عليه أن يستمر في إحرامه حتى يتم عمله، نعم يجب عليه تطهير بدنه و ثياب إحرامه من النجاسة التي قد تطرأ عليه حال الارتداد من رطوباته و غيرها في الموارد التي تجب فيها الطهارة من النجاسات، و يستحب في موارد الاستحباب و سيأتي تفصيل ذلك، و لا يبطل وضوئه و لا غسله اللّذان أوقعهما في حال الإسلام بعروض الارتداد ما لم يطرأ له أحد الأحداث التي تنقض الطهارة، و لا فرق بين المرتد الملي و الفطري في ذلك.

المسألة 182:

لا يبطل وضوء المسلم و لا غسله إذا ارتد عن دينه في أثناء وضوئه أو غسله، فإذا رجع الى الإسلام و تاب من ردته و لم تفت الموالاة في الوضوء و لم يحدث طهّر أعضائه من نجاسة الكفر و أتم وضوئه أو غسله و صحت طهارته، و لا يصح ذلك في الوضوء إذا هو أتم غسلاته ثم ارتد قبل المسح، فإنه لا يمكن له المسح ببلة الوضوء، و لذلك فلا بد له في هذه الصورة من إعادة الوضوء بعد أن يطهّر الأعضاء من النجاسة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 92

المسألة 183:

إذا ارتد المسلم في أثناء صلاته ثم رجع الى الإسلام و تاب من ردته، فإن وقع منه خلل في الصلاة في أجزائها أو شرائطها كانت صلاته باطلة للخلل المذكور، و مثال ذلك أن يرتد و هو مستمر في صلاته فيأتي بالقراءة أو بالأذكار أو ببعض الأعمال من الركوع و السجود و القيام في حال ارتداده، و لا ريب في بطلان صلاته لبطلان تلك الأجزاء، أو يحصل منه سكوت طويل يمحو صورة الصلاة، فتبطل صلاته لفوات الموالاة، أو تخرج منه رطوبة في حال ردته و كفره من عرق أو بصاق أو غيرهما فيتنجس بها جسمه أو ثيابه و لا يمكن له تطهيرها بعد رجوعه إلى الإسلام، فتكون صلاته باطلة للخل الواقع فيها.

و ان لم يقع منه أي خلل في صلاته، فارتد و أمسك في حين ردته عن القراءة و الذكر و العمل ثم عاد إلى الإسلام و تاب قبل أن تفوت الموالاة و من غير أن يحدث منه أي خلل في الشرائط، فالظاهر صحة صلاته إذا أتمها على الوجه المطلوب.

المسألة 184:

الصوم هو أن يمسك المكلف عن تناول جميع المفطرات الشرعية من أول طلوع الفجر الى أن يتحقق دخول الليل، فهو عام لجميع آنات الزمان المعين و أجزائه، و نتيجة لذلك فإذا ارتد المسلم الصائم في بعض أوقات النهار ثم رجع الى الإسلام بطل الصوم في تلك الآنات و إن قلّت، و يبطل الصوم في مجموع النهار لبطلان ذلك البعض، فإن المجموع عبادة واحدة لا تتبعض، فإذا بطل بعضها بطل جميعها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 93

المسألة 185:

إذا حج المسلم من غير الشيعة على وفق ما حدّد له مذهبه من الأحكام، ثم دخل بعد الحج في مذهب الشيعة كفاه حجه و إن كان ما أتى به مخالفا لمذهبنا و لم تجب عليه الإعادة، و كفاه ما أتى به أيضا إذا كان موافقا لمذهب الشيعة و مخالفا لمذهبه، إذا كان قد أتمّه بقصد القربة فلا تجب عليه الإعادة في كلتا الصورتين، و لكن يستحب ذلك، و في شمول الحكم في هذه المسألة للغلاة إشكال.

المسألة 186:

إذا ملك المسلم غير الشيعي نفقة الحج و تمت له جهات الاستطاعة و لم يحج، ثم دخل في مذهب الشيعة، وجب عليه أن يحج سواء كانت استطاعته لا تزال باقية، أم زالت عنه بعد ان استقر وجوب الحج في ذمته، و إذا حصلت له الاستطاعة وفق مذهبه و لم تتم له جهات الاستطاعة وفق مذهب الشيعة، و لم يأتي بالحج، ثم دخل في مذهب الشيعة لم يجب عليه الحج حتى تتوفر له الاستطاعة التامة على وفق هذا المذهب.

المسألة 187:

إذا تمت في المكلف شروط وجوب الحج و كملت له شروط الاستطاعة حسب ما تقدم من التفصيل، و لم يحج حتى انقضى الوقت الآتي بيانه استقر وجوب الحج عليه، و أصبح دينا ثابتا في ذمته، فيجب عليه امتثاله بأي وجه أمكن، و إذا مات و لم يؤدّه وجب على وارثه قضاؤه من أصل تركته، و قد تكرر منا ذكر هذا مرارا في عدة مناسبات، و نحن نذكره هنا تمهيدا للمسائل الآتية.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 94

المسألة 188:

إذا استقر وجوب الحج على الإنسان، و توقف الإتيان بالفرض على أن يحج متسكعا، و كان ذلك موجبا للعسر و الحرج عليه، ففي سقوط وجوب الحج عنه بذلك إشكال، و الاحتياط لازم.

المسألة 189:

الظاهر أن الشروط التي اعتبرها الشارع في وجوب الحج على المكلف يختلف دخلها في استقرار الحج في ذمته و لزوم القضاء عليه حسب اقتضاء الأدلة الشرعية لذلك، و هي ليست على نسق واحد، فالأدلّة التي اشترطت في وجوب الحج على المكلّف أن يكون عاقلا إنما تدل على اعتبار وجود هذا الشرط فيه حتى يتم أعمال الحج لا أكثر من ذلك، فإذا وجدت جميع الشرائط في المكلّف و أهمل و لم يأتي بالحج حتى مضى الوقت الذي تتم فيه أعمال الحج و هو اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة و الشرائط فيه مجتمعة، ثم عرض له الجنون بعد ذلك استقر وجوب الحج عليه، فيجب عليه امتثال الحج إذا أفاق من جنونه في العام المقبل و إن لم تبق له بقية شروط الاستطاعة، و إذا مات و لم يحج وجب على وارثه القضاء عنه.

و كذلك الحال في اعتبار حياة المكلف في استقرار وجوب الحج عليه، فيعتبر فيه أن يكون حيا الى الوقت الذي تتم فيه أعمال الحج، فإذا وجدت الشرائط في المكلف تامة و ترك امتثال الحج الى الوقت المذكور و هو حي استقر وجوب الحج عليه، فإذا مات بعد ذلك وجب القضاء عنه من أصل تركته.

المسألة 190:

يعتبر في استقرار وجوب الحج على المكلف المستطيع أن تبقى

كلمة التقوى، ج 3، ص: 95

استطاعته المالية لذهابه الى الحج و رجوعه منه موجودة لديه حتى يعود الى وطنه بعد الحج، و إذا هو ترك الحج و لم يسافر اعتبر في استقرار الحج عليه أن تكون الاستطاعة موجودة لديه الى وقت رجوعه الى وطنه لو أنه حج و سافر، فإذا ذهبت استطاعته جميعا أو قصرت عن مقدار كفايته للذهاب

أو الإياب قبل ذلك الوقت لم يجب عليه، و إذا هو ترك الحج و لم يسافر و كانت شروط الوجوب متوفرة فيه جميعا الى أن حلّ الوقت المذكور ثم ذهبت الاستطاعة أو قصرت بعد ذلك استقر عليه وجوب الحج و لزمه أداء الحج إذا كان موجودا، و وجب على وارثه القضاء من تركته إذا مات.

و كذلك الحال في نفقة عياله مدة غيبته للحج حتى يعود إليهم، فيعتبر فيها أن تكون موجودة لديه الى الوقت الذي ذكرناه.

المسألة 191:

إذا ذهبت الاستطاعة المالية من المكلف بعد حضور أوان الحج أو تلف جميعها كذلك أو ذهب بعض استطاعته أو تلف، بحيث قصر الباقي منها عن مقدار كفايته، و كان ذهاب الذاهب من الاستطاعة و تلف التالف منها باختيار المكلف نفسه لذلك، وجب عليه الحج بأي وجه أمكن و لو متسكعا و لم يسقط الوجوب عنه، و إذا هو لم يحج في عامه استقر عليه الوجوب، و قد ذكرنا هذا في المسألة السبعين، و في المسألة الرابعة و السبعين و ما بعدها فالتراجع، و يكون هذا من الاستثناء في المسألة المائة و التسعين.

المسألة 192:

يعتبر في وجوب الحج على المكلف المستطيع في ماله أن يكون مستطيعا في بدنه، صحيحا من العوارض التي تمنعه من أداء الحج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 96

في ذهابه اليه و رجوعه منه، كما أوضحناه في المسألة المائة و الثانية و العشرين، فإذا حدث له في بدنه أحد العوارض التي تمنعه من ذلك قبل ذهابه الى الحج أو بعد ذهابه و قبل إحرامه فلم يتمكن من أداء الفرض سقط عنه وجوبه في العام الحاضر، و روعي في وجوبه في الأعوام المقبلة أن توجد له شرائط الاستطاعة فيها.

و إذا عرض له العارض بعد احرمه فلم يتمكن من إتمام مناسكه جرت عليه أحكام المحصر، و سيأتي بيانها في فصل الإحصار و الصد، و يتحلل بذلك من احرمه، و لا يجب عليه الحج في الأعوام المقبلة، إلا إذا تحققت له الاستطاعة فيها، أو كان وجوب الحج قد استقر في ذمته من قبل هذا.

و إذا عرض له العارض بعد الحج فلم يتمكن من العود الى وطنه، كشف ذلك عن عدم استطاعته للحج من أول الأمر، فلا يكون

الحج الذي أتى به مجزيا عن الفرض لأنه غير مستطيع، و لم يستقر عليه الوجوب، و نتيجة لذلك فيشترط في استقرار الحج على المكلف أن يكون مستطيعا له في بدنه حتى يعود الى وطنه، كما قلنا في الاستطاعة في المال، و يجري مثل ذلك في شرط تخلية السرب، إذا كان المانع في الطريق مما لا يمكن معه الحج في الذهاب أو الإياب أو في الأثناء، فإذا عرض المانع و إن كان في العود، و صدق معه ان المكلف غير مخلى السرب كشف ذلك عن عدم استطاعته للحج من أول الأمر و أن الحج غير واجب عليه.

و هكذا في بقية الفروض التي ذكرناها في نظيره.

المسألة 193:

إذا اجتمعت في المكلف شروط وجوب الحج كلها، و كان العذر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 97

المانع له من الحج شرعيا خالصا، و قد ذكرنا في المسائل التي سنشير إليها أن العذر الشرعي ينحصر في ما إذا استلزم الإتيان بالحج ترك واجب فوري من الواجبات، أو استلزم فعل محرم من المحرمات، و كان ذلك الواجب أو المحرم المزاحم لأداء الحج أهم من امتثال الأمر بالحج نفسه، بحسب ما دلّت عليه السنة الأدلة الشرعية، أو هو محتمل الأهمية منه، فإذا كان المزاحم للحج كذلك سقط وجوب الحج عن المكلف، لعدم تمكنه من الجمع بين المتزاحمين. و إذا هو ترك الحج لهذا العذر الشرعي لم يستقر في ذمته وجوب الحج في الأعوام المقبلة إلا إذا حصلت له الاستطاعة التامة فيها و زالت عنه الأعذار، أو كان الحج مستقرا في ذمته من قبل.

و لا فرق بين أن يكون حدوث ذلك العذر الشرعي مانعا لذهاب المكلف الى الحج أو مانعا له من الإياب أو مانعا

له من الإتيان بالأعمال، و تلاحظ المسألة المائة و الثالثة و الثلاثون و ما بعدها.

المسألة 194:

إذا استلزم إتيان المكلف بالحج ترك واجب شرعي أو فعل محرّم، و كانا أهم من امتثال الحج أو كانا محتملي الأهمية منه، فقدم الإتيان بالحج على الواجب المزاحم أو على ترك المحرم كان بذلك آثما عاصيا، و صح حجه و كان مبرئا لذمته من حج الإسلام على الأقوى.

المسألة 195:

إذا كان الشخص ممن وظيفته حج القران أو حج الإفراد و العمرة المفردة، و وجدت له شروط الاستطاعة لكل من الحج و العمرة، و أهمل و لم يأت بما هو وظيفته من الحج و العمرة في عامه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 98

استقر في ذمته وجوب كل من الحج و العمرة، و لزمه أن يأتي بهما و ان كان متسكعا، و إذا أتى بأحدهما و أهمل الآخر صح ما أتى به و استقر عليه وجوب الآخر، و كذلك إذا استطاع للحج وحده أو للعمرة وحدها، و أهمل و لم يأت بالنسك الذي استطاع له استقر عليه وجوبه خاصة، و لزمه أن يأتي به و لو متسكعا، و إذا مات و لم يأت به وجب قضاؤه عنه من أصل تركته، و كذا في الفرضين السابقين.

المسألة 196:

إذا استقر حج الإسلام في ذمة المكلف و سافر ليؤدي الفرض الذي وجب عليه و مات بعد أن أحرم بنسكه و دخل الحرم، كفاه ذلك عن فرضه و برئت ذمته من التكليف الذي استقر فيها، فلا يجب على وارثه القضاء عنه، و إذا مات قبل أن يحرم بنسكه، أو بعد الإحرام به و قبل أن يدخل في الحرم، لم يكفه ذلك، فيجب القضاء عنه إذا كان الحج قد استقر عليه كما هو المفروض.

المسألة 197:

إذا مات بعد أن أحرم بنسكه و دخل الحرم كفاه ذلك كما قلنا، سواء دخل مكة أم لم يدخلها، و سواء تلبّس بعد الإحرام بشي ء من أعمال عمرة التمتع أو الحج أم لم يتلبس، فيجزيه ما أتى به عن الواجب، و تلاحظ المسألة المائتان و الثالثة.

المسألة 198:

يعتبر في جريان الحكم الآنف ذكره أن يكون إحرامه بالنسك المفروض عليه، فإذا استقر في ذمته حج التمتع مثلا، و لما وصل الى الميقات أحرم بعمرة مفردة و دخل الحرم ليتمها و يخرج بعدها الى الميقات ليأتي بعمرة التمتع الواجبة عليه، ثم مات بعد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 99

دخول الحرم في إحرامه الأول لم يكفه ذلك عن فرضه الذي استقر في ذمته، فيجب على وارثه قضاؤه عنه.

المسألة 199:

الظاهر أن الحكم الذي ذكرناه يجري في المكلف الذي لم يستقر الحج في ذمته من عام سابق، فإذا اجتمعت في الشخص شروط الوجوب و نواحي الاستطاعة في عامه، و خرج في أوان الحج ليؤدي فريضة الإسلام، و أحرم بنسكه المفروض عليه من الميقات، و دخل الحرم ثم مات في الحرم أجزأه ذلك عن حج الإسلام، فلا يجب على وارثه القضاء عنه، و إذا مات قبل أن يحرم، أو مات بعد الإحرام و قبل أن يدخل في الحرم سقط عنه الوجوب لعدم اتساع زمانه لأداء الفرض الواجب عليه فلا يكون مستطيعا من حيث الزمان، و لا يجب القضاء عنه.

المسألة 200:

إذا أحرم المكلف بعمرة التمتع و دخل مكة و أتم عمرته، ثم مات بعد أن أحل من العمرة و قبل أن يحرم بالحج، أجزأه ذلك عن الفرض، و كذلك إذا مات بعد إحرامه للحج و قبل الموقفين، أو في موقف المشعر الحرام أو بعده فيكفيه ذلك عن الفرض الواجب عليه في جميع هذه الصور لإطلاق الأخبار، سواء كان ممن استقر الحج في ذمته، أم ممن استطاع للحج في عامه و لم يستقر عليه، و تلاحظ المسألة المائة و السابعة و التسعون الماضية و تراجع المسألة المائتان و الثالثة الآتية.

المسألة 201:

لا يختص الحكم الذي بيّناه بحج التمتع، بل يجري في حج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 100

القران و حج الإفراد لمن وظيفته ذلك، فإذا استقر وجوب الحج في ذمة المكلف من أهل مكة و توابعها، و أحرم من ميقاته بالحج الواجب عليه قرانا أو إفرادا، ثم مات بعد ما دخل الحرم، كفاه ذلك عن فرضه، و كذلك إذا استطاع للحج في عامه و بادر ليمتثله، فيجزيه إذا أحرم و دخل الحرم ثم مات فيه، سواء أتى ببعض المواقف و الأعمال أم لم يأت بشي ء منها.

المسألة 202:

حج القران أو الإفراد الواجبان على أهل مكة و توابعها مع العمرة الواجبة لهما عملان مستقلان لا صلة لأحدهما بالآخر، و ليسا كعمرة التمتع و حج التمتع عملا واحدا يرتبط بعضه ببعض، فإذا مات في عمرة التمتع بعد الإحرام لها و دخول الحرم أجزأه ذلك عن عمرة التمتع و حجه كليهما و قد سبق بيان ذلك، و نتيجة لهذا الفرق، فإذا أحرم المكلف من أهل مكة و توابعها للعمرة الواجبة لحج القران أو الإفراد و دخل الحرم ليتم عمرته ثم مات لم يجزه ذلك عن حجه، فإذا كان ممن استقر الحج عليه وجب على وارثه أن يقضي الحج عنه من أصل تركته، و إذا كان ممن لم يستقر عليه الحج سقط الفرض عنه، لعدم استطاعته بحسب الزمان كما سبق في نظيره.

و إذا أحرم المكي لحج القران أو الإفراد و دخل الحرم ليتم نسكه ثم مات أجزأه ذلك عن حجه و لم يجزه عن عمرته إذا لم يكن قد أداها من قبل، و يجب قضائها عنه إذا كانت مستقرة في ذمته.

المسألة 203:

لعل الذي يظهر من النصوص الواردة في المسألة أنه يعتبر في الحكم بالإجزاء عن المكلف أن يكون موته في الحرم بعد أن يتلبس

كلمة التقوى، ج 3، ص: 101

بالإحرام، فلا يشمل من كان موته في خارج الحرم و ان كان قد أحرم و دخل الحرم قبل موته، كما إذا خرج من الحرم بعد الدخول فيه لبعض الطواري أو الضرورات فمات في خارج الحرم، و كما إذا مات في موقف عرفات بعد أن دخل الحرم و هو محرم، و لا ريب في أن ذلك أحوط ان لم يكن هو الظاهر من النصوص كما ذكرنا، و أولى

من ذلك بعدم الإجزاء ما إذا أحرم المكلف بحج القران أو الإفراد و مضى الى عرفات ليقف بها قبل أن يدخل الحرم و مات فيها خارج الحرم.

المسألة 204:

لا يعم الحكم الذي ذكرناه العمرة المفردة، فإذا وجبت على المكلف من أهل مكة و توابعها، و أحرم من ميقاته للعمرة الواجبة عليه و مات بعد ما أحرم بها و دخل الحرم لم يكفه ذلك عن عمرته المفروضة عليه، فإذا كانت مستقرة في ذمته وجب على وارثه قضاؤها عنه.

و لا يشمل غير حج الإسلام من أنواع الحج الواجب على المكلف، فإذا وجب عليه الحج بسبب نذر أو عهد أو يمين و خرج ليؤدي ما وجب عليه و أحرم به من الميقات و دخل الحرم ثم مات لم يكفه ذلك عما وجب عليه، و وجب على الوارث قضاؤه إذا كان مما يقضى، و كذلك إذا وجب عليه الحج بسبب إفساده لحج سابق، فإذا كان الحج الثاني الذي يأتي به في السنة المقبلة هو العقوبة كما هو الأقوى لم يجر فيه الحكم، فإذا خرج ليأتي بحج العقوبة في العام المقبل و أحرم به من الميقات ثم مات بعد دخول الحرم لم يجزه ذلك عن الواجب، و إذا قلنا بأن الحج الثاني هو حج الإسلام كما يراه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 102

جماعة من الأصحاب رضي اللّٰه عنهم جرى فيه الحكم، و شمله إطلاق دليله، فإذا أحرم بالحج في السنة المقبلة و مات بعد دخول الحرم أجزأ عنه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 103

الفصل الرابع في الوصية بالحج
المسألة 205:

إذا استقر وجوب حجة الإسلام في ذمة المكلف، و مات و لم يؤدّها في حياته، وجب على وليّه قضاء الحجة عنه من أصل تركته، و المقدار المعلوم وجوبه من ذلك أن يقضى الحج عنه من الميقات لا من بلد الميت، و إذا اختلفت المواقيت في مقادير الأجرة للنيابة منها، فالواجب منها هو أقلّها مقدارا و

ان كان أبعدها مسافة عن مكة.

و إذا اتّفق ان بعض البلدان التي تقع قبل الميقات و التي يمكن للولي الاستئجار للنيابة عن الميت منها أقول و إذا كان بعض هذه البلاد أقل أجرة من الميقات، لكثرة من يمكن استنابته في ذلك البلد، و ندرته في الميقات، أو لتوفر وسائل النقل في البلد و هبوط أجرتها بسبب ذلك، فلا يبعد تعين الاستئجار من ذلك البلد و خصوصا إذا كان في الورثة صغار و قاصرون.

و هذا هو الحكم في ما إذا علم باستقرار وجوب الحج في ذمة الميت و لم يوص بالقضاء عنه بعد موته، و هو الفرض الثاني من فروض المسألة، و سيأتي بيان الحكم في ما إذا أوصى بذلك في حياته ثم مات و هو الفرض الثالث في المسألة، و قد سبق منا ذكر الحكم في المكلف المعذور إذا وجب عليه الحج و منعه مرض مستمر أو عذر آخر دائم لا يرجى زواله من ان يقوم بأداء الواجب بنفسه، فيجب عليه ان يستنيب من يحج عنه، و يكفيه ان تكون الاستنابة عنه من الميقات، و هذا هو الفرض الأول، و قد مرّ بيانه في المسألة المائة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 104

و الثالثة و السبعين.

المسألة 206:

إذا استقر وجوب حجة الإسلام في ذمة المكلف ثم مات و لم يوص بقضاء الحجة عنه، وجب على الورثة قضاؤها عنه من أصل تركته كما قلنا في المسألة المتقدمة، من غير فرق بين ان يكون الحج الواجب عليه حج تمتع أو أن يكون حج قران أو إفراد، و مثله ما إذا استقرت عليه العمرة لحج القران أو الإفراد.

و كذلك الحكم إذا أوصى بأن يقضى عنه حج الإسلام أو العمرة لحج

الإفراد أو القران و لم يعين في وصيته ان القضاء من أصل التركة أو من الثلث، فيجب على الورثة قضاء ما أوصى به من أصل التركة.

المسألة 207:

إذا استقر الحج أو العمرة في ذمة المكلف كما تقدم و أوصى بقضائه عنه من ثلث ماله وجب على الورثة إنفاذ وصيته حسب ما عيّن، فيقضى الحج أو العمرة عنه من الثلث، و إذا قصر ثلث ماله عن الوفاء بالواجب أخذ الباقي من أصل التركة، و يلاحظ ما ذكرناه في أول هذا الفصل فإن الذي يؤخذ من أصل التركة انما هو نفقة الحج من الميقات.

المسألة 208:

إذا أوصى الإنسان بأن يقضى عنه حج الإسلام من البلد الذي يستوطنه أو من البلد الذي يموت فيه، وجب على وليه بعد موته أن يعمل بموجب وصيته، فيقضي عنه الحج من البلد الذي عيّنه و يخرج نفقة ذلك من ثلث ماله، و إذا قصر الثلث عن الوفاء بالوصية أخرجت نفقة الحج من الميقات من أصل تركته و أخرج ما زاد عليها من الثلث، و كذلك إذا أوصى بأن يقضى عنه من بلد خاص غير

كلمة التقوى، ج 3، ص: 105

بلده كالنجف و كربلاء مثلا.

و كذلك الحكم إذا أوصى بأن يقضى عنه حج الإسلام و قامت قرائن عامة أو خاصة على ان المقصود له من الوصية ان يقضى الحج عنه من البلد أو من بلد معين كما إذا كان المال كثيرا و كان المتعارف المعتاد من أمثاله ان يقضى الحج عنهم من البلد أو من بلد معين، فيعمل بموجب هذا الظاهر حسب ما ذكرنا في سابقه.

المسألة 209:

إذا حدّد في وصيته مبلغا من المال و أوصى بأن يقضى عنه بذلك المبلغ حج الإسلام و لم يعين بلدا خاصا، صح أن يقضي الولي الحج عنه من أي بلد أراد إذا لم يكن دون الميقات و الأحوط استحبابا أن يقضي من بلد الميت فإن لم يسع المال فمن الأقرب إليه فالأقرب.

المسألة 210:

إذا مات المكلف و قد استقر في ذمته وجوب حجة الإسلام جاز للورثة قضاء الحج عنه من البلد و لا يتعين عليهم أن يكون القضاء من الميقات، و تخرج نفقة الحج من الميقات من أصل التركة، كما تقدم ذكره، و يحتسب الزائد على ذلك من حصص البالغين الراشدين من الوارث، و لا يحتسب من حصص غير البالغين منهم و لا من حصص غير الراشدين أو غير الراضين.

المسألة 211:

إذا تعدّد من يمكن استئجاره للحج عن الميت و اختلفوا في مقادير الأجرة تعين على الولي ان يستأجر أقلهم أجره إذا أحرزت صحة عمله و لو بأصالة الصحة، إلا إذا كان جميع الورثة بالغين كاملين و رضي الجميع باستئجار من يكون أكثر أجرة منه، أو احتسب الراشدون منهم زائد الأجرة من حصصهم.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 106

و يستثنى من ذلك ما إذا كانت استنابة ذلك الأجير توجب مهانة للميت عند الناس لضعة في منزلة النائب أو لقلة أجرته بالإضافة إلى المقدرة المالية لذلك الميت، فيتعين استئجار غيره ممن لا مهانة فيه و تخرج أجرته من أصل التركة و ان كانت أجرته أكثر من الأول، بل لا يبعد انصراف الأدلة إلى لزوم استئجار من يناسب الميت في شرفه و منزلته ممن يمكن استئجارهم لقضاء الحج عنه و ان كان أكثر أجرة من غيره و لم تكن في استنابة غيره مذلة و لا نقيصة على الميت و قد سبق نظير هذا في كفن الميت و واجبات تجهيزه بعد موته.

المسألة 212:

إذا تعذر الاستئجار للحج عن الميت إلا من البلد لعدم وجود من يصلح للنيابة في الميقات و البلدان التي يكون الاستئجار منها أقل من البلد أو لسبب آخر، وجب الاستئجار من البلد و ان كانت الأجرة منه أكثر و أخرجت من أصل التركة، و ان كان في الورثة أطفال و قاصرون، و كذلك إذا لم يمكن الاستئجار إلا من بلد آخر هو أكثر أجرة من الميقات، بل و ان كان أكثر أجرة من بلد الميت.

المسألة 213:

إذا مات الميت بعد أن ثبت وجوب حج الإسلام أو عمرة الإسلام في ذمته وجبت المبادرة إلى الاستئجار عنه في سنة موته، و لا يجوز التأخير عنها من غير عذر، و نتيجة لذلك فإذا لم يمكن الاستئجار عنه من الميقات وجبت الاستنابة عنه من البلد و أخرجت الأجرة من أصل التركة كما قلنا في المسألة السابقة، و لا يجوز التأخير إلى عام مقبل و ان علم بإمكان الحج عنه من الميقات و كان في الورثة صغار و قاصرون.

و كذلك إذا وجد من يمكن استئجاره للحج عنه من الميقات و طلب أكثر من أجرة المثل و تعذر وجود غيره فيجب استئجاره،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 107

و تخرج الأجرة من أصل المال و لا يجوز التأخير إلى العام المقبل، و لا تجب المبالغة في الفحص في الفروض المذكورة، فيكفي الفحص المتعارف فإذا لم يجد رتّب الآثار التي تقدم ذكرها.

المسألة 214:

إذا مات الشخص و قد استقر في ذمته وجوب الحج أو العمرة، و وجب عليه خمس أو زكاة، فإن كان الخمس و الزكاة الواجبان عليه متعلّقين بأعيان التركة الموجودة بعده وجب تقديمهما على الحج، فإذا أخرجا من العين الموجودة، و بقي من التركة ما يفي بنفقة الحج من الميقات وجب قضاؤه عنه و ان استوعبت نفقته بقية التركة، و إذا قصر الباقي بعد إخراج الخمس و الزكاة عن الوفاء بالحج جرى فيه الحكم الآتي عند ما تضيق التركة عن الوفاء بالواجبات و الدّيون.

المسألة 215:

إذا مات المكلف و عليه حج الإسلام أو عمرة الإسلام و كان عليه خمس أو زكاة قد اشتغلت بهما ذمته و أصبحا دينا عليه، و ليسا متعلقين بأعيان التركة كما في الفرض المتقدم، أو كانت عليه ديون للناس قد اشتغلت بها ذمته كذلك، فإن وفت التركة بأداء الجميع وجب على الورثة وفاؤها، و ان استوعبت جميع التركة و لم يبق للوارث منها شي ء.

و إذا ضاقت التركة عن الوفاء بما عليه من واجبات و ديون، وجب توزيع المال الموجود عليها بالحصص كما توزع أموال المدين المفلس على غرمائه بنسبة ديونهم عند ما تضيق أمواله عن الوفاء بالديون، و قد فصّلنا هذا في كتاب الحجر.

فإذا وفت حصة الحج من التركة بأداء الواجب منه، وجب صرفها فيه، كما إذا وفت الحصة بالعمرة و الحج معا في حج التمتع أو

كلمة التقوى، ج 3، ص: 108

وفت بحج القران، أو حج الإفراد وحده، أو بالعمرة وحدها في من تكون وظيفته ذلك، فيجب صرف الحصة في قضائه كما ذكرنا، و إذا قصرت حصة الحج أو العمرة عن الوفاء بجميع النسك سقط وجوب قضاء ذلك النسك و صرفت حصته

في أداء الخمس أو الزكاة أو الديون الأخرى، و ان كانت الحصة وافية ببعض أفعال ذلك النسك كالطواف و السعي و نحوهما.

المسألة 216:

قد ذكرنا فيما سبق ان العمرة مع الحج في حج التمتع عمل واحد في حكم الشريعة يرتبط بعضه ببعض، فلا يمكن التفكيك بين العمرة و الحج فيه، و نتيجة لذلك فإذا وزعت التركة في المسألة المتقدمة و كانت حصة الحج تكفي لعمرة التمتع وحدها دون الحج، أو لحج التمتع وحده دون عمرته، لم يكف ذلك، فيسقط وجوب قضاء حج التمتع كله و تصرف حصته من التركة في وفاء الخمس و الزكاة و الديون.

و ذكرنا ان حج القران أو الإفراد مع العمرة لأحدهما عملان يستقل أحدهما عن الآخر في الحكم و الآثار، و نتيجة لذلك فإذا وزعت التركة و كانت حصة الحج تكفي للحج خاصة أو للعمرة خاصة صح ذلك، و وجب على الولي قضاء النسك الذي تكفي الحصة لقضائه و سقط الآخر، و إذا كانت الحصة تكفي لواحد من الحج و العمرة، فلا يترك الاحتياط بتقديم الحج.

المسألة 217:

إذا مات الشخص و عليه حجة الإسلام فالظاهر انه لا يجوز للورثة ان يتصرفوا في التركة قبل الاستئجار للحج عنه، أو تأدية مقدار الأجرة لولي الميت، و هذا إذا كان مصرف الحج يستغرق جميع التركة الموجودة، فإذا كانت نفقة الحج لا تستوعب جميع

كلمة التقوى، ج 3، ص: 109

التركة جاز لهم التصرف في ما زاد على مقدار الأجرة منها مع عزمهم على إخراجها سواء كان التركة واسعة أم لا.

المسألة 218:

إذا مات الشخص و هو مدين للناس فإن كان الدين الذي اشتغلت به ذمته لا يستوعب جميع التركة جاز للورثة التصرف فيما زاد على مقدار الدين من التركة، و لا يجوز لهم التصرف فيما يساوي الدين منها، الا إذا ضمنوا الدين للغرماء و رضي الغرماء بضمانهم، و كذلك الحكم إذا كان الدين مستغرقا للتركة، فإذا ضمنوا الدين للغرماء و رضي هؤلاء بالضمان جاز لهم التصرف في التركة، و إذا لم يضمنوا الدين أو لم يرض الغرماء بضمانهم لم يجز لهم التصرف فيها.

المسألة 219:

إذا مات المكلف و قد استقر في ذمته حج الإسلام، و كانت تركته التي خلفها من بعده لا تفي بقضاء الحج عنه رجعت التركة ميراثا لورثته، و لا يجب عليهم ان يتموها من أموالهم و يستأجروا بها أحدا للحج عن مورثهم، و قد تقدم بيان الحكم في ما إذا كان مدينا للناس أو للخمس و الزكاة مع وجوب الحج عليه، و ضاقت التركة عن الوفاء.

و انما تعود التركة ميراثا لورثته في الفرض الذي ذكرناه، إذا كانت التركة لا تكفي للحج عنه حتى في المستقبل، فإذا احتمل عند العقلاء أنها تكفي لقضاء الحج عنه في المستقبل وجب حفظها حتى تتبين الحال، و كذلك إذا وجد من يتبرع ببقية النفقة للقضاء عن الميت، فيجب صرفها في ذلك.

المسألة 220:

يصح التبرع بقضاء الحج عن الميت، سواء كان المتبرع قريبا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 110

للميت أم أجنبيا عنه، و سواء وجدت للميت تركة تفي بقضاء الحج عنه أم لا، و سواء أوصى الميت بالقضاء عنه من بعده أم لم يوص.

فإذا تبرع أحد عن الميت فقضى الحج عنه برئت ذمة الميت من التكليف بالحج و سقط وجوب القضاء عنه من تركته، و عادت تركته ميراثا للورثة من بعده، و إذا استأجر الولي أو الورثة أحدا لقضاء الحج عن الميت، ثم تبرع أحد فحج عنه برئت ذمته كما ذكرناه و انفسخت الإجارة، و رجعت الأجرة ملكا للورثة، و إذا كان الميت قد أوصى قبل موته بقضاء حجة الإسلام عنه من ثلثه، ثم تبرع أحد فحج عنه حجة الإسلام بعد موته، وجب صرف مقدار الحج عنه من الثلث في وجوه البر و الخير عنه.

المسألة 221:

إذا كان الميت قد أوصى الى شخص أن يحج عنه بتركته كلها و لم يكن له وارث، وجب على الوصي أن ينفذ وصيته فيحج عنه بالتركة بالغة ما بلغت، فإذا قصرت التركة و لم تكف للحج حتى من مكة نفسها، تصدق بها عنه، و إذا وفت بالحج من مكة، فالأحوط أن يستنيب له أحدا من أهل مكة.

المسألة 222:

إذا وجب قضاء الحج عن الميت من تركته فأهمل ولي الميت أو وارثه، فلم يستأجر أحدا لذلك حتى تلفت التركة، أو قلّت قيمتها السوقية حتى أصبحت لا تفي بأداء الواجب عنه كان ضامنا، فعليه قضاء الحج من ماله، و كذلك إذا كان الميت قد أوصى بالحج عنه من ثلثه فأهمل الوصي إنجاز الوصية بالحج حتى تلف الثلث أو نقصت قيمته عن الوفاء بها، فيكون ضامنا كما ذكرنا في نظيره فيجب عليه القضاء من ماله.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 111

المسألة 223:

إذا أوصى المكلف بقضاء الحج عنه من البلد أو دلّت القرائن على أن ذلك هو المقصود من الوصية بالحج عنه تعيّن ذلك على الوصي كما ذكرناه في المسألة المائتين و الثامنة فإذا تبرع أحد فحج عن الميت من الميقات برئت ذمة الميت من التكليف بالحج، و سقط وجوب القضاء عنه من البلد، و كذلك إذا خولفت الوصية فاستؤجر أحد للحج عنه من الميقات، و أتى النائب بالحج عنه كذلك و هو يجهل الحال فتبرأ ذمة الميت و يسقط وجوب القضاء عنه من البلد.

و الظاهر أن الولي يكون آثما بمخالفته للوصية إذا كان عالما مختارا فيها، و ان عقد الإجارة بينه و بين الأجير يقع باطلا، فإذا حج الأجير من الميقات لم يستحق الأجرة المسماة في العقد، و إذا حج كذلك و هو يجهل الحال صح حجه، و برئت ذمة الميت المنوب عنه كما ذكرنا، و استحق على الولي أجرة المثل لعمله، و قد يشكل الحكم بصحة حج النائب إذا كان عالما بوجوب الاستنابة من البلد، و ان حجه من الميقات يكون سببا لتفويت الواجب.

المسألة 224:

ذكرنا في أول هذا الفصل أن قضاء حج الإسلام عن الميت دين من ديونه التي تشتغل بها ذمته اشتغالا وضعيا، و يخرج من أصل تركته كما تخرج سائر الديون التي تستقر في ذمته، و ان المقدار المعلوم وجوبه من ذلك هو القضاء من الميقات، و إذا اختلفت المواقيت في مقادير الأجرة للاستنابة منها، فالواجب أقلها أجرة، و ذكرنا في المسألة المائتين و الثالثة عشرة: ان الاستئجار لقضاء الحج من الميقات إذا لم يمكن إلا بأكثر من أجرة المثل وجب ذلك و أخرج من الأصل، و إذا تعذر الاستئجار من الميقات مطلقا،

فلم يمكن الحج عن الميت إلا من بلده أو من بلد آخر وجب ذلك، و أخرجت الأجرة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 112

من الأصل، و نتيجة لذلك، فالأجرة لقضاء الحج عن الميت في جميع هذه الفروض المختلفة في المقادير تكون دينا على الميت تخرج من أصل تركته، و تزاحم سائر الديون التي تشتغل بها ذمته، فإذا تحقق بعض هذه الفروض، و كان الميت مدينا أيضا بخمس أو زكاة أو دين لبعض الناس و ضاقت تركته عن الوفاء بالواجبات و الديون التي عليه وزعت التركة عليها بالحصص، كما فصّلناه في المسألة المائتين و الخامسة عشرة و لحقتها أحكامها.

المسألة 225:

إذا أوصى المكلف أن يقضي الوصي حجة الإسلام عنه من بلده أو دلت القرائن العامة أو الخاصة على أن ذلك هو المقصود من وصيته، وجب العمل بذلك، و المنساق من النصوص و المتعارف بين الناس في أمثال ذلك ان المراد الحج عنه من البلد الذي يستوطنه، الا أن تدل القرائن على انه يريد بلدا آخر، أو أنه يريد الحج عنه من أي بلد يكون قبل الميقات، و قد سبقت أمثلة من ذلك.

و إذا كان له بلدان يستوطنهما، فالمتبع ظهور الوصية في تعيين أي البلدين يريد الحج منه، فإذا لم يعين بلدا خاصا منهما و لم تدل القرائن على شي ء فالظاهر تخيير الوصي في الحج من أيهما شاء.

المسألة 226:

إذا أوصى الشخص بأن يحج عنه حج مندوب اخرج الوصي ذلك من ثلثه، و أتبع ظهور وصيته في تعيين ان الحج من البلد أو من الميقات على الوجه الذي تقدم في المسألة المائتين و الثامنة، و إذا عيّن مقدارا من ثلثه يحج به عنه ندبا وجب أن يحج عنه من حيث يسع ذلك المال، و إذا لم يكف للحج عنه حتى من مكة صرف المال في وجوه البر و لم يعد ميراثا على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 113

المسألة 227:

إذا اختلف المكلف الميت مع وارثه أو وليه في الحكم، فكان الميت يرى بحسب اجتهاده أو تقليده وجوب القضاء عنه من البلد مثلا، و كان الولي يرى كفاية القضاء من الميقات أو بالعكس فالمدار على اعتقاد الوارث أو الولي الذي يباشر الحج عن الميت أو الاستئجار له، فإذا كان يرى كفاية القضاء من الميقات جاز له ذلك و ان كان الميت ممن يرى وجوب البلدية.

المسألة 228:

إذا تبرع أحد بقضاء الحج عن الميت من الميقات و كان المتبرع ممن يرى كفاية ذلك في القضاء عن الميت بحسب اجتهاده أو تقليده برئت ذمة الميت من الفرض الواجب عليه و سقط وجوب القضاء عنه، و ان كان الميت نفسه و الوارث من بعده يعتقدان- بحسب اجتهادهما أو تقليدهما- بوجوب الحج من البلد.

المسألة 229:

إذا أوصى مكلف قد استقرت في ذمته حجة الإسلام بأن تقضى الحجة عنه من ثلثه بعد موته ثم تبرع عنه أحد بعد الموت فحج عنه من البلد أو من الميقات، برئت ذمة الميت من الحج الواجب عليه و سقط وجوب العمل بالوصية به، و وجب صرف مقدار اجرة الحج من ثلثه في وجوه البر على الأحوط، و لم يرجع الى الورثة.

المسألة 230:

إذا اختلف الورثة في ما بينهم في الحكم، فكان بعضهم يرى وجوب القضاء عن الميت من الميقات بحسب تقليده و بعضهم يذهب الى وجوب الحج عنه من البلد، عمل كل واحد منهم وفق تقليده فيؤخذ من حصته بمقدار ما يصيبها من الأجرة بمقتضى رأي الفقيه الذي يرجع اليه، فإذا لم يف مجموع ذلك بقضاء الحج من البلد،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 114

حج به من الأقرب الى البلد.

و إذا أدى ذلك الى التنازع و الخصام في ما بينهم، أو إلى التنازع و الخصام بينهم و بين الوصي الذي اعتمد عليه مورثهم، تعيّن الرجوع الى الحاكم الشرعي فيفصل الخصومة ما بينهم بمقتضى ما يذهب إليه في المسألة.

المسألة 231:

قد ذكرنا مرارا أن حجة الإسلام متى استقرت في ذمة المكلف أصبحت عليه دينا من الديون يقضى من أصل تركته إذا مات، و لا فرق في ذلك بين أن يوصي بقضائها من بعده أو لا يوصي، نعم يجوز له أن يوصي بإخراجها من ثلث تركته بعد موته فيصرح بذلك في وصيته أو يدل عليه بقرينة مفهمة، فإذا أوصى بها كذلك و وفى الثلث بها نفذت الوصية و لزم العمل بها، و إذا قصر الثلث عن الوفاء بها أخرج ما زاد عن الثلث من أصل التركة.

و إذا أوصى بأن يستأجر له أحد ليقضي عنه حجة الإسلام بعد موته، و عيّن لذلك مبلغا محدودا، وجب على الوصي أن يعمل بوصيته كذلك، فإذا كانت الأجرة التي عيّنها بمقدار أجرة المثل للحج من الميقات أو أقل منها أخرجت من أصل التركة، و إذا زادت على ذلك أخرج الزائد من الثلث.

المسألة 232:

إذا أوصى المكلف بأن يحج عنه بعد الموت، و عيّن لذلك مالا مخصوصا من التركة، و علم الوصي أن المال الذي عيّنه الموصى للحج قد تعلق به الخمس أو تعلّقت به الزكاة و لم يؤدهما المالك في حياته، وجب على الوصي إخراج الحق الواجب من المال أولا، ثم صرف الباقي منه في إنجاز الوصية بالحج، و إذا قصر الباقي عن نفقة الحج و كان الحج الذي أوصى به هو حج الإسلام أو حج واجب

كلمة التقوى، ج 3، ص: 115

بالنذر، وجب إتمام الناقص من أصل التركة، و إذا كان الحج الذي أوصى به غيرهما صرف الباقي من المال بعد إخراج الحق منه في وجوه البرّ على الأحوط بل الأقوى.

المسألة 233:

الحج الذي يجب على الإنسان بالنذر، إذا تمت شروط انعقاد النذر و وجب عليه الوفاء به يكون من الديون التي تشتغل بها ذمة الناذر اشتغالا وضعيا، فإذا مات الناذر بعد أن استقر عليه الوجوب، وجب قضاؤه من أصل تركته على الأقوى، فهو في ذلك نظير حج الإسلام و قد أشرنا الى هذا في المسألة المتقدمة.

و إذا أوصى بقضاء حج النذر عنه و صرح في وصيته بإخراج أجرته من الثلث أو دلت القرائن على ذلك وجب العمل بموجب وصيته، و جرت فيه الفروض التي سبق ذكرها في الوصية بحج الإسلام و طبقت عليها أحكامها المتقدمة. و يشكل جريان الحكم في الحج الذي يجب على المكلف بسبب إفساده لحج سابق و في الحج الذي يجب عليه بالعهد أو اليمين.

المسألة 234:

إذا أوصى المكلف بالحج عنه بعد موته و لم يعيّن مقدارا مخصوصا للأجرة التي تصرف في الحج عنه، وجب أن يقتصر على أجرة المثل لذلك و لا يزاد عليها، و إذا وجد في الأشخاص الذين يمكن استئجارهم للحج من يرضى بأقل من أجرة المثل وجب استئجاره.

و إذا أوصى بالحج عنه و لم يعيّن مقدارا للأجرة كما ذكرناه، و احتمل في الأشخاص الذين وصفناهم من يرضى بأقل من أجرة المثل وجب الفحص عنه على الأقوى، إلا إذا رضي الورثة كلهم باستئجار غيره، و كانوا جميعا بالغين غير قاصرين.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 116

المسألة 235:

إذا مات المكلف و قد استقر في ذمته وجوب حج الإسلام، و وجد من يريد التبرع بالحج عنه لم تجب المبادرة على الولي أو الورثة إلى الاستئجار عن الميت، فإذا حج المتبرع عنه و كان عمله صحيحا، و لو بأصالة الصحة أجزأ ذلك عن الميت كما بيّناه في المسألة المائتين و العشرين، و إذا لم يتبرع أو لم يكن حجه صحيحا وجب الاستئجار عن الميت.

المسألة 236:

إذا أوصى الإنسان بأن يحج عنه بعد الموت، و عيّن في وصيته أجيرا خاصا يستأجره الوصي للحج عنه، وجب على الوصي أن يعمل بوصيته، فيستأجر ذلك الأجير بذاته بأجرة المثل و يخرجها من أصل تركة الميت إذا كان الحج الذي أوصى به حج الإسلام أو كان حجا واجبا عليه بالنذر كما ذكرنا في ما سبق، و إذا لم يقبل الأجير بأجرة المثل و طلب أكثر منها و كانت الزيادة التي يطلبها مما يفي بها ثلث الميت تعين استئجاره أيضا عملا بالوصية، و أخرج الزائد عن أجرة المثل من الثلث، و إذا كان الزائد الذي يطلبه الأجير لا يفي به الثلث و لم يجزه الورثة سقط وجوب العمل بالوصية و استأجر الورثة للحج عن الميت شخصا آخر بأجرة المثل، و هذا إذا كان الحج الموصى به حج الإسلام أو حج النذر.

المسألة 237:

إذا أوصى بأن يحج عنه بعد موته حج مندوب، و عيّن أجيرا مخصوصا لذلك كما قلنا في المسألة السابقة، و لم يقبل الأجير المعيّن بأصل الإجارة أو لم يقبل إلا بأكثر من الثلث و لم يجز الورثة ذلك استأجر الوصي شخصا آخر و اخرج بدل إجارته من الثلث، و إذا كان الموصى قد عيّن ذلك الأجير على وجه التقييد به دون غيره،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 117

و لم يقبل بالإجارة أو لم يقبل بمقدار الثلث سقطت الوصية و رجع المال إلى الورثة.

المسألة 238:

إذا أوصى الإنسان بعد موته بحج مندوب و عيّن لذلك اجرة لا يرغب فيها أجير حتى من الميقات، و لا يرجى وجود راغب بها في المستقبل سقط وجوب الحج، و صرف المال الذي عيّنه في الوصية: في وجوه البرّ، و إذا علم من القرائن أن الموصى قد أراد الحج بالمال على وجه التقييد بالحج دون غيره من وجوه البرّ بطلت الوصية من أصلها و رجع المال إلى الورثة.

المسألة 239:

إذا علم الولي أن وجوب الحج قد استقر في ذمة مورثه في حال حياته، و شك في انه أدّى ما وجب عليه قبل موته أم لم يؤده، وجب على الولي قضاء الحج عنه و أخرجه من أصل تركته.

المسألة 240:

إذا علم الولي بأن ميّتة قد وجب عليه الخمس أو الزكاة في حال حياته و لم يعلم بأنه قد أدى الحق الواجب عليه أم لم يؤده، فإن كانت عين المال التي تعلق بها الخمس أو تعلّقت بها الزكاة لا تزال موجودة، وجب على الولي قضاء الحق عنه، و احتسبه من أصل تركته.

و إذا علم الولي بأن جميع المال الذي تعلق به الحق قد تلف في حياة المورث، و شك في أن ذمة الميت قد اشتغلت ببدل الحق، فلعل تلف المال كان بغير تعدّ، و لا تفريط منه فلا يكون ضامنا، و الظاهر عدم وجوب القضاء على الولي في هذه الصورة.

و إذا علم الولي بأن المال قد تلف في حياة المورث و ان ذمة المورث قد اشتغلت بالخمس أو الزكاة، لأن تلف المال كان بتعدّ منه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 118

أو تفريط، ثم شك في أن المورث الضامن قد ادّى ما اشتغلت به ذمته من الحق بعد تلف المال وجب عليه القضاء.

المسألة 241:

إذا علم ولي الميت بأن مورثه قد استطاع الحج في حياته استطاعة مالية و لم يعلم بأن بقية شرائط الاستطاعة و الوجوب قد تحققت له، فيجب القضاء عنه، أو لم تتحقق، فلا يجب، فالظاهر عدم وجوب القضاء عنه، الا إذا دلت على حصول الشرط المشكوك أمارة شرعية من بيّنة و نحوها، أو كان ذلك مقتضى أصل شرعي، كما إذا كان صحيح البدن مخلى السرب ثم شك الولي هل عرض له بعد ذلك مرض أو مانع فمنعه عن أداء الحج.

المسألة 242:

لا يكفي في الحكم ببراءة ذمة الميت و سقوط وجوب القضاء عنه أن يستأجر الوارث أحدا للنيابة في الحج عنه حتى يؤدي الأجير الحج الذي استؤجر له، فإذا علم ان الأجير لم يؤد ما استؤجر له وجب على الوارث أن يستأجر من يؤدي عنه، و كذلك إذا شك في أنه أدى أو لم يؤد فيجب على الوارث الاستئجار.

و يكفي العلم العادي بأنه قد أدى ما استؤجر له، و العلم العادي هو المتعارف الذي يكتفي به الناس في معاملاتهم، و يرتبون الآثار عليه في أعمالهم و شؤونهم.

المسألة 243:

إذا أوصى الرجل قبل موته بأن يحج عنه حجة الإسلام من بلده أو من بلد معين آخر، و خالف الوارث أو الوصي تلك الوصية فاستأجر أحدا للحج عنه من الميقات و كانت إجارته من مال الميت فالظاهر بطلان الإجارة، و إذا حج الأجير من الميقات برئت ذمة الميت الموصى من الواجب و سقط وجوب العمل بالوصية لارتفاع

كلمة التقوى، ج 3، ص: 119

موضوعها، و لم يستحق الأجير الأجرة المسماة لبطلان الإجارة- كما قلنا- و لكنه يستحق أجرة المثل لعمله إلا إذا كانت الأجرة المسماة أقل منها.

المسألة 244:

الوصي أمين شرعي فإذا تلف بيده مال الإجارة قبل الاستئجار و لم يكن متعديا و لا مفرطا فلا ضمان عليه، فإذا كان الحج الموصى به هو حج الإسلام أو حج النذر وجب الاستئجار له من بقية التركة، و إذا كان حجا مندوبا وجب الاستئجار له من بقية ثلث الميت، و إذا اقتسم الورثة بقية المال استرد منهم المقدار المذكور من التركة بنسبة حصصهم منها، و كذلك إذا شك في كونه مقصرا أو لا، و قد تقدم الإشكال في الحج الواجب بسبب إفساد الحج أو بالعهد أو اليمين هل يخرج من ثلث التركة كالحج المندوب كما هو غير بعيد أو من أصل التركة و لا يترك الاحتياط في ذلك.

المسألة 245:

إذا استأجر الوصي أجيرا ليحج عن الميت الموصى و دفع اليه مال الإجارة ثم مات الأجير قبل ان يحج، و لم تكن له تركة فيسترد الوصي أو غيره منها المال، أو لم يمكن له أخذ المال من ورثة الأجير بعد موته، فلا ضمان على الوصي بذلك إذا لم يقع منه تقصير، بل عليه ان يستأجر شخصا آخر للحج عن الميت من بقية التركة أو من بقية الثلث على النهج الذي أوضحناه في المسألة السابقة.

المسألة 246:

إذا مات الوصي و شك ورثة الموصى في ان الوصي هل نفّذ الوصية لمّا كان حيا فاستأجر أحدا للحج عن مورثهم أو لم يستأجر له حتى مات، وجب عليهم أن يستأجروا أحدا من بقية تركة مورثهم إذا كان الحج الموصى به حج الإسلام أو حجا منذورا، و من بقية

كلمة التقوى، ج 3، ص: 120

الثلث إذا كان حجا مندوبا، و ليس لهم ان يكتفوا بحمل أمر الوصي على الصحة فيتركوا العمل بالوصية اعتمادا على ذلك سواء مضت على الوصية مدة يمكن فيها الاستئجار أم لا.

و إذا وجد هؤلاء الورثة في تركة الوصي عين المال الذي قبضه منهم أو من مورثهم للاستئجار عنه جاز لهم أخذه، و إذا لم يجدوا المال فلا ضمان على الوصي لاحتمال ان يكون المال المدفوع اليه قد تلف في يده من غير تقصير.

المسألة 247:

لا تنفذ الوصية بالحج المندوب إذا كان المال الذي عيّنه الموصى لها يزيد على ثلث تركته أو كان مما تحتمل زيادته على الثلث، فإذا أوصى بذلك لم يجز صرف ما زاد أو ما تحتمل زيادته في الوصية إلا إذا أجاز الورثة ذلك، و كانوا بالغين رشيدين، و إذا اختلفوا في البلوغ أو الرشد صح في البالغ الرشيد بمقدار ما ينوب حصته، و إذا اختلفوا في الإجازة و عدمها صح في حصة من أجاز منهم و بطل في حصة من لم يجز.

المسألة 248:

إذا مات الشخص و قد اشتغلت ذمته بوجوب حجة الإسلام عليه، و كانت له وديعة عند بعض الثقات تكفيه لنفقة الحج عنه أو تزيد عليها، فإن علم من بيده الوديعة أو اطمأن بأن ورثة الميت صاحب الوديعة لا يؤدون الحج عن مورثهم إذا هو ردّ المال إليهم أو ثبت له ذلك بالبينة الشرعية، وجب عليه ان يحج بالمال عن الميت أو يستأجر به نائبا يحج عنه، فإذا فضل من المال شي ء بعد نفقة الحج ردّ الزائد على الورثة، كما دلت عليه صحيحة بريد بن معاوية، و إذا علم أو اطمأن بأن الورثة يقضون الحج عن الميت إذا قبضوا الوديعة فالظاهر وجوب ردها إليهم، و إذا لم يثبت له شي ء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 121

من أمرهم فالأقوى أيضا وجوب قضاء الحج عليه عن صاحب الوديعة و ردّ الزائد من المال إلى الورثة كما هو الحكم في الفرض الأول، عملا بإطلاق الصحيحة الآنف ذكرها، و خصوصا إذا ظن بأنهم لا يؤدون.

و لا تتوقف صحة حجه بالمال عن الميت على الاذن له من الحاكم الشرعي في كلتا الصورتين، و ان كان ذلك هو الأحوط له استحبابا

مع الإمكان.

المسألة 249:

الظاهر انه لا خصوصية للوديعة في ترتب الحكم الآنف ذكره و ان كانت الوديعة هي المذكورة في السؤال عن الحكم في الصحيحة، فإذا كانت للميت عند الشخص عارية أو عين مستأجرة أو كان له في ذمته دين أو كان له في يده مال قد استنقذه له من يد غاصب جرى فيه الحكم المذكور فإذا علم الشخص الذي بيده المال بأن الميت صاحب ذلك المال قد استقر في ذمته حج الإسلام جرت فيه الفروض التي ذكرناها في المسألة الماضية و ترتبت عليها الأحكام التي بيناها.

نعم يشكل انطباق الحكم إذا كان للميت في يد الشخص مال مغصوب و كان الشخص بذاته هو غاصب المال و قد عزم على ردّ المال إلى أهله، فإذا كان الميت صاحب المال ممن استقر الحج عليه، و احتمل الشخص الغاصب ان ورثة الميت من بعده يؤدّون الحج عنه إذا أخذوا المال و انهم لا يؤدّون أشكل الحكم بثبوت الولاية لذلك الغاصب على ان يحج عن الميت بالمال أو يستأجر من يحج عنه من غير مراجعة للورثة و للحاكم الشرعي في ذلك، و إذا علم أو اطمأن بأنهم لا يؤدون الحج عن الميت أشكل الحكم بجواز ذلك له من غير استئذان للحاكم الشرعي.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 122

المسألة 250:

إذا علم من بيده الوديعة بأن الميت صاحب الوديعة قد استقر في ذمته حج منذور أو أنه مدين بخمس أو زكاة أو مظالم، أو أنه مدين لبعض الناس بمبلغ من المال، و علم أيضا بأن ورثة الميت لا يؤدون ما في ذمته من تلك الواجبات أو الديون، أو اطمأن بذلك أو قامت عليه بينة شرعية، وجب عليه أن يصرف ما في يده من الوديعة في

قضاء ما في ذمة الميت من الأمور المذكورة، و الأحوط لزوما أن يستأذن الحاكم الشرعي في تولي ذلك، و يشكل الحكم في غير هذه الصورة من الفروض.

و الظاهر أن هذا الحكم لا يختص بمن بيده مال وديعة بل يعم من كان للميت عنده مال عارية أو عين مستأجرة أو كان له عليه دين أو مال مغصوب قد أخذه للميت من غاصبه، إذا تم الفرض الذي سبق ذكره في الوديعة، و توفرت الأمور التي اشترطناها في ثبوت الحكم.

المسألة 251:

يصح للمكلف أن يوصي الى وارثه أو غيره بأن يقضي الحج عنه ماشيا أو حافيا من أول سفره الى الحج الى آخر اعماله مثلا، أو من ابتداء الإحرام من الميقات إلى نهاية الأعمال، و يجب على الوصي العمل بما أوصى، فإذا كان الحج الموصى به حجا مندوبا اخرج جميع أجرته من الثلث، و إذا كان حج الإسلام أو حجا منذورا أخرج مقدار أجرة المثل للحج من الميقات الى آخر الأعمال من أصل التركة- كما تقدم مرارا- و أخرج أجرة المشي و الحفاء مدة الحج و ما زاد على الواجب من الثلث، و كذلك كل خصوصية مشروعة يوصي بها الميت و هي تزيد على أصل الواجب فإنها تخرج من الثلث.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 123

المسألة 252:

إذا نذر الإنسان ان يحج البيت ماشيا أو يحجه حافيا و كان قادرا على ذلك وجب عليه الوفاء بنذره، فإذا لم يف به حتى مات وجب على ورثته قضاؤه عنه و أخرجت الأجرة من أصل تركته.

المسألة 253:

إذا أقرّ المكلف بأن عليه حجة الإسلام و حجة منذورة قد اشتغلت بهما ذمته صدّق إقراره، و وجب على الورثة قضاؤهما عنه و إخراجهما من أصل تركته، و كذلك إذا أقر بوجوب حجتين منذورتين أو أكثر.

و إذا أقر بشي ء من ذلك و هو في مرض الموت و كان متهما في إقراره أخرج ما أقر به من ثلثه خاصة لا من أصل تركته، و قد ذكرنا في فصل منجزات المريض من آخر كتاب الحجر: ان المراد بكونه متهما في إقراره ان توجد أمارات تدل على ان المريض يريد بإقراره تخصيص بعض الورثة أو غيرهم بشي ء من ماله، أو انه يريد حرمان بقية الورثة منه.

المسألة 254:

إذا أوصى الرجل بأن يحج عنه بعد موته، و لم يذكر في وصيته انه يريد الحج عنه مرة واحدة أو مكررا، كفى في العمل بوصيته أن يحج الوصي عنه مرة واحدة بنفسه، أو يستأجر من يحج عنه مرة واحدة كذلك، و لا يجب تكرار الحج إلا إذا علم أو دلت القرائن على انه يريد التكرار، و إذا أوصى و عيّن انه يريد الحج عنه مرة واحدة أو مرتين أو أكثر اتبع ظهور وصيته في العدد الذي ذكره، فيحج عنه بمقدار ما عيّن، و إذا اوصى بأن يحج عنه مكررا كفى ان يحج عنه مرتين، إلا إذا علم أو دلت القرائن على انه يريد الحج عنه أكثر من ذلك، و مثاله ان يقول: حجوا عني مرارا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 124

متعددة، أو مرارا كثيرة أو يقول: حجوا عني ما وسع ثلث التركة.

المسألة 255:

إذا أوصى الرجل بأن يحج عنه سنين متعددة معينة العدد أو غير معينة، و جعل لكل سنة مقدارا معلوما من المال يحج به فقال مثلا: حجوا عني خمس سنين، كل سنة بمائة دينار، و لم يكف المقدار الذي ذكره للحج عنه في كل سنة كما أراد صرف ذلك المقدار المعين على حسب ما يكفي له من السنين فيجعل نصيب سنتين لسنة واحدة أو نصيب ثلاث سنين لسنتين و هكذا.

و إذا علم أن مقصوده في وصيته ان يحج عنه بالمائة دينار حسب ما تكفي، فإن وفت للحج عنه من البلد حج عنه بها من البلد، و ان لم تكف الا للحج من الميقات حج بها من الميقات.

و إذا صرف المقدار الذي عينه للحج على احد الوجهين المذكورين، و بقيت منه زيادة لا تفي بالحج

صرفت في وجوه البر.

المسألة 256:

الطواف بالبيت الحرام عبادة مستقلة بنفسه، و ان لم يكن في ضمن حج أو عمرة فهو مستحب نفسي في ذاته، و تصح النيابة فيه عن الميت، و تصح النيابة فيه عن الحي أيضا إذا كان غائبا عن مكة، و تصح النيابة فيه عن الحي إذا كان حاضرا لا يتمكن ان يتولى الطواف بنفسه، و إذا أوصى المكلف ان يطاف عنه بالبيت بعد موته طوافا مستحبا وجب العمل بوصيته، و إذا نذر ان يطوف بالبيت انعقد نذره و وجب عليه الوفاء به مع القدرة، فإذا مات و لم يف بنذره وجب القضاء عنه على الأحوط.

و لم يثبت استحباب الإتيان ببقية أعمال الحج استحبابا مستقلا، كالوقوف بعرفات أو عند المشعر الحرام و كالمبيت بمنى في ليالي التشريق و رمي الجمرات في أيامها، بل و حتى السعي بين الصفا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 125

و المروة، إذا أتي بهذه الاعمال مستقلة و ليست في ضمن اعمال الحج، و لذلك فلا تثبت لها الأحكام المذكورة.

المسألة 257:

إذا أوصى الرجل بان يحج عنه بعد موته حجتين جاز للوصي من بعده ان يستأجر عنه أجيرين ليأتيا بالحجتين الموصى بهما في عام واحد، سواء كانت الحجتان واجبتين أم مندوبتين، أم كانت إحداهما واجبة و الأخرى مندوبة، و كذلك إذا اوصى بحجات متعددة، فيصح للوصي أن يستأجر جماعة ينوبون عنه في الحجات كلها في عام واحد، و سنتعرض ان شاء اللّٰه تعالى لهذه المسألة في فصل الحج بالنيابة بوجه أكثر تفصيلا.

المسألة 258:

إذا أتم الأجير حجه عن الشخص المنوب عنه و فرغ من اعماله جاز له ان يطوف لنفسه، و ان يطوف عن غيره تبرعا أو بإجارة، و صح له كذلك ان يعتمر عمرة مفردة لنفسه أو بالنيابة عن غيره، تبرعا أو بالإجارة، و كذلك إذا كان أجيرا للعمرة المفردة، فإذا أتم اعمالها جاز له الطواف و الاعتمار لنفسه و لغيره، بل و يجوز له الحج لنفسه أو لغيره إذا اتفق ذلك في أوانه و تمكن من الإتيان به، و سيأتي ان شاء اللّٰه تعالى بيان الحكم في الفصل ما بين العمرتين، و في الطواف له أو لغيره بعد عمرة التمتع و قبل الحج.

المسألة 259:

إذا دفع الوصي أو الوارث الى احد مقدارا من المال و وكله في ان يستأجر به أجيرا يحج عن الميت، فإن علم الوكيل بان المعطي يريد استئجار الوكيل نفسه، أو علم بأنه يريد استئجار احد يختاره الوكيل لذلك، و ان كان هو الوكيل نفسه، صح له أن يحج بنفسه، و الأحوط استحبابا له ان يوكل غيره في قبول الإجارة لذلك،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 126

فلا يكون هو الموجب لعقد الإجارة و هو القابل، و إذا علم انه يريد استئجار غيره، أو شك في شمول وكالته لاستئجار نفسه لم يجز له أن يستأجر نفسه.

و إذا و كلّه في أن يستأجر شخصا معينا تعيّن استئجار ذلك الشخص، إلا إذا علم الوكيل بان الموكل انما ذكره لأنه أحد الأفراد الذين يمكن استئجارهم، فيجوز له ان يستأجر غيره، أو علم الوكيل بان ذلك الشخص ليس أهلا لذلك، فلا يستأجره، و يستأمر الموكل في استئجار غيره.

المسألة 260:

إذا كان المكلف يملك دارا أو بستانا، و ملّك رجلا غيره داره أو بستانه بالمصالحة معه على ذلك، و اشترط على الرجل في عقد المصالحة معه أن يحج عنه بعد موته، و قبل الرجل الصلح و الشرط، ملك الرجل الدار أو البستان بالصلح، و ملك المكلف على الرجل ان يحج عنه بعد موته، و أصبح ذلك دينا على الرجل يجب عليه وفاؤه، و لا يكون ذلك من الوصية بالحج، سواء كان الحج الذي اشترطه عليه حجا واجبا أم مندوبا، و لا تترتب عليه أحكام الوصية ليعتبر ان لا يزيد على الثلث، و لتتوقف صحته على اجازة الورثة إذا زاد على الثلث، كما يراه المحقق القمي (قدّس اللّٰه سرّه).

و من نظائر الفرض الآنف ذكره في

المسألة و مشاركاته في الحكم ان يملّك المكلف داره أو بستانه ذلك الرجل بالمصالحة- كما قلنا- و يشترط عليه في ضمن العقد ان يبيع الدار أو البستان الذي صالحه عليه بعد موت المكلف و يصرف ثمنه في الحج عنه، فإذا تمت المصالحة و قبل الرجل الشرط ملك الدار أو البستان و لم يبق فيها اي حق لورثة المكلف من بعده، و ملك المكلف عليه الشرط فيجب عليه ان يبيع الدار أو البستان بعد موت المكلف، و ان يصرف الثمن في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 127

الحج، و لم يكن ذلك من الوصية فتجري فيه أحكامها، كما قلنا في الفرض المتقدم.

و إذا لم يف الرجل بالشرط كان الخيار للحاكم الشرعي لا للورثة، فإذا فسخ الدار أو البستان باعهما و صرف ثمنهما في الحج عن الميت، و إذا زاد من الثمن شي ء صرفه في وجوه البر للميت.

المسألة 261:

إذا باع الرجل داره أو بستانه على أحد بثمن معين، و اشترط البائع على المشتري في ضمن العقد أن يصرف الثمن المذكور في الحج عنه إذا مات، و قبل المشتري بالشرط، و لا ينبغي الإشكال في ان هذا من الوصية بعد الموت فتلزمه أحكامها، فإذا كان الحج المشروط على المشتري أن يأتي به هو حج الإسلام أو كان حجا منذورا لزم العمل بالشرط، و أخرج مقدار أجرة المثل له من أصل التركة، و أخرج ما زاد على ذلك من الثلث، و إذا كان الحج المشروط عليه حجا مندوبا، و كانت نفقته لا تزيد على الثلث لزم العمل بالشرط، و أخرجت نفقته من الثلث، و إذا زادت الأجرة على الثلث لم يلزم العمل بالشرط في ما زاد عليه، بل لم يجز

ذلك إلا إذا أجاز الورثة، و إذا لم يوف المشتري بما شرط عليه ثبت للورثة خيار تخلف الشرط، و الأحوط ان يكون فسخ الوارث للمعاملة بالاستئذان من الحاكم الشرعي.

المسألة 262:

إذا وجدت شروط وجوب الحج على المكلف، و تحققت له جهات الاستطاعة التي اعتبرتها الشريعة وجب عليه ان يبادر لحج البيت فورا، و لم يجز له أن يتأخر فيه أو يتهاون من غير عذر يبيح له ذلك، و كذلك الحكم في من استقر وجوب الحج في ذمته، فتجب عليه المبادرة في الامتثال، و لا يسوغ له التأخير، و قد تكرر بيان

كلمة التقوى، ج 3، ص: 128

هذا في عدة من المناسبات، فإذا استقر وجوب حج الإسلام في ذمة المكلف و تمكن من أدائه، أو وجب عليه الحج في عامه، و تمكن من أدائه حرم عليه ان يحج عن غيره متبرعا أو أجيرا، و حرم عليه ان يحج لنفسه متطوعا، لانه يفوّت الحج الواجب الفوري عليه، و إذا حج كذلك كان عاصيا آثما، و لا ريب في ذلك، و كان حجه باطلا على القول المشهور بين الفقهاء، و لكن الأقوى الصحة إذا حج عن غيره، للنصوص المعتبرة الظاهرة في الدلالة على ذلك، و لا موجب لتأويلها.

و إذا حرم عليه ان يحج لغيره كما ذكرنا لم تصح إجارته لذلك على الأقوى لعدم قدرته شرعا على الفعل المستأجر عليه، فإذا استؤجر للحج عن غيره كانت الإجارة باطلة، و نتيجة لذلك فإذا حج عن الميت المنوب عنه صح حجه و ان كان آثما فتبرأ ذمة الميت من التكليف لصحة الحج و لم يستحق الأجرة المسماة لبطلان عقد الإجارة و لكنه يستحق اجرة المثل بفعله ما تبرأ به ذمة الميت إلا

إذا كانت الأجرة المسماة أقل منها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 129

الفصل الخامس في النيابة للحج أو العمرة
المسألة 263:

تصح النيابة في الحج عن الإنسان بعد موته، سواء كان الحج المنوب فيه واجبا عليه أم مندوبا، و سواء أ كان الحج الواجب عليه هو حج الإسلام أم حجا منذورا، أم حجا وجب عليه بإجارة أو شرط في ضمن العقد أو بسبب إفساد حج سابق، فإذا وجب الحج على الإنسان و استقر في ذمته و لم يؤده حتى مات، صحت النيابة فيه عن الميت إذا كان ذلك الحج مما يقضى بعد الموت، و تصح النيابة عنه في العمرة الواجبة و المندوبة، و من أي أقسام العمرة الواجبة إذا كانت مما تقضى، و تصح النيابة عن الإنسان الحي في الحج المندوب و في حج الإسلام إذا استطاع اليه سبيلا، أو استقر في ذمته ثم عرض له مرض أو عذر مستمر لا يرجى زواله فمنعه عن مباشرة الحج بنفسه، و قد مرّ تفصيل أحكامه في الفصل الثالث، و لا تصح النيابة عن الحي في الحج الواجب في غير هذه الصورة.

و تصح النيابة عن الحي في الطواف إذا كان المنوب عنه غائبا عن مكة، أو كان حاضرا فيها و لا يمكنه أن يطوف بنفسه لبعض الأعذار، و قد ذكرنا هذا في المسألة المائتين و السادسة و الخمسين.

المسألة 264:

يشترط في النائب أن يكون بالغا، فلا تصح نيابة الصبي عن غيره و إن كان مميزا و هذا هو القول المشهور بين الأصحاب (قدّس اللّٰه أنفسهم)، و للمناقشة في ما أقاموه من الأدلة لإثبات هذا القول مجال واسع، و لكن في هذا القول احتياطا لا يترك، فلا يجتزى بحجه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 130

و لا بعمرته عن غيره على الأحوط سواء حج أو اعتمر عنه متبرعا أم أجيرا، و سواء

أذن له وليه بذلك أم لا، و سواء كان الحج و العمرة واجبين أم مندوبين.

المسألة 265:

يشترط في النائب أن يكون عاقلا، فلا تصح نيابة المجنون المطبق، و لا الذي يعترضه الجنون أدوارا إذا كانت نيابته في دور جنونه، و تصح نيابته إذا وقعت في دور إفاقته من الجنون و كان دور الإفاقة يفي بجميع الأعمال، و يصح للولي أو الوصي أن يستأجره لذلك إذا اطمأن بأن دور إفاقته يفي بالاعمال جميعا.

المسألة 266:

يشكل الحكم بصحة نيابة المجنون إذا كان مميزا، و لا يترك الاحتياط بعدم الاجتزاء بفعله، إلا إذا كان تام التمييز، بحيث يلحق بالعقلاء عرفا، و تصح نيابة السفيه، و لكنّ إجارته للنيابة لا تصح إلا بإذن وليه.

المسألة 267:

يشترط في النائب أن يكون مؤمنا، فلا تصح نيابة غير المؤمن و إن اعتقد بوجوب الحج، و أتى بالاعمال موافقة للمذهب الحق، و أتى بجميع ذلك بقصد القربة.

المسألة 268:

يشترط في النائب أن يكون ممن يوثق به و بمعرفته و بصحة أدائه للأعمال ليحرز بذلك أنه قد أتى بالعمل المستناب فيه على الوجه الصحيح، و لا يعتبر فيه أن يكون عادلا، و يكفي في معرفته للأعمال و الأحكام أن تكون له مصادر صحيحة يرجع إليها إذا شك أو احتاج إلى التعلم، أو يكون له مرشد موثوق يوجهه إلى الفعل الصحيح و الحكم الصحيح متى احتاج، و إذا علم المستنيب أن النائب قد أتى

كلمة التقوى، ج 3، ص: 131

بالعمل و شك في صحة فعله بنى على أصالة الصحة فيه، فإذا أحرزت بجميع ما ذكرناه صحة عمل النائب حكم ببراءة ذمة المنوب عنه من التكليف الواجب عليه.

المسألة 269:

يشترط في صحة استئجار النائب للحج، و في مطلق استنابته فيه- و لو بنحو الصلح أو الشرط في ضمن العقد- أن يكون النائب غير مشغول الذمة بحج واجب في عام الاستنابة، فلا تصح استنابته إذا كان ممن وجب عليه الحج في ذلك العام مع تمكنه من أدائه، أو كان قد استقر وجوب الحج في ذمته مع تمكنه من الأداء، فإذا استؤجر للنيابة في هذا الحال كانت إجارته باطلة، و إذا خالف و حج عن المنوب عنه كان آثما، و إن كان حجه صحيحا على الأقوى، فتبرأ بفعله ذمة المنوب عنه، و لا يستحق الأجرة المسمّاة له بالعقد و لكنه يستحق أجرة المثل، و قد سبق بيان هذا في آخر الفصل المتقدم.

و لا فرق في جريان هذه الأحكام بين أن يكون الحج الفوري الذي وجب على النائب في ذلك العام حج إسلام، أو حج نذر معين، أو حجا معينا آخر وجب عليه في ذلك العام بإجارة أو عهد أو

يمين أو شرط في ضمن العقد، أو وجب عليه بإفساد حج سابق.

و يستثنى من ذلك ما إذا آجر الشخص نفسه لحج في ذمته، يوقعه في ذلك العام و لم يقيد إجارته بأن يتولى الحج بنفسه، فيجوز له في هذه الصورة أن يؤجر نفسه لحج آخر يتولاه بالمباشرة، و يستأجر شخصا آخر للنيابة في الحج الأول.

المسألة 270:

إذا كان النائب ممن وجب عليه الحج في ذلك العام أو ممن استقر وجوب الحج في ذمته و تمكن من أدائه، و كان جاهلا أو غافلا عن وجوب الحج عليه، فآجر نفسه للحج عن غيره في ذلك العام

كلمة التقوى، ج 3، ص: 132

صحّت إجارته إذا كان قاصرا معذورا في جهله أو غفلته، و بطلت إجارته إذا كان مقصرا غير معذور، و تصح إجارته و استنابته أيضا إذا لم يتمكن من أداء الواجب لنفسه لبعض الأعذار.

المسألة 271:

تصح نيابة العبد المملوك في الحج و العمرة عن غيره إذا أذن له مولاه بذلك، و إذا أذن له بأن يؤجر نفسه لهما صحّت إجارته و صح حجه أجيرا و إذا لم يأذن له لم يصح.

المسألة 272:

تصح النيابة عن الصبي المميّز في قضاء الحج أو العمرة عنه كما تصح النيابة عن البالغ فقد ثبت أن عبادات الصبي المميّز شرعية تامة و أنها بذاتها هي العبادات التي يأتي بها المكلف بعد البلوغ، فصلاته و صومه و حجه و عمرته هي نفس الحقائق التي يأتي بها البالغ، و إن لم تجب عليه الا بعد البلوغ لحديث رفع القلم، فإذا أتى بها النائب و قصد بها امتثال الأمر المتوجّه إلى الصبي فقد ناب عنه في فعلها و شملتها أدلة النيابة و ترتبت عليها آثارها و أحكامها.

المسألة 273:

يشكل الحكم بصحة النيابة عن المجنون فيما يفوته حال جنونه من الحج أو العمرة، و إذا استقر وجوب الحج أو العمرة عليه في حال عقله ثم عرض له الجنون، و مات و هو مجنون صحّت النيابة عنه فيهما و وجب الاستئجار عنه، و على هذا فإذا أفاق المجنون ذو الأدوار من جنونه في دور يسع الحج و لم يحج ثم مات صحّت النيابة عنه، فإن كان قد اجتمعت له شروط الوجوب حج عنه وجوبا، و إن لم يجب عليه حج بالنيابة عنه ندبا.

المسألة 274:

يشترط في المنوب عنه أن يكون مسلما، فلا تصح النيابة في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 133

الحج أو العمرة عن الكافر، سواء كان ملحدا أم مشركا أم غير مشرك، و كتابيا أم غير كتابي، و إن كان وارثه مسلما و أراد النيابة عنه أو الاستئجار له من تركته.

المسألة 275:

تصح نيابة الولد المؤمن في الحج عن أبيه إذا كان ناصبا، و تمنع إذا كان خارجيا أو مغاليا.

المسألة 276:

لا يعتبر في صحة النيابة أن يكون النائب مماثلا للمنوب عنه في الذكورة و الأنوثة، فتصح نيابة الرجل عن المرأة و تصح نيابة المرأة عن الرجل، و تصح كذلك أن يكون أحدهما خنثى، أو يكون كلاهما خنثيين.

المسألة 277:

لا يمنع من استنابة الصرورة، سواء أ كان رجلا أم امرأة، و سواء أ كان المنوب عنه رجلا أم امرأة، و الصرورة هو الذي لم يحج من قبل، و لعل المراد من النهي عن استنابة الصرورة الوارد في الأدلة: أن الصرورة في الغالب يكون غير عارف بأحكام الحج، فيكون المدار على المعرفة بالأحكام، و على هذا فلا تكون الروايات دالة على كراهة استنابة الصرورة، و قد تقدم في حكم المكلف المستطيع الذي يطرأ له مرض ملازم أو عذر آخر دائم فيمنعه عن امتثال الحج أن الأحوط له أن يستنيب عنه في الحج رجلا و صرورة إذا كان المكلف المعذور نفسه رجلا، و تلاحظ المسألة المائة و الحادية و السبعون.

المسألة 278:

لا تتحقق النيابة من النائب حتى يعيّن الشخص الذي ينوب عنه، و ينوي العمل المعيّن الذي ينوب عن ذلك الشخص فيه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 134

و يقصد بفعله امتثال الأمر المتوجّه الى المنوب عنه بذلك الفعل، فإذا حصل ذلك من النائب تحققت منه النيابة و أغناه ذلك عن قصد مفهوم النيابة نفسها، و يكفي في تعيين المنوب عنه أن يستخصه بقصده على سبيل الإجمال، فيقصد الرجل الذي استأجرني فلان للحج عنه مثلا، أو المكلف الذي تبرعت عنه بالعمرة، و لا يشترط أن يذكر اسمه و اسم أبيه و مشخّصاته الخاصة، و إن كان ذلك أحوط، و يستحب ذكره في كل عمل و في كل موطن.

المسألة 279:

إذا آجر الرجل نفسه ليصحب بعض الحجاج في الطريق و يخدمهم فيه بحيث كان مسيره في الطريق مملوكا لهم و مستحقا عليه بعقد الإجارة، لم يصح له أن يؤجر نفسه للحج عن غيره من البلد أو من الميقات، فإن القصد من الميقات إلى البيت الحرام أحد الواجبات كما دلت عليه آية الحج الكريمة فإذا ملّكه لغيره بالإجارة لم يكن له عليه سلطان ليؤجر نفسه للحج، فلا تصح إجارته للحج، و لا يكفي تبرعه بالحج عن غيره، فإذا تبرع به في الفرض المذكور لم تبرأ بفعله ذمة المنوب عنه، و قد تقدم ذكر هذا و ذكر بعض الفروض و الأحكام التي تتعلق به في المسألة المائة و السادسة و ما بعدها فلتراجع.

المسألة 280:

إذا آجر الرجل نفسه للنيابة عن غيره بحجة من البلد أو من الميقات فلا مانع له من أن يؤجر نفسه للخدمة أو لغيرها و هو في طريق الحج.

المسألة 281:

يشترط في النائب أن يكون قادرا على أن يأتي بالأعمال الاختيارية للحج غير مضطر إلى الإتيان بوظيفة المعذور فيها، فلا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 135

تصح نيابته إذا كان في حال الاستنابة عاجزا يضطر إلى ترك بعض الأعمال في الحج أو إلى الإتيان بإبدال اضطرارية لها تصح من العاجز و لا تكفي القادر.

فإذا كان المكلف المنوب عنه ممن يجب عليه حج التمتع، فلا يصح له أو لوليّه بعد موته أن يستأجر نائبا لا يقدر على ذلك لضيق الوقت مثلا فلا يمكنه أن يأتي بعمرة التمتع قبل الحج و يضطر إلى العدول إلى حج الإفراد، أو يستأجر امرأة يعلم أنها لا تستطيع الإتيان بعمرة التمتع، لأن حيضها أو نفاسها لا ينقطع عنها قبل الوقوف بعرفات، أو يستأجر نائبا يعلم أنه لا يدرك الوقوف بعرفات أو الوقوف عند المشعر الحرام إلا في وقته الاضطراري، أو يستأجر أحدا لا يمكنه المبيت في منى في ليالي التشريق، أو يستنيب رجلا لا يمكنه الطواف أو السعي إلا محمولا، أو لا يؤدي صلاة الطواف إلا جالسا أو متيمما، و نحو ذلك من ذوي الأعذار، و إذا تبرع هذا الرجل المعذور فحج عن المكلف بعد موته أشكل الحكم ببراءة ذمته و سقوط الفرض عنه.

المسألة 282:

إذا استأجر ولي الميت أو وصيه أجيرا للحج عن الميت و كان الأجير بحسب الظاهر قادرا على الإتيان بأعمال الحج الاختيارية غير عاجز عنها، ثم طرأ له العجز عن بعض الأعمال، و اضطر إلى الإتيان بالبدل الاضطراري الذي جعله الشارع للعمل الذي عجز عنه، صحت نيابته على الأقوى، و جاز له بعد طروء العجز أن يعدل إلى وظيفة المعذور فيأتي بالبدل الاضطراري لذلك العمل الذي عجز عنه و

يصح بذلك حجه، و تبرأ بإتمامه ذمة المكلف المنوب عنه على الأصح، و يستحق عليه الأجرة المسماة إذا كانت الإجارة قد أوقعت بينه و بين الولي على الإتيان بالعمل المبرئ للذمة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 136

و من أمثلة ذلك أن يستأجر الولي نائبا قادرا على حج التمتع في سعة من الوقت، ثم يتفق للنائب لبعض الأمور غير المقصودة أن يضيق عليه الوقت عن إتمام عمرة التمتع، فيضطر إلى أن يعدل إلى حج الإفراد ليدرك الحج، فيجوز له العدول و يتم حجه، و يأتي بعد إتمامه بعمرة مفردة، و يكفيه ذلك في تصحيح حجه عن الميت المنوب عنه، و إسقاط الفرض عنه، و في استحقاق الأجرة المسماة له في العقد.

و كذلك الحكم في المرأة إذا استنابها وليّ الميت و هي قادرة على حج التمتع، ثم طرأ لها الحيض أو النفاس من غير علم سابق بالأمر، و اضطرت بسببه إلى العدول إلى حج الإفراد فتعمل مثل ذلك، و في الأجير إذا اضطر بعد الاستنابة فلم يدرك الوقوف إلا في وقته الاضطراري، أو حدث له مرض فاضطره الى الطواف محمولا، أو إلى الصلاة جالسا أو متيمما أو بوضوء الجبيرة، و هكذا في بقية الأعمال و الأعذار التي قد تحدث للمكلف من غير علم سابق، و إنما يستحق الأجرة على عمله في هذه الفروض إذا كانت الإجارة على العمل الذي تحصل به براءة الذمة للمنوب عنه.

المسألة 283:

إذا استأجر الولي أو الوصي النائب على أن يأتي بالحج التام، بأعماله الاختيارية التامة، و كان النائب قادرا على ذلك، ثم حصل له العجز عن بعض الأعمال، و اضطر إلى أن يأتي بوظيفة الحاج المعذور، و هي إبدالها الاضطرارية، و أتى بها كما

ذكرناه في المسألة المتقدمة، بطلت الإجارة التي وقعت بينه و بين المستأجر، و ان كان عمل النائب الذي أتى به صحيحا على الأقوى، و مبرئا لذمة الميت الذي ناب عنه، و لذلك فهو لا يستحق على عمله الأجرة المسماة له في عقد الإجارة، و يستحق عليه اجرة المثل إلا إذا كانت الأجرة المسماة أقل منها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 137

و إذا كانت الإجارة قد وقعت بينهما على الإتيان بالأعمال الاختيارية للحج على نحو تعدد المطلوب، قسّمت الأجرة المسماة على الأعمال كلّها، و استحق النائب من الأجرة بمقدار ما أتى به من الأعمال، و سقط نصيب الباقي الذي اضطر إلى تركه من الأعمال و إن جاء ببدله.

المسألة 284:

إذا كان العمل الذي عجز النائب عنه في المسألة المتقدمة مما ليس له بدل اضطراري، فاضطر إلى تركه لا إلى بدل، بطلت الإجارة و بطل العمل و لم يستحق عليه شيئا، و مثال هذا أن يعجز النائب عن إدراك الوقوفين معا في الحج فيتركه و لا بدل لهما فيبطل بذلك حجه، و تبطل إجارته، و لا يستحق على عمله شيئا.

المسألة 285:

تصح نيابة المعذور في ارتكاب بعض محرمات الإحرام كالرجل الذي لا يقدر أبدا على المشي في الشمس و في الحر و البرد و المطر، و لا يستطيع المكوث فيها في أثناء المسير لبعض العوارض الموجبة، و لذلك فهو يضطر إلى التظليل في أثناء إحرامه للحج أو للعمرة، و كالمعذور الذي يضطر إلى تغطية رأسه، أو إلى ارتكاب بعض ممنوعات الإحرام الأخرى، فتصح نيابته و استيجاره.

المسألة 286:

إذا كان الأجير عارفا بالأحكام الشرعية التي تقتضيها التقيّة عند اختلاف الحكم في الأهلّة و مواعيد أعمال الحج، و قادرا على الإتيان بالعمل المبرء للذمة فيها، صحت نيابته و صح استئجاره لذلك، فيستأجره ولي الميت أو وصيه للإتيان بالحج المبرء للذمة حسب ما يقتضيه الحكم الشرعي في المواقف و الأعمال، فإذا أتى النائب بالحج كذلك صح عمله و أبرأ ذمة الميت المنوب عنه من التكليف

كلمة التقوى، ج 3، ص: 138

الذي استقر فيها، و استحق النائب الأجرة المسماة لقيامه بالعمل المستأجر عليه.

المسألة 287:

إذا استأجره الولي للحج عن الميت على وفق مذهب الشيعة و إن خالف ما تقتضيه أحكام التقيّة، و لم يستطع النائب أن يأتي بالعمل كذلك، و أتى بالحج عن الميت طبقا لما يقتضيه الحكم الشرعي في حال التقيّة بطلت الإجارة لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه، فلا يستحق الأجرة المسماة و صح حجه الذي أتى به، و برئت بذلك ذمة الميت المنوب عنه من التكليف، و الأحوط للولي أن يدفع له أجرة المثل، أو يرجع معه إلى المصالحة، إذا لم يقصد التبرع.

المسألة 288:

إذا مات الشخص و قد استقر في ذمته حج الإسلام أو عمرة الإسلام أو كلاهما وجب على وليه أو وارثه أن يبادر بعد موته إلى الاستنابة للقضاء عنه، و إذا أخّر و لم يبادر في السنة الأولى لعذر أو لغير عذر وجبت عليه المبادرة بعدها، و هكذا.

و كذلك الحكم إذا وجب عليه الحج أو العمرة أو كلاهما بالنذر و لم يف بنذره حتى مات، فتجب المبادرة إلى الاستنابة عنه ما أمكن، بل و كذلك إذا أوصى الميت بالحج و العمرة عنه بعد موته أو بكليهما فعلى الوصي بعد الموت أن يبادر ما أمكن إلى الاستنابة عنه، على الأحوط لزوما.

المسألة 289:

لا يصح استئجار النائب عن الميت للحج حتى يعيّن المستأجر في عقد الإجارة معه نوع الحج الخاص الذي اشتغلت به ذمة الميت من أنواع الحج، و الذي يستأجر النائب لقضائه من تمتع أو قران أو إفراد، أو النوع الذي يختار المستأجر نفسه عقد الإجارة عليه من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 139

الأنواع المذكورة، فيما إذا كان الحج عن الميت مندوبا أو منذورا مطلقا، فإذا أوقع الولي أو الوصي عقد الإجارة مع النائب على أحد أنواع الحج الثلاثة مرددا بينها من غير تعيين لأحدها كانت الإجارة باطلة.

و يصح له أن يستأجر النائب على أن يأتي بأحد أفراد الحج المذكورة على وجه التخيير ما بينها فيكون النائب مخيرا في وفائه بالإجارة بأي الأنواع الثلاثة أراد، و أيّها أتى به أجزأه في صحة عمله و استحق عليه الأجرة المسماة في العقد، و لا يتعين عليه أن يأتي بالنوع الأفضل منها، و هذا في ما إذا لم يتعين على الميت المنوب عنه واحد منها على الخصوص، كما إذا كان الحج

عنه مندوبا أو منذورا على سبيل الإطلاق أو كان الميت ذا منزلين تتساوى إقامته فيهما أحدهما في مكة و الآخر في بلد ثان يبعد عنها بثمانية و أربعين ميلا.

و إذا عيّن المستأجر نوعا خاصا منها في عقد الإجارة تعين على النائب أن يأتي به و لم يجز له العدول عنه إلى غيره، إلا إذا كان الحج مندوبا، أو حجا منذورا على وجه الإطلاق، أو كان الميت ذا منزلين تتساوى إقامته فيهما في مكة و في خارجها كما ذكرنا في الفرض المتقدم، فإذا استأجر الولي أو الوصي أجيرا في إحدى هذه الصور ليحج عن الميت حج إفراد جاز للنائب فيها أن يعدل إلى ما هو أفضل كحج التمتع أو حج القران، و إذا عدل إليه و أتم حجه استحق الأجرة المسماة، و الأحوط استحبابا أن يكون ذلك برضى المستأجر.

المسألة 290:

لا يعتبر في صحة الإجارة للحج أن يعين المستأجر الطريق الذي يسلكه الأجير حتى إذا كان الحج المستأجر عليه من البلد،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 140

و إذا عيّن له طريقا مخصوصا جاز للأجير أن يعدل عنه إلى غيره إلا إذا علم أن للمستأجر غرضا خاصا في سلوك الطريق الذي عيّنه، و هذا الحكم هو ما دلت عليه صحيحة حريز بن عبد اللّٰه، و هي ظاهرة في الحكم بالجواز، و بصحة الحج في مورد السؤال، و هو الحج المستأجر عليه مع عدول الأجير عن البلد و الطريق الذي عيّنه المستأجر، و لا موجب للحمل و التأويل فيها.

و أما صورة العلم بوجود غرض للمستأجر في سلوك الطريق المعيّن، فالصحيحة منصرفة عنها انصرافا تاما.

المسألة 291:

إذا استأجر الولي أجيرا للحج عن الميت في سنة معينة وجب على الأجير أن يحج عنه في تلك السنة، و لم يجز له التقديم عليها و لا التأخير عنها، إلا إذا رضي المستأجر بذلك، فإذا تأخر عنها بغير رضي المستأجر و لم يكن له عذر يبيح له ذلك كان آثما، فإن كان المستأجر قد قيّد إجارته بأن يكون الحج في تلك السنة و أخّر الأجير حجة عنها بطلت الإجارة فلا يستحق من الأجرة شيئا، و في الحكم ببراءة ذمة الميت المنوب عنه بحجه إشكال، و إن كان المستأجر قد اشترط في العقد أن يوقع الحج في السنة المعينة و لم يقيّد الإجارة بذلك، و لم يأت الأجير بالشرط فلم يحج عن الميت في تلك السنة ثبت للمستأجر خيار الفسخ بسبب ذلك، فإن هو أجاز العقد و لم يفسخه استحق الأجير الأجرة المسماة له بالعقد إذا أتى بالحج بعد ذلك، و إن فسخ المستأجر العقد

لم يستحق الأجير الأجرة المعيّنة، و إذا كان قد أتى بالحج بعد السنة فالأحوط الرجوع إلى المصالحة بينهما.

المسألة 292:

إذا استأجر الولي أحدا للحج أو العمرة عن الميت و أطلق إجارته و لم يعين للعمل وقتا فمقتضى الإطلاق حلول وقت العمل،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 141

فتجب على الأجير المبادرة له، سواء طالبه المستأجر أم لم يطالب، إلا إذا وجدت قرينة تدل على التأخير، كما إذا استأجره للحج و هما في موسم الحج أو بعده بقليل، و كما إذا استأجره للعمرة المفردة و هما في شهر ربيع الأول و كان التعارف يدل على أن المراد العمرة في شهر رجب، و كذلك إذا دلت قرينة على رضي المستأجر بالتأخير، و إذا تباطأ الأجير و لم يبادر لم تبطل الإجارة، و في ثبوت خيار الفسخ للمستأجر لذلك إشكال.

المسألة 293:

إذا آجر الرجل نفسه للحج عن أحد في سنة معيّنة على أن يتولى أعمال الحج عنه بنفسه لم يصح له أن يؤجر نفسه للحج عن شخص آخر في تلك السنة المعينة على أن يتولى الحج بنحو المباشرة أيضا لعدم قدرته على الثانية، و إذا آجر نفسه لحجتين في سنة واحدة يقوم بأعمالهما بنفسه لم يصح ذلك و ان كانت الحجتان عن شخص واحد، فإذا تقارنت الإجارتان في الوقت بطلتا معا، و إذا تقدمت إحداهما على الثانية في الوقت صحت الأولى و بطلت الثانية.

المسألة 294:

يصح للرجل أن يؤجر نفسه لحجتين عن شخصين أو عن شخص واحد في سنة واحدة إذا هو لم يشترط على نفسه المباشرة في كلتا الحجتين، فيستأجر لكل واحدة منهما أجيرا يأتي بها، أو يحج بنفسه إحداهما و يستأجر غيره للثانية، و يصح له أن يؤجر نفسه لحجتين في سنة واحدة إذا شرط على نفسه المباشرة في إحدى الحجتين و لم يشترط ذلك في الأخرى.

و يصح أن يؤجر نفسه لحجة في سنة معينة، و يؤجر نفسه لحجة ثانية في سنة معينة أخرى و إن اشترط على نفسه المباشرة في كلتيهما، و يصح له أن يؤجر نفسه لحجتين موسّعتين في الوقت فيأتي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 142

بإحداهما في عام و يأتي بالثانية في عام آخر، و يصح له أن يؤجر نفسه لحجتين و يعيّن السنة لإحداهما و يوسّع الوقت في الحجة الأخرى، فتصح الإجارة و النيابة منه في جميع هذه الفروض، لعدم التنافي، و قدرته على الوفاء بالإجارتين.

المسألة 295:

ذكرنا في المسألة المائتين و الثانية و التسعين أن إطلاق عقد الإجارة للحج يقتضي حلول وقت الحج المستأجر عليه، و وجوب مبادرة الأجير إلى الإتيان به و نتيجة لهذا الحكم فلا يصح للرجل أن يؤجر نفسه لحجتين مطلقتين، لعدم القدرة على المبادرة إليهما في عام واحد.

إلا إذا دلت القرائن على رضي المستأجر بالتأخير في الحجتين أو في إحداهما، و لا يصح له أن يؤجر نفسه لحجة مطلقة ثم يؤجر نفسه بعدها لحجة ثانية مقيدة بالتعجيل، إلا مع القرينة الدالة على الرضا- كما قلنا.

المسألة 296:

إذا آجر الرجل نفسه للحج عن أحد في سنة معينة على أن يأتي بالحج بنفسه، و آجره وكيله لحجة ثانية في تلك السنة نفسها على أن يأتي بها بنحو المباشرة أيضا، صحت السابقة من الإجارتين و إن كانت هي إجارة الوكيل و بطلت اللاحقة، و إذا وقعت الإجارتان في وقت واحد بطلتا معا، و قد تقدم هذا الفرض في المسألة المائتين و الثالثة و التسعين، و نظير ذلك في الحكم إذا آجره وكيلان مفوضان عنه لحجتين في سنة واحدة كذلك.

المسألة 297:

تجري الفضولية في الإجارة للحج كما تجري في سائر الإجارات و العقود، فإذا آجر الفضولي أجيرا للحج عن ميت كان الأمر في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 143

تصحيح تلك الإجارة إلى الأجير الأصيل نفسه، فإن أجاز إجارة الفضولي صحت و وجب عليه الوفاء بها، و إن ردّها كانت باطلة لا أثر لها.

و إذا آجره فضوليان للحج عن شخصين، صح له أن يجيز إجارة أحدهما و يلغي الأخرى، و إن وقعت الإجارتان في زمان واحد، و كانتا للحج في سنة واحدة.

و إذا آجر الرجل نفسه للحج عن أحد، ثم علم أن فضوليا قد آجره للحج عن ميت آخر، لم يجز له أن يجيز إجارة ذلك الفضولي، و إن كانت سابقه في وقتها على إجارته لنفسه، و لا يكون لإجازته أثر لو أنه خالف فأجازها.

المسألة 298:

إذا صدّ الأجير عدوّ أو ظالم قاسي فمنعه عن الحج أو عن العمرة، أو أحصره مرض فعاقه عنهما ثبت له حكم المصدود و المحصر- و سيأتي بيانه إن شاء اللّٰه تعالى-، و انفسخت بذلك إجارته إذا كانت مقيدة بالحج في ذلك العام، و بقيت ذمته مشغولة بالحجة أو العمرة إذا كانت الإجارة مطلقة غير مقيدة، و إذا كان المستأجر قد اشترط على الأجير في ضمن العقد أن يأتي بالحج في تلك السنة و لم يكن ذلك على وجه التقييد في الإجارة ثبت للمستأجر خيار تخلّف الشرط، فإذا هو فسخ إجارته بطلت، و إذا هو أمضى الإجارة و لم يفسخ بقيت ذمة الأجير مشغولة بالحجة فإذا أتى بها في القابل برئت ذمته و ذمة المنوب عنه، و استحق الأجرة المسماة.

المسألة 299:

إذا أتى الأجير في أثناء إحرامه بالحج أو بالعمرة بما يوجب الكفارة وجب ذلك عليه في ماله لا في مال الميت أو المستأجر، و كذلك إذا كان حجه أو عمرته عن الغير بجعالة أو بصلح أو بغيرهما من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 144

المعاوضات أو الشرط في ضمن العقد أو كان متبرعا.

المسألة 300:

يجب في الحج إذا كان من البلد- كما إذا أوصى به الميت- أن ينوب فيه شخص واحد يسافر من البلد بقصد الحج عن الميت حتى يحرم من الميقات و يتم الأعمال، و لا يكفي أن يتقاسم السفر من البلد أجراء متعددون فيقطع كل واحد منهم بعضا من الطريق الى الميقات حتى يتموه، و ينوب الأخير من أول الإحرام الى أن يتم الأعمال، فلا يكفي ذلك و إن استوعبوا الطريق كله و ترتبوا في السفر واحدا بعد واحد.

المسألة 301:

إذا نقصت الأجرة المعينة للأجير عن الوفاء بنفقته في الحج لم يجب على المستأجر أن يتمّها له، و يستحب له إتمامها إذا استبان له قصور الأجرة عن الوفاء بها قبل العمل أو في أثنائه و كان في الدفع إليه إعانة له على البر و التقوى، و إذا زادت الأجرة على النفقة لم يجز للمستأجر أن يسترد الزائد منها.

المسألة 302:

إذا تم العقد ملك الأجير مال الإجارة فعلا، و إذا شرط الأجير تعجيل دفع المال إليه وجب على المستأجر دفعه اليه عملا بالشرط، و مثله ما إذا دلّت على التعجيل قرينة عامة أو خاصة من انصراف أو عادة متبعة بين الناس فيلزم التعجيل لتلك القرينة، و إذا لم يشترط الأجير تعجيل الدفع و لم تدل عليه قرينة ظاهرة لم يجب على المستأجر تسليم الأجرة إلا بعد إتمام العمل.

المسألة 303:

إذا ملك الأجير الأجرة بالعقد و كانت عينا خارجية ملك جميع نمائها الذي يتجدد لها بعد العقد و إن لم يجب على المستأجر تسليمها

كلمة التقوى، ج 3، ص: 145

كما ذكرنا، فإذا أتم الأجير العمل المستأجر عليه وجب على المستأجر دفع العين و دفع نمائها للأجير، و قد فصّلنا ذكر هذا في كتاب الإجارة.

المسألة 304:

إذا كان المكلف ممن تجب عليه الاستنابة للحج عنه في حياته لبعض الأعذار التي ذكرناها في المسألة المائة و الستين و ما بعدها، فوكّل أحدا يستأجر من يحج عنه، لم يجز للوكيل أن يسلّم الأجرة للأجير إلا بإذن موكّله، و إذا أذن له في أصل التسليم لم يجز له تعجيل التسليم إليه قبل أن يتم العمل المستأجر عليه، إلا إذا تعذّر استئجار الأجير بغير ذلك أو أذن له الموكّل به، و إذا لم يتعذر الاستئجار و لم يأذن له الموكّل، و سلّم الأجرة قبل إتمام العمل كان ضامنا للأجرة إذا لم يأتي الأجير بالعمل أو أتى به باطلا.

و مثله الحكم في وكيل الولي أو الوصي إذا وكّله في الاستئجار عن الميت، فليس له أن يدفع الأجرة أو يعجّل تسليمها للأجير قبل أن يتم العمل إلا بإذن موكله كما سبق في نظيره.

و إذا أوصى الميت الى أحد بأن يستأجر بعد موته أجيرا يحج عنه، صح للوصي أن يستأجر الأجير و يسلمه الأجرة بعد إتمام عمله عملا بالوصية، و لا يجوز له أن يدفعها اليه قبل العمل إلا إذا تعذّر استئجار الأجير بغير ذلك أو كان الميت قد أوصى به، و إذا عجّل له التسليم بدون ذلك كان ضامنا كما في الوكيل.

المسألة 305:

لا يصح للوكيل أن يشترط في عقد الإجارة تعجيل تسليم الأجرة للأجير أو يقبل من الأجير هذا الشرط إلا بإذن الموكل له في ذلك.

و كذلك الحال في وصي الميت، فإذا استأجر أحدا للحج عن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 146

الميت لم يجز له أن يشترط تعجيل تسليم الأجرة للأجير أو يقبل منه هذا الشرط إلا إذا كان الميت قد أوصاه بذلك، و إذا كان الحج

واجبا تخرج نفقته من أصل التركة، و كانت التركة ضعف أجرة الحج أو أكثر، لم يجز للوصي أن يشترط ذلك الشرط إلا بإذن الوارث له، فلعلّ الأجير لا يؤدي الحج و لا يمكن استرجاع الأجرة منه و يحتاج إلى إخراج أجرة الحج من التركة مرة ثانية، و يوجب ذلك نقصا على الوارث، و من أجل وجود هذا الاحتمال فلا يصح اشتراط التعجيل في هذه الصورة إلا بإذن الوارث.

المسألة 306:

إذا استأجر الرجل الأجير و لم يدفع إليه الأجرة المسماة، فتعذر على الأجير أن يأتي بالحج لعدم قدرته المالية، كان الأمر في ذلك الى المستأجر، فيجوز له أن يدفع الأجرة للأجير فيمكّنه من العمل و تتم الإجارة، و يجوز له أن لا يدفعها إليه، فيعجز عن الوفاء و ينفسخ بذلك عقد الإجارة لانعدام المنفعة فإن الإجارة لا تقع و لا تصح إلا مع وجودها.

المسألة 307:

الظاهر ثبوت عادة مستقرة بين الناس على دفع أجرة الحج للأجير قبل السفر إلى الحج، أو دفع قسط منها على الأقل، فيكون ذلك عرفا متبعا ينصرف اليه عقد الإجارة، و يكون دليلا على المقصود منه عند الإطلاق و عدم التبيين، و لذلك فيجوز للأجير بعد العقد أن يطالب المستأجر بتسليم الأجرة أو بقسط منها حسب ما يتعارف بين أهل البلد.

و إذا وكّل المستأجر وكيلا في الاستئجار أو أوصى الرجل إلى وصي به، اتبع الوكيل أو الوصي ذلك لهذه القرينة الدالة على المراد، و جاز لهما دفع الأجرة اعتمادا على ذلك.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 147

المسألة 308:

إذا استأجر الشخص أجيرا للحج عن ميت أو عن حي، و أطلق عقد الإجارة معه اقتضى إطلاق الإجارة أن يتولى الأجير بنفسه الحج عن المنوب عنه، فلا يصح له أن يستأجر غيره للنيابة، و لا يكفيه ذلك في الوفاء بالعقد، إلا أن يدل على ذلك قول صريح من المستأجر أو قرينة ظاهرة الدلالة عليه، أو يأذن المستأجر له بذلك بعد العقد معه أو يجيز إجارته لمن استنابه.

المسألة 309:

إذا مات النائب بعد أن أحرم بحج النيابة و بعد أن دخل الحرم أجزأ ذلك عن النائب، فتبرأ به ذمته من حج الإجارة، و ان لم يأتي بعد بشي ء من الاعمال، و أجزأ عن المنوب عنه فتتبرأ به ذمته من الحج إذا كان واجبا عليه سواء كان حج الإسلام أم غيره من الحج الذي يجب قضاؤه عنه، و كفاه أيضا إذا كان حجا مندوبا عنه، و لا فرق في جميع ذلك بين أن يكون النائب أجيرا أو متبرعا.

المسألة 310:

إذا مات الأجير بعد ما أحرم بالحج و دخل الحرم و كان قد آجر نفسه للعمل الذي تبرأ به ذمة المنوب عنه استحق جميع الأجرة المسماة بحصول العمل المستأجر عليه كما قلنا، فلا يسترد المستأجر من الأجرة شيئا إذا كان قد دفعها إليه من قبل، و يجب عليه أن يدفعها إلى وارثه إذا لم يكن قد دفعها إليه.

و إذا كان الأجير قد آجر نفسه للمجي ء بأعمال الحج المخصوصة، و كانت الإجارة على نحو التقييد و وحدة المطلوب لم يستحق من الأجرة شيئا لعدم حصول المقصود، و إذا كانت الإجارة للإتيان بالأعمال على وجه تعدّد المطلوب، استحق من الأجرة بنسبة ما أتى به من الأعمال المستأجر عليها، و منها السفر و قطع المسافة إذا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 148

كان قد لاحظه جزءا من العمل المستأجر عليه، و ستأتي الإشارة إليه.

المسألة 311:

إذا مات النائب بعد إحرامه بحج النيابة و قبل أن يدخل في الحرم ففي إجزاء ذلك عن المنوب عنه اشكال، و الأحوط عدم الإكتفاء به فلا بد من الاستنابة عنه مرة ثانية على الأحوط، و لذلك فيشكل الحكم باستحقاق النائب الأول الأجرة إذا كان قد آجر نفسه للعمل الذي تبرأ به ذمة المنوب عنه كما في المسألة المتقدمة، و إذا كان قد آجر نفسه للإتيان بأعمال الحج المخصوصة استحق من الأجرة بنسبة ما أتى به من الإحرام وحده إلى مجموع الأعمال، و هذا إذا لاحظ الأعمال في الإجارة بنحو تعدد المطلوب، و بنسبة الإحرام و معه السفر إذا كان قد لاحظ السفر جزءا من الأعمال المستأجر عليها، و إذا كان قد لاحظ الأعمال بنحو وحدة المطلوب لم يستحق من الأجرة شيئا على إحرامه و لا

على سفره.

المسألة 312:

إذا مات النائب قبل أن يأتي بشي ء من مناسك حجه فالأحوط بل الأقوى عدم إجزاء ذلك عن المكلف المنوب عنه فلا تبرأ ذمته من الحج إذا كان واجبا عليه، و ما ورد من الأخبار الدالة على أن الأجير ضامن للحج، فلعل المراد منه ان اللّٰه سبحانه يتفضل على المنوب عنه بثواب الحج إذا مات الأجير أو قصّر فلم يأت بالعمل المستأجر عليه، و لذلك فلا بد من الحج عن المنوب عنه.

المسألة 313:

إذا مات الأجير قبل أن يبدأ بشي ء من أعمال الحج المستأجر عليه، لم يستحق من الأجرة شيئا، سواء كان المستأجر عليه هو العمل المبرئ لذمة المنوب عنه، أم كانت هي الأعمال كلها على نحو

كلمة التقوى، ج 3، ص: 149

وحدة المطلوب، أو على سبيل تعدد المطلوب، فإن المفروض أن الأجير لم يأت بشي ء من ذلك.

و إذا كان قد سافر ليحج و قطع بعضا من الطريق و كان السفر بعضا من الأعمال المستأجر عليها، استحق من الأجرة بنسبة سفره إلى مجموعة الأعمال إذا كانت ملحوظة في عقد الاستئجار بنحو تعدد المطلوب.

المسألة 314:

الظاهر- و لو بمعونة القرائن العامة التي توضح المراد- ان الحج المستأجر عليه إذا كان هو الحج من البلد فالسفر منه إلى الحج و قطع المسافة داخل في الأعمال المستأجر عليها على نحو الجزئية فإذا مات الأجير قبل الإحرام من الميقات استحق من الأجرة ما يقابل سفره من البلد الى حين موته، و إذا كان المستأجر عليه هو الحج من الميقات، فالسفر إليه قبل الميقات غير داخل فيه فلا يستحق عليه شيئا.

المسألة 315:

إذا جامع الأجير زوجته في أثناء حجه عن المنوب عنه و قبل وقوفه في المشعر الحرام لزمه ما يلزم الحاج عن نفسه إذا ارتكب مثل هذا المحرّم، فيجب عليه أن يتم الحج الذي بيده، و يلزمه التكفير عن فعله الذي ارتكبه بنحر بدنة، و يجب عليه الحج من قابل على التفصيل الآتي بيانه في مبحث محرمات الإحرام، و الأقوى- كما دلت عليه النصوص الواردة هنا في حج النائب و في حج المكلف عن نفسه- أن الحجة التي ارتكب فيها ذلك الفعل هي الحجة الواجبة عليه، و أن الحج الثاني الذي يأتي به في القابل إنما يجب عليه عقوبة له على ما فعل، و نتيجة لهذا فيكون حجة الأول مجزيا للمنوب عنه و موجبا لبراءة ذمته من التكليف، و بإتمامه يستحق الأجير الأجرة المسماة له

كلمة التقوى، ج 3، ص: 150

في العقد، سواء أتى بالحج من قابل أم عصى هذا التكليف و لم يأت به، و سواء كانت إجارته للحج في سنة معينة أم كانت مطلقة غير معينة في الوقت، و سواء كان الحج المستأجر عليه واجبا أم مندوبا، بل و إن كان النائب متبرعا بالحج عن المنوب عنه، و الفارق أن المتبرع لا

يستحق على عمله أجرة.

المسألة 316:

يجوز للمكلف أن يتبرع عن الميت فيحج عنه بنفسه، من غير فرق بين أن يكون الحج الذي يتبرع به واجبا على الميت أو مندوبا، و سواء كان الحج الواجب هو حج الإسلام أم غيره من الواجب الذي يجب قضاؤه، و يجوز له أن يتبرع عن الميت بحج مندوب و إن كان الميت ممن استقر في ذمته حج واجب، و يجوز له أن يتبرع من ماله فيستأجر أجيرا ينوب عن الميت في حج واجب أو حج مندوب في كل الفروض التي تقدم ذكرها.

و يجوز للمكلف أن يتبرع عن إنسان حي فيحج عنه بنفسه حجا مندوبا، و إن كان على المنوب عنه حج واجب قد اشتغلت به ذمته، سواء كان متمكنا من أداء الواجب أم لا، فيصح التبرع عنه بالحج المندوب في كل أولئك على الأقوى، و يجوز له أن يتبرع من ماله فيستأجر من يحج عن ذلك الإنسان الحي حجا مندوبا في الفروض الآنف ذكرها.

و لا يصح التبرع عن إنسان حي في حج واجب عليه، حتى إذا كان معذورا لا يستطيع الإتيان بالحج لمرض أو هرم أو لعذر آخر لا يرجى زواله، على الأحوط لزوما في المعذور، و على الأقوى في غيره، و تلاحظ المسألة المائة و الحادية و السبعون.

المسألة 317:

إذا استأجر ولي الميت أو وصيّه أجيرا ليؤدي الحج عن الميت

كلمة التقوى، ج 3، ص: 151

إن شاء بنفسه و إن شاء بغيره، جاز للأجير أن يستأجر شخصا آخر للنيابة فيه، سواء كانت إجارة المستأجر الأول له على عمله الخارجي أم على الحج في ذمته، فإذا استأجر شخصا آخر للنيابة في الحج كان هذا الشخص نائبا عن النائب، و يكفي في صحة عمله أن يقصد الحج

عن الميت المنوب عنه امتثالا للأمر المتوجه إليه، فإذا أتم حجه كذلك برئت ذمة الميت من التكليف بالحج إذا كان واجبا عليه، و برئت ذمة الأجير الأول و الأجير الثاني من الحج الذي وجب عليهما بالإجارة، و استحق كل واحد منهما الأجرة المسماة له بالعقد معه.

المسألة 318 [الصورة الأولى]

إذا استأجر الإنسان أجيرا للحج أو العمرة عن شخص ثم مات الأجير قبل أن يأتي بالعمل الذي استؤجر عليه، فللمسألة صور تختلف باختلاف الفروض التي تقع عليها مضامين الإجارة بين المتعاقدين، و لكل صورة منها أحكام تجري فيها.

الصورة الأولى: أن يكون مضمون العقد الذي وقع بينهما تمليك نفس العمل الذي يعمله الأجير في الخارج و هو الحج أو العمرة للمستأجر، فيكون العمل المستأجر عليه هو أن يحج أو يعتمر بنفسه في الخارج عن الشخص المنوب عنه، و تكون هذه المنفعة الخاصة من منافع الأجير مملوكة للمستأجر بالعقد، فإذا مات الأجير قبل أن يأتي بالحج أو العمرة انفسخت الإجارة بموته، فإن عمل الإنسان بنفسه لا يمكن أن يقع من غيره، و لذلك فلا يستحق الأجير من الأجرة المسماة شيئا إذا كانت الإجارة على العمل الذي تبرأ به ذمة المنوب عنه، و قد تقدم بيان الحكم في ما إذا مات بعد أن سافر و قطع بعض الطريق، و كان السفر جزءا من العمل المستأجر عليه، و تلاحظ المسألة الثلاثمائة و الثالثة عشرة.

و كذلك الحكم إذا كان الأجير معذورا لا يستطيع أن يؤدي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 152

العمل الذي استؤجر عليه لبعض الأحداث التي أوجبت له عدم القدرة على ذلك.

المسألة 319: الصورة الثانية:

أن يكون مضمون عقد الإجارة مع الأجير هو أن يصبح الحج أو الاعتمار عن المنوب عنه دينا للمستأجر على الأجير يستقر في ذمته، و يجب عليه وفاؤه في الوقت المعين، سواء أتى بالعمل بنفسه أم استأجر له شخصا آخر يأتي به بالنيابة عنه، فإذا مات الأجير في هذه الصورة أو تعذّر عليه الإتيان بالعمل المستأجر عليه لم تنفسخ الإجارة الواقعة بينه و بين المستأجر، لإمكان صدور العمل

من غيره بحسب الفرض، فيجب على وارث الأجير بعد موته أن يستأجر أحدا ينوب عن مورّثه في العمل المستأجر عليه، و يكون هذا الأجير الثاني نائبا عن الأجير الأول و يأتي بالحج أو العمرة عن المنوب عنه الأول، فإذا أتم العمل و قام بالنيابة كما هو المطلوب صح عمله و برئت ذمم الجميع و استحق كل واحد من الأجيرين أجرته التي سميت له في العقد الخاص معه.

و إذا كان الأجير الأول لا يزال موجودا و تعذر عليه العمل وجب عليه أن يستأجر غيره ممن يقوم بالنيابة عنه، فتصح نيابته و تجري أحكامها الآنف ذكرها.

المسألة 320: الصورة الثالثة:

أن يكون مضمون الإجارة مع الأجير هو أن يصبح مدينا للمستأجر بالحج أو العمرة المستأجر عليهما- كما فصّلنا في المسألة المتقدمة-، ثم يشترط المستأجر على الأجير في ضمن العقد أن يأتي بالحج أو العمرة بنفسه، فإذا مات الأجير في هذه الصورة أو تعذر عليه أن يأتي بالعمل المستأجر عليه، لم تنفسخ الإجارة بين المتعاقدين بذلك، و ثبت للمستأجر خيار الفسخ لتخلف الشرط، فإذا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 153

اختار فسخ العقد استرد الأجرة من الأجير إذا كان موجودا، و من وارثه إذا كان ميتا، و إذا اختار إمضاء العقد فأمضاه، وجب على الأجير أو على وارثه إذا كان ميتا، أن يستأجر شخصا ينوب عنه في العمل من ابتدائه، و لا تكفي الاستنابة من موضع التعذر، إذا حدث الموت أو التعذر في الأثناء.

و قد بيّنا في المسألة الثلاثمائة و التاسعة و ما بعدها حكم ما إذا مات الأجير بعد أن أحرم بحج النيابة و دخل في الحرم فلتراجع.

المسألة 321:

إذا وجب الحج على المكلف للاستطاعة أو للنذر أو لسبب آخر، وجب عليه أن يأتي بحج تام مستقل في النيّة و في الأعمال، و لا يكفيه في الامتثال أن يأتي بحج يشرّك فيه مكلّفا غيره، فيكون الحج الواحد أصليا للمكلف نفسه و نيابيا للمكلف الآخر الذي شركه معه، فلا يصح ذلك سواء كان حج الآخر الذي شركه معه واجبا على ذلك الشخص أم مندوبا، و لا يكفيه في الامتثال أن يأتي بحج واحد يشرّك فيه مع ذلك الحج الواجب عليه حجا آخر عن نفسه أيضا، فيكون الحج الواحد امتثالا لكليهما، فلا يصح ذلك سواء كان الحج الثاني واجبا أيضا عليه أم مندوبا.

فإذا مات المكلف و كان الحج مما

يجب قضاؤه، وجب أن يكون القضاء عنه تاما مستقلا كذلك، فلا يجوز أن ينوب شخص واحد عن شخصين أو عن أشخاص في قضاء مثل ذلك الواجب، إذا كان القضاء في سنة واحدة، فيأتي بحج النيابة الواحد عنهم جميعا، و سيأتي ذكر صورة خاصة تستثنى من عموم هذا الحكم.

المسألة 322:

يجوز بل يستحب للإنسان إذا حج لنفسه حجا مندوبا أن يشرك معه أباه و أمه، و أقاربه و غيرهم من الأولياء و الصلحاء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 154

و المؤمنين في حجه، فينوي الحج لنفسه و النيابة عنهم في عمله و قد ورد الحث و التأكيد على ذلك في عديد من النصوص، ففي الحديث عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه (ع) في الرجل يشرك أباه أو أخاه أو قرابته في حجه، فقال (ع): (إذن يكتب لك حجا مثل حجهم، و تزداد أجرا بما وصلت)، و عن أبي الحسن (ع) قال قال أبو عبد اللّٰه (ع): (لو أشركت ألفا في حجتك لكان لكل واحد واحد حجة من غير أن تنقص حجتك شيئا) و يجوز له أن يأتي بالحج المندوب و هدي الثواب إليهم، بل يستحب له ذلك أيضا.

المسألة 323:

يجوز لشخص واحد أن ينوب عن شخصين أو أشخاص متعددين في الحج المندوب في سنة واحدة، فيأتي بحج واحد ينوي به النيابة عنهم جميعا، يمكن له أن يتبرع بذلك الحج عنهم، و يصح لهم أن يستأجروه لذلك، و يجوز له أن يحج ثم يهدي الثواب إليهم.

المسألة 324:

إذا نذر الرجل أن يحج و يشرّك معه أباه أو أمه أو غيرهما في حجه انعقد نذره، و لزمه الوفاء به مع القدرة، فإذا تمكن من الوفاء و لم يف به حتى مات وجب قضاء ذلك عنه بعد موته على حسب نذره، فيأتي النائب بحج واحد يشرّك فيه ما بين الناذر المنوب عنه و الأشخاص الذين نذر تشريكهم معه في حجه.

و إذا نذر رجلان أن يستأجرا أحدا يأتي بحج واحد عنهما معا على نحو التشريك بينهما انعقد نذرهما و وجب عليهما الوفاء به، فإذا استأجرا أحدا لذلك وجب على الأجير الحج عنهما كما استأجراه له، و كما عيّنا في نذرهما، فيأتي بحج واحد ينوب به عنهما معا على وجه التشريك بينهما.

و هذان الموردان هما الصورة المستثناة التي تصح فيها النيابة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 155

من شخص واحد في حج واجب واحد عن أكثر من شخص واحد، و تلاحظ المسألة الثلاثمائة و الحادية و العشرون.

المسألة 325:

يصح أن ينوب أشخاص متعددون في الحج عن شخص واحد في عام واحد إذا كان الحج مندوبا، سواء كان الشخص المنوب عنه ميتا أم حيا، فيأتي كل واحد من أولئك النواب بحجة تامة مستقلة عن ذلك الشخص المنوب عنه، و يمكن أن يقع ذلك منهم على وجه التبرع، و على نحو الاستئجار و يمكن أن يتبرع البعض منهم و يستأجر البعض، و يجوز ذلك أيضا إذا كان الحج واجبا، فإذا كانت على الميت حجة إسلام و حجة نذر أو أكثر مثلا، أو كانت عليه حجتان وجبتا عليه بالنذر، أو أكثر أمكن أن يستأجر أو يتبرع بها أشخاص متعددون فيأتي كل واحد منهم بحجة تامة عما في ذمة الميت.

و كذلك إذا

استقرت في ذمة المكلف حجتان أو أكثر بالاستئجار، و أوصى بأن تقضى عنه من ثلثه، فيمكن لوصيه بعد موته أن يستأجر نوابا متعددين في عام واحد، فيأتي كل نائب منهم بحجة خاصة منها.

و قد لا يتصور جريان هذا الحكم في النيابة عن الإنسان الحي في قضاء الحج الواجب عنه، فقد تقدم أن النيابة في الحج الواجب عنه لا تصح إلا إذا كان معذورا لا يقدر على الحج بنفسه لمرض أو هرم أو لعذر مستمر آخر لا يرجى زواله، و قد ذكرنا أن هذا لا يجري على الأحوط لزوما في غير حجة الإسلام من أقسام الحج الواجب، و حجة الإسلام إذا وجبت عليه فإنما هي حجة واحدة لا تعدد فيها، و من أجل ذلك فلا يتصور في الإنسان الحي تعدد حج واجب يصح قضاؤه بالنيابة عنه ليفرض تعدد النائب.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 156

و يمكن تصحيح الفرض فيه إذا وجبت عليه حجة الإسلام للاستطاعة و تعذر عليه الإتيان بها كما ذكرنا، و أراد أن يستنيب عنه أجيرين في عام واحد ليحجا عنه حجتين تامتين للاحتياط، فلعل إحدى الحجتين تقع باطلة فتكفيه الثانية، فيصح الفرض على هذا الوجه و تجوز له الاستنابة.

المسألة 326:

يستحب للنائب إذا حج عن غيره متبرعا عنه أو أجيرا أن يذكر اسمه في المواطن و المواقف، و لا يجب عليه ذلك إذا كان قد عيّنه في نيته حينما قصد النيابة عنه، و قد ذكرنا في ما تقدم انه يكفي في صحة النيابة أن يعين الشخص المنوب عنه على وجه الإجمال.

و يستحب له أن يقول عند إحرامه: (اللّهم ما أصابني من نصب أو شعث أو شدة فآجر فلانا فيه و آجرني في قضائي عنه).

كلمة التقوى،

ج 3، ص: 157

الفصل السادس في الحج الواجب بالنذر أو بالعهد أو باليمين
المسألة 327:

لا ينعقد نذر الصبي غير البالغ للحج و لا لغير الحج و ان كان مميزا أو بلغ عشر سنين بل و ان كان مراهقا، فلا يجب عليه الوفاء بنذره و لا تلزمه الكفارة إذا خالفه و لم يف به، و لا تترتب عليه الآثار الأخرى من قضاء و غيره، و ان قلنا بأن عبادات الصبي صحيحة شرعية، و لا تنعقد يمينه و لا عهدة إذا حلف باللّٰه ليحجنّ أو عاهد اللّٰه على ذلك و لا تلزمه أحكامهما.

و لا ينعقد نذر المجنون، سواء كان جنونه مطبقا أم كان ذا أدوار إذا أوقع النذر أو كان وقت الوفاء به في دور جنونه، و لا تنعقد يمينه و لا عهده كذلك و لا تترتب عليهما الآثار و الأحكام.

و لا ينعقد النذر و لا اليمين و لا العهد من المكره غير المختار في فعله، و لا من الغافل و الهازل و السكران غير القاصد، و قد بيّنا جميع هذا مفصلا في كتاب الأيمان و النذور و العهود، فليرجع اليه من أراد المزيد.

المسألة 328:

قال جماعة من الأعلام (قدس اللّٰه أنفسهم): لا ينعقد نذر الكافر إذا نذر للّٰه على نفسه حجا أو برأ أو صدقة، و نسب ذلك الى القول المشهور، و ذكروا له أدلة لا يمكن الاعتماد عليها في إثبات القول، و البحث في هذه المسألة قليل الجدوى، فإن الكافر إذا نذر الحج مثلا و قلنا بصحة نذره و انعقاده لا يمكنه الوفاء بالنذر في حال كفره لأن الحج عبادة لا تصح من الكافر، و ان كان قادرا على الإتيان به بسبب قدرته على الدخول في الإسلام، و إذا خالف النذر لم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 158

يكفه الإتيان بالكفارة

في حال كفره، فإن العتق و الصيام و الصدقة عبادات لا تصح من الكافر، و إذا أسلم سقطت الكفارة و سقط وجوب القضاء عنه بعد إسلامه، نعم، إذا أسلم و وقت الوفاء بالنذر لا يزال باقيا أشكل الحكم بسقوط الوفاء عنه بسبب إسلامه، و قد تقدم الإشكال في دلالة قول الرسول (ص) في الحديث المشهور:

(الإسلام يجبّ ما قبله)، على ذلك و لتراجع المسألة المائة و الخامسة و السبعون.

المسألة 329:

لا يصح نذر العبد المملوك في حج و لا عمرة و لا زيارة، و لا غير ذلك من الاعمال و النذور إلا بإذن سيده، و لا تصح يمينه كذلك و لا عهده بدون إذن، فإذا نذر للّٰه حجا أو عمرة أو غيرهما من القربات، أو حلف باللّٰه أو عاهده ليأتين بشي ء منها، و كان نذره أو يمينه أو عهده بغير اذن سيده لم ينعقد، و لم تترتب عليه آثار الصحة و توابعها.

و يشكل الحكم بالصحة أو بعدمها إذا نذر العبد شيئا أو حلف أو عاهد اللّٰه عليه بغير اذن سابق من مولاه ثم أجاز المولى فعله، فلعل النذر و العهد و اليمين من الأمور التي لا تجري فيها أحكام الفضولي.

المسألة 330:

لا يشترط على الأقوى في صحة يمين الولد أن يأذن له والده باليمين، و لا يشترط في صحة يمين الزوجة أن يأذن لها زوجها، فإذا حلف الولد يمينا أن يحج البيت أو يعتمر أو يزور، أو يفعل شيئا من الأشياء الراجحة انعقدت يمينه، و وجب عليه الوفاء بها، على ما أوضحناه في كتاب الأيمان و النذور، و ان لم يأذن له والده، و إذا سبق الوالد فنهى ولده عن اليمين ثم حلف الولد لم تنعقد يمينه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 159

بعد نهي أبيه عنها، و لم يجب عليه الوفاء بها، و لا تجب عليه الكفارة إذا حنث بها، و إذا لم يسبق من الوالد نهي و لا اذن باليمين انعقدت يمين الولد كما ذكرنا، و جاز للوالد ان يحلّ يمينه بعد انعقادها، فإذا حلّها بطلت و لم يجب عليه الوفاء بها، و لم تلزمه الكفارة إذا خالفها.

و مثله الحكم في الزوجة مع زوجها على

الأقوى، فتنعقد يمين الزوجة إذا حلفت بغير اذنه، و يجوز له حلّها و إبطالها إذا حلفت بغير اذنه، و إذا سبق الزوج فنهاها عن اليمين لم يصح لها الحلف بعد نهيه.

المسألة 331:

ورد في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: قال رسول اللّٰه (ص): (لا يمين للولد مع والده و لا للملوك مع مولاه و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية و لا يمين في قطيعة)، و هذا الصحيح هو مستند الحكم في المسألة الماضية، و انما وقع الاختلاف بين الفقهاء في الحكم لسبب اختلافهم في تقريب المراد من الحديث، و مورد الاستدلال هي الجمل الثلاث في أوله.

و لا يجدي شيئا في توضيح المراد من الحديث بل و يصح أن نقدر كلمة (وجود) في كل واحدة من الجمل المذكورة كما يراه جماعة من الأعلام فيكون حاصل التقدير في الجملة الأولى: لا يمين للولد مع وجود والده، و هكذا في الجملتين بعدها، فإن نتيجة ذلك أن يمين الولد لا تنعقد مع وجود والده و ان أذن له والده في اليمين و كذلك الزوجة و المملوك فلا تنعقد يمينهما مع وجود الزوج و المالك و ان أذنا لهما، و هذا المعنى غير مراد بل هو بيّن البطلان.

و لا يتضح المراد منه الا أن نقدر كلمة (إلّا بإذن) في كل جملة من الجمل المذكورة و يكون حاصل التقدير: لا يمين للولد الا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 160

مع اذن والده، و لا للمملوك الا مع اذن مولاه و لا للزوجة إلا مع اذن زوجها، فيكون الحديث على هذا دالا على قول جماعة من الأكابر، أو نقدّر كلمة (منع) و يكون تقديره:

لا يمين للولد مع منع والده، و لا للمملوك مع منع مولاه و لا للزوجة مع منع زوجها، و يكون دالا على القول الذي ارتضيناه، و قال به فريق من الفقهاء، و قيل أنه الرأي المشهور بينهم، و لا ريب في أن التقدير الثاني أقل مؤنة و أقرب الى التفاهم بين أهل اللسان من ألفاظ الحديث الشريف.

و إذا تردد الأمر بين التقديرين المذكورين و لم يمكن استيضاح أحدهما وجب الأخذ بالمتيقن منهما في تقييد المطلقات من أدلة وجوب الوفاء باليمين، و تكون النتيجة هي القول المختار أيضا، و قد أطلنا الكلام في المسألة لما فيه من التنبيه، و الحكم الذي ذكرناه انما يجري في الولد و الزوجة و أما المملوك فقد بيّنا حكمه في المسألة الثلاثمائة و التاسعة و العشرين، و قد دلت عليه الآية الكريمة الواردة في العبد المملوك.

المسألة 332:

لا يشترط في صحة نذر الولد و لا في صحة عهده أن يأذن له أبوه، فإذا نذر للّٰه حجا أو عمرة أو غيرهما من الأعمال و الأمور الراجحة في الدين أو الدنيا، أو عاهد اللّٰه على فعله انعقد نذره و عهده، و وجب عليه الوفاء به و ان لم يأذن له والده، و إذا نهاه الأب عن النذر أو عن الفعل المنذور لم يجز له النذر بعد سبق نهي أبيه و كذلك الحكم في العهد، و يشكل الحكم بإلحاق الأم بالأب في الأحكام المذكورة و لا تترك مراعاة الاحتياط في الموارد و هي مختلفة كما هو واضح، و إذا نذر الولد أن يفعل شيئا راجحا أو عاهد اللّٰه عليه ثم نهاه أبوه عنه بعد النذر أو العهد، ففي صحتهما إشكال.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 161

المسألة 333:

لا تجري الأحكام المذكورة في الوالد إذا كان كافرا، فلا اعتبار بنهيه إذا نهى ولده المسلم عن اليمين قبل أن يحلف، و لا أثر لحلّه إذا حلّ يمينه بعد الحلف، و لا اعتبار به إذا كان مجنونا.

المسألة 334:

لا فرق في جريان الأحكام الآنف ذكرها للولد بين أن يكون ذكرا أو أنثى في كل من النذر و العهد و اليمين، و في شمول الأحكام لولد الولد أو انصرافها عنه إشكال.

المسألة 335:

لا فرق في جريان أحكام النذر و العهد و اليمين بين الزوجة الدائمة و المتمتع بها فلا ينعقد نذرها إذا نذرت بغير اذن زوجها، و لا تنعقد يمينها إذا سبق الزوج فنهاها قبل أن تحلف و إذا سبقت هي فحلفت بغير اذنه انعقدت يمينها و لزمها الوفاء بها، و جاز للزوج حل يمينها، فإذا حلّها بطلت و لم تجب عليها الكفارة بمخالفتها.

المسألة 336:

لا فرق في المملوك بين أن يكون عبدا أو أمة فتجري فيه الأحكام السابقة في كل من النذر و العهد و اليمين، و لا فرق بين أن يكون المالك له رجلا أو امرأة و واحدا أو متعددا و إذا كانت الأمة متزوجة جرت عليها أحكام الأمة لسيدها و أحكام الزوجة لزوجها.

المسألة 337:

إذا أذن السيد لمملوكه فنذر للّٰه حجا أو عمرة أو غيرهما من القربات أو حلف أو عاهد اللّٰه على فعل ذلك انعقد نذره أو يمينه و لزمه الفعل، و لم يجز للسيد أن يرجع بإذنه أو يحلّ نذر العبد أو يمينه بعد الانعقاد، و إذا باع المولى عبده أو وهبه فانتقل العبد الى مالك آخر، أو مات المولى فانتقل المملوك الى الوارث لم ينحل بذلك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 162

نذر العبد و لا عهده و لا يمينه، و لم يسقط عنه وجوب الوفاء، و ان لم يأذن المالك الجديد له بفعله.

المسألة 338:

إذا أذن الرجل لامرأته فنذرت حجا أو عمرة أو غيرهما انعقد نذرها و وجب عليها الوفاء به و لم يجز للزّوج أن يرجع باذنه لها و لا ينحل نذرها برجوعه إذا رجع، و إذا أذن لها باليمين فحلفت فليس له أن يرجع بإذنه أو يحلّ اليمين، و كذلك الحكم في الولد، فإذا أذن له والده فحلف أن يحج أو يعتمر أو يزور وجب عليه أن يبر بيمينه و لم يجز للوالد أن يرجع بإذنه أو يحلّ يمينه بعد ان انعقدت.

المسألة 339:

إذا أقسم الولد يمينا على فعل أمر راجح و لم يسبق له من الوالد اذن فيه و لا منع منه انعقدت يمينه كما قلنا سابقا، و جاز لأبيه أن يحلّ يمينه، و يجوز للولد على الأظهر أن يطلب من والده حل تلك اليمين، فإذا أجابه و حلّ يمينه بطلت و سقط حكمها، و كذلك إذا حلفت الزوجة على شي ء من غير اذن و لا منع من زوجها، فتنعقد يمينها و يجوز للزوج حلّها و يسوغ للمرأة أن تطلب من الزوج حلّ اليمين و إبطالها.

المسألة 340:

إذا نذرت المرأة و هي خلية لم تتزوج بعد: أن تحج البيت أو تعتمر أو تصوم يوما معيّنا من كل أسبوع انعقد نذرها، و إذا حلفت على شي ء من ذلك انعقدت يمينها، و لزمها البر بما نذرته أو حلفت عليه، فإذا تزوجت بعد ذلك لم يسقط نذرها و لا يمينها و ان لم يأذن لها الزوج به، بل و ان منعها منه، أو كان منافيا لحقه من الاستمتاع، و لا يحق له أن يمنعها من أدائه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 163

و مثله ما إذا كانت ذات بعل و أذن لها بعلها فنذرت أو حلفت باذنه فيلزمها الوفاء بنذرها و حلفها، و إذا فارقها الزوج بموت أو بطلاق و تزوجت غيره لم يسقط الوجوب عنها و جرت الأحكام السابقة، و ان لم يأذن لها الزوج الثاني أو منعها من العمل الذي نذرته أو كان منافيا لحقه.

المسألة 341:

إذا نذرت المرأة قبل أن تكون ذات بعل- كما هو المفروض في المسألة السابقة- أو حلفت شملتها أدلة وجوب الوفاء بالنذر أو اليمين من عامّات و مطلقات من غير معارض كما هو المفروض، و وجب عليها الحج أو الصوم الذي نذرته أو أقسمت عليه، و إذا تزوجت بعد ذلك و وجبت عليها اطاعة الزوج و تمكينه من استيفاء حقه، فإنما يجب عليها ذلك في غير زمان الحج المنذور، و في غير أيام الصوم المنذورة فقد ثبت وجوب الحج و الصوم عليها شرعا، و لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، فيكون وجوب الحج و الصوم عليها رافعا للموضوع في وجوب طاعة الزوج و ثبوت حقه.

و إذا نذرت المرأة ذلك نذرا مشروطا بالتزويج، فقالت: للّٰه علي ان تزوجت زيدا أن أحج البيت

أو أن أصوم يوم الخميس من كل أسبوع أشكل الحكم بانعقاد نذرها أو حلفها، فإن الحج أو الصوم لا يجب عليها الا بعد تزويجها بزيد حسب ما اشترطت، و إذا تزوجت به وجبت عليها طاعة الزوج كذلك فيكون وجوب الوفاء بالنذر و وجوب طاعة الزوج كلاهما في وقت واحد و لا يكون أحدهما رافعا لموضوع الآخر كما في الفرض المتقدم، و لعل الأقرب عدم انعقاد النذر إذا لم يأذن به الزوج، و خصوصا إذا منع منه، و إذا كان الزوج نفسه قد نذر أو حلف أيضا ان تزوج بها أن يجامعها في كل خميس كان انعقاد نذر المرأة أشد إشكالا و أولى بالحكم بالعدم.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 164

المسألة 342:

قد ينذر الإنسان أن يحج البيت من مكان خاص يعيّنه في نذره، فإذا قصد نذر الفرد الخاص من مطلق الحج، و هو الحج من ذلك الموضع، تعيّن عليه العمل بنذره، و كفاه في صحة نذره رجحان أصل الحج بقصد هذا الفرد منه، و كذلك إذا كانت للمكان الذي عيّنه مزية توجب رجحان العمل المنذور أو مزيد الإخلاص و التقرب فيه، فينعقد النذر و يجب العمل به، فإذا حج من موضع آخر لم تبرأ ذمته بذلك حتى يحج من المكان الذي عيّنه، فإذا حج من ذلك الموضع في سنة ثانية كفاه ذلك في الوفاء بالنذر و لم تجب عليه الكفارة.

و إذا نذر الحج من مكان معيّن- كما تقدم- في سنة معيّنة لزمه ذلك، فإن هو حج في تلك السنة من موضع آخر لم يكفه ذلك و وجبت عليه كفارة النذر، و لا تبرأ ذمته إذا حج من ذلك الموضع في سنة أخرى لأنه غير الحج المنذور، و

هذا كله إذا كان نذره للحج من المكان الخاص على احدى الصورتين المذكورتين.

و إذا نذر ان وفقه اللّٰه للحج أن يجعل حجه من المكان المعيّن، و لم يكن على احدى الصورتين الآنف ذكرهما لم ينعقد نذره، لعدم الرجحان في متعلق النذر، فإذا حج من مكان آخر أو من بلد آخر كان حجه صحيحا، و لا كفارة عليه لعدم انعقاد نذره.

المسألة 343:

إذا نذر المكلف أن يحج حجة الإسلام من بلد خاص أو من مكان خاص- على أحد الوجهين الآنف ذكرهما في المسألة الماضية- انعقد نذره، و وجب عليه أن يأتي بحجة الإسلام من البلد أو الموضع الذي عيّنه، فإذا خالف نذره و أتى بحجة الإسلام من موضع آخر صحت حجته، و برأت ذمته من الفرض، و لزمته الكفارة لمخالفة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 165

النذر، و الأحوط استحبابا اعادة حجة الإسلام من الموضع المعيّن مع الكفارة.

و مثله ما إذا نذر للّٰه حجة مطلقة و لم يعيّن لابتداء حجته بلدا أو مكانا خاصا، ثم نذر نذرا آخر أن يحج حجته المنذورة من مكان معين على احدى الصورتين الآنف ذكرهما، فينعقد النذران و يجب عليه أن يأتي بحجته المنذورة من ذلك الموضع، فإذا أتى بالحجة من غير ذلك الموضع صح عمله و برأت ذمته من النذر الأول و وجبت عليه الكفارة لمخالفة النذر الثاني، و الأحوط إعادة الحج من ذلك الموضع مع الكفارة كما سبق في نظيره.

المسألة 344:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 3، ص: 165

إذا نذر المكلف أن يحج البيت أو يعتمر، و لم يقيد حجته أو عمرته بوقت معيّن وجب عليه ان يفي بنذره وجوبا مطلقا كما نذر، و لذلك فيجوز له تأخير الامتثال حتى يظن عروض الموت له، أو يظن حدوث بعض العوارض التي يفوت بها الامتثال، و تمنعه من أداء الواجب من مرض أو هرم أو ضعف أو غير ذلك، فتجب المبادرة إلى الأداء حين ذلك، و لا يجوز له التأخير إذا استلزم تهاونا بأمر الله، أو استخفافا

بحكم الشريعة.

و إذا نذر الحج و عيّن له سنة خاصة وجب عليه الحج في تلك السنة و لم يجز له أن يتأخر عنها، و إذا ترك الحج فيها من غير عذر كان آثما عاصيا بذلك و وجبت عليه الكفارة، و الظاهر عدم وجوب قضاء هذا الحج عنه إذا كان حيا و لا على وارثه أو وليه إذا كان ميتا، و ان كان القضاء أحوط فلا ينبغي له تركه.

المسألة 345:

إذا نذر الشخص أن يحج البيت نذرا مطلقا و لم يعيّن لحجته المنذورة وقتا، و تمكن من الوفاء بنذره و لم يتمثل حتى مات،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 166

فالأحوط لزوما وجوب القضاء عنه بعد موته، بل هو الأقوى.

و الظاهر أن قضاء حجته المنذورة الآنف ذكرها يكون من أصل تركته، و لا تخرج كفارة مخالفة النذر من أصل التركة و إن وجبت عليه إذا تعمد المخالفة، فإذا أوصى بها أخرجت من ثلثه، و إذا لم يوص بها سقطت و لزمته الآثام.

المسألة 346:

إذا نذر الإنسان أن يحج البيت و لم يستطع الوفاء بالنذر، سقط عنه الوجوب، بل كشف ذلك عن عدم انعقاد نذره من أول الأمر، فلا يجب على وليه القضاء عنه إذا مات، سواء كان نذره مطلقا أم مقيدا بسنة معيّنة.

المسألة 347:

إذا نذر المكلف للّٰه حجا أو عمرة- أو غيرهما من القربات أو الأمور الراجحة- و علّق نذره على حصول شي ء، فقال: للّٰه عليّ حج البيت ان شفى اللّٰه زيدا من مرضه، أو ان رجع علي من سفره، و مات الناذر قبل ان يتحقق له الأمر الذي علّق عليه نذره، بطل النذر و لم يجب قضاء الحج عنه و ان حصل الشرط بعد موته، فإن الفعل المنذور غير مقدور له بعد الموت، فلا يكون واجبا عليه و لذلك فلا يجب القضاء على وليه، من غير فرق بين ان يكون النذر من الوجوب المشروط، أو الواجب المعلق.

المسألة 348:

إذا نذر الرجل أن يحج البيت و تمكن بعد النذر من الوفاء به و لم يف به، استقر الحج المنذور في ذمته، فإذا عرض له بعد التمكن من الأداء و استقرار الوجوب في ذمته مرض أو هرم أو عذر آخر مستمر لا يرجى زواله و لا يتمكن معه من الإتيان بالحج بنفسه، لم تجز له الاستنابة عنه في حال حياته، و قد تقدم في المسألة المائة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 167

و السادسة و الستين ان جواز الاستنابة عند طروء مثل هذه الحالة يختص بحج الإسلام، و لا يعم الحج الواجب بالنذر و لا غيره من أنواع الحج الواجب، فإذا مات وجب القضاء عنه من أصل تركته.

و إذا نذر الحج ثم عرض له العذر المانع من الأداء قبل أن يتمكن من الوفاء بنذره، أو قبل أن يوجد الشرط الذي علّق عليه نذره، أو نذر الحج و هو مريض أو معذور بأحد الأعذار المذكورة، لم ينعقد نذره لعدم القدرة، فلا تجب عليه الاستنابة في حياته، و لا يجب القضاء عنه بعد

وفاته.

المسألة 349:

إذا نذر الرجل أن يبذل نفقة الحج لأحد ليحج بها، و قيد نذره في سنة معيّنة، فخالف نذره- مع قدرته على الوفاء به- و لم يبذل النفقة للشخص المنذور له حتى انقضى الوقت، ففي وجوب القضاء عليه إذا كان حيا، و وجوب قضاء الوارث عنه إذا كان ميتا تأمل و اشكال، و لا يترك الاحتياط بالقضاء، و تجب عليه الكفارة لمخالفة النذر، و إذا مات فإن كان قد اوصى بها، أخرجت من ثلث التركة، و ان لم يوص بها سقطت.

المسألة 350:

إذا نذر أن يحج أحدا من ماله- كما في الفرض المتقدم- و لم يقيّد ذلك بسنة معيّنة، فإن تمكن من الوفاء بنذره و لم يف به حتى مات، وجب على الورثة القضاء عنه من أصل تركته، و إذا هو لم يتمكن من الوفاء به حتى مات أشكل الحكم بوجوب القضاء عنه، و الوجوب أحوط.

و نظير ذلك في الحكم ما إذا نذر أن يدفع الى الفقراء أو الى اليتامى- مثلا- مبلغا معيّنا من المال و مات قبل ان يفي بنذره، فإن كان قد تمكن من الوفاء بالنذر في حياته و لم يف به حتى مات وجب

كلمة التقوى، ج 3، ص: 168

القضاء عنه من أصل تركته، و ان لم يتمكن من الأداء في حياته فالأحوط القضاء عنه بعد الموت.

المسألة 351:

إذا نذر الرجل ان يحج أحدا من ماله و علّق نذره على حصول شرط، و مات الناذر ثم حصل الشرط بعد موته، فالظاهر عدم وجوب قضاء الولي عنه بعد الموت، و مثال ذلك أن يقول: لهّٰ عليّ ان رزقني اللّٰه ولدا ذكرا أن أدفع لزيد نفقة الحج من مالي و أحجه بها، و يموت الناذر ثم يولد له ولد ذكر بعد موته، فلا يجب على الوارث أن يدفع لزيد نفقة الحج من التركة قضاء عن الميت، و الرواية التي دلت على القضاء عنه مما ترك غير صالحة للاعتماد عليها في المورد.

المسألة 352:

إذا نذر المكلف المستطيع للحج أن يحج حجة الإسلام انعقد نذره على الظاهر، و ان كانت حجة الإسلام واجبة عليه بالفعل بسبب الاستطاعة، و أفاد نذره إياها تأكد الوجوب عليه من الناحيتين، فإذا أتى بالحج مرة واحدة فقد امتثل كلا الأمرين، و برئت ذمته من التكليف الواحد المؤكد، و إذا ترك الحج ثم مات، وجب القضاء عنه من أصل تركته، و لزمته الكفارة لمخالفة النذر، فإذا اوصى بها أخرجت من الثلث، و ان لم يوص بها سقطت.

و إذا نذر أن يحج حجة الإسلام في السنة الاولى من استطاعته تعيّن عليه ذلك من الناحيتين أيضا، فإذا ترك الحج في تلك السنة عصى لمخالفته تكليف الحج و تكليف النذر، و سقط نذره لمخالفته، و انقضاء وقته، و لزمته كفارة النذر على الوجه الذي سبق بيانه، و لم يسقط عنه التكليف بحجة الإسلام في العام المقبل.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 169

المسألة 353:

إذا كان المكلف مستطيعا للحج وجبت عليه المبادرة إلى الحج في عامه، و لم يجز له التأخير إلا لعذر يسوّغ له ذلك، و قد تقدم ذكر هذا مرارا، فإذا نذر المكلف المستطيع أن يحج حجة الإسلام في سنة تتأخر عن عام الاستطاعة لم ينعقد نذره، و كان باطلا لعدم الرجحان، و وجب عليه ان يبادر للإتيان بحج الإسلام.

المسألة 354:

إذا نذر المكلف ان يحج حجة الإسلام، و كان نذره قبل ان يستطيع للحج استطاعة مالية انعقد نذره، و وجب عليه ان يسعى لتحصيل مقدمة الواجب، و هي الاستطاعة الشرعية للحج فإذا حصلت له بالكسب، أو بالهبة من أحد، أو بالبذل، وجب عليه ان يؤدي التكليف بالحج و الوفاء بالنذر بحجة واحدة كما تقدم، إلا إذا قصد في نذره ان الاستطاعة شرط في النذر كما هي شرط في وجوب حجة الإسلام، فلا يجب عليه تحصيلها في هذا الفرض، و إذا كان قد أخّر حج الإسلام عن عام الاستطاعة عامدا و وجب عليه ان يحج و لو متسكعا، ثم نذر ان يأتي بحجة الإسلام انعقد نذره و لزمه ان يحج كذلك و لو متسكعا بسبب النذر و بسبب التكليف الأصلي بالحج.

المسألة 355:

يشترط في صحة النذر و انعقاده ان يكون الفعل المنذور مقدورا للناذر في وقت الوفاء، فلا ينعقد النذر إذا كان متعلقة غير مقدور له في ذلك الحين، و قد فصّلنا هذا في كتاب الأيمان و النذور، و تلاحظ المسألة التاسعة و الستون و ما بعدها من الكتاب المذكور، و لا فرق في هذا الشرط بين نذر الحج و غيره، فإذا نذر المكلف للّه حجا أو عمرة و كان قادرا على الإتيان به في وقت الوفاء انعقد نذره و وجب عليه الحج أو العمرة، و لا تعتبر فيه الاستطاعة المالية و غيرها

كلمة التقوى، ج 3، ص: 170

التي اشترطتها الشريعة في وجوب حجة الإسلام، إلا إذا نذر حجة الإسلام كما ذكرنا في المسائل المتقدمة.

المسألة 356:

إذا كان الرجل مستطيعا لحج الإسلام، و نذر و هو في عام الاستطاعة أن يحج فيه غير حجة الإسلام، لم ينعقد نذره، لوجوب حجة الإسلام عليه في عام الاستطاعة فلا يكون غيرها مقدورا للناذر، إلا إذا قيد نذره بزوال استطاعته للحج، فقال: للّٰه عليّ ان أحج في هذا العام غير حجة الإسلام إذا زالت استطاعتي للحج، فينعقد نذره، و يجب عليه عند زوال استطاعته أن يفي بحجة النذر، و إذا لم تزل استطاعته وجب عليه أن يأتي بحجة الإسلام.

المسألة 357:

إذا نذر الرجل ان يحج البيت في ذلك العام، و كان في حال نذره غير مستطيع لحج الإسلام انعقد نذره، و ان اتفق ان حدثت له الاستطاعة للحج بعد النذر، فيحج الحجة المنذورة في تلك السنة، ثم ينتظر الى العام المقبل، فإن كانت استطاعته للحج لا تزال باقية، أو زالت ثم تجددت له قبل موسم الحج وجبت عليه حجة الإسلام، و ان زالت استطاعته و لم تعد لم تجب عليه الحجة.

و كذلك الحال إذا نذر الحج، و قيّد نذره بأن يأتي به فورا، فيجري فيه جميع ما تقدم من الأحكام.

المسألة 358:

إذا نذر و هو غير مستطيع ان يحج البيت، و لم يعيّن لحجة المنذور سنة خاصة أو عيّن له سنة متأخرة عن العام الحاضر، ثم حصلت له الاستطاعة بعد النذر وجب عليه أن يأتي بحجة الإسلام في سنة الاستطاعة، ثم يأتي بحجة النذر بعدها متى شاء إذا كان نذرها مطلقا، و في السنة التي عيّنها إذا كان النذر معينا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 171

و إذا أهمل في هذا الفرض، فترك حجة الإسلام في عام الاستطاعة عصى و أثم بذلك، و وجب عليه أن يأتي بها في السنة الثانية إذا كان النذر مطلقا، و أخّر حجة النذر عنها، و إذا كان قد عيّن تلك السنة لحجة النذر أتى بها كما نذر و أخّر حجة الإسلام الى ما بعدها.

المسألة 359:

إذا نذر الإنسان ان يحج البيت، و قيّد نذره بأن يأتي بالحج فورا، و كان غير مستطيع لحج الإسلام في حين نذره ثم حصلت له الاستطاعة بعد النذر انعقد نذره- كما قلنا قبل مسألة- و وجب عليه تقديم حجة النذر، فإذا أهمل و ترك حجة النذر في عامه الأول أثم بتأخيرها و عصى، و وجب عليه أن يأتي بها في السنة الثانية، و أخّر حجة الإسلام الى ما بعدها.

و إذا نذر ان يحج في السنة الاولى ثم حصلت له الاستطاعة لحجة الإسلام بعد نذره قدّم حجة النذر- كما ذكرنا في المسألة الثلاثمائة و السابعة و الخمسين-، فإذا ترك حجة النذر في السنة المعيّنة لها أثم، و وجب عليه أن يأتي بحجة الإسلام في السنة الثانية، و قد بيّنا في المسألة الثلاثمائة و الرابعة و الأربعين ان النذر الموقت في سنة معيّنة مما لا يجب قضاؤه على الأقوى، و

ان كان القضاء أحوط و لا ينبغي تركه.

المسألة 360:

إذا نذر المكلف ان يحج البيت الحرام نذرا مطلقا، و كان في حين نذره مستطيعا للحج أو حصلت له الاستطاعة بعد النذر، اتبع قصده، فإن قصد في نذره ما يعمّ حجة الإسلام كفاه في امتثال الواجب عليه أن يأتي بحجة واحدة، فتكون هي بذاتها حجة الإسلام و حجة النذر، و لا يكون ذلك من التداخل، و ان قصد بنذره حجا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 172

غير حجة الإسلام وجب عليه ان يحج حجة الإسلام للاستطاعة، و ان يحج حجة أخرى للنذر، و يقدم منهما حجة الإسلام إذا كانت استطاعته لها سابقه على النذر أو كان النذر موسّعا في الوقت و ان كان سابقا على الاستطاعة، و يقدم حجة النذر إذا كانت مضيّقة في الوقت و كان النذر سابقا على الاستطاعة.

المسألة 361:

إذا نذر المكلف ان يحج البيت ان شفى اللّٰه مريضه مثلا، و كان غير مستطيع للحج في حال نذره ثم حصلت له الاستطاعة قبل ان يوجد الشرط الذي علق عليه نذره، قدم حجة الإسلام على حجة النذر، و ان كان النذر سابقا، لعدم وجوب الوفاء بالنذر قبل حصول شرطه، و يشكل الحكم بتقديم حجة الإسلام إذا كان نذره مقيدا بالفور، و حصل الشرط الذي علّق عليه نذره بعد الاستطاعة و قبل خروج الرفقة، أو بعد خروجهم و أمكنه أن يفي بالنذر.

المسألة 362:

إذا وجبت على المكلف حجة الإسلام و حجة منذورة و استطاع أن يأتي أما بحجة الإسلام أو بالحجة المنذورة خاصة، و لم يمكنه الإتيان بهما معا لبعض الأعذار المانعة، تعيّن عليه أن يأتي بحجة الإسلام، لأنها أهم في نظر الشارع، أو هي محتملة الأهمية على الأقل، و ان كان النذر سابقا على الاستطاعة، فلا يلتفت الى السبق و اللحوق في هذا المورد بخلاف الفروض المتقدمة.

و إذا مات المكلف و قد استقرت في ذمته حجة الإسلام و حجة النذر المطلق معا، و قصرت تركته عن الوفاء بكلتا الحجتين، و لم تف الا بقضاء إحداهما دون الأخرى، قدمت حجة الإسلام كذلك و ان كان النذر سابقا على الاستطاعة، فلا يلتفت الى السبق و اللحوق كما في المورد المتقدم، و إذا وفت التركة بقضاء الحجتين معا، وجب

كلمة التقوى، ج 3، ص: 173

إخراجهما من التركة و لو باستئجار أجيرين للنيابة في قضائهما في عام واحد.

المسألة 363:

يجوز للمكلف الذي وجب عليه حج منذور و كان النذر موسعا:

أن يحج قبل الوفاء به حجا مندوبا لنفسه أو لغيره، و يجوز له إذا كان الحج المنذور الذي استقر في ذمته مقيدا بسنة متأخرة، أن يحج حجا مندوبا في السنة المتقدمة عليها، لنفسه أو لغيره كذلك.

المسألة 364:

إذا نذر الشخص ان يحج البيت بنفسه، أو يحج أحدا غيره بأن يدفع له نفقة كافية و يحمله على الحج بها، انعقد نذره و كان في الوفاء مخيرا بين الأمرين المذكورين، فأيهما أتى به كان وفاء للنذر، و إذا طرأ له عذر مانع عن أحد الأمرين المنذورين فأصبح ذلك الأمر غير مقدور له، تعيّن عليه أن يأتي بالمنذور الآخر المقدور له، كما هو الحكم في خصال الكفارة المخيرة متى عجز عن بعض خصالها وجب عليه أن يأتي بالخصلة المقدورة منها.

و إذا مات الناذر قبل أن يفي بنذره الآنف ذكره وجب على وليه أو وصيه ان يقضي ذلك من أصل تركته وجوبا تخييريا بين الأمرين كما هو الحال في أصل النذر، فأيهما قضاه عنه أجزأه عن نذره في كلتا الحالتين اللتين تقدم ذكرهما، فإذا كان أحد المنذورين قد تعذر على الناذر في حياته و تعيّن عليه أن يأتي بالمنذور الآخر ثم مات و لم يأت به تخير الولي بعد موته في القضاء عنه بين الأمرين، و لا تتعيّن عليه الخصلة التي كانت مقدورة للناذر في حياته.

المسألة 365:

إذا علم ولي الميت ان على ميّته حجا واجبا قد استقر في ذمته، و تردد الولي بين ان يكون هو حج الإسلام أو حجا وجب

كلمة التقوى، ج 3، ص: 174

عليه بالنذر، وجب عليه قضاء الحج عن الميت من تركته، و يكفيه في القضاء حج واحد ينوي به ما في ذمة الميت من غير تعيين، و لا يجب عليه قضاء كفارة النذر عنه.

المسألة 366:

تكاثرت الأحاديث الدالة على استحباب المشي على القدم في حج البيت، و تضافرت في الدلالة عليه، حتى ورد فيه: (ما عبد اللّٰه بشي ء أشدّ من المشي و لا أفضل) و روي انه (ما تقرب العبد الى اللّٰه عز و جل بشي ء أحب إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين)، و (ان الحجة الواحدة تعدل سبعين حجة)، الى غير ذلك من الروايات، و لا ريب في ان المقصود من هذه الأدلة الحث على المشي الذي يكون راجحا في الشريعة، و هو ما يقصد به الحاج الماشي على قدميه تعظيم اللّٰه و إجلاله و إظهار شدة العبودية له و كمال الانقطاع اليه، أو يريد به اعظام شعائر اللّٰه و تقديس شريعته و أحكامه، أو يريد به إظهار حرمة البيت و المشاعر الكريمة، أو ينوي به نيل مزيد القرب منه و المثوبة لديه، فإن أفضل الأعمال أحمزها كما في الحديث، و أشباه هذه الغايات، فإذا نذر الإنسان ان يمشي على قدميه في حجة الإسلام الواجبة عليه، أو في حجته المنذورة، أو في حجه المندوب لإحدى الغايات المذكورة، انعقد نذره و وجب عليه الوفاء به، و كذلك إذا نذر المشي في الحج لأصل رجحان المشي و استحبابه الذي دلت عليه مطلقات الأحاديث المشار إليها، فينعقد

نذره و يلزمه الوفاء به.

و إذا نذر أن يحج ماشيا فكان نذره لأصل الحج و الإتيان به ماشيا انعقد نذره لوجود الرجحان المشترط في كل من الحج و المشي و هو واضح.

و قد ورد في الاخبار أيضا ما ينافي ذلك في بعض الحالات،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 175

فقد روي عن أبي بصير انه سأل الصادق (ع) عن المشي أفضل أو الركوب، فقال (ع): (إذا كان الرجل موسرا، فمشى ليكون أقل لنفقته فالركوب أفضل)، و من البيّن ان المشي بهذا القصد لا رجحان فيه أصلا، فإذا نذر الإنسان المشي لهذه الغاية أشكل الحكم بانعقاد نذره، بل الوجه عدم الصحة.

المسألة 367:

قد يبدو للإنسان أن يحج ماشيا لتكون نفقته أقل من نفقة الحج راكبا كما تقدم في رواية أبي بصير، فينذر ان يحج كذلك لهذه الغاية، و قد ذكرنا ان المشي في مثل هذا الفرض لا رجحان فيه أصلا، و يظهر من بعض العلماء ان ذلك من النذر الصحيح، فإن الناذر انما ينذر فردا من أفراد العبادة الصحيحة، فيكفيه في صحة نذره رجحان أصل الحج و ان لم يكن القيد الذي قيّد به النذر و هو المشي راجحا لتلك الغاية التي لاحظها.

و لا ريب في صحة النذر إذا تعلق بفرد من افراد العبادة و كان الفرد من الأفراد المتعارفة لتلك العبادة، و ان لم يشتمل على مزية تزيد على أصل العبادة في الرجحان، كما إذا نذر المكلف ان يحج راكبا، أو نذر ان يحج مع أول قافلة تسير من البلد، و قد تقدم في المسألة الثلاثمائة و الثانية و الأربعين و ما بعدها حكم ما إذا نذر الإنسان ان يحج البيت من مكان خاص يعيّنه في نذره و

ما يتفرع على ذلك و يتصل به، و لا أظن ان التعميم للأفراد المرجوحة من العبادة أو التي لا رجحان فيها أصلا لبعض الجهات التي توجب النقصان فيها عن الافراد المتعارفة مما يمكن الالتزام به كما يراه ذلك البعض من العلماء، فيحكم بانعقاد النذر و بوجوب الوفاء به إذا نذر مثلا أن يحج و هو مكتوف اليدين بعد الإحرام و في المواقف و عند الإتيان بالاعمال، و يلزمه الوفاء إذا نذر ان يحج في سيارة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 176

بيضاء أو من نوع و طراز مخصوص، أو أن يحرم في ثياب من صنع بلد خاص أو معمل معين، و يجب عليه الوفاء إذا نذر الصلاة في ساتر يستر العورتين خاصة، و هكذا، و الظاهر أن أدلة صحة النذر للعبادة لا تشمل ذلك، فإذا نذر الناذر مثل هذه النذور فلا بد من الالتزام بإلغاء القيد إذا كان نذر الناذر له على نحو تعدّد المطلوب، و ببطلان النذر من أصله إذا كان على وجه وحدة المطلوب.

المسألة 368:

إذا نذر الرجل أن يحج البيت راكبا انعقد نذره، و وجب عليه الوفاء به كما قلنا في المسألة السابقة، فلا يجوز له المشي على القدمين في طريق الحج، و في الموارد التي يلزمه الركوب فيها كالمسافات ما بين المشاعر وفاء بنذره، و يتبع قصده إذا نذر أن يكون راكبا في حال الوقوفين و عند المسير الى الجمار و في حال الرمي، و على وجه الإجمال يتبع قصده في تحديد أمكنة الركوب و أزمنته.

المسألة 369:

يصح للمكلف أن ينذر المشي في بعض طريقه الى الحج، فإذا نذر أن يمشي في كل يوم ساعة أو ساعتين مثلا، أو فرسخا أو فرسخين، أو نذر أن يمشي من الميقات إلى مكة، أو من مكة إلى الموقفين، أو الى أن يتم أعمال الحج اتبع نذره و قصده في جميع ذلك، و وجب عليه العمل بمقتضى ذلك.

المسألة 370:

إذا نذر الإنسان أن يحج البيت ماشيا حافي القدمين، أو نذر أن يمشي الى البيت حافيا انعقد نذره في كلتا الصورتين على الأقوى، و وجب عليه الوفاء به، فلا يكفيه أن يحج راكبا و لا يكفيه أن يمشي و هو منتعل.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 177

المسألة 371:

يشترط في صحة نذر الإنسان للمشي أو الحفاء ان يكون الناذر قادرا على الوفاء بنذره، من غير فرق بين صور النذر التي ذكرناها، فلا ينعقد النذر في شي ء منها، إذا كان الناذر عاجزا غير قادر على المشي أو الحفاء الذي تعلق به نذره، و يشترط في صحته ان لا يكون المشي أو الحفاء مضرا ببدنه بحيث يكون محرما مرجوحا، فلا ينعقد نذره إذا أوجب له ذلك.

و إذا نذر المشي أو الحفاء و كان ذلك يوجب له حرجا و مشقة شديدة و لكنها لا تبلغ الضرر المحرم، فإن كان الناذر في حال نذره يعلم بأن ما نذره يوجب له الحرج من أول الأمر أو يعلم بأنه يوجب له الحرج بعد ذلك، انعقد نذره و وجب عليه الوفاء به لإقدامه على ما يوجب له الحرج مختارا و ان حصل له الحرج بالفعل فلا يبطل نذره بذلك، و إذا نذر و هو يجهل بأن المشي أو الحفاء يوجب له الحرج ثم وجده بعد ذلك بطل نذره و سقط عنه وجوب الوفاء به.

المسألة 372:

إذا نذر الرجل ان يحج البيت ماشيا، أو أن يحجه ماشيا حافيا، أو نذر أن يمشي، أو أن يمشي حافيا في حجه الواجب أو المندوب، و عيّن في نذره موضعا خاصا لابتداء مشيه و حفائه، وجب عليه اتباع ما عيّنه، فيبدأ في مشيه و حفائه من الموضع الذي نذره، و كذلك إذا عيّن لنهاية المشي أو الحفاء موضعا مخصوصا من مكة أو المسجد أو المشاعر، أو عيّن عملا مخصوصا من أعمال الحج، فيجب عليه اتباع ما عيّنه.

و إذا نذر و لم يعيّن موضعا للبداءة و النهاية، فالظاهر لزوم المشي أو المشي و الحفاء عليه من ابتداء

سفره الى الحج، و الأحوط أن تكون النهاية في آخر أعمال الحج بمنى و هو رمي الجمرات في أيام

كلمة التقوى، ج 3، ص: 178

التشريق.

المسألة 373:

إذا نذر الرجل أن يحج ماشيا أو أن يمشي في سفره الى البيت وجب عليه أن يسلك طريق البر الى الحج، و لا يجوز له أن يسافر إليه في طريق البحر فإنه ينافي ما نذره، و لذلك فلا يصح لمن ينحصر طريقه الى الحج بركوب البحر ان ينذر المشي إلى الحج لعدم قدرته على ذلك، الا ان يريد المشي في المواضع التي يمكنه المشي فيها.

و إذا نذر المشي إلى الحج و كان قادرا على سلوك طريق البر ثم طرأ له ما يمنعه منه، و انحصر طريقه الى الحج بركوب البحر، بطل نذره و سقط وجوب الوفاء به، الا إذا كان نذره مطلقا و تمكن من طريق البر و المشي فيه في سنة أخرى، و إذا تيسّر له الطريق و عجز عن المشي لم يجب عليه الوفاء.

المسألة 374:

إذا نذر الإنسان المشي على احد الوجوه التي تقدم ذكرها، و كان في طريقه الى الحج نهر أو شط أو خليج لا يمكنه العبور فيه الا بسفينة و نحوها جاز له أن يركب المركب و العبور فيه، و لزمه القيام فيه أثناء عبوره مع الإمكان على الأحوط ان لم يكن ذلك هو الأقوى، فإن لم يمكنه القيام فيه و لو مع الاعتماد سقط وجوبه عنه.

المسألة 375:

إذا نذر المكلف ان يحج البيت ماشيا و لم يعيّن في نذره للحج سنة خاصة ثم حج راكبا، لم يكفه ذلك، و وجب عليه ان يفي بنذره فيحج ماشيا، فإذا ترك الإعادة و هو غير معذور في ترك الوفاء بنذره حتى ظن الوفاة وجبت عليه كفارة الحنث بنذره، و إذا لم يف بنذره حتى مات وجب على وليه القضاء عنه على الأحوط لزوما كما

كلمة التقوى، ج 3، ص: 179

سبق، و أما الكفارة فإذا أوصى بها وجب على وصيه قضاؤها بعد موته من ثلثه، و إذا لم يوص بها لم يلزم الوصي قضاؤها، و لزم الميت عقابها، و قد تقدم بيان هذا جميعا.

و إذا نذر أن يحج ماشيا و عيّن لذلك سنة خاصة ثم حج راكبا في تلك السنة المعيّنة أو لم يحج أصلا وجبت عليه الكفارة لمخالفته النذر، و لم يجب عليه القضاء بعد تلك السنة إذا كان حيا، و لا على وارثه بعد موته، و ان كان القضاء أحوط و قد تقدم نظير هذا في المسألة الثلاثمائة و الرابعة و الأربعين.

المسألة 376:

إذا كان على المكلف حج واجب في سنة معيّنة قد وجب عليه بنذر أو شبهه، ثم نذر أن يأتي بذلك الحج ماشيا، وجب عليه ذلك، فإذا خالف هذا النذر و أتى بالحج المعين الواجب عليه راكبا وجبت عليه الكفارة لمخالفته نذر المشي، و الظاهر صحة الحج الذي أتى به، فتبرأ ذمته من نذر أصل الحج إذا كان منذورا و من الحلف أو العهد إذا كان محلوفا أو معاهدا عليه.

و كذلك إذا كان الحج الواجب عليه بالأصل مطلقا غير معيّن الوقت، ثم نذر المشي فيه، فإذا ترك المشي و أتى بالحج راكبا، صح

الحج و وجبت على المكلف الكفارة لمخالفة نذره للمشي، و لكن الأحوط استحبابا في هذه الصورة إعادة الحج ماشيا و لا تسقط عنه الكفارة بذلك.

المسألة 377:

إذا نذر الرجل المشي على أحد الفروض التي قدمنا ذكرها ثم ركب في بعض الطريق عامدا و مشى في بعضه، فقد خالف النذر و لزمته أحكام المخالفة في جميع الطريق و قد بسطناها في المسائل الماضية، فلتراجع.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 180

المسألة 378:

إذا نذر الإنسان أن يحج البيت ماشيا، أو ان يمشي في حجه الى البيت على الفروض الآنف ذكرها و كان قادرا على الوفاء بنذره، ثم عجز عن المشي سقط عنه وجوب المشي، و وجب عليه أن يحج راكبا، سواء طرأ له العجز و عدم التمكن من المشي قبل السفر الى الحج أم في أثناء الطريق و قبل الإحرام أم بعده، و سواء كان نذره مقيدا في سنة معينة أم كان مطلقا غير معيّن الوقت، فيسقط عنه وجوب المشي في جميع هذه الصور، و يجب عليه الحج راكبا، و الأحوط لزوما أن يمشي ما استطاع فإذا عجز ركب، و يستحب له أن يسوق بدنة و لا يجب عليه ذلك.

و إذا عجز عن المشي و كان نذره مطلقا لم تعيّن فيه سنة مخصوصة، ثم تجددت له القدرة في بعض السنين و أمكن له المشي فيها، فالأحوط له لزوم الحج ماشيا بل لا يخلو ذلك عن قوة.

المسألة 379:

الظاهر أنه لا فرق في جريان الحكم الآنف ذكره بين أن يكون السبب المانع للمكلف عن المشي و الموجب لعجزه و عدم استطاعته، ضعفا في قواه عن المشي على القدمين، أو مرضا طارئا، أو حرا أو بردا شديدين لا يقوى معهما على المشي، أو خشونة في حجارة الأرض، أو أشواكا لا يستطيع معهما السير على القدم، أو حشرات أو هوام ضارة تمنعه من ذلك، و أمثال هذه الموانع الموجبة للعجز و عدم الطاقة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 181

الفصل السابع في الحج المندوب
المسألة 380:

يستحب للمكلف الذي لم تجتمع له شروط وجوب الحج: أن يحج البيت الحرام ما أمكنه، ففي الحديث عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال:

قال أبو جعفر (ع): (ان العبد المؤمن إذا أخذ في جهازه لم يرفع قدما و لم يضع قدما الا كتب اللّٰه له بها حسنة، حتى إذا استقل لم يرفع بعيره خفا و لم يضع خفا الا كتب اللّٰه له بها حسنة، حتى إذا قضى حجه مكث ذا الحجة و المحرم و صفر تكتب له الحسنات و لا تكتب عليه السيئات الا أن يأتي بكبيرة)، و روي عنهم (ع) أضعاف ذلك و أضعاف أضعافه، و عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: (الحاج و المعتمر وفد اللّٰه ان سألوه أعطاهم، و ان دعوه أجابهم، و ان شفعوا شفّعهم، و ان سكتوا ابتدأهم، و يعوّضون بالدرهم ألف درهم)، و عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول اللّٰه (ص): (الحاج ثلاثة، فأفضلهم نصيبا رجل غفر اللّٰه له ذنبه ما تقدم منه و ما تأخر، و وقاه اللّٰه عذاب القبر، و أما الذي يليه فرجل غفر له ذنبه تقدم منه و يستأنف العمل في ما بقي من عمره، و اما

الذي يليه فرجل يحفظ في اهله و ماله)، و عن أبي عبد اللّٰه (ع) و قد سأله رجل في المسجد الحرام من أعظم الناس وزرا؟ فقال (ع): (من يقف بهذين الموقفين عرفة و المزدلفة، و سعى بين هذين الجبلين ثم طاف بهذا البيت و صلى خلف مقام إبراهيم ثم قال في نفسه و ظن أن اللّٰه لم يغفر له فهو من أعظم الناس وزرا)، و عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): ما يصنع اللّٰه بالحاج؟، قال: (مغفور و اللّٰه لهم لا أستثني

كلمة التقوى، ج 3، ص: 182

فيه).

و يستحب لمن كلّف بالحج و قضى ما عليه من حج واجب ان يحج مندوبا، و يستحب له ان يكرر الحج ما قدر على ذلك، فعن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: (الحج و العمرة سوقان من أسواق الآخرة، اللازم لهما في ضمان اللّٰه، إن أبقاه أدّاه إلى عياله، و إن أماته أدخله الجنة، و عن عيسى بن أبي منصور قال: قال لي جعفر بن محمد (عليهما السلام): يا عيسى إن استطعت أن تأكل الخبز و الملح و تحج في كل سنة فافعل، و عن عمر بن يزيد، قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): أحج رسول اللّٰه (ص) غير حجة الوداع، قال: (نعم، عشرين حجة)، و في الرواية أن الحسن (ع) حج عشرين حجة ماشيا على قدميه، و روي أنه (ع) حج خمسا و عشرين حجة، و أن علي ابن الحسين (ع) حج أربعين حجة، و عن أبي جعفر (ع): (كان لعلي بن الحسين (ع) ناقة قد حج عليها اثنتين و عشرين حجة ما قرعها قرعة قط، و قد حج الامام جعفر بن محمد (ع) و

كرر الحج حتى كبر و ضعف بدنه، و حتى قال له أبو الورد: رحمك اللّٰه، انك لو كنت أرحت بدنك من المحمل، فقال (ع): يا أبا الورد إني أحب أن أشهد المنافع التي قال اللّٰه عز و جل، (لِيَشْهَدُوا مَنٰافِعَ لَهُمْ)، أنه لا يشهدها أحد إلا نفعه اللّٰه، أما أنتم فترجعون مغفورا لكم، و أما غيركم فيحفظون في أهاليهم و أموالهم، و هكذا دأب آبائه و أبنائه المطهّرين)، و ورد عن أبي عبد اللّٰه (ع): من حج ثلاث حجج لم يصبه فقر أبدا، و عن أبي جعفر (ع): إن للّٰه مناديا ينادي ان عبدا أحسن اللّٰه اليه و أوسع عليه في رزقه فلم يفد إليه في كل خمسة أعوام مرة ليطلب نوافله أن ذلك لمحروم، و بمعناه روايات متعددة أخرى.

المسألة 381:

تقدم منّا في المسألة السابعة عشرة ان البلوغ في الصبي و الصبية

كلمة التقوى، ج 3، ص: 183

شرط في وجوب الحج عليهما، و ليس شرطا في صحة الحج و مشروعيته منهما، و لذلك فيستحب لهما الإتيان بالحج المندوب إذا كانا مميزين و أحسنا أن يأتيا به على الوجه المطلوب، فإذا تبرع لهما أحد بالنفقة و حجّا صح حجهما، و ترتّب عليه الثواب المرغّب فيه و الآثار المطلوبة في الحج المندوب، و لم تتوقف صحته على اذن الولي الشرعي لهما، و إذا أراد أحدهما أن يحج حجا مندوبا من ماله توقفت صحة حجه على إذن وليه له بالتصرف في المال، فلا يصح بغير اذنه، و ذكرنا في المسألة الثامنة عشرة و ما بعدها أنه يستحب للولي أن يحج الصبي و الصبية غير المميّزين، و ذكرنا في المسألة و ما بعدها بعض التفاصيل التي تتعلّق بحجهما و

احجاجهما.

المسألة 382:

يصح للعبد المملوك أن يأتي بالحج المندوب إذا أذن له مولاه بذلك و يستحب له، و لا يصح حجه بغير إذنه، و لا فرق بين أن تكون النفقة من مال العبد نفسه و أن تكون من مال المولى و من مال شخص آخر و إذا أذن له سيده بالحج فأحرم به وجب عليه أن يتم عمله و إن رجع السيد عن إذنه، و لا تجوز للعبد إطاعته في ذلك و لا يصح ذلك للسيد، و تلاحظ المسألة الرابعة و الثلاثون و ما بعدها، و كذلك الحكم في الأمة المملوكة.

المسألة 383:

لا يصح للزوجة أن تحج حجا مندوبا إلا بإذن بعلها، فإذا أذن لها صح منها و استحب لها، سواء كانت نفقة الحج من مالها أم من مال زوجها أم من مال شخص آخر، كما إذا تبرع لها بالنفقة أبوها أو أحد أرحامها، و سواء كان نكاح الزوجة دائما أم موقتا، و سواء كان حجها منافيا لحقوق الزوج الواجبة عليها أم لا، و كذلك الحكم في المطلقة الرجعية ما دامت في العدة، و إذا أحرمت المرأة بإذن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 184

الزوج وجب عليها إتمام الحج و ان منع منه، و لا يجوز له المنع و لا الرجوع عن اذنه بعد تلبسها بالإحرام، و تراجع المسألة السادسة و العشرون في حكم الولد البالغ إذا أراد الحج المندوب بغير إذن أبيه، و إذا نهاه أحد أبويه عن ذلك لسبب يوجب النهي، أو كان سفره موجبا للعقوق و الإيذاء لهما لخطر و نحوه.

المسألة 384:

يشترط في صحة الحج المندوب أن لا يكون في ذمة المكلف حج واجب مضيّق، فإذا كان عليه حج الإسلام- مثلا- و تمت له جهات الاستطاعة وجب عليه أن يأتي به فورا، و لم يجز له تأخيره أو التسامح فيه، و لذلك فلا يجوز له أن يحج متطوعا لنفسه أو لغيره، و إذا حج كذلك كان آثما عاصيا، و كذلك إذا وجب عليه حج مضيّق آخر، و قد تقدم بيان هذا الحكم في المسألة المأتين و الثانية و الستين، فلتلاحظ.

المسألة 385:

يستحب لمن دخل مكة في حج واجب أو مندوب و أراد الخروج منها- بعد انقضاء حجه- أن ينوي العود الى الحج، و يكره له أن ينوي في نفسه عدم الرجوع له، و إذا صدر ذلك منه استخفافا بشأن الحج أو استصغارا لأمره كان محرّما، و ربما أدّى ذلك الى ما هو أشدّ و أعظم جرما، و قد ورد في الحديث عن عبد اللّٰه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول: من رجع من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره، و عن الرسول (ص): (من أراد الدنيا و الآخرة فليؤم هذا البيت، و من رجع من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره، و من خرج من مكة و لا ينوي العود إليها فقد اقترب أجله و دنا عذابه)، و بمضمونه أحاديث أخرى.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 185

المسألة 386:

يستحب للإنسان أن لا يترك الحج المندوب، و إن لم يكن له زاد و راحلة، فيستقرض و يحج بمال القرض إذا كان قادرا على الوفاء، ففي خبر يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن رجل يحج بدين و قد حج حجة الإسلام، قال: نعم ان اللّٰه سيقضي عنه إن شاء اللّٰه، و في رواية موسى بن بكر الواسطي قال: سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل يستقرض و يحج، فقال: إن كان خلف ظهره مال إن حدث به حدث أدى عنه فلا بأس، و عن أبي عبد اللّٰه (ع)- و قد قال له الراوي: إني رجل ذو دين، أ فأتدين و أحج؟-، فقال (ع): نعم هو أقضى للدين.

المسألة 387:

تكاثرت الروايات و تنوعت في الدلالة على ان الحج أفضل من الصدقة بنفقته، بل و بأضعافها، ففي الرواية عن أبي عبد اللّٰه (ع):

(حجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق به حتى يفنى، و عنه (ع) قال: درهم تنفقه في الحج أفضل من عشرين ألف درهم تنفقها في حق) و روي أكثر من ذلك، و في خبر إبراهيم بن ميمون قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) اني أحج سنة و شريكي سنة، قال: ما يمنعك من الحج يا إبراهيم؟، قلت: لا أتفرغ لذلك جعلت فداك أتصدق بخمسمائة مكان ذلك؟، قال: الحج أفضل، قلت: ألف؟، قال:

الحج أفضل، قلت: ألف و خمسمائة؟، قال: الحج أفضل، قلت ألفين؟، قال: في ألفيك طواف البيت؟ قلت: لا، قال: أ في ألفيك سعي بين الصفا و المروة؟، قلت: لا، قال: أ في ألفيك وقوف بعرفة؟، قلت: لا قال: أ في ألفيك رمي الجمار؟، قلت: لا، قال: أ في ألفيك المناسك؟، قلت: لا،

قال: الحج أفضل.

و في حديث معاوية بن عمّار عنه (ع) قال: لما أفاض رسول

كلمة التقوى، ج 3، ص: 186

اللّٰه (ص) تلقاه أعرابي بالأبطح، فقال: يا رسول اللّٰه اني خرجت أريد الحج ففاتني، و أنا رجل مميل يعني كثير المال، فمرني أصنع في مالي ما أبلغ به ما يبلغ به الحاج، فالتفت رسول اللّٰه (ص) الى أبي قبيس فقال: (لو أن أبا قبيس لك زنته ذهبة حمراء أنفقته في سبيل اللّٰه ما بلغت ما بلغ الحاج.)، الى غير ذلك من الأحاديث، و اختلافها في مقادير الاضعاف ينشأ من اختلاف مراتب الناس في حجهم و قرباتهم، و تفاوتهم في درجات الإخلاص في طاعاتهم، و تكاثرت الروايات أيضا في فضل الحج على العتق أضعافا، و قد عقد له في كتاب الوسائل بابا يحتوي على تسعة احاديث.

المسألة 388:

يستحب للرجل ان يكثر الإنفاق في الحج إذا كان ممن يقدر على ذلك، و لا يكون سببا في ان يمل الحج و لا ينشط له، أو يوجب عدم المكنة من العود إليه، ففي الحديث عن الرسول (ص): ما من نفقة أحب الى اللّٰه عز و جل من نفقة قصد، و يبغض الإسراف إلا في الحج و العمرة، و عن أبي عبد اللّٰه (ع) انه قال لراوي الحديث: يا فلان أقلل النفقة في الحج تنشط للحج، و لا تكثر النفقة في الحج فتمل الحج، و عنه (ع) انه قال لعيسى بن أبي منصور: يا عيسى ان استطعت أن تأكل الخبز و الملح و تحج في كل سنة فافعل، و قال (ع) لعيسى بن أبي منصور أيضا يا عيسى اني أحب ان يراك اللّٰه في ما بين الحج الى الحج و أنت تتهيأ

للحج.

المسألة 389:

يجب ان تكون نفقة الحج من المال الحلال سواء كان الحج واجبا أم مندوبا، و لا يجوز ان تكون من المال الحرام، فقد ورد عنهم (ع): من حج بمال حرام نودي عند التلبية لا لبيك عبدي و لا سعديك، و عن الرسول (ص): من اكتسب مالا حراما لم يقبل اللّٰه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 187

منه صدقة و لا عتقا و لا حجا و لا اعتمارا، و كتب اللّٰه له بعدد اجزاء ذلك أوزارا، و ما بقي منه بعد موته كان زاده الى النار، و عن أبي جعفر (ع): لا يقبل اللّٰه عز و جل حجا و لا عمرة من مال حرام، و عن أبي عبد اللّٰه (ع) انه قال: اربع لا يجزن في أربع، الخيانة و الغلول و السرقة و الربا لا يجزن في حج و لا عمرة و لا جهاد و لا صدقة و تراجع المسألة المائة و الحادية و العشرون في ما يتعلق بصحة الحج و بطلانه.

و يجوز الحج و العمرة بجوائز السلطان و نحوها إذا لم يعلم بأنها محرمة بعينها، و تلاحظ المسألة الرابعة و الأربعون من كتاب التجارة.

المسألة 390:

يجوز لمالك المال ان يدفع الى المستحق من زكاة ماله ليحج به حجا واجبا أو حجا مندوبا إذا كان المقدار المدفوع من سهم سبيل اللّٰه، فإذا قبضه المستحق حجّ به، و تلاحظ المسألة السادسة و الثمانون.

المسألة 391:

يستحب للشخص أن يتبرع عن أرحامه و عن اخوانه من المؤمنين في حج واجب عنهم إذا كانوا أمواتا، و قد سبق بيان هذا في فصل النيابة في المسألة المائتين و الثالثة و الستين و المسألة الثلاثمائة و السادسة عشرة، و يستحب له ان يتبرع عنهم في الحج المندوب، سواء كانوا أمواتا أم أحياء، ففي الحديث عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول اللّٰه (ص): من وصل قريبا بحجة أو عمرة كتب اللّٰه له حجتين و عمرتين، و كذلك من حمل عن حميم يضاعف له الأجر ضعفين، و عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (ع) قال: سألته عن الرجل يحج، فيجعل حجته و عمرته أو بعض طوافه لبعض اهله

كلمة التقوى، ج 3، ص: 188

و هو عنه غائب ببلد آخر، قال فقلت: فينقص ذلك من أجره؟، قال: لا هي له و لصاحبه، و له سوى ذلك بما وصل، قلت و هو ميت، هل يدخل ذلك عليه؟ قال: نعم، حتى يكون مسخوطا عليه، فيغفر له، أو يكون مضيّقا عليه فيوسّع عليه، فقلت: فيعلم هو في مكانه ان عمل ذلك لحقه؟، قال: (نعم)، و في رواية موسى بن القاسم البجلي قال قلت لأبي جعفر الثاني (ع):. ربما حججت عن أبيك، و ربما حججت عن أبي، و ربما حججت عن الرجل من إخواني، و ربما حججت عن نفسي فكيف اصنع؟، فقال: (تمتع).

و يستحب له ان يطوف عن الأموات من أرحامه و غيرهم،

و عن الاحياء الغائبين منهم عن مكة، فقد روي عن أبي عبد اللّٰه (ع)، من وصل أباه أو ذا قرابة له فطاف عنه كان له اجره كاملا، و للذي طاف عنه مثل أجره، و يفضل هو بصلته إياه بطواف آخر، و عن معاوية بن عمار عنه (ع) قال: قلت له: فأطوف عن الرجل و المرأة و هما بالكوفة؟، فقال: نعم، يقول حين يفتتح الطواف. اللّهم تقبل من فلان للذي يطوف عنه، و عنه (ع)- و قد قال له الراوي الرجل يطوف عن الرجل و هما مقيمان بمكة؟، قال: لا، و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب عن مكة، فقال له: و كم مقدار الغيبة؟، قال (عشرة أميال).

و يجوز له أن يشرك بين اثنين و أكثر في حجة مندوبة واحدة، و ان يتطوع بطواف واحد عن رجل واحد و عن رجلين و عن أكثر من ذلك بل و عن جماعة كثيرة، و يجوز له الطواف عن الحي الحاضر إذا كان معذورا.

المسألة 392:

يستحب للإنسان أن يتطوع بالحج المندوب و بالعمرة المندوبة عن المعصومين من الأموات (ع) و عن المعصوم الحي (ع)، و قد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 189

تقدمت رواية موسى بن القاسم عن الإمام أبي جعفر الجواد (ع) في المسألة السابقة، و يستحب أن يتطوع بالطواف عن أمواتهم و أحيائهم (ع)، ففي الحديث عن موسى بن القاسم قال قلت لأبي جعفر الثاني (ع): قد أردت أن أطوف عنك و عن أبيك فقيل لي: أن الأوصياء لا يطاف عنهم، فقال: بلى طف ما أمكنك فإن ذلك جائز، ثم قلت له بعد ذلك بثلاث سنين: اني كنت استأذنتك في الطواف عنك و عن أبيك فأذنت لي في

ذلك فطفت عنكما ما شاء اللّٰه، ثم وقع في قلبي شي ء فعملت به، قال و ما هو؟ فقلت طفت يوما عن رسول اللّٰه (ص) فقال ثلاث مرات: صلى اللّٰه على رسول اللّٰه، ثم اليوم الثاني عن أمير المؤمنين (ع)، ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن (ع)، و الرابع عن الحسين (ع)، و الخامس عن علي بن الحسين (ع)، و اليوم السادس عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع)، و اليوم السابع عن جعفر بن محمد (ع)، و اليوم الثامن عن أبيك موسى (ع)، و اليوم التاسع عن أبيك علي (ع)، و اليوم العاشر عنك يا سيدي، و هؤلاء الذين أدين اللّٰه بولايتهم فقال: إذا و اللّٰه تدين اللّٰه بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره فقلت و ربما طفت عن أمك فاطمة (ع) و ربما لم أطف، فقال: استكثر من هذا فإنه أفضل ما أنت عامله ان شاء اللّٰه.

المسألة 393:

يستحب للمكلف أن لا يدع الحج ما أمكنه ذلك فيأتي به و لو بأن يؤجر نفسه للنيابة في الحج عن غيره، ففي رواية عبد اللّٰه بن سنان، قال كنت عند أبي عبد اللّٰه عليه السلام إذ دخل عليه رجل، فأعطاه ثلاثين دينارا يحج بها عن إسماعيل، و لم يترك شيئا من العمرة إلى الحج الا اشترط عليه، حتى اشترط عليه ان يسعى في وادي محسّر، ثم قال: يا هذا إذا أنت فعلت هذا كان لإسماعيل حجة بما أنفق من ماله، و كانت لك تسع بما أتعبت من بدنك، و عن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 190

ابن مسكان قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): الرجل يحج عن آخر ماله من الثواب، قال: للذي يحج عن رجل

أجر و ثواب عشر حجج، و لعل هذه الرواية واردة في من يتبرع بالحج عن غيره فيكون له ثواب عشر حجج، و في رواية أخرى عنه (ع) مثل ذلك ثم قال: و يغفر له و لأبيه و لأمه و لابنه و لابنته و لأخيه و لأخته و لعمه و لعمته و لخاله و لخالته، إن اللّٰه واسع كريم.

المسألة 394:

يجوز للرجل بعد أن يفرغ من الحج المندوب أن يهدي ثواب حجته الى أحد من أقاربه أو من غيرهم، فعن الحارث بن المغيرة قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع)- و أنا بالمدينة بعد ما رجعت من مكة- إني أردت أن أحج عن ابنتي، فقال: اجعل ذلك لها الآن، و عنه (ع) و قد قال له رجل: جعلت فداك اني كنت نويت أن أدخل في حجي العام أبي أو بعض أهلي فنسيت، فقال (ع) الآن فأشركه، و يجوز له أن يقصد إهداء ثواب حجه لمن يريد قبل الشروع في العمل، و كذلك في العمرة و الطواف و الزيارة.

المسألة 395:

يستحب للإنسان إذا كان متمكنا ان يتبرع بنفقة الحج لبعض إخوانه من المؤمنين ليحجوا بماله حجا واجبا أو مندوبا، فعن الحسن بن علي الديلمي قال: سمعت الرضا (ع) يقول: من حج بثلاثة من المؤمنين فقد اشترى نفسه من اللّٰه عز و جل بالثمن.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 191

الفصل الثامن في أقسام الحج و العمرة
المسألة 396:

ينقسم الحج إلى ثلاثة أنواع: حج تمتع، و حج قران، و حج افراد، و حج التمتع فريضة تختص بكل مكلّف مستطيع للحج و لا يكون أهله حاضري المسجد الحرام، و هو من يبعد منزله عن مكة المكرمة بثمانية و أربعين ميلا أو أكثر من جميع جوانبها، فلا يجزيه عن فرضه غير حج التمتع، و حج القران أو الافراد فريضة كل مكلف مستطيع من أهل مكة و توابعها الذين لا تبلغ منازلهم الى الحد المذكور من البعد عنها، و لا يجزي هؤلاء عن فرضهم غير حج القران أو حج الافراد، و يتخيّر المكلف أيهما شاء.

المسألة 397:

المراد بالميل هنا هو الميل الشرعي، و هو أربعة آلاف ذراع بذراع اليد من الشخص المتوسط الخلقة، فإذا كان أقل الأذرع المتوسطة يبلغ خمسة و أربعين سنتيمترا- كما ذكرنا في المسألة الألف و المائة و الرابعة و السبعين من كتاب الصلاة-، فإن مجموع المسافة الآنف ذكرها يبلغ ستة و ثمانين كيلو مترا و أربعمائة متر، و هو ستة عشر فرسخا تامة.

و الظاهر أن المدار في الحكم ان يبعد المكلف عن المسجد الحرام نفسه بالمقدار المذكور لا عن آخر عمارة مكة، و هل المراد ان يبعد منزل المكلف عن المسجد بالمقدار المذكور أو أن تبعد عنه حدود بلده، فيه إشكال، فإذا اختلفا فلا بد من مراعاة الاحتياط.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 192

المسألة 398:

إنما يتعيّن حج التمتع على البعيد النائي عن مكة في حج الإسلام خاصة، فإذا وجب عليه حج البيت باستطاعة أو ببذل من أحد وجب عليه أن يحج متمتعا و لم يكفه أن يحج قارنا أو مفردا كما ذكرنا، و لا يتعيّن عليه فيما سوى ذلك، فإذا أراد النائي عن مكة أن يحج حجا مندوبا جاز له أن يحج متمتعا و أن يحج قارنا و أن يحج مفردا، و كذلك إذا نذر أن يحج البيت نذرا مطلقا و لم يعيّن واحدا من الأنواع فيكفيه أن يأتي بأي الأنواع شاء، و مثله ما يجب بالعهد أو اليمين، و إذا عيّن في نذره أو عهده أو يمينه واحدا من الأنواع الثلاثة وجب عليه في الوفاء أن يتبع ما عيّنه على نفسه منها.

و كذلك في الحج الذي يجب عليه بالاستئجار، و تراجع المسألة المائتان و التاسعة و الثمانون من فصل حج النيابة، و أمّا الحج الذي يجب عليه

بإفساد حج سابق فلا بد من أن يكون مطابقا في النوع للحج الأول الذي أفسده.

المسألة 399:

و لا يتعيّن حج القران أو حج الإفراد على المكلفين من أهل مكة و من قاربها إلا في حج الإسلام فحسب، فإذا استطاع المكلف منهم للحج أو بذل احد له الزاد و الراحلة وجب عليه أن يحج قارنا أو مفردا و لم يجزه أن يحج متمتعا، و لا يعم الحكم غير ذلك، فإذا أراد أن يحج حجا مندوبا أو وجب عليه حج مطلق بنذر أو عهد أو يمين من غير تعيين تخير بين أن يحج متمتعا أو قارنا أو مفردا، كما تقدم في حكم البعيد عن مكة، و تجري فيه أيضا أحكام الفروض التي ذكرناها في المسألة الماضية في الحج المعيّن و في الحج الواجب

كلمة التقوى، ج 3، ص: 193

بالاستئجار أو بالإفساد.

المسألة 400:

إذا تخيّر الإنسان بين أنواع الحج الثلاثة كما في الفروض المتقدم ذكرها، فالأفضل له أن يختار حج التمتع، و إذا تردّد أمره بين حج القران و حج الإفراد فالأفضل له أن يختار حج القران.

المسألة 401:

إذا كان الرجل ذا منزلين يسكنهما بالفعل و أحد المنزلين في مكة أو في المواضع التي تتبعها في الحكم، و الثاني في بلد يبعد عنها ثم استطاع حج البيت، فإن كان توطنه في أحد المنزلين أكثر من الآخر لحقه حكم ذلك المنزل، فيجب عليه حج القران أو الإفراد إذا غلبت عليه سكنى مكة، و يلزمه حج التمتع إذا غلبت عليه سكنى البلد النائي، سواء حصلت له الاستطاعة في كلا البلدين أم في أحدهما أم في غيرهما، و ان تساوى توطنه في البلدين تخيّر بين الأنواع الثلاثة و ان كان التمتع أفضل و من بعده القرآن، و لا فرق في الحكم أيضا بين أن تكون استطاعته من كلا البلدين أو من البلد النائي أو القريب أو من غيرهما.

المسألة 402:

إذا خرج المكلف من أهل مكة أو بعض توابعها الى أحد البلاد البعيدة عن مكة ثم رجع في أيام الحج، و مرّ في رجوعه ببعض مواقيت الإحرام للبعيد وجب عليه ان يحرم من ذلك الميقات، فإن كان إحرامه بحج مندوب أو بحجة منذورة بنذر مطلق لا تعيين فيه، تخيّر بين ان يحج متمتعا أو قارنا أو مفردا، كما بيّنا في المسألة الثلاثمائة و التاسعة و التسعين، و اتبع ما ذكرناه في المسألة المذكورة إذا كان

كلمة التقوى، ج 3، ص: 194

الحج معينا عليه بالنذر و شبهه، أو بالإجارة، و ان كان الحج الواجب عليه هو حج الإسلام أشكل الحكم فيه، و لا يترك الاحتياط بأن يحرم قارنا في حجه أو مفردا.

المسألة 403:

إذا أعرض البعيد النائي عن وطنه و نوى السكنى الدائمة في مكة، أصبح من أهل مكة و من حاضري المسجد الحرام منذ ابتداء سكناه بها و لم يتوقف ذلك على مضي أشهر أو مدة، و لزمته أحكام حاضري المسجد الحرام، فإذا استطاع حج البيت وجب عليه أن يحجه قارنا أو مفردا و لم يجز له أن يحج متمتعا، و كذلك إذا كان مستطيعا للحج في وطنه الأول و قبل انتقاله إلى مكة و لم يؤد حجة الإسلام، فيلزمه القران أو الافراد على الأقوى، و يكفيه في الاستطاعة التي تحصل له بعد سكناه مكة ما يكفي المكلف من أهلها، فلا يعتبر في استطاعته أن يملك نفقة السفر من بلده الأول و العود إليه.

المسألة 404:

إذا أعرض المكي عن وطنه و قصد الاستيطان الدائم في بلد يبعد عن مكة كان منذ أول سكناه في ذلك البلد من أهل الأمصار، و لا يكون من حاضري المسجد الحرام، فإذا استطاع الحج بعد انتقاله، و لم يكن قد أتى بحج الإسلام قبل ذلك وجب عليه أن يحج متمتعا، و لا يكفيه القران أو الإفراد، و إذا كان قد استطاع الحج قبل انتقاله من مكة و لم يحج حتى استقر الحج في ذمته وجب عليه ان يحج و ان كان متسكعا، و يجب ان يكون حجه متمتعا، و إذا حدثت له الاستطاعة بعد انتقاله الى الوطن الجديد اعتبر فيها ما يعتبر في استطاعة البعيد من نفقة الذهاب و الإياب و غيرها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 195

المسألة 405:

إذا حصلت للمكي نفقة الحج بمقدار يكفيه للسفر من مكة إلى المشاعر و الرجوع منها إلى مكة له و لعياله حتى يرجع إليهم، ثم خرج من مكة قبل حضور موسم الحج و توطّن في بلد يبعد عنها كما ذكرنا في المسألة المتقدمة و كانت النفقة التي حصلت له لا تحقق له الاستطاعة في وطنه الجديد لم يجب عليه الحج لعدم الاستطاعة.

المسألة 406:

إذا أقام المكلف من أهل الأمصار البعيدة في مكة بقصد المجاورة بها لا بقصد التوطن لم يتغير حكمه بسبب مجاورته فيها، فإذا كان مستطيعا للحج قبل المجاورة أو حصلت له الاستطاعة بعد المجاورة فيها وجب عليه أن يأتي بحجة الإسلام متمتعا، كما هو حكم النائي البعيد عن مكة.

فإذا استمرت مجاورته فيها سنتين كاملتين و دخل في السنة الثالثة ثم استطاع بعد ذلك و أراد الحج كان له حكم أهل مكة، فيجب عليه أن يحج قارنا أو مفردا.

و يعتبر في استطاعته ما يعتبر في استطاعة غيره، فإذا كان في مكة نفسها كفى في تحقق استطاعته أن يحصل له من النفقة ما يسافر به من مكة إلى المشاعر فيؤدي مناسكه ثم يعود إلى مكة، و إذا اتفق ان كان في المدينة مثلا أو في بلده لم تتحقق له الاستطاعة حتى تحصل له نفقة الذهاب إلى مكة و أداء المناسك و العود إلى مكة، و إذا كان من عزمه الرجوع الى وطنه بعد أداء الحج فلا بد له من نفقة العود و هكذا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 196

المسألة 407:

إذا أقام المكي في المدينة أو في غيرها من البلاد البعيدة عن مكة بقصد المجاورة لا بقصد التوطن فيها لم يتغير حكمه الذي تقدم ذكره في المسألة الثلاثمائة و السادسة و التسعين و ان استمرت مجاورته في ذلك البلد سنين متعددة، كما إذا سكنه للتجارة أو للدراسة أو لبعض الأعمال، فإذا حصلت له استطاعة الحج في ذلك البلد و أراد أن يحج حجة الإسلام وجب عليه أن يحج قارنا أو مفردا، و تراجع المسألة الأربعمائة و الثانية.

المسألة 408:

إذا أقام البعيد النائي في مكة للمجاورة لا للتوطن و كان مستطيعا للحج قبل مجاورته فيها، أو حصلت له استطاعة الحج في مكة و قبل أن تنقضي له في مجاورته سنتان وجب عليه أن يحج متمتعا كما ذكرنا قريبا، فإذا أراد الحج وجب عليه أن يخرج إلى أحد المواقيت التي عيّنها الرسول (ص) لإحرام الحجاج من أهل البلاد البعيدة، فيحرم بعمرة التمتع منه، و الأحوط استحبابا أن يخرج الى الميقات الخاص الذي عيّنه الرسول (ص) لإحرام أهل بلده، فإذا كان من أهل المدينة خرج الى مسجد الشجرة، و إذا كان من أهل نجد خرج إلى العقيق و إذا كان من أهل الشام خرج الى الجحفة و هكذا، و الأحوط استحبابا كذلك أن يجدّد نية الإحرام و التلبية في أدنى الحل عند وصوله إليه.

و إذا لم يمكنه الخروج الى بعض المواقيت لضيق الوقت أو لبعض الأعذار المانعة، فلا يترك الاحتياط بأن يخرج إلى ما يمكنه الخروج إليه في طريق الميقات خارج الحرم، فيحرم من ذلك الموضع،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 197

فإن لم يقدر أحرم من أدنى الحلّ و إلّا خرج الى ما يمكنه، فإن لم يتمكن من الخروج أصلا

أحرم من موضعه.

و يجري الحكم الذي ذكرناه في المسألة في كل من يكون في مكة من الواردين إليها إذا أراد حج التمتع، سواء كان حجه مندوبا أم واجبا فعليه الخروج إلى أحد المواقيت و الإحرام منه و تجري جميع التفاصيل التي ذكرناها، و كذلك المكي على الأحوط إذا أراد التمتع في حج مندوب أو منذور فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم منه، ثم يجدد نية الإحرام و التلبية في مكة إذا دخلها على الأحوط أيضا.

المسألة 409:

تنقسم العمرة إلى عمرة مفردة عن الحج و عمرة يتمتع بها إلى الحج، و تنقسم أيضا الى عمرة واجبة و عمرة مندوبة، و تنقسم العمرة الواجبة إلى واجبة في أصل شريعة الإسلام و واجبة بالعارض بسبب نذر أو يمين أو عهد أو إجارة أو شرط في ضمن عقد.

المسألة 410:

تجب العمرة في أصل الشريعة على كل مكلف تكمل فيه شروط الوجوب و شروط الاستطاعة، و شروط الوجوب و الاستطاعة في العمرة هي بذاتها شروط الوجوب و الاستطاعة في الحج، و قد تقدم بيانها في الفصل الثاني و الفصل الثالث، فإذا اجتمعت الشروط المعتبرة كلها وجبت العمرة على المكلف مرة واحدة في حياته و لا يجب تكرارها، و وجب الإتيان بها فورا على الأحوط، كما هو الحكم في الحج سواء بسواء، و إذا لم تتوفر الشروط في المكلف كانت العمرة مندوبة في الشريعة إذا لم يوجبها المكلف على نفسه بنذر أو شبهه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 198

المسألة 411:

تقدم منا في أول هذا الفصل أن كل مكلف تبعد داره عن المسجد الحرام بثمانية و أربعين ميلا إذا هو استطاع الحج و كملت له شروطه وجب عليه ان يحج البيت متمتعا، و لا يجزيه في فرضه غير حج التمتع، و المعنى الواضح لهذا الحكم أن العمرة الواجبة على المكلف المستطيع البعيد عن مكة هي عمرة التمتع، فهي ترتبط بالحج و لا تنفصل عنه، و يرتبط بها الحج كذلك و لا ينفصل عنها، و قد علمنا أن المكلف لا يجب عليه في الشريعة أكثر من عمرة واحدة، فإذا اتى بحج التمتع تاما فقد امتثل فرض الحج و فرض العمرة معا.

و اللازم الصريح لهذا الحكم أيضا ان استطاعة المكلف البعيد عن مكة للحج هي عين استطاعته للعمرة فلا يكون مستطيعا للحج إذا لم يكن مستطيعا للعمرة.

و هذا هو المقدار المعلوم من وجوب العمرة على البعيد النائي من المكلفين، فلا تجب عليه العمرة المفردة إذا استطاع لها و لم يستطع للحج، و لا تجب عليه العمرة المفردة لنفسه إذا حج

أجيرا عن غيره بعد أن يتم حج النيابة، أو اعتمر أجيرا عن غيره كذلك بعد أن يتم عمرة النيابة و ان كان مستطيعا للعمرة بعد أن دخل مكة، و الأحوط استحبابا الإتيان بها في الفروض المذكورة.

المسألة 412:

الحج و العمرة للمكلف من أهل مكة و توابعها نسكان يستقل أحدهما عن الآخر و لا يرتبط به، و لذلك فلا يشترط في وجوب العمرة عليه أن يكون مستطيعا للحج و العمرة معا كما في عمرة التمتع على البعيد، فإذا استطاع للحج وحده و لم يستطع للعمرة وجب عليه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 199

الحج وحده و لم تجب عليه العمرة، و إذا استطاع للعمرة وحدها و لم يستطع للحج وجبت عليه العمرة و لم يجب عليه الحج.

المسألة 413:

يعتبر في الاستطاعة لوجوب العمرة المفردة على المكلف من أهل مكة و توابعها كل ما اعتبرناه في الاستطاعة للحج حتى الرجوع الى كفاية، و تخلية السرب، و الصحة في البدن، من غير فرق بينهما، و تراجع المسائل المتعلقة بالاستطاعة في الفصل الثالث.

المسألة 414:

تجب العمرة المفردة على المكلف إذا نذرها و كان قادرا على الوفاء بها، فينعقد نذره و يلزمه اتباع ما ذكره في صيغة نذره من إطلاق أو تعيين، فإذا نذر للّٰه أن يعتمر عمرة مطلقة و لم يعيّن لها وقتا و لا وصفا، كفاه أن يأتي بالعمرة كما نذر، و أمكن له أن يؤخرها ما شاء، ما لم يظن الموت أو فوت الواجب أو يؤدي التأخير إلى التهاون بحكم الشرع، و إذا نذر أن يعتمر في شهر رجب مثلا أو في وقت آخر راجح وجب عليه ان يفي بالنذر حسبما عيّن، و تجب العمرة أيضا إذا أوجبها على نفسه بيمين أو عهد أو إجارة أو بشرط على نفسه في ضمن العقد، و يتبع ما حدده كذلك من إطلاق أو تقييد.

المسألة 415:

تجب العمرة المفردة بإفساد عمرة سابقه عليها، فإذا أحرم المكلف بعمرة واجبة أو مندوبة و جامع زوجته أو غيرها قبل أن يتم طوافه و سعيه فسدت عمرته بذلك، و لا يترك الاحتياط بأن يتم العمرة التي أفسدها، و وجب عليه أن ينحر بدنة كفارة لما فعل،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 200

سواء كان الجماع قبل طواف العمرة أم في أثنائه أم بعده أم في أثناء السعي و قبل أن يتمه، و وجب عليه أن يقيم في مكة حتى ينقضي الشهر الذي أفسد فيه عمرته و يخرج بعده الى أحد المواقيت و يحرم منه بعمرة مفردة، و سيأتي بيان حكم مثل هذا إذا وقع في عمرة التمتع في المسألة الستمائة و الرابعة و السبعين، و يراجع ما بعد المسألة المذكورة في حكمه إذا جامع بعد السعي و قبل أن يتم طواف النساء.

المسألة 416:

الإحرام شرط شرعي في جواز دخول مكة، فلا يجوز للمكلف أن يدخلها و هو محلّ غير محرم، و الإحرام عبادة شرعية لا يمكن حصولها شرعا إلا إذا وقعت جزءا في حج أو عمرة، و لذلك كله فإذا أراد المكلف أن يدخل مكة في غير أيام الحج، فلا بد و أن يكون دخوله بعمرة مفردة، و لا يحلّ له بدون ذلك، و لا يترك الاحتياط لمن أراد الدخول الى الحرم خاصة و لا يريد دخول مكة، بأن يكون محرما بعمرة مفردة أيضا و يستثنى من ذلك ما إذا دخل مكة محرما بحج أو بعمرة و أتم نسكه فيها ثم خرج منها، فيجوز له أن يدخلها بغير إحرام بعد ذلك إذا لم ينقض الشهر الذي أوقع فيه إحرامه الأول، و إن تكرر الدخول منه مرارا و سيأتي

بيان ذلك إن شاء اللّٰه، و تستثنى من ذلك الحطّابة و الحشّاشة و الرّعاة و الجصّاصة و الحجارة و من ينقل الميرة إلى البلد و يتخذ ذلك مهنة له، فيتكرر دخوله و خروجه إلى مكة بسبب ذلك فيجوز لهؤلاء دخولهم بغير إحرام، و لا يلحق بهم في الحكم من يتكرر دخوله و خروجه من مكة لغير ذلك، كالتلاميذ و المدرسين و العمال و غيرهم.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 201

المسألة 417:

إذا أحرم الإنسان بحج واجب عليه أو مندوب ففاته الحج و لم يتمكن من إدراكه لبعض الطواري و الأحداث التي أوجبت له ذلك وجب عليه أن يتحلل من إحرامه بعمرة مفردة.

المسألة 418:

تستحب العمرة المفردة ففي الخبر عن النبي (ص) قال:

(الحجة ثوابها الجنة، و العمرة كفارة لكل ذنب)، و عن الامام الرضا (ع): (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)، و يتأكد استحباب العمرة في شهر رجب على غيره من بقية الأشهر، فعن النبي (ص):

(أفضل العمرة عمرة رجب)، و عن أبي عبد اللّٰه (ع): (المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء و أفضل العمرة عمرة رجب)، و عنه (ع): (إذا أهلّ بالعمرة في رجب و أحلّ في غيره كانت عمرته لرجب، و إذا أهلّ في غير رجب و طاف في رجب فعمرته لرجب)، و في حديث عنه (ع) أنه سئل عن رجل أحرم في شهر و أحلّ في آخر فقال:

(يكتب في الذي قد نوى، أو يكتب له في أفضلهما)، و يتأكد بعده استحبابها في شهر رمضان. و يستحب تكرارها ففي الخبر عن الامام الصادق (ع) قال: (في كتاب علي (ع) في كل شهر عمرة)، و عن إسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه (ع): السنة اثنا عشر شهرا يعتمر لكل شهر عمرة، و يستحب أن يعتمر ماشيا، ففي الخبر عن علي بن جعفر قال: خرجنا مع أخي موسى (ع) في أربع عمر يمشي فيها إلى مكة بأهله و عياله واحدة منهن مشى فيها ستة و عشرين يوما، و أخرى خمسة و عشرين يوما، و أخرى أربعة و عشرين يوما، و أخرى أحد و عشرين يوما.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 202

المسألة 419:

الظاهر من قول المعصومين (صلوات اللّٰه و سلامه عليهم أجمعين) في الأحاديث التي تقدم بعضها: في كل شهر عمرة أو لكل شهر عمرة: أن العمرة وظيفة خاصة في الشهر تترتب عليها بعض الآثار الشرعية، فيتأكد على المكلف

استحباب العمرة في كل شهر، و إذا أتى المكلف بها جاز له أن يدخل مكة محلا بعدها مرة أو مرارا ما دام الشهر الذي اعتمر فيه، و لا يفتقر فيه الى إحرام بعمرة جديدة، و إذا أتم المكلف عمرة التمتع ثم خرج من مكة الى بعض النواحي لضرورة أحوجته الى الخروج، و رجع الى مكة قبل انتهاء شهر عمرة لم يفتقر إلى عمرة تمتع أخرى و كفته عمرته الأولى، و إذا أفسد المكلف عمرته المفردة بالجماع قبل أن يتم السعي في العمرة وجب عليه أن يقيم في مكة حتى يخرج شهر عمرته الفاسدة و يعتمر في الشهر المقبل، و هذه كلها أحكام خاصة لعمرة الشهر ثبتت لأدلتها الخاصة، و قد سبق ذكر بعضها، و أما أن المكلف لا يشرع له أن يأتي بعمرة مفردة ثانية في الشهر إذا كان قد اعتمر فيه عمرة مفردة قبلها، فلا دلالة في الأحاديث المذكورة على ذلك، و لا دلالة لها على اعتبار الفصل بشهر بين العمرتين لتكون مقيدة للمطلقات الدالة على استحباب العمرة.

و أما خبر علي بن أبي حمزة البطائني عن أبي الحسن (ع) الدال على أن في كلّ عشرة أيام عمرة، فالظاهر ضعف سنده و لذلك فلا يصلح أن يكون مقيدا للمطلقات المذكورة، و إذا فرضنا سلامة سنده فسبيله سبيل الأحاديث المعتبرة التي تقدم الكلام فيها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 203

و على وجه الاجمال فتستحب العمرة بعد العمرة و ان لم يفصل بينهما فاصل من الأيام، و يتأكد استحبابها إذا اعتمر المكلف عمرته الأولى في شهر هلالي ثم أعتمر الثانية في شهر هلالي بعده، و أقل منه تأكدا أن يفصل ما بينهما بعشرة أيام.

المسألة 420:

يجوز بل يستحب للإنسان

أن يأتي بعمرة مفردة بعد أن يتم أعمال الحج، سواء كان حجه تمتعا أم قرانا أم افرادا، فعن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن المعتمر بعد الحج، قال: إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 204

الفصل التاسع في صور أنواع الحج على نحو الإجمال
[النوع الأول: حج التمتع]
المسألة 421:

النوع الأول من الحج حج التمتع و هو أفضل أنواعه جميعا، و هو كما قلنا في أول الفصل الثامن فريضة كل مكلف تبعد داره عن مكة المكرمة بثمانية و أربعين ميلا فأكثر إذا استطاع الى الحج سبيلا، و هو يتألف من نسكين مترتبين يرتبط أحدهما بالآخر و لا يسقط الفرض عن المكلّف إلا بالإتيان بهما معا على الترتيب الشرعي بينهما، و وفقا للشروط المعتبرة فيهما و في إعمالهما.

[النسك الأول من هذا النوع هو عمرة التمتع]
المسألة 422:

النسك الأول من هذا النوع هو عمرة التمتع و تجب فيها خمسة أعمال:

(الأول:) أن يحرم المكلف من أحد المواقيت الآتي ذكرها بعمرة التمتع لحج التمتع، و أن يكون إحرامه في أحد أشهر الحج و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة.

(الثاني:) أن يأتي مكة بعد الإحرام فيطوف بالبيت الحرام سبعة أشواط طواف العمرة.

(الثالث:) أن يصلي بعد ذلك في مقام إبراهيم ركعتين صلاة الطواف.

(الرابع:) أن يسعى بعدهما بين الصفا و المروة سبعة أشواط سعي العمرة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 205

(الخامس:) أن يقصّر فيأخذ شيئا من شعره، أو يقلّم شيئا من أظفاره.

فإذا فعل ذلك حلّ من إحرامه، و جاز له أن يأتي بأي عمل حرم عليه بسبب الإحرام، و لا يحلّ له أي شي ء حرم عليه بسبب الحرم، و سيأتي تفصيل ذلك (ان شاء اللّٰه تعالى).

المسألة 423:

لا يجب على المكلف طواف النساء في عمرة التمتع على الأقوى، و الأحوط استحبابا ان يأتي به بعد السعي و قبل التقصير و أن يكون الإتيان به برجاء المطلوبية.

[النسك الثاني من هذا النوع هو الحج،]
المسألة 324:

النسك الثاني من هذا النوع هو الحج، و قد يطلق عليه بالخصوص اسم حج التمتع، و تجب فيه ثلاثة عشر عملا:

(الأول:) أن يحرم بحج التمتع من مكة، و الأفضل أن ينشئ إحرامه في اليوم الثامن من ذي الحجة و هو يوم التروية، و يكفيه أن يحرم في وقت يمكن معه ان يدرك الوقوف بعرفات في اليوم التاسع حين الزوال.

(الثاني):

أن يقف في عرفات من زوال الشمس في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة إلى غروب الشمس منه، و يراد بالوقوف في الموضع المذكور: أن يكون فيه جميع المدة المذكورة على ما سيأتي بيانه، و عرفة موضع يقع في طريق مكة إلى الطائف و على بعد أربعة فراسخ من مكة.

(الثالث:) أن يبيت ليلة العاشر من ذي الحجة في المزدلفة عند المشعر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 206

الحرام و يقف فيها من طلوع الفجر الى طلوع الشمس من يوم الأضحى، و المزدلفة واد يقع ما بين عرفة و مكة قبل أن يصل الى منى.

(الرابع:) أن يرمي جمرة العقبة في يوم الأضحى. و تقع العقبة في آخر وادي منى مما يلي مكة.

(الخامس:) أن يذبح هديه إذا كان من البقر أو الغنم، و ينحره إذا كان من الإبل، و هو الواجب الثاني من واجبات منى في يوم العيد.

(السادس:) أن يحلق شعره أو يأخذ من طول شعره أو يقلّم أظفاره على التفصيل الآتي ذكره و هو الواجب الثالث منها، فإذا أتمّ هذه الأعمال حلّ له جميع ما حرمه الإحرام عليه ما عدا

الطيب و النساء، و ما عدا الصيد أيضا، و هو من محرمات الحرم فلا يحل له ما دام فيه.

المسألة 425:

يتخير المكلف بعد ان يتم أعمال منى في يوم العيد بين أن يعود إلى مكة فيأتي بأعمالها في ذلك اليوم و أن يؤخرها إلى اليوم الثاني، و يجوز له أن يؤخرها الى ما بعد أيام التشريق، و الأفضل ان يأتي بها في يومه، و الأحوط استحبابا أن لا يؤخرها عن اليوم الثاني.

المسألة 426:

(السابع:) من واجبات حج التمتع ان يطوف بالبيت إذا رجع الى مكة كما ذكرنا طواف الحج سبعة أشواط.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 207

(الثامن:) أن يصلي صلاة الطواف و هي ركعتان خلف المقام.

(التاسع:) أن يسعى بين الصفا و المروة سبعة أشواط، فإذا أتمّ سعيه حل له الطيب.

(العاشر:) أن يطوف بالبيت طواف النساء سبعة أشواط.

(الحادي عشر:) أن يصلي بعده صلاة الطواف و هي ركعتان خلف المقام، فإذا أتمهما حلّت له النساء.

(الثاني عشر:) أن يبيت في منى ليالي التشريق و هي ليلة الحادي عشر و ليلة الثاني عشر إذا كان قد اتقى النساء و الصيد في أيام إحرامه فلم يرتكب منها شيئا، و إذا كان قد خالف و لم يتق وجب عليه ان يبيت ليلة الثالث عشر أيضا، و سيأتي تفصيل ذلك.

(الثالث عشر:) أن يرمي الجمار الثلاث في منى في كل من اليوم الحادي عشر و اليوم الثاني عشر و في اليوم الثالث عشر أيضا إذا بات ليلته في منى، فإذا أتمّ الأعمال الثلاثة عشر المذكورة بعد عمرة التمتع على الوجه المطلوب صح حجه تمتعا و برئت ذمته من التكليف به إذا كان واجبا.

[شروط حج التمتع:]
[الأول: النية،]
المسألة 427:

يشترط في صحة حج التمتع ان تتوفر فيه عدة أمور:

(الأول):

النية، و هي أن يقصد المكلف الإتيان بهذا النوع الخاص من الحج متقربا به الى اللّٰه، و يكفيه ان يقصد الإتيان بمجموعة الأعمال

كلمة التقوى، ج 3، ص: 208

الخاصة التي أمره اللّٰه بها على وجه الإجمال و ان لم يعلم بها على التفصيل في وقت النية، و موضع النية هو أول إحرامه بالعمرة من الميقات، فإذا قال في ذلك الوقت: أحرم بعمرة التمتع في حج الإسلام- مثلا- حج التمتع قربة الى اللّٰه، ثم تابع أعماله

في العمرة و الحج على هذه النية أجزأه ذلك و هذه المتابعة الإجمالية للنية في الأعمال هي الاستدامة الحكمية للنية التي يشترطها الفقهاء في صحة كل عبادة حتى تتم أجزاؤها، و قد تقدم ذكرها في الصلاة و الصوم و غيرهما من العبادات.

المسألة 428:

إذا اعتمر الشخص عمرة مفردة حتى أتمها كذلك، و كانت عمرته في أشهر الحج جاز له ان يعود بعدها إلى أهله، و جاز له أن يجعل عمرته المفردة التي أتى بها عمرة تمتع و يبقى في مكة و يحج بعدها حج تمتع، و إذا أقام بعد عمرته المفردة في مكة إلى هلال ذي الحجة استحب له ان يجعلها عمرة تمتع و يحج بعدها حج تمتع، و إذا أقام في مكة الى أيام الحج و يوم التروية تأكد له استحباب ذلك، و إذا حج بعدها متمتعا كفاه ذلك في جميع الصور المذكورة إذا كان حجه مندوبا، و لا يكفيه على الأصح إذا كان الحج واجبا عليه لاستطاعة أو نذر أو غير ذلك لعدم نية حج التمتع من أول الأمر، و انما يصح مندوبا للأدلة الخاصة المحمولة على ذلك.

المسألة 429:

يظهر من بعض الروايات الواردة في المسألة المتقدمة أن عمرته المفردة التي أتى بها ثم أقام بعدها الى أيام الحج تنقلب بنفسها إلى عمرة تمتع، و هو مشكل فيتعيّن حمل تلك الاخبار على أن المكلف ينوي التمتع بالعمرة المتقدمة فيجعلها عمرة تمتع كما ذكرنا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 209

(الشرط الثاني:) [أن تكون العمرة و الحج في أشهر الحج]
المسألة 430:

أن يكون كلّ من عمرة التمتع و حجه في أشهر الحج، و أشهر الحج هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، فلا يصح إذا وقعت العمرة أو وقع بعضها قبل هذه الأشهر، فإذا أحرم بالعمرة في آخر يوم من شهر رمضان مثلا كانت عمرة مفردة، و لم يجز له ان يتمتع بها الى الحج، و ان وقعت بقية إعمالها في شهر شوال.

المسألة 431:

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ)،- كما تقول الآية الكريمة- و كما دلت عليه أحاديث عديدة من السنة، و لذلك فأشهر الحج الثلاثة كلها- و منها شهر ذي الحجة- أشهر هلالية كاملة على الأصح، و ليست شهرين و بضعة أيام من الشهر الثالث كما يراه بعض الفقهاء، و ان لم يصح عقد الإحرام لعمرة التمتع بعد يوم التروية من شهر ذي الحجة، لعدم اتساع الوقت لهذه العمرة، أو لعدم بقاء وقتها لحضور أيام الحج، و سيأتي أن بعض أعمال الحج يجوز الإتيان به الى آخر شهر ذي الحجة، و من أجل ذلك قال بعض الأكابر: إن النزاع في هذه المسألة لفظي لا أثر له.

المسألة 432:

إذا اعتمر الإنسان في غير أشهر الحج، و قصد بعمرته التمتع بها الى الحج لم تصح عمرة تمتع كما قلنا آنفا، و يشكل الحكم بصحتها عمرة مفردة كما يراه بعض العلماء لانه لم ينو العمرة المفردة، و خبر أبي جعفر الأحول و خبر سعيد الأعرج اللذان اعتمد عليهما القائلون بالصحة من العلماء غير واضحي الدلالة على ذلك، فلا يترك الاحتياط بأن يتم المكلف عمرته المذكورة برجاء المطلوبية، و لا يكتفي بها إذا كانت عليه عمرة واجبة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 210

(الشرط الثالث:) [وقوعهما في سنة واحدة،]
المسألة 433:

أن يوقع المكلف عمرة التمتع و حجه كليهما في سنة واحدة، و هذا هو القول المشهور بين الأصحاب (قدس اللّٰه أرواحهم)، و ما ذكروه لهذا الشرط من الأدلة كلها قابلة للمناقشة، و لكن اعتضاد بعض هذه الأدلة ببعض و الاحتياط يقتضي اشتراط ما ذكروه، و لذلك فلا يصح للمكلف أن يأتي بعمرة التمتع في سنة و يأتي بحجة في سنة أخرى بعدها، و أن أقام بمكة إلى العام الثاني حتى أدى الحج فيه، و سواء أحلّ من إحرام عمرته بعد ما أتمها أم بقي محرما حتى أتمّ عمرته في السنة الثانية و حج فيها، و لا يصح له أن يأتي بعمرة التمتع للحج في آخر ذي الحجة و يأتي بالحج في أيام الحج المقبلة، و ان لم تفصل ما بينهما سنة كاملة.

(الشرط الرابع:) كون الإحرام بحج التمتع من مكة نفسها
المسألة 434:

أن يكون إحرام المكلف بحج التمتع من مكة نفسها، و المراد بها مكة الأصلية، فيكفيه ان يحرم في أي محلة شاء من محلاتها القديمة، أو شعب من شعابها، أو شارع من شوارعها، أو مسجد من مساجدها، و لا يجزيه ان يحرم في المحلات و الأحياء الجديدة التي أضيفت إليها بعد الاتساع.

و أفضل مواضع مكة للإحرام منه هو المسجد الحرام، و أفضله مقام إبراهيم أو حجر إسماعيل، و في بعض النصوص ما بين الركن و المقام.

و إذا تعذر على المتمتع أن يحرم بحجه من مكة لضيق الوقت عليه، أو لبعض الطواري التي أوجبت له التعذر أحرم من الموضع الذي يتمكن منه، و يجب عليه أن يختار الموضع الأقرب الى مكة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 211

فالأقرب، فيرجع اليه و يحرم منه مع الإمكان.

المسألة 435:

إذا أحرم المكلف بحج التمتع من غير مكة مختارا متعمدا في ذلك وقع إحرامه باطلا، فيجب عليه ان يعود إلى مكة و يجدّد الإحرام فيها، و لا يكفيه ان يعود إلى مكة و هو محرم من غير ان يجدّد الإحرام فيها و إذا لم يعد إلى مكة أو لم يجدّد الإحرام و حج بإحرامه الأول كان حجه باطلا.

و إذا ضاق عليه الوقت عن الرجوع فلم يعد إلى مكة لضيق الوقت، و جدّد إحرامه بعد ذلك في الموضع الذي يمكنه صح إحرامه و حجه، و ان كان آثما عاصيا بتركه الإحرام في مكة مختارا.

المسألة 436:

إذا أحرم بحج التمتع من غير مكة جاهلا أو ناسيا، ثم علم بالحال أو تذكره بعد إحرامه، وجب عليه ان يعود إلى مكة و يجدّد إحرامه فيها إذا أمكن له ذلك، و لا يصح إحرامه و لا حجه بغير ذلك، فإن لم يتمكن من الرجوع وجب عليه أن يحرم من المكان الذي يمكنه الإحرام فيه، و ان كان في عرفات نفسها و يصح حجه بذلك، و يجب عليه أن يختار الأقرب الى مكة فالأقرب مع الإمكان كما سبق في نظيره.

(الشرط الخامس:) [اشتباك العمرة و الحج]
المسألة 437:

يعلم من مجموع الأدلة و النصوص الواردة في حج التمتع ان العمرة و الحج في هذا النوع من الحج و ان كانا عبادتين تنفرد كل واحدة منهما عن الأخرى بإحرام و أعمال خاصة بها، إلا أنهما مشتبكتان مترابطتان، لا تنفك إحداهما عن الأخرى، و قد شبّك الرسول (ص) أصابعه و قال: (دخلت العمرة في الحج هكذا الى يوم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 212

القيامة) و تكرّر هذا القول من خلفائه المعصومين (ع).

و من النتائج الواضحة لذلك: ان لا يقوم بهذا العمل الواحد شخصان فيأتي أحدهما بعمرة التمتع وحدها، و يأتي الثاني بحج التمتع وحده و ان كانا في عملهما نائبين عن شخص واحد، فإن هذا التفكيك بين أجزاء العمل الواحد المترابط الأجزاء غير مشروع، أو هو مشكوك الشرعية في الإسلام على أقل الاحتمالات، و لا يصح ان يقوم بحج التمتع شخص واحد فيأتي بعمرة التمتع بالنيابة عن أحد و يأتي بحج التمتع بالنيابة عن شخص آخر.

[مسائل]
المسألة 438:

ورد في الخبر عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّٰه (ع)، في رجل تمتع عن امه و أهلّ بحجة عن أبيه؟ قال (ع): (ان ذبح فهو خير له، و ان لم يذبح فليس عليه شي ء لأنه إنما تمتع عن أمه، و أهلّ بحجة عن أبيه)، و الرواية غير ظاهرة الدلالة على خلاف الحكم الذي ذكرناه في المسألة الماضية، فمن المحتمل القريب ان الرجل قد أتي بعمرة مفردة عن أمه قبل الحج ثم أتي بحجة مفردة بعدها عن أبيه و من أجل ذلك فلا يجب عليه الهدي كما قال له الامام (ع) في الجواب، لأنه لم يتمتع بالعمرة إلى الحج، و ليس المراد ان الرجل أتى بعمرة التمتع عن

أمه و أتى بحج التمتع عن أبيه، فالرواية غامضة الدلالة على ذلك.

و أما صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: سألته عن رجل يحج عن أبيه أ يتمتع، فقال (ع): نعم المتعة له و الحج عن أبيه، فهي أكثر غموضا و أخفى دلالة على ذلك، فإن الراوي يسأل الامام عمن يحج عن أبيه أ يجوز له أن يعتمر لنفسه عمرة مفردة قبل حجه عن أبيه أو بعده، فقال له الامام: نعم يجوز له ذلك، و تكون العمرة له و الحجة لأبيه، و هي غير ما نحن فيه، أو يسأله عمن يحج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 213

عن أبيه و هو ميت أ يجوز له أن يحج عن أبيه حج التمتع مع ان الميت لا يتلذذ بالإحلال بين الإحرامين؟، فقال الامام له: نعم، يجوز له ذلك و يكون التمتع و التلذذ بين الإحرامين له و حج التمتع كله لأبيه، و على كلا الاحتمالين فلا دلالة في الصحيحة على أن تكون عمرة التمتع للرجل و حج التمتع لأبيه.

المسألة 439:

إذا اعتمر الإنسان عمرة التمتع وجب عليه البقاء في مكة بعد الإحلال من العمرة، و لم يجز له الخروج من مكة حتى يأتي بحج التمتع، و إذا دعته الى الخروج منها حاجة وجب عليه أن يحرم بالحج قبل خروجه، ثم يخرج الى حاجته و هو محرم حتى يعود إلى مكة و يأتي بالحج، و إذا لم يتمكن من العود إلى مكة مضى من وجهه الى عرفات و المشاعر ليؤدي الحج فلا يفوته.

و لا فرق في حرمة خروج المتمتع من مكة بين ان يكون خروجه إلى جهة تبلغ المسافة الشرعية الموجبة لقصر الصلاة أو تزيد عليها أو تنقص

عنها، إذا كان ذهابه الى ذلك الموضع يعدّ خروجا عن مكة، فلا يجوز له ذلك، و لا بأس بالذهاب أو التردّد أو السكنى في المواضع التي تعدّ من بلد مكة عرفا، و لا يعدّ الذهاب إليها خروجا عن مكة في نظر العقلاء، و لا اعتبار بأقوال المتسامحين و المتهاونين في الحدود من الناس.

المسألة 440:

إذا خرج المكلف من مكة بعد إحلاله من عمرة التمتع عامدا من غير عذر و لم يحرم بالحج، كان عاصيا آثما بخروجه كذلك، و لا تبطل عمرته و متعته بمجرد ذلك، و إذا كان جاهلا أو ناسيا فلا إثم عليه، فإذا رجع الى مكة بعد خروجه منها، فإن كان رجوعه إليها قبل ان ينقضي الشهر الهلالي الذي أتمّ عمرته فيه كفته عمرته تلك،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 214

و لم يفتقر في دخوله إلى مكة و لا في صحة حجه الى استئناف عمرة أخرى، و ان كان رجوعه إلى مكة بعد أن انقضى شهر عمرته و دخل شهر هلالي آخر وجب عليه أن يأتي بعمرة تمتع اخرى، و عليه ان يحرم بها من أحد المواقيت، و لم تكفه عمرته السابقة في جواز دخوله إلى مكة، و لا في صحة حجه متمتعا، فإذا دخل مكة محلا كان آثما بدخوله كذلك و إذا حج متمتعا بانيا على متعته الأولى كان حجه باطلا.

المسألة 441:

إذا خرج المتمتع من مكة بعد إحلاله من العمرة و قبل الإحرام بالحج لعذر أو لغير عذر- كما فرضنا في المسألة الماضية- و أراد الرجوع الى مكة بعد انقضاء الشهر الهلالي لعمرته، و قد تعذر عليه العود من موضعه الى الميقات ليحرم منه بعمرة ثانية يدخل بها الى مكة، أو كان رجوعه الى الميقات موجبا للعسر و الحرج الشديد الذي لا يتحمل، فإن لم يتضيق عليه وقت الحج و علم انه إذا بقي في موضعه مدة أخرى ارتفع عذره و أمكن له ان يعود الى الميقات و يحرم منه من غير عسر و لا مشقة، وجب عليه الصبر في موضعه حتى يرتفع العذر و يأتي بالواجب

و يدخل مكة، و ان يئس من ذلك أو ضاق عليه وقت أدراك الحج، رجع بالمقدار الذي يمكن له من طريق الميقات و أحرم من ذلك الموضع بالعمرة و دخل مكة محرما معتمرا متمتعا، و ان لم يقدر أحرم من موضعه، و لعلنا نتعرض لنظير هذه المسألة في مبحث أحكام المواقيت.

المسألة 442:

إذا أحلّ المتمتع من عمرة التمتع و عرضت له حاجة دعته الى الخروج من مكة الى بعض النواحي القريبة أو البعيدة عنها و لم يكن يعلم بها من قبل، جاز له الخروج الى موضع حاجته بعد أن يحرم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 215

من مكة بالحج كما بيّنا في بعض المسائل المتقدمة، و يكفي في جواز ذلك ان تعرض له حاجة عادية لمثله تدعوه اليه و لا يشترط ان تكون ضرورة لا بد منها أو يكون فقدها موجبا للعسر أو الحرج.

فإذا أحلّ المقاول مثلا من عمرة التمتع و دعته الحاجة الطارئة الى الخروج إلى منى أو الى المشعر أو الى عرفات لارتياد أمكنة لحجاجه، و نصب خيام لهم، جاز له ان يخرج لذلك بعد أن يحرم بالحج، و كذلك إذا عرضت له الحاجة أن يخرج الى جدة لاستقبال الحجاج، أو ان يسافر إلى المدينة لترحيلهم إلى مكة، أو تيسير أمر سفرهم و إحرامهم، و ان كان له من ينوب عنه في ذلك.

و هذا كله إذا عرضت له الحاجة بعد إحلاله من العمرة و لم يكن يعلم بها قبل اعتماره، و إذا علم قبل إحرامه بعمرة التمتع بأنه يحتاج الى الخروج من مكة بعد العمرة أشكل الحكم لذلك.

و يمكن للمقاول و شبهه إذا كان يعلم قبل الاعتمار بأن الحاجة تدعوه الى الخروج بعد عمرته، أن

يحرم أولا بعمرة مفردة يدخل بها الى مكة، ثم يخرج بعد الإحلال منها إلى حوائجه، فإذا أنجزها عاد إلى مكة، و إذا فرغ خرج الى الميقات و أحرم بعمرة التمتع و خرج بعدها الى الحج.

المسألة 443:

إنما يجوز للمتمتع ان يخرج من مكة بعد إحلاله من العمرة، لطروء الحاجة الداعية الى ذلك إذا لم يخف فوات الحج بخروجه، فيحرم بالحج و يخرج لحاجته محرما كما تكرر ذكره، و إذا خاف فوات الحج بذلك لم يجز له، و لا يجوز لمن تمتع بالعمرة إلى الحج ان يترك الحج اختيار، أو يفعل ما يؤدي الى تركه، و ان كان الحج مندوبا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 216

المسألة 444:

إذا اتفق ان عرضت للمكلف المتمتع ضرورة لا بد له منها الى الخروج من مكة، كما إذا أمره الحاكم بشي ء و لم يمكنه التأخير، أو طرأت له حاجة يلزمه العسر أو الحرج إذا فقدها، و كان الإحرام بالحج من ذلك الحين يوجب له العسر و الحرج الشديد أيضا، جاز له الخروج محلا من غير إحرام، فإذا رجع الى مكة بعد خروجه منها اتّبع الأحكام التي مرّ ذكرها، فإذا كان رجوعه قبل ان ينقضي شهر العمرة دخل مكة محلا، و إذا كان رجوعه بعد انقضاء الشهر وجب عليه ان يحرم من الميقات بعمرة ثانية للتمتع، لانفصال عمرته الأولى.

المسألة 445:

تجري الأحكام الأنف ذكرها في حج التمتع سواء كان واجبا على المكلف أم مندوبا، و لا يختلفان في شي ء عدا ما سيأتي استثناؤه، فالصورة الإجمالية لحج التمتع المندوب هي الصورة الإجمالية التي ذكرناها للحج الواجب، و الاعمال فيه هي الأعمال التي عددناها في أول هذا الفصل، و الشروط فيه هي الشروط، و إذا أتمّ المتمتع في الحج المندوب عمرته و أحلّ من إحرامها حلّ له كل شي ء حرّمه عليه إحرامها الى ان يحرم بعدها بالحج من مكة كما في التمتع الواجب، و حرم عليه كذلك ان يخرج من مكة حتى يحج، و إذا طرأت له حاجة تدعوه الى الخروج من مكة بعد إحلاله من العمرة لم يخرج إلا إذا أحرم بالحج، الى غير ذلك من الاحكام التي بسطنا ذكرها في المسائل الماضية.

و الفارق الأول بين حج التمتع الواجب و المندوب في النية، فإذا أراد المكلف ان يأتي بحج التمتع المندوب قصد عند إحرامه بالعمرة من الميقات: انه يحرم بعمرة التمتع للحج المندوب حج التمتع قربة الى اللّٰه، ثم

يتابع أعمال العمرة و أعمال الحج على هذه النية، و قد سبق

كلمة التقوى، ج 3، ص: 217

ذكر النية في الحج الواجب في المسألة الأربعمائة و السابعة و العشرين.

و الفارق الثاني بينهما في الحكم، في ما إذا خرج المكلف من مكة بعد عمرة التمتع و هو محلّ غير محرم بالحج، ثم عاد بعد انتهاء شهر العمرة، فإذا كان حجه واجبا وجب عليه ان يدخل مكة ليتم حجه، و لذلك فيجب عليه ان يحرم بعمرة ثانية يدخل بها مكة يتمتع بها ثم يحج بعدها، فإن عمرته السابقة قد انفصلت عن الحج شرعا بعد انقضاء شهرها، و قد بيّنا هذا في ما مضى، و إذا كان حجه مندوبا جاز له بعد خروجه من مكة محلا و انقضاء شهر عمرته ان يرجع الى وطنه فلا يحج، فإن حجه مندوب حسب الفرض، و عمرته الأولى قد انفصلت عن الحج بعد انقضاء شهرها، فلا حكم لها، و لذلك فلا يكون المكلف مرتهنا بالحج و لا يجب عليه دخول مكة حتى يجب عليه الاعتمار لدخولها، و لكنه إذا تطوع فرجع الى الميقات و أحرم بعمرة التمتع ثانيا و أتمّ عمرته الثانية ارتهن بعدها بالحج و وجب عليه ان يحج متمتعا.

المسألة 446:

إذا خرج المتمتع من مكة و هو محل بعد عمرته و انقضى شهر العمرة ثم أراد الرجوع بعد الشهر إلى مكة وجب عليه ان يجدد عمرة ثانية كما سبق في المسألة الأربعمائة و الأربعين و كانت الثانية هي عمرة التمتع، و لذلك فهو لا يحتاج فيها الى طواف النساء، و كانت عمرته الأولى بعد الحكم بانفصالها شرعا عن حج التمتع، عمرة مفردة، و لذلك فالأحوط لزوما بل الأقوى أنها تفتقر الى

طواف النساء فلا تحل له النساء الا به و عليه ان يأتي به قضاء بعد ان يتم عمرته الثانية، فإذا أتى بالطواف قبل التقصير في العمرة صح لأنه لا يزال محرما، و إذا لم يأت به حتى قصّر و أحلّ من إحرامه لم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 218

يصح حتى يأتي به و هو محرم بإحرام آخر.

المسألة 447:

إذا أحرم المكلف بعمرة التمتع و دخل مكة بهذا القصد، فالظاهر حرمة خروجه من مكة حتى يتم متعته و يتم حجه، و لا ريب في ان غالب النصوص الواردة في المسألة انما تعرضت في السؤال و الجواب للخروج من مكة بعد إتمام العمرة و الإحلال من إحرامها، و لذلك لم يتعرض الفقهاء لحكم الخروج في أثناء العمرة و من تعرض لذلك منهم افتى بجواز الخروج، و لكن الإطلاق في صحيحة حماد بن عيسى يكفي في الدلالة على التحريم، فإن الروايات الأخرى قد دلّت على تحريم الخروج بعد إتمام العمرة لأن ذلك مورد الفرض في الرواية أو محل السؤال و لم تقيّد الحكم بذلك فلا موجب لتقييد الصحيحة الدالة على الحرمة.

المسألة 448:

إذا دخل مكة و هو محرم بعمرة التمتع ثم عرضت له ضرورة لا بد منها للخروج من مكة في أثناء عمرته أو طرأت حاجة توجب له العسر أو الحرج إذا فقدها جاز له الخروج و هو محرم بالعمرة فإذا قضى حاجته و عاد إلى مكة جاز له دخولها لانه محرم و ان طالت مدة إحرامه فيتم عمرته و يأتي بالحج بعدها.

المسألة 449:

إذا خرج المكلف من أهل مكة أو المجاورين فيها الى بعض المواضع القريبة أو البعيدة عن مكة ثم أراد الدخول إليها وجب عليه الإحرام بحج أو بعمرة و لم يجز له ان يدخلها محلا، إلا إذا كان من الحطّابة أو الحشاشة أو الرعاة أو نقلة الميرة إلى البلد الذين يتخذون ذلك عملا و مهنة لهم، إلا إذا كان قد دخل مكة قبل ذلك و هو محرم بحج أو بعمرة تمتع أو بعمرة مفردة و أتم نسكه فيها، ثم خرج منها،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 219

فيجوز له ان يدخلها بغير إحرام إذا كان دخوله قبل ان ينقضي شهر نسكه السابق، و قد ذكرنا هذا في المسألة الأربعمائة و السادسة عشرة، و قد سبق منا انه لا يعتبر الفصل بين العمرتين بفاصل من الأيام، و نتيجة لذلك فيجوز لمن خرج من مكة و أراد الدخول فيها ان يحرم بعمرة جديدة و ان لم تفصل بينها و بين عمرته الاولى مدة.

المسألة 450:

يجوز للمتمتع ان ينزل في ضواحي مكة التابعة لها عرفا و التي لا يعد الذهاب إليها خروجا من مكة، فإذا أقام بها في أثناء عمرته أو بعد الإحلال منها لم يضره ذلك و جاز له الغدو و الرواح إلى منزله فيها و قد تقدم ذكر هذا في المسألة الأربعمائة و التاسعة و الثلاثين.

[النوع الثاني: حج الإفراد،]
المسألة 451:

النوع الثاني من الحج هو حج الإفراد، و قد بيّنا في أول الفصل الثامن ان حج الإفراد أو حج القران فريضة كل مكلف يستطيع الحج ممن يكون أهله حاضري المسجد الحرام، و هم أهل مكة نفسها و من يحيط بها من أهل الضواحي و الديار القريبة التي لا تبعد عن المسجد الحرام بستة عشر فرسخا تامة، أو بستة و ثمانين كيلو مترا و نصفا على وجه التقريب، فيتخير المكلف المستطيع للحج منهم ان يأتي بأي هذين النوعين من الحج أراد، و أفضلهما هو حج القران.

و قد سبق أيضا ان الحج في كل من النوعين ينفرد عن العمرة و لا يرتبط بها في العمل و لا في الاستطاعة و لا في التكليف، فإذا استطاع المكلف للحج وحده وجب عليه و لم تجب عليه العمرة، و إذا استطاع للعمرة وحدها وجبت عليه و لم يجب الحج، و إذا استطاع لهما معا وجب عليه كل واحد منهما على انفراده و لم تتوقف صحته على ان يأتي بالآخر.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 220

المسألة 452:

أعمال حج الإفراد بذاتها هي أعمال حج التمتع ما عدا الهدي فإنه غير واجب في حج الإفراد و قد تقدم تعداد الاعمال في المسألة الأربعمائة و الرابعة و العشرين و ما بعدها و ذكرها هنالك يغنينا عن التكرار.

المسألة 453:

يشترط في صحة حج الإفراد أولا النية كما تشترط في غيره من العبادات، و هي كما قلنا في نظيره ان يقصد المكلف الإتيان بالنوع الخاص من الحج متقربا به الى اللّٰه و موضعها عند الإحرام به، و يكفي ان يقصد الإتيان بالأعمال على وجه الاجمال كما ذكرنا في حج التمتع و ان يجري على مقتضى نيته هذه حتى يتم الاعمال و تراجع المسألة الأربعمائة و السابعة و العشرون.

و يشترط فيه ثانيا ان يكون الإتيان بإحرامه و اعماله في أشهر الحج، فلا يصح إذا أحرم به قبل أشهر الحج و ان بقي على إحرامه في مكة أو في غيرها حتى أتم الحج في أيامه، و يشترط فيه ثالثا ان يحرم به من احد المواقيت الآتي ذكرها أو من دويرة أهله إذا كانت أقرب الى مكة من الميقات على ما يأتي بيانه في فصل المواقيت.

المسألة 454:

إذا استطاع المكلف من حاضري المسجد الحرام للحج و العمرة في سنة واحدة وجب عليه الإتيان بهما و المبادرة لهما، و الأحوط ان يقدم الحج، فإذا أتى بحج الافراد و أتمه فالأحوط له لزوما أن يأتي بعده بالعمرة المفردة من ادنى الحلّ، و لكنها لا ترتبط بالحج كما هو الحكم في عمرة التمتع، فإذا أخرها لغير عذر أثم بتأخيره، و إذا أخرها لعذر لم يأثم و لا يبطل حجه في الصورتين، و تلزمه المبادرة للإتيان بها و هكذا، و لا يشترط في صحتها أن يأتي بها في أشهر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 221

الحج.

[النوع الثالث: حج القران،]
المسألة 455:

النوع الثالث من الحج هو حج القران، و هو الثاني من النوعين اللذين يتخير بينهما المكلف من أهل مكة و توابعها في الحكم إذا استطاع الحج كما تقدم، و اعمال حج القران هي أعمال حج الافراد التي ذكرناها، و شروطه و أحكامه هي بذاتها شروط حج الافراد و احكامه.

و الفارق الأول بينهما هو ان القارن يسوق معه هديا عند إحرامه بالحج، فيتعين عليه ان يذبح ذلك الهدي أو ينحره في يوم النحر بمنى، و ان المفرد لا يجب عليه الهدي كما قلنا في المسألة الأربعمائة و الثانية و الخمسين.

و الفارق الثاني بينهما ان القارن يتخير عند إحرامه بالحج بين ان يعقد إحرامه بإشعار الهدي الذي ساقه معه أو تقليده، و سيأتي بيان المراد منهما، و ان يعقد إحرامه بالتلبية بعد الإحرام، و ان المفرد يتعيّن عليه ان يعقد إحرامه بالتلبية خاصة.

و الفارق الثالث بينهما ان القارن لا يجوز له بعد انعقاد إحرامه ان يعدل من الحج إلى عمرة التمتع سواء كان حجه واجبا أم مندوبا، و ان الحاج المفرد إذا دخل

مكة و كان إحرامه بحج مندوب، يصح له ان يعدل عن حج الإفراد الى عمرة التمتع إذا كان قبل الوقوف بعرفات، فيتم نسكه عمرة تمتع ثم يحرم بعدها بحج التمتع.

[مسائل]
المسألة 456:

الإشعار هو ان يشق القارن سنام البدنة التي يسوقها معه هديا عند إحرامه، فيقوم عن جانبها الأيسر و هي معقولة و يشق سنامها من جانبه الأيمن و يلطخ صفحته بالدم، و يختص الاشعار

كلمة التقوى، ج 3، ص: 222

بالهدي إذا كان من الإبل، و لا يجري فيه إذا كان من البقر أو الغنم، و التقليد ان يعلق في رقبة الهدي نعلا خلقا قد صلّى فيه، و يجوز التقليد في كلّ من الإبل و البقر و الغنم، و ستأتي بقية الاحكام في فصل الإحرام.

المسألة 457:

يفترق حج التمتع عن حج الإفراد و حج القران في عدة جهات:

الفارق الأول: يشترط في عمرة التمتع و حجه ان يكونا متصلين فيجب ان يقعا في أشهر الحج من سنة واحدة و قد تكرر منا ذكر هذا، و لا يعتبر ذلك في حج الافراد و حج القران مع العمرة المفردة حتى إذا استطاع المكلف للحج و العمرة في عام واحد و قد أوضحنا هذا من قبل و تراجع المسألة الأربعمائة و الرابعة و الخمسون، و حكم حج القران في هذا و في غيره حكم حج الافراد.

الفارق الثاني: يشترط في صحة عمرة التمتع و في صحة حجه ان يأتي المكلف بالعمرة قبل الحج و في عامه كما قلنا و لا يشترط ذلك في حج الإفراد و القران مع العمرة المفردة، فيصح كل من الحج و العمرة إذا أتي المكلف به منفردا عن الآخر أو مقدما عليه أو متأخرا عنه.

الفارق الثالث: يجب في حج التمتع ان يكون الإحرام به من مكة نفسها، و يجب في حج الإفراد و في حج القران ان يكون الإحرام بهما من أحد المواقيت الآتي ذكرها أو من دويرة أهل

المكلف إذا كانت أقرب من المواقيت إلى مكة.

الفارق الرابع: يجب على المكلف في حج التمتع ان ينحر أو يذبح ما استيسر من الهدي، و يجب ذلك على المكلف في حج القران إذا ساق الهدي معه عند إحرامه، و لا يجب عليه شي ء من ذلك في حج الإفراد.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 223

الفارق الخامس: لا يجوز للمكلف في حج التمتع ان يقدم الطواف و السعي الواجبين على الوقوف بعرفات و المشعر الحرام و مناسك منى يوم النحر إلا إذا كان مضطرا الى التقديم، و يجوز ذلك في حج الإفراد و في حج القران مع الاختيار.

المسألة 458:

يجوز للمكلف إذا دخل مكة و هو محرم بحج الإفراد أو بحج القران ان يطوف بالبيت طوافا مندوبا قبل ان يخرج الى الموقفين، و الأحوط له ان يجدد التلبية بعد صلاة الطواف، و إذا تكرر منه الطواف فلا يترك الاحتياط بأن يجدد التلبية بعد صلاة كل طواف.

و الأحوط للمتمتع إذا أحرم بحج التمتع ان لا يطوف بالبيت طوافا مندوبا قبل الموقفين و أعمال منى في يوم النحر و ان كان الأقوى جواز ذلك على كراهة.

المسألة 459:

إذا أحرم الإنسان بحج الإفراد و كان حجه مندوبا، جاز له ان يعدل بنيته عن حج الإفراد الى عمرة التمتع، فإذا دخل مكة بعد عدوله طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة ثم أحلّ من إحرامه، فإذا حضرت أيام الحج أحرم بحج التمتع و أتم نسكه، و كذلك إذا دخل مكة بعد إحرامه بحج الإفراد، أو طاف بالبيت بعد دخوله و سعى بين الصفا و المروة، فيجوز له العدول بنيته إلى عمرة التمتع في جميع هذه الصور، فيقصّر بعد السعي و يحلّ من إحرامه و يأتي بحج التمتع.

و لا يجوز له العدول إلى عمرة التمتع إذا جدّد التلبية بعد ان أتم السعي، و لا يجوز له العدول إلى عمرة التمتع و حج التمتع بعد الوقوف بعرفات و ان كان قد طاف و سعى قبل الوقوف، و لا يجوز

كلمة التقوى، ج 3، ص: 224

للمكلف ان يعدل إلى عمرة التمتع إذا أحرم بحج القران و ساق معه الهدي و ان كان حجه مندوبا.

المسألة 460:

لا يجوز لمن يحرم بعمرة التمتع ان يعدل بنيّته بعد الإحرام بها الى حج الإفراد أو حج القران أو الى العمرة المفردة، سواء كان ممن يتعيّن عليه حج التمتع قبل الإحرام أم كان ممن لا يتعيّن عليه، كما إذا كان حجه مندوبا أو منذورا مطلقا.

و يستثنى من ذلك ما إذا ضاق عليه الوقت، فإذا هو أتم عمرة التمتع فاته الحج و لم يدركه، فيجوز له العدول في هذه الصورة بنيّته الى حج الإفراد، فإذا أتم أعمال الحج أتى بعده بعمرة مفردة يحرم بها من أدنى الحلّ، و يتحقق للمكلف ضيق الوقت الذي يفوت بعده الحج و يجوز معه العدول بأن لا يبقى

له من الفرصة ما يمكنه ان يطوف فيها و يصلي ركعتي الطواف و يسعى و يحل من إحرامه، ثم يحرم بالحج و يدرك مسمى الوقوف بعرفات قبل ان تغرب الشمس من اليوم التاسع، و هو الركن الاختياري من الموقف بعرفات، فإذا ضاق الوقت عن ذلك جاز له العدول، و إذا عدل بنيّته الى حج الإفراد و عمل على ما ذكرناه صح حجه و كفاه إذا كان مندوبا، و أجزأه في براءة ذمته من التكليف إذا كان واجبا.

المسألة 461:

إذا عدل المتمتع بنيّته عن عمرة التمتع الى حج الإفراد كما ذكرنا في المسألة السابقة و أتمها حجة مفردة، فإن كانت عمرة التمتع التي عدل عنها واجبة عليه، وجب عليه أن يأتي بعد الحج بعمرة مفردة يأتي بها من ادنى الحلّ بدلا عن عمرة التمتع التي فاتته، و ان كانت مندوبة لم يجب عليه الاعتمار بعد الحج، و استحب له ذلك.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 225

المسألة 462:

إذا دخل المتمتع مكة في سعة من الوقت و أكمل عمرة التمتع و أحرم بعدها بحج التمتع في حال السعة، ثم عرض له بعض الموانع حتى فاته الركن من الموقف الاختياري في عرفات كفاه ان يدرك الموقف الاضطراري فيها و سيأتي بيانه ان شاء اللّٰه في فصل الوقوف بعرفات، و كذلك إذا عرض له بعض الموانع فلم يتمكن من الإحرام بحج التمتع في حال السعة و أمكن له ان يحرم بالحج بعد الوقت الاختياري فيجب عليه ان يبادر فيحرم بالحج و يدرك الموقف الاضطراري و يجزيه ذلك عند العذر.

المسألة 463:

إذا كان المكلف ممن يتعيّن عليه في حج الإسلام ان يأتي بحج التمتع، و هو البعيد الذي لا يكون أهله حاضري المسجد الحرام، و علم قبل إحرامه بأن الوقت ضيق لا يقدر فيه على إتمام عمرة التمتع و أدراك الموقف الاختياري في الحج، لم يجز له ان يحرم من أول الأمر بحج الإفراد، فإنه غير وظيفته التي تتعيّن عليه و لا يكون حكمه حكم من طرأ له العذر بعد الإحرام، فإن كان الوقت متسعا أولا و لكن المكلف أخر الإحرام باختياره حتى ضاق الوقت استقر الحج في ذمته و وجب عليه الإتيان به في العام المقبل، و ان كان الوقت ضيقا منذ البداءة فلا يمكنه الإحرام إلا في الوقت الضيق، فالظاهر سقوط الفرض عنه لعدم قدرته على حج التمتع، و أما حج الإفراد أو القران فإنما هو فرض القريب.

المسألة 464:

إذا أحرم المكلف بعمرة التمتع في سعة من الوقت، و دخل مكة كذلك، و لكنه أخر الطواف و السعي لعمرته عامدا مختارا حتى ضاق الوقت، و أصبح إتمام العمرة غير ممكن له لأنه يفوت عليه الحج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 226

بفوات الركن الاختياري من وقوف عرفات، فالظاهر وجوب العدول عليه الى حج الإفراد و إتمامه كذلك و ان كان آثما عاصيا بتأخيره أفعال العمرة باختياره.

المسألة 465:

إذا دخل المكلف المتمتع مكة و اعتقد ان الوقت واسع يستطيع ان يتم فيه اعمال عمرته و يحل منها ثم يحرم بعدها للحج و يدرك الموقف، فأتم طوافه و سعيه بهذا القصد، ثم استبان له انه مخطئ في اعتقاده و قد فاته الموقف الاختياري بعرفات، فالظاهر بطلان طوافه و سعيه و انه باق على إحرامه الأول، و لذلك فيجب عليه ان يعدل بنيّته الى حج الافراد و ان يبادر لإدراك الموقف الاضطراري في عرفات في ليلة العاشر، فإن لم يقدر على إدراكه أدرك الموقف الاختياري في المشعر الحرام، و بذلك يصح حجه مفردا، و عليه أن يأتي بعمرة مفردة بعد فراغه من الحج إذا كان حج التمتع واجبا عليه.

المسألة 466:

إذا أحرمت المرأة بعمرة التمتع و هي حائض أو نفساء، و قدمت مكة و هي كذلك وجب عليها ان تنتظر، فإن هي طهرت من حدثها في سعة من الوقت اغتسلت ثم طافت بالبيت طواف العمرة وسعت و أحلّت من إحرامها، ثم أحرمت بحج التمتع في موعده، و ان استمر بها الدم حتى ضاق الوقت و لم يمكن لها الطواف لتتم العمرة، وجب عليها ان تعدل بنيتها الى حج الافراد و تخرج الى المشاعر لتؤدي المناسك، فإذا تم الحج وجب عليها ان تعتمر عمرة مفردة إذا كانت عمرة التمتع واجبة عليها، و كفاها حج الافراد و العمرة المفردة اللذان أتت بهما عما في ذمتها من حج التمتع و عمرته، و المدار على ان تدرك الركن من الوقوف الاختياري

كلمة التقوى، ج 3، ص: 227

كما ذكرنا في ما تقدم.

المسألة 467:

إذا أحرمت المرأة بعمرة التمتع و هي طاهرة، ثم حاضت أو نفست بعد الإحرام، أو بعد دخول مكة أو قبل الإتيان بأعمال العمرة، وجب عليها ان تنتظر، فإن طهرت من حدثها قبل أوان الحج اغتسلت و أتت بأعمال عمرتها كما تقدم، ثم أحرمت بالحج في موعده، و ان استمر بها الدم حتى ضاق عليها الوقت، تخيرت على الأقوى بين ان تعدل بنيتها الى حج الافراد فتخرج الى عرفات و المشاعر و تتم اعمال الحج و تأتي بعده بعمرة مفردة كما سبق في المسألة الماضية، و ان تغتسل و تحتشي، ثم تسعى بين الصفا و المروة و تقصّر و تحل من إحرام العمرة، و تحرم بعدها بحج التمتع فإذا طهرت من حدثها بعد اعمال منى اغتسلت و طافت طواف عمرة التمتع أولا، ثم طافت طواف حج التمتع ثانيا وسعت

سعي الحج، و طافت طواف النساء، و الأحوط استحبابا لها ان تختار العدول الى حج الإفراد.

المسألة 468:

إذا حاضت المرأة المتمتعة في أثناء طوافها بعمرة التمتع و لم تتجاوز نصف الطواف و هو ثلاثة أشواط و نصف بطل طوافها على الأصح، و وجب عليها الخروج من المسجد، فإن كانت في سعة من الوقت وجب عليها ان تتربص حتى تطهر من حدث الحيض و تغتسل و تستأنف طوافها من اوله و تتم اعمال العمرة و تحل منها، ثم تحرم بعدها بحج التمتع، و ان ضاق عليها الوقت و لم تطهر من الحيض، تخيرت- كما قلنا في المسألة الماضية- بين ان تعدل بنيتها الى حج الافراد و تعتمر بعده عمرة مفردة، و بين ان تسعى بين الصفا و المروة، و تقصّر فتحل من العمرة ثم تحرم لحج التمتع

كلمة التقوى، ج 3، ص: 228

كما فصّلنا في المسألة المشار إليها، و قد قلنا: ان الأحوط لها ان تختار العدول الى حج الإفراد.

المسألة 469:

إذا حاضت المرأة المتمتعة بعد ان تجاوزت النصف من طواف عمرة التمتع، وجب عليها أن تحفظ عدد الأشواط التي قطعتها، و الموضع الذي انقطع فيه طوافها، و ان تخرج من المسجد، فإن كانت في سعة من الوقت صبرت حتى تطهر من الحيض، فإذا اغتسلت منه وجب عليها ان تتم طوافها بالبيت سبعة أشواط من الموضع الذي قطعته، ثم تصلي صلاة الطواف و تسعى و تقصّر، و تحرم بعد ذلك بحج التمتع، و ان ضاق عليها الوقت من قبل ان تطهر من الحيض، وجب عليها ان تسعى بين الصفا و المروة ثم تقصّر، و تحرم بعده بالحج، فإذا طهرت من الحيض بعد مناسك منى مضت إلى مكة، و أتمّت ما نقص من طواف العمرة من الموضع الذي قطعته حين حاضت و صلّت صلاة الطواف

ثم طافت بعده طواف الحج و صلّت صلاته وسعت سعي الحج و طافت بعده طواف النساء.

المسألة 470:

إذا أكملت المرأة المتمتعة طواف العمرة سبعة أشواط ثم حاضت قبل ان تصلي صلاة الطواف، وجب عليها ان تخرج من المسجد، فإذا كان الوقت واسعا انتظرت حتى تطهر من الحيض فإذا هي اغتسلت من حدثها صلت صلاة الطواف ثم سعت و أتمت اعمال العمرة و أحرمت بعدها بالحج، و إذا كان الوقت ضيّقا أخّرت صلاة الطواف و سعت بين الصفا و المروة و أتمت العمرة و أحرمت للحج، فإذا طهرت بعد اعمال منى اغتسلت و مضت الى البيت و صلّت صلاة طواف العمرة أولا و طافت طواف الحج و سعت له، و طافت

كلمة التقوى، ج 3، ص: 229

طواف النساء.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 230

الفصل العاشر في المواقيت
[الأول: ذو الحليفة،]
المسألة 471:

المواقيت المبحوث عنها في كتاب الحج هي المواضع الخاصة التي عيّنت في الشريعة لإحرام المسلمين بالحج و بالعمرة أو بأحدهما خاصة، و مجموع ما يذكره الفقهاء من هذه المواضع عشرة:

الأول:

ذو الحليفة، و يسميه عامة الناس في هذه الأعصار (آبار علي)، و قد أطلق عليه في بعض النصوص اسم الشجرة، و لا يختص موضع الإحرام بمسجد الشجرة نفسه على الأقوى، فيصح الإحرام من خارجه مما يسمى بالشجرة و بذي الحليفة، و ان كان الإحرام من المسجد الذي صلّى فيه الرسول (ص) و أحرم فيه أفضل بل و أحوط، و لكنه لا يتعيّن و خصوصا لذوي الأعذار كالحائض و المريض في أوقات الازدحام و شبه ذلك، و لا تلحق الزيادة التي أضيفت الى المسجد بالمسجد الأصلي في الفضيلة، و يصح الإحرام منها و أداء صلاة الإحرام فيها.

و ذو الحليفة ميقات وقّته الرسول (ص) لأهل المدينة و لكلّ من يمرّ عليها في طريقه الى مكة في حج أو عمرة من أهل الأمصار الأخرى،

و ان كان لأهل مصره ميقات آخر قد عيّنه الرسول (ص) لهم إذا مرّوا به في طريق بلادهم الخاص إلى مكة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 231

المسألة 472:

يمرّ الحجاج و المعتمرون من أهل المدينة و أهل الأمصار الذين يحجون أو يعتمرون من طريق المدينة بذي الحليفة و بالجحفة و هي الميقات الثالث الذي سيأتي ذكره، و لا يجوز لهم على الأقوى أن يؤخروا الإحرام من ذي الحليفة الى أن يصلوا إلى الجحفة إذا كانوا مختارين في ذلك غير معذورين، و يجوز ذلك لمن اضطر اليه لمرض أو ضعف يمنعه من تقديم الإحرام، و كذلك إذا لزمه ضرر شديد.

أو حرج لا يتحمل عادة من الإحرام من الشجرة، فيجوز له تأخير الإحرام إلى الجحفة، و لا يتعدى في الحكم بالجواز الى الموانع الأخرى كالحرّ و البرد و المطر و شبه ذلك إذا لم يلزم منها ضرر أو حرج كما ذكرنا.

المسألة 473:

لا يتعيّن على الحاج أو المعتمر من أهل المدينة أن يسلك في سفره الى مكة طريق أهل المدينة المعروف، فيجوز له أن يسلك طريقا آخر لا يمرّ بمسجد الشجرة أو يحج و يعتمر من بلد آخر فيحرم من ميقات ذلك البلد، و كذلك الحجاج و المعتمرون من أهل الأمصار إذا دخلوا المدينة و أرادوا السفر إلى مكة من غير طريق المدينة، عدا ما يأتي استثناؤه في المسألة الآتية، و إذا دخل الحاج أو المعتمر المدينة و مرّ بالشجرة ثم أراد العدول الى طريق آخر غير طريق المدينة فلا يترك الاحتياط بأن يحرم من الشجرة ثم يخرج محرما الى أي طريق أراد فلا يجتاز الشجرة الا و هو محرم.

المسألة 474:

يستثنى من الحكم المتقدم من دخل المدينة من حجاج الأمصار و أقام فيها شهرا أو نحوه و هو يريد الحج ثم بدا له أن يسلك في سفره الى مكة غير طريق مسجد الشجرة فيجب عليه أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 232

يحرم عند محاذاة مسجد الشجرة في البيداء على ستة أميال من المدينة كما دلت عليه صحيحة عبد اللّٰه بن سنان.

المسألة 475:

قد ذكرنا أن ميقات ذي الحليفة لا يختص بمسجد الشجرة، بل يعم الموضع كله، و ان كان الإحرام من المسجد الذي أحرم فيه الرسول (ص) أفضل، و لذلك فيصح للحائض و النفساء و الجنب الذي لا يمكنه الاغتسال لمرض و شبهه أو لا يجد الماء ليغتسل به و لا يمكنه التيمم، يصح لهؤلاء جميعا و لغيرهم أن يحرموا من خارج المسجد، و يمكن للحائض و النفساء و الجنب أن يحرموا من المسجد نفسه في حال الاجتياز في داخله و العبور منه، و الاجتياز هو أن يدخل الإنسان من أحد أبواب المسجد و يخرج من باب آخر من غير مكث و لا تردّد و لا طواف في المسجد، فيدخل الجنب المعذور و الحائض فيه و يعقدان إحرامهما و يهلان بالحج أو بالعمرة و هما مجتازان من غير صلاة.

[الثاني من مواضع الإحرام: العقيق،]
المسألة 476:

الثاني من مواضع الإحرام:

العقيق، و هو واد واحد مستطيل جدا أو عدة أودية متصلة قد عقّها السيل أي شقّها و أنهرها و وسّعها-، كما يقول بعض اللغويين في وجه تسميته بالعقيق-، وسيلة يصب في غور تهامة، و هذا الموضع ميقات وقّته الرسول (ص) لأهل العراق و أهل نجد و من يحج أو يعتمر على طريقهما من أهل الأمصار الأخرى.

و أول هذا الميقات من جهة العراق و نجد، موضع يقال له المسلخ و أوسطه غمرة و آخر ذات عرق، و الأفضل للمكلف أن يحرم من المسلخ، و الأحوط أن لا يؤخر إحرامه إلى ذات عرق إلا إذا اقتضته ضرورة أو تقية، و ان كان الأظهر جواز ذلك كما هو المشهور.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 233

المسألة 477:

إذا لم يعلم المكلف بحدود الميقات الذي يحرم منه أخّر إحرامه حتى يعلم بدخوله في الميقات الشرعي، و يجوز له أن يقدّم إحرامه عليه بالنذر.

المسألة 478:

إذا اقتضت خصوصية ملزمة من التقية أن يؤخر الرجل إحرامه الى ان يصل الى ذات عرق جاز له أن يحرم سرا من المسلخ، فينزع ثيابه و يلبس ثوبي الإحرام و يعقد إحرامه و يلبي سرا، ثم ينزع الثوبين و يلبس ثيابه حتى يصل ذات عرق فينزع ثيابه و يظهر إحرامه و يجهر بتلبيته، و يلزمه الفداء على الأحوط للبس المخيط، و قلت: إذا اقتضت ذلك خصوصية ملزمة من التقية، لأن ظاهر مذاهب الجمهور أنهم متفقون على جواز تقديم الإحرام قبل الميقات، و لذلك فلا بدّ و أن تكون التقية في المورد لا تتأدى إلا بذلك.

[الثالث: الجحفة]
المسألة 479:

الثالث من المواضع المعيّنة للإحرام:

الجحفة بالجيم ثم الحاء، و هو منزل بين مكة و المدينة يقرب من رابغ، و يقول بعض اللغويين: هي قرية كانت جامعة فأجحف بها السيل، و من أجل ذلك سميت جحفة، و قد أصبحت خربة غير آهلة و تسمى المهيعة، و هي موضع وقّته الرسول لإحرام أهل الشام و أهل مصر و المغرب، و من يحج أو يعتمر على طريقهم إلى مكة من أهل البلاد الأخرى.

المسألة 480:

الظاهر أن الجحفة غير معروفة المعالم في الوقت الحاضر، و ان حددها بعضهم بأنها تقرب من رابغ، أو بأنها تقع بين بدر و خليض، و بأنها على سبع مراحل من المدينة، و على ثلاث مراحل من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 234

مكة، و انها مرحلة تكون بين قديد و الأبواء.

و قد قال في ملحق كتاب أخبار مكة للأزرقي: الجحفة في طريق الساحل الشمالي من الحجاز، و الجحفة مندثرة اليوم، و يحرم الحاج في الوقت الحاضر من رابغ، و لا اعتبار و لا غناء بجميع ذلك في تعيين الموضع أو تعيين موضع محاذاته، و حتى إذا أخبر بعض سكان تلك النواحي بشي ء فلا دليل على اعتبار قوله، فإنه إنما يعتمد على أمور حدسية أو ظنية لا تغني شيئا، و لذلك فلا بد للحاج أو المعتمر من أن يقصد أحد المواقيت الأخرى فيحرم منه، أو يقدّم إحرامه على الجحفة بالنذر، إلا إذا حصل له العلم بموضع الميقات من تلك الأقوال، أو من قرائن أخرى أو حصل له العلم بمحاذاته.

و قد ورد من طرق الشيعة و من طرق سائر المسلمين في حديث الغدير المتواتر بينهم: أن الرسول (ص) لما رجع من حجة الوداع و بلغ الجحفة جمع المسلمين

عند الظهيرة أو بعد صلاة الظهر و خطب فيهم خطبته المعروفة، و التي قال فيها: من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه، و بمقتضى هذه الأحاديث أن مسجد الغدير الموجود- الذي يذكره كثير من الثقات المترددين في طريق المدينة- من الجحفة، و قد ورد أيضا في جملة من تلك الأحاديث أن الغدير قبل الجحفة بثلاثة أميال، و على هذا فلا يكون مسجد الغدير من الجحفة و ان كان قريبا منها، و بعد، فالنصوص المذكورة ليست واردة في مقام بيان هذه الجهة فلا يستفاد منها تعيين موضع الجحفة، و قد جمع العلامة الثقة الأميني (قدس سره) من هذه الأحاديث ما يغني عن غيره في كتاب الغدير فليرجع اليه من أراد.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 235

[الرابع: يلملم،]
المسألة 481:

الرابع من مواضع الإحرام:

يلملم، و هو جبل يكون على مرحلتين في طريق مكة إلى صنعاء، و المرحلة الأولى بعد مكة هي الملكان كما يقول المؤرخ اليعقوبي في كتاب البلدان، و الثانية هي يلملم، و يسمى في الأيام الحاضرة السعدية، و هو ميقات عيّنه الرسول (ص) لأهل اليمن، و من يحج أو يعتمر على طريقهم من أهل البلاد الأخرى.

[الخامس: قرن المنازل،]
المسألة 482:

الخامس من مواقيت الإحرام:

قرن المنازل، و هي قرية تتبع مدينة الطائف تعرف بهذا الاسم، و هي ميقات وقّته الرسول (ص) لإحرام الحجاج و المعتمرين من أهل الطائف و من يحج أو يعتمر على طريقهم إلى مكة من أهل البلاد الأخرى، و لا يختص الميقات بالجبل الموجود في القرية و لا بالمساجد التي بنيت على الجبل أو في القرية، فيصح الإحرام من أي موضع يكون من القرية المعروفة بهذا الاسم.

[السادس: مكة المكرمة]
المسألة 483:

السادس من مواضع الإحرام:

مكة المكرمة، و هي ميقات للإحرام بحج التمتع الواجب منه و المندوب، سواء كان المتمتع من أهل الأمصار البعيدة أم القريبة، و يختص الميقات بمكة الأصلية و لا يعم المحلات و الأحياء في مكة الجديدة فلا يصح للمكلف الإحرام فيها، و قد بيّنا هذا مفصلا في المسألة الأربعمائة و الرابعة و الثلاثين فليرجع إليها.

[السابع: منزل المكلف]
المسألة 484:

السابع من مواضع الإحرام:

من كان من المكلفين منزله الذي يتوطنه أقرب إلى مكة من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 236

الميقات، فميقاته منزله، فإذا أراد الحج أو العمرة أحرم من منزله و خرج الى نسكه في مكة أو في عرفات، و يجوز له أن يخرج الى أحد المواقيت الأخرى فيحرم منه و لا يحرم من منزله.

المسألة 485:

إذا كان منزل الرجل أقرب الى مكة من الميقات، و كان في طريقه الى مكة ميقات آخر أقرب إليها من منزله لم يكفه أن يحرم من منزله، و وجب عليه أن يحرم من الميقات الذي يكون في طريقه إذا وصل اليه، و مثال ذلك: أن يكون منزل الرجل بعد مسجد الشجرة و قبل الجحفة، فلا يكون ميقاته دويرة أهله، بل يخرج من منزله محلا حتى يصل الجحفة فيحرم منها أو يخرج الى العقيق أو غيره من المواقيت فيحرم منه.

المسألة 486:

إذا كان ميقات الرجل دويرة أهله فأحرم منها و خرج الى مكة كفاه إحرامه كما ذكرنا، و لا يجب عليه تجديد الإحرام إذا اتفق له أن مرّ بعد الإحرام ببعض المواقيت لبعض الحاجات.

المسألة 487:

لا يترك الاحتياط للمكلف من أهل مكة إذا هو أراد الإحرام بحج الإفراد أو القران أن يخرج من مكة إلى الجعرانة، فيحرم منها ثم يعود إلى مكة، و يجدد إحرامه و تلبيته في مكة نفسها و كذلك من سكن مكة من أهل الأمصار البعيدة و قصد التوطن فيها و من أقام فيها بقصد المجاورة و تمت له فيها سنتان أو أكثر فيكون حكمهما حكم أهل مكة، و يلزمهما الاحتياط المذكور، و إذا أقام فيها بقصد المجاورة و لم تكمل له سنتان، و أراد الإحرام بحج الإفراد أو القران خرج كما ذكرنا إلى الجعرانة و أحرم منها، و لم يحتج إلى تجديد إحرامه في مكة، و قد بيّنا حكم أهل مكة و المقيمين فيها إذا أرادوا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 237

حج التمتع في المسألة الأربعمائة و الثامنة و سيأتي ذكر ميقاتهم في العمرة المفردة.

المسألة 488:

الجعرّانة بكسر الجيم و العين و تشديد الراء و يخففها بعضهم، موضع في طريق الحجاج المقبلين من العراق، و هي تبعد عن مكة بخمسة عشر كيلو مترا، و قد نزلها الرسول (ص) بعد رجوعه من الطائف في غزوة حنين، و قسّم فيها غنائم الغزوة، و أحرم منها للعمرة في شهر ذي القعدة سنة ثمان للهجرة، و على رأس هذا الموضع تقع أنصاب الحرم من هذه الجهة، و تسمى هذه الأنصاب المستوفرة، و تبلغ سعة الحرم من هذه الجهة تسعة أميال من مكة.

و في صحيحة أبي الفضل قال: كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد اللّٰه (ع): من أين أحرم بالحج؟ فقال: من حيث أحرم رسول اللّٰه (ص) من الجعرّانة، أتاه في ذلك المكان فتوح، فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح.

[الثامن: فخ، أو بطن مر، أو العرج، أو الجحفة،]
المسألة 489:

الثامن من مواضع الإحرام:

فخ، أو بطن مر، أو العرج، أو الجحفة، و هو ميقات خاص بالأطفال و الصبيان الذين يخشى أولياؤهم عليهم من الحر أو البرد إذا أحرموا بهم من مسجد الشجرة، فيؤخرون الإحرام بهم الى أن يصلوا الى أحد هذه المواضع، و يتخيّرون منها ما ترتفع به الضرورة بحسب الزمان و حال الطفل.

و فخ واد معروف قريب من مكة و يقع في مدخلها من طريق جدّة، و بين وادي فاطمة و طريق التنعيم، و يعرف أيضا بالشهداء، و لعله إشارة إلى واقعة فخ المشهورة التي قتل فيها الحسين بن علي بن الحسن شهيد فخ، و بطن مرّ موضع في مرّ الظهران، و يسمى مر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 238

الظهران في الأيام الحاضرة وادي فاطمة، و العرج موضع يكون على أقل من سبع مراحل من المدينة و يكون قبل الجحفة.

المسألة 490:

ذهب بعض الأجلة من العلماء (قدس اللّٰه أسرارهم) في المسألة السابقة الى عدم الفرق بين الصبيان و غيرهم في الميقات، فيتعيّن عندهم على ولي الصبي إذا أراد الإحرام به أن يحرم به من الميقات، نعم، يجوز له أن يؤخر تجريده من الثياب المخيطة الى أن يصل الى فخ، أو الى أحد المواضع الأخرى التي مر ذكرها، و حملوا النصوص الواردة في المسألة على ما يقولون، و بعض هذه النصوص صريح في أن المراد تأخير الصبيان في الإحرام الى هذه المواضع و بعضها ظاهر فيه و لا موجب لحملها على ما ذهب إليه هؤلاء الأجلة، و نتيجة لذلك، فإذا أحرم الولي بالصبي من الميقات و أخر تجريده من الثياب الى فخ أو غيره وجب عليه الفداء للبس المخيط.

[التاسع: محاذاة إحدى المواقيت الخمسة]
المسألة 491:

التاسع من مواقيت الإحرام:

الموضع الذي يحاذي المكلف فيه أحد المواقيت الخمسة الأولى الآنف ذكرها، و هي ذو الحليفة، و العقيق، و الجحفة، و يلملم، و قرن المنازل، و موضع المحاذاة ميقات للحاج و المعتمر الذي لا يمرّ في طريقه بأحد المواقيت المذكورة، فإذا بلغ الى موضع يحاذي فيه أحد المواقيت أحرم من ذلك الموضع.

و يراد من موضع المحاذاة: المكان الذي إذا استقبل المكلف فيه القبلة كان الميقات موازيا له في نظر أهل العرف على يمينه أو على يساره، و لا يعتبر فيه الموازاة بالدقة العقلية، و لذلك فيعتبر في المحاذاة أن يكون الميقات قريبا من موضع المكلّف كما إذا كان بينه فرسخان أو ثلاثة أو نحو ذلك، و لا تكفي موازاته إذا كان الفاصل

كلمة التقوى، ج 3، ص: 239

بينهما كثيرا، فإن الموازي للشي ء مع البعد الكثير عنه لا يكون محاذيا له عرفا.

المسألة 492:

يشترط في صحة إحرام المكلف من الموضع المذكور أن يحصل له العلم بمحاذاة الموضع للميقات، أو تشهد له بها بيّنة عادلة، أو يحصل له الاطمئنان الكامل بها من القرائن و الأمارات الموجبة للاطمئنان، فلا يصح الإحرام إذا لم تتوفر له هذه الأمور، و يمكنه أن ينذر الإحرام قبل الميقات، فيصح بذلك إحرامه في جميع الفروض و يتخلص من الإشكال.

المسألة 493:

إذا سافر المكلف إلى مكة للحج أو العمرة في طريق يحاذي فيه ميقاتين أو أكثر وجب عليه أن يحرم عند محاذاة أوّلهما، و مثال ذلك: أن يخرج من المدينة على طريق البيداء، فيحاذي مسجد الشجرة و الجحفة، فيجب عليه أن يحرم عند محاذاة مسجد الشجرة، و لا يجوز له تأخير إحرامه إلى أن يحاذي الجحفة، و كذلك إذا خرج على طريق يحاذي فيه الجحفة و العقيق، فيجب عليه الإحرام عند محاذاة أول الميقاتين و أبعدهما عن مكة، و إذا كان الميقات الأول بعيدا لا تحصل معه المحاذاة العرفية لبعده أحرم عند محاذاة الميقات الثاني، و كذلك إذا شك في صدق المحاذاة عرفا، فيؤخر إحرامه إلى أن يحاذي الميقات الثاني، و يمكنه أن ينذر الإحرام في موضع الشك و يتخلّص من الإشكال.

المسألة 494:

إذا أحرم الشخص للحج أو العمرة عند محاذاة الميقات عرفا على النهج الذي فصّلناه، صح إحرامه و كفاه، و ان أمكن له أن يذهب الى الميقات نفسه فيحرم منه، و صح إحرامه و كفاه و ان كان

كلمة التقوى، ج 3، ص: 240

يمرّ في طريقه بميقات آخر بعد ذلك، و ان كان الأحوط في هذه الصورة ان يجدّد إحرامه و تلبيته عند وصوله الى الميقات الثاني.

المسألة 495:

إذا قطع المكلّف بأنه قد بلغ الى موضع يحاذي فيه الميقات محاذاة عرفية، فأحرم بالحج أو بالعمرة، ثم ظهر له بعد ذلك إنه قد أخطأ في الاعتقاد و إنه أحرم قبل المحاذاة، كان إحرامه باطلا، فإذا ظهر له ذلك و هو في موضع المحاذاة وجب عليه أن يجدّد إحرامه في موضعها و لا يعتدّ بإحرامه السابق، و كذلك إذا استبان له ذلك قبل أن يصل الى موضع المحاذاة، فعليه أن يجدّد الإحرام إذا وصل الى الموضع، و إذا انكشف له إنه قد أحرم قبل المحاذاة بعد أن تجاوز موضع المحاذاة، وجب عليه أن يرجع الى موضع المحاذاة و يحرم منه إذا أمكن له الرجوع إليه، فان لم يمكنه الرجوع اليه وجب عليه أن يجدّد إحرامه في موضعه الذي هو فيه، و لا يعتدّ بإحرامه الأول في جميع الصور.

و كذلك الحكم إذا شهدت له البينة بأنه قد حاذى الميقات، فأحرم اعتمادا على قول البيّنة، ثم علم بخطإ قول البيّنة، فتجب عليه إعادة إحرامه على التفصيل الآنف بيانه، و نظيره ما إذا حصل له الاطمئنان بالمحاذاة لقول بعض الخبراء أو لبعض القرائن فأحرم، ثم تبيّن له خطأ ذلك فتجب عليه إعادة الإحرام على نهج ما سبق ذكره.

المسألة 496:

إذا حصل له العلم بمحاذاة الميقات، أو شهدت له بها البيّنة أو حصل له الاطمئنان بها لبعض القرائن الموجبة- كما فرضنا في المسألة المتقدمة- فأحرم بالحج أو بالعمرة من ذلك الموضع، ثم تبيّن له خطأ ذلك و انه قد تأخر في إحرامه عن موضع المحاذاة الصحيح،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 241

فان كان بعد تبين الخطأ له قادرا على الرجوع الى موضع المحاذاة للميقات وجب عليه أن يرجع الى الموضع و

يجدّد الإحرام فيه، و ان لم يستطع العود بالفعل نظر في حاله المتقدم في وقت إحرامه، فإن كان في ذلك الوقت قادرا على الذهاب الى الميقات و الإحرام منه فلم يذهب اليه و أحرم من الموضع الذي اعتقد بمحاذاته كان إحرامه السابق باطلا، و لذلك فيجب عليه أن يجدّد الإحرام في موضعه الذي هو فيه، و ان كان في وقت إحرامه لا يقدر على الوصول الى الميقات كان إحرامه من ذلك الموضع صحيحا و ان تبيّن له أنه أحرم بعد تجاوز موضع المحاذاة، و لذلك فلا يجب عليه أن يجدّد الإحرام.

المسألة 497:

إذا تحققت للمكلّف المحاذاة العرفية للميقات على الوجه الذي بيّناه في كيفيتها و ما يعتبر فيها و ما يثبتها صح له الإحرام من ذلك الموضع، سواء كان الطريق الذي يسلكه في البر أم في البحر، بل و يصح إحرامه في الجوّ إذا أحرز و هو في الطائرة أنه قد حاذى الميقات محاذاة عرفية، و أمكن له الإحرام من موضع المحاذاة، و لا يعتبر في هذه الحالة أن يكون الميقات عن يمينه أو يساره إذا استقبل مكة، بل يكفي أن يوازي الميقات من أعلى.

المسألة 498:

إذا سافر الإنسان إلى مكة للحج أو العمرة في طريق لا يمرّ فيه على المواقيت و لا يحاذي شيئا منها وجب عليه أن يقصد أحد المواقيت الشرعية فيحرم منه، و إذا تعذّر عليه الوصول إلى أحدها و الى موضع يحاذي فيه بعضها، وجب عليه أن يرجع في طريق الميقات ما أمكنه الرجوع فيحرم من الموضع الذي يمكنه الوصول اليه، فإذا تعذر عليه ذلك أحرم من أدنى الحلّ، و سيأتي في فصل أحكام المواقيت، حكم من ترك الإحرام من الميقات جاهلا أو ناسيا،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 242

و تذكره بعد ذلك، أو كان غير قاصد للنسك ثم قصده بعد ذلك.

[العاشر: أدنى الحلّ،]
المسألة 499:

العاشر من مواضع الإحرام:

أدنى الحلّ، و هو ميقات للإحرام بالعمرة المفردة التي يأتي بها الإنسان بعد حج الإفراد أو حج القران، و هو ميقات للعمرة المفردة للواردين إلى مكة حجاجا أو معتمرين بعد أن يتموا نسكهم، ثم يريدون الإحرام بعمرة مفردة، و هو على الأحوط ميقات العمرة المفردة لأهل مكة و أهل الحرم و المجاورين فيها، فإذا أرادوا العمرة المفردة خرجوا إلى أدنى الحل و أحرموا منه على الأحوط.

و أما النائي من أهل الأمصار فيحرم بالعمرة المفردة من مهلّ أرضه، أو من أحد المواقيت الأخرى إذا مرّ به في طريقه الى مكة، و إذا خرج النائي من أهل الأمصار من بلده و هو غير قاصد لعمرة حتى وصل أدنى الحل أو ما يقرب منه ثم بدا له أن يعتمر، أحرم بعمرته من أدنى الحلّ، و قد اعتمر رسول اللّٰه (ص) بعد انتهائه من غزوة حنين من الجعرّانة، و من كان منزله أقرب الى مكة من الميقات أحرم من دويرة أهله.

المسألة 500:

أدنى الحل هي الحدود الفاصلة بين الحرم المحيط بمكة المكرمة من جميع جوانبها و بين الخارج عنه، و من هذه الحدود الحديبية، و هي في الأصل بئر تقع في طريق جدة إلى مكة ثم سمي بها الموضع كلّه و هي تقع على بعد عشرة أميال من مكة، و في الحديبية مسجد الشجرة التي وقعت عندها بيعة الرضوان المنوه بها في الكتاب الكريم.

و منها التنعيم و هو موضع يقع في طريق المدينة على ثلاثة أميال من مكة، و فيه مسجد عائشة لما أمر الرسول (ص) أخاها عبد الرحمن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 243

بن أبي بكر أن يخرج بها لتعتمر من هذا الموضع بعد حجة الوداع.

و

منها الجعرّانة و قد تقدم ذكرها في المسألة الأربعمائة و الثامنة و الثمانين، و هي تبعد عن مكة بتسعة أميال، و أبعد حدود الحرم عن مكة هي ذات السليم و تقع في طريق عرفات و الطائف، و أنصاب الحرم فيها على جبل نمرة، و هي تبعد عن مكة أحد عشر ميلا.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 3، ص: 243

و من حدود الحرم إضاءة لين و هي موضع في طريق اليمن و أنصاب الحرم فيها على جبل غراب و هي تبعد عن مكة سبعة أميال، و منها القطع و هو جبل في طريق نجد و العراق، و أنصاب الحرم على ثنية خلّ بالقطع و هي أيضا على سبعة أميال، و الحدود المذكورة معلومة معروفة بين أهل البلاد و يصح الإحرام من أيّها شاء.

المسألة 501:

لا يتعيّن على الحاج أو المعتمر أن يحرم من الميقات الخاص الذي عيّنه الرسول (ص) لأهل بلاده، فيجوز له أن يحج على طريق آخر لا يصل فيه الى ميقات أرضه، و إذا حج أو اعتمر على طريق آخر و مرّ على ميقات وجب عليه أن يحرم من ذلك الميقات، و إذا حاذى أحد المواقيت محاذاة عرفية وجب عليه الإحرام من موضع المحاذاة.

المسألة 502:

إذا نذر الإنسان أن يحرم في حجه أو عمرته من ميقات معيّن وجب عليه أن يحرم من ذلك الميقات الذي عيّنه، و يستثنى من ذلك ما إذا حج أو اعتمر على طريق يمرّ فيه بميقاتين، فلا يصح له أن ينذر الإحرام من الميقات الثاني، و مثال ذلك: أن يحج المكلف على طريق المدينة و ينذر أن يكون إحرامه من الجحفة فيبطل نذره، فقد سبق أنه يجب عليه الإحرام من الميقات الأول و هو ذو الحليفة،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 244

و يستثنى من ذلك أن ينذر الإحرام بحج التمتع من أحد المواقيت غير مكة، فلا يصح له ذلك فقد تقدم ان الإحرام بحج التمتع يجب أن يكون من مكة، فإذا نذر الإحرام من غيرها كان نذره باطلا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 245

الفصل الحادي عشر في أحكام المواقيت
المسألة 503:

لا يشرع للحاج و لا للمعتمر أن يحرم قبل أن يصل الى الميقات، و إذا هو أحرم قبل وصوله اليه لم يصح إحرامه و لم يكفه ذلك لحجة أو عمرته، و ان مرّ على الميقات بعد ذلك و هو محرم، بل يجب عليه أن ينشئ إحراما آخر بعد وصوله الى الميقات، و لا يعتدّ بإحرامه الأول.

[الصورة الأولى:]
المسألة 504:

تستثنى من الحكم الذي ذكرناه في المسألة السابقة صورتان:

الصورة الاولى:

أن ينذر المكلف أن يحرم من موضع معيّن قبل الميقات، فيجب عليه الإحرام من ذلك الموضع وفاء بنذره سواء كان الموضع الذي نذر الإحرام منه بعيدا عن الميقات أم قريبا منه، فينذر الإحرام من بلده مثلا أو ينذر الإحرام من المدينة قبل أن يصل الى مسجد الشجرة، و سواء كان نذره متقدما على إحرامه بمدة طويلة أم بفترة قليلة متّصلة به، و قد وردت النصوص بذلك و لا وجه بعد ورودها للتشكيك في الحكم أو للمنع منه و قد نقل ذلك عن بعض الأصحاب.

المسألة 505:

إذا نذر الرجل أن يحرم بالحج أو بالعمرة من موضع معين قبل الميقات و أحرم من ذلك الموضع وفاء بنذره صح إحرامه و كفاه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 246

و لم يجب عليه أن يحرم مرة أخرى عند وصوله الى الميقات أو يجدد النية فيه، بل و لا يجب عليه المرور بالميقات، فيجوز له العدول الى طريق آخر لا يمرّ به.

المسألة 506:

لا يبعد إلحاق العهد و اليمين بالنذر في الحكم الآنف ذكره، فيجوز للرجل أن يعاهد اللّٰه سبحانه أو يقسم به يمينا على أن يحرم قبول الميقات، و يكون حكمه حكم الناذر الذي مرّ بيانه، اعتمادا على موثقة أبي بصير الدالة على ذلك، و لكن الاحتياط لا يترك بأن يحرم أولا من الموضع الذي عيّنه في عهده أو يمينه، ثم يجدّد الإحرام عند وصوله الى الميقات.

المسألة 507:

يشترط في صحة نذر الإحرام قبل الميقات أن يعيّن الناذر في صيغة نذره موضعا يوقع إحرامه منه، فيقول: للّٰه علي إن رزقني هذه النعمة أو إن دفع عني هذه البلية أن أحرم بالحج أو بالعمرة من النجف مثلا، أو يقول: للّٰه علي أن أحرم من المدينة، أو أن أنشئ إحرامي من المسجد الجامع في الكوفة، و لا يصح نذره إذا لم يذكر موضعا خاصا أو بلدا معيّنا، فقال: للّٰه علي أن أحرم بالحج أو بالعمرة قبل الميقات من غير تعيين، أو قال: للّٰه علي ان أحرم اما من النجف أو من كربلاء، على الترديد بين البلدين، أو قال: للّٰه علي أن أحرم من أي موضع ألتقي فيه بصاحبي زيد.

المسألة 508:

لا فرق في جريان الأحكام الآنف ذكرها بين أن يكون الإحرام في حج أو في عمرة، و لا بين أن يكون النسك الذي يحرم له واجبا أو مندوبا، و لا بين حج الإسلام و عمرة الإسلام و غيرها من أقسام الحج و العمرة الواجبين، فلا يصحّ الإحرام فيها جميعا قبل أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 247

يصل الى الميقات، و يصح ذلك مع النذر على الوجه الذي أوضحناه، و إذا استؤجر الرجل أن يحج أو يعتمر بالنيابة عن أحد، و اشترط المستأجر عليه أن يحرم من الميقات تعيّن عليه الإحرام منه، و لم يجز له أن يقدم الإحرام عليه بالنذر، و إذا اشترط عليه أن يحرم من ميقات خاص تعيّن عليه ذلك و لم يجز له إبداله.

المسألة 509:

لا يشرع للإنسان أن يحرم بعمرة التمتع قبل أشهر الحج، و قد سبق منا ذكر هذا في المسألة الأربعمائة و الثلاثين و ما بعدها و ما يليهما، و لذلك فلا يشرع له أن ينذر الإحرام بها قبل أشهر الحج، و إذا نذر ذلك لم ينعقد نذره و لم يصح إحرامه، و لا تشمله الأدلة التي أشرنا إليها في نذر الإحرام قبل الميقات، و كذلك الحكم في حج القران و حج الإفراد، فلا يصح الإحرام بهما قبل أشهر الحج، و لا ينعقد نذر ذلك إذا نذره المكلف، و لا تشمله نصوص نذر الإحرام قبل الميقات، و أما حج التمتع فالحكم فيه أوضح.

المسألة 510:

إذا نذر الإنسان أن يحرم من موضع معيّن قبل الميقات ثم نسي نذره و أحرم بعد وصوله الى الميقات لم يبطل إحرامه بمخالفة النذر و لم تجب عليه الكفارة، و إذا ترك الإحرام من الموضع المنذور عامدا و أحرم بعد وصوله الى الميقات كان آثما بمخالفته للنذر و وجبت عليه الكفارة، و لم يبطل إحرامه على الأقوى فيصح حجه و عمرته بذلك الإحرام، و الأحوط له استحبابا اعادة الحج و العمرة إذا كانا واجبين، و إذا أراد الإعادة أحرم من الموضع المعيّن للإحرام إذا كان نذره مطلقا.

[الصورة الثانية:]
المسألة 511:

الصورة الثانية

كلمة التقوى، ج 3، ص: 248

مما يجوز الإحرام فيه قبل الوصول الى الميقات: أن يقصد المكلف الاعتمار في شهر رجب، و يخاف إن هو أخّر الإحرام الى أن يصل الميقات أن يهلّ شهر شعبان و تفوته بذلك عمرة رجب، فيجوز له ان يحرم قبل الميقات ليدرك فضل العمرة في رجب، ففي موثقة إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم (ع) عن الرجل يجي ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق، فيحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أم يؤخر الإحرام إلى العقيق و يجعلها لشعبان، قال (ع): (يحرم قبل الوقت لرجب، فإن لرجب فضلا)، و في خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال: سألته عن عمرة رجب ما هي، قال: (إذا أحرمت في رجب و ان كان في يوم واحد فقد أدركت عمرة رجب و ان قدمت في شعبان).

المسألة 512:

إذا أحرم الشخص قبل الميقات ليدرك عمرة رجب- كما هو الفرض السابق- ثم وصل الى الميقات، لم يجب عليه أن يجدّد الإحرام في الميقات على الأقوى، إذا كان وصوله الى الميقات بعد هلال شهر شعبان، و الأحوط استحبابا أن يجدده، و إذا وصل الى الميقات قبل هلال شعبان فالأحوط لزوم تجديده، بل لا يخلو من قوة.

المسألة 513:

إذا علم الرجل أنه لا يدرك العمرة في رجب إذا هو أخّر الإحرام الى ان يبلغ الميقات لطول المسافة ما بينه و بين الميقات، جاز له أن يحرم بالعمرة قبل الميقات ليدركها و ان لم يتضيق عليه وقت هلال شعبان، و كذلك إذا علم أنه لا يدرك العمرة في الفرض المذكور فأراد أن يقدّم الإحرام قبل الميقات قبل أن يتضيّق عليه الوقت لتكون مدة إحرامه في أيام رجب أطول فيجوز له ذلك.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 249

المسألة 514:

يجري الحكم المذكور في عمرة رجب المندوبة، و الظاهر جريانه كذلك في عمرة رجب الواجبة بالنذر أو العهد أو اليمين، إذا كان قد نذر عمرة رجب أو حلف أو عاهد اللّٰه عليها، و يشكل جريان الحكم في غير ذلك من أقسام العمرة الواجبة.

[مسائل]
المسألة 515:

ذكرنا في أول هذا الفصل أنه لا يشرع للحاج أو المعتمر ان يحرم بنسكه قبل أن يصل الى الميقات، و هذا الحكم انما يثبت إذا كان الموضع الذي يعقد إحرامه فيه ليس من المواقيت، فإذا كان ميقاتا جاز له الإحرام منه بل وجب، و لا إشكال في ذلك، و مثال ذلك: أن يخرج المكلف الذي يكون ميقاته الجحفة إلى مسجد الشجرة فيحرم منه قبل أن يصل الى الجحفة، و مثال ذلك أيضا: أن يخرج الرجل من أهل مكة الى بعض المواقيت الأخرى فيحرم منه بالعمرة المفردة قبل أن يصل الى ميقاته و هو أدنى الحل.

المسألة 516:

لا يجوز للمكلّف إذا مرّ بالميقات و هو يريد الحج أو العمرة أن يتجاوز الميقات الا و هو محرم منه، الا إذا كان معذورا في تأخير الإحرام، و ان كان أمامه ميقات آخر، و قد سبق منّا في المسألة الأربعمائة و الثانية و السبعين أنه لا يجوز للحاج أو المعتمر من أهل المدينة، و أهل البلاد الّذين يحجّون أو يعتمرون من طريق المدينة، أن يؤخر إحرامه عن ذي الحليفة الى أن يصل الى الجحفة إلا إذا كان مضطرا إلى تأخير الإحرام لمرض أو ضعف، أو لزمه من الإحرام من الميقات الأول ضرر شديد أو حرج بالغ لا يتحمّل عادة، فيجوز له التأخير حين ذلك الى الميقات الثاني.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 250

و كذلك الحكم إذا مرّ بالميقات و هو يريد الدخول إلى مكة فلا يجوز له تأخير إحرامه عن ذلك الميقات و ان كان أمامه ميقات آخر إلا إذا كان معذورا، و مثله على الأحوط من يريد دخول الحرم خاصة من غير أن يدخل إلى مكة، و قد سبق منا

ذكر هذا الاحتياط له في المسألة الأربعمائة و السادسة عشرة، فعليه أن لا يؤخر إحرامه عن الميقات إذا كان مختارا غير معذور.

المسألة 517:

ذكرنا في المسألة الأربعمائة و الحادية و التسعين أن الموضع الذي يحاذي المكلّف فيه بعض المواقيت الخمسة ميقات شرعي للإحرام، فإذا حاذى المكلّف في طريقه ميقاتا منها محاذاة عرفية و هو يريد الحج أو العمرة وجب عليه أن يحرم بنسكه من ذلك الموضع، و لم يجز له أن يؤخر إحرامه إلى موضع آخر، و ان كان أمامه ميقات آخر أو موضع يحاذي فيه ميقاتا آخر.

و لا يترك الاحتياط لمن يريد الدخول إلى مكة أو يريد الدخول في الحرم، أن يحرم من موضع المحاذاة كذلك و لا يؤخر إحرامه إلى موضع آخر.

المسألة 518:

إذا مرّ المكلف بالميقات و هو يريد الحج أو العمرة أو يريد دخول مكة، و لم يحرم من الميقات عامدا أثم بذلك و وجب عليه ان يرجع الى ذلك الميقات و يحرم منه و لا يكفيه مع إمكان ذلك أن يحرم من موضع غيره أو من ميقات آخر يمرّ به أو من موضع يحاذي فيه ميقاته الأول، فإذا هو أحرم من بعض هذه المواضع التي ذكرناها و هو قادر على الرجوع الى الميقات الأول كان إحرامه باطلا، و إذا حج أو اعتمر بهذا الإحرام كان نسكه باطلا، و إذا كان مستطيعا للحج لم تبرأ ذمته من التكليف بذلك و وجب عليه الحج في العام المقبل

كلمة التقوى، ج 3، ص: 251

و كذلك إذا كان الحج واجبا عليه بنذر أو غيره و كان مما يقضى، و مثله العمرة الواجبة إذا كانت مما تقضى.

و إذا كان مريدا دخول مكة و لم يقصد حجا و لا عمرة ثم دخلها بذلك الإحرام كان آثما بدخوله لبطلان إحرامه و لم يجب عليه قضاء النسك أو الإحرام.

المسألة 519:

إذا مرّ المكلف بالميقات و هو يريد الحج أو العمرة أو يريد الدخول إلى مكة و ترك الإحرام منه عامدا و هو يعلم بالميقات و بوجوب الإحرام منه كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، ثم تعذّر عليه بعد ذلك أن يرجع الى الميقات ليحرم منه لضيق وقت النسك أو لطروء عارض يمنعه من الرجوع إليه، أثم بترك الإحرام كما قلنا و وجب عليه العود في طريق الميقات بالمقدار الممكن فيحرم من الموضع الذي يمكنه الوصول اليه و إذا لم يستطع شيئا من ذلك أحرم من موضعه و إذا كان قد دخل الحرم صنع كذلك فيخرج

ما أمكنه و لو الى خارج الحرم أو بعض طريقه فيحرم منه و الا أحرم من موضعه، فيصح إحرامه بذلك و يصح حجه أو عمرته و ان كان آثما بتركه الإحرام قبل العذر.

المسألة 520:

إذا مرّ بالميقات و هو يريد الحج أو العمرة و ترك الإحرام منه متعمدا و هو يعلم بأنه الميقات الذي يلزمه الإحرام منه، ثم أحرم بعد أن تجاوزه و هو يقدر على الرجوع الى الميقات، لم يصح إحرامه كما تقدم، و لا يصح حجه و لا عمرته بذلك الإحرام و ان تعذر عليه الرجوع الى الميقات بعد إحرامه، فإذا كان الحج أو العمرة الذي قصده مما يلزمه الإتيان به وجب عليه أداؤه بعد ذلك، و إذا كان من غير ذلك لم يلزمه القضاء لمجرد تلبّسه به أو لمجرد قصده دخول

كلمة التقوى، ج 3، ص: 252

مكة.

المسألة 521:

الذي يظهر من الأدلة المخصوصة ان وجوب الإحرام على كل من يريد الدخول إلى مكة انما هو حكم خاص شرعه اللّٰه تعالى لتعظيم هذه البقعة المكرمة في الإسلام، فلا يجوز أن يدخلها أحد و هو محلّ غير محرم، و ليس ذلك لوجوب حج أو عمرة على كلّ من يدخلها من الناس، و هو في ذلك نظير استحباب صلاة التحية لمن دخل أحد المساجد، و انما وجب على من دخل مكة محرما أن يكون حاجا أو معتمرا، لأن الإحرام لا يكون الّا جزءا أو شرطا في حج أو عمرة، و لأن التحلل من الإحرام لا يكون إلّا بأحدهما.

و نتيجة لذلك فإذا مرّ الشخص بالميقات و هو يريد دخول مكة و لم يحرم منه، أو أحرم بعد أن تجاوز الميقات متعمدا، ثم دخل مكة كان آثما كما قلنا و لم يجب عليه قضاء حج أو عمرة لعدم وجوبهما عليه.

المسألة 522:

الظاهر أنه لا فرق بين العمرة المفردة و الحج و عمرة التمتع في الحكم المذكور، فلا يجوز لمن قصد العمرة المفردة أن يؤخر إحرامها عن الميقات إذا مرّ به الا إذا كان معذورا، و إذا ترك الإحرام لها من الميقات عامدا أثم و لا بدّ له من الرجوع اليه مع الإمكان و إذا تركه متعمدا ثم تعذّر عليه الرجوع الى الميقات أحرم لها من أدنى الحلّ.

المسألة 523:

إذا مرّ الرجل بالميقات و نسي أن يحرم منه حتى تجاوزه ثم تذكر وجب عليه أن يعود الى ذلك الميقات و يحرم منه مع إمكان ذلك له، و لا يكفيه في هذه الصورة أن يحرم من ميقات آخر يمرّ به أو من موضع هو دون الميقات، و إذا تعذر عليه أن يرجع الى الميقات

كلمة التقوى، ج 3، ص: 253

رجع الى المقدار الذي يمكنه من طريق الميقات و أحرم من ذلك الموضع على الأحوط، و إذا تعذر عليه كل ذلك و خشي أن يفوته الحج أحرم من موضعه الذي هو فيه، و كذلك إذا ترك الإحرام من الميقات لجهله بالميقات أو لجهله بوجوب الإحرام منه فيأتي فيه التفصيل الذي بيّناه.

المسألة 524:

لا يجب على الشخص أن يحرم إذا مرّ بالميقات و لم يكن مريدا للنسك بحج أو عمرة، و لا قاصدا دخول مكة أو دخول الحرم، و ان قصد الوصول الى بعض البلاد أو المنازل القريبة من الحرم لبعض الغايات، فإذا مرّ كذلك من غير إحرام ثم بدا له أن يعتمر عمرة مفردة، وجب عليه أن يحرم من أدنى الحلّ، و قد مرّ الرسول (ص) على الميقات و هو يقصد الطائف في غزوة حنين حتى فرغ منها، ثم اعتمر بعدها من الجعرّانة و أحرم منها و قد ذكرنا هذا في المسألة الأربعمائة و الثامنة و الثمانين، و المسألة الأربعمائة و التاسعة و التسعين.

و إذا مرّ المكلف على الميقات و هو لا يريد النسك فلم يحرم حتى تجاوزه، ثم بدا له أن يحج أو يعتمر عمرة تمتع، فالأحوط له أن يرجع الى ميقات أهل بلده فيحرم منه و ان جاز له أيضا أن يحرم من أحد المواقيت

الأخرى و ان لم يمكن له ذلك رجع بمقدار ما يمكن له الرجوع اليه من طريق الميقات على الأحوط فأحرم منه و إذا تعذر عليه جميع ذلك أحرم من موضعه.

المسألة 525:

تقدم في المسألة الأربعمائة و الثامنة حكم النائي البعيد من أهل الأمصار إذا أقام بمكة للمجاورة فيها و أراد أن يأتي بعمرة التمتع فيلزمه الخروج منها الى أحد المواقيت الخمسة، و الأحوط له أن يختار

كلمة التقوى، ج 3، ص: 254

الخروج الى ميقات أهل بلده، و إذا تعذر عليه الوصول الى الميقات جرى فيه نظير الحكم الذي قدمناه لمن ترك الإحرام من الميقات ناسيا أو جاهلا ثم تعذر عليه الرجوع اليه و قد سبق بيانه في المسألة الخمسمائة و الثالثة و العشرين.

المسألة 526:

إذا بلغ الحاج أو المعتمر الميقات و لم يمكنه الإحرام منه لمرض أو ضعف، أو كان الإحرام من ذلك الموضع يوجب له ضررا شديدا أو حرجا لا يتحمل عادة جاز له أن يؤخر إحرامه إلى ميقات آخر يمرّ به في طريقه، و ان لم يكن في طريقه ميقات آخر أخّر إحرامه إلى أدنى الحلّ.

و إذا زال عذره بعد تجاوز الميقات الأول فالأحوط له أن يعود الى الميقات و يحرم منه، و ان لم يستطع ذلك رجع في طريق الميقات ما أمكنه الرجوع و أحرم من ذلك الموضع فإن لم يمكن أحرم من موضعه الذي هو فيه، و تراجع المسألة الأربعمائة و الثانية و السبعون، و كذلك الحكم في من يريد دخول مكة إذا جرى له مثل ذلك.

المسألة 527:

إذا أغمي على المكلّف في الميقات أو جنّ فلم يحرم منه حتى تجاوزه ثم أفاق وجب عليه أن يعود الى الميقات و يحرم منه، و إذا تعذر عليه الرجوع الى الميقات جرى فيه الحكم السابق في نظائره، فيرجع في طريق الميقات ما استطاع و يحرم في الموضع الذي يستطيع الوصول اليه، و ان لم يمكن أحرم من موضعه.

المسألة 528:

إذا أحرم الشخص من الميقات ثم رجع الى ما قبل الميقات لبعض الغايات التي دعته الى ذلك لم يبطل إحرامه، و مثال ذلك: أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 255

يصل الى مسجد الشجرة فيحرم منه، ثم يبدو له بعد الإحرام أن يرجع الى المدينة، فلا يبطل إحرامه، و لا يجب عليه تجديد الإحرام إذا عاد الى مسجد الشجرة أو الى موضع يحاذيه، و إذا عدل عن ذلك الطريق الى غيره و مرّ بميقات آخر غير ميقاته الأول، ففي وجوب تجديد الإحرام منه تأمّل، و لكن في تجديد الإحرام في هذه الصورة احتياطا لا يترك.

المسألة 529:

إذا قصد المسافرون في الطائرة الوصول الى جدة و من بعدها إلى المدينة لزيارة الرسول (ص) قبل الحج، فلا يجب عليهم الإحرام و إن مرّوا و هم في الجوّ على بعض المواقيت و حاذوه محاذاة عرفية، فإذا وصلوا إلى المدينة و ارتحلوا بعد الزيارة إلى مكة، وجب عليهم الإحرام من الميقات الذي يمرّون به في طريقهم.

و إذا سافروا الى جده في الطائرة و كان من قصدهم الوصول إلى مكة بحيث كانت جدة مرحلة من مراحل سفرهم إليها وجب عليهم الإحرام من موضع يحاذون فيه الميقات من الجوّ محاذاة عرفية إذا أمكن لهم ذلك، و يجوز لهم أن ينذروا الإحرام من موضع معيّن قبل الميقات فيحرموا من ذلك الموضع.

و إذا وصل المسافر منهم أو من غيرهم و لم يمرّ في طريقه بالميقات و لم يحاذه محاذاة عرفية و لم يحرم قبلها بالنذر وجب عليه أن يتوجه الى أحد المواقيت الخمسة و يحرم منه، أو يحرم قبل الميقات و قبل محاذاته بالنذر، فينذر الإحرام من رابغ مثلا، فإنه يقع قبل الجحفة للآتي من

طريق المدينة، و إذا تعذّر عليه ذلك أحرم من جدة بالنذر ثم جدّد نيّته و تلبيته في أدنى الحلّ.

المسألة 530:

يجب على المكلف تحصيل العلم بالوصول الى الميقات الذي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 256

يحرم منه، فلا يصح له الإحرام مع الشك في وصوله الى الميقات، و يكفيه في صحة الإحرام أن تشهد به البيّنة العادلة، و إذا لم يحصل له ذلك كفاه الاطمئنان الكامل الذي يحصل من إخبار العارفين بالموضع، و إذا لم يحصل له الاطمئنان أمكن أن يحرم من ذلك الموضع بالنذر.

المسألة 531:

يكفي في جواز دخول المكلّف إلى مكة و الى الحرم أن يكون محرما بإحرام صحيح، سواء كان إحرامه بحج تمتع أم بحج قران أم إفراد، أم بعمرة تمتع أم بعمرة مفردة، و سواء كان النسك الذي أحرم به واجبا عليه باستطاعة أم بنذر و شبهه، أم بإجارة أم بإفساد، أم كان متبرعا به عن غيره أم مندوبا، أم أتى به على سبيل الاحتياط اللازم أو غير اللازم، فإذا أحرم بالنسك على أحد هذه الفروض جاز له دخول الحرم و دخول مكة و دخول الكعبة المعظمة.

المسألة 532:

إذا وصل النائي من أهل الأمصار البعيدة إلى الميقات قبل ان يهلّ هلال شوال، لم يصح له أن يحرم بعمرة التمتع، و قد بيّنا من قبل أنّ الإحرام بعمرة التمتع لا يجوز قبل أن تدخل أشهر الحج، فإذا احتاج الى دخول مكة تعيّن عليه أن يحرم بعمرة مفردة لنفسه أو عن غيره فإذا دخل مكة و أتمّ عمرته و عزم من بعدها على حج التمتع وجب عليه أن يعود الى الميقات بعد دخول أشهر الحج ليحرم منه بعمرة التمتع.

المسألة 533:

إذا وصل النائي الذي وظيفته التمتع الى الميقات في شهر شوال أو في غيره من أشهر الحج و كان وقته متسعا، جاز له أن يحرم من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 257

الميقات بعمرة مفردة لنفسه أو عن غيره، فإذا دخل مكة و أتمّ عمرته رجع بعدها الى الميقات و أحرم منه بعمرة التمتع، و يجوز له أن يكرّر العمرة المفردة بعدها من أدنى الحل أو من الميقات إذا كان وقته يتسع لذلك و لا يضيق عن عمرة التمتع الواجبة عليه.

و بذلك يمكن للمقاولين ان يتردّدوا من المدينة إلى مكة لاستئجار المنازل و تهيئة المواضع و المعدّات لحجاجهم في مكّة ثم يعودوا إلى المدينة و يحرموا من الميقات مع الحجاج بعمرة التمتع.

المسألة 534:

يجب على من تمتع بالعمرة إلى الحج أن يكون إحرامه بحج التمتع من مكة، و قد فصّلنا هذا في المسألة الأربعمائة و الرابعة و الثلاثين، و أشرنا إليه في المسألة الأربعمائة و الثالثة و الثمانين، و لا يكفي المتمتع أن يحرم بحجه من غير مكة في حال الاختيار، فإذا هو أحرم من غير مكة متعمدا و هو يعلم بالحكم، لم يصح، و لا يصح إحرامه أن يدخل مكة بعده و هو محرم قبل خروجه الى عرفات، بل يجب عليه تجديد الإحرام فيها مع الإمكان، و إذا لم يجدّده و حج بإحرامه الأول بطل حجه.

و إذا تعذر عليه أن يحرم من مكة لبعض الطواري التي أوجبت له عدم القدرة، كما إذا خرج من مكة مضطرا و لم يستطع الرجوع حتى ضاق عليه الوقت، فإن هو رجع الى مكة ليحرم منها لم يدرك الركن الاختياري لموقف عرفات، و كما إذا لم يجد الوسيلة للرجوع إلى مكة،

أو كان مريضا أو سجينا لا يمكنه الوصول إليها، فيكفيه في هذه الصورة أن يحرم من الموضع الذي يمكنه الإحرام فيه، و يجب عليه أن يختار الموضع الأقرب فالأقرب إلى مكة مع إمكان ذلك له، فإذا أحرم منه صح إحرامه و حجه و إذا لم يحرم كذلك لم يصح.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 258

المسألة 535:

إذا نسي المتمتع فلم يحرم بحج التمتع لا من مكة و لا من غيرها و خرج الى المشاعر محلا ثم تذكر بعد خروجه، وجب عليه أن يعود إلى مكة و يحرم منها و ان وصل الى عرفات، و هذا إذا أمكن له أن يرجع منها إلى مكة و يحرم فيها ثم يعود الى عرفات و يدرك الوقوف فيها قبل غروب الشمس من اليوم التاسع، فإن لم يمكن له ذلك لضيق الوقت، أو لعدم الوسيلة، أو لفقد القدرة أحرم في عرفات نفسها، و لا يترك الاحتياط بأن يقول مع إحرامه (اللّهم على كتابك و سنة نبيك)، كما ورد في صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع)، فإذا فعل كذلك صح إحرامه و حجه، و إذا ترك الإحرام بعد ما تذكر بطل حجه.

و كذلك حكمه إذا نسي وجوب الإحرام من مكة فأحرم من غيرها ثم تذكر بعد الإحرام، فيجب عليه الرجوع و الإحرام من مكة و ان كان في عرفات مع القدرة عليه على الوجه الذي تقدم بيانه، و إذا لم يمكن له ذلك أحرم من موضع تذكره فيصح بذلك حجه، و إذا ترك الإحرام بعد ما تذكر كان حجه باطلا، و إذا اتفق لهذا المكلف في حال نسيانه و إحرامه من غير مكة انه كان غير قادر على الوصول إلى مكة

لبعض الاعذار صح إحرامه من غير مكة، و لم يفتقر الى تجديد بعد تذكره.

المسألة 536:

إذا جهل المتمتع وجوب الإحرام عليه فلم يحرم بحج التمتع و خرج من مكة إلى المشاعر و هو محل، ثم علم بوجوب الإحرام وجب عليه العود إلى مكة و الإحرام فيها مع الإمكان و ان بلغ الى عرفات كما قلنا في صورة النسيان، فإن لم يمكن له العود إلى مكة أو خشي فوت الوقوف إذا هو عاد إلى مكة أحرم من موضعه، و نظيره في الحكم ما

كلمة التقوى، ج 3، ص: 259

إذا جهل وجوب الإحرام من مكة فأحرم من سواها، فيجري فيه التفصيل الذي بيّناه و تنطبق الأحكام التي ذكرناها.

المسألة 537:

إذا نسي المتمتع فلم يحرم بحج التمتع و خرج من مكة إلى المشاعر و هو محلّ، و لم يتذكر إلا في المشعر الحرام صح وقوفه بعرفات و جرى فيه الحكم الذي سبق بيانه، فإذا استطاع العود إلى مكة و الإحرام فيها، بحيث لا يفوته الوقوف في المشعر الحرام بعد الإحرام من مكة وجب عليه أن يفعل ذلك و يدرك الوقوف، و ان تعذر عليه الرجوع أحرم في موضعه و أتمّ أعماله و كذلك إذا نسي وجوب الإحرام في مكة فأحرم من غيرها أو جهل وجوب الإحرام فلم يحرم أو أحرم بحجه من غير مكة، فيجري فيه التفصيل الذي مرّ بيانه و بتطبيق الأحكام الآنف ذكرها يصح عمله.

و نظيره في الحكم ما إذا طرأ للمكلف بعض الفروض المذكورة من النسيان أو الجهل فلم يحرم أو أحرم من غير مكة، و لم يتذكر الّا بعد الإفاضة من المشعر الحرام قبل الإتيان بأعمال منى في يوم النحر أو في أثنائها، فإذا تذكر فعليه الرجوع و الإحرام من مكة مع التمكن، و الإحرام من موضعه مع التعذر و

يتم عمله، و تصح أعماله التي أتى بها و هو محل قبل أن يتذكر في جميع الصّور الآنف ذكرها، و تصح أعماله التي يأتي بها بعد التذكر إذا أحرم لها من مكة أو في موضعه مع التعذر، و لا تصح إذا ترك الإحرام عامدا بعد تذكره.

المسألة 538:

إذا نسي المتمتع أن يحرم لحج التمتع أو جهل الحكم بوجوبه فلم يحرم، و لم يتذكر حتى أتم جميع أعمال الحج فالظاهر صحة حجه، من غير فرق بين أن يكون الحج واجبا عليه أو مندوبا، و من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 260

غير فرق بين أقسام الحج الواجب تمتعا، و يشكل شمول الحكم المذكور لحج القران أو الإفراد، بل و لعمرة التمتع أيضا، فلا يترك الاحتياط فيها كافة، و أشدّ منها اشكالا القول بشمول الحكم للعمرة المفردة الواجبة أو المندوبة.

المسألة 539:

إذا بطلت عمرة التمتع لبعض الجهات التي أوجبت فسادها شرعا وجب على المكلف أن يستأنفها مع القدرة على ذلك في عامه، و إذا لم يعدها في ذلك العام لضيق الوقت أو لسبب مانع آخر لم يصح حجه تمتعا، و لم يجز له أن يحج في ذلك العام قارنا أو مفردا، و لزمه إعادة عمرة التمتع و حجه في العام المقبل.

المسألة 540:

إذا أحرم الإنسان بحج واجب أو مندوب، أو بعمرة واجبة أو مندوبة، لنفسه أو عن غيره، فلا يجوز له أن يحرم بحج آخر أو بعمرة أخرى حتى يحلّ من إحرامه السابق، و الأحوط لزوما أن يكون تحلّله منه تحللا كاملا، فإذا كان نسكه الأول الذي أحرم به حجا أو عمرة مفردة فلا يحرم بالنسك الثاني حتى يأتي بطواف النساء، و لا فرق بين أن يكون النسك الثاني واجبا أو مندوبا لنفسه أو عن غيره، و حتى إذا أتى بالنسك الأول أو الثاني أو بكليهما احتياطا لازما أو غير لازم.

المسألة 541:

لا يجوز لمن أحرم بعمرة التمتع أن يحرم بعمرة مفردة قبل أن يحلّ من عمرته الأولى، فإنه من إدخال نسك على نسك، و قد تقدم المنع منه في المسألة السابقة، و لا يجوز لمن أحرم بحج التمتع أن يحرم أيضا بعمرة مفردة قبل ان يتم أعمال حجه و يتحلل من إحرامه حتى بطواف النساء على الأحوط فيه كما ذكرنا، و كذلك إذا أتم المكلف

كلمة التقوى، ج 3، ص: 261

عمرة التمتع و أحلّ من إحرامها فالأحوط له لزوما أن لا يفصل ما بينها و بين حج التمتع بعمرة مفردة يأتي بها بينهما، بل لا يخلو ذلك من قوة، و ان اتفق للمكلف أنه خرج من مكة بعد إحلاله من عمرة التمتع جاهلا بحرمة خروجه، أو خرج لضرورة لا بدّ له منها ثم عاد إلى مكة قبل أن ينقضي شهر متعته، و أما إذا انقضى شهر المتعة قبل أن يعود فقد سبق أنه يجب عليه الإحرام بعمرة تمتع ثانية، و تلاحظ المسألة الأربعمائة و الأربعون.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 262

الفصل الثاني عشر في مقدمات الإحرام و آدابه
المسألة 542:

يستحب لمن عزم على الحج في عامه أن يترك شعر رأسه و لحيته، فلا يأخذ منه شيئا بحلق و لا بتقصير و لا بغيرهما من أول شهر ذي القعدة، و ان كان إحرامه بالحج يقع في شهر ذي الحجة، من غير فرق بين أن يكون الحج الذي قصد الإتيان به تمتعا أو قرانا أو إفرادا، و واجبا أو مندوبا، لنفسه أو لغيره، و لا يجب ذلك عليه على الأقوى ما لم يحرم بالفعل، و لا تلزمه الكفارة إذا خالف ذلك فحلق رأسه في ذي القعدة أو بعده قبل أن يحرم، فلا يجب عليه أن يهريق دما

كما يراه بعض العلماء.

و يستحب لمن أراد العمرة أن يترك شعره ثلاثين يوما، فلا يأخذ من شعر رأسه و لا من لحيته شيئا في هذه المدة حتى يحرم، سواء كانت عمرته في أشهر الحج أم في غيرها من الشهور، و سواء كانت واجبة أم مندوبة و سواء كانت عمرة تمتع أم عمرة مفردة.

المسألة 543:

إذا عزم المكلف على حج التمتع استحب له أن يوفر شعر رأسه و لحيته من أول شهر ذي القعدة- كما قلنا-، و يكفيه ذلك لعمرة التمتع و لحج التمتع، و لا ينافي هذا الحكم أن يجب عليه التقصير بعد أن يتم العمرة ليحلّ منها، فيبقى استحباب ترك الباقي من شعره حتى يتم حجه و يحلق أو يقصر في يوم النحر، بل الأحوط لزوما أن يترك الشعر في هذه الصورة حتى يتم حجه، اعتمادا على صحيحة جميل بن دراج الواردة في من حلق رأسه في مكة بعد عمرة التمتع في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 263

المدة التي أمر بتوفير الشعر فيها.

و إذا أحرم بعمرة التمتع في شهر شوال حرم عليه أن يأخذ من شعره ما دام محرما، فإذا أتم أعمال عمرته و أحلّ منها جاز له حلق رأسه و الأخذ من شعره قبل أن يحرم بالحج، فإذا هلّ عليه هلال ذي القعدة استحب له ترك شعره و توفيره حتى يحج، و لزمته مراعاة الاحتياط الذي ذكرناه.

المسألة 544:

ذكرنا أنه يستحب لمن يريد العمرة أن يترك شعره لها ثلاثين يوما، و ان هذا الحكم يعم عمرة التمتع، و ظاهر النصوص أن المستحب إعفاء الشعر ثلاثين يوما قبل إحرام العمرة، و نتيجة لهذا فإذا أراد المكلف عمرة التمتع في أول شهر ذي القعدة استحب له أن يعفي شعره للعمرة من أول شهر شوال، فإذا تمتع بالعمرة في هلال ذي القعدة و أحل من عمرته بالتقصير استحب له اعفاء شعره بعدها حتى يحج، و يلزمه الاحتياط المتقدم.

المسألة 545:

يستحب للمكلف قبل أن يحرم بالحج أو بالعمرة أن يقلم أظافر يديه و رجليه، و أن يأخذ من شاربه، و أن يزيل شعر إبطيه بالطلي و هو الأفضل، أو بالحلق و هو أقل من الطلي فضلا، أو بالنتف و هو أدناها، و ان يزيل شعر عانته، و لا يبعد أن تكون ازالته بالاطلاء أفضل، لأنه طهور كما في الروايات ثم بالحلق، و لكن هذا الترتيب بينهما في إزالة شعر العانة لا يختصّ بالإحرام، و ينبغي له تنظيف الجسد من الأوساخ، و ان لم يرد به دليل في الإحرام، و يستحب له أن يستاك، و يجوز له ان يبدأ من المستحبات المذكورة بما شاء فلا ترتيب ما بينها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 264

المسألة 546:

إذا كان الشخص قد اطّلى قبل وقت الإحرام، فإن كان اطلاؤه السابق لا بقصد التهيؤ للإحرام استحب له أن يعيد الإطلاء للإحرام و ان مضى عليه يومان أو ثلاثة أو نحوها، و ان كان قد اطّلى بقصد التهيؤ للإحرام كفاه اطلاؤه السابق و لم يحتج إلى الإعادة إلا إذا مضى عليه خمسة عشر يوما أو نحوها، بحيث لا يعدّ اطلاؤه المتقدم تهيؤا للإحرام، فتستحب اعادته.

المسألة 547:

يستحب له استحبابا مؤكدا أن يغتسل غسل الإحرام، و موضع الغسل هو الميقات الذي يحرم منه إذا وجد فيه الماء، فإذا خاف عدم الماء فيه أو إعوازه لكثرة المحرمين مثلا، أو عدم تمكنه من الغسل فيه لبعض الأعذار، قدّم الغسل على الميقات، و إذا خشي إعواز الماء في الميقات أو عدم تمكنه من الغسل فيه، فقدّم الغسل قبله ثم وجد الماء عند وصوله اليه و أمكنه الغسل فيه استحبت له الإعادة.

المسألة 548:

يجوز للإنسان أن يغتسل غسل الإحرام قبل الميقات في حال الاختيار و ان لم يخش إعواز الماء في الميقات أو عدم إمكان الغسل فيه، فيصح له أن يغتسل في المدينة مثلا قبل أن يخرج الى الميقات في ذي الحليفة و إن أمكنه الغسل فيه، و الأفضل له في هذه الصورة أن يلبس ثوبي الإحرام بعد غسله في المدينة و ان لا يتناول ما يحرم أكله على المحرم حتى يأتي الميقات و يعقد إحرامه منه، و إذا لبس المخيط أو أكل ما يحرم على المحرم أو تطيّب قبل الميقات و عقد الإحرام فالأفضل له إعادة الغسل، و لا يتعيّن عليه ذلك، و كذلك إذا فعل شيئا من المحرمات الأخرى للإحرام على الأحوط.

و مثله ما إذا خاف إعواز الماء في الميقات، أو عدم تمكنه من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 265

الغسل فيه فقدّم الغسل عليه، فالأولى له أن يلبس ثياب الإحرام و يجتنب محرماته حتى يأتي الميقات و يعقد الإحرام، و إذا فعل شيئا من ذلك أعاد الغسل استحبابا كما تقدم سواء بسواء.

المسألة 549:

لا يختلف غسل الإحرام عن باقي الأغسال الشرعية في الكيفية، و لا في الأحكام التي تعمّها، فيصح أن يأتي به المكلف مرتبا بين أعضائه كما يرتب في غسل الجنابة و غيره، و يصح أن يأتي به ارتماسا على التفاصيل التي ذكرناها في مباحث الغسل من كتاب الطهارة.

و هو كباقي الأغسال المندوبة و الواجبة يغني عن الوضوء للصلاة و غيرها من الأعمال المشروطة بالوضوء، و ان كان الأحوط للمكلف أن يأتي معه بالوضوء احتياطا لا ينبغي تركه، كما قلنا في المسألة الثمانمائة و العاشرة من كتاب الطهارة و في مسائل أخرى، و الأفضل أن يأتي

بالوضوء قبل الغسل.

المسألة 550:

إذا اغتسل الإنسان غسل الإحرام في الميقات أو قبله ثم نام قبل أن يحرم لم يكفه ذلك الغسل، و استحبت له الإعادة، و كذلك إذا أحدث أحد الأحداث الأخرى على الأقوى فعليه إعادة الغسل استحبابا.

المسألة 551:

إذا كان الشخص مجنبا أو كان عليه أحد الأحداث الأخرى الموجبة للغسل و أراد الغسل للإحرام كفاه غسل واحد لحدثه و إحرامه، فيصح له أن ينوي الجميع بهذا الغسل، و يصح له أن يقصد امتثال الأمرين المتوجهين اليه بالغسل، و يصح له أن ينوي أحد الغسلين على التعيين، فيصح منه ذلك الغسل و يكفي عن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 266

الجميع، و تراجع المسألة الخمسمائة و الثالثة من كتاب الطهارة، و إذا أراد الإحرام، و كان في يوم الجمعة، و أراد في يومه دخول الحرم، و دخول مكة، و دخول المسجد الحرام، كفاه أن ينوي الجميع بغسل واحد.

المسألة 552:

إذا اغتسل الإنسان في أول النهار كفاه ذلك في أداء وظيفة الإحرام في ذلك اليوم و ان لم يحرم إلا في آخر النّهار، و إذا اغتسل في أول الليل كفاه للإحرام في تلك الليلة و ان لم يحرم إلا في آخرها، بل يكفيه غسل النهار و ان لم يحرم إلا في آخر ليلته المقبلة، و يكفيه غسل الليل و ان لم يحرم إلا في آخر نهاره المقبل، و هذا كله إذا هو لم ينقض غسله بنوم أو حدث بعده حتى أحرم كما قلنا في المسألة الخمسمائة و الخمسين.

المسألة 553:

إذا لم يقدر الشخص أن يغتسل غسل الإحرام، و وجد له بعض مسوغات التيمم التي ذكرناها في مباحث التيمم، و توفّرت شرائط صحته جاز له التيمم بدلا عنه، و كفاه ذلك لإحرامه، و تراجع المسألة التسعمائة و الثامنة و ما بعدها من كتاب الطهارة.

المسألة 554:

إذا اغتسل الرجل غسل الإحرام ثم مسح رأسه بمنديل و نحوه قبل عقد الإحرام فلا شي ء عليه و لا يعيد الغسل، و إذا اغتسل ثم قلّم أظفاره بعد الغسل استحب له أن يمسحها بالماء و لا اعادة عليه.

المسألة 555:

الذي يستفاد من ملاحظة مجموع الأدلة الواردة في غسل الإحرام أن هذا الغسل من المستحبات المؤكدة، تأكيدا شديدا، كما أشرنا إليه في المسألة الخمسمائة و السابعة و الأربعين، و ليس شرطا في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 267

صحة الإحرام و لا واجبا فيه، و لذلك فإذا أحرم المكلف بغير غسل كان إحرامه صحيحا، و لكنه ناقص الفضيلة، فاقد المزية و الخصوصية لعدم الغسل، و قد ورد في صحيح الحسن بن سعيد قال: كتبت الى العبد الصالح أبي الحسن (ع): رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما، ما عليه في ذلك؟ و كيف ينبغي أن يصنع؟ فكتب (ع) يعيده.

و الظاهر من ضم هذا الدليل الى مجموع الأدلة السابقة أنه يستحب لهذا الرجل ان يغتسل و يعيد إحرامه مع الغسل ليستدرك بإحرامه الثاني ما فقده إحرامه الأول من الخصوصيّة، و أن هذه الخصوصية المذكورة مطلوبة في الإحرام على نحو تعدّد المطلوب و قابلة للاستدراك، و من أجل ذلك أمره الإمام بالإحرام الثاني، فالإحرام الثاني متمم للنقص الذي دخل على الإحرام الأول و محقق للمرتبة الكاملة التي كان فاقدا لها، و ليس إحراما مستقلا في قبال الأول، و كذلك الحكم إذا أحرم بغير صلاة كما ورد في الصحيح، فيستحب له أن يصلي صلاة الإحرام ثم يعيد إحرامه بعد الصلاة على النهج المتقدم في الغسل.

و يتفرع على صحة إحرامه السابق وجوب الكفارة عليه إذا ارتكب ما يوجب الكفارة

بين الإحرامين، و يشكل جريان الحكم باستحباب الإعادة في ما إذا نسي فأحرم بغير غسل أو أحرم بغير صلاة.

المسألة 556:

يستحب للرجل أن يقول في أثناء غسله أو بعد أن يتم غسله:

(بسم اللّٰه و باللّه اللّهم اجعله لي نورا و طهورا و حرزا و أمنا من كلّ خوف، و شفاء من كل داء و سقم، اللّهم طهّرني و طهّر قلبي، و اشرح لي صدري و أجر على لساني محبّتك و مدحتك و الثناء عليك،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 268

فإنه لا قوة إلا بك، و قد علمت ان قوام ديني التسليم لأمرك و الاتّباع لسنة نبيك صلواتك عليه و آله).

المسألة 557:

يجوز للإنسان أن ينشئ إحرامه بالحج أو بالعمرة في أي وقت يشاء من الليل و النهار، و الأفضل له أن يكون عند الزوال، ففي صحيح معاوية بن عمّار و الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (ع): (لا يضرك بليل أحرمت أو نهار، الا أن أفضل ذلك عند زوال الشمس) و بمضمونة روايات عديدة أخرى.

و يستحب استحبابا مؤكدا أن يكون الإحرام بعد أداء صلاة فريضة حاضرة، و لذلك فالأفضل في غير حج التمتع أن يكون إحرامه بعد أداء صلاة الظهر في أول وقتها و هو الزوال فيدرك الفضيلتين، و يتحقق له ذلك أيضا إذا صلى الظهر و العصر معا بعد الزوال ثم أحرم بعدهما، و سيأتي بيان حكم الإحرام لحج التمتع في موضعه ان شاء اللّٰه تعالى.

و دون ذلك في الفضل أن يحرم بعد صلاة فريضة حاضرة أخرى، فإن لم يتفق إحرامه في وقت فريضة استحب له أن يصلي قبل إحرامه ست ركعات ثم يحرم بعدها، و دونها في الفضل أن يصلي أربع ركعات، و أقلها أن يصلي ركعتين و يحرم بعدها.

المسألة 558:

يجوز للمكلف أن يصلي نافلة الإحرام في أي وقت يشاء و يحرم بعدها، و لا تكره في الأوقات التي تكره فيها النوافل المبتدأة، و لا يمنع منها حتى في وقت الفريضة إذا حضرت، و قد دلت النصوص على أن صلاة الإحرام احدى الصلوات التي تصلّى في كل وقت و لا تترك على حال.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 269

المسألة 559:

يستحب له أن يقرأ في الركعة الأولى من نافلة الإحرام الحمد و سورة التوحيد، و يقرأ في الركعة الثانية منها الحمد و سورة الجحد و هي قل يا أيها الكافرون، بل ينبغي أن يقرأ كذلك في كل ركعتين من نافلة الإحرام إذا صلّاها ست ركعات، أو صلّاها أربعا، و لا يشمل هذا الاستحباب الفريضة الحاضرة إذا صلّاها و هو يريد الإحرام بعدها.

المسألة 560:

الأحوط لزوما أن لا يختضب الرجل أو المرأة بالحنّاء و هما يريدان الإحرام بعد ذلك إذا كان لون الحنّاء يبقى الى حال الإحرام و كان مما يعدّ زينة في الكف أو في الشعر، سواء قصدا به التزين أم لا، و كذلك الخضاب بغير الحناء إذا كان مما يبقى أثره و يعد زينة، بل لا يبعد القول بوجوب إزالة الأثر بعد الإحرام إذا أمكن ذلك.

المسألة 561:

قد تستعمل الحنّاء علاجا لتشقق الأصابع و الكفين و القدمين و نحو ذلك، فإذا اضطر الرجل أو المرأة الى ذلك جاز له أن يستعملها قبل الإحرام و ان بقي اللون الى حال الإحرام، و إذا لم يبلغ درجة الضرورة كره استعمالها للمرأة قبل الإحرام إذا كان الأثر مما يبقى، و أشكل القول بالكراهة للرجل فإن النص إنما ورد في المرأة، و هذا إذا كان الأثر الباقي لا يعدّ زينة و الّا جرى فيه الاحتياط المتقدم.

و إذا اختضب و هو لا يريد الإحرام ثم أراد الإحرام بعد ذلك لم يحرم و لم يكره، و إذا كان الأثر الباقي بعد الإحرام مما يعد زينة أزاله مع الإمكان و ان لم يمكن ذلك فلا شي ء عليه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 270

الفصل الثالث عشر في الإحرام و واجباته و آدابه
المسألة 562:

إذا أراد الإنسان الإتيان بنسك حج أو عمرة واجب عليه أو مندوب، لنفسه أو بالنيابة عن غيره، وجب عليه عند وصوله الى الميقات أن يعزم في نفسه على اجتناب جملة من المنهيات المخصوصة منذ ذلك الوقت الى أن يتم أعمال نسكه الذي أراد القيام به، و هو بهذا العزم المستقر في نفسه ينشئ لنفسه صفة الإحرام الذي يجب عليه في تأدية النسك، فالصفة التي تحصل للإنسان من عزمه المتقدم ذكره و من التزامه النفساني بترك المنهيات هي الإحرام، و المنهيات الخاصة التي يلتزم باجتنابها في تلك المدة هي محرمات الإحرام، و سيأتي بيانها ان شاء اللّٰه.

و يتضح مما بيّناه أن الإحرام صفة اختيارية للإنسان لا يمكن أن تحصل له الا بالقصد، و لا بدّ فيها من النية، لأنها مسببة من الالتزام النفساني المذكور، و إذا حصلت للإنسان صفة الإحرام و تم له إنشاؤها بعزمه على ترك المحرمات

و التزامه بذلك، حكم الشارع بثبوتها و بقائها، فلا ينتقض إحرامه و لا يتحلّل منه الّا بمحلّل شرعي عند إتمام النسك و إنهاء أعماله، و لا يبطل الإحرام ان يرتكب المحرم بعض المحرمات أو يرتكب جميعها بعد عزمه السابق و التزامه به، بل تجب عليه كفاراتها و سيأتي بيانها.

المسألة 563:

الإحرام من الأمور القصدية كما أوضحناه و لذلك فلا بدّ فيه من النية منذ ابتدائه و سيأتي لها مزيد بيان و إيضاح ان شاء اللّٰه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 271

و أما التلبية و لبس ثوبي الإحرام فهما واجبان في الإحرام، و لكنهما ليسا دخيلين في مفهومه، و سنذكر أن التلبية شرط في تحريم المحرمات على الناسك، فلا يحرم عليه شي ء منها قبل ان يلبي.

المسألة 564:

يكفي في تحقق نية الإحرام من المكلف أن يعزم على اجتناب محرمات الإحرام على وجه الاجمال و ان لم يحط بها علما حين إحرامه على التفصيل، فيجزيه أن يقصد ترك كل شي ء حرمة اللّٰه عليه ما دام ناسكا، ثم يجتنب عن أي شي ء ذكره الفقيه الذي يقلّده في رسالته، أو أي شي ء يذكره المرشد الثقة في تعليمه.

و يجب في نية الإحرام أن يعيّن النسك الذي يحرم له، أ حجا هو أم عمرة، و حج إسلام أم حج نذر أم حجا مندوبا، و حج تمتع أم قران أم إفراد، و عمرة تمتع أم عمرة مفردة، و أن النسك الذي يأتي به لنفسه أو بالنيابة عن غيره، فلا يصح الإحرام لنسك مردّد غير معيّن، و لا يصح الإحرام لنسك سيختار تعيينه في ما بعد من حج أو عمرة، و لا يصح الإحرام لحج أو لعمرة غير معيّنة حين الإحرام ثم يعيّنها بعد أن يتم العمل، و من ذلك يتبيّن أن نية الإحرام بذاتها هي نية الحج أو العمرة التي يريد الإحرام لها، فهي نية لهما معا، و تلاحظ المسألة الخمسمائة و التاسعة و الستون الآتية.

المسألة 565:

إنما يعتبر في نية الإحرام قصد الوجوب أو الندب إذا توقف على ذلك تعيين النسك الذي يحرم له المكلف كما في الأمثلة التي ذكرناها في المسألة السابقة، و لا يجب قصد الوجوب أو الندب إذا كان العمل متعيّنا لا يتوقف على ذلك كما في سائر العبادات التي يكون فيها العمل المنوي متعيّنا فلا تجب فيها نية الوجه من الوجوب أو الندب، و لا يجب في نية الإحرام إخطار صورة العمل في الذهن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 272

إذا كان متعيّنا، و يكفي

الداعي في قصد التقرب به، و لكن ذكر هذه الأمور أحوط و أولى.

المسألة 566:

يعتبر في نية الإحرام أن يقصد المحرم التقرب بإحرامه و بنسكه الذي يحرم به الى اللّٰه سبحانه، و ان يخلص للّه في نيته، فلا رياء و لا سمعة، كما يعتبر ذلك في سائر العبادات و قد فصّلنا ذلك و ذكرنا فروعه و أحكامه في مباحث النية من كتاب الصلاة و كتاب الطهارة و كتاب الصوم و غيرها، فإذا لم يتقرب العبد بإحرامه أو بعمله الذي يحرم به الى اللّٰه أو لم يخلص له في نيته كان إحرامه باطلا.

المسألة 567:

الإحرام- كما قلنا أكثر من مرة- من الأمور التي لا يتحقق وجودها الا بالقصد، فإذا لم تحصل النية من المكلف لم يتحقق الإحرام منه و وجب عليه تجديده، سواء أخلّ بالنية عامدا أم جاهلا أم ناسيا، و قد تقدمت أحكام من ترك الإحرام من الميقات متعمدا أو جاهلا أو ناسيا في فصل أحكام المواقيت فليرجع إليها، و لا فرق في حصول الخلل بالإحرام بذلك بين ان لا ينوي المكلف ترك المحرمات من أول الأمر عامدا أو ساهيا كما ذكرنا و بين أن يقصد من أول أمره أن يرتكب بعض المحرمات أو جميعها من غير عذر.

المسألة 568:

إذا عزم الإنسان في نفسه عزما مستقرا على ترك محرمات الإحرام جميعها من وقته هذا الى أن يتم أعمال حجه أو عمرته و التزم في نفسه باجتنابها التزاما نفسانيا حصلت له صفة الإحرام كما قلنا في أول هذا الفصل، و تمّ له بهذا العزم المستقر و الالتزام القلبي إنشاء الإحرام، ثم لا ينتقض إحرامه و لا يبطل إذا خالف عزمه الأول فارتكب بعض ما حرّم اللّٰه عليه أو ارتكب جميعها، و انما تجب عليه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 273

الكفارات بسبب مخالفته، و لا منافاة بين الأمرين المذكورين.

فإن عزمه المستقر في نفسه على ترك المحرمات في جميع المدة المذكورة سبب تام لحدوث صفة الإحرام له و قد تمّ السبب كما فرضنا و حصل الإنشاء و تحقق له الإحرام، و لا ينافي ذلك ان يتبدّل عزمه السابق بعد الإحرام بعزم آخر، فيرتكب المحرّم فإن وجود العزم الأول سبب في حدوث الإحرام و ليس بقاء العزم شرطا في بقاء الإحرام، و لذلك فلا يبطل الإحرام بذلك و تلزمه الكفارة للمخالفة.

و الفارق في

ذلك واضح بين الإحرام و الصوم، فإن الصوم هو إمساك الصائم عن المفطرات من أول النهار الى دخول الليل قربة الى اللّٰه و معنى ذلك ان المفطرات منافيات للصوم في حدوثه و في بقائه فإذا تناول الصائم أي مفطر منها في نهاره بطل صومه و ليس الإحرام كذلك.

المسألة 569:

إذا تعدّد ما في ذمة الشخص من الحج أو من العمرة و كان مختلفا في النوع أو في الأحكام وجب عليه تعيين ما يحرم له، و مثال ذلك أن تجب عليه حجة تمتع بسبب النذر و حجة تمتع أخرى بسبب الاستطاعة، فيجب عليه أن يعيّن عند إحرامه أن ما يأتي به هي الحجة المنذورة مثلا أو انها حجة الإسلام، و مثال ذلك أيضا أن تشتغل ذمته بحجة تمتع منذورة، و حجة قران أو افراد بالاستطاعة فيلزمه التعيين.

و إذا تعدّد ما في ذمته و كان متحدا في النوع و الحكم لم يجب عليه التعيين، و مثال ذلك: أن تجب عليه حجتان بسبب النذر و كلتاهما من حج التمتع أو من حج القران أو الإفراد، فلا يجب عليه ان يعيّن في نية الإحرام أنه يحرم للحجة المنذورة أولا، أو للمنذورة ثانيا، فإذا أحرم بعمرة التمتع لحج التمتع المنذور في المثال الأول

كلمة التقوى، ج 3، ص: 274

و أتى بالعمل تاما برئت ذمته من احدى الحجتين المنذورتين و بقيت الثانية و هكذا في باقي الأمثلة.

المسألة 570:

إذا نوى المكلف اجتناب جميع محرمات الإحرام، و عقد عزمه على ذلك حتى يتم نسكه، و أنشأ إحرامه من الميقات بذلك صح إحرامه و ان كان في ذلك الوقت معذورا لا يستطيع ترك بعض المحرمات، و مثال ذلك أن ينوي الإحرام كذلك من الميقات و هو مريض لا يقدر على ترك التظليل مثلا، فيصح إحرامه و يجوز له التظليل لوجود العذر و تلزمه الكفارة بسببه و يجب عليه اجتناب باقي المحرّمات.

المسألة 571:

إذا وجب على الرجل نسك معيّن من حج أو عمرة باستطاعة أو نذر مثلا أو غيرهما، و نوى الإحرام بنسك آخر غيره، لم يكفه ما نواه عن الواجب الذي لزمه، لأنّه لم ينوه، و هل يصح إحرامه و الإتيان بالعمل الذي قصده؟، فيه اشكال و تردّد.

المسألة 572:

إذا قصد الرجل في ضميره الإحرام بنسك معيّن لا تردّد فيه و نوى الإتيان به و نطق بلسانه انه يحرم بنسك آخر غيره، صح إحرامه لما قصده في نفسه، و لغي اعتبار ما نطق به بلسانه.

المسألة 573:

قد تقدم ان الإحرام من الأمور القصدية التي تتقوّم بالنية و لا تتحقق الا بها، و لذلك فإذا شرع المكلف في نوع من النسك حج أو عمرة، ثم شك في أثنائه، هل نواه عند الإحرام أم لم ينوه ففي صحته اشكال بل منع، فإن قاعدة الصحة و قاعدة التجاوز انما تثبتان صحة العمل إذا شك في صحته بعد إحراز أصل عنوانه، لا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 275

في مثل ذلك مما يكون الشك في النية شكا في أصل عنوان العمل و لم يحرز فيه عنوانه.

المسألة 574:

الحج و العمرة عبادتان مستقلّتان، و لذلك فلا بدّ في كل واحدة منهما من إحرام خاص تنفرد به و من نية مستقلة تختص بها، حتى عمرة التمتع مع حج التمتع، فهما نسكان متميزان يختص كلّ واحد منهما بإحرامه و نيته و آثاره، و ان ارتبط أحدهما بالآخر و دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة كما في الحديث، فلا تكفي فيهما نية واحدة تجمعهما معا و لا يصح ذلك، و إذا قرن المكلف بينهما في النية كذلك كان باطلا لأنه نوى ما لا يشرع، فيجب عليه التجديد على حسب ما أمرت به الشريعة، من غير فرق بين أن يقع ذلك منه في أشهر الحج و غيرها.

نعم، يصح له أن ينوي الإتيان بعمرة التمتع ليأتي بعدها بحج التمتع بعد الإحلال من العمرة كما أمره اللّٰه به، و هذا ليس من القران بين النسكين في النية، و انما هو نية عبادة حتى يتمها ثم نية عبادة أخرى تترتب عليها في إحرامها و أعمالها و لا ريب في صحة ذلك.

[الصورة الأولى:]
المسألة 575:

إذا أحرم الرجل لنسك معيّن من الحج أو العمرة ثم نسي النسك الذي عيّنه و لم يتذكره ليأتي بأعماله، فهنا صور تجب ملاحظتها لتطبيق أحكامها.

الصورة الاولى:

أن يتردد النسك الذي عيّنه ثم نسيه بين ما هو صحيح و ما هو باطل، و مثال ذلك: أن يكون إحرامه بالنسك في غير أشهر الحج، ثم ينسى ما أحرم به فلا يدري أ هو عمرة مفردة فيكون صحيحا في غير أشهر الحج، أم هو حج أو عمرة تمتع فيكون باطلا لأنهما لا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 276

يصحان فيها.

و الحكم في هذه الصورة أن يجدّد إحرامه بنية العمرة المفردة، و ذلك لأن

إحرامه السابق ان كان للعمرة المفردة كان إحرامه الثاني تأكيدا له لا عدولا عنه فيصح، و ان كان لحج أو لعمرة تمتع كان باطلا في غير أشهر الحج و لا مانع من الإحرام بعده، فإذا جدّد إحرامه للعمرة المفردة و أتمّها لم يبق في ذمته من قبل الإحرام شي ء.

و من أمثلة ذلك أن يكون الرجل قد دخل مكة بعمرة تمتع و أتمّها و أحل منها، ثم عقد الإحرام من مكة و نسي هل أنه أحرم بحج التمتع فيكون صحيحا، أم أحرم بعمرة مفردة فيكون إحرامه باطلا، لأن الإحرام بالعمرة المفردة يجب أن يكون من أدنى الحل، و لأن الإحرام بالعمرة المفردة لا يجوز على الأحوط لزوما بعد عمرة التمتع و قبل الإحرام بالحج كما تقدم في المسألة الخمسمائة و الحادية و الأربعين، فعليه أن يجدد إحرامه من مكة لحج التمتع لعين ما ذكرناه في المثال الأول.

الصورة الثانية:
المسألة 576:

أن يكون النسك الذي قصده المكلف في إحرامه معلوم الصحة ثم ينساه على التعيين، و يكون الاحتياط في ما أحرم به ممكنا، و مثال ذلك: أن يحرم في أشهر الحج ثم ينسى النسك الذي أحرم به، فلا يعلم أ هو حج إفراد أم عمرة مفردة، و كلاهما مما يصح الإحرام به في أشهر الحج، فيحكم بصحة إحرامه و يلزمه الاحتياط لإتمامه، فيخرج الى المشاعر أولا لاحتمال أنه قد أحرم بالحج، فيقف في عرفات و في المشعر الحرام، و يرمي جمرة العقبة بمنى في يوم النحر، ثم يعود إلى مكة في يومه فيأتي بالطواف و السعي و طواف النساء بنية أداء ما في ذمته من أعمال الحج أو العمرة المفردة، ثم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 277

يرجع في يومه إلى

منى فيقصر فيها لما في ذمته من تقصير الحج أو العمرة، و يتم بعدها أعمال منى في أيام التشريق.

و يجوز له أن يقدم أعمال العمرة على الحج فيطوف بالبيت أولا، و يسعى لاحتمال أنه قد أحرم بالعمرة و لا يقصّر بعدهما، ثم يذهب الى المشاعر فيقف في عرفات و في المشعر و يرمي جمرة العقبة ثم يقصّر في منى لما في ذمته من تقصير للحج أو العمرة، ثم يعود إلى مكة فيأتي بطواف الحج و سعيه، ثم يطوف طواف النساء لما في ذمته، و يتم أعمال منى.

المسألة 577:

إذا أحرم الرجل في أشهر الحج ثم نسي أن النسك الذي أحرم به هو عمرة التمتع أو العمرة المفردة، و هذا المثال مما يمكن فيه الاحتياط أيضا، فيلزمه الطواف و السعي و التقصير لما في ذمته من احدى العمرتين، فإذا أحل من إحرامه بالتقصير حرم عليه الخروج من مكة حتى يأتي بحج التمتع، فإذا أحرم به و أتمّ أعماله، و أتى بأعمال مكة للحج أتى بطواف النساء بقصد ما في ذمته في العمرة المفردة أو حج التمتع.

الصورة الثالثة:
المسألة 578:

أن يكون النسك الذي قصده المكلف في الإحرام معلوم الصحة كما تقدم، و ينساه و يكون الاحتياط التام فيه غير ممكن، و مثال ذلك: أن يحرم في أشهر الحج، و ينسى النسك الذي أحرم به أ هو عمرة التمتع أو حج الإفراد، و الاحتياط في هذا الفرض غير ممكن كما ذكرنا، فإن ما أحرم به إذا كان هو عمرة تمتع وجب عليه التقصير بعد الطواف و السعي فيها ليحلّ من إحرامه، و يحرم بعدها بحج التمتع، و إذا كان حج افراد حرم عليه التقصير حتى يقف

كلمة التقوى، ج 3، ص: 278

الموقفين و يرمي جمرة العقبة في يوم النحر، فإذا دار الأمر بين المحذورين و لم يمكن الاحتياط وجب عليه الرجوع الى الموافقة الاحتمالية، و متى صنع كذلك فأتمّ عمرة التمتع و قصّر بعدها و أحرم بعدها لحج التمتع و أتم أعماله برئت ذمته من ناحية إحرامه، و لزمته الكفارة لمخالفته الاحتمالية بسبب تقصيره بعد العمرة.

المسألة 579:

يستحب التلفظ بنية الإحرام و نية الحج أو العمرة التي يحرم بها و لا يجب ذلك، فيصح إحرامه و يصح نسكه إذا قصد العمل المعيّن في نفسه متقربا به الى اللّٰه و ان لم يتكلم بشي ء، و استحباب النطق بالنية مما يختص به الإحرام و النسك الذي يحرم به، دون سائر العبادات فلا يستحب التلفظ بنيّاتها، و قد ذكرنا في المسألة الثلاثمائة و الثالثة و الأربعين من كتاب الصلاة حكم التلفظ بنيّتها و بنية صلاة الاحتياط على الخصوص.

المسألة 580:

ليس لنية الإحرام أو النسك لفظ مخصوص، فإذا أراد المكلف المستطيع أن يحرم من الميقات و كان فرضه عمرة التمتع، كفاه أن يقول بعد لبس ثوبي الإحرام: (أحرم بعمرة التمتع لحج الإسلام حج التمتع قربة الى اللّٰه تعالى)، فإذا قال ذلك، فقد أنشأ الإحرام بقصد ترك محرماته، و نوى النسك المفروض عليه في الإسلام، و قد ذكرنا أنه يجزيه عند النية أن يكون عارفا بالمحرمات على سبيل الاجمال، فيعزم في نفسه عزما مستقرا على اجتنابها، و ان يكون عالما بأعمال العمرة و الحج على وجه الاجمال كذلك، فيقصد الإتيان بها في مواضعها متقربا بجميع ذلك الى اللّٰه و قاصدا امتثال أمره، و سنذكر ان شاء اللّٰه بعض الأدعية المأثورة المشتملة على نية الإحرام و نية النسك، و التي تستحب قراءتها عند عقد النية.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 279

و يراد بحج الإسلام هنا و بعمرة الإسلام الحج و العمرة اللذان يفرضهما الإسلام على ذلك المكلف إذا استطاع الحج و العمرة، و قد بيّنا ذلك في فصل أقسام الحج و العمرة، و إلا فجميع أقسام الحج و العمرة الواجبة و المندوبة مما أمرت به شريعة الإسلام.

و إذا كانت عمرة

التمتع واجبة عليه بالنذر و شبهه أو بالنيابة عن أحد، قال: (أحرم بعمرة التمتع لحج التمتع وفاء بما نذرته أو بما حلفت عليه)، أو قال: بالنيابة عن فلان بن فلان، قربة الى اللّٰه تعالى.

و إذا كان فرضه عند الاستطاعة حج القران أو الافراد، قال: أحرم بحج القران حج الإسلام، أو قال: أحرم بحج الافراد حج الإسلام قربة الى اللّٰه، و إذا كان واجبا بالنذر أو بالنيابة عيّنه كذلك.

و كذا الحال في العمرة المفردة إذا كانت واجبة عليه لنفسه أو عن غيره و في عمرة التمتع المندوبة، و الحج المندوب بجميع أقسامه، فيذكرها جميعا على النهج المتقدم بيانه.

[الأول: النية،]
المسألة 581:

الواجبات في الإحرام ثلاثة أمور:

الواجب الأول فيه: النية، و قد فصّلنا القول فيها في المسائل المتقدمة تفصيلا وافيا بالمقصود، و من طلب المزيد فليعد الى مباحث النية من كتاب الصلاة، و مبحث نية الوضوء، من كتاب الطهارة، و سيأتي هنا- إن شاء اللّٰه- ذكر بعض الآداب و المستحبات فيها.

[الثاني: لبس ثوبي الإحرام،]
المسألة 582:

الواجب الثاني: من واجبات الإحرام لبس ثوبي الإحرام، و الظاهر من الأدلة ان لبسهما واجب

كلمة التقوى، ج 3، ص: 280

تكليفي في الإحرام، و ليس شرطا في صحته، فإذا نوى الإحرام و لبّى و هو عار انعقد إحرامه على الظاهر، و ان كان آثما بعدم لبسهما في حال عقد الإحرام إذا كان عامدا، و يجب عليه نزع المخيط، و الظاهر كذلك أنه ليس شرطا في صحة الإحرام، فإذا نوى الإحرام و لبّى و هو لابس للمخيط صح إحرامه، و أثم بذلك إذا كان عامدا، و وجب عليه نزعه و يجوز له نزعه من رأسه، و الأحوط إعادة الإحرام إذا أحرم بالمخيط و كان عالما عامدا.

و إذا أحرم و لبّى، ثم لبس القميص بعد ذلك لم يبطل إحرامه بذلك و إن كان متعمدا، و وجب عليه شق القميص و إخراجه من رجليه، و سيأتي بيان الكفارة في ذلك في فصل الكفارات.

المسألة 583:

يجب على المحرم أن يأتزر بأحد الثوبين و يرتدي بالآخر، و الأحوط إن لم يكن ذلك هو الأقوى أن يكون اتزاره و ارتداؤه بهما على النحو المألوف، فلا يعقد الرداء في عنقه أو في عضو آخر من بدنه، و لا يعقد بعضه ببعض، و لا يغرزه بإبرة و شبهها، بل يغرزه بنفسه، و كذلك في الإزار و إن كان الجواز فيه غير بعيد، و أولى من ذلك بالجواز في الإزار ما إذا وضع في طرفه حجرا صغيرا أو حصاة مثلا و حبس الطرف الثاني عليهما بمطّاط ضيق مستدير يمنعهما من الانفصال و يشدّ الإزار بسبب ذلك على حقويه من غير عقد.

المسألة 584:

يعتبر في الرداء أن يكون في طوله وسعته مما يصدق معه الارتداء عرفا إذا وضعه المحرم على ظهره و منكبيه، و لذلك فيجب أن يكون في طوله ساترا أكثر من الظهر و المنكبين، و لا يكتفى به إذا كان بمقدارهما دون زيادة، و الأحوط أن يكون في سعته و عرضه شاملا لطول الظهر كله، فلا يكفي إذا كان يقصر عنه، و الأحوط في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 281

الإزار أن يستر ما بين السرة و الركبة، فلا يكتفى بما دون ذلك، و أن يكون في سمكه ساترا للبشرة، فلا يجتزأ به إذا كان خفيفا غير ساتر لها، و يكفيه أن يتزر بثوبين خفيفين يحصل بمجموعهما الستر و بثوب خفيف طويل يتزر به مرتين لطوله و يحصل به الستر المقصود، و يشكل ان يتزر بإزار خفيف غير ساتر، ثم يرتدي برداء سميك يشمل بسعته موضع الإزار و يحصل به الستر.

المسألة 585:

الأحوط لزوما بل الأقوى أن تلبس المرأة عند عقد إحرامها ثوبي الإحرام الإزار و الرداء كما في الرجل، و ان جاز لها أن تلبس المخيط حتى عند الإحرام، بل و يجوز لها أن يكون إزارها و رداؤها اللذان تحرم بهما مخيطين، و يجوز لها أن تنزع ثوبي الإحرام بعد عقده حتى في أوقات تأدية المناسك من طواف و سعي و وقوف و غيرها، و تجتنب المرأة زرّ ثوبي الإحرام و عقدهما كما يجتنب الرجل ذلك.

المسألة 586:

الظاهر انه لا يكفي في صحة الإحرام ثوب واحد طويل يتّزر ببعضه و يرتدي ببعضه الآخر.

المسألة 587:

يشترط في الإزار و الرداء اللذين يحرم بهما المحرم من الرجال و النساء أن يكونا مما تصح الصلاة فيه للرجال، فلا يجوز الإحرام في الثوب إذا كان مغصوبا أو كان جميعه أو بعض اجزائه متخذا مما لا يؤكل لحمه، و ان كان من صوفه أو شعره أو وبره أو ريشه، أو كان مذهّبا أو كان من الحرير الخالص، و لا فرق في ذلك بين الرجال و النساء، بل الأحوط للنساء ان يجتنبن لبس الحرير الخالص و هن محرمات، حتى في ثيابهنّ الأخرى غير ثياب الإحرام،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 282

و حتى في غير وقت عقد الإحرام.

و لا يجوز الإحرام للرجل و لا للمرأة في ثوب متنجس إذا كانت نجاسته غير معفو عنها في الصلاة.

المسألة 588:

الأحوط لزوما في ثوبي الإحرام ان لا يكونا من الجلود، و ان كانت من الحيوان المذكى المأكول اللحم، و لا من الملبّد، فإن الجلد و الملبّد مما يشكّ في صدق اسم الثوب عليه عرفا، و لا بأس بما صدق اسم الثوب عليه إذا وجدت فيه الشرائط التي تقدم ذكرها، و ان لم يكن من المنسوجات كالثياب الحديثة التي تصنع من النايلون و شبهه، و لا بأس بالمنسوجات المخملة، كالمناشف و البرود و المناديل الكبيرة الواسعة ذات الخمل المنسوج على وجهها مما يشبه الزغب في القطائف.

المسألة 589:

لا يترك الاحتياط بمبادرة المحرم الى تطهير بدنه و ثوب إحرامه إذا عرضت لهما نجاسة بعد الإحرام، و يكفيه أن يبدل الثوب المتنجس بثوب آخر طاهر، و إذا كانت نجاسة الثوب معفوا عنها في الصلاة لم يفتقر الى تطهير أو تبديل و كذا نجاسة البدن.

المسألة 590:

لا يترك الاحتياط بأن يقدم المكلّف لبس ثوبي الإحرام قبل أن ينوي الإحرام، و قد سبق ان لبس الثوبين واجب تعبدي في الإحرام و ليس شرطا في صحته، و ان المكلف إذا أحرم و لبّى قبل أن يلبس الثوبين صح إحرامه، و ان كان آثما بعدم لبس الثوبين حين إحرامه، و إذا قرن عقد إحرامه مع لبس الثوبين صح إحرامه من غير إثم.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 283

المسألة 591:

الأحوط بل الأقوى أن ينوي لبس ثوبي الإحرام إذا أراد لبسهما للإحرام، فيقصد في قلبه أو يقول بلسانه أيضا: ألبس ثوبي الإحرام لعمرة التمتع مثلا امتثالا لأمر اللّٰه تعالى، و أما التجرد من لبس المخيط فلا تعتبر فيه النية.

المسألة 592:

لبس المخيط مما ينافي نية الإحرام، فقد تقدم أن إنشاء الإحرام يحدث من العزم الثابت في ضمير الإنسان على ترك جميع المحرمات و التزامه النفساني ذلك، و لا ريب في ان لبس المخيط منها و لذلك فإذا لبس المكلف ثوبي الإحرام مع المخيط فوقه أو تحته و هو عالم عامد، فالأحوط له لزوما إعادة الإحرام بعد نزع المخيط إذا كان قبل التلبية، و تلاحظ المسألة الخمسمائة و الثانية و الثمانون، و إذا كان جاهلا وجب عليه نزعه حين ما يعلم بالحكم و لا يجب عليه أن يعيد الإحرام.

المسألة 593:

يجوز للمحرم أن يلبس في إحرامه أكثر من ثوبين، فيعدّد الإزار أو الرداء اتقاء من البرد أو الحرّ أو لغير ذلك من الدواعي، مع وجود الشرائط في ما يلبسه من الثياب، سواء كان ذلك في ابتداء إحرامه أم بعد ذلك، و إذا لبس بعد الإحرام ما لا يحلّ له لبسه ناسيا أو جاهلا وجب عليه نزعه متى تذكر.

المسألة 594:

لا يجب على المحرم أن يلبس ثياب إحرامه في جميع مدة الإحرام، فيجوز له أن ينزعها عن جسده ليغتسل مثلا أو ليطهّر الثياب من نجاسة أو لينظفها من الأوساخ، و لبعض الموجبات

كلمة التقوى، ج 3، ص: 284

الأخرى، و يجوز له أن يلقيها عن بدنه اختيارا في بعض الأوقات إذا أمن الناظر، و يجوز له إبدالها بغيرها مع وجود الشروط.

المسألة 595:

يستحب للمحرم التلفظ بنية الإحرام- كما قلنا في المسألة الخمسمائة و الثمانين-، و يستحب له أن يشترط على اللّٰه عند إحرامه أن يحلّه إذا حبسه فعرض له عارض يمنعه من أن يتم النسك الذي أحرم به من الحج أو العمرة كما نطقت به الأدلة الكثيرة، فيقول- كما ورد في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال-:

فإذا انفتلت من صلاتك فاحمد اللّٰه و أثن عليه، و صل على النبي (ص)، و تقول: (اللّهم إني أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك و آمن بوعدك، و اتّبع أمرك، فإني عبدك و في قبضتك لا أوقى الّا ما وقيت، و لا أجد إلا ما أعطيت، و قد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك و سنة نبيك (ص)، و تقوّيني على ما ضعفت و تسلّم مني مناسكي في يسر منك و عافية، و اجعلني من وفدك الذين رضيت و ارتضيت و سميت و كتبت، اللّهم إني خرجت من شقة بعيدة و أنفقت مالي ابتغاء مرضاتك اللّهم فتمم لي حجتي و عمرتي، اللّهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيّك (ص) فان عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت علي، اللّهم ان لم تكن حجة فعمرة، أحرم لك

شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب، أبتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة).

أو يقول ما في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: إذا أردت الإحرام و التمتع فقل: (اللّهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج فيسّر ذلك لي، و تقبّله مني، و أعنّي عليه، و حلّني حيث حبستني بقدرك الذي قدّرت علي، أحرم لك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 285

شعري و بشري من النساء و الطيب و الثياب).

و قد ذكر الفقهاء (قدس اللّٰه أنفسهم): للمحرم أحكاما إذا أحصر بعد إحرامه فعرض له مرض يمنعه عن أن يأتي بنسكه أو عن أن يتمه، أو صدّه عدو فلم يتمكن من ذلك، و سنثبت فرقا في الأحكام يختلف فيها من يشترط في إحرامه على اللّٰه أن يحلّه إذا حبسه عمّن لا يشترط ذلك، و سنتعرض ان شاء اللّٰه تعالى لبيان ذلك في الفصل السادس و العشرين في الصدّ و الإحصار.

المسألة 596:

إذا أبدل المحرم ثياب إحرامه بغيرها استحب له متى دخل مكة أن يلبس الثوبين اللذين أحرم بهما ليكون طوافه و سعيه بهما، و يكره له أن يبيعهما و لو بعد ذلك، و لا يحرم عليه البيع.

[الثالث: التلبيات الأربع]
المسألة 597:

الواجب الثالث من واجبات الإحرام:

التلبيات الأربع و هي أن يقول المحرم:

(لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك)، و الأحوط لزوما أن يقول بعد ذلك: إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك، و لا ينعقد الإحرام في عمرة التمتع، و لا في حج التمتع، و لا في حج الافراد، و لا في العمرة المفردة إلا بالتلبيات المذكورة، كما لا تنعقد الصّلاة الواجبة و لا المندوبة إلا بتكبيرة الإحرام، و أمّا حج القران فيتخير المكلّف فيه بين أن يعقد إحرامه بالتلبية، و أن يعقده بإشعار هديه إذا كان من الإبل، أو بتقليده إذا كان من الإبل أو البقر أو الغنم، و سيأتي بيان ذلك ان شاء اللّٰه، و قد سبق ذكره في المسألة الأربعمائة و الخامسة و الخمسين و ما بعدها.

فإذا نوى الشخص الإحرام و لبس الثوبين ثم أتى بعض محرمات الإحرام من الصيد أو النساء أو الطيب أو غير ذلك من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 286

قبل أن يعقد إحرامه بالتلبية لم تجب عليه الكفارة، و كذلك القارن إذا فعل شيئا منها قبل أن يلبي أو يشعر هديه أو يقلّده فلا كفارة عليه.

المسألة 598:

يجب على المكلف أن ينطق بالتلبيات الواجبة عليه على الوجه العربي فيؤدي كلماتها و حروفها على النهج الصحيح، و على وفق القواعد الثابتة في اللغة، و يكفيه أن يتلقنها من المرشد العارف بها جملة جملة أو كلمة كلمة، مع فهم المعنى المقصود منها، و لا يجزيه- مع التمكن من ذلك- أن ينطق بها ملحونة و لو في بعض كلماتها، و إذا عجز عن النطق الصحيح فالأحوط له لزوما أن يأتي بها كما يحسن، و يستنيب من يلبي عنه تلبية

صحيحة فيجمع بينهما، و لا تكفي ترجمتها بغير العربية مع التمكن من التلفظ بها عربية على الوجه الذي بينّاه، و ان كانت الترجمة مطابقة، فإذا عجز عن النطق العربي جمع على الأحوط لزوما بين الترجمة و الاستنابة.

المسألة 599:

يكفي الأخرس في التلبية عند الإحرام أن يشير إلى التلبية بإصبعه، و يحرّك بها لسانه، و يعقد بها قلبه، و الأحوط له استحبابا أن يجمع بين ذلك و بين أن يستنيب أحدا يلبّي عنه.

المسألة 600:

إذا أحرم الولي بالصبي أو الصبية فإن كان مميزا أمره بالتلبية ليلبي بنفسه، و إذا كان لا يحسنها علّمه أو لقّنه إياها كلمة كلمة ليقولها، و إذا كان الصبي غير مميّز لبّى الولي بالنيابة عنه، و قد تقدم في المسألة الخمسمائة و السابعة و العشرين حكم الشخص إذا أغمي عليه في الميقات فلم يتمكن من الإحرام فيه و كذلك حكمه إذا أحرم و أغمي عليه قبل أن يلبّي، و سيأتي حكم من نسي التلبية عند

كلمة التقوى، ج 3، ص: 287

الإحرام حتى تجاوز الميقات.

المسألة 601:

المعلوم من موارد الاستعمال في العرف و اللغة أن لبيك كلمة تستعمل في إجابة نداء المنادي، و فيها دلالة على أكبار المنادي و إجلاله، و هي قد تضاف الى الظاهر فيقال: لبّي زيد و قد تضاف الى الضمير فيقال: لبيك و لبّيكما و لبّيكم، و من ذلك يكون اشتقاقها فيقال: لبّاه تلبية و هو ملبّ إذا أجاب نداءه، و اما أقوال اللغويين التي ذكروها في أصل هذه الكلمة فلا تعدو أن تكون تخرصا قد لا يثمر الظن فضلا عن العلم.

المسألة 602:

الأولى للمحرم أن يقول في تلبيته: (إن الحمد و النعمة لك) بكسر الهمزة في إنّ لا بفتحها، بل لا ينبغي له ترك ذلك، و ان صح له أن يقرأها بالفتح أيضا، الا ان المعنى في التلبية مع كسر الهمزة يكون أعم و أتم.

المسألة 603:

لا يشترط في صحة الإحرام أن يقرن المكلف نية إحرامه بالتلبية و لا تجب عليه المبادرة إليها، فإذا أخّر التلبية عن نية الإحرام و لبس الثوبين عامدا لم يبطل إحرامه و لم يأثم بذلك، و ان كان الأحوط له أن لا يؤخرها، نعم يجب عليه أن يكون عقد إحرامه و لبس الثوبين عامدا لم يبطل إحرامه و لم يأثم بذلك، و إن كان الأحوط له أن لا يؤخرها، نعم يجب عليه أن يكون عقد إحرامه بالتلبية في الميقات، فلا يجوز له أن يؤخر تلبيته حتى يتجاوز الميقات، أو الموضع الذي يجب عليه الإحرام منه بالنذر أو غيره.

المسألة 604:

لا يحرم على الإنسان شي ء من محرمات الإحرام حتى يعقد إحرامه بالتلبية، أو بالإشعار أو التقليد إذا كان قارنا، و ان نوى الإحرام و لبس ثيابه، و قد ذكرنا من قبل ان كفارات الإحرام لا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 288

تجب عليه إذا فعل شيئا من المنهيات قبل ذلك، و كما لا تلزمه الكفارة فلا يكون آثما بفعله، و هل يجوز له أن يبطل إحرامه عامدا فيعدل عن نيته قبل التلبية و ما هو بمنزلتها فيرجع الى أهله أو يحرم إحراما آخر؟ فيه إشكال.

المسألة 605:

إذا نسي المحرم التلبية الواجبة عليه حتى تجاوز الميقات وجب عليه الرجوع و التلبية من الميقات على الأحوط لزوما بل على الأقوى، فإذا تعذر عليه العود الى الميقات رجع في طريقه ما أمكنه الرجوع و لبّى من الموضع الذي يستطيع الوصول إليه، فإن تعذر عليه ذلك لبّى في موضعه، و إذا أتى بشي ء من محرمات الإحرام قبل أن يلبي فلا كفارة عليه كما تقدم.

المسألة 606:

إذا أتى المكلّف بالتلبيات الأربع بعد إحرامه مرة واحدة انعقد إحرامه و تأدّى بها الواجب، و لم تجب عليه الزيادة على ذلك، و يستحب تكرارها و الإكثار منها ما استطاع، و أن يأتي بها في دبر كل صلاة مكتوبة و نافلة، و حين تنهض به راحلته، و إذا علا شرفا أو هبط واديا، أو لقي راكبا أو استيقظ من منامه، و بالأسحار، و كلما ركب، و كلما نزل، و يستحب أن يجهر بها و يرفع صوته و يعج، و يستحب له أن يلبّي في إحرامه سبعين مرة، ففي الحديث عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول اللّٰه (ص): (من لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا و احتسابا أشهد اللّٰه له ألف ألف ملك ببراءة من النار و براءة من النفاق)، و عنه (ص): (ما من حاج يضحي ملبيا حتى تزول الشمس الا غابت ذنوبه معها)، و في الحديث: (أن رسول اللّٰه (ص) لما أحرم أتاه جبرئيل (ع) فقال له: مر أصحابك بالعج و الثج)، و العج رفع الصوت بالتلبية، و الثج نحر البدن، قال

كلمة التقوى، ج 3، ص: 289

و قال جابر بن عبد اللّٰه: (ما بلغنا الروحاء حتى بحت أصواتنا).

المسألة 607:

يستحب أن يقول في التلبية ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: التلبية أن تقول: (لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك، لبّيك ذا المعارج لبّيك، لبّيك داعيا الى دار السلام لبّيك، لبّيك غفّار الذنوب لبّيك، لبّيك أهل التلبية لبّيك، لبّيك ذا الجلال و الإكرام لبّيك، لبّيك تبدئ و المعاد إليك لبّيك، لبّيك تستغني و يفتقر إليك

لبّيك، لبّيك مرهوبا و مرغوبا إليك لبّيك، لبّيك إله الحق لبّيك، لبّيك ذا النعماء و الفضل الحسن الجميل لبّيك، لبّيك كشّاف الكرب العظام لبّيك، لبّيك عبدك و ابن عبديك لبّيك، لبّيك يا كريم لبّيك)، و ورد في الصحيحة نفسها و أكثر من ذي المعارج فان رسول اللّٰه (ص) كان يكثر منها.

و يستحب أن يقول: (لبّيك أتقرب إليك بمحمد و آل محمّد لبّيك، لبّيك بحجة أو عمرة لبّيك، لبّيك و هذه عمرة متعة إلى الحج لبّيك، لبّيك أهل التلبية لبّيك، لبّيك تلبية تمامها و بلاغها عليك).

المسألة 608:

إذا نوى المكلف الإحرام بالعمرة أو بالحج في مسجد الشجرة و لبس الثوبين جاز له أن يأتي بالتلبية الواجبة من وقته، و جاز له أن يؤخرها و يأتي بها بعد ذلك قبل أن يخرج من حدود الميقات و إذا أتى بها تخيّر بين أن يأتي بها سرّا و أن يأتي بها جهرا، و الأفضل أن يؤخر الجهر بها و بالتلبية المستحبة حتى يصل البيداء، و البيداء أرض مستوية تقع على بعد ميل واحد من ذي الحليفة.

و إذا نوى الإحرام في ميقات أهل العراق أو غيره من المواقيت الخمسة جاز له كذلك أن يعجّل بالتلبية فيأتي بها في موضعه سرا أو جهرا، و جاز له أن يؤخرها على أن يأتي بها قبل خروجه عن حدود

كلمة التقوى، ج 3، ص: 290

الميقات، و الأفضل له أن يؤخر الإتيان بالتلبية سرا و جهرا الى أن يمشي قليلا قبل أن يتجاوز الميقات.

و إذا نوى الإحرام لحج التمتع في المسجد الحرام و لبس ثوبي الإحرام جاز له أن يلبّي في موضعه من المسجد و أن يجهر بها إذا شاء، و جاز له أن يؤخر تلبيته

ما دام في مكة، و الأفضل له أن يؤخرها إلى الرقطاء في خروجه إلى منى فيلبي فيها قبل أن يصل الى الردم، فإذا انتهى الى الردم و أشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية، و كذلك إذا أحرم في غير المسجد من مكة.

و الأبطح أو المحصب سيل متسع يقع بين مكة و منى، و الرّدم حاجز يكون في آخر الأبطح من جهة مكة يمنع وصول السيل الى المسجد الحرام، و الرقطاء موضع في مكة يكون قبل الردم المذكور.

المسألة 609:

يختص استحباب الجهر بالتلبية بالرجال، فلا جهر فيها على النساء.

المسألة 610:

تتأدّى وظيفة الاستحباب في تكرار التلبية بأن يقول: (لبّيك اللّهم لبّيك)، و يكرر ذلك و ان لم يأت بها بصورة التلبية الواجبة، أو بصورة التلبيات المستحبة، و تتأدّى أيضا بأن يكرّر بعض الفقرات المأثورة فيقول مثلا: (لبّيك ذا المعارج لبّيك)، أو (لبّيك يا كريم لبّيك)، و تتأدّى بأن ينشئ كلمات صحيحة المعنى في التلبية و يكرّرها، و لا يكفي جميع ذلك عن التلبية الواجبة.

المسألة 611:

يجب على المحرم بعمرة التمتع أن يقطع تلبيته إذا شاهد بيوت مكة القديمة، فلا تشرع له التلبية بعد ذلك، و لا اعتبار بمشاهدة بيوت مكة في المحلات و الشوارع المستجدة فيها، و حدّ مكة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 291

القديمة- على ما عيّنته النصوص المعتبرة- هو عقبة المدنيين لمن دخل من أعلى مكة كما في بعض النصوص، و عقبة ذي طوى لمن دخل من أسفلها، و هي قريبة من عقبة المدنيين، على ما يذكره الأزرقي في كتابه أخبار مكة، و يضبطه محقق الكتاب و هما يسميان الموضعين ثنية المدنيين و ثنية ذي طوى، و يقول محقق الكتاب ثنية المدنيين هي التي تسمى اليوم ثنية الحجون، و يقول أيضا: وادي ذي طوى بين مقبرة الحجون بالمعلاة و ربع الكحل المسمى بالثنية الخضراء و كان وادي طوى يسمى وادي ضبع أما اليوم فيعرف ببير الهندي، و نحن ننقل ذلك للتقريب.

و المدار في الحكم على مشاهدة بيوت مكة القديمة كما قلنا من أية جهة يدخلها المحرم، و لا فرق في الحكم بين عمرة التمتع الواجبة و المندوبة.

و يجب على المحرم بالعمرة المفردة أن يقطع التلبية إذا دخل حدود الحرم، سواء كانت عمرته واجبة أم مندوبة، و هذا إذا كان إحرامه بالعمرة من الميقات، أو

من دويرة أهله إذا كانت دون الميقات و قبل حدود الحرم، و إذا كان قد خرج من مكة فأحرم بعمرته من أدنى الحلّ لم يقطع التلبية حتى يشاهد الكعبة المعظمة، و كذلك النائي عن مكة إذا مرّ بالميقات، و هو لا يريد النسك و لا الدّخول إلى مكة فلم يحرم حتى وصل أدنى الحلّ ثم أراد العمرة المفردة، فقد سبق أن حكمه أن يحرم بالعمرة من أدنى الحلّ كما فعل الرسول (ص) في عمرته بعد غزوة حنين، فإذا أحرم بها لم يقطع تلبيته حتى يشاهد الكعبة.

و إذا أحرم المتمتع من مكة بحج التمتع قطع تلبيته عند زوال الشمس من يوم عرفة، و كذلك المحرم بحج القران أو بحج الإفراد فعليه أن يقطع التلبية عند الزوال في عرفة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 292

المسألة 612:

إذا نوى الشخص الإحرام بالحج أو العمرة و لبس ثوبي الإحرام و شك هل أنه أتى بالتلبية بعدهما فانعقد إحرامه و وجب عليه ترك محرمات الإحرام، أو لم يلبّ بعد فلم يجب عليه تركها، بنى على عدم الإتيان بالتلبية، و لذلك فلا يحرم عليه فعلها و لا تجب عليه الكفارة بفعل شي ء منها حتى يلبي بعد ذلك.

المسألة 613:

إذا أتى المكلف بالتلبية بعد النية و لبس الثوبين و شك بعد الفراغ منها هل كانت تلبيته صحيحة أم لا؟ بنى على الصحة، و لذلك فيجب عليه ترك المحرمات و تلزمه الكفارة بفعل شي ء منها.

المسألة 614:

إذا أراد الإنسان أن يحرم من الميقات بحج القران و ساق معه هديا، تخيّر بعد أن ينوي الإحرام و يلبس الثوبين، بين أن يعقد إحرامه بالتلبية كغيره من المحرمين، و ان يعقده بإشعار الهدي إذا كان من الإبل، و تقليده إذا كان من الإبل أو البقر أو الغنم، فإذا لبّى أولا انعقد إحرامه بتلبيته و لم يجب عليه إشعار الهدي و لا تقليده و استحب له الإتيان بهما، و إذا سبق فأشعر البدنة انعقد إحرامه بالإشعار و استحبت له التلبية و التقليد، و إذا قدّم التقليد انعقد إحرامه به و لم تجب عليه التلبية و لا الإشعار و استحبت له التلبية، و استحب له إشعار الهدي إذا كان من الإبل.

المسألة 615:

يستحب للقارن أن يجمع بين التلبية و الإشعار و التقليد إذا كان هديه من الإبل، و أيّها قدمه كان هو الواجب و كان ما بعده مستحبا، و يستحب له ان يجمع بين التلبية و التقليد إذا كان الهدي من البقر أو الغنم، و أيّهما بدأ به كان هو الواجب و كان الثاني

كلمة التقوى، ج 3، ص: 293

مستحبا كما قلنا.

المسألة 616:

لا يختص الحكم الذي تقدم بيانه بالمكلف القريب الذي يكون أهله حاضري المسجد الحرام، بل يشمل البعيد عنه من أهل الأمصار إذا أراد أن يحج حجا مندوبا، فيتخيّر بين حج التمتع و القران و الافراد، فإذا أراد حج القران جرى فيه الحكم المذكور، و قد سبق في فصل أقسام الحج ان من يكون أهله حاضري المسجد الحرام انما يتعيّن عليه حج القران أو الافراد في الحج الواجب عليه بالاستطاعة أو البذل، فلا يعم حجه المندوب و لا المنذور إذا كان نذره مطلقا، و لا الحج الذي يجب عليه بالاستنابة إذا استؤجر على حج مطلق، و كذلك البعيد من أهل الأمصار فإنما يتعيّن عليه ان يحج متمتعا إذا كان الحج واجبا عليه بالاستطاعة أو بالبذل، فإذا أراد أحد هؤلاء حج القران و كان ممن يصح منه جرى فيه الحكم الآنف ذكره.

المسألة 617:

إشعار البدنة هو أن يشق جانب سنامها بسكين أو خنجر أو نحوهما و يلطخ صفحة السنام بدمه، و يستحب أن يشعرها و هي معقولة، و أن يشق السنام من جانبها الأيمن، و يقف الرجل عن جانبها الأيسر، و إذا تعددت البدن وقف بين كل اثنتين منها و أشعر هذه من جانبها الأيمن، و هذه من جانبها الأيسر حتى يأتي عليها، و في موثقة يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (ع):

اني قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟ قال: (انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة فأفض عليك من الماء و البس ثوبك ثم أنخها مستقبل القبلة ثم ادخل المسجد فصلّ، ثم افرض بعد صلاتك، ثم اخرج، إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها ثم قل: (بسم اللّٰه اللّهم منك و لك، اللّهم تقبّل مني ثم انطلق

حتى تأتي البيداء فلبّه)، و قد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 294

ذكرنا أن التلبية بعد الاشعار الواجب مستحبة، و تقليد الهدي أن يعلّق في رقبته نعلا خلقا قد صلّى فيه، و لا يكفي أن يقلّده بخيط أو سير أو بنعل لم يصلّ فيه، و إذا فعل كذلك لم ينعقد به إحرامه.

المسألة 618:

لا يشترط في صحة الإحرام ان يكون المكلف طاهرا من الحدث الأكبر أو الأصغر، فيصح إحرامه إذا كان جنبا، و يصح إحرام المرأة إذا كانت حائضا أو نفساء أو مستحاضة و لم تؤدّ وظائفها، و يصح إحرام الرجل أو المرأة و هو على غير وضوء، و تصح تلبيته بعد الإحرام و ان كان محدثا كذلك، و لكنه مع الطهارة أفضل، و مع الطهارة التامة أتمّ فضلا، و مع الإتيان بجميع الوظائف و الآداب المسنونة أرقى في مرتبة الفضيلة و أوجب للمزيد من القرب الإلهي و العطاء غير المحدود منه سبحانه.

المسألة 619:

يستحب أن يكون الثوبان اللذان يحرم المحرم فيهما من القطن، ففي الخبر عن بعضهم (ع) قال: (أحرم رسول اللّٰه (ص) في ثوبي كرسف)، (و الكرسف هو القطن)، و يستحب أن يقول عند لبس ثياب الإحرام: (الحمد للّه الذي رزقني ما أواري به عورتي، و أؤدّي فيه فرضي، و أعبد فيه ربي، و انتهى فيه الى ما أمرني.

الحمد للّه الذي قصدته فبلّغني، و أردته فأعانني و قبلني و لم يقطع بي، و وجهه أردت فسلّمني، فهو حصني و كهفي و حرزي و ظهري و ملاذي، و رجائي و منجاي و ذخري و عدّتي في شدّتي و رخائي)، و قد تقدم في مبحث لباس المصلي أن الأفضل أن يكون أبيض اللون.

المسألة 620:

يصح للمرأة الحائض و النفساء ان تغتسل غسل الإحرام، و يستحب لها ذلك و ان لم ينقطع حدثها و لا دمها، فإذا أرادت

كلمة التقوى، ج 3، ص: 295

الإحرام بالحج أو العمرة اغتسلت غسل الإحرام، و احتشت بالكرسف، و استثفرت و لبست ثوبا تحت ثياب إحرامها، و استقبلت القبلة و لم تدخل المسجد، و أهلّت بالحج أو بالعمرة كما تصنع سائر النساء من غير صلاة، و لبّت تلبيتها الواجبة و المستحبة.

المسألة 621:

يستحب للمحرم أن يجهر بالتلبية، و يكثر منها في آناء الليل و النهار و ان كان محدثا أو مجنبا، و لا يقطع تلبيته إلا إذا وجب عليه قطعها- كما ذكرنا في المسألة الستمائة و الحادية عشرة-، و يستحب ذلك للمرأة أيضا و لكنها لا تجهر بالتلبية.

المسألة 622:

ورد في موثقة الحسين بن المختار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): يحرم الرجل بالثوب الأسود؟ قال (ع): (لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفّن به الميت)، و الظاهر منها تحريم ذلك و قد قامت القرينة القطعية في مسألة التكفين على كراهته بالثوب الأسود و من أجل ذلك فقد ذهب المشهور إلى كراهة الإحرام به أيضا، و هو مشكل، فلا يترك الاحتياط باجتناب لبس الثوب الأسود في الإحرام.

المسألة 623:

يكره الإحرام في الثوب الوسخ، و إذا غسل قبل الإحرام به و زالت الأوساخ عنه زالت الكراهة عن الإحرام فيه، و إذا توسخ الثوب النظيف بعد الإحرام فيه فالأولى أن لا يغسله من الأوساخ التي أصابته في أثناء الإحرام حتى يحلّ، و يجوز له ابداله بثوب آخر، و إذا أصابته جنابة أو نجاسة أخرى طهّره.

المسألة 624:

يكره للرّجل أن يحرم في الثياب المعلّمة، و يراد بها المخططة بعلم و تطريز و نحوه، و لا كراهة على المرأة أن تحرم بذلك أو تلبسه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 296

بعد إحرامها.

المسألة 625:

يكره للمحرم أن ينام على فراش أصفر، و أن يتوسد على مرفقة صفراء.

المسألة 626:

ذكرنا في المسألة الخمسمائة و الستين و ما بعدها حكم الخضاب بالحناء و غيرها قبل الإحرام، فإذا كان الأثر مما يبقى الى حال الإحرام، و كان مما يعدّ زينة فالأحوط لزوما لكل من الرجل و المرأة ترك ذلك، و لا بد لهما من إزالة الأثر بعد الإحرام إذا كانت ازالته ممكنة.

و إذا اضطر الرجل أو المرأة لاستعمال الحناء لعلاج تشقق الأصابع أو الكفين أو القدمين جاز لهما استعمالها قبل الإحرام للضرورة و ان بقي الأثر بعد الإحرام، و إذا لم يصل ذلك الى حدّ الضرورة كره ذلك للمرأة، و أشكل الحكم بالكراهة للرجل، و إذا كان الأثر الباقي الى ما بعد الإحرام مما يعدّ زينة، فقد ذكرنا أن الأحوط لزوما للرجل و المرأة ترك ذلك، و عليهما إزالة الأثر مع الإمكان.

المسألة 627:

يكره للمحرم أن يدخل الحمّام بعد إحرامه، و لا يكره له أن يغتسل في غير الحمّام، و يكره له أن يدلك جسده في الحمّام و غيره، و لا فرق في جميع ذلك بين الرّجل و المرأة.

المسألة 628:

الأحوط للمحرم إذا ناداه أحد من الناس أن لا يجيبه بالتلبية حتى يحلّ من إحرامه، فإذا دعاه داع قال له: يا سعد، أو قال له: نعم أو إجابة بغيرها من الأجوبة المتعارفة غير التلبية.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 297

المسألة 629:

يكره للمحرم أن يحتبي، و الاحتباء هو أن يجمع ساقيه و فخذيه الى بطنه و يشدّها جميعا الى ظهره بثوب و شبهه أو بحمائل أو بيديه، و يكره له إنشاد الشعر و روايته.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 298

الفصل الرابع عشر في محرّمات الإحرام و كفاراتها
المسألة 630:

محرمات الإحرام هي الأمور التي تحرمها شريعة الإسلام على الشخص بسبب إحرامه بأحد المناسك، و الكفارات هي الواجبات المقدّرة التي تفرضها الشريعة عليه إذا ارتكب أحد المنهيّات المذكورة و هو محرم قبل أن يحلّ شرعا من ذلك النسك الذي أحرم له.

فإذا أراد الشخص أن يؤدي نسكا معيّنا من حج أو عمرة، و عزم في قلبه أن يحرم للّه بترك جميع ما نهاه عنه من ذلك ليأتي بالنسك المعيّن، و التزم بما قصده في ضميره التزاما ثابتا، كان هذا العزم و الالتزام النفساني منه إيقاعا للإحرام و سببا لإنشائه، فإذا لبس ثياب الإحرام و تمت نيّته للإحرام و للنسك متقربا بهما الى اللّٰه تعالى، ثم عقد إحرامه بالتلبية أو بالإشعار أو التقليد إذا كان قارنا، حرم عليه أن يفعل شيئا من المنهيات، و إذا فعله كذلك لزمته الكفارة المعينة لذلك الفعل إذا كان مما فيه الكفارة شرعا.

المسألة 631:

المحرّمات التي يجب على المكلف اجتنابها في حال إحرامه خمسة و عشرون أمرا، و هي على وجه الاجمال: (1) صيد البر (2) الجماع (3) التقبيل (4) اللمس بشهوة (5) النظر إلى الزوجة أو إلى الأجنبية بشهوة و بغير شهوة (6) الاستمناء (7) عقد النكاح (8) لبس المخيط إذا كان المحرم رجلا (9) لبس الخف و الجورب إذا كان اللابس رجلا (10) استعمال الطيب (11) التزين (12) الاكتحال (13) الادهان (14) النظر في المرآة (15) إزالة الشعر عن البدن (16) الفسوق

كلمة التقوى، ج 3، ص: 299

(17) الجدال (18) قتل القمل و حشرات الجسد (19) التظليل للرجال (20) ستر الرأس للرجال و منه الارتماس في الماء و شبهه (21) ستر المرأة وجهها (22) تقليم الأظفار (23) إخراج الدم من البدن

(24) قلع الضرس (25) حمل السلاح، و تفصيل هذا المجمل يأتي في بقية مسائل هذا الفصل ان شاء اللّٰه تعالى.

[الأول: صيد البر:]
المسألة 632:

الأول من محرّمات الإحرام: صيد البر: كما يقول سبحانه (حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً)، و المراد بصيد البر هو كل ما يبيض و يفرّخ أو يتوالد في البرّ من الحيوان و الطير، و يختص التحريم به فلا يعمّ صيد البحر، و هو ما يبيض و يفرخ أو يتوالد في الماء و ان كان ماء نهر أو جدول صغير أو ساقية و لا يعم الحيوان الأهلي و إن توحش.

فيحرم على المحرم اصطياد صيد البرّ، و يحرم عليه ذبحه و إن كان صائده غيره محلا أو محرما، و يحرم عليه أكله و إن كان الصائد و الذابح محلا، و يحرم عليه إمساك الصيد و إن أمسكه لغيره، و يحرم عليه أن يعين أحدا على صيده فيشترك معه في أخذه، أو يدفع له الآلة، أو ينصبها له، أو يدله على مكمنه، أو يشير اليه و لو بإشارة خفية،- و إن كان الصائد محلا، و يحرم عليه أن يغلق الباب عليه ليموت أو ليصطاده الصائد أو ليصطاده هو بعد أن يحلّ من إحرامه، و يحرم عليه أن يحرّض عليه كلبا أو طيرا أو حيوانا صيودا لنفسه أو لغيره و ان كان محلا، سواء كان الصيد في الحل أم في الحرم في جميع الفروض التي ذكرناها.

المسألة 633:

الجراد من صيد البرّ فلا يحلّ للمحرم صيده، و لا إمساكه، و لا أكله، و لا الإعانة على صيده، و لا الاغلاق عليه، و كذلك الدبا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 300

المحرّم و هو الجراد غير الطائر.

المسألة 634:

لا يحرم على المحرم صيد البحر من السمك و غيره، فيجوز له اصطياده و بيعه و شراؤه و أكله إذا كان محلّلا، و يجوز له كذلك بيعه و شراؤه و ان كان محرما إذا كانت له منافع محلّله.

و لا يحرم عليه ذبح الحيوان الأهلي من الأنعام و الدواجن و الدجاج الحبشي، و يجوز له أكلها إذا ذكيت، سواء كان الذابح لها محرما أم محلا.

المسألة 635:

الفراخ و البيوض تابعة للأصل الذي تولدت منه في الحكم، فيحرم على المحرم صيد فراخ صيد البرّ و ذبحها و أكلها و يحرم عليه أكل بيضه، و أخذه للبيع و الإحضان و نحو ذلك و تلزمه أحكامها، و يجوز له اصطياد فراخ صيد البحر و بيوضه، و يحلّ له أكله إذا كان أصله محللا، و كذلك فراخ الحيوانات الأهلية و بيوضها فلا تحرم على المحرم.

المسألة 636:

إذا اصطاد المحرم صيد البر فقتله بالآلة أو بالكلب المعلّم حرم أكله عليه و على غيره و ان كان محلا، سواء اصطاده في الحل أم في الحرم، و كذلك إذا ذبحه المحرم و ان كان صائده محلا، و الأحوط جريان أحكام الميتة عليه فلا يصلى في جلده و ان يتطهر من جلده و أجزائه التي تحلّها الحياة إذا باشرها برطوبة، بل الأحوط دفنه كما أمرت به النصوص.

و مثله الحكم في صيد الحرم إذا أصابه الصائد فقتله بالآلة، أو قتله كلبه المعلّم، أو ذبحه و ان كان الصائد أو الذابح محلا، فلا يجوز أكله لمحرم و لا لمحل، و يجري فيه الاحتياط المتقدم.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 301

المسألة 637:

إذا استولى المحرم على صيد البر و هو في الحل فأخذه حيا أثم بذلك و لزمته كفارة الصيد و وجب عليه إطلاقه كما سيأتي، و إذا أخذه منه محل فذكّاه قبل أن يطلقه المحرم جاز للمحل أكله على الأقوى و لم تسقط الكفارة عن الصائد المحرم، و يحل أكله لغيره من المحلّين و لا يحل للمحرمين.

المسألة 638:

إذا أشار المحرم نحو الصيد إشارة خفية أو واضحة تعرّف غيره بموضعه، أو دلّه عليه و لو بالتحريض المفهم و الحركات المشعرة بوجوده و نحو ذلك من الافعال و ان كانت خفية الدلالة فانتبه الغير الى ذلك فأخذ الصيد أو قتله كان ذلك من الاستحلال المحرّم على المحرم و لزمه الفداء به.

و إذا لم يترتب على اشارة المحرم و تحريضه أثر، فلم يقتل الصيد و لم يصبه الصائد أو لم يدركه أو لم يلتفت الى الإشارة أو الدلالة التي أبداها المحرم أو لم يعتن بها، فالظاهر عدم تحريم ذلك الفعل و عدم لزوم الكفارة به على المحرم، و يستحق به عقاب المتجري إذا قصد بفعله ذلك.

المسألة 639:

إذا استولى المكلف على بعض صيد البر قبل أن يحرم فأخذه حيا ثم أحرم بعد ذلك بالحج أو العمرة و الصيد لا يزال في حيازته، فالأحوط له أن يخرج ذلك الصيد بعد الإحرام عن ملكه، و الظاهر عدم وجوب الكفارة عليه بمجرد ذلك، فإذا أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّي سبيله، و إذا هو لم يخلّ سبيله و مات الصيد بعد إدخاله الحرم أو ذبحه أحد وجب عليه الفداء، و إذا بقي الصيد حيا بعد دخوله الحرم و لم يخلّ سبيله ففي خروجه عن ملك الرجل اشكال،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 302

و كذلك الحكم إذا ملك الصيد قبل الإحرام ببيع أو إرث أو غيرهما من أسباب الملك.

المسألة 640:

إذا أحرم الرجل و كان في حال إحرامه يملك بعض الصيد من الوحوش أو الطيور و هي نائية عنه قد خلّفها في منزله أو في مكان آخر، لم يخرج ذلك الصيد عن ملكه بمجرّد إحرامه، و لا يجب عليه تخلية سبيله، و لا تلزمه الكفارة بسببه.

نعم، يشكل بل يمنع أن تكون له آلة صيد منصوبة عند أهله أو عند وكيله فيصطادون بها بالوكالة عنه و هو محرم، و كذلك إذا تجدّد له ملك الصيد ببيع أو هبة أو نحوهما بعد ما أحرم و قبل أن يحلّ على الأحوط ان لم يكن المنع هو الأقوى.

المسألة 641:

لا يجوز للمحرم قتل السباع من الوحوش و الطير في الحل و لا في الحرم، إلا إذا إرادته و خاف منها على نفسه فيجوز له قتلها عند ذلك، و يجوز له قتلها أيضا إذا آذت حمام الحرم، و لا فرق في الحكم بين الأسد و غيره من السباع، و لا تجب عليه الكفارة إذا قتل شيئا منها غير الأسد سواء جاز له قتلها أم لم يجز، و سيأتي بيان الكفارة في قتل الأسد في المسألة الستمائة و الثامنة و الخمسين.

المسألة 642:

يجوز للمحرم أن يقتل الأفعى و هي الحية الخبيثة، و الأفعوان و هو الذكر من الأفاعي، و يجوز له ان يقتل كلّ حية سوء، بل و كل حية و لا سيما إذا قصدته بالأذى، و يجوز له قتل العقرب و الفأرة من غير فرق في جميع ذلك بين أن يكون في الحل أو في الحرم، و لا تلزمه كفارة في قتل شي ء منها، و يجوز له أن يرمي الغراب و الحدأة و لا كفارة عليه إذا قتلهما بذلك، و لا فرق بين الغراب الأبقع و غيره،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 303

و الحدأة طائر من الجوارح.

المسألة 643:

إذا شك في حيوان انه من صيد البرّ أو من صيد البحر و لم يعلم حاله فالأحوط للمحرم الاجتناب عن صيده و أكله.

المسألة 644:

إذا ولد حيوان بين جنسين أحدهما من صيد البر و الثاني من غيره مما يجوز للمحرم صيده و أكله، فإن كان الحيوان المتولد منهما في صورته النوعية تابعا لأحد الجنسين بحيث يصدق على الحيوان المتولد اسم ذلك الجنس لحقه حكم ذلك الجنس، فيحرم إذا كان تابعا في صورته و في اسمه لصيد البرّ، و يحلّ إذا كان تابعا لغيره، و إذا لم يلحق بأحدهما في الصورة و الاسم و شكّ في حكمه فالأحوط الاجتناب عنه بل لا يخلو عن قوة.

المسألة 645:

إذا قتل المحرم نعامة أو أكل من لحمها و هو في الحل بعد انعقاد إحرامه وجب عليه أن ينحر بدنة و لا يجزيه غيرها مع القدرة، فإذا عجز عن نحر البدنة لعدم وجودها مثلا وجب عليه أن يفض ثمن البدنة على البر أو غيره من الأطعمة التي يجزي دفعها في الكفارة، و قد ذكرناها في المسألة السبعين من كتاب الكفارات، و أطعم به ستين مسكينا و دفع لكل مسكين مدا، و الأحوط استحبابا أن يدفع لكل مسكين مدين مع الكفاية، و إذا زاد ثمن البدنة عن إطعام ستين مسكينا لم يجب عليه التصدق بالزائد و إذا نقص ثمنها عن إطعام الستين تصدق على العدد الذي يفي الثمن به و لم يجب عليه ان يتم ما نقص.

و إذا عجز عن الإطعام كذلك كفاه على الأقوى أن يصوم بدل ذلك ثمانية عشر يوما، و الأحوط استحبابا ان يصوم من الأيام

كلمة التقوى، ج 3، ص: 304

بمقدار عدد المساكين الذين يتسع الثمن لإطعامهم لو كان الإطعام مقدورا سواء بلغ ستين مسكينا أم لم يبلغ، فإن عجز عن ذلك صام ثمانية عشر يوما، و سيأتي الحكم في ما إذا

قتل المحرم النعامة أو أكل من لحمها في الحرم.

المسألة 646:

إذا اصطاد المحرم بقرة وحشية فقتلها أو أكل من لحمها و هو في الحل بعد إحرامه، وجب عليه ان يذبح في كفارته عن ذلك بقرة أهلية، و ان لم يجد البقرة وجب عليه ان يفض ثمن البقرة على البر أو غيره من الأطعمة المجزية في الكفارة و يطعم به ثلاثين مسكينا على الوجه الذي بينّاه في المسألة المتقدمة، و إذا زاد ثمن البقرة على إطعام ثلاثين مسكينا لم يجب عليه التصدق بما زاد و كان له، و إذا قصر ثمنها عن الوفاء بإطعام ثلاثين مسكينا لم يجب عليه أن يتم ما نقص من العدد، و إذا لم يمكنه الإطعام كذلك، أجزأه أن يصوم بدل ذلك تسعة أيام، و الأحوط استحبابا كما تقدم بأن يصوم أياما بمقدار العدد الذي يتسع الثمن لإطعامه من المساكين سواء بلغ ثلاثين أم لا، و إذا عجز عن صيام ذلك صام تسعة أيام و يلاحظ ما يأتي إذا قتل البقرة أو أكل من لحمها في الحرم.

المسألة 647:

إذا أصاب المحرم بعد انعقاد إحرامه حمار وحش فقتله و هو في الحل أو أكل من لحمه، تخيّر على الأقوى في كفارته بين ان ينحر بدنة و أن يذبح بقرة أهلية، و لا يكفيه غيرهما مع القدرة عليهما أو على إحداهما، فإن هو لم يجد بدنة و لا بقرة، فض ثمن البقرة على البر أو على طعام غيره مما يجزي في الكفارة و أطعم به ثلاثين مسكينا على نهج ما بينّاه في بقرة الوحش و كفاه ذلك، و يجري فيه جميع القول المتقدم، فإذا عجز عن إطعام المساكين صام تسعة أيام

كلمة التقوى، ج 3، ص: 305

و الأحوط استحبابا ان يصوم بعدد المساكين التي يتسع

لها ثمن البقرة أياما سواء بلغت ثلاثين أم لا، فإن عجز عن ذلك صام تسعة أيام كما قلنا في نظيره.

و يجوز له إذا لم يجد البدنة و لا البقرة إن يفض ثمن البدنة على البر و يطعم به ستين مسكينا أو ما بلغ على نهج ما تقدم في كفارة النعامة، و إذا لم يمكنه الإطعام صام بقدر عدد المساكين أياما، فإذا لم يقدر على ذلك صام ثمانية عشر يوما، و هذا هو الأحوط استحبابا.

المسألة 648:

إذا قتل المحرم ظبيا و هو في الحلّ أو أكل من لحمه أو قتل ثعلبا أو أرنبا وجب عليه ان يذبح عن كل واحد من المذكورات شاة، فإن لم يجدها لزمه ان يفض ثمن الشاة على الطعام و يطعم به عشرة مساكين لكل مسكين مدّ و يجري فيها الكلام المتقدم في نظائرها، و ان لم يمكنه الإطعام صام ثلاثة أيام و الأحوط استحبابا ان يصوم بعدد المساكين أياما سواء بلغت عشرة أيام أم لا، فإن عجز عن ذلك صام ثلاثة أيام.

المسألة 649:

إذا كسر المحرم بيضة نعامة، فإن كان الفرخ قد تحرك في البيضة وجب عليه أن ينحر عنها بكرا من الإبل، و ان لم يتحرك فيها الفرخ بعد أو لم يكن فيها فرخ أرسل فحلا من الإبل على أنثى صالحة للحمل منها و كان النتاج هديا للبيت، و إذا تعدّد البيض المكسور لزمه لكل بيضة منها مثل ذلك، و إذا لم ينتج الإرسال شيئا فلا شي ء عليه، و إذا لم يقدر على ذلك وجب عليه أن يذبح عن كل بيضة شاة، فإن عجز عنها أطعم عن كل بيضة عشرة مساكين، و ان لم يقدر على الإطعام صام عنها ثلاثة أيام.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 306

المسألة 650:

إذا كسر المحرم بيض القطا و هو في الحلّ جرى فيه نظير الحكم الذي ذكرناه في بيض النعام، فإن كان الفرخ قد تحرك في البيضة التي كسرها وجب عليه ان يذبح بكرا من صغار الغنم كفارة عنها، و إذا لم يكن في البيضة المكسورة فرخ، أو كان فيها فرخ و لم يتحرك بعد، أرسل فحلا من الغنم على أنثى صالحة للحمل منها، و كان نتاج ذلك هديا للبيت كفارة عن ذلك، و إذا تعدّد البيض الذي كسره لزمه لكلّ بيضة كسرها مثل ذلك.

المسألة 651:

يجب على المحرم بعد انعقاد إحرامه في أكل الصيد مثل ما يجب عليه في قتله و ان كان الصائد غيره، فإذا قتل الصيد في الحلّ ثم أكل من لحمه وجبت عليه كفارتان تامتان و لا تكفي كفارة واحدة عنهما.

المسألة 652:

إذا قتل المحرم الصيد و هو في الحلّ أو أكل من لحمه وجبت عليه الكفارة، كما بينا بعضه في ما سبق و سنذكر بعضه في ما يأتي، و إذا قتل المحلّ الصيد و هو في الحرم أو أكل من لحمه وجبت عليه قيمة ذلك الصيد، فإذا قتل المحرم الصيد و هو في الحرم أو أكل من لحمه وجب عليه الأمران معا و ان بلغ بدنة أو زاد عليها على الأحوط.

المسألة 653:

إذا قتل المحرم حمامة أو شبهها من الطير الوحشي أو الأهلي و كان المحرم في الحلّ وجب عليه في قتلها أن يذبح شاة، و إذا قتل فرخا من فراخها و هو في الحلّ وجب عليه أن يذبح حملا أو جديا، و الحمل بفتح الحاء و الميم هو الضأن الصغير في سنته الأولى،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 307

و الأحوط ان لا يقلّ عمره عن ستة أشهر، و الجدي هو الصغير من أولاد المعزى.

و إذا كسر بيضة من بيضها و كان الفرخ قد تحرّك في البيضة كان حكمها حكم الفرخ، فعليه أن يذبح حملا أو جديا، و إذا كسر منها بيضة لا فرخ فيها أو قبل أن يتحرك الفرخ فيها و هو في الحل فالأحوط له أن يدفع أكثر الأمرين من الدرهم و قيمة البيضة.

المسألة 654:

إذا قتل محلّ حمامة أو ما يشبهها من الطير و هو في الحرم لزمه على الأحوط أن يكفّر بدفع أكثر الأمرين: قيمة الحمامة و الدرهم، و إذا قتل فرخا من فراخها دفع أكثر الأمرين: قيمة الفرخ و نصف درهم، و كذلك إذا كسر بيضة من بيضها قد تحرك فيها الفرخ، و إذا كسرها قبل ان يتحرك الفرخ فيها دفع أكثر الأمرين من قيمة البيضة و ربع درهم.

و إذا قتل المحرم و هو في الحرم حمامة أو فرخها أو كسر بيضة من بيضها وجب عليه ان يدفع كفارة المحرم في الحلّ و جزاء المحلّ في الحرم، فإذا قتل حمامة أو شبهها وجب عليه أن يذبح شاة و أن يدفع معها أكثر الأمرين و هما قيمة الحمامة و درهم، و إذا قتل فرخا من فراخها أو كسر بيضة تحرك فيها الفرخ وجب عليه أن

يذبح حملا أو جديا، و ان يدفع معه الأكثر من قيمة الفرخ و نصف درهم، و إذا كسر بيضة لم يتحرك فيها فرخ وجب عليه ان يدفع الأكثر من قيمة البيضة و درهم، و أن يدفع مع ذلك أكثر الأمرين أيضا من قيمة البيضة و ربع درهم.

المسألة 655:

إذا قتل المحرم و هو في الحلّ قطاة أو حجلة أو درّاجة أو إحدى نظائرها وجب عليه ان يذبح عن الواحدة منها حملا قد فطم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 308

من اللّبن و رعى من الشجر، و إذا قتل إحداها محلّ و هو في الحرم وجب عليه ان يكفّر بدفع قيمة ما قتله، و إذا قتلها محرم و هو في الحرم وجب عليه ان يكفّر بكلا الأمرين.

المسألة 656:

يجب على المحرم إذا قتل و هو في الحلّ عصفورا أو قنبرة أو صعوة أن يكفّر عنه بدفع مد من الطعام، و يجب عليه إذا قتل جرادة أن يدفع عنها تمرة، و إذا قتل أكثر من جرادة واحدة وجب عليه ان يتصدق بكف من طعام، و إذا قتل جرادا كثيرا وجب عليه أن يكفّر عنه بدم شاة، و يجب عليه التحرّز عنه إذا كان في طريقه، فإذا لم يمكنه الاحتراز عنه، فلا إثم عليه و لا كفارة في قتله.

المسألة 657:

يجب على المحرم إذا قتل ضبا أو قنفذا أو يربوعا أو ما أشبهها ان يكفّر عن قتله بدم جدي و يجب عليه في قتل العظاية ان يكفّر عنها بكف من الطعام، و العظاية حشرة من كبار الوزغ، و يجب عليه كذلك في القملة يلقيها عن جسده أن يتصدق عنها بكف من طعام، و يجب عليه إذا قتل زنبورا متعمدا، أن يتصدق بشي ء من الطعام، و لا شي ء عليه إذا قتله دفعا لايذائه.

المسألة 658:

إذا قتل المحرم أسدا و هو في الحرم فالأحوط له ان يكفّر عن قتله بذبح كبش، بل الأحوط له ذلك إذا قتله و هو في الحلّ، و إذا خاف من الأسد على نفسه جاز له قتله بل وجب إذا لم يمكن دفعه إلا بالقتل، و لا اثم عليه و لا كفارة في قتله، سواء كان في الحلّ أم في الحرم.

المسألة 659:

إنما يثبت الفداء و الكفارة على المحرم بقتل الصيد، سواء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 309

باشر قتله بنفسه أم كان سببا في قتله بدلالة أو إشارة أو اعانة على الأقوى في بعض الصور، و على الأحوط لزوما في جميعها، و يثبت الفداء و الكفارة كذلك بأكله من الصيد و ان كان الصائد أو الذابح غيره كما قلنا في المسألة الستمائة و الحادية و الخمسين، و لا تثبت الكفارة عليه بنفس أخذه للصيد إذا لم يقتله أو يأكل من لحمه أو يوجب له جرحا أو كسرا، و مثال ذلك: ان يستولي على الحيوان أو الطير ثم يطلقه سويا غير مصاب بجرح و لا كسر في بعض أعضائه فلا كفارة عليه و ان كان آثما بصيده، و لا تثبت الكفارة بالدلالة على الصيد أو الإشارة إليه إذا لم يقتل الصيد بسبب إشارته و دلالته و لم يجرح أو يكسر بعض أعضائه، و ان كان آثما في جميع ذلك كما قلنا في المسألة الستمائة و الثانية و الثلاثين.

المسألة 660:

تلزم الكفارة على المحرم إذا قتل الصيد سواء وقع منه عامدا أم ساهيا أم جاهلا، و تجب عليه الكفارة كذلك إذا أكل من الصيد في جميع الصّور المذكورة، و لا اثم عليه في غير صورة العمد، و الظاهر شمول الحكم للدلالة و الإشارة و نحوهما إذا كانت سببا للقتل و ان وقعت منه خطأ أو سهوا أو جهلا فتلزمه الكفارة بذلك، و لا تختص بصورة العمد كما في غير الصيد من محرمات الإحرام.

المسألة 661:

إذا فعل المحرم ما يوجب عليه كفارة الصيد أكثر من مرة واحدة و هو في إحرام واحد، و مثال ذلك: ان يقتل في مدة إحرامه أكثر من صيد واحد، سواء كان الصيد من جنس واحد أم من أجناس مختلفة، أو يأكل من لحم الصيد البري أكثر من مرة واحدة، أو يدلّ على الصيد أو يشير اليه، و يتحقق قتل الصيد بسبب دلالته أو إشارته أكثر من مرة، أو يقتل صيدا و يأكل من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 310

صيد آخر و يدل على صيد ثالث.

فإن فعل ذلك ساهيا أو ناسيا للإحرام أو جاهلا بالموضوع أو مخطئا تعددت عليه الكفارة و وجبت عليه بعدد ما صدر عنه من أفعال توجب الكفارة، و لا يسقط عنه شي ء منها، و كذلك إذا فعل ذلك عامدا و كان كل فعل في إحرام، و مثال ذلك: أن يقتل صيدا عامدا أو يدل عليه و هو في إحرام عمرة التمتع، و يأكل من لحم الصيد و هو في إحرام حج التمتع، فتجب عليه الكفارة في كل واحد من الفعلين و ان كان عامدا فيهما، و إذا ارتكب موجب الكفارة عامدا أكثر من مرة واحدة و هو في إحرام

واحد، وجبت عليه الكفارة في ارتكابه الأول و لا كفارة عليه في ارتكابه للمرة الثانية إذا كان عامدا كذلك و كان موضعا لاستحقاق نقمة اللّٰه منه، كما دلّت عليه الآية الكريمة (وَ مَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ وَ اللّٰهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقٰامٍ).

المسألة 662:

يشكل الحكم في المحرم إذا تكرّر منه ما يوجب كفارة الصيد و هو جاهل بالحكم الشرعي، فهل يعدّ مخطئا، فتتكرر عليه الكفارة في كلّ ما فعل، أو يلحق بالعامد فتجب عليه الكفارة في المرة الأولى و لا تجب عليه في ما بعدها؟ و الاحتياط له بالتوبة عن فعله و تكرار الكفارة.

و لا يجري التفصيل المذكور في المكلّف المحلّ إذا تكرّر منه الصّيد في الحرم أكثر من مرة، فتجب عليه الكفارة في كل مرة سواء كان مخطئا في فعله أم متعمدا، و لا فرق في الأحكام المذكورة في هذه المسألة و سابقتها بين أن يتخلّل التكفير بين موجبات الكفارة و عدمه.

المسألة 663:

إذا اشترك محرمان أو أكثر في قتل صيد واحد، أو في الأكل من لحمه، أو في الدلالة على موضعه أو في الإشارة إليه، فقتله

كلمة التقوى، ج 3، ص: 311

الشخص الذي حرّضوه بسبب دلالتهم أو إشارتهم أو تحريضهم وجبت على كل واحد منهم كفارة تامة لذلك الصيد.

و إذا اشترك المحرم و غير المحرم في قتل الصيد أو في أكله أو الدلالة عليه لزم كل واحد حكمه فتلزم الكفارة على المحرم، و لا كفارة على المحلّ إلا إذا كان المقتول من صيد الحرم فتلزمه كفارته كما ذكرنا في المسألة الستمائة و الثانية و الخمسين.

المسألة 664:

إذا قتل المحرم حمامة من حمام الحرم لزمه أن يكفّر عنها بذبح شاة- كما قلنا في المسألة الستمائة و الرابعة و الخمسين- و ان يدفع مع الكفارة أكثر الأمرين من قيمة الحمامة و الدرهم، فيذبح الشاة في موضع الذبح و سيأتي بيانه، و يتخيّر في ما يدفعه من القيمة أو الدرهم بين ان يشتري به علفا لحمام الحرم و ان يتصدق به في الحرم، و إذا قتل فرخا من فراخها، أو كسر بيضة قد تحرك فيها الفرخ من بيضها جرى فيه مثل ذلك، فيذبح الحمل و الجدي في موضع الذبح، و يتخيّر في قيمة الفرخ أو نصف الدرهم بين ما ذكرنا، و يجري التخيير كذلك في قيمة البيضة إذا كسرها قبل ان يتحرك الفرخ، و مثله حكم المحلّ إذا قتلها، أو قتل الفرخ، أو كسر البيضة.

المسألة 665:

إذا كان الصيد الذي أصابه المحرم مملوكا لأحد وجب عليه أن يدفع الكفارة المقدّرة في الشريعة لذلك الصيد الى الفقراء، و ضمن للمالك قيمة الصيد إذا قتله، و أرشه إذا أصابه بجرح أو كسر أو نقص في بعض أعضائه.

المسألة 666:

إذا رمى المحرم صيدا فقتل برميته صيدين وجبت عليه بذلك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 312

كفارتان تامتان، سواء كان عامدا في ضربه للأول أم مخطئا، و إذا تعمد في رميته قتلهما معا وجبت عليه الكفارتان كذلك، و لم تسقط عنه كفارة الثاني بسبب تعمده قتلهما.

المسألة 667:

إذا وجبت الكفارة على المحرم بسبب الصيد و كان إحرامه بحج التمتع، أو بحج القران، أو بحج الافراد وجب عليه ان يذبح الفداء أو ينحره بمنى، و يتخيّر في أي موضع يشاء منها، و إذا كان إحرامه بعمرة التمتع أو بعمرة مفردة وجب عليه ان يذبح الفداء أو ينحره بمكة، و يتخيّر في أي موضع يشاء منها، و لا يشمل الجواز المواضع و المحلات الجديدة من مكة على الأحوط بل الأقوى، و لا يجوز له التأخير عن منى في الحج، و لا التأخير عن مكة في العمرة، و لا يكفيه أن يذبح الفداء قبلهما، كما إذا أراد ان يذبحه في موضع إصابته للصيد.

المسألة 668:

إذا فعل المحرم ما تلزمه بسببه كفارة الصيد تعلّق به وجوب الفداء من ذلك الموضع، و لا يجب عليه شراء الفداء من الموضع، و يجوز له تأخير شرائه حتى يصل الى موضع النحر في مكة أو منى، الا إذا علم بأن الفداء لا يوجد فيهما فيلزمه الشراء من حيث يمكن.

المسألة 669:

إذا وجب على المكلف نحر بدنة لصيد النعامة، أو وجب عليه ذبح بقرة لبقرة الوحش أو حماره، أو وجب عليه ذبح شاة لصيد الظبي و نحوه، و لم يجد الفداء في مكة أو منى، لم ينتقل حكمه الى التصدق أو الصيام- كما فصّلناه في المسألة الستمائة و الخامسة و الأربعين و المسائل التي تليها- حتى يعلم أو يطمئن بعدم وجود

كلمة التقوى، ج 3، ص: 313

الفداء في موضع النحر و الأماكن الممكنة الأخرى، فيجب شراؤه و تحصيله منها إذا كان ذلك ممكنا، و لم يلزم منه عسر و لا حرج، فإذا لم يجد الفداء أو كان نقله موجبا للعسر أو الحرج انتقل الى البدل من الصدقة ثم الصيام.

المسألة 670:

إذا وجبت على المحرم كفارة لغير الصيد من تظليل و نحوه، فالأحوط له ان يذبح الفداء بمنى إذا فعل موجب الكفارة و هو في إحرام الحج، و ان يذبحه في مكة إذا فعله في إحرام العمرة، و يجوز للمعتمر أن يؤخر ذبحه إلى منى و ان كان في عمرة مفردة، بل الظاهر أنه يجوز له ان يذبحه حيث يشاء، فله ان يؤخر ذبحه حتى يرجع الى أهله، و مصرف الفداء بعد ذبحه أو نحره هم المساكين فلا يكفي صرفه لغيرهم، سواء كان كفارة صيد أم غيره.

المسألة 671:

إذا اصطاد الرجل حيوانا بريا و هو محل قبل أن يحرم، فذكّاه و بقي لحمه المذكّى حتى أحرم لم يجز له ان يأكل منه بعد إحرامه و قبل ان يحلّ، و يجوز أكله للمحلين، و إذا بقي منه شي ء حتى أحلّ من إحرامه جاز له أكله.

المسألة 672:

إذا وجبت الكفارة على المحرم في عمرة التمتع، جاز له أن يؤخر ذبح الفداء حتى يتم حج التمتع، و إذا وجبت عليه و هو محرم بحج أو بعمرة مفردة و عزم من بعد إحلاله من نسكه أن يحرم بنسك آخر فيجوز له أن يؤخر الفداء حتى يتم نسكه الثاني.

[الثاني: الجماع:]
المسألة 673:

الثاني من محرمات الإحرام: الجماع: يحرم الوطء على المحرم بعد أن ينعقد إحرامه في قبل أو دبر، سواء أنزل في وطئه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 314

أم لم ينزل، و سواء كان إحرامه في حج أم في عمرة تمتع أم في عمرة مفردة حتى يحلّ من إحرامه إحلالا تاما، و التحلل الكامل في إحرام الحج و إحرام العمرة المفردة من هذا المحرم لا يكون الا بعد الإتيان بطواف النساء و صلاة ركعتيه على ما سيأتي بيانه، فلا يجوز الجماع لمن أحرم بالحج أو بالعمرة المفردة قبل الإتيان بهما.

المسألة 674:

إذا جامع الرجل زوجته و هو محرم بعمرة التمتع، و هو يعلم بإحرامه و بأن الجماع محرّم عليه حال الإحرام، فإن فعل ذلك قبل طواف العمرة أو قبل السعي لها أو في أثناء السعي و قبل أن يتمه وجب عليه أن ينحر بدنة، و يشكل الحكم بفساد عمرته بذلك، فيلزمه- على الأحوط- أن يتم عمرته ثم يعيدها من الميقات، و يأتي بحج التمتع بعدها، و هذا مع سعة الوقت لذلك، و إذا لم يتسع الوقت لإعادة العمرة فعليه- على الأحوط- أن يتمها و يأتي بالحج بعدها، ثم يقضي الحج في السنة المقبلة، و أحوط من ذلك أن يأتي بعمرة مفردة بعد الحج في سنته الأولى، و يلحق الزنا و وطء الأمة المملوكة بجماع الزوجة في الحكم المذكورة على الأحوط.

و إن فعل ذلك بعد أن أتم السعي في عمرته و قبل التقصير وجب عليه إتمام العمرة و الحج بعدها، و وجب عليه التكفير بأن ينحر جزورا أو يذبح بقرة أو يذبح شاة مخيّرا بين الثلاثة، و الأحوط أن ينحر بدنة إذا كان موسرا، و يذبح بقرة إذا كان

متوسط الحال، و يذبح شاة إذا كان معسرا.

المسألة 675:

إذا جامع الرجل زوجته و هو محرم بعمرة مفردة، و كان جماعه إياها قبل الطواف أو في أثنائه، أو قبل السعي أو في أثنائه و قبل أن يتمه، فسدت عمرته، و لا يترك الاحتياط بأن يتم عمرته

كلمة التقوى، ج 3، ص: 315

و ان كانت فاسدة، و وجب عليه ان ينحر بدنة كفارة لفعله، و وجب عليه أن يقيم في مكة حتى ينقضي الشهر الذي أفسد فيه عمرته، ثم يخرج بعد انقضائه الى أحد المواقيت و يحرم منه بعمرة مفردة، و قد تقدم ذكر هذا في المسألة الأربعمائة و الخامسة عشرة.

و إذا جامع زوجته في إحرام العمرة المفردة بعد أن أتم السعي و قبل التقصير، أو بعد التقصير و قبل أن يتم طواف النساء أثم بذلك و لم تفسد عمرته، و وجب عليه إتمامها، و لزمه- على الأحوط- أن يكفّر عن فعله ببدنة، و يلحق الزنا بجماع الزوجة في الأحكام المذكورة على الأحوط و كذلك وطء المولى لأمته المملوكة.

المسألة 676:

إذا جامع الرجل زوجته و هما محرمان معا بعمرة التمتع أو بعمرة مفردة، وجبت على الرجل الكفارة، على الوجه الذي تقدم بيانه، و لزمته الأحكام الآنف ذكرها في المسألتين السابقتين، و وجبت الكفارة المذكورة على الزوجة أيضا إذا كانت مطاوعة للزوج و عالمة بالإحرام و بالحكم، و لزمتها بقية الأحكام على الأحوط، و إذا أحلّ الرجل من إحرامه و جامع زوجته و هي لا تزال محرمة وجبت عليها الكفارة، و غرمها لها الزوج سواء كانت مطاوعة له أم مكرهة.

[الصورة الأولى:]
المسألة 677:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 3، ص: 315

إذا جامع الرجل امرأته و هو محرم بحج التمتع أو بحج القران أو حج الإفراد، فللمسألة صور مختلفة تجب ملاحظتها و تطبيق أحكامها.

الصورة الأولى:

أن يكون جماعة لزوجته قبل وقوفه بالمشعر الحرام، سواء كان قبل وقوفه بعرفات أم بعده أم في أثنائه، و يجب عليه في هذه الفروض كلّها أن يتم حجه الى نهاية إعماله، فلا يجوز له قطعها و لا ابطالها، و أن ينحر بدنة كفارة لما ارتكب، و أن يعيد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 316

حجه في العام المقبل، و لا فرق في لزوم الأحكام المذكورة بين أن يكون الحج الذي أوقع فيه ذلك الفعل فريضة أو نافلة، و واجبا عليه أو بالنيابة عن غيره، و لا فرق بين أن يكون جماعة لزوجته قبلا أو دبرا، و ان لم ينزل في جماعة أو أنزل في الخارج بعد تحقق الدخول، و هذا إذا كانت الزوجة في حال وطئه لها محلّة غير محرمة.

الصورة الثانية:
المسألة 678:

أن يكون جماعة لزوجته قبل وقوفه بالمزدلفة، كما ذكرناه في الفروض المتقدمة، و تكون المرأة في حال جماعه لها محرمة بالحج أيضا، و يجب على كل من الرجل و المرأة في هذه الصّورة جميع الاحكام التي بيّناها إذا كانت المرأة مطاوعة له في فعله، و يجب الافتراق بينهما من الموضع الذي وقعت فيه معصيتهما الى أن يفرغا من مناسك الحج على الأحوط، و إذا كانت المعصية قد وقعت منهما في أثناء الطريق و كان رجوعهما من الحج في طريق ذهابهما فالأحوط لهما ان يفترقا حتى يصلا الى موضع وقوع

المعصية من الطريق، و يراد من وجوب الافتراق بينهما ان لا يجتمعا منفردين الا و معهما غيرهما ممن يكون وجوده معهما مفرقا بينهما عرفا، فلا اعتبار بالطّفل أو الشخص الذي لا يعدّ وجوده مفرقا بينهما، و إذا أتيا بحجة الإعادة في السنة المقبلة وجب عليهما الافتراق كذلك من محلّ وقوع المعصية الى أن يفرغا من مناسك حجهما، و إذا كان الرجل قد أكره المرأة فجامعها من غير رضاها لم تترتب عليها الأحكام المتقدمة، و وجب عليه أن يدفع كفارته و كفارتها معا و لا شي ء على المرأة، و جرت الأحكام عليه خاصة.

الصورة الثالثة:
المسألة 679:

أن يكون الرجل محرما بالحج، و تكون المرأة محرمة بعمرة التمتع أو بعمرة مفردة، و يجامعها كما في الفروض

كلمة التقوى، ج 3، ص: 317

السابقة، و هما معا عالمان بالإحرام و بالتحريم، و المرأة راضية غير مكرهة، فتثبت للرجل جميع أحكام الجماع في إحرام الحج التي ذكرناها، و تثبت للمرأة أحكام الجماع في إحرام عمرة التمتع أو في العمرة المفردة، و قد ذكرناها في المسألة الستمائة و الرابعة و السبعين و ما بعدها.

و إذا أكرهها على الفعل فجامعها و هي غير مطيعة لم تبطل متعتها و لا عمرتها بذلك، و كانت كفارتها على الزوج على الأحوط، و لا شي ء على المرأة منها.

الصورة الرابعة:
المسألة 680:

أن يجامع المحرم بالحج زوجته بعد الوقوف في المشعر الحرام، فإن كان جماعه إياها قبل أن يطوف طواف النساء وجب عليه ان ينحر بدنة كفارة لما فعل، و ان يتم أعمال حجه، و لا تجب عليه اعادة الحج، و كذلك إذا طاف ثلاثة أشواط من طواف النساء أو أقل، و يجب على المرأة مثل ذلك إذا كانت مطاوعة غير مكرهة، و لا شي ء عليها إذا أكرهها عليه، و ان كانت مطاوعة غير مكرهة، و لا شي ء عليها إذا أكرهها عليه، و ان كان جماعه بعد أن أتم خمسة أشواط من طواف النساء أو أكثر فلا كفارة عليه، و إذا كان قد أتم منه أربعة أشواط ففي لزوم الكفارة عليه اشكال، و لا بد فيه من مراعاة الاحتياط.

و إذا جامع زوجته بعد أن طاف طواف الحج و قبل أن يطوف طواف النساء فعليه أن ينحر بدنة ان كان موسرا، و ان يذبح بقرة ان كان متوسطا، و يكفيه أن يذبح شاة إذا كان معسرا.

المسألة 681:

إذا جامع الرجل زوجته و هو محرم بالحج أو بالعمرة، و كان جاهلا بتحريم ذلك عليه، أو كان ناسيا للإحرام لم تجب عليه الكفارة لفعله، و كذلك الحكم في باقي الكفارات التي يأتي بيانها، فلا تجب

كلمة التقوى، ج 3، ص: 318

على المحرم إذا ارتكب ما يوجبها و هو جاهل بالحكم أو ناس للإحرام، و هذا في غير كفارات الصيد و قد سبق ذكر هذا في المسألة الستمائة و الستين، و حكم المرأة في ذلك حكم الرجل، فلا كفارة عليها مع الجهل أو النسيان في غير الصيد، و لهذا الحكم مستثنيات يأتي ذكرها في مواردها- إن شاء الله تعالى.

[الثالث: تقبيل الزوجة،]
المسألة 682:

الثالث من محرمات الإحرام: تقبيل الزوجة، فإذا انعقد إحرام المحرم بحج أو بعمرة حرم عليه أن يقبل زوجته بشهوة، بل الظاهر تحريم ذلك بغير شهوة، و إذا قبّلها بشهوة وجب عليه أن يكفّر بنحر بدنة، سواء خرج منه المني أم لم يخرج على الأحوط، و إذا قبّلها بغير شهوة وجب عليه أن يكفر عن ذلك بذبح شاة.

و من أشد الأمور تحريما و أكثرها قبحا بل و تناقضا: أن يرتكب المرء هذه الجريمة و شبهها مع من لا حقّ له فيه، فيقبّل امرأة أجنبية عنه أو ذكرا مثله، بشهوة خسيسة و شبهها، أن يرتكب المرء مثل هذه الجرأة المنكرة و لا سيما في هذه المواقف التي يطلب العبد فيها مزيد القرب من ربه العظيم و هو يؤم بيته الكريم للوفادة عليه و الوقوف ببابه و النزول بفنائه و الاستجابة لأمره!!. و لا حول و لا قوة إلا باللّه. و على أي حال فإذا حدث للمحرم مثل هذه الخسائس، فلا بد من دفع الكفارة على الأحوط و هي

ما تقدم ذكره.

[الرابع: لمس المحرم زوجته بشهوة،]
المسألة 683:

الرابع من محرمات الإحرام: أن يلمس المحرم زوجته بشهوة، فلا يحلّ له أن يلمسها كذلك بعد انعقاد إحرامه، و إذا لمسها بشهوة وجب عليه أن يكفّر بذبح شاة من غير فرق بين أعضائها الملموسة، و كذا إذا حملها أو أنزلها من المحمل بشهوة، سواء أمنى أم لم يمن، و إذا لمسها أو أركبها أو أنزلها بغير شهوة فلا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 319

شي ء عليه.

[الخامس: النظر إلى امرأته بشهوة،]
المسألة 684:

الخامس من محرمات الإحرام: أن ينظر المحرم إلى امرأته بشهوة، فلا يحلّ له ذلك على الأحوط بعد انعقاد إحرامه، و إذا نظر الى زوجته بشهوة بعد الإحرام فأمنى وجب عليه أن ينحر بدنة، و إذا نظر إليها بشهوة و لم يمن أثم بذلك و لم تجب عليه الكفارة، و كذلك إذا نظر الى زوجته بغير شهوة فأمنى، فلا كفارة عليه، و هذا فرض في غاية الندرة، فإن الامناء مع عدم قصد الشهوة مما يتعذّر عادة، و لكنه قد يتفق لبعض الناس.

المسألة 685:

إذا نظر المحرم الى امرأة أجنبية عنه فأمنى وجبت عليه الكفارة، و كفارته أن ينحر بدنة إذا كان ذا يسار، و ان يذبح بقرة إذا كان متوسط الحال، و ان يذبح شاة إذا كان فقيرا، و إذا نظر إليها بشهوة و لم يمن أثم بفعله، و لم تجب عليه كفارة، فليتق اللّٰه و لا يعد الى مثل فعله.

[السادس: الاستمناء:]
المسألة 686:

السادس من محرمات الإحرام: الاستمناء: فإذا عبث الرجل بذكره حتى أمنى و هو عالم عامد في فعله، و كان ذلك منه في أثناء إحرامه وجب عليه ما يجب على من يجامع أهله و هو محرم، فإذا وقع ذلك منه في إحرام الحج و قبل الوقوف بالمشعر الحرام وجب عليه أن يتم أعمال حجه فلا يقطعها، و أن ينحر بدنة كفارة لفعله، و أن يعيد حجه في العام المقبل، و إذا كان ذلك بعد وقوفه بالمشعر لزمته البدنة و إتمام الحج و لم تجب عليه اعادته، و إذا فعل ذلك و هو في إحرام العمرة المفردة قبل السعي فعليه أن يتم عمرته و أن ينحر بدنة، و يقيم في مكة حتى ينقضي الشهر الذي أفسد فيه عمرته ثم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 320

يخرج الى أحد المواقيت فيحرم منه بعمرة مفردة، و إذا حصل ذلك و هو في إحرام عمرة التمتع لزمه أن ينحر بدنة و عليه ان يحتاط بالأحكام التي ذكرناها لمن جامع في عمرة التمتع في المسألة الستمائة و الرابعة و السبعين.

و إذا عبث مع زوجته حتى أمنى عامدا لزمته البدنة، و لم تجب عليه اعادة الحج حتى إذا كان قبل الوقوف بالمشعر، و كذلك حكمه إذا استمنى بالنظر أو التخيّل، فتجب عليه البدنة و لا

تلزمه الإعادة.

[السابع: عقد النكاح]
المسألة 687:

السابع من محرمات الإحرام: عقد النكاح: فلا يجوز للشخص بعد أن ينعقد إحرامه بحج أو بعمرة ان يعقد لنفسه عقد النكاح، أو يعقد لغيره بالوكالة عنه، أو بالولاية عليه أو فضولا، و لا يجوز أن يعقد له غيره بالوكالة عنه، أو بالولاية عليه، أو فضولا، سواء كان موجبا في جميع الفروض أم قابلا، و سواء كان عقد النكاح دائما أم منقطعا، و سواء كان الغير الذي يزوجه المحرم أو يعقد للمحرم محلا أم محرما، و إذا أجرى عقد النكاح في جميع هذه الصور المذكورة كان باطلا، و قد فصّلنا هذه الأحكام في كتاب النكاح في البحث عن السبب السادس من أسباب تحريم النكاح، فليلاحظ ذلك في المسألة المائتين و الثانية و الخمسين إلى المسألة المائتين و الثانية و الستين.

المسألة 688:

الأحوط للمحرم أن لا يكون شاهدا في عقد نكاح و لو بين محلّين، و أحوط من ذلك أن لا يؤدي في حال إحرامه شهادة عنده قد تحمّلها على عقد و هو محلّ، و أن لا يخطب امرأة يريد الزواج بها بعد أن يحلّ من إحرامه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 321

و يجوز للمحرم في حال إحرامه ان يرجع بامرأة قد طلقها، و يجوز له ان يشتري أمة و إن كان شراؤه للأمة بقصد ان يستمتع بها بعد ان يحلّ من إحرامه، و الأحوط له ترك شرائها إذا قصد ان يستمتع بالأمة في حال إحرامه.

المسألة 689:

إذا عقد المحرم، لرجل محرم، على امرأة محرمة عقد النكاح بينهما، و دخل الرجل بالمرأة، و كان العاقد و الزوج و المرأة يعلمون جميعا بأنهم محرمون، و بأن التزويج في مثل هذه الحالة محرّم عليهم، وجب على كل واحد من العاقد و الزوج و الزوجة أن ينحر بدنة كفارة لفعله.

و كذلك إذا عقد المحرم، لرجل محرم عقد النكاح على امرأة محلّة غير محرمة، و دخل الزوج بها و كان جميعهم يعلمون بإحرام العاقد و الزوج و ان ذلك مما يحرم عليهم، فيجب على كل واحد التكفير بنحر بدنة حتى على المرأة المحلّة، و مثله ما إذا عقد المحلّ لرجل محرم على امرأة محرمة، أو على امرأة محلّة و دخل الزوج بها، و كان الجميع يعلم بالإحرام و بالحرمة، فتجب الكفارة المذكورة حتى على العاقد المحلّ، و حتى على المرأة إذا كانت محلّة، مع علمها بإحرام الزوج و بحرمة التزويج، و إذا كانت المرأة محلّة و لا تعلم بالإحرام، أو لا تعلم بحرمة ذلك عليها لم تجب عليها الكفارة.

[الثامن: لبس المخيط:]
المسألة 690:

الثامن من محرمات الإحرام: لبس المخيط: إذا كان المحرم رجلا، و قد ذكر في الأحاديث تحريم لبس القميص عليه، و تحريم لبس القباء و السروال، و الثوب الذي تكون له أزرار و الثوب الذي يتدرّعه، و لا ريب في ان التحريم لا يختص بذلك، فقد ورد في النصوص المعتمدة ان الرسول (ص) لما نزل الشجرة في خروجه الى

كلمة التقوى، ج 3، ص: 322

حجة الوداع أمر الناس بالغسل و التجرد في إزار و رداء، أو إزار و عمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء، و جاء في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد

اللّٰه (ع) (ان المحرم يقول عند عقد إحرامه: أحرم لك شعري و بشري من النساء و الطيب و الثياب)، و ورد مثله في صحاح كثيرة أخرى، و الأحوط له ان يجتنب لبس كل ثوب مخيط، أو ما يشبه المخيط كالثياب الملبدة التي تكون بصورة الثياب المخيطة، و الثياب التي تنسج كاملة بصورة المخيط و هي غير مخيطة.

المسألة 691:

يجوز للمحرم أن يلبس المنطقة أو الهميان الذي يحفظ فيه نفقته، فيتوشح به أو يشدّه على بطنه أو على ظهره و ان كان مخيطا، و يجوز له أن يلبس الحزام الذي يحتاج اليه المبتلى بالفتق لمنع نزول الأمعاء أو الرّيح إلى الأنثيين، و يجوز له أن يلبس الحزام الذي يضطر اليه المبتلى بالتهاب فقرات الظهر أو العنق، و ان كان مخيطا.

المسألة 692:

الظاهر أنه يجوز للمحرم ان يفترش الفراش المخيط للاضطجاع أو الجلوس عليه، و يجوز له أن يتدثر به أو يلتحف للنوم إذا لم يغط به رأسه و ان كان الأحوط اجتناب ذلك، و قد ذكرنا في المسألة الخمسمائة و الثالثة و الثمانين حكم عقد ثوبي الإحرام و ما يتعلق بذلك فلتراجع.

المسألة 693:

يجوز للنساء المحرمات أن يلبسن المخيط من أي نوع كان، و تلاحظ المسألة الخمسمائة و الخامسة و الثمانون و ما بعدها، و يستثنى من ذلك القفازان فلا يجوز للنساء لبسهما، و القفّاز شي ء تلبسه المرأة يغطّي أصابعها و كفّها و قد تكون له أزرار تزرّ على ساعديها و قد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 323

يحشى بقطن و شبهه.

المسألة 694:

إذا لبس المحرم شيئا من المخيط و هو عالم عامد بفعله، وجب عليه ان يكفّر عن ذلك بذبح شاة، و ان كان مضطرا الى ذلك على الأحوط، و إذا لبس أكثر من ثوب مخيط واحد تعددت عليه الكفارة بعدد الثياب، و كذلك الحكم إذا لبس ثوبا لا يجوز له لبسه من غير المخيط فتجب عليه الكفارة المذكورة، و إذا لبس أكثر من واحد تعددت الكفارة بعدده.

[التاسع: لبس الخف أو الجورب،]
المسألة 695:

التاسع من محرمات الإحرام: أن يلبس الرجل المحرم خفا أو جوربا، فلا يجوز له لبسهما، و الأحوط له لزوما أن يجتنب لبس غيرهما مما يستر جميع ظهر القدم، و إذا لم يجد نعلا عربيا و احتاج الى لبس الخف جاز له ذلك، و لزمه على الأحوط أن يشق ظهر الخف.

المسألة 696:

يجوز للمحرم أن يغطّي ظهر قدمه، كما يتعارف عادة عند الجلوس على القدمين و ان يلقي عليه طرف الإزار أو الغطاء في حال الجلوس أو النوم أو المشي.

المسألة 697:

إذا لبس الرجل المحرم خفا أو جوربا و كان عالما عامدا في فعله، فالأحوط له ان يكفّر عنه بذبح شاة.

[العاشر: استعمال الطيب:]
المسألة 698:

العاشر من محرمات الإحرام: استعمال الطيب: فيحرم على المحرم بعد انعقاد إحرامه شم المسك و العود و العنبر و الكافور و الورس و الزعفران، و أكلها و سائر أنحاء استعمالها، و تحرم العطور و الخلاصات و الحبوب و الأدقة و الصابون المستحضرة منها أو التي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 324

تدخل في تركيبها، و يحرم لبس الثياب التي يكون عليها أثرها و رائحتها، و يحرم عليه- على الأحوط- استعمال جميع أقسام الطيب الأخرى في شتى أصنافه و خلاصاته و مشتقاته.

و إذا اضطرّ المحرم إلى أكل ما فيه طيب لبعض الضرورات التي حتمت عليه ذلك، أو اضطر الى لبسه مع وجود أثر الطيب فيه، وجب عليه أن يسدّ انفه عن شمه، و كذلك إذا جلس عند بائع الطيب أو مر به فيجب عليه سد أنفه.

المسألة 699:

يجوز للمحرم و هو يسعى بين الصفا و المروة أن يشم رائحة الطيب التي تأتي إليه من سوق العطارين، و لا يجب عليه أن يسد أنفه عنها، و يختص ذلك بحال السعي فيجب سد الأنف في الحالات الأخرى، و يجوز له شم خلوق الكعبة و هو العطر الخاص بها، و لا يختص ذلك في حال، و يجوز للمحرم أكل السفرجل و التفاح و الأترج و غيرها من الفواكه الطيبة الرائحة و أن يشم رائحتها عند أكلها، و الأولى له ان لا يستشمها في حال الأكل.

المسألة 700:

إذا استعمل المحرم الطيب عامدا فالأحوط له التكفير عن ذلك بدم شاة، من غير فرق بين أنحاء استعماله، و كذلك إذا اضطر الى استعمال الطيب فالأحوط له التكفير، و لا اثم عليه في هذه الحال.

المسألة 701:

الأحوط إلحاق الهيل و القرنفل بالزعفران في الحكم، فلا يضعها المحرم في القهوة أو في المطعومات أو المشروبات في حال إحرامه، و إذا استعملها كفّر عن استعمالها على الأحوط.

المسألة 702:

لا يجوز للمحرم أن يمسك أنفه عن الرّوائح المنتنة، و يجوز له

كلمة التقوى، ج 3، ص: 325

أن يعدل عنها الى طريق آخر، و أن يسرع في مشيته إذا مرّ بها، و إذا مرّ بها فأمسك أنفه عنها أثم بذلك و لا كفارة عليه.

[الحادي عشر: التزين:]
المسألة 703:

الحادي عشر من محرمات الإحرام: التزين: فلا يجوز للمحرم أن يلبس الخاتم إذا قصد به الزينة أو ينظم شعره تنظيما مخصوصا بقصد الزينة أو بما يعدّ زينة في نظر أهل العرف، أو يلبس في إحرامه ثيابا ذات ألوان زاهية تعدّ زينة أو يقصد بها ذلك، و قد سبق الحكم بتحريم استعمال المحرم الحنّاء و الخضاب إذا عدّ زينة في نظر الناس و ان لم يقصد به الزينة، و لا يحرم عليه لبس الخاتم إذا قصد به الاستحباب الشرعي، فالمدار في حكم الخاتم على قصد المكلّف المحرم من لبسه، و يحرم على المرأة بعد إحرامها أن تلبس الحلي للتزين به، و يجوز لها أن تبقى على نفسها منه ما كانت قد اعتادت على لبسه قبل أن تحرم، و يجب عليها أن لا تظهر ذلك بعد الإحرام لزوجها و لمحارمها من الرجال فضلا عن الأجانب.

المسألة 704:

إذا ارتكب المحرم بعض تلك الأمور عالما عامدا، فلا يترك الاحتياط بأن يكفّر عنه بدم شاة.

[الثاني عشر: الاكتحال]
المسألة 705:

الثاني عشر من محرمات الإحرام: الاكتحال على التفصيل الآتي: فلا يجوز للرجل المحرم، و لا للمرأة المحرمة أن يكتحلا بالسواد فإنه من الزينة كما في الصحاح، سواء قصدا به التزين أم لا، و لا يجوز لهما الاكتحال بغير السواد إذا عدّ زينة في نظر أهل العرف سواء قصدا به التزين أم لا، و يجوز لهما الاكتحال بغير السّواد إذا لم يكن زينة و لم يكن فيه طيب.

و إذا اكتحل المحرم أو المحرمة، بما يعدّ زينة لزمتهما الكفارة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 326

بدم شاة على الأحوط كما تقدم، و إذا اكتحل بما فيه طيب و لا يعدّ زينة لزمته كفارة الطيب على الأحوط، كما ذكرناها في المسألة السبعمائة و إذا اضطر الى الكحل بما يعد زينة أو بما فيه طيب كفّر و لا أثم عليه.

[الثالث عشر: الادّهان:]
المسألة 706:

الثالث عشر من محرمات الإحرام: الادّهان: فلا يجوز للرجل و لا للمرأة أن يدّهنا بعد إحرامهما، سواء كان الدهن مما له رائحة طيبة أم لا، و سواء دهن جميع بدنه أم بعضه، و يجوز لهما ذلك لعلاج أو ضرورة.

فإذا ادّهن و كان عالما عامدا في فعله كفّر عنه بذبح شاة على الأحوط، و إذا فعله جاهلا كفّر بإطعام فقير على الأحوط كذلك، و لا تسقط الكفارة عنه بالاضطرار.

[الرابع عشر: النظر في المرآة:]
المسألة 707:

الرابع عشر من محرمات الإحرام: النظر في المرآة: فلا يجوز للرجل و لا للمرأة بعد إحرامهما أن ينظرا في المرآة الحاكية لصورتهما، سواء قصدا بنظرهما فيها الزينة أم لا، و إذا نظرا فيها استحب لهما أن يجدّدا التلبية، و الظاهر أن المراد بالنظر المحرّم أن ينظر الرّجل الى صورته في المرآة أو الى ملابسه أو بعض شؤونه مما يعدّ النظر إليه في المرآة زينة أو تزينا في نظر العرف، و لذلك فلا يمنع من نظر السائق المحرم فيها لرؤية شبح ما خلفه من السيارات، و لا يمنع من نظر الرجل فيها لرؤية بعض المناظر الأخرى التي لا تتعلق به، و يختص الحكم بالتحريم بالنظر في المرآة، فلا يحرم عليه أن ينظر في ما يشبه المرآة من الأجسام الحاكية للصورة كالماء الصافي، و الفضة المصقولة، و الأجسام الصقيلة الأخرى.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 327

المسألة 708:

إذا نظر المحرم في المرآة- كما ذكرنا- و هو عالم عامد فعليه أن يكفّر عن ذلك بدم شاة على الأحوط.

المسألة 709:

يجوز للرجل المحرم و للمرأة المحرمة أن يلبسا النظّارة في حال إحرامهما، إلا إذا عدّ ذلك من الزينة، فيجب عليهما اجتنابه و تلزمهما كفارة التزين بارتكابه على الأحوط، و هي دم شاة كما تقدم.

[الخامس عشر: ازالة الشعر عن البدن:]
المسألة 710:

الخامس عشر من محرمات الإحرام: إزالة الشعر عن البدن: فلا يجوز للرجل بعد انعقاد إحرامه أن يزيل جميع شعر بدنه أو يزيل شيئا منه و ان كان قليلا، بحلق أو نتف أو غيرهما من وسائل إزالة الشعر، و يحرم عليه ازالة الشعر عن بدن غيره، سواء كان الغير محرما أم محلا، و كبيرا أم صغيرا، و معذورا أم غير معذور، و كذلك حكم المرأة المحرمة.

المسألة 711:

يجوز للمحرم أن يزيل شعر جسده أو بعضه إذا لزم من بقائه ضرر لا يتحمل عادة، و من أمثلة ذلك أن يكثر القمل و الهوام في جسده فيضره ذلك، و يتوقف دفعه على ازالة شعر رأسه، أو ازالة شعر بدنه، فيجوز له ذلك و تقدّر الضرورة بقدرها، و لا يجوز له التعدّي عن مقدار الضرورة، و من أمثلة ذلك: ان تحدث في بدنه قروح أو جروح أو دمامل و يحتاج إلى إزالة الشعر عن مواضعها للعلاج، فيباح له ذلك بمقدار الضرورة، و من أمثلة ذلك:

أن يصيب المحرم بسبب بقاء شعر رأسه صداع أو حرارة شديدة، فيحتاج إلى إزالته عنه لرفع هذه العوارض و يباح له ذلك، و تلاحظ

كلمة التقوى، ج 3، ص: 328

المسألة الآتية.

و يجوز للمحرم أن يسبغ الوضوء و الغسل و ان لزم من ذلك ان يسقط منه بعض شعر وجهه أو رأسه أو جسده بسبب الغسل، فإن تحريم ذلك عليه يستلزم وقوعه في الحرج عند أداء وظائفه الشرعية، و يشترط في جواز ذلك أن لا يبالغ في تخليله الشعر و غسله أكثر مما يتعارف، و كذلك الحكم في غسل بعض الأعضاء من بدنه لتطهيرها عند التنجس.

المسألة 712:

إذا حلق المحرم شعر رأسه أو أزال شعره بغير الحلق، و هو عالم عامد، من غير ضرورة دعته الى ذلك، تعيّن عليه- على الأحوط- أن يكفّر عنه بذبح شاة، بل لا يخلو تعيّن ذلك عليه عن قوة، و إذا أزال شعر رأسه لضرورة حتمت عليه ذلك تخيّر بين أن يذبح شاة، و أن يصوم ثلاثة أيام، و أن يطعم ستة مساكين، يدفع لكلّ مسكين منهم مدّين من الطعام، و إذا نتف شعر إبطيه كفّر بذبح شاة،

و كذلك إذا نتف أحدهما على الأحوط.

و إذا مس رأسه أو لحيته فسقط من شعره شي ء بمسّه تصدق عن ذلك بكف من الطعام- على الأحوط- يدفعه لمسكين، و إذا كان ذلك في وضوء أو غسل أو تطهير فلا شي ء عليه، و إذا خلل شعره في وضوئه أو غسله أو طهارته أكثر مما يتعارف فسقط منه الشعر تعيّن عليه الفداء على الأحوط.

المسألة 713:

إذا حلق المحرم شعر غيره، أو ازاله بغير الحلق، أثم بفعله و لم تجب الكفارة عليه، سواء كان الغير محرما أم محلا، و يجب الفداء على ذلك الغير إذا كان محرما.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 329

المسألة 714:

يجوز للمحرم أن يحكّ رأسه أو جلده بأصابعه و أظافره ما لم يدمه، أو يعلم بسقوط الشعر به، و إذا حكّه أو مسّه فسقط بذلك بعض الشعر تصدّق بكفّ من الطّعام كما تقدم.

[السادس عشر: الفسوق]
المسألة 715:

السادس عشر من محرمات الإحرام: الفسوق: كما ذكر في الآية الكريمة و المراد به الكذب و السبّ، و لا ريب في حرمتهما على المحرم و غيره، فيكون تحريمهما في حال الإحرام أشد و آكد، و قد ذكر بعض النصوص معهما المفاخرة، و لعل المراد بها إظهار الفخر على النّاس الآخرين كذبا و افتراء، أو ما يستلزم الإهانة و الشتم للآخرين فتكون من المحرم، و تحريم هذه الأمور و غيرها من القبائح شاملة للمحرم و غيره كما ذكرنا، فتكون مؤكدة في حال الإحرام، و لا تجب على المحرم في ارتكابها كفارة، و لا يفسد بها إحرامه بل يتضاعف عليه بها العقاب و يشتد استحقاقه للعذاب، و يحرم عليه أيضا البذاء و التكلم باللفظ القبيح، و يجب عليه الاستغفار منها جميعا.

[السابع عشر: الجدال]
المسألة 716:

السابع عشر من محرمات الإحرام: الجدال: كما في الآية الكريمة و قد فسّر في الأحاديث الواردة في تفسيرها بأن يقول المحرم: لا و اللّٰه، و بلى و اللّٰه، فيحرم عليه أن يقول ذلك عند المخاصمة، بل الأحوط تركه حتى مع عدم المخاصمة، و الظاهر أن كلمتي لا و بلى لا دخل لهما في صيغة الجدال المحرّم، فالمراد بها أن يحلف بقوله و اللّٰه على نفي شي ء أو على إثباته، و الأحوط أن يجتنب المحرم مطلق اليمين و ان لم يكن بالصيغة المذكورة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 330

المسألة 717:

قد يضطرّ المحرم إلى إثبات حق له على أحد، أو الى نفي دعوى باطلة يدّعيها عليه أحد، فإذا كان هذا الاضطرار مما يرتفع معه التكليف بحرمة اليمين جاز له أن يحلف لإثبات حقه، أو على نفي دعوى المبطل، و لم يؤثم بذلك، و يشكل الحكم بسقوط الكفارة عنه إذا حلف لذلك، بل الظاهر لزوم الكفارة و عدم سقوطها عنه.

و قد يدور الحديث بين المحرم و صديق له في مقام المجاملة، فيريد الصديق أن يتبرع له بشي ء- مثلا- أو يقوم له بعمل، فيقول المحرم له: لا و اللّٰه لا تفعل هذا الشي ء، أو يقول له الصديق و هو محرم كذلك: بلى و اللّٰه أفعله، فيجوز هذا الحوار لهما و لا يكون من الجدال المحرم عليهما، و هو ناشئ عن المحبة و الوئام بينهما لا من التنافر و الخصام.

المسألة 718:

إذا جادل المحرم أحدا و كان صادقا في جداله و حلفه أثم حتى في المرّة الأولى، و وجب عليه الاستغفار، و كذلك في المرّة الثانية و لا تجب عليه فيهما كفارة، فإذا جادل في المرة الثالثة و هو صادق وجب عليه ان يكفّر بذبح شاة، سواء كان جداله متواليا و في مقام واحد أم متفرقا، و سواء كان مع شخص واحد أم مع متعددين، و إذا زاد في جداله على ثلاث مرات و هو صادق، فعليه في كلّ مرة منها دم شاة، من غير فرق بين الرابعة و الخامسة و غيرها سواء كفّر لما قبلها أم لا، فلا تتداخل كفاراته.

و إذا جادل غيره و كان كاذبا في حلفه أثم بكذبه و بجداله و حلفه على الكذب، و وجب عليه في المرة الأولى أن يكفّر بدم شاة، فإذا جادل

مرة ثانية كاذبا وجب عليه أن يكفّر بشاة أخرى، فإذا جادل كاذبا مرة ثالثة وجب عليه أن يكفر بدم بقرة سواء كفّر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 331

للأوليتين أم لم يكفّر، و لا تتداخل كفاراته، و إذا جادل كاذبا مرة رابعة أو خامسة لزمه في كل مرة منها بقرة أخرى غير السابقة عليها، من غير تداخل، و هكذا.

المسألة 719:

إذا جادل المحرم صادقا ثم جادل كاذبا أو بالعكس، لزمه حكمهما الذي تقدم بيانه، فلا شي ء عليه في المرة الأولى صادقا و لا في الثانية، و تجب عليه الشاة في المرة الثالثة و ما بعدها، سواء تقدم جداله الصادق أم تأخر أم تفرق، و تجب عليه الشاة في المرة الأولى و الثانية كاذبا، و تجب عليه البقرة في المرة الثالثة و الرابعة و ما بعدهما سواء تقدم جداله الكاذب أم تأخر.

[الثامن عشر من محرمات الإحرام قتل الهوام]
المسألة 720:

الثامن عشر من محرمات الإحرام: قتل الهوام: و الحشرات التي تتكون في جسد المحرم أو في رأسه من قمل و نحوه، فلا يجوز للمحرم قتل القمل الذي يتكون فيه، بل و لا ما ينتقل اليه من غيره إذا اتفق، و لا يجوز له إلقاء القمل عن جسده، و يجوز له أن يحوّل القملة من موضع الى موضع آخر من جسده لا تكون فيه معرضا للسقوط، فإذا قتلها أو ألقاها من جسده أثم بذلك و لم تجب عليه كفارة، و الأحوط استحبابا أن يتصدق عنه بكف من الطعام.

و يجوز له أن يلقي عن جسده الحشرات و الدواب الأخرى التي تعلق به، كالقراد و الحلم و نحوهما، و الحلمة دودة تقع على الجلد فتأكله، و يجوز له قتل البرغوث و البق إذا آذاه، و الأحوط الاجتناب عنه إذا لم يضره، و خصوصا للمحرم في الحرم.

[التاسع عشر: التظليل للرجال]
المسألة 721:

التاسع عشر من محرمات الإحرام: التظليل للرجال: فلا يجوز للرجل بعد انعقاد إحرامه أن يتظلل في حال مسيره، سواء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 332

كان راكبا أم راجلا، و سواء كان في أثناء الطريق أم في شوارع بلد، حتى في شوارع مكة و محلاتها، و حتى في المشاعر و في أثناء إتيانه بالمناسك و الأعمال إذا كان قبل ان يحل من إحرامه.

و المحرم على الرجل أن يتظلل في حال مسيره بظل يتنقل و غير مستقر، فيستظل بسقف سيارة أو محمل أو هودج يركبه في سفره أو في تنقله، أو سقف طائرة أو غيرها من وسائل النقل المسقوفة، حتى في مثل البواخر و السفن البحرية و القطارات التي تشبه البيوت و المنازل فلا يجوز للرجل المحرم أن يتظلل بسقوفها في أثناء المسير، و

لا يجوز له أن يسير و على رأسه مظلة، و يجوز له أن يسير في ظل الأشياء الثابتة كالبيوت و الجدران و الأشجار و الإنفاق و الأسواق المسقوفة.

و يجوز للرجل أن ينشئ إحرامه تحت السقف من مسجد الشجرة و غيره من المساجد التي تبنى في مواقيت الإحرام، بل و يجوز له أن ينشئ إحرامه في الخيام التي يبنيها الحجاج لأنفسهم في المواقيت، و في بيوت مكة في إحرام حج التمتع.

المسألة 722:

لا يجوز للمحرم أن يستظل في أثناء مسيره و تنقله بظل غير ثابت- كما وصفنا- و ان كان الظل يقع عليه من احد جانبيه، و مثال ذلك أن تكون الشمس مائلة عن سمت رأسه الى احد الجانبين فيجعل المظلة أو السقف مائلا كذلك و يستظل بهما، فلا يجوز له ذلك.

المسألة 723:

يجوز للمحرم الماشي مع قطار الإبل و شبهه أن يمشي في ظلال المحامل فيستظل بظلها و هي سائرة و لا يحرم عليه ذلك، و الفارق بين هذا و بين ما تقدم هو النص.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 333

المسألة 724:

إذا نزل المحرم في منزل جاز له أن يستظل في المنزل بسقف بيت أو جدار أو خيمة، بل يجوز له أن يجعل على نفسه مظلة يتفيأ ظلها و هو جالس أو نائم أو واقف مستقر، و لا يجوز له ذلك و هو يمشي في المنزل لبعض حاجاته، و إذا وقفت السيارة في موضع جاز للمحرم أن يستظل بسقفها و أن ينام تحته ما دامت واقفة، و كذلك السفينة و وسائل النقل الأخرى.

المسألة 725:

تختص حرمة التظليل بالرجال المحرمين في حال الاختيار، فيجوز التظليل اختيارا للنساء المحرمات و للصبيان المحرمين، و يجوز التظليل للرجل المحرم إذا اضطر الى استعمال الظل لسبب من الأسباب و لو للتقية و نحوها، و إذا كان له عذر ثابت يخاف معه على نفسه ضرر الحر أو البرد ضررا لا يتحمل عادة أو كان عدم التظليل له موجبا للعسر و الحرج.

المسألة 726:

إذا استظل الرجل المحرم و هو عالم عامد من غير عذر أثم بفعله، و وجب عليه أن يكفّر عنه بدم شاة يذبحها في مكة إذا كان تظليله في إحرام العمرة، و يذبحها في منى إذا كان في إحرام الحج، و إذا تكرر منه التظليل كفته كفارة واحدة في الإحرام الواحد، فإذا استظل مرارا في إحرام العمرة أو في إحرام الحج كفّر عن جميع تظليله بشاة واحدة، و إذا استظل مرة واحدة أو مرارا متعددة في إحرام العمرة، ثم استظل مرة أو مرارا في إحرام الحج كفّر بشاة عن إحرام العمرة و بشاة أخرى عن إحرام الحج.

المسألة 727:

انما يحتاج الإنسان إلى الظل بحسب العادة الجارية بين

كلمة التقوى، ج 3، ص: 334

الناس، للتوقي به من حر الشمس أو للتستر عن حر الجو و ان لم تكن الشمس طالعة، أو للتوقي من البرد أو من المطر، و قد يحتاج اليه للوقاية عن الريح إذا كانت عاصفة، فإذا لم تكن الشمس طالعة و لم يكن في الجو ما يوجب التوقي من حر أو برد أو مطر أو ريح، لم يكن للتظليل أي أثر، بل لا يعد الكون تحت السقف تظليلا في نظر الناس العقلاء، فإذا اتفق للمحرم مثل ذلك كما إذا أحرم في ليلة هادئة من جميع ذلك أو أحرم في نهار هادئ كذلك و لا موجب فيه للظل من شمس و غيرها لم يحرم عليه الركوب في السيارة المسقوفة أو في المحمل أو الهودج المسقوفين فإنه ليس من التظليل و إذا اتفقت له سرعة في الريح بسبب سرعة مسير السيارة و هو تحت سقفها أمكن له فتح منافذ السيارة فلا تكون مظللة له عن الريح و لا

يحرم عليه ركوبها و لا تجب عليه كفارة.

المسألة 728:

من الوصف الذي فصّلناه في المسألة المتقدمة يتضح أمر ركوب المحرم في المصعد الكهربائي، فإذا كان الموضع الذي جعل فيه المصعد الكهربائي من العمارة مستورا عن الشمس و عن الحر و البرد و المطر، و لو بسبب تعدد طبقات العمارة و كثرتها، و ضيق الموضع الذي نصب المصعد فيه من العمارة، فلا تتسلط الشمس و لا المطر على نفس المصعد، لم يكن الوقوف في المصعد وقوفا في مظلة، و لا الكون فيه كونا تحت ظل، فيجوز للمحرم الوقوف و الصعود و الهبوط فيه، و إذا كان الموضع بارزا للشمس و للحر و البرد و صدق على الواقف في المصعد انه متظلل بسقفه عن الشمس أو عن الحر أو البرد أو عن المطر في أوقات المطر، لم يجز للمحرم الوقوف فيه في تلك الساعات و لزمته الكفارة إذا وقف و استظل به.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 335

المسألة 729:

إذا وقف المحرم في أثناء مسيره لمخاطبة أحد مثلا أو جلس لقضاء حاجة أو وقفت سيارته في الطريق لازدحام المارة أو لأخذ الوقود أو لخلل أصاب السيارة جاز له التظلل بسقف السيارة أو بغيره في أثناء وقوفه.

المسألة 730:

لا يضر في السيارة المكشوف سقفها ان توجد في أعلاها روابط من حديد أو من خشب تشد أحد الجانبين بالآخر، و تكون على رؤوس الجالسين فيها إذا كانت صغيرة الحجم و متباعدة فلا يكون وجودها على رؤوس المحرمين الجالسين فيها من التظليل الممنوع على المحرم، و كذلك المحمل و الهودج و القبة إذا رفعت السقوف عنها و بقيت بعض الأخشاب الصغيرة الحجم تشد أحد جناحي المحمل بالآخر فلا يكون من الظل الممنوع.

المسألة 731:

إذا أحرم سائق السيارة و كانت سياقته إياها تحتم عليه الاستظلال فيها، فإن أمكن له أن يوكل أمر السيارة الى أحد مأمون يطمئن اليه، و لا يخشى مع تسليمها اليه تلف السيارة أو تضررها وجب عليه ذلك، و لم تجز له سياقتها و التظلل فيها، و لا يكون معذورا في ذلك، و إذا لم يجد من يطمئن اليه، و خشي عليها التلف أو الضرر الذي لا يتحمل عادة، أو لزم منه الحرج و المشقة جاز له تولي قيادتها و الاستظلال بها، فإذا ركبها وجبت عليه الكفارة، و كذلك إذا كان معه في سيارته نساء محرمات، و خشي التعدي عليهن بما لا يتحمل إذا سلّم سيارته الى سائق آخر، أو كان معه رجال يحترمهم و يخشى العدوان عليهم، و نظير ذلك ما إذا أحرم الرجل و معه نساء محرمات لا يتمكن من تركهن، و لا يتمكن من اركابهن في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 336

سيارة مكشوفة، فيجوز له أن يركب معهن في سيارة مظللة، و يجب عليه الفداء للتظليل.

المسألة 732:

لا تحريم و لا كفارة على المحرم إذا قسره متغلب من الناس فظلله بمظلة أو حبسه تحت الظل من غير اختياره، و كذلك إذا غطى رأسه أو قهره على بعض محرمات الإحرام الأخرى و لا خيرة له في ذلك، فلا تحريم على المحرم فيه و لا كفارة.

[العشرون: ستر الرأس للرجال]
المسألة 733:

العشرون من محرمات الإحرام: ستر الرأس للرجال:

و يراد بالرأس هنا ما يقابل الوجه و الرقبة فهو من أول منابت الشعر من أعلى الجبهة و الجبين الى نهايتها مما يتصل بالعنق، و ان لم ينبت فيه شعر بالفعل و يلحق به الأذنان في الحكم، فلا يجوز للمحرم أن يغطي جميع رأسه أو يغطي بعضه، أو يغطي أذنيه بساتر يصيب البشرة من عمامة أو قلنسوة أو كوفية أو ثوب يتقنع به، أو حنّاء أو طين أو ما يشبه ذلك من أدوية و غيرها، و لا يجوز له أن يحمل على رأسه شيئا يغطيه، أو يغطي بعضه، من طبق أو فراش أو رزمة ثياب و نحو ذلك.

المسألة 734:

لا يجوز للمحرم أن يرمس رأسه في الماء، و الأحوط له أن لا يرمس بعض رأسه في الماء، و ان لا يرمس رأسه و لا بعض رأسه في غير الماء من المائعات، بل الأحوط للمرأة كذلك أن لا ترمس جميع رأسها في الماء خاصة.

المسألة 735:

يجوز للمحرم أن يعصّب رأسه بعصابة أو منديل إذا أصابه صداع أو غيره، أو أصابته شجة أو قرحة في رأسه فاحتاج الى

كلمة التقوى، ج 3، ص: 337

شدّها و تضميدها، و يجوز له ان يغطي رأسه بيده أو بعض جسده عن حر الشمس و نحوه.

و يجوز له ان ينام على فراش أو وسادة، و ان لزم من وضع رأسه عليها ستر رأسه أو ستر بعض رأسه بهما، و لا يجوز له أن يخمر رأسه أو يغطيه بغير ذلك عند النوم.

المسألة 736:

يجوز للمحرم أن يلبس نظارة يضطر الى لبسها إذا لم تعدّ من الزينة في نظر أهل العرف، كما قلنا في المسألة السبعمائة و التاسعة، إما ستر بعض الرأس بها بمقدار يديها فلا يعتبر من التغطية المحرمة، و إذا صب المحرم على رأسه ماء في أثناء إحرامه جاز له أن يمسحه بيده، و لا يعد مسحه بيديه من التغطية المحرمة.

المسألة 737:

إذا غطى المحرم رأسه فالأحوط له أن يكفر عن ذلك بدم شاة، و لا ينبغي ترك هذا الاحتياط حتى مع الضرورة.

[الحادي و العشرون: أن تغطي المرأة وجهها:]
المسألة 738:

فلا يجوز للمرأة بعد انعقاد إحرامها أن تستر جميع وجهها و لا بعضه بساتر يصيب البشرة، من برقع أو ثوب أو نقاب أو غير ذلك، و يجوز لها النوم عليه أو على بعضه، و يجوز لها بل يجب عليها في حال الصلاة أن تستر من أطراف وجهها ما يكون مقدمة لستر الشعر و البدن الواجب عليها في الصلاة، فإذا فرغت من صلاتها أزالت ذلك.

المسألة 739:

إذا أرادت المحرمة ستر وجهها عن الأجانب من الرجال أسدلت القناع أو الخمار من فوق وجهها الى طرف أنفها أو ذقنها

كلمة التقوى، ج 3، ص: 338

و رفعته بيدها أو بغير ذلك حتى لا يصيب بشرة الوجه على الأحوط.

المسألة 740:

إذا سترت المرأة وجهها، أو سترت بعضه بساتر يصيب البشرة و هي عالمة عامدة كفّرت عن ذلك بدم شاة على الأحوط.

[الثاني و العشرون: تقليم الأظفار]
المسألة 741:

الثاني و العشرون من محرّمات الإحرام: تقليم الأظفار:

فلا يجوز للرجل و لا للمرأة إذا انعقد إحرامهما أن يقلّما أظافر يديهما أو رجليهما أو يقلّما شيئا منها و لو ظفرا واحدا أو بعض ظفر إلا إذا انكسر الظفر فيكون بقاؤه كذلك موجبا للأذية و العسر و الحرج عليه، فيجوز له تقليم ذلك الظفر، أو احتاج الى تقليم الظفر لعلاج قرحة في الإصبع مثلا، فيجوز له تقليمه و عليه الفداء في الصورتين.

المسألة 742:

إذا قلّم المحرم بعض أظفار يديه أو بعض أظفار رجليه و كان عالما عامدا في فعله وجب عليه أن يكفّر عن كل ظفر منها بمدّ من الطعام فيتصدق بعدد الأظفار التي قلّمها أمدادا، فإذا قلّم جميع أظافر يديه وجب عليه أن يكفّر عنها بدم شاة و لم تكفه الصدقة بعشرة أمداد، و إذا قلّم أظافر رجليه كلّها وجب عليه أن يكفّر عنها بدم شاة كذلك، و إذا قلّم جميع أظافر يديه و أظافر رجليه و كان ذلك في مجلس واحد أجزأه أن يكفّر عن جميعها بشاة واحدة، و إذا قلّم جميعها في مجلسين وجب عليه أن يكفّر عنها بشاتين و لم تكفه واحدة، و لا فرق بين المحرم و المحرمة في جميع ذلك.

المسألة 743:

إذا أفتى شخص للمحرم أو للمحرمة بجواز تقليم الظفر فقلّمه اعتمادا على قوله و أدمى إصبعه وجب على المفتي أن يكفّر بدم شاة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 339

[الثالث و العشرون: إخراج الدم من الجسد:]
المسألة 744:

الثالث و العشرون من محرمات الإحرام: إخراج الدم من الجسد: و قد ذهب الى تحريمه على المحرم جماعة من الأصحاب، و اجتنابه أحوط مع عدم الضرورة، سواء كان بحجامة أم بحكّ جسده حتى يدميه، أم بسواك كذلك، و يجوز له مع الضرورة، و إذا أدمى جسده بشي ء من ذلك أو بغيره و هو غير مضطر إليه فالأحوط له أن يكفّر عن فعله بدم شاة.

[الرابع و العشرون: قلع الضرس]
المسألة 745:

الرابع و العشرون من محرمات الإحرام: قلع الضرس:

و قد ذهب إليه جماعة كذلك و ان لم يخرج بقلعه دم، و هو مشكل، بل الظاهر عدم حرمته، و إذا قلع المحرم ضرسه لغير ضرورة و خرج معه دم كفّر عنه بدم شاة على الأحوط للادماء، كما تقدم بيانه في المسألة السابقة.

[الخامس و العشرون: لبس السلاح]
المسألة 746:

الخامس و العشرون من محرمات الإحرام: لبس السلاح:

فلا يجوز للمحرم ذلك بعد انعقاد إحرامه إذا كان ما يلبسه مما يعدّ سلاحا كالسيف و الخنجر و البندقية و المسدّس و غيرها من أنواع السلاح، و الأحوط اجتناب الدرع و الترس و المغفر و شبهها من الآلات التي تعدّ للوقاية، و لا يحرم عليه أن يوجد السلاح معه في سيّارته، أو على بعض أبله و دوابه إذا لم يكن لابسا له و متسلحا به، و هذا كله إذا كان مختارا، و إذا اضطر الى لبس السلاح و خشي العدو أو السارق جاز له لبسه.

المسألة 747:

إذا لبس المحرم السلاح بعد إحرامه و هو مختار عامد من غير ضرورة تبيح له ذلك فعليه أن يكفّر عنه بذبح شاة على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 340

المسألة 748:

يحرم على المحرم و على غير المحرم أن يقطع أو يقلع كل ما ينبت في الحرم من شجر و نبات، ما عدا الإذخر و النخيل و شجر الفاكهة فلا يمنع من أخذها، و لا يعم الحكم بالتحريم الكمأة فيجوز أخذها فإنها لا تعدّ نباتا، و يجوز له أن يترك دوابّه و إبله ترعى في أرض الحرم و تأكل من حشائشه و أعشابه، و لا يجوز له الاحتشاش لها.

و يجوز لصاحب المنزل أو الدار أو الضرب المملوكات له أن يقلع الشجر و النبات الذي يغرسه هو فيها و أن يقطعه، و يجوز له أن يقطع أو يقلع ما ينبت و يتجدد فيها من ذلك بعد اتخاذها منزلا، و لا يعم الحكم بالجواز الشجر و النبات الموجود فيها قبل ذلك، و يختص الحكم بذلك على الأحوط، فلا يعم الملك إذا لم يكن منزلا أو دارا أو مضربا.

المسألة 749:

إذا تكرر من الإنسان المحرم أو غير المحرم فعل ما يوجب الكفارة عليه تكرّر وجوب الكفارة بعدد ما ارتكب، و لا تتداخل الكفارات و لا يسقط بعضها عنه، و لا فرق بين الجماع و استعمال الطيب و لبس ما لا يحلّ للمحرم و بقية محرمات الإحرام و موجبات الكفارة التي تقدم ذكرها، و يستثنى من ذلك كفارة الصيد إذا كان المحرم عامدا، و قد ذكرنا هذا مبيّنا في المسألة الستمائة و الحادية و الستين، و تستثنى من ذلك كفارة التظليل إذا تكرر فعله من المحرم و كان في إحرام واحد فلا تتكرر كفارته، و قد ذكرنا هذا في المسألة السبعمائة و السادسة و العشرين، و لا يترك الاحتياط بتكرر الكفارة في تغطية الرأس إذا تكررت من المحرم و ان كان

في إحرام واحد فلا يكون حكمها كحكم التظليل.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 341

المسألة 750:

لا تجب الكفارة على المكلف إذا فعل ما يوجب الكفارة ناسيا أو جاهلا، و ان كان جهله عن تقصير إلا في كفارة الصيد، و قد ذكرنا هذا في المسألة الستمائة و الستين و ما بعدها، و تستثنى من الحكم في مسألتنا هذه موارد تجب فيها الكفارة على الناسي و غيره، و سيأتي ذكر هذه الموارد في مواضعها من الكتاب.

و لا تجب الكفارة على الصبي و لا على المجنون المحرمين في ما عدا الصيد و ان كانا مميزين، و قد ذكرنا هذا في المسألة الرابعة و العشرين و ما بعدها و بيّنا فيها حكم كفارة الصيد عليهما و انها تجب في مالهما أو في مال الولي، فلتراجع.

المسألة 751:

لا يشترط في الشاة التي تجب في الكفارة ما يشترط في هدي التمتع من الشروط، فيجزي المكلف ذبحها و ان كانت غير تامة أو مهزولة سواء كانت ذكرا أم أنثى، و يشكل اجزاء المعز عن الضأن.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 342

الفصل الخامس عشر في سنن دخول الحرم و دخول مكة و المسجد الحرام
المسألة 752:

يستحب للإنسان إذا وصل إلى الحرم الشريف و أراد دخوله أن ينزل من راحلته أو سيارته التي يركبها، و أن يغتسل لدخول الحرم، و أن يخلع نعليه و يأخذهما بيديه، و يدخل الحرم حافيا تواضعا للّه و تعظيما لحرمة، ففي الخبر عن أبي عبد اللّٰه (ع): (من صنع ذلك محي للّه عنه مائة ألف سيئة، و كتب له مائة ألف حسنة، و بنى اللّٰه له مائة ألف درجة، و قضى له مائة ألف حاجة).

و يجوز له أن يقدّم غسل دخول الحرم قبل ذلك فيغتسل له من أول النهار، و ان كان دخوله للحرم في آخره، أو في ليلته، و يغتسل من أول الليل و إن كان دخوله في آخره أو في نهاره إذا لم ينم قبله أو يحدث، و قد ذكرنا نظير هذا في غسل الإحرام، و يكفيه أن يؤخره، فيغتسل لدخول الحرم في مكة بعد أن يدخلها و في منزله بمكة بعد أن ينزله.

المسألة 753:

يستحب له أن يمضغ شيئا من الإذخر بعد دخوله للحرم، و قد ذكر أنه يستحب ذلك ليطيب فمه لتقبيل الحجر، و يستحب له إذا كان قادما من المدينة ان يدخل مكة من أعلاها من عقبة المدنيين، و ان يكون خروجه من أسفل مكة من ذي طوى إذا كان يريد المدينة أيضا، كما فعل الرسول (ص) في حجة الوداع.

المسألة 754:

يستحب له عند دخول الحرم أن يدعو بهذا الدعاء فيقول

كلمة التقوى، ج 3، ص: 343

(اللّهم انك قلت في كتابك، و قولك الحق: وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالًا وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، اللّهم إني أرجو أن أكون ممن أجاب دعوتك، و قد جئت من شقة بعيدة و فج عميق، سامعا لندائك و مستجيبا لك مطيعا لأمرك، و كل ذلك بفضلك عليّ، و إحسانك إلىّ، فلك الحمد على ما وفقتني له، أبتغي بذلك الزلفة عندك، و القربة إليك، و المنزلة لديك، و المغفرة لذنوبي، و التوبة عليّ منها بمنّك، اللّهم صل على محمّد و آل محمّد و حرّم بدني على النار و آمنّي من عذابك و عقابك برحمتك يا أرحم الراحمين).

المسألة 755:

يستحب للإنسان أن يغتسل غسلا آخر لدخول مكة يأتي به بعد غسله الأول لدخول الحرم أو معه أو بعد دخول الحرم و قبل دخول مكة، و يجوز له أن يؤخره حتى يدخل مكة، و يصح له أن يأتي بغسل واحد لهما فيقصد به امتثال الأمرين معا، و يستحب له ان يدخل مكة بسكينة و وقار، متأنيا متواضعا حافيا، غير متكبر و لا متجبر، و يستحب له إذا دخل مكة أن يبدأ بدخول منزله قبل الطواف.

المسألة 756:

ذكر جماعة من الفقهاء استحباب غسل ثالث لدخول المسجد الحرام، و من أراد الإتيان بهذا الغسل فليأت به برجاء المطلوبية.

المسألة 757:

ورد في حديث أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: تقول و أنت على باب المسجد: (بسم اللّٰه و باللّه و من اللّٰه و إلى اللّٰه و ما شاء اللّٰه و على ملة رسول اللّٰه (ص) و خير الأسماء للّه، و الحمد للّه، و السلام على رسول اللّٰه، السلام على محمد بن عبد اللّٰه، السلام عليك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 344

أيها النبي و رحمة اللّٰه و بركاته، السلام على أنبياء اللّٰه و رسله، السلام على إبراهيم خليل الرحمن، السلام على المرسلين، و الحمد للّه رب العالمين السّلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين، اللّهم صل على محمّد و آل محمد و بارك على محمد و آل محمد، و ارحم محمدا و آل محمد كما صليت و باركت و ترحّمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللّهم صل على محمد و آل محمّد عبدك و رسولك و على إبراهيم خليلك و على أنبيائك و رسلك و سلم عليهم، و سلام على المرسلين و الحمد للّه رب العالمين، اللّهم افتح لي أبواب رحمتك و استعملني في طاعتك و مرضاتك، و احفظني بحفظ الإيمان أبدا ما أبقيتني، جلّ ثناء وجهك، الحمد للّه الذي جعلني من وفده و زواره، و جعلني ممن يعمر مساجده، و جعلني ممن يناجيه، اللّهم إني عبدك و زائرك في بيتك، و على كل مأتي حق لمن أتاه و زاره، و أنت خير مأتي و أكرم مزور، فأسألك يا اللّٰه يا رحمن، و بأنك أنت اللّٰه لا إله إلا أنت وحدك

لا شريك لك، و بأنك واحد أحد صمد لم تلد و لم تولد و لم يكن لك كفوا أحد، و أن محمدا (ص) عبدك و رسولك صلى اللّٰه عليه و على أهل بيته، يا جواد يا كريم يا ماجد يا جبار يا كريم أسألك أن تجعل تحفتك إياي من زيارتي إياك أول شي ء تعطيني فكاك رقبتي من النّار، اللّهم فكّ رقبتي من النار (تقولها ثلاثا) و أوسع عليّ من رزقك الحلال الطيب، و ادرأ عني شر شياطين الانس و الجن و شر فسقة العرب و العجم).

المسألة 758:

في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (ع): فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم و قل: (السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّٰه و بركاته، بسم اللّٰه و باللّه و من اللّٰه و ما شاء اللّٰه، و السلام على أنبياء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 345

اللّٰه و رسله، و السلام على رسول اللّٰه (ص)، و السلام على إبراهيم خليل اللّٰه، و الحمد للّه رب العالمين) فإذا دخلت المسجد فارفع يديك و استقبل البيت و قل: (اللّهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تقبل توبتي، و أن تتجاوز عن خطيئتي، و تضع عني وزري، الحمد للّه الذي بلّغني بيته الحرام، اللّهم إني أشهد أن هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس و أمنا مباركا و هدى للعالمين، اللّهم إني عبدك و البلد بلدك و البيت بيتك جئت أطلب رحمتك و أؤم طاعتك مطيعا لأمرك راضيا بقدرك أسألك مسألة المضطر إليك الخائف من عقوبتك، اللّهم افتح لي أبواب رحمتك و استعملني بطاعتك و مرضاتك).

و يستحب أن يتوجه إلى الكعبة و يقول مخاطبا لها: (الحمد للّه الذي

عظّمك و شرّفك و كرّمك و جعلك مثابة للناس و أمنا مباركا و هدى للعالمين).

المسألة 759:

يستحب للمحرم إذا دخل المسجد الحرام و حاذى الحجر الأسود أن يقول كما ورد عن أبي جعفر (ع): (أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمّدا عبده و رسوله، آمنت باللّه و كفرت بالطاغوت و باللات و العزّى، و بعبادة الشيطان، و بعبادة كل ندّ يدعى من دون اللّٰه)، و أن يقول أيضا كما عن أبي عبد اللّٰه (ع): (الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي هَدٰانٰا لِهٰذٰا وَ مٰا كُنّٰا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لٰا أَنْ هَدٰانَا اللّٰهُ، سبحان اللّٰه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّٰه و اللّٰه أكبر، أكبر من خلقه، و أكبر ممن أخشى و أحذر، و لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له له الملك و له الحمد يحيي و يميت و يميت و يحيي بيده الخير و هو على كل شي ء قدير، اللّهم صل على محمد و آل محمّد، و بارك على محمد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 346

و آل محمد و ارحم محمدا و آل محمد كما صليت و باركت و ترحمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللّهم صل على محمد و آل محمد عبدك و رسولك و على إبراهيم خليلك و على أنبيائك و رسلك و سلم عليهم، وَ سَلٰامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ إني أومن بوعدك و أوفي بعهدك).

المسألة 760:

يستحب له أن يستلم الحجر و يقبله، فان لم يستطع أن يقبله استلمه بيده، فان لم يستطع ذلك أشار إليه، و أن يقول: (اللّهم أمانتي أديتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللّهم تصديقا بكتابك و على سنة نبيك، أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له

و أن محمدا (ص) عبده و رسوله، آمنت باللّه و كفرت بالجبت و الطاغوت و اللات و العزّى، و عبادة الشيطان و عبادة كل ندّ يدعى من دون اللّٰه)، فإن لم يستطع أن يقول هذا كلّه فبعضه، و أن يقول:

(اللّهم إليك بسطت يدي، و في ما عندك عظمت رغبتي، فاقبل سبحتي و اغفر لي و ارحمني، اللّهم إني أعوذ بك من الكفر و الفقر و مواقف الخزي في الدنيا و الآخرة).

كلمة التقوى، ج 3، ص: 347

الفصل السادس عشر في الطواف و شرائطه و واجباته و آدابه
[مسائل]
المسألة 761:

الطواف بالبيت الحرام هو الواجب الثاني من واجبات عمرة التمتع، و هو ركن من أركانها كما سيأتي بيانه، و يجب الطواف فيها مرة واحدة، و ليس فيها طواف للنساء، و تختص عمرة التمتع بهذا الحكم دون حج التمتع، و دون حج القران و حج الإفراد و دون بقية أقسام العمرة فيجب الطّواف في جميعها مرتين، أولهما: طواف الزيارة و هو ركن من أركانها، و ثانيهما: طواف النساء، و هو واجب فيها غير ركن.

المسألة 762:

الواجب الركن في أي نسك من أنواع الحج أو العمرة التي ذكرناها، هو العمل الواجب الذي إذا تركه المكلّف متعمدا بطل نسكه الذي كان قد أحرم به، فإذا ترك الحاج طواف الحج متعمدا و لم يأت به حتى انقضى شهر ذي الحجّة بطل حجه، سواء كان حجه الذي أحرم به حج تمتع أم حج قران أم حج إفراد، و الظاهر بطلان إحرامه أيضا، و ان كان الأحوط له أن يتحلّل منه بعمرة مفردة يأتي بها.

و إذا ترك المكلّف طواف الزيارة في العمرة المفردة متعمدا حتى خرج من مكة الى بلده و صدق عليه عرفا أنه قد ترك الطواف الركن فيها، فلا يبعد الحكم ببطلان عمرته، و كذلك الحال في العمرة التي يأتي بها مع حج القران أو مع حج الإفراد، فتبطل عمرته تلك إذا ترك الطواف فيها متعمدا و خرج الى وطنه، و خصوصا إذا كان

كلمة التقوى، ج 3، ص: 348

وطنه بعيدا لا يمكنه الرجوع منه الى مكة للإتيان بالطّواف الركن في عمرته، أو صمم على عدم الإتيان به أبدا.

المسألة 763:

إذا ترك المتمتع طواف عمرة التمتع متعمدا حتى ضاق عليه وقت الركن من الوقوف الاختياري بعرفات، فلم يبق له من الوقت ما يمكنه أن يأتي فيه بطواف العمرة ثم يأتي بالمسمّى من وقوف عرفات بعده، فيجب عليه في هذا الحال أن يبادر فيدرك الوقوف بعرفات بإدراك الركن منه، و يتم حجه إفرادا، و تراجع المسألة الأربعمائة و الستون و ما بعدها، و المسألة الأربعمائة و الثالثة و الستون و ما بعدها، فقد فصّلنا القول فيها، و لا يبعد أن الجاهل بالحكم كالعامد في ذلك، فإذا ترك الطواف لزمه الحكم المذكور.

المسألة 764:

إذا نسي المتمتع طواف عمرة التمتع فلم يأت به، و سعى بين الصفا و المروة لم تبطل عمرته و تمتعه بذلك، فيجب عليه قضاء طوافها متى تذكره، و ان لم يتذكر فواته الا بعد أن أتم مناسك الحج كلّها، بل و ان خرج شهر ذي الحجة، و الأحوط له أن يعيد سعي العمرة بعد أن يقضي طوافها، و إذا كان قضاء الطواف بعد انقضاء شهر ذي الحجة لم تجب عليه إعادة السعي.

و كذلك إذا ترك المتمتع طواف العمرة و هو جاهل بالموضوع، فيجري فيه نظير حكم الناسي في الصورة المذكورة.

المسألة 765:

إذا نسي المتمتع طواف عمرة التمتع و لم يتذكره حتى أتم مناسك حج التمتع و خرج من مكة، وجب عليه أن يعود إلى مكة لقضاء طواف العمرة مع إمكان العود له و عدم الحرج عليه في ذلك، و إذا كان خروجه بعد انقضاء شهر من إحرامه السابق فالأحوط له

كلمة التقوى، ج 3، ص: 349

استحبابا أن يدخل مكة بعمرة مفردة و يأتي بالطواف الفائت في إحرامه لها، و ان كان الأقوى الاجتزاء بإحرامه الأول حتى بعد انقضاء الشهر، فيقضي الطواف بذلك الإحرام.

و إذا تعذر عليه الرجوع الى مكة أو كان عوده إليها موجبا للعسر و المشقة استناب أحدا يقضي الطواف عنه، و عليه أن يبعث ببدنة تنحر عنه إذا كان قد واقع أهله في هذه الفترة، بل و ان لم يواقع على الأحوط، و يجري نظير ذلك في المتمتع إذا ترك الطّواف و هو جاهل بالموضوع في هذه الصورة أيضا.

المسألة 766:

إذا عرض للمكلف عارض في بدنه من مرض أو كسر أو غيرهما فمنعه عن الطواف مستقلا بنفسه وجب عليه أن يطوف معتمدا على غيره أو متوكئا على عصى و نحوها، فإن لم يمكن له ذلك وجب أن يحمله غيره فيطوف بنفسه محمولا، فإن لم يستطع أن يطوف كذلك وجب عليه أن يستنيب أحدا يطوف عنه.

و تصح بذلك متعته و لا تنقلب الى حج إفراد، و لا تجوز له الاستنابة و لا تكفيه إذا أمكن له أن يطوف بنفسه معتمدا أو متوكئا أو محمولا، كما قلنا في أول المسألة.

[شرائط الطواف]
[الأمر الأول: النية:]
المسألة 767:

تشترط في صحة الطواف خمسة أمور: الأمر الأول:

النية: فإن الطواف عبادة من العبادات، و لذلك فلا بد فيها من قصد القربة بالعمل المعيّن، و الأمر في النية في غاية السهولة و اليسر، كما فصّلناه في مباحث النية من العبادات، و إذا عيّن المكلف العمل المقصود عند الفعل، و كان الداعي له الى فعله هو امتثال أمر اللّٰه فقد تمت النية و صح العمل، و ان كان الأولى أن يقول في طواف العمرة: (أطوف بالبيت سبعة أشواط لعمرة التمتع لحج الإسلام حج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 350

التمتع قربة الى اللّٰه تعالى).

[الأمر الثاني: الطهارة]
المسألة 768:

الأمر الثاني من شرائط صحة الطواف: أن يكون الطائف متطهّرا من الحدث الأكبر و من الحدث الأصغر، فلا يصح طوافه إذا كان محدثا بأحدهما، سواء كان عالما بالحكم أم جاهلا أم ناسيا أم غافلا، و هذا إذا كان طوافه واجبا، و لا تشترط الطهارة في صحة الطواف المندوب، فإذا طاف المكلّف بالبيت طوافا مستحبا و هو على غير وضوء صح طوافه، فإذا أراد أن يصلّي ركعتين للطواف وجب عليه أن يتطهّر للصّلاة، و إذا كان محدثا بالحدث الأكبر من جنابة و نحوها لم يجز له الدخول في المسجد الحرام ليطوف، و المراد بالطواف الواجب ما يؤتى به جزءا من حج أو عمرة سواء كانا واجبين أم مندوبين، و الطواف المندوب ما يأتي به المكلف تطوعا من غير حج و لا عمرة.

المسألة 769:

إذا علم الإنسان قبل شروعه في الطواف بأنه كان على طهارة سابقه من الحدث، و شك في أنه أحدث بعد تلك الطهارة أم لا بنى على بقاء الطهارة، فيصح له الطواف الواجب من غير تجديد وضوء، و كذلك حكمه إذا شرع في الطواف ثم شك و هو في أثناء طوافه في حصول حدث بعد طهارته المعلومة سابقا فيبني على بقاء طهارته و يتم طوافه و لا يعتني بشكه، و إذا علم بأنه كان محدثا و شك في أنه تطهّر بعد الحدث السابق أم لا، فلا يصح طوافه في كلتا الحالتين المذكورتين، و تجب عليه الطهارة ثم يطوف بعدها و للمسألة فروع تعرضنا لتفصيلها في مباحث الوضوء من كتاب الطهارة، فليرجع إليها من أحبّ.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 351

المسألة 770:

إذا أتم المكلّف طوافه ثم شك بعد فراغه من الطّواف في أنه كان متطهّرا حين طوافه أم لا، بنى على صحة طوافه و لم يعتن بشكه، و تجب عليه الطهارة لصلاة الطواف، و إذا أتمّ كلا من الطواف و صلاة الركعتين ثم شك في الطهارة بعد الفراغ منهما بنى على الصحة في الطواف و الصلاة كليهما.

المسألة 771:

إذا فرغ من طوافه ثم تذكر بعد الفراغ أنه طاف على غير طهارة، وجبت عليه اعادة الطواف متطهرا إذا كان الطواف واجبا، و صح طوافه إذا كان مندوبا.

المسألة 772:

إذا أحدث الطائف قبل أن يتم النصف من طوافه بطل طوافه إذا كان واجبا، و وجب عليه التطهّر من حدثه و اعادة الطواف من أوله، و كذلك إذا أحدث و قد أتم نصف طوافه و لم يتجاوزه، فتجب عليه الطهارة و استئناف الطواف، و المراد بنصف الطواف أن يبلغ الطائف إلى الركن الثالث من الكعبة في شوطه الرابع، و الركن الثالث هو الركن الغربيّ منها.

المسألة 773:

إذا أحدث الطائف بعد ما تجاوز النصف من طوافه وجب عليه أن يعيّن موضع وقوع الحدث من طوافه، و أن يخرج فيتطهّر من حدثه ثم يرجع فيتم طوافه من موضع قطعه، فإذا فعل ذلك صح طوافه، و عليه أن يبادر إلى الطهارة و إتمام الطواف قبل أن تفوت الموالاة في الطواف.

المسألة 774:

لا يترك الاحتياط لزوما إذا وقع الحدث منه باختياره أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 352

يفعل ما ذكرناه فيتم طوافه ثم يعيد الطواف من أوله.

المسألة 775:

إذا تطهّر الطائف من حدثه طهارة المعذور كصاحب الجبيرة على أعضاء وضوئه أو على أعضاء غسله و كالمسلوس و المبطون و أتى بالطهارة على الوجه الذي بيّناه في أحكامهم في كتاب الطهارة كفته طهارته الاضطرارية في صحة عمله، فيصح طوافه و صلاة طوافه بتلك الطهارة، و ان كان الأحوط استحبابا للمسلوس و المبطون أن يطوف بنفسه كذلك، ثم يستنيب من يطوف عنه.

و إذا كانت المرأة المتمتعة مستحاضة و كانت استحاضتها قليلة توضأت للطواف ثم توضأت بعده وضوءا آخر لصلاة الطواف، و إذا كان استحاضتها متوسطة اغتسلت للطواف و لصلاة الطواف غسلا واحدا، و توضأت بعده للطواف، ثم توضأت بعده وضوءا آخر لصلاة الطواف، و إذا كانت استحاضتها كثيرة اغتسلت ثم توضأت بعده للطواف، ثم اغتسلت بعده غسلا ثانيا و توضأت بعده لصلاة الطواف، و هذا كلّه على الأحوط لها في جميع الفروض.

المسألة 776:

إذا لم يتمكن المكلف من الطهارة المائية لبعض الأعذار المسوّغة للتيمم كفاه التيمم عن الوضوء أو الغسل، و صح طوافه و صحت صلاته بتلك الطّهارة، و الأحوط له استحبابا إذا تيمم و هو جنب أن يطوف بتيممه ثم يستنيب شخصا يطوف عنه.

المسألة 777:

إذا عجز الرجل أو المرأة عن الوضوء من الحدث لبعض العوارض المانعة له عن استعمال الماء و لم يتمكن أيضا من التيمم كان له حكم العاجز عن الطواف، فيجب عليه أن يستنيب أحدا للطواف و الصلاة عنه، و الأحوط له أن يستنيب كذلك و أن يطوف

كلمة التقوى، ج 3، ص: 353

بالبيت بنفسه بغير طهارة، و كذلك المجنب و الحائض و النفساء إذا لم يستطيعوا الغسل و لا التيمم فتجب عليهم الاستنابة، و إذا أمكن لهم التيمم كفاهم التيمم عن الغسل كما تقدم، و وجب عليهم الطواف و صلاة الطواف مع التيمم و صح ذلك منهم.

المسألة 778:

إذا أحرمت المرأة من الميقات بعمرة التمتع و كانت حائضا أو نفساء في وقت إحرامها، و قدمت مكة بعد الإحرام و هي لا تزال حائضا أو نفساء وجب عليها أن تنتظر، فإن هي طهرت من الحدث في سعة من الوقت وجب عليها أن تغتسل منه و تتم عمرتها، و تأتي بعدها بحج التمتع كما هو حكمها، و كذلك إذا طهرت في ضيق من الوقت، و أمكن لها أن تتم عمرة التمتع و تدرك الركن من الوقوف الاختياري في عرفات، فتجب عليها المبادرة و العمل كذلك، و إذا استمر بها الدم و الحدث حتى ضاق الوقت و لم تتمكن من الطواف و إتمام العمرة عدلت بنيّتها الى حج الإفراد، و وجب عليها أن تخرج الى عرفات قبل أن يخرج الوقت، و ان تتم أعمال حج الافراد.

و إذا كانت عمرة التمتع واجبة عليها بنذر و نحوه وجب عليها بعد حج الافراد أن تعتمر عمرة مفردة، و قد ذكرنا هذا في المسألة الأربعمائة و السادسة و الستين و تعرضنا بعدها لفروض أخرى

تتعلق بالمرأة المتمتعة إذا حاضت في أثناء عمرتها أو في أثناء طوافها أو بعد ذلك فلتراجع لتعلقها بالموضوع، و لا موجب لإعادة جميع ما تقدم بيانه.

[الثالث: الطهارة من أي نجاسة]
المسألة 779:

الأمر الثالث من شرائط صحة الطواف: أن يكون الطائف طاهر البدن و الثياب من أي نجاسة، حتى النجاسات المعفو عنها في الصلاة، كالدم الذي تكون سعته أقل من الدرهم البغليّ و كثوب المرأة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 354

المربية للطفل الصغير إذا تنجس ببول الطفل، و كنجاسة الشي ء المحمول على ما سبق بيانه في كتاب الطهارة في مبحث لباس المصلّي، فلا يصح الطواف فيها على على الأحوط، و حتى النجاسة في ما لا تتم الصلاة فيه، فلا يترك الاحتياط باجتناب الطواف فيها.

المسألة 780:

يجوز للمكلف الطواف في دم الجروح و القروح منه إذا تنجس بها بدنه أو ثيابه و لزم العسر و الحرج من التجنب عنها.

المسألة 781:

إذا طاف المكلف و هو لا يعلم بنجاسة ثوبه أو بدنه حتى أتمّ الطواف، ثم علم بعد الفراغ منه بنجاستهما أو بنجاسة أحدهما صح طوافه، و وجب عليه تطهير النجاسة لصلاة الطواف، و إذا لم يعلم بالنجاسة حتى أتمّ الطواف و الصلاة كليهما، صح طوافه و صلاته و لم تجب عليه الإعادة.

المسألة 782:

إذا طاف الطائف و هو لا يعلم بنجاسة ثوبه أو بدنه ثم علم بها في أثناء طوافه فإن أمكن له أن يتم طوافه بثوب طاهر من غير فصل ينافي الموالاة في الطواف، كما إذا كان يلبس في إحرامه ردائين أو إزارين و علم بنجاسة أحدهما المعيّن فيقف من طوافه و ينزع الثوب النجس ثم يتم طوافه بالثوب الطاهر من غير فصل، و كما إذا أمكن أن يطهر النجاسة بماء كثير قريب منه و يعود في طوافه من غير فصل، فيجب عليه أن يفعل كذلك، ثم يواصل طوافه حتى يتمه و لا شي ء عليه و لا اعادة.

و إذا لم يمكن له ذلك طهّر النجاسة و أتمّ طوافه على الأحوط ثم استأنفه من أوله، و هذا إذا علم بالنجاسة قبل أن يبلغ في طوافه أربعة أشواط، و إذا بلغ فيه أربعة أشواط أو أكثر ثم علم بالنجاسة قطع

كلمة التقوى، ج 3، ص: 355

طوافه في الموضع الذي علم فيه بالنجاسة، ثم خرج فطهّر النجاسة أو بدّل الثوب و عاد فأتمّ طوافه من ذلك الموضع و صح بذلك طوافه، و كذلك الحكم إذا طاف و هو طاهر البدن و الثياب ثم طرأت له النجاسة في أثناء طوافه فيجري فيه التفصيل الذي ذكرناه، و إذا نسي النجاسة في ثوبه أو بدنه فطاف بها ثم تذكر، فالأحوط له

استئناف الطواف، حتى إذا تذكر النجاسة بعد أربعة أشواط، و حتى إذا تذكرها بعد إتمام الطواف و بعد صلاة الطواف.

[الأمر الرابع: الختان]
المسألة 783:

الأمر الرابع من شرائط الصحة في الطواف: الختان للرجال و الصبيان، فلا يصح طواف غير المختون، سواء كان بالغا أم صبيا، و عامدا كان أم جاهلا، و تبطل بذلك عمرته و يبطل حجه، و إذا طاف الأغلف أو طيف به كان كتارك الطواف، و جرت عليه أحكامه التي ذكرناها في أول هذا الفصل.

المسألة 784:

إذا ولد الشخص مختونا في أصل خلقته كفاه ذلك و صح طوافه، و لا يشترط الخفض في صحة طواف المرأة، و الخفض في النساء من السنن المندوبة، و هو فيهن نظير الختان في الرجال.

المسألة 785:

طواف النساء في الحج و في العمرة المفردة و في عمرة حج القران و الافراد أحد الواجبات في النسك و ان لم يكن ركنا من أركانه، و لذلك فيشترط في صحته ما يشترط في صحة الطواف الواجب، فلا بدّ و أن يكون الطائف مختونا، فإذا طاف الأغلف طواف النساء أو طيف بالأغلف و هو صغير لم يصح منه طوافه و لم تحل له النساء و لا يباح له التزويج، و ان كبر حتى يأتي بطواف النساء بنفسه و هو مختون، أو يطوف عنه غيره إذا عجز عن الطواف بنفسه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 356

[الأمر الخامس: ستر العورة]
المسألة 786:

الأمر الخامس من شرائط الصحة في الطواف: أن يكون الطائف مستور العورة في حال طوافه على الأحوط، فلا يصح طوافه إذا طاف و هو غير مستور العورة، و أن يكون الساتر الذي يطوف به مباحا غير مغصوب، بل تشترط الإباحة في ما يلبسه في حال طوافه و ان لم يكن ساترا له بنفسه، و مثال ذلك: أن يطوف بإزارين خفيفين لا يحصل الستر الا بهما معا، فلا يصح طوافه إذا كان أحدهما مغصوبا، و لا يترك الاحتياط بأن يكون لباس الطائف في حال طوافه مستجمعا لجميع ما يعتبر في لباس المصلّي من شرائط صحة الصلاة فيه و عدم الموانع منه.

و الأمور الخمسة التي قدّمنا ذكرها أشياء خارجة عن حقيقة الطواف تتوقف على وجودها صحته و من أجل ذلك سميت شروطا.

[واجبات الطواف]
[الأول: كون الطواف من الحجر الأسود و الاختتام به]
المسألة 787:

يجب في الطواف أن تجتمع فيه أمور سبعة، و هذه أمور داخلة في حقيقة الطواف و لا يتحقق وجود الطواف شرعا إذا فقدت أو فقد شي ء منها، و من أجل ذلك كانت واجبات في الطواف، و ليست شروطا كالأولى.

الواجب الأول: أن يكون ابتداء الطواف من الحجر الأسود و أن يكون الاختتام به، و يحصل ذلك بأن يقف الطائف في الشوط الأول قبل الحجر الأسود بمقدار يسير للمقدمة العلمية، فإذا نوى و تحرّك في طوافه نوى الابتداء من الموضع الواجب، و ان الزائد مقدمة يجوز بها تحقق الواجب و ليس من الطواف، ثم يتابع أشواطه حتى يتمّها، و يزيد في الشوط الأخير مقدارا يسيرا كذلك، و ينوي الطواف الى الحدّ الواقعي، و ان الزائد مقدمة يحوز بها الواجب و ليس من الطواف.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 357

[الثاني: جعل البيت على اليسار]
المسألة 788:

الثاني من واجبات الطواف: أن يجعل الطائف البيت المعظم على يساره في جميع حالات طوافه، و الواجب منه أن يطوف و الكعبة على يساره في نظر أهل العرف لا بالنظرة العقلية الدقيقة، فلا يضر بطوافه أن يكون منحرفا انحرافا يسيرا لا ينافي الصدق العرفي المذكور، و إذا استقبل الطائف الكعبة في بعض الحالات ليقبل البيت أو ليستلم الركن أو ليقبله، لم يجز له أن يتحرك و هو في تلك الحالة حركة يحتسبها من الطواف، بل يقف في طوافه، فإذا قبّل أو استلم و رجع الى حاله و جعل البيت على يساره، تحرك في طوافه من موضعه الأول، و استمر في الطواف و البيت الى يساره، و كذلك إذا ألجأه الزحام أو اصطدم بأحد أو عثر فاستقبل البيت أو استدبره أو أصبح البيت على يمينه، فيجب عليه أن يعتدل و

يعود الى موقفه الأول من الطواف، و لا يعتدّ بالخطوات التي خطاها في تلك الحالة، فإذا اعتدل و رجع الى موضعه من الطواف استمر في طوافه و الكعبة إلى يساره.

و أكثر ما يحتاج الطائف إليه هو التحفظ عند أركان البيت، و عند فتحتي حجر إسماعيل الأولى و الثانية، فإن فتحتي الحجر تقعان في امتداد البيت، فإذا استمر الشخص في حركته و لم يلتفت فربما أصبحت الكعبة خلف ظهره أو إمام وجهه أو مائلة إليهما و هو غير قاصد، و لذلك فهو يحتاج الى الالتفات في هذه المواضع للتحفظ على صحة طوافه، و يكفيه الصدق العرفي كما ذكرناه، و لا يجب عليه أكثر من ذلك.

[الثالث: كونه بين الركن الشامي و الركن الغربي،]
المسألة 789:

الأمر الثالث من واجبات الطواف: أن يطوف المكلف حول البيت و حول حجر إسماعيل إذا وصل اليه ما بين الركن الشامي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 358

و الركن الغربي، فيجعل الحجر على يساره في كل شوط من أشواطه، و لا يجوز له أن يدخل الحجر فيطوف ما بينه و بين البيت، و إذا فعل كذلك في جميع أشواطه بطل طوافه و وجبت عليه اعادة جميع الطواف، و إذا فعل ذلك في بعض أشواطه بطل ذلك الشوط و وجبت إعادته خاصة، و لم تبطل بقية طوافه، و الأحوط له استحبابا أن يعيد ذلك الشوط و يتم بقية طوافه ثم يعيد طوافه كله من أوله.

[الربع: كون الطواف حول البيت،]
المسألة 790:

الرابع من واجبات الطواف: أن يطوف الشخص حول البيت و الحجر- كما قلنا- فلا يدخل في أثناء طوافه في البيت، و لا يمشي على الشاذروان، و لا على حائط الحجر، و إذا فعل كذلك بطل ذلك المقدار من طوافه، فتجب عليه اعادته على الوجه الصحيح، و لم تبطل بقية طوافه، و الشاذروان بقية من أساس جدار الكعبة لم تدخل فيه عند عمارته، فهو جزء من الكعبة يجب أن يكون الطواف حوله، و أن يخرج جميع بدن الطائف عنه في أثناء طوافه، فإذا أدخل يده أو بعض أعضاء بدنه فوق الشاذروان ليمس جدار البيت أو ليقبّله، أو ألجأه الزحام الى ذلك لم يحتسب ذلك الجزء من طوافه، و لا يقترب من جدار الكعبة عند الباب بمقدار عرض الشاذروان، و لا يدخل يده أو بعض أعضائه فوق حائط الحجر، و إذا فعل ذلك لم يحتسب مقداره من الطواف كما تقدم في الشاذروان، و الأحوط استحبابا أن لا يمس حائط الحجر من خارجه، و ان

لا يصل أصابع قدمه بأساس الحجر و الشاذروان.

[الخامس: كون الطواف ما بين البيت و مقام إبراهيم (ع)،]
المسألة 791:

الخامس من واجبات الطواف: أن يكون الطواف ما بين البيت و مقام إبراهيم (ع)، و هو الصخرة التي عليها أثر قدميه لما بنى عليها البيت، و المسافة ما بين شاذروان البيت و المقام هي ستة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 359

و عشرون ذراعا و نصف ذراع، على ما ضبطه الأكابر من المحققين، و على ما ذكره الأزرقي في كتابه أخبار مكة، فيجب أن لا يخرج الطائف في طوافه عن هذا المقدار في أي جانب من جوانب البيت مع الاختيار، حتى من جانب حجر إسماعيل، و لذلك فيكون الباقي من المسافة في هذه الجهة ستة أذرع و نصف ذراع فحسب بعد الحجر، فيتعين الطواف في هذه البقية مع الاختيار، و لا يجوز الخروج عنها إلا إذا اقتضته التقية، أو الضرورة و عدم القدرة فيجوز لذلك، و كذلك في بقية الجوانب.

المسألة 792:

إذا خرج الطائف عن الحد المذكور للطواف مع الاختيار و التمكن وجب عليه أن يعيد المقدار الذي خرج فيه عن الحدّ من طوافه، و إذا ألزمته التقية بذلك أو التجأ إليه لعدم القدرة كفاه ذلك و لم تجب عليه الإعادة.

[السادس: تمام سبعة أشواط]
المسألة 793:

السادس من واجبات الطواف: أن يتم طواف الطائف سبعة أشواط تامة، دون زيادة فيها و لا نقيصة، فلا يجزيه الطواف إذا كان أقلّ منها، و يبطل طوافه إذا زاد عليها و كان ذلك عن عمد، و سنتعرض- ان شاء اللّٰه- في ما يأتي للزيادة في عدد الأشواط و النقيصة منها في جميع فروضهما و أحكامهما.

[السابع: الموالاة]
المسألة 794:

السابع من واجبات الطواف: الموالاة عرفا في طواف الفريضة على الأحوط بل على الأقوى، إلا إذا دلّ الدليل الشرعي على صحة الطواف مع عدم الموالاة، و لا تجب الموالاة في طواف النافلة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 360

[مسائل]
المسألة 795:

إذا زاد المكلّف في عدد أشواط طوافه متعمدا و قصد منذ أول طوافه أن يطوف ثمانية أشواط مثلا أو تسعة، فلا ريب في بطلان طوافه و كونه آثما للتشريع، و تجب عليه إعادة الطواف تاما، و كذلك إذا نوى الطواف في ابتدائه سبعة أشواط، ثم بدا له في أثناء الطواف فنوى أن يجعل طوافه ثمانية أشواط أو أكثر فيبطل طوافه و تجب عليه إعادته، بل و كذلك إذا طاف سبعة أشواط و زاد في طوافه بعد إكماله شوطا ثامنا أو أكثر و قصد به الجزئية لطوافه فيبطل و تلزمه الإعادة.

المسألة 796:

إذا أنقص الطائف من عدد الأشواط متعمدا و نوى ذلك في أول طوافه، فنوى أن يطوف بالبيت ستة أشواط أو خمسة فحسب مثلا بطل طوافه، و أثم للتشريع و وجبت عليه اعادته و ان لم تفت الموالاة، للخل في نية الطواف، و كذلك إذا نوى في أول الأمر الطواف سبعة أشواط ثم بدا له في أثناء طوافه فعدل إلى نية ستة أشواط أو أقل فيبطل طوافه للخلل في النية، و ان لم تفت الموالاة، و تجب عليه الإعادة.

المسألة 797:

إذا أنقص الطائف من عدد الأشواط متعمدا و لم يوجب ذلك خللا في نية الطواف، كما إذا نوى الطواف الشرعي الكامل و شرع في طوافه كذلك، ثم أنقص منه شوطا أو أكثر لأنه يعتقد أن الطواف الشرعي التام هو ذلك، فإن لم تفت الموالاة العرفية وجب عليه ان يتمّ ما نقص من طوافه، و الظاهر صحة الطواف في هذه الصورة فلا اعادة عليه، و إذا فاتت الموالاة العرفية و كان قد تجاوز النصف من طوافه، فالأحوط له أن يتم ما نقص من طوافه، ثم يعيده بعد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 361

ذلك، و إذا فاتت الموالاة و لم يتجاوز النصف من أشواط طوافه وجبت عليه الإعادة.

المسألة 798:

إذا زاد الطائف في طوافه ساهيا، و كان ما زاده أقل من شوط قطعه و لم يضر ذلك بصحة طوافه، و إذا كان ما زاده شوطا تاما أو أكثر من شوط، فالأحوط له أن يتمه سبعة أشواط، و يكون أحد الطوافين هو الفريضة و الآخر نافلة كما تضمنته أدلة المسألة، و في كون أي الطوافين المذكورين هو الفريضة و أيهما هو النافلة خفاء، و لذلك فلا يترك الاحتياط بأن يأتي الطواف الثاني بقصد امتثال أمره الواقعي من غير تعيين، و يصلّي صلاة الطواف الفريضة قبل السعي و صلاة الطواف النافلة بعده.

المسألة 799:

إذا أنقص الطائف بعض الأشواط من طوافه ساهيا و تذكر النقص قبل أن تفوت الموالاة العرفية من طوافه، وجب عليه أن يكمل ما نقصه من الأشواط، و يجزيه ذلك في صحة طوافه سواء كان ما نقصه شوطا تاما أم بعض شوط أم أكثر من شوط واحد، و سواء كان قد تجاوز النصف من طوافه أم لم يتجاوزه، و سواء كان لا يزال في المطاف أم خرج منه.

و إذا تذكر النقص بعد أن فاتت الموالاة عرفا، فإن كان قد تجاوز النصف من طوافه وجب عليه أن يرجع الى الموضع الذي قطع فيه طوافه و يتمه سبعة أشواط، ثم يعيده بعد الإتمام على الأحوط، و إذا تذكر النقص بعد أن فاتت الموالاة العرفية و لم يتجاوز النصف من طوافه وجب عليه أن يستأنف الطواف من أوله.

المسألة 800:

لا يجوز للطائف أن يقرن بين طوافين واجبين، و لا بين

كلمة التقوى، ج 3، ص: 362

طواف فريضة و طواف نافلة، و المراد بالقران أن يصل الطواف الثاني بالأول بعد تمامه قبل أن يصلي ركعتي الطواف الأول.

و لا فرق في التحريم بين أن يكون الطوافان واجبين عليه بالأصالة أو بالنذر أو بالنيابة أو بالتفريق، فإذا نسي المكلف الطواف في عمرة مفردة مثلا و تذكره بعد مدة فرجع الى مكة بعمرة ثانية ليدخل بها مكة و يقضي طوافه المنسي، فلا يجوز له القران بين طواف الأداء و طواف القضاء أو بين الطواف المنسي و طواف النساء.

و إذا قرن بين طوافين واجبين، أو بين طواف واجب و طواف نافلة، فلا يبعد الحكم ببطلان الطواف الثاني و في صحة الأول إشكال، فلا يترك الاحتياط بإعادته أيضا، و يجوز له أن يقرن بين طوافين مندوبين

على كراهة، و إذا طاف طوافا مندوبا كره له أن ينصرف من طوافه على غير وتر من الأشواط.

المسألة 801:

إذا طاف المكلف بالبيت طوافا واجبا حتى أتمه ثم زاد من بعده شوطا أو أكثر و نوى به طوافا واجبا آخر يقرنه بالأول كان ذلك من القران المحرّم فيبطل طوافه كما تقدم، و كذلك إذا أتى بالزيادة بقصد طواف آخر مستحب يقرنه بالفريضة، فيبطل طوافه.

و يجوز للشخص أن يمشي حول البيت الحرام ما شاء لا بقصد الطواف قبل الطواف الواجب أو بعده و لا يضر ذلك بطوافه.

المسألة 802:

إذا نسي المكلف بعض أشواط الطواف الواجب، و لم يتذكر حتى رجع الى بلده جرى عليه الحكم الذي بيناه في المسألة السبعمائة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 363

و التاسعة و التسعين، فإذا كان ما نسيه من الأشواط بمقدار نصف الطواف أو أكثر وجب عليه أن يعيد الطواف كلّه، و إذا كان ما نسيه أقلّ من نصف الطواف قضى ما نسيه من أشواط الطواف ثم أعاده كله على الأحوط، فإن أمكن له الرجوع الى مكة وجب عليه أن يعود و يفعل كذلك، و ان لم يقدر على العود أو كان موجبا للعسر استناب في ذلك، و تلاحظ المسألة السبعمائة و الخامسة و الستون.

المسألة 803:

يجوز للطائف أن يقطع طواف الفريضة إذا عرضت له ضرورة لا يستطيع معها الاستمرار في طوافه، فإذا قطع طوافه لتلك الضرورة، و كان ذلك قبل أن يتجاوز النصف من أشواط طوافه وجب عليه أن يعيد طوافه من أوله، و إذا قطع طوافه بعد أن تجاوز النصف وجب عليه أن يتم طوافه سبعة أشواط من الموضع الذي قطعه فيه، ثم يستأنف الطواف من أوله على الأحوط، و ان لم يقدر على أن يطوف بنفسه استناب أحدا يطوف عنه ما وجب عليه، و مثله ما إذا عرض له مرض يمنعه من إتمام طوافه فيجوز له قطع الطواف أيضا.

المسألة 804:

يجوز له أن يقطع طواف الفريضة إذا عرضت له في أثناء طوافه حاجة توجب له العسر و الحرج إذا لم يبادر إلى قضائها، فيقطع الطواف و يجري فيه التفصيل الذي بيّناه في المسألة المتقدمة، و يشكل الحكم بجواز القطع إذا كانت الحاجة التي عرضت له لا توجب العسر و المشقة.

المسألة 805:

يجوز له أن يقطع طواف الفريضة لقضاء حاجة أخيه المؤمن، و قد ورد الحث المؤكد على ذلك في أحاديث المعصومين (ع)، و إذا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 364

قطع طوافه لذلك جرى فيه التفصيل المتقدم، و يجوز له قطع الطواف إذا أراد عيادة مريض من اخوانه على نهج ما سبق أيضا.

و يجوز له أن يقطع طواف الفريضة إذا حضر وقت الصلاة المكتوبة، فيؤدي الصّلاة ثم يستأنف الطواف من أوله إذا قطعه قبل أن يتجاوز نصفه، و إذا كان قد تجاوز النصف منه وجب عليه أن يتم طوافه من حيث قطعه، و يشكل الحكم بجواز قطع الطواف الواجب لغير ما ذكرناه حتى لدخول البيت، فلا يترك الاحتياط باجتنابه.

المسألة 806:

يجوز للمكلف إذا أعيى في الطواف الواجب أن يجلس في أثناء طوافه ليستريح، ثم يقوم و يستمر في طوافه حتى يتمه بشرط أن لا تطول مدة استراحته فيخرج بها عن الموالاة العرفية في الطواف، فإذا فاتت الموالاة و كانت جلسته قبل أن يتجاوز النصف من طوافه وجبت عليه الإعادة، و إذا كانت بعد أن تجاوزه أتمّ الطواف من موضع قطعه ثم أعاده على الأحوط.

المسألة 807:

إذا أحدث الطائف في أثناء طوافه الواجب قبل أن يتجاوز النصف من الأشواط وجب عليه أن يتطهر و يعيد طوافه من أوله، و إذا كان حدثه بعد ما تجاوز النصف وجب عليه أن يتطهر و يتم طوافه سبعة أشواط من الموضع الذي وقع فيه حدثه و انقطع فيه طوافه، و كذلك المرأة إذا حاضت في أثناء طوافها و قد ذكرنا جميع هذا مفصلا في ما تقدم.

و إذا عرض للمكلف عارض من مرض أو صداع أو غير ذلك فمنعه عن إتمام الطواف الواجب جاز له قطع الطواف كما ذكرنا آنفا، فإذا قطع طوافه قبل أن يتجاوز النصف منه ثم زال العارض

كلمة التقوى، ج 3، ص: 365

وجب عليه أن يعيد الطواف من أوله، و إذا قطعه بعد ما تجاوز النصف، وجب عليه أن يتمّ الطواف سبعة أشواط من موضع قطعه.

المسألة 808:

إذا شك المكلّف في عدد أشواطه، و كان شكه بعد فراغه من الطّواف بنى على الصحة و لم يلتفت الى شكه، و مثال ذلك: أن يشكّ بعد ما فرغ من طوافه: هل طاف سبعة أشواط أو أكثر؟، أو يشكّ هل طاف سبعة أشواط أو أقلّ؟، أو يشك هل طاف سبعة أشواط أو أقلّ من ذلك أو أكثر؟، فيبني على صحة طوافه و لا يعتني بالشك في الزيادة أو النقصان.

و كذلك الحكم إذا شك في صحة طوافه و عدمها لا في عدد أشواطه، فيبتني على الصحة و لا يلتفت الى شكه إذا كان شكه بعد الفراغ من طوافه، و نظير ذلك ما إذا شك المكلف في عدد الأشواط أو في صحّتها و هو في أثناء صلاة الطواف أو في أثناء السعي، و يلحق ذلك في الحكم بالصحة

ما إذا أتمّ الشوط و وصل الى الركن و شك عند ذلك ان الشوط الذي أتمّه هل هو الشوط السابع أو الثامن، فيبني على الصحة لحديث الحلبي، و إذا شك في ذلك قبل أن يصل الى الركن حكم بالبطلان.

المسألة 809:

إذا شك المكلف في عدد الأشواط و هو في أثناء الطواف بطل طوافه، و وجب عليه أن يستأنفه، و مثال ذلك: أن يشك بين الستة و السبعة أو يشك بين السبعة و الثمانية أو بين ما هو أقل من ذلك أو أكثر، سواء حدث شكه عند الركن أم قبله، و كذلك إذا شك في صحة طوافه و عدم صحته فيبطل طوافه، و يجب عليه الاستئناف في جميع الفروض، و الأحوط له استحبابا أن يبني على الأقل و يتم طوافه ثم يعيد الطواف من أوله.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 366

المسألة 810:

لا عبرة بالشك إذا لم يستقر، فإذا شك الطائف بين الستة و السبعة مثلا و استمر في طوافه ثم زال شكه و حصل له اليقين بأحدهما، بنى على العدد الذي تيقن به و أتمّ طوافه و أجزأه ذلك.

المسألة 811:

إذا شك في طواف النافلة بين الأقل و الأكثر بنى على الأقل و أتمّ طوافه على ذلك، سواء كان شكه في الزيادة أم في النقيصة.

المسألة 812:

يجوز للإنسان أن يعتمد على إحصاء غيره في عدد الأشواط، و يكفيه ذلك إذا كان ذلك الغير متيقنا للعدد.

المسألة 813:

إذا نسي المكلف الطواف وجب عليه أن يأتي به كما ذكرناه في أول هذا الفصل، و لا يحل له ما يتوقف حلّه على ذلك الطواف حتى يأتي به هو أو نائبه، و لا يحلّ بمجرد الاستنابة حتى يعلم بأن النائب قد طاف بالنيابة عنه فعلا.

المسألة 814:

يستحب للطائف استلام الحجر الأسود و تقبيله و إلصاق البطن به و مسحه باليد في كلّ شوط مع الإمكان، فإذا كثر الازدحام عليه أجزأت الإشارة اليه و الإيماء من بعد، و لا سيما للشيخ الكبير و الضعيف و المريض و من يخشى أن يؤذي ضعيفا أو يزاحم امرأة، و لا يتأكد استلام الحجر للنساء بل قد يكون مرجوحا.

المسألة 815:

يجوز له الإسراع في طوافه، و يجوز له الإبطاء فيه ما لم يؤذ أحدا في حركته و يستحب له الاقتصاد و التوسط بين الإسراع و الإبطاء، و ان يقول في طوافه: (اللّهمّ إني أسألك باسمك الذي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 367

يمشى به على طل الماء، كما يمشى به على جدد الأرض، و أسألك باسمك الذي يهتز له عرشك، و أسألك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك، و أسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له و ألقيت عليه محبة منك، و أسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد (ص) ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، و أتممت عليه نعمتك أن تفعل بي كذا و كذا) و يذكر ما أحب من الدعاء و الحوائج.

و أن يقول في حال طوافه: (اللّهم إني إليك فقير و اني خائف مستجير فلا تغير جسمي و لا تبدل اسمي) و روي عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: كان علي بن الحسين (ع) إذا بلغ الحجر قبل أن يبلغ الميزاب يرفع رأسه ثم يقول: (اللّهم أدخلني الجنة برحمتك) و هو ينظر الى الميزاب (و أجرني برحمتك من النار و عافني من السقم، و أوسع علي من الرزق الحلال، و ادرأ عني شرّ فسقة الجنّ و الإنس و شر فسقة العرب

و العجم).

و عن عمر بن أذينة قال سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول لما انتهى الى ظهر الكعبة حين يجوز الحجر: (يا ذا المنّ و الطول و الجود و الكرم، ان عملي ضعيف فضاعفه لي و تقبّله مني انك أنت السميع العليم).

و عن سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: كنت معه في الطواف فلما صرنا بحذاء الركن اليماني قام (ع) فرفع يده الى السماء ثم قال: (يا اللّٰه يا ولي العافية، و خالق العافية، و رازق العافية، و المنعم بالعافية، و المنان بالعافية، و المتفضل بالعافية عليّ و على جميع خلقك، يا رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمهما، صلّ على محمد و آل محمد، و ارزقنا العافية، و دوام العافية، و تمام العافية، و شكر العافية في الدنيا و الآخرة، يا أرحم الراحمين).

و عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (ع): و كلما انتهيت الى

كلمة التقوى، ج 3، ص: 368

باب الكعبة فصلّ على النبي (ص) و تقول في ما بين الركن اليماني و الحجر الأسود (رَبَّنٰا آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ).

المسألة 816:

في الحديث عن أبي مريم قال: كنت مع أبي جعفر (ع) أطوف، فكان لا يمرّ في طواف من طوافه بالركن اليماني إلا استلمه ثم يقول: (اللّهم تب علي حتى أتوب، و اعصمني حتى لا أعود)، و مما يستحب استلام الأركان كلّها، و يتأكد الاستحباب في الركن الذي فيه الحجر الأسود و الركن اليماني إلا إذا كثر الازدحام و خيف الأذى للضعفاء و المرضى كما تقدم.

المسألة 817:

و مما ورد عنهم (ع) أن يقول: (سائلك فقيرك مسكينك ببابك فتصدق عليه بالجنة اللّهم البيت بيتك و الحرم حرمك و العبد عبدك، و هذا مقام العائذ بك المستجير بك من النار، فاعتقني و والدي و أهلي و ولدي و إخواني المؤمنين من النار يا جواد يا كريم)، و عن أبي عبد اللّٰه (ع): إذا فرغت من طوافك و بلغت مؤخر الكعبة و هو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل، فابسط يديك على البيت و ألصق بدنك و خدّك بالبيت و قل: (اللّهم البيت بيتك و العبد عبدك و هذا مكان العائذ بك من النار) ثم أقرّ لربك بما عملت، فإنه ليس من عبد مؤمن يقرّ لربه بذنوبه في هذا المكان الا غفر اللّٰه له ان شاء اللّٰه، و تقول: (اللّهم من قبلك الروح و الفرج و العافية، اللّهم ان عملي ضعيف فضاعفه لي و اغفر لي ما اطّلعت عليه مني و خفي على خلقك) ثم تستجير باللّه من النار، و تخيّر لنفسك من الدعاء، ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر الأسود، و يستحب أن تقول عنده: (اللّهم قنّعني بما رزقتني و بارك لي في ما آتيتني).

كلمة التقوى، ج 3، ص: 369

و يستحب أن يدعو عند الملتزم بما ورد

عن الامام زين العابدين (ع) فيقول: (اللّهم ان عندي أفواجا من ذنوب و أفواجا من خطايا و عندك أفواج من رحمة و أفواج من مغفرة، يا من استجاب لأبغض خلقه إذ قال: أنظرني إلى يوم يبعثون. استجب لي)، ثم يطلب حاجته.

المسألة 818:

في الحديث عن العبد الصالح (ع) قال: قال رسول اللّٰه (ص): ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن رأسه حافيا يقارب بين خطاه، و يغضّ بصره و يستلم الحجر في كل طواف من غير أن يؤذي أحدا، و لا يقطع ذكر اللّٰه عن لسانه، الا كتب اللّٰه له بكل خطوة سبعين ألف حسنة، و محي عنه سبعين ألف سيئة، و رفع له سبعين ألف درجة، و أعتق عنه سبعين ألف رقبة، ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم، و شفّع في سبعين من أهل بيته، و قضيت له سبعون ألف حاجة ان شاء فعاجلة و ان شاء فآجلة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 370

الفصل السابع عشر في صلاة الطواف و أحكامها و آدابها
المسألة 819:

يجب على المكلف إذا أتمّ الطواف الواجب في حجه أو عمرته أن يصلي صلاة الطواف و هما ركعتان يأتي بهما بعد الطواف كصلاة الصبح بغير أذان و لا إقامة، و يتخير في قراءته فيهما بين الجهر و الإخفات، و يجوز له أن يجهر في بعض قراءته و يخفت في البعض.

و صلاة الطواف هي الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع، و تجب على المكلف المبادرة إليها بعد الطواف، فلا يجوز له تأخيرها لغير عذر حتى تفوت الموالاة العرفية بينها و بين الطواف، و يستثنى من ذلك ما إذا اتفقت معها فريضة حاضرة في وقتها، فيجب تقديم الفريضة الحاضرة عليها.

المسألة 820:

يجب على المكلف أن يأتي بصلاة الطواف الواجبة خلف المقام، و المقام هو الصخرة التي يوجد عليها أثر قدم إبراهيم (ع)، فيجب على الطائف أن يصلي الركعتين خلف المقام قريبا منه بحيث يصدق عليه أنه صلاهما عنده، و تكفيه الصلاة كذلك سواء صلّى موازيا للصخرة بموقفه أم صلى خلفها من أحد جانبيها، و إذا لم يتيسر له أن يصلي الركعتين قريبا من المقام لكثرة الازدحام أو لانشغال الموضع بالطائفين كفاه أن يصليهما خلف المقام عرفا من المسجد الحرام بحيث يكون المقام موازيا لموقفه و في قبلته و إن كان بعيدا عنه، فإن لم يتمكن من ذلك صلاهما حيث شاء من المسجد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 371

الحرام و يراعي الأقرب فالأقرب إلى الموضع الذي يكون فيه خلف المقام.

المسألة 821:

إذا لم يتمكن المكلف من الصلاة خلف المقام و في حياله فصلى الركعتين في موضع آخر من المسجد كما هو الحكم في الصورة الأخيرة، ثم تمكن من الصلاة خلف المقام بعد ذلك، فلا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة خلف المقام ثم يعيد السعي بعدها.

المسألة 822:

لا يعتبر في صلاة الطواف إذا كان مندوبا أن تكون خلف المقام أو قريبا منه، فيصح للطائف أن يصليها في أي موضع أراد من المسجد الحرام، و لا يترك الاحتياط في أن يأتي بالصلاة له.

المسألة 823:

إذا ترك المكلّف صلاة الطواف الواجب متعمدا و أتى بالسعي و التقصير في العمرة و أتى ببقية الأعمال في الحج، ففي صحة سعيه و مناسكه التي أتى بها بعد تركه صلاة الطواف الواجبة إشكال، و لذلك فيشكل الحكم بصحة عمرته و صحة حجه و لا يترك الاحتياط بلزوم إعادة الحج عليه في العام المقبل.

المسألة 824:

إذا نسي الطائف صلاة الطواف الواجبة، و سعى بين الصفا و المروة ثم تذكر الصلاة بعد أن أتمّ سعيه وجب عليه أن يأتي بالصلاة في موضعها، و لم تجب عليه إعادة السعي، و إذا نسي الصلاة و ذكرها و هو في أثناء السعي، قطع سعيه في موضع تذكره إياها و رجع إلى المسجد الحرام و صلى الركعتين في موضعهما ثم رجع إلى ما بين الصفا و المروة فأتمّ سعيه من الموضع الذي قطعه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 372

المسألة 825:

إذا نسي المكلف صلاة الطواف الواجبة و تذكرها بعد السعي و التقصير في العمرة أو بعد الإحرام بحج التمتع، وجب عليه أن يأتي بالصلاة متى تذكرها، فإذا كان لا يزال في مكة وجب عليه أن يصليها في موضعها خلف المقام، و كذلك إذا تذكرها بعد خروجه من مكة بالقرب منها، كما إذا تذكرها في الأبطح أو بعده قبل وصوله إلى منى، فيجب عليه الرجوع إلى المسجد الحرام و تأدية الصلاة.

و إذا تذكرها و هو في منى أو بعدها أو في عرفات أو في بقية المشاعر، فإن استطاع العود إلى مكة و تأدية الصلاة في موضعها ثم الرجوع بعدها إلى تأدية مناسكه و أعماله، فالأحوط له ذلك، و إن هو لم يقدر على ذلك لضيق الوقت، أو لتعذر الوسائل، أو لبعض الأعذار الأخرى المانعة من الرجوع، أو كان الرجوع إلى مكة يوجب له العسر و المشقة صلّى صلاة الطواف في موضعه.

و إذا تذكر الصلاة بعد أن أتم أعمال الحج و سافر إلى بلاده، فإن استطاع الرجوع إلى مكة لقضاء الصلاة و لا عسر عليه في ذلك و لا مشقة، وجب عليه العود و تأدية الصلاة خلف المقام، و

إن لم يستطع ذلك أو كان موجبا للعسر و الحرج جاز له أن يستنيب أحدا يصلّيها عنه خلف المقام، و يكفيه أن يصلي الركعتين في موضعه، و إذا مات قبل أن يصليها أو يصليها أحد بالنيابة عنه قضاها عنه وليّه بعد موته.

المسألة 826:

إذا ترك الإنسان صلاة الطواف الواجب جاهلا بوجوبها جرى فيه حكم الناسي للصلاة، الذي بيّناه في المسألتين الماضيتين، و لا فرق بين أن يكون مقصرا في جهله أو قاصرا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 373

المسألة 827:

إذا ترك المكلف بعض الخصوصيات التي تعتبر في صحة الصلاة، فأتى بصلاة الطواف الواجب في غير موضعها مثلا جاهلا بالحكم، أو أتى بالركعتين على وجه تبطل به الصلاة، فيشكل إلحاقه بالناسي في أمثال هذه الفروض، و لا تترك فيها مراعاة الاحتياط.

المسألة 828:

يجب التعلم على المكلف الجاهل إذا كان ملتفتا يمكنه التعلم، و يجزيه ان يتقن القراءة و الأذكار الصحيحة من المرشد الثقة فيتابعه في صلاته كلمة كلمة، فإن لم يقدر على ذلك فالأحوط له أن يأتي بما يمكنه من الصلاة ثم يقتدي بعدها بمن يصلي صلاة الطواف الواجب، فإن لم يجد اقتدى في صلاته بمن يصلي الصلاة اليومية، و تكون قدوته في هذه الصورة برجاء المطلوبية، ثم يستنيب من يصلي عنه، فيجمع بين الأمور الثلاثة.

المسألة 829:

إذا طافت المرأة المتمتعة حتى تجاوزت النصف من طواف عمرتها ثم حاضت قبل أن تتم الطواف وجب عليها أن تحفظ عدد الأشواط التي أتت بها، و تعين الموضع الذي انقطع فيه طوافها بطروء الحيض، فإذا ضاق عليها وقت حج التمتع و لم تطهر من حيضها وجب عليها أن تسعى بين الصفا و المروة، و أن تقصّر و تحلّ من عمرتها، و تحرم بعدها بحج التمتع و تأتي بأعمال الحج، فإذا طهرت بعد مناسك منى و اغتسلت من الحيض قضت ما بقي عليها من طواف العمرة فأتمته سبعة أشواط من موضع القطع، و صلّت صلاة الطواف، ثم طافت بعد ذلك طواف الحج و أتمت أعماله، و كذلك الحكم إذا طافت طواف العمرة و حاضت قبل أن تأتي بصلاة الطواف، و تراجع المسألة الأربعمائة و التاسعة و الستون و ما بعدها

كلمة التقوى، ج 3، ص: 374

فقد فصّلنا فيهما حكم الفرضين المذكورين، و تلاحظ المسألة السبعمائة و الخامسة و السبعون في ما يتعلق بأحكام المستحاضة، فإذا أتمت أعمالها المذكورة في المسألة فهي بحكم الطاهرة.

المسألة 830:

يستحب للمكلف أن يقرأ سورة التوحيد و هي: قل هو اللّٰه أحد في الركعة الأولى من صلاة الطواف و أن يقرأ في الركعة الثانية منها سورة الجحد و هي: قل يا أيّها الكافرون، فإذا فرغ من صلاته تشهد الشهادتين، و حمد اللّٰه و أثنى عليه، و صلى على النبي (ص) و آله (ع)، و سأل اللّٰه أن يقبل منه، و قد ورد أن يقول: (الحمد للّه بجميع محامده كلّها على نعمائه كلّها حتى ينتهي الحمد إلى ما يحب ربي و يرضى، اللّهم صل على محمد و آل محمّد و تقبل مني و طهر

قلبي و زكّ عملي).

المسألة 831:

يستحب أن يقول بعد الصلاة: (اللّهم ارحمني بطواعيّتي إياك و طواعيتي رسولك (ص)، اللّهم جنبني أن أتعدّى حدودك، و اجعلني ممن يحبك و يحب رسولك و ملائكتك و عبادك الصالحين).

المسألة 832:

في الحديث عن بكر بن محمّد أنه سمع أبا عبد اللّٰه (ع) يقول بعد صلاة الطواف و هو ساجد: (سجد وجهي لك تعبدا و رقا، لا إله إلا أنت حقا حقا، الأول قبل كل شي ء، و الآخر بعد كل شي ء، و ها أنا ذا بين يديك، ناصيتي بيدك، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنب العظيم غيرك، فاغفر لي فإني مقر بذنوبي على نفسي، و لا يدفع الذنب العظيم غيرك) ثم رفع رأسه و وجهه من البكاء كأنما غمس في الماء.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 375

الفصل الثامن عشر في السعي و واجباته و أحكامه و آدابه
المسألة 833:

يجب على المتمتع أن يسعى بين الصفا و المروة و هذا هو الواجب الرّابع من واجبات عمرة التمتع، و هو ركن من أركانها، فإذا تركه المتمتع و هو عالم بوجوبه، و متعمد في تركه بطلت عمرته و ببطلانها يبطل حجه.

و السعي كذلك واجب و ركن في كل نسك يحرم به الإنسان من حج أو عمرة، سواء كان الحج الذي أحرم به تمتعا أم قرانا أم إفرادا، و سواء كانت العمرة عمرة مفردة أم عمرة حج إفراد أم عمرة حج قران، فإذا ترك السعي عالما متعمدا بطل نسكه الذي أحرم به.

المسألة 834:

الواجب من السعي في الحج أو في العمرة هو أن يأتي به الناسك مرة واحدة في نسكه بعد طوافه بالبيت، فلا يجب عليه في النسك إلا مرة واحدة، بل و لا يشرع الإتيان به في النسك الواحد أكثر من مرة واحدة، و قد تقدم في المسألة المائتين و السادسة و الخمسين أن السعي لم يثبت له استحباب نفسي و لا مشروعية إذا لم يكن في ضمن نسك من حج أو عمرة، فلا يكون مستحبا و لا مشروعا إذا أتى الإنسان به مستقلا من غير إحرام.

المسألة 835:

إذا نسي الحاج أو المعتمر السعي بين الصفا و المروة فلم يأت

كلمة التقوى، ج 3، ص: 376

به في موضعه الذي يجب عليه الإتيان به، ثم تذكره بعد ذلك، وجب عليه أن يأتي به بعد تذكره و ان كان قد أتمّ أعمال حجه أو عمرته فان كان لا يزال في مكة وجب عليه أن يقضيه بنفسه و ان خرج شهر ذي الحجة، و إذا تذكره بعد أن خرج من مكة وجب عليه أن يرجع الى مكة، و يأتي بالسعي بنفسه، و هذا إذا كان قادرا على الرجوع و الإتيان بالسعي، و لم يكن عليه في ذلك عسر و لا مشقة، و ان لم يستطع الرجوع أو كان موجبا للحرج وجب عليه أن يستنيب من يأتي بالسعي عنه، و لا يحلّ له ما حرم عليه بسبب إحرامه حتى يقضي السعي بنفسه أو يقضيه عنه نائبه، فإذا واقع أهله في هذه الفترة قبل السعي أو قلّم أظفاره وجبت عليه الكفارة و قد تقدم بيانها في الكفارات.

المسألة 836:

إذا سعى المكلف بعض الأشواط في عمرة التمتع و اعتقد مخطئا بأنه قد أتمّ السعي فأتى أهله أو قلّم أظفاره ثم تذكر أنه لم يتم سعيه وجب عليه أن يتمّ السعي، و ان يكفّر عما فعله بدم بقرة على الأحوط بل هو الأظهر.

المسألة 837:

السعي بين الصفا و المروة احدى العبادات الثابتة في الإسلام، و لذلك فلا بدّ فيه من النية و من قصد القربة، و يجب في نيته تعيين العمل الذي يقصد الإتيان به، فيقصد السعي في عمرة التمتع مثلا، أو في حج التمتع أو في العمرة المفردة أو غيرها متقربا به الى اللّٰه، و يكفي أن يكون امتثال أمر اللّٰه داعيا له الى حصول ذلك العمل كما في نظائره من العبادات، و إذا قال في ابتداء سعيه: (أسعى بين الصفا و المروة سبعة أشواط في عمرة التمتع لحج الإسلام حج التمتع امتثالا لأمر اللّٰه تعالى)، صحت نيته و صح عمله.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 377

المسألة 838:

يجب على المكلف أن يستديم حكم نيته المذكورة حتى يتم أشواط سعيه، بحيث يكون جميع حركاته في السعي حاصلة عن نيته الأولى، و إذا اتفق له أن قطع سعيه لسبب من الأسباب ثم عاد اليه ليتمّه، كفاه أن يعود الى سعيه الأول بقصد أن يتمّ ما نقص منه، و إذا جدّد النية فهو أحوط.

المسألة 839:

لا يشترط في صحة السعي أن يكون الشخص متطهرا من الحدث، فيصح منه السعي و هو على غير وضوء أو كان جنبا أو كانت المرأة حائضا أو نفساء، أو طرأ ذلك لهما في أثناء السعي، و قد تقدم حكم المرأة المتمتعة إذا حاضت قبل السعي أو في أثنائه، و ان كان الأحوط و الأفضل أن يكون المكلف متطهرا من أي حدث في حال سعيه، و لا يشترط في صحة السعي أن يكون الشخص طاهر البدن و الثياب من النجاسات و الأخباث، و ان كان الأولى مراعاة ذلك.

و لا يشترط في صحة السعي أن يكون ساترا لعورته في أثناء سعيه، و لذلك فلا يبطل سعيه إذا انكشفت عورته في أثناء سعيه، أو كان ستره غير تام، أو سعى في الظلام عاريا مع الأمن من المطلع.

المسألة 840:

يجب في السعي أن يكون الابتداء فيه من أول الصفا، و يتحقق ذلك بأن يلصق المكلف عقبه بأول الصفا ثم يتحرك سائرا نحو المروة، و إذا ألصق عقبيه كليهما بالصفا ثم سعى فهو أحوط، و يمكنه أن يصعد على بعض درجات الصفا بحيث يكون واقفا عليه، ثم ينحدر عنه ناويا السعي من أول الصفا، فإذا بلغ المروة ألصق أصابع قدميه بها أو صعد بعض درجات المروة ناويا السعي إلى أول المروة، و يجزيه أن يستوعب المسافة بينهما بسعيه و ان لم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 378

يكن بخطّ مستقيم، أو لم تكن أشواطه بخط واحد.

و يجب في الشوط الثاني أن يكون الابتداء فيه من المروة، على النحو الذي ذكرناه في الابتداء من الصفا في الشوط الأول، ثم يسعى حتى ينتهي إلى الصفا على النحو المتقدم في بلوغ المروة، فيكون الذهاب إلى

المروة شوطا، و العود الى الصفا شوطا، حتى يتم أشواطه سبعة، و يكون الانتهاء بالمروة.

المسألة 841:

إذا بدأ المكلّف سعيه من المروة كان سعيه باطلا، فتجب عليه إعادة السعي من أوله سواء فعل ذلك عامدا أم ناسيا أم غافلا، و سواء كان قد أتى بشوط واحد أم بأشواط متعددة على تلك النية، فلا بد من إلغاء ما فعله و نواه، و اعادة السعي من الصفا بنية جديدة مستأنفة.

المسألة 842:

يجب أن يكون ذهاب الساعي و إيابه في الطريق المتعارف للسعي بين الصفا و المروة، فلا يكفيه أن يسعى بينهما في طريق غير متعارف لذلك، كما إذا خرج من الصفا الى المسجد الحرام ثم خرج من المسجد إلى المروة، و كما إذا خرج من الصفا الى سوق الليل و سلك من سوق الليل إلى المروة.

المسألة 843:

يجب على الساعي إذا انحدر في شوطه من الصفا أن يكون متوجها بوجهه و بدنه الى المروة حتى يصل إليها، و إذا خرج في عوده من المروة أن يكون متوجها بوجهه و بدنه الى الصفا حتى يصل اليه، و المراد أن يتوجه الى مقصده توجها عرفيا، فلا يصح سعيه إذا مشى و هو معرض بوجهه عن مقصده، أو مشى متقهقرا حتى يبلغ مقصده، أو مشى عرضا، و لا يضر في صحة سعيه أن ينحرف في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 379

أثناء مشيه انحرافا يسيرا لا يبلغ الإعراض، و لا يضرّه أن يلتفت بوجهه في حال السعي إذا كان متوجها الى المقصد بمقاديم بدنه، و لا يضرّه إذا وقف عن المشي لبعض الدواعي فالتفت بجميع بدنه أو استدبر في حال وقوفه عن السعي، و لا يضره إذا نسي الهرولة في موضعها أن يرجع القهقرى ليأتي بالهرولة المطلوبة كما سيأتي، شريطة أن لا يحتسب رجوعه القهقرى جزءا من سعيه.

المسألة 844:

الظاهر كفاية السعي في الطريق الثاني الذي استحدث في الوقت الحاضر على سقف السعي، بشرط أن توجد فيه جميع واجبات السعي، و منها أن يتصل الساعي بالصّفا و المروة في كل شوط من أشواطه في أول الشوط و في آخره على الوجه الذي تقدم بيانه، و لو بالنزول من الدرج ليتصل بهما عند وصوله إليهما، و لا تكفي المحاذاة، و منها أن يكون متوجها بوجهه و بدنه الى المقصد فلا يخالف ذلك في سعيه و لا في أثناء صعوده في الدرج أو هبوطه، و قد قلنا: أن الانحراف اليسير لا يضر بصحة السعي.

المسألة 845:

يجوز للإنسان أن يسعى بين الصفا و المروة راكبا على دابة أو في محمل مع الاختيار، و لا يختص ذلك بحال الضرورة، و ان كان السعي ماشيا أفضل، و لا بد للراكب و الماشي من الاتصال بالصفا و المروة في أول الشوط و في آخره، و في- بدء السعي و ختامه- كما ذكرنا في ما تقدم، و كذلك إذا ركب دراجة و نحوها لضعفه و عدم قدرته على المشي، فلا يكتفى بالاقتراب أو المحاذاة.

المسألة 846:

يجوز للشخص أن يجلس بين الشوطين على الصفا أو على المروة ليستريح، و يجوز له أن يجلس ما بينهما في أثناء الشوط،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 380

و الأحوط له و الأولى أن لا يجلس في الصورة الأخيرة إلا عند الجهد.

المسألة 847:

إذا عجز المكلف عن أن يسعى بنفسه مستقلا وجب عليه أن يسعى معتمدا على عصا أو نحوها أو على انسان، و قد سبق انه يجوز له أن يسعى راكبا على دابة حتى مع الاختيار، فإذا هو لم يقدر على جميع ذلك وجب عليه أن يستنيب من يسعى عنه، و يكفيه ذلك- مع العجز- في صحة عمرته و صحة حجه.

المسألة 848:

يجب على المكلف أن يسعى في عمرته أو في حجه سبعة أشواط تامة دون زيادة و لا نقيصة، فيتم سعيه بأربعة أشواط ذاهبا يبدأ في كل واحد منها من الصفا و ثلاثة أشواط راجعا يبدأ في كل واحد منها من المروة، و إذا زاد المكلف في أشواط سعيه شوطا واحدا أو أكثر، و كان عالما بما يجب عليه من عدد الأشواط، و متعمدا في الزيادة عليها كان سعيه باطلا، سواء قصد الزيادة منذ أول الأمر، فنوى السعي بين الصفا و المروة ثمانية أشواط أو أكثر، أم تجدد له قصد بالزيادة في الأثناء، فنوى السعي أولا سبعة أشواط، ثم بدا له في أثناء السعي فنوى زيادة شوط أو أكثر بقصد الجزئية لسعيه، فيبطل سعيه في كلتا الصورتين و تجب عليه اعادته، و كذلك إذا زاد في سعيه بعض شوط عالما متعمدا فيبطل السعي، و تجب الإعادة، و الأحوط إعادة السعي أيضا إذا زاد في أشواطه و هو يجهل الحكم.

المسألة 849:

إذا زاد الإنسان في أشواط السعي، و كان ساهيا غير عامد في فعله، لم يبطل بذلك سعيه، فإذا التفت بعد ذلك ألغى الشوط أو الأشواط التي زادها، و اكتفى بالأشواط السبعة التي أتى بها، و صح بذلك سعيه، و لم تضره الزيادة التي وقعت منه، و مثله: ما إذا زاد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 381

في سعيه أقل من شوط ساهيا فيلغي الزيادة و يصح السعي، و قد ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع): (ان المكلف إذا استيقن انه سعى بين الصفا و المروة ثمانية أشواط سهوا، فليضف إليها ستة)، فالصحيحة دالة على صحة سعيه في الأشواط السبعة الاولى، و على استحباب أن يضيف

الى الشوط الثامن ستة أشواط أخرى، فيتم له بذلك سعي آخر و يكون مندوبا، و لا مانع من ذلك بعد أن دلت عليه الصحيحة المذكورة.

المسألة 850:

إذا أنقص الإنسان شوطا من سعيه أو أكثر و كان عالما عامدا في فعله، فالظاهر بطلان سعيه بذلك فتجب عليه إعادة السعي، و إذا أنقص أشواطه و هو جاهل بالحكم أشكل الأمر في صحة سعيه و بطلانه، و لا بدّ من مراعاة الاحتياط في هذا الفرض.

و إذا أنقص بعض الأشواط منه و كان ناسيا أو ساهيا غير ملتفت لم يبطل بذلك سعيه، فإن تذكر النقص قبل أن تفوت الموالاة في السعي وجب عليه أن يتم ما نقص من الأشواط، فإذا هو أتى به قبل أن تفوت الموالاة في سعيه صح سعيه و صح نسكه، سواء كان قد تجاوز النصف من أشواط سعيه أم لا.

و إذا تذكر نقص الأشواط بعد مدة، فإن كان قد تجاوز النصف من سعيه و أنقص الباقي وجب عليه أن يتم سعيه، فيأتي بما نقص منه بعد تذكره، و ان كان ذلك بعد انتهاء الموقفين في الحج أو بعد أعمال منى، بل و ان تذكره بعد خروجه من مكة أو بعد رجوعه الى بلده، فإذا أتى بعد التذكر بما نقص من الأشواط صح سعيه و صح نسكه، و ان لم يقدر على السعي بنفسه، أو كان موجبا للعسر و المشقة وجب عليه أن يستنيب من يسعى عنه و تلاحظ المسألة الآتية.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 382

و إذا تذكر نقص الأشواط بعد مدة، و كان ما أنقصه أكثر من النصف، فالأحوط له في هذه الصورة أن يعيد السعي من أوله، و ينوي بما يأتي به امتثال الأمر المتوجه

إليه بالسعي التام، إذا كان ما أتى به من الأشواط باطلا أو بما بقي منه إذا كان ما أتى به منها صحيحا.

المسألة 851:

إذا أنقص الإنسان أشواطا من سعيه ناسيا أو ساهيا و كان حكمه أن يأتي بما أنقصه من أشواط سعيه متى تذكر نقصها و ان كان تذكره بعد أعمال الحج أو بعد خروجه من مكة أو بعد عوده الى بلده، و قد ذكرنا هذا في بعض فروض المسألة المتقدمة.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 3، ص: 382

فإذا فعل المكلف كذلك و أتى بعد التذكر بالأشواط التي أنقصها من السعي، صح سعيه و صح نسكه إذا كان في عمرة مفردة أو في عمرة حج افراد أو في عمرة حج قران، و صح سعيه و نسكه كذلك إذا كان في عمرة تمتع أو كان حاجا، و قد أتى بالأشواط الناقصة من سعيه قبل أن ينقضي شهر ذي الحجة.

و إذا كان نقص الأشواط في سعي عمرة التمتع أو في سعي الحج و لم يتذكر النقص الا بعد انقضاء أشهر الحج، لزمه على الأحوط أن يأتي بسعي كامل سبعة أشواط، و ينوي به امتثال الأمر المتوجه إليه بالسعي التام إذا كان ذلك هو الواجب عليه بعد فوات أشهر الحج، أو بما بقي من الأشواط إذا كان ذلك هو الواجب عليه.

المسألة 852:

إذا وجب على الإنسان أن يأتي ببعض الأشواط التي أنقصها من سعيه ناسيا أو ساهيا كما قلنا في المسألة المتقدمة، و لم يقدر أن يأتي بذلك أو كان الإتيان بها موجبا للعسر و الحرج وجب عليه أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 383

يستنيب من يسعى عنه، و الأحوط أن يأتي النائب بسعي تام سبعة أشواط، و ينوي به النيابة عن المكلف في قضاء ما

يجب عليه من سعي تام أو أشواط فائتة.

المسألة 853:

إذا شك المكلف في عدد أشواطه أ هي ستة أم سبعة مثلا أو هي أقل من ذلك أو أكثر و كان شكه في أثناء السعي و قبل الفراغ منه، بطل سعيه و وجبت عليه اعادته من أصله، و إذا شك في ذلك بعد الفراغ من السعي بنى على صحة سعيه و لم يلتفت الى شكه، سواء انصرف عن المسعى أم لم ينصرف عنه، و سواء قصّر في عمرته بعد السعي أم لم يقصّر، ما لم يستلزم الخلل في سعيه من ناحية أخرى كما سيأتي في المسألة الآتية.

المسألة 854:

إذا شك المكلف هل انه بدأ في أول سعيه من الصفا أو من المروة و كان شكه في أثناء السعي بطل سعيه و وجبت عليه اعادته من أوله لعدم إحرازه لشرط الصحة في سعيه، و إذا شك في ذلك بعد الفراغ من سعيه و بعد انصرافه من المسعى بنى على صحة السعي و لم يلتفت الى شكه، و إذا شك في ذلك بعد الفراغ من سعيه و قبل انصرافه من المسعى، فالأحوط له في هذه الصورة أن يعيد السعي من أوله و مثال ذلك أن يشك و هو على المروة: هل كان سعيه سبعة أشواط أو ثمانية؟ فإن شكه هذا يستلزم شكا آخر في صحة سعيه من ناحية ثانية، فإن سعيه إذا كان سبعة أشواط فقد ابتدأ فيه من الصفا فيكون صحيحا و إذا كان ثمانية أشواط فقد بدأه من المروة فيكون باطلا، و لذلك فيحكم ببطلان سعيه لعدم إحراز شرط الصحة، و قد أشرنا الى هذا في المسألة المتقدمة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 384

المسألة 855:

إذا علم الإنسان عدد الأشواط التي سعاها بين الصفا و المروة و حفظ العدد باتقان و شك في أنه بدأ أول سعيه من الصفا أو من المروة، كان عدد الأشواط الذي يحفظه قرينة قطعية يزول بها عنه الشك في مبدأ السعي، فإذا كان عدد الأشواط فردا، و وجد نفسه على الصفا أو وجد نفسه متوجها الى الصفا، علم بأنه قد بدأ سعيه من المروة، و إذا كان عدد الأشواط فردا و وجد نفسه على المروة أو وجد نفسه متوجها الى المروة، علم بأنه قد بدأ سعيه من الصفا.

و إذا كان العدد زوجا و وجد نفسه على الصفا أو متوجها الى

الصفا، علم بأنه قد بدأ سعيه من الصفا و إذا كان العدد زوجا و وجد نفسه على المروة أو متوجها إليها، علم بأنه قد بدأ سعيه من المروة، و هو أمر واضح و انما نذكره للتنبيه، و يجب عليه الاستئناف إذا كان البدء من المروة.

المسألة 856:

لا يصح للناسك أن يقدم السعي على الطواف في حال الاختيار، سواء كان في حج أم في عمرة، فإذا سعى قبل الطواف متعمدا أو جاهلا بالحكم وجبت عليه إعادة السعي، و قد تقدم بيان الحكم في ما إذا سعى قبل الطواف ناسيا أو جاهلا بالموضوع، و تقدم الحكم في ما إذا عرض للمرأة حيض أو نفاس فمنعها عن الطواف.

المسألة 857:

إذا سعى المكلف بين الصفا و المروة بعض الأشواط من سعيه، و تذكر أنه قد بقي عليه بعض الأشواط من طوافه، قطع السعي في الموضع الذي تذكر فيه نقص الطواف و رجع الى البيت،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 385

فإن علم انه قد أتى بأكثر من نصف الطواف، و بقي عليه أقل من نصفه وجب عليه ان يأتي بما بقي من الطواف، فيتمّه سبعة أشواط من الموضع الذي ترك الطواف فيه، ثم يعود بعده الى المسعى فيتم سعيه من الموضع الذي قطع فيه أشواطه، و ان تذكر أنه قد أتى بنصف الطواف فحسب أو بأقل من نصفه، لزمه- على الأحوط- أن يأتي بطواف كامل بالبيت و ينوي به امتثال الأمر المتوجه اليه بالطواف التام إذا كان ما أتى به باطلا، و بالأشواط الباقية منه إذا كان ما أتى به صحيحا، ثم يعود بعده الى المسعى، و يأتي بسعي كامل على الأحوط بمثل تلك النية.

المسألة 858:

يجوز للحاج و للمعتمر أن يؤخر السعي عن الطواف و صلاة الطواف الى عصر يومه، و الى الليل اختيارا، و الأحوط استحبابا أن لا يؤخره إلا لبعض الدواعي لذلك من حر أو برد أو تعب، و لا يجوز تأخيره إلى الغد مع الاختيار، و لا تعتبر فيه الموالاة بين أشواطه على الأقوى، فيجوز له الفصل ما بينها، و يجوز له قطع أشواطه إذا حضر وقت الصلاة المكتوبة فيؤديها ثم يعود فيتم سعيه، و يجوز له قطعها إذا دعاه صديق له لقضاء حاجة أو دعاه الى طعام، فيجيبه الى دعوته أو يقضي حاجته ثم يعود الى المسعى فيتم أشواطه، و ان كان قد سعى منها شوطا أو شوطين.

المسألة 859:

يستحب للحاج و المعتمر إذا فرغ من صلاة الطواف و أراد الخروج الى الصفا للسعي أن يأتي إلى الحجر الأسود فيقبّله و يستلمه و يشير اليه، و أن يشرب من ماء زمزم، و ان يقول حين يشرب:

(اللّهم اجعله علما نافعا و رزقا واسعا، و شفاء من كل داء و سقم)، و في الحديث عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (ع)، إذا فرغ الرجل من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 386

طوافه و صلى ركعتين، فليأت زمزم و يستق منه ذنوبا أو ذنوبين، فليشرب منه و ليصب على رأسه و ظهره و بطنه، و يقول: (و ذكر الدعاء المتقدم) ثم يعود الى الحجر الأسود.

و يستحب أن يستقي الماء من زمزم بيده بالدّلو الذي يلي الحجر، و ان يستلم الحجر الأسود قبل الشرب و بعده كما ذكرنا.

المسألة 860:

يستحب له أن يخرج الى الصفا من الباب الذي يقابل الحجر الأسود، و هو الباب الذي خرج منه الرسول (ص)، و أن يكون على سكينة و وقار، و يستحب له أن يصعد على الصفا حتى ينظر الى البيت، كما ورد في حديث معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (ع)، و يستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، و يحمد اللّٰه (عز و جل) و يثني عليه، و يذكر من آلاء اللّٰه و بلائه و حسن صنيعه اليه ما يقدر على ذكره، ثم يقول: (اللّٰه أكبر) سبع مرات، (الحمد للّه) سبع مرات، (لا إله إلا اللّٰه) سبع مرات، ثم يقول (لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، له الملك، و له الحمد، يحيي و يميت (و يميت و يحيي خ ل)، و هو حي لا يموت (بيده الخير خ ل)، و

هو على كل شي ء قدير) ثلاث مرات. ثم يصلي على محمد (ص) و آله، و يقول: (اللّٰه أكبر، الحمد للّه على ما هدانا، و الحمد للّه على ما أولانا، و الحمد للّه الحي القيوم، و الحمد للّه الحي الدائم) ثلاث مرات، و يقول: (أشهد أن لا إله إلا اللّٰه، (وحده لا شريك له خ ل)، و أشهد أن محمّدا عبده و رسوله، لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين و لو كره المشركون) ثلاث مرات، و يقول: (اللّهم إني أسألك العفو و العافية و اليقين في الدنيا و الآخرة) ثلاث مرات، و يقول: (اللّهم آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ) ثلاث مرات، ثم يقول: (اللّٰه أكبر) مائة مرة، (لا إله إلا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 387

اللّٰه) مائة مرة، (الحمد للّٰه) مائة مرة، (سبحان اللّٰه) مائة مرة، ثم يقول: (لا إله إلا اللّٰه وحده وحده، أنجز وعده، و نصر عبده، و غلب الأحزاب وحده، فله الملك، و له الحمد، وحده وحده، اللّهم بارك لي في الموت، و في ما بعد الموت، اللّهم إني أعوذ بك من ظلمة القبر و وحشته، اللّهم أظلّني في ظل عرشك يوم لا ظلّ الا ظلك).

و يكثر من أن يستودع اللّٰه دينه و نفسه و أهله، ثم يقول: (استودع اللّٰه الرحمن الرحيم الذي لا تضيع ودائعه ديني و نفسي و أهلي، اللّهم استعملني على كتابك و سنة نبيك و توفّني على ملته و أعذني من الفتنة)، ثم يقول: (اللّٰه أكبر) ثلاث مرات، و يقرأ الدعاء السابق مرتين، ثم يقول: (اللّٰه أكبر) مرّة واحدة و يعيد الدعاء، فإن لم يستطع جميع ذلك فليأت بما تيسر له

منه.

المسألة 861:

ورد في مرفوعة علي بن النعمان قال: كان أمير المؤمنين (ع) إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم رفع يديه ثم قال: (اللّهم اغفر لي كل ذنب أذنبته قطّ، فإن عدت فعد عليّ بالمغفرة، فإنك أنت الغفور الرحيم، اللّهم افعل بي ما أنت أهله، فإنك إن تفعل بي ما أنت أهله ترحمني، و ان تعذّبني فأنت غني عن عذابي، و أنا محتاج الى رحمتك، فيا من أنا محتاج الى رحمته ارحمني، اللّهم لا تفعل بي ما أنا أهله، فإنك ان تفعل بي ما أنا أهله تعذّبني و لم تظلمني، أصبحت أتقي عدلك و لا أخاف جورك، فيا من هو عدل لا يجور ارحمني).

و مما ورد عنهم (ع) أن يقول: (يا من لا يخيب سائله و لا ينفذ نائله صلّ على محمد و آل محمد و أجرني من النار برحمتك)، و عن أبي عبد اللّٰه (ع): (من أراد أن يكثر ماله فليطل الوقوف على الصفا)، و في رواية أخرى: (فليطل الوقوف على الصفا و المروة).

كلمة التقوى، ج 3، ص: 388

المسألة 862:

و مما ورد أن يتوجه إلى الكعبة و هو على الدرجة الرابعة من الصفا و يقول: (اللّهم إني أعوذ بك من عذاب القبر و فتنته و غربته و وحشته و ظلمته و ضيقه و ضنكه، اللّهم أظلّني في ظلّ عرشك يوم لا ظل الا ظلك) ثم ينحدر منها و يكشف عن ظهره و يقول: (يا رب العفو، يا من أمر بالعفو، يا من هو أولى بالعفو، يا من يثيب على العفو، العفو العفو العفو، يا جواد يا كريم، يا قريب، يا بعيد، اردد علي نعمتك، و استعملني بطاعتك و مرضاتك).

المسألة 863:

يستحب أن ينحدر ماشيا قاصدا و عليه السكينة، و قد ذكرنا من قبل: أن المشي في السعي أفضل من الركوب، و القصد في المشي هو الاستواء أو التوسط، حتى يصل الى المنارة و هي أول المسعى (و يراد بالمسعى هنا الموضع الذي تستحب فيه الهرولة) فإذا بلغ المنارة سعى مل ء فروجه و هو أن يوسّع خطاه و يسرع و هو يقول:

(بسم اللّٰه و اللّٰه أكبر، و صلى اللّٰه على محمد و أهل بيته، اللّهم اغفر و ارحم، و تجاوز عما تعلم، انك أنت الأعز الأكرم، و اهدني للتي هي أقوم، اللّهم ان عملي ضعيف فضاعفه لي و تقبّله مني، اللّهم لك سعيي و بك حولي و قوتي، تقبل مني عملي يا من يقبل عمل المتقين)، و سعى هكذا مهرولا حتى يبلغ المنارة الأخرى، فإذا بلغها مشى و عليه السكينة و الوقار، و هو يقول: (يا ذا المن و الفضل و الكرم و النعماء و الجود اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، فإذا وصل الى المروة صعد عليها حتى يبدو له البيت، و

قرأ الأدعية و الأذكار التي مرّ ذكرها على الصفا.

و يستحب له أن يقول: (اللّهم يا من أمر بالعفو، يا من يجزي على العفو، يا من دلّ على العفو، يا من زيّن العفو، يا من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 389

يثيب على العفو، يا من يحب العفو، يا من يعطي على العفو، يا من يعفو على العفو، يا ربّ العفو، العفو العفو العفو)، و يستحب له إذا رجع من المروة أن يهرول ما بين المنارتين و يقرأ الأدعية الآنف ذكرها، و هكذا في كل شوط.

المسألة 864:

يستحب للإنسان أن يقول- و هو على الصفا و على المروة و ما بينهما في ذهابه و إيابه- ما ورد عن الإمام أبي الحسن موسى (ع):

(اللّهم إني أسألك حسن الظن بك في كل حال، و صدق النية في التوكل عليك).

المسألة 865:

إذا نسي الهرولة في موضعها أو نسي بعضها ثم تذكر و هو في أثناء الشوط رجع القهقرى الى الموضع و أتى بالهرولة المنسية في موضعها، و رجوع القهقرى هو المشي إلى الخلف من غير التفات.

المسألة 866:

الهرولة في موضعها مستحبة مؤكدة للرجال و ليست واجبة، فإذا نسيها الرجل أو تركها عامدا فلا شي ء عليه، و لا هرولة على النساء و ان اتفق فراغ المسعى لهن من الرجال، و يستحب للساعي إذا كان راكبا على دابة أن يسرع دابته في موضع الهرولة.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 390

الفصل التاسع عشر في التقصير
المسألة 867:

التقصير هو أن يأخذ الإنسان من طول شعره الموجود في رأسه أو لحيته أو يقص شيئا من أظفار يده أو رجله، و هو الواجب الخامس من واجبات عمرة التمتع، و هو واجب مستقل فيها كالتسليم الواجب في الصلاة يتحلل به من أحرم بالعمرة من محرمات إحرامه، و يكفيه أن يأخذ من شعر رأسه أو من شاربه أو لحيته أو حاجبه، أو من أي شعر في بدنه، أو يقلّم بعض أظفاره، سواء أخذ الشعر أو الظفر بحديد أو نحاس أو أي قاطع آخر و إن قرضه بأسنانه، و لا يكفي نتف الشعر عن قصّة.

المسألة 868:

يجب التقصير على المعتمر بعد الفراغ من السعي، و لا تجب عليه المبادرة له بعد السعي أو في المسعى، فيجوز له أن يؤخره حتى يرجع إلى منزله أو الى موضع غيره، أو الى وقت آخر و إن أخّره أياما.

المسألة 869:

التقصير واجب مستقل و هو عبادة من العبادات، و لذلك فلا بدّ في صحته من النية، و يلزم في نيته تعيين العمل المقصود و قصد القربة، و يكفيه أن يقول عند إرادة التقصير: (أقصّر للإحلال من عمرة التمتع لحج الإسلام حج التمتع امتثالا لأمر اللّٰه تعالى).

المسألة 870:

يتعين على من تمتع بالعمرة أن يقصّر للإحلال من عمرته،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 391

و لا يجزيه عن التقصير حلق الرأس، بل لا يجوز له حلق رأسه، و إذا حلق جميع رأسه وجب عليه أن يكفّر عن ذلك بذبح شاة إذا كان عالما بالحكم عامدا في فعله، و كذلك إذا حلقه ناسيا أو جاهلا على الأحوط لزوما، بل و كذلك إذا حلق بعض رأسه على الأحوط أيضا، و لا يكفيه ذلك عن التقصير الواجب عليه، و لا يكفيه حلق موضع آخر من بدنه، و إذا حلقه قبل أن يقصّر لزمته كفارة إزالة الشعر.

المسألة 871:

لا يجوز للمتمتع أو المعتمر أن يقصّر قبل ان يفرغ من السعي، و إذا قصّر قبل السعي أو قبل ان يتمه وجبت عليه الكفارة، و قد ذكرنا كفارة أخذ الشعر و تقليم الأظفار في فصل محرمات الإحرام.

المسألة 872:

إذا قصّر المتمتع بالعمرة بعد الفراغ من السعي أحلّ من إحرامه، و حلّ له كل شي ء حرم عليه بسبب الإحرام حتى النّساء و الطيّب و المخيط و غيرها، و تراجع المسألة الخمسمائة و الثالثة و الأربعون في ما يتعلّق بحلق الشعر بعد التقصير في عمرة التمتع، فقد فصّلنا حكم ذلك فيها.

المسألة 873:

لا يجب على المتمتع بالعمرة أن يطوف في عمرته طواف النساء لا قبل التقصير و لا بعده، و قد قلنا: ان النساء تحلّ له بالتقصير، و لا يحلّ له إتيانهن قبل أن يقصّر، و ان طاف لذلك طواف النساء، فإذا جامع زوجته قبل ان يقصّر وجب عليه أن يكفّر ببدنة، و كذلك حكم المرأة، و لا كفارة عليها إذا قصّرت من شعرها أو من أظفارها قبل الجماع.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 392

المسألة 874:

إذا ترك المتمتع التقصير في عمرته فلم يقصّر متعمدا حتى أحرم بحج التمتع بطلت متعته، و انقلب حجه الى حج افراد، فيجب عليه إتمامه، و لا يترك الاحتياط بأن يعتمر بعد حجه بعمرة مفردة و بقضاء الحج في السنة المقبلة، و إذا ترك التقصير ناسيا حتى أحرم بالحج لم تبطل متعته بذلك، فعليه أن يتم حج التمتع و لا شي ء عليه، و الأحوط له استحبابا أن يكفّر بدم شاة.

المسألة 875:

يستحب لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إذا قصّر في عمرته و أحلّ من إحرامه أن يتشبّه بالمحرمين فلا يلبس قميصا أو مخيطا، و لعل استحباب التشبه بالمحرمين يعم التشبه بهم في غير لباس المخيط أيضا.

المسألة 876:

إذا قصّر المتمتع في عمرته و أحلّ من إحرامه جاز له أن يطوف بالبيت ما يشاء من طواف مستحب و واجب عنه و عن غيره، و يجوز له إذا طاف الطواف الواجب في عمرته و صلى صلاة الطواف أن يطوف ما شاء من الطّواف المندوب قبل أن يأتي بالسعي الواجب أو بعده و قبل أن يقصّر، و يجوز له أن يقرن بين طوافين مندوبين من غير أن يصلي صلاة الطواف بينهما على كراهة.

المسألة 877:

بإتمام هذه الواجبات الخمسة التي تقدم تفصيلها: و هي الإحرام، و الطواف بالبيت، و صلاة ركعتي الطواف، و السعي بين الصفا و المروة، و التقصير، تتم أعمال عمرة التمتع، و يحل المتمتع من إحرامها، و هي النسك الأول من وظيفة المكلّف النائي الذي لا يكون أهله حاضري المسجد الحرام إذا وجب عليه حج الإسلام، و قد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 393

ذكرناها مجملة في الفصل التاسع، و النسك الثاني الذي يجب عليه هو حج التمتع، و واجباته ثلاثة عشر واجبا و قد مرّت الإشارة إليها في ذلك الفصل و سيأتي بيانها مفصلة إنشاء اللّٰه تعالى في الفصول اللاحقة.

المسألة 878:

إذا أحلّ المكلف من عمرة التمتع، ثم خرج بعد عمرته من مكة الى بعض الجهات بقصد التنزه مثلا أو لبعض الغايات غير المهمة، أثم و عصى بخروجه إذا كان عامدا، و لا يقدح ذلك بصحة عمرته و لا بصحة حجه إذا أتى به على الوجه المطلوب، و إذا فعل ذلك جاهلا أو ناسيا فلا إثم عليه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 394

الفصل العشرون في الإحرام بحج التمتع و آداب الخروج من مكة الى عرفات
المسألة 879:

الواجب الأول من واجبات حج التمتع الإحرام به، و هو أيضا ركن من أركانه فيبطل الحج إذا تركه المكلف متعمدا، و قد قلنا أكثر من مرة: إن ميعاد عمرة التمتع أشهر الحج، و نتيجة لذلك فإذا أحرم المكلّف بعمرة التمتع في أول أشهر الحج و أتم أعمالها و أحلّ من إحرامها صح له بعدها أن يحرم بحج التمتع و هذا هو أول وقته على الأصح، و يمتدّ وقته إلى أن يبقى من الزمان ما يتمكن الإنسان فيه من الإحرام بالحج و إدراك الركن من الوقوف الاختياري في عرفات و هو المسمى منه، فيتعين عليه ذلك و لا يسوغ له التأخير عنه.

و أول وقت الإحرام بحج القران و الإفراد هو أول أشهر الحج، و يمتدّ إلى أن يضيق الزمان في إدراك الموقف الاختياري الآنف ذكره، فيتعين على المكلف الإحرام فيه لإدراك الحج.

و ميقات حج التمتع هو مكة على ما سبق ذكره في المسألة الأربعمائة و الثالثة و الثمانين، و ميقات حج القران و الإفراد هو أحد المواقيت الخمسة أو ما يحاذيها عرفا، و منزله إذا كان أقرب إلى مكة من الميقات و الموضع المنذور لمن نذر الإحرام بالحج قبل الميقات، و قد بيّنا جميع هذا في فصل المواقيت.

المسألة 880:

يتحد إحرام الحج مع إحرام العمرة في الكيفية و الواجبات حتى

كلمة التقوى، ج 3، ص: 395

في نية اللبس لثوبي الإحرام، و يجري فيه جميع ما يجري في إحرام العمرة من الأحكام، حتى في ألفاظ التلبية الواجبة منها و المستحبة، و يسنّ فيه ما يسنّ لذلك من مقدّمات و آداب و أدعية و أذكار، حتى في اشتراط أن يحلّه حيث حبسه، فذكرها هنالك يغنينا عن اعادتها هنا، فليرجع

إليها من أحبّ في فصل الإحرام و في فصل مقدّمات الإحرام.

المسألة 881:

تجب النية في إحرام الحج، فيعيّن المكلف في نيته العمل و النسك، و يقصد القربة و الامتثال، و الأولى التلفظ، فيقول: أحرم بحج التمتع حج الإسلام امتثالا لأمر اللّٰه تعالى، و كذلك في نية حج القران و الافراد.

المسألة 882:

يجب أن يكون إحرام حج التمتع من مكة القديمة، و يجوز للمتمتع أن ينشئ إحرامه في أي موضع يشاء من مواضعها، و في أي شارع من شوارعها، دون المحلات و الأحياء الجديدة التي أضيفت إليها في العصور المتأخرة و قد تقدم منا بعض ما يشير إلى حدودها، و الأفضل أن يوقع إحرامه في المسجد الحرام، و أفضله أن يوقعه في مقام إبراهيم و في حجر إسماعيل، و قد ذكرنا هذا في المسألة الأربعمائة و الرابعة و الثلاثين.

المسألة 883:

يستحب أن يوقع إحرامه في يوم التروية، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع): (إذا كان يوم التروية- إن شاء اللّٰه تعالى- فاغتسل ثم البس ثوبيك، و ادخل المسجد حافيا، و عليك السكينة و الوقار ثم صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلّ المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما

كلمة التقوى، ج 3، ص: 396

قلت حين أحرمت من الشجرة، فأحرم بالحج و عليك السكينة و الوقار، فإذا انتهيت الى الرقطاء دون الرّدم فلب، فإذا انتهيت الى الرّدم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى).

و عن أبي بصير عنه (ع): (إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم. إلى أن قال (ع):

و اغتسل و البس ثوبيك ثم ائت المسجد الحرام فصلّ فيه ست ركعات قبل أن تحرم و تدعو اللّٰه و تسأله العون، و تقول: (اللّهم إني أريد الحج فيسّره لي و حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ) و تقول: (أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي من النساء و الثياب و الطيّب أريد بذلك وجهك

و الدار الآخرة، و حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ) ثم تلبي من المسجد الحرام كما لبّيت حين أحرمت، و تقول: (لبيك بحجة تمامها و بلاغها عليك)، فإن قدرت أن يكون رواحك إلى منى زوال الشمس، و إلا فمتى ما تيسر لك من يوم التروية.

و في الحديث الثاني و في غيره دلالة على أن الأفضل للمكلف أن يصلّي صلاة الظهر في منى بعد أن يحرم من المسجد في مكة، و دون ذلك في الفضل أن يصلّي الظهر في المسجد الحرام ثم يحرم بعد الصلاة.

و في الحديث الأول دلالة على أن الأفضل للمحرم أن يؤخّر التلبية بعد الإحرام من المسجد إلى أن يصل إلى الرقطاء، و يرفع صوته بالتلبية حين يشرف على الأبطح، و دون ذلك في الفضل أن يلبّي بعد الإحرام و هو في المسجد الحرام، و قد ذكرنا بعض هذا في المسألة الستمائة و الثامنة، و تلاحظ المسألة المشار إليها، فقد ألمحنا فيها الى تعيين المواضع التي ذكرت في الحديث الشريف.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 397

المسألة 884:

إذا لبّى المتمتع بعد إحرامه بالحج من مكة انعقد إحرامه و حرمت عليه جميع محرمات الإحرام التي تقدم ذكرها في فصل محرمات الإحرام، و إذا ارتكب شيئا منها لزمته كفارة ذلك الشي ء الذي فعله كما تقدم بيانها.

المسألة 885:

يستحب للرجل أن يجهر بالتلبية، و يستحب للمحرم الرجل و المرأة أن يأتي بالتلبيات المستحبة، و أن يكررها في أطراف الليل و النهار، و في كلّ صعود و نزول كما ذكرنا في آداب الإحرام.

المسألة 886:

يجوز لمن أحرم بحج التمتع أن يطوف بالبيت طوافا مندوبا أو أكثر من بعد إحرامه و قبل أن يخرج الى المشاعر على كراهة في ذلك، و إن كان الأحوط له استحبابا تركه، و لا يفتقر بعد الطواف الى تجديد التلبية، و يجوز لمن كان محرما بحج القران أو الافراد و دخل مكة أن يطوف بالبيت طوافا مندوبا قبل وقوفه بعرفات و المشعر الحرام، و الأحوط له أن يجدّد التلبية بعد صلاة الطواف و إذا تكرر منه الطواف جدّد التلبية بعد الصلاة في كل مرة، و قد ذكرنا هذا في المسألة الأربعمائة و الثامنة و الخمسين.

المسألة 887:

تلاحظ المسألة الخمسمائة و الرابعة و الثلاثون في حكم من ترك الإحرام من مكة في حج التمتع عامدا، أو تركه مضطرا لعروض بعض الأعذار التي أوجبت له عدم القدرة على الإحرام منها، فقد أوضحنا فيها أحكام ذلك، و ذكرنا في المسائل التي تليها حكم المتمتع إذا نسي الإحرام فلم يحرم من مكة و لا من غيرها، و حكمه إذا جهل ذلك فلم يحرم، و الفروض الأخرى التي تتعلق به و فصّلنا أحكامها

كلمة التقوى، ج 3، ص: 398

هناك و لا موجب للتكرار هنا.

المسألة 888:

لا يصح للمتمتع أن يحرم بحج التمتع قبل أن يتم أعمال عمرته و يحل من إحرامها بالتقصير، و لا يصح لمن أحرم بحج التمتع أو القران أو الافراد أن يحرم بعمرة مفردة حتى يتم أعمال حجه و يتحلّل من إحرامه، و قد سبق منا بيان هذا.

المسألة 889:

يستحب للحاج إذا توجّه إلى منى أن يقول: (اللّهم إيّاك أرجو و إيّاك أدعو فبلّغني أملي و أصلح لي عملي)، و أن يقول إذا وصل إليها: (الحمد للّه الذي أقدمنيها صالحا في عافية و بلّغني هذا المكان).

و يستحب له أن يقول عند دخولها: (اللّهم إن هذه منى و هي مما مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تمنّ عليّ بما مننت به على أنبيائك، فإنما أنا عبدك و في قبضتك).

المسألة 890:

يستحب له أن يبيت ليلة عرفة بمنى، و أن يكون في إقامته فيها ذلك اليوم و تلك الليلة مشغولا بما يمكنه من التعبد و الذكر للّه و التوجه إليه، و أن يؤدي صلواته المكتوبة في مسجد الخيف، و أن يعقّب فيه بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، ثم يفيض إلى عرفات بعد طلوعها، و دونه في الفضل أن لا يتجاوز وادي محسّر قبل طلوعها.

و الظاهر أنه يجوز الخروج من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس بل و قبل طلوع الفجر، و لا سيما للمشاة و أشباههم الذين يخافون التأخر و التعوق، و يخشون الزحام إذا خرجوا بعد ذلك.

المسألة 891:

ورد في حديث معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (ع): (إذا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 399

غدوت إلى عرفة فقل و أنت متوجه إليها: (اللّهم إليك صمدت و إياك اعتمدت و وجهك أردت، فأسألك أن تبارك لي في رحلتي، و أن تقضي لي حاجتي، و أن تجعلني ممن تباهي به اليوم من هو أفضل مني)، ثم تلبي و أنت غاد إلى عرفات).

كلمة التقوى، ج 3، ص: 400

الفصل الحادي و العشرون في الوقوف بعرفات و أحكامه و بعض آدابه
المسألة 892:

الواجب الثاني من واجبات الحج الوقوف في عرفات في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، من زوال الشمس في ذلك اليوم على الأحوط إلى المغرب الشرعي منه، و المغرب الشرعي هو ذهاب الحمرة التي تحدث في المشرق بعد غروب الشمس حتى تتجاوز قمة الرأس.

و يراد بالوقوف الواجب على الحاج في عرفات أن يكون فيها طول هذه المدة و يمكث في ضمن حدودها، سواء كان راكبا أم راجلا، و سواء كان واقفا على قدميه أم جالسا أم مضطجعا، و سواء كان مستقرا في موضع واحد أم متنقلا بين مواضع منها.

المسألة 893:

عرفة أو عرفات- على ما يقول أهل الخبرة و أهل البلاد من المؤرخين- ميدان واسع أرضه مستوية، يبلغ نحو ميلين طولا في مثلها عرضا، و هذا كله موقف، و من الموقف نفس الجبل المعروف بين الناس بجبل الرحمة، و اسمه إلال على ما ورد في الحديث عن الامام الصادق (ع)، و على ما يقوله المؤرخون أيضا، و إلال على وزن هلال، فيجوز الوقوف عليه على كراهة، و تزول الكراهة عند كثرة الناس و ازدحامهم في الموقف، و الفضل أن يكون الوقوف في السهل من أي جهة من جهات الجبل، و الأفضل الوقوف في ميسرة الجبل، و يراد بها الجانب الأيسر منه لمن استقبل القبلة، و يجوز الوقوف على الهضبات و التلال الموجودة في الموقف.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 401

المسألة 894:

لا يكفي الوقوف في نمرة و لا عرنة و لا ثوية و الأراك و ذي المجاز فهذه كلها حدود عرفة و ليست منها، و في الحديث عن أبي عبد اللّٰه (ع): اتق الأراك و نمرة و بطن عرنة و ثوية و ذا المجاز فإنه ليس من عرفة فلا تقف فيه، و بمضمونه أدلة أخرى.

و نمرة بفتح النون و كسر الميم موضع بقرب عرفات يقع بين طرف الحرم و طرف عرفات، و بطن عرنة بضم العين و فتح الراء و النون يكون ما بين العلمين اللذين هما حد عرفة و العلمين اللذين هما حد الحرم و لعله جزء من نمرة، و ذو المجاز موضع في خارج عرفات كانت العرب في الجاهلية تقيم فيه سوقا من أسواقها في أيام الموسم.

المسألة 895:

الوقوف في عرفات عبادة من العبادات فلا بدّ فيه من النية، فلا يصح من المكلف إذا حضر الموقف و هو غير قاصد أو كان قاصدا لأمر آخر، و يجب في نيته تعيين النسك و قصد القربة، فإذا قال عند الزوال أو قبله: أقف في هذا الموقف من زوال الشمس الى الغروب الشرعي في حج التمتع حج الإسلام امتثالا لأمر اللّٰه تعالى، صح عمله و كفاه في حصول الامتثال، و كذلك إذا كان في حج القران أو حج الإفراد.

و يجب أن يكون وقوفه عن اختيار، فلا يصح إذا جنّ أو أغمي عليه أو سكر قبل الوقت و لم يفق الا بعد خروجه، و كذلك إذا نام قبل الوقت و لم ينتبه الا بعد خروجه.

المسألة 896:

الواجب الركن من الوقوف بعرفات هو أن يحضر المكلّف في بعض الوقت الذي ذكرناه، من أول الوقت أو من آخره أو في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 402

أثنائه، بحيث يصدق عليه أنه حضر عرفات و وقف فيها مسمى الوقوف في وقتها الاختياري المذكور، و الباقي من الوقوف في الوقت واجب غير ركن، و النتيجة المعلومة لذلك: أن المكلّف إذا ترك الوقوف في جميع الوقت من أوله الى آخره و لم يدرك منه شيئا، و كان عامدا في فعله بطل حجه، و لا يصححه أن يحضر موقف عرفات في فترة من ليلة العاشر، و هي الوقت الاضطراري لعرفات كما سيأتي بيانه، و لا يصح حجه ان يحضر الوقوف في المشعر الحرام في وقته الاختياري أو في وقته الاضطراري- كما سيأتي-، سواء وقف في عرفات ليلة العيد أم لا، و على وجه الاجمال فلا يصح حجه في جميع الصّور، و كذلك الحكم في المكلّف

إذا كان جاهلا مقصّرا في تعلّم أحكامه، فإذا ترك الوقوف و لم يدرك الركن منه بطل حجه و جرى فيه حكم العامد.

المسألة 897:

إذا ترك المكلّف الوقوف في عرفات ناسيا أو ساهيا غير عامد، فإن تذكّره و الوقت الاختياري للوقوف بها لا يزال باقيا، وجب عليه أن يحضر و يتدارك الوقوف و لو بإدراك الركن، و هو مسمّى الوقوف، فإذا بادر و أدركه كذلك صح حجه، و إذا تركه بعد أن تذكره مع قدرته على الحضور و التدارك بطل حجه لتعمده، و إذا تذكر الوقوف بعد غروب الشمس و خروج الوقت وجب عليه أن يقف في عرفات فترة من ليلة العيد، و هي الوقت الاضطراري لها، ثم يفيض منها ليدرك الوقوف بالمشعر الحرام في وقته، و بذلك يصح حجه، و كذلك الحكم في المكلّف إذا كان جاهلا قاصرا، أو كان معذورا لبعض الطواري التي أوجبت له عدم القدرة فلم يدرك الموقف لعذرة، فيجري فيه الحكم الآنف بيانه، و إذا ترك المكلف الوقوف الاضطراري بعرفات في الصورة المذكورة في المسألة و لم يأت به بعد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 403

تذكره و ارتفاع عذره و كان عامدا قادرا بطل حجة.

المسألة 898:

في صحيحة معاوية بن عمّار الواردة عن أبي عبد اللّٰه (ع) في صفة حج الرسول (ص) يقول (ع): حتى انتهوا (و هو يعني الرسول و من معه من الناس في حجة الوداع)، حتى انتهوا إلى نمرة و هي بطن عرنة بحيال الأراك ضربت قبة الرسول، و ضرب الناس أخبيتهم عندها، فلما زالت الشمس خرج رسول اللّٰه (ص) و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية، حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس و أمرهم و نهاهم، ثم صلّى الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، ثم مضى الى الموقف فوقف به.

و الصحيحة ظاهرة الدلالة على أن الرسول (ص) و من

معه من المسلمين قد أخّروا الوقوف في عرفات عن أول الزوال حتى أتى مسجد نمرة و خطب في الناس، و صلى الظهر و العصر بعد الخطبة ثم توجه بهم حتى أتى الموقف فوقف به، و بمضمون هذه الصحيحة نصوص معتبرة أخرى، و لا محيد عن العمل بها، فيجوز للحاج أن يؤخر الوقوف عن أول الزوال حتى يغتسل و حتى يصلي الفريضتين كما ذكر ثم يتوجّه الى الموقف إذا كان قد ضرب خباءه في نمرة أو غيرها من حدود عرفة.

و يشكل الحكم بجواز التأخير، بل يمنع على الأحوط إذا كان لغير ذلك، كما إذا كان المكلّف قد اغتسل قبل الوقت أو كان لا يريد الغسل، و كما إذا كان في داخل حدود عرفة من أول الوقت و أراد تأخير الصلاة عن أول وقتها، فيجب عليه أن ينوي الوقوف من أول الزوال على الأحوط، و يأثم إذا ترك الوقوف و أخّره عامدا، و لا يفسد وقوفه و لا حجة بالتأخير إذا نوى الوقوف و وقف بعد ذلك.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 404

المسألة 899:

إذا أفاض الشخص من موقف عرفات قبل الغروب الشرعي من يوم عرفة، و كان متعمدا في خروجه منها، أثم بذلك و وجب عليه أن ينحر بدنة، و لا يفسد بذلك حجه إذا كان قد أتى بالركن الواجب عليه من الوقوف بعرفات، كما هو المفروض في المسألة، و إذا تاب و رجع الى عرفات قبل أن يخرج الوقت لم تجب عليه الكفارة، و إذا تاب و لم يرجع إليها لم تسقط عنه الكفارة على الأقوى، و مثال ذلك: أن يتوب بعد مضي الوقت، فلا فائدة في رجوعه إذا رجع و لا تسقط به الكفارة، و لا

تسقط الكفارة أيضا إذا رجع الى عرفات من غير توبة و مثال ذلك: أن ينسى بعض حوائجه في عرفات فيرجع إليها ليأخذ أمواله المنسية.

المسألة 900:

إذا أفاض الرجل من عرفات قبل الغروب و كان غير متعمد للمخالفة و مثال ذلك: أن يكون جاهلا قاصرا أو ساهيا أو ناسيا و لا يتذكر حتى يخرج الوقت، فلا اثم عليه و لا كفارة، و يشكل الحكم بسقوط الكفارة عنه إذا كان جاهلا مقصرا في تعلم الاحكام فلا يترك الاحتياط فيه.

و إذا أفاض منها قبل الغروب ساهيا أو ناسيا أو جاهلا قاصرا ثم تذكر أو علم بالحكم بعد خروجه منها وجب عليه الرجوع إذا كان ممكنا، فإن هو لم يعد إليها مع قدرته على العود كان آثما، و الأحوط له دفع الكفارة.

المسألة 901:

يجب عليه أن ينحر البدنة الآنف ذكرها في منى، و إذا لم يقدر على البدنة وجب عليه أن يصوم بدلا عنها ثمانية عشر يوما، و يتخير في أن يصومها في مكة أو في الطريق أو عند أهله بعد رجوعه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 405

إليهم، و لا يجب عليه التتابع في صيام الأيام المذكورة، و ان كان التتابع فيها أحوط استحبابا.

المسألة 902:

قد اتضح مما فصّلناه في المسائل السابقة أن للوقوف في عرفات وقتين، أحدهما وقت اختياري يجب على الحاج حضوره و الوقوف فيه في حال اختياره، و قد ذكرناه و ذكرناه مبدأه و نهايته، و بيّنا بعض أحكامه و لوازمه، و ثانيهما وقت اضطراري يجب حضوره و الوقوف فيه على من ترك الوقوف الاختياري فيها حتى انتهى وقته المحدود، لنسيان أو لسهو أو لجهل يعذر فيه، أو تركه لعذر يسقط معه التكليف بالوقوف في الوقت الأول، فيجب على هؤلاء الحضور في عرفات و الوقوف بها في الوقت الثاني، و الوقت الثاني الاضطراري هو الليلة العاشرة من ذي الحجة، و مبدأها من الغروب الشرعي في أول الليلة إلى طلوع الفجر منها، و الواجب من هذا الوقت هو أن يقف المعذور فترة من الليلة يصدق معها انه قد حضر عرفات و وقف فيها، و يكفيه أن يقف في أي جزء أمكن له الوقوف فيه من الليلة في أولها أو في أثنائها أو آخرها و ان كان قليلا، و لا يجب عليه استيعاب الليلة بالوقوف و لا قسم كبير منها.

و يشترط في صحة وقوفه في الوقت الاضطراري بعرفات أن لا يكون ذلك سببا في فوات الوقوف في المشعر الحرام قبل طلوع الشمس، فإذا علم أنه لا يدرك المشعر

في وقته إذا هو مضى الى عرفة و وقف فيها في ليلة العيد، أو خاف ذلك لم يجب عليه الحضور في عرفة ليلة العيد و لم يجز له ذلك، و وجب عليه البدار الى المشعر فلا يفوته الوقوف الاختياري فيه، فإذا أدركه صح حجة.

المسألة 903:

إذا أمكن للحاج الذي فاته الوقوف الاختياري بعرفات من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 406

ذوي الأعذار المذكورين، أن يقف فيها في الوقت الاضطراري على الوجه الذي بيّناه تعيّن عليه ذلك، و قام وقوفه الاضطراري مقام الاختياري و أصبح ركنا في حجه، فإذا تركه متعمدا بطل حجه، و لا يكفيه في تصحيح حجه أن يدرك المشعر الحرام في وقته الاختياري.

المسألة 904:

سنذكر ان شاء اللّٰه تعالى في الفصل الآتي أن الأحوط لزوما للحاج أن يبيت ليلة العاشر في المزدلفة حتى يصبح، و ان كان الوقوف الواجب فيها بعد طلوع الفجر، فيلزمه المبيت فيها على الأحوط مع الاختيار و نتيجة لذلك، فإذا أمكن للمعذور أن يؤدي الوقوف الاضطراري في عرفات في وقت سابق من ليلة العيد ثم يفيض الى المشعر الحرام و يدرك المبيت فيه جزءا من ليلته قبل الفجر و قبل الوقوف الواجب، تعيّن عليه أن يفعل ذلك على الأحوط، و إذا لم يمكن له ذلك وقف في عرفات ثم أفاض منها ليدرك الوقوف بالمشعر الحرام في وقته الاختياري و ان لم يدرك المبيت فيه.

المسألة 905:

إذا حكم القاضي من الجمهور بثبوت هلال ذي الحجة في يوم من الأيام، و لم يثبت ذلك عند الشيعة، و اقتضى ذلك أن يكون الوقوف في عرفات في اليوم المشكوك عند الشيعة أو في اليوم الثامن عندهم، و استدعت التقية ذلك، صح للمكلّف أن يقف في عرفات في يوم وقوفهم، و أن يقف في المشعر الحرام بعد الفجر من يوم عيدهم، و إذا عمل على وفق ذلك صح وقوفه و حجه، و برئت ذمته من التكليف بالحج، إذا كان واجبا عليه في ذلك العام، أو كان مستقرا في ذمته من عام سابق أو أكثر، و برئت ذمة الشخص المنوب عنه إذا كان المكلف نائبا في الحج عنه، و استحق الأجرة المسماة له إذا كان مستأجرا للنيابة، و سنتعرض لبقية أحكام هذا الحج في الفصل الآتي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 407

عند التعرض للوقوف في المشعر، و لإعمال الحج في يوم النحر و ما بعده فليلاحظ ذلك.

المسألة 906:

في الخبر عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه (ع): إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية، و اغتسل و عليك بالتكبير و التهليل و التحميد و الثناء على اللّٰه، و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين. و في صحيحة معاوية بن عمّار عنه (ع)، قال: (فإذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباك بنمرة، و نمرة هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل، و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، فإنما تعجّل العصر و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنه يوم دعاء و مسألة)، و يستحب له أن يأتي الموقف و عليه السكينة و الوقار.

المسألة 907:

يستحب كما قلنا من قبل أن يكون موقف الحاج في ميسرة الجبل، و أن يجمع أمتعته و رحله و أهله و أصحابه و يسدّ الخلل و الفرج الموجود في الموقف بنفسه و بهم.

المسألة 908:

يستحب له إذا أتى الموقف أن يحمد اللّٰه و يهلّله و يمجّده و يثني عليه بما هو أهله، و أن يقول: (اللّٰه أكبر) مائة مرة، (الحمد للّه) مائة مرة، (سبحان اللّٰه) مائة مرة، و أن يقرأ (قل هو اللّٰه أحد) مائة مرة، و أن يختار لنفسه ما أحب من الدعاء، و يجتهد في الدعاء و المسألة و التوبة و الاستغفار من الذنوب و الصلاة على الرسول و آله المطهّرين (ص)، و أن يستعيذ باللّه من الشيطان أن يذهله في هذا الموطن عن الإخلاص للّه و التوجه اليه، و أن يشتغل بالنظر الى نفسه و العمل لخلاصها و اسعادها عن النظر الى الناس و أفعالهم و حركاتهم في

كلمة التقوى، ج 3، ص: 408

الموقف.

و يستحب أن يقول في دعائه: (اللّهم اني عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك، و ارحم مسيري إليك من الفجّ العميق)، و أن يقول:

(اللّهم ربّ المشاعر كلّها فكّ رقبتي من النار، و أوسع عليّ من رزقك الحلال، و ادرأ عني شر فسقة الجن و الانس). و أن يقول: (اللّهم لا تمكر بي و لا تخدعني و لا تستدرجني). و أن يقول: (اللّهم إني أسألك بحولك و جودك و كرمك و فضلك و منّك، يا أسمع السامعين، و يا أبصر الناظرين، و يا أسرع الحاسبين و يا أرحم الراحمين، أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تفعل بي كذا و كذا) و يذكر حاجته و يستحب أن يقول و

هو رافع رأسه الى السماء: (اللّهم حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني، و التي إن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك خلاص رقبتي من النار).

و أن يقول: (اللّهم اني عبدك و ملك يدك، ناصيتي بيدك، و أجلي بعلمك، أسألك أن توفّقني لما يرضيك عني، و أن تسلّم مني مناسكي التي أريتها خليلك إبراهيم (ع)، و دللت عليها نبيك محمدا (ص)، و ان يقول: (اللّهم اجعلني ممن رضيت عمله و أطلت عمره، و أحييته بعد الموت حياة طيبة).

المسألة 909:

يستحب أن يقرأ دعاء الرسول (ص) الذي علّمه لعلي (ع) و قال له: هو دعاء من كان قبلي من الأنبياء و الدعاء هو أن يقول:

(لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، يحيي و يميت، و يميت و يحيي، و هو حي لا يموت، بيده الخير و هو على كل شي ء قدير، اللّهم لك الحمد أنت كما تقول، و خير ما يقول القائلون، اللّهم لك صلاتي و نسكي و ديني و محياي و مماتي، و لك ثرائي، و بك حولي، و منك قوتي، اللّهم إني أعوذ بك من الفقر، و من وسواس

كلمة التقوى، ج 3، ص: 409

الصدر، و من شتات الأمر، و من عذاب النار، و من عذاب القبر، اللّهم إني أسألك من خير ما تأتي به الرياح، و أعوذ بك من شر ما تأتي به الرياح، و أسألك خير الليل و خير النهار).

و أن يقول: (اللّهم اجعل في قلبي نورا، و في سمعي نورا، و بصري نورا، و لحمي و دمي و عظامي و عروقي و مفاصلي و مقعدي و مقامي و مدخلي و مخرجي، و أعظم لي

نورا يا ربّ يوم ألقاك، انك على كل شي ء قدير).

المسألة 910:

عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: (إذا أتيت الموقف فاستقبل البيت و قل: (سبحان اللّٰه) مائة مرة، (اللّٰه أكبر) مائة مرة، و تقول (مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لٰا قُوَّةَ إِلّٰا بِاللّٰهِ) مائة مرة، و تقول:

(أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، يحيي و يميت، و يميت و يحيي، بيده الخير و هو على كل شي ء قدير) مائة مرة، و تقرأ (الم ذٰلِكَ الْكِتٰابُ لٰا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ، وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مٰا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُولٰئِكَ عَلىٰ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لٰا يُؤْمِنُونَ، خَتَمَ اللّٰهُ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ وَ عَلىٰ سَمْعِهِمْ وَ عَلىٰ أَبْصٰارِهِمْ غِشٰاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ، وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ، يُخٰادِعُونَ اللّٰهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ مٰا يَخْدَعُونَ إِلّٰا أَنْفُسَهُمْ وَ مٰا يَشْعُرُونَ، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزٰادَهُمُ اللّٰهُ مَرَضاً وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ بِمٰا كٰانُوا يَكْذِبُونَ).

و تقرأ قل هو اللّٰه أحد ثلاث مرات، و تقرأ آية الكرسي، و تقرأ آية السخرة، و هي قوله تعالى:

كلمة التقوى، ج 3، ص: 410

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللّٰهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اسْتَوىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهٰارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً، وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّرٰاتٍ بِأَمْرِهِ أَلٰا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبٰارَكَ اللّٰهُ رَبُّ الْعٰالَمِينَ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ

لٰا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَ لٰا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلٰاحِهٰا وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّٰهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ). و تقرأ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّٰاسِ)، و تقول: (الحمد للّه على كل نعمة أنعم بها عليّ، مما أعلم و مما لا أعلم، و مما أحصي و مما لا أحصي)، و تذكر أنعمه عليك واحدة واحدة ما أحصيت منها، و تقول:

(الحمد للّه على ما أنعم به عليّ من أهل و مال، الحمد للّه على ما أبلاني، اللّهم لك الحمد على نعمائك التي لا تحصى بعدد، و لا تكافأ بعمل) و تحمده بكل آية ذكر فيها الحمد لنفسه في القرآن، و تسبّحه بكلّ تسبيح ذكر به نفسه في القرآن، و تكبّره بكل تكبير كبّر به نفسه في القرآن، و تهلّله بكل تهليل هلل به نفسه في القرآن.

و يستحب أن تصلي على محمد و آل محمد، و أن تكثر منها و تجتهد فيها، و أن تدعو اللّٰه بكل اسم سمّى به نفسه في القرآن، و بكلّ اسم تحسنه، و تدعوه بأسمائه التي ذكرها في آخر سورة الحشر، فتقول: (يا اللّٰه الذي لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ عٰالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ هُوَ الرَّحْمٰنُ الرَّحِيمُ، يا اللّٰه الذي لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلٰامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّٰارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحٰانَ اللّٰهِ عَمّٰا يُشْرِكُونَ، يا اللّٰه الْخٰالِقُ الْبٰارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). و تقول: (أسألك يا اللّٰه يا رحمن بكل اسم هو لك، و أسألك بقوتك و قدرتك و عزتك، و بجميع ما أحاط به علمك، و بجمعك و بأركانك كلها، و بحق رسولك

صلوات اللّٰه عليه و باسمك الأكبر الأكبر، و باسمك العظيم الذي من دعاك به كان حقا عليك أن لا تخيّبه، و باسمك الأعظم الأعظم الأعظم الذي من دعاك به

كلمة التقوى، ج 3، ص: 411

كان حقا عليك ان لا تردّه و أن تعطيه ما سأل، أن تغفر لي جميع ذنوبي في جميع علمك في)، و تسأل اللّٰه حاجتك كلها من أمر الآخرة و الدنيا، و ترغب إليه في الوفادة في المستقبل في كل عام، و تقول:

(أسأل اللّٰه الجنة) سبعين مرة، (أتوب الى اللّٰه) سبعين مرة، و تقول: (اللّهم فكّني من النار، و أوسع عليّ من رزقك الحلال الطيب و ادرأ عني شر فسقة الجنّ و الانس و شر فسقة العرب و العجم).

المسألة 911:

يستحب للإنسان أن يكثر في الموقف و في غيره من المشاعر و المواطن من الدعاء و الاستغفار لأبويه و لأولاده و لأرحامه و لإخوانه المؤمنين، و يسمي من يتذكره منهم بأسمائهم من الأحياء و الموتى و لا يختص ذلك بعدد معيّن، و يذكر من لم يسمّه منهم على نحو العموم، و ان يختار ذلك على الدعاء لنفسه ففي الخبر عن إبراهيم بن أبي البلاد أو عبد اللّٰه بن جندب قال: كنت في الموقف، فلما أفضت لقيت إبراهيم ابن شعيب فسلّمت عليه، و كان مصابا بإحدى عينيه، و إذا عينه الصحيحة حمراء كأنها علقة دم، فقلت له: قد أصبت بإحدى عينيك و انا و اللّٰه مشفق على عينك الأخرى فلو قصّرت من البكاء قليلا، قال: لا و اللّٰه يا أبا محمد، ما دعوت لنفسي اليوم بدعوة، فقلت:

فلمن دعوت؟ قال: دعوت لإخواني، فإني سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول: (من دعا لأخيه بظهر الغيب و

كلّ اللّٰه به ملكا يقول: و لك مثلاه، فأردت أن أكون أنا أدعو لإخواني و يكون الملك يدعو لي، لأني في شك من دعائي لنفسي، و لست في شك من دعاء الملك لي)، و عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع): (من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش، و لك مائة ألف ضعف مثله).

المسألة 912:

يجب أن يكون الإنسان حسن الظن باللّه أن يغفر له ذنوبه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 412

و يقضي له حوائجه إذا هو وقف في المواقف و أدّى الأعمال، ففي الخبر عن أبي عبد اللّٰه (ع) و قد سأله رجل في المسجد الحرام: من أعظم الناس وزرا فقال (ع): (من يقف بهذين الموقفين: عرفة و المزدلفة، و سعى بين هذين الجبلين، ثم طاف بهذا البيت، و صلى خلف مقام إبراهيم، ثم قال في نفسه و ظن ان اللّٰه لم يغفر له، فهو من أعظم الناس وزرا).

المسألة 913:

يستحب للحاج استحبابا مؤكدا أن يكون على طهارة في حال وقوفه بعرفات، و لا يجب عليه ذلك.

المسألة 914:

يجوز للحاج في وقوفه بعرفات أن يدعو بأي دعاء ينشئه أو يختاره، و لا يتعيّن عليه شي ء من ذلك، و الأفضل أن يدعو بالمأثور عن المعصومين (ع)، و قد سبق ذكر بعضها، و من المأثور عنهم (ع) دعاء الإمام أبي عبد اللّٰه الحسين (ع) الذي دعا به في موقف عرفات، و هو دعاء عظيم الشأن كبير المقاصد، فليغتنمه الحاج في هذا الموقف الشريف و غيره، و من المأثور أيضا دعاء ولده الامام زين العابدين (ع)، و هو الدعاء السابع و الأربعون من أدعية الصحيفة السجادية فليطلبه فيها أو في غيرها من المصادر، و للإمام زين العابدين (ع) دعاء آخر في يوم عرفة يرويه الشيخ الطوسي (قدس اللّٰه سره) في كتابه (مصباح المتهجد).

المسألة 915:

يستحب له أن يقول إذا أشرفت الشمس على الغروب: (اللّهم إني أعوذ بك من الفقر و من تشتت الأمر و من شر ما يحدث بالليل و النهار، أمسى ظلمي مستجيرا بعفوك، و أمسى خوفي مستجيرا بأمانك، و أمسى ذلي مستجيرا بعزك، و أمسى وجهي الفاني

كلمة التقوى، ج 3، ص: 413

مستجيرا بوجهك الباقي، يا خير من سئل و يا أجود من أعطى، جلّلني برحمتك و ألبسني عافيتك و اصرف عني شر جميع خلقك).

و يستحب له أن يقول إذا غربت الشمس: (اللّهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف، و ارزقنيه من قابل أبدا ما أبقيتني، و اقبلني اليوم مفلحا منجحا مستجابا لي، مرحوما مغفورا لي بأفضل ما ينقلب به اليوم احد من وفدك و حجاج بيتك الحرام، و اجعلني اليوم من أكرم وفدك عليك و أعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من الخير و البركة و الرحمة و الرضوان و المغفرة و بارك

لي في ما أرجع اليه من أهل و مال أو قليل أو كثير و بارك لهم في).

المسألة 916:

إذا طرأ للحاج عارض من مرض و نحوه فاضطر معه إلى الإفاضة من عرفات قبل وقت الإفاضة جاز له ذلك و لا كفارة عليه، و كذلك إذا خرج به السائق عن حدود عرفة قبل المغرب الشرعي بغير علم منه، أو كان لا يقدر على منعه من الخروج، فلا شي ء عليه.

المسألة 917:

إذا غابت الشمس و ذهبت الحمرة عن المشرق، و زالت الى قمة الرأس كما ذكرناه هنا و كما بيّنا في الغروب الشرعي من مبحث الوقت في الصلاة، جاز للحاج أن يفيض من عرفات ليذكر اللّٰه عند المشعر الحرام، و ان يخرج من حدود الموقف الأول و يتوجه الى الموقف الثاني، و يستحب له أن يكون في إفاضته على سكينة و وقار، و أن يكون في مسيره قاصدا متوسطا بين الإسراع و الإبطاء، و أن يشتغل في حال مسيره بالدعاء و الاستغفار كما يقول سبحانه (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفٰاضَ النّٰاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فإذا بلغ الى الكثيب الأحمر، و هو يقع عن يمين الطريق استحب له أن يقول: (اللّهم ارحم موقفي و زد في عملي و سلّم لي ديني و تقبّل

كلمة التقوى، ج 3، ص: 414

مناسكي)، و ليسر سيرا جميلا و ليتق اللّٰه ربه، فلا يطأ ضعيفا أو مسلما و لا يشرك في عنت انسان، و يستحب له أن يكبّر بين المأزمين إذا مرّ بينهما.

المسألة 918:

يستحب للحاج إذا أفاض من عرفات أن يؤخر صلاة المغرب و العشاء حتى يصل الى المزدلفة، فيصليهما فيها و إن مضى شطر من الليل، و ان يجمع بينهما بأذان واحد و إقامتين، و لا يصلي النافلة بينهما فإذا فرغ من الفريضتين صلى النافلة بعدهما إذا شاء.

المسألة 919:

يستحب له مع الإمكان أن يكون نزوله في المزدلفة ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر، و يراد بالمشعر هنا جبل في الوادي يسمى قزح، و عليه مسجد معروف، و الجبل المذكور و المسجد المبني عليه يعرفان عند العامة من أهل تلك البلاد بالمشعر، و يستحب للحاج إذا كان صرورة أن يطأ المشعر برجله، و الصرورة هو الذي لم يحج من قبل هذا و ان كان قد اعتمر.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 415

الفصل الثاني و العشرون في الوقوف بالمزدلفة و أحكامه
المسألة 920:

الأحوط احتياطا لازما للحاج- بعد إفاضته من عرفات- أن يبيت ليلة العاشر من ذي الحجة في المزدلفة حتى يصبح، بل القول بوجوب المبيت فيها لا يخلو من قوة، و النصوص و ان كانت غير صريحة في ذلك، و لكن يستفاد من مجموع أدلة المسألة المفروغية عنه، و لذلك فعلى الحاج أن لا يتركه و لا يتسامح فيه إذا كان مختارا غير معذور، و ينوي المبيت في المزدلفة في الحج امتثالا لأمر اللّٰه المتوجّه اليه بذلك.

المسألة 921:

المزدلفة و المشعر الحرام و جمع أسماء ثلاثة لموضع واحد، و هو الموقف الثاني الذي يجب الوقوف فيه في الحج، و قد سبق في المسألة التسعمائة و التاسعة عشرة أن العامة من أهل تلك البلاد يسمون جبل قزح الموجود في الوادي و المسجد المؤسس عليه باسم المشعر الحرام، و لكن ورد في معتبرة أبي بصير عن الإمام أبي عبد اللّٰه (ع) انه قال: و المشعر من المزدلفة و المزدلفة من المشعر، و نتيجة لذلك فلا فرق ما بينهما في الحكم.

و حد المزدلفة من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر، و في صحيحة زرارة عن الإمام أبي جعفر (ع): حدّها ما بين المأزمين إلى الجبل الى حياض محسّر، و ظاهر الصحيحة أن الحياض من وادي محسّر أو هي متصلة به، و ليست حدا للمزدلفة من ناحية أخرى، و الجبل المذكور في الصحيحة حد من حدود المزدلفة من أحد جوانبها

كلمة التقوى، ج 3، ص: 416

و ليس المراد به جبل قزح فلا يلتبس الأمر في ذلك.

و الحدود المبيّنة ليست من وادي المزدلفة، فلا يجوز للحاج أن يقف في الحياض أو في وادي محسّر، و لا يقف في المأزمين، إلا إذا كثر الناس

و ضاق وادي المزدلفة عنهم، فيجوز عند ذلك الارتفاع إلى المأزمين، و قد وردت الرخصة الشرعية به في هذا الحال، و لا يصح في غير ذلك، و قد سبق أن جبل قزح من المزدلفة فيصح الوقوف عليه، و يصح الوقوف في ما بعده الى حد الوادي من تلك الجهة، و هكذا من الجهات الأخرى.

المسألة 922:

الواجب الثالث من واجبات الحج: الوقوف في المزدلفة من طلوع الفجر الى طلوع الشمس من اليوم العاشر من ذي الحجة.

و المراد بالوقوف الواجب هنا أيضا: الكون في الموقف المحدود و الحضور فيه على نهج ما ذكرناه في الوقوف بعرفات، فيجوز للحاج أن يمكث المدة المبيّنة في الوادي راكبا أو راجلا، و واقفا على قدميه أو جالسا أو مضطجعا، و لا يجب على الحاج أن يستوعب جميع المدة ما بين الطلوعين في الوقوف على الأقوى، فيجوز له أن يفيض من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس إذا كان قد وقف فيها مدة يتأدى بها الواجب بعد طلوع الفجر، و إذا تأخّر في وقوفه عن أول الفجر لعذر أو لغير عذر لم يجز له أن يفيض حتى يؤدي الواجب قبل طلوع الشمس.

المسألة 923:

يجب على الحاج أن ينوي الوقوف الواجب في المزدلفة في أوله، فإذا كان ممن لم يدرك المبيت في المزدلفة و وصل إليها عند طلوع الفجر نوى الوقوف في المزدلفة من الفجر الى طلوع الشمس في حج التمتع مثلا حج الإسلام لوجوبه امتثالا لأمر اللّٰه، و كذلك إذا تأخّر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 417

وقوفه عن أول الفجر و أدركه قبل طلوع الشمس، فعليه أن ينوي الوقوف الواجب من ذلك الوقت الى مطلع الشمس.

و إذا أدرك المبيت في المزدلفة و لو شطرا صغيرا من الليل، فالأحوط له أن ينوي الوقوف فيها من ذلك الوقت الى طلوع الشمس في حج الإسلام امتثالا لأمر اللّٰه المتوجه اليه به، فإذا طلع الفجر جدّد نية الوقوف من الفجر الى طلوع الشمس لوجوبه امتثالا لأمر اللّٰه تعالى.

المسألة 924:

الركن من الوقوف في المزدلفة- و هو الذي يبطل الحج إذا تعمد المكلف تركه- هو الوقوف فيها فترة من الوقت يصدق معها انه أتى بمسمّى الوقوف في المزدلفة، فإذا وصل الحاج إلى المزدلفة عند الفجر و وقع فيها الى طلوع الشمس، فالمسمّى من هذا الوقوف هو الركن، و الباقي منه وقوف واجب غير ركن، و إذا تأخّر فلم يقف عند الفجر ثم وقف فيها قبل طلوع الشمس صح حجه لإدراكه الركن، و أثم بتركه الوقوف الواجب بعد الفجر إذا كان عامدا، و إذا هو ترك الوقوف متعمدا فلم يقف فيها قبل الفجر و لا بعده حتى طلعت الشمس أثم و بطل حجة.

المسألة 925:

إذا وقف الحاج في المزدلفة في ليلة العاشر قبل الفجر فقد أدرك الركن من الوقوف على الأقوى، فإذا أفاض من المزدلفة ليلا بعد ما وقف فيها و ترك الوقوف فيها بعد الفجر عامدا أثم بذلك لأنه ترك وقوفا واجبا، و صح حجه لأنه قد أدرك الركن كما قلنا، و وجب عليه أن يجبره بشاة، و إذا أفاض منها ليلا بعد ما وقف فيها و كان جاهلا- صح حجه، و لا شي ء عليه، و إذا تنبّه من جهله بعد ما أفاض وجب عليه الرجوع الى المزدلفة لإدراك الواجب و هو الوقوف

كلمة التقوى، ج 3، ص: 418

بعد الفجر، فإذا تعمّد و لم يرجع ففي وجوب الجبر بشاة إشكال و لا يترك الاحتياط، و كذلك الحكم في الساهي.

المسألة 926:

يجوز للخائفين و الضعفاء من الشيوخ و العجزة و المرضى، و للنساء و الصبيان أن يقفوا في المزدلفة ليلا، ثم يفيضوا منها إلى منى قبل طلوع الفجر و لا شي ء عليهم، و يصح بذلك حجهم، و كذلك من يتولى شؤون النساء و الصبيان و ان كان من غير الأصناف المذكورين، و الأحوط أن يكون ذلك بعد انتصاف الليل، و مثلهم في الحكم من يلزمه من البقاء الى طلوع الفجر و الوقوف ما بين الطلوعين حرج أو ضرر لا يتحمل عادة.

المسألة 927:

يجوز للحاج- حتى في حال الاختيار- أن يفيض من المزدلفة قبل طلوع الشمس إذا كان قد وقف فيها من الليل الى ذلك الوقت، أو كان قد وقف فيها من طلوع الفجر الى ذلك الوقت، و لا تجوز له الإفاضة قبل أن يحصل منه مسمّى الوقوف.

المسألة 928:

إذا لم يدرك الإنسان المزدلفة لسبب يعذر من أجله، فلم يقف فيها ليلة العاشر، و لم يقف فيها بعد طلوع الفجر منه، لنسيان استمر معه الى أن طلعت الشمس أو لسهو عرض له كذلك أو لعذر آخر منعه من الحضور و الوقوف طول تلك المدة، ثم زال العذر بعد ذلك، وجب عليه أن يقف فيها ما بين طلوع الشمس الى وقت زوالها من يوم النحر، فإذا وقف فيها في هذا الوقت أجزأه ذلك على ما سيأتي تفصيله، و هذا هو الوقت الاضطراري للوقوف بالمزدلفة للمعذورين و المضطرين، و لا يكفي الوقوف فيه مع الاختيار.

فإذا استطاع المعذور أن يقف في هذا الوقت وجب عليه أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 419

يدركه، و إذا تركه عامدا مع الاستطاعة بطل حجه، و لا يجب عليه أن يستوعب جميع هذه المدة بالوقوف، بل يكفيه أن يقف فترة قصيرة منه يصدق بها مسمّى الوقوف في المزدلفة، على نهج ما أوضحناه في الموقف الاضطراري بعرفات، و قد سبق بيانه في المسألة التسعمائة و الثانية.

المسألة 929:

إذا استمر بالحاج المعذور عذره المانع له عن الحضور في المزدلفة حتى خرج الوقت الاضطراري للوقوف فيها، فلم يقف بها في الوقت الاختياري و لا في الوقت الاضطراري فللمسألة صور ثلاث:

الصورة الأولى: أن يكون قد أدرك الوقوف في عرفات في وقتها الأول الاختياري، و ترك الوقوف بالمشعر، لجهله بوجوب الوقوف فيه، فإن كان قد عبر على المشعر في ليلة العاشر لمّا أفاض إلى منى من عرفات صح بذلك حجه، و ان لم يعبر بالمشعر في ليلة العاشر أشكل الحكم بصحة حجه.

الصورة الثانية: أن يكون أدرك الوقوف في عرفات في وقتها الاختياري و ترك الوقوف بالمشعر لنسيان أو

اضطرار، و الحكم بصحة الحج في هذه الصورة مشكل أيضا، سواء مرّ بالمشعر في ليلة العاشر أم لا.

الصورة الثالثة: أن يكون قد فاته الوقوف الاختياري في عرفات ثم فاته الوقوف في المشعر في الوقت الاختياري و الاضطراري معا، و الظاهر بطلان حجه في هذه الصورة و ان كان معذورا في ترك الوقوف فيهما.

المسألة 930:

ذكرنا أكثر من مرة أن للوقوف بعرفة وقتا اختياريا لا يجوز التأخر عن الوقوف فيه للمكلف المختار، و هو ما بين زوال الشمس

كلمة التقوى، ج 3، ص: 420

من اليوم التاسع الى المغرب الشرعي منه، و الركن هو المسمّى من الوقوف في مجموع هذا الوقت، و له وقت اضطراري يجب على المكلف الوقوف فيه إذا فاته الوقت الأول لعذر من الأعذار، و هو ليلة العاشر، و الركن منه هو المسمّى أيضا.

و ذكرنا كذلك أن للوقوف في المزدلفة وقتا اختياريا و هو ما بين طلوع الفجر و طلوع الشمس من يوم النحر، و إذا كان المكلف قد بات في المزدلفة، فالوقت الاختياري من أول وقوفه في الليل الى مطلع الشمس من يوم النحر، و الركن هو المسمّى من الوقوف فيه، و له وقت اضطراري يجب على المكلف أن يقف فيه إذا فاته الوقوف الاختياري فلم يدركه لعذر من الأعذار، و هو ما بين طلوع الشمس و وقت الزوال من يوم النحر، و الركن منه هو المسمّى من الوقوف فيه، و قد أعدنا ذكر هذا تمهيدا لبيان الأحكام في إدراك الوقوفين معا أو إدراك أحدهما في المسائل الآتية فإن ادراك الحاج للوقوفين أو لأحدهما يقع على وجوه:

المسألة 931:

الوجه الأول: ان يقف الحاج في عرفات في وقتها الاختياري كلّه، أو يؤدّي الواجب الركن منه- على الأقل- ثم يفيض منها إلى المزدلفة فيقف بها وقوفها الاختياري التام أو الركن منه، و لا ريب في الحكم بأن هذا الحاج قد أدرك الوقوفين و صح حجه، و إذا هو ادّى الركن من الوقوفين و ترك الوقوف غير الركن فيهما أو في أحدهما عامدا، أثم بذلك و صح حجه، لانه قد ادّى

الركن كما فرضنا.

المسألة 932:

الوجه الثاني: أن يكون الحاج معذورا فيقف في عرفات ليلا في وقتها الاضطراري على الوجه الصحيح، ثم يفيض بعدها الى المشعر الحرام فيقف به في وقته الاختياري كلّه أو يؤدّي الركن منه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 421

فيصح أيضا وقوفه بذلك و يصح حجه، و إذا تعمّد فلم يقف في المشعر في بعض الوقت الواجب، و لكنه ادّى الركن منه، أثم بترك الواجب، و صح حجه.

و قد سبق منا أن الوقوف في المشعر ليلا يكفي الحاج في تأدية الركن من الوقوف فيه، و نتيجة لذلك فإذا وقف ليلا و أفاض من المشعر قبل الفجر، و ترك الوقوف الواجب بعده صح حجه، و لا شي ء عليه إذا كان جاهلا أو معذورا ببعض الأعذار المسوّغة، و أثم بتركه الموقف بعد الفجر إذا كان عامدا في فعله غير معذور، و وجب عليه أن يجبره بشاة، و تراجع المسألة التسعمائة و الخامسة و العشرون، و هذا كلّه إذا كان وقف في الوقت الاضطراري من عرفات.

المسألة 933:

الوجه الثالث: أن يقف الحاج في عرفات في وقتها الاختياري وقوفا تاما أو بمقدار يدرك الركن من الوقوف الواجب فيه، ثم يعرض له أحد الأعذار المانعة فلا يبلغ المزدلفة حتى تطلع الشمس من اليوم العاشر، فيقف فيها في وقتها الاضطراري بعد طلوع الشمس و قبل الزوال، فيصح بذلك وقوفه و يصح حجة.

المسألة 934:

الوجه الرابع: أن يعرض للحاج أحد الموانع فيدرك بسببه وقوف عرفات في وقتها الاضطراري ثم يدرك المزدلفة في وقتها الاضطراري أيضا من غير اختيار له فيهما، فإذا وقف فيهما صح وقوفه و حجه.

و الأحوط استحبابا له أن يعيد الحج في السنة المقبلة إذا كان الحج قد استقر في ذمته من عام سابق، أو بقيت استطاعته إلى السنة الآتية أو تجددت له استطاعة أخرى بعد زوال الأولى.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 422

المسألة 935:

الوجه الخامس: أن يقف الحاج في عرفات في وقتها الاختياري في جميع الوقت أو يدرك الركن الواجب منه، ثم يعرض له أحد الموانع فلا يدرك المزدلفة أصلا، لا في وقتها الاختياري و لا في وقتها الاضطراري، فإن كان السبب الذي ترك من أجله وقوف المزدلفة هو الجهل، و كان قد مرّ عابرا بالمزدلفة ليلا في أثناء إفاضته من عرفات إلى منى و ان لم يمكث بالمزدلفة برهة من الوقت، فالظاهر صحة حجه في هذه الصورة، سواء كان السبب جهله بالمزدلفة أم جهله بوجوب الوقوف فيها.

و ان كان قد ترك الوقوف في المزدلفة لنسيان أو لسبب آخر غير الجهل ففي صحة حجه إشكال، و كذلك إذا كان السبب هو الجهل و لم يعبر بالمزدلفة ليلا، و مثال ذلك: أن يبقى في عرفات ثم يفيض منها بعد الزوال من يوم النحر فيشكل الحكم بصحة حجة.

المسألة 936:

الوجه السادس: أن يفوت الحاج وقوف عرفات لبعض الاعذار فلا يقف بها في وقتها الأول و لا في وقتها الثاني، ثم يدرك المزدلفة فيقف بها في وقتها الاختياري، و مثال ذلك: أن يصل الحاج إلى مكة في ليلة النحر و لا يمكنه الوصول فيها الى عرفات، فإذا خرج الى المزدلفة و أدرك الوقوف الاختياري فيها صح وقوفه و حجه.

المسألة 937:

الوجه السابع: أن يدرك الحاج عرفات في وقتها الاضطراري فيقف فيه خاصة و لا يدرك المزدلفة في كلا الوقتين، و الظاهر بطلان حجه، و يجب عليه أن يحوّل النية في إحرامه إلى عمرة مفردة، فإذا أتمها تحلل من إحرامه، و لم يكفه ذلك عن الحج.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 423

المسألة 938:

الوجه الثامن: أن يفوت الحاج موقف عرفات فلا يقف به في كلا الوقتين، و يدرك الوقوف في المشعر في وقته الاضطراري خاصة، و يشكل الحكم بصحة الحج أو ببطلانه في هذه الصورة، و لا يترك الاحتياط بأن يأتي بباقي الأعمال بقصد إتمام الحج ان كان حجه في الواقع صحيحا، و يقصد العمرة المفردة ان كان حجه باطلا، ثم يعيد الحج في العام المقبل.

المسألة 939:

إذا لم يدرك الحاج وقوفا في عرفات، و لا وقوفا في المزدلفة، لا في الوقت الاختياري منهما معا و لا في الوقت الاضطراري، بطل حجه، و وجب عليه أن يحول النية في إحرامه إلى عمرة مفردة و يجب عليه أن يتمّها و يتحلل من إحرامه بها، ثم يجب عليه الحج في السنة المقبلة إذا كان الحج قد استقر في ذمته، أو بقيت استطاعته إلى السنة القادمة، أو تجددت استطاعته للحج بعد زوالها.

المسألة 940:

إذا ترك الحاج وقوف عرفات أو وقوف المشعر في الوقت الاختياري منهما عامدا من غير عذر، فلم يأت حتى بمقدار الركن من الوقوف فسد حجه، و كذلك إذا ترك الوقوف في الوقت الاضطراري من أحدهما عامدا بعد ما وجب عليه بسبب من الأسباب، فيبطل حجه بترك الركن عامدا و قد تقدم ذكر هذا، و يمكن القول بفساد إحرامه، و ان كان الأحوط أن يأتي بأعمال العمرة المفردة برجاء المطلوبية، ثم يجب عليه أن يستأنف الحج في السنة القادمة إذا كان الحج واجبا عليه أو وجب عليه باستطاعة جديدة بعد زوال الأولى.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 424

المسألة 941:

إذا حكم الحاكم من قضاة الجمهور بثبوت هلال ذي الحجة، فكان يوم عرفة و يوم النحر الثابت عندهم مشكوكي الثبوت عند الشيعة أو كانا معلومي المخالفة عندها، وجب على الحاج الشيعي أن يجري في أحكام الموقفين على وفق ما تقتضيه التقية في كل من الفرضين المذكورين، فيؤدي الوقوف الاختياري و الوقوف الاضطراري في عرفة و في المشعر الحرام على طبق ذلك، و تلزمه أحكامهما التي تقدم تفصيلها، و يجزيه ذلك كما بيّناه في المسألة التسعمائة و الخامسة، و يجب عليه أن يجري وفق أحكام التقية كذلك في أعمال منى و أعمال مكة في يوم النحر و أيام التشريق: إذا كان يوم الهلال الثابت عندهم مشكوك الثبوت عند الشيعة، و يحتمل مطابقته الواقع، فيلزمه تطبيق أحكام التقية في جميع ذلك، و تبرأ بتطبيقها ذمته، بل لا مسوّغ له في التأخير و لا سيما إذا كانت التقية شديدة.

و إذا كان يوم الهلال الثابت عندهم معلوم المخالفة عند الشيعة، وجب على الحاج تطبيق أحكام التقية في الموقفين كما ذكرنا و عليه أن

يؤخر أعمال الحج في منى و في مكة إلى يوم النحر و أيام التشريق عند الشيعة و لا يجري فيها وفق التقية.

المسألة 942:

إذا اقتضت التقية أن يعمل وفق حكم الجمهور في موقف عرفات وجب على الحاج أن يقف في اليوم التاسع عندهم كما قلنا و أما الوقوف نفسه فيجب على الحاج أن يجري فيه وفق مذهبنا لا وفق التقية، فلا تجوز الإفاضة فيه قبل المغرب الشرعي، و هكذا في سائر أحكام الوقوف، و كذلك في موقف المزدلفة فيقف فيه في ليلة النحر وفق حكمهم، و لكن المبيت و الوقوف فيها و الإفاضة منها يجب الجري

كلمة التقوى، ج 3، ص: 425

فيها و في أحكامها وفق مذهبنا، إلا إذا استدعت التقية الجري عليها في ذلك، و كذلك أعمال منى في يوم النحر و غيرها إذا كان حكم الحاج فيها أن يأتي بها في يوم النحر عندهم، فالتقية انما تقتضي أن يتبع حكمهم في تعيين اليوم وفقها لا في كيفية الأعمال و أحكامها فيلزم الحاج العمل فيها وفق مذهبنا، إلا إذا ألزمته التقية بموافقتهم في الأعمال و الأحكام.

المسألة 943:

يستحب للمكلف إذا نزل المزدلفة في ليلتها أن يقول ما روي عن أبي عبد اللّه (ع): (اللّهم هذه جمع، اللّهم إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير، اللّهم لا تؤيسني من الخير الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي، و أطلب إليك أن تعرّفني ما عرّفت أولياءك في منزلي هذا و أن تقيني جوامع الشر).

المسألة 944:

عنه (ع): (ان استطعت أن تحيي تلك الليلة فافعل، فإنه بلغنا أن أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين، لهم دوي كدويّ النحل، يقول اللّه جلّ ثناؤه (أنا ربكم و أنتم عبادي أديتم حقي، و حقّ عليّ أن أستجيب لكم)، فيحطّ تلك الليلة عمّن أراد أن يحطّ عنه ذنوبه و يغفر لمن أراد أن يغفر له).

المسألة 945:

يستحب للمكلف أن يصبح على طهارة، فإذا صلّى صلاة الفجر وقف بعدها، و تخيّر في الوقوف في أي موضع يختاره من الوادي، و أن يكون في وقوفه متوجها الى القبلة، و أن يحمد اللّه و يثني عليه بما هو أهله، و يذكر من آلائه و نعمائه و بلائه ما يقدر على ذكره و تعداده.

و ليقل: (أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 426

و ليذكر الأئمة (ع) واحدا بعد واحد و ليدع لهم و ليبرأ من عدوهم.

المسألة 946:

يستحب له أن يقول: (اللّهم ربّ المشعر الحرام فكّ رقبتي من النار و أوسع عليّ من رزقك الحلال الطيب و ادرأ عني شر فسقة الجن و الانس، اللّهم أنت خير مطلوب اليه و خير مدعوّ و خير مسئول، و لكل وافد جائزة، فاجعل جائزتي في موطني هذا ان تقيلني عثرتي و تقبل معذرتي و أن تجاوز عن خطيئتي، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي).

المسألة 947:

مما ورد عنهم (ع) أن يكثر الإنسان في الموقف من الدعاء لنفسه و لوالديه و أولاده و أهله و ماله، و لإخوانه المؤمنين و المؤمنات، و أن يجتهد و يلح في الدعاء.

المسألة 948:

و مما أثر عنهم (ع) أن يقول: (اللّه أكبر) مائة مرة، (الحمد للّه) مائة مرة، (سبحان اللّه) مائة مرة، (لا إله إلا اللّه) مائة مرة، ثم يصلّي على النبيّ (ص) و يقول: (اللّهم اهدني من الضلالة و انقذني من الجهالة، و اجمع لي خير الدنيا و الآخرة، و خذ بناصيتي الى هداك، و انقلني الى رضاك، فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعته، و ذلّ لك فأكرمته، و جعلته علما للناس، فبلغني فيه مناي و نيل رجائي، اللّهم إني أسألك بحق المشعر الحرام أن تحرّم شعري و بشري على النار، و أن ترزقني حياة في طاعتك، و بصيرة في دينك، و عملا بفرائضك، و اتّباعا لأوامرك و خير الدارين و أن تحفظني في نفسي و والدي و ولدي و أهلي و إخواني و جيراني برحمتك)، و ان يجتهد في المسألة و التضرع الى اللّه و الدعاء و الابتهال اليه سبحانه حتى تطلع الشمس.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 427

و الابتهال اليه سبحانه حتى تطلع الشمس.

و قد تقدم أنه يستحب للحاج أن يطأ المشعر الحرام برجله و المراد به هنا جبل قزح و يتأكد استحباب ذلك للصرورة و هو الذي لم يحج من قبل، و في حجة الإسلام، و يستحب الصّعود على الجبل و أن يذكر اللّه و يدعو.

المسألة 949:

يستحب للحاج أن يفيض من المزدلفة قبل طلوع الشمس، و أن لا يتعدى وادي محسّر قبل ان تطلع الشمس، و محسّر واد عظيم يقع بين المزدلفة و منى، و هو ليس من المزدلفة و لا من منى فلا تلحقه أحكامهما، و يستحب للحاج إذا بلغ في إفاضته وادي محسّر أن يسعى و يهرول في الوادي حتى

يقطعه، و أقل السعي فيه مائة خطوة أو مائة ذراع، و إذا كان راكبا حرّك دابته لتسرع في الوادي، و يستحب أن يقول في سعيه (اللّهم سلّم لي عهدي و اقبل توبتي واجب دعوتي و اخلفني بخير في من تركت بعدي)، و يستحب لمن ترك السعي فيه أن يرجع الى الوادي و يسعى فيه.

المسألة 950:

يستحب للحاج أن يلتقط الحصى التي يرمى بها الجمار من المزدلفة، و دون ذلك أن يأخذه من منى، و يجوز أخذها من سائر مواضع الحرم، و لا يجوز أخذها من المسجد الحرام و لا من مسجد الخيف، و لا يجوز أخذها من المواضع المملوكة إلا بإذن أهلها و لا أخذها من الأماكن الموقوفة كالمساجد و نحوها، و لا تجزي إذا أخذت من غير الحرم، أو كانت غير أبكار قد أخذت من الحصى التي رميت به الجمار من قبل.

المسألة 951:

يستحب أن تكون الحصاة التي ترمي بها الجمار رخوة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 428

برشاء كحلية منقّطة، و أن تكون بقدر الأنملة، و أن تكون ملتقطة، و يكره أن تكون صماء و أن تكون سوداء أو حمراء أو بيضاء، و أن تكون مكسّرة، و عدد الحصى التي يلتقطها سبعون حصاة، و الأولى أن يزيد على ذلك للاستظهار، فلعله يخطئ في البعض، و الأولى بل الأحوط أن تكون الحصيات طاهرة فلا يرمي بها إذا كانت معلومة النجاسة.

المسألة 952:

يكفي المكلف في تأدية الواجب من الرمي أن يرمي الجمرة بما يسمى حصاة في نظر أهل العرف و ان كانت على غير الصفات المستحبة التي ذكرناها أو كانت على الصفات المكروهة، و ما ذكرناه انما هو للفضل و الاستحباب في الوظيفة، و لا تكفيه إذا كانت لا تعدّ حصاة لصغرها أو لكبرها مثلا، و لا يكفيه أن يرمي الجمرة بغير الحصى.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 429

الفصل الثالث و العشرون في واجبات منى يوم النحر
(1): رمي جمرة العقبة
المسألة 953:

يجب على الحاج بعد أن يتمّ وقوفه في المزدلفة أن يخرج منها إلى منى ليؤدي فيها أعمال الحج الواجبة في يوم النحر، و الأعمال الواجبة عليه في منى يوم النحر ثلاثة:

الواجب الأول منها: رمي جمرة العقبة و هو الواجب الرابع من واجبات الحج، و وقت رمي الجمرة من طلوع الشمس في يوم النحر إلى وقت غروب الشمس فيه، و إذا لم يأت الحاج به النسيان أو سهو أو جهل أو لعذر آخر حتى غربت الشمس وجب عليه أن يقضيه في اليوم الحادي عشر قبل أن يرمي الجمرات الثلاث فيه، و إذا استمر به العذر قضاه في اليوم الثاني عشر، و إذا تركه فيه أيضا قضاه في الثالث عشر، و إذا تذكره في أحد ليالي التشريق قضاه في نهار تلك الليلة، و إذا نفر من منى في الثاني عشر أو الثالث عشر، و تذكره و هو في مكة أو في بعض الطريق وجب عليه الرجوع إلى منى و قضاء رمي الجمرة إذا أمكنه الرجوع و القضاء في أيام التشريق.

و إذا تذكره بعد انقضاء أيام التشريق، وجب عليه أن يقضيه في السنة المقبلة فيعود إلى منى مع الإمكان، و يقضيه بنفسه في يوم النحر أو أيام التشريق، و ان لم يمكن

له ذلك استناب أحدا في القضاء عنه.

المسألة 954:

لا يصح رمي الحاج للجمرة حتى تتحقق فيه عدة أمور

كلمة التقوى، ج 3، ص: 430

أحدها: النية في أول الرمي، فيعيّن فيها العمل و النسك و يقصد القربة، و الأولى أن يقول في أول الرمي: (أرمي جمرة العقبة سبع حصيات في حج التمتع (مثلا) حج الإسلام طاعة لأمر اللّه تعالى)، ثم يتابع رميه الى نهايته تنفيذا لنيته.

ثانيها: أن يرميها بسبع حصيات فلا يكفيه أقلّ من ذلك، و لا تعدّ الحصاة التي يخطئ فيها من السبع.

ثالثها: أن يصيب الجمرة بكل واحدة من الحصيات بما يسمّى رميا، فلا يكفيه أن يضع الحصاة على الجمرة أو يضربها بالحصاة و هي في كفّه، أو تصيب الحصاة شيئا آخر ثم تنحدر انحدارا حتى تصل إلى الجمرة، أو تصطدم بشي ء ثم تثب منه إلى الجمرة، أو يرمي بالحصاة إلى أعلى فتسقط بعد ارتفاعها و تقع على الجمرة.

رابعها: أن يرمي الجمرة بالحصيات واحدة بعد واحدة، فلا يكفيه أن يرميها بأكثر من حصاة في مرة واحدة، و إذا رماها كذلك عدّها حصاة واحدة.

المسألة 955:

يجب أن يرمي الجمرة نهارا، فلا يكفيه أن يرميها ليلا إذا كان صحيحا مختارا، و يجوز ذلك له إذا كان من ذوي الأعذار كالخائف و المريض و شبههما و سيأتي تفصيل هذا الحكم في مبحث رمي الجمار.

المسألة 956:

إذا شك الإنسان في أنه أصاب الجمرة برميته أو لم يصبها، و كان في أثناء الرمي بنى على عدم الإصابة فتجب عليه إعادة الرمية المشكوكة، و كذلك إذا شك في عدد الرمي فيبني على الأقل، و إذا شك في صحة الرمي بعد ما دخل في أعمال الحج التي تترتب على

كلمة التقوى، ج 3، ص: 431

الرمي كالذبح و الحلق و أعمال مكة بنى على الصحة، أو شك فيه بعد دخول الليل. و لا يترك الاحتياط إذا شك في الصحة أو في العدد بعد ما انصرف من الرمي قبل أن يدخل في الأعمال الأخرى فيعيد ما شك في صحته و يبني على الأقل في ما شك في عدده.

المسألة 957:

يستحب للحاج في حال الرمي أن يكون ماشيا، و يجوز له أن يكون راكبا، و يستحب له أن يكون على طهارة، و أن يرمي جمرة العقبة من قبل وجهها و أن يكون ما بينه و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا، و يستحب له أن يقول و الحصى في يده: (اللّهم إن هؤلاء حصياتي فأحصهن لي و ارفعهن في عملي)، ثم ينوي النية و يرمي، و يقول مع كل حصاة يرميها: (اللّه أكبر، اللّهم ادحر عني الشيطان، اللّهم تصديقا بكتابك، و على سنة نبيك محمد (ص) اللّهم اجعله لي حجا مبرورا و عملا مقبولا و سعيا مشكورا و ذنبا مغفورا)، و يستحب أن يأخذ الحصى بيده اليسرى و يرمي بيده اليمنى، و ان يحذف الحصاة حذفا فيجعلها على الإبهام و يدفعها بظفر السبّابة، فإذا أتم الرمي و رجع الى رحله في منى قال: (اللّهم بك وثقت و عليك توكلت، فنعم الرب و نعم المولى و

نعم النصير).

(2) الذبح أو النحر في منى
المسألة 958:

الواجب الثاني من أعمال منى في يوم النحر: ذبح الهدي إذا كان من البقر أو الغنم، و نحره إذا كان من الإبل، و هو الواجب الخامس من واجبات حج التمتع، و لا يجب الهدي في حج الإفراد و لا في حج القران، و الهدي في حج القران إنما وجب على المكلّف بسبب سياقه للهدي و عقد إحرامه به، و لم يجب عليه لأنه نسك من أعمال

كلمة التقوى، ج 3، ص: 432

الحج نفسه كما في التمتع.

و يجب الهدي في حج التمتع و ان كان مندوبا أو منذورا، حتى على المكي و من بحكمه من حاضري المسجد الحرام إذا حج ندبا و اختار أن يأتي بحجة تمتعا، فيجب عليه أن يأتي بما استيسر من الهدي على الأحوط، بل لا يخلو من قوة.

المسألة 959:

يجب أن يكون ذبح الهدي أو نحره نهارا، فلا يكفي ذبحه أو نحره ليلا مع الأمن، حتى للشيوخ و الضعفاء و المرضى و النساء و الصبيان الذين أجاز الشارع لهم أن يفيضوا من المزدلفة و يرموا جمرة العقبة ليلا، فلا يصح لهم الذبح و النحر ليلا، و لا يكفيهم ذلك في أداء الواجب، و لا فرق في الحكم بين العامد و الجاهل و الناسي، و يصح ذلك للخائف خاصة، فيجوز له أن يذبح هديه أو ينحره في ليلة العيد إذا أفاض فيها بعد الوقوف في المزدلفة و بعد أن يرمي جمرة العقبة في منى في ليلته.

المسألة 960:

يجب أن يكون الذبح أو النحر بعد رمي جمرة العقبة، فلا يصح للحاج أن يذبح هديه قبل أن يرمي الجمرة عامدا، و إذا فعل كذلك وجبت عليه إعادة الذبح، و إذا نسي أو سها أو جهل فقدم الذبح على الرمي صح رميه و ذبحه أو نحره، و لم تجب عليه الإعادة.

المسألة 961:

يجب أن يكون ذبح الهدي أو نحره في وادي منى و يجزي الحاج أن يذبح أو ينحر في أي موضع يشاء من مواضعها، إلا إذا ذبح في المسجد و استلزم ذلك تنجيسه، فالظاهر عدم جواز ذلك و عدم الاجتزاء به، و لا يكفي الذبح أو النحر في غير منى مع الاختيار، و لا يكفيه الذبح في خارج منى و هو يعتقد أنه ذبح فيها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 433

و إذا منعت السلطة الحاكمة في البلاد من الذبح في وادي منى، و عينت للحجاج مذبحا خاصا في خارج الوادي و لم تجز التعدّي عنه، و اقتضت التقية الجري على هذا الحكم جاز للحاج أن يذبح أو ينحر في ذلك الموضع و كفاه في تأدية الواجب و ترتبت عليه أحكامه، و ان أمكن له الذبح في منى في آخر شهر ذي الحجة أو بعد انتهاء أيام التشريق، و لا سيما إذا كان في التأخير حرج على الحاج أو لم يجد من ينوب عنه في شراء الهدي و ذبحه أو نحره بعد النفر و خروج رفقته من مكة إلى أوطانهم.

المسألة 962:

الأحوط لزوما أن يكون ذبح الهدي أو نحره في اليوم العاشر، فلا يؤخره المكلف عنه اختيارا إلى ما بعده من أيام التشريق فضلا عن غيرها من أيام ذي الحجة، و لا ريب و لا خلاف بين الفقهاء في صحة الذبح و النحر إذا وقع فيه، و التردد الحاصل من بعضهم إنما هو في تعين ذلك على المكلف مع اختياره و جواز التأخير عن اليوم العاشر إلى ما بعده، فلا يترك الاحتياط فيه بل لا يخلو تعيّنه من قوة، و إذا ترك الذبح فيه عامدا من غير عذر أثم،

و وجب عليه أن يأتي به في أيام التشريق، و إذا نسي الحاج الذبح أو غفل عنه أو جهل حكمه، فلم يذبح هديه أو لم ينحره في يوم الأضحى لم يأثم، و وجب عليه أن يذبحه في ما بعده من أيام التشريق، و إذا استمر به النسيان أو العذر وجب عليه أن يأتي به في شهر ذي الحجة، و إذا استمر به النسيان أو العذر فلم يذبح هديا في حج التمتع حتى رجع إلى أهله وجب عليه أن يأتي به في العام المقبل بمنى، فإن لم يتمكن من ذلك بنفسه استناب أحدا يهدي عنه.

المسألة 963:

يجب أن يكون الهدي من الأنعام الثلاثة: الإبل و البقر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 434

و الغنم، فلا يجزي غيرها من أجناس الحيوان الأخرى، و الأحوط اجتناب الإبل البخاتي، و لا تجزي البقر الوحشية و لا الغنم الجبلية، و يعتبر في الهدي إذا كان من الإبل أو من البقر أو من المعز أن يكون ثنيا فما فوق، و الثني من الإبل هو ما أكمل السنة الخامسة و دخل في السادسة من عمره، و الثني من البقر ما أكمل الثانية و دخل في الثالثة، و الثني من المعز ما أكمل سنة و دخل في الثانية، و لا يجزي ما هو أقل من ذلك في الأنعام الثلاثة المذكورة، و يجزي الجذع من الضأن و هو ما تمّت له سنة كاملة و إن لم يتجاوزها.

المسألة 964:

إذا ذبح المكلّف الهدي أو نحره ثم علم بعد الذبح أو النحر أن هديه لم يبلغ السن التي اعتبرها الشارع في الهدي لم يكفه ذلك و وجبت عليه الإعادة.

المسألة 965:

يجب أن يكون الهدي سليما تام الأعضاء و الجوارح، فلا يكفي ذبح الأعور و لا الأعرج و لا مقطوع الأذن و إن كان المقطوع منه بعضها، و لا مقطوع الذنب أو الألية و إن كان المقطوع بعضهما و لا مكسور القرن الداخل و إن كان الكسر لجزء صغير منه، و المراد بالقرن الداخل: القرن الصغير الأبيض الذي يكون في وسط القرن الخارج، و لا يضرّ في صحة الهدي كسر القرن الخارج منه إذا كان الداخل سليما، و لا يكفي الهدي إذا كان كبير السن لا مخ له لكبره.

و لا يكفي الخصي و لا المجبوب من الذكور، و لا يكفي المهزول أو المهزولة، و قد فسّر الهزال في بعض النصوص بأن لا يوجد على كلية الهدي شحم، و الأحوط أن لا يجتزأ بذبح ما يعدّ مهزولا في نظر أهل العرف و إن وجد على كليته بعض الشحم.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 435

المسألة 966:

الأحوط بل الأقوى أن لا يكتفى بالشاة الجمّاء، و هي التي لم يوجد لها في أصل تكوينها قرن، و مثلها المعزاة و البقرة الجمّاء، و لا يكتفى بالصمعاء التي لم تخلق لها أذن، و لا البتراء التي لم يخلق لها ذنب، نعم، يصح ذلك و يكفي إذا اتفق وجود صنف من الغنم و المعز و البقر له مثل هذه الصفات في أصل خلقته بحيث لا يعدّ ذلك نقصا فيه، و يجوز في الهدي ان يكون موجوءا أو مرضوض الخصيتين، و إن كان الأحوط استحبابا تركه، و لا بأس بالهدي إذا كان مشقوق الأذن أو مثقوبها ما لم ينقص من الأذن شي ء بسبب الثقبة.

المسألة 967:

إذا اشترى الحاج هديا و هو يظن أو يعتقد أنه سمين، و استبان له بعد أن ذبحه أو نحره أنه مهزول أجزأه ذلك فلا إعادة عليه، و كذلك إذا ظن أن الهدي الذي اشتراه أو الموجود لديه مهزول، ثم ذبحه برجاء أن يكون سمينا في الواقع، و وجده بعد ذبحه سمينا كما احتمل، فيكفيه ذلك و لا تجب عليه الإعادة.

و إذا اشترى هديا و هو يعتقد سلامته من العيوب، ثم وجد به عيبا بعد أن نقد ثمنه كفاه ذلك، و إذا علم بالعيب قبل أن ينقد الثمن ردّ الهدي على بائعه و اشترى غيره.

المسألة 968:

يجب على الحاج المتمتع أن يذبح أو ينحر في حجه هديا واحدا على الأقل، و يجوز له أن يذبح أو ينحر أكثر من هدي واحد، و لا يكفي هدي واحد عن أكثر من شخص واحد مع الاختيار، و إن كان الهدي من البقر أو الإبل.

و إذا لم يجد المتمتع هديا خاصا يستقل به، و وجد ما

كلمة التقوى، ج 3، ص: 436

يشترك فيه مع غيره، فالأحوط له أن يجمع بين الاشتراك في الهدي و الصوم عشرة أيام بدل الهدي، و كذلك الحكم إذا لم يجد الثمن لشراء الهدي إلّا على وجه الاشتراك، و سيأتي ذكر الصوم بدل الهدي.

المسألة 969:

إذا لم يجد المتمتع من الأنعام الثلاثة ما يهديه في أيام النحر و التشريق، و وجد ثمنه و أراد الرجوع الى أهله بعد النفر، دفع الثمن الى من يأتمنه و يثق به و وكله على شراء الهدي و ذبحه بالنيابة عنه في أيام شهر ذي الحجة، و إذا لم يجد الوكيل في بقية الشهر اشتراه و ذبحه عنه في ذي الحجة من السنة الآتية، فإذا فعل الوكيل ما وكله به كفى المتمتع ذلك، و أجزأ عنه في أداء ما وجب عليه.

المسألة 970:

كلّ ما ذكرناه من الشروط و الصفات المعتبرة في الهدي إنما يكون شرطا فيه مع الإمكان، و إذا فقد ذلك و لم يمكن تحصيله جاز للحاج أن يأتي بما استيسر من الهدي و إن كان ناقصا في بعض الشروط و الصفات، و يجب عليه أن يأتي بالأتم فالأتم منه و الأقرب فالأقرب من التام.

المسألة 971:

إذا ضلّ الهدي الذي اشتراه المتمتع، وجب عليه أن يشتري بدله هديا آخر، فإذا وجد الهدي الأول بعد أن اشترى الثاني و قبل أن يذبحه، تعيّن عليه أن يذبح الأول، و كان الهدي الآخر الذي اشتراه ثانيا كسائر ماله فيجوز له ذبحه و تركه، و إن كان ذبحه أيضا أفضل، و إذا وجد الهدي الأول بعد أن ذبح الهدي الثاني، فلا يترك الاحتياط بان يذبح الأول أيضا بعد ما وجده.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 437

المسألة 972:

إذا وجد انسان هديا ضالا و لم يعرف صاحبه، وجب عليه أن يعرّف بالهدي في يوم النحر و في اليوم الحادي عشر و اليوم الثاني عشر، فإذا لم يعرف صاحبه ذبحه عنه بمنى في عصر اليوم الثاني عشر، و إذا ذبحه كذلك أجزأ عن صاحبه، و لا يجب على الواجد الذابح أن يأكل من هذا الهدي بالنيابة عن صاحبه، و الأحوط له استحبابا أن يتصدق بثلث الهدي و يهدي ثلثه، و لا يجب عليه ذلك.

المسألة 973:

يستحب للمكلف أن يختار لهدية الأنثى السمينة من الإبل و البقر، و هي من الإبل أفضل من البقر، و أن يختار الذكور من الضأن و المعز، و قد ورد الحث على أن يكون الهدي كبشا سمينا فحلا من الضأن، فإن لم يجد فموجوء من الضأن، فإن لم يجد فتيسا فحلا، و في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع):

(الفحل من الضأن خير من الموجوء، و الموجوء خير من النعجة، و النعجة خير من المعز)، و المراد أن النعجة خير من المعزة الأنثى، أما الذكر من المعز فهو أفضل من النعجة.

المسألة 974:

لا يتعين على الحاج في هدي التمتع أن يباشر ذبح الهدي أو نحره بيده، بل يجوز له حتى في حال الاختيار و القدرة أن يستنيب أحدا غيره في الذبح و النحر عنه، و مثله الحكم في الفداء الذي يجب عليه في إحدى الكفارات، فيجوز له الاستنابة في ذبحه أو نحره.

المسألة 975:

يستحب أن يكون الهدي مما عرّف به، و المراد أن يكون قد أحضر في عرفات يوم الوقوف بها، و يكفي إخبار البائع بذلك، و يستحب أن يتولى الناسك ذبح هديه أو نحره بنفسه إذا كان

كلمة التقوى، ج 3، ص: 438

يحسن ذلك، فإن لم يحسن أو لم يقدر على أن يتولى ذلك استحب له أن يضع السكين بيده و يقبض الذابح أو النّاحر على يده فيذبح أو ينحر، و دون ذلك في الفضل أن يشهد الناسك ذبح هديه أو نحره.

المسألة 976:

تجب النية في ذبح الهدي أو نحره، فيعيّن العمل و النسك و يقصد به التقرب إلى اللّه فإذا كان الذابح أو النّاحر هو الناسك فالأولى أن يقول: (أذبح أو أنحر هذا الهدي في حج التمتع حج الإسلام لوجوبه امتثالا لأمر اللّه تعالى).

و إذا تولى الذبح أو النحر غير الناسك بالنيابة عنه، فإن أخذ الذابح بيد الناسك و ذبح نوى الذابح و الناسك معا، و إذا انفرد النائب بالذبح تولى النائب النية و قصد بفعله النيابة عن الناسك، و إذا كان الناسك حاضرا، فالأحوط أن ينويا معا، و يشكل الحكم بالاجتزاء إذا نوى الناسك و لم ينو النائب.

المسألة 977:

يستبين مما قدمنا ذكره أنه يشترط في النائب في الذبح و النحر أن يكون ممن تصح منه نية التقرب، و لذلك فلا بدّ فيه من الإسلام و الإيمان، و لا تصح استنابته و لا عمله إذا كان غير مسلم أو غير مؤمن.

المسألة 978:

يستحب أن تنحر الإبل و هي قائمة، و أن يربط يديها ما بين الخف و الركبة، و في خبر أبي خديجة رأيت أبا عبد اللّه (ع) و هو ينحر بدنته معقولة يدها اليسرى، ثم يقوم من جانب يدها اليمنى و يقول: (بسم اللّه و اللّه أكبر، اللّهم هذا منك و لك، اللّهم تقبّل مني) ثم يطعن في لبّتها ثم يخرج السكين بيده، فإذا وجبت قطع موضع الذبح بيده.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 439

المسألة 979:

في الصحيح عن أبي عبد اللّه (ع): إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة و انحره أو اذبحه، قل (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلٰاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيٰايَ وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، لٰا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين، اللّهم منك و لك، باسم اللّه و باللّه و اللّه أكبر، اللّهم تقبل مني) ثم أمرّ السكين و لا تنخعها حتى تموت.

و ورد أن يقول بعد ذلك: (تقبّل مني كما تقبّلت من إبراهيم خليلك، و موسى كليمك، و محمد حبيبك صلى اللّه عليه و آله و عليهم).

المسألة 980:

إذا اشترى الحاج هديا تام الخلقة سليما من العيوب ثم أصابه بعد شرائه إياه كسر أو عيب أو حدث فيه نقص في بعض أعضائه بغير تسبيب أو فعل من الناسك نفسه، أجزأ الناسك ان يذبحه أو ينحره و لم يجب عليه أن يبدله بهدي غيره.

المسألة 981:

إذا اشترى الحاج هديا و دفعه إلى احد غيره و وكّله في ذبحه أو نحره عنه، أو دفع اليه ثمن الهدي و وكّله في أن يشتريه و يذبحه بالنيابة عنه، لم تبرأ ذمة الحاج بمجرّد التوكيل و الدفع، حتى يؤدي الوكيل النائب ما وكّله فيه، و إذا شك في أن الوكيل أدّى ما استنابه فيه أو لم يؤد، بنى على عدم فعله، و إذا أخبره الوكيل بأنه قد اشترى الهدي و ذبحه عنه أو نحره و كان ثقة قبل قوله.

المسألة 982:

إذا ذبح الحاج هدي التمتع أو نحره، أو تولى ذلك عنه نائبه، قسمه أثلاثا، و اختص الناسك لنفسه و أهل بيته بثلث منه و اهدى ثلثا منه إلى بعض إخوانه، و تصدّق بثلث منه على البؤساء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 440

المساكين، و الأحوط لزوما أن يأكل من الثلث الذي يختص به، بل لا يخلو وجوب ذلك عليه من قوة، و لا يجب عليه أن يأكل جميع ثلثه فيجوز له ان يأكل بعضه و يهدي بعضه أو يتصدّق به، و يجوز له أن يدع باقي الثلث في موضعه و يعرض عنه، و لا ضمان عليه في ذلك.

المسألة 983:

الأحوط لزوما ان يهدي الناسك ثلث هديه إلى بعض إخوانه من المؤمنين، بل الحكم بوجوب ذلك عليه هو الأظهر من الأدلة، فلا يجوز له ترك ذلك مع الاختيار، و يجوز له أن يدفع هذا الثلث إلى الأغنياء من إخوانه و الفقراء بعنوان الاهداء، و يجوز له أن يدفعه إلى من لا يعرفه على الخصوص إذا علم بأنه من أهل الإيمان، و هذا هو المراد من قولنا: يهديه إلى بعض إخوانه، و يكفي أن تكون قسمة الهدي أثلاثا بالتساوي و التعادل- بين الأقسام الثلاثة على وجه التقريب، و لا يجب أن تكون بالميزان و المقياس المضبوط بحيث لا يختلف مقدار واحد منها عن مقدار الآخر، و يجوز أن يدفع الثلث كلّه إلى شخص واحد، و يجوز له أن يدفع الثلثين إلى فقير واحد فيعطيه ثلث الهدي هدية و الثلث الثاني صدقة.

المسألة 984:

إذا ترك الناسك ثلث الهدية متعمدا فلم يدفعه إلى أحد هدية مع إمكان ذلك له أثم بتركه على الأقوى، و كان له ضامنا على الأحوط، و إن لم يكن له مالك خاص فيضمنه للجهة التي وجب عليه صرف الثلث فيها.

المسألة 985:

إذا أعطى الحاج ثلث الهدية إلى احد، و قبله المدفوع إليه برئت ذمة الحاج من التكليف و جاز للشخص المدفوع إليه بعد ما تملكه أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 441

يأكله إذا شاء، و أن يتصدق به على فقير، و أن يبيعه و أن يهديه إلى غيره، و إن كان غير مؤمن، و جاز له أن يعرض عنه و يتركه في موضعه، و لا ضمان عليه في ذلك و لا على الحاج صاحب الهدي.

و بذلك فيمكن للناسكين بعد ما يذبحان أو ينحران هديهما أن يهدي كلّ منهما ثلث هديه إلى صاحبه، فتبرأ بذلك ذمتهما من التكليف و الضمان، و يفعل كل منهما بالثلث الذي صار إليه من صاحبه ما يشاء.

المسألة 986:

يجب على الناسك أن يتصدق بثلث هديه على البائسين الفقراء من المؤمنين مع إمكان ذلك له، و إذا تعذر عليه التصدق به لعدم وجود الفقير في منى، أو لعدم الفقير المؤمن سقط عنه وجوب التصدّق به و لا شي ء عليه بسبب ذلك، و إذا أمكن للناسك عزل ثلث الصدقة و إيصاله إلى فقير موجود في منى من الحجاج أو من غيرهم أو إلى وكيل قد وكّله الفقير في القبض عنه، فالأحوط وجوب عزله و إيصاله إليه، و يكفي في تأدية الواجب دفعه إلى الوكيل المذكور.

فإذا قبض الفقير ثلث الصدقة أو قبضه وكيله برئت ذمة الناسك من التكليف به و جاز للفقير أن يتصرف فيه بما يشاء من بيع و غيره، و يجوز لوكيل الفقير أن يتصرف في حصة الفقير بعد قبضها بمقدار ما لوكالته عنه من عموم و خصوص و إطلاق أو تقييد، و يجوز للفقير و لوكيله مع عموم الوكالة أن يدفعه إلى غير

المؤمن.

المسألة 987:

يصح للفقير أن يوكّل أحدا في أن يقبض له ثلث الصدقة من الناسكين في منى و ان كان الفقير الموكّل غائبا عن منى، فيوكّل ذلك الشخص في أن يقبضه له من صاحب الهدي، و في أن يبيعه بعد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 442

القبض و يقبض ثمنه من المشتري، أو يهبه لأحد، بل و يجوز أن يوكّله في قبض الثلث ثم الاعراض عنه بعد القبض و التملّك، لتيسير الأمر على بعض الناسكين و نيل المثوبة بسبب ذلك.

و يجوز للفقير الغائب أن يوكّل الناسك نفسه في قبض ثلث الصدقة من هديه إذا ذبحه في منى، و في بيعه له أو هبته أو الاعراض عنه بعد القبض.

المسألة 988:

يجوز للحاج أن يشتري ثلث الصدقة من المسكين بعد أن يتصدق به عليه و يقبضه المسكين أو وكيله، و يجوز له أن يشتري ثلث الهدية من الشخص المهدي اليه بعد أن يتملكه الشخص بالإهداء اليه و القبض، و إذا اشترى الثلث أو الثلثين كذلك جاز له أن يتصرف في المبيع كما يشاء.

المسألة 989:

الأحوط في الشخص أو الأشخاص الذين يهدي الناسك إليهم ثلث الهدية، و الفقير أو الفقراء الذين يعطيهم ثلث الصدقة أن يكونوا من المؤمنين، فإذا أهدى الثلث الى غير المؤمن مع وجود المؤمن و التمكن من الدفع إليه كان ضامنا للثلث على الأحوط، و كذا إذا تصدّق بالثلث على غير المؤمن مع التمكن من صرفه في موضعه، و قد ذكرنا أن الضمان للجهة التي وجب على الناسك صرف الثلث فيها.

و يضمن الهدية أو الصدقة أيضا إذا تركهما متعمدا، أو أتلف الثلثين باختياره، أو فرّط في الثلثين حتى حصل التلف أو دفعهما لغير من يستحقهما عامدا، و لا ضمان عليه إذا لم يتيسر له الاهداء أو التصدق و كان معذورا في الترك، و لا ضمان عليه إذا نهب الثلث أو الهدي غير المؤمن أو أخذه قهرا عليه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 443

المسألة 990:

إذا أهدى الناسك ثلثه الذي يختص به إلى غيره و لم يأكل منه شيئا أثم بترك الأكل كما تقدم، و لا ضمان عليه، و كذلك إذا أعرض عن ثلثه الخاص به و لم يأكل منه، فيأثم لترك الأكل و لا ضمان عليه، و بحكمه ما إذا تصدّق بثلث الهدي و أهدى الثلثين الآخرين و لم يتناول شيئا.

المسألة 991:

إذا أهدى الناسك جميع هديه إلى غني، و لم يأكل منه شيئا و لم يتصدق بثلثه أثم بترك الأكل و ضمن حصة الفقير، و إذا أكل منه ثلثا أو أقل و أهدى الباقي ضمن حصة الفقير، و إذا دفع جميع الهدي إلى الفقير أثم بترك الأكل منه، و الأحوط ضمان ثلث الهدية إذا كان دفعه إلى الفقير بقصد الصدقة عليه.

المسألة 992:

يجوز إخراج لحم الهدي و الأضاحي من منى بعد أن كثر اللحم و زاد على الحاجة، و لا يمنع من ذلك على الأقوى، فيجوز للناسك أن يخرج ثلثه المختص به ليأكله في مكة أو في الطريق بعد النفر، و يجوز له أن يخرج ثلث الهدية و ثلث الصدقة ليوصلهما الى من يستحقهما إذا كان الشخص المهدي إليه و الفقير المستحق في خارج منى، و إذا قبض المهدي إليه ثلث الهدية و قبض الفقير ثلث الصدقة و ملكا ما صار إليهما و هما في منى، جاز لهما إخراج اللحم بلا ريب، و يجوز كذلك إخراج لحم الفداء من منى.

المسألة 993:

إذا لم يجد المتمتع هديا ليذبحه أو ينحره في حجه، و لم يجد ثمن الهدي ليودعه عند ثقة أمين يشتري به هديا و يذبحه بالنيابة عنه كما قلنا في المسألة التسعمائة و التاسعة و الستين، وجب عليه أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 444

يصوم بدل الهدي عشرة أيام تامة، ثلاثة أيام منها في الحج، و سبعة بعد عودته إلى اهله.

و يشترط في صحة صوم الأيام الثلاثة أن يصومها المكلّف في شهر ذي الحجة و بعد أن يحرم بعمرة التمتع، و أن يصومها متوالية عدا ما يأتي استثناؤه، و يصح من المكلف صومها و ان كان مسافرا لم ينو الإقامة في موضع معيّن، فإذا أحرم بعمرة التمتع من أول شهر ذي الحجة أو كان قد أحرم بها قبله في أشهر الحج، جاز له أن يصوم الأيام الثلاثة من أول الشهر، في الطريق أو في مكة بعد أن يصل إليها، سواء كان في حال عمرته أم بعد الإحلال منها، و لا يصح منه صومها قبل أن يحرم بعمرة التمتع،

و لا صومها قبل هلال ذي الحجة، و لا يصح صومها إذا أتى بها متفرقة غير متوالية.

المسألة 994:

الأفضل له أن يصوم اليوم السابع و اليوم الثامن و يوم عرفة، فإذا فاته الصوم في هذه الأيام فالأفضل له أن يبادر الى الصوم بعد النفر من منى فيصوم الأيام الثلاثة في مكة أو في الطريق، و لا يجوز له أن يصوم يوم النحر و لا أيام التشريق بمنى، فإذا نفر من منى في اليوم الثاني عشر جاز له أن يبتدئ بصيامها من اليوم الثالث عشر، و إذا تأخّر في منى الى الثالث عشر لم يجز له الصوم فيه و صام ما بعده، و لا يجوز له أن يؤخر صيام الأيام الثلاثة عن شهر ذي الحجة، فإذا انقضى الشهر قبل أن يصومها لم يكفه الصوم بعده و تعيّن عليه الهدي يبعث به ليذبح عنه بمنى في أيام التشريق، و الأحوط أن ينوي به امتثال الأمر المتوجه إليه به من الهدي أو الكفارة.

المسألة 995:

يجوز للمكلف أن يصوم اليوم الثامن و اليوم التاسع، فإذا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 445

صامهما وجب عليه أن يفطر في يوم النحر و في أيام التشريق بمنى، فإذا نفر من منى في اليوم الثاني عشر وجب عليه أن يبادر بعده إلى الصوم في الثالث عشر و لم يخل ذلك بتتابع صومه، و إذا نفر في اليوم الثالث عشر وجب عليه أن يفطر فيه و يبادر الى الصوم في الرابع عشر و لم يخل ذلك بالتتابع، و لا يجوز له التأخير أكثر من ذلك، و هذه هي الصورة المستثناة من وجوب التتابع في صيام الأيام الثلاثة. و إذا لم يصم يوم التروية لم يكفه أن يصوم في يوم عرفة و وجب عليه تأخير صيام الأيام الثلاثة إلى ما بعد النفر من منى.

المسألة 996:

إذا لم يجد المكلف الهدي و لا ثمنه فصام ثلاثة أيام في الحج ثم وجد الهدي بعد ذلك أو وجد ثمنه، فلا يترك الاحتياط بأن يذبح الهدي إذا وجده، أو يخلّف الثمن عند من يشتري الهدي و يذبحه بالنيابة عنه إذا لم يكن موجودا بالفعل، و يصوم الأيام السبعة بعد رجوعه إلى أهله.

المسألة 997:

لا يجب التتابع في صيام الأيام السبعة التي يجب صومها على المتمتع بعد الرجوع الى أهله في بدل الهدي، و إن كان التتابع فيها أحوط و أولى، و لا تجب المبادرة إلى صيامها بعد رجوعه من الحج.

المسألة 998:

إذا لم يتمكن المكلف من صيام الأيام الثلاثة في الحج، و رجع الى أهله قبل خروج ذي الحجة، وجب عليه أن يصوم الثلاثة قبل خروج الشهر كما ذكرنا في ما تقدم، ثم يصوم بعدها الأيام السبعة، و الأحوط له أن يفرّق ما بين الثلاثة و السبعة، و إذا انقضى شهر الحج قبل أن يصوم الثلاثة سقط الصوم كما قلنا من قبل، و تعيّن عليه أن يبعث بهدي يذبح عنه في منى و تراجع المسألة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 446

التسعمائة و الرابعة و التسعون.

و يجري مثل هذا التفصيل في ما إذا نسي المتمتع صيام الثلاثة في الحج حتى عاد الى بلده، بل و حتى إذا ترك صيامها متعمدا حتى رجع، فعليه أن يصوم الأيام الثلاثة قبل أن ينقضي شهر ذي الحجة، ثم يصوم السبعة بعدها، و يفرق ما بينهما على الأحوط، و إذا انقضى الشهر قبل أن يصوم الثلاثة سقط وجوب الصوم و وجب عليه أن يبعث بالهدي، و إذا صام منها يوما أو يومين ثم خرج الشهر قبل أن يتمها لم يكفه ذلك، فعليه أن يبعث بالهدي في هذه الصورة أيضا.

المسألة 999:

لا يشترط في قسمة الهدي أن يفرز الناسك ثلث الهدية عن ثلث الصدقة إفرازا خارجيا فإذا أخذ لنفسه ثلث الهدي، و أهدى أحد الثلثين الباقيين الى شخص على سبيل الإشاعة و تصدّق بالثلث الثاني على وجه الإشاعة كذلك صح التقسيم و كفى في تأدية الواجب، فيصبح الشخص المهدي إليه و الفقير شريكين في الثلثين يفعلان فيهما ما يختاران من قسمة خارجية أو بيع أو غير ذلك.

المسألة 1000:

إذا أخذ المرشد أو المقاول ثمن الهدي من الناسك ليذبح عنه، ثم شك في أنه ذبح عن موكله أم لا، بنى على أنه لم يذبح، فيجب عليه الذبح عنه، و تراجع المسألة التسعمائة و الحادية و الثمانون في حكم الحاج نفسه إذا شك في أن وكيله ذبح عنه أم لا.

المسألة 1001:

إذا ساق الحاج أو المعتمر مع إحرامه هديا لم يخرج الهدي بسياقه عن ملكه و ان أشعره أو قلّده عند عقد إحرامه، و لذلك فيجوز له ركوب الهدي إذا كان جزورا أو بدنة، و إذا أضرّ الركوب به لم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 447

يجز، و يجوز له حلب الأنثى و شرب لبنها و بيعه، و إذا كان لها ولد و أضرّ الحلب بولدها أو أنهكه لم يجز، و يجوز له أن يتصرف في الهدي بما يريد إلا إذا كان التصرّف يمنع عن نحره أو ذبحه فلا يجوز له ذلك، و لا يجوز له أن يبدله بغيره و إن كان البدل أسمن منه أو أتمّ وصفا، و يجب ذبحه أو نحره في منى إذا ساقه في إحرام الحج، و في مكة إذا ساقه في إحرام العمرة.

المسألة 1002:

إذا كان لهدي القران ولد و كان تولّده بعد السياق تبعه الولد في وجوب ذبحه أو نحره، و إذا كان تولده قبل السياق لم يتبعه فلا يجب ذبحه أو نحره، إلا إذا سيق الولد هديا مع أمه.

المسألة 1003:

يقسّم هدي القران بعد ذبحه أو نحره أثلاثا كما يقسم هدي التمتع، فيأخذ الناسك لنفسه و أهل بيته ثلثا، و يهدي لبعض اخوانه ثلثا، و يتصدق على المساكين بثلث.

المسألة 1004:

يستحب للإنسان أن يضحّي لنفسه استحبابا مؤكدا إذا تمكن من ذلك، و قد ورد في الأخبار عنهم (ع): (إن اللّه يغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر على الأرض من دمها)، و في الحديث عن الرسول (ص): (استفرهوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط)، و يستحب لمن لا يجد ثمن الأضحية أن يستقرض ثمنها و يضحّي، و في الخبر أنه دين يقضى.

و يستحب له أن يضحّي عن أهل بيته مع القدرة حتى عن الطفل غير المميّز، و لا يضحّى عن الحمل في بطن أمه، و يستحب أن يتبرع بها عن الأحياء و الأموات من أهله و أرحامه و غيرهم، و يجوز الاشتراك في الأضحية فيذبح الرجل أضحية واحدة من البقر أو

كلمة التقوى، ج 3، ص: 448

الغنم، و ينحرها إذا كانت من الإبل عن نفسه و عن أهل بيته مثلا، أو عنه و عن جماعة من اخوانه و ذوي الحقوق عليه سبعة أو أكثر، و يجوز التعدّد في الأضحية مع القدرة لنفسه أو بالاشتراك مع غيره، و قد ورد أن الرسول (ص) ضحّى بكبشين، ذبح واحدا بيده، و قال: (اللّهم هذا عني و عمّن لم يضحّ من أهل بيتي)، و ذبح الآخر و قال: (اللّهم هذا عنّي و عمّن لم يضحّ من أمتي).

المسألة 1005:

الأحوط في الأضحية أن تكون ثنيا من الإبل أو البقر أو المعز، و يجزيه الجذع من الضأن على ما سبق بيانه في المسألة التسعمائة و الثالثة و الستين، و يكفي أن تكون الأضحية سليمة العينين و الأذنين، و الأفضل أن يضحي بكبش أملح أقرن فحل سمين.

المسألة 1006:

يبدأ وقت ذبح الأضحية من طلوع الشمس من يوم النّحر، و مضي مقدار أداء صلاة العيد بعد الطلوع، و هذا هو أفضل أوقاتها، و يمتدّ وقتها أربعة أيام لمن كان بمنى، و ثلاثة أيام في غيرها، و ان كان في مكة على الظاهر، و إذا ذبح المتمتع هديه الواجب عليه في حج التمتع أو نحره، كفاه هديه عن الأضحية، و بحكمه الحاج القارن إذا ذبح هدي القران في منى، فيجزيه هديه عن الأضحية، سواء أشعره و قلّده أم لا، و الجمع بين الهدي و الأضحية أفضل في كليهما.

المسألة 1007:

يستحب له إذا أراد أن يذبح الأضحية أو ينحرها أن يقول و هو مستقبل القبلة: (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلٰاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيٰايَ وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، لٰا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ و أنا من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 449

المسلمين، اللّهم منك و لك، اللّهم تقبّل مني، بسم اللّه الذي لا إله الا هو، و اللّه أكبر و صلى اللّه على محمّد و على أهل بيته)، ثم يذبح و يأكل و يطعم.

المسألة 1008:

يستحب للمالك أن يتصدق بجلود الأضاحي على الفقراء المحتاجين، و يكره له أن يدفعها أجرة للجزار و السلاخ، بل الظّاهر الكراهة أيضا إذا دفعها إليهم بقصد الهدية، و يستحب دفعها الى الجزار إذا كان فقيرا مؤمنا و دفعها اليه بقصد التصدق بها عليه، و إذا تصدق المالك بها على الفقير جاز للفقير أن يفعل بها ما يشاء فيجوز له أن يبيعها أو يهبها للجزار أو لغيره، و يكره للمالك أن يأخذ لنفسه من جلودها شيئا فيجعله جرابا أو فروا أو فراشا أو غير ذلك إلا إذا تصدّق بثمنه، و تكره له التضحية بالثور و الحمل.

المسألة 1009:

إذا لم يجد الإنسان في السوق من الأنعام ما يشتريه و يضحي به، استحب له أن يتصدق بثمنه لو كان موجودا، فإذا اختلفت أثمانه في السوق، فكان له قيمتان، جمع القيمتين، و تصدّق على المساكين بمقدار نصفهما، و إذا كانت له ثلاث قيم، جمع القيمة الأولى و الثانية و الثالثة، و تصدّق بمقدار ثلث المجموع منها، و إذا كانت له أربع قيم جمعها، و تصدّق بمقدار ربع المجموع، و هكذا.

(3) الحلق أو التقصير
المسألة 1010:

الثالث من واجبات منى: الحلق أو التقصير و هو الواجب السادس من أعمال الحج، و لا يصح للحاج أن يوقع حلقه أو تقصيره

كلمة التقوى، ج 3، ص: 450

في ليلة العاشر، و إن كان من الضعفاء أو الشيوخ أو المرضى الذين تجوز لهم الإفاضة من المزدلفة ليلا، فلا بدّ و أن يكون حلقهم أو تقصيرهم في النهار، بعد الذبح أو النحر على ما سيأتي من بيان ذلك، و يتعيّن على الحاج إذا كان صرورة أن يحلق شعر رأسه، فلا يكفيه تقصير الشعر و لا تقليم الأظفار، و الصرورة كما ذكرنا قبل هذا هو الذي لم يحج من قبل هذه الحجة لا واجبا و لا مندوبا لنفسه، و لا نائبا عن غيره، و يتعيّن الحلق كذلك على من لبّد شعره في إحرامه، و تلبيد الشعر عادة كان بعض العرب القدماء يتخذها مخافة أن يتولد القمل في شعره لطول مدة الإحرام، فيجعل في شعر رأسه الصمغ أو العسل أو ما يشبههما حتى يتكتل الشعر و يتلاصق بعضه ببعض، فإذا فعل المحرم ذلك في إحرام الحج تعيّن عليه أن يحلق رأسه و لم يكفه التقصير، و مثله من يعقص شعره في إحرامه و عقص الشعر ان يجمع الشعر

و يلفه بعضه ببعض و يعقده عقائص، فيتعيّن عليه الحلق و ان كان حجه مندوبا و كذلك الصرورة و من لبّد شعره.

و يتعيّن على النساء المحرمات أن يقصّرن من شعورهن أو يقلمن أظفارهن، و لا يجوز لهن حلق الرأس في حج و لا عمرة، و إذا حلقن لم يكفهن ذلك في تأدية الواجب، فيجب عليهن تقليم الأظفار إذا لم يبق من شعر الرأس ما يقصّرنه، و يتخيّر الرجل غير الصرورة و غير من لبّد شعره أو عقصه بين أن يحلق شعر رأسه و أن يقصّر و الحلق له أفضل.

المسألة 1011:

لا فرق ما بين أدوات الحلاقة التي يصدق مع استعمالها الحلق عرفا، فتجزي الماكينة الناعمة و ماكينة الكهرباء و أنواع الموسى المختلفة و غيرها، و لا تجزي الماكينة التي يصدق معها انه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 451

جزّ الشعر و لم يحلقه، و لا تكفي الماكينة التي يشك معها في صدق الحلق عرفا.

المسألة 1012:

لا يجوز للرجل المحرم أن يحلق رأس غيره أو يقصّر له قبل أن يحلق شعر رأسه هو أو يقصّر لنفسه فيحل بذلك من إحرامه، فإذا حلق لغيره أو قصّر له قبل ذلك أثم بفعله، و قد تقدم في المسألة السبعمائة و الثالثة عشرة أنه لا تلزمه كفارة بفعل ذلك، و لا يجوز للحاج أن يحلق بعض شعر وجهه أو بدنه قبل أن ينوي الحلق أو التقصير الواجبين عليه و اللذين بهما يحل من إحرامه، فإذا فعل ذلك لزمته الكفارة، و إذا فعله ساهيا فلا شي ء عليه.

المسألة 1013:

إذا لم يكن في رأس الرجل شعر لصلع و شبهه وجب عليه التقصير، و الأحوط له لزوما أن يمرّ الموسى على رأسه مع ذلك إذا كان صرورة، فلا يكتفي بالتقصير وحده، و يكفيه التقصير وحده إذا لم يكن صرورة.

المسألة 1014:

إذا كان في رأس الحاج الصرورة أذى يمنعه من حلق رأسه سقط وجوب الحلق عنه و اكتفى بالتقصير.

المسألة 1015:

إذا قصّر الحاج الصرورة و لم يحلق من غير عذر يسوغ له ذلك لم يحل من إحرامه على الأحوط حتى يحلق رأسه، بل لا يخلو ذلك من قوة، و لا فرق في هذا بين العالم بالحكم و الجاهل به، و كذلك من لبّد شعره أو عقصه.

المسألة 1016:

إذا حجّ الخنثى المشكل و كان صرورة لم يحج قبل تلك المرة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 452

وجب عليه على الأحوط أن يجمع بين حلق رأسه و التقصير، و يجب عليه الجمع بينهما أيضا إذا كان قد لبّد شعره بعد إحرامه و إذا عقص شعره و ان لم يكن صرورة، و إذا حج و لم يكن صرورة و لم يلبّد شعره و لم يعقصه تعيّن عليه التقصير.

المسألة 1017:

يجب على الحاج أن يأتي بأعمال منى الثلاثة مترتبة على الأحوط بل على الأقوى، فيرمي جمرة العقبة أولا، ثم يذبح هديه أو ينحره ثانيا، ثم يحلق رأسه أو يقصر على الوجه الذي تقدم بيانه ثالثا، و لا يصح له أن يخالف الترتيب متعمدا، فيذبح قبل أن يرمي أو يحلق قبل أن يرمي، و لا يصح له أن يحلق قبل أن يذبح، و إذا فعل ذلك عامدا أثم بفعله و وجب عليه أن يعيد على ما يحصل معه الترتيب، فإذا ذبح قبل أن يرمي الجمرة أعاد الذبح بعد الرمي، و إذا حلق أو قصّر قبل الرمي وجب عليه أن يمرّ الموسى على رأسه أو يقصّر بعد الرمي و الذبح، و كذلك إذا حلق قبل الذبح، و إذا فعل ذلك ناسيا أو جاهلا صح فعله و لا اثم و لا إعادة عليه.

المسألة 1018:

الحلق أو التقصير في الحج عبادة من العبادات، و لذلك فلا بد فيه من النية، و يجب في النية تعيين العمل المقصود و تعيين النسك و قصد القربة إلى اللّه، و الأولى أن يقول: (أحلق أو أقصّر في حج التمتع حج الإسلام (مثلا) امتثالا لأمر اللّه تعالى)، و إذا نوى الحاج و الحلاق كلاهما فهو أحوط.

المسألة 1019:

يستحب للحاج إذا أراد حلق رأسه أن يكون مستقبلا للقبلة، و أن يسمّي و ان يبدأ في الحلق من قرنه الأيمن، و ينتهي به إلى العظمين الناتيين في قبالة وتد الأذنين، و يستحب له أن يقول

كلمة التقوى، ج 3، ص: 453

اللّهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة) و زاد بعض العلماء في الدعاء: (و حسنات مضاعفات و كفّر عني السيئات انك على كل شي ء قدير) و ليختم دعاءه بالصلاة على النبي و آله الطّاهرين كما حثّت عليه النصوص المطلقة.

المسألة 1020:

الأحوط لزوما أن لا يوقع الحاج حلقه أو تقصيره ليلا، فلا يؤخره عن يوم النحر إلى الليل اختيارا، و إذا تركه عامدا حتى دخل الليل أثم و أتى به في اليوم الحادي عشر، و إذا نسي الحلق أو غفل عنه أو جهل فلم يأت به حتى دخل الليل أتى به كذلك في نهار اليوم الحادي عشر، و لم يأت به ليلا على الأحوط، و كذلك إذا طرأ له بعض الموانع فلم يرم جمرة العقبة أو لم يذبح إلا في آخر النهار فلم يتمكن منه بسبب ذلك أن يحلق نهارا، فعليه أن يؤخر حلقه أو تقصيره الى الغد.

المسألة 1021:

يجب على الحاج أن يكون حلقه أو تقصيره في منى، فإذا ترك ذلك حتى خرج من منى أثم بفعله، و وجب عليه أن يرجع إليها و يحلق أو يقصّر فيها، و إذا نسي الحلق أو غفل عنه أو تركه جاهلا حتى خرج من منى وجب عليه العود و الحلق و التقصير فيها و لا اثم عليه، و إذا لم يتمكن من الرجوع الى منى أو كان الرجوع إليها موجبا للعسر و الحرج حلق أو قصّر في مكانه الذي هو فيه، و لا يترك الاحتياط مع الإمكان بأن يبعث بشعره إلى منى ليلقى فيها، و يستحب دفنه فيها.

المسألة 1022:

إذا حلق الحاج أو قصّر في غير منى عامدا أو ناسيا أو جاهلا لم يكفه ذلك في تأدية الواجب، فيجب عليه الرجوع الى منى مع

كلمة التقوى، ج 3، ص: 454

الإمكان و اعادة التقصير فيها، و عليه أن يمرّ الموسى على رأسه إذا كان ممن يتعيّن عليه الحلق، و إذا لم يمكنه الرجوع الى منى أو كان موجبا للعسر و الحرج عليه أعاد التقصير و إمرار الموسى في مكانه الذي هو فيه على النهج الذي ذكرناه و بعث بالشعر إلى منى كما تقدم.

المسألة 1023:

إذا أكمل الحاج أعمال منى التي تجب عليه في يوم النحر و أتمّها على النهج الذي فصّلناه فرمى جمرة العقبة ثم ذبح هدي التمتع أو نحره، ثم حلق رأسه أو قصّر، تحلل بذلك من كل شي ء حرمة اللّه عليه بسبب الإحرام ما عدا الطيب و النساء، نعم، يكره له أن يغطي رأسه و أن يلبس المخيط حتى يطوف طواف الحج و يصلّي صلاة الطواف و يسعى بين الصفا و المروة، فإذا رجع الى مكة و أتى بالأعمال المذكورة زالت الكراهة، و حلّ له استعمال الطيب على كراهة أيضا، فإذا طاف طواف النساء و صلّى ركعتي الطواف زالت الكراهة و حلّت له النساء، و إذا طافت المرأة طواف النساء وصلت الركعتين حلّت لها الرّجال و سيأتي تفصيل ذلك و بيان فروضه و فروعه ان شاء اللّه تعالى.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 455

الفصل الرابع و العشرون في أعمال مكة بعد النحر و الحلق
اشارة

إذا أتمّ الحاج المناسك الثلاثة التي تجب عليه في منى يوم النحر، وجب عليه أن يعود منها إلى مكة ليطوف بالبيت الحرام طواف الحج، و يأتي بعد الطواف بما يجب عليه من الأعمال في مكة، و مجموع المناسك الواجبة فيها خمسة:

الأول: الطواف بالبيت سبعة أشواط بقصد طواف الحج، و يسمى أيضا طواف الزيارة،
المسألة 1024:

و هذا هو الواجب السابع من واجبات الحج، و شرائط هذا الطواف و واجباته و أحكامه و آدابه هي بذاتها شرائط طواف عمرة التمتع و واجباته و أحكامه و آدابه، و قد ذكرناها في الفصل السادس عشر و بيانها هنالك يغنينا عن الإعادة فلتراجع.

المسألة 1025:

يفترق هذا الطواف عن طواف عمرة التمتع في النية، فينويه الناسك لحج التمتع حج الإسلام، أو لحج القران أو الافراد حج الإسلام، و الأولى أن يقول مثلا: (أطوف بالبيت سبعة أشواط لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه امتثالا لأمر اللّه تعالى)، و يمكنه أن يقول: (أطوف طواف الزيارة سبعة أشواط في حج التمتع حج الإسلام طاعة لأمره تعالى).

المسألة 1026:

يجب على الحاج أن يقدّم الحلق أو التقصير على طواف الحج، فإذا طاف عامدا قبل أن يحلق أو يقصّر و هو عالم بالحكم لم يصح طوافه فتجب عليه اعادة الطواف بعد أن يحلق أو يقصّر،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 456

و يجب عليه أن يجبره بشاة، و إذا سعى بعد الطواف أعاد الطواف و السعي كليهما بعد الحلق أو التقصير و جبره بشاة.

و إذا قدّم الطواف على الحلق أو التقصير ناسيا أو جاهلا بالحكم ثم تذكر أو علم بالحكم بعد الطواف فالظاهر صحة طوافه، بل و صحة سعيه إذا سعى و لم يتذكر أو لم يعلم بالحكم الا بعد الفراغ منهما و لا شي ء عليه، و إن كان الأحوط له استحبابا الإعادة في كلا الفرضين.

المسألة 1027:

إذا أتمّ الحاج مناسك منى في يوم النحر، فالأفضل له أن يرجع الى مكة و يأتي بمناسكها في يوم النحر نفسه أو في الليلة الحادية عشرة، و دون ذلك في الفضل أن يؤخر مناسكها الى اليوم الحادي عشر، و الأحوط استحبابا أن لا يؤخرها عنه، و لا يجب عليه ذلك، فيجوز له أن يؤخر مناسك مكة إلى آخر أيام التشريق، و الأحوط له إذا كان متمتعا أن لا يؤخرها بعد ذلك، و إذا تعمّد فأخّرها فالظاهر صحة طوافه و بقية أعماله إذا أتى بها قبل أن يخرج شهر ذي الحجة، و يجوز للحاج القارن أو المفرد أن يؤخرها عامدا ما دام شهر ذي الحجة.

المسألة 1028:

يستحب للإنسان إذا أراد زيارة البيت الحرام أن يغتسل لدخول مكة، و لدخول المسجد، و للزيارة، و يكفيه ان يغتسل لجميع ذلك غسلا واحدا يوقعه في منى أو في الطريق أو في مكة، و يكفيه أن يغتسل في النهار و يزور في الليل بغسل واحد ما لم ينم بعده أو يحدث حدثا يوجب الوضوء، فإذا حدث منه ذلك أعاد غسله، و قد ذكرنا تفصيل هذه الآداب و أحكامها في الفصل الخامس عشر، و ذكرنا فيه ما يستحب أن يدعى به على باب المسجد، و بعد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 457

الدخول فيه، و عند رؤية الكعبة، و عند استلام الحجر الأسود، و ما يندب اليه من الدعوات و الأقوال، و هي بنفسها واردة في المقام فليرجع إليها من يريد.

المسألة 1029:

ورد في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه (ع):

( (فإذا أتيت يوم النحر فقمت على باب المسجد، قلت: (اللّهم أعني على نسكك و سلمني له و سلمه لي، أسألك مسألة العليل الذليل المعترف بذنبه أن تغفر لي ذنوبي و ان ترجعني بحاجتي، اللّهم اني عبدك، و البلد بلدك و البيت بيتك جئت أطلب رحمتك و أؤم طاعتك متبعا لأمرك راضيا بقدرك، أسألك مسألة المضطر إليك المطيع لأمرك، المشفق من عذابك، الخائف لعقوبتك أن تبلّغني عفوك و تجيرني من النار برحمتك) ثم تأتي الحجر الأسود فتستلمه و تقبّله، فإن لم تستطع فاستلم بيدك و قبّل يدك، و إن لم تستطع فاستقبله و كبّر و قل كما قلت حين طفت بالبيت يوم قدمت مكة)).

المسألة 1030:

تلاحظ المسألة الثمانمائة و الرابعة عشرة و ما بعدها من المسائل إلى آخر الفصل السادس عشر، فيجري الطائف هنا جميع ما بيّناه فيها من الآداب و يدعو في طوافه بما سبق فيها من الدّعاء.

[المنسك الثاني من أعمال مكة بعد العود إليها:]
اشارة

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 3، ص: 457

المسألة 1031:

إذا طاف الحاج طواف الحج وجب عليه أن يصلي بعده صلاة الطواف، و هذا هو الواجب الثاني من مناسك مكة بعد العود إليها، و هو الواجب الثامن من واجبات الحج، و صلاة الطواف ركعتان يجب على المكلف أن يصليهما مع الإمكان خلف مقام إبراهيم، و قد فصّلنا أحكام هذه الصلاة، و بيّنا آدابها و ذكرنا ما يستحب قراءته فيها و ما يدعى به بعدها، في الفصل السابع عشر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 458

و حسبنا ها هنا الإشارة إليه.

المسألة 1032:

يستحب له بعد فراغه من صلاة الطواف أن يعود الى الحجر الأسود فيقبله إذا استطاع، و إن لم يستطع ذلك لكثرة الناس استقبله و أومأ إليه و كبّر، ثم يمضي إلى زمزم فيستقي منها على ما بيّناه في المسألة الثمانمائة و التاسعة و الخمسين و ذكرنا فيها من الآداب و المستحبات، ثم يخرج الى الصفا من الباب الذي يقابل الحجر الأسود ليسعى بين الصفا و المروة.

المنسك الثالث من أعمال مكة بعد العود إليها: السعي بين الصفا و المروة،
المسألة 1033:

و هو الواجب التاسع من واجبات الحج، فيجب على الحاج أن يبدأ فيه بالصفا و يختم بالمروة على النهج الذي أوضحناه في الفصل الثامن عشر من شروط و واجبات، و يستحب له ان يراعي ما بيّناه في ذلك الفصل من آداب و يقرأ ما ذكرناه من أدعية و أذكار.

الواجب الرابع من أعمال مكة: طواف النساء،
المسألة 1034:

و هو الواجب العاشر من واجبات الحج، فلا تحل النساء للرجل إذا هو لم يطف بعد الحج طواف النساء، و لا تحل الرجال للمرأة إذا هي لم تطف بعد الحج طواف النساء، و يجري الحكم في الذكر و إن كان غير بالغ أو كان غير مميّز فإذا أحرم به الولي لم تحل له النساء الا بعد طواف النساء، فيطوف به وليه إذا كان غير مميّز و يستنيب أحدا في الصلاة عنه، و يطوف الصبي و يصلّي صلاة الطواف بنفسه إذا كان مميزا، و يجري مثله في الصبية غير البالغة و إن كانت غير مميزة، و في المجنون و المجنونة إذا حج بهما وليّهما.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 459

المسألة 1035:

الأحوط أن لا يقدّم الحاج طواف النساء على السعي بين الصفا و المروة، فإذا أتى به بعد صلاة طواف الحج و قبل السعي متعمدا وجبت عليه إعادته بعد السعي على الأحوط، و إذا أتى به قبل السعي ناسيا أو ساهيا أو جاهلا أجزأه على الظاهر.

المسألة 1036:

الأفضل أن يبادر الحاج إلى الإتيان بطواف النساء بعد الفراغ من السعي، و لا يؤخره عامدا الى آخر أيام التشريق، و إذا أخره كذلك أجزأه متى أتى به و إن كان بعد أيام التشريق أو في آخر ذي الحجة، و يأثم إذا أخّره حتى انقضى الشهر.

المسألة 1037:

إذا ترك الحاج طواف النساء متعمدا لم يبطل بذلك حجه، و لكنه لم يتحلل كما ذكرنا من محرّمات الإحرام التي تتعلق بالنساء، من استمتاعات، و وطء و عقد نكاح و شهادة على عقد و غير ذلك من جميع المحرمات التي تتعلق بهن، و لا يباح له ذلك حتى يأتي بالطواف بنفسه، و إذا لم يقدر على الطواف بالمباشرة، أو كان ذلك موجبا للعسر و الحرج وجبت عليه الاستنابة فيه، و لا يتحلّل حتى يأتي نائبه بالطواف عنه، و كذلك الحكم إذا ترك طواف النساء ناسيا أو جاهلا ثم تذكره بعد ذلك أو علم بحكمه.

المسألة 1038:

يجب على المكلف أن يطوف طواف النساء مستقلا بنفسه غير معتمد و لا مستعين بغيره مع القدرة على الاستقلال، فإذا عجز عن ذلك جازت له الاستعانة فيه بمقدار الضرورة، فيطوف متكئا على أحد، أو محمولا على متن إنسان أو ظهر حيوان أو غيرهما كما هو الحكم في طواف الحج و العمرة، فإذا عجز عن ذلك وجبت عليه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 460

الاستنابة.

المسألة 1039:

يتحد طواف النساء مع طواف الحج في الكيفية و في شرائط الصحة، و يفترق عنه في النّية فيجب على المكلف أن ينوي الطواف بالبيت طواف النساء في النسك المعيّن، حج التمتع مثلا أو حج القران أو الإفراد أو العمرة المفردة، متقربا به الى اللّه، و الأولى أن يقول مثلا: (أطوف بالبيت سبعة أشواط طواف النساء، في حج التمتع حج الإسلام لوجوبه طاعة لأمر اللّه تعالى).

المنسك الخامس من أعمال مكة بعد العود إليها:
المسألة 1040:

يجب على المكلف إذا فرغ من طواف النساء أن يصلي بعده صلاة الطواف، و هي ركعتان تتحدان مع صلاة طواف الحج في الكيفية و في الشرائط و في الموضع، و هي الواجب الخامس من أعمال مكة، و هي الواجب الحادي عشر من واجبات الحج.

[مسائل]
المسألة 1041:

إذا أتم الحاج مناسك منى يوم النحر، فرمى جمرة العقبة، ثم ذبح أو نحر هديه، ثم حلق أو قصّر، حلّ له كل شي ء حرمه الإحرام عليه ما عدا الطيب و النساء، و قد أوضحنا قريبا أن المراد بالنساء كل حكم يتعلق بهن من محرمات الإحرام، و هذا هو المحلل الأول للحاج من بعض محرمات إحرامه، و تراجع المسألة الألف و الثالثة و العشرون.

و إذا عاد من منى الى مكة فطاف بالبيت طواف الحج و صلى ركعتي الطواف ثم سعى بين الصفا و المروة حلّ له استعمال الطيب على كراهة، و هذا هو المحلل الثاني له من بعض محرمات إحرامه، فإذا طاف بالبيت بعد السعي طواف النساء و صلى بعده صلاة الطواف حلّت له النساء، و تحلّل من باقي المحرمات التي تتعلق بهن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 461

و زالت الكراهة عن استعمال الطيب، و هذا هو المحلّل الثالث و الأخير.

المسألة 1042:

لا يجوز للحاج المتمتع في حال الاختيار و التمكن أن يقدم الطواف و السعي على الوقوف في عرفة و الوقوف في المشعر الحرام، و يجوز له التقديم عند الضرورة كالشيخ الكبير و المريض و الضعيف و الخائف الذي يعلم أو يظن أو يخاف عدم القدرة على الإتيان بالطواف إذا أخره الى ما بعد النحر، فيجوز له التقديم في هذه الحالات، و كالمرأة إذا علمت أو خافت طروء الحيض عليها بعد النحر فيمنعها من الطواف، فيجوز لها التقديم كذلك.

فإذا قدّم الحاج المعذور طواف الحج و السعي و طواف النساء قبل الوقوفين في مثل هذه الحالة، و أتى بأعمال منى في يوم النحر حلّ بذلك من إحرامه حتى من الطيب و النساء، و هذا إذا كان عذر

الحاج لا يزال مستمرا فلم يتمكن من الإتيان بالطوافين و السعي بعد النحر، و إذا زال عذره و أمكن له الإتيان بهما في يوم النحر أو أيام التشريق وجبت عليه إعادة الطوافين و السعي و لا يتحلل من الطيب و النساء الا بعد الإتيان بهما، و كذلك المرأة التي تخاف طروء الحيض فيجري فيها التفصيل الذي ذكرناه.

المسألة 1043:

يجري الحكم الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة في الحاج المتمتع الذي يلزمه العسر و الحرج إذا هو أخّر طوافه و سعيه الى ما بعد النحر، فيجوز له تقديم الطوافين و السعي في مثل هذه الحالة أيضا.

المسألة 1044:

إذا كان الحاج المتمتع من أصحاب الأعذار المذكورة و أراد تقديم الطوافين و السعي قبل الوقوفين، فيجب عليه أن يكون طوافه و سعيه بعد الإحرام بالحج، و لا يجزيه أن يطوف و يسعى قبل

كلمة التقوى، ج 3، ص: 462

الإحرام، و كذلك حكم المرأة التي تخشى طروء الحيض.

المسألة 1045:

إذا كان الحاج معذورا و قدم طوافه و سعيه قبل الوقوفين لعذر معيّن، و تبدل عذره الخاص بعذر آخر يمنعه من الطواف أو يكون موجبا للعسر و الحرج بحيث لم يتمكن من الطواف و السعي بعد النحر كفاه طوافه و سعيه الأول و لا إعادة عليه.

المسألة 1046:

إذا قدّم الحاج المتمتع طواف الحج و السعي قبل الوقوفين لوجود العذر كما تقدم، و أخر طواف النساء لأنه يعلم أو يظن أن عذره لا يستمر الى ما بعد أيام التشريق أو الى آخر ذي الحجة فعزم على تأخير طواف النساء إليها، فإذا وقف الموقفين و أتى بأعمال منى في يوم النحر تحلّل بذلك من جميع محرمات الإحرام حتى من الطيب، و لم تحل له المحرمات التي تتعلق بالنساء حتى يأتي بطواف النساء.

المسألة 1047:

العذر الذي يسوغ للمتمتع معه أن يقدّم الطواف و السعي على الوقوفين هو العذر الذي لا يتمكن المكلف معه من الإتيان بالطواف في يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، أو يكون الإتيان به فيها موجبا للعسر و الحرج، فإذا زال العذر و تمكن من الطواف و السعي في أيام التشريق وجبت عليه الإعادة كما قلنا، و إذا زال العذر بعد أيام التشريق و تمكن من إعادة الطواف و السعي قبل خروج ذي الحجة فلا يترك الاحتياط بالإعادة استحبابا.

المسألة 1048:

إذا حصل للحاج المتمتع بعض الأعذار المسوغة فقدّم طواف الحج و السعي و طواف النساء على الوقوفين من أجله، لم يحلّ له

كلمة التقوى، ج 3، ص: 463

استعمال الطيب و لم تحلّ له النساء بذلك حتى يقف في الموقفين و يأتي بعدهما بأعمال منى في يوم النحر، فإذا رمى جمرة العقبة و ذبح الهدي و حلق أو قصّر، حلّ حين ذلك من إحرامه من جميع المحرّمات حتى الطيب و النساء.

المسألة 1049:

ذكرنا في المسألة الأربعمائة و السابعة و الخمسين أنه يجوز للحاج المفرد و للحاج القارن أن يقدّما طواف الحج و السعي بين الصفا و المروة على الوقوفين حتى في حال الاختيار، و إن هذا أحد الأمور الفارقة بينهما و بين حج التمتع فلا يصح ذلك فيه كما قلنا إلا في حال الضرورة، و أما طواف النساء فلا يجوز لهما تقديمه على الوقوفين إلا مع العذر و عدم القدرة، كما هو الحال في حج التمتع.

و نتيجة لذلك، فإذا قدّم الحاج المفرد أو القارن طواف الحج و سعيه قبل الوقوفين ثم وقفا في عرفات و في المزدلفة، و أتيا بأعمال منى في يوم النحر تامة، تحلّلا بذلك من إحرامهما حتى من الطيّب، و لم تحلّ لهما النساء حتى يطوفا طواف النساء و يصليا بعده صلاة الطواف، و إذا هما لم يطوفا طواف الحج و لم يسعيا حتى حلقا أو قصّرا في منى يوم النحر تحلّلا بالحلق أو التقصير من بعض المحرمات و لا يحل لهما الطيب على الأحوط حتى يأتيا بطواف الحج و سعيه، و لا تحل لهما النساء حتى يطوفا طواف النساء و يصليا صلاة الطواف، و إذا قدّما طواف الحج و سعيه، و قدّما طواف

النساء أيضا قبل الوقوفين لوجود بعض الأعذار التي أوجبت لهما ذلك، أحلا بعد الفراغ من مناسك منى يوم النحر من جميع محرمات الإحرام، حتى من النساء.

المسألة 1050:

يجب على المحرم و المحرمة طواف النساء، و لا تحلّ النساء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 464

على المحرم الذكر إلا بعد الإتيان به و بصلاته، و لا تحلّ الرجال على الأنثى المحرمة إلا بعد الإتيان به و بصلاته، سواء كان الإحرام بحج أم بعمرة، و سواء كان الحج واجبا أم مندوبا، و سواء كانت العمرة واجبة أم مندوبة، و سواء كان المحرم كبيرا أم صغيرا، و سواء كان النسك الذي أحرم به لنفسه أم بالنيابة عن غيره، و حتى المجنون إذا أحرم به وليه، و حتى الرق المملوك و الأمة المملوكة إذا أحرما بإذن مولاهما، و تستثنى من ذلك عمرة التمتع وحدها فليس فيها طواف نساء و قد تكرر منا ذكر هذا.

و إذا حج الإنسان أو اعتمر نائبا عن غيره، نوى طواف النساء و صلاة الطواف عن الشخص المنوب عنه لا عن نفسه و إن كان هو المحرم، و إذا أتى النائب بطواف النساء و بصلاته بالنيابة حلّت له النساء، كما يحل من حرمة الطيب إذا طاف و سعى في الحج و هو ينوي النيابة، و كما يحلّ من المحرمات الأخرى إذا ذبح و حلق أو قصّر في منى و هو ينوي النيابة كذلك.

المسألة 1051:

إذا حاضت المرأة بعد ما فرغت من أعمال منى يوم النحر أو تنفست، فلم تتمكن بسبب ذلك من أداء طواف الحج و لم يمكن لها البقاء حتى تطهر و تأتي بالطواف الواجب، وجب عليها أن تستنيب أحدا يطوف عنها طواف الحج و يصلي عنها صلاة الطواف، ثم تسعى بنفسها بين الصفا و المروة بعد أن يفرغ النائب من الطواف و الصلاة، ثم تستنيب بعد السعي في طواف النساء و في صلاة

الطواف، و تخرج بعد النفر من منى إذا شاءت، و كذلك الرجل إذا طرأ له من العوارض ما لا يقدر معه على الإتيان بالطواف بنفسه و لم يتمكن من المكث حتى يزول العذر و تتجدد له القدرة على المباشرة، فتجب عليه الاستنابة في الواجب الذي تتعذر عليه مباشرته بنفسه،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 465

و يأتي بالعمل الذي يقدر على الإتيان به، و يراعي الترتيب بين الأعمال و يقدّر الضرورة بمقدارها، فإذا منعه المرض عن الطواف استناب فيه ثم أتى بصلاة الطواف بنفسه إذا كان قادرا عليها، و كذلك السعي فإذا لم يقدر على الإتيان به لوجود العذر استناب فيه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 466

الفصل الخامس و العشرون في واجبات ليالي التشريق و أيامه بمنى
المسألة 1052:

يجب على الحاج إذا كان قادرا غير معذور أن يبيت الليلة الحادية عشرة و الليلة الثانية عشرة من شهر ذي الحجة بمنى، و هذا هو الواجب الثاني عشر من واجبات الحج، فإذا قضى الحاج واجباته في مكة يوم النحر وجب عليه أن يعود إلى منى للمبيت بها، فإذا كان قد اتقى الصيد في أيام إحرامه اتقاء كاملا و اجتنب المحرمات من النساء اجتنابا تاما، جاز له أن يخرج من منى بعد الزوال من اليوم الثاني عشر، و لم يجب عليه المبيت في الليلة الثالثة عشرة، و إذا هو لم يتق الصيد أو النساء و لم يجتنبهما وجب عليه المبيت بمنى في الليلة الثالثة عشرة، و المراد بالاتقاء أن يجتنب قتل الصيد و ذبحه و أكله و الاستيلاء عليه و يجتنب الاستمتاع بوطئ النساء في مدة إحرامه، فإذا هو لم يتق كذلك تعيّن عليه المبيت بمنى في الليلة الثالثة من ليالي التشريق، و كذلك من غربت عليه الشمس في الليلة الثالثة عشرة

و هو في منى، فيجب عليه المبيت فيها، و لا يجوز له الخروج منها و إن كان قد تأهب للخروج منها و لم يخرج بالفعل.

المسألة 1053:

إذا لم يتق الحاج النساء في مدة إحرامه بمثل القبلة و النظرة و اللمس بشهوة أو بعض المحرمات الأخرى التي تتعلق بالنساء، أو لم يتق الصيد بمثل الدلالة أو الإشارة إليه أو الإعانة أو نحو ذلك من المحرمات التي تتعلق به، فالأحوط استحبابا له المبيت في الليلة الثالثة عشرة بمنى، و ان كان الظاهر عدم وجوب ذلك عليه.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 467

المسألة 1054:

لا يجب المبيت في الليلة الثالثة عشرة على الحاج الذي ارتكب في إحرامه بعض محرمات الإحرام غير الصيد و النساء، و لا على من ارتكب احدى الكبائر و هو محرم، و لا على الصّرورة الذي لم يحج قبل هذه المرة حتى نائبا عن غيره، و ان قال بعض العلماء بالوجوب في هذه الموارد، نعم، الأفضل لكل حاج أن يبيت الليلة الثالثة عشرة في منى، و لا ينفر قبلها و ان كان قد اتقى الصيد و النساء.

المسألة 1055:

يتحقق المبيت الواجب شرعا بأن يمكث الحاج في منى أحد نصفي الليل الأول أو الأخير، فإذا مكث فيها من غروب الشمس الى النصف من الليل جاز له أن يخرج عنها بعد النصف على كراهة في الخروج منها قبل الصبح، و إذا خرج من منى نهارا و غربت عليه الشمس و هو في مكة أو في غيرها أو خرج من منى في أول الليل، وجب عليه أن يعود إليها قبل منتصف الليل ليبيت فيها النصف الأخير منه، و يستثنى من ذلك ما إذا بقي في مكة مشتغلا بالنسك و العبادة إلى طلوع الفجر، فيكفيه ذلك عن العود إلى منى، و الأفضل له في هذه الصورة أن يرجع الى منى قبل أن ينشق الفجر.

المسألة 1056:

تجب النية في مبيت الحاج بمنى كسائر المناسك و العبادات، فإذا بات فيها ليلته كلها أو بات فيها النصف الأول من الليل، نوى المبيت عند غروب الشمس، و الأحوط له أن يقدمها في آخر أجزاء النّهار، و إذا بات فيها النصف الأخير من الليل نوى المبيت عند أول جزء من الليل بعد رجوعه إلى منى، فيقول في نيته: (أبيت هذه الليلة بمنى في حج التمتع حج الإسلام لوجوبه امتثالا لأمر اللّه تعالى)، و إذا كان في حج الإفراد أو القران أو كان نائبا عن غيره عيّن نسكه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 468

في النية.

المسألة 1057:

إذا أخلّ المكلف بهذا الواجب فبات في غير منى عامدا أثم بذلك، و وجب عليه أن يكفّر عن كل ليلة بدم شاة، و يستثنى من ذلك ما إذا بات في مكة مشتغلا في ليلته بالنسك و العبادة حتى أصبح، فيكفيه ذلك عن مبيته بمنى و لا فدية عليه، و لا يكفيه و لا يجزئ عن الواجب أن يبيت الليلة في مكة و هو غير مشغول بالعبادة، أو يبيت الليلة في غير مكة و غير منى و إن كان مشغولا فيها بالتعبد حتى يصبح، فتجب عليه الفدية بل و يكون عاصيا بترك الواجب عامدا.

و إذا بات في غير منى ناسيا أو ساهيا أو جاهلا بالحكم لم يأثم بذلك و وجبت عليه الفدية، و كذلك إذا بات في موضع يعتقد أو يظن أنه من منى ثم ظهر له أنه ليس منها، فتجب عليه الفدية و لا إثم عليه، الا إذا كان مقصرا فاعتمد على قول من لا يعتمد عليه.

و إذا أضطره مرض أو خوف أو غيرهما من الأعذار الموجبة للاضطرار فبات في غير

منى فلا إثم عليه، و لم تسقط عنه الفدية على الأحوط، و من الأعذار الموجبة لذلك: أن يكون له مريض في غير منى يخاف عليه، أو يكون له مال يخاف تلفه أو ضياعه.

المسألة 1058:

إذا أخلّ الحاج بالمبيت الواجب في منى لزمته الكفارة كما ذكرناه أكثر من مرة، و تتكرر الكفارة بعدد الليالي التي أخلّ بها، فإذا ترك المبيت فيها ليلة واحدة وجب عليه ذبح شاة واحدة، و إذا أخلّ بليلتين كفّر بذبح شاتين، و إذا وجب عليه المبيت في الليلة الثالثة و أخلّ بها أيضا وجب عليه التكفير بثلاث شياه، و يجب ذبح هذه الفدية بمنى، و مصرفها هو مصرف الكفارات الواجبة للصيد

كلمة التقوى، ج 3، ص: 469

و غيره، و هم المساكين فلا يجوز صرفها في غيرهم، و قد ذكرنا هذا في المسألة الستمائة و السبعين.

المسألة 1059:

نقل بعض الأكابر من العلماء: أنه يستحب للحاج عند رجوعه من مكة إلى منى أن يقول: (اللّهم بك وثقت، و بك آمنت، و لك أسلمت، و عليك توكلت، فنعم الرب و نعم المولى و نعم النصير)، و لا بأس بالإتيان بذلك برجاء المطلوبية.

المسألة 1060:

الثاني من واجبات منى في أيام التشريق: رمي الجمرات الثلاث، و هو الواجب الثالث عشر من أعمال الحج، و هو الأخير من واجباته و أعماله، فيجب على الحاج في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة و في اليوم الثاني عشر منه و في اليوم الثالث عشر لمن بات ليلته في منى أن يرمي الجمرات الثلاث على الترتيب ما بينها، فيبدأ برمي الجمرة الأولى بسبع حصيات، ثم يرمي الجمرة الثانية بعدها بسبع حصيات و تسمى الجمرة الوسطى، ثم يرمي الجمرة الثالثة، و هي جمرة العقبة و تسمى الجمرة العظيم بسبع حصيات كذلك.

و يجب رمي الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر أيضا على الحاج إذا وجب عليه المبيت في منى في الليلة الثالثة عشرة، و ان لم يبت بها عامدا أو ناسيا أو جاهلا أو معذورا فتجب عليه الفدية كما تقدم بيانه، و يجب عليه رمي الجمرات الثلاث في يومه.

المسألة 1061:

يجري في رمي الجمرات هنا كل ما ذكرناه في رمي جمرة العقبة يوم النحر من شروط و واجبات و أحكام، فيراعى في الرمي هنا ما بيّناه هنالك، و تجب النية عند رمي كل واحدة منها، و يعيّن في نيته الجمرة التي يرميها و النسك الذي يؤديه، و يقصد به التقرب الى

كلمة التقوى، ج 3، ص: 470

اللّه، فيقول على الأولى: (أرمي هذه الجمرة بسبع حصيات في حج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة الى اللّه تعالى)، و إذا كان في حج قران أو إفراد عيّنه كما سبق في نظائره.

المسألة 1062:

يجب الترتيب في صحة رمي الجمرات كما اشترطنا ذلك قريبا، فإذا أخلّ الناسك به وجب عليه أن يعيد ما قدمه منها على موضعه، فإذا رمى جمرة العقبة أولا ثم رمى الوسطى، ثم الأولى، صح رمي الجمرة الأولى وحدها، فيجب عليه أن يرمي الجمرة الوسطى بعدها، ثم يرمي جمرة العقبة، و كذلك إذا رمى الجمرة الوسطى أولا ثم رمى جمرة العقبة، ثم الأولى، أو رمى الوسطى أولا ثم الأولى ثم جمرة العقبة، فيصح رمي الأولى في هذه الفروض، و يجب عليه أن يعيد رمي الوسطى ثم العظمى أخيرا.

و إذا رمى الأولى ثم رمى جمرة العقبة ثم الوسطى، صح رمي الأولى و الوسطى، و عليه أن يعيد رمي جمرة العقبة، و كذلك إذا رمى جمرة العقبة أولا، ثم الأولى ثم الوسطى، فعليه أن يعيد رمي جمرة العقبة، و لا فرق في الحكم الذي ذكرناه بين أن يكون قد أخلّ بالترتيب عامدا أو ناسيا أو جاهلا.

المسألة 1063:

يجب أن يكون رمي الجمرات نهارا، فلا يجوز للحاج إذا كان مختارا أن يرميها ليلا، و لا يجزيه ذلك في أداء الواجب، و سنبيّن فيما يأتي إن شاء اللّه حكم أصحاب الأعذار و أشباههم ممن يجوز لهم الرمي ليلا، و يمتد وقت الرمي للمختار غير المعذور من طلوع الشمس الى غروبها، و أفضل أوقاته أن يكون عند زوال الشمس.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 471

المسألة 1064:

ورد في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه (ع): (ارم في كل يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة، و ابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها من بطن السيل، و قل كما قلت يوم النحر، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة و احمد اللّه و أثن عليه، و صلّ على النبي و آله، ثم تقدم قليلا فتدعو و تسأله أن يتقبل منك، ثم تقدم أيضا، ثم افعل ذلك عند الثانية، و اصنع كما صنعت بالأولى، و تقف و تدعو اللّه كما دعوت، ثم تمضي إلى الثالثة و عليك السكينة و الوقار فارم، و لا تقف عندها)، و تراجع المسألة التسعمائة و السابعة و الخمسون، فقد ذكرنا فيها آداب رمي جمرة العقبة، و ذكرنا الأدعية و الأقوال المستحبة التي أشار الإمام (ع) إليها في الصحيحة السابقة و جملة من الآداب الأخرى و هي تجري في المقام.

المسألة 1065:

إذا رمى الناسك الجمرة بأربع حصيات أو خمس أو أكثر و نسي أن يتمّ رميها سبعا، ثم رمى الجمرة اللّاحقة كفاه ذلك في حصول الترتيب بين الجمرتين، فيجب عليه بعد ما يتذكر أن يكمل رمي الجمرة السابقة سبعا، و لا يجب عليه أن يستأنف رميها من أوله، و يصح رميه الأول للجمرة اللاحقة و لا يفتقر إلى إعادته، فإذا رمى الجمرة الأولى أربعا و نسي فلم يكملها، و رمى الجمرة الثانية سبعا، أكمل الأولى بثلاث حصيات فيتم بذلك رميها سبعا و صح رميه للثانية، و كذلك الحكم إذا رمى الوسطى أربعا ثم رمى الثالثة سبعا، و إذا رمى الجمرة الأولى بأربع حصيات و نسي أن يتمها و رمى الجمرة الثانية بأربع و

نسي أن يتمّها و رمى الثالثة سبعا وجب عليه أن يرمي الأولى بثلاث حصيات ليتمم بذلك سبعا، ثم يتم رميه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 472

للثانية كذلك سبعا، و يكتفي برمي الثالثة، و إذا كان قد رماها أربعا وجب عليه أن يتمها سبعا أيضا، و لا يترك الاحتياط بلزوم الإعادة إذا فاتت الموالاة العرفية في جميع الصور.

و إذا رمى الجمرة بثلاث حصيات أو أقل، و نسي أن يتمها سبعا ثم رمى ما بعدها لم يحصل الترتيب، فيجب عليه أن يعيد رمي الجمرة السابقة من أوله و لا يعتدّ بما رماها به من حصيات، و أن يعيد الرمي على اللاحقة و إن كان قد أتم رميها سبعا، فإذا رمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات ثم رمى الثانية سبعا وجب عليه أن يعيد رمي الجمرتين كلتيهما، و كذلك إذا رمى الأولى ثلاثا ثم رمى الثانية ثلاثا ثم رمى الثالثة فعليه أن يعيد على الجميع و ان كان قد رمى الثالثة سبعا.

المسألة 1066:

إذا رمى الجمرة الأولى و الثانية و أتم رميهما، ثم رمى الجمرة الثالثة بثلاث حصيات أو أربع و نسي أن يتمها ثم تذكر، وجب عليه أن يتم ما نقص منها و لا اعادة عليه، و هذا إذا لم تفت الموالاة في رميها، و إذا فاتت الموالاة العرفية فالأحوط إعادة الرمي عليها.

المسألة 1067:

إذا نسي الحاج رمي الجمرات في اليوم الحادي عشر مثلا أو في اليوم الثاني عشر وجب عليه أن يقضي الرمي في غد ذلك اليوم، و الأحوط أن يقدّم القضاء على الأداء، و أن يفرّق ما بين القضاء و الأداء في الوقت، و أن يأتي بالقضاء في أول النهار، و يأتي بالأداء عند زوال الشمس، و كذلك إذا ترك الرمي في بعض الأيام عامدا أو معذورا فيجب عليه قضاؤه على نهج ما تقدم، و يأثم بتركه إذا كان عامدا.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 473

المسألة 1068:

يجوز الرمي ليلا للخائف على نفسه أو على عرضه أو على ماله، و للمدين الذي يحذر أن يقبض عليه، و للعبيد الذين لا يملكون من أمرهم شيئا مع مواليهم، و الرعاة و الحطّابة الذين يقضون النهار في عملهم و يصعب عليهم الرمي نهارا، و للشيوخ العجزة و المرضى و النساء و الضعفاء الذين يخشون شدة الزحام، و أمثال هذه الطوائف من المعذورين، أو الذين يلزمهم الحرج و العسر إذا أخّروا رمي الجمرات الى النهار، فيصح لهم أن يرموا جمرات كل يوم من أيام التشريق في الليلة السابقة على ذلك اليوم، فيرمون في الليلة الحادية عشرة عن اليوم الحادي عشر، و في الليلة الثانية عشرة عن اليوم الثاني عشر، و في الليلة الثالثة عشرة عن اليوم الثالث عشر، و لا يؤخروا رمي اليوم إلى الليلة المتأخرة عنه الا إذا كان الرمي قضاء.

المسألة 1069:

يشكل الحكم بجواز الرمي للمعذور في الليلة الحادية عشر مثلا عن اليوم الثاني عشر، و اليوم الثالث عشر لمن علم بأنه لا يمكن له الرّمي فيها و لا في لياليها، و أشد من ذلك إشكالا أن يرمي في الليلة العاشرة عن أيام التشريق، و يكفيه الرمي في الليلة الثالثة عشرة عن جميع أيام التشريق قضاء إذا فاته الرمي فيها و في لياليها.

المسألة 1070:

إذا علم المكلف بأنه لم يرم احدى الجمرات و لم يدر بالجمرة التي تركها على التعيين، وجب عليه أن يرمي الجمرات الثلاث كلّها على الترتيب، و كذلك الحكم إذا علم بأنه قد رمى احدى الجمرات بثلاث حصيات فحسب، و لم يدر بتلك الجمرة على الخصوص، فيجب عليه أن يعيد الرمي على الجمرات كلها مع الترتيب.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 474

و إذا علم بأنه قد رمى احدى الجمرات بأربع حصيات و لم يعلم بها على التعيين وجب عليه أن يرمي كل واحدة من الجمرات بثلاث حصيات، و كذلك إذا علم بأنه قد رماها بخمس حصيات أو بست، فيجب عليه أن يرمي كل واحدة من الجمرات الثلاث بما نقصه من عدد الحصيات، و لا تجب عليه مراعاة الترتيب في هذه الصور.

المسألة 1071:

إذا علم الشخص بأنه قد أنقص بعض الجمرات ثلاث حصيات أو ثنتين أو واحدة، و شك في أنه صنع ذلك في جمرة واحدة أو في أكثر وجب عليه أن يرمي كل واحدة من الجمرات الثلاث العدد الذي أنقصه من الحصيات و أن يرميها مرتّبة، فيرمي الأولى ببقية العدد قبل الثانية و يرمي الثانية قبل الثالثة و إذا علم بأنه أنقص بعض الجمرات أربع حصيات أو أكثر، و لم يدر أنه صنع ذلك في جمرة واحدة أو أكثر وجب عليه أن يعيد الرمي كلّه على الجمرات كلّها.

المسألة 1072:

إذا نسي الحاج أو جهل فلم يرم الجمار حتى خرج الى مكة، وجب عليه أن يرجع الى منى و يرمي الجمار بعدد الأيام التي ترك الرمي فيها، و يفصل على الأحوط ما بين كل رميتين بساعة أو نحوها، و هذا إذا كان وقت الرمي باقيا، و إذا انقضى وقت الرمي و هو أيام التشريق لم يجب عليه الرجوع و الرمي في عامه الحاضر، و ان كان الرجوع و القضاء أحوط استحبابا، و يجب عليه قضاء الرمي في العام الآتي، فعليه أن يرجع و يقضي بنفسه، و إن هو لم يستطع الرجوع و القضاء بنفسه أو كان الرجوع موجبا للعسر و الحرج وجب عليه أن يستنيب فيه، و كذلك الحكم إذا ترك الرمي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 475

عالما عامدا فيجري فيه التفصيل المتقدم ذكره، و يأثم بتركه للواجب في عامه، و لا تحرم عليه النساء في جميع الصور المذكورة بعد أن حلت له بطواف النساء و ان وجب عليه قضاء الرمي في الآتي، و لا يبطل حجه بذلك.

المسألة 1073:

يجب على الحاج أن يتولى رمي الجمرات عن نفسه بنفسه مع قدرته على فعل ذلك، فلا تجوز له استنابة غيره فيه مع الاختيار، و تجوز الاستنابة فيه للمعذور غير القادر كالمريض الذي لا يستطيع الرمي بنفسه طول وقت الرمي، فإذا طرأ له المرض المانع في اليوم الحادي عشر مثلا حتى لم يتمكن من المباشرة بنفسه من طلوع الشمس الى غروبها من اليوم جازت له الاستنابة فيه، و إذا يأس من زوال العذر فاستناب في الرمي، ثم اتفق له البرء من المرض و زوال العذر قبل غروب الشمس وجب عليه الرمي بنفسه و لم يكفه رمي النائب عنه

و إن كان قد أتى بالعمل، و كذلك الحكم في المقعد و الكسير و المبطون و المغمى عليه، و إذا استناب من يعتاده الإغماء أحدا في حال إفاقته ليرمي عنه، ثم أغمي عليه لم تبطل استنابته بعروض الإغماء عليه فيجوز للنائب أن يرمي عنه في حال إغمائه، و إذا أغمي على الرجل و لا نائب له، قام وليّه مقامه فاستناب أحدا للرمي عنه على الأحوط، و الظاهر جواز التبرع بالرمي عن المعذور و ان لم يأذن و لم يستنب و إن وجب عليه أن يستنيب مع قدرته على الاستنابة لتأدية التكليف الواجب عليه، فإذا أتى المتبرع بالعمل الصحيح سقط التكليف عنه.

المسألة 1074:

إذا كان الرجل أو المرأة ممن لا يستطيع رمي الجمرات بنفسه لكثرة الازدحام، أو كان ذلك موجبا للخوف على نفسه من حدوث

كلمة التقوى، ج 3، ص: 476

مرض أو كسر أو خطر آخر، أو كان ذلك موجبا للعسر و الحرج الشديدين عليه، أو كانت المرأة تعلم أو تخشى عدم المحافظة على سترها، أو كان الرجل يخشى أو يعلم بملامسته للمرأة الأجنبية عنه بسبب ذلك جازت لهما الاستنابة في الرمي.

المسألة 1075:

إذا نسي الرجل أن يرمي الجمرات في اليوم الحادي عشر و اليوم الثاني عشر، و تذكر ذلك قبل غروب الشمس من اليوم الثاني عشر، و لم يبق من النهار إلا ما يؤدي به الرمي لأحد اليومين فقط وجب عليه أن يقدم الرمي ليومه الحاضر و ينوي به الأداء، و يؤخّر القضاء الى اليوم الثالث عشر.

المسألة 1076:

لا يجب على المكلف أن يقيم بمنى نهارا في أيام التشريق، و الواجب عليه في منى نهارا إنما هو رمي الجمار، فإذا أدى ذلك جاز له أن يخرج إلى مكة أو الى غيرها، ثم يرجع الى منى قبل غروب الشمس للمبيت فيها، و سيأتي بيان الحكم باستحباب الإقامة في منى أيام التشريق و هو حكم آخر غير الوجوب.

المسألة 1077:

تنوعت الأحاديث الواردة عن الرسول (ص) و أهل بيته الطاهرين (ع) في الدلالة على كبير الأجر الذي يناله الحاج في رمي الجمار إذا هو أخلص للّه النية في عمله، و لا سيما إذا التزم الآداب الشرعية في حال رميه، و أدّاه وفق ما يريده اللّه من غاية و ابتعاد عن مزالق الشيطان و مكائده و وساوسه و عباداته، و تعوّذ باللّه من مكره، و ادّرع بتقوى اللّه من جميع شروره، و قرأ الأدعية الواردة عنهم (ع) في ذلك، ففي الحديث عن الرسول (ص): (رمي الجمار ذخر يوم القيامة)، و عن أبي عبد اللّه (ع) في رمي الجمار قال: (له بكل

كلمة التقوى، ج 3، ص: 477

حصاة يرمي بها يحط عنه كبيرة موبقة)، و عنه (ع): (الحاج إذا رمى الجمار خرج من ذنوبه)، و عن أبي جعفر (ع): (لا ترم الجمار الا و أنت على طهر)، و قد تقدم أن الطهارة في حال رمي الجمار من المستحبات و ليس من الواجبات.

المسألة 1078:

يجوز للإنسان بعد أن يرمي الجمرات في أيام التشريق بمنى أن يخرج منها نهارا فيأت مكة و يزور البيت الحرام و يطوف به طوافا مندوبا، و يجوز له أن يبقى في مكة أو في غيرها طول نهاره لراحته أو لبعض أعماله، فإذا كان آخر النهار عاد إلى منى ليبيت الليل فيها، و لكن الإقامة نهارا في منى الى يوم النفر أفضل و أحبّ شرعا.

و يستحب التكبير في أيام التشريق بعد التسليم في الصلوات الفرائض و النوافل استحبابا مؤكدا، و يبدأ به من صلاة الظهر في يوم النحر إلى صلاة الصبح من اليوم الثالث عشر إذا كان بمنى، و الى صلاة الصبح من اليوم الثاني عشر

إذا كان في غير منى من سائر الأمكنة و الأمصار، فيكون التكبير المندوب عقيب خمس عشرة فريضة لمن كان بمنى، و عقيب عشر فرائض لمن كان في غيرها، و إذا صلى صلاة الظهر و العصر بمنى في اليوم الثاني عشر كبّر عقيب كل واحدة منهما، فإذا نفر من منى بعد الصلاة قطع التكبير بعد الصلوات الآتية التي يصليها بعد النفر، و إذا نفر بعد الزوال و قبل صلاة الظهر و العصر لم يكبر بعدهما.

المسألة 1079:

ورد في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه (ع): أن يقول في التكبير المستحب بعد الصلوات: (اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر، اللّه أكبر و للّه الحمد، اللّه أكبر على ما هدانا،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 478

اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام)، و ورد ذلك أيضا في صحيحة معاوية بن عمّار عنه (ع) و زاد في آخره أن يقول:

(الحمد للّه على ما أبلانا) و وردت فيه صور أخرى تختلف عنها في بعض العبارات، و الظاهر التخيير بين الصيغ المأثورة و غيرها، فأيها أتى به أجزأه.

المسألة 1080:

لا يختص الاستحباب الذي ذكرناه بالناسك في منى، فيستحب لمن كان في منى أن يكبر عقيب خمس عشرة فريضة من ظهر يوم النحر، سواء كان حاجا أم لا.

المسألة 1081:

ينبغي للحاج في أيام إقامته في منى أن يواظب على الصلاة و العبادة في مسجد الخيف، و أن يصلي فرائضه و نوافله فيه، و عن أبي عبد اللّه (ع): (صلّ في مسجد الخيف و هو مسجد منى، و كان مسجد رسول اللّه (ص) على عهده عند المنارة التي في وسط المسجد و فوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا، و عن يمينها و عن يسارها و خلفها نحوا من ذلك، قال: فتحرّ ذلك، فان استطعت أن يكون مصلّاك فيه فافعل، فإنه قد صلى فيه ألف نبي).

و عن أبي جعفر (ع): (من صلى في مسجد الخيف بمنى مائة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاما، و من سبح اللّه فيه مائة تسبيحة كتب له كأجر عتق رقبة، و من هلل اللّه فيه مائة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة، و من حمد اللّه فيه مائة تحميدة عدلت أجر خراج العراقين يتصدق به في سبيل اللّه عز و جل)، و لعلّ المراد في هذا الخبر أن يجعل الحاج صلاة المائة ركعة في المسجد آخر عهده بالمسجد و بعدها ينفر من منى، و عن أبي عبد اللّه (ع): (صلّ ست ركعات في مسجد منى في أصل الصومعة).

كلمة التقوى، ج 3، ص: 479

المسألة 1082:

إذا أتم الحاج رمي الجمار في اليوم الثاني من أيام التشريق، و كان قد اجتنب الصيد و النساء في مدة إحرامه، و اتقى اللّه في التوقي عنهما، جاز له النفر من منى بعد الزوال من ذلك اليوم، و لا يجوز له أن ينفر فيه قبل الزوال، و ان كان قد فرغ من رمي الجمار، و إذا هو لم يمتنع من الصيد أو النساء فارتكب أحدهما

أو كليهما في أيام إحرامه لم يجز له النفر في الثاني عشر، و وجب عليه أن يؤخّر نفره الى اليوم الثالث عشر، و أن يبيت الليلة الثالثة عشر فيها، و يجوز له أن ينفر فيه قبل زوال الشمس.

المسألة 1083:

إذا كان الشخص متمتعا و لم يتق الصيد أو النساء في أيام إحرامه بعمرة التمتع، فالأحوط له لزوما أن لا ينفر من منى في اليوم الثاني عشر، و ان يبيت بها في الليلة الثالثة عشرة، و ان كان قد اجتنب الصيد و النساء في إحرامه بحج التمتع، و لعل هذا هو الأقوى أيضا.

المسألة 1084:

إذا نفر الحاج من منى في اليوم الثاني عشر عصرا غير أن ازدحام الطريق في السيارات و العابرين منع سيارته من الخروج عن حدود منى، فلم يخرج منها حتى غربت الشمس و دخل الليل و هو فيها، وجب عليه المبيت في منى تلك الليلة و لم يجز له الخروج، و إذا تعذر عليه المبيت بها أو كان ذلك موجبا للعسر و الحرج من حيث أن أثقاله و عائلته قد حملت في السيارة و يتعذر أو يشق عليه إرجاعها و إنزالها لشدة الازدحام أو لمنع قوانين السير من الوقوف و الإنزال أو لغير ذلك من الأعذار المانعة جاز له الخروج، و الأحوط لزوما أن

كلمة التقوى، ج 3، ص: 480

يكفر عن ذلك بدم شاة.

المسألة 1085:

إذا خرج الحاج من منى في اليوم الثاني قبل زوال الشمس، فان كان عامدا أثم بذلك و وجب عليه الرجوع الى منى إذا استطاع الرجوع إليها قبل الزوال، و إذا كان ناسيا أو جاهلا فلا إثم عليه.

و يجب عليه الرجوع إذا علم بالحكم و أمكن له الرجوع قبل الزوال، و إذا زالت الشمس عليه قبل ان يعود أو لم يمكن له الرجوع فلا شي ء عليه.

المسألة 1086:

إذا خرج الحاج من منى في اليوم الثاني قبل غروب الشمس، ثم عرضت له حاجة فرجع الى منى بعد دخول الليل عليه و هو في خارج منى، جاز له الخروج منها ليلا بعد قضاء حاجته و لم يجب عليه المبيت بها.

المسألة 1087:

يستحب للمكلّف إذا أراد الخروج من مكة إلى أهله أن يودّع البيت الحرام، و ان يطوف به طواف الوداع، و أن يستلم الحجر الأسود و الركن اليماني في كلّ شوط من أشواط طوافه إذا استطاع ذلك، و ان لم يستطع افتتح طوافه و ختمه به، و أن يأتي المستجار فيصنع عنده كما صنع يوم قدومه إلى مكة، و قد سبق ذكر ذلك في المسألة الثمانمائة و السابعة عشرة، و أن يدعو اللّه بما شاء من الدعاء، و يستحب له أن يستلم الحجر الأسود، و ان يلصق بطنه بالبيت، و يحمد اللّه و يثني عليه و يصلي على محمد و آله، و أن يقول:

(اللّهم صلّ على محمد عبدك و رسولك و أمينك و حبيبك و نجيبك و خيرتك من خلقك، اللّهم كما بلّغ رسالتك و جاهد في سبيلك و صدع بأمرك و أوذي فيك و في جنبك حتى أتاه اليقين، اللّهم اقلبني مفلحا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 481

منجحا مستجابا لي بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة و البركة و الرضوان و العافية مما يسعني أن أطلب، أن تعطيني مثل الذي أعطيته أفضل من عبدك و تزيدني عليه، اللّهم إن أمتّني فاغفر لي، و إن أحييتني فارزقنيه من قابل، اللّهم لا تجعله آخر العهد من بيتك، اللّهم اني عبدك ابن عبدك و ابن أمتك حملتني على دوابك، و سيّرتني في بلادك، حتى

أدخلتني حرمك و أمنك، و قد كان في حسن ظني بك أن تغفر لي ذنوبي، فإن كنت قد غفرت لي ذنوبي فازدد عني رضا و قرّبني إليك زلفى و لا تباعدني، و ان كنت لم تغفر لي فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى عن بيتك داري، و هذا أوان انصرافي إن كنت أذنت لي، غير راغب عنك و لا عن بيتك، و لا مستبدل بك و لا به، اللّهم احفظني من بين يديّ و من خلفي و عن يميني و عن شمالي حتى تبلّغني أهلي، و اكفني مؤنة عبادك و عيالي، فإنك ولي ذلك من خلقك و مني).

و يستحب له أن يأتي زمزم فيشرب منها، ثم يخرج و يقول:

(آئبون تائبون عابدون، لربّنا حامدون، الى ربّنا راغبون، الى ربّنا راجعون) و عن أبي عبد اللّه (ع): انه لما أن ودّع و أراد أن يخرج من المسجد خرّ ساجدا عند باب المسجد طويلا ثم قام فخرج.

المسألة 1088:

من نسي وداع البيت أو تركه لبعض العلل أو الأعذار لم يضره ذلك إذا كان قد قضى مناسكه، و لا ينبغي له ترك وداعه بغير سبب يوجب ذلك.

المسألة 1089:

يستحب للمكلّف دخول الكعبة المعظمة استحبابا مؤكدا، و عن أبي جعفر (ع) أنه قال: (الدخول فيها دخول في رحمة اللّه و الخروج منها خروج من الذنوب، معصوم في ما بقي من عمره مغفور له ما

كلمة التقوى، ج 3، ص: 482

سلف من ذنوبه)، و هو للحاج الصرورة الذي لم يحج من قبل أشد تأكدا.

المسألة 1090:

يستحب لمن أراد دخول الكعبة أن يغتسل قبل دخولها، و ان يدخلها على سكينة و وقار و أن يستشعر عند دخوله و في حركاته و سكناته و أعماله في البيت كبرياء اللّه و عظمة بيته، و ان لا يدخلها بحذاء و لا يبزق و لا يمتخط و لا يأتي ما يخالف الأدب أو ينافي الخشوع، و أن يقول إذا دخل: (اللّهم انك قلت: و من دخله كان آمنا، فآمنّي من عذاب النار)، و أن يصلي ركعتين بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء، يقرأ في الركعة الأولى حم السجدة، و في الثانية عدد آياتها من القرآن، و أن يصلي في زواياه الأربع، في كل زاوية ركعتين، و أن يقول:

(اللّهم من تهيّأ أو تعبّأ أو أعدّ أو استعدّ لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده و جائزته و نوافله و فواضله فإليك يا سيدي تهيئتي و تعبئتي و إعدادي و استعدادي، رجاء رفدك و نوافلك و جائزتك، فلا تخيّب اليوم رجائي، يا من لا يخيب عليه سائل و لا ينقصه نائل، فإني لم آتك اليوم بعمل صالح قدّمته و لا بشفاعة مخلوق رجوته، و لكني أتيتك مقرا بالظلم و الإساءة على نفسي، فإنه لا حجة لي و لا عذر، فأسألك يا من هو كذلك أن تصلي على محمّد و آله، و تعطيني مسألتي و تقيلني عثرتي

و تقلبني برغبتي و لا تردّني مجبوها ممنوعا و لا خائبا، يا عظيم يا عظيم يا عظيم، أرجوك للعظيم، أسألك يا عظيم أن تغفر لي الذنب العظيم، لا إله إلا أنت)، و إذا منعته كثرة الناس من الوصول الى الزوايا استقبل الزوايا و هو في موضعه حيث صلى و دعا اللّه و سأله.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 483

المسألة 1091:

في الحديث عن عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه (ع) و هو خارج من الكعبة و هو يقول: (اللّه أكبر اللّه أكبر حتى قالها ثلاثا) ثم قال: (اللّهم لا تجهد بلاءنا و لا تشمت بنا أعداءنا فإنك أنت الضار النافع) ثم هبط فصلى الى جانب الدرجة جعل الدرجة عن يساره مستقبل الكعبة ليس بينه و بينها احد، ثم خرج الى منزله.

خاتمة: في العمرة المفردة
المسألة 1092:

تقدّم منا في المسألة الأربعمائة و التاسعة و ما بعدها من المسائل إلى نهاية الفصل الثامن بيان أقسام العمرة المفردة و تفصيل شروطها و أحكامها، و تعرضنا في فصل الإحرام و في فصل المواقيت للمسائل و الفروض التي تتعلق باحرامها و تعيين مواقيت إحرامها و قد أغنانا ذلك عن اعادة ذكرها، فعلى من يريد العمرة المفردة أن يلاحظ ما أوضحناه هناك.

المسألة 1093:

تفترق العمرة المفردة عن عمرة التمتع في عدة فروق:

الأول: أن عمرة التمتع ترتبط بحج التمتع ارتباطا كاملا، و لذلك فيجب أن تقع مع حج التمتع في سنة واحدة و قد تقدم تفصيل ذلك، و أما العمرة المفردة فهي نسك مستقل لا يرتبط بحج افراد و لا بحج قران، و ان اجتمعت على المكلف شروط الوجوب في كلّ من الحج و العمرة فوجب عليه كلاهما، فيجوز له أن يفصل بينهما فيأتي بالحج

كلمة التقوى، ج 3، ص: 484

في سنة و يأتي بالعمرة في سنة أخرى.

المسألة 1094:

الفارق الثاني: أن عمرة التمتع لا يجوز للمكلف إيقاعها و لا يصح منه الإحرام بها إلا في أشهر الحج: شوال و ذي القعدة و ذي الحجة، و يصح له أن يوقع العمرة المفردة و يحرم بها في أي شهر أراد من شهور السنة، و قد ذكرنا: أن الأفضل إيقاعها في شهر رجب، و دون ذلك في الفضل إيقاعها في شهر رمضان.

المسألة 1095:

الفارق الثالث: أن عمرة التمتع لا يجب فيها على المعتمر طواف نساء، بخلاف العمرة المفردة، فيجب عليه فيها طواف النساء، و تجب فيها صلاة طواف النساء، و لا تحل له النساء بعد إحرامه إلا بهما.

المسألة 1096:

الفارق الرابع: أن عمرة التمتع يتعين على المكلف فيها التقصير، و لا يجوز له حلق رأسه، و يتخير المعتمر في العمرة المفردة بين أن يحلق رأسه و أن يقصر، فأيهما فعل أجزأه، و قد تفترقان في غير ذلك أيضا، و تراجع المسألة الأربعمائة و الخامسة عشرة و المسألة الستمائة و الرابعة و السبعون.

المسألة 1097:

الأعمال التي يلزم الإنسان أن يأتي بها في العمرة المفردة هي بذاتها الأعمال التي يلزم المتمتع أن يؤديها في عمرة التمتع، فيجب عليه الإحرام بها أولا، و الطواف بالبيت طواف العمرة ثانيا، و صلاة ركعتي الطواف ثالثا، و السعي بين الصفا و المروة رابعا، ثم يتخير بين الحلق و التقصير خامسا، و تزيد على عمرة التمتع بأن يطوف المعتمر بعد الحلق أو التقصير طواف النساء سادسا ثم يصلي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 485

ركعتي هذا الطواف سابعا.

و النيات في لبس ثوبي الإحرام للعمرة المفردة و في الإحرام بها، و في الطوافين و في صلاة الطوافين، و في السعي بينهما و في الحلق أو التقصير نظير النيات التي تقدم بيانها في أعمال عمرة التمتع، و التلبية عند عقد الإحرام هي التلبية المتقدمة، الواجب منها و المندوب، و السنن و الآداب في جميع هذه الأفعال هي السنن و الآداب التي سبق منا بيانها في مواضعها من الفصول المتقدمة.

المسألة 1098:

يجب على المعتمر أن يعيّن في النية القسم الخاص الذي يحرم به من العمرة المفردة، فإذا كانت العمرة التي يريدها واجبة عليه بالاستطاعة، و مثال ذلك: أن يكون المكلف من حاضري المسجد الحرام و تكمل له شروط وجوب العمرة، فيجب عليه عند الإحرام أن ينويها كذلك، فيقول على الأولى: (أحرم بالعمرة المفردة عمرة الإسلام لوجوبها امتثالا لأمر اللّه تعالى)، و إذا كانت واجبة عليه بالنذر قال: (أحرم بالعمرة المفردة وفاء بالنذر طاعة لأمره تعالى بها)، و إذا وجبت عليه بالنيابة عن أحد، وجب عليه أن يعيّنها كذلك، و يعين الشخص المنوب عنه قربة الى اللّه، و إذا أراد الإحرام بعمرة مندوبة، قال: (أحرم بالعمرة المفردة استحبابا طاعة لأمر اللّه

تعالى)، و تكفيه نية الندب المطلق في عمرة رجب مثلا، و عمرة شهر رمضان إذا لم تكن منذورة أو واجبة عليه بسبب آخر، فلا حاجة الى ذكر كونها عمرة رجب أو رمضان.

المسألة 1099:

إذا أحرم الرجل بعمرة مفردة لم يجز له أن يعدل بنية إحرامه إلى حج الإفراد، و إن كان قد أحرم بها في أشهر الحج شوال و ذي القعدة و ذي الحجة، و لا فرق في ذلك بين أن يكون الوقت إلى إدراك

كلمة التقوى، ج 3، ص: 486

الوقوفين واسعا أو ضيقا، و إذا أتم أعمال عمرته و أمكن له بعد الإحلال منها أن يخرج الى الميقات و يحرم منه بالحج و يدرك الموقفين، صح له ذلك، و هذا الحكم واضح و قد ذكرناه للتنبيه.

المسألة 1100:

إذا أحرم الرجل من الميقات بحج الإفراد بنية الندب، لم يجز له أن يعدل بنيته إلى عمرة مفردة، كما إذا أراد أن يحيل نسكه إلى عمرة مفردة فإذا أتم أعمالها و أحلّ من إحرامه رجع الى الميقات و أحرم منه بعمرة تمتع لنفسه أو لغيره، فلا يصح له ذلك.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 487

الفصل السادس و العشرون في الصد و الإحصار
المسألة 1101:

لا يبعد أن لفظ الصد و لفظ الإحصار كلمتان مترادفتان تدلان على مفهوم لغوي واحد كما يقول بعض علماء اللغة، أو هما متحدتان في المصاديق، فالصد و الحصر هو الضيق و الحبس الذي قد يحدث للإنسان بسبب تسلط عدوّ عليه يمنعه عن فعل شي ء يحتاج الى فعله، و قد يحدث له بسبب طروء مرض و نحوه يمنعه عن الإتيان بذلك الشي ء الذي يرغب فيه، فيكون منع العدوّ أو المرض له عن فعل ذلك الأمر موجبا لوقوعه في الضيق و الحصر، و قد نقل بعض المفسرين أن علماء التفسير متفقون على ان آية الإحصار، و هي قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)، قد أنزلت على الرسول (ص) لما صدّه المشركون عن دخول مكة في الحديبية، و قد أنزلت عليه (ص) بكلمة الإحصار لا بكلمة الصد، فالكلمتان متحدتان في المعنى، أو هما متحدتان في المصاديق كما قلنا، و هذا كله بحسب معنى الكلمتين في اللغة.

و تختص كلمة الصدّ الواردة في أخبار أهل البيت (ع) بالمنع إذا كان من قبل عدوّ متسلّط، كما تختص كلمة الحصر بالمنع بسبب حدوث مرض و نحوه، فالمصدود في أخبارهم (ع) هو الشخص الذي منعه العدو بعد إحرامه عن إتمام حجه أو عن إتمام عمرته، و المحصور أو المحصر هو الشخص الذي منعه المرض بعد إحرامه عن

إتمام نسكه، و الأحكام التي تذكر في الأخبار لأحدهما لا تعم الآخر، و قد جرى على الفرق بينهما في ذلك اصطلاح الفقهاء من

كلمة التقوى، ج 3، ص: 488

الشيعة أيضا لئلا يقع الالتباس بين الموضوعين.

المسألة 1102:

إذا أحرم الإنسان بعمرة مفردة واجبة أو مندوبة، ثم منعه عدوّ بعد إحرامه أن يدخل إلى مكة، فلم يتمكن بسبب منعه أن يأتي بأعمال العمرة من طواف و سعي و تقصير و طواف نساء و لم يقدر على الاستنابة فيها، جاز له أن يذبح أو ينحر ما استيسر له من الهدي بقصد التحلل به من الإحرام، و الأحوط له لزوما أن يقصّر أو يحلق بعد ذلك، فإذا ذبح و قصّر أو حلق أحلّ بذلك من جميع محرمات الإحرام، حتى من الطيب و الثياب و النساء، و يجوز له ان يفعل ذلك عاجلا عند الصد و لا يجب عليه ان يبعث بالهدي إلى مكة، و إن كان ذلك هو الأحوط استحبابا مع الإمكان فيبعث بالهدي إلى مكة بقصد التحلل به، و ينتظر فلا يحلق و لا يقصّر حتى يبلغ الهدي الى مكة، فإذا بلغ الهدي محله حلق أو قصّر في موضعه، و أحلّ من محرمات إحرامه كلها.

و إذا استطاع أن يستنيب عنه أحدا في أداء أعمال العمرة وجبت عليه الاستنابة، و لم يجز له أن يتحلل من إحرامه حتى يتم النائب جميع أعمال العمرة على الوجه الصحيح، و لا يتحلل بالهدي.

المسألة 1103:

إذا أحرم الإنسان بحج واجب أو مندوب، ثم صده العدوّ أن يأتي بأعمال الحج كلّها، أو صدّه عن أن يحضر الموقفين عرفات و المشعر الحرام في كل من وقتيهما الاختياريين و الاضطراريين جرى فيه نظير الحكم المتقدم، فعليه أن يذبح أو ينحر ما استيسر له من الهدي بقصد التحلل به من إحرامه، و يضمّ اليه الحلق أو التقصير كما سبق في الصد عن العمرة المفردة، فإذا فعل ذلك أحل من جميع محرمات الإحرام حتى من

النساء، و لا يجب عليه أن يبعث بالهدي

كلمة التقوى، ج 3، ص: 489

إلى منى و ينتظر بلوغ الهدي محله و إن كان ذلك هو الأحوط له استحبابا كما تقدم في نظيره.

المسألة 1104:

إذا أحرم الرجل بالحج و وقف الموقفين، ثم صده العدوّ بعدهما عن أن يأتي بمناسك منى في يوم النحر، فإن استطاع أن يستنيب أحدا في أداء هذه الأعمال عنه، وجب عليه أن يستنيب فيها، فإذا رمى النائب جمرة العقبة بالنيابة عنه، و ذبح الهدي عنه إذا كان متمتعا أو قارنا، حلق المكلف بعدهما أو قصّر، ثم مضى إلى مكة ليؤدي مناسكه فيها، فإن المفروض انه غير مصدود عنها، و لم يجز له أن يتحلل بالهدي، و إن صده العدوّ عن أعمال منى حتى عن الاستنابة فيها، أشكل الحكم فيه.

المسألة 1105:

إذا صده العدوّ عن دخول مكة بعد النحر، أو صده عن أن يأتي بأعمال مكة بعد الدخول فيها، فلم يتمكن من الطواف و السعي و طواف النساء بنفسه و لم يقدر على الاستنابة فيها الى آخر شهر ذي الحجة جرى عليه حكم المحرم المصدود، فيذبح أو ينحر ما استيسر له من الهدي بقصد التحلل من إحرامه على الوجه الذي تقدم بيانه، فيحلّ بذلك من محرمات إحرامه، و إذا استطاع الاستنابة في الأعمال استناب و كفاه فعل النائب و لم يجر عليه حكم الصد، و كذلك الحكم إذا صدّه العدوّ بعد الموقفين عن أعمال منى يوم النحر و عن أعمال مكة معا فيجري فيه البيان المذكور.

المسألة 1106:

إذا صدّه العدوّ عن العود من مكة إلى منى ليبيت فيها ليالي التشريق و يرمي الجمرات في أيامه، لم يجر عليه حكم المصدود، فيسقط عنه وجوب المبيت و لم يضر ذلك بصحة حجه، و تجب عليه

كلمة التقوى، ج 3، ص: 490

استنابة من يرمي الجمار عنه مع القدرة، فإن لم يستطع ذلك في سنته، ففي أيام التشريق من العام القابل.

المسألة 1107:

إذا صدّ المكلّف عن العمرة أو عن الحج، فذبح هدي التحلل أو نحره على الوجه الذي تقدم بيانه أحلّ بذلك من محرمات إحرامه، و لم يجب عليه المضي في نسكه الذي أحرم به و لم يسقط عنه وجوب الحج أو العمرة بذلك فإذا كان وجوب الحج أو العمرة قد استقر في ذمة المكلّف من عام سابق وجب عليه أن يأتي به في العام القابل، و كذلك إذا استطاع الحج أو العمرة في عامه و بقيت استطاعته الى العام المقبل فيجب عليه أداء ذلك النسك الواجب فيه، و إذا استطاع الحج في عامه و صده العدو عن أداء الواجب فيه ثم زالت استطاعته و لم تتجدد لم يجب عليه الحج لعدم الاستطاعة و كذلك حكم العمرة المفردة لمن كان أهله حاضري المسجد الحرام إذا وجبت عليه بالاستطاعة.

المسألة 1108:

من الصدّ أن يسجن المحرم سلطان ظالم بغير حق فيكون سجنه سببا في فوات الحج أو العمرة عليه و عدم تمكنه من أدائهما، فيتحلّل من إحرامه بذبح الهدي أو نحره.

المسألة 1109:

إذا حبس المحرم بعد إحرامه بدين لأحد في ذمته أو بحق ثابت عليه، فإن كان قادرا على وفاء الدين الثابت في ذمته و أداء الحق الواجب عليه، و التخلّص من الحبس لم يجر عليه حكم المصدود، فإذا هو لم يؤدّ ما عليه و استمر حبسه لم يجز له أن يتحلل من إحرامه بالهدي، و إن كان غير قادر على الوفاء بهما لحقه حكم المصدود و أمكن له التحلل بذبح الهدي.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 491

المسألة 1110:

قد اتضح مما بيّناه في هذا الفصل ان الصدّ هو أن يمنع المكلّف المحرم شخص متسلط عليه عن إتمام الحج أو العمرة، و ان الإحصار هو أن يمنعه مرض و شبهه من الطواري عن ذلك، و ان التحلل بذبح ما استيسر من الهدي إنما هو حكم للمصدود و المحصر، و نتيجة لذلك، فإذا عرض للمحرم عارض آخر غير الصدّ و الحصر فمنعه عن إتمام الحج لم يجر عليه حكم المصدود أو المحصر، و لم يتحلل بالهدي.

و من أمثلة ذلك: أن تنكسر دابته أو سفينته أو سيارته فلا يمكنه الوصول إلى مكة أو الى الموقفين حتى يفوته النسك الذي أحرم به، و من أمثلة ذلك: أن يعرض له في أثناء سفره بعض السباع و الوحوش فيقطع عليه الطريق، و من أمثلة ذلك: أن يتفق له في سفره نزول أمطار غزيرة أو برد شديد أو عواصف عاتية فيمنعه ذلك عن مواصلة السفر، فلا يجوز له أن يتحلل بالهدي، و إذا اتفق له حدوث مثل ذلك ففاته الحج وجب عليه أن يتحلل من إحرامه بعمرة مفردة.

المسألة 1111:

يجب أن يكون الهدي الذي يتحلّل به المصدود أو المحصر من إحرامه من الأنعام الثلاثة: الإبل أو البقر أو الغنم، و لا يجزي غيرها من الحيوانات الأهلية أو الوحشية.

المسألة 1112:

إذا أحرم المكلّف بحج القران و ساق معه هديا، ثم صدّه العدوّ عن إتمام الحج فلا يترك الاحتياط بأن يكون الهدي الذي يتحلّل به من إحرامه غير الهدي الذي ساقه معه في إحرامه، و كذلك إذا ساق معه هديا في إحرام العمرة ثم صدّ عن إتمامها، فلا يتداخل الهديان على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 492

و إذا أتى المحرم في أثناء إحرامه ما يوجب الكفارة، ثم صدّ عن إتمام الحج أو العمرة، لم يكفه هدي واحد للكفارة و للتحلل به، و لا بدّ من التعدد، و نظير ذلك: ما إذا نذر في إحرامه أن يذبح هديا، ثم صدّ عن إتمام نسكه، فلا يكفيه هدي واحد للنذر و للتحلل، إلا إذا قصد في نذره ان يذبح هديا مطلقا و ان كان للتحلل به إذا صد.

المسألة 1113:

إذا أحرم الإنسان بعمرة مفردة أو بعمرة تمتع، أو بحج تمتع أو افراد، ثم حدث له بعد إحرامه مرض فمنعه عن الإتيان بالنسك الذي أحرم به سمي ذلك المكلف محصرا، كما ذكرنا في المسألة الألف و المائة و الواحدة، و قد سبق في المسألة الخمسمائة و الخامسة و التسعين: انه يستحب للمحرم ان يشترط على اللّه عند إحرامه أن يحلّه حيث حبسه.

فإذا كان المحرم قد اشترط في إحرامه هذا الشرط ثم أحصره المرض، أحل من إحرامه من غير حاجة الى هدي يتحلّل به، و الظاهر أن المحرم يتحلّل عند ذلك من جميع محرمات الإحرام حتى من الثياب و الطيب و النساء، و الأحوط له استحبابا اجتناب النساء حتى يحج في القابل أو يعتمر، فيطوف و يسعى و يطوف طواف النساء، و سيأتي حكمه إذا أحرم بحج القران و ساق معه الهدي

ثم أحصر.

المسألة 1114:

إذا أحرم بعمرة مفردة أو بعمرة تمتع أو بحج التمتع أو الافراد كما في الفرض المتقدم، و لم يشترط في إحرامه على ربه أن يحلّه حيث حبسه، ثم أحصره المرض و أراد التحلل من إحرامه لم يتحلّل منه الا بالهدي، و يتخير على الأقوى بين أن يبعث الهدي مع بعض من يأتمنه، ليذبحه عنه في منى، و يبقى هو على إحرامه فلا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 493

يحلق و لا يقصّر حتى يبلغ الهدي محلّه على التفصيل الآتي، و أن يذبح الهدي في الموضع الذي أحصر فيه، فإذا فعل أحدهما أحلّ من محرمات الإحرام كلّها الا النساء، فإنها لا تحل له حتى يحج أو يعتمر في القابل فيطوف و يسعى و يطوف طواف النساء.

المسألة 1115:

إذا أحرم المكلّف بحج القران و ساق معه هديا، ثم أحصره المرض عن الإتيان بالحج أو عن إتمامه، فإن كان قد اشترط على اللّه في إحرامه أن يحلّه حيث حبسه، وجب عليه أن يبعث بهديه الذي ساقه معه مع بعض من يأتمنه ليذبحه عنه في منى، ثم قصّر أو حلق في موضعه و تحلل من إحرامه بنفس إرسال الهدي مع الأمين، و لم ينتظر أن يبلغ الهدي محلّه، فيحلّ بذلك حتى من النساء، و يجري فيه الاحتياط المستحب الذي ذكرناه قبل المسألة المتقدمة.

و ان لم يشترط القارن على اللّه ان يحلّه حيث حبسه أرسل هدي السياق مع الشخص الذي استأمنه و استنابه ليذبحه عنه في منى و عيّنا بينهما موعدا لذبح الهدي في محلّه، و بقي هو منتظرا على إحرامه، فإذا حل الموعد و مضى الوقت المعين بينهما قصّر و أحلّ من إحرامه، و حل له كل شي ء من محرمات الإحرام

إلا النساء فلا تحل له كما ذكرنا في المسألة السابقة.

المسألة 1116:

إذا أحصر المحرم بالحج و بعث بالهدي و لم يتحلّل بعد من إحرامه، ثم زال عنه الإحصار و ظن أو احتمل احتمالا قريبا انه يدرك الحج إذا التحق بالناس وجب عليه أن يلتحق، فإن هو أدرك الوقوفين أو أحدهما على الوجه الذي يصح معه و قد تقدم بيان هذا في المسألة التسعمائة و الحادية و الثلاثين و المسائل التي تليها، أجزأه ذلك، و إن فاته الحج تحلّل من إحرامه بعمرة مفردة، و كذلك الحكم

كلمة التقوى، ج 3، ص: 494

في المصدود إذا ارتفع عنه الصدّ قبل أن يتحلّل من إحرامه.

المسألة 1117:

إذا أحصر المكلّف عن مناسك منى في يوم النحر، أو أحصر عن أعمال مكة بعد النحر جرت فيه أحكام المصدود عنها و قد تقدم بيانها قريبا.

المسألة 1118:

إذا أحصر المكلّف عن الحج أو العمرة فتحلّل من إحرامه بأحد الوجوه التي مرّ ذكرها لم يسقط عنه التكليف بالحج و لا العمرة إذا كانا واجبين، فيجب عليه الحج في العام المقبل إذا كان وجوبه قد استقر في ذمته من عام سابق، أو استطاع الحج لعامه و لم تزل استطاعته الى العام الآتي، أو زالت ثم تجددت له بعد ذلك، و مثله حكم العمرة المفردة إذا وجبت عليه كذلك.

المسألة 1119:

إذا أرسل المكلّف المحصر ثمن الهدي مع بعض أصحابه ليشتري به هدي التحلّل و يذبحه بالنيابة عنه في الوقت المعيّن و الموضع المعيّن، و أحلّ المكلف من إحرامه بعد مضي الوقت الذي عيّنه النائب، ثم علم أن النائب لم يجد الهدي أو نسي أن يشتريه، وجب على المكلف أن يجتنب محرّمات الإحرام حتى يرسل مرة أخرى و لم يضرّه ما فعل من المحرّمات في حال جهله.

المسألة 1120:

إذا أحصر المحرم بالحج و بعث بالهدي و لم يتحلّل بعد من إحرامه كما في المسألة الألف و المائة و الخامسة عشرة، لم يجز له الحلق حتى يبلغ الهدي محلّه، فإذا اضطر الى الحلق لأذى في رأسه من ألم شديد أو قرحة أو قمل لا يتحمل عادة جاز له أن يحلق رأسه و يكفر عن ذلك بذبح شاة أو بصيام ثلاثة أيام أو بإطعام ستة مساكين

كلمة التقوى، ج 3، ص: 495

يدفع لكل مسكين مدّين من الطعام.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 496

الفصل السابع و العشرون في بعض ما ينبغي فعله في مكة من المستحبات و الأعمال
المسألة 1121:

يستحب للإنسان أن يطوف بالبيت في مدة إقامته بمكة ثلاثمائة و ستين طوافا تاما، كل طواف منها سبعة أشواط، فإن لم يقدر على ذلك استحب له أن يطوف به ثلاثمائة و ستين شوطا يقسّمها كل سبعة أشواط طوافا، فإذا طاف اثنين و خمسين طوافا تم له العدد المذكور و زاد عليه أربعة أشواط، فإن لم يقدر على ذلك طاف بقدر ما يستطيع.

و في الحديث عن أبي عبد اللّٰه (ع): (كان رسول اللّٰه (ص) يطوف بالليل و النهار عشرة أسابيع، ثلاثة أول الليل و ثلاثة آخر الليل، و اثنين إذا أصبح و اثنين بعد الظهر، و كان في ما بين ذلك راحته).

المسألة 1122:

تستحب كثرة الطواف في العشر الأولى من ذي الحجة، ففي الخبر عنه (ع): الطواف قبل الحج أفضل من سبعين طوافا بعد الحج)، و عنه (ع): (مقام يوم قبل الحج أفضل من مقام يومين بعد الحج).

المسألة 1123:

يجوز للمكلف أن يأكل و يشرب في حال طوافه بالبيت و لا يبطل طوافه بذلك، و يجوز له أن يتحدث مع غيره في أثناء الطواف، و يضحك و ينشد الشعر إذا كان الشعر من غير الممنوع شرعا سواء

كلمة التقوى، ج 3، ص: 497

كان الطواف واجبا أم مستحبا، نعم، يكره له التكلم في أثناء الطواف الواجب بغير الدعاء و ذكر اللّٰه و تلاوة القرآن، و لا ينبغي له التعدي عن مراعاة الأدب في حديثه و ضحكه و هو في حال الطواف و إن كان مستحبا.

المسألة 1124:

يستحب للطائف أن يختار قراءة القرآن على الدعاء و الذكر في أثناء طوافه، فإذا مرّ بآية من آيات السجود و أمكنه السجود سجد إلى الكعبة ثم قام و أتم شوطه من موضع قطعه، و إن لم يمكنه السجود أومأ برأسه إلى الكعبة بنية السجود.

المسألة 1125:

يكره للمكلّف أن يطوف بالبيت و على رأسه برطلة، و هي قلنسوة طويلة كانت من زي اليهود، و الكراهة التي ذكرناها إنما هي لغير الطائف المحرم، و اما المحرم فلا ريب في حرمة تغطية رأسه بها و بغيرها، و يكره لبس البرطلّة حول الكعبة و إن لم يكن اللابس لها طائفا، و إذا كان في لبسها تشبه بأعداء اللّٰه و رسوله، فالأحوط للمكلّف اجتناب لبسها في جميع الحالات.

المسألة 1126:

يستحب للحاج و المعتمر أن يكثر من النظر إلى الكعبة المعظمة، ففي الحديث عن النبي (ص): (النظر إلى الكعبة حبا لها يهدم الخطايا هدما)، و عن أمير المؤمنين (ع): (إذا خرجتم حجاجا الى بيت اللّٰه فأكثروا النظر الى بيت اللّٰه، فإن للّه مائة و عشرين رحمة عند بيته الحرام، ستون للطائفين و أربعون للمصلّين و عشرون للناظرين)، و قد تكثرت الأخبار في الدلالة على ذلك.

و يستحب له التعلق بأستار الكعبة عند المستجار و غيره و إكثار الدعاء و التوسل الى اللّٰه سبحانه عند التعلق بها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 498

المسألة 1127:

يستحب للحاج و للمعتمر بعد أن يفرغ من نسكه أن يطوف بالبيت أسبوعا و يصلي صلاة الطواف عن أبيه و عن أمه و عن ولده و عن زوجته و عن أخيه و رحمه و جاره و صديقه و ذي الحق عليه، فإن لم يفرد كل واحد منهم بطواف أو لم يقدر على ذلك، استحب له أن يطوف طوافا و يصلي ركعتيه عن جميعهم، ففي خبر إبراهيم الحضرمي أنه قال لأبي الحسن موسى (ع): إني إذا خرجت إلى مكة ربما قال لي الرجل: طف عني أسبوعا و صل ركعتين، فأشتغل عن ذلك، فإن رجعت لم أدر ما أقول له، قال (ع): إذا أتيت مكة فقضيت نسك، فطف أسبوعا و صلّ ركعتين، ثم قل: (اللّهم إن هذا الطواف و هاتين الركعتين عن أبي و عن أمي و عن زوجتي و عن ولدي و عن حامتي و عن جميع أهل بلدي حرّهم و عبدهم و أبيضهم و أسودهم) فلا تشاء ان تقول للرجل إني قد طفت عنك و صلّيت عنك ركعتين إلا كنت صادقا، فإذا أتيت قبر النبي

(ص) فقضيت ما يجب عليك فصلّ ركعتين، ثم قف عند رأس النبي (ص) ثم قل (السلام عليك يا نبي اللّٰه من أبي و أمي و زوجتي و ولدي و جميع حامتي و من جميع أهل بلدي حرّهم و عبدهم و أبيضهم و أسودهم) فلا تشاء أن تقول للرجل: إني قد أقرأت رسول اللّٰه (ص) عنك السّلام، إلا كنت صادقا.

المسألة 1128:

يستحب للإنسان أن يكثر من العبادة في مكة، و من قراءة القرآن، و قد ورد عنهم (ع): (تسبيحة بمكة أفضل من خراج العراقين ينفق في سبيل اللّٰه)، و عنهم (ع): (الساجد بمكة كالمتشحط بدمه في سبيل اللّٰه)، و يستحب له أن يختم القرآن فيها

كلمة التقوى، ج 3، ص: 499

مرة أو أكثر، ففي الخبر عن الامام زين العابدين (ع) و عن ولده أبي جعفر (ع): (من ختم القرآن بمكة لم يمت حتى يرى رسول اللّٰه (ص) و يرى منزله في الجنة).

المسألة 1129:

ينبغي للناسك أن يزور مولد الرسول (ص) و هو الموضع الذي ولد (ص) فيه، و قد كان أحد بيوتهم في شعب بني هاشم، و قد أدخل في دار محمّد بن يوسف الثقفي أخي الحجاج بن يوسف لما اشتراه محمّد من بعض أولاد عقيل بن أبي طالب، ثم اشترته الخيزران أم هارون الرشيد و جعلته مسجدا يصلى فيه و أشرعت بابه في الزقاق، و هو الآن يقع في زقاق يقال له: زقاق المولد في سوق الليل.

و ينبغي له أن يزور منزل الرّسول (ص)، و هو منزل زوجته خديجة بنت خويلد أم المؤمنين (رض) و قد سكنه الرّسول (ص) معها في أيام حياتها، و سكنه بعد وفاتها الى أن هاجر إلى المدينة و فيه ولدت أولادها، و هو الآن مسجد يقع في زقاق يسمى زقاق الحجر، و يقال لهذه الدار: مولد فاطمة الزهراء (ع)، و ينبغي له أن يزور دار الأرقم المخزومي، و هي دار كان الرسول (ص) يختبئ فيها عن المشركين، و يجتمع فيها مع أصحابه يقرأ عليهم القرآن و يعلمهم، و هي الآن مسجد في جنب الصفا.

المسألة 1130:

يستحب له أن يزور قبر السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين (رض)، و قبرها معروف في مقبرة الحجون و يقع في سفح الجبل، و أن يزور أبا طالب مع الإمكان، و قبور من تصح زيارته و تمكن من الهاشميين و غيرهم، على أن لا يعرّض نفسه للأخطاء و الإخطار.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 500

المسألة 1131:

يستحب للحاج و المعتمر أن يزور المواضع التي اتصلت بتأريخ الرسول (ص)، حتى أصبحت من آثار النبوة و من أجزاء تأريخها، و أن يتذكر و يتأمل و يعتبر، فيستفيد من عطاء هذه المواضع و يقتبس من أعمال الرسول و أقواله فيها في تركيز عقيدته و ترسيخ إيمانه و تصحيح عمله و تصفية نفسه.

فمن المواضع المذكورة غار حراء، و حراء بكسر الحاء و فتح الراء جبل طويل يكون في الشمال الشرقي من مكة، و غار حراء يقع في رأس الجبل مشرف مما يلي القبلة، و كان النبي (ص) قبل نزول الوحي عليه يأتي هذا الجبل و يقيم في الغار أياما و ليالي للانفراد و التعبد فيه و التبتل، حتى نزل عليه الوحي و أمر بالتبليغ و أن يصدع بالرسالة.

و من المواضع التي تستحب زيارتها جبل ثور، و هو جبل يقع بأسفل مكة على طريق عرنة، و قد خرج إليه الرسول (ص) مع صاحبه في ليلة الهجرة و اختبأ في الغار حتى أمره اللّٰه بالهجرة إلى المدينة.

المسألة 1132:

و من المساجد المباركة التي يستحب للناسك أن يزورها مسجد غدير خم، و هو الموضع الذي جمع الرسول (ص) فيه المسلمين في رجوعهم من حجة الوداع و نصّ بالإمامة على أمير المؤمنين (ع) و أعلن كلمته في الولاية من بعده على الأمة، فقال (ص): من كنت مولاه فهذا علي مولاه، و فيه أنزلت الآية الكريمة (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا) بعد عقد الولاية.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 501

المسألة 1133:

يستحب للناسك إذا رجع من مكة على طريق المدينة أن ينزل بالمعرّس، و هو موضع بذي الحليفة مما يلي القبلة من مسجد الشجرة، و قد كان النبي (ص) ينزل فيه و يصلي و يضطجع، و من أجل ذلك سمي بالمعرّس، فيستحب للناسك عند رجوعه من مكة أن ينزل في الموضع المذكور و يصلي فيه و يضطجع و لو قليلا، سواء مرّ به ليلا أم نهارا، و إذا تجاوزه و لم ينزل فيه استحب له أن يرجع اليه و يفعل ذلك، و استحباب التعريس إنما هو في الرجوع من مكة لا في الذهاب إليها.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 502

الفصل الثامن و العشرون في أعمال المدينة المنورة و آدابها
المسألة 1134:

للمدينة حرم حدده الرسول في عهده (ص) و هو ما بين ظل عائر إلى ظل وعير، أو ما بين لابتي المدينة، أو ما بين الحرتين منها.

و عائر جبل يقع في جهة المشرق من المدينة، أو هو في جهة القبلة منها بالقرب من ذي الحليفة كما يقول صاحب خلاصة الوفاء، و وعير في الجهة المقابلة منها، و المسافة ما بين الجبلين تبلغ أربعة فراسخ أو اثني عشر ميلا، و اللابة بتخفيف الباء هي الأرض ذات الحجارة السوداء، و هي كذلك الحرّة بفتح الحاء و تشديد الراء، و للمدينة لابتان أو حرّتان تقع إحداهما في شرق المدينة و هي حرّة بني قريظة، و تقع الثانية في غرب المدينة و هي حرّة العقيق، و التحديدات الثلاثة المذكورة ترجع إلى شي ء واحد لا اختلاف فيه.

المسألة 1135:

لا يجب الإحرام لدخول حرم المدينة كما يجب لدخول الحرم في مكة، و لا تلزم الكفارة للصيد في حرم المدينة كما تلزم للصيد في حرم مكة، و لا تجب الكفارة لقطع الشجر و النبات أو قلعه في حرم المدينة، و لا يحرم أكل صيد الحرم المدني كما يحرم أكل صيد الحرم المكي، و كل ذلك مما لا خلاف و لا ريب فيه.

و ذهب جماعة من الفقهاء إلى حرمة قطع الشجر و النبات في حرم المدينة عدا ما يجوز قطعه في حرم مكة، و الى حرمة الصيد فيه حرمة تكليفية خاصة في كلا الموردين فيأثم من يفعل ذلك متعمدا و لا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 503

كفارة عليه، و الأحوط ذلك، و ان كان القول بالكراهة و عدم الحرمة فيهما لا يخلو من وجه قوي.

المسألة 1136:

تستحب زيارة قبر الرسول (ص) في المدينة استحبابا شديد التأكد و خصوصا للحاج، و قد ورد في كتاب الخصال عن علي (ع) قال: (أتموا برسول اللّٰه (ص) إذا خرجتم الى بيت اللّٰه الحرام فإن تركه جفاء و بذلك أمرتم، و أتمّوا بالقبور التي ألزمكم اللّٰه حقّها و زيارتها و اطلبوا الرزق عندها).

و عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال قال رسول اللّٰه (ص): (من أتى مكة حاجا و لم يزرني إلى المدينة جفاني و من جفاني جفوته يوم القيامة، و من جاءني زائرا وجبت له شفاعتي و من وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة).

و تراجع المسألة الخامسة من أول الكتاب.

المسألة 1137:

يستحب الغسل لدخول المدينة و يتخير المكلف بين أن يقدّم الغسل على الدخول فيها و أن يغتسل بعد ما يدخل، و أن يبادر إلى زيارة الرسول (ص) قبل أي عمل من أعمالها، و يكفيه أن يغتسل غسلا واحدا ينوي به الدخول إلى المدينة، و الدخول الى المسجد و زيارة الرسول (ص) ما لم ينقضه بأحد الأحداث قبل العمل.

المسألة 1138:

إذا أراد الإنسان دخول المسجد للزيارة وقف على باب المسجد مستأذنا و قال كما ورد في الكتب المعتمدة: (اللّهم اني وقفت على باب من أبواب بيوت نبيّك (صلواتك عليه و آله)، و قد منعت الناس أن يدخلوا إلا بإذنه فقلت: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلّٰا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، اللّهم اني اعتقد حرمة

كلمة التقوى، ج 3، ص: 504

صاحب هذا المشهد الشريف في غيبته كما أعتقدها في حضرته، و أعلم أن رسولك و خلفاءك عليهم السلام أحياء عندك يرزقون، يرون مقامي و يسمعون كلامي و يردّون سلامي، و انك حجبت عن سمعي كلامهم، و فتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم، و اني استأذنك يا رب أولا، و استأذن رسولك (صلى اللّٰه عليه و آله) ثانيا، و استأذن خلفاءك الأئمة المفروض عليّ طاعتهم و الملائكة الموكلين بهذه البقعة المباركة ثالثا، أ أدخل يا رسول اللّٰه، أ أدخل يا حجج اللّٰه، أ أدخل يا ملائكة اللّٰه المقربين المقيمين في هذا المشهد، فأذن لي يا مولاي في الدخول أفضل ما أذنت لأحد من أوليائك، فإن لم أكن أهلا لذلك فأنت أهل لذلك)، ثم ليدخل و هو يقول: (بسم اللّٰه و باللّه و في سبيل اللّٰه و على ملة رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله)، اللّهم اغفر لي

و ارحمني و تب عليّ، انك أنت التواب الرحيم).

المسألة 1139:

في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: (إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها، ثم تأتي قبر النبي (ص) فتسلم على رسول اللّٰه (ص)، ثم تقوم عند الأسطوانة المقدّمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر و أنت مستقبل القبلة و منكبك الأيسر إلى جانب القبر، و منكبك الأيمن مما يلي المنبر، فإنه موضع رأس رسول اللّٰه (ص)، و تقول: (أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، و أشهد أنك رسول اللّٰه (ص)، و أشهد أنك محمد بن عبد اللّٰه، و أشهد أنك قد بلّغت رسالات ربك و نصحت لأمتك و جاهدت في سبيل اللّٰه، و عبدت اللّٰه حتى أتاك اليقين بالحكمة و الموعظة الحسنة، و أديت الذي عليك من الحق، و أنك قد رؤفت بالمؤمنين و غلظت على الكافرين، فبلغ اللّٰه بك أفضل شرف محل المكرمين، الحمد للّه الذي استنقذنا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 505

بك من الشرك و الضلالة، اللّهم فاجعل صلواتك و صلوات ملائكتك المقرّبين و عبادك الصالحين و أنبيائك المرسلين و أهل السموات و الأرضين، و من سبّح لك يا ربّ العالمين من الأولين و الآخرين على محمد عبدك و رسولك و نبيّك و أمينك و نجيّك و حبيبك و صفيّك و خاصتك و صفوتك و خيرتك من خلقك، اللّهم أعطه الدرجة و الوسيلة من الجنة، و ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون و الآخرون، اللّهم انك قلت (وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جٰاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّٰهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا

اللّٰهَ تَوّٰاباً رَحِيماً)، و اني أتيت نبيك مستغفرا تائبا من ذنوبي، و اني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد (ص)، يا محمد إني أتوجه بك الى اللّٰه ربي و ربك ليغفر لي ذنوبي).

ثم قال (ع): و ان كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي خلف كتفيك و استقبل القبلة و ارفع يديك، و سل حاجتك، فإنك أحرى ان تقضى إن شاء اللّٰه.

المسألة 1140:

روى ابن قولويه بإسناده عن إبراهيم بن أبي البلاد قال:

قال لي أبو الحسن (ع): كيف تقول في التسليم على النبي (ص)؟، قلت الذي نعرفه و رويناه، قال أولا أعلّمك ما هو أفضل من هذا؟، قلت نعم جعلت فداك، فكتب لي و أنا قاعد بخطه و قرأه عليّ: إذا وقفت على قبره (ص) فقل: (أشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، و أشهد أنك محمد بن عبد اللّٰه، و أشهد أنك خاتم النبيين، و أشهد أنك قد بلغت رسالات ربك و نصحت لأمتك و جاهدت في سبيل ربك و عبدته حتى أتاك اليقين، و أدّيت الذي عليك من الحق، اللّهم صل على محمّد عبدك و رسولك و نجيّك و أمينك و صفيك و خيرتك من خلقك أفضل ما صليت على

كلمة التقوى، ج 3، ص: 506

أحد من أنبيائك و رسلك، اللّهم سلّم على محمد و آل محمد كما سلمت على نوح في العالمين، و امنن على محمد و آل محمد كما مننت على موسى و هارون، و بارك على محمد و آل محمد كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللّهم صلّ على محمد و آل محمد و ترحم على محمد و

آل محمد، اللّهم ربّ البيت الحرام و ربّ المسجد الحرام، و ربّ الركن و المقام و ربّ البلد الحرام و ربّ الحلّ و الحرام و ربّ المشعر الحرام بلغ روح نبيك محمد صلى اللّٰه عليه و آله مني السلام).

المسألة 1141:

مما ورد عنهم (ع): أن يقول الإنسان في السلام عليه (ص):

(السلام على رسول اللّٰه السلام عليك يا حبيب اللّٰه، السلام عليك يا صفوة اللّٰه، السلام عليك يا أمين اللّٰه، أشهد انك قد نصحت لأمتك، و جاهدت في سبيل اللّٰه و عبدته حتى أتاك اليقين، فجزاك اللّٰه أفضل ما جزى نبيا عن أمته، اللّهم صل على محمد و على آل محمد، أفضل ما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد).

و ورد عن الامام علي بن الحسين (ع): إذا سلّم على النبي (ص) و دعا بما أراد، أسند ظهره الى القبر، و استقبل القبلة، و قال: (اللّهم إليك ألجأت أمري و الى قبر نبيك محمد (ص) عبدك و رسولك أسندت ظهري، و القبلة التي رضيت لمحمد (ص) استقبلت، اللّهم إني أصبحت لا أملك لنفسي خير ما أرجو، و لا أدفع عنها شر ما احذر عليها، و أصبحت الأمور بيدك، فلا فقير أفقر مني، رب إني لما أنزلت الي من خير فقير، اللّهم ارددني منك بخير فإنه لا رادّ لفضلك، اللّهم إني أعوذ بك من أن تبدل اسمي، أو تغير جسمي، أو تزيل نعمتك عندي، اللّهم كرمني بالتقوى، جملني بالنعم، و اعمرني بالعافية و ارزقني شكرا لعافيتك).

كلمة التقوى، ج 3، ص: 507

المسألة 1142:

يستحب للإنسان أن يغتنم فرصة بقائه في المدينة فيكثر من الصلاة في مسجد الرسول (ص) فالصلاة الواحدة فيه تعدل ثواب ألف صلاة في غيره من المساجد غير المسجد الحرام، و في بعض النصوص: (ان الصّلاة فيه تعدل عشرة آلاف صلاة)، و الاختلاف في مقادير الفضل منزل على اختلاف مراتب المصلّين في العلم و الايمان و الإخلاص، و يتأكد الاستحباب في الروضة المباركة، و هي

ما بين القبر و المنبر، و في الحديث عنه (ص): (ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة، و منبري على ترعة من ترع الجنة)، و في خبر مرازم عن أبي عبد اللّٰه (ع). فقلت له: جعلت فداك، ما حدّ الروضة؟ فقال (ع): بعد أربع أساطين من المنبر الى الظلال، فقلت: جعلت فداك من الصحن فيها شي ء قال: لا.

المسألة 1143:

يستحب له أن يأتي مقام جبرئيل (ع)، و موضعه تحت الميزاب، و أن يقول: (أي جواد أي كريم، أي قريب، أي بعيد أسألك أن تصلي على محمّد و أهل بيته و ان تردّ عليّ نعمتك).

المسألة 1144:

تستحب زيارة السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (ع) استحبابا مؤكدا، و قد نقلت في تعيين موضع قبرها عدة روايات، فقيل: إنها مدفونة في البقيع عند قبور أولادها أئمة البقيع (ع) أو في موضع آخر منه، و قيل: انها دفنت في الرّوضة ما بين قبر الرسول و منبره، و قيل: انها دفنت في بيتها، و لما زاد بنو أمية في توسعة المسجد في أيام خلافتهم دخل القبر في المسجد، و قد اعتمد على هذا القول جماعة من الأعلام.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 508

المسألة 1145:

يستحب أن يقول الإنسان في زيارتها (ع): (يا ممتحنة، امتحنك الذي خلقك قبل ان يخلقك، فوجدك لما امتحنك صابرة، و زعمنا أنا لك أولياء و مصدّقون و صابرون لكل ما أتانا به أبوك (ص)، و أتى به وصيّه (ع)، فإنا نسألك إن كنا صدّقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما لنبشّر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتك)، و قد روى الشيخ الطوسي (ره) في المصباح لها زيارة أخرى و قد ذكرها صاحب المفاتيح فليطلبها من أحبّ المزيد.

المسألة 1146:

تستحب زيارة الأئمة الطاهرين المدفونين في البقيع، و هم الإمام الحسن بن علي الزكي، و الامام علي بن الحسين السجاد، و الامام محمد بن علي الباقر، و الامام جعفر بن محمد الصادق، (صلوات اللّٰه عليهم) استحبابا مؤكدا، و قد ذكر الشيخ القمي في كتاب المفاتيح لهم (ع) زيارة جامعة تشتمل على الاستيذان و الظاهر أنه (ره) قد رواها عن بعض كتب الشيخ و السيّد ابن طاوس و نحن نوردها اعتمادا على أمانته في النقل.

قال (تغمده اللّٰه برحمته) بعد أن ذكر بعض آداب الزيارة، و قل أيضا: (يا موالي يا أبناء رسول اللّٰه عبدكم و ابن أمتكم، الذليل بين أيديكم، و المضعف في علوّ قدركم، و المعترف بحقكم جاءكم مستجيرا بكم قاصدا الى حرمكم، متقربا الى مقامكم، متوسلا الى اللّٰه تعالى بكم، أ أدخل يا مواليّ، أ أدخل يا أولياء اللّٰه، أ أدخل يا ملائكة اللّٰه المحدقين بهذا الحرم، المقيمين بهذا المشهد)، و ادخل و أنت تقول: (اللّٰه أكبر كبيرا و الحمد للّه كثيرا و سبحان اللّٰه بكرة و أصيلا، و الحمد للّه الفرد الصمد الماجد الأحد المتفضل المنان المتطول الحنّان الذي منّ بطوله و سهّل زيارة ساداتي

كلمة التقوى، ج 3، ص:

509

بإحسانه و لم يجعلني عن زيارتهم ممنوعا بل تطوّل و منح).

ثم اقترب من قبورهم المقدّسة و استقبلها و استدبر القبلة ثم قل: (السلام عليكم أئمة الهدى، السّلام عليكم أهل التقوى، السلام عليكم ايها الحجج على أهل الدنيا، السلام عليكم ايها القوام في البرية بالقسط، السّلام عليكم أهل الصفوة، السّلام عليكم آل رسول اللّٰه، السلام عليكم أهل النجوى، أشهد أنكم قد بلّغتم و نصحتم و صبرتم في ذات اللّٰه، و كذبتم و أسي ء إليكم فغفرتم، و اشهد أنكم الأئمة الراشدون المهتدون، و أن طاعتكم مفروضة، و أن قولكم الصدق، و أنكم دعوتم فلم تجابوا، و أمرتم فلم تطاعوا، و أنكم دعائم الدين، و أركان الأرض، لم تزالوا بعين اللّٰه، ينسخكم من أصلاب كل مطهّر، و ينقلكم من أرحام المطهّرات لم تدنّسكم الجاهلية الجهلاء، و لم تشرك فيكم فتن الأهواء، طبتم و طاب منبتكم، منّ بكم علينا ديّان الدّين، فجعلكم فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، و جعل صلاتنا عليكم رحمة لنا، و كفارة لذنوبنا، إذ اختاركم اللّٰه لنا و طيّب خلقنا بما منّ علينا من ولايتكم، و كنّا عنده مسمّين بعلمكم، معترفين بتصديقنا إياكم، و هذا مقام من أسرف و أخطأ و استكان و أقر بما جنى، و رجا بمقامه الخلاص و أن يستنقذه بكم مستنقذ الهلكى من الرّدى، فكونوا لي شفعاء فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم أهل الدنيا و اتّخذوا آيات اللّٰه هزوا و استكبروا عنها)، و ارفع هنا رأسك إلى السماء و قل: (يا من هو قائم لا يسهو و دائم لا يلهو و محيط بكل شي ء، لك المنّ بما وفقتني و عرّفتني بما اقمتني عليه إذ صدّ

عنه عبادك و جهلوا معرفته، و استخفّوا بحقه، و مالوا الى سواه، فكانت المنة منك عليّ مع أقوام خصصتهم بما خصصتني به فلك الحمد، إذ كنت عندك في مقامي هذا مذكورا مكتوبا، فلا تحرمني ما رجوت و لا تخيّبني في ما دعوت بحرمة محمد و آله

كلمة التقوى، ج 3، ص: 510

الطّاهرين و صلى اللّٰه على محمد و آل محمد) ثم ادع لنفسك بما تريد، ثم صل صلاة الزيارة لكل امام ركعتين.

المسألة 1147:

يستحب أيضا ان تقول في زيارتهم (ع): (السلام على أولياء اللّٰه و أصفيائه، السلام على أمناء اللّٰه و أحبائه، السلام على أنصار اللّٰه و خلفائه، السلام على محالّ معرفة اللّٰه، السلام على مساكن ذكر اللّٰه، السلام على مظهري أمر اللّٰه و نهيه السلام على الدعاة الى اللّٰه، السلام على المستقرين في مرضات اللّٰه، السلام على المخلصين في طاعة اللّٰه، السلام على الأدلاء على اللّٰه، السلام على الذين من والاهم فقد والى اللّٰه، و من عاداهم فقد عادى اللّٰه، و من عرفهم فقد عرف اللّٰه، و من جهلهم فقد جهل اللّٰه، و من اعتصم بهم فقد اعتصم باللّٰه، و من تخلّى منهم فقد تخلّى من اللّٰه عز و جلّ، و اشهد اللّٰه أني سلم لمن سالمكم، و حرب لمن حاربكم، مؤمن بسرّكم و علانيتكم، مفوض في ذلك كلّه إليكم، لعن اللّٰه عدوّ آل محمد من الجنّ و الإنس، و أبرأ الى اللّٰه منهم، و صلى اللّٰه على محمّد و آله) و تكثر من الصلاة على محمّد و آله و تسمي واحدا واحدا بأسمائهم، و تبرأ الى اللّٰه من أعدائهم، و تدعو بما أحببت لنفسك و للمؤمنين و المؤمنات.

و هذه هي الزيارة الجامعة الصغيرة التي

يزار بها جميع المعصومين (ع)، و مما يتأكد استحبابه مع الإمكان أن تزورهم بالزيارة الجامعة الكبيرة و زيارة أمين اللّٰه.

المسألة 1148:

تستحب للرجل زيارة قبور المؤمنين و الصّلحاء في البقيع من الصحابة و التابعين و من أقرباء الرسول (ص) و بناته و زوجاته و غيرهم، و يقرأ في زيارتهم زيارة أهل لا إله إلا اللّٰه المعروفة.

و تستحب له زيارة قبر إبراهيم بن رسول اللّٰه (ص)، و قبر

كلمة التقوى، ج 3، ص: 511

السيّدة فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (ع) و سنذكر ما يقال في زيارتهما، و من البرّ برسول اللّٰه (ص) أن يزار قبر عمّه العباس و ابن عمّه عقيل بن أبي طالب و عبد اللّٰه بن جعفر و مرضعته السعدية و قبر أم البنين و قبور صحابته الأجلّاء المدفونين هناك.

المسألة 1149:

يستحب للإنسان أن يزور المساجد المباركة في المدينة و ما حولها، و من المستحبات المؤكدة أن يأتي مسجد قبا و يصلّي فيه و يكثر الصلاة فيه، فإنه أول مسجد صلّى فيه الرسول في المدينة و هو المسجد الذي أسّس على التقوى من أول يوم، و ان يأتي مشربة أم إبراهيم و هي موضع كانت تسكنه مارية القبطية، و تقع بالقرب من مسجد قبا، و كانت مسكن الرسول (ص) و مصلّاه، فيستحب للإنسان أن يزورها و يصلّي فيها و يجدّد التسليم على الرّسول فيها، و يستحب له أن يأتي مسجد الفضيخ، و يقع أيضا بالقرب من مسجد قبا، و في بعض الأخبار أنه الموضع الذي ردّت الشمس فيه لأمير المؤمنين (ع) بعد غروبها، فتستحب زيارته و الصّلاة فيه.

المسألة 1150:

و من المستحبات المؤكدة: أن يأتي الرجل أحدا و يزور عنده قبر حمزة بن عبد المطلب سيّد الشهداء و أن يقول في زيارته ما رواه ابن قولويه (قده) في كتابه كامل الزيارات: (السلام عليك يا عم رسول اللّٰه و خير الشهداء، السلام عليك يا أسد اللّٰه و أسد رسوله، أشهد أنك قد جاهدت في اللّٰه حق جهاده و نصحت للّه و لرسوله، وجدت بنفسك، و طلبت ما عند اللّٰه و رغبت في ما وعد اللّٰه)، فإذا أمكنك الصلاة فادخل و صلّ و لا تستقبل القبر عند صلاتك، فإذا فرغت من صلاتك فقل: (اللّهم صلّ على محمد و على أهل بيته، اللّهم اني تعرضت لرحمتك بلزوقي بقبر عم نبيّك (صلواتك عليه و على

كلمة التقوى، ج 3، ص: 512

أهل بيته)، لتجيرني من نقمتك و سخطك و مقتك، و من الإضلال في يوم تكثر فيه الأصوات و المعرات، و تشتغل

كل نفس بما قدّمت و تجادل كل نفس عن نفسها، فإن ترحمني اليوم فلا خوف عليّ و لا حزن، و ان تعاقب فمولى، له القدرة على عبده، اللّهم فلا تخيّبني اليوم و لا تصرفني بغير حاجتي، فقد لزقت بقبر عم نبيّك و تقربت به إليك ابتغاء لمرضاتك و رجاء رحمتك فتقبل مني، وعد بحلمك على جهلي، و برأفتك على جناية نفسي، فقد عظم جرمي، و ما أخاف أن تظلمني و لكن أخاف سوء الحساب، فانظر اليوم تقلّبي على قبر عم نبيّك (صلواتك على محمد و أهل بيته) فبهم فكن لي و لا تخيّب سعيي و لا يهون عليك ابتهالي و لا تحجب عنك صوتي و لا تقلبني بغير حوائجي، يا غياث كل مكروب و محزون، يا مفرج عن الملهوف الحيران الغريب الغريق المشرف على الهلكة صلّ على محمد و أهل بيته الطاهرين، و انظر الي نظرة لا أشقى بعدها أبدا، و ارحم تضرّعي و غربتي و انفرادي فقد رجوت رضاك و تحريت الخير الذي لا يعطيه أحد سواك و لا تردّ أملي).

المسألة 1151:

يستحب له أن يزور قبور الشهداء و يقول: (السلام عليكم بِمٰا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّٰارِ) و يقول: (السلام عليكم يا أهل الديار أنتم لنا فرط و انا بكم لاحقون)، ثم يأتي المسجد الذي في المكان الواسع الى جنب الجبل عن يمينه فيصلّي فيه، فقد صلّى الرسول فيه يوم أحد لما خرج الى حرب المشركين.

و يستحب له أن يأتي مسجد الأحزاب و يسمى أيضا مسجد الفتح فيصلي فيه و يدعو اللّٰه، و قد دعا الرّسول (ص) فيه عند اشتداد الأمر في يوم الأحزاب إذ زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر و ظن البعض باللّه

الظنون و ابتلي المؤمنون و زلزلوا زلزالا

كلمة التقوى، ج 3، ص: 513

شديدا، فقال (ص) في دعائه: (يا صريخ المكروبين، و يا مجيب دعوة المضطرين، و يا مغيث المهمومين اكشف همّي و كربي و غمّي فقد ترى حالي و حال أصحابي)، فكشف اللّٰه همّه و فرّج كربه بقتل عمرو بن عبدودّ، و القصة معلومة مشهورة، و قد ورد أنه يستحب أن يقول الإنسان في دعائه في هذا المسجد: (يا صريخ المكروبين و يا مجيب دعوة المضطرين اكشف همّي و غمّي و كربي كما كشفت عن نبيك همه و غمه و كربه و كفيته هول عدوّه في هذا المكان).

المسألة 1152:

ينبغي للإنسان أن يزور مسجد القبلتين و مسجد علي و مسجد فاطمة و بقية المساجد المباركة و آثار الرسول الشريفة في تلك البقاع، و يكثر من الصلاة و الذكر و الدعاء فيها.

المسألة 1153:

يستحب للرجل ان يقيم بالمدينة و يطيل مدّة مكثه فيها، و يكثر فيها من التعبد، و يختار الإقامة فيها على الإقامة في مكة ما أمكنه ذلك، و إذا استلزمت اقامته فيها محذورا شرعيا لم تجز.

المسألة 1154:

من المستحبات المأثورة للشخص إذا زار السيدة الزهراء (سلام اللّٰه عليها) و صلّى صلاة الزيارة أن يقرأ بعدها هذا الدعاء (اللّهم إني أتوجه إليك بنبينا محمد (ص) و بأهل بيته صلواتك عليهم، و أسألك بحقك العظيم عليهم الذي لا يعلم كنهه سواك، و أسألك بحق من حقه عندك عظيم، و بأسمائك الحسنى التي أمرتني أن أدعوك بها، و أسألك باسمك الأعظم الذي أمرت به إبراهيم أن يدعو به الطير فأجابته، و باسمك العظيم الذي قلت للنار كوني بردا و سلاما على إبراهيم فكانت بردا، و بأحبّ الأسماء إليك و أشرفها و أعظمها لديك و أسرعها اجابة و أنجحها طلبة، و بما أنت أهله

كلمة التقوى، ج 3، ص: 514

و مستحقه و مستوجبه، و أتوسّل إليك، و أرغب إليك، و أتضرع و ألحّ عليك، و أسألك بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك و رسلك صلواتك عليهم من التوراة و الإنجيل و الزبور و القرآن العظيم، فإن فيها اسمك الأعظم، و بما فيها من اسمائك العظمى أن تصلّي على محمد و آل محمد، و ان تفرج عن آل محمد، و شيعتهم و محبّيهم و عني، و تفتح أبواب السماء لدعائي و ترفعه في عليّين، و تأذن في هذا اليوم و في هذه الساعة بفرجي، و إعطاء أملي و سؤلي في الدنيا و الآخرة، يا من لا يعلم أحد كيف هو و قدرته الا هو، يا من سدّ الهواء بالسماء و كبس الأرض على

الماء، و اختار لنفسه أحسن الأسماء، يا من سمّى نفسه بالاسم الذي يقضي به حاجة من يدعوه، أسألك بحق ذلك الاسم، فلا شفيع أقوى لي منه أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تقضي لي حوائجي، و تسمع بمحمد و علي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسى بن جعفر، و علي بن موسى، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن ابن علي، و الحجة المنتظر لاذنك، صلواتك و سلامك و رحمتك و بركاتك عليهم صوتي، ليشفعوا لي إليك، و تشفّعهم في و لا تردّني خائبا بحق لا إله إلا أنت) و تسأل حوائجك تقضى ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 1155:

ينبغي للإنسان إذا دخل البقيع أن يزور قبر إبراهيم ابن رسول اللّٰه (ص) فيقف على قبره و يقول: (السلام على رسول اللّٰه، السلام على نبيّ اللّٰه، السلام على حبيب اللّٰه، السلام على صفيّ اللّٰه، السلام على نجيّ اللّٰه، السلام على محمد بن عبد اللّٰه سيّد الأنبياء، و خاتم المرسلين، و خيرة اللّٰه من خلقه في أرضه و سمائه، السلام على جميع أنبيائه و رسله، السلام على الشهداء و السّعداء، و الصالحين،

كلمة التقوى، ج 3، ص: 515

السلام علينا و على عباد اللّٰه الصالحين، السلام عليك أيتها الرّوح الزاكية، السلام عليك أيتها النفس الشريفة، السلام عليك أيتها السلالة الطاهرة، السلام عليك أيتها النسمة الزاكية، السلام عليك يا بن خير الورى، السلام عليك يا بن النبي المجتبى السلام عليك يا بن المبعوث إلى كافّة الورى، السلام عليك يا بن البشير النذير، السلام عليك يا بن السراج المنير، السلام عليك يا بن

المؤيد بالقرآن، السلام عليك يا بن المرسل الى الإنس و الجان، السلام عليك يا بن صاحب الراية و العلامة، السلام عليك يا بن الشفيع يوم القيامة، السلام عليك يا بن من حباه اللّٰه بالكرامة، السلام عليك و رحمة اللّٰه و بركاته، أشهد انك قد اختار اللّٰه لك دار انعامه قبل أن يكتب عليك أحكامه أو يكلّفك حلاله و حرامه، فنقلك اليه طيبا زاكيا مرضيا طاهرا من كلّ نجس، مقدّسا من كل دنس، و بوّأك جنة المأوى، و رفعك الى الدرجات العلى، و صلى اللّٰه عليك صلاة تقرّ بها عين رسوله، و تبلّغه أكبر مأموله، اللّهم اجعل أفضل صلواتك و أزكاها، و أنمى بركاتك و أوفاها، على رسولك و نبيّك و خيرتك من خلقك محمد خاتم النبيين، و على من نسل من أولاده الطيبين، و على من خلّف من عترته الطّاهرين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللّهم إني أسألك بحق محمد صفيّك، و إبراهيم نجل نبيك أن تجعل سعيي بهم مشكورا، و ذنبي بهم مغفورا، و حياتي بهم سعيدة، و عاقبتي بهم حميدة و حوائجي بهم مقضية، و أفعالي بهم مرضية و أموري بهم مسعودة، و شؤوني بهم محمودة، اللّهم و أحسن لي التوفيق و نفّس عني كل هم و ضيق، اللّهم جنّبني عقابك، و امنحني ثوابك، و اسكنّي جنانك و ارزقني رضوانك و أمانك، و أشرك لي في صالح دعائي والديّ و ولدي و جميع المؤمنين المؤمنات، الأحياء منهم و الأموات إنك وليّ الباقيات الصالحات آمين رب العالمين)، و يدعو بما يريد و ينصرف.

كلمة التقوى، ج 3، ص: 516

المسألة 1156:

ورد في زيارة السيدة فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (ع):

أن تقف على قبرها فتقول: (السلام على

نبي اللّٰه، السلام على رسول اللّٰه، السلام على السلام على محمد سيد المرسلين، السلام على محمد سيد الأولين، السلام على محمد سيد الآخرين، السلام على من بعثه اللّٰه رحمة للعالمين، السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّٰه و بركاته، السلام على فاطمة بنت أسد الهاشمية، السلام عليك أيتها الصدّيقة المرضية، السلام عليك أيتها التّقية النّقية، السلام عليك أيتها الكريمة الرضية، السلام عليك يا كافلة محمد خاتم النبيين، السلام عليك يا والدة سيد الوصيين، السلام عليك يا من ظهرت شفقتها على رسول اللّٰه خاتم النبيين، السلام عليك يا من تربيتها لولي اللّٰه الأمين، السلام عليك و على روحك و بدنك الطاهر السلام عليك و على ولدك و رحمة اللّٰه و بركاته، أشهد أنك أحسنت الكفالة، و أديت الامانة، و اجتهدت في مرضات اللّٰه، و بالغت في حفظ رسول اللّٰه، عارفة بحقه، مؤمنة بصدقه، معترفة بنبوّته، مستبصرة بنعمته، كافلة بتربيته، مشفقة على نفسه، واقفة على خدمته، مختارة رضاه، و أشهد أنك مضيت على الايمان، و التمسك بأشرف الأديان، راضية مرضية طاهرة زكية تقية نقية، فرضي اللّٰه عنك و أرضاك، و جعل الجنّة منزلك و مأواك، اللّهم صلّ على محمد و آل محمد، و انفعني بزيارتها و ثبّتني على محبّتها، و لا تحرمني شفاعتها و شفاعة الأئمة من ذرّيتها، و ارزقني مرافقتها، و احشرني معها، و مع أولادها الطاهرين، اللّهم لا تجعله آخر العهد من زيارتي إياها، و ارزقني العود إليها أبدا ما أبقيتني، و إذا توفيتني فاحشرني في زمرتها، و أدخلني في شفاعتها برحمتك يا أرحم الراحمين، اللّهم بحقّها عندك و منزلتها لديك اغفر لي و لوالديّ

كلمة التقوى، ج 3، ص: 517

و لجميع المؤمنين و المؤمنات،

و آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنٰا برحمتك عَذٰابَ النّٰارِ) ثم تدعو بما تشاء و تنصرف.

المسألة 1157:

يستحب لمن أتى المدينة أن يصوم فيها يوم الأربعاء و يوم الخميس و يوم الجمعة لقضاء الحاجة، و قد وردت لهذا العمل كيفيّتان، فيتخير المكلّف ما شاء منهما.

الكيفية الأولى: ما دلّت عليها صحيحة معاوية بن عمار، و هي أن يصلي في ليلة الأربعاء و في يومها جميع فرائضه و نوافله عند أسطوانة أبي لبابة في الروضة الشريفة، و هي المعروفة بأسطوانة التوبة، و يقيم عندها بقية ليلته و يومه و يصوم و هو مقيم عندها يوم الأربعاء، ثم ينتقل في ليلة الخميس و يوم الخميس إلى الأسطوانة التي تلي أسطوانة التوبة مما يلي مقام النبي (ص)، فيصلّي عندها جميع صلواته و يمكث عندها ليلته و يصوم عندها نهاره، ثم ينتقل في ليلة الجمعة و في يومها إلى الأسطوانة القريبة من مقام النبيّ (ص) و محرابه، فيصلّي عندها صلواته و يمكث ليلته و يصوم عندها نهاره، و إذا استطاع أن لا يتكلم في تلك الليالي و الأيام بشي ء إلا بمقدار الضرورة، و ان لا يخرج من المسجد إلا لحاجة، و ان لا ينام في ليله و لا نهاره فهو أفضل، فإذا كان في يوم الجمعة، حمد اللّٰه و أثنى عليه، و صلّى على النبيّ و آله و سأل حاجته التي يريد، و ليكن من دعائه أن يقول: (اللّهم ما كانت إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها و التماسها أو لم أشرع، سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجه إليك بنبيّك محمد (ص) نبيّ الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها و كبيرها) فإنك حري ان تقضى حاجتك ان

شاء اللّٰه تعالى.

الكيفية الثانية: ما وردت فيها صحاح أخرى، و هي أن يصوم الأيام الثلاثة المذكورة، و يصلّي في ليلة الأربعاء و يومها جميع

كلمة التقوى، ج 3، ص: 518

صلواته عند الأسطوانة التي عند القبر الشريف، و يقيم عندها ليلته و نهاره، و يدعو اللّٰه و يسأله كل حاجة يريدها في آخرته و دنياه، و يتحول في ليلة الخميس و يومه إلى أسطوانة التوبة، و يصنع عندها كما صنع في سابقتها، ثم يتحول في ليلة الجمعة و نهارها إلى الأسطوانة التي تلي مقام الرسول (ص) و محرابه فيصلي عندها و يمكث و يدعو كما صنع بالأمس، و يقول في دعائه: (اللّهم إني أسألك بعزتك و قوتك و قدرتك و جميع ما أحاط به علمك أن تصلّي على محمد و أهل بيته، و أن تفعل بي كذا و كذا)، و يذكر حاجته التي يريد.

المسألة 1158:

لا يشترط في صحة صوم الأيام الثلاثة التي ذكرناها ان يكون الصائم حاضرا في المدينة أو مسافرا نوى الإقامة فيها، فقد دلت النصوص المعتبرة على صحة هذا الصيام منه و ان كان مسافرا لم ينو إقامة العشرة، و هي إحدى المستثنيات من الحكم بعدم صحة الصوم في السفر، و قد ذكرنا هذا في المسألة المائة و الثانية و الأربعين من كتاب الصوم.

المسألة 1159:

لا يختص استحباب صيام الأيام المذكورة بالقادمين إلى المدينة من غير أهلها بل يستحب ذلك لأهل المدينة و المجاورين فيها أيضا.

المسألة 1160:

يستحب للإنسان أن يسلّم على الرسول (ص) كلّ ما دخل الى المسجد و كل ما خرج منه، سواء دنا من القبر أم كان بعيدا منه، و أتم ذلك ان يقول: (أسأل اللّٰه الذي اجتباك و اختارك و هداك و هدى بك أن يصلّي عليك)، ثم يقول (إِنَّ اللّٰهَ وَ مَلٰائِكَتَهُ يُصَلُّونَ

كلمة التقوى، ج 3، ص: 519

عَلَى النَّبِيِّ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً).

المسألة 1161:

يستحب له ان يبلّغ رسول اللّٰه (ص) سلام أهله و أقربائه و إخوانه، كما ورد عن أبي الحسن (ع) قال: (و إذا أتيت قبر النبي فقضيت ما يجب عليك فصلّ ركعتين ثم قف عند رأس النبيّ (ص) و قل: (السلام عليك يا نبيّ اللّٰه من أبي و أمي و ولدي و خاصّتي و جميع أهل بلدي حرّهم و عبدهم و أبيضهم و أسودهم) فلا تشاء أن تقول للرجل قد أقرأت رسول اللّٰه (ص) عنك السّلام، الا كنت صادقا، و قد سبق هذا في الفصل السابع و العشرين.

المسألة 1162:

يستحب للزائر إذا أراد الخروج من المدينة أن يغتسل لوداع الرسول (ص) ثم يأتي القبر الشريف بعد ما يفرغ من حوائجه، و يقف عند الأسطوانة المقدّمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر و هو مستقبل للقبلة و يجعل منكبه الأيسر إلى جانب القبر و منكبه الأيمن مما يلي المنبر، و يسلّم على الرسول ثم يقول: (اللّهم لا تجعله آخر العهد من زيارة قبر نبيك، فإن توفيتني قبل ذلك فإني أشهد في مماتي على ما شهدت عليه في حياتي أن لا إله إلا أنت و أن محمدا عبدك و رسولك).

و عن يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن وداع قبر النبي (ص) فقال (ع) تقول: (صلّى اللّٰه عليك، السلام عليك، لا جعله اللّٰه آخر تسليمي عليك).

و الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين محمد و آله المنتجبين.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

الجزء الرابع

المعاملات

كتاب التجارة

اشارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 7

كتاب التجارة استفاضت الأحاديث عن الرسول (ص) و عن الأئمة الهداة من أهل بيته (ع) في الحث الشديد على طلب الرزق الحلال، و على التكسب بالطرق المباحة في الشريعة الإسلامية المطهرة، و في الحث الشديد على التجارة بالخصوص.

ففي الحديث عن الرسول (ص): العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال.

و عنه (ص): نعم العون على تقوى اللّٰه الغنى.

و عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع): من طلب الرزق في الدنيا استعفافا عن الناس و سعيا على أهله و تعطفا على جاره، لقي اللّٰه عز و جل يوم القيامة و وجهه مثل القمر ليلة البدر.

و عن الامام جعفر

بن محمد الصادق (ع): نعم العون الدنيا على الآخرة.

و عن الإمام أبي الحسن موسى (ع): من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّٰه.

و في الحديث عن أمير المؤمنين علي (ع): تعرضوا للتجارات فان لكم فيها غنى عما في أيدي الناس و ان اللّٰه عز و جل يحب المحترف الأمين و عنه (ع): انه قال للموالي: اتجروا بارك اللّٰه لكم، فاني سمعت رسول اللّٰه (ص) يقول: الرزق عشرة أجزاء، تسعة أجزاء في التجارة، و واحد في غيرها.

و روى محمد الزعفراني عن أبي عبد اللّٰه (ع): من طلب التجارة استغنى عن الناس، قلت و ان كان معيلا، قال و ان كان معيلا، ان تسعة أعشار الرزق في التجارة.

و كتاب التجارة يحتوي على عدة فصول.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 8

الفصل الأول في بعض الموضوعات و الأعمال التي يمنع التكسب بها أو يجوز
المسألة الأولى:

لا يجوز للإنسان التكسب بالخمر و لا في باقي المسكرات، و لا يجوز له بيع البول و لا الغائط النجسين، و لا سائر الأعيان النجسة للاستعمال المحرم، و لا يجوز له بيعها كذلك إذا لم تكن لها منفعة يعتد بها عند العقلاء، أو لم تكن منفعتها محللة في الشريعة، و الظاهر جواز بيعها إذا كانت لها منفعة محللة يعتد بها عند العقلاء و غير مشروطة بالطهارة شرعا و قصدت من بيعها المنفعة المذكورة، فيجوز له بيع الدم للتزريق و بيع العذرة للتسميد.

المسألة الثانية:

كما يحرم على الإنسان بيع الميتة فكذلك يحرم عليه بيع أجزائها النجسة و هي الأجزاء التي تحلها الحياة في حال الحياة فيشملها الحكم بالتحريم بعد الموت، بل الأحوط له لزوما اجتناب بيع الميتة و أجزائها النجسة و ان وجدت لها منفعة محللة، و كذلك الخنزير و الكلب البريان، فالأحوط للإنسان لزوما اجتناب بيعها و ان وجدت لها منفعة محللة، و يستثنى من الكلاب كلب الصيد فيجوز بيعه و المعاوضة عليه كما سيأتي ان شاء اللّٰه.

المسألة الثالثة:

يحرم على الإنسان التكسب بالمذكورات في المسألتين السابقتين سواء وقعت ثمنا أم مثمنا في البيع، أم أجرة في إجارة، أم عوضا في صلح، أم مهرا في تزويج، أم فدية في خلع، أم عوضا في أي معاملة من المعاملات، بل تحرم هبتها و الصلح عنها بلا عوض.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 9

المسألة الرابعة:

قد ذكرنا في فصل النجاسات من كتاب الطهارة: ان عصير العنب إذا نش و غلى بغير النار حكم بنجاسته على الأحوط، ثم لا يطهر الا بانقلابه خلا، و لا ينجس إذا غلى بالنار، و كذلك الحكم في عصير الزبيب على الأحوط أيضا، و قد ذكرنا ذلك مفصلا.

و العصير المذكور في حال نجاسته مستثنى من الحكم المتقدم ذكره في بيع أعيان النجاسة، فيجوز بيعه قبل أن ينقلب خلا، سواء كان عصير عنب أم زبيب.

و يستثنى من ذلك أيضا الكافر، فيجوز بيعه و شراؤه و المعاوضة عليه إذا كان مملوكا، سواء كان كافرا أصليا أم مرتدا مليا أم فطريا، و يستثنى من ذلك كلب الصيد كما تقدم في المسألة الثانية، و في إلحاق كلب الماشية و كلب الزرع و كلب البستان و كلب الدار في الحكم بكلب الصيد اشكال، نعم تجوز إجارتها و إعارتها بلا ريب.

المسألة الخامسة:

يجوز للمكلف بيع الأجزاء التي لا تحلها الحياة من الحيوان الطاهر في حال حياته كشعر الحيوان و صوفه و وبره و قد تقدم ذكرها في مبحث النجاسات من كتاب الطهارة، فإذا مات الحيوان لم يحرم على مالكه بيع تلك الأجزاء و التكسب بأثمانها إذا كانت لها منفعة محللة تعد بها عند العقلاء مالا.

و يجوز له بيع الميتة الطاهرة كالميتة من السمك و الجراد و سائر الحيوان الذي ليس له نفس سائلة، فيجوز بيع ميتته إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها عند العقلاء و تجوز المعاوضة عليها، نعم الأحوط له الاجتناب إذا علم ان المشتري ممن يأكلها.

المسألة السادسة:

الأرواث و الأبعار المحكومة بالطهارة شرعا، و هي التي تكون من الحيوان الذي يؤكل لحمه أو تكون من الحيوان الذي ليس له نفس سائلة، فالظاهر ان لها منفعة محللة معتدا بها بين الناس كالتسميد و شبهه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 10

و بهذه المنافع المقصودة تكون أموالا و لذلك فيجوز للمكلف بيعها و المعاوضة عليها، و أمّا الأبوال الطاهرة فالظاهر أنها مما ليس له منفعة محللة مقصودة، و لذلك فلا يجوز له بيعها و التكسب بها، فإنها لا تعد أموالا.

المسألة السابعة:

يجوز للإنسان أن ينتفع بالأعيان النجسة في جهات غير محرمة شرعا، و لا مشروطة بالطهارة، فيجعل جلود الميتة مثلا ظروفا للقذارات أو لحمل النجاسات، و يطلي بدهن الميتة و شحمها بعض الأخشاب و السفن مع التوقي عن سراية نجاستها، و يدفن بعض العذرات و الميتات النجسة في أصول الشجر و الزرع للتسميد و نحو ذلك.

المسألة الثامنة:

لصاحب اليد على الأعيان النجسة حق اختصاص بها، فمالك الحيوان إذا مات حيوانه يبقى له حق اختصاص به، و مالك العنب إذا تحول عنبه خمرا يبقى له حق اختصاص بالخمر، و واضع اليد على بعض النجاسات إذا وضعها بقصد الحيازة يكون له نحو استيلاء عليه، و يكون له بتبع ذلك حق اختصاص به، و هذا الحق لا يزول حتى يرفع يده عن تلك العين، و هذا الحق قابل للانتقال، فإذا مات صاحب اليد انتقل الحق إلى وارثه من بعده، و لذلك فيجوز لغير صاحب اليد ان يبذل له شيئا من المال ليرفع يده عن العين النجسة التي اختص بها، فيحوزها لنفسه من بعده، و هذا ليس من التعويض عن العين النجسة و لا من التعويض عن حقه فيها، بل من التعويض عن رفع اليد عن ألحق.

المسألة التاسعة:

يجوز بيع الأعيان المتنجسة إذا كانت قابلة للتطهير، و لا بد من إعلام المشتري بنجاستها ليطهرها قبل الانتفاع بها، و يجوز بيع الأعيان المتنجسة غير القابلة للتطهير إذا كانت لها منافع محللة مقصودة و كانت منافعها غير متوقفة على طهارتها، كالدهن المتنجس ينتفع به بالإسراج و طلي السفن، و كالصابون المتنجس تنظف به الثياب و الأشياء، ثم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 11

تطهر بعد التنظيف، و كالصبغ المتنجس تصبغ به الأشياء و يتوقى من ملاقاتها أو تطهر بعد الصبغ، و يجب إعلام المشتري بنجاستها.

و لا يجوز بيعها و لا المعاوضة عليها إذا لم تكن لها منفعة محللة مقصودة، أو كانت منفعتها المقصودة مشروطة بالطهارة، و هي غير قابلة للتطهير حسب الغرض، و لا تخرج بذلك عن ملك صاحبها.

المسألة العاشرة:

يجوز بيع السباع و شراؤها، كالأسد و النمر و الفهد و الذئب إذا كانت لها منفعة محللة في الشريعة يعتد بها عند العقلاء، و يجوز بيع الهرة و يحل ثمنها، و يجوز بيع المسوخ و الحشرات إذا وجدت لها مثل تلك المنفعة، فيجوز بيع الفيل لينتفع بالحمل عليه و بعظمه بعد الموت أو التذكية، و يجوز بيع الحشرات مع وجود المنفعة المذكورة، كدود القز و نحل العسل و العلق الذي يمص الدم و نحو ذلك.

و الأحوط ترك بيع القرد من المسوخ، و لا يجوز بيع ما لا منفعة له أو كانت منفعته غير محللة.

المسألة 11:

لا يجوز التكسب بما يكون آلة للحرام بحيث يعد عرفا منها و يكون ذلك هو المقصود الغالب من اقتنائه كالعود و المزامير و البرابط، و آلات العزف المعروفة و غير ذلك، و آلات القمار كالنرد و الشطرنج و أوراق المقامرة، و الأصنام و الصلبان، و كالاسطوانات الغنائية و الأشرطة التي يسجل عليها الغناء و الأنعام المحرمة.

و يجوز بيع الآلات المشتركة، و التي يشيع استعمالها في المحلل و المحرم على السواء بحيث ينتفي في أنظار أهل العرف انها آلات حرام على الخصوص، كالراديو، و صندوق حبس الصوت و يجوز اقتناؤها للاستعمال في الأشياء المباحة و الراجحة كاستماع الأخبار و القرآن، و المناهج المباحة و النافعة المجدية.

و اما التلفزيون فالحكم فيه يدور مدار صدق الاسم، فان عد في نظر أهل العرف من آلات اللهو و الحرام على الخصوص حرم بيعه و حرم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 12

استعماله، و إذا شاعت فوائده المحللة و كثرت منافعه و مناهجه المجدية و الراجحة حتى أصبح في نظر أهل العرف من الأجهزة المشتركة العامة و غير

معدود من آلات اللهو و الحرام على الخصوص، جاز بيعه و اقتناؤه و استعماله في الأشياء المباحة و اختصت الحرمة باستعماله في النواحي المحرمة.

المسألة 12:

يجوز بيع الآلات المسجلة للصوت كما يجوز استعمالها في ما يباح و ما يحسن و يرجح، و يجوز بيع الآلات المكبرة للصوت، و يجوز بل يحسن استعمالها في الأمور الراجحة، كاعلان الصوت في الأذان، و تبليغ الصوت في خطبة الخطيب، و موعظة الواعظ و قراءة القاري و نشر الحقائق الصحيحة.

المسألة 13:

يحرم عمل آلات اللهو و آلات الحرام المتقدم ذكرها، و يحرم إصلاحها إذا فسدت أو تعيبت، و يحرم التكسب بذلك و أخذ الأجرة أو الجعالة عليه، بل يجب إفسادها و إعدامها مع الإمكان و تغيير هيئتها على الأقل، و له أن يبيع مادتها بعد التغيير من نحاس أو حديد أو معدن آخر، و له ان يبيع المادة قبل التغيير و الإفساد إذا اشترط على المشتري تغييرها أو وثق بأنه يغيرها و ان لم يشترط ذلك عليه، و يشكل جواز البيع بغير ذلك.

المسألة 14:

الأحوط لزوما للمكلف ان يجتنب الانتفاع مطلقا بأواني الذهب و الفضة في الحوائج و ان لم يكن الانتفاع من أنواع الاستعمال المتعارفة، و ان لا يقتنيها مع قصد أن يجعلها متاعا معدا للانتفاع به و ان لم يستعملها بالفعل بل جعلها على الرفوف للزينة مثلا، فيجتنب بيعها و شراءها لهذه الغاية على الأحوط، و ان يجتنب الإجارة لصياغتها لهذه الغاية و يجتنب أخذ الأجرة عليها.

و يجوز له أن يقتنيها لغير ذلك من الغايات كما إذا قصد بذلك حفظها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 13

أو حفظ ماليتها بهذه الصورة، فيجوز له بيعها و شراؤها لهذه الغاية، و تجوز الإجارة لصياغتها لذلك و يجوز أخذ الأجرة عليها.

المسألة 15:

لا تجوز المعاملة في الدراهم الزائفة التي يضعها بعض الناس لغش الناس و سلب أموالهم، سواء كان زيفها في أصل المعدن الذي تختلف به عن العملة الصحيحة المتداولة في البلاد، أم كان في خلطها بمعدن آخر تكون به مزيفة مغشوشة، فلا يجوز جعلها عوضا و لا معوضا في المعاملات إذا كان الشخص الذي تدفع اليه جاهلا بأمرها، و اما إذا كان عالما و مطلعا على الحقيقة فلا يصدق معه الغش لظهور الأمر لديه، فإذا أقدم على المعاملة مع ذلك فلا تحريم من هذه الناحية و هو واضح.

المسألة 16:

لا يجوز بيع العنب أو التمر مثلا ليعمل خمرا، و كذلك غيرهما من الأشياء التي يتخذ منها الخمر، فلا يجوز بيعها لهذه الغاية، و لا تصح المعاملة عليها، و لا يصح بيع الخشب أو غيره من المواد ليصنع صنما أو آلة لهو أو آلة حرام آخر، بأن يذكر المتعاملان هذه الغاية في عقد البيع، أو يتواطئا على ذلك بينهما و يجريا العقد على ما تواطئا عليه، و لا يجوز اجارة المنزل أو الدكان أو المحل ليباع فيه الخمر أو يحرز فيه، أو ليكون موضعا للبغاء أو غيره من المحرمات على النحو المتقدم من بناء العقد على الغاية المحرمة و لو بالتواطؤ عليها، و تبطل الإجارة بذلك، و لا يجوز إجارة الدابة أو السفينة أو السيارة لحمل الخمر على النحو المتقدم، و تبطل الإجارة بذلك، فلا يحل الثمن و لا الأجرة بذلك و لا العوض إذا كانت المعاملة بعنوان الجعالة أو الصلح.

و إذا باع العنب أو التمر ممن يعلم انه يعمله خمرا، أو باع الخشب ممن يعلم انه يصنعه آلة حرام، أو آجر المنزل أو المحل ممن يعلم انه

يتخذه محرزا للخمر أو موضعا لمحرم آخر، أو آجر السفينة أو السيارة لمن يعلم انه يحمل فيها خمرا و لم يتواطئا على ذلك و لم يذكراه في ضمن العقد، فهو موضع اشكال فلا يترك فيه الاحتياط.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 14

المسألة 17:

المدار في كون الشي ء مالا في نظر أهل العرف هو أن تكون لذلك الشي ء فائدة يرغب فيها عامة العقلاء، و يتنافسون من أجل تلك الفائدة على اقتنائه و بذل المال بإزائه، و الفائدة المذكورة المرغوب فيها قد تكون مطلقة تشمل حال الاختيار و حال الاضطرار كأصناف المأكولات و المشروبات و الملبوسات، و قد تختص بحال الاضطرار كالعقاقير و الأدوية و المستحضرات التي يطلبها الناس في أوقات المرض و العلاج خاصة، فإذا كانت الحاجة إليها عامة منتشرة بين الناس في حال اضطرارهم كانت باعثا لهم على التنافس و بذل المال للحصول على ذلك الشي ء و ان كانت الاستفادة منه خاصة في حال الاضطرار، و بملاحظة هذه الرغبة و التنافس يكون ذلك الشي ء مالا في نظرهم، و إذا كانت تلك الفائدة محللة في شريعة الإسلام جاز بيع الشي ء و شراؤه و صح التكسب به في الشريعة الإسلامية كما تكرر في المسائل المتقدمة.

المسألة 18:

الأحوط لزوما عدم جواز بيع المصحف الشريف على الكافر و عدم تمكينه منه، و يحرم بلا ريب إذا كان موجبا للزراية و الهزء به و الاستهانة بشأنه و الهتك لحرمته، و يجوز بيعه عليه و تمكينه منه إذا كان ذلك وسيلة لهدايته، أو سببا لتعظيم أمره عنده أو عند بعض المنصفين من ذوي نحلته.

المسألة 19:

يحرم تصوير كل ذي روح سواء كان إنسانا أم حيوانا، و سواء كانت الصورة مجسمة أم غير مجسمة، و منقوشة أم محفورة أم مطرزة.

و يستثنى من ذلك تصوير بعض الأجزاء فقط كتصوير الرأس وحده، أو الرجل أو اليد خاصة فلا يحرم ذلك، إلا إذا عد تصويرا للإنسان أو الحيوان و لكنه ناقص بعض الأجزاء، كما إذا صور إنسانا أو حيوانا مقطوع الرأس، فلا يترك الاحتياط باجتنابه.

و يحرم إذا صور إنسانا أو حيوانا مقطوع اليد أو مقطوع الرجل،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 15

و يحرم إذا كانت الصورة كاملة و لكنه على هيئة لا يستبين منه بعض اجزائه، كما إذا صور إنسانا ملتفتا، فلا يستبين منه بعض اجزاء وجهه، أو صورة راكعا أو ساجدا أو جالسا، أو واضعا يديه خلف ظهره، فلا يستبين منه بعض اجزائه في الصورة، فيحرم جميع ذلك و يحرم أخذ الأجرة عليه.

و يجوز التصوير بالآلة الفوتوغرافية الشائعة، فإنها من حبس الظل و ليست من التصوير المحرم.

و يجوز تصوير غير ذوات الأرواح كالشجر و الأزهار و الثمار و النخيل سواء كانت مجسمة أم غير مجسمة و يحل أخذ الأجرة عليه.

المسألة 20:

يجوز اقتناء الصور سواء كانت من ذوات الروح أم من غيرها و سواء كانت مجسمة أم منقوشة أم مطرزة أم محفورة، نعم يكره اقتناؤها، و الكراهة في الجميع على حد سواء فليست في الصور المجسمة أشد منها في غيرها.

المسألة 21:

تحرم اعانة الظالمين في ظلمهم، و تحرم اعانة كل فاعل للحرام في فعله الحرام و ان لم يكن في عداد الظالمين عرفا.

و اما إعانة الظالمين في أفعالهم المباحة أو في طاعاتهم فهي غير محرمة، إلا إذا عد في أعوان الظلمة و المنتسبين إليهم أو كان ذلك موجبا لقوة شوكتهم و تمكينهم من الظلم.

المسألة 22:

يحرم اللعب بالآلات المعدة للقمار كالنرد و الشطرنج و الطاولي، و أوراق المقامرة، و نحوها من الأشياء الخاصة المعدة لذلك، سواء كان اللعب بها مع الرهن أم بدونه، و لا يحل أخذ الرهن عليها، سواء كان الرهن من المغلوب من المتقامرين للغالب أم من شخص آخر أجنبي عنهما و سواء كان المتراهنان هما المتقامران أم غيرهما، كما إذا تقامر شخصان بمحضر شخصين آخرين، فتراهن الشخصان المشاهدان للمقامرة و قال أحدهما للآخر: ان غلب زيد في المقامرة فلك من مالي كذا دينارا، و ان

كلمة التقوى، ج 4، ص: 16

غلب عمرو فلي من مالك كذا دينارا، و اتفقا على ذلك بينهما، فلا يجوز ذلك في جميع الصور و لا يحل أخذ الرهن.

و يحرم اللعب بغير الآلات المعدة للقمار إذا كان اللعب مع الرهن كالمصارعة و صعود القمم الشاهقة و تسلق الأبنية العالية و حمل الحجارة الثقيلة و دخول الأمكنة المظلمة أو المخوفة، و شبه ذلك، و لا يحل أخذ الرهن عليها، و يجوز ذلك إذا كان بغير رهن، و الأحوط استحبابا تركه.

المسألة 23:

لا يجوز الاحتفاظ بكتب الضلال و استنساخها و قراءتها إذا لم تكن له غاية صحيحة في ذلك، و خصوصا مع احتمال عروض الضلال بقراءتها له أو لغيره عن طريق الحق، و خصوصا للعامة من الناس و ضعفاء المعرفة الذين لا يملكون النظرة القويمة السديدة في أمر العقيدة، و يضاف الى ذلك مداخل الشيطان، و منافذه و وسائله التي لا تنضبط و لا تنحصر، و التي يمهد بعضها لبعض، و يأخذ بعضها بيد بعض، و قد تأتي على البناء من القواعد، و أدنى ما يؤمل منها ان تثير الشكوك، و تلبد الجو.

و كتب الضلال مختلفة

المواضيع، و كتابها متنوعو الأساليب، و الكثرة منهم يملكون من المباهتة و المراوغة أكثر مما يملكون من النقد النزيه، و قد لا يملكون من هذا شيئا، فيجب على القاري التوقي من المزال جهد المستطاع، و من أهم ما يقيه تجنب الكتب المضلة.

و قد تخادعه النفس أو يخادعه الشيطان فيدعي لنفسه القدرة و هو لا يقدر، ليوقعاه في مالا يحمد أو ليكون ما يفسده أكثر مما يصلحه، فيجب التنبه قبل الوقوع في الشبهة و الظلمة.

و يجوز الاحتفاظ بهذه الكتب لمن أمن ذلك، و كانت له النظرة الصائبة التي يفرق بها بين الحسن و القبيح و الخطأ و الصواب، و يحسن بل يجب الاحتفاظ بها لمن زوده اللّٰه بالهدي الكامل، و آتاه النور المشع الذي يكشف الظلمة، و الذي يستطيع به إحقاق الحق و ابطال الباطل، و ملكه زمام القول ليبين من تلك الكتب مواضع الزيف و يوضح للقارئين و المسترشدين معالم ألحق.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 17

المسألة 24:

الغناء هو مد الصوت و تلحينه على الكيفيات اللهوية المعروفة في مجالس اللهو و عند أهله سواء صحبه شي ء من آلات الطرب أم لا، و يميزه أهل العرف، فما صدق عليه بين أهل العرف انه غناء فهو منه.

و لا ريب في حرمته و حرمة الاستماع اليه و حرمة التكسب به و عدم حلية أخذ الأجرة و العوض عليه و لا فرق في حرمته بين ان يقع في أغاني عامية أو شعر عربي أو غير عربي أو في قراءة قرآن أو تلاوة دعاء أو خطبة أو في مراثي أهل البيت (ع) أو غير ذلك، و يتضاعف العقاب عليه إذا وقع في عبادة يراد بها طاعة اللّٰه سبحانه.

و يستثنى من ذلك

حداء الحادي فلا تحريم فيه، و غناء النساء في محافل العرس، بشرط أن لا يصحبه شي ء من المحرمات الأخرى كالضرب بالطبل و الصنج أو على المعازف و كالرقص و الحركات الخليعة و التكلم في الغناء بالكلام الباطل، و دخول الرجال على النساء و سماعهم لأصواتهن على نحو يثير الشهوة و ينشر الفساد، فإذا صحبه شي ء من ذلك كان حراما.

المسألة 25:

السحر هو صرف الشي ء عن وجهه الصحيح على سبيل الخدعة و التمويه، فيلبس الباطل لباس الحق، و يوجب الوقوع في الوهم بالغلبة على البصر أو السمع أو غيرهما من الحواس، و قد يؤثر في بدن المسحور و قلبه أو عقله أو في عواطفه، فيؤثر فيه الحب أو البغض و يمنعه و يصده عن بعض المحبوبات و المشتهيات، و يحبسه عن الوصول الى زوجته و يفرق به بينهما و غير ذلك من الآثار المختلفة.

و لا ريب في حرمة عمله و حرمة تعلمه و تعليمه و حرمة التكسب به، و في أحاديث الرسول (ص) و أهل البيت (ع) ما يدل على شدة تحريمه و المؤاخذة عليه حتى أطلق عليه الكفر و شبه بالشرك، و عن أمير المؤمنين علي (ع): من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر و كان آخر عهده بربه، وحده أن يقتل الا أن يتوب.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 18

و أما تسخير الملائكة أو الجن، و إحضار الأرواح و تسخيرها، ففي عده من السحر اشكال، و يحرم منه ما كان مضرا بمن يحرم الإضرار به.

المسألة 26:

الشعوذة هي إراءة غير الواقع واقعا لخفة اليد و الحركة السريعة التي تخرج بسرعتها عن المعتاد، و نظيرها- و ليس منها- أن يدير الإنسان النار بيده بسرعة فيري الآخرين بعمله ذلك دائرة متصلة من النار، مع انها ليست بدائرة و لا متصلة، و لكنها و هم متصل، و أقول ان هذا المثال نظير الشعوذة و ليس منها فالحركة المذكورة ليست خارجة عن المعتاد.

و الشعوذة ليست من السحر، و الأحوط لزوم اجتنابها و اجتناب التكسب بها مطلقا، و خصوصا إذا هي أضرت بمؤمن، أو ترتب عليها عنوان محرم

آخر.

المسألة 27:

القيافة هي أن يستند القائف إلى علامات خاصة و مشابهات بين الطفل و الرجل في بعض الملامح أو في أجزاء خاصة من البدن، فيلحقه به في النسب أو يحكم بأنه أجنبي عنه على خلاف الموازين التي وضعتها الشريعة الإسلامية لإلحاق الولد بأبيه، و لا ريب في تحريمها و عدم جواز التكسب بها.

المسألة 28:

الكهانة هي أن يخبر الكاهن ببعض حوادث تحصل في مستقبل الزمان أو ببعض المغيبات عنه في الزمن الحاضر، و يزعم أنه يتلقى هذه الإنباء عن الجان، و هي من المحرمات في الدين.

و الظاهر أنه لا حرمة في أن يخبر ببعض الأمور المغيبة عنه و يستند في اخباره بها الى مقدمات و أمارات خفية يستدل بها على ذلك إذا اعتقد صحتها أو حصل له الاطمئنان منها.

المسألة 29:

التنجيم هو أن يخبر المنجم عن حوادث الكون و ما يجد فيه من جدب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 19

و خصب و رخص و غلاء و حر و برد و كثرة مطر و قلة، بل و حرب و سلم و صحة و سقم و انتشار أمراض و ما يشبه ذلك و يستند في اخباره بهذا إلى حركة الأفلاك و أوضاع الكواكب و النجوم بعضها مع بعض و هو يعتقد ان هذه الحركات و الأوضاع مؤثرة في الكون و في تسيير حوادثه.

و هو من المحرمات إذا اعتقد القائل بذلك اعتقادا يتنافى مع مقررات الإسلام.

و اما الخسوف و الكسوف و مسير الكواكب و تقارنها و انفصالها و تولد الأهلة و ما أشبه ذلك فلها مقادير معينة في الحساب و قواعد رتيبة مضبوطة لا تخطئ، و لكن قد يخطئ الحاسب في ملاحظتها، فتختلف عما يقول.

المسألة 30:

لا ريب في حرمة الغش في المعاملة و قد تكثرت الأدلة الواردة في تحريمه و في الوعيد على ارتكابه، ففي الحديث عن الرسول (ص): و من غش مسلما في بيع أو في شراء فليس منا و يحشر مع اليهود يوم القيامة، لأنه من غش الناس فليس بمسلم، الى ان قال (ص): ألا و من غشنا فليس منا، قالها ثلاث مرات، و من غش أخاه المسلم نزع اللّٰه بركة رزقه و أفسد عليه معيشته و وكله الى نفسه.

و معنى الغش ظاهر لا خفاء فيه، و له مراتب متفاوتة، فمنه خلط الشي ء المرغوب فيه بغير المرغوب و الجيد بالردي، فيبدو الجميع مرغوبا فيه و جيدا، و منه تزييف صفة الشي ء الموجودة فيه و هي قبيحة ليظهر للرائي بصورة حسنة، و منه طلاء النحاس أو الحديد

بماء الذهب أو بماء الفضة فيتوهم المشتري انه ذهب أو فضة، و منه إخفاء العيب في الشي ء المعيب حتى يراه الرائي صحيحا، و منه غير ذلك، و جميعه محرم و معاقب عليه في الإسلام.

المسألة 31:

الغش محرم و معاقب عليه كما تقدم، و لكن المعاملة التي وقع فيها الغش لا تكون باطلة، و انما يكون للمغشوش من المتعاقدين خيار فسخ المعاملة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 20

بعد الاطلاع على أن صاحبه قد غشه فيها، و إذا كان البيع قد وقع على الكلي و كان الغش في الفرد الذي دفعه البائع إلى المشتري، صح البيع، و كان للمشتري على البائع ان يبدل الفرد المغشوش الذي دفعه اليه بفرد آخر لا غش فيه، و مثال ذلك ما إذا باعه منا من الحنطة أو من الأرز في الذمة، و دفع اليه عند التسليم منا مغشوشا من الجنس الذي باعه، فعليه أن يبدل المن الذي دفعه اليه بمن من الجنس سليم من الغش.

و إذا باعه حديدا مموها بماء الذهب على انه ذهب، أو حديدا مموها بماء الفضة على انه فضة، كان البيع في هذه الصورة باطلا لاختلاف الجنس الذي وقع عليه البيع عن الجنس المقصود و وجب على البائع رد الثمن إلى المشتري، و كذلك الحكم في كل بيع يكون الغش فيه موجبا لاختلاف الجنس.

المسألة 32:

يحرم النجش، ففي الحديث عن أبي عبد اللّٰه (ع) عن الرسول (ص) انه عند الناجش و المنجوش من الملعونين على لسان محمد (ص)، و النجش هو أن يزيد الإنسان في ثمن الشي ء و هو لا يريد أن يشتريه، و انما يريد أن يسمعه غيره فيزيد في الثمن على زيادته.

و لا فرق في تحريم النجش بين أن يكون الناجش قد تواطأ مع البائع على ذلك أم لا.

المسألة 33:

لا يجوز للمكلف أن يؤجر نفسه على الإتيان بالواجبات العبادية التي تجب عليه وجوبا عينيا، و لا يحل له أخذ الأجرة عليها، فان الظاهر من أدلة هذه الواجبات ان الشارع قد اعتبر فيها أن يأتي المكلف بها مجانا دون عوض.

و كذلك الحكم في الواجبات العبادية الكفائية، و المستحبات التي اعتبر الشارع فيها المجانية أيضا، فلا تصح الإجازة و لا يحل أخذ الأجرة للمكلف على الصلاة اليومية الواجبة عليه، و لا على نوافلها و لا على صيام شهر رمضان و لا على سائر الواجبات و المستحبات العينية، و لا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 21

على تغسيل الموتى و تكفينهم و الصلاة عليهم و لا على الأذان و نحوه، فإن المجانية التي اعتبرها الشارع في امتثال هذه الواجبات و المستحبات تمنع من جواز الإجارة عليها و من صحة أخذ الأجرة على الإتيان بها.

و كذلك الحكم على الأقوى في تعليم العقائد الواجبة في الإسلام، و تعليم الأحكام في شريعته مما هو محل الابتلاء للمكلفين، و الأحوط ذلك أيضا في الأحكام التي لا تكون محل الابتلاء.

و تجوز الإجارة و يحل أخذ الأجرة على الواجبات غير العبادية كدفن الميت، و كمعالجة الطبيب للمرضى و على الواجبات التي يتوقف عليها نظام الحياة كتعليم علم الطب

و الزراعة و غيرهما. و تجوز الإجارة على تعليم القرآن و القراءة و الكتابة و يحل أخذ الأجرة و الجعل عليها.

و تجوز الإجارة للنيابة عن الأموات في الإتيان بما وجب عليهم من واجبات و مستحبات إذا كانت مما تشرع فيه النيابة و يحل أخذ الأجرة على ذلك، و سيأتي تفصيله في كتاب الإجارة ان شاء اللّٰه تعالى.

و تصح الإجارة عن الحي في خصوص حج الإسلام إذا وجب عليه و عجز عن أدائه، فتصح النيابة عنه في الحج و يحل له أخذ الأجرة على ذلك، و تفصيل الحكم فيه في كتاب الحج، فليراجع.

المسألة 34:

ما لا تجوز الإجارة على الإتيان به و لا يحل للمكلف أخذ الأجرة عليه من الواجبات العبادية و المستحبات التي اعتبر الشارع في امتثال الأمر بها أن يأتي المكلف بها مجانا دون عوض، فكذلك الحكم في أخذ الجعالة عليها، فلا تجوز الجعالة على الإتيان بهذا النوع من الأعمال الواجبة و لا يستحق العامل به عوضا على الجاعل، لما ذكرناه من اعتبار المجانية فيها شرعا.

المسألة 35:

يحرم نوح النائحة على الميت إذا كان نوحها بالباطل، و هو أن تثني على الميت بالكذب و تذكر له من الصفات و الأفعال الحميدة ما ليست له،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 22

و تنزهه عن بعض الصفات و الافعال غير المحمودة، و هي فيه، و لا يحل لها أخذ الأجرة أو الجعل على ذلك.

و يجوز لها أن تنوح بالحق فتذكر للميت من الصفات و الممادح ما هو له أهل، و يحل لها أخذ الأجرة و الجعل على ذلك.

المسألة 36:

يحرم هجو المؤمن سواء كان ذكرا أم أنثى، و الهجو هو ذمه و ذكر ما به استنقاصه و عيبه من الصفات و الأعمال و النسب الدني ء و شبه ذلك، سواء كان في الشعر أم النثر.

و يجوز هجو المخالف للحق، و يجوز هجو الفاسق المبتدع لئلا يؤخذ ببدعته كما في بعض النصوص.

و لا يجوز هجاء الفاسق غير المبتدع و ان كان متجاهرا في فسقه.

المسألة 37:

يحرم الفحش من القول، و هو ما يستقبح ذكره من الكلام البذي ء، و هو على نحوين:

القسم الأول: ما يستقبح ذكره مع كل أحد حتى مع الزوجة، و هو محرم حتى مع الزوجة كذلك، كما إذا شبه زوجته بالبغايا و عاملات السوء، فيحرم ذلك و ان كان بقصد المزاح و التفكه معها.

القسم الثاني: ما يستقبح التصريح به مع الأجانب و لا يقبح مع الزوجة، كما إذا ذكر بعض الأعمال الخاصة بينه و بينها، فيجوز له ذلك و لا يقبح معها، و يحرم مع غيرها.

المسألة 38:

يحرم على الإنسان ان يدفع الرشوة إلى القاضي ليحكم له، سواء كان قضاؤه له بحق أم بباطل، و يحرم على القاضي ان يأخذ الرشوة على الحكم سواء كان حكمه في الواقعة بحق أم بباطل، و قد تكرر في النصوص قول الامام جعفر بن محمد الصادق (ع): و أما الرشا في الحكم فان ذلك هو الكفر باللّٰه العظيم جل اسمه و برسوله (ص)، و عن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 23

أمير المؤمنين (ع): أيما وال احتجب من حوائج الناس احتجب اللّٰه عنه يوم القيامة و عن حوائجه، و ان أخذ هدية كان غلولا، و ان أخذ الرشوة فهو مشرك.

و يجوز للمظلوم أن يدفع الرشوة لظالمه ليستنقذ حقه منه، و يحرم على الظالم أخذها.

المسألة 39:

يحرم على الرجال لبس الذهب من خاتم و غيره، و تبطل صلاة الرجل بلبسه، و يحرم عليه التزين به كالسن من الذهب يجعله في مقدم الأسنان، و أزرار الذهب توضع للقميص، و لا تبطل الصلاة بذلك، و إذا لبس الذهب و تزين به فهو أشد تحريما، و أشد من ذلك أن يكون الذهب الذي لبسه و تزين به من مختصات النساء.

المسألة 40:

يحرم على المكلف الكذب، و قد تكثرت الأدلة في تحريمه و الوعيد على ارتكابه، و الكذب المحرم على الإنسان هو أن يخبر عامدا بما يخالف الواقع، و هو قاصد لذلك، سواء كان جادا في كذبه أم هازلا، و يتأكد التحريم و يعظم العقاب عليه إذا كان مع الاستصغار للخطيئة، و التهاون بحرمات اللّٰه سبحانه، و يتأكد التحريم كذلك إذا كان في شهر رمضان و خصوصا للصائم فيه كما هو الشأن في غيره من المحرمات.

المسألة 41:

قد يتكلم الإنسان بالخبر الكاذب، و هو لا يقصد الاخبار به عن الواقع، و انما يقصد التكلم بصورة الخبر فقط من غير قصد للحكاية، و الذي يدعوه الى ذلك هو الهزل و المزاح فلا يكون ذلك محرما بل و لا يكون كذبا لعدم الحكاية، بل يكون هزلا.

و قد يقصد التورية فلا يكون كاذبا و لا يكون اخباره محرما كذلك، بل يكون موريا.

و التورية في الكلام هي أن يكون للفظ معنيان، أحدهما ما هو ظاهر

كلمة التقوى، ج 4، ص: 24

فيه عند متعارف الناس، و الثاني ما هو غير ظاهر فيه، و لكنه معنى من معانيه، فإذا تكلم الإنسان باللفظ و قصد المعنى غير الظاهر كان موريا في كلامه.

و مثال ذلك أن يقول كساني عبد اللّٰه في هذا اليوم لباسا، و لم يكن عبد اللّٰه قد أعطاه شيئا من الثياب، و انما قصد أنه أعطاه زوجة، بملاحظة قول اللّٰه سبحانه هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ. أو يقول عن رجل أعمى: لقد فتحت في هذا اليوم عين فلان، و هو يريد ان عين الماء التي يملكها ذلك الرجل قد نبع ماؤها.

المسألة 42:

يستثنى من حرمة الكذب: ان يكذب الرجل ليدفع بذلك ظلما أو ضررا عن نفسه أو عن مؤمن آخر، و يجوز له أن يحلف على ذلك.

و ان يكذب لإصلاح ذات البين بين المؤمنين المتخاصمين، و إذا أمكن له أن يؤدي ذلك بالتورية في خبره فالأحوط استحبابا له ذلك، و لكن لا يتعين عليه ذلك.

و يجوز للرجل أن يعد أهله بشي ء و هو لا يريد أن يفي لهم بوعده، و ان كان الأحوط استحبابا له ان يجتنب ذلك، و خصوصا لذي الأطفال و الأبناء الذين يريد

أن يعودهم على الخلق الرفيع. و الوفاء بالوعد فضيلة من فضائل الأخلاق، و لا ينبغي للمؤمن أن يتهاون بها و يتأكد ذلك مع غير أهله، فلا ينبغي أن يكذب بوعده، أو يعد و هو لا يريد الوفاء.

المسألة 43:

يحرم على الإنسان أن يتولى المناصب و الأعمال و الوظائف من قبل السلطان الجائر و ان كان الإنسان تام الكفاءة لذلك العمل، و كان العمل في نفسه غير مخالف للشرع فالتحريم فيه انما هو لتولية من قبل الجائر، و اما الأعمال غير المشروعة فيكون تحريمها من كلتا الناحيتين، و اما المظالم فالتولي فيها من قبله يكون التحريم فيه متعدد الجوانب و كل ذلك واضح لا خفاء فيه في الإسلام.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 25

و يستثنى من ذلك ان يتولى الإنسان الولاية و المنصب من قبله في الأمور المشروعة التي لا مخالفة فيها لأحكام الدين و هو يقصد أن يقوم في وظيفته بمصالح اخوانه المسلمين و المؤمنين و يحفظ بها شؤونهم و يرد بذلك العادية و الظلم عنهم، فيجوز له الدخول في هذه الأعمال بهذا القصد، بل يحسن و يحمد منه، فقد ورد عن الامام جعفر بن محمد (ع) كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان. و روي عن الإمام أبي الحسن الرضا (ع): ان للّٰه تعالى بأبواب الظالمين من نور اللّٰه به البرهان و مكن له في البلاد، ليدفع بهم عن أوليائه و يصلح اللّٰه بهم أمور المسلمين، إليهم يلجأ المؤمن من الضرر و إليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا، و بهم يؤمن اللّٰه روعة المؤمن في دار الظلم، أولئك هم المؤمنون حقا، الى آخر الحديث.

و يستثنى من ذلك ما إذا أجبره الظالم على الدخول في العمل، بحيث يخشى

مع عدم اجابته على نفسه أو على أهله و أقاربه و اخوانه ممن يهمه أمرهم، فيجوز له ذلك، إذا لم تكن فيه اراقة دماء محترمة أو هتك أعراض قوم مسلمين أو نهب أموالهم و إيقاع الخوف و الحرج عليهم و أشباه ذلك.

المسألة 44:

يجوز للإنسان أن يأخذ الجائزة أو الهدية التي يدفعها اليه السلطان كما يجوز له أن يأخذ منه أو من وكيله ثمن الشي ء الذي يشتريه السلطان منه و يدفع اليه ثمنه من الأموال التي بيده، و ان كان يعلم على وجه الإجمال أن بعض الأموال التي بيده من الحرام، فلا يمنع هذا العلم الإجمالي من قبول جوائزه و هداياه و الأعواض التي يدفعها في معاملاته من بيوع و إجارات و مصالحات و ضمانات أو تعهدات يجريها السلطان باختياره ثم يدفع أعواضها أو يدفعها وكيله بإذنه.

إلا إذا علم المدفوع اليه ان المال الذي دفع اليه بعينه مغصوب، فيجب رده الى مالكه إذا عرفه بعينه، و إذا تردد مالك ذلك المال بين جماعة محصورين في العدد وجب عليه استرضاؤهم جميعا إذا أمكن، فان لم يمكن ذلك رجع في تعيين المالك الى القرعة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 26

و إذا تردد بين جماعة غير محصورين، فان لم ييأس من معرفة المالك منهم بعينه وجب عليه الفحص عنه، و إذا يئس من معرفته تصدق بالمال عن مالكه، و يستأذن الحاكم الشرعي بذلك على الأحوط.

المسألة 45:

ذكرنا في رسالتنا في المسائل المستحدثة بعض الأحكام التي تتعلق في معاملة البنوك و التأمين و أوراق اليانصيب، و غير ذلك من الموضوعات المستجدة، فليرجع إليها من أراد الاطلاع عليها.

المسألة 46:

الأرض الخراجية هي الأرض التي فتحها المسلمون عنوة و كانت عامرة حال الفتح و هي ملك للمسلمين عامة، و لذلك فلا يجوز بيعها كما سيأتي بيانه في فصل شرائط العوضين. فإذا دفعها السلطان الى بعض المسلمين ليزرعها و ينتفع من ثمارها و حاصلاتها و جعل عليها ضريبة خاصة كالخراج، و هو الضريبة التي تجعل على النقد الحاصل من نتاج الأرض، أو المقاسمة و هي الضريبة التي تجعل على السهم من الأرض المذكورة كالنصف منها أو الثلث، و يقبض ولي المسلمين هذه الضرائب ليصرفها في مصالحهم.

فإذا كان السلطان القائم بذلك مخالفا للشيعة في المذهب و كانت سلطنته باسم الخلافة العامة على المسلمين، أو باسم التولي الشرعي للأمور العامة على المسلمين كان تصرفه نافذا في ذلك، فإذا أخذ الضريبة من صاحب الأرض جاز شراء ما يأخذه منها و جاز التصرف فيه باذن السلطان المذكور، و إذا حولت حكومة هذا السلطان أحدا على صاحب الأرض ان يأخذ منه الضريبة المجعولة عليه و دفعها اليه جاز للمحول أن يأخذها منه و برئت ذمة صاحب الأرض بالدفع اليه.

و كذلك الحكم في ما يأخذه هذا السلطان باسم الزكاة على مالكي العلات و النقدين و الأنعام، فإن ذممهم تبرأ من الزكاة الواجبة عليهم بالدفع اليه أو الى عماله المنصوبين لذلك، و يجوز للآخرين شراء أعيان الزكاة منهم إذا أرادوا بيعها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 27

و إذا كان السلطان مسلما و لم تكن سلطنته باسم الخلافة الإسلامية أو باسم التولي الشرعي لأمور المسلمين

العامة، فيشكل جريان الأحكام المذكورة على تصرفاته، فلا يترك الاحتياط فيها، سواء كان السلطان شيعيا أم مخالفا لهم في المذهب، و كذلك إذا كان غير مسلم.

المسألة 47:

يجوز للرجل أن يتقبل من السلطان المتولي لأمور المسلمين بعض الأراضي الخراجية بشي ء معين فيزرعها أو يغرسها أو يؤجرها لآخرين، لينتفعوا بها بالزراعة و الغرس و إذا أراد الزيادة في الأجرة عما تقبلها به، فلا يترك الاحتياط بأن يحفر في الأرض نهرا أو يحدث فيها شيئا يعين المستأجر به، و سيأتي بيان الحكم في كتاب الإجارة.

المسألة 48:

لا يجوز للرجل حلق اللحية على الأقوى، و يحرم أخذ الأجرة أو الجعالة على حلقها، إلا إذا أصبح حلق اللحية ضرورة يضطر إليها الرجل لبعض الأمور التي تحتم ذلك عليه، فيجوز له حلقها حين ذاك، و يصح أخذ الأجرة و الجعالة عليه.

المسألة 49:

لا يجوز للإنسان الاحتكار، و هو أن يحبس الطعام و شبهه عنده و يمتنع عن بيعه يتربص به الغلاء و ارتفاع القيمة مع حاجة أهل البلد اليه و عدم وجود من يبذل ذلك لهم، و في الحديث عنه (ص): الجالب مرزوق و المحتكر ملعون، و عنه (ص) لا يحتكر الطعام الا خاطئ.

و قد ذهب جمع من الأصحاب إلى اختصاص الاحتكار بالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و هو القول المشهور، و ألحق بها آخرون:

الزيت و الملح، و لا يترك الاحتياط بإلحاق كل ما تكون الحاجة إليه عامة من أهل البلد المسلمين من الأطعمة و الملابس و نحوها.

فإذا احتكر الإنسان بعض ذلك مع الشروط المتقدمة أجبر على البيع و لا يحدد له السعر الذي يبيع فيه، و إذا أجحف في الثمن الذي يطلبه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 28

في بيعه على العامة أجبر على النزول من ذلك السعر، و لا يحدد عليه أيضا. و هكذا.

و لا يختص هذا الحكم بما إذا كان المحتكر واحدا، بل يجري في ما إذا كانوا عدة من الناس، فإذا حبسوا الحاجة لديهم مع اضطرار عامة الناس إليها و عدم وجود من يبذلها لهم جرى فيهم الحكم المذكور سواء كانوا متواطئين على الاحتكار ليرتفع السعر أم حصل ذلك منهم اتفاقا.

المسألة 50:

ليس من الاحتكار أن يحبس الإنسان الطعام عنده ينتظر به الغلاء، إذا وجد في البلد من يبذل تلك الحاجة للناس بقدر كفايتهم، و إذا انتهى ما عند الباذل من الطعام و لم يف بحاجة الناس تحقق الاحتكار حين ذاك و جرت عليه أحكامه.

و ليس من الاحتكار ان يحبس أحد عنده الطعام ينتظر به الغلاء إذا لم تكن للناس حاجة

الى طعامه لأنهم قد خزنوا لأنفسهم منه ما يكفيهم، أو لوجود المزارع لديهم و هي قريبة الإنتاج، أو لوجود ما يعوض عنه من المنتوجات الأخرى بحيث أصبح غير ضروري لهم.

و ليس من الاحتكار ان يحبس الطعام و هو لا ينتظر به الغلاء، بل ليصرفه الى بعض عملائه الخاصين عند حاجتهم و لو بالسعر المقبول، فلا يكون فعله حراما و لا مكروها.

المسألة 51:

إذا دفع الإنسان إلى غيره مالا ليتولى صرفه على فريق خاص من الناس و كان الرجل الذي دفع اليه المال من ذلك الفريق، و مثاله ما إذا أعطى زيدا مبلغا معينا من المال ليقسمه على فقراء أهل بلده، أو على الهاشميين منهم أو على أرحامه و كان زيد من هذا الفريق الذين أمره بقسمة المال عليهم.

فان دلت القرائن العامة أو الخاصة من عادة و نحوها على الأذن في أن يأخذ من المال كغيره من افراد ذلك الفريق أو كان للفظه إطلاق و ظهور يدل على ذلك صح للرجل أن يأخذ من المال بقدر ما دل عليه الأذن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 29

في الأخذ، و ان لم تدل القرائن على تعيين قدر معين له أخذ منه أقل ما يحتمل، و هو القدر المتيقن مما أذن فيه، و ان لم تدل القرائن على الأذن في الأخذ لم يجز له ان يأخذ منه شيئا.

و إذا كان الرجل فقيرا فدفع إليه انسان مبلغا من مال الزكاة ليصرفه في مصارف الزكاة من الفقراء و غيرهم، أو كان هاشميا محتاجا، فدفع اليه مبلغا من الخمس ليدفعه الى الهاشميين المحتاجين، فان علم و لو من القرائن أن وكالته شاملة للدفع الى نفسه، صح له أن يأخذ منه بمقدار ما يعطي

غيره و ان لم يعلم ذلك لم يجز له أن يأخذ منه شيئا.

و كذلك الحكم في الصرف من ذلك المال على عياله، فلا يجوز له أن يصرف عليهم منه شيئا إلا إذا علم بأن وكالته في صرف المال شاملة لذلك.

المسألة 52:

يكره للإنسان أن يتخذ بيع الصرف حرفة له، و قد ورد في ذلك انه لا يسلم من الربا، و لعل المراد انه لا يسلم و لو من حب الربا ليتوفر بذلك ماله، فيهون عليه أمر هذا المحرم العظيم، و لا يكره أن يتولى بيع الصرف في بعض الأوقات مع التحفظ عن الوقوع في مالا يحمد، و يكره كذلك أن يتخذ بيع الأكفان حرفة له، و قد علل ذلك في النصوص بأنه لا يسلم من أن يسره الوباء و كثرة الموتى، و لا يكره أن يبيع الكفن في بعض الأحيان.

و يكره أن يحترف ببيع الطعام، فإنه لا يسلم من الاحتكار و حب الغلاء، و لعل المراد انه لا يسلم و لو من حب الاحتكار فيهون عليه أمر المحرم.

و يكره أن يكون نخاسا، و هو الذي يتخذ بيع العبيد و الإماء صنعة له، و قد ورد ان شر الناس من باع الناس.

و يكره أن يكون جزارا و هو الذي يتخذ ذبح الحيوان و نحر الإبل حرفة له، و قد ورد ان هذه الحرفة تورث قسوة القلب و سلب الرحمة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 30

و يكره أن يكون حجاما، و تتأكد الكراهة في هذه الحرفة إذا كان يشترط الأجرة على عمله، و يكره التكسب بضراب الفحل، سواء آجر الفحل لذلك و ضبط ضرابه بالمرة و المرات أو المدة، أم لم يؤجره و لكنه قصد العوض، و لا كراهة

في ما إذا لم يقصد العوض بضراب الفحل إذا اعطي شيئا بعنوان الهدية و نحوها.

المسألة 53:

يجب على من يباشر اي نوع من أنواع التجارة أو يحترف اي وجه من وجوه التكسب أن يتعلم الأحكام الشرعية التي تتعلق بنوع تجارته أو في وجه تكسبه، حتى يعرف الصحيح من غير الصحيح و يميز المحلل من المحرم، و ليرتب الآثار كما أمر اللّٰه تعالى و كما شرع.

و المعاملة التي يريد الإنسان أن يقوم بها قد تكون مما اشتبه الحكم فيه من حيث الحل و الحرمة لا من حيث الصحة و الفساد، كما في كل مورد يكون الشك فيه في أن المعاملة ربوية فتحرم أم هي غير ربوية فلا تحرم، بناء على ما هو الأحوط فيها لزوما، و في هذه الصورة يجب على المكلف اجتناب المعاملة حتى يتعلم الحكم فيها أو يحتاط إذا كان الاحتياط ممكنا.

و قد تكون المعاملة مما يدور الأمر فيه بين الصحة و الفساد، فيجب فيها كذلك معرفة الحكم المتعلق بها عن اجتهاد أو تقليد أو احتياط، ليميز ما هو صحيح عما هو فاسد، و ليترتب الآثار كما تقدم ذكره، و لا يلزم أن يكون التعلم قبل إيقاع المعاملة، بل يجوز له أن يوقعها أولا، ثم يسأل عن حكمها، فإذا علم بصحتها رتب آثار الصحة و النفوذ عليها، و ان علم بفسادها لم يرتب عليها أي أثر.

المسألة 54:

قد ذكرت للتكسب و التجارة آداب كثيرة، منها ما يستحب و منها ما يكره، فمن الآداب المستحبة أن يجمل الرجل في طلب الرزق، و المراد التوسط فيه، و قد روي عن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع): ليكن طلبك المعيشة فوق كسب المضيع و دون طلب الحريص. و عن الرسول

كلمة التقوى، ج 4، ص: 31

(ص): الا ان الروح الأمين نفث في روعي ان

لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا اللّٰه عز و جل و أجملوا في الطلب، و لا يحملنكم استبطاء شي ء من الرزق أن تطلبوه بشي ء من معصية اللّٰه جل و عز، فان اللّٰه تبارك و تعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالا و لم يقسمها حراما، فمن اتقى اللّٰه عز و جل و صبر آتاه اللّٰه رزقه من حله، و من هتك حجاب الستر و عجل فأخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال و حوسب عليه يوم القيامة.

و يستحب للمكتسب و التاجر أن يسوي بين المبتاعين منه في السعر الذي يبيع به السلعة فلا يفرق بين صغير و كبير، و غني و فقير، و مماكس و غيره، و المماكس الذي يجادل البائع في ثمن ما يشتريه، فلا يفاوت التاجر ما بين العملاء في الثمن الذي يأخذه منهم.

و لا بأس في أن يخص أهل التقوى و أهل الفضل فيميزهم في المعاملة معهم على من سواهم.

و يستحب له أن يقيل من يطلب الإقالة منه في بيع أو شراء، فقد روي عن أبي عبد اللّٰه (ع): أيما عبد أقال مسلما في بيع أقاله اللّٰه عثرته يوم القيامة.

و يستحب له أن يأخذ لنفسه ناقصا و يعطي راجحا، فعن أمير المؤمنين (ع): ان ذلك أعظم للبركة.

و يستحب ان يكون سهل البيع و الشراء في معاملته مع الناس، سهل القضاء في ديونه التي عليه للناس سهل الاقتضاء في ديونه التي تكون له عليهم، فعن الرسول (ص): ان اللّٰه تبارك و تعالى يحب العبد يكون سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء.

المسألة 55:

و من الآداب المكروهة في ذلك ان يمدح البائع السلعة التي يريد بيعها و أن يذم المشتري السلعة

التي يريد أن يشتريها.

و يكره للإنسان الحلف على البيع و الشراء، فعن الامام أبي الحسن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 32

موسى (ع): ثلاثة لا ينظر اللّٰه إليهم أحدهم رجل اتخذ اللّٰه بضاعة، لا يشتري إلا بيمين و لا يبيع الا بيمين، و عن الامام الصادق (ع): ان اللّٰه تبارك و تعالى يبغض المنفق سلعته بالايمان.

و يكره له أن يربح على المؤمن، إلا إذا اشترى بأكثر من مائة درهم، فلا يكره أن يربح منه قوت يومه، أو يكون شراء المؤمن للتجارة لا للقوت و شبهه، فلا يكره الربح عليه حين ذاك و يكره للرجل أن يربح على من وعده بالإحسان اليه.

و يكره له السوم من طلوع الفجر الى ان تطلع الشمس.

و يكره له أن يكون أول الناس دخولا الى السوق و آخرهم خروجا منه، و قد يكون ذلك كناية عن كراهة الانهماك في طلب الدنيا و الانغماس في حبها، و يرشد الى ذلك ما في هذه النصوص من جعل الأسواق مقابل المساجد، و ان أحب الناس الى اللّٰه أولهم دخولا إليها و آخرهم خروجا منها، و المراد منها الانصراف عن الدنيا و ابتغاء رضى اللّٰه و الدار الآخرة بعمله ذلك، و على هذا فلا تشمل الكراهة ما لو اتفق ذلك في بعض الأحيان فكان أول من دخل السوق و كان آخر من خرج منه من غير حرص على طلب الدنيا و حبها.

و تكره معاملة الأدنين، و قد فسر المراد منهم بالسفلة الذين لا يبالون بما قالوا و لا بما قيل لهم، و الذين لا يسرهم الإحسان و لا تسوءهم الإساءة، و الذين يحاسبون على الشي ء الدني ء.

و تكره مبايعة ذوي العاهات، ففي الحديث انهم أظلم شي ء.

و تكره

مبايعة المحارفين، و هم المحرومون الذين أدبرت عنهم الدنيا، ففي الرواية: لا تشتر من محارف، فان صفقته لا بركة فيها. و تكره مبايعة من لم ينشأ في الخير، و هو مستحدث النعمة، الذي لم يكن ثم كان.

و يكره للإنسان أن يطلب التنقيص من ثمن السلعة بعد ان اشتراها من صاحبه و تم العقد عليها. و يكره له أن يتعرض لكيل المكيل أو وزن الموزون أو عد المعدود أو لحساب المساحة في المبيع و هو لا يحسن ذلك، فإنه مظنة الوقوع في الخطأ.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 33

و المشهور أنه يكره للإنسان أن يدخل في سوم أخيه المؤمن، و قيل بتحريم ذلك، و الأحوط فيه الترك. و الدخول في سوم المؤمن، هو أن يبذل المؤمن للسلعة ثمنا ليشتريها من صاحبها و يرجى أن تتم المعاملة بينهما، فيبذل الرجل الآخر للبائع زيادة على ذلك الثمن ليشتري السلعة لنفسه أو لآخر.

و مثله أن يبذل البائع المؤمن مبيعا ليشتريه المشتري منه، فيبذل الرجل الآخر للمشتري مبيعا غيره.

و لا يعم الحكم ما إذا انصرف أحد المتبايعين عن المعاملة، و لا يعم ما إذا كان البيع مبنيا على المزايدة فلا تكون الزيادة دخولا في السوم في كلتا الصورتين.

و يكره أن يتوكل حاضر لباد في المعاملة له أو معه، و المراد أن يكون بعض أهل البلد الحاضرين العارفين بسعر الشي ء فيه وكيلا عن بعض أهل البوادي و الأرياف و القرى القادمين الى البلد، فيتولى البيع عنهم أو الشراء لهم في البلد.

و يكره تلقي الركبان و القوافل الذين يقدمون الى البلد و يجلبون اليه بعض السلع و المتاع لبيعها فيه أو ليشتروا من البلد بعض حاجاتهم، فيكره للحاضر في البلد أن يستقبلهم في

خارج البلد للشراء منهم أو البيع عليهم قبل أن يصلوا الى البلد.

و تلقي الركبان انما يتحقق بالخروج من البلد بقصد ذلك، فإذا خرج الرجل من البلد لا بقصد ذلك بل لغاية أخرى، و اتفق مع الركب فباع عليهم أو اشترى منهم، فلا كراهة في ذلك، و لا كراهة إذا خرج إليهم مقدار أربعة فراسخ أو أكثر من ذلك فباع عليهم أو اشترى، فان ذلك من السفر إلى التجارة لا من تلقي الركبان. و لا تختص الكراهة بالتلقي للبيع و الشراء منهم بل تعم المعاملات الأخرى كالإجارة و الصلح و غيرهما من المعاوضات فيكره تلقي الركبان القادمين للبلد لذلك إذا استقبلهم و أجرى معهم المعاملات التي يطلبونها قبل أن يصلوا الى البلد.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 34

الفصل الثاني في البيع
المسألة 56:

البيع هو نقل مال بعوض، و قد جرى دأب الفقهاء و المحققين منهم على الخصوص على اطالة الكلام في ذلك فيذكرون التعريف و ما يرد عليه من وجوه الاشكال و ما يندفع به ذلك و يحاولون جهدهم أن يكون التعريف يجمع جميع أفراد المعاملة و يمنع عن دخول ما ليس منها و يهون الأمر ان التعاريف التي تذكر للبيع أو لغيره من المعاملات انما هي من قبيل شرح الاسم، فيراد منها بيان المعرف على وجه الاجمال و ليست تعاريف حقيقية فيبتني الأمر فيها على التدقيق.

المسألة 57:

البيع عقد من العقود، فلا بد فيه من الإيجاب و القبول، سواء كانا لفظيين أم فعليين كما سيأتي، و إذا كان الإيجاب و القبول لفظيين، فلا يعتبر فيهما أن يكونا باللغة العربية بل يصح أن يكونا بغيرها من اللغات الأخرى.

و لا يشترط أن يكون اللفظ صريحا في المعنى المراد منه، بل يصح أن يقع العقد بأي لفظ يكون دالا في نظر أهل العرف على المعنى المقصود، فيكفي أن يقول البائع: بعت، أو ملكت، أو نحو ذلك، و يكفي ان يقول المشتري في القبول قبلت، أو رضيت، أو اشتريت، أو ابتعت، و نحو ذلك.

و يصح أن يوقع العقد بلفظ المضارع، فيقول البائع للمشتري:

أملكك هذه الدار أو أبيعك إياها بقصد إنشاء البيع و التمليك، و يقول المشتري: أقبل منك هذا البيع أو هذا التمليك، على أن يراد منهما نقل المال بالفعل لا في المستقبل.

و لا يضر في صحة العقد وقوع اللحن فيه إذا كان اللحن لا يغير المعنى عند أهل المحاورة، و لا يضر بدلالة اللفظ، و اما إذا كان مما يتغير به المعنى أو مما يضر بدلالة اللفظ على المقصود فالظاهر

عدم صحة العقد.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 35

المسألة 58:

الأحوط لزوما عدم تقديم القبول على الإيجاب ان لم يكن الأقوى عدم جواز ذلك، نعم، يصح أن يكون الإيجاب من المشتري، فيقول اشتريت هذا المال بكذا، أو تملكته أو ابتعته، فيقبل البائع منه الاشتراء، أو التملك أو الابتياع، و يصح ان ينشأ القبول بلفظ شريت، أو بعت أو ملكت.

المسألة 59:

إذا قال الشخص الذي يريد شراء السلعة لمالكها: بعني سلعتك هذه بدينار فقال المالك بعتك السلعة بدينار لم يكف ذلك في صحة العقد حتى يقول المشتري بعده: قبلت أو رضيت أو نحو ذلك من ألفاظ القبول، و قد ذكرنا انه لا يكفي تقديم القبول على الإيجاب.

المسألة 60:

انما يكون الإيجاب بلفظ ملكت في الموارد التي يكون أثر البيع فيها تملك المبيع، فلا يجري في الموارد التي لا يتحقق فيها هذا الأثر، كما إذا اشترى ولي الزكاة و هو الحاكم الشرعي بسهم سبيل اللّٰه من مال الزكاة دارا أو عينا أخرى لتبقى في سهم سبيل اللّٰه كذلك و يكثر الانتفاع بها في هذا السبيل، فلا يكون الإيجاب في هذا البيع بلفظ ملكت، و لا يكون القبول بلفظ تملكت أو بلفظ ملكت حيث لا ملكية لأحد في هذا الفرض، بل يكون الإيجاب و القبول فيه بألفاظ العقد الأخرى.

المسألة 61:

إذا أنشأ البائع الإيجاب ثم انصرف عن البيع قبل أن يحصل القبول من المشتري لم يتحقق العقد و بطل الإيجاب و ان لم يكن الفصل بينه و بين القبول طويلا، فإذا أنشأ المشتري القبول بعد انصراف البائع لم يؤثر العقد شيئا.

و إذا أنشأ البائع الإيجاب و لم يأت المشتري بالقبول حتى طالت المدة جدا فيشكل الحكم بصحة العقد و ان لم ينصرف البائع عن البيع، بل الظاهر البطلان لخروج الإيجاب و القبول بهذا الفصل الطويل عن عنوان

كلمة التقوى، ج 4، ص: 36

المعاقدة بين المتبايعين، و هذا المقدار هو المعتبر من الموالاة اللازمة بين الإيجاب و القبول.

و لا يشترط وحدة المكان للموجب و القابل، فإذا تقابلا على إله الهاتف مثلا و أنشأ أحدهما الإيجاب و قبل الآخر، صح العقد و ترتب الأثر و ان كان بينهما فاصل كبير من المسافة بين البلدين أو المكانين.

المسألة 62:

يشترط في صحة العقد التطابق بين الإيجاب و القبول في جميع ما يذكر فيهما من ثمن و مثمن و شرط و خصوصية و غير ذلك من توابع العقد، فإذا قال البائع للمشتري بعتك الدار الواقعة في شارع كذا من مدينة النجف بألف دينار عراقية تدفعها بعد خمسة أيام إلى وكيلي فلان و اشترطت عليك أن تخيط لي هذا الثوب في مدة يومين، فالقبول المطابق: أن يقول المشتري: قبلت لنفسي شراء الدار الواقعة في شارع كذا من النجف بألف دينار عراقية أدفعها بعد خمسة أيام إلى وكيلك فلان على أن أخيط لك هذا الثوب في مدة يومين، و يكفي التطابق الإجمالي في صحة العقد، فيقول قبلت شراء الدار المعينة بالثمن المذكور على الشروط المذكورة، أو يقول: قبلت الشراء على ما ذكرت.

المسألة 63:

و لا يصح العقد إذا اختلف القبول عن الإيجاب و لم يردا على مورد واحد، أو اختلفا في بعض الخصوصيات و التوابع المذكورة فيهما، كما إذا قال البائع: بعتك هذا الحمار بدينار، فقال المشتري قبلت شراء هذا الفرس بدينار، أو قال البائع: بعتك فرسي هذا بدينار عراقي فقال المشتري: قبلت شراء فرسك هذا بدينار بحراني، و كما إذا قال:

بعتك هذه السلعة بخمسة دنانير تدفعها نقدا فقال المشتري قبلت شراء السلعة بخمسة دنانير أدفعها بعد شهر، أو قال البائع بعتك هذا المتاع بعشرة دنانير على أن تخيط له هذه الجبة، فقال المشتري قبلت شراء المتاع من غير شرط أو قال: على أن أخيط لك هذا الثوب، فلا يصح العقد في جميع هذه الفروض لعدم تطابق الإيجاب و القبول على شي ء واحد.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 37

و كذلك إذا قال البائع بعتك هذا المتاع بدينار فقال المشتري

قبلت شراء نصف المتاع بنصف دينار، أو قال البائع بعت هذه السلعة من موكلك فلان بكذا، فقال المشتري قبلت الشراء لنفسي بالثمن المعين، فلا يصح العقد لعدم التطابق المطلوب.

المسألة 64:

إذا قال البائع بعتك هذه الدار بألف دينار، فقال المشتري قبلت شراء كل نصف من الدار بخمسمائة دينار، صح العقد لحصول التطابق ما بين الإيجاب و القبول فان الاختلاف المذكور بينهما انما هو بالإجمال و التفصيل، و إذا قال البائع للوكيل و هو بحضور الموكل بعت هذه الدار من موكلك فلان بألف دينار، فقال الموكل نفسه قبلت الشراء لنفسي بالثمن المذكور صح العقد و ان كان المخاطب بالإيجاب هو الوكيل.

و إذا قال البائع لشخصين حاضرين بعتكما هذا المتاع بألف دينار فقال كل واحد منهما قبلت شراء نصف المتاع لنفسي بخمسمائة، فالظاهر الصحة، نعم إذا قبل أحد الشخصين شراء النصف بخمسمائة لنفسه و لم يقبل الآخر لم يصح العقد لعدم التطابق.

المسألة 65:

إذا تعذر النطق على الإنسان لخرس أو مرض أو شدة ضعف أو نحو ذلك فلم يستطع إنشاء الإيجاب أو القبول باللفظ كفاه ان ينشئ ذلك بالإشارة التي تفهم المقصود، و الظاهر كفاية الإشارة له و ان تمكن من التوكيل على الإنشاء.

و إذا تمكن العاجز عن النطق من الكتابة جاز له أن ينشئ الإيجاب أو القبول بالإشارة أو بالكتابة مع القدرة عليهما معا فيكون مخيرا في إنشاء العقد بأيهما أراد، و إذا عجز عن النطق و عن الإشارة كفاه أن ينشئ العقد بالكتابة.

و إذا كان الإنسان قادرا على النطق ففي جواز إنشاء الإيجاب أو

كلمة التقوى، ج 4، ص: 38

القبول بالكتابة إشكال و لا يبعد القول بالصحة و لا ينبغي ترك الاحتياط.

المسألة 66:

يصح إنشاء البيع بالمعاطاة، و هي أن يدفع البائع عين المال المبيع إلى المشتري و يقصد بدفعه المال إنشاء بيع ذلك المال للمشتري بالعوض فيكون ذلك منه إيجابا للبيع بالفعل كالإيجاب باللفظ، و يدفع المشتري عين الثمن للبائع بقصد إنشاء القبول بدفعه، فيتم العقد بالإيجاب و القبول الفعليين و يصح البيع على الأقوى و تترتب آثاره من غير فرق بين المبيع الحقير و الخطير.

و تصح المعاطاة أيضا بدفع الشي ء المبيع من قبل البائع، و تسلمه من قبل المشتري، فيقصد البائع بدفع المال المبيع إلى المشتري إنشاء البيع عليه بالثمن المعلوم بينهما، و يقصد المشتري بقبضه الشي ء و تسلمه من البائع إنشاء قبول التملك لذلك الشي ء بالعوض المعلوم فيتم الإيجاب و القبول بذلك و يصح البيع و تترتب آثاره على الأقوى و ان لم يعط المشتري شيئا، و يتحقق هذا النوع من المعاطاة في المواضع التي يكون الثمن فيها كليا في الذمة.

و تصح المعاطاة كذلك

بدفع المشتري الثمن المعين للبائع و قبضه من قبل البائع، فيقصد المشتري بدفع الثمن المعين إلى البائع إنشاء ابتياعه للشي ء المبيع و تملكه من البائع بالثمن المعين الذي دفعه اليه، و يقصد البائع بقبضه الثمن من المشتري إنشاء قبول الابتياع و التملك الذي أنشأه المشتري بالثمن المعين، فيتم الإيجاب و القبول بهذا الفعل منهما و يصح البيع و تترتب آثاره و ان لم يعط البائع منه شيئا، و يتحقق هذا النوع من المعاطاة في المواضع التي يكون المبيع فيها كليا في الذمة.

المسألة 67:

المعاطاة بيع من البيوع فيشترط فيه جميع ما يشترط في البيع من الشروط الآتي ذكرها، سواء كانت من شرائط العقد أم من شرائط العوضين أم من شرائط المتعاقدين فإذا فقد منها بعض تلك الشروط

كلمة التقوى، ج 4، ص: 39

لم يصح البيع كما في البيع العقدي، و كذلك فتجري في المعاطاة أحكام بيع الصرف، و بيع السلم، و بيع النسيئة و شرائطها، و حرمة الربا و أحكام سائر البيوع الأخرى و شرائطها، إذا تحققت في المعاطاة مواضيع تلك البيوع.

المسألة 68:

الأقوى أن بيع المعاطاة كالبيع العقدي لازم من الطرفين، فلا يجوز لأحدهما فسخ البيع إلا إذا وجدا أحد الخيارات التي تذكر في مباحث الخيار في البيع، أو تحصل الإقالة من الطرفين، و لا يتوقف لزوم المعاطاة على وجود احد الملزمات التي يذكرها القائلون بأنها تفيد الملك الجائز.

المسألة 69:

لا يختص جريان المعاطاة في البيع، بل تجري على الأقوى في جميع المعاملات حتى الإيقاعات منها كالرهن و الوقف، نعم لا تجري المعاطاة في النكاح و لا في الطلاق و لا العتق، و لا في تحليل الأمة و لا في النذر و اليمين.

المسألة 70:

الأقوى أن بيع المعاطاة قابل للشرط فيه كالبيع العقدي، سواء كان المراد شرط خيار الفسخ في مدة معينة أم شرط فعل أم أي شرط آخر يصح جعله في العقد، فإذا حصل التعاطي بين المتبايعين بقصد إنشاء البيع كما تقدم، و قال أحدهما في ضمن تعاطيهما: جعلت لي خيار فسخ المعاملة إلى مدة سنة مثلا و قبل الثاني بذلك صح شرط الخيار و لزم العمل به و كذا غيره من الشروط التي يراد ذكرها فيه.

المسألة 71:

التعليق في البيع قد يكون على شي ء غير حاصل في حين العقد، و هذا يقع على نحوين فقد يكون الشي ء الذي علق عليه البيع معلوم الحصول في ما بعد ذلك، و قد يكون مجهول الحصول فقد يحصل في ما بعد و قد لا يحصل، و مثال الأول أن يقول البائع، و هو في شهر رمضان بعتك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 40

هذا المتاع إذا هل هلال شوال، فان هلال شوال غير حاصل حين العقد، و لكنه معلوم التحقق في ما بعد ذلك، و مثال الثاني، أن يقول للمشتري بعتك هذا المتاع إذا وضعت زوجتك ولدا ذكرا، فان الولد الذكر الذي علق البيع على وضعه ليس موجودا حال العقد حسب الفرض، و هو مشكوك التحقق في ما يأتي، فقد لا تضع الزوجة شيئا، و قد تضع أنثى، و قد تضع ذكرا، و الأحوط لزوما عدم صحة تعليق البيع في كلتا الصورتين، فلا يصح البيع فيهما.

الصورة الثالثة أن يعلق البيع على وجود شي ء قد يكون حاصلا حين العقد، و قد يكون غير حاصل و لكن البائع و المشتري يجهلان حصوله حين العقد، و مثال ذلك أن يقول البائع لصاحبه بعتك المتاع إذا كان

هذا اليوم هو أول الشهر، و كان الطرفان يجهلان ذلك، و الأحوط لزوما عدم صحة التعليق في هذه الصورة أيضا، فلا يصح البيع كما في الصورتين السابقتين.

الصورة الرابعة ان يعلق البيع على وجود شي ء و هو حاصل حين العقد، و الطرفان معا يعلمان بحصوله، كما إذا قال له بعتك المتاع إذا كان هذا اليوم هو أول الشهر، أو إذا كان اليوم هو يوم الجمعة، و هما معا يعلمان بأنه أول الشهر و انه يوم الجمعة، و الظاهر الصحة في هذه الصورة فيكون البيع صحيحا فيها.

المسألة 72:

إذا وقع العقد فاسدا، و قبض المشتري المال المبيع، فان كان المشتري يعلم بأن مالك المال و هو البائع يرضى له بأن يتصرف في ماله و ان كان العقد فاسدا، جاز له التصرف فيه بمقدار ما يعلم رضى المالك به من التصرف.

و ان كان لا يعلم بذلك لم يكن له التصرف فيه، و وجب عليه رد المال الى مالكه على الأحوط ان لم يكن هو الأقوى، و إذا تلف المال وجب عليه رد عوضه الى مالكه، فيرد اليه مثله إذا كان المال مثليا و يرد له

كلمة التقوى، ج 4، ص: 41

قيمته إذا كان قيميا، سواء كان المشتري عالما بهذا الحكم أم جاهلا به، و سواء كان التلف بآفة سماوية أم بغيرها من أسباب التلف.

و كذلك حكم البائع إذا قبض الثمن بالعقد الفاسد، و إذا باع المشتري أو البائع ما قبضه بالعقد الفاسد كان بيعه فضوليا، فإذا أجاز المالك بيعه صح، و ان لم يجزه بطل و سيأتي تفصيل أحكام البيع الفضولي في الفصل الآتي ان شاء اللّٰه تعالى، و سيأتي فيه أيضا بيان الفارق ما بين المثلي و القيمي

من المال.

الفصل الثالث في شرائط المتعاقدين
المسألة 73:

لا يصح عقد البيع من البائع و لا من المشتري إلا مع وجود الشروط الآتي بيانها. و هي عدة أمور: الأول أن يكون كل من البائع و المشتري بالغا، فلا يصح أن يبيع الصغير ماله، سواء كان مميزا أم غير مميز إذا كان بيعه بغير اذن وليه، و كذا لا يصح شراؤه لنفسه.

و لا يصح بيعه و لا شراؤه لنفسه إذا كان باذن وليه، و كان الصغير مستقلا في إيقاع المعاملة فلا يكون البيع و لا الشراء صحيحا منه.

و إذا قام الولي بالمعاملة في مال الصبي، ثم وكل الولي الصبي نفسه في أن ينشئ صيغة البيع فالأقوى صحة هذه المعاملة إذا كان الصبي مميزا، و مثله الحكم في توكيله على قبول الشراء إذا أتم الولي المعاملة، و هذا كله في الأمور الخطيرة، و اما في الأمور غير الخطيرة فلا يبعد الحكم بصحة معاملة الصبي المميز فيها مع اذن الولي و ان كان مستقلا فيها، و قد جرت على ذلك سيرة المتشرعة بل سيرة العقلاء من الناس، فيتولى الصبي المميز شراء بعض الحاجات الصغيرة و يتولى بيعها بلا نكير.

المسألة 74:

الظاهر صحة معاملة الصبي غير البالغ في مال غيره إذا كان مميزا و كانت معاملته بالوكالة من مالك المال و اذنه، فيصح له بيع مال الغير

كلمة التقوى، ج 4، ص: 42

إذا وكله في بيعه، و يصح شراؤه له إذا وكله في الشراء و ان لم يأذن ولي الصبي له بذلك.

المسألة 75:

الثاني من الشروط ان يكون كل من البائع و المشتري عاقلا، فلا يصح بيع المجنون و لا شراؤه، سواء حصل منه قصد إنشاء البيع في إيجابه و قصد إنشاء الرضا في قبوله أم لم يحصل، و سواء كان جنونه مطبقا أم أدوارا إذا كان مجنونا غير مفيق في حال إجراء المعاملة، و سواء كانت المعاملة في ماله أم في مال غيره، و سواء أذن له وليه بالمعاملة أم لا.

المسألة 76:

الثالث من الشروط أن يكون كل من البائع و المشتري قاصدا للمعاملة حين إجرائها، فلا يصح الإيجاب و لا القبول من غير القاصد كما إذا كان هازلا في قوله أو غالطا أو ساهيا فأوقع الإيجاب أو القبول كذلك.

المسألة 77:

الرابع من الشروط ان يكون كل من البائع و المشتري مختارا في إجراء المعاملة بينه و بين صاحبه فلا يصح بيع المكره على البيع و لا يصح شراء المكره على الشراء.

و المكره هو من يرغمه غيره على إيقاع البيع أو على الشراء، و يخشى من وقوع إضرار المتوعد به إذا هو خالف قوله فلم يبع أو لم يشتر، سواء كان الإضرار المترقب وقوعه على المخالفة في نفس المكره أم في شأنه أم في عرضه أم في ماله أم في أحد متعلقيه الذين يكون الإضرار بهم إضرارا به نفسه.

و ليس من الإكراه ان يأمره الظالم بالبيع، فيبيع و هو غير كاره لذلك.

و ليس من الإكراه ان يرغمه الظالم على دفع مبلغ من المال أو على إنفاذ مشروع يتطلب إنفاذه صرف مبلغ من المال، أو على بناء موضع يفتقر الى ذلك، فيضطر الى بيع داره للقيام بذلك فيصح البيع في جميع هذه الصور.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 43

المسألة 78:

إذا أمكن للرجل أن يتخلص من الضرر الذي توعده به المكره بأن يوقع صورة البيع مثلا من دون قصد للمعنى الحقيقي من البيع أو يأتي بصيغة البيع بنحو التورية بأن يريد بقوله بعت داري الاخبار عن بيع سابق لداره، أو يستعين ببعض الناس ممن يمكنهم دفع المكروه الذي توعده به الظالم أو نحو ذلك مما يتيسر له و يمكن به دفع الظلم، فالظاهر عدم صدق الإكراه مع ذلك، فإذا هو لم يفعل شيئا من هذه الأمور مع التفاته اليه و تمكنه منه و باع داره وقع البيع صحيحا لأنه غير مكره عليه كما ذكرناه.

المسألة 79:

إذا أكرهه الظالم الذي يخشى إضراره على بيع أحد شيئين يملكهما و جعل له الخيار في بيع أيهما شاء، فباع أحد الشيئين باختياره كان مكرها عليه و بطل بيعه، فإذا كان يملك سيارة لحاجاته أو لاكتسابه، و يملك دكانا للإجارة أو للعمل فيه، فأكرهه على بيع أحدهما، فباع السيارة أو الدكان و هو كاره لبيعهما بطل البيع لتحقق الإكراه، و تخييره في بيع أيهما شاء لا يرفع الإكراه، و إذا باع الثاني بعده لم يكن مكرها عليه فيصح البيع فيه، و إذا باعهما معا دفعة واحدة فالظاهر بطلان البيع فيهما جميعا.

المسألة 80:

إذا أكرهه على بيع عبده فباع العبد المكره عليه مع زوجته، أو باعه مع ولده، بطل البيع في العبد المكره عليه، و صح بيع الأمة زوجة العبد في المثال الأول و صح بيع ولد العبد في المثال الثاني لعدم الإكراه فيهما.

المسألة 81:

انما يكون الشي ء مكرها على بيعه إذا كان المالك كارها لبيعه و انما باعه مرغما لخوف الضرر الذي توعده به الظالم كما تقدم، فإذا أكرهه على بيع سيارته أو دكانه و خيره بينهما، و كان المالك كارها لبيع السيارة و غير كاره لبيع الدكان مثلا، و الظالم يرى انه كاره لبيعهما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 44

معا فالظاهر عدم تحقق الإكراه إذا باع أحدهما، أما الدكان فلانه غير كاره لبيعه كما هو المفروض، و اما السيارة، فلانه يمكنه التخلص من الضرر الذي توعد به المكره على بيعها بأن يبيع الدكان بدلا عنها و هو غير كاره لبيعه كما ذكرنا، فلا يصدق معه الإكراه على بيع السيارة و قد تقدم ذلك في المسألة الثامنة و السبعين و نتيجة لذلك فإذا باع أحدهما في الفرض المذكور صح البيع.

المسألة 82:

إذا أكره الظالم زيدا و عمرا على بيع مال أحدهما، و خيرهما في ذلك و توعدهما بالمكروه ان هما خالفا قوله و لم يبيعا جميعا، فإذا باع أحدهما ماله كان مكرها على فعله و وقع بيعه باطلا إلا إذا علم قبل بيعه بأن صاحبه الآخر مقدم على بيع ماله، فسبقه هو الى البيع، فإنه لا يكون مكرها على البيع في هذه الصورة.

و إذا باع أحد الرجلين ماله مكرها على النهج المتقدم، ثم باع صاحبه ماله بعده كان بيع الثاني صحيحا غير مكره عليه.

المسألة 83:

إذا باع الإنسان ماله مكرها على بيعه بطل بيعه كما ذكرناه، فإذا زال الإكراه بعد ذلك و أمن من وعيد الظالم و رضي بالبيع السابق الذي أوقعه صح البيع و كان لازما.

فبطلان بيع المكره انما هو كبطلان بيع الفضولي الذي سيأتي بيان حكمه في المسائل الآتي ذكرها، ان لحقته اجازة المالك و رضاه بعد زوال الإكراه صح و نفذ، و ان لم تلحقه الإجازة كان فاسدا.

بل يكفي في صحة البيع و نفوذه ان يجيزه المالك و يرضى به و ان كانت حالة الإكراه لا تزال موجودة و كان الظالم لا يزال مخشي الوعيد، و لكن المالك ترجح له أن يجيز البيع لأمور طارئة كما إذا أراد النزوح من ذلك البلد مثلا أو شبه ذلك من المرجحات الطارئة.

المسألة 84:

الخامس من الشروط ان يكون كل من البائع و المشتري جائز التصرف

كلمة التقوى، ج 4، ص: 45

في المال، و لذلك فلا بد و ان يكون هو المالك للمال أو يكون وكيلا عنه أو مأذونا من قبله أو وليا عليه، و إذا كان هو المالك فلا بد و ان يكون غير محجور عن التصرف فيه لطروء أحد أسباب الحجر، كما إذا كان عبدا مملوكا أو صغيرا أو سفيها أو مفلسا، فلا يصح بيع البائع و لا قبول المشتري إذا كان غير جائز التصرف و يسمونه عقد الفضولي و المراد بعدم الصحة فيه هو عدم النفوذ في العقد، فإذا لحقته الإجازة ممن بيده أمر التصرف شرعا صح البيع و نفذ و لزم، و ان لم تلحقه الإجازة منه كان فاسدا.

المسألة 85:

إذا باع الفضولي مال غيره، و لما بلغ ذلك صاحب المال رد البيع أولا ثم بدا له فأجاز البيع بعد الرد، فذهب المشهور من العلماء قدس اللّٰه أسرارهم إلى بطلان الإجازة و في الحكم ببطلان الإجازة و بطلان البيع اشكال، و لا بد من الاحتياط بالتخلص بالصلح في المال و في النماءات.

و إذا بلغ المالك بيع الفضولي لماله، فأجاز البيع أولا ثم بدا له فرد البيع بعد أجازته، فلا أثر للرد المتأخر بعد الإجازة، فيكون البيع صحيحا.

المسألة 86:

إذا منع صاحب المال الفضولي عن أن يبيع ماله، فباعه الفضولي بعد المنع، لم يختلف حكمه عما تقدم، فإذا علم المالك بالبيع و أجازه صح، و لم يؤثر المنع السابق شيئا.

المسألة 87:

إذا علم الفضولي ان صاحب المال يرضى ببيعه له، فباعه، لم يكف ذلك في صحة البيع و لم يختلف الحكم عما سبق، فلا يصح البيع الذي أوقعه إلا بالإجازة، و كذلك حكم المشتري فلا يجوز له التصرف في المال الا بعد الإجازة لبيع الفضولي أو لشراء الفضولي.

المسألة 88:

قد يقصد الفضولي حينما يبيع مال الغير انه يبيع المال لمالكه، فإذا أجاز المالك البيع صح كذلك، فيكون المبيع ملكا للمشتري و يكون

كلمة التقوى، ج 4، ص: 46

الثمن ملكا لصاحب المال عوضا عن ماله. و قد يقصد حينما يبيع المال انه يبيعه لنفسه، لأنه يعتقد انه هو مالك المال كما في الغاصب و شبهه، أو لأنه يبني على ذلك اما على توهم أو على تشريع، فإذا أجاز المالك البيع، صح البيع للمالك أيضا كما في الصورة الأولى و كان الثمن له لا للفضولي، لأنه بدل عن ماله، لا عن مال الفضولي. و كذلك الأمر في المشتري إذا كان هو الفضولي فاشترى بمال الغير، فلا يختلف حكمه عن البائع الفضولي، سواء اشترى للمالك أم لنفسه.

المسألة 89:

الإجازة هي اللفظ الدال على رضا المالك بالتصرف الذي أوقعه الفضولي في ماله و على إنفاذ تصرفه، و لذلك فيعتبر أن يكون اللفظ ظاهر الدلالة على ذلك بحسب متفاهم أهل المحاورة، كما إذا قال بعد اطلاعه على بيع الفضولي أمضيت البيع أو العقد أو أجزته، أو أنفذته، أو رضيت به و أمثال ذلك، و يكفي ان يدل على ذلك بالكناية كما إذا قال لمشتري المال بارك اللّٰه لك فيه، أو تصرف فيه كما تريد.

و يصح ان يدل على ذلك بالفعل الكاشف عن رضاه بالعقد، فإذا أخذ الثمن أو باعه أو أذن لأحد في بيعه أو أجاز العقد الذي أوقعه البائع عليه، أو وهبه لأحد، أو وفى به دينار أو دفعه صداقا كفى ذلك و كان اجازة منه للبيع.

و لا يكفي مجرد الرضا النفسي بالبيع ما لم يدل عليه بقول أو فعل.

المسألة 90:

إذا أجاز مالك المال البيع الفضولي صح البيع كما تقدم و كانت الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه كشفا انقلابيا، و المراد بالكشف الانقلابي أن عقد الفضولي قبل أن تتحقق الإجازة له من المالك لا يكون له أي أثر في نظر الشارع و لا تترتب عليه الملكية، و لكنه حينما تتحقق الإجازة له من مالك المال بعد ذلك تشمله أدلة نفوذ العقود و عمومات وجوب الوفاء بها فيكون موجبا للملكية الشرعية للمشتري من حين صدور العقد من الفضولي لا من حين وقوع الإجازة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 47

من المالك فان ذلك هو مضمون العقد الذي تعلقت به الإجازة، و إذا تحققت الملكية الشرعية بذلك للمشتري من حين وقوع العقد وجب ترتيب آثارها و أحكامها منذ ذلك الحين، فيكون المشتري هو المالك

الشرعي للنماءات التي تجددت للمبيع في هذه المدة، و يكون البائع و هو مالك المال هو المالك الشرعي للنماءات التي تجددت للثمن كذلك.

المسألة 91:

إذا اعتقد الرجل أنه ولي على مالك المال أو اعتقد أنه وكيل عنه فباع المال بالولاية أو الوكالة عنه، ثم علم بعد البيع انه أجنبي عن صاحب المال و ليس وليا عليه و لا وكيلا عنه كان فضوليا فإن أجاز مالك المال بيعه صح، و ان لم يجزه كان باطلا.

و إذا باع المال و هو يعتقد أنه فضولي لا صلة له بصاحب المال ثم علم بعد اجراء البيع أنه ولي على المالك أو انه وكيل عنه في بيع المال، فالأقوى صحة بيعه و لا حاجة في نفوذه إلى إجازة منه.

و إذا باع المال و هو يعتقد انه فضولي كذلك، ثم علم بعد ما أجرى البيع انه هو مالك المال، ففي صحة البيع اشكال، و لعل الأقوى في هذه الصورة توقف صحة البيع على أجازته نفسه بعد ما علم بأنه هو المالك.

المسألة 92:

إذا باع الرجل مال غيره بالعقد الفضولي و لم يجز المالك البيع، ثم اشترى البائع الفضولي المال من مالكه الأول، أو انتقل الى ملكه بهبة من المالك أو بصلح أو بغير ذلك من المعاملات الشرعية الأخرى، فلا يصح بيعه الذي أجراه على المال فضولا بذلك، بل يكون البيع باطلا، و لا يصح إذا أجازه البائع بعد ما ملكه.

و إذا باع المال فضولا، ثم انتقل المال الى ملكه بالإرث من مالكه الأول، فللصحة وجه، و خصوصا إذا أجاز البيع بعد ما ملك المال، و لا يترك الاحتياط بالمصالحة بينه و بين المشتري عن المال و عن النماء المتجدد.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 48

المسألة 93:

إذا باع الرجل مال غيره بالعقد الفضولي و لم يجز المالك البيع، ثم انتقل المال الى مالك آخر، جرى فيه التفصيل الآنف ذكره في المسألة المتقدمة، فإذا انتقل المال الى المالك الآخر بسبب اختياري كالبيع و الهبة و غيرهما من الأسباب الاختيارية الموجبة للملك، فالظاهر بطلان البيع الفضولي السابق، و لا تصححه اجازة المالك الجديد له إذا هو أجازه، و إذا انتقل المال الى المالك الجديد بالإرث من المالك الأول فللصحة وجه و خصوصا مع الإجازة، و لا يترك الاحتياط كما تقدم.

المسألة 94:

إذا باع الفضولي مال غيره و كان المالك حين العقد غير نافذ التصرف في المال لأحد الأسباب المانعة من جواز التصرف، كما إذا كان عبدا مملوكا أو صغيرا، أو مجنونا أو سفيها أو غير ذلك من الموانع، ثم ارتفع عنه المانع، فالظاهر صحة البيع إذا أجازه المالك بعد ارتفاع الحجر عنه.

المسألة 95:

لا ريب في ان المال المبيع لا يزال مملوكا لمالكه الأول، و لا يخرج عن ملكه إلا إذا تحققت أجازته للعقد الفضولي كما تقدم ذكر ذلك مرارا، ثم أن هاهنا صورا تجب مراعاتها لتطبيق بقية أحكام المال المذكور.

(الصورة الأولى): أن يكون المال المبيع لا يزال بيد مالكه، فلم يقبضه البائع الفضولي و لم يدفعه إلى المشتري، و لا إشكال في الحكم في هذه الصورة، فالبيع يكون باطلا، فان المفروض ان المالك لم يجز البيع، و المال لصاحبه، و هو بيده و لا حق فيه لأحد سواه.

(الصورة الثانية): أن يكون البائع الفضولي قد قبض المال المبيع من مالكه و لم يدفعه إلى المشتري، و لا ريب في انه يجوز لمالك المال ان يرجع على البائع الفضولي بماله فيأخذ منه عين ماله إذا كانت موجودة، و يرجع عليه ببدلها إذا كانت تالفة فيأخذ منه مثلها إذا كانت العين مثلية، و قيمتهما إذا كانت قيمية. و سيأتي بيان الميزان في ذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 49

(الصورة الثالثة): أن يكون البائع الفضولي قد قبض المال المبيع و دفعه الى المشتري، فإذا كانت عين المال لا تزال موجودة تخير المالك بين أن يطالب البائع الفضولي بردها اليه و أن يطالب بها المشتري و إذا كانت عين المال تالفة جاز له أن يرجع ببدلها من المثل أو القيمة على أيهما

شاء، و كذلك الحكم إذا تعددت الأيدي التي استولت على المال و تعاقبت، فللمالك أن يرجع بالبدل على أيهم أراد.

و إذا رجع المالك بالبدل على صاحب اليد السابقة على ماله كان لهذا أن يرجع بما غرمه للمالك على صاحب اليد اللاحقة، إذا لم يكن هذا اللاحق مغرورا من قبله، و إذا كان مغرورا منه لم يرجع عليه، و إذا رجع على صاحب اليد اللاحقة رجع هذا على لاحقه كذلك الى أن يستقر الضمان على من تلف عنده المال و إذا رجع المالك على صاحب اليد اللاحقة لم يرجع هذا على السابق عليه الا إذا كان السابق قد غره، فيرجع عليه.

و يجوز للمالك أن يرجع ببدل ماله على أصحاب الأيدي جميعهم بالتساوي أو بالتفاوت.

المسألة 96:

كما يجوز لمالك المال أن يرجع على البائع الفضولي إذا هو استولى على ماله، و على كل من استولت يده على المال، فله أن يأخذ عين ماله منه إذا كانت موجودة و له أن يأخذ منه مثلها أو قيمتها إذا كانت العين تالفة كما ذكرناه في المسألة المتقدمة. فكذلك الحكم في منافع ماله التي استوفيت في هذه المدة، فيجوز له أن يرجع بها على من استوفاها، و إذا تعددت الأيدي التي استولت على المال و تعاقبت كان للمالك الرجوع بعين المال أو ببدلها و بمنافعها المستوفاة على أيهم أراد على نهج ما سبق، و إذا رجع المالك على صاحب اليد السابقة منهم جاز لهذا أن يرجع على صاحب اليد من بعده بما غرمه للمالك، حتى يستقر الضمان على من استوفى المنفعة، إلا إذا كان اللاحق مغرورا من السابق، فإذا كان مغرورا منه فليس له الرجوع عليه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 50

و كذلك

الحكم في الزيادات العينية للمال، التي استولى عليها صاحب اليد بتبع استيلائه على العين كاللبن و الصوف و الوبر و الشعر و البيض و غير ذلك مما تكون له مالية في نظر أهل العرف، فهي مضمونة كذلك على صاحب اليد العادية.

و أما المنافع الفائتة غير المستوفاة ففي ضمانها اشكال، فلا يترك فيها الاحتياط.

المسألة 97:

إذا دفع المشتري الثمن أو بعضه إلى البائع الفضولي، و لم يجز المالك البيع، جاز للمشتري ان يأخذ عين ماله من البائع إذا كانت موجودة، سواء كان عالما بأن البائع فضولي باعه مال غيره أم كان جاهلا بذلك، و كذلك إذا تلفت عين الثمن و كان المشتري جاهلا مغرورا من البائع فيرجع عليه بمثل الثمن التالف إذا كان مثليا، و بقيمته إذا كان قيميا، و يشكل الحكم إذا كان المشتري عالما بالحال، و ان كان الأقوى ان له الرجوع على البائع بمثل الثمن أو قيمته حتى في هذه الصورة.

المسألة 98:

المشتري الفضولي كالبائع الفضولي في الأحكام، فإذا اشترى الإنسان بمال غيره فضولا، لم يصح منه الشراء إلا بإجازة مالك الثمن، فإن أجاز العقد صح، و الا كان لغوا لا أثر له، و جرت فيه جميع الأحكام و الفروض التي تقدم بيانها في البيع الفضولي و لا ضرورة لتكرارها.

المسألة 99:

المراد بالمثلي هو الجنس الذي تتساوى أجزاؤه في القيمة السوقية لأن أجزاءه تتقارب في الصفات و الخواص التي تكون موضعا للرغبة بين الناس في ذلك الجنس، كالحنطة، و الأرز، و الشعير، و السمسم، و العدس، و الماش، و سائر أنواع الحبوب، و الأدهان و العقاقير، و المراد بالقيمي ما يكون بخلاف ذلك من الأجناس، فلا تتساوى أجزاء

كلمة التقوى، ج 4، ص: 51

الجنس في القيمة السوقية، لأنها لا تتقارب في الصفات، كالغنم و البقر و الإبل، و الخيل و البغال و الحمير، و سائر أنواع الحيوان، و العبيد و الإماء، و الأشجار و النخيل و الأرض و الدور، و الجواهر الأصلية و أنواع المصوغات و المأكولات المعمولة.

و الظاهر أن من المثلي ما تنتجه المعامل و المصانع الحديثة من أدوات و آلات و أقمشة و أثاث، بل و أجهزة و وسائل تبريد و تدفئة و إنارة و أمثال ذلك إذا كانت من إخراج مصانع و معامل متماثلة الإخراج لتقاربها في الصفات المرغوبة و الموجبة لتساويها في القيمة، فهي مثلية، و ان كان ما تنتجه الأيدي و المعامل القديمة من أشباهه مما يعد من القيميات لعدم تساوي الأجزاء في الصفات، كالمنسوجات القديمة و البسط و الفرش.

المسألة 100:

إذا تلف الشي ء القيمي، فالمدار في الضمان على قيمته في يوم تلفه على الأقوى، لا على قيمته في زمان قبضه و لا في زمان الأداء.

المسألة 101:

إذا وضع الإنسان يده على مال لا يملكه هو و لا يملكه غيره أيضا، كالزكاة المعزولة قبل أن يدفعها الى المستحق، و كمال الوقف الذي جعله الواقف مصرفا يصرف في بعض الجهات العامة أو الخاصة أو على أن يصرف في مصلحة معينة أو غير معينة لشخص أو أشخاص، كبعض أوقاف الذرية التي توقف كذلك.

أقول: إذا وضع الإنسان يده على بعض هذه الأموال فاستولى عليها من غير حق، جاز لولي ذلك المال أن يرجع عليه بما أخذ، فينتزع المال منه إذا كان موجودا و يرجع عليه بمثله أو قيمته إذا كان تالفا على النهج الآنف ذكره في المسائل المتقدمة، و يرجع عليه كذلك بالمنافع التي استوفاها، و بالزيادات العينية التي استولى عليها باستيلائه على العين كما تقدم.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 52

المسألة 102:

إذا جمع الإنسان بين ما يملكه هو و ما يملكه غيره فباعهما معا صفقة واحدة، صح البيع في المال الذي يملكه هو بحصته من الثمن، و توقفت صحة البيع في مال غيره على اجازة مالكه، فان أجازه صح، و ان لم يجزه كان باطلا، و كان للمشتري خيار تبعض الصفقة، فيجوز له أن يفسخ البيع في ما يملكه البائع إذا أراد ذلك.

و كذلك الحكم إذا باع الإنسان مالا مشتركا بينه و بين غيره، و لم يجز الشريك البيع في حصته من ذلك المال، فيصح البيع في حصة البائع من المال بما يخصها من الثمن، و يبطل في حصة شريكه، ثم يكون للمشتري خيار تبعض الصفقة، فيجوز له فسخ البيع في حصة البائع نفسه.

المسألة 103:

إذا أريد معرفة ما يخص حصة البائع من الثمن و ما يخص حصة المالك الآخر منه في المسألة المتقدمة، قوم كل واحد من المالين على انفراده عند الثقات من أهل الخبرة تقويما صحيحا ثم نسبت كل واحدة من القيمتين على انفرادها الى مجموع القيمتين، فيكون للحصة الواحدة منهما من الثمن بنسبة قيمتها الى مجموع القيمتين.

و مثال ذلك أن يقوم الخبراء الموثوقون مال البائع خاصة بمائة دينار مثلا، و يقوموا مال المالك الآخر خاصة بمائتي دينار، فيكون مجموع القيمتين ثلاثمائة دينار، و نسبة المائة دينار و هي قيمة مال البائع خاصة إلى مجموع القيمتين هي الثلث منه، و نسبة المائتين و هي قيمة مال المالك الآخر الى مجموع القيمتين هي الثلثان منه، و نتيجة لذلك فتثبت لكل واحد من المالين تلك النسبة نفسها من الثمن.

فإذا كان الثمن الذي باع به جميع المال هو أربعمائة و خمسين دينارا كانت الحصة التي تخص مال البائع

من الثمن هي مائة و خمسين دينارا و هي ثلث الثمن، و كانت الحصة التي تخص مال المالك الآخر من الثمن هي ثلاثمائة دينار، و هي ثلثا الثمن.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 53

و إذا كان لاجتماع المالين دخل في زيادة القيمة و نقصها وجب أن يقوم كل واحد من المالين في حال انضمامه الى الآخر، ثم تنسب قيمة كل واحد من المالين الى مجموع قيمتيهما، و يؤخذ من الثمن بتلك النسبة.

فإذا باع الرجل داره و هي تحتوي على ما يصلح للسكنى الداخلية فقط، و ضم إليها بالبيع ملك رجل آخر تكمل به منفعة الدار لأنه يشتمل على ما يصلح لمجلس الرجال و استقرار الضيوف منهم، أو لأنه يحتوي على حديقة منزلية و ملعب للأطفال مما تزيد به قيمة الدار و قيمة الحديقة معا، و شبه ذلك، فلمعرفة نصيب المالين من الثمن يجب اتباع الطريق الآنف ذكره.

المسألة 104:

إذا كانت دار أو أرض أو بستان مشتركة بين مالكين على السواء، فباع أحد الشريكين نصف الدار أو الأرض أو البستان، فظاهر العقد أن المراد بيع نصفه الذي يملكه من المبيع فيحمل عليه و ينفذ بيعه، و إذا دلت القرائن الخاصة على أن المراد بيع النصف الذي يملكه شريكه كان من البيع الفضولي فلا ينفذ الا مع اجازة الشريك، و إذا دلت القرائن على ان المراد بيع النصف مما يملكه هو و مما يملكه شريكه، صح البيع في نصف حصته خاصة و كان في نصف حصة شريكه من الفضولي فتتوقف صحته فيه على الإجازة.

المسألة 105:

يجوز لأب الصبي غير البالغ و لجدة أبي أبيه أن يتصرفا في ماله بالبيع و الشراء و الإجارة و الصلح و المضاربة و أمثال ذلك من المعاملات في ماله و ينفذ تصرفهما فيه، إذا لم تكن في تصرفهما فيه مفسدة، و يستثنى من ذلك صورة واحدة، و هي ما إذا كان في تصرفهما تفريط في مصلحة الصغير فلا ينفذ التصرف منهما في هذه الصورة.

و مثال ذلك أن يضطر الأب أو الجد الى بيع مال الصغير، فلا يجوز لهما في هذه الحال أن يبيعا ماله بثمن المثل إذا أمكن لهما أن يبيعاه بأكثر من ثمن المثل، و لا يجوز لهما أن يبيعاه بأكثر من ثمن المثل بدرهم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 54

مثلا إذا أمكن لهما بيعه بأكثر من ثمن المثل بدرهمين، و لو في مكان آخر أو في وقت آخر أو عند دلال آخر أو بمراجعة مشتر آخر، إذا عد ذلك تسامحا في مصلحة الصغير و تفريطا فيها في نظر أهل العرف.

المسألة 106:

الأب و الجد أبو الأب و ان ارتفع بواسطتين أو أكثر وليان شرعيان على الصغير و على التصرف في ماله كما تقدم، و كل واحد منهما ولي مستقل في ولايته سواء وجد معه الآخر أم لم يوجد و سواء أذن له الآخر في التصرف أم لا، و لا يشترط في ولايتهما على الصغير أن يكون الأب و الجد عدلا، و لا يشترط في صحة تصرفهما في ماله وجود مصلحة في التصرف، بل يكفي عدم المفسدة، عدا الصورة التي تقدم ذكرها في المسألة المتقدمة.

المسألة 107:

لا تختص ولاية الأب و الجد أبى الأب على الصغير بماله فقط، بل لهما الولاية كذلك عليه نفسه، فلهما ان يؤجراه للعمل أو للخدمة أو يجعلاه أجيرا في معمل أو دكان مدة معينة، و لهما أن يزوجاه و يتوليا عقد النكاح له، سواء كان ذكرا أم أنثى، و كذلك في سائر شؤونه، و يستثنى من ذلك الطلاق، فليس لهما ان يطلقا زوجته المعقودة له بالنكاح الدائم، و لا يطلقها الا هو بعد بلوغه و رشده، و هل يجوز للأب أو الجد أن يتوليا فسخ عقد النكاح عنه إذا حصل أحد أسبابه، فيه اشكال، و لا بد في ذلك من مراعاة الاحتياط، و كذلك الاشكال و لزوم مراعاة الاحتياط في أن يهبا مدة النكاح المنقطع لزوجته المتمتع بها.

المسألة 108:

لا ولاية لأحد من الأقارب على مال الصغير و لا في شي ء من شؤونه لغير الأب و الجد للأب، سواء كان أما أم جدا لأم، أم أخا كبيرا أم عما، أم غيرهم، و إذا تصرف أحد هؤلاء في مال الطفل، أو في نفسه، فباع أو اشترى أو آجر أو عقد له عقد نكاح لم يصح ذلك و كان فضوليا،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 55

لا يصح الا بإجازة وليه الشرعي أو اجازة الصغير نفسه بعد بلوغه و رشده، إذا لم يرد العقد، على ما تقدم في أحكام العقد الفضولي.

المسألة 109:

يجوز للأب و للجد أبى الأب أن ينصب قيما على الصغير بعد وفاته، فيكون القيم المنصوب من أحدهما وليا شرعيا عند اجتماع الشرائط فيه، و تنفذ منه جميع التصرفات التي كانت تنفذ من الأب و الجد نفسهما في مال الصغير و في شؤونه، فيجوز للقيم اجراء المعاملات في مال الطفل من بيع و شراء و صلح و مضاربة و غيرها على نهج ما سبق في ولاية الأب و الجد، و يصح له أن يؤجر الطفل نفسه للعمل أو للخدمة أو لغيرهما على حسب ما تقدم هناك، و يصح له أن يزوج الطفل إذا نص الموصى على ذلك في وصيته اليه.

و يشترط في القيم الذي يجعله الأب أو الجد على الطفل أن يكون رشيدا، و أن يكون أمينا، بل يشترط فيه أن يكون عدلا على الأحوط.

و هل يصح أن ينصب الأب قيما على ولده الصغير من بعده، مع وجود الجد أبى الأب، أو ينصب الجد قيما على أطفال ابنه بعد موته هو مع وجود أبيهم، فيه اشكال، و الأحوط عدم نصب القيم من أحدهما مع وجود الآخر منهما.

المسألة 110:

يشترط وجود المصلحة في تصرف القيم الموصى إليه من الأب أو الجد، و لا يكفي عدم المفسدة كما في ولاية الأب و الجد نفسهما.

و الميزان في كون تصرف الولي مشتملا على المصلحة كما هو الشرط هنا، أن يكون كذلك في نظر العقلاء من الناس، و لا يكفي أن يعتقد الولي نفسه بوجود المصلحة إذا كان العقلاء يجدونه مخالفا لذلك فلا يصح تصرفه في هذه الصورة.

و إذا اعتقد هو وجود المصلحة في تصرفه، فتصرف كما يعتقد، ثم استبان أن اعتقاده مطابق للواقع كان تصرفه صحيحا، و ان كان مخالفا

لنظر العقلاء حين التصرف.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 56

المسألة 111:

إذا لم يكن للصغير أب، و لا جد لأب، و لا وصي قيم عليه من أحدهما، فالولاية عليه في التصرف في أمواله و اجراء المعاملات فيها، للحاكم الشرعي، و هو الفقيه العادل، و التصرف منوط برأيه، من جهة لزوم مراعاة المصلحة في ذلك و عدمه، و الأحوط استحبابا أن يقتصر في ذلك على ما يكون في تركه الضرر و الفساد.

المسألة 112:

إذا فقد الحاكم الشرعي أو تعذر الرجوع إليه في أمر أموال الصغير، يرجع في ذلك الى العدول من المؤمنين، فيجوز لهم التصرف في أموال الطفل و اجراء المعاملات فيها، و الأحوط لزوما أن يقتصر في ذلك على ما إذا لزم الضرر من ترك التصرف، كما إذا خيف التلف على مال الطفل، فيجوز للمؤمن العادل بيع العادل حذرا من ذلك.

و إذا تعذر وجود العدول المؤمنين في هذه الحالة رجع الى الثقات منهم.

المسألة 113:

يجوز للمكلف الدخول الى دار الأيتام القاصرين بإذن الولي أو القيم المنصوب عليهم و عند تعذر الاستيذان منه، إذا كان في الدخول إليهم و الجلوس على فراشهم و الأكل من طعامهم مصلحة لهم، و ان لم يدفع عن ذلك عوضا.

و إذا احتاج هو الى ذلك، و لا مصلحة لهم في دخوله عليهم و أكله من طعامهم و لا ضرر عليهم بذلك و لم يتمكن من استيذان الولي، فالأحوط له ان يعوضهم عن ذلك بالقيمة، و الأحوط تركه.

المسألة 114:

قد تعرضنا في كتاب الحجر الى بيان الحكم في الولاية على أموال السفيه و المجنون، و التصرف فيها، فليرجع إليها من أراد الاطلاع على ذلك في تعليقنا على كتاب الحجر من وسيلة النجاة، للفقيه المعظم السيد أبي الحسن الأصبهاني قدس اللّٰه سره.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 57

الفصل الرابع في شروط العوضين
المسألة 115:

العوضان هما الشيئان اللذان يقع التبديل بينهما في عقد البيع، فينتقل كل واحد منهما بعد تمامية البيع الى موضع الآخر و يكون بدلا عنه، أحدهما ما ينقله البائع إلى المشتري بالعوض، و هو المبيع، و الثاني ما يدفعه المشتري بدلا عن المبيع، و هو الثمن، و يشترط في العوضين عدة أمور، و بعض هذه الأمور مما يشترط في المبيع، و بعضها مما يشترط في الثمن، و بعضها مما يشترط فيهما، كما سيأتي بيانه.

المسألة 116:

يشترط في المبيع أن يكون عينا، سواء كان عينا خارجية، كما إذا باعه هذه الدار المعينة، أو هذا الحيوان الخاص، أو هذه السيارة المشخصة، أم كان عينا في الذمة، كما إذا باعه منا من الحنطة في ذمته هو، أو باعه منا من الحنطة يملكه في ذمة شخص آخر قد اشتغلت له ذمته به، و سواء كانت العين الخارجية في الفرض الأول شيئا مشخصا كالأمثلة المتقدمة، أو كانت كليا في المعين كما إذا باعه منا من هذه الصبرة المشاهدة، أو كسرا مشاعا من هذا الشي ء الخارجي، كما إذا باعه نصفا من هذه الدار، أو ثلثا من هذه السفينة، و نحو ذلك، فيصح البيع في جميع هذه الصور.

و يراد بالعين التي ذكرناها شرطا في المبيع ما يقابل المنفعة كسكنى الدار و إجارتها، و ركوب السيارة أو السفينة و امتلاك منفعتهما مدة معينة، و ما يقابل العمل كخياطة الثوب، و بناء المنزل، و كتابة الكتاب، و ما يقابل الحق كحق الخيار، و الاختصاص و التحجير، فلا يصح بيع هذه الأشياء و أشباهها لأنها ليست أعيانا.

المسألة 117:

يجوز في الثمن أن يكون عينا خارجية أو ذمية كما تقدم في المبيع، و يجوز أن يكون منفعة معلومة كما إذا باعه المتاع المعين بسكنى الدار

كلمة التقوى، ج 4، ص: 58

يوما أو يومين مثلا أو بركوب السيارة و إيصاله إلى البلد المعين، و يجوز أن يكون عملا خاصا تكون له مالية في نظر أهل العرف كما إذا باعه الشي ء المعلوم بكتابة هذا الكتاب أو بالإتيان بالعمل المعين ثمنا له.

و يجوز كذلك أن يكون الثمن حقا من الحقوق القابلة للنقل و الانتقال و التي تعد من الأموال في نظر أهل العرف كحق التحجير

و حق الاختصاص، فيصح ان يجعل أحدهما ثمنا لمبيع، و لا يصح ذلك إذا كان الحق غير قابل للنقل، و ان كان قابلا للإسقاط كحق الخيار، فإنه لا ينتقل لغير ذي الخيار، و لا ينتقل إلا بالإرث لوارث ذي الخيار، و كحق الشفعة، فإنه لا ينتقل لغير الشريك، و إذا لم يصح نقله لم يمكن جعله ثمنا كما هو واضح.

نعم يجوز أن يجعل إسقاط الحق المذكور ثمنا للمبيع، فإن إسقاط الحق عمل من الأعمال، فيصح ان يكون ثمنا، كما ذكرنا في أول المسألة.

المسألة 118:

يشترط في المبيع أن يكون مما يعد مالا في نظر أهل العرف، و قد ذكرنا ان المدار في ذلك هو كون الشي ء مما يكثر له الطلب من العقلاء و تتحقق الرغبة و التنافس في اقتنائه و بذل المال في الحصول عليه، لأنه يشتمل على بعض الخصائص و الفوائد التي يرغبون فيها أو يحتاجون إليها سواء كانت الخصائص و المشتهيات مما تتحقق في غالب الأحوال و الأوقات المعتادة أم كانت مما لا تتحقق إلا في حالات الحاجة و الاضطرار، و قد ذكرنا هذا في المسألة السابعة عشرة.

و نتيجة لذلك فلا يصح البيع إذا كان المبيع مما لا يعد مالا، كبعض الحشرات، و الخبائث و السقطات التي لا فائدة في الحصول عليها و لا رغبة للناس في اقتنائها.

المسألة 119:

إذا ثبت للإنسان شي ء من الحقوق في شي ء من الأشياء، و كان الحق قابلا للإسقاط، كحق الخيار، و حق الشفعة، و حق الرهانة، و حق

كلمة التقوى، ج 4، ص: 59

الجناية، و حق الزوجة في قسمتها من ليالي الزوج، جاز للآخر أن يدفع له شيئا من المال ليرفع يده عن حقه الثابت له شرعا في ذلك الشي ء، و ليس ذلك من البيع، بل يكون من المصالحة على إسقاط الحق أو من التعويض عنه، و ان لم يكن الحق قابلا للنقل أو لم يكن قابلا للانتقال، كما ذكرنا في حق الخيار و حق الشفعة.

المسألة 120:

يشترط في كل واحد من العوضين: المبيع و الثمن أن يكون معين المقدار عند المعاملة فلا يكون بيعه و لا شراؤه موجبا للغرر، فإذا كان الشي ء مما يتعارف تقديره عند المعاملة بالكيل أو بالوزن أو بالعد، أو بحساب المساحة، وجب أن يعتبر بما يتعارف تقديره به بين الناس في معاملاتهم على الخصوص، و لا يكفي عنه غيره، فلا يكتفى بكيل الموزون أو المعدود، و لا بوزن المكيل أو المعدود و لا بعد الموزون أو المكيل و هكذا.

نعم يصح أن يكال ما يتعارف فيه التقدير بالعدد، ثم يعد ما في أحد المكاييل و يحسب الباقي بحسابه إذا كان التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه عند أهل العرف، و يصح ان يكال ما يتعارف فيه التقدير بالوزن ثم يوزن ما في أحد المكاييل و يحسب الباقي بحسابه كذلك إذا كان التفاوت مما يتسامح به عرفا، و هو ليس من تقدير المعدود أو الموزون بالكيل و انما هو من جعل الكيل طريقا لمعرفة العدد أو الوزن، و تقدير الأول انما كان بالعدد و تقدير الثاني انما

كان بالوزن، و كذلك إذا جعل الوزن طريقا لتقدير الكيل في المكيل و العدد في المعدود على النهج المتقدم.

المسألة 121:

تكفي المشاهدة في بيع بعض الأشياء، حيث تعارف بيعها بالمشاهدة كذلك، كالثمر حينما يباع و هو على الشجر، فإنه يكتفى في تقديره بالمشاهدة، و كالحطب حينما يباع و هو محمول على الدابة أو في السيارة التي تنقل الحمولة، و كالثياب المخيطة و بعض الفرش و الحصر،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 60

و كالحيوان المذبوح قبل أن يسلخ عنه جلده، فان هذه الأمور مما تعارف بيعها بالمشاهدة، و لا يجري فيها التقدير بالكيل أو الوزن أو غيرهما من وسائل التقدير في المبيع.

المسألة 122:

قد تختلف الحال في بعض الأشياء، فيكون في بعض حالاته مما يتعارف فيه التقدير بالمشاهدة كبعض الأمور التي ذكرناها في المسألة المتقدمة، و يكون في بعض الحالات الأخرى مما يحتاج في تقديره الى الوزن أو الكيل، فالحطب في حال حمله على الدابة أو في السيارة مما يكتفى في تقديره بالمشاهدة، فيباع كذلك، و إذا وضع في الدكان أو المخزن احتاج في تقديره الى الوزن كالخشب أو الى تقديره بالحزم التي تشتمل كل حزمة على مقدار معين من سعف النخيل و نحوه، و كثمر الشجر و تمر النخيل فإذا بيع و هو على الشجر أو على النخيل اكتفى في تقديره بالمشاهدة، و إذا جذ منها كان تقديره بالوزن، و كالحيوان المذبوح، فان بيعه قبل أن يسلخ عنه جلده يكون بالمشاهدة، فإذا سلخ عنه الجلد كان من الموزون فلا يباع الا بالوزن.

و الاعتبار يكون على الحال التي يكون المبيع عليها حين البيع فإذا كان في الحالات الأولى صح بيعه بالمشاهدة و إذا كان في الحالات الأخرى لم تكف المشاهدة في بيعه و احتاج الى تقديره بالوزن أو الكيل حسب ما يتعارف فيه في تلك الحال.

المسألة 123:

إذا اختلفت البلاد في تقدير الشي ء، فكان مما يتعارف تقديره بالوزن في بلد و مما يتعارف تقديره بالكيل في بلد آخر أو كان من الموزون في بلد و من المعدود في بلد آخر، فالمدار على البلد الذي تقع فيه المعاملة، فيجب وزنه إذا كان المتعارف في بلد المعاملة ذلك، و ان كان مكيلا أو معدودا في بلد البائع أو في بلد المشتري.

و يشكل جواز البيع بالتقدير الآخر إذا كان غير متعارف في بلد المعاملة، نعم يصح ذلك إذا أوقع المعاملة صلحا لا

بيعا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 61

المسألة 124:

إذا كان الشي ء مما يكتفي العقلاء و أهل العرف في بيعه بالمشاهدة صح بيعه كذلك كما في بيع الدور و بعض الفرش، و ان كان تقديره بمعرفة مقدار الطول و العرض و المساحة أبلغ في رفع الغرر في المعاملة، و الأحوط استحبابا تقديره بذلك.

المسألة 125:

يجوز للمشتري أن يعتمد في معرفة مقدار الشي ء الذي يشتريه على اخبار البائع بقدره سواء كان البائع عدلا أم لا إذا هو ائتمنه على ذلك، و الأحوط اعتبار حصول الاطمئنان للمشتري بصدق قوله، فيصح له ان يشتري الشي ء اعتمادا على ما أخبر به البائع سواء كان المبيع موزونا أم مكيلا أم معدودا.

و إذا تبين نقص المبيع في المقدار عما قاله البائع، بطل البيع بالنسبة إلى المقدار الناقص، فيجب على البائع أن يرد على المشتري ثمن تلك النقيصة، و يكون للمشتري حق الخيار في الباقي، فيجوز له أن يفسخ البيع و يرد عليه البائع جميع الثمن، و يجوز له أن يمضي البيع في الباقي، و يرد عليه البائع ثمن النقيصة وحدها كما ذكرناه.

و إذا تبينت زيادة المقدار عما أخبر به البائع كان الزائد للبائع، و كان للمشتري الخيار بين أن يفسخ البيع فيرد البائع عليه الثمن، و بين أن يمضي البيع بالمقدار الذي وقع عليه العقد بتمام الثمن.

المسألة 126:

إذا كان من المتعارف في السوق أن تشتمل الطاقة أو الطول من الأقمشة و الثياب المنسوجة على عدد معين من الأذرع أو الأمتار، جاز للبائع و للمشتري ان يعتمدا في بيعها و شرائها على هذا الأمر المتعارف، إذا حصل لهما الاطمئنان بذلك، و يصح البيع و الشراء إذا لم يتبين الخلاف و إذا تبينت النقيصة أو الزيادة في المبيع، جرى فيها الحكم السابق في المسألة المتقدمة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 62

المسألة 127:

يشترط في كل واحد من العوضين معرفة جنسه و معرفة أوصافه التي يوجب اختلافها اختلاف القيمة و الرغبة في ذلك الشي ء كالطعم و اللون و الجودة و الرداءة و أمثال ذلك من الصفات التي تكون محطا لأنظار الراغبين في ذلك الشي ء، فلا بد من معرفة ذلك اما بالمشاهدة حين البيع، و اما بالوصف الرافع للجهالة.

و لا يكتفى بالرؤية السابقة للشي ء إذا كانت العادة تقتضي أن يتغير الشي ء عن صفاته السابقة، و إذا شك في انه قد تغير عن صفاته الأولى التي رآها سابقا أو لم يتغير، جاز له أن يكتفي بالرؤية السابقة لأصالة بقاء الصفات الأولى، الا أن تقوم امارة تدل على خلاف ذلك.

المسألة 128:

يشترط في كل واحد من العوضين أن يكون مملوكا لصاحبه الذي يراد نقله عنه، و هذا الشرط هو الواقع في غالب البيوع التي تجري بين الناس، و قد يكتفى عنه شرعا بما ينزله الشارع منزلة الملك في ذلك في بعض الموارد فيحكم بصحة بيعه، كمن يشتري بسهم سبيل اللّٰه من مال الزكاة دارا أو عينا أخرى لتبقى في سهم سبيل اللّٰه كذلك و يكثر الانتفاع بها في هذا السبيل، كما ذكرناه في المسألة الستين، فلا يكون المبيع و لا الثمن في هذه الصورة ملكا و لكنه بمنزلة الملك شرعا و كما إذا باع ولي الزكاة بعض أعيانها ليشتري به علفا لأنعام الزكاة و هو كسابقه بمنزلة الملك شرعا فلا يجوز بيع مالا يكون مملوكا و لا بمنزلة المملوك، كما إذا باع السمك أو الطير أو الوحش قبل اصطياده و امتلاكه و كما إذا باع العشب و الكلاء و الماء قبل حيازته، و كما إذا باع الأرض الموات قبل إحيائها، و يصح

بعد الحيازة و التملك، فإذا حفر بئرا أو فجر عينا أو شق نهرا فجرى فيها الماء و ملكه جاز له بيعه.

المسألة 129:

يجوز للمالك الراهن أن يبيع عينه المرهونة إذا كان البيع باذن الشخص الذي ارتهنها، و إذا باعها الراهن من غير اذنه ثم فك الرهن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 63

صح بيعه كذلك و لم يفتقر إلى اجازة و لا الى تجديد عقد البيع، و إذا باعها من غير اذن المرتهن و لم يفك الرهن جرى في البيع حكم الفضولي، فإن أجاز المرتهن البيع صح و ان لم يجزه كان باطلا.

المسألة 130:

لا يجوز بيع الوقف و لا تصح المعاوضة عليه الا في مواضع.

(الموضع الأول): أن يخرب الوقف بحيث لا تبقى له أي منفعة يمكن استيفاؤها مع بقاء عينه، و قد شاع بين الفقهاء التمثيل لهذه الصورة بالحيوان الموقوف إذا ذبح، و بالجذع الموقوف إذا بلي، و بالحصير الموقوف إذا تخرق و تمزق، فإن منفعة الوقف في هذه الأمثلة تنحصر بإتلاف عينه، و لذلك فيبطل وقفه و يصح بيعه و المعاوضة عليه.

(الموضع الثاني): أن يخرب الوقف بحيث تذهب جميع منافعه المعتد بها بين الناس، و ان بقيت له منفعة يسيرة ملحقة بالمعدوم في نظر أهل العرف، و مثال ذلك ما إذا انهدمت الدار الموقوفة أو خرب البستان الموقوف، و جف ماؤه و ماتت أشجاره، و لم تبق من الدار أو البستان سوى عرصة فارغة يمكن إجارتها لبعض الغايات بقليل من الدراهم.

و الحكم في هذه الصورة كذلك هو بطلان الوقف و صحة بيع العين الموقوفة و المعاوضة عليها.

(الموضع الثالث): أن يعلم بأن بقاء الوقف يؤدي الى خرابه و ذهاب منفعته أصلا، كما في الصورة الأولى، أو يعلم بأن بقاءه يؤدي الى ذهاب منافعه المعتد بها بحيث لا تبقى له الا منفعة قليلة تلحق بالمعدوم كما في الصورة الثانية،

أو يظن ظنا عقلائيا يعتمد عليه العقلاء في ما بينهم بأن بقاء الوقف يؤدي الى ذلك.

و الحكم في هذه الصورة هو جواز بيع الوقف كذلك، و لكن لا بد من تأخير البيع فيها الى آخر الأزمنة التي يمكن فيها بقاء الوقف و استيفاء منافعه.

(الموضع الرابع): أن يلاحظ الواقف في أصل وقفه عنوانا خاصا في العين الموقوفة، يجعله قواما لوقفها و مناطا لاستيفاء منفعتها،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 64

و مثال ذلك أن يلاحظ الواقف في العين الموقوفة أن تكون حماما مثلا أو تكون بستانا أو شبه ذلك من العناوين و تكون هي المدار في الوقف و في الانتفاع به، و لذلك فإذا زال العنوان الملحوظ قواما بطل وقف العين، و صح بيعها و المعاوضة عليها، و ان كانت لها منافع أخرى يمكن أن تستوفى مع زوال ذلك العنوان.

(الموضع الخامس): أن يشترط الواقف في أصل وقفه بيع العين الموقوفة عند حدوث طارئ معين، كقلة منفعة الوقف، أو حاجة الموقوف عليهم أو غير ذلك من الطواري، بحيث يكون وقفه منوطا بعدم حدوث ذلك الأمر، فإذا طرأ ذلك الشي ء بطل الوقف و صح بيع العين.

المسألة 131:

لا يجري الاستثناء المذكور في المساجد، فلا يجوز بيع المسجد و ان خرب و ذهبت منافعه و بقي عرصة فارغة.

نعم يجري الاستثناء في انقاض بناء المسجد و أجزائه إذا انهدم، فإذا أمكن الانتفاع بعين هذه الانقاض و الأجزاء في المسجد نفسه وجب ذلك و تعين، و إذا لم يمكن ذلك، و أمكن الانتفاع بعينها في مسجد آخر تعين ذلك و لم يجز بيعها، و إذا لم يمكن الانتفاع بها كذلك جاز بيعها و المعاوضة، و وجب صرف ثمنها في حاجات المسجد نفسه على الأحوط،

و إذا استغنى المسجد عن ذلك صرف الثمن في حاجات غيره من المساجد.

المسألة 132:

إذا جاز بيع الوقف لبعض المسوغات الآنف ذكرها فالمرجع في بيعه و المعاوضة عليه هو الحاكم الشرعي، سواء كان من الأوقاف العامة أم كان وقفا على اقامة بعض الشعائر أم كان وقفا على ائمة المسلمين أم على جهة من الجهات كقراءة القرآن أو الصلاة و غيرها.

و إذا كان وقفا على اشخاص معينين كالوقف على الذرية، فالأحوط في هذا أن يرجع في بيعه الى كل من الحاكم الشرعي و الموقوف عليهم.

المسألة 133:

إذا باع الوقف لبعض المسوغات المتقدم ذكرها، فالأحوط لزوما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 65

ان يشتري بثمنه ملكا و يقفه على نهج الوقف الأول المبيع، و إذا خرب بعض الوقف جاز بيع ذلك البعض و صرف ثمنه في إصلاح البعض العامر منه، و إذا خرب الوقف كله، حتى ذهبت منافعه و أمكن أن يباع بعضه و يعمر الباقي بثمنه فالأحوط لزوما الاقتصار على ذلك، فيباع البعض منه و يعمر بثمنه الباقي، و لا يصار الى بيع الجميع.

المسألة 134:

لا يجوز بيع الأمة المملوكة إذا كانت أم ولد لمالكها، سواء وضعت ولدها منه أم كان حملا في بطنها، و سواء كان ذكرا أم أنثى، و واحدا أم متعددا، و كما لا يجوز بيعها، فكذلك لا يجوز نقلها عن ملكه الى غيره بهبة أو صلح أو غيرهما من النوافل الشرعية.

و انما يمنع من بيعها و نقلها الى ملك غيره إذا كان ولدها من السيد موجودا، فإذا مات ولدها و لم يبق له ولد منها و ان كان حملا جاز بيعها.

و للمسألة مستثنيات ذكرها العلماء و أطالوا البحث في تحقيقها، و حسبنا الإشارة بهذا المقدار، فالمسألة نادرة الوقوع و الابتلاء بها في غاية القلة.

المسألة 135:

الأرض الخراجية هي الأرض التي فتحها المسلمون، و أخذوها بالقوة من أيدي الكفار، و كانت عامرة حين الفتح، و هي ملك للمسلمين كافة، يشترك فيه من وجد منهم بالفعل و من يوجد منهم في المستقبل، و لذلك فلا يجوز بيعها، و ان كانت فيها آثار مملوكة لمن يريد بيعها، من بناء أو نخيل أو شجر، أو غير ذلك.

بل و لا يجوز التصرف فيها، إلا بالإذن، فإذا كانت في سلطان من يدعي الخلافة على المسلمين أو يحكم في أمورهم العامة باسم الإسلام، فيكفي الاستئذان منه في القيام بأمر هذه الأرض فيستأجرها أو يتقبلها منه، و يقوم بزرعها و تعميرها، و يدفع اليه خراجها ليصرف في مصالح المسلمين، و إذا لم يوجد ذلك السلطان، استأذن في ذلك من الحاكم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 66

الشرعي و تولى أمرها و دفع إليه أجرتها أو الضريبة التي يجعلها عليه لتصرف في مصالح المسلمين.

المسألة 136:

إذا كانت الأرض عامرة حين الفتح، ثم ماتت بعد ذلك، فالظاهر انها لا تزال ملكا للمسلمين على النهج الآنف ذكره، و لا تكون بسبب موتها من الأنفال و لا تملك بالاحياء، بل يجري فيها الحكم المتقدم في المسألة السابقة.

المسألة 137:

إذا كانت الأرض ميتة في زمان الفتح، فهي من الأنفال، و هي ملك لإمام المسلمين (ع)، و إذا أحياها أحد ملكها بإحيائه و صحت له جميع التصرفات فيها، سواء كان المحيي لها مسلما أم كافرا.

المسألة 138:

و إذا كانت الأرض معمورة و هي ليست من الأرض الخراجية التي تقدم ذكرها، ثم خربت بعد عمارتها، فان كان لها مالك، و قد ملكها بالإرث من مالكها الأول أو بالشراء منه أو بأحد الأسباب الناقلة للملك، فهي لا تزال ملكا لصاحبها و لوارثه من بعده، و لا تكون بخرابها من الأنفال.

و إذا كانت في أصلها من الأنفال التي تقدم ذكرها في المسألة المائة و السابعة و الثلاثين و تملكها صاحبها بالاحياء، ثم تركها حتى أصبحت بعد العمارة خرابا عادت بذلك من الأنفال، و جرت عليها أحكامها، فيجوز للآخرين تملكها بالإحياء.

المسألة 139:

إذا شك في أرض انها كانت معمورة في حال الفتح، فتكون من الأرض الخراجية، أو كانت ميتة في حين الفتح فتكون من الأنفال، بني على انها ميتة في ذلك الحال، و لذلك فيجوز تملكها بالأسباب الشرعية إذا كانت محياة بالفعل، و يجوز إحياؤها إذا كانت ميتة بالفعل، و يجوز التصرف فيها بعد التملك و لو بالاحياء فيصح له بيعها و شراؤها و سائر التصرفات التي تصح في الملك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 67

المسألة 140:

يشترط على الأحوط لزوما في كل واحد من العوضين أن يكون تسليمه مقدورا، فلا يصح بيع مالا يقدر على تسليمه، و قد شاع التمثيل لذلك بما إذا باع جمله الشارد منه في البادية أو طيره الطائر منه في الجو أو سمكته المنطلقة منه في الماء، فلا يكون بيعها صحيحا لعدم قدرته على تسليمها للمشتري سواء كان البائع أو المشتري عالما بذلك حين البيع أم جاهلا به.

نعم إذا كان الجمل أو الطير أو السمكة مما اعتاد على الرجوع بعد انطلاقه لم يحكم ببطلان بيعه حتى ييأس من عودته.

المسألة 141:

يكفي في تحقق هذا الشرط أن يكون المشتري قادرا على قبض المبيع فيصح البيع بذلك و ان لم يكن البائع بنفسه قادرا على تسليمه، فإذا باعه الجمل الشارد أو الطير الطائر أو السمكة المرسلة في الماء و كان المشتري قادرا على الاستيلاء عليه صح البيع، و كذلك إذا كان المشتري غير قادر على تسليم الثمن و كان البائع قادرا على قبضه و الاستيلاء عليه فيصح البيع.

و إذا باعه عينا مغصوبة لا يقدر على أخذها من الغاصب، و كان المشتري قادرا على ذلك صح البيع و إذا باع العين المغصوبة على الغاصب نفسه صح بيعه عليه و ان كان البائع لا يقدر على أخذ العين من الغاصب ثم دفعها إليه.

المسألة 142:

سيأتي في فصل بيع الحيوان أن الرجل لا يملك أباه و لا أمه إذا كانا عبدين، و لا يملك أحدا من أجداده و جداته و ان ارتفع عنه بأكثر من واسطة، و لا أحدا من أولاده أو بناته و ان نزل عنه بواسطة أو أكثر، و لا احدى محارمه من النساء اللاتي يحرمن عليه في النكاح، و إذا ملك أحد هؤلاء ببيع أو إرث أو بغيرهما من الأسباب المملكة انعتق عليه قهرا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 68

و نتيجة لما ذكر، فإذا باع البائع على المشتري أحد المماليك المذكورين الذين ينعتقون عليه بمجرد البيع صح بيعه و انعتق عليه، و ان كان البائع غير قادر على تسليمه إياه لأن المشتري لا يستحق ذلك شرعا.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 4، ص: 68

المسألة 143:

إذا باع الرجل مالا يقدر على تسليمه بالفعل للمشتري، و لكنه يعلم بأنه يقدر على تسليمه له بعد ذلك، فالظاهر صحة البيع في هذه الصورة، سواء كانت المدة التي لا يستطيع تسليم المبيع فيها قصيرة أم طويلة، و إذا كان المشتري عالما بذلك من أول الأمر صح البيع و ان طالت المدة، و لا خيار للمشتري، و إذا كان جاهلا بالأمر صح البيع كذلك، و يثبت للمشتري خيار الفسخ مع طول المدة.

و هذا كله إذا كانت المدة التي لا يستطيع البائع فيها تسليم المبيع مضبوطة المقدار، و اما إذا كانت المدة غير مضبوطة فالظاهر بطلان البيع.

المسألة 144:

المدار في هذا الشرط على تحققه في واقع الأمر و عدم تحققه، و لا اثر لاعتقاد البائع أو المشتري، فإذا اعتقد البائع انه قادر على تسليم المبيع، فباعه، ثم ظهر له بعد البيع انه غير قادر على التسليم كان البيع باطلا، و إذا اعتقد انه عاجز عن تسليمه و باعه، ثم ظهر له بعد ذلك انه غير عاجز عن تسليمه فالظاهر صحة البيع.

المسألة 145:

إذا كان البائع هو مالك المال نفسه، فالمدار في وجود هذا الشرط على قدرته هو على تسليم المبيع، فيصح البيع مع وجودها و يبطل مع عدمها، و كذلك إذا كان البائع وليا على مال الصغير أو المجنون، فالمدار على قدرة البائع الولي على التسليم.

و كذلك إذا كان البائع وكيلا عن المالك في إجراء الصيغة، فالمدار على قدرة المالك نفسه، و لا اعتبار بقدرة الوكيل، نعم إذا كان وكيلا في إجراء المعاملة كعامل المضاربة و نحوه، فالمدار يكون على قدرة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 69

الوكيل أو المالك، فإذا تحققت القدرة من أحدهما على تسليم المبيع صح البيع، و ان عجز كلاهما عن تسليمه بطل البيع.

المسألة 146:

إذا أبق العبد المملوك من سيده أو أبقت الأمة المملوكة من سيدها، لم يجز للسيد ان يبيعهما منفردين، و يجوز البيع إذا ضم الى الآبق منهما ضميمة ذات قيمة معتد بها، و انما يصح بيع الآبق مع الضميمة إذا كان مما يرجى عوده، و إذا يئس من عودته فالظاهر عدم صحة بيعه حتى مع الضميمة.

الفصل الخامس في الخيارات
المسألة 147:

الخيار حق مجعول من قبل الشارع أو من قبل المتعاقدين، يتسلط بموجبه صاحب الحق المذكور على فسخ العقد الذي أوقعه المتبايعان بينهما، فله أن يختار حل العقد و رفع مضمونه.

و للخيار أقسام كثيرة، و المذكور في هذا الفصل هو المشهور الشائع منها.

(الأول: خيار المجلس):
المسألة 148:

إذا وقع البيع بين المتبايعين، سواء حصل بعقد لفظي أم بمعاطاة، كان لكل من البائع و المشتري حق الخيار ما داما في مجلس العقد، فيجوز لأي منهما فسخ العقد الذي حصل بينهما، و حل مضمونه ما لم يفترقا، فإذا هما افترقا و لم يفسخا لزم البيع و سقط الخيار.

المسألة 149:

المراد بالمجلس هو الموضع الذي أجريا فيه العقد، فقد يكون مجلسا كانا مجتمعين فيه و قد يكون غيره كما إذا كانا واقفين في سوق أو غيره، و كما إذا كانا سائرين معا الى مكان، و قد لا يكونان في موضع واحد كما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 70

إذا أجريا البيع بينهما بوسيلة الهاتف و كل واحد منهما في موضعه من السوق أو من المدينة أو في مدينتين.

و افتراقهما الذي يلزم به البيع و يسقط الخيار هو ما يصدق معه الافتراق بينهما عرفا، فقد يتحقق بمفارقة أحدهما الآخر، و قد يكون بانقطاع الاتصال الهاتفي بينهما بعد أن يتم البيع، و قد يكون بشي ء آخر، و إذا فارقا المجلس و هما مصطحبان، أو أوقعا معاملة البيع و هما مصطحبان في سيارة أو وسيلة نقل أخرى، بقي الخيار لهما حتى يحصل الافتراق.

المسألة 150:

إذا وكل المالك غيره في إجراء صيغة البيع عنه أو في قبول الشراء له، فخيار المجلس يثبت للمالك الأصيل لا للوكيل في الإيجاب أو في القبول، فليس للوكيل ان يفسخ البيع بالوكالة عن المالك، و الخيار الثابت للمالك في هذه الصورة يثبت له ما دام وكيله الذي أجرى عنه الصيغة مجتمعا مع صاحبه الذي أجرى معه العقد، و قبل افتراقهما، فإذا افترقا سقط حق المالك من الخيار.

و إذا وكل المالك غيره في معاملة البيع و تولي جميع شؤونها، كان لهذا الوكيل حق الفسخ بخيار المجلس بالوكالة عن المالك، و كذلك الحكم في وكيل المشتري إذا وكله على جميع المعاملة، و قد عرفت ان خيار المجلس لهما يثبت ما دام اجتماع المباشرين للعقد، و لا اثر لاجتماع المالكين.

المسألة 151:

يجوز لأحد المتبايعين أن يشترط على صاحبه سقوط خيار المجلس له، فإذا اشترط عليه ذلك في عقد البيع و قبل الآخر ذلك سقط خياره، و كذلك إذا اشترط كل منهما ذلك على الآخر، فيسقط خيارهما معا.

و يجوز لأحدهما أن يسقط خياره بعد العقد باختياره، و يجوز ذلك لكليهما فيسقط خيارهما معا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 71

المسألة 152:

لا يثبت خيار المجلس في غير البيع من العقود و المعاوضات، فلا يكون لأحد المتعاقدين بغير البيع خيار قبل الافتراق و لا بعده إلا إذا ثبت بسبب آخر.

(الثاني خيار الحيوان):
المسألة 153:

إذا اشترى أحد حيوانا كان للمشتري الخيار في فسخ العقد من حين وقوع البيع عليه إلى مدة ثلاثة أيام تامة، سواء كان الحيوان الذي اشتراه إنسانا أم غيره من أنواع الحيوان، فإذا كان العقد في أول النهار، فمدة الخيار من أول ذلك اليوم الى آخر اليوم الثالث، و دخلت الليلتان المتوسطتان في مدة الخيار، و إذا وقع العقد في أثناء النهار، فمبدأ مدة الخيار من ذلك الوقت الذي وقع فيه العقد الى مثل تلك الساعة من اليوم الرابع، و دخلت الليالي الثلاث المتوسطة في مدة الخيار كذلك، و إذا وقع العقد في أول الليلة أو في أثنائها لم تعد ساعات تلك الليلة من مدة الخيار بل تكون المدة من أول النهار الأول إلى آخر النهار الثالث.

المسألة 154:

الظاهر عدم اختصاص خيار الحيوان بالمشتري، فيثبت كذلك للبائع إذا كان الثمن الذي انتقل اليه بالبيع حيوانا، و تجري فيه أحكامه.

المسألة 155:

يسقط خيار الحيوان إذا اشترط البائع في ضمن العقد على مشتري الحيوان سقوط خياره. و قبل المشتري بذلك، و كذلك الحكم إذا اشترط المشتري ذلك على البائع حينما يكون الثمن حيوانا، و يسقط كذلك إذا اختار صاحب الخيار فأسقط حقه بعد العقد باختياره.

و يسقط كذلك إذا تصرف صاحب الخيار في الحيوان الذي انتقل اليه تصرفا يدل على انه قد أمضى البيع و اختار عدم فسخه، و لا يكفي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 72

مطلق التصرف كما إذا علف الدابة أو سقاها أو ركبها ليجرب سيرها، و كما إذا أطعم العبد أو استخدمه في بعض الحاجات.

المسألة 156:

لا يثبت خيار الحيوان في غير البيع من المعاوضات و العقود، فإذا آجر الإنسان داره من أحد ليسكنها و جعل عوض إجارتها حيوانا، لم يثبت للمؤجر خيار الفسخ، و كذلك إذا ملكه الحيوان بصلح أو هبة معوضة، أو جعل الحيوان عوضا عن شي ء آخر في الصلح أو الهبة أو في غيرهما من المعاوضات.

المسألة 157:

إذا تلف الحيوان المبيع قبل قبضه فهو من مال البائع، و كذلك إذا تلف بعد القبض في زمان خيار الحيوان الذي يثبت للمشتري، فيكون تلفه في هذه المدة من مال البائع، فإذا كان البائع قد قبض ثمن الحيوان وجب عليه رده الى المشتري في الصورتين.

المسألة 158:

إذا حدث في الحيوان عيب، و لم يكن ذلك بتفريط من المشتري لم يمنع ذلك من أن يأخذ المشتري بخياره، فيجوز له فسخ البيع ورد الحيوان إذا شاء.

(الثالث من أقسام الخيار: خيار الشرط)
المسألة 159:

المراد بخيار الشرط: أن يشترط البائع أو المشتري لنفسه خيار فسخ العقد في مدة خاصة يعينها، فيقبل الآخر بذلك، و يكون الشرط المذكور و القبول به في ضمن العقد الواقع بينهما، أو يشترط الجانبان خيار فسخ العقد لكل واحد منهما على النحو المتقدم ذكره، أو يشترط أحدهما أو كلاهما خيار الفسخ لشخص ثالث غيرهما فيتم الاتفاق و القبول على ذلك، و يتم الشرط و يثبت الخيار لمن يجعل له الخيار في المدة المعينة حسب ما يتفقان.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 73

المسألة 160:

لا يصح خيار الشرط إذا لم تكن له مدة خاصة، و لا بد من ان يعين مبدأ المدة و يحدد أمدها، و يجوز أن تجعل المدة قصيرة أو طويلة كما يريد المتعاقدان، و يجوز أن تكون المدة متصلة بالعقد أو منفصلة عنه، فيصح أن يشترط البائع مثلا أن له الخيار في الفسخ و الإمضاء من حين العقد إلى مدة شهر، فتكون المدة متصلة بالعقد، و يصح لهما أن يوقعا العقد في شهر رجب مثلا، و يشترط أحدهما أن له الفسخ في شهر رمضان، فتكون المدة منفصلة عن العقد، و لا يجوز ان يجعل مدة الخيار غير محدودة، أو يجعلها قابلة للزيادة و النقصان، و يشكل أن يجعل مدة الخيار له ما دام العمر.

المسألة 161:

إذا اشترط البائع أو المشتري الخيار لنفسه مدة شهر كامل و لم يعين ذلك، فالظاهر ان المراد الشهر المتصل بالعقد، و كذلك إذا جعل المدة أسبوعا أو عشرين يوما أو شهرين، فالظاهر هو ذلك، فيكون له الخيار من حين العقد الى آخر المدة التي ذكرها.

و إذا اشترط ان له الخيار في شهر من الشهور بحيث تردد المراد بين جميع الشهور و لم يحصل التعيين فالظاهر البطلان، الا ان تقوم قرينة على ان المراد ان له الخيار في كل واحد من تلك الشهور أو أن له الفسخ على رأس أي شهر منها.

المسألة 162:

لا يختص خيار الشرط بعقد البيع، بل يصح جريانه في العقود اللازمة كعقد الإجازة و عقد المزارعة، و المساقاة و الصلح، نعم: الظاهر عدم جريانه في الصلح الذي تكون فائدته إبراء الذمة أو إسقاط الدعوى، و لا يصح جريانه في عقد النكاح، و يشكل جريانه في الضمان، و في الهبة اللازمة، و في الصدقة.

و لا يصح اشتراطه في العقود الجائزة كالعارية و الوديعة و المضاربة، و لا يصح اشتراطه في الإيقاعات كالطلاق و العتق و نحوهما.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 74

المسألة 163:

يجوز للبائع أن يشترط لنفسه الاستشارة في أمر الفسخ و عدمه، فيشترط على المشتري في ضمن العقد ان له أن يستشير فلانا في فسخ العقد، فان رجح له الفسخ فسخه، و ان رجح له إمضاءه أمضاه، فينفذ الشرط المذكور، و لا بد من ان يعين لذلك مدة محددة كما تقدم. فإذا هو استشار صاحبه في الأمر، و رجح له إمضاء العقد، وجب عليه إمضاؤه و الالتزام به، و إذا رجح له الفسخ، كان له الخيار في أن يفسخ العقد أو يمضيه، و لا يتعين عليه الفسخ و لا يجوز له أن يفسخ العقد إذا لم يستشر صاحبه، و لا يجوز له الفسخ إذا استشاره فلم يشر عليه بشي ء أو أشار عليه بإمضاء العقد كما ذكرناه.

و كذلك الحكم في المشتري فيجوز له ان يشترط لنفسه ذلك و يجري فيه التفصيل الآنف ذكره، و يجوز أيضا للمتبايعين معا فيشترط كل واحد منهما على الآخر فإذا رضيا بذلك نفذ الشرط لكل منهما و جرت عليه أحكامه على النهج المذكور.

المسألة 164:

يجوز للإنسان أن يبيع داره المعلومة أو بستانه المعلوم بثمن معين و يشترط في ضمن العقد على المشتري انه إذا رد الثمن عليه أورد بدله إذا كان تالفا في المدة المعلومة بينهما يكون له الخيار في ان يفسخ العقد و يرد المبيع، و يسمى ذلك ببيع الخيار، فإذا أجريت الصيغة على ذلك و تم القبول، صح البيع، و نفذ الشرط و ترتبت أحكامه.

فإذا هو رد الثمن أو رد بدله مع تلفه على المشتري في المدة المعينة بينهما، جاز له فسخ البيع كما اشترط، و إذا انقضت مدة الخيار و لم يرد البائع الثمن أو بدله إذا كان تالفا، سقط

خياره و كان البيع لازما.

و لا يصح الفسخ من البائع إذا فسخ قبل أن يرد الثمن أو بدله، و ان كان فسخه في المدة المعينة، و لا يصح منه الفسخ إذا فسخ قبل حلول المدة المعينة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 75

المسألة 165:

يجوز للبائع بعد أن يرد الثمن على المشتري في الوقت المعين أو يرد بدله، ان ينشئ الفسخ بعد ذلك، فيقول: فسخت البيع أو فسخت العقد، أو رددته، و يجوز له أن ينشئ الفسخ بنفس الفعل، و هو رد الثمن فيقصد بالرد الخارجي الحاصل منه إنشاء الفسخ و يكون ذلك من الفسخ بالفعل لا بالقول.

المسألة 166:

رد الثمن الذي يصح للبائع معه أن يفسخ البيع، هو أن يحضره للمشتري بنفسه أو يحضر له بدله إذا كان تالفا، و يمكنه من قبضه و الاستيلاء عليه تمكينا تاما، بحيث لا يبقى من قبل البائع أي مانع للمشتري عن قبضه، فإذا أحضره لديه و مكنه من قبضه كذلك، فقد حصل الرد و جاز للبائع ان يفسخ البيع إذا كان ذلك في الوقت المعين للخيار، و ان امتنع المشتري عن القبض باختياره، فلا يكون ذلك مضرا بصدق الرد، و تحقق الحكم.

المسألة 167:

قد يشترط البائع على المشتري ان له خيار الفسخ في جميع المبيع، إذا هو رد الثمن كله في المدة المعينة بينهما، و قد يشترط عليه أن له خيار الفسخ في المبيع بمقدار ما يرده من الثمن، فإذا هو رد الجميع جاز له الفسخ في جميع المبيع، و إذا هو رد نصف الثمن مثلا أو ثلثه جاز له أن يفسخ بمقدار ما يرد، فإذا اشترط عليه شيئا من ذلك نفذ الشرط على حسب ما عين.

المسألة 168:

إذا وقع البيع الخياري بين البائع و المشتري على الوجه المتقدم بيانه، كان المشتري مالكا للمبيع من حين صدور العقد، فتكون جميع نماءاته و فوائده التي تحصل له منذ ذلك الوقت و التي تتجدد له في مدة الخيار ملكا للمشتري، و كان البائع مالكا للثمن فتكون نماءاته و فوائده منذ ذلك الوقت ملكا له كذلك، فإذا رد الثمن بعد ذلك و فسخ البيع، فلا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 76

يرد مع الثمن نماءاته التي تجددت في مدة الخيار فإنها ملك للبائع و لا حق فيها للمشتري، و لا يرد مع المبيع نماءاته في تلك المدة، فإنها ملك للمشتري و لا حق فيها للبائع.

المسألة 169:

إذا كان للمشتري وكيل خاص يتولى التصرف عنه في تلك المعاملة الخاصة أو كان له وكيل عام يتولى التصرف عنه في مطلق معاملاته، صح للبائع أن يرد الثمن عليه، فإذا دفع الثمن اليه أو مكنه من قبضه و الاستيلاء عليه تمكينا تاما، تحقق الرد و ترتب عليه جواز فسخ البيع كما ذكرنا في المسألة المائة و السادسة و الستين، سواء كان المشتري حاضرا أم غائبا.

و إذا كان المشتري غائبا لا يمكن الوصول اليه، و لم يكن له وكيل خاص و لا عام يتولى القبض عنه، أو كان مجنونا، كفى البائع ان يرد الثمن على وليه، فان لم يكن له ولي خاص رجع في ذلك الى الحاكم الشرعي أو الى وكيله إذا كانت وكالته مطلقة، فإذا رد عليه الثمن جاز له فسخ البيع، إلا إذا كان الشرط المأخوذ في ضمن العقد أن يرد الثمن على المشتري بنفسه و ان يوصل الثمن بيده، فلا يكفي الوصول الى غيره.

المسألة 170:

الأحوط لزوما أن لا يتصرف المشتري في المبيع قبل انتهاء مدة الخيار تصرفا ينقل به العين الى ملك غيره، فلا يصح له بيعها و لا هبتها، و لا المصالحة عليها صلحا مملكا للعين على الأحوط في جميع ذلك.

المسألة 171:

إذا تلف المبيع في مدة الخيار كان ضمانه على المشتري، و لكن تلفه لا يوجب سقوط حق البائع من الخيار الذي اشترطه في العقد، فإذا هو رد الثمن على المشتري في المدة المعينة جاز له فسخ البيع، فإذا فسخه رجع على المشتري بمثل العين التالفة إذا كانت مثلية، و بقيمتها إذا كانت قيمية.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 77

المسألة 172:

الثمن الذي تجري عليه المعاملة الخاصة بين البائع و المشتري، قد يكون عينا خاصة بيد المشتري فيجعلها ثمنا للمبيع و يحصل الاتفاق بينه و بين البائع على ذلك و يدفعها اليه ثمنا، و رد الثمن في هذه الصورة انما يكون برد تلك العين الخاصة التي قبضها من المشتري إذا كانت موجودة، فإذا ردها البائع إلى المشتري في الوقت المعين ثبت له خيار الفسخ.

و إذا تلفت العين المذكورة، فالظاهر عدم تحقق رد الثمن، إلا إذا علم من القرائن ان المراد من رد الثمن المذكور في الشرط، ما يعم رد العين إذا كانت موجودة، و يعم رد بدلها إذا كانت تالفة، فإذا رد البدل ثبت له الخيار.

و قد يكون الثمن الذي تجري عليه المعاملة بينهما شيئا كليا يستحقه البائع في ذمة المشتري، و إذا تم العقد بينهما دفع المشتري الى البائع فردا خاصا من الكلي و جعله وفاء عما في ذمته.

و يحصل رد الثمن في هذه الصورة بأن يرد البائع إلى المشتري نفس الفرد الخاص الذي دفعه إليه في المعاملة و جعله وفاء لما في ذمته، فإذا أرجعه إليه جاز له الفسخ.

و الظاهر انه يكفي في حصول الرد أيضا أن يدفع الى المشتري فردا آخر من أفراد الكلي المستحق في ذمته إذا كان الثمن من النقود، و لا يكفي

في الرد أن يدفع اليه فردا آخر منها إذا كان الثمن من غير النقود و قد يكون الثمن الذي تجري عليه المعاملة بين البائع و المشتري شيئا كليا في ذمة البائع نفسه و مثال ذلك أن يكون الرجل مدينا لصاحبه بمبلغ من المال، فيبيع داره على صاحبه بالمبلغ الذي يستحقه صاحبه في ذمته من المال.

و يحصل رد الثمن بأن يدفع الى المشتري فردا مما كان في ذمته.

المسألة 173:

يجوز لولي الطفل أو المجنون أو غيرهما من الأشخاص المحجور عليهم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 78

أن يشتري لهم ببعض أموالهم بالبيع الخياري، و تصح المعاملة مع توفر شروط الصحة فيها، و يتولى الولي شؤون المعاملة ما دام الطفل أو المجنون محجورا عليهما.

فإذا اشترط البائع لنفسه خيار فسخ المعاملة إذا هو رد الثمن، كان له ذلك، و يكون رد الثمن على الولي لا على المولى عليه، و إذا بلغ الطفل الحلم و أفاق المجنون من جنونه و ارتفعت عنهما الولاية توليا بأنفسهما بقية شؤون المعاملة، فيكون رد الثمن عليهما لا على الولي، و يكون فسخ العقد معهما و جميع ذلك واضح.

المسألة 174:

إذا تولى الأب أو الجد أبو الأب المعاملة عن الطفل فاشترى له بماله ببيع الخيار صحت المعاملة كما تقدم، و إذا اشترط البائع لنفسه الخيار إذا رد الثمن، كان له ذلك، و الظاهر ان له رد الثمن على أي الوليين شاء، و يكون له الخيار و ان كان رده على الولي الذي لم يباشر الشراء، إلا إذا اشترط الرد عليه بالخصوص.

المسألة 175:

إذا ثبت للبائع خيار الشرط، ثم مات، انتقل هذا الخيار الى ورثته من بعده، فيجوز لهم أن يردوا الثمن على المشتري في المدة المعينة، و إذا أرادوا رد الثمن وزع عليهم على حسب حصصهم من الميراث فيرد كل واحد منهم مقدار ما يصيبه من الميراث، و إذا هم ردوا الثمن على المشتري كذلك، جاز لهم فسخ العقد، و إذا فسخوا العقد رجع إليهم المبيع على حسب حصصهم من الميراث.

المسألة 176:

إذا اشترط البائع لنفسه الخيار إذا هو رد الثمن على المشتري، ثم مات المشتري قبل ان يرد البائع عليه الثمن، كان للبائع ان يرد الثمن على ورثة المشتري، ثم يأخذ بالخيار كما اشترط لنفسه.

المسألة 177:

لا يختص خيار الشرط بالبائع، فيصح للمشتري أن يشترط لنفسه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 79

خيار الفسخ إذا هو رد المثمن إلى البائع في مدة معينة و يثبت له الخيار إذا تحقق الشرط.

و الظاهر ان المراد برد المثمن هو رد العين نفسها، فلا يكفي رد بدلها، إلا إذا علم من القرائن ان المراد رد العين مع وجودها و رد بدلها مع تلفها، فيكون ذلك هو المتبع.

و يجوز لكل من المتبايعين أن يشترطا لكل منهما الخيار إذا رد الى صاحبه ما انتقل اليه بالبيع منه و المتبع في جميع ذلك هو ما يتفقان عليه من الشرط في ضمن العقد.

المسألة 178:

يسقط خيار الشرط إذا انقضت المدة المضروبة و لم يرد البائع فيها الثمن على المشتري، فلا يكون له حق الخيار لعدم تحقق الشرط.

و كذلك إذا انقضت المدة و لم يرد المشتري المثمن على البائع إذا كان المشتري هو الذي شرط لنفسه الخيار.

و يسقط الخيار كذلك إذا أسقطه صاحب الحق باختياره بعد العقد.

(الرابع من أقسام الخيار، خيار الغبن).
المسألة 179:

إذا باع الإنسان سلعته بأقل من ثمن مثلها، و هو يجهل مقدار قيمة السلعة المتعارفة لها في السوق، كان له حق خيار فسخ العقد، إذا كان التفاوت في القيمة مما لا يتسامح به عند أهل العرف، و كذلك إذا اشترى الإنسان المتاع بأكثر من ثمنه بما لا يتسامح به و هو يجهل ذلك و يسمى هذا الحق خيار الغبن، و لا يثبت له هذا الخيار إذا كان عالما بالحال.

المسألة 180:

قد يبيع الإنسان حاجته بأقل من ثمن مثلها، و لا يعد في نظر أهل العرف مغبونا في بيعه، كما إذا باع الحاجة و اشترط لنفسه الخيار إذا هو رد الثمن في مدة معينة، فإنه لا يعد في هذه المعاملة مغبونا في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 80

نظر أهل العرف، لتعارف البيع بأقل من ثمن المثل في البيع الخياري.

و لا يثبت خيار الغبن للبائع أو المشتري في غير البيع الخياري، إذا كان التفاوت في القيمة يسيرا لا يعتد به لقلته، و المدار في ثبوت الحكم أن يكون مقدار التفاوت بين القيمتين مما لا يتسامح به عند أهل العرف فإذا اشترى الأرض بمائة ألف دينار أو أكثر من ذلك، و كان مقدار الغبن في الثمن خمسة آلاف دينار، فان هذا المقدار من التفاوت مما لا يتسامح به عند أهل العرف، فيثبت للمغبون به حق الخيار و يجوز له فسخ البيع و ان كان نصف عشر الثمن أو أقل منه.

المسألة 181:

لا يحق للمغبون أن يطالب الغابن بمقدار التفاوت بين القيمتين و يترك الفسخ، بل يتخير بين أن يفسخ البيع و يمضيه بتمام الثمن الذي وقع عليه البيع، و لا يجب عليه القبول إذا بذل الغابن له مقدار التفاوت.

نعم يجوز للغابن و المغبون أن يتصالحا على إسقاط حق الخيار بمقدار من المال، فإذا تصالحا على ذلك سقط الخيار و لزم الغابن أن يدفع للمغبون المال الذي صالحه به، سواء كان بمقدار التفاوت أم أقل من ذلك أم أكثر.

المسألة 182:

يثبت الخيار للمغبون من حين العقد الصادر بينهما، لا من حين ظهور الغبن له، و نتيجة لذلك فإذا فسخ المغبون العقد قبل أن يظهر الغبن و صادف ذلك وجود الغبن من حين صدور العقد انفسخ العقد من حين اعمال الخيار.

المسألة 183:

لا تجب المبادرة على المغبون في الأخذ بخيار الغبن، و لا يسقط حق الخيار إذا هو أخر إنشاء الفسخ، و ان كان عالما عامدا في تأخيره، كما إذا كان منتظرا لحضور الغابن، أو كان منتظرا لحضور من يستشيره في فسخ العقد، أو لغير ذلك من الأغراض العقلائية في التأخير، و كذلك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 81

إذا كان جاهلا بالغبن، أو جاهلا بثبوت حق الخيار للمغبون، أو كان ناسيا لذلك أو غافلا عنه فلا يسقط حقه من الخيار بذلك، فيجوز له أن يفسخ العقد بعد علمه و التفاته، و كذلك إذا بنى في أول الأمر على إمضاء العقد، ثم بدا له بعد ذلك أن يفسخ العقد، فيجوز له ذلك و لا يسقط حقه من الخيار، نعم ليس له التأخير عامدا بحيث يؤدي الى الضرر أو الحرج على الغابن من غير غرض صحيح.

المسألة 184:

إذا ثبت الغبن للبائع أو للمشتري في حال صدور العقد فكان التفاوت بين القيمتين مما لا يتسامح به عرفا كما ذكرنا في ما تقدم، ثم زادت قيمة المبيع بعد ذلك حتى زال الغبن، و خصوصا إذا كان ذلك قبل اطلاع المغبون على النقصان حال العقد، أشكل الحكم بالخيار، فلا يترك الاحتياط في هذه الصورة بعدم اعمال الخيار أو بالمصالحة بين المتبايعين.

المسألة 185:

يسقط خيار الغبن إذا أسقطه المغبون بعد العقد، سواء كان إسقاطه له قبل ظهور الغبن له أم بعد ظهوره له، و سواء كان إسقاطه للخيار على نحو التفصيل و بعد ما علم بمقدار الغبن أم كان على سبيل الاجمال كما إذا قال أسقطت حقي من الخيار سواء كان مقدار الغبن قليلا أم كثيرا.

المسألة 186:

إذا أسقط المغبون خياره و هو يعتقد ان مقدار التفاوت بين القيمتين قليل فظهر له بعد ذلك ان التفاوت كثير لم يشمله الاسقاط، و مثال ذلك ان يسقط حقه من الخيار و هو يحسب ان التفاوت بين القيمتين بمقدار عشرة، فاستبان له بعد ذلك ان التفاوت بمائة، فالظاهر عدم السقوط بذلك.

و على سبيل الإجمال إذا تردد الأمر في عبارة المغبون التي أسقط بها خيار الغبن بين الأقل و الأكثر أخذ فيها بالأقل، فلا يسقط الخيار

كلمة التقوى، ج 4، ص: 82

إذا كان التفاوت أكثر من ذلك، إلا إذا علم أو قامت قرينة عرفية تدل على ارادة ذلك.

و كذلك الحكم إذا صالح الغابن المغبون عن حقه بمال، فأسقط بذلك حقه من الخيار، فيجري فيه القول المتقدم على التفصيل الذي ذكرناه في الأقل و الأكثر.

المسألة 187:

الثاني من مسقطات خيار الغبن أن يشترط الغابن على المغبون سقوط حقه من الخيار في متن العقد، و يجري في هذا المسقط كل ما ذكرناه في المسقط الأول، فلا يسقط الخيار إذا كان الفرق بين القيمتين كبيرا، الا مع العلم أو القرينة التي تدل على السقوط مطلقا.

المسألة 188:

الثالث من مسقطات خيار الغبن، أن يتصرف المغبون في العين التي انتقلت اليه تصرفا يدل على التزامه بالعقد الذي صدر بينهما و إسقاطه للخيار، سواء كان المغبون هو البائع أم المشتري، و سواء كان تصرفه في العين التي انتقلت اليه بعد علمه بالغبن الذي حصل له فيها أم كان قبل علمه بذلك، إذا كان التصرف كاشفا في نظر العقلاء، و أهل العرف عن التزامه بالعقد و عن إسقاطه للخيار على فرض كونه مغبونا.

و لا يسقط الخيار بتصرف المغبون في العين إذا لم يكن التصرف دالا على التزامه بالعقد و إسقاطه للخيار.

المسألة 189:

إذا ثبت للبائع المغبون حق الخيار، فأخذ بحقه و فسخ البيع، فان وجد المبيع عند المشتري باقيا على حاله، استرد المبيع منه. و ان وجده تالفا عند المشتري رجع عليه بمثله إذا كان المبيع مثليا، و بقيمته إذا كان قيميا، سواء كان تلفه بفعل المشتري نفسه أم بغير فعله، و قد ذكرنا الفارق بين المثلي و القيمي في المسألة التاسعة و التسعين، فليلاحظ ذلك.

و ان رأى في المبيع عيبا قد حدث عند المشتري، بفعله أو بآفة سماوية

كلمة التقوى، ج 4، ص: 83

أخذ المبيع، و أخذ معه أرش العيب، و سيأتي بيان المراد من العيب و بيان كيفية أخذ الأرش، في مبحث خيار العيب.

و ان وجد المشتري قد أخرج المبيع عن ملكه، فأعتق العبد المبيع مثلا أو وقف البستان المبيع أو نقل العين المبيعة إلى ملك غيره ببيع أو صلح أو هبة لازمة أو بعقد آخر لازم كان المبيع بحكم التالف، فيرجع البائع المغبون على المشتري بالمثل إذا كان المبيع مثليا و بقيمته إذا كان قيميا.

و كذلك الحكم إذا وجد المشتري قد اخرج المبيع

عن ملكه بعقد غير لازم، كما إذا وجده قد باع المبيع بخيار أو وهبه هبة غير لازمة، فإذا فسخ المغبون بخياره رجع على المشتري الغابن بالمثل أو القيمة، و ليس له إلزام الغابن بفسخ الهبة التي وهبها أو البيع الخياري الذي وقع منه، بل و لا يجب على الغابن رد العين الى المغبون إذا اتفق رجوعها الى الغابن بفسخ أو إقالة أو شراء جديد أو ميراث بعد دفعه البدل الى المغبون كما في النقل اللازم سواء بسواء.

نعم إذا رجعت العين الى الغابن قبل أن يدفع البدل الى المغبون وجب عليه ان يردها الى المغبون، و أولى من ذلك إذا رجعت العين اليه قبل فسخ المغبون.

المسألة 190:

إذا أراد البائع المغبون فسخ عقد البيع، فوجد المشتري قد آجر الدار مثلا على غيره، اجارة لازمة أو جائزة، لم تكن الإجارة مانعة للبائع عن فسخ العقد، و إذا هو فسخ البيع لم تنفسخ الإجارة بذلك، بل ترجع العين إلى البائع المغبون بعد فسخه مسلوبة المنفعة، و على المشتري أن يرد العين الى المغبون، و ان يدفع اليه معها أرش النقصان الحاصل للعين من جهة كونها مسلوبة المنفعة مدة الإجارة، فتقوم العين مرة بوصف كونها ذات منفعة في تلك المدة، و تقوم بوصف كونها مسلوبة المنفعة في تلك المدة مرة أخرى، و يرجع المغبون على المشتري بالعين و بالتفاوت ما بين القيمتين.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 84

المسألة 191:

إذا أخذ البائع المغبون بحقه من الخيار ففسخ عقد البيع، و كان المبيع موجودا في يد المشتري، و لكنه قد تصرف في العين تصرفا مغيرا لها، فهنا صور مختلفة تجب ملاحظتها، لتطبيق أحكامها.

(الصورة الأولى): أن يكون المشتري قد تصرف في عين المبيع تصرفا أوجب نقيصتها، و قد تقدم منا في المسألة المائة و التاسعة و الثمانين:

ان البائع المغبون إذا وجد في المبيع عيبا، حدث عند المشتري بفعله أو بآفة سماوية أخذ عين المبيع من المشتري، و أخذ معها أرش النقيصة.

و إذا كانت النقيصة التي حدثت في المبيع، نقص صفة كمال يوجب فقدها اختلافا في القيمة، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة عليها بين الغابن و المغبون.

المسألة 192:

الصورة الثانية ان يكون المشتري قد تصرف في المبيع تصرفا أوجب الزيادة فيه و تكون الزيادة الحاصلة صفة محضة من صفاته، كما إذا طحن الحنطة المبيعة أو صاغ الفضة أو غزل القطن أو الصوف.

فإذا لم تكن للصفة الحاصلة مالية، من حيث انها لم توجب زيادة في قيمة العين و ماليتها، فالظاهر ان المبيع كله للبائع المغبون، و لا حق للمشتري فيه. و كذلك الحكم إذا كانت للزيادة التي حصلت في المبيع مالية، و لم يكن حصولها بفعل المشتري، كما إذا باعه خلا قليل الحموضة، فزادت حموضته بسبب بقائه أياما و زادت قيمته لذلك، فإذا فسخ البائع العقد لخيار الغبن، أخذ المبيع و لم يكن للمشتري فيه حق.

و كذلك الحكم إذا حصلت في المبيع بسبب تصرف المشتري زيادة صفة مشوبة بالعين، كما إذا صبغ المشتري الثوب، و لم تكن لهذه الزيادة الحاصلة مالية، فيكون المبيع للبائع وحده و لاحق للمشتري فيه.

المسألة 193:

الصورة الثالثة أن تحصل في المبيع بسبب تصرف المشتري فيه زيادة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 85

صفة مشوبة بالعين، كما إذا صبغ الثوب، و ان تكون لهذه الزيادة مالية قد حصلت بفعل المشتري.

و الأحوط ان لم يكن هو الأقوى في هذه الصورة أن يكون المشتري شريكا في القيمة، فيجوز أن تباع العين و يقسم ثمنها بين البائع و المشتري على النسبة، و يجوز للبائع أن يأخذ المبيع و يؤدي ما للمشتري بالنسبة، و يجوز للبائع و المشتري أن يتصالحا بينهما بغير ذلك من الوجوه.

المسألة 194:

الصورة الرابعة أن يكون المشتري قد تصرف في المبيع تصرفا أوجب الزيادة فيه زيادة عينية، و الزيادة العينية التي حصلت في المبيع قد تكون غير قابلة للانفصال عنه، كما إذا باعه المغبون حيوانا فسمن الحيوان بفعل المشتري، أو باعه شجرا فنما الشجر بفعله كذلك.

فإذا فسخ البائع المغبون البيع، فلا يترك الاحتياط في هذه الصورة بالمصالحة بين البائع و المشتري إذا كان سمن الحيوان و نمو الشجر بفعل المشتري كما ذكرنا، و إذا كان السمن و النمو في المبيع بغير فعل المشتري، فلا شي ء له فيها.

المسألة 195:

الصورة الخامسة ان تكون الزيادة التي حصلت في المبيع بسبب تصرف المشتري زيادة عينية كما ذكرناه، و تكون قابلة للانفصال عن عين المبيع، كالصوف و الوبر و الشعر و اللبن، و الثمر، و البناء في الأرض، و الزرع و الغرس فيها.

و الظاهر ان للمغبون في هذه الصورة إلزام المشتري بأحد أمرين يخيره بينهما، اما بفصل الزيادة عن العين و ان أوجب فصلها الضرر عليه، و اما بإبقائها مع دفع اجرة المثل للعين.

و إذا كان فصل الزيادة يوجب نقصا في الأرض، فعلى المشتري أن يتلافى ذلك بتسوية الأرض بعد قلع الشجر و البناء منها و طم حفرها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 86

و إذا اختار المشتري أحد الأمرين فليس للبائع منعه، و لا فرق في الحكم بين الغرس و الزرع.

المسألة 196:

الصورة السادسة أن يمزج المشتري المبيع بغير جنسه حتى يعد مستهلكا تالفا في نظر أهل العرف، كما إذا باعه ماء ورد، فخلطه المشتري بالماء حتى استهلك فيه، و حكمه في هذه الصورة حكم التالف، فيضمن المشتري المبيع للبائع بمثله إذا كان مثليا و بقيمته إذا كان قيميا.

الصورة السابعة أن يمزجه المشتري بغير جنسه و لا يعد مستهلكا تالفا، بل يعد موجودا ممزوجا كما إذا باعه خلا، فخلطه المشتري بالعسل أو بالسكر، و الظاهر ان الحكم في هذه الصورة حصول الشركة في العين بين البائع و المشتري بنسبة المالية في الخليطين، فإذا كان المبيع هو الخل و كانت قيمته قبل مزجه دينارا، و كانت قيمة العسل الذي خلطه المشتري به دينارين، كان للبائع الثلث من العين الموجودة بعد الخلط إذا هو فسخ العقد، و للمشتري الثلثان منها. و كذلك الحكم إذا خلطه المشتري بجنسه، و كان الممزوج به

أردأ أو أجود، فيكون شريكا في العين بنسبة المالية، كما إذا خلط الخل المبيع بخل أردأ منه أو أجود، فتلاحظ النسبة في المالية بين الخليطين على النهج الذي تقدم ذكره.

و إذا خلطه المشتري بجنسه و كان مثله في الرداءة و الجودة كان شريكا في العين بحسب نسبة مقدار ماله الى المجموع، فإذا باعه حقة واحدة من الخل و خلطه المشتري بحقتين منه و كانا متساويين في الرداءة و الجودة، فللبائع الثلث من مقدار المجموع و للمشتري الثلثان منه.

و الأحوط استحبابا المصالحة بين البائع و المشتري في جميع الصور، و خصوصا في الصورتين الأوليين.

المسألة 197:

إذا ثبت خيار الغبن للمشتري ففسخ عقد البيع، و كان البائع قد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 87

تصرف في الثمن، فقد يكون تصرفه في الثمن لا يوجب تغييرا في العين لا في نقص فيها و لا زيادة، و قد يكون تصرفه موجبا للنقص في العين، و قد يكون موجبا للزيادة فيها، و قد يوجب مزج العين بجنسها أو بغير جنسها، فتجري فيه جميع الصور المتقدمة و تترتب عليها الأحكام و الآثار التي بيناها في المسائل السابقة.

و كذلك إذا ثبت الخيار للمشتري، ففسخ العقد، و كان المشتري نفسه قد تصرف في المبيع تصرفا لا يوجب سقوط خياره، فتجري فيه الصور المتقدمة و تترتب عليها أحكامها، و كذلك إذا ثبت خيار الغبن للبائع، و كان البائع نفسه قد تصرف في الثمن تصرفا لا يوجب سقوط خياره، فيجري فيه كل ما تقدم من صور و أحكام.

المسألة 198:

إذا باع الإنسان على غيره سلعتين صفقة واحدة و كان لكل واحدة من السلعتين ثمن معين، و ظهر بعد العقد ان البائع مغبون ببيع احدى السلعتين، ثبت له خيار الغبن، فيجوز له فسخ البيع في السلعتين معا و يرد على المشتري ثمنهما، و يجوز له إمضاء البيع في الجميع بالثمن المسمى لهما في العقد، و يشكل الحكم بجواز التبعيض في الفسخ بأن يفسخ بيع احدى السلعتين دون الأخرى.

و كذلك الحكم إذا اشترى الإنسان سلعتين صفقة واحدة، كل واحدة منهما بثمن معين، و ظهر بعد العقد ان المشتري مغبون في شراء احدى السلعتين، فيجوز للمشتري المغبون ان يفسخ العقد في الجميع أو يرضى به في الجميع، و يشكل الحكم بالتبعيض.

المسألة 199:

لا يختص خيار الغبن بعقد البيع، بل يجري في كل معاملة عرفية تبتني على المماكسة في العوضين، فتجري في الإجارة و الصلح و غيرهما، فإذا آجر الإنسان داره من أحد بأقل من أجرة المثل أو استأجرها منه بأكثر منها ثبت للمغبون منهما خيار الغبن و جرت أحكام الخيار المتقدمة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 88

المسألة 200:

إذا ثبت الخيار للمغبون ففسخ العقد، و وجد ماله الذي كان بيد الغابن تالفا، و كان تلفه بفعل الغابن نفسه أو بآفة سماوية رجع على الغابن ببدله، و هو مثله إذا كان مثليا و قيمته في يوم التلف إذا كان قيميا، و إذا كان تلفه بفعل شخص أجنبي رجع المغبون بالمثل أو بالقيمة على الغابن، و رجع الغابن بما غرمه للمغبون على الأجنبي المتلف، و إذا كان تلف المال بفعل المغبون نفسه لم يرجع على الغابن بشي ء.

و إذا تلف العوض الآخر و هو مال الغابن الذي كان في يد المغبون، ثم فسخ المغبون العقد فان كان تلفه بفعل المغبون نفسه أو كان تلفه بآفة سماوية رجع الغابن به على المغبون فأخذ منه مثله إذا كان مثليا، و أخذ قيمته في يوم التلف إذا كان قيميا، و إذا كان تلف المال بفعل شخص أجنبي، رجع به الغابن على المغبون على الوجه المتقدم، ثم رجع المغبون بما غرمه له على الأجنبي الذي أتلفه و إذا كان تلف مال الغابن بفعل الغابن نفسه لم يرجع به على المغبون.

و إذ تلف من أحد العوضين وصف يوجب تلفه الأرش فحكمه حكم تلف العين في جميع ما تقدم بيانه.

(الخامس من أقسام الخيار، خيار التأخير):
المسألة 201:

مورد هذا القسم من الخيار هو ان يبيع الإنسان على غيره سلعة معينة من ماله و لا يقبض من المشتري ثمنها، و لا يدفع البائع السلعة إلى المشتري حتى يجيئه المشتري بالثمن فان البيع في هذا المورد يكون لازما ثلاثة أيام، فإن دفع المشتري ثمن السلعة قبل انقضاء الأيام الثلاثة نفذ البيع، و ان لم يدفع المشتري الثمن حتى انقضى الأجل المذكور جاز للبائع أن يفسخ العقد، و ان يمضيه بالثمن المسمى

فيه.

المسألة 202:

يثبت للبائع خيار التأخير في المورد المذكور و ان قبض من المشتري بعض الثمن أو دفع هو الى المشتري بعض المثمن، فإذا هو لم يقبض من

كلمة التقوى، ج 4، ص: 89

المشتري جميع ثمن السلعة، و لم يدفع هو الى المشتري جميع المثمن حتى انقضت الأيام الثلاثة جاز له فسخ البيع و إمضاؤه.

المسألة 203:

المراد بالأيام الثلاثة و هي الأجل لثبوت هذا الخيار هو المراد بالأيام الثلاثة في خيار الحيوان، و قد ذكرناها في المسألة المائة و الثالثة و الخمسين، فإذا كان العقد في أول النهار فمدة الأجل تبدأ من أول ذلك النهار الى آخر النهار الثالث، و تدخل فيه الليلتان المتوسطتان و إذا وقع العقد في أثناء النهار، فمبدأ الأجل من ذلك الوقت الذي وقع فيه العقد الى مثل تلك الساعة من نهار اليوم الرابع، الى آخر ما بيناه في المسألة التي أشرنا إليها.

المسألة 204:

لا يثبت خيار التأخير إذا اشترط أحد المتبايعين على الآخر في ضمن العقد تأخير تسليم أحد العوضين مدة معينة أو اشترط تأخير التسليم في كليهما.

المسألة 205:

يختص خيار التأخير بالبيع و لا يجري في غيره من المعاملات و المعاوضات، حتى في الصلح الذي يفيد فائدة البيع، و حتى في الإجارة و الهبة المعوضة.

المسألة 206:

يثبت خيار التأخير إذا كان المبيع عينا شخصية في يد البائع أو في يد وكيله أو وليه مثلا، و يشكل الحكم بثبوت الخيار له إذا كان المبيع كليا في ذمته، و الأحوط لزوما ان لا يكون الفسخ في هذه الصورة إلا برضى الطرفين.

المسألة 207:

إذا تلفت السلعة التي وقع عليها عقد البيع و لم يدفع المشتري ثمنها في الأيام الثلاثة كان تلفها من مال البائع، سواء كان تلفها في الأيام الثلاثة أم بعدها، و سواء كان في حال ثبوت الخيار للبائع أم في حال سقوطه بأحد المسقطات، بل و ان أسقط الخيار باختياره.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 90

المسألة 208:

لا يجب الفور في خيار التأخير على الأقوى، فلا يسقط إذا أخر البائع الفسخ عن الثلاثة أيام و ان كان عامدا في ذلك، إلا إذا حصل أحد المسقطات.

المسألة 209:

يسقط خيار التأخير إذا أسقطه البائع باختياره بعد تحقق شرطه و هو انقضاء الأيام الثلاثة، و يشكل الحكم بسقوطه إذا أسقطه البائع قبل انتهاء الأيام الثلاثة، و يشكل الحكم بسقوطه كذلك إذا اشترط المشتري على البائع سقوط الخيار في ضمن العقد، فلا بد من الاحتياط في كلا هذين الفرضين.

المسألة 210:

لا يسقط خيار البائع إذا بذل المشتري له الثمن بعد انقضاء الأيام الثلاثة، فيجوز له فسخ البيع و ان كان المشتري باذلا للثمن بعد مضي الأجل، و لا يسقط خيار البائع إذا طالب المشتري بدفع الثمن و ان كانت مطالبته به بعد الأيام الثلاثة.

نعم إذا دفع المشتري الثمن بعد الثلاثة، فأخذه البائع منه بقصد استيفاء ثمن المبيع و الجري على المعاملة الصادرة بينهما، سقط خياره بذلك، و يكفي في تحقق ذلك القصد منه ان تدل القرائن عليه، و لا يسقط الخيار إذا أخذ المال من المشتري بقصد العارية أو الوديعة أو نحوهما.

المسألة 211:

إذا باع الإنسان السلعة على غيره، و كان المبيع مما يسرع اليه الفساد كالبقول و الخضروات التي يفسدها المبيت، و كاللحوم و الفواكه التي تنتنها أو تتلفها حرارة الوقت، و لم يقبض المشتري المبيع و لم يدفع ثمنه إلى البائع، ثبت الخيار للبائع قبل أن يعرض الفساد على المبيع، فيجوز له أن يفسخ البيع أو يمضيه، فإذا كان الشي ء مما يفسده المبيت كان له الخيار عند دخول الليل، و إذا كان مما يسرع اليه الفساد قبل ذلك كان له الفسخ و الإمضاء قبل عروض الفساد عليه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 91

المسألة 212:

يختص الحكم المذكور في المبيع إذا كان شخصيا، و لا يجري في ما إذا كان كليا فان المبيع الكلي ليس مما يسرع اليه الفساد أو يفسده المبيت، و الفرد الشخصي منه لا يكون للمشتري الا بعد التعيين و القبض، و إذا حصل القبض فيه لم يشمله الفرض في المسألة، و إذا عينه البائع لم يتعين للمشتري فيجوز للبائع ابداله اختيارا و لا يجوز له الفسخ.

(السادس من أقسام الخيار خيار الرؤية):
المسألة 213:

مورد خيار الرؤية هو أن يرى الإنسان شيئا، ثم يشتريه من مالكه اعتمادا على رؤيته لذلك الشي ء، و يجده بعد ما اشتراه ناقصا عن الأوصاف التي رآها للشي ء، أو يشتريه من غير مشاهدة، اعتمادا على وصف البائع أو على وصف غيره ممن رأى الشي ء و وصفه له، و يجده بعد ما اشتراه ناقصا عن الأوصاف التي ذكرت له، فيكون للمشتري الخيار بين أن يفسخ العقد فيرد المبيع و ان يمضي العقد فيمسك المبيع لنفسه بالثمن المسمى بينه و بين البائع.

المسألة 214:

و يثبت خيار الرؤية كذلك للبائع، إذا هو باع الشي ء اعتمادا على رؤيته السابقة لذلك الشي ء، و يجده بعد ما باعه زائدا في الصفات على رؤيته الأولى، أو يبيع الشي ء اعتمادا على وصف غيره من غير رؤية من البائع، ثم يجده بعد البيع زائدا على الوصف الذي ذكره الواصف له فيكون له الخيار بين الفسخ و الإمساك بالثمن المسمى.

و يثبت خيار الرؤية كذلك للبائع إذا وجد الثمن الذي صار اليه ناقصا عما وصف له أو عما رآه في الثمن في رؤيته السابقة له، و يثبت خيار الرؤية للمشتري إذا وجد الثمن المعين الذي وقع عليه البيع زائدا عما وصفه له الواصف حين العقد، أو زائدا عما وجده له من الأوصاف في رؤيته السابقة له، فيكون لهما الخيار المذكور.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 92

المسألة 215:

يتخير البائع أو المشتري حينما يثبت له خيار الرؤية بين أن يفسخ العقد و يرد المبيع و أن يمضي البيع بالثمن الذي وقع عليه العقد، كما ذكرناه أكثر من مرة، و لا يحق له إذا ترك الفسخ و أمضى العقد أن يطالب صاحبه بالأرش، و هو التفاوت ما بين القيمتين إذا كان الشي ء الذي انتقل اليه ناقصا في الوصف، أو يطالبه بقيمة الوصف الزائد إذا كان الشي ء الذي انتقل منه لصاحبه زائدا.

و لا يسقط خيار صاحب الخيار منهما إذا بذل له صاحبه أرش النقصان أو بذل له قيمة الوصف الزائد، و لا يسقط خياره كذلك إذا أبدل له صاحبه العين بعين أخرى واجدة للوصف الذي ذكره في العقد.

المسألة 216:

الوصف الذي يوجب تخلفه الخيار، قد يكون وصفا له دخل في صحة الشي ء، فيكون فقده عيبا يوجب خيار العيب، و هو الذي سيأتي تفصيل الكلام فيه ان شاء اللّٰه تعالى في القسم السابع من أقسام الخيار.

و قد يكون وصفا له دخل في كمال الشي ء، و هذا يقع على نحوين، أحدهما أن يكون الوصف موجبا للرغبة العامة بين الناس، و لذلك فيكون موجبا لزيادة ماليته، و مثال ذلك أن يكون العبد كاتبا و مفكرا يعتمد عليه في إنجاز المهمات، أو يكون أمينا يوثق بصدقه و صحة أعماله، و نحو ذلك من الأوصاف، الثاني أن يكون الوصف محطا لرغبة المشتري أو البائع بالخصوص، فتزيد لذلك قيمته عنده، و ان كانت مخالفة للرغبة العامة، و مورد البحث في خيار الرؤية هو وصف الكمال في الشي ء سواء كان من النحو الأول الذي يوجب الرغبة العامة أم من النحو الثاني الذي يوجب الرغبة الخاصة.

المسألة 217:

يختص خيار الرؤية في ما إذا كان المبيع عينا شخصية فإنها هي التي يتصور فيها تخلف الوصف عما رآه فيها سابقا أو عما ذكره الواصف من صفاتها فتزيد أو تنقص، و اما إذا كان المبيع كليا موصوفا فالواجب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 93

على البائع أن يدفع للمشتري فردا توجد فيه أوصاف الكلي المبيع و إذا دفع له فردا تنقص فيه بعض الأوصاف فللمشتري أن يطالبه بفرد توجد فيه صفات المبيع، و ليس له الخيار في ان يفسخ العقد.

المسألة 218:

إذا باع الإنسان على غيره كليا موصوفا في المعين، ثم تخلف الوصف، كما إذا باع عليه صاعا جيدا من هذه الصبرة، و حينما دفع اليه الصاع وجده من غير الجيد، فذلك مما يتصور وقوعه على نحوين:

أحدهما أن يبيعه صاعا كليا من هذه الصبرة الجيدة، فتكون الجودة وصفا للصبرة جميعها، و لما دفع اليه الصاع وجده و وجد الصبرة كلها من غير الجيد، و الظاهر أن للمشتري الخيار في هذا الفرض و يكون بحكم بيع العين الشخصية في المسألة المتقدمة.

الثاني: أن يبيعه صاعا جيدا من هذه الصبرة، و لما دفع اليه الصاع وجده من غير الجيد، و لكن الصبرة نفسها فيها الجيد و غير الجيد، و الظاهر ان للمشتري في هذا الفرض مطالبة البائع، بصاع جيد من الصبرة كما وقع عليه العقد بينهما و ليس له حق الخيار، و يكون الحكم في هذا الفرض حكم بيع الكلي الموصوف في المسألة المتقدمة.

المسألة 219:

لا يصح بيع العين الشخصية الغائبة- كما هو مورد خيار الرؤية- إلا إذا اعتمد فيه على رؤية سابقه للعين المبيعة، و انما تكفي الرؤية السابقة في صحة بيع البائع لها أو في شراء المشتري إذا كان الرائي واثقا بأن صفات العين التي رآها باقية الى حين البيع، أو يعتمد فيه على وصف رافع للجهالة و الغرر في المبيع و الثمن بذكر جنسهما و نوعهما و صفاتهما التي تختلف باختلافها الرغبات العامة و الخاصة، و تتفاوت بسببها المالية و الأعواض، و انما يكفي الوصف للعين الغائبة إذا حصل منه الاطمئنان بأن العين في حال العقد على النحو الموصوف.

المسألة 220:

القول المشهور بين الأصحاب قدس اللّٰه أرواحهم: انه يجب الفور

كلمة التقوى، ج 4، ص: 94

في خيار الرؤية، فإذا لم يبادر صاحبه الى الفسخ سقط خياره، و هو مشكل فلا بد فيه مع التأخير من الاحتياط.

المسألة 221:

يسقط خيار الرؤية إذا أسقطه صاحبه باختياره، سواء كان إسقاطه له بعد رؤية العين أم قبلها، و يسقط خياره كذلك إذا تصرف في العوض الذي انتقل اليه تصرفا يدل على التزامه بالبيع، سواء كان تصرفه قبل الرؤية أم بعدها.

و يشكل الحكم بسقوط خياره إذا اشترط عليه سقوطه في ضمن العقد، و يشكل الحكم بسقوطه كذلك إذا هو تأخر فلم يبادر للفسخ كما نقلناه عن المشهور، فلا يترك الاحتياط في الفرضين الأخيرين.

(السابع من أقسام الخيار: خيار العيب):
المسألة 222:

إذا اشترى الإنسان شيئا فوجد في الشي ء عيبا كان للمشتري الخيار بين أن يفسخ العقد فيرد المبيع على صاحبه و يسترد منه الثمن، و ان يمضي البيع بالثمن المسمى، و أن يمسك المبيع و يطالب بائعه بالأرش، و هو التفاوت ما بين قيمتي الصحيح و المعيب، فيتخير ما بين الأمور الثلاثة المذكورة.

و كذلك الحكم في ما إذا باع الإنسان سلعته بثمن شخصي معين، فوجد في الثمن المعين الذي دفعه إليه المشتري عيبا فيكون للبائع الخيار بين الأمور الثلاثة المتقدم ذكرها، فيجوز له أن يفسخ العقد فيرد الثمن على صاحبه و يسترد منه المبيع، و يجوز له أن يمضي العقد بالثمن المسمى، و يجوز له أن يمسك الثمن المعيب المدفوع اليه و يطالب المشتري بأرش النقصان فيه.

و إذا باع السلعة بثمن كلي، و وجد الفرد الذي دفعه إليه المشتري معيبا لم يثبت له الخيار المذكور فيه بل تجوز له مطالبة المشتري بفرد صحيح لا عيب فيه من الثمن الكلي.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 95

المسألة 223:

العيب الذي يثبت به الخيار هو ما كان على خلاف الخلقة الأصلية في الشي ء، سواء كان نقصا في العين أم زيادة، فالعمى و الصمم و البكم و العرج و الإقعاد و العور و فقد بعض الأعضاء و الشلل في بعضها عيب يثبت به الخيار، و زيادة اليد أو الرجل أو الكف أو القدم أو الإصبع أو أحد الأعضاء الأخرى عيب يثبت به الخيار كذلك، و انتشار بعض السموم و العناصر الغريبة في تربة الأرض المبيعة التي تمنع نمو الزرع فيها أو تضعف الغرس أو تقلل الإنتاج عيب يثبت به الخيار، و هكذا فعيب كل شي ء هو النقص أو الزيادة اللذان يعدان خللا

في الخلقة الأصلية بالنسبة الى ذلك الشي ء سواء كان الناقص منه أو الزائد فيه جزءا من أجزائه أو صفة من صفاته.

بل حتى بعض الطواري التي تعرض على الشي ء و تلازمه حتى تعد عرفا عيبا من عيوبه كنزول الجيش في الأرض أو بالقرب منها، و كوجود بعض الضواري و السباع فيها، حتى يمتنع المالك من الإفادة من أرضه و التصرف فيها كما يريد، فالظاهر ثبوت حكم العيب كذلك.

المسألة 224:

ذكر جماعة من الفقهاء ان العيب إذا كان موجودا في أكثر أفراد الصنف لا يجري عليه حكم العيب، فلا يوجب وجوده الخيار، و مثلوا لذلك بالثيبوبة في الإماء فلا تعد فيهن عيبا، و الظاهر أن ما ذكروه انما هو في الإماء الكبيرات، فان الغالب فيهن ذلك فيتم فيهن ما أفادوه. و أما الإماء الصغيرات غير المدركات أو في أول ادراكهن، فالأقوى ان الثيبوبة فيهن عيب فيجري فيها حكم العيب.

المسألة 225:

الظاهر ان الحمل في الجواري المبيعة من العيوب فيهن، فإذا وجد المشتري الأمة التي اشتراها حاملا كان له الخيار فيها، و ليس الحكم كذلك في الحيوانات.

المسألة 226:

لا يعتبر في العيب الذي يثبت به الخيار أن يكون موجبا لنقص المالية

كلمة التقوى، ج 4، ص: 96

في الشي ء فإذا اشترى الإنسان الشي ء فوجده معيبا، و كان العيب مما لا تنقص به المالية، كان له الخيار بين ان يفسخ العقد، و يمضيه بالثمن المسمى، نعم لا يجوز له أن يمسك الشي ء المبيع و يطالب البائع بأرش النقصان فيه، الا إذا كان العيب الموجود فيه يوجب النقص في المالية، و سيأتي التعرض لذلك في ما يسقط به الأرش دون الرد في المسألة المائتين و السادسة و الثلاثين.

المسألة 227:

قد بينا في ما تقدم ان البائع أو المشتري إذا وجد في العوض الذي انتقل اليه عيبا، كان له الخيار بين أمور ثلاثة، فيجوز له أن يفسخ البيع، فيرجع بسبب ذلك كل واحد من العوضين الى مالكه الأول، و يجوز له أن يرضى بالبيع و يمضيه بالثمن المسمى الذي وقع عليه العقد بينه و بين صاحبه، و يجوز له أن يمسك بالعوض المعيب الذي انتقل اليه بالبيع، و يطالب مالكه الأول بأرش العيب الذي وجده فيه.

و هنا مواضع خاصة يخرج فيها الحكم عن هذه القاعدة، فيكون له الخيار فيها بين أمرين فقط، فيجوز له أن يمضي البيع بالثمن المسمى و يرضى بالمعيب، و يجوز له أن يمسك بالعوض المعيب الذي انتقل اليه بالبيع، و يطالب صاحبه بأرش النقصان فيه، و لا يثبت له الشق الثالث من الخيار، و هو أن يفسخ العقد، فيرد كلا من العوضين الى مالكه الأول.

و يثبت هذا الاستثناء في عدة موارد نفصلها في المسائل الآتي بيانها ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 228:

المورد الأول: ان يلتزم صاحب الخيار بالعقد الصادر بينه و بين صاحبه، و من الواضح ان التزامه بالعقد انما يدل على رضاه بالبيع، و لا يدل على رضاه بالعوض المعيب، و لا يكون موجبا لسقوط حقه من الأرش، و نتيجة لذلك فيكون له الخيار بين أن يبقى البيع بالثمن المسمى و أن يمسك بالعوض المعيب الذي انتقل اليه و يطالب مالكه الأول بأرش النقصان فيه كما ذكرناه في المسألة المتقدمة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 97

المسألة 229:

المورد الثاني: أن يتصرف صاحب الخيار في العوض المعيب الذي انتقل اليه تصرفا يدل على التزامه بالعقد و اختياره عدم فسخه، فيطأ الجارية المبيعة أو يقبلها أو يلمسها لمسا يحرم على غير المالك، و هو كالمورد الأول انما يدل على رضاه بالعقد و لا يدل على رضاه بالعيب، فلا يسقط به حقه من الأرش و نتيجة لذلك فيكون مخيرا بين الأمرين الآنف ذكرهما.

المسألة 230:

المورد الثالث: ان تتلف العين المعيبة التي انتقلت اليه فلا يمكن له ردها الى مالكها الأول، و لا يحق له أن يختار فسخ العقد، بل يكون مخيرا بين الأمرين الآخرين الأنف ذكرهما.

المسألة 231:

المورد الرابع: أن يخرج صاحب الخيار العين المذكورة عن ملكه بسبب شرعي ناقل فيبيع العين على غيره أو يهبها له أو يقفها، أو يعتق العبد المملوك أو الأمة المملوكة.

المسألة 232:

المورد الخامس: ان يتصرف صاحب الخيار في العين تصرفا خارجيا يوجب تغيرها فلا يصدق معه ان العين باقية قائمة بحالها، و مثال ذلك أن يفصل الثوب المبيع أو يخيطه أو يطحن الحنطة، أو يغزل القطن أو الصوف أو ينسجهما.

المسألة 233:

المورد السادس: أن يتصرف في العين تصرفا شرعيا اعتباريا بحيث لا يصدق معه ان العين قائمة بحالها، و مثال ذلك ان يؤجر الدار من غيره أو يرهنها عنده.

المسألة 234:

المورد السابع: ان يحدث في الشي ء المعيب الذي انتقل اليه عيب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 98

جديد بعد ما قبضه من مالكه الأول، فلا يحق له بعد حدوث العيب الجديد أن يفسخ البيع بسبب العيب السابق.

و نتيجة لكل ما تقدم فلا يجوز لصاحب الخيار أن يفسخ البيع في جميع هذه الموارد، و يكون في كل واحد منها مخيرا بين أن يرضى بالعقد فيمضيه بالثمن المسمى و يرضى بالمعيب، و ان يمسك بالعوض المعيب الذي صار اليه و يطالب صاحبه بأرش النقيصة فيه.

المسألة 235:

إذا اشترى الإنسان شيئا، و كان له في ذلك العقد خياران، أحدهما خيار عيب، و الثاني خيار حيوان مثلا أو غيره من أقسام الخيار، ثم حدث في المبيع عيب جديد بعد ما قبضه من البائع، فإن هذا العيب الحادث انما يمنعه من أن يفسخ العقد بخيار العيب السابق، و لا يمنعه من أن يفسخ العقد بخياره الآخر.

المسألة 236:

و يستثنى أيضا من القاعدة الآنف ذكرها في المسألة المائتين و السابعة و العشرين مورد واحد آخر يسقط فيه الأرش و لا يسقط فيه الرد، فيكون صاحب الخيار في هذا المورد مخيرا بين أن يفسخ البيع فيرد كلا من العوضين الى مالكه الأول، و ان يرضى بالبيع فيمضيه بالثمن المسمى، و المورد المشار اليه هو ما إذا كان العيب الموجود في الشي ء لا يوجب نقصا في ماليته في نظر أهل العرف كزيادة الإصبع الواحد في العبد المملوك و خصوصا إذا كان في القدم، و لذلك فلا يوجب بيعه أرشا للمشتري لعدم التفاوت في القيمة و المالية بين الصحيح منه و المعيب، نعم يكون من أجل وجود العيب مخيرا بين الأمرين الآنف ذكرهما.

قالوا: و من هذا النوع من العيب الخصاء في العبيد إذا اتفق تعلق غرض نوعي به بين عامة الناس كما نقل عن بعض فترات التأريخ، فكانت قيمة العبد الخصي من أجل هذه الغاية تساوي قيمة الفحل.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 99

المسألة 237:

قال جماعة من الفقهاء، و هنا مورد آخر يسقط فيه الأرش كذلك و لا يسقط فيه الرد، فيجري فيه الاستثناء المذكور في المسألة الماضية، و هو ما إذا اشترى الإنسان شيئا ربويا بعوض من جنسه من غير تفاضل، فظهر في أحد العوضين عيب، فلا يجوز لصاحب الخيار أن يأخذ أرش النقصان من الآخر حذرا من الربا المحرم في المعاملة، و لذلك فيكون مخيرا بين رد البيع و إمضائه بالثمن المسمى.

و لكن الأقوى جواز أخذ الأرش، فإن دفع أرش النقصان من أجل العيب لا يوجب زيادة في العوض في المعاملة فلا يلزم منه الربا.

المسألة 238:

لا خيار للمشتري إذا اشترى السلعة و هو يعلم قبل عقد البيع بوجود العيب فيها و لا خيار كذلك للبائع إذا باع سلعته بالثمن الشخصي المعين و هو يعلم قبل العقد بوجود العيب في الثمن، فلا يجوز لهما فسخ البيع، و لا حق لهما في المطالبة بالأرش.

المسألة 239:

إذا تبرأ البائع في عقد البيع من العيوب في الشي ء المبيع، فاشترط فيه أن لا يرجع المشتري عليه بالثمن و لا يطالبه بالأرش إذا ظهر الشي ء معيبا، و قبل المشتري بشرطه، لم يثبت للمشتري خيار إذا ظهر كونه معيبا، فلا يجوز له رد البيع و لا المطالبة بالأرش.

و كذلك الحكم إذا تبرأ المشتري في ضمن العقد من عيوب الثمن الشخصي و قبل البائع بشرطه فلا خيار للبائع إذا ظهر الثمن معيبا، فلا حق له في الرد و لا في الأرش.

المسألة 240:

يسقط خيار العيب للمشتري إذا أسقطه هو باختياره بعد أن ظهر له وجود العيب في الشي ء المبيع، فلا يحق له بعد ذلك رد البيع و لا المطالبة بالأرش، و كذلك الحكم إذا أسقط هو حقه من خيار العيب قبل أن يظهر له وجود العيب في الشي ء و كان موجودا فيه حين العقد، فلا يجوز

كلمة التقوى، ج 4، ص: 100

له ان يرد البيع أو يطالب بالأرش، و يسقط خيار العيب للبائع إذا أسقطه هو باختياره قبل أن يظهر له وجود العيب في الثمن الشخصي أو بعد ما ظهر له إذا كان العيب موجودا فيه حين العقد، فلا يجوز له رد البيع و لا المطالبة بالأرش في الصورتين.

المسألة 241:

و يسقط خيار العيب كذلك إذا اشترط البائع على المشتري في ضمن العقد و إذا اشترط المشتري على البائع في ضمن العقد سقوط خياره، إذا كان العوض الذي انتقل اليه من صاحبه معيبا، و قبل الآخر بشرطه، فلا يجوز للمشترط عليه رد البيع و لا مطالبة صاحبه بالأرش إذا وجد الشي ء معيبا.

المسألة 242:

إذا اشترط احد المتبايعين على الآخر في ضمن العقد سقوط الأرش وحده، أو سقوط رد البيع وحده إذا كان الشي ء معيبا، و قبل الآخر بالشرط، اتبع الشرط المجعول بينهما و لم يسقط الخيار من أصله، بل يسقط حق المطالبة بالأرش وحده في الصورة الأولى، و يكون صاحب الخيار مخيرا بين رد العقد و إمضائه بالثمن المسمى، و يسقط الرد وحده في الصورة الثانية، و يكون صاحب الخيار مخيرا بين إمضاء العقد بالثمن المسمى، و إمساك الشي ء المعيب و مطالبة صاحبه بالأرش.

المسألة 243:

ذهب جماعة من العلماء الى وجوب الفور و المبادرة في خيار العيب فإذا تأخر صاحب الخيار فلم يفسخ و لم يطالب بالأرش سقط خياره، و ذهب آخرون الى عدم وجوب المبادرة فإذا تأخر و لم يبادر لإعمال خياره لم يسقط خياره، و هو مشكل، فإذا تأخر صاحب الخيار في اختيار الفسخ أو الإمساك بالأرش، فلا يترك الاحتياط بالرجوع إلى المصالحة.

المسألة 244:

إذا كان الشي ء معيبا في حين وقوع العقد عليه ثم زال عيبه بعد ذلك و قبل ان يعلم به المشتري، فالظاهر عدم سقوط الخيار بذلك، فيتخير

كلمة التقوى، ج 4، ص: 101

صاحبه بين ان يفسخ العقد و ان يمسك المعيب بالأرش، و له أن يرضى بالبيع بالثمن المسمى، و الأحوط استحبابا أن يختار رد البيع مع إمكانه فان لم يمكن الرد أمسك بالمعيب و طالب صاحبه بأرشه.

المسألة 245:

العيوب التي تحدث في الشي ء تقع على عدة أنحاء، فلا بد من ملاحظتها فإنها مختلفة الآثار.

النحو الأول: العيب الذي يكون موجودا في الشي ء حين وقوع عقد البيع، و هذا هو الموضوع الذي يثبت عند تحققه الخيار للمشتري إذا كان العيب في المبيع، و للبائع إذا كان العيب في الثمن الشخصي المعين أو ما هو بحكمه و قد سبق تفصيل ذلك في المسائل المتقدمة.

و المدار على وجود العيب في الشي ء حال العقد كما ذكرناه سواء كان حدوثه فيه مقارنا للعقد أيضا أم كان سابقا عليه و ان لم يعلم به صاحب الخيار الا بعد ذلك، بل و ان زال العيب قبل أن يعلم به، و قد تقدم منا بيان جميع ذلك.

النحو الثاني: العيب الذي يحدث في الشي ء بعد قبضه من بائعه، و هو لا يوجب خيارا للمشتري أو للبائع، و لكنه يمنع صاحب الخيار من الرد بالعيب السابق، و قد تقدم بيان ذلك في المسألة المائتين و الرابعة و الثلاثين.

النحو الثالث: العيب الذي يحدث في الشي ء بعد وقوع العقد عليه و قبل قبضه من مالكه الأول، و هل يكون حدوث هذا العيب موجبا للخيار لمن انتقل اليه ذلك الشي ء الذي حدث به العيب و لم يكن فيه عيب سابق،

و هل يمنع من الرد و الفسخ بسبب العيب السابق إذا كان معيبا سابقا؟؟

و هو موضع إشكال في جميع فروضه، فلا يترك الاحتياط بالرجوع إلى المصالحة في جميعها.

نعم إذا كان حدوث هذا العيب بفعل المشتري نفسه لم يكن له أثر، فيكون بيع البائع عليه لازما، و لا خيار للمشتري فيه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 102

المسألة 246:

يرجع في معرفة قيمة الشي ء الصحيح و المعيب الى أهل الخبرة بتقويم ذلك الشي ء و تمييز مراتب الصحة و العيب فيه و مقادير تفاوتها في القيم، و لا ريب في ان أهل الخبرة في بعض الأشياء غير أهل الخبرة في البعض الآخر منها، فالخبير بتقويم الدور و المنازل غير الخبير بالبساتين و الأراضي، و هو غير الخبير بتقويم السيارات و أدوات النقل، و هم غير أهل الخبرة بالامتعة و الأثاث، و هكذا في الأدوات و الأجهزة بعضها مع بعض و الأطعمة بعضها مع بعض، و الخبرة في كثير مما ذكر تفتقر إلى ممارسة و مران و طول مزاولة و تثبت، و ذلك واضح جدا و نحن نذكره للتنبيه، و على أي حال فلا بد في تقويم أي شي ء من الرجوع الى الخبراء بقيمة نوع ذلك الشي ء و أصنافه و أفراده و صحيحه و معيبه و التمييز بين مراتب العيوب في النقص و في القيمة.

و يكفي في المقوم من أهل الخبرة الواحد بشرط أن يكون أمينا موثوقا على الأقوى و ان كان الأحوط استحبابا ان يرجع الى مقومين عدلين و لا سيما في ما كان مظنة للغبن و مثارا للنزاع.

المسألة 247:

أرش العيب هو مقدار التفاوت ما بين قيمة الشي ء معيبا و قيمته صحيحا، فإذا أريدت معرفة ذلك، رجع الى أهل الخبرة كما ذكرناه، فقوموا الشي ء المبيع صحيحا، تقويما عادلا لا غبن فيه ثم قوموه معيبا كذلك، ثم لوحظت نسبة قيمة المعيب إلى قيمة الصحيح، فأخذ من الثمن المسمى الذي وقع عليه العقد بتلك النسبة، و نقص منه بسبب وجود العيب فيه بتلك النسبة.

فإذا اشترى الإنسان المتاع بعشرين دينارا فوجده معيبا، و كانت قيمة ذلك المتاع عند

أهل الخبرة خمسة و عشرين دينارا في حال صحته، و كانت قيمته عشرين دينارا في حال وجود العيب فيه و نسبة القيمة المذكورة للمعيب إلى قيمة الصحيح هي أربعة أخماسها و التفاوت ما بين القيمتين بخمسة دنانير و هي خمس قيمة الصحيح، فإذا أراد المشتري من البائع أرش العيب كان للمشتري خمس الثمن الذي وقع عليه العقد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 103

فيرجع على البائع بأربعة دنانير في المثال و هي خمس الثمن، و يكون للبائع منه ستة عشر دينارا و هي أربعة أخماسه.

المسألة 248:

إذا اختلف أهل الخبرة في تقويم الشي ء الصحيح أو في تقويم المعيب أو في تقويم كليهما فان اتفقت النسبة بين قيمتي الصحيح و المعيب في كلا التقويمين عمل بها، و مثال ذلك أن يقوم بعض أهل الخبرة الشي ء في حال صحته بعشرة دنانير و يقومه في حال وجود العيب فيه بخمسة دنانير، و يقوم بعضهم الصحيح بثمانية دنانير، و يقوم المعيب بأربعة دنانير، فان التفاوت بين القيمتين في كلا التقويمين بالنصف، فالخمسة نصف العشرة في التقويم الأول كما ان الأربعة نصف الثمانية في التقويم الثاني، فيؤخذ نصف الثمن المسمى.

و إذا اختلفت النسبة ما بين قيمتي الصحيح و المعيب في التقويمين فكانت النسبة بينهما هي النصف مثلا في أحد التقويمين و كانت النسبة هي الثلث في التقويم الثاني أو أقل من ذلك أو أكثر، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة حتى في ما إذا كان بعض المقومين أقوى خبرة أو أكثر عددا، و كذلك الحكم إذا كان المقومون أكثر من اثنين، فان اتفقوا على النسبة بين قيمة الصحيح و قيمة المعيب عمل عليها و ان اختلفوا في ذلك رجع الى الاحتياط بالمصالحة.

المسألة 249:

إذا باع الإنسان على غيره متاعين في عقد واحد و كان لكل واحد من المتاعين ثمن مستقل عن الآخر، فوجد المشتري في أحد المتاعين المبيعين عيبا، كان للمشتري الخيار في المتاع المعيب، فيجوز له أن يفسخ البيع فيه فيرد المتاع على بائعه و يسترد منه ثمنه، و يجوز له أن يمضي البيع فيه و يرضى به بالثمن المسمى، و يجوز له ان يمسك المتاع المعيب و يطالب البائع بأرشه، و إذا اختار أن يرد المعيب ففسخ بيعه، كان للبائع أن يفسخ البيع في المتاع الثاني الصحيح

لتبعض الصفقة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 104

المسألة 250:

إذا باع الإنسان على غيره متاعين في عقد واحد بثمن واحد، فوجد المشتري في أحد المتاعين عيبا، كان للمشتري الخيار في العقد، فيجوز له أن يفسخ البيع فيرد المتاعين معا على بائعهما و يسترد منه ثمنهما، و يجوز له أن يرضى بالبيع فيمضيه في المتاعين معا بالثمن المسمى، و يجوز له أن يمسك المتاعين و يطالب البائع بأرش المعيب منهما، و ليس له ان يرد المتاع المعيب وحده.

المسألة 251:

إذا اشترك رجلان فاشتريا من شخص شيئا واحدا، فوجدا الشي ء معيبا، ثبت لكل واحد منهما الخيار في حصته من المبيع، فيجوز لأحدهما أن يفسخ البيع في حصته و يردها على بائعها و يسترد منه ثمنها و ان لم يوافقه المشتري الآخر على ذلك، فإذا فسخ في حصته من المبيع كان للبائع الخيار في أن يفسخ العقد مع المشتري الآخر لتبعض الصفقة.

المسألة 252:

إذا اشترى الإنسان عبدا أو أمة ثبت للمشتري خيار العيب متى أصاب العبد أو الأمة جنون أو جذام أو برص أو قرن، فيجوز له فسخ البيع، و يجوز له إمساك المملوك و المطالبة بالأرش على نهج ما تقدم، و ان حدث فيه أحد هذه العيوب بعد العقد إلى مدة سنة من يوم العقد، و من أجل ذلك سميت هذه العيوب في بعض النصوص بأحداث السنة.

و إذا جعل العبد أو الأمة ثمنا شخصيا لمبيع، ثبت الخيار للبائع كذلك الى انتهاء السنة، و الجذام و البرص مرضان معروفان، و يرجع فيهما عند الاشتباه الى أهل الخبرة الثقات من أطباء و غيرهم، و القرن، و يقال له العفل أيضا لحم أو عظم أو غدة تنبت في فرج المرأة تمنع الزوج من الوطء أو توجب تنفره عند المجامعة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 105

الفصل السادس في بعض أحكام الشرط و الخيار
المسألة 253:

إذا شرط البائع على المشتري أو شرط المشتري على البائع شيئا في ضمن عقد البيع وجب على المشروط عليه منهما الوفاء بذلك الشي ء إذا كان جامعا للشرائط الآتي ذكرها. و مثال ذلك أن يبيع الرجل دارا على شخص آخر بثمن معين، و يشترط البائع على المشتري في ضمن عقد البيع ان يسكن البائع الدار المبيعة شهرا أو شهرين مثلا، فيجب على المشتري أن يفي للبائع بما شرط عليه فيمكنه من سكنى الدار المدة المعلومة.

و كذلك الحكم إذا شرط أحد المتعاقدين على الآخر شرطا في ضمن عقد لازم آخر غير البيع كالنكاح و الإجازة و الصلح و الهبة اللازمة أو أي عقد لازم آخر، فيجب على المشروط عليه الوفاء بالشرط المأخوذ في ضمن العقد اللازم كما يجب الوفاء بالعقد اللازم نفسه و لا يختص الحكم بالبيع.

المسألة 254:

لا ينفذ الشرط و لا يجب الوفاء به إذا كان مخالفا للكتاب و السنة، و المراد بما يخالف الكتاب و السنة أن يكون الشي ء المشروط فعله أو المشروط تركه غير جائز في حكم شريعة الإسلام، فلا ينفذ الشرط و لا يجب الوفاء به إذا شرط عليه ترك واجب ثبت وجوبه بحجة شرعية في الإسلام أو شرط عليه فعل محرم ثبت تحريمه بحجة شرعية كذلك، سواء كان المحرم صغيرا أم كبيرا.

و مثال ذلك ان يبيع الرجل على غيره شيئا أو يؤجره دارا أو يزوجه امرأة و يشترط عليه في ضمن العقد الجاري بينهما أن يترك صلاة واجبة أو صوما واجبا أو أي شي ء واجب ثبت وجوبه على الإنسان بحجة شرعية، أو يشترط عليه أن يفعل محرما قد ثبت تحريمه كذلك و ان كان المحرم صغيرا كما ذكرناه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 106

و تحصل مخالفة الكتاب و السنة كذلك إذا اشترط عليه أن تتحقق نتيجة أو يثبت شي ء لم يشرع وجوده في الإسلام، أو اشترط عليه أن تنتفي نتيجة أو أمر يعلم بثبوته و تحققه في الإسلام، و مثال ذلك أن يبيعه شيئا أو يؤجره دارا أو يزوجه امرأة، و يشترط عليه أن يكون ماله بعد موته ميراثا لغير وارثه الشرعي، أو يشترط عليه ان لا يرجع ميراثه من بعده الى ورثته الشرعيين، أو يزوج الحر ابنته أو أمته و يشترط عليه في عقد التزويج أن تكون أولاده منها أرقاء مماليك فلا يصح الشرط و لا يجب الوفاء به في جميع هذه الموارد.

المسألة 255:

لا ينفذ الشرط و لا يجب الوفاء به إذا كان منافيا لمقتضى العقد الذي أخذ في ضمنه، و مثال ذلك أن يشتري الإنسان من غيره شيئا و يشترط على البائع ان البيع من غير ثمن، أو يستأجر منه داره و يشترط عليه أن الدار بلا أجرة، أو يزوجه امرأة معينة و يشترط أحد المتعاقدين على صاحبه ان تكون الزوجة غير المعقودة، أو يشترط أن يكون الزوج غير من عقد له، أو أن يكون المهر ملكا للزوج فلا يكون الشرط في جميع ذلك نافذا و لا واجب الوفاء.

المسألة 256:

يشترط في نفوذ الشرط و في وجوب الوفاء به أن يكون مأخوذا في ضمن أحد العقود، و أخذه في ضمن العقد قد يكون بذكره في العقد ذكرا صريحا، و قد يكون بذكر الشرط أولا ثم إيقاع العقد بعده من غير فصل طويل بينهما بحيث يفهم من ذلك أن يكون العقد مبنيا على الشرط، و قد يكون بدلالة القرائن العامة أو الخاصة على إرادته في ضمن العقد.

و لا يلزم الوفاء بالشرط إذا ذكر مجردا عن عقد، و لا يلزم الوفاء به إذا ذكر قبل العقد و لم يبتن العقد عليه.

المسألة 257:

إذا شك في أن العقد وقع مبنيا على الشرط أم لا، فلا يترك الاحتياط

كلمة التقوى، ج 4، ص: 107

بالتصالح بين المتعاقدين، أو بالتقايل ثم تجديد العقد مع الشرط أو بدونه كما يريدان.

المسألة 258:

الظاهر وجوب الوفاء بالشرط إذا اشترط في ضمن أحد العقود الجائزة ما دام العقد الذي أخذ فيه موجودا، فإذا فسخ العقد بين المتعاقدين سقط وجوب الوفاء بالشرط بتبعه.

المسألة 259:

يشترط في لزوم الشرط و وجوب الوفاء به أن يكون مقدورا عليه في وقت تسليمه إذ لا لزوم و لا وجوب لغير المقدور، بل قال بعض الاساتذة الأكابر: لو علم عدم القدرة على الشرط لم يمكن إنشاء الالتزام به.

المسألة 260:

يعتبر- على الأحوط لزوما، في الشرط- أن يكون غير مجهول، سواء كانت الجهالة فيه توجب أن يكون عقد البيع الذي وقع فيه ذلك الشرط غرريا، أم لم توجب ذلك، فلا يذكر المتعاقدان في العقد الذي يجريانه بينهما شرطا مجهولا، و إذا هما ذكرا في ضمنه شرطا مجهولا، و كانت الجهالة في الشرط توجب الجهالة في عقد البيع نفسه كان العقد فاسدا، و فسد بتبعه الشرط و إذا كانت الجهالة في الشرط لا توجب جهالة في البيع رجعا الى الاحتياط في الشرط نفسه بالمصالحة عنه.

المسألة 261:

الظاهر صحة الشرط و نفوذه حتى إذا وقع معلقا، فلا يشترط في صحته التنجيز، و مثال ذلك ان يبيع النجفي دارا يملكها في كربلاء، و يشترط البائع على المشتري ان له السكنى في الدار شهرا إذا اتفق له فسافر الى كربلاء في شهر ذي الحجة أو في شهر محرم، فيصح الشرط و يجب على المشتري الوفاء به فيمكنه من سكنى الدار إذا حصل الأمر الذي علق شرطه عليه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 108

المسألة 262:

يجوز للإنسان ان يبيع مالا على غيره، ثم يبيع المشتري ذلك المال على بائعه الأول بعد ان اشتراه منه إذا لم يشترط البائع أو المشتري ذلك في البيع الأول، سواء كان الثمن الثاني مثل الثمن الأول أم أقل منه أم أكثر.

و إذا باع الإنسان على غيره مالا، و شرط البائع على المشتري في ضمن العقد أن يبيعه منه بعد شرائه أو شرط المشتري على البائع في ضمن العقد ان يشتريه منه، فلا يترك الاحتياط باجتنابه، سواء كان في الشرط أن يكون البيع الثاني بأقل من الثمن الأول أم بأكثر منه أم بمثله أم لم يشترط في الثمن شيئا.

المسألة 263:

إذا شرط أحد المتعاقدين على صاحبه شرطا في ضمن أحد العقود، و فسد الشرط لاختلال بعض شروط الصحة فيه لم يفسد أصل العقد بفساد الشرط، بل يلغى الشرط خاصة و يجب الوفاء بالعقد.

المسألة 264:

إذا توفرت الشروط في الشرط المأخوذ في ضمن العقد صح و وجب على المشروط عليه ان يفي به، فإذا هو امتنع من فعله، جاز للمشروط له ان يجبره على فعله، فإذا تعذر عليه ان يجبره على فعل الشرط كان للمشروط له الخيار في فسخ العقد، و الأحوط لزوما ان لا يأخذ المشروط له بالخيار الا بعد تعذر إجبار صاحبه على فعل الشرط.

المسألة 265:

إذا كان فعل الشرط مقدورا عليه حين اشتراطه في ضمن العقد، ثم تعذر على المشروط عليه فلم يستطع الوفاء به كما إذا مرض فلم يتمكن من أداء الصوم الذي شرط عليه أداءه أو تلف الثوب فلم يستطع خياطته أو صبغه الذي شرطه عليه، ثبت للمشروط له الخيار في أصل العقد فيجوز له فسخه و إمضاؤه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 109

المسألة 266:

إذا ثبت حق الخيار لإنسان ثم مات قبل أن يأخذ بخياره، و لم يسقط بأحد السقطات انتقل خياره بعد موته الى ورثته، و جرت عليه أحكام المواريث، فلا يرث منه القاتل و لا الكافر و لا العبد المملوك كما لا يرثون من سائر أموال التركة، و يمنع الأقرب من الوارثين الا بعد منهم في إرث حق الخيار كما يمنعه في إرث الأموال، و يحجب الوارث عن إرثه من حق الخيار ما يحجبه عن إرث سائر المال، و تقسم السهام فيه على أصحاب السهام كما تقسم فيها.

المسألة 267:

إذا كان المال الذي تعلق به الخيار مما يحرم منه بعض الورثة، فهل يحرم ذلك الوارث من ارث الخيار كما يحرم من ارث ذلك المال أو لا يحرم منه؟ و مثال ذلك أن يشتري الإنسان أرضا و يكون له حق الخيار في شرائها، لغبن أو وجود عيب أو شرط، أو يبيع أرضا و يكون له الخيار في بيعها كذلك ثم يموت صاحب الخيار فهل ترث زوجته من خياره في الأرض أو تحرم منه كما تحرم من إرث الأرض؟

و مثال ذلك أيضا أن يبيع الرجل من أمواله أعيان الحبوة التي يختص بها ولده الذكر الأكبر و لا يرث منها غيره، و يكون له الخيار في بيعها، أو يشتريها و يكون له الخيار في شرائها ثم يموت الرجل قبل أن يأخذ بخياره فهل يحرم غير الولد الذكر الأكبر من ميراث الخيار كما يحرم من إرث الحبوة أو لا يحرم منه؟ الأقرب حرمان ذلك الوارث من ارث الخيار إذا كان المال الذي تعلق به الخيار منتقلا عن الميت، و لا يحرم من ارث الخيار إذا كان المال منتقلا اليه، فإذا باع الرجل

أرضه و كان له الخيار في بيعها ثم مات لم ترث زوجته من خياره في بيعها، و إذا اشترى أرضا من غيره و كان له الخيار في شرائها ورثت الزوجة من خياره في شرائها كسائر الورثة.

و كذلك الحكم إذا باع الرجل أعيان الحبوة أو اشتراها مع الخيار ثم مات، فلا يرث غير الولد الذكر الأكبر من الخيار في الصورة الأولى، و يرث منه في الصورة الثانية.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 110

المسألة 268:

إذا مات صاحب الخيار و كان له ورثة متعددون ثبت لكل واحد منهم الخيار مستقلا في حصته خاصة، و قد تقدم قريبا ان سهام الورثة في إرثهم من الخيار تكون على مقادير سهامهم في ميراث المال، و نتيجة لذلك فيجوز لكل فرد من الورثة أن يفسخ العقد في حصته، و يجوز له ان يمضي العقد فيها.

و لا يؤثر فسخه العقد في حصته شيئا إلا إذا رضي من عليه الخيار بذلك، فينفسخ العقد حين ذاك في حصته خاصة، و لا ينفسخ العقد في الجميع حتى يتفق جميع الورثة فيفسخ كل فرد منهم في حصته، فينفسخ العقد في الجميع سواء رضي من عليه الخيار أم لم يرض.

المسألة 269:

إذا اتفق الورثة ففسخوا البيع الذي عقده مورثهم، وجب عليهم ان يردوا الثمن على المشتري، فإذا كانت عين الثمن موجودة وجب عليهم دفع العين اليه و إذا كانت تالفة أو منتقلة عن ملكهم بناقل شرعي وجب عليهم رد بدلها و هو المثل أو القيمة من تركة الميت، فان الثمن بعد الفسخ بعض ديونه، و إذا فسخ بعض الورثة في حصته و لم يفسخ الآخرون منهم و رضي المشتري بذلك، وجب على الفاسخ بل على الورثة أيضا ان يدفعوا ثمن الحصة من العين إذا كانت موجودة و إذا كانت العين تالفة أو منتقلة عن ملكهم فالأحوط الرجوع الى المصالحة في إخراج ثمن الحصة من التركة أو من حصة الفاسخ خاصة.

المسألة 270:

إذا جعل المتعاقدان الخيار في العقد لشخص آخر غيرهما أو شرط أحد المتعاقدين ذلك و قبل به الآخر- كما ذكرناه في المسألة المائة و التاسعة و الخمسين، ثم مات الشخص الأجنبي الذي جعل له الخيار لم ينتقل حق الخيار منه الى وارثه من بعده، إلا إذا علم أن الخيار في العقد قد جعل حقا لذلك الأجنبي على كل حال سواء كان حيا أم ميتا، فإذا علم ذلك انتقل الخيار بعد موته الى وارثه و ان كان الفرض بعيدا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 111

المسألة 271:

إذا تلف الشي ء المبيع في مدة الخيار و قبل انتهائها، فإن كان الخيار الذي حصل فيه التلف هو خيار الحيوان، فالظاهر ان تلف المبيع فيه يكون من مال البائع، و كذلك الحكم إذا كان الخيار الذي وقع التلف فيه هو خيار الشرط للمشتري، فيكون تلف المبيع من مال البائع أيضا.

و إذا كان الخيار هو خيار الشرط للبائع، فالظاهر ان تلف المبيع في زمانه يكون من مال المشتري.

و إذا كان الخيار هو خيار المجلس، فهل يكون تلف المبيع في زمانه بعد القبض من مال المشتري أيضا؟. فيه اشكال.

الفصل السابع في ما يدخل في المبيع
المسألة 272:

إذا باع الإنسان على غيره شيئا و أطلق المتعاقدان اسم ذلك المبيع بينهما و لم يذكرا ما يدل على عموم أو خصوص، دخل في البيع كل ما يدل عليه اسم ذلك الشي ء بحسب المتفاهم العرفي بين الناس، و ما تدل القرائن العامة أو الخاصة بينهم على دخوله فيه من أجزاء أو توابع أو غير ذلك، مما جرى التعارف أو العادة على شمول الاسم أو البيع له، و هذا هو ما يقصده المتعاقدان بحسب ارتكازهما الإجمالي عند اجراء المعاملة على الشي ء و ان لم يلتفتا اليه على وجه التفصيل.

المسألة 273:

إذا باع الرجل على غيره بستانا، دخلت في المبيع أرض البستان و ما فيه من نخيل و شجر و فسيل، و ما حوطه من جدار أو خص أو اسلاك أو غير ذلك مما جرت به العادة في تسوير البساتين و ما يكون للسور المحيط به من أبواب و منافذ و إغلاق للأبواب، و ما في البستان من بئر أو عين خاصة أو نهر أو ساقية أو حوض أو مجاري لإخراج المياه التي تنفصل من الأرض و الأشجار، و كالناعور و وسائل السقي و أدواتها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 112

إذا جرت العادة بدخولها في اسم المبيع، و الأبنية التي تنشأ في البستان لبعض مرافقه و مصالحه و العرائش التي تجعل للكرم و بعض الأشجار المتسلقة، و الحضيرة و هو الموضع الذي يعد لجمع التمر و تشميسه و تصفيته و قد يستعمل لغير التمر من الثمار، و ما أشبه ذلك من التوابع و المرافق التي تلحق بالبستان عرفا أو عادة، و قد تختلف البلاد أو العادات في ذلك فيلحق كلا حكمه.

المسألة 274:

إذا باع الرجل على غيره أرضا، فالظاهر ان النخيل و الشجر الذي يوجد في الأرض لا يدخل في اسم المبيع عرفا و لا يكون له تابعا فلا يشمله البيع الا مع اشتراط دخوله، و إذا باعه دابة أو بقرة أو غيرهما من إناث الحيوان و كانت حاملا، أو باعه شجرة و كانت مثمرة، فلعل المتعارف بين الناس أن يدخل الحمل في بيع الأم و ان تدخل الثمرة في بيع الشجرة، فإذا ثبت هذا التعارف كان قرينة على دخولهما في المبيع، و الا فلا يشملهما البيع، فلا بد من الملاحظة.

المسألة 275:

إذا باع الرجل على غيره نخلا و عليه ثمر، فان كان ثمر النخل قد أبر أي لقح فهو للبائع و ان لم يلقح بعد فالثمر للمشتري، و هذا التفصيل يختص ببيع النخل، فإذا باع غير النخل من أنواع الشجر و كان له ثمر، فثمره للبائع سواء أبر أم لم يؤبر، و كذلك الحكم إذا نقل النخل الى ملك غيره بغير البيع من النواقل الشرعية كالصلح و الهبة، فإن ثمر النخل يكون للناقل سواء لقح أم لم يلقح، و إذا دلت القرينة العامة أو الخاصة على دخول الثمر في البيع شمله و كان للمشتري و قد ذكرنا هذا في المسألة المتقدمة.

المسألة 276:

إذا باع الرجل على غيره نخيلا أو شجرا و بقي الثمر ملكا للبائع، و احتاج الثمر إلى السقي، جاز للبائع أن يسقيه، سواء كان قد اشترط في العقد على المشتري أن تبقى الثمرة على أصولها أم لم يشترط عليه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 113

ذلك، و ليس للمشتري ان يمنعه من السقي في كلتا الصورتين، و إذا احتاجت الأصول إلى السقي، جاز للمشتري أن يسقيها، و ليس للبائع منعه، هذا إذا لم يتضرر الآخر بالسقي.

و إذا كان السقي مضرا بأحدهما و ترك السقي مضرا بالآخر، فان كان البائع قد شرط على المشتري في ضمن العقد أن تبقى الثمرة على أصولها إلى أوان جذاذها، و قبل المشتري بشرطه، فالظاهر تقديم حق البائع، و ان لم يشترط عليه ذلك، فالأحوط إيقاع المصالحة بينهما و لو بالمعاوضة عن بعض الإضرار.

المسألة 277:

إذا باع الشخص على غيره بستانا، و استثنى لنفسه من البستان نخلة أو نحوها، فللبائع حق المرور الى نخلته و الخروج منها، و له من أرض البستان مدى جرائد النخلة و مسرى عروقها فيها، و لا يجوز للمشتري أن يمنعه عن شي ء من ذلك، فيصد الجرائد أو العروق عن أخذ مداها، أو يمنع الرجل عن الدخول الى نخلته و الخروج منها.

المسألة 278:

إذا باع الإنسان على أحد دارا، دخل في اسم المبيع أرض الدار و بناؤها، ما علا من البناء و ما سفل، الا ان تدل الامارات على استقلال أحدهما عن الآخر و عدم التبعية له فلا يدخل أحدهما في بيع الآخر حين ذاك.

و مثال ذلك أن تكون الدار المبيعة في الطابق الأسفل من البناية، و يكون الطابق الأعلى دارا أخرى مستقلة بمدخلها و مخرجها و مرافقها، أو يكون فندقا للنزلاء، أو شققا معدة للإجارة، أو محلات معدة للتجارة.

أو تكون الدار المبيعة في الطابق الأعلى، و يكون الطابق الأدنى دكاكين و حوانيت و مواضع للإجارة أو فندقا أو ما يشبه ذلك.

و يدخل في بيع الدار السرداب و النفق الذي يوجد فيها، و الأبواب و الشبابيك و الرواشن و السلالم المثبتة، و الأخشاب و الحديد الذي يستدخل في البناء أو يجعل دعائم تعتمد عليها السقوف، و يدخل في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 114

بيعها ما يوجد فيها من نخيل أو شجر، و الحديقة التابعة للدار، المتعارف وجودها في المنازل الغربية الوضع، و المجالس التي تعد لاستقبال الضيوف و الزوار الرجال، و تدخل في بيعها الاسلاك الكهربائية و أنابيب الماء و الحنفيات و المغاسل المثبتة، و نحو ذلك من التوابع، الا ان تدل القرينة على الاستقلال و عدم

التبعية في بعض ما ذكر، أو يشترط البائع عدم دخوله في البيع.

المسألة 279:

لا تدخل في بيع الأرض الأحجار التي توجد مدفونة فيها و لا الكنوز التي قد توجد مستودعة فيها، و لا يشمل بيعها المعادن الجوفية التي توجد في أعماق الأرض و لا تعد من توابع الأرض في نظر أهل العرف، نعم يشمل بيع الأرض ما يتكون فيها من أحجار و معادن إذا كانت من توابع الأرض في نظر أهل العرف.

الفصل الثامن في التسليم و القبض
المسألة 280:

إذا تم عقد البيع بين البائع و المشتري وجب عليهما تسليم العوضين اللذين وقعت المبادلة بينهما، فيجب على البائع تسليم المبيع إلى المشتري، و يجب على المشتري تسليم الثمن إلى البائع، إلا إذا شرط أحدهما على صاحبه أن يؤخر تسليم العوض اليه، فينفذ له شرطه.

و لا يجوز للبائع و لا للمشتري أن يؤخر التسليم مع عدم الشرط إلا إذا رضي له صاحبه بالتأخير، أو كان معذورا في ذلك.

المسألة 281:

إذا امتنع المتبايعان عن تسليم العوضين من غير شرط و لا عذر أجبرا على التسليم، و إذا امتنع أحدهما عن التسليم من غير شرط و لا عذر، مع بذل صاحبه العوض الذي عنده اجبر الممتنع.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 115

المسألة 282:

إذا شرط أحد المتبايعين على صاحبه في ضمن العقد أن يؤخر التسليم مدة، و قبل الآخر بذلك ثبت له شرطه و جاز له التأخير كما تقدم، و لا بد و أن تكون مدة التأخير المشترطة معينة معلومة عند الطرفين، و إذا هو أخر التسليم من قبله مع الشرط، فليس للآخر ان يمتنع عن تسليم ما لديه.

المسألة 283:

إذا انقضت المدة التي اشترط البائع أو المشتري فيها تأخير التسليم من قبله، و استمر على عدم التسليم بعد انقضاء مدة شرطه من غير عذر، جاز للآخر أن يمتنع عن تسليم العوض الذي عنده إذا لم يكن قد سلمه إياه من قبل.

المسألة 284:

يجوز للبائع ان يشترط لنفسه على المشتري ان ينتفع بالمبيع مدة، فيسكن الدار المبيعة مثلا أو يزرع الأرض المبيعة، أو يركب الدابة أو السيارة المبيعة، أو يستخدم المملوك المبيع فإذا قبل المشتري بشرطه نفذ و وجب على المشتري الوفاء به، و لا بد و أن تكون مدة الانتفاع المشترطة معينة معلومة عند الطرفين.

و إذا كان الثمن في المعاملة شخصيا معينا و كانت له منافع معلومة، جاز للمشتري كذلك ان يشترط لنفسه على البائع ان ينتفع بالثمن مدة معلومة على نهج ما تقدم في المبيع.

المسألة 285:

القبض يعني استيلاء القابض على الشي ء و وضع يده عليه، و لا فرق في ذلك بين المنقول من الأشياء و غير المنقول منها، و ان اختلف الأمر في الأفراد باختلاف الشي ء المستولي عليه، فالاستيلاء على الثوب أو على الحيوان مثلا يحصل بأخذه باليد أو أخذ زمامه أو إمساك حبله، و كذلك الاستيلاء على الدينار أو على الكتاب أو على السيارة، أو على سائر المنقولات. و الاستيلاء على الدار أو على الحانوت أو البستان يتحقق بالتسلط الخارجي على التصرف فيها. هذا من ناحية القابض.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 116

و أما من ناحية الدافع، فالتسليم أو الإقباض يعني دفع الشي ء الى صاحبه، من غير فرق كذلك بين المنقول من الأشياء و غير المنقول، و دفع الشي ء الى صاحبه قد يحصل في بعض الأشياء بتسليمه إليه باليد كما في الثوب و الحيوان و الكتاب و الدينار و السيارة و نحو ذلك، و قد يتحقق بتسليط صاحب الشي ء عليه تسليطا خارجيا، بأن يرفع الدافع يده عن الشي ء و يأذن للقابض في التصرف فيه كيف يريد، و يرفع عنه المنافيات الآخرى حتى يصبح في نظر العقلاء

مستوليا على الشي ء استيلاء كاملا و متسلطا على التصرف فيه، و هذا في الأشياء غير المنقولة كالدار و البستان و الحانوت و أمثالها، و هذا هو المقدار المعتبر من التخلية في تحقق معنى الإقباض و التسليم، و لا يكفي من التخلية ما يكون أقل من ذلك. و من هذا التفصيل قد اتضح المراد من التسليم الواجب على المتبايعين في المنقول من الأشياء و غير المنقول منها.

المسألة 286:

إذا تم عقد البيع بين البائع و المشتري ملك كل منهما المال الذي انتقل اليه بالبيع، فيصبح المال المبيع ملكا للمشتري و يملك جميع نمائه و نتاجه الذي يتجدد بعد البيع، سواء قبض الأصل من البائع أم لم يقبضه، بل و ان تلف الأصل قبل أن يقبضه من البائع.

و كذلك الحكم في الثمن فيصبح بعد ان يتم البيع ملكا للبائع، و يملك جميع نتاجه و نمائه، فإذا كان الثمن شخصيا معينا و تجدد له بعد البيع نماء أو نتاج فهو ملك للبائع سواء قبض أصل الثمن من المشتري أم لم يقبضه، و سواء تلف أصل الثمن بعد النمو و النتاج أم لم يتلف، بل و ان تلف الأصل قبل قبضه من المشتري، و إذا كان الثمن كليا في الذمة فلا يتعين الفرد الخارجي للمشتري الا بعد التعيين، فإذا تعين و قبضه المشتري ملك ما يتجدد بعد ذلك من نمائه و نتاجه.

المسألة 287:

إذا تلف المال المبيع قبل أن يقبضه المشتري من البائع انفسخ عقد البيع و رجع كل من المالين الى ملك مالكه الأول، فيرجع المبيع الى ملك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 117

البائع و يكون تلفه عليه، و يرجع الثمن إلى المشتري و لا يرجع معهما النماء الذي تجدد لهما قبل انفساخ العقد فنماء المبيع الذي حصل منه في تلك الفترة لا يزال ملكا للمشتري و لا يرجع مع أصل المبيع الى ملك البائع، و نماء الثمن الذي حصل منه في تلك الآونة لا يزال ملكا للبائع و لا يرجع بعد انفساخ البيع مع أصل الثمن الى ملك المشتري.

و كذلك الحكم في ما إذا تعذر الوصول الى المال المبيع قبل قبضه من البائع كما إذا

سرقه سارق أو غصبه غاصب أو غرق في بحر و كما إذا شرد الجمل أو أبق العبد أو أفلت الطائر فلا يمكن العثور عليه، فينفسخ البيع و يكون في حكم التلف من مال البائع.

المسألة 288:

إذا كان الثمن شخصيا معينا و تلف قبل أن يقبضه البائع من المشتري انفسخ عقد البيع و رجع كل من الثمن و المثمن الى ملك مالكه الأول، فيعود الثمن ملكا للمشتري و يكون تلفه عليه و يجري في هذا الفرض جميع ما ذكرناه في المسألة المتقدمة من الأحكام و الآثار سواء بسواء، و كذلك الحكم في ما إذا تعذر الوصول الى الثمن الشخصي كما إذا غصب أو نهب أو غرق قبل قبضه من المشتري و قد تقدم بيانه في المسألة السابقة أيضا.

المسألة 289:

ما ذكرناه من الأحكام في تلف المبيع قبل قبضه من بائعه إنما تترتب في ما إذا كان التلف بإحدى الآفات الموجبة للتلف، و لا تعم ما إذا وقع التلف بعمل البائع نفسه أو بصنع أحد أجنبي يمكن رجوع المشتري اليه و أخذ بدل الشي ء التالف منه، فان الظاهر صحة العقد في هاتين الصورتين و للمشتري ان يرجع على البائع في الصورة الأولى، و على المتلف الأجنبي في الصورة الثانية بمثل الشي ء التالف إذا كان مثليا و بقيمته يوم التلف إذا كان قيميا.

و كذلك الحكم في الثمن الشخصي إذا أتلفه المشتري نفسه قبل قبضه منه أو أتلفه أجنبي يمكن الرجوع عليه ببدل التالف فلا ينفسخ العقد بل يصح البيع و يكون للبائع الرجوع على من أتلف الثمن بالمثل أو القيمة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 118

المسألة 290:

إذا تحقق القبض على الوجه الذي تقدم منا بيانه في المسألة المائتين و الخامسة و الثمانين و حصل الاستيلاء عرفا على الشي ء ترتبت أحكام القبض، و خرج به الشي ء عن ضمان بائعه فلا يكون تلف المبيع بعد ذلك من مال البائع، و لا يكون تلف الثمن الشخصي بعد ذلك من مال المشتري.

و يكفي في تحقق القبض أيضا ان يسلم البائع المال المبيع الى الوكيل المفوض من قبل المشتري، و ان يسلم المشتري الثمن الى الوكيل المفوض من قبل البائع، و يكفي أن يأمره المشتري بأن يسلم المال الى رجل معين، فإذا دفع البائع المال الى ذلك الشخص فقد حصل القبض، و برئت ذمة البائع، و يكفي كذلك ان يأمره المشتري بأن يرسل المال الى موضع معين، متجر، أو مصرف، أو بنك في البلد، أو الى موضع معين في بلد آخر، فإذا

أرسل البائع المال أو أرسله وكيله المفوض منه الى الموضع الخاص و اطمأن بوصوله فقد حصل القبض، و كذلك الحكم في قبض البائع الثمن.

المسألة 291:

إذا باع الشخص على غيره شيئين أو عدة أشياء و تلف بعض الأشياء المبيعة قبل قبضها و لم يتلف الباقي منها، تبعض العقد، فانفسخ البيع في خصوص الشي ء التالف، و رجعت حصة ذلك التالف من الثمن إلى المشتري، و كان تلف ذلك المبيع من مال بائعه، و صح البيع في الأشياء الباقية التي لم تتلف بما يخصها من الثمن، و ثبت للمشتري فيها الخيار، لتبعض الصفقة، فيجوز له أن يفسخ العقد، فيرد الأشياء المذكورة غير التالفة على بائعها، و يسترد منه حصتها من الثمن، و يجوز له ان يرضى بالبيع في هذه الأشياء غير التالفة بحصتها من الثمن.

المسألة 292:

إذا حدث في المال المبيع احد العيوب بعد العقد و قبل أن يقبضه المشتري من بائعه فقد ذكرنا في المسألة المائتين و الخامسة و الأربعين ان

كلمة التقوى، ج 4، ص: 119

الحكم في هذا العيب مشكل في جميع فروض المسألة فلا يترك الاحتياط بالرجوع إلى المصالحة في جميعها.

و يستثنى من ذلك فرض واحد، و هو ما إذا كان حدوث العيب في المال بفعل المشتري نفسه، فلا يكون للعيب أثر، فيكون بيع البائع لازما و لا خيار فيه للمشتري.

المسألة 293:

يجب على البائع أن يخلي المبيع عند تسليمه من أثاثه و أمتعته، و من أي شي ء يمنع المشتري أو يزاحمه في تصرفاته في المبيع، فعليه أن يفرغ الدار المبيعة و الحانوت المبيع و الفندق المبيع مما فيها من أثاث و أمتعة و فرش و أجهزة و أدوات و آلات و حوائج لا تدخل في المبيع و لا يشملها البيع. و إذا كانت الدار أو المحل مبلطا بحجارة و اشترط البائع عدم دخولها في المبيع وجب عليه قلعها و إخراجها و تسوية الأرض، و كذلك إذا كان له في الأرض شي ء مدفون، حجارة أو حديد أو غير ذلك مما يمنع من الزراعة أو البناء فيها أو يمنع الانتفاع بها بوجه آخر أو كان البائع قد اشترط عدم شمول البيع له فيجب عليه إخراجه و تسوية الأرض و طم حفرها.

المسألة 294:

إذا احتاج البائع في إخراج بعض الأثاث أو الأشياء من المنزل أو المحل المبيع الى هدم بعض جدرانه، هدمه و اخرج أثاثه و وجب عليه بعد ذلك تعمير البناء و إصلاح ما استهدم.

المسألة 295:

إذا كان البستان المبيع مشغولا بزرع للبائع، فإن كان قد حل أوان حصاد الزرع وجب على البائع حصاده و اخلاء الموضع منه، و إذا كانت للغرس أو الزرع جذور تضر بزراعة البستان و الانتفاع به بعد ذلك وجب على البائع استيصال الجذور و تنقية الأرض منها و تسوية الأرض بعد ذلك.

و ان لم يحن وقت حصاد الزرع، فان اشترط البائع على المشتري

كلمة التقوى، ج 4، ص: 120

بقاء الزرع في الأرض مع الأجرة أو بدونها وجب العمل بما شرط، و ان لم يشترط عليه شيئا، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة بينهما و خصوصا إذا كان المشتري جاهلا بوجود الزرع في البستان أو كان جاهلا بحاجة الزرع الى البقاء.

المسألة 296:

يجوز للرجل أن يبيع المال الذي اشتراه و لم يقبضه من بائعه عليه إذا كان الشي ء المبيع غير مكيل و لا موزون، سواء أراد بيعه على مالكه الأول أم على غيره، و سواء باعه برأس ماله أم بربح.

و إذا كان الشي ء المبيع مما يكال أو مما يوزن، فالظاهر جواز بيعه أيضا قبل قبضه إذا كان بيعه تولية اي برأس ماله، و الأحوط لزوما المنع إذا كان البيع مرابحة، سواء أراد بيعه على بائعه الأول أم على غيره في كلا الحكمين.

و هذا في غير مال السلف إذا أراد بيعه على بائعه أو على غيره، قبل حلول الأجل أو بعد حلوله و قبل القبض، و سيأتي التعرض ان شاء اللّٰه تعالى لبيان الحكم في ذلك في فصل بيع السلف.

الفصل التاسع في النقد و النسيئة
المسألة 297:

إذا باع الرجل على أحد شيئا بثمن معلوم، فقد لا يجعل المتعاقدان للثمن أجلا، فيكون الثمن حالا، سواء أطلقا العقد بينهما فلم يذكرا للثمن أجلا، أم صرحا في العقد بعدم التأجيل و يسمى نقدا باعتبار حلول الثمن و جواز مطالبة البائع به بعد إتمام العقد، و النقد هو تعجيل الثمن، فإذا دفع المشتري الثمن إلى البائع معجلا فقد نقده كما يقول اللغويون، و يوصف به البيع باعتبار نقد الثمن فيه، فيقال باع الرجل الشي ء نقدا أي بثمن معجل.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 121

و قد يشترط المشتري أو البائع تأجيل الثمن، فيسمى ذلك نسيئة، و النسيئة بمعنى التأخير و التأجيل و يوصف به البيع كذلك باعتبار تأجيل الثمن فيه، فيقول المتعاملون باع الرجل متاعه نسيئة، أي بثمن مؤجل.

المسألة 298:

إذا باع الرجل على غيره متاعا، و لم يشترط البائع أو المشتري على صاحبه في العقد ان يكون الثمن مؤجلا كان الثمن حالا، فيجوز للبائع بعد ان يتم العقد بينه و بين المشتري، و بعد ان يدفع اليه المبيع: ان يطالبه بالثمن فعلا و في أي وقت أراد، و إذا طالب البائع المشتري بالثمن وجب على المشتري دفعه اليه، و لم يجز له الامتناع عنه الا إذا امتنع البائع عن تسليم المبيع اليه من غير عذر و لا شرط، و إذا دفع المشتري الى البائع الثمن بعد انتهاء العقد وجب على البائع أخذه، و لم يجز له أن يمتنع من قبضه.

المسألة 299:

إذا شرط المشتري في ضمن العقد تأجيل الثمن كان نسيئة، فلا يجوز للبائع أن يطالب المشتري بالثمن قبل حلول الأجل المعين بينهما، وفاء بالشرط، و لا يجب على المشتري ان يدفع الثمن للبائع قبل حلول الأجل و ان طالبه به البائع.

المسألة 300:

إذا اشترط المشتري على البائع تأجيل الثمن، ثم دفع اليه الثمن قبل حضور أجله فالظاهر وجوب أخذه على البائع الا أن تكون على البائع في أخذه منه قبل الأجل منة لا يتحملها، أو تدل القرائن على ان تأجيل الثمن في المقام حق من حقوق البائع كما هو حق للمشتري، فلا يجب عليه أخذ الثمن حين ذلك.

المسألة 301:

إذا اشترط في العقد تأجيل الثمن، فلا بد من ان يعين له أجلا، و لا بد من ان يكون الأجل محددا مضبوطا من الزيادة و النقصان، فلا يصح ان يشترط التأجيل و لا يعين له أجلا، و لا يصح ان يعين أجلا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 122

يتردد بين الزيادة و النقصان، و مثال ذلك ان يؤجل دفع الثمن الى ان يقدم زيد من سفره، أو الى يوم حصاد الزرع أو الى حين بيع التمر أو الى وقت جذاذ الثمرة، و لا يكفي ان يذكر أجلا معينا في نفسه الا ان المتعاقدين يجهلان موعده، و مثال ذلك ان يشترط تأجيل الثمن إلى أول يوم من برج الحمل أو الى أول يوم من برج الميزان أو الى أول يوم من السنة الميلادية فلا يصح إذا جهل المتعاقدان موعد ذلك، بل و لا يصح إذا جهله أحدهما.

المسألة 302:

الظاهر صحة البيع إذا اشترط فيه تأجيل دفع الثمن إلى أول يوم من الشهر القادم و كان الشهر الحاضر مرددا بين التمام و النقصان، بل الظاهر صحة البيع إذا جعل الأجل أول يوم من شهر رمضان المقبل و هما في شهر رمضان الحاضر، و تردد الناقص من أيام السنة بين الأقل و الأكثر.

المسألة 303:

إذا باع الإنسان على غيره شيئا بثمن معين يدفعه اليه نقدا، و بثمن أكثر منه يدفعه إليه نسيئة إلى أجل مسمى و جرى الإيجاب و القبول بين المتبايعين على ذلك، فالظاهر صحة البيع بالثمن الأقل إلى المدة المعينة، و مثال ذلك ان يبيعه داره مثلا بألف دينار يدفعه اليه معجلا، و بألفي دينار يدفعها اليه بعد مضي سنة من يوم وقوع البيع بينهما، و يقبل المشتري منه البيع على هذه الصورة، فيصح بيع الدار بألف دينار مؤجلة إلى مضي سنة من اليوم المعين، و ان كان الأحوط ان يتقايل المتبايعان من العقد الذي أوقعاه بينهما ثم ينشئا بيعا جديدا حسب ما يريدان.

المسألة 304:

إذا باع الرجل على غيره شيئا بثمن معين يدفعه اليه بعد مدة معينة، و بثمن معين آخر أكثر من الأول يدفعه اليه بعد مدة معينة هي أطول من المدة الأولى، و جرى الإيجاب و القبول بين المتبايعين على ذلك كما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 123

في المسألة المتقدمة، فالظاهر عدم صحة البيع، و مثال ذلك أن ينشئ الرجل بيع داره على المشتري بألف دينار يدفعه المشتري إليه بعد مضي شهر من يوم العقد، و بألفي دينار يدفعهما اليه بعد مضي سنة كاملة من يوم العقد، و يقبل المشتري منه الإيجاب على هذه الصورة، فلا يصح البيع كما قلناه.

المسألة 305:

إذا كان الثمن الذي اشترى الإنسان به المبيع حالا، أو كان نسيئة فحل بعد ذلك أجله، و أراد المشتري ان يزيد البائع على الثمن مبلغا آخر من المال ليؤخره في الجميع إلى أجل فالظاهر عدم جواز ذلك، و كذلك الحكم في كل دين حال، و مثال ذلك أن يكون الثمن الحال أو الدين الحال ألف دينار، فيزيد المدين على المبلغ المذكور مائة دينار ليؤجله صاحب الدين بالجميع إلى ستة أشهر أو الى سنة، فلا يجوز ذلك، سواء أجرى المعاملة على نحو البيع أم على نحو الصلح.

المسألة 306:

إذا كان الثمن الذي اشترى الإنسان به الشي ء المبيع مؤجلا إلى أمد معين و أراد المشتري أن يزيد للبائع في مقدار الثمن ليزيد البائع له في مقدار الأجل فلا يجوز له ذلك، و كذلك الحكم في كل دين مؤجل، و مثال ذلك أن يكون الثمن الذي اشترى به المبيع ألف دينار يدفعه إلى البائع بعد ستة أشهر أو يكون مدينا لأحد بالمبلغ المذكور إلى الأجل المذكور، فيزيد للبائع أو للدائن على مقدار دينه مائة دينار أخرى ليؤجله في الجميع إلى مدة سنة، فلا يجوز له ذلك في كلتا الصورتين.

المسألة 307:

إذا كان الثمن الذي اشترى الإنسان به الشي ء المبيع مؤجلا إلى مدة معينة، جاز للمشتري ان يصالح البائع عن الثمن المؤجل الذي له في ذمته بمبلغ هو أقل من الثمن يدفعه اليه معجلا فإذا صالحه كذلك و دفع اليه المبلغ المعين برئت ذمته من الثمن، و يجوز للبائع ان يأخذ من المشتري المدين له مقدارا من الثمن المذكور نقدا و يبرئ ذمته عن الباقي منه، و كذلك الحكم في كل دين مؤجل فيصح فيه ذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 124

المسألة 308:

إذا كان المشتري مدينا للبائع بالثمن إلى أجل معين لم يجز له أن يدفع للبائع بعض الثمن المذكور نقدا ليؤخر البائع له بقية الثمن إلى أجل آخر هو أطول مدة من الأجل الأول، و كذلك الحكم في كل دين مؤجل فلا يصح فيه ذلك.

المسألة 309:

إذا كان للرجل دين مؤجل على احد و أراد الدائن بيع ذلك الدين المؤجل بثمن من جنسه نقدا، و الثمن المذكور أقل من الدين المبيع، لم يصح ذلك إذا كان مما يكال أو يوزن لأنه ربا و جاز بيعه إذا كان غير مكيل و لا موزون، سواء كان البيع على المدين نفسه أم على غيره في كلتا الصورتين.

المسألة 310:

إذا اشترى الإنسان الشي ء نسيئة، أي بثمن قد اشترط تأخيره إلى أجل مسمى كان الشي ء ملكا له، فيجوز له بيع ذلك الشي ء، و يجوز للأخرين شراؤه منه، سواء أراد المشتري بيعه قبل حضور الأجل المسمى لثمنه أم بعد حلوله، و سواء أراد بيعه على مالكه السابق الذي اشتراه منه أم على غيره، و سواء كان الثمن في البيع الثاني من جنس الثمن الأول الذي اشتراه به أم من غير جنسه، و سواء كان مساويا للثمن الأول في المقدار أم زائدا عليه أم ناقصا عنه، و سواء كان الثمن الثاني حالا أم مؤجلا، فيصح البيع و الشراء له في جميع الصور.

المسألة 311:

إذا باع الإنسان على غيره شيئا، و اشترط البائع على المشتري في ضمن العقد ان يبيع عليه ذلك الشي ء بعد أن يملكه منه بالشراء، أو اشترط المشتري على البائع في ضمن العقد كذلك أن يشتري منه ذلك الشي ء بعد أن يملكه المشتري منه بالبيع، فلا يترك الاحتياط باجتنابه سواء كان في الشرط أن يكون البيع الثاني بأقل من الثمن الأول أم بمثله أم بأكثر منه أم لم يشترط في الثمن شيئا، و قد تقدم ذكر هذا الحكم في المسألة المائتين و الثانية و الستين.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 125

الفصل العاشر في المرابحة و أخواتها
المسألة 312:

ما تجري عليه المعاملات بين الناس في البيع و الشراء يكون على احد أنواع.

(النوع الأول):

أن يعرض البائع سلعته للبيع، فإذا ورد عليه المشتري و سأله عن ثمن السلعة ذكر له القيمة التي يرغب في بيع السلعة بها، فيتساومان في ذلك، فإذا هما اتفقا على مقدار الثمن جرى بينهما عقد البيع على ذلك، و يسمى هذا النوع بالمساومة، و هو الطريقة الغالبة في التعامل بين الناس و ذكر بعض الفقهاء، أنه أفضل الأنواع، و لعل المراد في النصوص التي استدل بها على ذلك أن المساومة أبعد الأنواع عن الشبهة و أسلمها عما يكره.

(الثاني): أن يذكر البائع للمشتري المبلغ الذي اشترى به السلعة، و يذكر له مقدار الربح الذي يطلبه من بيعها، و يتفاهما على ذلك، فإذا هما اتفقا على مقدار ما يأخذه البائع من الربح على السلعة جرى العقد بينهما على ذلك، و يسمى هذا النوع بالمرابحة.

(الثالث): أن يذكر البائع للمشتري المبلغ الذي اشترى به السلعة، و يذكر له انه لا يطلب من بيع السلعة ربحا لبعض الغايات التي يريدها، فإذا اتفق مع المشتري على الثمن جرى

العقد و باع عليه السلعة برأس مالها، و يسمى هذا النوع بالتولية.

(الرابع): ان يذكر البائع للمشتري المبلغ الذي اشترى به السلعة، و يتفقا بعد التفاهم على أن يضع البائع للمشتري من ثمن السلعة الذي اشتراها به شيئا و يجري العقد بينهما على ذلك و يسمى هذا النوع بالمواضعة.

المسألة 313:

لا يكون البيع بيع مرابحة و لا مواضعة و لا تولية، و لا يصدق على المعاملة أحد هذه العناوين الثلاثة حتى يعلم مقدار رأس المال و هو

كلمة التقوى، ج 4، ص: 126

الثمن الذي اشترى البائع به السلعة، و يحصل العلم بذلك للمشتري اما بإخبار البائع نفسه بمقدار الثمن، و اما بالعلم به من الخارج، و اما بشهادة البينة المعتبرة به، و حتى يذكر البائع في العقد مقدار الربح الذي اتفقا عليه في عقد بيع المرابحة و مقدار الوضيعة التي ينقصها من الثمن للمشتري في بيع المواضعة، فيقول للمشتري: بعتك هذا الشي ء برأس ماله أو بالثمن الذي اشتريت الشي ء به، و هو مائة دينار مثلا، و زيادة خمسة دنانير، في صورة بيع المرابحة، و يقبل المشتري منه ذلك كما أنشأ، و يقول بعتك الشي ء بالثمن الذي اشتريته به و هو مائة دينار، و نقيصة خمسة دنانير من الثمن المذكور، في صورة بيع المواضعة، و يقبل المشتري كذلك و يقول له: بعتك الشي ء بما اشتريته به و هو مائة دينار من غير زيادة و لا نقيصة في صورة بيع التولية، و يكفي ان يقول له في هذه الصورة بعتك الشي ء بما اشتريته به و هو مائة دينار، و يقبل المشتري منه ما أنشأ و لا يكفي أن يقول له بعتك الشي ء برأس ماله (من غير تعيين للمقدار) مع

زيادة خمسة دنانير أو مع نقيصتها أو بدون زيادة و لا نقيصة، إلا إذا علم بمقدار رأس المال من الخارج أو شهدت البينة بمقداره كما ذكرناه.

المسألة 314:

كما يعتبر علم المشتري بمقدار رأس المال تفصيلا، فكذلك يعتبر علم بائع السلعة به فإذا اشترى السلعة وكيل البائع المفوض منه، و البائع نفسه لا يعلم مبلغ ثمنها، ثم أراد البائع بيعها من أحد مرابحة أو مواضعة أو تولية، فلا بد من أن يعلم بمقدار الثمن، و لا يكفي ان يقول للمشتري بعتك السلعة بما اشتراها به وكيلي مع زيادة كذا أو مع نقيصته أو بدون زيادة و لا نقصان.

المسألة 315:

الظاهر أنه يكفي علم الوكيل المفوض من قبل البائع بثمن السلعة إذا كان هو الذي يتولى بيعها على المشتري مرابحة أو مواضعة أو تولية و كانت وكالته مطلقة شاملة لذلك، و لا يعتبر في هذه الصورة علم المالك نفسه بمقدار الثمن، فإذا أنشأ الوكيل المطلق الوكالة عقد البيع

كلمة التقوى، ج 4، ص: 127

و قبل المشتري مع علمهما برأس المال صح البيع كما أرادا مع اجتماع بقية الشروط و ان لم يعلم المالك بمقدار الثمن، و لا يكفي ذلك إذا كان وكيلا في إجراء الصيغة خاصة، أو كان وكيلا في المعاملة الأولى دون المعاملة الثانية.

المسألة 316:

إذا قال البائع للمشتري في عقد المرابحة: بعتك هذا الشي ء بما اشتريته به و هو مائة دينار و ربح دينار واحد في كل عشرة دنانير من الثمن، فان عرف المشتري من هذا القول حين العقد ان الثمن قد بلغ عليه مائة و عشرة دنانير، و قبل ذلك، صح البيع، و ان لم يتنبه المشتري لذلك حال العقد و احتاج في علمه بذلك إلى تأمل في الحساب، فان كانت مدة التأمل قليلة لا يصدق معها عرفا انه جاهل بالثمن، فالظاهر صحة البيع أيضا، و ان احتاج الى مدة يصدق معها انه جاهل بمقدار الثمن لم يصح البيع.

و كذلك الحكم إذا قال له في صورة بيع المواضعة: بعتك الشي ء برأس ماله و هو مائة دينار مع نقصان دينار في كل عشرة من الثمن فيصح البيع إذا علم المشتري حين العقد ان الثمن يكون تسعين دينارا، أو علم بذلك بعد تأمل يسير لا يصدق معه انه جاهل بقدر الثمن، و يبطل البيع في الصورة الأخيرة.

المسألة 317:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 4، ص: 127

إذا كان البائع قد اشترى السلعة بثمن مؤجل و أراد بيعها مرابحة وجب عليه أن يخبر المشتري بأجل الثمن، فان هو ذكر له مقدار الثمن و لم يخبره بالأجل، فالظاهر صحة البيع و يكون للمشتري من الأجل في الثمن مثل ما كان للبائع، و لا يترك الاحتياط بالتصالح و التراضي.

المسألة 318:

إذا تعددت النقود التي تنفق في البلد، فان دلت القرينة على النقد المراد كان العمل عليه، فإذا قال البائع للمشتري- و هما في العراق مثلا-: بعتك الشي ء بمائة دينار، انصرف العقد الى ان المراد الدينار

كلمة التقوى، ج 4، ص: 128

العراقي، و كذلك إذا كانا في الكويت أو في البحرين، فيكون التعامل في البلد قرينة على ان المراد الثمن من عملة ذلك البلد.

و إذا تعدد النقد الذي ينفق في البلد و لم تدل القرينة على تعيين المراد، وجب على البائع ذكر النقد، و ذكر مقدار صرفه، و يجب عليه كذلك ذكر الشروط التي أخذت عليه في بيع السلعة أو التي أخذها هو على بائعها حينما اشتراها منه، و ذكر أي شي ء من ملابسات ذلك إذا كان مما يؤثر في اختلاف الثمن.

المسألة 319:

إذا كان البائع قد اشترى جملة من الأمتعة و السلع صفقة واحدة بثمن واحد، جاز له ان يبيع الجميع مرابحة بعقد واحد، فيعرض على المشتري جميع السلع و الأمتعة المبيعة و يخبره بمقدار الثمن الذي اشتراها به و يعين له مقدار الربح و يجري معه العقد على ذلك، و لا يجوز له أن يفرد بعض السلع المبيعة عن بعض في التقويم، و نسبة قيمة البعض إلى قيمة المجموع و يبيعها مرابحة كذلك، الا أن يعلم المشتري بذلك و يرضى به.

المسألة 320:

إذا اشترى الإنسان أرضا أو دارا أو شيئا آخر بثمن معين، و لم يحدث في المبيع شيئا أو عملا يوجب زيادة قيمته، فلم يزد في الدار بناء و لم يزرع في الأرض و لم يغرس فيها و لم يصغ الذهب أو الفضة، فالثمن الذي اشترى به المبيع هو رأس ماله، فيجوز له إذا أراد بيعه مرابحة أو مواضعة أو تولية أن يقول للمشتري: اشتريت المال بكذا دينارا، أو يقول: رأس مالي فيه كذا: أو يقول هو علي بكذا أو يقول تقوم علي بكذا، ثم يذكر الربح الذي يطلبه من المشتري، أو النقيصة التي يضعها له من الثمن، أو يذكر انه يبيعه إياه برأس المال دون ربح أو خسران.

المسألة 321:

إذا اشترى الإنسان سلعة بثمن معين، ثم عمل فيها عملا، فصاغ الذهب أو الفضة أو طحن الحنطة أو خاط الثوب أو نسج الغزل،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 129

و كان العمل بأجرة للغير أو جعالة أو صلح، فلا يجوز له أن يجعل الأجرة التي دفعها للعامل أو الجعالة أو بدل الصلح جزءا من الثمن، فإذا كان ثمن الشي ء مائة دينار و كانت أجرة العمل عشرة دنانير، فلا يجوز له عند بيع المرابحة أن يقول للمشتري بعتك الشي ء بما اشتريته به و هو مائة و عشرة دنانير، و الأحوط إذا لم يكن هو الأقوى ان لا يقول له أيضا: بعتك الشي ء برأس ماله و هو مائة و عشرة دنانير، بل يقول له بعتك الشي ء بما تقوم به علي، أو يقول بعتك الشي ء بما هو علي، و هو كذا دينارا.

و إذا كان بعمل نفسه و لم يدفع فيه اجرة أو غيرها لم يجز له جميع ما تقدم، بل يقول للمشتري

انني اشتريت الشي ء بمائة دينار و عملت فيه عملا يساوي عشرة دنانير، ثم يقول: بعتك الشي ء بمجموع ما اشتريته به و ما يساوي قيمة عملي، و هو مائة دينار و عشرة دنانير، و بربح كذا أو نقيصة كذا، أو من غير ربح و لا نقيصة.

المسألة 322:

إذا اشترى الرجل الشي ء بمال معين، فوجد الشي ء معيبا و رجع على البائع بأرش العيب الموجود فيه، ثم أراد بيع ذلك الشي ء مرابحة، لم يجز له ان يخبر المشتري بالثمن الأول و لا يسقط منه أرش النقصان، بل يجب عليه أن يخبر المشتري بالأمر الواقع فيقول قد اشتريت الشي ء بمائة دينار مثلا و وجدت فيه عيبا، و أخذت من بائعه علي عشرة دنانير مثلا أرش العيب الموجود فيه فيكون الباقي من الثمن تسعين دينارا، و يجوز له أن يسقط الأرش من الثمن الأول، و يجعل الباقي هو الثمن أو رأس المال فيقول للمشتري: بعتك الشي ء بما اشتريته به أو برأس ماله، و هو تسعون دينارا مع ربح خمسة دنانير، أو وضيعة أربعة دنانير مثلا.

المسألة 323:

إذا اشترى الرجل المتاع بثمن معين، ثم أسقط البائع له مقدارا من ثمن المتاع إحسانا منه للمشتري أو مكافأة له على عمل، جاز للمشتري إذا أراد بيع المتاع مرابحة أن يخبر المشتري بالثمن الأول

كلمة التقوى، ج 4، ص: 130

و لا يخبره بما أسقطه البائع له من الثمن، بل يجوز له ذلك و ان أسقط له الثمن كله بعد أن تم بينهما البيع.

المسألة 324:

إذا أخبر البائع بأنه اشترى المتاع بمائة دينار، و باع المتاع على المشتري مرابحة بمائة و عشرة دنانير، ثم ثبت بعد ذلك كذب البائع في اخباره بالثمن، فالظاهر صحة البيع المذكور، و يكون للمشتري بعد ثبوت كذب البائع حق الخيار، فيجوز له أن يفسخ بيع المرابحة و يرد المتاع على بائعه و يسترد منه الثمن إذا كان دفعه اليه، و يجوز له ان يمضي العقد بما وقع عليه من الثمن و هو مائة و عشرة دنانير في المثال.

و لا فرق في الحكم بين أن يكون البائع كاذبا في مقدار الثمن و أن يكون كاذبا في أصل دعوى البيع و مثال ذلك ان يعلم أو يثبت بالبينة انه اشترى المتاع من بائعه عليه بتسعين دينارا أو بثمانين، لا بمائة دينار كما أخبر، أو انه لم يملك المتاع من مالكه الأول بشراء و ثمن، بل ملكه منه بالهبة بدون ثمن، سواء كان متعمدا في كذبه أم غالطا أم ناسيا.

المسألة 325:

إذا دفع المالك الى الدلال متاعا و وكله على بيعه له، و فرض له ثمنا معينا فقال له مثلا، ثمن المتاع عشرون دينارا، فإن أنت زدت في بيعه على العشرين فالزائد لك، فلا يجوز للدلال أن يبيع المتاع مرابحة و يعتبر القيمة التي فرضها المالك للمتاع و هي العشرون دينارا رأس مال له و يجعل الزائد على ذلك ربحا يأخذه من مشتري المتاع، بل يجوز له أن يبيع المتاع مساومة من غير أن يخبر المشتري بشي ء، و يجوز له أن يخبر المشتري بالأمر الواقع، فيقول له ان المالك فرض قيمة المتاع عشرين دينارا و انا أريد النفع زيادة على ذلك، فإذا باع المتاع بزيادة على العشرين دينارا كان

الزائد للدلال كما شرط له المالك و ان باعه بعشرين دينارا من غير زيادة كانت للمالك و لم يستحق الدلال منها شيئا كما اتفقا عليه، و الأحوط إرضاؤه بشي ء.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 131

المسألة 326:

إذا اشترى الرجل دارا أو أرضا أو شيئا غيرهما بثمن معلوم جاز له أن يشرك معه غيره في ذلك الشي ء المبيع، فيملكه نصف الشي ء مثلا على وجه الإشاعة بنصف الثمن الذي اشتراه به، أو ثلثه بثلث الثمن، أو ربعه بربع الثمن، و هكذا، فيقول له بعد أن يخبره بمقدار الثمن:

بعتك نصف الشي ء الذي اشتريته بنصف ثمنه، فيقول المشتري قبلت، و كذلك إذا شركه معه في الثلث أو غيره من الكسور المشاعة، فيتم التشريك، سواء كان الشي ء المبيع قابلا للقسمة أم لا.

و يكفي في إنشاء المعاملة بينهما بعد العلم بالمبيع و مقدار الثمن، أن يقول له شركتك في المبيع نصفه بنصف الثمن، أو يقول ثلثه بثلث الثمن، و هكذا حسب ما يتفقان عليه.

المسألة 327:

إذا قال الرجل لصاحبه في المسألة المتقدم ذكرها: شركتك في المبيع و لم يذكر النصف و لا غيره من الكسور فلا يبعد انصراف العقد إلى المناصفة بينهما.

الفصل الحادي عشر في الربا
المسألة 328:

حرمة الربا ثابتة في صريح آيات الكتاب الكريم و متواتر السنة المطهرة و إجماع فرق المسلمين، بل قال بعض الفقهاء لعل تحريمه من ضروريات الدين، و لا ريب في أنه من أكبر الكبائر في الإسلام.

و في الخبر عن أمير المؤمنين (ع): لعن رسول اللّٰه (ص) الربا و آكله و موكله و بائعه و مشتريه و كاتبه و شاهديه. و فيه عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع) أخبث المكاسب كسب الربا و في الصحيح عن الإمام أبي عبد اللّٰه جعفر بن محمد الصادق (ع): درهم الربا أشد عند اللّٰه من سبعين زنية كلها بذات محرم.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 132

و يقع الربا على قسمين: الأول الربا في المعاملة، و هذا القسم هو الذي يبحث عنه و عن أحكامه في هذا الفصل من كتاب البيع. و الثاني:

الربا في القرض، و هذا هو الذي يبحث عنه و عن أحكامه في كتاب الدين.

المسألة 329:

الربا في المعاملة هو أن يبيع البائع على المشتري شيئا مما يكال أو يوزن بعوض من جنسه مع زيادة في أحد العوضين على الآخر، سواء كانت الزيادة المذكورة زيادة عينية أم زيادة حكمية.

و المراد بالزيادة العينية هي ما يكون للشي ء الزائد وجود خارجي مستقل في نفسه متميز عن الموجودات الأخرى، و الزيادة الحكمية هي التي لا يكون للشي ء الزائد وجود مستقل يتميز عن الموجودات الخارجية الأخرى و ان كان خارجيا أيضا، كسكنى الدار فان كون زيد في الدار ليس له وجود مستقل في نفسه يتميز عن وجود زيد و الدار و انما هو إضافة خاصة بينهما و تابع في خارجيته لهما.

و مثال الزيادة العينية في أحد العوضين: أن يبيع زيد على خالد منا

من الحنطة الحمراء بمن و نصف من الحنطة البيضاء، أو يبيع عليه منا من الحنطة بمن من الحنطة و درهم، فان نصف المن من الحنطة في الفرض الأول، و الدرهم في الفرض الثاني زيادة عينية في أحد العوضين على الآخر فيكون من الربا.

و مثال الزيادة الحكمية: أن يبيع زيد على خالد منا من الحنطة يدفعه للمشتري نقدا، بمن من الحنطة، يدفعه المشتري له نسيئة بعد مضي شهر، فإن تأجيل الثمن زيادة حكمية على المبيع المنقود، فيكون من الربا المحرم.

و لا يختلف الحكم بين أن تكون الزيادة العينية أو الزيادة الحكمية في أحد العوضين آتية في صريح المقابلة بين العوضين في نفس العقد كما في الأمثلة المتقدم ذكرها، أم تكون آتية من قبل شرط يذكر في العقد، و مثال هذا ان يبيع زيد على عمرو منا من الحنطة بمن من الحنطة نقدا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 133

بنقد، و يشترط أحدهما على الآخر أن يدفع له مع من الحنطة دينارا فيكون من الزيادة العينية، أو يشترط عليه ان يسكن داره أسبوعا أو شهرا، أو يشترط عليه أن يعمل له عملا له قيمة في نظر أهل العرف كبناء جدار أو خياطة جبة أو أن يطحن له الحنطة فيكون من الزيادة الحكمية و يكون من الربا المحرم في جميع ذلك.

المسألة 330:

لا يختص تحريم الربا بالبيع وحده، بل يجري تحريمه في جميع المعاملات التي تشتمل على معاوضة بين عينين ربويتين إذا زاد أحد العوضين فيها على الآخر، كما إذا صالح زيد عمرا عن من من الحنطة الحمراء، بمن و نصف من الحنطة البيضاء على النهج المتقدم بيانه في البيع، و كما إذا صالحه عن هذه الصبرة من الشعير التي

يملكها هو، المعلوم كيلها أو وزنها، بهذه الصبرة من الشعير التي يملكها الآخر المعلوم قدرها أيضا، مع زيادة إحدى الصبرتين على الأخرى في المقدار، فلا يصح الصلح لأنه من الربا المحرم.

و لا يجري التحريم إذا كانت المقابلة بين مصالحتين تتعلق واحدة منهما بأحد العوضين و تتعلق الأخرى بالعوض الآخر و كان أحدهما أكثر من الآخر، و مثال ذلك: أن يصالح زيد خالدا بمن من الحنطة مما يملكه هو، على شرط أن يصالحه خالد بمن و نصف من الحنطة التي يملكها خالد، فلا معاوضة بين المالين في العقد الواقع و انما المقابلة بين مصالحتين، لكل واحدة متعلقها الخاص بها و كذلك، إذا وهب الرجل صاحبه منا من الحنطة بشرط أن يهبه صاحبه منا و نصفا من الحنطة أيضا، أو أبرأ ذمة صاحبه من دينه الثابت له عليه بشرط أن يبرئ صاحبه ذمته من دينه و كان الدينان ربويين من جنس واحد و مختلفين في المقدار فلا يكون ذلك من الربا و لا تشمله أدلة التحريم.

[لا يثبت الربا في المعاملة إلا مع وجود شرطين:]
[الأول: أن يكون العوض و المعوض عنه في المعاملة من جنس واحد،]
المسألة 331:

لا يثبت الربا في المعاملة إلا مع وجود شرطين:

الأول: أن يكون العوض و المعوض عنه في المعاملة من جنس واحد،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 134

و المدار في ذلك على وحدتهما في الجنس في نظر أهل العرف، بحيث يصدق اسم ذلك الجنس الواحد على كل منهما صدقا حقيقيا، فيكون صدق الاسم الواحد عليهما كاشفا عن وحدتهما في الحقيقة النوعية، و لا ينافي ذلك اختلاف الفردين في بعض الصفات و الخواص، فالحنطة مثلا جنس واحد و ان اختلفت أصنافه في الرداءة و الجودة و الطعم، و المشخصات الأخرى، و كل واحد من العنب و التمر و الأرز و الماش و الذرة و العدس

جنس مستقل عن الغلات و الحبوب الأخرى و ان اختلفت أصناف الجنس الواحد منها بعضها عن بعض في الصفات و الخواص.

فإذا كان العوضان من جنس واحد في نظر أهل العرف لم يجز بيع أحدهما بالآخر مع الزيادة في أحدهما، و مع وجود الشرط الثاني الآتي ذكره. فلا يجوز بيع الحنطة بالحنطة مع الزيادة المذكورة و لا بيع التمر بالتمر، و لا بيع الأرز بالأرز و لا العدس بالعدس مع التفاوت بين العوضين و ان اختلف أحدهما عن الآخر في الصفة، بل و ان اختلفا في القيمة، و يجوز ذلك إذا كان الجنس متعددا، فيجوز بيع من من الحنطة بمن و نصف من الأرز أو بمنين من التمر أو من الماش أو العدس و بالعكس.

المسألة 332:

ذكرنا في الشرط الأول المتقدم ان المدار فيه على وحدة العوضين في الجنس عرفا، بحيث يصدق اسم ذلك الجنس عليهما صدقا حقيقيا، و قد يتوهم بعض الناس من ذلك ان اسم الغلة مثلا أو اسم الطعام يطلق عرفا على كل من الحنطة و الأرز و التمر و العنب، و يصدق عليها صدقا حقيقيا، و اسم الحب كذلك يطلق عرفا على الحنطة و الأرز و الذرة و العدس و أمثالها و ذلك يقتضي أن يحرم بيع الحنطة بالتمر أو العنب مع زيادة أحد العوضين لأنهما من الغلة و يحرم بيع الحنطة بالأرز أو بالماش أو العدس كذلك لأنهما من الحب.

و هذا التوهم واضح الفساد، فان كلمة الغلة أو الحب أو الطعام ليست اسما لحقيقة نوعية واحدة في نظر أهل العرف لتدخل في الضابطة المتقدم ذكرها، و انما هي ألفاظ عامة يراد بها عند استعمالها الإشارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 135

إلى تلك

الأنواع المختلفة في حقائقها، و نظيرها في ذلك كلمة الشي ء أو كلمة الأمر أو كلمة المبيع حينما تستعمل في فروض المسائل فهي انما يراد بها مجرد الإشارة، و التوهم واضح الفساد كما قلنا و نحن نذكر هذا للتنبيه.

[الشرط الثاني لتحقق الربا في المعاملة: أن يكون العوضان فيها مما يعتبر في تقديره عند بيعه الكيل أو الوزن،]
المسألة 333:

الشرط الثاني لتحقق الربا في المعاملة: أن يكون العوضان فيها مما يعتبر في تقديره عند بيعه الكيل أو الوزن، فلا يتحقق الربا في المعاملة إذا كان العوضان فيها أو كان أحدهما مما يعتبر تقديره بالعد أو بالذرع أو بحساب المساحة أو كان مما يباع بالمشاهدة، فيجوز بيع البيض بالبيض و ان كان أحد العوضين أكثر من الآخر عددا، و كذلك الجوز، إلا إذا كان المتعارف تقديره بالوزن، فيحرم مع تفاوت العوضين، و يجوز بيع الأقمشة و الأرض بعضها ببعض، و ان تفاوت العوضان في عدد الأذرع و حساب المساحة، و كذلك في ما يكتفى فيه بالمشاهدة.

المسألة 334:

الحنطة و الشعير في باب الربا جنس واحد، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر مع زيادة أحد العوضين على الأخر، فيبيع من حنطة بمن و نصف أو منين من الشعير، و هذا الحكم خاص في باب الربا كما قلنا و لا يجري في غيره من الأبواب، فالحنطة و الشعير في الزكاة جنسان مختلفان ينفرد كل واحد منهما بحكمه و نصابه، فلا يجب على المكلف زكاة الحنطة إذا كانت الحنطة التي يملكها لا تبلغ مقدار النصاب و ان كان يملك من الشعير ما يكمل نصاب الحنطة أو يزيد، و لا يتبع أحدهما الآخر في وجوب الزكاة إذا كان نصاب الثاني تاما و نصاب الأول ناقصا، و لا يجزي دفع أحدهما عن الآخر إلا إذا كان دفعه عنه من باب القيمة، و هكذا.

المسألة 335:

لا يلحق السلت بالحنطة و الشعير على الأقوى فقد دل بعض النصوص على انه غيرهما، فيجوز بيعه بالحنطة و بالشعير مع الزيادة في أحد العوضين، و لا يترك الاحتياط في العلس، فلا يباع بالحنطة أو بالشعير

كلمة التقوى، ج 4، ص: 136

إذا زاد أحد العوضين على الآخر، و يجوز بيع العلس بالسلت و ان زاد أحدهما على الآخر.

المسألة 336:

الظاهر ان اللحم لا يعد جنسا واحدا، بل يختلف باختلاف الحيوان المذبوح، فلحم الغنم جنس مستقل يختلف عن لحم البقر، و هما يختلفان عن لحم الإبل، فيجوز بيع أي واحد منها بالآخر مع الزيادة في أحد العوضين، و كذلك الحكم في لحم الغزال و في لحم الدجاج و في سائر لحوم الحيوان المأكول لحمه، فيجوز بيع كل واحد منها بالآخر مع اختلاف الحيوان، و يحرم مع وحدة الحيوان، فلا يحل بيع لحم الغنم بلحم الغنم و لا بيع لحم البقر بلحم البقر و لا لحم الإبل بلحم الإبل، و لا لحم الدجاج بلحم الدجاج، مع التفاوت بين العوضين في المقدار.

و كذلك الحكم في بيع البان الحيوان، فجواز بيع بعضها ببعض و حرمته تابع لاختلاف الحيوان المنتج لها و وحدته، فإذا اختلف الحيوان جاز البيع في اللبن بعضه ببعض مع تفاوت العوضين، و إذا اتحد الحيوان كان محرما.

و مثلهما الحكم في الأدهان المأخوذة من الحيوان، فلا يجوز بيع دهن البقر بدهن البقر، و لا دهن الغنم بدهن الغنم، و لا دهن الإبل بدهن الإبل و يجوز بيع دهن البقر بدهن الغنم أو الإبل، لأنها أجناس مستقلة، و هكذا.

المسألة 337:

التمر بجميع أنواعه و أصنافه جنس واحد، فلا يحل بيع بعضها ببعض مع الزيادة في أحد العوضين، و ان تفاضلت أنواعه و أصنافه في القيمة السوقية، و كذلك العنب، و كل واحد من الحبوب فهي أجناس مستقلة كما ذكرنا من قبل.

المسألة 338:

الفلزات و المعادن الأصلية كالذهب و الفضة و النحاس و الحديد كل

كلمة التقوى، ج 4، ص: 137

واحد منها جنس مستقل عن الآخر، فيجوز البيع مع التفاوت إذا اختلف العوضان في الجنس و يحرم مع وحدته.

المسألة 339:

لحم الغنم جنس واحد شامل لجميع أصنافه فالضأن العربي و الاسترالى و البربري و المعز و أشباهها كلها جنس واحد لا يجوز بيع لحمه بعضه ببعض مع التفاوت.

و لحم البقر بجميع أصنافه جنس واحد كذلك، فالبقر الأهلي الموجود في البلاد، و الأصناف الأخرى المستوردة من بلاد شرقية أو غربية أخرى و الجاموس كلها جنس واحد يجري الحكم المذكور في لحمها إذا ذبحت.

و لحم الإبل العراب و البخاتي ذات السنام و السنامين و سائر أنواعها الأخرى كلها جنس واحد كذلك.

و الدجاج جنس واحد شامل لجميع أصنافه الموجودة في البلد أو التي تستورد بيوضها من بلاد أخرى و تستفرخ و تنشأ هنا و ان اختلف بعضها عن بعض في الصفات، فيجري الحكم المتقدم في بيع لحمها إذا ذبحت.

المسألة 340:

كل صنف من أصناف الطير يختص به اسم يدل عليه و ينفرد به عن الأصناف الأخرى منه فهو جنس مستقل له حكم الجنس الواحد، فالحبارى من الطير مثلا جنس برأسه، و الحجل، و الدراج و الكركي، و القطا، كل واحد منها جنس مستقل برأسه، و كذلك الإوز، ما يطير منه و ما لا يطير، و البط، و نحوها، فلحم كل واحد من هذه الطيور جنس واحد يحرم بيع بعضه ببعض مع تفاوت العوضين، و يجوز بيعه بلحوم الطيور الأخرى التي تختص بها أسماء أخرى، و ان تفاوت العوض و المعوض عنه في المقدار.

و على هذا، فالحمام أجناس متعددة، فالقماري منها جنس غير

كلمة التقوى، ج 4، ص: 138

الدباسي، و هما غير الورشان و غير الرواعب و غير الفواخت، فكل واحد منها جنس برأسه.

المسألة 341:

ذهب جماعة من العلماء الى ان السمك جنس واحد، و الأقوى انه أجناس متعددة فكل نوع منه يكون له اسم خاص يدل عليه و ينفرد به عن غيره من أنواع السمك فهو جنس مستقل لا يحل بيعه بمثله مع زيادة أحد العوضين على الآخر، و يجوز بيعه بغيره من أنواع السمك، سواء تفاوت العوضان في المقدار أم تساويا.

المسألة 342:

إذا كان الحيوان منه وحشي و منه أهلي، فالوحشي منه جنس برأسه مستقل عن الأهلي، و على هذا فلا يحرم بيع لحم البقر الأهلي بلحم البقر الوحشي، و لا يحرم بيع لحم الغنم الأهلي بلحم الغنم الوحشي، و لا لحم الحمار الوحشي بلحم الحمار الأهلي، و ان تفاوت العوضان في المقدار، و يحرم بيع كل واحد منها بجنسه مع التفاوت.

و المراد بالوحشي و الأهلي النوعان المعروفان من الحيوان، فإذا تأهل الوحشي المعروف أو توحش الأهلي المعروف لم يتغير حكمه.

المسألة 343:

إذا بيع الفرع بأصله أو بالعكس، كما إذا بيع الدقيق بالحنطة أو بيع الخبز بالحنطة أو بيعت الهريسة بالحنطة، و كما إذا بيع المخيض أو الجبن بالحليب، أو بيع التمر بالبسر، فهل هما من جنس واحد؟

فيمنع من بيع أحدهما بالآخر مع التفاوت في المقدار، أو هما جنسان مختلفان فيحل ذلك؟.

الظاهر أن الحكم في ذلك يدور مدار كيفية تفرع الفرع على ذلك الأصل، و هو يقع على عدة أنحاء، فلا بد من ملاحظة ذلك ليعلم منه وحدة الجنس بينهما أو تعدده، و نحن نذكرها في عدة مسائل.

المسألة 344:

إذا كان تفرع الفرع على أصله يحصل بتبدل بعض صفات الأصل بصفات

كلمة التقوى، ج 4، ص: 139

أخرى كالدقيق بالنسبة إلى الحنطة، و كالخبز و السويق بالنسبة إلى الحنطة، فإن تفرع هذه الفروع على الحنطة انما حصل بتبدل صفة الحنطة بصفات أخرى، فأصبحت الحنطة بنفسها دقيقا و خبزا و سويقا، و عدت بسبب ذلك فروعا على الحنطة.

و كالمخيض و الجبن و اللبأ، و الأقط بالنسبة إلى الحليب، فان الحال فيها نظير ما تقدم في الحنطة و فروعها المتقدم ذكرها، و كذلك في الرطب و التمر بالنسبة إلى البسر، و في الدبس بالنسبة إلى التمر، و في الراشي بالنسبة إلى السمسم، و هكذا.

و الظاهر ان كل واحد من هذه الفروع بالنسبة إلى أصله المذكور يعد جنسا واحدا، فلا يصح بيعه به مع التفاوت بين العوضين.

المسألة 345:

إذا كان تفرع الفرع على أصله من قبيل خروج شي ء من شي ء، كالزيد بالنسبة إلى الحليب فان تفرعه عليه من هذا القبيل، و ليس من تبدل صفات الحليب بصفات أخرى كما في المسألة المتقدمة و كذلك الحال في الدهن بالنسبة إلى الحليب، و في الشيرج بالنسبة إلى السمسم، فهما شي ء يستخرج من شي ء، و الأظهر ان كل واحد من هذه الفروع بالنسبة إلى أصله المذكور تعدان جنسين مستقلين و لذلك فيجوز بيع أحدهما بالآخر مع تفاوت العوضين.

المسألة 346:

إذا كان تفرع الفرع على أصله يحصل بتركيب الأصل مع أشياء أخرى و خلطها على نحو مخصوص كالهريسة بالنسبة إلى الحنطة، و كالخل بالنسبة إلى التمر أو الى العنب و كالنيكل و الشبه و سائر الفروع المركبة من الفلزات و المعادن بالنسبة إلى أصولها، و الظاهر ان هذه الفروع أجناس مستقلة عن أصولها فيجوز بيع الأصل بالفرع و الفرع بالأصل و ان تفاوت العوضان في المقدار.

المسألة 347:

إذا أريد بيع الفروع بعضها ببعض، فان كان العوض و المعوض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 140

عنه في المعاملة فرعين لا يلتقيان في أصل واحد، فلا ريب في أنهما جنسان و مثال ذلك ان يبيع الرجل بعض فروع الحنطة ببعض فروع الأرز أو فروع الحبوب الأخرى، أو فروع التمر أو العنب، فيجوز البيع في ذلك و ان تفاوت العوضان في المقدار، و كذلك إذا كان العوضان في المعاملة فرعين يلتقيان في أصل واحد، و لا يتفرع أحدهما على الآخر، فهما جنسان أيضا، و مثال هذا أن يبيع الرجل سويق الحنطة بخبزها، أو يبيع الهريسة بدقيق الحنطة أو بخبزها أو بسويقها، فان العوضين في هذه الأمثلة لا يتفرع أحدهما على الآخر و ان كان الجميع فروعا لأصل واحد و هو الحنطة، فهما جنسان مستقلان كالسابق، فيجوز بيع أحدهما بالآخر و ان تفاوتا في المقدار، و يجوز بيع خل التمر بدبس التمر، و بيع خل العنب بعصير العنب و هكذا.

و إذا كان العوضان فرعين عن أصل واحد، و يتفرع أحدهما عن الآخر لوحظ في أمرهما المقياس الذي تقدم ذكره في المسائل المتقدمة، فإذا كان تفرع العوض عن صاحبه قد حصل بتبدل بعض صفاته، و مثال ذلك أن يبيع الخبز بالدقيق، فان

الخبز فرع عن الدقيق و تفرعه عليه قد حصل بتبدل بعض صفاته، و نتيجة لذلك فالخبز و الدقيق جنس واحد فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر مع التفاوت، و كذلك الحال في الدقيق و السويق.

و إذا كان أحد الفرعين يتفرع على الآخر بنحو يكون مستخرجا منه أو مركبا منه و من غيره فهما جنسان كما تقدم فلا يحرم بيع أحدهما بالآخر مع التفاوت، فيجوز بيع الزبد بالمخيض، و يجوز بيع الدهن بالمخيض لأنهما من هذا القبيل.

المسألة 348:

المدار في كون الشي ء مكيلا أو موزونا على ملاحظة العوض الذي جرت عليه المعاملة بنفسه لا على ملاحظة أصله، فإذا كان بنفسه مما يكال أو يوزن فهو ربوي لا يجوز بيعه بجنسه مما يكال أو يوزن أيضا مع التفاوت بين العوضين في المقدار، و ان كان أصله غير مكيل و لا موزون و إذا كان العوض بنفسه غير مكيل و لا موزون لم يجر فيه حكم الربا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 141

و ان كان أصله مكيلا أو موزونا فيجوز بيع الثوب بثوبين لأنه غير مكيل و لا موزون و ان كان أصله و هو القطن أو الكتان أو الصوف موزونا، بل يجوز بيع الثوب بأصله و هو القطن أو الكتان أو الصوف لأن أحد العوضين و هو الثوب غير مكيل و لا موزون، و يجوز بيع المسكوكات الفضية و النحاسية و النيكلية بعضها ببعض و ان تتفاوت في المقدار لأنها معدودة و لبست موزونة و ان كان أصلها و هو الفضة أو النحاس أو النيكل موزونا، و يجوز بيعها بأصلها نفسه و هو الأجناس الثلاثة لأن أحد العوضين و هو المسكوك غير موزون.

المسألة 349:

الأحوط لزوما عدم جواز بيع لحم الحيوان بالحيوان الحي، سواء كان من جنسه أم من غير جنسه، فلا يباع لحم الغنم بشاة حية، و لا يباع لحم الغنم ببقرة حية، و لا يباع لحم البقر ببقرة حية أو بشاة حية.

المسألة 350:

ما تكون من الأجناس المبيعة له حالتان، حالة رطوبة و حالة جفاف، كالرطب يجف فيكون تمرا، و كالعنب يجف فيكون زبيبا، و كاللحم الطري يجفف فيكون قديدا، و كالخبز الغض اللين يجفف فيكون يابسا، و كالسمك الطري يشرح و ينشر في الشمس ليكون يابسا، يجوز بيع الرطب من الجنس بالرطب منه، و بيع الجاف منه بالجاف مع تساوى العوضين في المقدار، و يحرم بيع الرطب بالرطب منه و الجاف بالجاف مع تفاوتهما في المقدار، و يحرم بيع الرطب بالرطب منه و الجاف التساوي و ان كان الجواز فيه على كراهة، و يحرم بيع الرطب منه بالجاف منه مع التفاوت، و ان كان التفاوت بمقدار ما في العوض الرطب من الزيادة بحيث إذا جف يساوي العوض الجاف.

المسألة 351:

قد ذكرنا أن تفاوت العوضين في الجودة و الرداءة إذا كانا من جنس واحد لا يسوغ للمتعاقدين بيعهما مع التفاوت بينهما في المقدار، فلا يحل للإنسان أن يبيع مثقالا من الذهب الجيد بمثقال و نصف من الذهب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 142

المتوسط أو بمثقالين من الذهب الردي، و كذلك الأمر في الفضة و في سائر الأجناس.

و مثله الحكم في تفاوت نوعي العوضين في الرغبة بين الناس و القيمة السوقية، فلا يحل للإنسان ان يبيع منا من التمر البرحي بمنين من التمر الخضراوي، و ان كانت قيمة المن البرحي تساوي قيمة المنين من الخضراوي، و كلاهما من الجيد.

المسألة 352:

إذا اختلفت البلاد في جنس من المبيعات فكان في بعض البلاد مما يكتفى في بيعه بالمشاهدة أو كان فيه من المعدود، و كان في بعضها الآخر من المكيل أو الموزون، كان لكل بلد حكمه، فيجري في ذلك الجنس حكم الربا في البلد الذي يعده مكيلا أو موزونا لوجود شرط الربا فيه، و لا يجري فيه حكمه في البلد الآخر، لعدم الشرط.

و إذا غلب في أكثر البلاد اعتبار الجنس مكيلا أو موزونا، فالأحوط لزوما عموم حكم الربا فيه في جميع البلاد و ان اتفق وجود بلد نادر يعتبر ذلك الجنس غير مكيل و لا موزون.

[مسائل]
المسألة 353:

يمكن للمتبائعين أن يتخلصا من الربا في بيع المتجانسين مع الزيادة:

بأن يضيفا الى العوض الناقص شيئا من غير جنسه له مالية فيبيع العوض الناقص مع الضميمة بالعوض الآخر مع الزيادة أو بالعكس، و مثال ذلك أن يبيع الرجل على صاحبه منا من التمر و حقة من السكر بمنين من التمر، أو يبيع صاحبه عليه منين من التمر بمن من التمر مع حقة من السكر، فتصح المعاملة إذا قصد المتعاملان البيع الحقيقي لا مجرد إجراء الصورة.

و يمكن لهما أن يتخلصا من الربا بأن يضيفا الى كل واحد من العوضين شيئا من غير جنسه له مالية فيبيع العوض الناقص مع الضميمة بالعوض الآخر مع الزيادة و الضميمة أو بالعكس و مثال ذلك أن يبيع الرجل على الآخر منا من الأرز و دينارا بمنين من الأرز و دينارين أو يبيع الآخر

كلمة التقوى، ج 4، ص: 143

عليه منين من الأرز و دينارين بمن من الأرز و دينار واحد، فتصح المعاملة إذا هما قصدا البيع الحقيقي كما تقدم.

المسألة 354:

الأقوى كما هو المشهور بين الفقهاء أنه لا يحرم الربا بين الوالد و ولده، فيجوز للأب أن يبيع الشي ء الربوي على ولده بعوض من جنسه مع زيادة أحد العوضين، و يجوز للولد كذلك ان يبيع الشي ء الربوي على أبيه سواء كانت الزيادة للأب أم للولد، و سواء كان الولد ذكرا أم أنثى، و سواء كان ولده بلا واسطة أم ولد ولده، و لا يجري هذا الحكم بين الأم و ولدها و لا يحرم الربا بين السيد و عبده، فيجوز البيع كذلك مع التفاوت.

و لا يحرم الربا بين الرجل و زوجته، فيجري الحكم في المعاملة على نهج ما تقدم، نعم، الأحوط ان

يقتصر في الحكم على الزوجة الدائمة دون الزوجة المتمتع بها.

و لا ربا بين المسلم و الكافر الحربي إذا كان المسلم هو الذي يأخذ الزيادة، فلا يحرم على المسلم اجراء المعاملة معه و لا أخذ الزيادة منه، و لا يجوز ذلك إذا كان الكافر هو الذي يأخذ الزيادة من المسلم.

المسألة 355:

الأحوط عدم جواز الربا بين المسلم و الكافر الذمي، فلا تحل المعاملة الربوية بينهما نعم إذا وقعت المعاملة الربوية بينهما و كانت الزيادة للمسلم، و كان دين الذمي يبيح له ذلك جاز للمسلم أن يأخذ منه الربا إلزاما للذمي بما ألزم به نفسه، و لا يجوز دفع الربا من المسلم له.

المسألة 356:

لا تعم حرمة الربا بيع الأوراق النقدية بعضها ببعض مع الزيادة لأنها ليست من المكيل و لا الموزون، فتصح المعاملة، سواء كانت الأوراق من عملة واحدة أم من عملتين أو أكثر، و سواء كان العوضان في المعاملة شخصيين خارجيين، كما إذا باع زيد على خالد هذه الدنانير العشرة المعينة التي يملكها البائع بهذه الدنانير الأحد عشر المعينة كذلك التي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 144

يملكها المشتري، أم كان العوضان كليين في الذمة، على أن يتميز العوض و المعوض عنه في قصد المتعاملين و يجريا المعاملة على حسب ما عينا و قصدا، فالمبيع المعوض عنه مثلا هو عشرة دنانير في ذمة البائع، و الثمن احد عشر دينارا في ذمة المشتري و هو مدخول باء العوض، و قد تعرضنا لمسائل تتصل بذلك في رسالتنا في المسائل المستحدثة فليرجع إليها من شاء.

الفصل الثاني عشر في بيع الصرف
المسألة 357:

بيع الصرف هو بيع الذهب بالذهب و بيع الفضة بالفضة، و بيع أحدهما بالآخر سواء كانا مسكوكين للمعاملة بهما أم غير مسكوكين، و هو المراد حين يقول الفقهاء في هذا الباب هو بيع النقدين، و حين يقولون إذا باع النقد، أو أحد النقدين، فيعنون ما يعم المسكوك منهما و غير المسكوك.

المسألة 358:

يشترط في صحة بيع الصرف أن يتقابض المتعاقدان العوضين قبل أن يفترقا، فلا يصح البيع إذا افترق المتبايعان و لم يحصل التقابض من كلا الطرفين، و لا يصح البيع إذا افترقا و قد قبض أحد العوضين و لم يقبض الآخر، و إذا حصل التقابض بينهما في بعض العوضين و لم يتقابضا في الباقي حتى افترقا، صح البيع في ما تقابضا من العوضين، و بطل في ما لم يتقابضا فيه منهما.

المسألة 359:

إذا ضم الرجل الى الذهب أو الى الفضة غيرهما، و باع المجموع على غيره بذهب أو فضة، و لم يحصل التقابض بينهما حتى افترقا، بطل البيع في الذهب أو الفضة و ما يقابله من الثمن، لأنه بيع صرف لم يحصل فيه التقابض، و صح في المبيع الآخر، و مثال ذلك أن يبيع الرجل على غيره خمسة مثاقيل من الذهب و ثوبا بستة مثاقيل من الذهب، فإذا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 145

لم يحصل التقابض حتى افترق المتبايعان بطل البيع في الذهب و ثمنه و هو خمسة مثاقيل، و صح البيع في الثوب و ما يقابله من الثمن و هو دينار واحد.

المسألة 360:

لا يبطل بيع الصرف إذا فارق المتبايعان المجلس الذي أوقعا فيه المعاملة و هما مصطحبان في الطريق مثلا، فإذا تقابضا قبل أن يفارق أحدهما صاحبه كان البيع صحيحا.

المسألة 361:

لا يشترط التقابض قبل الافتراق في الصرف إذا جرت المعاملة بين المتعاقدين على وجه الصلح أو على وجه الهبة المعوضة أو على وجه آخر من المعاملات غير البيع، كما إذا صالح الرجل صاحبه عن خمسة مثاقيل من الذهب يملكها صاحبه بخمسة مثاقيل من الذهب أو بعشرين مثقالا من الفضة يملكها هو، و كما إذا وهب صاحبه المعوض بشرط أن يهبه صاحبه العوض، فلا تبطل معاملة الصرف بينهما إذا هما افترقا قبل أن يحصل التقابض بينهما.

فشرط قبض العوضين قبل الافتراق في معاملة الصرف انما هو في بيع الصرف خاصة، و لا يشترط في غيره من المعاملات.

المسألة 362:

ليست الأوراق النقدية التي تجري فيها المعاملات بين الناس في هذا العصر ذهبا و لا فضة، فإذا بيع بعضها ببعض لم يجر عليها حكم بيع الصرف، و لم يجب فيها التقابض قبل الافتراق، سواء اتحدت العملة في العوضين أم اختلفت.

نعم، لا يترك الاحتياط في بعض العملات التي يظن أن الدولة التي أصدرتها قد اعتبرت الذهب و الفضة عوضا للاوراق و ليس مجرد اعتماد، فإذا وقع البيع في هذه العملة بعضها ببعض فالأحوط أن يحصل التقابض قبل افتراق المتبايعين، كما ان الأحوط أن لا يباع بعض هذه العملة ببعض مع الزيادة في أحد العوضين، و قد ذكرنا هذا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 146

في المسألة الثالثة و الأربعين و ما بعدها من المسائل المستحدثة فليرجع إليها في ذلك.

المسألة 363:

إذا كان للرجل دين في ذمة شخص آخر و كان الدين من الذهب أو الفضة، فباع الرجل الدائن ما في ذمة الشخص المدين عليه بنقد آخر غير ما في ذمته، و قبض البائع الدائن الثمن من المشتري المدين قبل أن يتفرقا كان البيع صحيحا و لم يحتج الى أن يقبض المشتري المدين ما في ذمة نفسه و هو النقد المبيع.

و مثال ذلك أن يكون لزيد في ذمة بكر دين خمسة مثاقيل من الذهب مثلا، فيبيع زيد دينه هذا على المدين نفسه و هو بكر بيع الصرف، بعشرين مثقالا من الفضة فإذا قبض زيد منه مثاقيل الفضة و هي الثمن قبل التفرق صح البيع بذلك و ان لم يقبض بكر ما في ذمة نفسه و هي مثاقيل الذهب التي اشتراها.

المسألة 364:

إذا كان لزيد دين من ذهب أو من فضة في ذمة بكر، فباع زيد دينه هذا بيع الصرف على شخص ثالث و هو خالد بنقد آخر، و قبض زيد الثمن من المشتري لم يصح البيع حتى يقبض المشتري النقد الذي اشتراه من زيد و هو ما في ذمة بكر، فان قبضه قبل التفرق صح العقد، و ان لم يقبضه كان البيع باطلا، و إذا وكل المشتري بكرا و هو الذي في ذمته النقد المبيع أن يقبض له ما في ذمة نفسه بالوكالة عنه، فلا يبعد عدم كفاية ذلك حتى يعين بكر النقد الذي في ذمة نفسه في مصداق معين خارجي ثم يقبضه بالوكالة عن المشتري قبل التفرق.

المسألة 365:

إذا باع الرجل على غيره دراهم معينة بيع صرف، فلا يجوز للمشتري أن يبيع هذه الدراهم المعينة قبل أن يقبضها من البائع، سواء أراد بيعها على بائعها الأول أم على غيره، فإذا باعها قبل قبضها كان البيع

كلمة التقوى، ج 4، ص: 147

الثاني باطلا، لأن المشتري لم يملك الدراهم بعد لعدم حصول التقابض و هو شرط في صحة بيع الصرف كما تقدم.

و إذا قبض المشتري الدراهم المبيعة بعد أن أجرى البيع الثاني و قبل التفرق من البيع الأول، صح البيع الأول لتحقق شرطه و أصبحت الدراهم ملكا للمشتري.

و المسألة في صحة البيع الثاني من صغريات المسألة المعروفة، و هي من باع مال غيره فضولا ثم ملكه بعد ذلك، و قد ذكرناها في مبحث بيع الفضولي في المسألة الثانية و التسعين، و قد تقدم منا المنع من صحة هذا البيع و ان لحقته الإجازة من البائع الفضولي بعد ما ملك المال، إلا إذا انتقل المبيع إلى البائع الفضولي بالإرث

من مالكه الأول.

المسألة 366:

إذا كانت للإنسان دراهم من الفضة في ذمة شخص فقال الدائن للمدين حول ما في ذمتك من دراهم الى دنانير ذهب، فقبل المدين ذلك، صح، و تحول الدين الذي في ذمة المدين من الدراهم الى دنانير بسبب هذه المعاملة، و ان لم يحصل بينهما تقابض، و كذلك إذا كان ماله في ذمة المدين دنانير ذهب، فقال له حولها الى دراهم فضة، فقبل المدين، صح، و تحول ما في ذمته من الدنانير الى دراهم بسبب هذه المعاملة، و شرط صحة ذلك أن تكون قيمة الدنانير بالدراهم و قيمة الدراهم بالدنانير معلومة عند المتعاملين، فلا تصح مع جهلهما أو جهل أحدهما بذلك.

و الظاهر جريان هذا الحكم أيضا في الأوراق النقدية، فإذا كان للرجل في ذمة الآخر مقدار من الأوراق النقدية من عملة معينة فقال الدائن للمدين حولها الى دراهم فضة، أو الى دنانير ذهب، أو الى أوراق نقدية أخرى و قبل المدين صح ذلك، و مثله ما إذا كان في ذمة المدين دراهم أو دنانير فقال له الدائن حولها إلى أوراق نقدية من عملة معينة و قبل المدين فيصح في جميع ذلك بسبب هذه المعاملة بينهما و ان لم يحصل التقابض، إذا كان الطرفان يعلمان بالقيمة كما تقدم.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 148

و هذا كله إذا كان الشخص الثاني مدينا للشخص الأول بالمبلغ الذي أريد تبديله من نقد الى نقد، و يشكل جريان الحكم في غير المدين، فإذا كان الرجل الآخر ودعيا و كان صاحب المال قد استودعه مبلغا من أحد النقدين، و قال له حولها الى نقد آخر أو الى عملة أخرى و قبل الودعي ذلك، و الظاهر عدم الصحة إلا إذا أجريت

بينهما معاملة صرف تامة الشروط.

المسألة 367:

إذا كانت النقود مغشوشة، و كانت رائجة بين الناس في المعاملة و في الأخذ و العطاء على ما يوجد فيها من غش، جاز التعامل بها مع الناس.

فيجوز إنفاقها و أخذها و دفعها قيمة و أعواضا في المعاملات، سواء علم المتعاملون بما فيها من الغش أم جهلوا.

و إذا كانت النقود المغشوشة غير رائجة بين الناس في المعاملة، فإن بين الإنسان حال هذه النقود للأشخاص الذين يريد التعامل بها معهم، فالظاهر جواز المعاملة بها معهم إذا هم علموا حالها و قبلوا بها، و إذا كانت النقود المغشوشة مما يضربه بعض المحتالين لغش الناس و سلب أموالهم فالأحوط وجوب كسرها.

المسألة 368:

وجوب اقباض المبيع و اقباض الثمن في بيع الصرف انما هو شرط في صحة البيع كما ذكرنا من قبل فلا يصح البيع إذا لم يحصل التقابض بين المتبايعين حتى يفترقا، و ليس وجوبه تكليفيا عليهما، و لذلك فلا اثم عليهما أو على أحدهما إذا ترك التقابض عامدا.

المسألة 369:

إذا أراد الإنسان ان يبيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة، فلا بد و ان يراعي أحكام الربا في البيع ليجتنبها، كما يجب ان يراعي أحكام بيع الصرف، فلا يجوز البيع مع الزيادة في أحد العوضين كما بيناه في فصل الربا، فان الذهب و الفضة من الموزون، فإذا اتحد الجنس في العوضين وجبت مراعاة أحكام الربا في المعاملة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 149

المسألة 370:

قد أشرنا في المسألة الثلاثمائة و الثامنة و الأربعين الى ان المسكوكات من الفضة أو النحاس أو النيكل و أمثالها ليست من الموزونات و ان كان أصلها و هو الفضة و النحاس و النيكل مما يوزن فإن عامة الناس في عامة بلادهم و أقطارهم و دولهم انما يضبطون هذه المسكوكات عند معاملاتهم فيها بالعدد فقيمة الأشياء التي يشترونها أو يبيعونها أو يضمنونها أو يغرمونها عشرون ريالا مثلا أو روبية، أو مائة، أو ألف، أو عشرة آلاف من هذه المسكوكات المتنوعة، و لا يلتفتون أبدا إلى الوزن، و يجهل أكثرهم وزن الروبية و وزن الريال العراقي أو الفرنسي أو السعودي الذي يتعاملون به و يجهل جميعهم وزن جميع الثمن الذي يبيع به البائع منهم أو يشتري به المشتري.

و نتيجة لذلك فلا يجري على هذه المسكوكات أحكام الربا حينما تصرف إلى أبعاضها أو تباع بسكة أخرى من جنسها، فيجوز البيع و الصرف و ان اختلف العوض و المعوض في المقدار.

نعم تجب مراعاة أحكام الربا في المسكوكات الذهبية إذا صرفت إلى أبعاضها و كانت الأبعاض من الذهب أيضا و إذا بيعت بعملة ذهبية أخرى، و ذلك لأن المسكوكات الذهبية في نظر عامة الناس من الموزون لا من المعدود، فإنهم يتعاملون بالليرة و الباون و غيرهما من

المسكوكات الذهبية بمقدار ما تزنه من مثاقيل، و غرامات و غيرها.

المسألة 371:

ذكرنا في المسألة الثلاثمائة و الثالثة و الخمسين انه يمكن التخلص من حرمة الربا بأن يضم الى العوض الناقص ضميمة ذات مالية فيبيع العوض مع الضميمة بالعوض الزائد، و يمكن التخلص من حرمته أيضا بأن يضم ضميمة ذات مالية كذلك الى كل واحد من العوضين المتفاوتين في المقدار.

و على هذا فإذا باع الرجل الذهب بالذهب مع زيادة أحد العوضين على الآخر و كان الذهب مغشوشا بشي ء له مالية كفى ان يكون الشي ء الذي غش به الذهب ضميمة في البيع يتخلص بها من حرمة الربا،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 150

فيبيع العوض الناقص مع ضميمته و هو الغش بالعوض الآخر مع الزيادة إذا كان هذا العوض خالصا، و يبيع العوض الناقص مع الضميمة بالعوض الآخر مع الزيادة و الضميمة كليهما إذا كان هذا العوض مغشوشا أيضا، فيصح البيع في كلتا الصورتين. نعم يشترط أن يكون الشي ء الذي غش به الذهب مما له قيمة في حال كونه غشا، فلا يكفي إذا كان مستهلكا أو ليست له قيمة، و لا يكفي أن تكون له قيمة على تقدير تصفيته، و كذلك الحال في الفضة إذا كانت مغشوشة بشي ء له مالية مع كونه غشا كما هو الحال في الذهب.

و نتيجة لذلك فإذا بيع ذهب مغشوش بذهب مغشوش بمثل هذا الغش المتقدم ذكره صح البيع فيه مع تساوي العوضين و مع التفاوت بينهما في المقدار، و إذا بيع ذهب مغشوش كذلك بذهب خالص فلا بد و أن يكون الذهب الخالص زائدا على الذهب الموجود في العوض الآخر المغشوش، لتكون هذه الزيادة فيه مقابلة للغش في العوض المغشوش، و الا حرم البيع

لأنه ربا، و كذلك الحكم في بيع الفضة المغشوشة بالفضة المغشوشة، و بالفضة الخالصة.

المسألة 372:

إذا كان الذهب مغشوشا بشي ء له قيمة و لم يعلم بمقدار غشه، و أراد مالكه بيعه بذهب خالص، فلا بد و أن يكون العوض الخالص الذي يباع فيه زائدا بمقدار يعلم ان الذهب قد زاد على الذهب الموجود في العوض الآخر المغشوش، و ان لم يعلم بمقدار الزيادة على وجه التفصيل، لتكون هذه الزيادة في مقابل الغش الموجود في العوض كما بينا من قبل، أو يباع بجنس آخر غير الذهب.

و مثله الحكم في الفضة المغشوشة إذا لم يعلم بمقدار الغش الموجود فيها، و أراد المالك بيعها بفضة خالصة.

المسألة 373:

السيوف و الخناجر و غيرها إذا كانت محلاة بالذهب و أراد مالكها أن يبيعها بالذهب فلا بد و أن يكون عوضها الذي تباع به من الذهب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 151

زائدا على مقدار الحلية الموجودة في المبيع لتكون الزيادة في مقابلة غير الحلية من المبيع، أو تباع بجنس آخر غير الذهب.

و يجوز أن يباع السيف المحلى بالذهب بسيف محلى بالذهب أو بخنجر محلى به، و ان اختلفا في مقدار الحلية، و كذلك في الأشياء الأخرى المحلاة بالذهب.

و مثله الحكم في الأشياء المحلاة بالفضة من غير فرق بينهما.

المسألة 374:

الكلبتون، و هو نسيج من إبريسم و ذهب أو فضة تصنع منه ملابس لبعض المترفين إذا كان مصنوعا من الذهب و أريد بيعه بالذهب، فلا بد و أن يكون ذهب الثمن أكثر وزنا من ذهب الكلبتون لتكون الزيادة في مقابلة ما فيه من شي ء آخر، و لا يشترط أن يكون ذهب الثمن مساويا لوزن الكلبتون كله أو زائدا عليه. و كذلك الحكم في الكلبتون المصنوع من الفضة إذا أريد بيعه بالفضة.

المسألة 375:

إذا اشترى الرجل من غيره ذهبا بذهب أو فضة بفضة، و كان المبيع الذي اشتراه شخصيا معينا و قبضه قبل التفرق، فوجد المبيع من جنس آخر. نحاسا مموها، أو رصاصا أو نيكلا أو غير ذلك كان البيع باطلا، و ليس للمشتري أن يطالب البائع بإبدال المبيع، و لا يصح البيع إذا أبدله البائع له.

و إذا وجد المشتري بعض المبيع من الجنس، و بعضه من غير الجنس، صح البيع في ما كان من الجنس، و بطل في غير الجنس، و كان للمشتري خيار تبعض الصفقة، فيجوز له ان يفسخ العقد فيرد الجميع على البائع و يسترد منه الثمن، و يجوز له ان يأخذ الباقي الذي صح فيه البيع بحصته من الثمن، و إذا اختار المشتري ذلك فأخذ الباقي كما بينا، كان للبائع خيار تبعض الصفقة إذا كان جاهلا بالعيب فيجوز له فسخ البيع ورد الجميع.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 152

المسألة 376:

إذا اشترى الرجل من أحد ذهبا بذهب أو فضة بفضة و كان المبيع شخصيا معينا و قبضه قبل التفرق، فوجد في العين التي اشتراها عيبا، ثبت للمشتري خيار العيب كما في سائر موارد وجود العيب في المبيع، فيجوز له أن يفسخ العقد و يرد المبيع على بائعه و يسترد منه الثمن، و يجوز له أن يمضي البيع بالثمن المسمى، و يجوز له أن يمسك المبيع و يطالب البائع بأرش العيب كما ذكرنا في خيار العيب و إذا اختار المشتري المطالبة بالأرش، فله أخذ الأرش من البائع سواء كان قبل التفرق أم بعده، و سواء كان الأرش من النقدين أم من غيرهما.

و لا يختص هذا الحكم و هو ثبوت الخيار بالعيب بما إذا كان الثمن من جنس

المبيع بل يشمل ما إذا اشتراه بغير جنسه كما إذا اشترى الذهب بالفضة أو اشترى الفضة بالذهب أو بغيرهما من الأجناس نعم إذا هو اشترى الذهب أو الفضة المعينين بجنسهما، فالعيب الذي يوجب للمشتري الخيار المذكور ما يكون من قبيل خشونة الجوهر في العين المبيعة، و اللين فيه أكثر من المتعارف، و اضطراب السكة و نحو ذلك، و المراد باضطراب السكة أن يجدها تخالف السكة الرائجة في البلاد، فيحتمل عدم جريانها في المعاملة، أو يحدث قلق على اعتبار السكة عند الدولة بحيث يحتمل إسقاط الدولة لها عن الاعتبار، و اما وجود الغش الزائد عن المتعارف في الذهب أو الفضة المعينين فهو داخل في المسألة المتقدمة، فإن الغش من غير الجنس و قد مر في المسألة المتقدمة أن المشتري إذا وجد بعض المبيع من الجنس و بعضه من غير الجنس صح البيع في الجنس و بطل في غير الجنس.

المسألة 377:

إذا اشترى الإنسان من احد ذهبا بذهب أو فضة بفضة و كان المبيع كليا في ذمة البائع، و حين قبضه منه قبل التفرق وجد ما دفعه اليه جنسا آخر غير الجنس الذي وقع عليه البيع، نحاسا مموها أو رصاصا أو غيرهما، فان لم يتفرق المتبايعان بعد، جاز للبائع إبدال ما دفعه الى

كلمة التقوى، ج 4، ص: 153

المشتري و جاز للمشتري مطالبة البائع بابداله، فإذا قبض المشتري البدل الصحيح قبل ان يتفرقا صح البيع، و الا كان باطلا.

و إذا قبض المشتري الشي ء المبيع بعد العقد، و لما افترق المتبايعان بعد القبض وجد المشتري جميع ما دفعه إليه البائع جنسا آخر غير جنس المبيع، بطل البيع، و لا يصححه أن يبدل البائع الشي ء الذي دفعه الى المشتري فيدفع

اليه بدلا صحيحا.

و إذا وجد المشتري بعد التفرق بعض ما دفعه البائع إليه من الجنس و بعضه من غير الجنس، بطل البيع في غير الجنس و صح في البعض الذي وجده من الجنس، و تخير المشتري كما تقدم في نظير ذلك بين أن يفسخ البيع فيرد الجميع، و ان يأخذ البعض الذي صح فيه البيع بحصته من الثمن، فإذا اختار المشتري الثاني، كان للبائع أن يفسخ البيع في الجميع إذا كان جاهلا بالحال، لتبعض الصفقة عليه.

المسألة 378:

إذا اشترى الإنسان من غيره ذهبا بذهب أو فضة بفضة، و كان المبيع كليا في ذمة البائع كما تقدم و حين قبضه المشتري منه قبل التفرق وجد ما دفعه إليه البائع معيبا بأحد العيوب التي تقدمت الإشارة إليها قريبا.

تخير المشتري- على الأقوى- بين ان يرد على البائع الفرد المعيب الذي قبضه منه و يستبدله بفرد صحيح، أو يرضى بالفرد المعيب الذي دفعه اليه من غير أرش، سواء كان العوضان من جنس واحد أم كان المبيع ذهبا بفضة أو فضة بذهب، و سواء ظهر العيب للمشتري قبل التفرق أم بعده، و سواء كان العيب في جميع المبيع أم في بعضه.

المسألة 379:

إذا أراد الإنسان أن يشتري من الصائغ خاتما أو قرطا أو قلادة أو غيرها من المصوغات من الذهب أو الفضة، و أراد الصائغ أن يضيف أجرة الصياغة إلى قيمة الذهب أو الفضة فلا يجوز أن يكون البيع بجنسه للزوم الربا، بل يكون البيع بغير جنسه، أو مع إضافة ضميمة إلى الشي ء المبيع من غير جنسه تخلصه من الربا، و يكفي فص الخاتم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 154

و الفصوص التي تجعل في القرط أو القلادة إذا كانت ذات مالية، ان تجعل هي الضميمة، فتجوز الزيادة في الثمن لذلك و ان كان من الجنس، أو يباع الشي ء المصوغ بأقل من مقداره من الجنس و يجعل باقي الثمن مع الزيادة من غير الجنس، أو يشتري المشتري من الصائغ مقدارا غير مصوغ من الذهب أو الفضة بجنسه مثلا بمثل ثم يؤجره لصياغته بأجرة معينة.

المسألة 380:

إذا كان للرجل في ذمة غيره دين من نقود ذهبية، ليرات عثمانية أو باونات مثلا و كان الدائن يأخذ من المدين في كل شهر نقودا من الفضة ريالات أو دراهم من سكة معينة، فإن كان ما يأخذه الدائن من المدين بقصد استيفاء دينه، و كانت قيمة النقد الذهبي الذي يستحقه الدائن بالريال الفضي الذي يأخذه من المدين معينة مضبوطة و لو في تلك الفترة، فقيمة الليرة أو الباون تساوي عشرين ريالا في جميع تلك المدة، فلا إشكال.

فإذا أخذ من المدين عشرة ريالات فقد استوفى من دينه نصف باون، و إذا أخذ منه عشرين ريالا فقد استوفى باونا، و هكذا حتى يستكمل جميع دينه.

و إذا اختلفت قيمة النقد الذي يستحقه، لوحظت قيمته في وقت الأخذ، فإذا أخذ منه عشرين ريالا في الشهر الأول، و كانت

قيمة الباون فيه تساوي عشرين ريالا، فقد استوفى من دينه باونا واحدا، و إذا أخذ منه في الشهر الثاني عشرين ريالا أيضا و كانت قيمة الباون فيه تساوي خمسة عشر ريالا، فقد استوفى من دينه باونا و ثلثا، و إذا أخذ منه عشرين ريالا في الشهر الثالث، و كانت قيمة الباون فيه تساوي ثمانية عشر ريالا، فقد استوفى من دينه باونا و تسعا، و هكذا حتى يستوفى جميع دينه.

و إذا كان ما يأخذه من المدين بقصد الاقتراض منه، بقيت النقود الذهبية جميعها دينا في ذمة المدين، و كان ما يأخذه الدائن من النقود

كلمة التقوى، ج 4، ص: 155

الفضية دينا في ذمة الدائن، و يشكل ان يبيع أحدهما دينه بدين الآخر، و يشكل أن يحتسبا أحد الدينين وفاء للآخر.

و يجوز لكل واحد منهما ان يصالح صاحبه عن دينه بما لصاحبه من دين في ذمته، فيصالح الأول الثاني عن النقد الفضي الذي أخذه منه بالنقد الذهبي الذي يستحقه في ذمته، أو بالعكس، و يجوز لهما ان يبرئ كل منهما ذمة الآخر عن دينه.

و إذا كان ما يأخذه من المدين بقصد ان يبقى امانة لديه الى وقت الحساب بينهما، بقي المبلغ امانة عنده و بقي الدين في ذمة صاحبه حتى يتم الحساب بينهما و يحصل الاستيفاء.

المسألة 381:

إذا اشتغلت ذمة الشخص لغيره بمبلغ من نقود معينة من الذهب أو الفضة أو غيرهما، لزمه أداء المبلغ من ذلك النقد المعين، سواء بقيت قيمة النقد على حالها عند اشتغال الذمة به أم تغيرت بارتفاع أم بهبوط، و سواء دفعه الدائن له قرضا أم كان ثمنا لمبيع أو عوضا في مصالحة أو في معاملة أخرى أو صداقا لامرأة أم اشتغلت ذمته

به من أي سبب آخر.

المسألة 382:

لا يجوز للرجل أن يبيع على الصائغ أو على غيره من العمال فضة بفضة أو ذهبا بذهب مثلا بمثل، و يشترط عليه أن يصوغ له خاتما، أو يخيط له ثوبا، أو ينجر له بابا، أو يعمل له عملا آخر، فان الشرط المذكور زيادة في أحد العوضين، فيكون من الربا المحرم.

و يجوز أن يقول للصائغ صغ لي خاتما من فضة أو يقول للخياط أو لغيره اعمل لي كذا و يذكر عملا معينا و انا أبيعك عشرة مثاقيل من الفضة الخالصة بعشرة مثاقيل من الفضة المغشوشة إذا قصد أن يكون بيع المثاقيل المذكورة عليه اجرة له على عمله أو جعالة له عليه.

المسألة 383:

إذا صاغ الرجل حليا أو شيئا غيره من الذهب و الفضة جميعا و أراد بيعه جاز له ان يبيعه بالذهب مع زيادة الذهب في الثمن على الذهب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 156

الموجود في المبيع، لتكون الزيادة مقابلة للفضة الموجودة فيه، و يجوز له ان يبيعه بالفضة مع الزيادة في فضة الثمن كما ذكرنا في الذهب، و يجوز له أن يبيعه بالجنسين معا، أو يبيعه بجنس آخر غيرهما، و لا يجوز له ان يبيعه بمقدار ما فيه من الذهب وحده أو بمقدار ما فيه من الفضة وحدها و لا يزيد في الثمن على ذلك.

المسألة 384:

ما يجتمع عند الصائغ من برادة الذهب و الفضة المتساقطة في موضع عمله من الذهب و الفضة اللذين يصوغهما للناس، فتختلط و لا يعلم بمالكها على الخصوص و لا بمقدار ما يملكه كل واحد منهم من برادة ماله، الظاهر تحقق الأعراض من المالكين عن هذه الأجزاء المتساقطة من أموالهم عند صياغتها، و لذلك فيجوز للصائغ أن يتملكها.

و لكن الأحوط استحبابا أن يبيعها و يتصدق بأثمانها عن مالكيها، و إذا عرف صاحب المال فالأحوط أن يستأذنه في ذلك، و كذلك ما يتساقط من قصاصات الثياب و الخشب عند الخياط و النجار، و أجزاء الأشياء الأخرى عند العمال الآخرين.

الفصل الثالث عشر في بيع السلف
المسألة 385:

بيع السلف هو أن يبيع الإنسان على غيره شيئا كليا في ذمته مؤجلا إلى أجل مسمى، بثمن حاضر، فالسلف من حيث حضور الثمن و تأجيل المبيع معاكس للنسيئة، و يقال له بيع السلم أيضا و من كلمة السلم تؤخذ المشتقات الأخرى الملابسات له، فالمشتري في هذه المعاملة يسمى (مسلما) بكسر اللام، و البائع فيها مسلم اليه بفتح اللام، و الثمن الحاضر فيها مسلم بالفتح أيضا، و المبيع المؤجل مسلم فيه بالفتح كذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 157

المسألة 386:

يصح في هذه المعاملة أن يكون إيجاب العقد من البائع، فيقول للمشتري: بعتك طنا مثلا من الأرز العراقي العنبر الموصوف بصفة كذا أدفعه إليك بعد مضي شهرين من هذا اليوم بثلاثمائة دينار عراقي حاضرة، فيقول المشتري قبلت أو رضيت.

و يصح ان يكون الإيجاب من المشتري، فيقول للبائع: أسلمت إليك أو أسلفتك ثلاثمائة دينار عراقي حاضرة في طن من الأرز العراقي العنبر الموصوف بصفة كذا المؤجل إلى أجل كذا، فيقول البائع قبلت

المسألة 387:

إذا كان المبيع و الثمن كلاهما من غير الذهب و الفضة، يصح أن يباع أحدهما بالآخر بيع السلف إذا كان العوضان مختلفين في الجنس، و يصح ان يباع أحدهما بالآخر كذلك إذا كان العوضان من جنس واحد، و كان كلاهما أو كان أحدهما غير مكيل و لا موزون.

و لا يصح ان يباع أحدهما بالآخر سلفا إذا كانا من جنس واحد، و كانا جميعا من المكيل أو الموزون، للزوم الربا على كل حال، الا مع الضميمة، و إذا أضيفت إلى العوضين أو الى أحدهما ضميمة من غير جنسهما خرج ذلك عن الفرض في المسألة.

و إذا كان المبيع و الثمن كلاهما من الذهب و الفضة، لم يصح بيع أحدهما بالآخر سلفا، سواء اتحد الجنس في العوضين أم اختلف، و سواء كانا معا أو كان أحدهما من الموزون أم من غيره، فلا يجوز بيع الذهب بالذهب سلفا و لا بيع الفضة بالفضة، و لا بيع الذهب بالفضة و لا العكس سواء كان النقد مما يوزن أم مما يعد كالمسكوكات من الفضة، و وجه عدم الصحة ان بيع النقدين بعضهما ببعض بيع صرف يشترط في صحته التقابض قبل الافتراق كما تقدم، فلا يصح مع تأجيل المثمن كما

هو معنى بيع السلف.

و إذا كان أحد العوضين من الذهب أو الفضة، و كان العوض الآخر من غيرهما صح ان يباع أحدهما بالآخر بيع سلف، سواء كان الذهب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 158

أو الفضة ثمنا أم مثمنا، و سواء كان العوضان أو أحدهما مما يوزن أم كانا من غير المكيل و لا الموزون.

المسألة 388:

يشترط في صحة بيع السلف ان يكون المبيع مما يمكن ضبط أوصافه التي يكون بسببها موضعا للرغبة أو قلتها، و التي تختلف باختلافها قيمة الشي ء بين الناس، كالجودة و الرداءة و اللون و الطعم و الرائحة، و النوع، و الصنف، و كل ماله دخل في توجه الطلب للشي ء عند العقلاء.

و ذلك كالحبوب على اختلاف أجناسها و أنواعها، و كالأقمشة و الثياب و سائر المنسوجات، و كالخضر و الفواكه و المشروبات، و الأدوية و العقاقير، و الأثاث، و الأمتعة، و الأجهزة و الآلات، و الأدوات التي يحتاج إليها في المنازل أو في المعامل، و وسائل النقل، و الحيوان، و الإنسان المملوك فيصح بيع السلف في ذلك كله، لإمكان ضبط أوصافه المطلوبة فيه.

و لا يصح في ما يتعذر أو يتعسر ضبط أوصافه، كالجواهر و اللئالي و الأرضين و البساتين و سائر العقارات و شبهها، فإن الجهالة في هذه و أمثالها لا ترتفع بالوصف، و لا يرتفع الغرر و الجهالة فيها إلا بالمشاهدة.

المسألة 389:

يجب في بيع السلف ذكر جنس المبيع و ذكر مميزاته التي ترفع الجهالة و توضح المراد منه فإذا كان المبيع من الحبوب ذكر أوصافه الخاصة، فيذكر في الحنطة انها حمراء أو بيضاء، و انها من الجيد أو المتوسط أو الردي و انها من إنتاج اي البلاد و من أي الأنواع إذا كان لذلك دخل في تحديد المقصود منها، و كذلك في الأرز، فيذكر انه من إنتاج أي البلاد و من أي الأنواع، و إذا كان من العنبر العراقي مثلا و كان العنبر أصنافا ذكر صنفه الذي يميزه عن غيره، و هكذا في بقية الحبوب و في الفواكه و الخضر، و كذلك في الأقمشة و المنسوجات

فيذكر النوع و الصنف و انه من نسيج اي البلاد و اي المعامل، إذا كان لذلك دخل في الوصف الكامل، و مثله الأجهزة و الأدوات و الوسائل الأخرى

كلمة التقوى، ج 4، ص: 159

فيذكر مميزاتها و موضحاتها حتى لا تبقى جهالة في المبيع و لا تؤدي الى ندرة وجوده أو انعدامه.

المسألة 390:

نسب الى القول الأشهر بين العلماء انه يشترط في صحة بيع السلف ان يقبض الثمن قبل تفرق المتعاقدين من مجلس العقد، و في اعتبار هذا الشرط اشكال، و لذلك فلا يترك الاحتياط بأن يحصل القبض قبل تفرقهما، و إذا تفرق المتعاقدان و لم يحصل القبض في جميع الثمن، أو حصل القبض في بعضه دون بعض، احتاطا بالتقايل من المعاملة ثم جددا المعاملة بينهما مع قبض الثمن جميعه قبل التفرق، أو احتاطا بالمصالحة بينهما على وجه يرتفع به الإشكال في المعاملة.

المسألة 391:

إذا كان الشخص مدينا لغيره بمبلغ معين من النقود أو من غيرها، فهل يصح للدائن أن يجعل دينه هذا ثمنا في بيع السلف، و مثال ذلك أن يكون علي مدينا لعبد اللّٰه بألف دينار مثلا، ثم يبدو لعلي و هو المدين أن يبيع على دائنه و هو عبد اللّٰه أربعين وزنة من الأرز يدفعها له بعد مضي شهرين بالمبلغ الذي لعبد اللّٰه في ذمته و هو الألف دينار.

فان كان الدين المذكور الذي لعبد اللّٰه مؤجلا لم يصح أن يجعل ثمنا في بيع السلف، و ان كان الدين حالا غير مؤجل فالأقوى صحة ذلك، و ان لم يخل من اشكال.

و إذا اشترى عبد اللّٰه المبيع بألف دينار في ذمته، ثم حاسب عليا عن الدين الأول فجعله وفاء لما في ذمته من الثمن، أو تسالما فابرأ كل واحد منهما ذمة صاحبه عن دينه، فلا إشكال.

المسألة 392:

يجب أن يقدر المبيع في بيع السلف بما يتعارف تقديره به في المعاملات الجارية بين الناس فيقدر المكيل منه بالكيل، و الموزون بالوزن، و المعدود بالعد، و ما يضبط بالأذرع و الأمتار يقدر بها، و مالا يجري فيه ذلك كالسيارات و الأجهزة اكتفى فيها بالوصف المحدد للشي ء، و قد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 160

يحتاج الى ذكر مقدار حجمه أو مقدار طاقته و نحو ذلك مما تختلف فيه القيم أو يتوقف عليه التعيين.

المسألة 393:

يجب أن يكون أجل المبيع في بيع السلف محددا مضبوطا فيحدده المتعاملان بالأيام مثلا أو بالشهور أو السنين، و لهما أن يعينا الأجل بالشهور العربية و بالشهور الافرنجية و غيرها إذا كانت معلومة عند الطرفين، و كذلك السنين.

و لا يصح أن يجعل الأجل إلى وقت جذاذ التمر أو قطاف العنب أو الفاكهة الأخرى أو الى حصاد الزرع أو دياسه، و نحو ذلك من الأوقات غير المضبوطة، و إذا حدد الأجل بذلك بطل البيع.

و يصح أن يعين للمبيع أجلا قصيرا كيوم أو يومين، و أن يجعله طويلا كخمس سنين أو أكثر.

المسألة 394:

يجب أن يكون وجود الشي ء المبيع ممكنا بحسب العادة في وقت حلول أجله و في البلد الذي اشترط على البائع ان يسلم المبيع فيه، و معنى ذلك أن يكون البائع قادرا بحسب العادة على تسليم المبيع إلى المشتري في الوقت المعلوم و في البلد المعلوم، و ان كان ذلك بالنقل اليه من مكان آخر.

و نتيجة لذلك، فلا تصح المعاملة إذا كان البائع غير قادر على تسليم المبيع في وقته و ان كان الشي ء موجودا في البلد، كما إذا كان البائع مسجونا لا يستطيع و هو في سجنه الحصول على المبيع و تسليمه، أو كان في مفازة بعيدة لا يمكنه الوصول الى البلد ليحصل فيه على ذلك.

المسألة 395:

لا يبعد أن إطلاق العقد في البيع يقتضي أن يسلم البائع المال المبيع الى مشتريه في مكان المطالبة به بعد حلول أجله، الا أن تقوم قرينة عامة أو خاصة على تعيين بلد المتعاقدين أو بلد العقد أو غيرهما أو يكون العقد منصرفا عن المكان الذي طالبه المشتري فيه، و مثال ذلك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 161

ان يطالبه المشتري بتسليم المبيع في موضع بعيد عن وطنهما، فلا يجب على البائع التسليم في ذلك الموضع.

و الأحوط لزوما أن يعين في العقد موضع التسليم، و خصوصا إذا اختلفت الأمكنة في صعوبة نقل المال إليها و التسليم فيها و احتياج ذلك الى بذل المال.

المسألة 396:

إذا جعل المتبايعان أجل المال المبيع شهرا أو شهرين أو أكثر من الشهور العربية، و اتفق ان المعاملة بينهما وقعت في أول الشهر وجب أن يتم الأجل في المعاملة بالأشهر الهلالية سواء كانت تامة أم ناقصة.

و إذا كان وقوع المعاملة بينهما في أثناء الشهر العربي، لفقاه فعدا من الشهر الأخير مقدار ما مضى من الشهر الأول، فإذا كانت المعاملة في العاشر من شهر رجب مثلا، و كان الأجل شهرا واحدا عدا من شهر شعبان مقدار ما مضى من رجب، فيحل الأجل في العاشر من شعبان، سواء كان رجب ناقصا أم تاما، و إذا كان أجل المبيع شهرين أتما شهر رجب الى الهلال، و عدا شهر شعبان ما بين الهلالين ثم عدا من شهر رمضان مقدار ما مضى من شهر رجب، فيحل الأجل في العاشر من شهر رمضان، سواء كان رجب و شعبان تامين أم ناقصين أم مختلفين، و كذلك إذا كان الأجل ثلاثة أشهر فيحل الأجل في العاشر من شهر شوال سواء كانت الأشهر

المتوسطة تامة أم ناقصة أم مختلفة.

و الأحوط ان يتم الشهر الأول المنكسر و هو شهر رجب ثلاثين يوما، و أحوط من ذلك ان يقع التصالح بين المتعاقدين عن ذلك.

المسألة 397:

إذا جعل أجل المال المبيع شهرا أو شهرين أو أكثر من الشهور الافرنجية، وجب أن يتم أيام الشهر بما يكمل عدته، سواء كانت عدته ثلاثين يوما أم أقل من ذلك أم أكثر، و سواء كان وقوع المعاملة في ابتداء الشهر أم في أثنائه، و كذلك الشهور الشمسية.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 162

المسألة 398:

إذا حدد المتعاقدان الأجل بمجي ء أحد الشهور، فقالا الى شهر رجب أو الى شهر شعبان حل الأجل بأول جزء من ليلة هلال ذلك الشهر، و كذا إذا قالا في أول رجب أو في شهر رجب.

و إذا قالا في آخر شهر رجب، حل الأجل في آخر جزء منه.

و إذا قالا الى شهر ربيع أو الى شهر جمادى و لم يذكرا أي الربيعين أو أي الجماديين حمل على أولهما من هذه السنة، فإذا كانا قد مضيا من هذه السنة، كما إذا كان بيع السلف في شهر رجب حمل على أول الربيعين و أول الجماديين من السنة الآتية.

و إذا قالا إلى الجمعة أو الى السبت مثلا فالمراد أقرب جمعة أو أقرب سبت إليهما، و حل الأجل في أول جزء من نهار الجمعة أو السبت المذكورين.

و إذا قالا إلى أول جمعة من الشهر أو الى آخر جمعة منه و كان الشهر المعين غير معلوم الأول أشكل الحكم بالصحة، فلا يترك الاحتياط و لو بالتقايل في المعاملة ثم تجديدها مع الأجل المعين أو المصالحة بينهما عن ذلك.

المسألة 399:

لا يجوز للمشتري أن يبيع المال الذي اشتراه ببيع السلف إذا كان الثمن الذي يريد بيعه به من جنس المال المبيع و كان العوضان كلاهما من المكيل أو الموزون مع زيادة أحد العوضين على الآخر في المقدار للزوم الربا المحرم.

و مثال ذلك ان يشتري الرجل من أحد عشر وزنات من الحنطة مؤجلة إلى أجل مسمى، ثم يريد أن يبيع الحنطة المذكورة التي اشتراها بعشر وزنات و نصف من الحنطة كذلك، فيكون ذلك محرما لاجتماع شروط الربا في هذا البيع، و هو واضح. سواء كان البيع قبل أن يحل أجل المال أم بعد حلوله،

و سواء كان البيع الثاني على بائعه الأول أم على غيره، و سواء كان الثمن في البيع الثاني حالا أم مؤجلا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 163

المسألة 400:

الأحوط لزوما ان يجتنب المشتري بيع المال الذي اشتراه سلفا قبل أن يحل أجله في غير المكيل و الموزون أيضا، و مثال ذلك أن يشتري الرجل ببيع السلف خمسين مترا من قماش مخصوص مؤجلة إلى أجل معين، ثم يريد ان يبيع ما اشتراه قبل ان يحل أجله، فلا يجوز له ذلك على الأحوط، سواء أراد بيعه على بائعه الأول أم على غيره، و سواء كان الثمن في البيع الثاني من جنس المال المبيع أم من غير جنسه، و سواء كان الثمن المذكور حالا أم مؤجلا، و سواء كان العوضان في البيع الثاني متساويين أم متفاوتين في المقدار.

المسألة 401:

إذا حل أجل المال الذي اشتراه الرجل ببيع السلف، جاز له بيعه، سواء كان المبيع مما يكال أو يوزن أم كان من غيرهما، و سواء أراد المشتري بيع المال على بائعه الأول أم على غيره و سواء كان الثمن الذي يبيعه به من جنس المال المبيع أم من غير جنسه، فيجوز له جميع ذلك و يصح منه، الا إذا كان المال مما يكال أو يوزن و أراد بيعه بثمن من جنسه مع التفاوت بين العوضين في المقدار، فيحرم ذلك للزوم الربا و قد ذكرنا ذلك آنفا.

المسألة 402:

إذا حل أجل المال الذي اشتراه الإنسان سلفا و لم يقبض المال بعد من بائعه، و كان المال من المكيل أو الموزون، و رغب في أن يبيعه مرابحة، جاز له أن يبيعه مرابحة كذلك على بائعه الأول، و لا يترك الاحتياط باجتناب بيعه مرابحة على غير بائعه.

المسألة 403:

إذا حل الأجل الذي حدده المتبايعان للمال المبيع و دفع البائع المال على حسب ما عيناه في العقد من الجنس و الأوصاف و المقدار وجب على المشتري قبول ما دفعه اليه، و إذا دفعه اليه على حسب ما ذكراه من الجنس و دون ما عيناه من الصفة لم يجب على المشتري قبول ما دفعه اليه، و إذا رضي المشتري به و ان كان ناقص الصفة و قبضه منه راضيا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 164

به عن حقه أجزأ و برئت ذمة البائع، و إذا رضي المشتري به و لم يقبضه لم تبرأ ذمة البائع على الظاهر.

و كذلك الحكم إذا دفع البائع المال للمشتري ناقصا عن المقدار المعين، فلا يجب على المشتري قبول الناقص و إذا قبضه راضيا به عن حقه و ان كان أقل منه أجزأ و برئت ذمة البائع، و لا تبرأ ذمته إذا رضي المشتري بالمدفوع و لم يقبضه.

المسألة 404:

إذا دفع البائع المال المسلم فيه الى المشتري فوق الصفة التي اشترطها له في العقد، فان كان مراد المشتري من اشتراط الصفة في المال ان لا يكون ما يدفعه البائع إليه دون الصفة فالظاهر وجوب القبول على المشتري إذا دفعه اليه فوق الصفة المشترطة، و ان كان مراد المشتري أن يكون ما يدفعه البائع اليه على هذه الصفة المعينة لا دونها و لا فوقها، لم يجب على المشتري القبول، و إذا دفع البائع المال إلى المشتري زائدا على ما عيناه في العقد من المقدار لم يجب عليه القبول.

المسألة 405:

إذا حل الأجل المعين لدفع المال المسلم فيه و لم يقدر البائع على أدائه لأحد الأعذار التي أوجبت له العجز عن ذلك، كان المشتري مخيرا بين أن يفسخ البيع فيرجع على البائع بالثمن الذي دفعه اليه، و أن يصبر الى أن تحصل القدرة للبائع على أداء المال، و ليس له أن يطالب البائع بقيمة المبيع في وقت حلول أجله إذا كانت القيمة أكثر من الثمن المسمى بينهما في المعاملة.

و إذا تمكن البائع من أداء بعض المبيع و عجز عن أداء بعضه، كان المشتري مخيرا في الباقي الذي عجز البائع عن أدائه بين أن يفسخ البيع فيه فيسترد من البائع حصته من الثمن، و أن يصبر الى ان تحصل القدرة للبائع على تحصيل ذلك البعض و أدائه، و يشكل الحكم بجواز الفسخ له في الجميع.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 165

و إذا اختار المشتري الفسخ في البعض الذي عجز عنه البائع ففسخ العقد فيه، ثبت للبائع جواز الفسخ في الجميع.

المسألة 406:

إذا لم يوجد المبيع في البلد الذي وجب على البائع التسليم فيه و كان موجودا في بلد آخر فإن أمكن للبائع أن ينقل المال الى بلد التسليم و يدفعه للمشتري فيه وجب عليه ذلك وفاء بالعقد، و ان لم يقدر البائع على ذلك أو كان نقل المال من البلد الذي يوجد فيه الى موضع التسليم موجبا للحرج أو الضرر على البائع تخير المشتري بين فسخ العقد، فيسترد الثمن من البائع و ان ينتظر حتى تحصل القدرة للبائع على نقل المال و لهما أن يتراضيا على تسليم المال المبيع في الموضع الذي يوجد فيه أو في موضع آخر يمكنه نقله اليه.

الفصل الرابع عشر في بيع الثمار و الزرع
المسألة 407:

لا يجوز- على الأحوط- للمالك أن يبيع ثمرة عام واحد من النخيل و الشجر قبل أن تظهر الثمرة فيها إذا لم يضم إلى الثمرة التي يريد بيعها ضميمة أخرى، و ان كان لجواز البيع وجه قوي، و لكن الاحتياط في الامتناع عن بيعها كذلك لا يترك، و يجوز له ان يبيعها عاما واحدا إذا أضاف إلى الثمرة ضميمة غيرها فباع الثمرة مع الضميمة معا، و يجوز له أن يبيع ثمرة عامين أو أكثر من ذلك، و ان لم تظهر الثمرة، و لم يضم إليها ضميمة، و سيأتي بيان المراد من الضميمة المقصودة في المقام و الشروط المعتبرة فيها.

المسألة 408:

إذا ظهرت الثمرة في النخيل و الشجر، و بدا صلاح الثمرة، جاز للمالك أن يبيعها عاما واحدا و عامين، و أكثر من ذلك، و لم يفتقر في صحة البيع و جوازه الى ضم ضميمة معها. و إذا ظهرت الثمرة فيها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 166

و لم يبد صلاح الثمرة جاز للمالك أن يبيعها إذا كان المبيع ثمرة عامين أو أكثر، و يجوز له أن يبيع ثمرة عام واحد إذا ظهرت الثمرة و لم يبد صلاحها، إذا ضم إلى الثمرة المبيعة ضميمة أخرى، فباع الثمرة مع الضميمة.

و نتيجة لما ذكرنا في المسألة، فيجوز للمالك بيع الثمرة بعد ظهورها، إذا بدا صلاح الثمرة، أو أراد المالك بيع ثمرة عامين أو أكثر، أو أراد بيعها مع الضميمة، و لا إشكال في الجواز في هذه الموارد.

و إذا ظهرت الثمرة، و لم يبد صلاحها، و أراد المالك بيع ثمرة عام واحد من غير ضميمة، فالظاهر جواز بيعها أيضا، و ان كان الأحوط الترك في هذه الصورة.

المسألة 409:

يبدو صلاح الثمرة في النخيل إذا اصفرت الثمرة أو احمرت، و يبدو صلاح الثمرة في غير النخيل من الشجر إذا انعقد الحب فيها بعد تناثر ورده، و لا اعتبار في أن يكون الثمر قابلا للأكل بحسب العادة و عدم ذلك.

المسألة 410:

يشترط في الضميمة التي يجوز معها بيع الثمرة قبل ظهورها أو بعد ظهورها و قبل بدو الصلاح فيها: أن تكون الضميمة مما يصح بيعها منفردة، و أن تكون مملوكة لمالك الثمرة، و أن يكون الثمن في البيع ثمنا للضميمة و الثمرة التي يراد بيعها معها على نحو الإشاعة بينهما.

و لا فرق بين أن تكون الضميمة مستقلة أو تابعة أو متبوعة، و مثال الضميمة المستقلة أن يحتاج البائع إلى بيع الثمرة قبل ظهورها، و يحتاج كذلك الى بيع وزنتين أو أكثر من الحنطة، فيبيعهما معا بعقد واحد و ثمن واحد، فتكون الحنطة مبيعا مقصودا بالبيع بالأصالة، كما هي ضميمة مصححة لبيع الثمرة في الوقت نفسه، و مثال الضميمة التابعة أن يحتاج البائع إلى بيع الثمرة فيضم إليها شيئا آخر مما يملكه ليصحح به بيع الثمرة، حقة أو حقتين من السكر مثلا، فالضميمة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 167

المذكورة غير مقصودة بالأصالة و انما يبيعها بتبع الثمرة، فهي تابعة غير مستقلة، و مثال الضميمة المتبوعة ان يريد المالك بيع الثمر و لما احتاج الى الضميمة باع الشجر مع الثمرة معا، فالأصول ضميمة متبوعة، و يصح بيع الثمرة في جميع ذلك.

المسألة 411:

يصح لمالك النخيل أو مالك الشجر أن يبيع الثمرة قبل ظهورها أو بعد ظهورها و قبل بدو صلاحها، و يجعل نفس أصول النخيل أو الشجر ضميمة مع الثمرة فيبيعهما معا، كما أشرنا إليه في المسألة المتقدمة.

المسألة 412:

إذا أراد الإنسان بيع ثمرة نخيله و احتاج في بيعها إلى ضميمة، فله أن يجعل السعف اليابس و الكرب الموجودين في النخل ضميمة في البيع، فيصح له بيع الثمرة معها، و كذلك إذا أراد بيع ثمرة الشجر، فله أن يضم إلى الثمرة ما في الشجر من غصون يابسة أو ما في البستان من شجر يابس.

المسألة 413:

إذا ظهر ثمر بعض الشجر في البستان، و لم يظهر في البعض الآخر، جاز للمالك ان يبيع جميع الثمرة في البستان ما ظهر منها و ما يتجدد منها بعد ذلك، لعام واحد أو أكثر، و لم يحتج في جواز البيع إلى الضميمة، سواء كان الثمر من جنس واحد أم من جنس مختلف.

و كذلك الحكم في الشجرة الواحدة إذا ظهر بعض ثمرتها، فيجوز لمالكها أن يبيع جميع ثمرتها ما ظهر منها و ما يتجدد بعد ذلك لسنة واحدة أو أكثر، و إذا ظهرت ثمرة بستان جاز لمالكه ان يبيع ثمرة هذا البستان مع ثمرة بستان آخر له لم تظهر ثمرته بعد، سواء أراد بيع الثمرة لعام واحد أم أكثر.

المسألة 414:

إذا كان الشجر مما يثمر في العام مرتين و أراد مالكه أن يبيع الثمرتين معا لعام واحد قبل ظهورهما فالأحوط أن لا تباع كذلك الا مع الضميمة،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 168

و لا يجري فيه حكم بيع الثمر لعامين، و قد ذهب بعض الأكابر إلى جريان هذا الحكم فيه، فأجاز فيه بيع الثمرتين معا لعام واحد من غير ضميمة، و هو غير بعيد، و لكن الاحتياط فيه مما لا يترك.

المسألة 415:

إذا باع المالك ثمرة النخيل أو ثمرة الشجر عاما أو عامين أو أكثر من ذلك على الوجوه التي تقدم بيانها ملكها المشتري، فإذا باع المالك بعد ذلك أصول النخيل أو الشجر على شخص آخر انتقلت الأصول إلى مشتريها مسلوبة هذه المنفعة، و لم يبطل بيع الثمرة بذلك، و إذا كانت للأصول منافع أخرى غير الثمرة المبيعة كالسعف و الغصون اليابسة و نحو ذلك فهي ملك لمشتري الأصول، فإذا انقضت الثمار المبيعة، و أثمرت الأصول بعد ذلك ثمارا جديدة كانت ملكا لمشتري الأصول.

المسألة 416:

إذا باع مالك النخيل أو الشجر ثمرتها على أحد كما تقدم ثم باع أصولها على شخص آخر، و كان مشتري الأصول جاهلا ببيع الثمرة على غيره كان له الخيار، فيجوز له أن يفسخ بيع الأصول و يسترد ثمنها من البائع إذا كان قد دفعه إليه.

المسألة 417:

إذا باع مالك النخيل أو مالك الشجر ثمرتها على النهج المتقدم ذكره، ثم مات البائع لم يبطل البيع بموته، و بقيت الثمرة ملكا لمشتريها، و انتقلت أصول النخيل و أصول الشجر إلى ورثة مالكها مسلوبة المنفعة مدة الثمار المبيعة، و لا خيار لهم في بيع الثمرة، فإذا انقضت الثمار المبيعة ملكوا الثمرة التي تتجدد بعدها، و إذا مات مشتري الثمرة قبل استيفائها انتقلت الثمرة إلى ورثته من بعده.

المسألة 418:

لا يجوز لمالك الأصول أن يتصرف في الأصول بما ينافي ملك الثمرة، كما إذا أراد ان يقلع الأصول فلا تثمر، أو يمنعها من السقي فلا تبلغ الثمرة، أو يتصرف فيها تصرفا يتلف الثمرة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 169

المسألة 419:

إذا باع المالك الثمرة، فأصابتها احدى الآفات و تلفت قبل أن يقبضها المشتري من بائعها انفسخ البيع و رجعت الثمرة إلى بائعها و كان تلفها من ماله، و استرد المشتري ثمنها إذا كان قد دفعه للبائع، كما فصلنا القول فيه في المسألة المائتين و السابعة و الثمانين و ما بعدها في فصل التسليم و القبض، و قد تقدم هناك بيان معنى القبض أيضا.

و كذلك الحكم إذا سرق الثمرة سارق أو نهبها قبل أن يقبضها المشتري، فينفسخ البيع و يرجع كل مال من العوضين الى مالكه الأول فيكون تلف الثمرة من مال بائعها.

و لا يعم هذا الحكم ما إذا أتلف البائع بنفسه الثمرة أو أتلفها شخص آخر يمكن للمشتري ان يرجع عليه و يأخذ بدل التالف منه، فان البيع لا ينفسخ في هاتين الصورتين، و يرجع المشتري بمثل التالف أو قيمته على البائع في الصورة الأولى، و يرجع بهما على الشخص المتلف للثمرة في الصورة الثانية، و قد فصلنا القول في هذا في المسألة المائتين و التاسعة و الثمانين فليرجع إليها من أراد.

المسألة 420:

إذا باع المالك الثمرة و قبضها المشتري، ثم اصابتها بعد ذلك احدى الآفات فتلفت، أو سرقها منه سارق أو نهبها، فهي من مال المشتري و لا شي ء له على البائع.

المسألة 421:

يصح لمالك البستان أن يبيع ثمرته على المناهج التي تقدم بيانها و يستثني لنفسه أو لغيره ثمرة نخلة أو نخلات معينة و شجرة أو شجرات معينة، فلا تدخل في المبيع، فإذا طرأت على النخلات أو الشجرات التي استثناها أو على بعضها آفة فأفسدت ثمرتها خاصة لم ينقص بسبب ذلك من الثمرة المبيعة شي ء فهي جميعها لمشتريها، و كذلك الحكم في العكس، فإذا أصابت ثمرة البستان آفة فأفسدت جميعها بعد القبض أو أفسدت بعضها و لم يفسد من ثمرة النخلات أو الشجرات المستثنيات

كلمة التقوى، ج 4، ص: 170

شي ء فهي جميعا لمالكها و لا نقص عليه بسبب فساد ثمرة البستان، و مثله الحكم إذا غصب الثمرة غاصب أو سرقها سارق في كلا الفرضين.

المسألة 422:

يجوز لمالك النخيل و الشجر ان يبيع ثمرتها على المناهج التي تقدم ذكرها و يستثني لنفسه حصة مشاعة من الثمرة: الثلث منها أو الربع مثلا، و يجوز له أن يستثني لنفسه مقدارا معينا من الوزن: منا أو منين من التمر أو من العنب على سبيل الإشاعة، و يجوز له ان يستثني لنفسه مقدارا معينا من الوزن كذلك، منا أو منين، بنحو الكلي في المعين.

و الفارق بين الصورتين الأخيرتين هو قصد المتبايعين، فإذا قصدا أن للبائع حصة من الثمرة مقدارها منان شائعة في مجموع الثمرة بحيث يكون كل جزء من الثمرة مشتركا بين البائع و المشتري، كان من الصورة الأولى، و إذا قصد أن للبائع منين مرددين بين مجموع الأمنان المعينة الموجودة من الثمرة كان من الصورة الثانية.

المسألة 423:

إذا أصابت البستان احدى الآفات فأفسدت بعض ثمرته و بقي بعضها اختلف الأثر في المسألة المتقدمة باختلاف فروضها، فان كان المستثنى للبائع حصة مشاعة من الثمرة وزع الباقي من الثمرة على المشتري و البائع بحسب مالهما من الحصص في الثمرة، و لم يحتج الى تخمين مقدار التالف منها، فإذا كانت حصة البائع من الثمرة هي الربع مثلا، وزع الباقي كذلك فكان الربع من الباقي للبائع و ثلاثة أرباعه للمشتري و إذا كانت الحصة المستثناة للبائع من الثمرة هي الثلث كان له الثلث من الباقي و الثلثان للمشتري، و هكذا.

و إذا كان ما استثناه البائع لنفسه من الثمرة مقدارا معينا من الوزن على سبيل الإشاعة في مجموع الثمرة، كان الطريق إلى معرفة النقص هو التخمين من أهل الخبرة، فإذا كان التالف في نظر أهل الخبرة بسبب الآفة هو ربع الثمرة مثلا، سقط من المقدار المعين للبائع ربعه،

كلمة التقوى، ج 4،

ص: 171

فإذا كان المقدار المعين له منين من التمر أو من العنب، سقط منه ربع المنين، و إذا كان التالف في نظر أهل الخبرة هو ثلث الثمرة سقط من المنين ثلثهما و كان الباقي للمشتري.

و إذا كان المستثنى للبائع من الثمرة مقدارا معينا من الوزن بنحو الكلي في المعين، فالأحوط المصالحة بين البائع و المشتري في تحديد ما يصيبهما من الخسارة.

المسألة 424:

بيع الثمار و هي على النخيل و الأشجار إذا اجتمعت شروطه و مناهجه المتقدمة كسائر البيوع و المبيعات الأخرى، فيجوز بيعها بكل ما يصح أن يكون ثمنا لغيرها من الأشياء، فتباع بالنقود و الأمتعة، و الحبوب و الحيوان و سائر الأعيان المملوكة و المنافع و الأعمال، و الحقوق القابلة للنقل و الانتقال و التي تعد أموالا في نظر العقلاء كما فصلناه في المسألة المائة و السابعة عشرة.

نعم، لا يجوز أن يباع التمر على النخل بالتمر من النخل المبيع نفسه، و الظاهر عدم التحريم إذا كان الثمن من تمر غيره سواء كان في الذمة أم في الخارج، و الأحوط استحبابا تركه، و لا يجوز بيع الثمر على الشجر إذا كان الثمن من ثمر ذلك الشجر المبيع و لا يحرم إذا كان من غيره.

المسألة 425:

إذا اشترى الإنسان الثمرة و هي على أصولها، مع أحد الوجوه المصححة لبيعها، جاز له أن يبيعها على غيره، سواء كان قد قبضها من مالكها أم لم يقبضها بعد، و سواء كان الثمن الذي يريد ان يبيعها به بمقدار الثمن الذي اشتراها به أم أقل منه أم أكثر.

المسألة 426:

إذا بذر المالك الأرض و لم يظهر الزرع بعد، فلا يجوز له أن يبيعه قبل ظهوره، و تجوز له المصالحة عليه، و يجوز له أن يبيع الأرض و يبيع الزرع معها المبذور فيها بتبعها، سواء أراد بيعهما كذلك بثمن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 172

واحد لهما معا، أم جعل لكل واحد منهما ثمنا غير ثمن الآخر، و إذا ظهر الزرع، و بدت خضرته، جاز لمالكه أن يبيعه قصيلا، و جاز له أن يبيع جميع الزرع: القدر الظاهر منه مع جذوره و أصوله الثابتة في الأرض.

المسألة 427:

إذا ظهر الزرع فباعه مالكه قصيلا- و القصيل هو ما يقطع منه و هو أخضر لعلف الحيوان- فان كان قد بلغ أو ان قصله، أو لم يبلغ ذلك، و لكن المشتري قد اشترط على بائعه ان يبقى قائما في الأرض إلى أو ان قصله، أو كانت بين الزراع عادة متبعة أن يبقى الزرع المبيع قائما إلى أوان القصل، اتبع ذلك، و إذا اشترط البائع على المشتري أن يقطعه قبل ذلك اتبع شرطه، فإذا قطعه المشتري كذلك فقد استوفى حقه، فإذا نما الزرع بعد ذلك فالناتج الجديد ملك للبائع و إذا سنبل فالسنبل ملك له و إذا بلغ أوان قصله فلم يقطعه المشتري كان للبائع إلزامه بالقطع، و يجوز له إبقاؤه و مطالبة المشتري بأجرة الأرض مدة بقائه فيها، و إذا أبقاه حتى سنبل الزرع أشكل الحكم في السنبل، هل يكون ملكا للمشتري أو يكون ملكا للبائع أو مشتركا بينهما، و لا يترك الاحتياط بالمصالحة.

المسألة 428:

إذا ظهر الزرع فباعه المالك مع أصوله الثابتة في الأرض كان الزرع كله ملكا للمشتري، فيجوز له أن يقطعه قصيلا، و يجوز له أن يتركه حتى ينمو و يسنبل إذا أذن له البائع بإبقائه في الأرض، أو كان المشتري قد اشترط على البائع أن يبقى الزرع قائما فيها، و على المشتري أجرة الأرض لمالكها مدة بقاء الزرع عليها، إلا إذا اشترط عليه أن يبقى الزرع قائما في أرضه بدون أجرة حتى يسنبل، فيتبع شرطه، فإذا سنبل الزرع كان السنبل ملكا للمشتري.

و إذا قطع المشتري الزرع قصيلا، ثم نمت أصوله بعد القطع و سنبلت كان النمو المتجدد و السنبل ملكا للمشتري و عليه أجرة الأرض لمالكها على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 173

المسألة 429:

لا يصح بيع السنبل قبل أن يظهر في الزرع و ينعقد حبة، فإذا ظهر السنبل و انعقد الحب فيه جاز بيعه، فيصح للمالك حين ذاك ان يبيع السنبل وحده، و أن يبيعه مع أصوله، قائما على الأرض أو محصودا، و يكتفى في بيعه في هذه الحالات بالمشاهدة، فلا يشترط فيه معرفة مقداره بالكيل أو الوزن، فإذا ديس و صفيت الغلة منه و أريد بيعها بعد ذلك فلا بد من الكيل أو الوزن.

المسألة 430:

لا يجوز بيع سنبل الحنطة بحنطة من نفس السنبل المبيع، و لا بيع سنبل الشعير بشعير من ذلك السنبل نفسه، لاتحاد الثمن و المثمن، و يسمى ذلك بالمحاقلة، و لا يحرم بيع سنبل الحنطة بحنطة أخرى من غير ذلك السنبل سواء كان الثمن حنطة في الذمة أم في الخارج، و كذلك سنبل الشعير فلا يحرم بيعه بشعير آخر.

و يجري الحكم المذكور في جميع الحبوب، فلا يصح بيع سنبل الأرز و الدخن و الذرة و الماش و العدس و غيرها بحب من نفس السنبل المبيع، و يجوز إذا كان الثمن حبا من جنسه من غير السنبل المبيع.

المسألة 431:

لا يجري حكم الربا في المعاملة في البيع المذكور لأن السنبل غير مكيل و لا موزون كما ذكرنا آنفا، فيجوز البيع و ان تفاوت العوضان في المقدار.

المسألة 432:

لا يجوز بيع الخضر قبل ظهورها، سواء كانت الخضرة مما يلقط كالخيار و الباذنجان أم مما يقلع كالفجل و البصل، أم مما يجز كالكراث و النعناع و الريحان، و كذلك الحكم في القت و شبهه مما يزرع لعلف الدواب، فإذا ظهرت الخضر جاز بيعها كما سنذكره ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 433:

إذا ظهرت الخضرة جاز بيعها، فإذا كانت مما يلقط كالخيار

كلمة التقوى، ج 4، ص: 174

و الباذنجان و الطماطه و اليقطين و البطيخ، صح بيعها و هي في شجرها:

لقطة واحدة، و لقطات معينة العدد، و يرجع في تحديد اللقطة إلى عرف الزراع و عادتهم المتعارفة بينهم في ذلك، فبعض الخضر يلقط يوما و يترك يوما، و بعضها يترك أكثر من ذلك، و بعض نتاج الخضرة لا يلقط في المرة الأولى لصغره فيترك للمرة الثانية، و قد لا يعدون ما تنتجه المزرعة في باكورتها لقطة، لقلته، أو لعزته و غلاء ثمنه.

المسألة 434:

انما يصح بيع ما يلتقط من الخضرة- و هو في شجرة كما ذكرنا- إذا كان النتاج مشاهدا، لترتفع بذلك الجهالة في المبيع، فيشكل الحكم بصحة البيع إذا كان النتاج غير مشاهد، و تكفي مشاهدة ما تمكن مشاهدته من النتاج من خلال ورق الشجر، بحيث يرتفع معظم الجهالة بذلك، و لا ينافي ذلك ان لا يشاهد بعضها الذي يستره الورق أو يكون بين المدر، و إذا باعه لقطتين أو أكثر فلا يضر في صحة البيع ان ما عدا اللقطة الأولى منها غير موجود حين البيع، لأنه مبيع بضميمة اللقطة الأولى.

المسألة 435:

إذا كانت الخضرة المقصودة بالشراء مستورة في الأرض غير مشاهدة كالجزر و الشلجم و الثوم، أشكل الحكم بجواز بيعها حتى تقلع، و يصح الصلح عليها.

المسألة 436:

إذا كانت الخضرة مما تجز ثم تنمو كالكراث و الريحان و النعناع و الكرفس جاز بيعها بعد ظهورها جزة واحدة و جزات معينة العدد، و القول في تحديد الحد و الجزات هو القول في تحديد اللقطة و اللقطات، فيرجع فيه الى ما يتعارف بين أهل الزراعة، و تضم الجزات المتأخرة و ان كانت معدومة حين البيع إلى الجزة الموجودة فيصح بيعها معا كما تضم ثمرات السنين الآتية إلى الثمرة الموجودة في العام الحاضر فيصح بيعها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 175

و يباع ما يتعارف بيع ورقه كالحناء بعد ظهور الورق فيه خرطة واحدة أو خرطات، و المرجع في الخرطة أيضا هو المتعارف بين أهل ذلك العرف الخاص، و كذلك ورق التوت إذا تعارف بيعه كذلك لدود القز، فيباع خرطة و خرطات.

المسألة 437:

إذا كانت ثمرة النخيل مشتركة بين مالكين، جاز لأحد الشريكين أن يتقبل حصة شريكه الآخر من الثمرة، فيخرص مجموع ثمرة النخيل المشتركة بمقدار معلوم، و يتقبل حصة شريكه من ثمرة النخيل بمقدار حصته من مقدار الخرص، فيملك حصة شريكه بذلك، سواء زاد الخرص على مقدار الحصة في الواقع أم كان مساويا لها أم انقص منها.

و مثال ذلك أن يكون زيد و عمرو مشتركين في الثمرة على وجه المناصفة بينهما، فيخرص زيد مجموع الثمرة المشتركة بعشرين وزنة من التمر، و يتقبل حصة شريكه من الثمرة بعشر وزنات و هو نصف مجموع الثمرة بحسب الخرص، فتكون حصة عمرو من الثمرة ملكا لزيد بسبب هذه المعاملة و يجب عليه ان يدفع لعمرو عشر وزنات من التمر سواء كان ذلك زائدا على نصف الثمرة في الواقع أم مساويا أم ناقصا عنها.

و لا فرق في الحكم بين أن تكون الثمرة

مشتركة بين شريكين فقط أو أكثر، و سواء تساوت حصص الشركاء في الثمرة أم تفاوتت، فإذا خرص الشريك مجموع الثمرة، و تقبل حصص شركائه بمقدار حصصهم من الخرص ملك حصصهم، سواء تساوت أم تفاوتت، و عليه ان يؤدي لكل واحد منهم مقدار حصته من الخرص المعلوم.

المسألة 438:

يجوز أن يجعل المقدار الذي يتقبل به حصة الشريك كليا ثابتا في ذمته، و يجوز أن يجعله مقدارا من الثمرة نفسها، فإذا تلفت الثمرة بحدوث بعض الآفات فان كان ما تقبل به الحصة كليا في ذمته لم يسقط عنه ضمان حصة شريكه بتلف الثمرة فيجب عليه دفع المقدار الذي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 176

تقبل الحصة به، و ان كان ما تقبل به الحصة مقدارا من الثمرة نفسها فلا ضمان عليه إذا تلفت الثمرة.

المسألة 439:

يجري الحكم المتقدم بيانه في ثمر الشجر و في الزرع أيضا إذا كان الثمر أو الزرع مشتركا بين الرجل و بين غيره، فيجوز له أن يتقبل حصة شريكه من ثمر الشجر و من نتاج الزرع، سواء كان الشريك واحدا أم أكثر، و سواء تساوت حصص الشركاء أم تفاوتت، على النهج الذي تقدم ذكره في تقبل ثمرة النخيل من غير فرق بينها في الآثار و الأحكام.

المسألة 440:

الظاهر أن تقبل حصة الشريك من الثمرة و من الزرع معاملة مستقلة بنفسها و ليست بيعا و لا صلحا، و يصح إيقاعها بلفظ الصلح و بكل لفظ يكون ظاهرا في المعنى المقصود و دالا عليه في متفاهم الناس العقلاء و ليس لها صيغة خاصة.

المسألة 441:

يجوز للإنسان إذا مر بنخل أو شجر مثمر أن يأكل من الثمر بمقدار شبعه، سواء كانت به ضرورة عرفية إلى الأكل منه أم لم تكن، فله أن يأكل مما على النخل أو الشجر من الثمرة أو مما تساقط منه، بشرط أن لا يحمل من الثمرة شيئا، و أن لا يفسد للثمر أو للأغصان أو للأرض أو لشي ء من ممتلكات صاحب المال، و الظاهر انه يجوز له الأكل منها و ان كان قاصدا من أول الأمر أن يأكل من ثمرة النخل أو الشجر إذا مر به، و إذا حمل معه شيئا من الثمرة، حرم عليه ما حمل منها و لم يحرم عليه ما أكل.

المسألة 442:

الأحوط لزوما اختصاص هذا الحكم بثمرة النخل و الشجر، فلا يتعدى الى الزرع و الخضر.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 177

المسألة 443:

الأحوط لزوما عدم شمول الحكم للشجر النادر و النخل الذي يعتز مالكه بثمرته فلا يجوز التناول منه إذا مر الإنسان به بل المنع منه هو الأقوى.

المسألة 444:

إذا كان للرجل الى مقصده طريقان فاختار المرور من أحدهما لأنه يمر بالنخل أو بالشجر فيأكل من ثمره، أشكل الحكم بالجواز، و كذلك إذا مر الرجل بالنخل أو الشجر و لم تكن له غاية و لا مقصد من سلوك الطريق إلا الأكل من الثمرة، و كذلك إذا كان للبستان سياج من جدار أو حضار أو شرك يحيط به، أو علم بكراهة المالك للأكل من ثمره، فالأحوط المنع في جميع هذه الفروض.

المسألة 445:

إذا كانت للإنسان نخلة في دار غيره أو في بستانه بحيث يشق على صاحب الدار أو البستان دخول مالك النخلة إليها، يصح لمالك النخلة أن يبيع ثمرتها على صاحب الدار أو البستان بمقدار خرصها تمرا من غيرها أو من تمرها أو كليا في ذمة المشتري، و يسمى هذا بيع العرية، و هو مستثنى من حرمة بيع ثمرة النخيل بتمر من النخيل نفسه و قد تقدم ذكره في المسألة الأربعمائة و الرابعة و العشرين و يسمى بيع المزابنة.

الفصل الخامس عشر في بيع الحيوان
المسألة 446:

يجوز أن يسترق الكافر الأصلي إذا لم يعتصم بدخوله في ذمة الإسلام أو بدخوله في معاهدة بينه و بين المسلمين، سواء كان في دار الكفر أم في دار الإسلام، و سواء كان صغيرا أم كبيرا، و ذكرا أم أنثى، و سواء حصل الاستيلاء عليه بالحرب و الاغتنام أم بغير ذلك من أساليب القهر و الغلبة، و لو بالسرقة و نحوها، و إذا وقع الرق عليه سرى في أعقابه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 178

و ان أسلم بعد الاسترقاق و أسلمت أعقابه، و يرتفع الرق عنه بالعتق إذا حصل أحد أسبابه التي وضعها الإسلام.

المسألة 447:

إذا قهر الكافر الحربي كافرا حربيا آخر فباعه على مسلم، و كان هذا البيع صحيحا في دين ذلك الكافر ألزم بما ألزمه به دينه، و ملكه المسلم بذلك، و كان ذلك بيعا، و ترتبت عليه أحكام البيع، سواء كان الكافر المستولي عليه أجنبيا عن الكافر البائع أم قريبا له، و ان كان أباه أو أخاه أو ولده أو أمه أو زوجته أو ممن ينعتق عليه في دين الإسلام، و إذا لم يكن البيع صحيحا في دينهم لم تجر عليه أحكام البيع، و لكن المسلم يتملكه بالاستنقاذ، و كذلك الحكم إذا قهره فباعه على كافر آخر ثم باعه الكافر على المسلم، فيجري فيه ما ذكرناه في المسألة.

المسألة 448:

لا يجوز أن يسترق المرتد الفطري و لا المرتد الملي، سواء كان ذكرا أم أنثى، و لا يجوز أن يسترق الكافر الأصلي إذا كان ذميا أو معاهدا في الإسلام، و ولد المرتد الذمي و المعاهد بحكم آبائهم.

المسألة 449:

إذا ملك الإنسان مملوكا بأحد الأسباب التي توجب تملكه و كان ممن يستقر ملكه إياه، جاز له بيعه على غيره و نقله الى ملكه بأحد المملكات الشرعية الاختيارية كالصلح و الهبة و جعله عوض إجارة أو جعالة أو صداق زوجة أو غير ذلك من المملكات، و جاز له بيع بعضه أو نقل بعضه الى ملك غيره بأحد المملكات.

المسألة 450:

يصح للرجل أن يتملك اي مملوك أراد من الناس إذا حصل له أحد الأسباب التي توجب ملكه، و يثبت بذلك ملكه إياه، و يستثنى من ذلك عدة أشخاص، لا يصح للرجل أن يتملكهم، و لا يستقر عليهم ملكه إذا ملكهم، و هم: (1) الأب و (2) الأم، و (3) الجد، و هو أبو الأب و أبو الأم، و ان كان أبا لأحدهما بواسطة واحدة أو أكثر، و (4)

كلمة التقوى، ج 4، ص: 179

الجدة، و هي أم الأب و أم الأم، و ان كانت أما لأحدهما بواسطة واحدة أو أكثر، و (5) الولد سواء كان ذكرا أم أنثى، و كذلك ولد الولد سواء كان بواسطة واحدة أم أكثر، و (6) الأخت، سواء كانت للأبوين أم لأحدهما، و (7) العمة و ان علت، و (8) الخالة و ان علت، على ما سيأتي بيانه فيها و في العمة، و (9) بنت الأخ، و ان كانت بنت ابنه أو بنت بنته، بواسطة واحدة أو أكثر، و (10) بنت الأخت و ان كانت بواسطة واحدة أو أكثر كما في بنت الأخ، سواء كانت صلة الرجل بهم من النسب أم من الرضاع.

المسألة 451:

العمة هي أخت رجل أولد الإنسان، كأخت أبيه، و أخت أحد أجداده من قبل أبيه، و ان كان جدا له بواسطة أو أكثر، و أخت أحد أجداده من قبل أمه و ان كان جدا بواسطة أو أكثر، سواء كانت أخت الرجل الوالد للأبوين أم لأحدهما في الجميع.

و الخالة هي أخت امرأة أولدت الإنسان، كأخت أمه، و أخت إحدى جداته من قبل أبيه و لو بواسطة أو أكثر، و أخت إحدى جداته من قبل أمه و ان كانت بواسطة واحدة

أو أكثر، سواء كانت أخت المرأة الوالدة للأبوين أم لأحدهما في جميع من ذكر.

المسألة 452:

إذا اشترى الرجل أحد هؤلاء المذكورين أو ملكه بسبب آخر، اختياري كالهبة و الصلح و غيرهما أو غير اختياري، كالإرث انعتق المملوك قهرا، و هذا هو المراد من عدم تملك الرجل لهم.

المسألة 453:

يصح للمرأة أن تتملك اي مملوك أرادت إذا حصل لها أحد الأسباب المملكة، و ثبت ملكها إياه عدا (1) الأب (2) الأم (3) الجد (4) الجدة (5) الولد على النهج الذي سبق بيانه فيهم جميعا في الرجل سواء كانت صلة المرأة بهم من النسب أم من الرضاع.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 180

المسألة 454:

إذا ملك الرجل زوجته أو ملكت المرأة زوجها بعد التزويج بطل النكاح بينهما، و استقر ملك المالك منهما لصاحبه فلم ينعتق المملوك، و كذلك الحكم إذا ملك أحدهما بعض الآخر، كما إذا اشترى الرجل نصف زوجته أو ربعها من مالكها أو اشترت المرأة نصف زوجها أو ربعه من مالكه، فينفسخ نكاحهما و يستقر ملك البعض.

المسألة 455:

يكره للرجل أن يتملك غير من تقدم ذكرهم من أقاربه و أرحامه كأخيه و عمه و خاله و أولادهم و لو بالواسطة ذكورا و إناثا و ان كن ممن يحل له التزويج بهن.

المسألة 456:

لا يملك الكافر عبدا مسلما بشراء و لا بغيره من الأسباب الاختيارية للملك، و إذا كان للكافر عبد كافر، فأسلم العبد أجبر الكافر على بيع العبد من مسلم، و دفع اليه ثمنه، و إذا ملك المسلم عبدا مسلما بميراث أو غيره، فارتد المولى اجبر على بيع العبد من مسلم، إذا كان المرتد مليا، و انتقل الى الوارث المسلم في ما ينتقل اليه من الأموال إذا كان المرتد فطريا.

المسألة 457:

إذا أقر الشخص على نفسه بأنه عبد مملوك، و كان المقر بالغا عاقلا مختارا غير مكره و لا مضطر اضطرارا يوجب سلب اختياره، نفذ إقراره على نفسه و حكم عليه بالعبودية، الا ان يعلم أو يطمئن بكذبه فلا يؤبه بقوله، و إذا حكم بعبوديته بسبب إقراره فلا يلتفت الى رجوعه عن إقراره بعد ذلك الا ان يذكر لإقراره الأول تأويلا محتملا في حقه.

المسألة 458:

إذا اشترى الإنسان عبدا أو كانت لأحد عليه يد تقتضي انه مملوك له، فادعى أنه حر لم يسمع قوله حتى يقيم بينة شرعية على ما يقول.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 181

المسألة 459:

إذا وطأ المالك جاريته المملوكة له ثم أراد بيعها، وجب عليه أن يستبرئها قبل البيع، فيدعها الى ان تحيض بعد وطئه إياها حيضة واحدة، فإذا طهرت من حيضها باعها إذا شاء، و إذا كانت لا تحيض و هي لم تبلغ سن اليأس من الحيض استبرأها بمضي خمسة و أربعين يوما بعد وطئه إياها ثم باعها.

المسألة 460:

إذا باع المالك جاريته بعد ما وطأها و لم يستبرئها صح بيعه إياها، و وجب على مالكها الجديد أن يستبرئها بحيضة أو بمضي خمسة و أربعين يوما من وطء مالكها الأول إياها، و لا يحل للمالك الجديد أن يطأها أو يحلل وطأها لأحد قبل الاستبراء، و إذا لم يعلم المالك الجديد أن بائعها استبرأها بعد الوطء و قبل البيع أم لا، وجب عليه الاحتياط فلا يجوز له وطؤها أو تحليل وطئها لأحد قبل الاستبراء.

المسألة 461:

إذا علم المشتري ان مالك الأمة لم يطأها، أو علم بأنه قد استبرأها قبل ان يبيعها جاز له وطؤها و تحليلها لغيره و لم يجب عليه استبراؤها.

المسألة 462:

إذا أخبره مالكها الأول بأنه قد استبرأ الأمة بعد الوطء، و قبل البيع، أو أخبره بأنه لم يطأ الجارية و كان أمينا صدقه المشتري و لم يجب عليه الاستبراء.

المسألة 463:

لا يجب على المرأة إذا أرادت أن تبيع أمتها أن تستبرئها قبل البيع إلا إذا كانت موطوءة وطئا محترما، كما إذا حللتها المرأة المالكة لأحد، فوطأها بالتحليل، فتجب عليها العدة من هذا النكاح، و لا يجب على المشتري أن يستبرئ الأمة إذا اشتراها من امرأة إلا في هذه الصورة إذا لم تستبرئها المالكة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 182

المسألة 464:

لا يجب الاستبراء في الأمة إذا كانت يائسا من المحيض، و لا يجب الاستبراء في الأمة إذا كانت حائضا في حين البيع، و يحرم على المشتري وطؤها في حال الحيض، فيكون وطء هذه الجارية محرما من جهة الحيض و محرما من حيث الاستبراء، و لا يجب الاستبراء في الأمة إذا كانت صغيرة غير بالغة، و ان لم يجز للمشتري و لا لغيره وطء الصغيرة قبل بلوغ التسع.

المسألة 465:

إذا كانت الجارية حاملا لم يجب على المالك ان يستبرئها قبل البيع، و لا يجوز للمشتري أن يطأها قبلا حتى تمضي للحمل أربعة أشهر و عشرة أيام من أول حمله، و يكره بعد ذلك، بل الأحوط له ترك جماعها حتى تضع حملها.

و هذا الحكم شامل لكل من انتقلت الى ملكه أمة و هي حامل، سواء انتقلت اليه بصلح أم بهبة أم بإرث أم بغير ذلك من وجوه التملك.

المسألة 466:

إذا وطأ المشتري الجارية التي اشتراها و قد استبان حملها عزل عنها عند جماعها، فان هو لم يعزل، فالأحوط له لزوما عدم جواز بيع الولد، بل يجب عتقه و ان يجعل له من ماله شيئا يعيش به.

المسألة 467:

لا يختص وجوب الاستبراء للأمة بالبائع و المشتري، بل يعم كل مالك للأمة إذا وطأها هو أو وطأها أحد بتحليله، و أراد المالك نقلها الى ملك غيره بصلح أو هبة أو أي سبب آخر من أسباب التمليك، فيجب عليه استبراء الأمة قبل ذلك. و يعم كل من انتقلت إليه الأمة بالملك، و قد وطئت قبل ذلك حتى إذا انتقلت إليه بالإرث أو بالاسترقاق، فيجب عليه استبراؤها إذا هي لم تستبرأ بعد وطئها.

المسألة 468:

إذا اشترى الرجل أمة و وطأها حيث يحل له وطؤها ظاهرا، ثم علم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 183

بعد ذلك أن مالكها غير من باعها، وجب على المشتري اجتنابها، و كان للمالك أن ينتزعها منه، و للمالك على المشتري بسبب وطئها عشر قيمتها إذا كانت بكرا و نصف عشر القيمة إذا كانت ثيبا، سواء وطأها مرة واحدة أم أكثر، و إذا حملت الأمة من المشتري كان للمالك عليه قيمة الولد يوم يولد حيا، و إذا كان المشتري جاهلا بالحال رجع على البائع بجميع ما يأخذه المالك منه من الغرامة.

المسألة 469:

الأقوى ان العبد يملك ما ملكه مولاه إياه من الأموال و المنافع و غيرها، و يملك ما يملكه غير مولاه من الأشياء إذا أذن له مولاه بذلك، و يملك ما يشتريه لنفسه و ما يربحه في تجارته أو معاملته، و يملك مال إجارته لنفسه أو لداره أو لشي ء من ممتلكاته إذا أذن له مولاه بذلك، و يملك ما يحوزه لنفسه من المباحات، و يملك- على وجه الاجمال- كلما يستفيده من الفوائد و الأموال من أنواع التكسب المحللة في الشريعة إذا أذن له مولاه بذلك.

و لكن العبد محجور عن التصرف في أمواله و في ما يملك، فلا ينفذ تصرفه فيها إلا بإذن مولاه، و يكفي في صحة تملكه و في صحة تصرفه في أمواله، بل و في عامة شؤونه الأخرى أن يأذن له مولاه بذلك إذنا عاما شاملا لجميع ذلك، فإذا قال له قد أذنت لك في جميع أنواع التكسب المحللة في الإسلام، و ان تتملك ما تربحه و تستفيده من أموال، و أن تتصرف فيها و في جميع شؤونك كما يتصرف الأحرار في أموالهم و شؤونهم،

كفاه ذلك، بل يكفيه ان يقول له أنت مأذون في مطلق الاكتساب و التملك و التصرف في أموالك.

المسألة 470:

لا يحل للرجل أن يطأ الأمة المشتركة بينه و بين غيره، سواء كان شريكه فيها واحدا أم أكثر، و إذا وطأها كذلك كان زانيا، و لزمه الحد بمقدار نصيب الشريك فيها، فإذا كان الشريك يملك النصف منها أقيم على الواطئ نصف الحد، و إذا كان يملك ثلاثة أرباعها أقيم على الواطئ ثلاثة أرباع الحد، و هكذا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 184

و إذا حملت الجارية من وطئه إياها، قومت عليه الجارية، و وجب عليه أن يدفع لكل شريك حصته من قيمتها، و انعقد الولد حرا، و على الواطئ أن يدفع لكل شريك حصته من قيمة الولد يوم ولادته حيا، بل من المحتمل أن تقوم الجارية على الواطئ بمجرد وطئه إياها إذا احتمل انها تحمل منه، و ان لم يستبن الحمل فيها بعد.

المسألة 471:

لا يقام على الواطئ الحد في المسألة المتقدمة إذا كان وطؤه للجارية بشبهة باعتقاد أنها محللة له شرعا، و لا يسقط تقويم الجارية عليه، و لا تقويم الولد بسبب ذلك.

المسألة 472:

الأحوط لزوما ان لا يفرق بين الأم و ولدها أو بنتها حتى يستغنى الولد أو البنت عن أمهما، و لعل الحكم لا يختص بالبائع و المشتري، بل يعم الواهب و المصالح و المستأجر و غيرهم ممن ينقل ملك الأمة أو الولد فيكون سببا في التفرقة بينهما، و يجوز ذلك في الحيوان، إلا إذا كانت تفرقة الطفل عن أمه توجب موت الطفل فيحرم ذلك لأنه إتلاف للمال المحترم.

المسألة 473:

يجوز للرجل أن يشتري بعض الحيوان مشاعا: نصفه مثلا أو ثلثه، فإذا كانت المنفعة المقصودة من الحيوان هي ركوبه و الحمل عليه و ادارة الرحى و الناعور و شبه ذلك، كالفرس و البغل و الحمار، ملك المشتري نصف منفعته أو ثلثها، و إذا استؤجر الحيوان لبعض المنافع كان له نصف الأجرة أو ثلثها، و إذا بيع كان له نصف الثمن أو ثلثه.

و إذا كان المقصود من الحيوان أكل لحمه أو بيعه ملك المشتري نصف اللحم أو ثلثه إذا ذبح الحيوان، و إذا بيع لحمه بعد الذبح أو قبله كان له نصف الثمن أو ثلثه. و كل هذا واضح غير خفي.

المسألة 474:

لا يجوز بيع جزء معين من الحيوان كالرأس أو الفخذين أو القوائم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 185

أو نصفه الذي فيه الرأس أو الذي فيه الذنب، إذا كان الحيوان مما يراد اقتناؤه للركوب أو الحمل عليه و نحو ذلك، فيكون بيع الجزء المعين كذلك باطلا.

نعم قد يصح بيع جلد الحيوان و ان كان محرم الأكل إذا كان قابلا للتذكية، فيشتري المشتري جلده قبل ان يذبح لينتفع بالجلد إذا ذبح، و إذا مرضت الفرس أو البغل أو الحمار حتى وقذها المرض و أراد المشتري ان ينتفع بجلدها لبعض الغايات فيشتريه من المالك و يذكي المالك الحيوان قبل الموت و يدفع له الجلد.

و يجوز بيع الجزء المعين من الحيوان الذي يقصد منه أكل لحمه، فإذا ذبح الحيوان أخذ المشتري الجزء الذي اشتراه لأكله أو لبيعه.

المسألة 475:

إذا اشترى الرجل الجزء المعين من الحيوان الذي يقصد منه أكل لحمه كرأس الحيوان و جلده أو بعض أجزائه المعينة الأخرى، ثم بيع الحيوان و لم يذبح، كان المشتري شريكا في الحيوان بنسبة الجزء الذي اشتراه الى مجموع الحيوان.

فيقوم الحيوان كله، و يقوم الجزء المعين الذي اشتراه المشتري، و تنسب قيمة الجزء المعين، إلى قيمة المجموع فإذا كانت قيمة الجزء تساوي ربع قيمة المجموع مثلا، فللمشتري ربع الثمن الذي يباع به الحيوان، و إذا كانت تساوي الخمس أو العشر كان للمشتري من الثمن بتلك النسبة.

فإذا كانت قيمة مجموع الحيوان عشرين دينارا و كانت قيمة الرأس و الجلد دينارين و هي عشر العشرين، فللمشتري عشر الثمن الذي يباع به الحيوان.

و كذلك الحكم إذا باع المالك الحيوان المأكول اللحم و استثنى لنفسه من الحيوان رأسه و جلده، فإذا ذبح الحيوان اختص البائع بالجزء المعين

الذي استثناه لنفسه، و إذا بيع الحيوان و لم يذبح كان البائع شريكا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 186

فيه بنسبة قيمة الجزء الذي استثناه لنفسه إلى قيمة مجموع الحيوان على النهج الذي تقدم بيانه.

المسألة 476:

إذا اشترك شخصان أو أكثر فاشتروا حيوانا مأكول اللحم بثمن معين دفعه جميعهم، و اشترط أحدهم على الآخرين: أن يكون له الرأس و الجلد من الحيوان، أو أن يكون له جزء معين منه غير ذلك، فإذا بيع الحيوان و لم يذبح، فالظاهر أن شركة الرجل الذي اشترط أن يكون له الرأس و الجلد بنسبة ماله الذي دفعه في الثمن الذي اشتروا به الحيوان، لا بنسبة الرأس و الجلد.

فإذا كان ثمن الحيوان الذي اشتروه به أولا عشرين دينارا، و كان الرجل الذي شرط لنفسه الرأس و الجلد، قد دفع منها أربعة دنانير، و هي خمس العشرين دينارا، كان شريكا في الثمن الجديد الذي يباع به الحيوان، بنسبة ماله الى الثمن الأول و هي الخمس كما ذكرنا، لا بنسبة قيمة الرأس و الجلد إلى قيمة الحيوان كما في المسألة السابقة، و الفارق هو النص. و كذلك الحكم إذا اشترى رجل الحيوان بعشرين دينارا مثلا، ثم شرك معه في الشراء رجلا آخر في الرأس و الجلد بأربعة دنانير، فإذا أرادا بيع الحيوان كان الرجل شريكا في الثمن الجديد بنسبة ماله في الثمن الأول لا بنسبة الرأس و الجلد.

المسألة 477:

إذا قال زيد لعمرو اشتر حيوانا: شاة مثلا أو بقرة، بشركتي معك، أو قال له و شركني معك فيه، فظاهر الأمر انه قد وكله على شراء الحيوان المشترك بينهما، فيصح له أن يتولى الشراء لنفسه و للموكل و ان يتم المعاملة عليه، و ظاهر الإطلاق في قوله بشركتي معك أو قوله و شركني معك فيه ان كل جزء من اجزاء الحيوان الذي يشتريه يكون مشتركا بينهما، و ان كل جزء من أجزاء الثمن فهو عليهما، و لازم ذلك المناصفة بينهما

في الحيوان و في ثمنه، فلكل واحد منهما من الحيوان مثل ما للآخر و على كل واحد منهما من الثمن مثل ما على الآخر، الا ان تقوم قرينة خاصة على ان المراد شركتهما على وجه آخر.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 187

و مثال ذلك ان يعلم ان المقصود من شراء البقرة لهما هو الوفاء بحاجة الطرفين من اللبن و السمن و يعلم ان ما يحتاج اليه زيد مثلا من ذلك ضعف ما يحتاج اليه عمرو لكبر بيته و كثرة عياله و ضيوفه و قلة ذلك عند عمرو، و أن حاجة زيد بسبب ذلك الى ثلثي البقرة، و حاجة عمرو الى ثلثها، فإذا دلت القرينة على ذلك أو على غيره عمل عليها.

و كذلك إذا قال له اشتر سيارة أو مبردة ماء مثلا، أو شيئا آخر بشركتي، فيجري الحكم المتقدم و تتقرر دلالة الإطلاق على المناصفة بينهما على نهج ما سبق الا ان تقوم قرينة على تعيين غير ذلك.

المسألة 478:

إطلاق التوكيل في المسألة المتقدمة انما يقتضي أن يتولى عمرو شراء الحيوان أو الشي ء الآخر لنفسه و لموكله زيد بنحو الاشتراك و لا دلالة فيه على توكيله على تسليم حصة الموكل من الثمن للبائع، فلا بد من مراجعة الموكل في ذلك، و إذا دفع عمرو حصة موكله زيد من الثمن كان متبرعا و لا حق له بالرجوع بها عليه، الا ان تدل القرينة على توكيله في الدفع أيضا، و مثال ذلك ان يعزم عمرو على السفر الى بلد آخر فيطلب زيد منه أن يشتري الحيوان أو الشي ء الآخر من ذلك البلد بشركته معه و لا يدفع اليه مقدار حصته من الثمن و لا يمكن التأجيل فيه، فيكون التوكيل في

الشراء توكيلا في دفع الثمن أيضا، فإذا دفعه الوكيل في هذه الصورة كان له حق الرجوع على الموكل بما دفع.

الفصل السادس عشر في الإقالة
المسألة 479:

يستحب للرجل المسلم أن يقيل من طلب الإقالة منه بعد وقوع المعاملة بينهما، سواء كان المستقيل هو البائع أم المشتري، و سواء كان المستقيل نادما أم غير نادم، و لكن بدا له ان يرد البيع و ان كانت اقالة النادم آكد استحبابا، ففي الخبر عنه (ع): أيما مسلم أقال مسلما ندامة في البيع اقاله اللّٰه عثرته يوم القيامة. و عن أبي عبد اللّٰه (ع): أربعة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 188

ينظر اللّٰه إليهم يوم القيامة: من أقال نادما، أو أغاث لهفان أو أعتق نسمة أو زوج عزبا.

المسألة 480:

الإقالة هي أن يفسخ المتعاقدان العقد بعد وقوعه بينهما، و لا يشترط فيها أن يتقدم طلب للإقالة من أحدهما، فإذا قال احد المتعاقدين: البائع أو المشتري من غير سبق طلب من صاحبه فسخت العقد بيننا فقال صاحبه قبلت أو قال: فسخت، كفى ذلك في تحقق الإقالة، و يكفي في تحققها أيضا ان يقول المتعاقدان معا: تفاسخنا، أو يقولا تقايلنا، أو يطلب احد المتعاقدين من صاحبه أن يقيله فيقول له صاحبه: أقلتك، أو يقول فسخت أو يقولا معا تفاسخنا.

المسألة 481:

لا يعتبر في إنشاء الإقالة لفظ مخصوص، بل تقع بأي لفظ يدل على المعنى المقصود و ان كان بلغة أخرى غير العربية، و تقع بالفعل أيضا، فإذا رد البائع الثمن على المشتري بقصد فسخ المعاملة بينهما ورد المشتري عليه المبيع كذلك فقد تحققت الإقالة. و إذا طلب احد المتعاملين من صاحبه الإقالة فرد عليه صاحبه ما في يده بقصد الفسخ تحققت الإقالة، و لزم الآخر أن يرد على الفاسخ الأول ما في يده أيضا.

المسألة 482:

يصح وقوع الإقالة في جميع العقود اللازمة، ما عدا عقد النكاح فلا يصح وقوع الإقالة فيه، من غير فرق بين النكاح الدائم و المنقطع، و في جريان الإقالة في عقد الضمان، و الهبة اللازمة، و الصدقة إشكال.

المسألة 483:

لا تصح الإقالة و الفسخ في الإقالة نفسها بعد وقوعها، فإذا أراد المتعاقدان إمضاء العقد بعد الإقالة منه فلا بد من تجديده مرة أخرى.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 4، ص: 188

المسألة 484:

إذا مات البائع أشكل الحكم في ان يقوم وارثه مقامه في صحة إقالة المشتري من البيع الواقع بينه و بين البائع، و إذا مات المشتري أشكل

كلمة التقوى، ج 4، ص: 189

الحكم كذلك في قيام وارثه مقامه في الإقالة، فلا يترك الاحتياط في كلا الفرضين، و أشد من ذلك اشكالا ما إذا مات المتعاقدان معا، و أراد ورثتهما الإقالة من العقد.

المسألة 485:

إذا مات أحد المتعاقدين جاز لوارثه أن يطلب الإقالة من الطرف الآخر و هو احد المتعاقدين في الأصل، فإذا أقال الوارث صح على الظاهر.

المسألة 486:

لا تجوز الإقالة بزيادة على الثمن أو بنقصان منه، فيقيل المشتري البائع من العقد بشرط أن يزيده على الثمن الذي دفعه اليه مقدارا، أو يقيل البائع المشتري من العقد بشرط أن ينقص له من الثمن مقدارا.

و لا تجوز الإقالة بزيادة في المبيع أو بنقصان منه فيقيل البائع المشتري بشرط ان يدفع له مع المبيع شيئا غيره من جنسه أو من غير جنسه، أو يقيل المشتري البائع بشرط ان ينقص له من المبيع شيئا فتبطل الإقالة في جميع هذه الفروض و يبقى العقد على حاله و يبقى الثمن المسمى ملكا للبائع و المبيع المعين ملكا للمشتري.

المسألة 487:

إذا قال البائع للمشتري أو قال المشتري للبائع: أقلني من البيع و لك في ذمتي خمسة دنانير مثلا، أو و لك هذه السلعة المعينة، فأقاله صاحبه على ذلك، فللصحة وجه، و لا يترك الاحتياط باجتناب ذلك أو الرجوع الى المصالحة، و كذلك إذا استقالة صاحبه، فقال له أقلتك بشرط ان تعطيني هذه السلعة أو بشرط أن تقوم لي بهذا العمل.

المسألة 488:

يصح للبائع و المشتري أن يتقايلا في جميع ما وقع عليه العقد من الثمن و المثمن، فإذا انفسخ العقد بينهما رجع كل عوض منهما الى مالكه الأول، و لم يرجع معه نماؤه إذا كان قد تجدد للعوض نماء بعد العقد و قبل الإقالة، بل يبقى نماء المبيع ملكا للمشتري و يبقى نماء الثمن ملكا للبائع كما تقدم في نظائره في الفصول السابقة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 190

و يصح لهما أن يتقايلا في بعض ما وقع عليه العقد، فينفسخ البيع في خصوص ما تقايلا فيه و في قسطه من الثمن و يصح في الباقي.

المسألة 489:

إذا تعدد البائع في العقد الواحد، أو تعدد المشتري، أو تعددا معا صح ان تقع الإقالة من بعضهم دون بعض في مقدار حصته مع الجميع أو مع البعض، و لا يشترط في صحة الإقالة من البعض ان يرضى بها الآخرون.

المسألة 490:

تصح الإقالة في البيع و ان تلف أحد العوضين أو تلف كلاهما قبل وقوع الإقالة، فلا يكون التلف مانعا من صحتها، فإذا تقايل الطرفان و انفسخ العقد رجع المبيع الى ملك البائع و رجع الثمن الى ملك المشتري، فان كانت عين المال موجودة أخذها صاحبها، و ان كانت تالفة رجع صاحبها على الآخر بمثلها إذا كانت العين مثلية و رجع عليه بقيمتها يوم التلف إذا كانت قيمية.

و كذلك الحكم إذا تلف بعض العين و بقي بعضها، فيرجع صاحبها بعد الإقالة على الآخر بمثل ذلك البعض التالف إذا كان مثليا و بقيمته يوم تلفه إذا كان قيميا.

المسألة 491:

لا يمنع من وقوع الإقالة أن يخرج أحد العوضين الى ملك شخص آخر بهبة أو بيع أو صلح أو غير ذلك، و يكون حكمه حكم التلف، فإذا وقعت الإقالة، و قد باع المشتري المبيع على غيره رجع البائع الأول عليه بمثله أو بقيمته، و كذلك إذا وقعت الإقالة و قد نقل البائع الثمن الى ملك غيره بهبة أو صلح أو بيع، فيرجع المشتري عليه بمثل الثمن أو قيمته.

المسألة 492:

إذا وقعت الإقالة فوجد البائع في عين المبيع عيبا حدث بها و هي في يد المشتري رجع على المشتري بالعين و بأرش العيب الذي وجده فيها،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 191

و كذلك إذا كان الثمن عينا شخصية و بعد الإقالة وجد المشتري في عين الثمن عيبا حدث فيها و هي في يد البائع فيرجع على البائع بالعين و أرش العيب.

و الحمد للّٰه رب العالمين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 193

كتاب الصلح

اشارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 195

كتاب الصلح

المسألة الأولى:

الصلح هو التوافق و التسالم بين طرفين أو أكثر على إيجاد أمر بينهما، كتمليك عين من أحد الطرفين للطرف الآخر بعوض أو بغير عوض، أو تمليك منفعة كذلك أو نقل حق، أو إسقاط حق ثابت أو محتمل الثبوت، أو إبراء من دين ثابت أو محتمل الثبوت، و نحو ذلك.

و قد عرفه جماعة بأنه عقد شرع للتراضي و التسالم بين شخصين على أمر، و الأول بيان للنتيجة التي تقع بين المتصالحين، و الثاني بيان للسبب الذي يؤدي الى حصول النتيجة.

المسألة الثانية:

الصلح جائز بين المسلمين، الا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا، كما ورد عن الرسول (ص) و المراد انه ثابت و نافذ الأثر بين المسلمين الا ما استثناه (ص).

و لا يشترط في صحة الصلح أن يسبق بين المتصالحين نزاع و خصومة أو أن يكون المورد قابلا لحدوث نزاع و خصومة، بل يصح أن يقع ابتداء، فيتسالم شخصان على أن يملك أحدهما صاحبه شيئا معينا بعوض معلوم أو بغير عوض، أو يملكه منفعة داره أو دابته مدة معلومة بعوض معلوم أو بغير عوض.

المسألة الثالثة:

لا يختص الصلح بأن يقع بين شخصين أو بين طرفين فقط، بل يصح وقوعه بين أكثر من ذلك و مثال ذلك أن يتنازع زيد و عمرو و بكر في أرض مثلا فيدعي كل واحد من الثلاثة ان جميع الأرض المتنازع فيها ملك له خاصة، فيصح لهم أن يتصالحوا بينهم، فيملكوا كل واحد منهم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 196

قسما من الأرض بعوض أو بغير عوض، و يصح لهم أن يملكوا الأرض كلها واحدا منهم بعوض يدفعه للآخرين.

و يصح أن يقع الصلح بين فريقين، فإذا تنازع ورثة زيد و ورثة عمرو في الدار بعد موت المورثين، فادعى كل واحد من الفريقين ان جميع الدار ملك لمورثه، فللفريقين أن يصطلحا فيملكا الدار لأحد الفريقين بعوض معين يدفعه للفريق الثاني، فيصح الصلح، و يقتسم الفريق الذي ملك الدار دارهم بينهم بحسب سهامهم الثابتة لهم في المواريث، و يقتسم الفريق الثاني الذي ملك العوض عوضهم كذلك.

المسألة الرابعة:

الصلح عقد شرعي مستقل يقابل سائر العقود الشرعية الأخرى و لا يكون راجعا إلى شي ء منها و ان كان مشابها له في الأثر في بعض موارده، فإذا تسالم زيد و عمرو مثلا، فصالح زيد عمرا عن داره المعينة بألف دينار و قبل عمرو بذلك و أخذ العوض من زيد، فالمعاملة الواقعة صلح و ليست بيعا و ان أشبهت البيع في انها تمليك عين الدار بعوض معلوم، و لذلك فلا يشترط فيه شرائط البيع و لا تلحقه أحكامه، فإذا كان العوض و المعوض في المعاملة من الذهب أو الفضة لم يشترط فيها ان يحصل التقابض قبل الافتراق، لأن ذلك شرط في بيع الصرف، و ليس شرطا في الصلح، و لا يثبت فيه خيار المجلس

للمتعاقدين، و لا يثبت فيه خيار الحيوان إذا كان العوض أو المعوض حيوانا، فإنهما من أحكام البيع و ليسا من أحكام الصلح، و هكذا.

و إذا صالح الرجل صاحبه فملكه الدار بغير عوض فالمعاملة الواقعة بينهما صلح و ليست هبة و ان أشبهتها في انها تمليك عين بغير عوض، و لذلك فلا يشترط فيها شروط الهبة.

و إذا صالح صاحبه فملكه سكنى داره مدة سنة بعوض معين، فهو صلح كذلك و ليس اجارة و ان أفاد فائدة الإجارة، فملك المنفعة في المدة بعوض معلوم، و لذلك فلا تجري فيه أحكام الإجارة. و إذا صالحه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 197

عن دين له في ذمته فأسقطه عنه بغير عوض، فهو صلح و ليس إبراء و ان أشبهه في النتيجة فلا تجري عليه أحكام الإبراء و هكذا.

المسألة الخامسة:

الصلح عقد من العقود كما ذكرنا أكثر من مرة، و لذلك فلا بد فيه من الإيجاب و القبول في جميع موارده، حتى في مورد المصالحة على إبراء ذمة المدين من الدين الثابت و في مورد المصالحة على إسقاط الحق عن من عليه الحق، فإن إبراء ذمة المدين من الإيقاعات، فيكفي فيه إنشاؤه من صاحب الدين و لا يفتقر الى قبول من عليه الدين، و كذلك إسقاط الحق فإنه من الإيقاعات، فيتحقق بإنشائه من صاحب الحق و لا يحتاج الى قبول من عليه الحق، و لكنهما حينما يؤتى بهما على وجه الصلح، فلا بد فيهما من إيجاب صاحب الدين و صاحب الحق، و لا بد فيهما من قبول المدين و من عليه الحق، و قد أشرنا الى هذا في المسألة المتقدمة.

المسألة السادسة:

ليس لعقد الصلح صيغة مخصوصة، فيصح إنشاؤه بأي لفظ يفيد معنى التسالم و التراضي بالأمر الذي يريد المتصالحان إقراره بينهما إذا كان اللفظ دالا على ذلك المعنى في المتفاهم العرفي.

و اللفظ المعروف في إنشاء هذا العقد: أن يقول الموجب لصاحبه في تمليك العين صالحتك عن دارك المعينة مثلا بألف دينار، فيقول صاحبه: قبلت المصالحة عن الدار بألف دينار، أو رضيت بالمصالحة، أو اصطلحت عن الدار بالعوض المعلوم.

و يقول الموجب في تمليك المنفعة: صالحتك عن سكنى دارك المعينة مدة سنة بعوض كذا، فيقبل المصالح بذلك و يقول له في إبراء الذمة صالحتك على إبراء ذمتك من الدين الذي استحقه عليك، فيقبل المدين، و يقول في إسقاط الحق صالحتك على إسقاط حقك من الشفعة مثلا الثابت لك في بيع هذه الدار بعوض كذا أو بدون عوض، فيقبل المصالح، و هكذا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 198

المسألة السابعة:

إذا تم عقد الصلح بين الموجب و القابل ثبت مضمونه، و كان من العقود اللازمة على كلا الطرفين حتى في المورد الذي تكون فائدة الصلح فيه فائدة الهبة الجائزة، فلا يجوز لأحدهما فسخه، إلا إذا تراضى المتصالحان معا بالفسخ، فأقال كل منهما صاحبه، و الا إذا شرط أحد الطرفين في ضمن عقد الصلح أن يكون له خيار الفسخ في مدة معينة، و قبل صاحبه بشرطه، فإذا فسخ من جعل له حق الخيار في الوقت المعين صح و انفسخ العقد.

المسألة الثامنة:

لا يجري في عقد الصلح خيار الحيوان إذا كان أحد العوضين حيوانا، و لا يجري فيه خيار المجلس و لا يجري فيه خيار التأخير، و قد ذكرنا في فصل الخيارات من كتاب التجارة ان هذه الخيارات الثلاثة تختص بالبيع و لا تجري في ما سواه من العقود.

و تجري في عقد الصلح بقية الخيارات المتقدم ذكرها في فصل الخيارات من كتاب التجارة، كخيار الغبن، و خيار الشرط و خيار العيب.

و لا يجري خيار الشرط في عقد الصلح الذي يفيد فائدة إبراء الذمة أو إسقاط الدعوى.

المسألة التاسعة:

إذا وجد المصالح في العين التي ملكها بعقد الصلح عيبا كان له حق الفسخ كما ذكرنا و يجوز له إمضاء العقد بالعوض المسمى، و هل يجوز له أخذ الأرش و هو التفاوت ما بين قيمة الصحيح و قيمة المعيب فيه اشكال، و كذلك الحكم في عوض العين المصالح عنها إذا كان العوض معينا و وجده مالكه بالصلح معيبا فيجوز له فسخ العقد، و يجوز له إمضاؤه بالعوض المسمى و يشكل ثبوت الأرش.

و يشكل أيضا الحكم بجواز الرد من احداث السنة الذي يثبت في البيع الذي تقدم بيانه في المسألة المائتين و الثانية و الخمسين من كتاب التجارة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 199

المسألة العاشرة:

يجوز أن يتعلق عقد الصلح بالأعيان، و إذا تعلق الصلح بالعين أفاد تمليكها لمن وقع له الصلح.

و تمليك العين لأحد بعقد الصلح قد يكون بعوض، و قد يكون بغير عوض، و الشي ء الذي يجعل عوضا للعين في عقد الصلح يمكن أن يكون عينا كذلك، و مثال ذلك: ان يصالح زيد عمرا عن داره المعينة بألف دينار، فتكون الدار ملكا لزيد، و يكون العوض ملكا لعمرو، و يمكن ان يكون العوض منفعة من المنافع و مثال ذلك: أن يصالح زيد عمرا عن الدار المعينة بملك السكنى في دار معينة لزيد مدة معلومة، فتكون الدار المعوضة ملكا لزيد، و منفعة الدار الأخرى في المدة المعلومة ملكا لعمرو، و يصح أن يكون العوض دينا من الديون، و مثال ذلك أن يصالح زيد عمرا عن داره المملوكة له بدين معلوم يستحقه زيد و هو الموجب في ذمة عمرو، أو بدين معلوم يستحقه زيد في ذمة شخص ثالث، و يصح أن يكون العوض حقا من الحقوق الثابتة لمن

وقع له الصلح، و مثال ذلك: ان يصالح زيد عمرا عن الدار بحق التحجير الثابت لزيد على أرض معلومة.

فيصح الصلح في جميع الصور الخمس و تكون فائدة الصلح فائدة البيع في أربع صور منها، و هي ما كان مضمونه تمليك العين بعوض، و تكون فائدته فائدة الهبة في صورة واحدة منها، و هي ما كان مضمون الصلح تمليك العين بغير عوض، و يستثنى من الصور الخمس الموارد التي تجتمع فيها شرائط الربا، فلا يصح الصلح فيها، فلا بد من ملاحظة هذه الموارد و الاجتناب عنها، و سيأتي التنبيه عليها ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 11:

يجوز أن يتعلق عقد الصلح بمنفعة معينة من المنافع المملوكة لمن يقع معه الصلح، و إذا تعلق الصلح بالمنفعة المذكورة أفاد تمليكها لمن وقع له الصلح كما ذكرنا في الصلح على العين.

و تمليك المنفعة لأحد بعقد الصلح قد يكون بعوض و قد يكون بغير

كلمة التقوى، ج 4، ص: 200

عوض، و الشي ء الذي يجعل عوضا للمنفعة يمكن أن يكون عينا، و مثال ذلك: أن يصالح زيد عمرا على ان يملك السكنى في داره المعينة مدة سنة من تأريخ العقد بمائة دينار، فتكون سكنى الدار ملكا لزيد في المدة المعينة، و يكون العوض ملكا لعمرو، و يمكن أن يكون العوض منفعة معينة أخرى، و مثال ذلك أن يصالح زيد عمرا عن أن يملك السكنى في داره الواقعة في النجف مدة سنة، بملك السكنى في دار زيد الواقعة في الكوفة مدة سنة كذلك، فتكون سكنى دار عمرو المعينة ملكا لزيد و سكنى دار زيد المعينة ملكا لعمرو، و قد يكون عوض المنفعة دينا، و قد يكون حقا على نهج ما تقدم في تمليك العين.

و

يصح الصلح على المنفعة في الصور الخمس، و تكون فائدته فائدة عقد الإجارة في أربع صور منها و هي ما يكون مضمون الصلح فيها تمليك المنفعة بعوض، و يكون صلحا مطلقا إذا كان تمليك منفعة بغير عوض.

المسألة 12:

إذا تعلق الصلح بدين و كانت المصالحة على الدين مع المدين نفسه أفاد عقد الصلح سقوط الدين عنه، سواء كان الصلح عنه بعوض أم بغير عوض، و سواء كان العوض عن الدين عينا أم منفعة، أم دينا مثله، أم حقا من الحقوق، و ينتقل العوض الى ملك الدائن المصالح بدلا عن دينه الذي سقط بالمصالحة إذا كان العوض عينا أو منفعة أو حقا أو دينا على شخص ثالث.

و إذا كان العوض دينا عليه سقط أيضا بالمصالحة، و مثال ذلك أن يكون زيد مدينا لعمرو مائة دينار مثلا، و يكون عمرو مدينا لزيد عشرين وزنة من الحنطة، فيصالح زيد عمرا عن دينه الذي يستحقه في ذمته و هو المائة دينار بالدين الذي يستحقه زيد في ذمة عمرو و هو العشرون وزنة من الحنطة، فيصح الصلح و يسقط الدينان معا، و تستثنى من ذلك الموارد التي يحصل فيها الربا لاجتماع شرائطه، فلا يصح الصلح فيها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 201

المسألة 13:

يجوز أن يتعلق الصلح بدين للمصالح على الغير، و مثال ذلك أن يصالح زيد خالدا عن دين لزيد نفسه في ذمة عمرو، فإذا تم الصلح على ذلك ملك خالد الدين المعين الذي وقع الصلح عليه و كان خالد هو الدائن لعمرو بدل زيد، سواء كانت المصالحة على الدين المذكور بعوض أم بغير عوض، و يصح أن يكون العوض عنه عينا، و يصح أن يكون منفعة، و أن يكون حقا و أن يكون دينا، و تلاحظ المسألة الآتية.

و يملك المصالح و هو زيد في المثال المتقدم: العين أو المنفعة أو الحق الذي جعله في عقد الصلح عوضا له عن دينه، و يملك الدين أيضا إذا كان العوض المجعول

له دينا على شخص آخر، و إذا كان العوض دينا لخالد على زيد نفسه سقط هذا الدين عن زيد بالمصالحة.

المسألة 14:

لا يصح الصلح إذا تحققت في المورد شروط الربا في المعاملة، فإذا أراد الإنسان الصلح مع غيره عن عين بعوض، و كانت العين و العوض من جنس واحد و هو من المكيل أو من الموزون لم تصح المصالحة إذا كان العوض و المعوض في العقد متفاوتين في المقدار سواء كان العوض عن العين عينا مثلها، أم كان دينا من جنسها.

و نتيجة لذلك، فإنما يصح الصلح على العين بالعين أو بالدين إذا كان العوضان مختلفين في الجنس، أو كانا من غير المكيل و لا الموزون، أو كان العوضان متساويين في المقدار.

و إذا أراد الصلح عن دين بعوض، و كان الدين و عوضه المجعول له في الصلح من جنس واحد و هو من المكيل أو من الموزون لم تصح المصالحة إذا كان الدين و عوضه متفاوتين في المقدار، سواء كان العوض دينا في الذمة مثله أم كان عينا، و سواء كانت المصالحة مع المدين نفسه أم مع شخص غيره.

و نتيجة لذلك، فإنما يصح الصلح على الدين بالدين أو بالعين إذا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 202

كان العوضان مختلفين في الجنس، أو كان جنسهما غير مكيل و لا موزون، أو كان العوضان متساويين في المقدار.

المسألة 15:

إذا كان لزيد دين على عمرو بمبلغ من الفضة أو الذهب، فصالحه عن المبلغ ببعضه، فان كان المقصود من المصالحة بينهما إسقاط المقدار الزائد عن المدين و إبراء ذمته منه، كان الصلح صحيحا و برئت بذلك ذمة عمرو عن بقية الدين، و إن كان المقصود من الصلح إيقاع المعاوضة بين الزائد و الناقص من المبلغ كان الصلح باطلا و لم تبرأ ذمة عمرو من بقية الدين.

و إذا كان الدين من غير المكيل و

لا الموزون كالأوراق النقدية صح الصلح عليه بأقل منه، و صح بيعه كذلك، سواء كان البيع أو الصلح مع المدين نفسه أم مع غيره.

المسألة 16:

إذا تعلق الصلح بحق من الحقوق، فان كان الحق المصالح عليه قابلا للنقل الى الغير، كحق التحجير و حق الاختصاص، صح الصلح عليه و انتقل الحق الى من وقع له الصلح، سواء كان الصلح عن الحق بعوض أم بغير عوض، و سواء كان العوض المجعول له عينا أم منفعة أم دينا أم حقا، على التفصيلات التي تقدم بيانها في المسائل السابقة، و يملك الذي وقع معه الصلح العوض.

و إذا كان الحق الذي تعلق الصلح به غير قابل للنقل الى الغير، و لكنه قابل للإسقاط، كحق الشفعة، فإنها لا تنتقل لغير الشريك، و كحق الخيار فإنه لا ينتقل لغير من اشترط أو ثبت له الخيار، أفاد عقد الصلح سقوط هذا الحق عمن عليه الحق، سواء كانت المصالحة عنه بعوض أم بغير عوض.

المسألة 17:

قد اتضح مما تقدم أن الصلح انما يصح تعلقه بالحق إذا كان الحق قابلا للنقل الى الغير، فإذا تعلق به الصلح أفاد نقله الى من وقع له

كلمة التقوى، ج 4، ص: 203

الصلح، أو كان قابلا للإسقاط و ان لم يكن قابلا للنقل، فإذا تعلق به الصلح أفاد سقوطه عمن عليه الحق.

و من الحقوق القابلة للنقل و للإسقاط كليهما حق الزوجة في قسمة ليالي الزوج بين زوجاته، فإنه قابل للإسقاط من الزوجة، و لذلك فيصح للرجل أن يصالح زوجته عن حقها هذا بمبلغ من المال، فإذا صالحها كذلك سقط عنه هذا الحق فلم يجب عليه أن يجعل لها ليلة من الليالي الأربع.

و هو كذلك قابل للنقل إلى إحدى زوجات الرجل الأخرى، و لذلك فيصح لبعض زوجات الرجل أن تصالح زوجته الأخرى عن الحق المذكور فتكون الليلة الخاصة بتلك الزوجة للزوجة التي صالحتها.

و لا يجري

الصلح في المجعولات الشرعية التي لا تقبل الاسقاط، و ان سميت في بعض الإطلاقات حقا، كحق الأب على ولده، و حق الولد على أبيه، و حق مطالبة الدائن بدينه إذا كان حالا، و حق الموكل في أن يعزل وكيله عن وكالته، و حق الزوج المطلق في أن يرجع بمطلقته الرجعية، و حق المرأة في أن ترجع ببذلها في طلاق الخلع أو المبارأة، و الظاهر ان هذه المذكورات جميعا و أمثالها انما هي أحكام شرعية و ليست من الحقوق، و لذلك فلا تكون موردا للصلح، و اما الحقوق فلا بد و أن تكون قابلة للإسقاط.

المسألة 18:

يجوز للشخص أن يصالح مالك بعض الأشياء على أن ينتفع الشخص ببعض هذه الأشياء من غير ان يملك منها شيئا أو يملك شيئا من منافعها، فيسكن بيت المالك أو يتجر في دكانه، أو يتنقل في سيارته أو يخرج لمنزله جناحا في فضاء ملكه أو يجعل سقفه معتمدا على جداره أو على دعامة في بيته، أو يشق في أرض المالك نهرا يجري فيه الماء إلى أرض المصالح، و نحو ذلك من الانتفاعات للمصالح مع ان الملك لمالكه، فيجوز لهما اجراء عقد الصلح على ذلك بعوض و بغير عوض.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 204

المسألة 19:

يشترط في كل واحد من المتصالحين أن يكون بالغا، و أن يكون عاقلا، و ان يكون قاصدا للمعاملة، و أن يكون مختارا، على النحو الذي تقدم اشتراطه في المتبايعين، و تجري في جميع ذلك التفاصيل التي تقدم بيانها في مسائل شروط المتعاقدين، و يعتبر في كل واحد من المتصالحين أن لا يكون محجورا عليه لسفه أو لفلس.

المسألة 20:

إذا أوقع الإنسان الصلح على المال أو على الحق أو على الدين الذي لا يملك التصرف فيه كان فضوليا، فان أجازه مالك الأمر فيه صح، و الا كان باطلا، كما هو الحال في البيع و بقية العقود.

المسألة 21:

إذا أوقع الفضولي عقد الصلح الذي يفيد فائدة إبراء ذمة المدين من الدين، أو الذي يفيد فائدة إسقاط الحق عمن عليه الحق، أو الذي يفيد فائدة إسقاط الدعوى من المدعي، جرى فيه حكم الفضولي كما ذكرناه في المسألة المتقدمة، و كانت صحة العقد موقوفة على اجازة من بيده أمر العقد، فإذا أجازه صح و ان لم يجزه بطل، و لا يكون حكمه حكم إبراء الذمة و إسقاط الحق أو الدعوى فان المذكورات من الإيقاعات التي يشكل الحكم بصحة الفضولي فيها.

المسألة 22:

يجوز للمالك أن يجري عقد الصلح على ثمرة نخيله و على ثمرة شجرة قبل ظهور الثمرة فيملكها لأحد عاما واحدا أو عامين أو أكثر، و لا يشترط في صحة المصالحة عليها لعام واحد أن يضم إليها ضميمة كما يشترط ذلك في صحة البيع، و يجوز له أن يجري عقد الصلح كذلك على الخضر قبل ظهورها في الشجر و على البقول و على الزرع قبل بروزه من الأرض، و لا يجري عليها حكم البيع الذي ذكرناه في فصل بيع الثمار.

المسألة 23:

قد يتعذر على المتصالحين أو على أحدهما معرفة مقدار المال الذي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 205

يريدان المصالحة عليه تعذرا تاما، كما إذا اختلط مال أحدهما بمال الآخر حتى لم يتميز و لم يعلما بقدر كل واحد من المالين بوجه من الوجوه، و أرادا التخلص من ذلك بالصلح بينهما.

و كما إذا علم زيد بأن لعمرو في ذمته مبلغا من الدين و هو لا يعرف قدره، و قد نسي عمرو الدين، أو نسي مقداره، و أراد زيد براءة ذمته من الدين بالمصالحة.

و كما إذا علم زيد بأن إحدى الدارين اللتين في يده ملك لعمرو و لم يعلم هو و لا عمرو بها على التعيين، و لا دليل لهما على تعيينها، و أراد المصالحة عليها.

و لا ريب في صحة الصلح على ذلك في هذه الصورة، و اغتفار الجهالة بالمال في مثل ذلك، فإذا صالح أحد الشخصين صاحبه- في المثال الأول- عن ماله الواقعي بنصف المال المختلط أو بثلثه مثلا، أو بمال آخر من أمواله الخاصة، و قبل صاحبه بذلك، صح الصلح و ملك كل واحد منهما ما اختص به بعقد الصلح، و لم تضر بذلك جهالتهما بالمقدار.

و إذا

صالح زيد عمرا- في المثال الثاني- عن دينه الذي يستحقه في ذمته بمقدار يعينانه من المال أو بعين معلومة من أموال زيد أو بشي ء آخر مما يملكه: منفعة أو دينا أو حقا، و قبل عمرو بذلك، صح الصلح بينهما و برئت ذمة زيد من الدين و لم تضر الجهالة بمقداره.

و إذا صالح زيد عمرا- في المثال الثالث- عن داره المملوكة له في الواقع بإحدى الدارين أو بمبلغ معين من المال أو بشي ء آخر يصح أن يكون عوضا للدار و قبل عمرو بالمصالحة صحت بينهما و لم تضرها الجهالة بعين الدار.

المسألة 24:

قد يتعذر على المتصالحين أو على أحدهما معرفة مقدار المال في الوقت، و هما يريدان المصالحة فيه على المال، كما إذا علم زيد بأن لصاحبه نصف هذه الصبرة من الطعام أو ربعها، و هما لا يعلمان مقدار مجموع الصبرة من الوزن أو الكيل، ليعلما مقدار ما يملكه منها أحدهما على

كلمة التقوى، ج 4، ص: 206

الخصوص، و ليس لديهما بالفعل مكيال و لا ميزان يقدران فيه المال، و هما يريدان المصالحة عليه في الوقت الحاضر.

و كما إذا علم زيد بأن لعمرو عنده مبلغا من المال أو أن له عليه مقدارا من الدين و هما لا يعلمان بالفعل مقدار ذلك المال أو الدين، لبعدهما عن البلد الذي توجد فيه المثبتات للمال أو الدين المبينات لمقداره، و لا يمكنهما تأخير المصالحة الى ان يعرفا مقدار المال.

و الظاهر جواز المصالحة في هذه الصورة أيضا، و اغتفار الجهالة بالمقدار كما في الصورة المتقدمة، فيصالح أحد الشخصين صاحبه عن ماله- في المثال الأول- بمقدار من الصبرة أو بمبلغ يعينانه من المال، أو بشي ء معين يتراضيان به عوضا عن المال المصالح

عليه، و يصالح زيد عمرا- في المثال الثاني- عن ماله الواقعي أو عن دينه بمقدار يتراضيان به أو بشي ء آخر يتفقان عليه.

المسألة 25:

إذا لم يعلم المتصالحان بمقدار المال المصالح عليه بالفعل، و أمكن لهما أن يعلما بمقداره بأن يزنا المال أو يكيلاه، أو بأن يرجعا الى الدفاتر و الأوراق المثبتة للمال و المعينة لمقداره، فالأحوط لهما عدم اجراء عقد الصلح على المال حتى يعلما بمقداره.

المسألة 26:

إذا كان لزيد عند عمرو مقدار من المال أو كان له عليه مبلغ من الدين، و كان عمرو يعلم بمقدار المال أو الدين الذي لزيد عليه، و زيد نفسه لا يعلم بمقداره، فصالح عمرو زيدا عن المال أو الدين المذكور بأقل منه، لم تبرأ ذمة عمرو بهذه المصالحة إلا بمقدار ما أدى من الدين و بقيت ذمته مشغولة بالباقي منه و لا يحل له الزائد من المال، إلا إذا علم زيد بذلك و رضي بما حصل، أو كان زيد في حال إجراء المصالحة راضيا بها على كل حال سواء كان المقدار الذي صولح به بمقدار حقه أم أقل منه، فتصح المصالحة و تبرأ ذمة عمرو من بقية الدين، و يحل له الزائد من المال.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 207

و كذلك الحكم إذا كان عمرو لا يعلم بمقدار ما لزيد من المال أو الدين على وجه التفصيل، و لكنه يعلم على وجه الإجمال ان المقدار الذي صالح زيدا به أقل من القدر الواجب عليه، فلا يحل له الزائد و لا تبرأ ذمته من بقية الدين إذا كان زيد لا يعلم بذلك.

المسألة 27:

قد تقدم هاهنا و في فصل الربا من كتاب التجارة: ان حرمة الربا في المعاملة لا تختص بالبيع بل تجري في الصلح و في غيره من المعاوضات إذا اجتمعت فيها شروط حرمته، فإذا أراد أحد الصلح مع غيره عن مال بعوض، و كان العوض من جنس المال المصالح عليه، و كانا من المكيل أو الموزون، فلا بد و أن يكون العوضان متساويين في المقدار، فان زاد أحد العوضين على الآخر كان الصلح باطلا للزوم الربا.

نعم إذا كان الصلح الجاري بينهما مقابلة بين مصالحتين مستقلتين تتعلق

إحداهما بأحد المالين و تتعلق المصالحة الثانية بالمال الآخر، و ليس مبادلة بين عوضين، كان صحيحا.

و مثال ذلك ان يكون لزيد عشرون منا من الحنطة الحمراء، و يكون لعمرو خمسة و عشرون منا من الحنطة الصفراء فيصالح زيد عمرا عن العشرين منا التي كانت لزيد و يملكه إياها بغير عوض، على شرط ان يصالحه عمرو عن الخمسة و العشرين منا التي كانت لعمرو فيملكه إياها بغير عوض، فإذا جرى العقدان بينهما كذلك كانا صحيحين، و ملك كل واحد من المتصالحين ما انتقل اليه بالصلح و لم يلزم الربا في المعاملة.

المسألة 28:

انما يلزم الربا في المعاملة و يكون محرما، و تكون المعاملة باطلة إذا كان المتعاقدان يعلمان بزيادة أحد العوضين المتجانسين على الآخر، فلا يكون من الربا المحرم و لا تبطل المعاملة إذا كانت زيادة أحد العوضين على الآخر محتملة و ليست معلومة.

و مثال ذلك ان يكون لزيد عند عمرو مقدار من الأرز، و يكون

كلمة التقوى، ج 4، ص: 208

لعمرو عند زيد مقدار من الأرز أيضا و هما لا يعلمان بقدر مال زيد عند عمرو و لا بقدر مال عمرو عند زيد، فيحتمل تساوي المالين في المقدار و يحتمل تفاوتهما، فيجوز لهما أن يتصالحا بينهما فيملك كل واحد منهما ما عنده عوضا عن ماله عند صاحبه و لا يضر بذلك احتمال زيادة أحد العوضين على الآخر.

المسألة 29:

قد اتضح مما بيناه في ما سبق انه يصح للإنسان أن يصالح غيره عن دين بدين، سواء كان الدين المعوض عنه و الدين العوض حالين أم مؤجلين، أم كان أحدهما حالا و الآخر مؤجلا، و سواء كان العوضان من جنس واحد أم كانا مختلفين في الجنس، و سواء كان المدين بهما شخصا واحدا أم شخصين، فيصح لزيد أن يصالح خالدا فيملكه دينه على بكر بدين خالد على عمرو، و يصح لزيد أن يصالح خالدا فيملكه دينه على عمرو، بدين خالد على عمرو نفسه، فتصح المصالحة عنه في جميع الصور إلا إذا كان الدينان من جنس واحد و هو من المكيل أو الموزون، فلا يصح الصلح عليهما إذا كانا متفاوتين في المقدار.

المسألة 30:

إذا أراد الشريكان فسخ عقد الشركة بينهما أو كانا قد فسخا العقد و بقي المال مشتركا بينهما، جاز لأحد الشريكين أن يصطلح مع الآخر على أن يكون له رأس مال الشركة، و يكون الربح و الخسران فيها للشريك الآخر، و إذا كانت الشركة بينهما باقية لا يريدان فسخها أشكل جواز هذا الصلح بينهما، و الأحوط تركه.

المسألة 31:

يجوز للمدعي و المدعى عليه أن يصطلحا بعد ترافعهما في الدعوى فيجعلا لكل واحد منهما شيئا من المدعى به، أو يتراضيا عنه بمال أخر، و لا ينافي ذلك ان المدعي قد ادعى انه يملك جميع المال، و لا ينافيه إنكار المنكر حق المدعي، فإذا اصطلحا بينهما ببعض صور الصلح، سقطت دعوى المدعي، و سقط حقه الذي كان له قبل الصلح

كلمة التقوى، ج 4، ص: 209

في يمين المنكر، و ليس له أن يجدد المرافعة عند الحاكم الأول أو يجدد الدعوى عند حاكم آخر.

المسألة 32:

ما ذكر من الأحكام في المسألة السابقة إذا اصطلح المتداعيان انما هو فصل تنقطع به دعوى المدعي في ظاهر الشريعة، و لكنه لا يحل به المحرم الواقعي و لا يثبت به غير الحق، و نتيجة لذلك، فإذا ادعى المدعي دينا على المدعى عليه و كان صادقا في دعواه، و أنكره المنكر، ثم صالحه بنصف الدين، فقد وصل الى الدائن نصف حقه و لم تبرأ ذمة المنكر من بقية الدين بالمصالحة المذكورة، و وجب عليه التخلص منه، و هو آثم بإنكاره حق المحق، إلا إذا كان محقا في إنكاره بحسب اعتقاده، فلا اثم عليه في الإنكار، و لكن المال باق في ذمته، فإذا تبين له خطأ اعتقاده بعد ذلك وجب عليه التخلص من الدين و لم يكفه الصلح الأول، الا إذا علم بأن المدعي قد رضي بالصلح عن جميع حقه.

و إذا ادعى المدعي الدين و كان مبطلا في قوله أثم بذلك و حرم عليه ما يأخذه من المدعى عليه بالصلح، إلا إذا علم بأن المدعى عليه قد رضي بالمصالحة و طابت نفسه بدفع ما دفع اليه من المال.

المسألة 33:

إذا تنازع شخصان في ملكية شي ء، فادعى أحدهما ملكية الشي ء و أنكر الآخر، ثم طلب المدعى عليه من المدعي أن يصالحه عن ذلك الشي ء، فلا يعد طلبه المصالحة من المدعي إقرارا منه بحقه فان الصلح يصح مع الإقرار و الإنكار.

و إذا قال المدعى عليه للمدعي بعني الشي ء الذي تدعي به، أو قال له ملكني إياه، كان هذا القول من المدعى عليه إقرارا منه بأنه لا يملك الشي ء المدعى به، و في دلالة قوله هذا على ان الشي ء المدعى به ملك للمدعي إشكال.

المسألة 34:

إذا ملك شخص ثوبا قيمته عشرة دنانير مثلا، و ملك شخص آخر

كلمة التقوى، ج 4، ص: 210

ثوبا قيمته خمسة عشر دينارا ثم اشتبه أحد الثوبين بالآخر حتى لا يعرف ثوب أحد الرجلين من ثوب الآخر، فيجوز لأحد الرجلين ان يجعل لصاحبه الخيرة في أن يأخذ أي الثوبين شاء، فإذا اختار صاحبه ثوبا منهما كان له أخذه و التصرف فيه، و كان الثوب الثاني للآخر، و يكون هذا التخيير مصالحة بينهما فيملك كل واحد من الرجلين الثوب الذي صار اليه.

و إذا تعاسرا و كان مقصدهما من شراء الثوبين بيعهما و التكسب بهما، بيع الثوبان، و قسم ثمنهما على الرجلين بنسبة قيمة كل ثوب منهما الى مجموع القيمتين، فيدفع لمالك الثوب الذي قيمته عشرة دنانير خمسان من الثمن، و يدفع لمالك الثوب الذي قيمته خمسة عشر دينارا ثلاثة أخماسه.

و إذا كان مقصدهما من الشراء اقتناء الثوبين و لبسهما، رجعا في تعيين المشتبه إلى القرعة، فيدفع لكل واحد من المالكين الثوب الذي عينته له القرعة. و كذلك إذا اختلف الرجلان في المقصد فكان مقصد أحدهما من الشراء بيع الثوب و كان مقصد الثاني لبسه، فيرجع

الى القرعة.

المسألة 35:

إذا كان الثوبان المذكوران متساويين في النوع و في المالية، و انما اختلفت قيمتهما في الشراء لاختلاف القيمة في السوق يوم شراء الرجل الأول منهما لثوبه عن يوم شراء الثاني لثوبه، لم يجر فيهما التفصيل المتقدم بل يرجع في التعيين إلى القرعة.

المسألة 36:

لا يتعدى الحكم المتقدم ذكره الى غير الثوب من الأشياء و المبيعات، فإذا ملك رجل متاعا قيمته عشرة دنانير و ملك رجل آخر متاعا قيمته خمسة عشر دينارا ثم اشتبه احد المتاعين بالآخر فلم يعرف مال أحد الرجلين من مال الآخر لم يجر فيه ما تقدم، بل يرجع في التعيين إلى القرعة. فيعطى لكل واحد من المالكين المتاع الذي تعينه له القرعة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 211

المسألة 37:

إذا استودع أحد مقدارا من ماله عند ثقة، و استودع رجل آخر مقدارا من ماله عند ذلك الثقة أيضا ثم تلف مما في يد الثقة مقدار من غير تعد و لا تفريط، و لم يدر ان التالف من أي المالين، فهاهنا صور تجب ملاحظتها للتعرف على أحكامها.

(الصورة الأولى): أن تكون وديعة أحد الرجلين مساوية لوديعة الرجل الآخر في المقدار و مثال ذلك ان تكون وديعة الرجل الأول عشرة دنانير و وديعة الرجل الثاني عشرة دنانير كذلك و الحكم في هذه الصورة أن يكون تلف التالف من كلا المستودعين، و يقسم الباقي من مال الوديعتين بينهما بالمناصفة، فإذا كان التالف من المال في المثال خمسة دنانير فهو من كليهما و الباقي منه و هو خمسة عشر دينارا يكون بينهما على التنصيف لكل واحد منهما سبعة دنانير و نصف.

المسألة 38:

(الصورة الثانية): ان تكون الوديعتان مختلفتين في المقدار، و يكون التالف بقدر احدى الوديعتين و أقل من الثانية، و مثال ذلك أن تكون وديعة الرجل الأول خمسة دنانير، و تكون وديعة الرجل الثاني عشرة دنانير و يكون التالف من البين خمسة دنانير بمقدار الوديعة الأولى و أقل من الثانية، و الحكم في هذه الصورة ان يدفع لصاحب الوديعة الكبرى ما زاد على المقدار التالف من مقدار وديعته، و يقسم ما بقي من المال على المالكين بالتنصيف، فيدفع للرجل الثاني في المثال و هو صاحب الوديعة الكبرى خمسة دنانير فان ذلك هو المقدار الزائد من وديعته على المقدار التالف، و يبقى من المال خمسة دنانير فتقسم بين الرجلين بالمناصفة فيكون لصاحب الوديعة الأولى و هي الصغرى ديناران و نصف، و لصاحب الوديعة الثانية و هي الكبرى سبعة دنانير و

نصف، و يصيب كل واحد منهما من التلف ديناران و نصف.

و إذا كانت الوديعة الأولى درهما، و كانت الوديعة الثانية درهمين- كما هو المورد المنصوص- ثم تلف درهم اعطي صاحب الدرهمين درهما و هو الزائد من وديعته على مقدار التالف، ثم قسم الدرهم الباقي بين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 212

المالكين نصفين فيكون لصاحب الدرهم نصف درهم و لصاحب الدرهمين درهم و نصف، و يصيب الواحد منهما من التلف نصف درهم.

المسألة 39:

(الصورة الثالثة): ان تكون الوديعتان مختلفتين في المقدار، و يكون التالف أقل من كل واحدة من الوديعتين، و مثال ذلك ان تكون وديعة الرجل الأول أربعة دنانير و وديعة الرجل الثاني ستة دنانير، ثم يتلف من البين ديناران، و الحكم في هذه الصورة أن يدفع لكل واحد من الرجلين ما زاد من وديعته على المقدار التالف، ثم يقسم الباقي من المال بينهما نصفين. فيدفع للرجل الأول في المثال، ديناران، و هما الزائد من وديعته على مقدار التالف، و يدفع للرجل الثاني أربعة دنانير، و هي الزائد من وديعته كذلك على مقدار التالف، ثم يقسم الباقي و هو ديناران بين الرجلين بالمناصفة، فيكون مجموع ما يحصل لصاحب الوديعة الأولى ثلاثة دنانير و يكون مجموع ما يحصل لصاحب الوديعة الثانية خمسة دنانير، و يصيب كل واحد منهما من التلف دينار واحد.

و ما ذكرناه من الأحكام في الصور الثلاث المتقدم ذكرها يجري في المال إذا كان مثليا كالدراهم و الدنانير و الحبوب و غيرها و لم يمتزج بعضه ببعض حتى ينتفي التمييز بين المالين و تحصل الشركة بين المالكين كما هو المفروض في الصور المتقدمة جميعا.

المسألة 40:

(الصورة الرابعة): إذا كانت الوديعتان الآنف ذكرهما في المسائل المتقدمة من المال المثلي و امتزج المالان امتزاجا تاما حتى انتفى التمييز بين المالين و أصبح مالا واحدا و حصلت الشركة بين المالكين ثم تلف من المال الممتزج مقدار، و الحكم في هذه الصورة ان يكون التلف على المالكين بنسبة المالين و مثال ذلك: أن يستودع احد الرجلين عند الثقة منين من الدهن، و يستودعه الرجل الآخر منا واحدا من الدهن أيضا، ثم يمتزج المالان عند الودعي من غير تعد و لا تفريط

من الأمين- حتى يحصل الاشتراك بين المالكين في المال، ثم يتلف من واحد من المجموع، فيقسم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 213

الباقي بين المالكين أثلاثا ثلث منه لصاحب المن الواحد، و ثلثان لصاحب المنين، و يصيب كل واحد منهما من التلف بتلك النسبة فثلث على صاحب المن و ثلثان على صاحب المنين.

المسألة 41:

(الصورة الخامسة): إذا كان المال في الوديعتين قيميا كالحيوان و الثياب و الأمتعة الأخرى ثم تلف بعضه، فلا بد من المصالحة بين المالكين أو تعيين التالف بالقرعة، فيكون تلفه على مالكه.

المسألة 42:

يجوز للإنسان أن يتصرف في فضاء ملكه ما يشاء، فله أن يخرج فيه جناحا لمنزله أو روشنا أو شباكا مطلا أو ما شاء، و له أن يعلى بناءه كما يريد و لو بإقامة عدة طبقات و ان أشرف البناء على منزل غيره.

نعم يشكل ان يفتح فيه شباكا أو نافذة تطل على منزل غيره، و تطلع على ما يستقبح العقلاء و المتدينون الاطلاع عليه من أمورهم و شؤونهم و لا يرضون به، و الأحوط لزوما تركه، و لا يخلو من قوة في بعض مراتبه، بل يشكل ذلك و ان رضي به الجار نفسه، و لا تصححه المصالحة مع الجار على إخراج الشباك أو النافذة على عورة بيته، بعوض أو بغير عوض.

و انما يشكل ذلك أو يمنع إذا كان هناك من يطلع، و اما إذا أمن الطرفان من المطلع، و انما كان فتح النافذة أو الشباك لمجرد التهوية أو الاستضاءة فلا منع و لا اشكال، و يصح ذلك مع المصالحة و بدونها.

المسألة 43:

يجوز للإنسان ان يخرج لمنزله جناحا أو روشنا أو نافذة أو شباكا في الشارع العام و على الطريق النافذ إذا كان الجناح أو الروشن الذي يخرجه عاليا لا يزاحم المارة و وسائل النقل و ناقلات الأحمال التي تمر بالشارع أو الطريق و لا يضر بها، و ليس لأحد أن يمنعه من ذلك، و ان كان الجناح الذي يريد أن يجعله لمنزله يستوعب عرض الطريق، فليس لصاحب الدار التي تقابله في الطريق ان يمنعه من ذلك، الا ان

كلمة التقوى، ج 4، ص: 214

يسبقه فيخرج له روشنا أو جناحا فيمنعه بمقدار عرض جناحه أو روشنه الذي أخرجه لمنزله و بمقدار ما يحتاج اليه من الفضاء للتهوية

و الشمس و شبه ذلك من الضرورات التي لا بد منها.

و لا يجوز للإنسان أن يجعل الجناح أو الروشن أو الساباط الذي يخرجه لمنزله معتمدا على جدار غيره أو على بنائه إلا برضاه أو مصالحته، و إذا كان إخراج الجناح أو الروشن الذي يجعله في الطريق النافذ على نحو يوجب كونه مشرفا على دار غيره أشكل الحكم بجوازه من غير رضى ذلك الغير، فلا يترك الاحتياط باجتنابه.

المسألة 44:

إذا كان لمنزل الرجل جناح أو روشن على الشارع أو على الطريق فانهدم أو هدمه هو عامدا و كان من قصده أن يجدد بناء الجناح أو الروشن في موضعه أو يشغل الموضع بشي ء آخر كبناء غرفة مثلا، لم يجز لغيره أن يشغل ذلك الفضاء ببناء جناح أو غيره. و ان لم يقصد الأول ذلك جاز لغيره أن يشغل الموضع بما يريد مما لا يضر بالمارة، و لم يفتقر في جواز ذلك الى الاستيذان من الباني الأول أو الى مصالحته.

المسألة 45:

إذا جعل الرجل لمنزله جناحا أو روشنا في الطريق النافذ و لم يستوعب عرض الطريق لم يمنع ذلك صاحب الدار المقابلة له في ذلك الطريق من أن يحدث له روشنا أو جناحا إذا كان لا يمنع الأول مما يحتاج إليه في روشنه أو جناحه من الشمس أو التهوية و غيرها من الضرورات التي لا بد منها، و يشكل بل يمنع إذا منعه من ذلك.

المسألة 46:

يجوز للإنسان أن يفتح له بابا جديدا على الشارع العام، أو على الطريق النافذ، و ان كان له باب آخر على الشارع نفسه أو على غيره، و يجوز له ان يفتح عليه شباكا أو أكثر، و نافذة أو أكثر، و ان يجعل على الطريق ميزابا لماء المطر و غيره، و أن يفتح عليه بعض المجاري لفضلات الماء و الغسالات إذا لم تضر بالمارة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 215

و يجوز بل يحسن للإنسان أن يحفر في الطريق بالوعة لتصريف مياه الأمطار و غيرها فيه إذا هو أحكم الأسس و الجدر و السقف و لم يضر ذلك بمرور وسائط النقل و غيرها، بل و يجوز له أن يحفر فيه بالوعة لمنزله إذا هو أحكم أسسها و جدرانها و سقفها كذلك و لم تضر بالمارة.

المسألة 47:

الطريق غير النافذ، و هو الذي تحيط به الدور من جوانبه الثلاثة، فلا يسلك فيه من طريق الى طريق آخر، و يسمى بالسكة المرفوعة، و يسمى بالدريبة، و قد ذهب جماعة من العلماء إلى انه ملك مشترك بين أصحاب الدور التي تفتح أبوابها إلى الطريق نفسه دون غيرهم و ان كان حائط داره اليه.

و يشكل الحكم بملكية هذا الطريق الخاص إذا لم يكن له سبب مملك آخر، بل يمنع ذلك، و انما هو حق خاص بأصحاب الدور المذكورة في بعض الشؤون و ليس حقا مطلقا لهم، و نتيجة لذلك فلا يجب على غيرهم أن يستأذنوا من أرباب الدور إذا أرادوا الدخول الى الدريبة، أو أرادوا الوقوف فيه لبعض المقاصد إذا لم يزاحموا بذلك أهل الدور، و ان كان فيهم الأيتام و القاصرون.

و نتيجة لذلك فإذا سد بعض أصحاب الدور بابه من الدريبة و

فتح بابا الى غيرها سقط حقه منها و أصبح من غير أهلها، و لم يحتج الى ناقل شرعي لملكيته.

و نتيجة لذلك فإذا فتح بعض المجاورين بابا الى الدريبة باذن أصحاب الدور فيها أصبح شريكا لهم فيها كبقيتهم فتشمله أحكامهم و خصوصا مع طول الدريبة، و كثرة الدور فيها، الى غير ذلك من اللوازم التي تدل على انها حق و ليست ملكا.

المسألة 48:

لا يجوز لأحد من غير أصحاب الدور في الطريق غير النافذ أن يفتح فيه بابا أو يحدث فيه جناحا أو يبني فيه ساباطا أو ينصب فيه ميزابا أو يحفر فيه بالوعة أو سردابا أو يحدث فيه أي شي ء آخر إلا بإذن أصحاب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 216

الحق فيه، و هم أصحاب الدور التي تفتح أبوابها في الطريق النافذ كما تقدم، سواء كان ما يحدثه مضرا بهم أم لا، و لا يكفيه الاذن من بعضهم، و يجوز له الصلح معهم على جميع ذلك أو على شي ء منه، و لا يكفيه الصلح مع بعضهم إذا لم يأذن له الباقون.

المسألة 49:

إذا أذن أصحاب الحق في الدريبة للمجاور بفتح باب فيها أو صالحهم على ذلك بعوض أو بدون عوض، ففتح الباب كان من أهلها و أصبح شريكا لهم في الحق كما ذكرنا آنفا، و إذا أذنوا له في ما سوى ذلك أو صالحهم عليه فأحدث له جناحا أو حفر بالوعة أو سردابا أو أحدث ساباطا أو غيره لم يصبح بذلك من أهل الدريبة و لم يشاركهم في الحق، و لم يجز لهم أو لبعضهم أن يمنعه مما فعله بإذنهم أو بالمصالحة معهم و تلاحظ المسألة الرابعة و الخمسون الآتية.

المسألة 50:

لا يجوز لبعض أصحاب الدور في الدريبة ان يحدث فيها شيئا مما تقدم ذكره الا برضى بقية شركائه فيها، فلا يبني روشنا أو جناحا أو ساباطا أو يحفر بالوعة أو سردابا، بل و لا يفتح له بابا آخر إلا بإذنهم أو بالمصالحة معهم، و يجوز له أن يسد الباب الأول و يفتح له بابا آخر فيها، و إذا أذنوا له بشي ء من ذلك أو صالحهم عليه، فأحدثه لم يجز لهم و لا لبعضهم ان يمنعه منه بعد ذلك و لا يكفيه الاذن من بعضهم أو الصلح معه إذا لم يأذن الباقون.

المسألة 51:

إذا باع بعض أصحاب الدور داره في الطريق غير النافذ على رجل آخر أصبح المشتري هو صاحب الحق في الطريق، سواء علم الشركاء الباقون بالبيع أم لم يعلموا، و سواء اذن من يعلم منهم بالبيع أم لم يأذن.

المسألة 52:

إذا أحدث المجاور جناحا أو ساباطا أو غيره في الطريق غير النافذ

كلمة التقوى، ج 4، ص: 217

باذن أصحاب الحق فيه أو بمصالحتهم ثم باع داره على رجل آخر أصبح المشتري هو مالك الدار و الجناح المستحدث فيها و لم يجز لأهل الدريبة منعه من جناحه أو ساباطه.

المسألة 53:

يجوز لكل واحد من أصحاب الدور في الدريبة أن يستطرق فيها إلى منزله دخولا و خروجا، هو و أولاده و عائلته و ضيوفه و أصدقاؤه و من يرغب في زيارته و دوابه، و له أن يعقد في بيته بعض المجالس التي يعقدها أمثاله لذكريات بعض المعصومين (ع) أو لغير ذلك من المناسبات التي يعتادها نظراؤه في المجتمع، و يحل لمن يرغب في حضور المجالس أن يدخل اليه فيها و لا يفتقر في جميع ذلك الى الاستيذان من شركائه في الدريبة، و ان كان فيهم اليتامى و القاصرون، بل يجوز له الجلوس فيها إذا لم يزاحم حقوق الآخرين، كما إذا كان جلوسه فيها مانعا من خروج بعض العائلات الى حاجاتهن.

المسألة 54:

إذا صالح الرجل جاره على أن يبني على حائطه بناء، أو على ان يجعل سقفه معتمدا على جدار الجار، فيضع عليه أخشابه أو جذوعه أو حديدة، أو استأجر منه الجدار لذلك أو شرط عليه ذلك في عقد لازم، وجب على الجار أن يفي بذلك و لم يجز له أن يمنعه من ذلك لا قبل البناء و لا بعده.

و إذا استأذن الرجل جاره لشي ء من ذلك، من غير صلح و لا اجارة و لا شرط، فأذن له جاز للجار أن يرجع في أذنه قبل البناء، أو قبل أن يضع السقف على الجدار.

و يشكل الحكم جدا في جواز رجوع الجار عن اذنه بعد البناء، أو بعد ان يضع السقف على الجدار، و لا يترك الاحتياط بالمصالحة بينهما أما بإبقاء البناء أو السقف مع الأجرة، أو بهدمه مع الأرش.

و لا يجوز للرجل أن يبني على جدار جاره بناء أو يجعل سقفه معتمدا عليه من غير اذن و لا صلح

و لا اجارة، و لا شرط في ضمن عقد، فإذا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 218

هو فعل ذلك وجب عليه هدمه أو التخلص من حرمته ببعض الصور الممكنة.

المسألة 55:

لا يجوز لأحد المالكين أن يتصرف في الجدار المشترك بينهما فيبني عليه بناء أو يجعل عليه سقفا أو يدخل فيه خشبة أو وتدا، أو يخرج فيه كوة أو روزنة، إلا بإذن شريكه أو بإحرازه رضاه بشاهد الحال أو بعض القرائن، و تجوز له الاستعمالات اليسيرة كالاتكاء عليه و الاستناد له و تعليق الثوب عليه و شبه ذلك، و ان لم يستأذن منه في ذلك و لم يحرز رضاه، و إذا صرح الشريك بالمنع أو أظهر الكراهة لم يجز ذلك.

و يجوز الاستظلال بظله و الاستضاءة بنوره و ان صرح بالمنع فان مثل ذلك لا يعد تصرفا في ماله، فلا يكون محرما.

المسألة 56:

إذا احتاج النهر المشترك بين مالكين إلى التنقية أو احتاج البئر المشترك أو العين المشتركة إلى التعمير لم يجبر الشريك على الاشتراك في التنقية و التعمير، و إذا أراد أحد الشريكين تنقية النهر و تعمير العين أو البئر من ماله و لم يأذن له شريكه بالتصرف رفع الأمر إلى الحاكم فخيره بين بيع حصته من شريكه أو من غيره و المشاركة مع شريكه في التعمير و التنقية أو الاذن له في ذلك. و إذا أنفق الشريك على النهر أو على العين من ماله فجرى الماء و نبع كان الماء مشتركا بين المالكين و لم يختص به الشريك المنفق، و لم يجز له منع الآخر منه.

المسألة 57:

إذا اشترى الإنسان دارا أو ملكها بسبب آخر من هبة أو إرث أو غير ذلك، و وجد ان جاره قد وضع سقفه على جدار منزله الذي اشتراه و لم يعلم ان وضع السقف على جداره كان بحق أو بغير حق، حكم بأنه عن حق، فلا يجوز لمالك الدار أن يطالب جاره برفع سقفه عن الجدار، و إذا انهدم السقف لم يجز له أن يمنع الجار من تجديد بنائه و إعادته

كلمة التقوى، ج 4، ص: 219

إلى وضعه الأول، الا إذا علم بأن الجار كان عاديا في فعله فوضع السقف من غير اذن المالك الأول للدار أو ثبت ذلك ببينة شرعية، فيجوز ذلك.

المسألة 58:

إذا صالح الإنسان غيره على مال، فملكه إياه بعوض أو بغير عوض و اشترط عليه في عقد الصلح أن يجعل ذلك المال وقفا عند موته إذا لم يكن له وارث من بعده، صح الصلح و لزم الشرط، و وجب على المصالح أن يفي بذلك.

المسألة 59:

إذا كبرت الشجرة في منزل الإنسان أو في بستانه حتى خرجت أغصانها إلى فضاء دار غيره أو بستانه، و لم يرض جاره ببقائها كذلك لزم مالك الشجرة أن يعطف أغصانها من حد ملكه أو يقطعها، و خصوصا إذا زاحمت شجر الجار أو بناءه، و يجوز له أن يصالح الجار في ذلك على أن يبقى أغصان الشجرة في فضاء ملكه و يأكل ثمارها الموجودة في تلك الأغصان، فإذا قبل الجار صح الصلح و نفذ.

و إذا صالحه كذلك ثم ماتت تلك الشجرة أو يبست أغصانها تلك، أو قطع مالكها الأغصان عامدا، ثم نمت شجرة اخرى و خرجت أغصانها إلى فضاء دار ذلك الجار أو بستانه لم يشملها الصلح الأول، و وجب على مالك الشجرة استيذان الجار في إبقاء الأغصان أو مصالحته، فان لم يفعل وجب عليه عطف أغصان الشجرة أو قطعها من حد ملكه.

المسألة 60:

إذا أفاد الصلح فائدة الهبة فصالح الرجل صاحبه و ملكه عينا بغير عوض، لم يجر عليه حكم الهبة فلا يشترط في صحته القبض كما يشترط ذلك في صحة الهبة، و لا يجوز لمالك العين الأول ابطال الصلح، و الرجوع بعينه كما يجوز للواهب أن يرجع في هبته.

و الحمد للّٰه رب العالمين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 221

كتاب الهبة

اشارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 223

كتاب الهبة

المسألة الأولى:

الهبة المبحوث عنها في هذا الكتاب هي ما قابلت الوصية الى أحد بشي ء بعد الموت، و قابلت الصدقة عليه في حال الحياة، و قابلت وقف الشي ء على أحد بنحو التمليك، و شبه ذلك مما يتضمن تمليك الشي ء مجانا من غير عوض، و قد عرف الهبة جماعة من الفقهاء بأنها تمليك عين مجانا، و هذا التعريف في ظاهره عام يشمل جميع المذكورات فإنها تمليك عين مجانا و من غير عوض، فهو تعريف للهبة بالمعنى العام الشامل للجميع و ليس تعريفا للهبة الخاصة التي هي موضع البحث في هذا الكتاب، و قد يتكلف لإخراج بعض المذكورات عن التعريف بأن المقصود فيه ان الهبة تمليك عين مجانا تمليكا منجزا بالفعل و عليه فلا يشمل الوصية فإن التمليك فيها معلق بعد الموت، و ان المراد انها تمليك غير مشروط بالقربة و عليه فلا يعم الصدقة فإنها تمليك مشروط بالقربة، و الأمر سهل بعد وضوح المعنى المقصود.

المسألة الثانية:

الهبة المبحوث عنها هنا هي ما يرادف المنحة و النحلة في المعنى، و الظاهر انها أخص في معناها من كلمة العطية، فإن العطية تشمل الصدقة، و قد تستعمل بالمعنى العام فتشمل الوصية الى الرجل بعد الموت فهي عطية أيضا، و تشمل الوقف على نحو التمليك للذرية أو لغيرهم فإنه عطية كذلك.

و من الهبة الخاصة: الهدية، و هي ما يدفع الى الغير على سبيل التجلة و التكريم، و لا يعتبر في صدق معنى الهدية أن يبعث بالشي ء الى المهدي اليه بيد رسول، فإذا دفع المالك الشي ء الى الرجل بيده على نحو التكريم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 224

فهو هدية و تختص الهدية بالمنقولات، فإذا أعطاه دارا أو عقارا يقال وهبه الدار و لا يقال

أهدي إليه دارا أو عقارا.

و من الهبة الخاصة: الجائزة، و هي ما يدفع الى السابق، تقديرا له على سبقه في بعض المجالات، و ما يدفع الى المجيد في شي ء تقديرا له على إجادته في الشي ء، و قد تستعمل الجائزة بمعنى الهبة فتكون أعم من المعنى الخاص لكلمة الجائزة.

و الواهب هو دافع الهبة، و الموهوب له هو من تدفع اليه، و قد يقال له المتهب، و الموهوب هو الشي ء المدفوع.

المسألة الثالثة:

الهبة المبحوث عنها عقد من العقود، و لذلك فهي تحتاج إلى الإيجاب من الواهب أو من وكيله و الى القبول من الموهوب له أو من وكيله.

و يحصل الإيجاب في عقد الهبة بأي لفظ يكون دالا على تمليك الشي ء الموهوب، و من ألفاظه التي يتعارف اجراء الإيجاب بها، و هبتك، و ملكتك المال المعين، و هذا المال لك، و يحصل القبول كذلك بأي لفظ يدل على الرضا بالتمليك المذكور، و من ألفاظه المعروفة: قبلت الهبة، و رضيت بها، و تملكت الشي ء.

و لا يشترط في عقد الهبة أن يكون إنشاؤه باللغة العربية، فيصح أن يقع إيجابه و قبوله بأي لغة أخرى يعرفها المتعاقدان، و يصح إيقاعه بالمعاطاة الدالة على المعنى المراد، فإذا دفع الواهب أو وكيله الشي ء بقصد إنشاء التمليك لصاحبه، و قبض الموهوب له أو وكيله الشي ء بقصد التملك صح العقد و نفذ.

المسألة الرابعة:

يشترط في الواهب أن يكون بالغا، و أن يكون عاقلا، و أن يكون قاصدا للمعنى في إنشاء العقد، و أن يكون مختارا في فعله، على النحو الذي تقدم بيانه في عقد البيع في الشروط المذكورة. و يشترط في الواهب أن يكون غير محجور عليه لسفه فيه أو لفلس، و يشترط فيه ان يكون مالكا للشي ء الموهوب، فلا يصح ان يهب الرجل ملك غيره،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 225

الا ان يأذن له المالك قبل اجراء العقد فيكون وكيلا عنه، أو يجيز عقده بعد ان يوقعه فيكون من الفضولي الذي تصححه الإجازة، و لا يصح أن يهب ما لا يملكه مثله فلا يهب المسلم خمرا و لا خنزيرا، لأن المسلم لا يملكهما فلا يصح أن يهبهما و ان كان الشخص الموهوب له ذميا.

المسألة الخامسة:

يشترط في الموهوب له ان يكون بالغا و أن يكون عاقلا إذا كان هو الذي يتولى إنشاء قبول العقد من الواهب، و تصح الهبة للصغير و للمجنون إذا كان الولي هو الذي يقبل عنهما عقد الهبة، و تصح الهبة للصغير المميز إذا قبل إنشاء العقد من الواهب بالوكالة عن الولي، بعد أن أتم الولي المعاملة بنفسه كما تقدم في أول فصل شرائط المتعاقدين من كتاب التجارة.

و يشترط في الموهوب له إذا كان بالغا عاقلا ان يكون قاصدا للمعنى الذي يتولى إنشاءه في العقد، و ان يكون مختارا في فعله على النحو الذي تقدم في نظائره.

و يشترط في الموهوب له أن يكون ممن يصح له تملك الشي ء الموهوب، و لذلك فلا تصح هبة المصحف و لا العبد المسلم للكافر و ان كان ذميا أو معاهدا، و لا تصح هبة الخمر أو الخنزير للمسلم و ان

كان الواهب ذميا.

المسألة السادسة:

يشترط في الواهب و في الموهوب له أن يكون حرا، فلا تصح الهبة من العبد المملوك إذا لم يأذن له سيده بالهبة و ان كان الشي ء الموهوب ملكا له، و لا تصح الهبة له كذلك إذا لم يأذن له مولاه و إذا أذن له مولاه في أن يهب لغيره صح له ذلك سواء كان المأذون فيه أن يهب من ماله أم من مال سيده أم من مال غيرهما إذا رضي مالك المال.

و إذا وهب له مولاه شيئا من ماله صح له قبولها، بل الظاهر أنه يملك المال بهبة سيده و لا يحتاج الى قبوله و إذا أذن له مولاه في قبول الهدية من الآخرين صح له أن يقبل الهدية منهم و نفذت الهبة إذا قبلها،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 226

و يكفيه الاذن العام في أن يتولى جميع ذلك. فيصح له أن يهب من ماله و ان يقبل الهبة من غيره.

المسألة السابعة:

تصح الهبة من المريض و ان كانت هبته في مرض موته و ان كان ما وهبه يزيد على مقدار ثلثه من جميع تركته، و قد ذكرنا في كتاب الحجر ان منجزات المريض في مرض موته تصح و تخرج من الأصل.

المسألة الثامنة:

المعروف بين الفقهاء ان الهبة هي تمليك الأعيان، و بذلك عرفها جماعة منهم، و هذه هي الهبة المصطلحة، و لا يبعد القول بصحة الهبة في المنافع أيضا و صحة هبة الحقوق القابلة للنقل، و ان لم تكن من الهبة المعروفة بين الفقهاء، و يدل على صحتهما و نفوذهما عموم أدلة الوفاء بالعقود، و على هذا فيصح للرجل أن يهب صاحبه سكنى داره المعينة مدة ستة أشهر من يوم الهبة أو مدة سنة أو أكثر، و يصح له أن يهبه حقه من التحجير في يوم الأرض المعينة، و يصح للمرأة أن تهب حقها من قسمة ليالي الزوج بين زوجاته لإحدى زوجاته الأخريات فينتقل ملك منفعة الدار الى الموهوب له في المثال الأول و ينتقل اليه حق التحجير في المثال الثاني و ينتقل إلى الزوجة الأخرى حق القسم في المثال الأخير.

المسألة التاسعة:

الأقوى صحة هبة الدين الذي يملكه الإنسان في ذمة غيره مطلقا، فتصح هبة الدين للمدين نفسه، فإذا وهبه الدين الذي في ذمته أفادت الهبة له فائدة إبراء الذمة، فيملك المدين الدين الذي في ذمته و يترتب على ذلك سقوط الدين عنه و براءة ذمته منه، و لا بد في صحة هذه الهبة من قبول المدين أيضا كسائر عقود الهبة، و ان لم يعتبر القبول في الإبراء، و هي في ذلك نظيرة بيع الدين على المدين نفسه و نظيره مصالحة المدين على الدين الذي في ذمته، فلا بد فيهما من قبول المدين و ان أفادا فائدة إبراء الذمة، و قد تقدم ذكرهما في كتاب التجارة و في كتاب الصلح.

و تصح كذلك هبة الدين لغير من عليه الدين، و يكون قبض الموهوب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 227

المعتبر

في صحة الهبة بقبض مصداق الدين و لو بعد حين، فإذا قبل الموهوب له و قبض مصداق الدين صحت الهبة و ملك الموهوب له المال.

المسألة العاشرة:

يشترط في صحة الهبة قبض الموهوب له المال الموهوب، و لا يشترط في قبضه الفورية، بل يصح القبض و تصح الهبة به و ان تأخر عن العقد مدة طويلة، و سنذكره في ما يأتي ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 11:

القبض المعتبر في صحة الهبة هو استيلاء القابض على الشي ء المقبوض و وضع يده عليه سواء كان من المنقول أم من غيره، و قد أوضحناه في المسألة المائتين و الخامسة و الثمانين من كتاب التجارة و أشرنا إليه في مواضع أخرى.

و يحصل قبض الدين بقبض مصداقه، فإذا وهب زيد خالدا دينه الذي يستحقه في ذمة عمرو و هو مائة دينار أو عشرون منا من الحنطة، مثلا، و قبض خالد مصداق الدين من عمرو و لو بعد مدة صحت الهبة و ملك خالد المال الموهوب و يحصل قبض التحجير الموهوب بقبض الأرض المحجرة، و يحصل قبض حق القسم الموهوب للزوجة بوصول الزوج إليها في الليلة المعينة لها. و سيأتي بيان ما يتحقق به قبض المنفعة في كتاب الإجارة ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 12:

يشترط- على الأحوط لزوما- في صحة القبض في الهبة أن يكون القبض باذن الواهب، فلا يكفي قبض الموهوب له المال إذا لم يأذن به الواهب، كما إذا خرج الموهوب له الى المال في موضعه، فاستولى عليه من غير علم الواهب و لا اذنه، فلا بد من تجديد القبض بعد الاذن على الأحوط.

المسألة 13:

إذا وهب المالك لأحد شيئا، و كان الشي ء الموهوب في يد الموهوب له في حال الهبة، فإن دلت القرائن الحافة على إقرار الواهب لهذا القبض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 228

الموجود و اعتباره قبضا مصححا للهبة، كفى ذلك في تحقق الشرط، و لم يحتج معه الى قبض آخر، و لا الى مضي زمان بعد العقد و المال في يد الموهوب له و ان لم تدل القرائن على ذلك، فالأحوط لزوما اعتبار الاذن بعد العقد و مضي زمان يكون فيه المال في يد الموهوب له ليتحقق الشرط بذلك.

المسألة 14:

إذا وهب الأب ولده الصغير شيئا، و كان الشي ء الموهوب في يد الأب، فالأحوط لزوما أن يقصد الأب القبض عن الطفل بعد اجراء عقد الهبة، و لا يكتفي بالقبض الموجود، لأنه قبض لنفسه، لا للطفل الموهوب له، و كذلك إذا وهب الجد أبو الأب شيئا لولد ولده، و الشي ء الموهوب في يد الجد الواهب فعليه أن يقصد بعد الهبة القبض عن الطفل ليتحقق الشرط بذلك، و مثلهما الوصي القيم على الصغير المنصوب من الأب أو من الجد إذا وهب للصغير المولى عليه شيئا مما في يد القيم، فيجري فيه الحكم المذكور على الأحوط بل و لا يترك الاحتياط في هذه الصورة بأن يقبض الحاكم الشرعي أو من يعينه عن الطفل أيضا مع قبض القيم المذكور عنه.

و إذا وهب غير الولي للطفل شيئا فلا بد من قبض الشي ء الموهوب و يتولى ولي الطفل قبول الهبة و القبض بالولاية عليه. و بحكم الطفل المجنون الذي يتصل جنونه بصغره فتكون الولاية عليه للأب و الجد أبى الأب و للقيم المنصوب من أحدهما بعد موتهما، فتجري فيه الفروض المتقدمة و أحكامها.

المسألة 15:

تصح هبة الحصة المشاعة من الشي ء كما إذا وهب الرجل صاحبه نصف داره المعينة أو نصف بستانه المعين، و يحصل قبض الحصة المشاعة الموهوبة بأن يأذن الواهب للرجل الموهوب له في ان يقبض الشي ء بأجمعه، فإذا قبضه كذلك فقد قبض في ضمنه الحصة المشاعة الموهوبة منه.

و يتحقق قبض الموهوب له الحصة الموهوبة كذلك بأن يجعل الواهب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 229

وكيلا في قبض الحصة عنه، فإذا قبضها الواهب بالوكالة عنه صح ذلك و كفى في تحقق الشرط.

المسألة 16:

إذا كانت عين الشي ء مشتركة بين مالكين، فوهب أحدهما حصته من الشي ء لشخص ثالث، أمكن للشخص الموهوب أن يقبض مجموع الشي ء بإذن الشريك، فيتحقق بذلك قبض الحصة الموهوبة في ضمن قبضه للمجموع، فإذا قبض الموهوب له جميع الدار المشتركة، و كان قبضه بإذن الشريك فقد قبض نصفها، و هو الحصة الموهوبة له حسب الفرض.

و إذا قبض المجموع بغير اذن الشريك، تحقق قبض الحصة المشاعة الموهوبة له في ضمنه، فتصح الهبة بذلك لتحقق شرطها و ان كان متعديا و آثما في قبض حصة الشريك بغير إذنه.

المسألة 17:

إذا وهب الرجل لغيره شيئا كليا في الذمة أو كليا في المعين، كما إذا وهبه وزنة من الحنطة في ذمة الواهب، أو وهبه وزنة من الحنطة في هذه الصبرة المعينة، صحت الهبة و أمكن للموهوب له قبض الكلي الموهوب بقبض مصداقه، فإذا دفع اليه الواهب وزنة من الحنطة و قبضها منه تحقق القبض في المثال الأول، و إذا دفع اليه وزنة حنطة من الصبرة المعينة و قبضها تحقق القبض في المثال الثاني، و يتحقق القبض أيضا في مثال الصبرة بقبض جميع الصبرة بإذن مالكها، و بتوكيله في أن يقبض المقدار الموهوب منها بالوكالة عن الموهوب له.

المسألة 18:

لا تشترط المبادرة في قبض الشي ء الموهوب في صحة عقد الهبة، فإذا تأخير القبض لم تبطل الهبة بذلك، و ان تأخر عن العقد مدة طويلة، سواء كان التراخي عن عمد أم عن غفلة أم عن نسيان أم عن غيبة الواهب أو الموهوب له أو المال، فمتى تحقق القبض صحت الهبة إذا لم يفسخ العقد و لم يمت أحد المتعاقدين.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 230

المسألة 19:

لا تنفذ الهبة و لا يترتب عليها الأثر إلا بعد تحقق الشرط و هو القبض، فإذا تأخر القبض مدة و حصل للمال الموهوب نماء قبل القبض فهو للواهب، و إذا حصل القبض و لو بعد مدة تحقق ملك الموهوب له المال من حينه، فإذا تجدد له نماء بعد ذلك فهو للموهوب له.

المسألة 20:

إذا مات الواهب قبل أن يقبض الموهوب له المال بطل عقد الهبة، و كان المال من تركة الواهب، فينتقل الى ورثته من بعده ميراثا، و ليس للموهوب له أن يطالب ورثة الواهب بتسليم المال اليه ليقبضه، و لا يقوم الورثة مقام مورثهم الواهب في ذلك إذا أرادوه، فإذا رغبوا في ذلك أوقعوا له هبة جديدة و مكنوه من قبض المال.

و إذا مات الموهوب له قبل أن يقبض المال من الواهب بطلت الهبة كذلك و لم يصح لورثته أن يطالبوا الواهب بإقباض المال، و ليس للواهب أن يقبضهم لهبة مورثهم، و إذا رغب في ذلك أنشأ لهم هبة جديدة و دفع لهم المال.

المسألة 21:

إذا وهب الرجل شيئين من أمواله لشخصين بعقد واحد، لكل واحد منهما شي ء معين خصه به، فقبل أحد الشخصين الهبة، و قبض الشي ء الموهوب له، و لم يقبل الآخر العقد، أو قبل العقد و لم يقبض المال الموهوب حتى مات هو أو مات الواهب، صحت الهبة في حصة الأول و نفذت، و بطلت في حصة الموهوب له الثاني.

و كذلك الحكم إذا وهبهما شيئا واحدا من ماله: دارا أو بستانا، فقبل أحدهما و قبض حصته من المال الموهوب و لم يقبل الآخر أو قبل العقد و لم يقبض حصته حتى مات هو أو مات الواهب، فتصح الهبة في حصة الأول و تبطل في حصة الثاني.

المسألة 22:

إذا وقع عقد الهبة بين الواهب و الموهوب و حصل القبض صحت الهبة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 231

كما ذكرنا أكثر من مرة، و هاهنا صور تختلف أحكامها بعد ذلك من حيث لزوم الهبة و عدم لزومها.

(الصورة الأولى): أن يكون الموهوب له من أرحام الواهب و ذوي قرباه: أبا أو أما له، أو ولدا، أو أخا، أو قريبا له، و الحكم في هذه الصورة أن تكون الهبة له لازمة من جهة الواهب، فلا يجوز له بعد العقد و القبض أن يرجع في هبته و يسترد المال الموهوب من قريبه.

و يشمل الحكم المذكور من كان بعيدا في قرابته إذا كان ممن يعد رحما للواهب في نظر أهل العرف كابن ابن العم و ابن ابن الخال، فضلا عن جد الجد أو جد الأب، و ابن ابن الأخ أو الأخت، فالرحم شامل لهم جميعا سواء كان الرحم كبيرا أم صغيرا و مسلما أم كافرا، و ذكرا أم أنثى.

و لا يشمل الحكم المذكور من يتصل

بالواهب بالمصاهرة كأبي الزوجة و أمها و أخيها، و كأبي الزوج و أمه و أخيه.

المسألة 23:

إذا وهب الرجل زوجته شيئا من المال أو وهبت المرأة زوجها لم يشملهما الحكم المذكور فيجوز للواهب منهما ان يرجع في هبته للآخر على كراهة، إلا إذا كانا من الأرحام، فلا يجوز للواهب الرجوع.

المسألة 24:

(الصورة الثانية): ان تكون الهبة معوضا عنها، سواء كان العوض الذي دفعه الموهوب له كثيرا أم قليلا، و سواء اشترط عليه في الهبة أن يعوض عنها بشي ء أم لم يشترط عليه ذلك و لكنه أثاب الواهب على هبته فدفع له عوضا عنها. و الحكم في هذه الصورة أن تكون الهبة لازمة من جهة الواهب كذلك، فلا يجوز له الرجوع في الهبة.

و يعتبر في الفرض الأخير من هذه الصورة- و هو ما يدفع فيه الموهوب له الى الواهب عوضا من غير شرط- ان يكون ما يدفعه بقصد التعويض عن الهبة، فلا يكفي ما يدفعه الى الواهب بدون قصد التعويض،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 232

و يعتبر فيه أيضا ان يرضى الواهب بذلك، فلا يكفي إذا دفع الموهوب له عوضا و لم يرض به الواهب.

المسألة 25:

(الصورة الثالثة): ان يقصد الواهب في هبته وجه اللّٰه تعالى و التقرب بالهبة اليه و الحكم في هذه الصورة كذلك ان تكون الهبة لازمة على الواهب فلا يجوز له الرجوع فيها.

المسألة 26:

(الصورة الرابعة): أن تنتفي الحالات الثلاث عن الهبة، فليست هبة لذي قرابة و ليست ذات عوض، و لم يقصد الواهب بها التقرب الى اللّٰه، و الحكم في هذه الصورة انه يجوز للواهب ان يرجع في هبته فيسترد المال الذي وهبه، إذا كان المال الموهوب قائما بعينه كما في النصوص.

و يستثنى من الحكم بجواز الرجوع في الهبة في الصورة المذكورة عدة موارد يأتي ذكرها.

المسألة 27:

إذا تلفت عين المال الموهوب، فليس للواهب ان يرجع في هبته إياها و يسترد من الموهوب له مثلها أو قيمتها، و كذلك إذا تلف بعض المال بحيث صدق مع تلف ذلك البعض ان المال الموهوب ليس قائما بعينه في نظر أهل العرف، فلا يجوز للواهب ان يرجع بالهبة.

المسألة 28:

إذا تصرف الموهوب له في المال الموهوب فنقله عن ملكه ببيع على غيره أو هبة أو صلح، أو وقف المال على بعض المصالح أو على بعض الناس، أو أعتق العبد الموهوب، فهو في حكم التالف، فلا يجوز للواهب أن يرجع في هبته بعد هذا التصرف الناقل، و كذلك إذا نقل بعض المال عن ملكه بحيث يصدق معه ان المال ليس قائما بعينه فلا يجوز له الرجوع في الهبة.

المسألة 29:

إذا تصرف الموهوب له في المال الموهوب تصرفا يغير عين المال و مثال ذلك ان يطحن الحنطة الموهوبة له أو يخبز الدقيق أو يقطع الثوب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 233

و يفصله، أو يمزج المال بغيره مزجا ينتفي معه التمييز بين المالين سواء مزجه بنجسة أم بغير جنسه، فلا يجوز للواهب أن يرجع في هبته بعد هذا التصرف المغير للعين، و كذلك إذا كان التصرف المغير في بعض المال بحيث صدق معه ان العين ليست قائمة فلا يجوز له الرجوع بها.

المسألة 30:

إذا تصرف الموهوب له في المال تصرفا لا تتغير به العين كما إذا لبس الثوب أو غسله و كما إذا ركب الدابة أو علفها أو سقاها أو ركب السيارة أو سكن الدار لم يمنع ذلك من ان يرجع الواهب بهبته، فله ان يسترد المال إذا لم يكن الموهوب له ذا رحم و لم تكن الهبة ذات عوض، و لم يقصد بها التقرب الى اللّٰه كما تقدم بيانه.

المسألة 31:

إذا تصرف الموهوب له في الثوب الموهوب فصبغه أو صبغ السيارة ففي كون ذلك من التصرف المغير للعين اشكال، فلا يترك الاحتياط بعدم رجوع الواهب في الهبة، و بالمصالحة بين الطرفين إذا هو رجع في هبته.

المسألة 32:

إذا جاز للواهب أن يرجع في هبته، صح له أن يرجع بهبته كلها فيسترد جميع المال الموهوب من الشخص الموهوب له، و صح له ان يرجع ببعض هبته فإذا كان قد وهب للشخص شيئين بعقد واحد فله أن يرجع بهبة أحد الشيئين، و يبقى الهبة في الشي ء الثاني، و إذا كان قد وهبه شيئا واحدا فله أن يرجع بهبة بعضه مشاعا و معينا فإذا كان قد وهبه دارا، فله ان يرجع بهبة نصف الدار مشاعا و له أن يرجع بهبة نصفها المحاذي لدار فلان مثلا.

و إذا وهب شيئين لرجلين بعقد واحد و قبضا ما وهب لهما و كانت الهبة جائزة، جاز له أن يرجع في هبة أحد الرجلين دون الآخر.

المسألة 33:

تطلق الهبة على نوعين: معوضة و غير معوضة، و المعوضة من الهبة على نحوين: الأولى هي ما شرط الواهب فيها على الشخص الموهوب له

كلمة التقوى، ج 4، ص: 234

أن يعوضه عن هبته بعوض معين أو غير معين، سواء و في الموهوب له بشرطه أم لم يف و لم يعوض، و تسمى هذه بالهبة المشروطة.

و الثانية هي ما دفع الموهوب له للواهب عوضا عن هبته، قليلا أم كثيرا، سواء شرط الواهب عليه ذلك أم دفع الموهوب له العوض من غير شرط. و تلاحظ المسألة الرابعة و العشرون. و الهبة غير المعوضة هي التي لم يشترط الواهب فيها العوض، و لم يدفع الموهوب له للواهب عنها عوضا.

المسألة 34:

إذا أطلق الواهب هبته و لم يشترط فيها على الشخص الموهوب له أن يدفع اليه عن الهبة عوضا، لم يجب على الموهوب له ان يدفع إليه شيئا على الأقوى، سواء كان الواهب أدنى منزلة من الموهوب له أم كان مساويا له في المنزلة أم ارفع، و ان كان الأحوط استحبابا أن يدفع الموهوب له عوضا للواهب إذا كان الواهب ادنى منه منزلة.

و إذا دفع الموهوب له الى الواهب عوضا عن هبته من غير شرط لم يجب على الواهب أن يقبل العوض المدفوع اليه، و إذا أخذ العوض لزمت الهبة، و لم يجز للواهب ان يرجع بها كما تقدم في المسألة الرابعة و العشرين، و لم يجز للموهوب له ان يرجع بالعوض الذي دفعه على الأحوط بل على الأقوى.

المسألة 35:

إذا شرط الواهب على الشخص الموهوب له في العقد أن يدفع اليه عوضا عن هبته و تم العقد و وقع القبض على ذلك لزم على الموهوب له أن يدفع للواهب العوض المشترط عليه، و يجوز له أن يرد الهبة فإذا هو ردها لم يجب عليه التعويض عنها، و إذا هو لم يرد الهبة و لم يدفع العوض الذي اشترطه الواهب جاز للواهب أن يرجع في هبته كما تقدم بيانه.

المسألة 36:

إذا اشترط الواهب على الموهوب له ان يدفع عن الهبة عوضا، و عين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 235

العوض الذي يدفعه و تم على ذلك الإيجاب و القبول و وقع عليه القبض، تعين على الموهوب له دفع العوض المعين، إذا هو لم يرد الهبة على الواهب.

و إذا أطلق الواهب و لم يعين عوضا خاصا، أجزأ الموهوب له أن يدفع للواهب شيئا يسيرا عوضا عن هبته، الا أن تقوم قرينة خاصة أو عامة من عادة و نحوها على أن يكون العوض المدفوع بمقدار المال الموهوب مثلا أو قيمة أو أكثر منه، فيتعين على الموهوب له ذلك، و يجوز له ان يرد الهبة كما تقدم فلا يجب عليه دفع العوض.

المسألة 37:

إذا أراد الواهب أن يشترط في عقد الهبة على الموهوب له أن يدفع له عوضا عن هبته، فيمكن له أن يشترط عليه ان يدفع العوض على وجه الهبة، فيقول له مثلا: وهبتك هذه الدار المعينة، بشرط أن تهبني دارك المعينة في الكوفة عوضا عن ذلك، فيكون مضمون العقد هبة في مقابلة هبة، فإذا قبل صاحبه بالشرط و وهب له داره في الكوفة فقد دفع اليه العوض المشترط عليه، و يشترط القبض في صحة الهبة الثانية كما يشترط في صحة الهبة الأولى.

و يصح للواهب ان يشترط على الموهوب له ان يبيع عليه شيئا معينا بثمن معين أو بثمن مثله، فيقول له مثلا وهبتك هذه الدار المعلومة بشرط أن تبيعني بستانك الواقع في كربلاء بألف دينار، أو يقول له بشرط أن تبيعني البستان بالثمن الذي يقومه به أهل الخبرة، فيكون المضمون هبة مشروطة ببيع، فإذا قبل الموهوب له بذلك، ثم باعه البستان بالثمن المحدد فقد وفي له بالشرط و

دفع اليه عوض الهبة.

و يجوز له ان يشترط على الموهوب له ان يملكه شيئا معينا بالصلح، أو يصالحه على أمر، فيقول له مثلا وهبتك هذه السلعة بشرط أن تصالحني عن سيارتك المعينة بسيارتي هذه، أو يقول له: بشرط ان تصالحني عن حقك في الشفعة في البستان الذي اشتريته في الكوفة، فيكون المضمون هبة مشروطة بصلح، فإذا قبل صاحبه العقد المشروط ثم صالحه كما طلب فقد وفى بشرطه و أعطاه عوض هبته.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 236

و يجوز له أن يشترط على الموهوب له أن يبرئه من دين له في ذمته، أو يسقط له حقا ثبت له عليه، فيقول له وهبتك هذا المتاع بشرط ان تبرئ ذمتي من دينك الذي تستحقه علي، أو من نصفه، أو بشرط ان تؤجلني به الى سنة، أو يقول له بشرط أن تسقط خيارك في الدار التي اشتريتها منك، فيكون مضمون العقد هبة مشروطة بإبراء ذمة أو بإسقاط حق، فإذا قبل الموهوب له العقد و أبرأ ذمة الواهب من الدين أو أجله فيه أو أسقط له الخيار فقد وفى له بما اشترط و دفع له عوض الهبة.

و يصح له ان يشترط على الموهوب له أن يعمل له عملا فيبني له داره أو يقوم له بعمل خاص، فيقول له: وهبتك هذا الشي ء بشرط ان تتجر لي في بضاعتي مدة شهر، أو بشرط أن تدافع عني في مرافعتي مع فلان، فيكون مضمون العقد هبة مشروطة بعمل، فإذا قبل الموهوب له العقد و قام للواهب بالعمل الذي طلب منه فقد وفى بالشرط و دفع اليه العوض. و هكذا.

المسألة 38:

إذا وهب رجل امرأة دارا له أو عقارا، و اشترط على المرأة في عقد الهبة أن

تزوجه نفسها و قبلت المرأة الهبة منه و الشرط، و قبضت المال الموهوب على ذلك، لزم عليها أن تفي للواهب بالشرط سواء كان قد عين لها مقدار الصداق في اشتراطه التزويج بها أم ترك الخيار لها في تقديره، فقال لها- مثلا- وهبتك الدار المعينة، بشرط أن تزوجيني نفسك على صداق قدره ألف دينار، أو قال بشرط أن تزوجيني نفسك على ما تعينين من الصداق.

فإذا قبلت بذلك و قبضت الدار الموهوبة، صحت الهبة و صح الشرط، و كان مضمون العقد هبة في مقابلة عقد نكاح، فإذا هي زوجته نفسها، فقد دفعت اليه عوض الهبة الذي اشترطه عليها، فلا يحق للرجل أن يرجع في هبته إياها، و يجوز للمرأة أن ترد الهبة على الرجل فلا يجب عليها دفع العوض المشترط كما ذكرنا مرارا، و إذا هي لم ترد الهبة على الرجل و لم تزوجه نفسها جاز للرجل أن يرجع في هبته.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 237

المسألة 39:

إذا وهب الرجل رجلا آخر دارا أو عقارا مثلا و اشترط عليه في عقد الهبة أن يزوجه بنته الصغيرة، و قبل الموهوب له الهبة منه و الشرط و حصل القبض على ذلك، و كانت شروط تزويج الواهب بالصغيرة متوفرة فشروط الولاية على البنت تامة في أبيها الموهوب له، و لا مفسدة في تزويج الواهب بها.

أقول: إذا تحقق في الفرض جميع ذلك صحت الهبة و صح الشرط، و وجب على الأب الموهوب له ان يزوج بنته الصغيرة من الواهب، و يجوز له أن يرد الهبة، فلا يجب عليه الوفاء بالشرط.

و إذا زوجه الصغيرة كما اشترط لزمت الهبة على الواهب فلا يجوز له ان يرجع بها، و إذا لم يرد الموهوب له الهبة

و لم يف للواهب بالشرط، كان للواهب ان يرجع بالهبة، و الأمر في الصداق كما تقدم.

المسألة 40:

إذا اشترط الواهب على الرجل الموهوب له في العقد أن يزوجه بنته الرشيدة، و كانت البنت قد أوكلت أمر تزويجها إلى أبيها، بحيث كان أبوها الموهوب له مستجمعا لشروط الولاية على البنت و الوكالة منها، كان له أن يقبل الشرط، و إذا هو قبل الهبة و قبل الشرط جرى فيه الحكم المتقدم في المسألة السابقة سواء بسواء.

المسألة 41:

إذا اشترط الرجل الواهب على الموهوب له في العقد أن يزوجه أخته أو بنته التي لا ولاية له عليها لم يكن له أن يقبل الشرط من الواهب لعدم قدرته على الوفاء به و كانت الهبة باطلة لعدم قبول الموهوب له.

المسألة 42:

إذا وهبت المرأة لرجل شيئا من مالها و اشترطت عليه في عقد الهبة ان يتزوج بها، جاز للموهوب له أن يقبل الهبة و يقبل الشرط إذا لم يكن له مانع شرعي من التزوج بها، و إذا قبل الهبة و الشرط و قبض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 238

المال الموهوب وجب عليه الوفاء بالشرط على النحو المتقدم و تترتب عليها الآثار المتقدم بيانها.

المسألة 43:

إذا وهب الرجل غيره شيئا من ماله و اشترط عليه في عقد الهبة شيئا يعود نفعه الى شخص ثالث، و مثال ذلك أن يهبه سلعة، و يشترط على الموهوب له ان يهب زيدا و هو غيرهما عينا مخصوصة من مال الموهوب له، أو يبرئ زيدا من دين يستحقه في ذمته أو يسقط له حقا من حقوقه، أو يشترط عليه ان يبيع على الشخص المذكور شيئا معينا من ماله أو أن يصالحه في شي ء أو أن يزوجه بنته، فهل يكون ذلك من التعويض المتقدم بيانه و تترتب عليه لوازمه؟.

قد يقال بذلك، فان الوفاء بالشرط الذي يشترطه الواهب غاية من غاياته، و قد يترتب عليه غرض لاحظه أو مثوبة يرجوها، و ان لم يعد اليه نفع الشرط بحسب الظاهر، و لكن المسألة مشكلة، فلا يترك فيها الاحتياط، و أشد من ذلك اشكالا ما إذا كان الشرط الذي يشترطه الواهب مما يعود نفعه الى الشخص الموهوب له بنفسه، فلا تترك فيه مراعاة الاحتياط.

المسألة 44:

إذا تم الإيجاب و القبول في عقد الهبة، و قبض الشخص الموهوب له المال، صحت الهبة، و ترتب أثرها، فملك الموهوب له المال، و ملك كل نماء يتجدد للمال بعد العقد و القبض، فإذا كان المورد مما يجوز للواهب فيه أن يرجع في هبته، فرجع في الهبة و استرد المال الموهوب، لم يسترجع معه نماءه المنفصل الذي تجدد بعد العقد و القبض، كالولد، و اللبن الذي انفصل عن الضرع، و الثمر الذي جذ من النخيل أو قطف من الشجر، و لم يسترجع معه النماء الذي يكون في حكم المنفصل كالحمل في بطن الدابة، و اللبن في الضرع و الثمر على النخيل أو على الشجر قبل

جذاذه و قطافه.

و اما النماء المتصل كالطول و الكبر في الحيوان و الشجر، و كالسمن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 239

في الحيوان، و كالنمو و بلوغ الثمرة في الشجر، و نحو ذلك، فهو تابع للعين، فإذا استرد الواهب عين المال استرد معها هذه النماءات المتصلة.

المسألة 45:

إذا كان السمن في الحيوان أكثر مما يتعارف في مثله، فالأحوط المصالحة عنه بين الموهوب له و الواهب إذا هو رجع في هبته و استرد المال.

و كذلك في الصوف و الوبر و الشعر في الحيوان، و نحو ذلك من النماءات المتصلة و لكنها تصلح للانفصال، فالأحوط المصالحة عنها بين الموهوب له و الواهب إذا هو رجع في الهبة و استرد المال الموهوب.

المسألة 46:

إذا رجع الواهب في هبته حيث يجوز له ذلك و وجد المال الموهوب معيبا، استرد العين القائمة و لم يستحق أرشا على العيب الذي وجده فيها.

المسألة 47:

إذا تم عقد الهبة و قبض الموهوب له المال ثم مات الواهب، لزمت الهبة و لم يجز لورثة الواهب الرجوع فيها و ان كانت الهبة لأجنبي و غير معوضة، أو كانت مشروطة و لم يف الموهوب له بالشرط فلا يقوم ورثة الواهب مقام أبيهم في جواز الرجوع بالهبة.

و إذا مات الشخص الموهوب له- في مثل الفرض المذكور- لزمت الهبة كذلك، و انتقل المال الموهوب الى ورثته، و لم يجز للواهب أن يرجع في الهبة و يسترد المال، و أولى من ذلك بالحكم ما إذا مات المتعاقدان كلاهما و بقي ورثتهما، فلا يجوز الرجوع بالهبة.

المسألة 48:

إذا وهب الإنسان لغيره شيئا، و قبض الشخص الموهوب له المال، و كانت الهبة لازمة، لأن الرجل الموهوب له ذو قرابة من الواهب، أو لأن الهبة قد عوض عنها، أو لأن الواهب قد قصد بها التقرب الى اللّٰه، لم يجز للواهب أن يتصرف في المال الموهوب ببيع أو صلح أو إجارة أو رهن أو غير ذلك، فإذا باع العين الموهوبة كان البيع فضوليا، فان أجازه الموهوب له صح و الا كان باطلا، و كذلك إذا صالح عليه أحدا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 240

أو آجره إياه أو رهنه عنده كان تصرفه فضوليا لا يصح الا بإجازة الموهوب له.

المسألة 49:

إذا وهب الإنسان شيئا لغيره كذلك و كانت الهبة غير لازمة، ثم باع الواهب عين المال فان كان حينما باع المال الموهوب ذاكرا لهبته غير غافل عنها و لا ناس لها، فالظاهر صحة بيعه و يكون بيعه المال رجوعا منه في الهبة.

و إذا كان حينما باع المال ناسيا لهبته أو غافلا عنها، ففي كون البيع في هذه الحال رجوعا في الهبة إشكال، و لا بد في هذا الفرض من مراعاة الاحتياط و لو بالمصالحة من الطرفين.

المسألة 50:

إذا كانت الهبة غير لازمة، و أراد الواهب أن يرجع بها، فيمكن له أن ينشئ الرجوع بالقول، فيقول: رجعت بهبتي لفلان، أو فسخت عقد الهبة بيني و بينه، أو غير ذلك من الألفاظ التي تؤدي المعنى المراد.

و يمكن له أن ينشئ الرجوع بالفعل، فيأخذ عين المال الموهوب من يد الموهوب له بقصد فسخ العقد، أو يبيع العين على غيره بقصد الرجوع بالهبة، أو يؤجر العين، أو يرهنها أو يملكها لغيره بالمصالحة أو يوقف العين أو يعتق العبد الموهوب، و يقصد في جميع هذه الأفعال الرجوع بالهبة.

المسألة 51:

لا يشترط في صحة رجوع الواهب في هبته ان يعلم الموهوب له برجوعه فيها، فإذا أنشأ الرجوع فيها بالقول أو بالفعل صح ذلك و ان لم يعلم الموهوب له برجوعه.

المسألة 52:

قد ذكرنا في المسألة الخامسة و العشرين: ان من الهبات اللازمة التي لا يجوز للواهب الرجوع فيها: الهبات التي يقصد الواهب بها وجه اللّٰه سبحانه و يتقرب بها اليه، و ذكرنا في أول كتاب الهبة: ان الهبة المبحوث

كلمة التقوى، ج 4، ص: 241

عنها في هذا الكتاب و التي تذكر فيه أحكامها تخالف الصدقة في المعنى و الفرق بين المعنيين واضح لا ينبغي ان يخفى.

فالصدقة في واقع أمرها إحسان من المعطي الى الفقير على وجه القربة، فقد تكون إحسانا إليه بتمليك المال له و مواساته به، و قد تكون إحسانا إليه بصرف المال عليه بإطعام أو اكساء أو إسكان أو شبه ذلك من غير تمليك، و قد تكون إحسانا إليه بإبراء ذمته من دين أو حق، و كلها إعطاء و إحسان و مواساة تختلف في لب معناها المقصود عن نوع الإعطاء و نوع الإحسان و نوع المواساة في الهبة.

و الهبات التي يتقرب بها الى اللّٰه سبحانه و يقصد بها وجهه الكريم كثيرة، و هي متفاوتة في الفضل و تحصيل الزلفى لديه.

فالهبة للأبوين و الهدية لهما من أفضل ما يتقرب به الولد الى اللّٰه و يقصد به وجهه، فهي صلة لهما و من أجلى مظاهر البر و الرحمة بهما و الإحسان إليهما، و قد تواترت الأدلة في فضل ذلك و الأمر به و البحث الشديد عليه، و خصوصا البر بالأم و صلتها و الإحسان إليها.

و كذلك الهبة للأولاد: البنين و البنات، فقد تكثرت الأدلة و تنوعت

في الدلالة على الرأفة بهم، و الرفق بهم في شؤونهم، و الإحسان إليهم و لا سيما الضعفاء المحتاجون منهم.

و صلة الأرحام و البر بهم و التكريم لهم و القيام بتسديد حوائجهم و اعوازهم، فهي من كبير ما يتقرب به العبد الى اللّٰه، و عظيم ما يوجب الزلفة عنده، و الأدلة على ذلك كثيرة وفيرة.

و في أحاديث العترة الطاهرة من أهل البيت (ع): ان صلة الرحم أعجل الطاعات ثوابا، و معنى ذلك أن من وصل رحمه ينال ثواب صلته في الدنيا قبل الآخرة، كما ان قطيعة الرحم من اعجل الخطيئات عقوبة.

فقد ورد عن الامام محمد بن علي الباقر (ع) عن كتاب علي (ع): ان أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم، و ان القوم ليكونون فجارا، فيتواصلون فتنمي أموالهم و يثرون، و ان اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 242

و من عظيم القربات الى اللّٰه الصلة و البر بالإخوان في اللّٰه من المؤمنين و ان لم يكونوا أرحاما و أقرباء، و خصوصا أهل العلم و التقوى منهم، المقربون عند اللّٰه و ذوو المنزلة لديه و الذين يكون التقرب منهم تقربا الى اللّٰه، و إدخال السرور عليهم إدخالا للسرور على المعصومين ساداتهم.

و من القربات الكبيرة الى اللّٰه: الصلة و الهدايا للذرية الطيبة من ولد الرسول (ص) و أبناء الأئمة الهداة (ع) من المؤمنين المتقين الذين تكون صلتهم صلة لأجدادهم الطاهرين صلوات اللّٰه و سلامه عليهم أجمعين.

المسألة 53:

يجوز للأب أن يخص بعض أولاده بالهبة أو العطية، و لا يهب و لا يعطي الآخرين منهم إذا كان لمن وهب له أو أعطاه مزية في العلم أو التقوى أو إحدى المميزات الشرعية الأخرى، لا

توجد في غيره منهم، و يجوز له أن يهب للجميع و يعطيهم، و يفضل صاحب المزية بزيادة على من سواه، بل الظاهر انه يجوز له ان يخصه بالهبة أو يفضله على غيره إذا كانت له احدى المميزات المحمودة بين العقلاء و ان لم تكن شرعية و يجوز له أن يخص بعضهم كذلك بالعطية، أو يفضله على غيره، مع التساوي و عدم المزية، على كراهة في ذلك و لعل الكراهة تكون أشد إذا كان غير المخصوص أو المفضل هو صاحب المزية.

و يحرم التخصيص أو التفضيل إذا كان ذلك يوجب وقوع البغضاء و الحقد و العداء و الفتنة بينهم، و الأحوط لزوما اجتنابه إذا كان مظنة لوقوع ذلك، أو كان سببا لانحراف الآخرين منهم و وقوعهم في الضلال بل الظاهر التحريم في الفرض الأخير إذا علم بوقوع ذلك.

المسألة 54:

إذا كانت الهبة مما يجوز للواهب أن يرجع بها، ثم اشترط الشخص الموهوب له على الواهب في ضمن احد العقود اللازمة ان لا يرجع في هبته، و قبل الواهب بذلك، وجب على الواهب أن يفي له بالشرط فلا يجوز له ان يرجع بالهبة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 243

المسألة 55:

يكره للواهب أن يرجع في هبته حيث تكون الهبة جائزة يصح له الرجوع فيها، فقد ورد عن الإمام أبي عبد اللّٰه (ع) قال قال رسول اللّٰه (ص) من رجع في هبته كالراجع في قيئه.

المسألة 56:

لا يشترط في صحة الهبة ان يعلم الواهب و الموهوب له بمقدار المال الموهوب، فإذا وهبه ما في الكيس، أو وهبه هذه الصبرة من الطعام و هما لا يعلمان مقدار ما في الكيس من المال، و ما تحتوي عليه الصبرة من الطعام، صحت الهبة، و كذا إذا وهبه نصف الصبرة أو ربعها، و هما لا يعرفان بمقدارها حتى يعرفا مقدار النصف أو الربع الموهوب منها، أو وهبه ما في ذمته من الدين و قد نسي الطرفان مقدار الدين، فتصح الهبة في جميع هذه الفروض.

نعم لا بد من تعيين الجزء إذا وهبه جزءا مشاعا من الشي ء، فلا يصح ان يهبه جزءا من الدار و لا يعين أن الجزء الموهوب هو ثلث الدار أو ربعها. و لا بد من تعيين المقدار إذا وهبه كليا في ذمة الواهب، فلا يصح أن يهبه مقدارا كليا من الحنطة في الذمة من غير أن يعين المقدار، منا واحدا أو عشرة أمنان.

المسألة 57:

إذا وهب الرجل غيره شيئا معينا، و قبض الموهوب له المال الموهوب، ثم استبان بعد ذلك ان المال الموهوب ملك غير الواهب، بطلت الهبة، و جاز لمالك المال ان يأخذ ماله حيث وجده، و إذا كان المال تالفا، جاز لمالكه ان يرجع بمثله إذا كان مثليا و بقيمته إذا كان قيميا.

و يتخير في أن يرجع بذلك على الواهب أو على الموهوب له، و إذا رجع المالك به على الموهوب له، جاز لهذا أن يرجع على الواهب بما غرم للمالك. لأنه مغرور من قبله.

المسألة 58:

إذا وهب الرجل غيره شيئا كليا، و دفع الى الموهوب له فردا خاصا من الكلي، و بعد أن قبضه الموهوب له ظهر ان الفرد المدفوع اليه ملك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 244

غير الواهب، جاز للمالك أن يأخذ ما يملكه و هو الفرد المدفوع، و جاز للواهب أن يدفع للموهوب له فردا غيره، و إذا دفعه اليه تحقق بذلك القبض، و صحت الهبة، و يجوز له ان لا يدفع إليه شيئا لعدم تحقق القبض بالدفع الأول فلم تصح الهبة لعدم شرطها.

المسألة 59:

إذا وهب أحد غيره مالا معينا، فأتلف الشخص الموهوب له عين المال الموهوب، فالظاهر بطلان الهبة، لعدم تحقق شرط صحتها و هو القبض، و إتلاف الشخص الموهوب له المال لا يعد قبضا له لتصح الهبة بذلك، و على الموهوب له ضمان المال الذي أتلفه لمالكه و هو الواهب، فيدفع له مثله إذا كان مثليا، و قيمته إذا كان قيميا.

المسألة 60:

إذا دفع الشخص الموهوب له الى الواهب عوضا عن هبته و قبضه الواهب ثم ظهر ان العوض مملوك لغير دافعه، جاز لمالكه أن يأخذ عين ماله حيث وجدها إذا كانت موجودة، و إذا كان المال تالفا جاز لمالكه أن يرجع بمثله أو قيمته، و يتخير في ان يرجع بذلك على الواهب أو على الموهوب له و إذا رجع به على الواهب رجع الواهب على الموهوب له بما اغترم، و صارت الهبة غير معوضة.

و الحمد للّٰه رب العالمين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 245

كتاب الإجارة

اشارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 247

كتاب الإجارة و هو يحتوي على عدة فصول:

الفصل الأول في العقد و ما يعتبر فيه و في صحته
المسألة الأولى:

الإجارة هي المعاوضة على المنفعة، سواء كانت المنفعة عملا أم غيره من الفوائد التي ينتفع بها من الشي ء، كسكنى الدار، و عرض المبيعات، و التكسب بالبيع و الشراء في الحانوت أو المحل، و ركوب الدابة أو السيارة أو السفينة.

و الإجارة قد تتعلق بأعيان أموال يملكها الشخص المؤجر، فتوجب نقل ملك المنفعة المقصودة لتلك الأعيان لمن استأجرها بالعوض المعين، و قد تتعلق بنفس انسان حر أو عبد، فتوجب ملكية عمله المعين المقصود لمن استأجره بالعوض المعين، و على وجه الاجمال، فوضوح مفهوم الإجارة بين الناس و عند أهل العرف و العقلاء منهم يغني عن الإطالة في شرح مفهومها و بيان تعريفها، و انها عقد من العقود، فكل ذلك واضح لا خفاء فيه.

المسألة الثانية:

لا بد في عقد الإجارة من الإيجاب و القبول، و الإيجاب فيها هو اللفظ الدال على إنشاء العلاقة بين الشخص المستأجر و العين المستأجرة، أو النفس المؤجرة بالعوض المعين، و هذه العلاقة المنشئة تستتبع تمليك المنفعة المقصودة للمستأجر في إجارة العين، و تستتبع تمليك العمل المعين للشخص في إجارة النفس و اللفظ الصريح في هذا المعنى، هو أن يقول

كلمة التقوى، ج 4، ص: 248

الموجب للمستأجر: آجرتك هذه الدار أو هذا الدكان أو هذا البستان مدة شهر مثلا بعشرين دينارا، أو يقول: أكريتك الدار أو العقار، أو يقول له: آجرتك نفسي مدة شهر، لبناء الدار المعينة بمائة دينار.

و القبول هو اللفظ الدال على الرضا بما أنشأه الموجب من العلاقة و ما يتبعها من تملك منفعة أو تملك عمل بالعوض المعين، و اللفظ الصريح في هذا المعنى، هو أن يقول المستأجر: قبلت، أو رضيت، أو استأجرت أو استكريت و ليس من العبارة الصريحة أن يقول

الموجب للمستأجر: ملكتك سكنى الدار مدة شهر بعشرين دينارا مثلا، فيقول المستأجر تملكت المنفعة أو يقول قبلت تملكها بالعوض المعلوم، و ان كان الظاهر صحة العقد بذلك، و يشكل الحكم بالصحة إذا قال المؤجر: بعتك منفعة الدار أو قال بعتك سكناها مدة شهر بعشرين دينارا، و الأحوط تركه.

المسألة الثالثة:

يصح إنشاء عقد الإجارة بأي لفظ يكون دالا على المعنى المذكور بحسب المتفاهم العرفي بين الناس و ان كان بلغة غير عربية، و يكتفى من الأخرس و من يتعذر عليه النطق بالإشارة المفهمة للمعنى، فتكون الإشارة قائمة مقام اللفظ في ذلك و يصح بها العقد في الإيجاب و القبول.

المسألة الرابعة:

الأقوى كفاية المعاطاة في عقد الإجارة، فإذا دفع مالك العين داره المعينة أو دكانه أو أي عين أخرى ذات منفعة إلى المستأجر بقصد إنشاء العلاقة المذكورة بين المستأجر و العين المستأجرة، و يقصد تمليك منفعتها المعينة بالعوض المعلوم، و تسلم المستأجر منه العين بقصد إنشاء القبول صح العقد.

و كذلك في إجارة النفس للعمل، فإذا شرع العامل في العمل المستأجر عليه و جعل نفسه تحت اختيار المستأجر للخدمة مثلا أو للعمل المعين، و استولى المستأجر عليه لاستيفاء العمل منه وقعت المعاطاة و صحت الإجارة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 249

المسألة الخامسة:

الأحوط لزوما ان لا يتقدم القبول على الإيجاب في عقد الإجارة- ان لم يكن ذلك هو الأقوى- و قد تقدم في صيغة البيع نظير ذلك.

و يصح ان يقع الإيجاب من المستأجر للعين و القبول من المؤجر، فيقول مستأجر الدار لمالكها: استأجرت دارك المعينة للسكنى فيها مدة شهر بعشرين دينارا، فيقول صاحب الدار قبلت ذلك أو رضيت به، و يقول المستأجر للمؤجر، آجرتك مدة شهر لتعمل لي العمل المعين بعوض كذا فيقول المؤجر: قبلت أو رضيت بذلك أو آجرتك نفسي لذلك.

المسألة السادسة:

يشترط في صحة عقد الإجارة أن يكون المتعاقدان- و هما المؤجر و المستأجر- بالغين، فلا يصح العقد إذا كانا صغيرين غير مميزين، أو كان أحدهما صغيرا غير مميز، فلا تصح الإجارة إذا وقع العقد منهما و هما كذلك، و لم يوقعها الولي عنهما، و ان بعد الفرض، و لا يصح العقد كذلك- على الأحوط لزوما- إذا كانا معا صغيرين مميزين، أو كان أحدهما صغيرا مميزا.

و يشترط في صحة العقد أن يكونا عاقلين، فلا يصح إذا كانا معا مجنونين غير مميزين، أو كان أحدهما كذلك، و لا يصح- على الأحوط لزوما- إذا كانا مجنونين و كان جنونهما غير رافع للتمييز، أو كان أحد المتعاقدين كذلك.

المسألة السابعة:

إذا كان الصبي مميزا، و قام وليه بالمعاملة في إجارة دار يملكها الصبي مثلا، حتى أتم مقدمات المعاملة بينه و بين المستأجر، ثم وكل الولي الصبي في إنشاء صيغة الإجارة، فأجراها الصبي بالوكالة عن الولي على الوجه الصحيح، فالظاهر صحة الإجارة.

و يصح أن يتولى الصبي المميز اجراء عقد الإجارة على مال غيره إذا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 250

و كله مالك المال فأجرى العقد بالوكالة عنه على الوجه الصحيح، و ان لم يأذن له الولي بذلك، و قد تقدم نظير ذلك في كتاب التجارة.

المسألة الثامنة:

يشترط في كل واحد من المؤجر و المستأجر أن يكون قاصدا للمعنى المراد حين إنشائه عقد الإجارة، فإذا أنشأ الموجب اللفظ و هو غير قاصد لإيجاد المعنى المقصود في المعاملة- كما إذا نطق باللفظ و هو هازل في قوله أو ساه أو غالط- وقع باطلا، و كذلك القابل، فإذا نطق بلفظ القبول و هو غير قاصد المعنى وقع باطلا.

المسألة التاسعة:

يشترط في كل واحد من المتعاقدين أن يكون مختارا في إجراء المعاملة، فلا تصح الإجارة إذا كان كلا المتعاقدين أو كان أحدهما مكرها على فعله، و قد تقدم بيان معنى الإكراه في فصل شرائط المتعاقدين من كتاب التجارة، فلتراجع، و لتراجع المسائل المتعلقة بذلك فإن أكثرها جارية هنا.

المسألة العاشرة:

إذا أنشأ الموجب الإجارة و هو مكره على فعله، ثم ارتفع عنه الإكراه بعد ذلك، و رضي بإجارته الأولى و أجاز عقده فيها مختارا صح العقد و ترتب عليه أثره، و كذلك القابل إذا أنشأ القبول مكرها ثم أجاز العقد بعد ان ارتفع الإكراه عنه، فينفذ العقد و يترتب عليه أثره، و من ذلك يتضح ان الاختيار شرط للنفوذ.

المسألة 11:

إذا أنشأ المؤجر أو المستأجر عقد الإجارة مكرها على الفعل، و كان الإكراه بحق، فالإجارة صحيحة نافذة، و مثال ذلك أن يكون زيد قد اشترط على عمرو في ضمن عقد لازم أن يؤجره داره مدة سنة مثلا، و قبل عمرو بالشرط، ثم امتنع بعد ذلك عن الوفاء بالشرط، فأجبره الحاكم الشرعي على الوفاء، فيصح العقد و ان كان المؤجر مكرها على الفعل، و كذلك إذا كان الشرط على المستأجر فامتنع عن الاستيجار و أجبره الحاكم على الوفاء بالشرط.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 251

المسألة 12:

إذا اضطر الرجل إلى إجارة داره مثلا، كما إذا كان مدينا أو أجبره متسلط على دفع مبلغ ظلما، فاضطر بسبب ذلك الى إجارة داره أو عقاره لتسديد المبلغ للدائن أو للمتسلط، فالإجارة صحيحة، و قد سبق نظير ذلك في كتاب التجارة.

المسألة 13:

يشترط في صحة عقد الإجارة أن يكون المؤجر أو المستأجر غير محجور عليه لسفه، فلا يصح للسفيه المحجور عليه ان يؤجر داره أو شيئا من أمواله، و إذا آجره و هو كذلك، وقعت الإجارة باطلة، إلا إذا أذن له الولي، فأوقع الإجارة بإذنه، أو أوقع الإجارة ثم أجاز الولي إجارته بعد العقد، و كذلك في المستأجر إذا كان سفيها محجورا عليه، فلا يصح عقده إلا بإذن وليه قبل العقد أو بإجازته بعد العقد.

و الأحوط لزوما أن لا يؤجر السفيه نفسه لعمل يكتسب به، الا إذا أذن له الولي بذلك قبل العقد، أو أجاز إجارته نفسه بعد العقد.

المسألة 14:

يشترط في صحة عقد الإجارة أن لا يكون أحد المتعاقدين محجورا عليه لفلس، فلا يصح للمفلس المحجور عليه أن يؤجر داره أو شيئا من أمواله إلا بإذن الغرماء، أو إجازتهم لمعاملته بعد وقوع العقد، و يصح له أن يؤجر نفسه لعمل عند أحد أو لخدمة.

المسألة 15:

يشترط في صحة عقد الإجارة أن لا يكون أحد المتعاقدين عبدا مملوكا فلا يصح للعبد ان يؤجر شيئا من أمواله أو يؤجر نفسه لخدمة أو لعمل، أو يؤجر مال سيده أو يؤجر مال غير سيده إلا إذا أذن له سيده بذلك قبل العقد أو أجاز معاملته بعد وقوع العقد، و إذا كانت المعاملة على مال غير سيده فلا بد من اذن مالك المال أو إجازته مضافا الى إذن سيده أو إجازته.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 252

المسألة 16:

يشترط في العين المستأجرة أن تعين في عقد الإجارة إذا كانت الأفراد التي يراد اجارة أحدها مختلفة في الصفات التي يرغب فيها المستأجرون، فإذا قال المالك للمستأجر: آجرتك احدى هاتين الدارين أو أحد هذين الدكانين، فان كانت الداران أو الدكانان اللذان يعينهما مختلفين في الصفات المرغوبة، فلا بد من تعيين الدار أو الدكان في عقد الإجارة و إذا لم يعين الفرد الذي تراد إجارته كانت الإجارة باطلة.

و إذا كان الفردان اللذان يعينهما متساويين في الصفات المرغوبة في الإجارة، فالظاهر الصحة و يتخير المستأجر بين الدارين أو الدكانين، و كذلك الحكم إذا آجره احدى السيارتين أو أحد العبدين و غير ذلك.

المسألة 17:

يشترط في العين المستأجرة أن تكون معلومة عند كلا المتعاقدين، اما بالمشاهدة إذا كانت العين حاضرة، و اما بذكر أوصافها التي يرتفع بذكرها الجهل، و التي تكون وجودها و نقصها موجبا لاختلاف رغبة الناس في إجارتها، و هذا إذا كانت العين غائبة أو كانت كلية، فلا تصح اجارة دار أو دكان مثلا، و هو غير مشاهد و لا موصوف.

المسألة 18:

يشترط في العين المستأجرة أن تكون مقدورا على تسليمها للمستأجر، فلا تصح إجارة دابة شاردة أو سيارة مسروقة، أو عبد آبق، إلا إذا استطاع المؤجر تسليمه للمستأجر بحيث لا تفوته المنفعة المقصودة.

و لا تصح اجارة العبد الآبق مع الضميمة- على الأحوط لزوما- بل لعله هو الأقوى.

المسألة 19:

يشترط في العين التي يراد استيجارها أن تكون مما يمكن الانتفاع بها مع بقائها.

و هذا الشرط ينحل في حقيقته الى شرطين، الأول: أن تكون العين ذات منفعة ممكنة الحصول، فلا تصح اجارة العين إذا انعدمت منها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 253

المنفعة المقصودة و مثال ذلك ان تستأجر أرض للزراعة فيها، و هي مما يتعذر وصول الماء إليها، و لا يوجد الماء الكافي لسقيها من مطر و غيره، أو تكون مما يتعذر نمو الزرع فيها لغلبة الملح عليها و كثرة السبخ فيها، و مثال ذلك أيضا ان تستأجر دار للسكنى فيها و هي مما ينعدم وجود الماء فيها و في ما حولها للشرب و الاستعمال و لا يمكن نقل الماء إليها و لا خزنه فيها أو تكون مما تنعدم فيها احدى الضرورات الأخرى للحياة.

الشرط الثاني ان تكون، العين مما ينتفع بها مع بقائها، فلا يصح ان يستأجر الشي ء الذي لا ينتفع به الا بإذهاب عينه كالخبز لا ينتفع به الا بأكله و ماء الشرب لا ينتفع به الا بشربه، و الحطب و النفط و الغاز لا ينتفع به الا بوقده و اشعاله و حرقه.

المسألة 20:

يشترط في العوضين في عقد الإجارة، و هما المنفعة التي يطلبها المستأجر، و بدل الإجارة الذي يطلبه المؤجر: أن يكونا مملوكين، فلا تصح الإجارة إذا كانت المنفعة أو الأجرة ملكا للغير، الا على نحو العقد الفضولي و سيأتي بيانه ان شاء اللّٰه تعالى.

و يتحقق ملك المنفعة بتبع ملك العين المستأجرة، فمن ملك الدار مثلا أو الأرض ملك منفعتهما بالتبع، و يتحقق ملك المنفعة أيضا باستئجار العين، فمن استأجر دار زيد منه مدة سنة مثلا، ملك سكنى الدار في تلك المدة المحدودة،

فإذا لم يشترط المؤجر عليه أن يستوفي سكنى الدار بالمباشرة و لم يكن ذلك هو الذي ينصرف إليه إطلاق العقد، جاز له أن يملك سكنى الدار لغيره بإجارة أو هبة أو صلح أو غير ذلك.

و يحصل ملك المنفعة بالوقف كما إذا وقف المالك داره أو أرضه على ذريته أو على طائفة معينة أو أفراد مخصوصين، على نحو تكون منفعة الدار أو الأرض ملكا للموقوف عليهم، لا على نحو السكنى أو استيفاء المنفعة بالمباشرة، فيجوز لولي الوقف إجارتها لهم.

و يحصل ملك المنفعة بأحد أسباب التمليك الأخرى للمنفعة كما إذا وهب الرجل سكنى داره لأحد مدة معينة، بناء على المختار من صحة هبة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 254

المنافع كما ذكرناه في كتاب الهبة في المسألة الثامنة، و كما إذا ملكه المنفعة بالصلح، أو جعلها ثمنا في عقد البيع أو صداقا في عقد التزويج أو جعلتها المرأة عوضا للخلع أو المباراة و غير ذلك من الأسباب المملكة، فإذا ملكها الشخص بأحد هذه الأسباب جاز له ان يملكها غيره بالإجارة.

و تصح الإجارة إذا كانت المنفعة بمنزلة المملوكة شرعا، كما إذا آجر الحاكم الشرعي أو وكيله بعض الموقوفات عند طروء بعض الحالات المبيحة لاجارة أعيانها، لتصرف منافعها من الإجارة في المصاريف التي عينها الواقف.

و كما إذا آجر الحاكم الشرعي أو وكيله الدار التي يشتريها بمال الزكاة من سهم سبيل اللّٰه عند اقتضاء الأمر شراءها، و قد ذكرنا ذلك في فصل شرائط العوضين من كتاب التجارة، فإذا اشترى الدار كذلك صحت له إجارتها لينفق مال الإجارة في سبيل اللّٰه كذلك.

و يتحقق ملك عوض الإجارة بأحد الأنحاء التي يتحقق بها ملك الأعواض الأخرى في البيع و الصلح و بقية المعاوضات.

المسألة 21:

يشترط

في كل واحد من العوضين أن يكون مالا عند العقلاء، و قد ذكرنا في المسألة السابعة عشرة، و المسألة المائة و الثامنة عشرة: من كتاب التجارة المعيار الذي يكون به الشي ء مالا في نظر أهل العرف فلتراجع المسألتان.

المسألة 22:

يشترط في المنفعة أن تكون محللة في الإسلام، فلا تجوز الإجارة و لا تكون صحيحة إذا كانت المنفعة محرمة و مثال ذلك أن يؤجر المالك منزله أو محله أو دكانه ليعمل فيه المسكر، أو ليحرز فيه، أو ليكون موضعا لبيعه أو لشربه، أو ليكون موضعا للبغاء أو الفسوق أو لشي ء من المحرمات، أو يؤجر الإنسان نفسه أو سيارته أو سفينته أو دابته لحمل الخمر أو لحمل غيره من المسكرات، أو يستأجر الجارية للغناء و الرقص و شبه ذلك من المحرمات أو يؤجرها لذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 255

و قد يستغنى عن هذا الشرط بالشرط المتقدم في المسألة العشرين، و هو اشتراط كون المنفعة مملوكة فإن المنفعة المحرمة ليست مملوكة.

المسألة 23:

إذا كانت للعين التي يراد استيجارها منافع عديدة يمكن ان تستوفى منها، فلا بد في عقد الإجارة من أن تعين المنفعة المقصودة في العقد و التي يبذل المستأجر بإزائها المال، فإذا كانت الدار يمكن أن تكون للسكنى فيها، و يمكن أن تتخذ مخزنا لبعض الأموال، و يمكن أن يجعل معرضا لبعض البضائع في التجارة، و يمكن أن تستعمل معملا لبعض المنتوجات، و يمكن أن تتخذ موضعا لنزول المسافرين، فلا تصح اجارة الدار حتى يعين المستأجر في العقد اي منافع الدار يريد تملكها.

و كذلك العقار و الأرض و سائر الأعيان المملوكة إذا كانت المنفعة فيها تقع على أنواع، فيجب تعيين المنفعة المقصودة و يصح للمستأجر أن يستأجر العين بجميع منافعها، فتكون جميع منافع العين المستأجرة ملكا له يستوفي منها ما يشاء.

المسألة 24:

يعتبر في المنفعة التي يراد تملكها بعقد الإجارة أن تكون معلومة المقدار، و يحصل العلم بمقدار المنفعة في مثال استيجار الدار للسكنى فيها، و استيجار الدكان أو المحل للبيع و الشراء فيه، و نحو ذلك بتقدير المدة فيستأجر الدار مدة سنة مثلا أو مدة شهر، و كذلك حينما يستأجر الدكان أو المحل أو الأرض و نحوها، و لا بد في جميع ذلك من تعيين الزمان، فيقول المؤجر مثلا: آجرتك الدار لتسكنها أو الدكان لتتجر فيه مدة شهر من حين صدور العقد، أو من أول يوم من شهر رجب.

و يكفي في تعيين زمان الإجارة أن تدل القرينة على تعيينه، و إذا أطلق العقد و لم يذكر فيه زمانا خاصا، فالإطلاق يدل على التعجيل، و ينتج من ذلك ان أول مدة الإجارة هو حين صدور العقد.

و يحصل العلم بمقدار المنفعة في مثال استيجار الدابة أو السيارة للركوب

بتحديد المسافة، فيؤجره الدابة، أو السيارة للركوب فيها خمسة فراسخ أو عشرين كيلومترا مثلا، و لا بد فيها من تعيين الزمان

كلمة التقوى، ج 4، ص: 256

كما تقدم و يمكن أن يحددها بالمدة أيضا، فيستأجر الرجل الدابة أو السيارة من مالكها للركوب و التنقل عليها مدة ساعتين مثلا أو مدة يوم، أو يستأجر منه الدابة أو السيارة مدة أسبوع أو أكثر لتبقى تحت ارادته و تصرفه في هذه المدة يتنقل فيها متى شاء و اين شاء، و لا بد فيها من تعيين الزمان، و إذا لم يعين الزمان في ما تحدد المنفعة فيه بالمدة أو بالمسافة و لم تدل القرائن على التعيين كانت الإجارة باطلة.

و يحصل العلم بمقدار المنفعة في مثال البناء و خياطة الثوب بتقدير موضوع العمل المستأجر عليه، فإذا عين الثوب الذي يريد خياطته و مقدار طوله و عرضه، و نوع الخياطة التي يريدها من الخياط، و عين الجدار أو البيت أو الدار التي يريد بناءها أو تعميرها و نوع البناء الذي يريده من العامل، كفى ذلك، و الظاهر اعتبار تعيين الزمان فيه على النهج السابق في نظائره.

المسألة 25:

الظاهر أنه يكفي في صحة إجارة السيارة و نحوها من وسائل النقل إلى مكة أو إلى المدينة أو الى غيرهما من البلدان، العلم بين البلدين من المسافة على وجه الاجمال، و ان جهل مقدارها على نحو التفصيل، فان الجهل به كذلك و بمقدار ما يتطلبه السير من الزمان لا يوجب غررا على احد المتعاقدين.

و هذا هو المتعارف عند عامة العقلاء، فيكفي هذا المقدار من العلم بالمنفعة في صحة هذه الإجارة و أمثالها إذا كان رافعا للجهالة في نظر أهل العرف و رافعا للغرر، و هي

بسبب ذلك لا تعد معاوضة على منفعة مجهولة، نعم لا بد من تعيين زمان السفر، و لو بالقرائن التي تدل على تعيين الزمان، كما إذا كان لسفر القافلة موعد محدد، أو كانت لإجازة الدولة للسفر تأريخ معين، و أشباه ذلك من القرائن العامة أو الخاصة الدالة على التعيين.

و نظير ما تقدم أن يستأجر الرجل السيارة للسفر فيها إلى مكة ثم للعود فيها الى بلده بعد أداء الحج أو العمرة، أو يستأجرها للسفر فيها إلى مكة ثم إلى المدينة أو بالعكس، ثم الى وطنه، أو يستأجرها للسفر

كلمة التقوى، ج 4، ص: 257

فيها كذلك، و لتكون معدة له في جميع تنقلاته في المواضع و المشاعر أيام حجه و زيارته حتى يعود الى وطنه، فان العرف يكتفي بالمقدار المتقدم ذكره في تحديد المنفعة المستأجر عليها و لا يعدها من المجهول.

المسألة 26:

يشترط في الأجرة، و هي العوض الذي يدفعه المستأجر بدلا عن المنفعة التي يتملكها بالإجارة، أن تكون معلومة المقدار، فان كانت مما يعرف مقداره بالكيل أو بالوزن، أو بالعدد أو كانت مما يذرع أو مما يقدر بضبط المساحة، وجب أن تعتبر كذلك بما يعلم به مقدارها من ذلك، و ان كانت مما يكتفى فيه بالمشاهدة أو بالوصف الرافع للجهالة و الغرر كفى ذلك في صحة الإجارة عليها كما يكتفى به في البيع و غيره من المعاوضات.

المسألة 27:

يصح في بدل الإجارة أن يكون عينا شخصية، و يجوز أن يكون أمرا كليا في الذمة، حالا أم مؤجلا إلى أجل مسمى، و يجوز أن يكون كليا في مال معين، فيقول المؤجر لصاحبه، آجرتك الدار المعينة شهرا بعشرين دينارا في ذمتك أو يقول: بعشرين دينارا من هذا المال المعين، و يجوز أن يكون كسرا مشاعا من مال معين، فيقول: آجرتك الدار شهرا بنصف هذه السلعة أو ربعها، و يصح أن تكون الأجرة عملا من الأعمال، و أن تكون منفعة من المنافع، و أن تكون حقا من الحقوق القابلة للنقل على التفصيل الذي تقدم بيانه في الثمن من كتاب التجارة في فصل شرائط العوضين.

و يقدر العمل و المنفعة و الحق الذي يجعل عوضا في الإجارة بما تقدر به هذه الأمور في ثمن المبيع و حين تجعل أعواضا في المعاملات الأخرى.

المسألة 28:

إذا كانت المنفعة المقصودة بالإجارة مما تقدر بالزمان كسكنى الدار، و استئجار الرجل ليكون سائقا له في سيارته أو عاملا له في متجره أو معمله، فلا بد و أن تضبط المدة في العقد على وجه لا تقبل الزيادة و النقص،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 258

فتضبط بعدد الأيام مثلا أو بعدد الأسابيع أو الشهور أو السنين، و لا يصح أن تجعل المدة إلى مقدم زيد من سفره، أو الى أوان جذاذ التمر أو قطاف الثمرة أو حصاد الزرع.

المسألة 29:

إذا استأجر الرجل صاحبه لعمل معين و قدر له مدة معينة على نحو يطبق فيها اجزاء العمل على اجزاء المدة شيئا فشيئا، حتى ينتهي العمل المستأجر عليه بانتهاء المدة، و مثال ذلك ان يستأجره لصيام ثلاثين يوما في شهر رجب مثلا، أو يستأجره لبناء مسجد معين المقدار في عشرين يوما معينة فيبدأ بالبناء في أول المدة و ينجز منه في كل يوم شيئا حتى يتم البناء مع تمام الأمد.

فإن علم ان المدة المعينة تتسع لانجاز العمل المستأجر عليه فيها، كانت الإجارة صحيحة نافذة، و مثال ذلك أن يستأجره لصيام عشرين يوما من شهر رجب من أول الشهر الى يوم العشرين منه فتصح الإجارة و يجب الوفاء بها، و ان علم ان الزمان المعين لا يتسع للعمل المستأجر عليه كانت الإجارة باطلة، و إذا احتمل كل من الأمرين كما في المثال الأول، فقد يتم شهر رجب فيتسع لصيام ثلاثين يوما، و قد ينقص، فلا يتسع لذلك، أشكل الحكم بالصحة.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 4، ص: 258

المسألة 30:

إذا استأجر الإنسان من المكاري دابة لحمل بعض الأثقال، و كانت الأجناس التي يراد حملها مختلفة في أجرة حملها، أو كان بعضها مما يضر حمله بالدابة أو كان بعضها مما يمنع حمله من قبل الدولة مثلا و نحو ذلك، فلا بد في صحة الإجارة من تعيين الجنس الذي يريد المستأجر حمله على الدابة، و إذا كانت الأغراض لا تختلف في ذلك لم يشترط ذكر الجنس.

و لا بد أيضا من تعيين مقدار ما يحمل على الدابة إذا كان المقدار مما تختلف فيه الأجرة أو

كان بعض المقادير مضرا بالدابة، و إذا لم تختلف الأغراض في ذلك لم يجب تعيين المقدار، و يكفيه ان يعين المقدار بما يرتفع به الغرر من مشاهدة أو وصف.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 259

و كذلك الحكم إذا استأجر من غيره سيارة أو حاملة أثقال لحمل بعض الأجناس و نقلها، فلا بد من ذكر الجنس و المقدار إذا كان مما تختلف فيه الأجرة أو تختلف فيه الأغراض و إذا لم تختلف الأجرة و لا الأغراض الأخرى لم يشترط ذكرهما.

المسألة 31:

إذا استأجر الإنسان من المكاري دابة للسفر عليها الى بلد معين، و كان الطريق الى ذلك مختلفا، فلا بد من تعيين الطريق الذي يريد سلوكه في السفر، و الزمان الذي يريد أن يكون السير فيه، أ هو الليل أم النهار، و إذا أراد السفر في النهار، أ في أطرافه أم في عامة النهار، لاختلاف الأغراض بين الناس في كل ذلك، فلا بد من تعيين المراد، و إذا اختلفت الأغراض باختلاف الراكب فلا بد من تعيينه، فقد لا يرغب المكاري في صحبته، و قد يجد في ذلك حرجا أو خوفا، و على وجه الاجمال، فلا بد من التعيين عند اختلاف الغايات و الأغراض في الراكب و المركوب و الطريق و الوقت و غير ذلك.

و كذلك الحكم إذا أراد أن يستأجر من غيره سيارة للسفر فيها، فلا بد من التعيين عند اختلاف الغايات و الأغراض في شي ء من ذلك، سواء أراد أن يستأجر السيارة وحدها، أم يستأجر السيارة و السائق و لا يجب التعيين في مالا تختلف الأغراض فيه.

المسألة 32:

إذا أراد الإنسان أن يستأجر دابة لحراثة أرض، فلا بد و أن تكون الأرض التي يريد حرثها معلومة المقدار و المساحة، جريبا مثلا أو جريبين أو أكثر، فلا تصح الإجازة إذا كانت الأرض مجهولة المقدار و لا بد أيضا من مشاهدة الأرض المقصودة أو وصفها بما يرفع الغرر إذا كانت الأرضون حولها مختلفة في صعوبة الحرث و سهولته، فان ذلك مما يوجب الاختلاف في مقادير الأجرة، أو في الأغراض الأخرى التي يبتغيها المتعاملون في ما بينهم، فيكون عدم التعيين موجبا للغرر و الجهالة.

و إذا كانت الأرض متساوية، بحيث لا يوجب اختلافها اختلافا في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 260

الأجرة أو في الأغراض الأخرى بين المتعاملين، فلا يجب التعيين و المشاهدة للأرض المقصودة إذا كانت معلومة المقدار.

و كذلك في الحكم ما إذا استأجر الإنسان احدى الآلات الحديثة لحراثة أرضه، فتجري فيها الفروض و الأحكام المتقدمة، سواء استأجر الآلة وحدها أم استأجر الآلة و الحارث.

المسألة 33:

إذا قال صاحب الدار لمن يريد أن يستأجرها منه: آجرتك الدار الى شهر واحد، أو قال له: آجرتك إياها إلى شهرين، صحت الإجارة في المثالين إذا قبل المستأجر العقد، و كان مبدأ مدة الإجارة من حين العقد.

و إذا قال له آجرتك الدار الى شهر أو الى شهرين على نحو الترديد بين مدتين في عقد الإجارة كانت الإجارة باطلة.

المسألة 34:

إذا قال مالك الدار لمن يريد أن يستأجرها منه: آجرتك الدار كل شهر بخمسة دنانير مثلا و كان المقصود من هذا العقد: أنه آجره الدار اجارة واحدة مدة غير محددة، و أن عوض الإجارة عن كل شهر يسكن فيه الدار خمسة دنانير، فلا ريب في بطلان الإجارة، لعدم تعيين المدة، و عدم معلومية مقدار الأجرة.

و إذا كان المقصود أنه آجره الدار إجارات متعددة، لكل شهر على انفراده اجارة مستقلة بخمسة دنانير، مهما بقي ساكنا في الدار، فالظاهر صحة الإجارة في الشهر الأول بالأجرة المعينة و بطلان العقد في بقية الشهور.

المسألة 35:

إذا أجريت المعاملة بين المالك و المستأجر على النحو الأخير في المسألة المتقدمة، فيمكن تصحيح المعاملة في الشهور الباقية، بأن تجرى الإجارة في كل شهر منها بنحو المعاطاة بين الطرفين على النحو السابق في الشهر الأول، فيسكن المستأجر الدار و يدفع للمؤجر خمسة دنانير في كل شهر بقصد إنشاء الإجارة فيه بهذه المعاطاة، و هكذا، و هذا هو المتعارف في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 261

إجارة الفنادق للنزلاء فيها، و في إجارة البيوت المعدة للإجارة شهريا أو سنويا، و اجارة الدكاكين و المحلات المعدة للإجارة، فتجري الإجارة بنحو المعاطاة في الأشهر اللاحقة على النهج الذي جرت عليه الإجارة في الشهر الأول.

المسألة 36:

إذا قال صاحب الثوب للخياط: ان خطت ثوبي هذا بدرز واحد فلك درهم واحد، و ان خطته بدرزين فلك درهمان، و قصد بعبارته اجارة الخياط على ذلك، فالظاهر صحة الإجارة- إذا قبل الخياط العقد- و تكون اجارة له على الإتيان بأحد العملين على نحو التخيير بينهما، و هو في ذلك نظير الواجب التخييري في الواجبات الشرعية، و نتيجة لذلك فيجب على الخياط أن يأتي بأي العملين شاء، و إذا أتى به استحق على المستأجر ما عين له من الأجرة في العقد.

و إذا قصد بقوله المذكور إنشاء الجعالة، صحت جعالة كما قصد، فإذا أتى الخياط بأحد العملين استحق على الجاعل ما عين له من العوض.

و مثله في الحكم ما إذا قال للخياط: ان خطت ثوبي هذا في هذا اليوم فلك درهمان، و ان خطته غدا فلك درهم واحد، فان قصد الإجارة صحت اجارة على وجه التخيير، و ان قصد الجعالة صحت جعالة على نهج ما سبق.

و الفارق بين الإجارة و الجعالة: ان الإجارة عقد من

العقود، و لذلك فلا بد فيها من قبول الخياط في الفرض المذكور، و إذا تم العقد اشتغلت ذمة العامل و هو الخياط للمستأجر بالعمل من حين العقد، و اشتغلت ذمة المستأجر و هو صاحب الثوب بالعوض للخياط من حين العقد كذلك.

و اما الجعالة فهي إيقاع، و لذلك فلا تفتقر الى القبول من العامل، و لا تشتغل ذمة صاحب الثوب بالعوض قبل أن يأتي العامل بالعمل، و لا تشتغل ذمة العامل بالعمل، و إذا هو أتى به باختياره استحق العوض المجعول على صاحب الثوب.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 262

المسألة 37:

إذا استأجر الإنسان المكاري و دابته ليوصله عليها الى بلد معين في وقت معين أو استأجر السائق و سيارته لذلك على وجه يكون إيصاله إلى الموضع في الوقت المعين قيدا في العمل الذي استأجره عليه، فلم يوصله الأجير إلى الموضع في الوقت المحدد.

فان كان عدم إيصاله في الوقت لضيق الزمان عن ذلك، كانت الإجارة باطلة لعدم القدرة على الوفاء بها.

و إذا كان الزمان يسع ذلك و لكن الأجير تباطأ فلم يوصله في الوقت، فإن أمكن للأجير أن يأتي بالعمل في الوقت المحدد، من حيث أن الزمان لا يزال يتسع لذلك، وجب عليه أن يأتي بالعمل في الوقت فيوصل المستأجر إلى البلد المعين في الوقت المحدد، و إذا قام بالعمل كذلك فأوصله في الوقت استحق عليه الأجرة المعينة، و ان لم يمكنه أن يأتي بالعمل المستأجر عليه في الوقت لم يستحق من الأجرة شيئا.

و نظير ذلك في الحكم ما إذا أخذ المستأجر إيصاله إلى المكان في الوقت المعين شرطا في عقد الإجارة لا قيدا في العمل المستأجر عليه، و قبل الأجير بالشرط و لم يوصله في الوقت كما

شرط فتجري فيه الفروض المتقدم ذكرها في القيد و تنطبق عليها أحكامها، فتبطل الإجارة في الفرض الأول، و هو ما إذا ضاق الزمان عن الإتيان بمتعلق الإجارة و يجب على الأجير الإتيان بالعمل المشروط في الفرض الثاني و هو ما كان الوقت لا يزال يتسع للإتيان بالعمل.

و إذا أتى به كذلك استحق الأجرة المعينة، و إذا لم يتسع الوقت و لم يمكن ذلك لم يستحق من الأجرة شيئا، فالشرط المذكور بحكم القيد في جميع ذلك.

المسألة 38:

لا تختص الأحكام المذكورة في المسألة المتقدمة بالفروض الخاصة التي ذكرت فيها، بل تجري في كل عمل يستأجر عليه الأجير، و يقيد العمل في الإجارة بقيد معين، من زمان خاص أو مكان خاص أو وصف خاص، و شبه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 263

ذلك من القيود، ثم يأتي الأجير بالعمل بغير قيده المعين، فتأتي فيه الفروض الآنف ذكرها في المسألة المتقدمة و يجري في كل فرض منها حكمه الذي بيناه له، فتبطل الإجارة في الفرض الأول، و يجب على الأجير أن يأتي بالعمل مع قيده في الفرض الثاني، فان لم يمكنه ذلك لم يستحق من الأجرة شيئا، و هو الفرض الأخير.

و قد ذكرنا أن شرط الإتيان بالعمل في الزمان المعين، بحكم القيد في جميع الفروض، و هو كذلك في سائر الأعمال التي يشترط ذلك فيها على الأجير.

المسألة 39:

إذا استأجر الإنسان أجيرا لعمل معين، و اشترط عليه في عقد الإجارة شرطا، و قبل الأجير بالشرط، و لكنه لم يف للمستأجر به، فأتى بالعمل المستأجر عليه و لم يأت بالشرط، و مثال ذلك أن يستأجر زيدا لبناء داره، و يشترط عليه في عقد الإجارة أن يجعل عمرا عاملا معه في البناء، و قبل زيد بالعقد مع الشرط، ثم بنى الدار و لم يدخل عمرا معه في العمل.

و الحكم في ذلك أنه يثبت للمستأجر خيار فسخ الإجارة لتخلف شرطه الذي اشترطه على الأجير، فيكون مخيرا بين أن يفسخ عقد الإجارة، فلا يدفع لزيد الأجرة المسماة له في العقد، و أن يمضي الإجارة فيدفع له الأجرة المسماة، و إذا اختار الوجه الأول ففسخ العقد لزمه أن يدفع لزيد أجرة المثل لعمله الذي أتى به.

المسألة 40:

إذا استأجر الرجل السيارة و السائق ليوصله بها الى كربلاء، و كان من مقصده أن يزور الحسين (ع) في يوم عرفة، أو استأجره ليوصله إلى مكة، و كان من مقصده أن يعتمر في شهر رجب، فلم يوصله السائق إلى كربلاء حتى فات يوم عرفة، أو لم يوصله إلى مكة حتى انسلخ شهر رجب، لم تبطل الإجارة بذلك و استحق عليه صاحب السيارة جميع الأجرة المسماة الا ان يكون العمل الذي استأجره عليه مقيدا بإيصاله

كلمة التقوى، ج 4، ص: 264

في الوقت أو يكون ذلك مشترطا عليه في عقد الإجارة كما تقدم في المسألة السابعة و الثلاثين.

و يكفي في الاشتراط أن يتبانى المتعاقدان على ذلك بحيث يجري العقد على ما تبانيا عليه و ان لم يذكراه صريحا في العقد.

المسألة 41:

إذا استأجر الإنسان السائق و سيارته أو المكاري و دابته ليوصله بها الى موضع معين، و قال له: ان اوصلتني الى الموضع في يوم الجمعة، فلك خمسة دراهم مثلا، و ان اوصلتني اليه بعد ذلك فلك ثلاثة دراهم، و هو يقصد إجارته على أحد العملين، فالظاهر صحة الإجارة، و يكون من قبيل الواجب التخييري على العامل، فإذا اختار أحد الفردين المستأجر عليهما و أتى به صح و استحق على المستأجر الأجرة التي عينها لذلك الفرد و قد تقدم نظيره.

المسألة 42:

إذا استأجر السائق و سيارته أو المكاري و دابته ليوصله الى مكان معين بخمسة دنانير مثلا، و اشترط عليه في عقد الإجارة أن يوصله الى المكان في يوم معين، فان هو لم يوصله في ذلك اليوم نقص من كراه عن كل يوم يؤخره فيه عن الوقت المعين نصف دينار مثلا، صح الشرط إذا قبل به و وجب العمل عليه، فإذا أخره عن اليوم المعين نقص من أجرته حسب ما اشترطه عليه ما لم يحط بجميع الكراء.

المسألة 43:

يصح أن تكون مدة الإجارة متصلة بالعقد، و يصح أن تكون منفصلة عنه، و مثال الأول: أن يؤجر المالك زيدا داره ليسكنها من حين العقد الى ثلاثين يوما مثلا أو الى ستة أشهر، و هذا هو الواقع في غالب المعاملات، و مثال الثاني أن يؤجره الدار- و هما في شهر محرم أو في شهر صفر أو قبلهما- ليسكنها من هلال شهر ربيع الأول إلى نهايته، فتصح الإجارة في كلتا الصورتين.

و إذا آجره الدار أو المحل مدة معينة، و لم يذكر في العقد ابتداء

كلمة التقوى، ج 4، ص: 265

المدة، انصرفت الى المتصل بالعقد، الا أن تدل قرينة خاصة أو عامة على غير ذلك فتتبع دلالة القرينة.

و من القرائن أن تكون العين مستأجرة في الزمان الأول بعد العقد، فإذا آجرها المالك ثانيا مدة شهر مثلا و لم يعين ابتداء هذه المدة كان ذلك دليلا على ان المراد اجارة شهر بعد انتهاء مدة الإجارة الأولى، سواء كان المستأجر الثاني هو المستأجر الأول أم غيره.

المسألة 44:

إذا استأجر السائق أو المكاري ليوصله الى كربلاء بخمسة دنانير مثلا، و اشترط له في ضمن العقد انه ان أوصله إليها قبل الزوال من يوم الجمعة أعطاه ستة دنانير صح الشرط و لزم العمل عليه، و إذا استأجره ليوصله الى كربلاء قبل الزوال من يوم الجمعة بخمسة دنانير، و اشترط عليه في ضمن العقد، انه يعطيه أربعة دنانير فقط إذا هو تباطأ فأخر وصوله الى ما بعد الزوال، صح كذلك، و وجب العمل عليه و قد تقدم هذا الحكم قبل مسألتين.

الفصل الثاني الإجارة عقد لازم
المسألة 45:

الإجارة عقد من العقود اللازمة على كل واحد من المتعاقدين، فإذا تم العقد بينهما، و توفرت جميع شروطه المتقدم ذكرها وجب على كل واحد منهما إنفاذ العقد و ترتيب آثاره و أحكامه و لم يجز لهما فسخه، إلا إذا تقايل الطرفان ففسخا العقد برضاهما معا، أو كان لأحدهما أو لكليهما حق الخيار في العقد لوجود أحد أسبابه الموجبة لثبوته له ففسخ العقد أخذا بحقه.

و كذلك الحكم إذا أجريت الإجارة بينهما بنحو المعاطاة على الأقوى، فهي لازمة لا يجوز فسخها الا بالتقايل أو فسخ صاحب الخيار.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 266

المسألة 46:

إذا آجر المالك داره أو عقاره مدة معينة، ثم باع العين المستأجرة بعد ما آجرها، لم تبطل الإجارة بالبيع، و لم ينفسخ عقدها، بل تنتقل العين بالبيع إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة، و تبقى المنفعة ملكا للمستأجر حتى تنتهي مدة الإجارة، فإذا انقضت كانت منافعها التي تتجدد بعد ذلك ملكا للمشتري تبعا للعين.

و إذا كان الشخص الذي اشترى العين جاهلا بأن العين مستأجرة، ثبت له حق الخيار في أن يفسخ البيع فيسترد الثمن من البائع إذا كان قد دفعه اليه، أو يمضي البيع بالثمن المسمى، و ليس له حق في ان يمضي البيع و يطالب البائع بالأرش، و هو التفاوت بين قيمة العين و هي ذات منفعة، و قيمتها و هي مسلوبة المنفعة.

و كذلك الحكم إذا كان المشتري يعلم بأن العين التي اشتراها مستأجرة، و لكنه يعتقد ان مدة إجارتها قليلة ثم ظهر له أن المدة أطول مما كان يعتقد، فيثبت له الخيار بين فسخ البيع و إمضائه بالثمن المسمى و لا يحق له أن يمضي البيع و يطالب البائع بالأرش.

و إذا كان المشتري

عالما بإجارة العين التي اشتراها، و بمدة إجارتها لم يثبت له خيار الفسخ.

المسألة 47:

إذا باع المالك العين بعد أن آجرها كما هو الفرض المتقدم ذكره، فانتقلت العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة كما بيناه في المسألة المتقدمة، ثم فسخ المستأجر عقد الإجارة، لثبوت حق الخيار له في عقد الإجارة، أو للتقايل من المتعاقدين، رجعت المنفعة إلى المشتري تبعا للعين على الأقوى، و لا حق للبائع فيها.

و كذلك، إذا اعتقد البائع و المشتري أن مدة الإجارة لا تزال بعد باقية، و ان العين مسلوبة المنفعة فباع المالك العين و اشتراها المشتري و هما يعتقدان ذلك، ثم ظهر لهما بعد البيع ان مدة الإجارة قد انتهت

كلمة التقوى، ج 4، ص: 267

قبل البيع، فإن المنفعة بعد البيع تكون للمشتري يملكها بتبع العين على الأقوى.

المسألة 48:

إذا آجر المالك داره أو عقاره على زيد مدة سنة مثلا، ثم باع العين المستأجرة على زيد نفسه في أثناء مدة الإجارة لم ينفسخ عقد الإجارة بالبيع على الأقوى، فيجب على زيد دفع الأجرة للمالك إذا لم يكن قد دفعها له من قبل، كما يجب عليه دفع ثمن العين، و إذا انفسخ عقد البيع بينهما بأحد أسباب الفسخ من خيار أو غيره، بقيت الإجارة بحالها و بقيت المنفعة ملكا للمستأجر، و هو المشتري، و إذا انفسخ عقد الإجارة لحدوث بعض أسباب الفسخ فيها من خيار و نحوه، رجعت المنفعة ملكا للمشتري و ملكها تبعا للعين.

المسألة 49:

إذا باع الإنسان عينا يملكها على أحد، و آجر وكيله المفوض تلك العين نفسها على شخص آخر مدة معينة، فقد يسبق بيع المالك العين على اجارة الوكيل إياها في الزمان، و قد تسبق اجارة الوكيل العين على بيع المالك إياها، و قد يقترن البيع و الإجارة في الزمان.

الصورة الأولى أن يكون بيع المالك العين سابقا في الزمان على إجارتها من قبل الوكيل، و لا ريب في صحة البيع و بطلان الإجارة في هذه الصورة.

الصورة الثانية ان تكون اجارة الوكيل العين سابقه في الزمان على بيعها من قبل المالك، و الظاهر صحة الإجارة و البيع كليهما، فيملك المستأجر المنفعة بإجارة الوكيل له، و تنتقل العين من المالك الى المشتري مسلوبة المنفعة، و يثبت للمشتري خيار الفسخ إذا كان جاهلا بإجارة العين على نهج ما ذكر في المسألة السادسة و الأربعين.

الصورة الثالثة: أن يكون بيع المالك العين و اجارة الوكيل إياها مقترنين في الزمان، و الظاهر صحة البيع و الإجارة معا كما في الصورة الثانية فيملك المستأجر المنفعة بالإجارة، و تنتقل العين

إلى المشتري مسلوبة المنفعة و يكون للمشتري خيار فسخ البيع مع جهله بالإجارة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 268

المسألة 50:

إذا آجر المالك غيره بعض الأعيان التي يملكها من دار أو عقار أو غير ذلك الى مدة معينة، أو آجرها عنه وكيله المفوض، ثم مات المالك في أثناء مدة الإجارة، لم ينفسخ عقد الإجارة بموته، و بقيت المنفعة ملكا للمستأجر حتى تنتهي المدة المعينة، و يلزمه أن يدفع لورثة المالك الأجرة المسماة إذا لم يكن دفعها لمورثهم في حياته، و لا تنفسخ الإجارة كذلك بموت المستأجر إذا مات في أثناء المدة بل تبقى المنفعة ملكا لورثته من بعده و عليهم أن يدفعوا الأجرة المسماة لمالك العين المستأجرة من تركة المستأجر إذا لم يكن قد دفعها في حياته. و تستثنى من الحكم صورة واحدة يأتي بيانها في المسألة اللاحقة.

المسألة 51:

إذا آجر المالك داره على زيد مدة معلومة، على أن يسكن المستأجر الدار بنفسه على نحو التقييد بذلك، أو على نحو الاشتراط في ضمن العقد، ثم مات المستأجر و هو زيد في أثناء المدة، فالظاهر بطلان الإجارة في بقية المدة، و يسترد ورثة المستأجر من المالك أو من ورثته إذا كان ميتا ما قابل ذلك من الأجرة، و كذلك إذا آجره الدكان مثلا على ان يكون المستأجر هو الذي يبيع فيه بنحو المباشرة فإذا مات المستأجر بطلت الإجارة في بقية المدة و استرد ورثته حصتها من الأجرة.

المسألة 52:

إذا استأجر زيد الدار من مالكها مدة معلومة و لم يشترط المالك عليه أن يسكنها بنفسه بنحو المباشرة، ملك المنفعة بهذه الإجارة، و جاز له أن يؤجر الدار المعينة على غيره بقدر مدته أو أقل منها، و إذا آجر الدار كذلك على أحد، ثم مات المؤجر أو المستأجر الثاني في أثناء المدة، لم تنفسخ الإجارة الثانية بذلك، كما تقدم في إجارة مالك الدار.

المسألة 53:

إذا ملك الإنسان المنفعة ملكا محدودا بزمان حياته فقط، و مثال ذلك ان يوصي له مالك الدار بمنفعتها بعد موت المالك ما دام الموصى له في قيد الحياة، فإذا مات المالك الموصى، جاز للموصى له ان يسكن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 269

الدار الموصى بها ما دام حيا، و جاز له أن يؤجرها على غيره و يملك أجرتها، و إذا آجر الدار المذكورة على غيره مدة معلومة ثم مات المؤجر الموصى له في أثناء المدة بطلت الإجارة بموته في بقية المدة، و لم يستحق ورثته من أجرة بقية المدة شيئا، و يجوز لورثة مالك الدار أن يجيزوا عقد الإجارة في بقية المدة لأن المنفعة رجعت ملكا لهم بعد موت الموصى له، فإذا أجازوا العقد ملكوا اجرة بقية المدة.

و لا تنفسخ الإجارة بموت المستأجر إذا كان المؤجر الموصى له لا يزال حيا.

المسألة 54:

إذا وقف الرجل داره أو أرضه أو إحدى الأعيان التي يملكها على ذريته أو على طائفة أخرى لتكون منفعة الوقف ملكا لهم بطنا بعد بطن، ملك الموقوف عليهم منفعة العين الموقوفة ما داموا أحياء، فإذا آجر البطن السابق منهم العين الموقوفة صحت إجارته و ملك الأجرة ما دام موجودا، فإذا مات في أثناء مدة الإجارة بطلت إجارته، و احتاج البطن اللاحق الى تجديد الإجارة مع المستأجر أو مع غيره إذا شاء، و لا يكفي أن يجيز البطن اللاحق اجارة البطن السابق على الأظهر، لأنه لم يكن مالكا حين الإجارة.

المسألة 55:

إذا آجر المتولي الشرعي للوقف العين الموقوفة، و كانت إجارته لمصلحة البطون، أو لمصلحة الوقف على العموم نفذت إجارته و لم تبطل بموت المتولي نفسه و لا بموت البطن الموجود في حال الإجارة من الموقوف عليهم، بل و لا بموت البطن اللاحق له و ما بعده إذا كانت مدة إجارة المتولي لا تزال مستمرة، سواء كان المتولي المؤجر من الموقوف عليهم أم لا.

و إذا آجر المتولي العين الموقوفة لمصلحة البطن اللاحق، فالظاهر نفوذ إجارته على البطن اللاحق إذا كان وليا عليهم، و إذا لم يكن وليا عليهم توقفت صحة إجارته على إجازتهم على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 270

المسألة 56:

إذا آجر الشخص نفسه لبعض الأعمال، من خياطة، أو كتابة، أو بناء، أو غير ذلك على أن يتولى الإتيان بالعمل بنفسه للمستأجر و لا يستأجر و لا يستنيب فيه غيره، ثم مات الأجير قبل أن يتمكن من الإتيان بالعمل المستأجر عليه، بطلت الإجارة لعدم بقاء محلها، و هو الأجير.

و إذا آجر نفسه لمثل ذلك، و مضى عليه من الوقت ما يمكنه فيه أن يأتي بالعمل المستأجر عليه و لكنه تأخر و لم يأت بالعمل، ثم مات بعد ذلك، اشتغلت ذمة الأجير للمستأجر بأجرة مثل العمل، و استحق هو على المستأجر أن يدفع له الأجرة المسماة في العقد.

المسألة 57:

إذا آجر الشخص نفسه لأن يقوم للمستأجر بخياطة ثوبه أو بكتابة كتابه، أو بناء داره أو بغير ذلك من الأعمال المعينة، على أن يكون العمل المستأجر عليه في ذمة الأجير سواء أتى بالعمل بنفسه أم استناب فيه غيره، و مات الأجير و لم يأت بالعمل، لم تبطل الإجارة بموته، بل يبقى دينا في ذمته، و يستوفى من تركته، و تثبت له الأجرة المسماة في العقد على المستأجر تدفع لورثته.

المسألة 58:

إذا استأجر الإنسان شخصا لبعض الأعمال المعينة، على أن يكون العمل المستأجر عليه للمستأجر نفسه خاصة لا لغيره، فيقوم الأجير بخدمته مثلا، أو بمعالجته من بعض الأمراض، أو بتقويم خطه أو بتعليمه بعض المعلومات الخاصة، و نحو ذلك مما يختص بالمستأجر نفسه و لا يتعدى الى سواه، ثم مات المستأجر قبل أن يتمكن الأجير من الوفاء بالعمل الذي استأجره عليه، بطلت الإجارة لعدم بقاء محلها و هو المستأجر.

و إذا استأجره لمثل ذلك، و مضى من الوقت ما يمكن الأجير أن يأتي فيه بالعمل المستأجر عليه، و لكنه تأخر، و لم يقم بالعمل حتى مات المستأجر، اشتغلت ذمة الأجير للمستأجر بأجرة مثل العمل، فيدفعها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 271

لورثته، و ثبتت للأجير الأجرة المسماة في العقد على المستأجر، فتستوفي له من تركته.

و إذا استأجره كذلك ليقوم له بعمل معين يكون في ذمة الأجير، سواء كان المستأجر هو الذي يستوفي منه العمل أم غيره، ثم مات المستأجر لم تبطل الإجارة بموته، و انتقل الملك إلى ورثة المستأجر فيكونون هم المالكين لعمل الأجير بعد موت مورثهم.

المسألة 59:

يجوز للولي الشرعي على الصغير أن يؤجر أملاكه في أيام صغره و عدم رشده إذا اقتضت مصلحة الصغير إيجارها، و تصح الإجارة بذلك و تترتب أحكامها، و اشتراط وجود المصلحة انما هو في غير الأب و الجد للأب من الأولياء، و اما فيهما فيكفي في صحة تصرفهما في مال الطفل عدم المفسدة و قد تقدم ذلك في كتاب التجارة، و نتيجة لذلك، فإذا آجر الولي دار الصبي مع وجود الشرط المذكور، صحت الإجارة و لم تبطل بموت ذلك الولي المؤجر إذا مات في أثناء المدة، و لا يجوز للولي من بعده

ان ينقض إجارته، فلا ينقض الجد إذا كان هو الباقي اجارة الأب التي أوقعها في حياته، و كذلك العكس، و لا ينقض الوصي المنصوب على الطفل من أبيه أو من جدة اجارة الولي السابق عليه لمال الصبي إذا أوقعها الولي الأول في حياته و كانت المصلحة تقتضي ذلك.

المسألة 60:

يجوز للولي الشرعي أن يؤجر أملاك الصبي مدة معينة إذا اقتضت المصلحة ذلك و كانت من التي هي أحسن، سواء كانت المدة قصيرة أم طويلة، و ان كانت المدة التي آجرها الولي تستمر الى زمان بلوغ الصبي و رشده، و ليس للصبي بعد بلوغه و رشده أن ينقض اجارة وليه المتقدمة.

المسألة 61:

يجوز لولي الصبي أن يؤجر الصبي نفسه عند بعض الثقات لبعض الأعمال في أيام صغره و عدم رشده إذا اقتضت المصلحة ذلك، و تصح

كلمة التقوى، ج 4، ص: 272

هذه الإجارة و لا تبطل بموت الولي المؤجر، و لا يجوز نقضها للولي الآخر من بعده كما تقدم في إجارة أملاكه.

و إذا آجر الصبي وليه كذلك مدة تستمر الى زمان بلوغه و رشده جاز على الأقوى للصبي بعد بلوغه و رشده أن ينقض الإجارة المذكورة في بقية المدة.

و إذا اقتضت ضرورة الصبي أن يؤجره وليه مدة تستمر الى زمان بلوغه و رشده، فالأحوط لزوما الرجوع فيها الى الحاكم الشرعي.

المسألة 62:

يجوز للمرأة الخلية من الزوج أن تؤجر نفسها للخدمة أو لبعض الأعمال الأخرى مدة معينة و إذا هي آجرت نفسها كذلك ثم تزوجت لم تبطل الإجارة بالتزويج، فيجب عليها القيام بالعمل الذي استؤجرت عليه و ان كان منافيا لحق الزوج من الاستمتاع و غيره.

و يجوز للمرأة المتزوجة أن تؤجر نفسها للأعمال غير المنافية لحق الزوج، و لا يجوز لها أن تؤجر نفسها لإعمال تنافي حق الزوج إلا بإذن الزوج، و إذا هي آجرت نفسها لإعمال تنافي حقه توقفت صحة الإجارة على إجازته فإن أجاز العقد صحت و الا كانت باطلة.

المسألة 63:

إذا آجر السيد عبده أو أمته للخدمة عند أحد أو لبعض الأعمال الأخرى مدة معينة صحت إجارته و وجب على العبد أو الأمة أن يقوم بالأعمال التي استؤجر عليها، و إذا أعتقهما مالكهما بعد أن آجرهما للعمل لم تبطل الإجارة بالعتق.

و لا يجب على المستأجر أن يقوم بالإنفاق عليهما إلا إذا اشترط المالك عليه ذلك في عقد الإجارة كما لا تجب نفقتهما على المالك بعد العتق، و الأوجه أن نفقتهما في بقية المدة تكون من كسبهما إذا أمكن لهما الاكتساب أو من مالهما إذا كان لهما مال، فان لم يكن لهما مال و لم يمكن لهما الاكتساب، فنفقتهما من بيت المال إذا عد الإنفاق عليهما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 273

من المصالح العامة للمسلمين، و ان لم يتحقق ذلك وجبت نفقتهما على المسلمين وجوبا كفائيا.

المسألة 64:

إذا علم المستأجر بأن في العين التي يريد أن يستأجرها عيبا، و استأجرها من مالكها مع علمه بوجود العيب فيها، فلا خيار له في عقد الإجارة، و كذلك إذا علم بوجود العيب فيها في حال إجراء المعاملة، ثم أتم العقد مع علمه بالعيب، فلا خيار له بعد ذلك.

و إذا وجد المستأجر العيب في العين بعد ما استأجرها، و كان العيب سابقا في وجوده على عقد الإجارة، و لكن المستأجر يجهل بوجوده حينما أجرى المعاملة على العين. فقد يكون العيب الذي وجده مما تنقص به منفعة العين، و يكون مما تتجزأ به الأجرة في نظر العقلاء، مثل خراب بعض البيوت من الدار المستأجرة، و خراب بعض مرافقها، و قد يكون مما تنقص به منفعة العين و لا يكون كذلك، و قد يكون مما لا تنقص به المنفعة و لكنه مما تختلف

معه الرغبة من الناس في إجارة العين و تتفاوت به أجرتها، ففي المسألة صور:

(الصورة الأولى): أن يجد المستأجر في العين المستأجرة عيبا يوجب النقص في منفعة العين، و يكون مما تتجزأ معه أجرة العين، و قد مثلنا لذلك بخراب بعض مساكن الدار المستأجرة و بيوتها و بعض المرافق فيها.

و الحكم في هذه الصورة أنه يثبت للمستأجر بهذا العيب حق الخيار في إجارة العين، فيجوز له أن يفسخ العقد فيرد العين المستأجرة على مالكها، و يسترد منه الأجرة المسماة إذا كان قد دفعها اليه، و يجوز له أن يمضي عقد الإجارة و يقسط الأجرة المسماة، فتقدر أجرة المثل للدار المعينة مع خراب البعض من بيوتها و مرافقها، و تقدر أجرة مثلها مع كونها عامرة البيوت و المرافق، و تنسب القيمة الأولى الى الثانية، و يسترد من الأجرة المسماة بنسبة التفاوت ما بين الأجرتين، و يجوز للمستأجر أن يرضى بالإجارة فيمضي عقدها بالأجرة المسماة، من غير تقسيط، و إذا بادر المؤجر فأصلح خراب البيوت و المرافق من الدار

كلمة التقوى، ج 4، ص: 274

بحيث لم يفت على المستأجر شي ء من المنفعة في نظر أهل العرف، ففي ثبوت الخيار المذكور له تأمل بل لا يبعد عدم ثبوته، و لا يترك الاحتياط.

(الصورة الثانية): أن يكون العيب الذي وجده المستأجر في العين مما تنقص به منفعتها، و لا يكون مما تتجزأ به الأجرة عند العقلاء كالعرج في الدابة المستأجرة للركوب، و كالخروق في بعض سقوف الدار و التكسر في بعض شبابيكها بنحو لا تكون مانعة من وقوع المطر أو لا تكون واقية من البرد أو الحر، و الحكم في هذه الصورة انه يثبت للمستأجر بهذا العيب حق الخيار في الإجارة،

فيجوز له أن يفسخها فيرد العين على مالكها و يسترد منه الأجرة المسماة إذا كان قد دفعها اليه، و يجوز له أن يمضي العقد بالأجرة المسماة، و يشكل الحكم بجواز مطالبة المؤجر بأرش النقصان.

و إذا بادر المؤجر فأصلح العيب بحيث لم يفت على المستأجر شي ء من المنفعة في نظر أهل العرف، ففي ثبوت الخيار له تأمل بل لا يبعد عدم ثبوته كما سبق في نظيره، و لا يترك الاحتياط.

(الصورة الثالثة): أن يكون العيب الذي وجده المستأجر في العين المستأجرة مما لا تنقص به منفعتها، و لكنه مما تختلف مع وجوده رغبة الناس في استيجار العين و تتفاوت به أجرتها، كما إذا آجره المكاري دابة للركوب فوجدها مقطوعة الأذن أو مبتورة الذنب، و كما إذا استأجر من أحد دارا للسكنى فيها فوجدها مجاورة لشخص لا يرغب اشراف البلد في مجاورته، أو وجدها في محلة لا يحسن لأمثاله السكنى فيها و الحكم في هذه الصورة أنه يثبت للمستأجر أيضا الخيار بالعيب، فيجوز له أن يفسخ الإجارة و يرد العين على صاحبها و يسترد منه الأجرة، و يجوز له أن يمضي عقد الإجارة بالأجرة المسماة، و لا أرش.

(الصورة الرابعة): أن يجد المستأجر في العين التي استأجرها عيبا لا يوجب نقصا في منفعة العين و لا يوجب نقصا في الأجرة، و لا خيار للمستأجر في هذه الصورة و لا أرش.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 275

المسألة 65:

إذا حدث في العين التي استأجرها الإنسان عيب بعد ان تم عقد الإجارة عليها و قبل أن يقبض العين، أو حدث فيها بعد العقد و القبض كليهما، أشكل الحكم بثبوت الخيار للمستأجر فلا يترك الاحتياط لزوما في كلا الفرضين، و خصوصا في الفرض الثاني

و قد استوفى المستأجر بعض منفعة العين و مضى بعض المدة.

المسألة 66:

إذا استأجر الرجل من المالك عينا كلية غير مشخصة، و دفع المالك له فردا معينا من الكلي ليقبضه و يستوفي منفعته، فوجد الفرد الذي دفعه المالك اليه معيبا، كما إذا استأجر منه دابة كلية ليركبها فدفع إليه دابة من دوابه فرآها معيبة و كما إذا استأجر منه دارا كلية موصوفة، ليسكنها و كانت للمالك عدة دور يملكها و هي على نسق واحد من الوصف و دفع المالك إليه احدى الدور فوجدها معيبة، جاز للمستأجر أن يطالب المالك بإبدال الفرد المعيب بفرد آخر صحيح لا عيب فيه، و لا يثبت للمستأجر خيار العيب، و لا يجوز له فسخ الإجارة، فإذا تعذر على المالك أن يدفع البدل ثبت للمستأجر الخيار حين ذاك و جاز له فسخ الإجارة.

المسألة 67:

إذا استأجر الرجل من صاحبه بعض أملاكه و جعل عوض الإجارة عينا شخصية و جرى العقد على ذلك، و مثال ذلك أن يستأجر منه داره أو دكانه بعشرة أمنان معينة من الحنطة، فقال له المؤجر آجرتك الدار المعينة مدة شهرين مثلا بهذه الأمنان العشرة الخاصة من الحنطة، و قبل المستأجر و دفع اليه الأمنان، و لما قبض المؤجر الأجرة المعينة وجدها معيبة، فيجري في الأجرة المعينة في هذا الفرض التفصيل السابق ذكره في العين المستأجرة إذا وجدها المستأجر معيبة، فإذا كان المؤجر عالما بوجود العيب في عين الأجرة قبل المعاملة، و اجرى العقد مع علمه بالعيب في الأجرة المعينة، صحت الإجارة و لم يثبت للمؤجر خيار العيب، و كذلك إذا علم بوجود العيب حين المعاملة، فأتم العقد مع علمه بالعيب.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 276

و إذا كان المؤجر جاهلا بوجود العيب في عين الأجرة و كان وجود العيب فيها سابقا

على العقد، ثبت للمؤجر الخيار، فيجوز له أن يفسخ عقد الإجارة و يرد الأجرة المعيبة على المستأجر، و يسترد منه العين المستأجرة و يجوز له أن يرضى بالإجارة فيمضي العقد بالأجرة المسماة المعيبة، و يشكل الحكم بجواز مطالبة المؤجر للمستأجر بأرش النقصان في الأجرة، كما تقدم الإشكال في نظيره في المسألة الرابعة و الستين في الصورة الثانية منها.

المسألة 68:

إذا استأجر الرجل من غيره شيئا، و كان مال الأجرة الذي وقع عليه العقد بين الطرفين منفعة خاصة لعين من الأعيان الشخصية، كما إذا استأجر من صاحبه دارا ليسكنها مدة ستة أشهر و جعل العوض لذلك منفعة دكان يملكه المستأجر مدة سنة كاملة، و حين قبض المؤجر الدكان ليستوفي منفعته و هي عوض اجارة داره وجد الدكان معيبا، و هو يجهل وجود العيب، فيجري فيه التفصيل المتقدم ذكره في عيب العين المستأجرة، و تجري فيه فروضها و تنطبق على الفروض أحكامها، و تراجع المسألة الرابعة و الستون.

المسألة 69:

إذا كانت الأجرة في عقد الإجارة أمرا كليا، و دفع المستأجر للمؤجر منه فردا خاصا، و قبضه عوضا عن إجارته، و بعد القبض وجد المؤجر الفرد المدفوع اليه معيبا، جاز للمؤجر أن يطالب المستأجر بإبدال الفرد المدفوع اليه بفرد صحيح لا عيب فيه، و لا يثبت له خيار الفسخ كما تقدم نظير ذلك في العين المستأجرة في المسألة السادسة و الستين.

المسألة 70:

إذا استأجر الشخص من غيره شيئا يملكه مدة معينة بعوض معلوم، أو استأجره لعمل معين بعوض معلوم، ثم ظهر للمستأجر أنه مغبون في الإجارة، ثبت له خيار الغبن فيها، و جاز له أن يفسخ العقد و يرد العين المستأجرة و يسترد منه الأجرة المسماة، و أن يرضى بالعقد بالأجرة المسماة، إلا إذا شرط المؤجر عليه في ضمن العقد سقوط حقه من الخيار

كلمة التقوى، ج 4، ص: 277

إذا كان مغبونا، و قبل هو بالشرط، فلا يثبت له الخيار حين ذاك.

و كذلك إذا ظهر للمؤجر أنه مغبون في الأجرة، فيثبت له الخيار على نهج ما تقدم إلا إذا اشترط عليه المستأجر في ضمن العقد سقوط الخيار إذا كان مغبونا.

المسألة 71:

لا يحق للمغبون منهما أن يطالب الغابن بالتفاوت ما بين الأجرتين، و لا يجب عليه القبول إذا بذل الغابن له التفاوت المذكور.

المسألة 72:

لا يثبت الخيار للمستأجر و لا للمؤجر إذا كان عالما بالغبن قبل العقد، أو علم به حين اجراء عقد الإجارة بينهما، فأتم العقد مع علمه بالغبن.

المسألة 73:

يجوز للغابن أن يصالح المغبون على إسقاط حقه من الخيار، فإذا صالحه على ذلك بمقدار من المال، و قبل المغبون بالمصالحة سقط حقه من الخيار، و لم يجز له أن يفسخ العقد، و وجب على الغابن أن يدفع له العوض الذي جرى عليه الصلح، إلا إذا ظهر له انه مغبون في عقد الصلح أيضا، فيجوز له فسخ الصلح ثم فسخ الإجارة.

المسألة 74:

إذا استوفى المستأجر منفعة العين المستأجرة في جميع المدة المعينة في عقد الإجارة أو في بعضها، ثم ظهر الغبن للمغبون من المتعاقدين، لم يسقط بذلك حقه من الخيار، فيجوز له ان يفسخ الإجارة و يرد العين المستأجرة و الأجرة المسماة في العقد الى مالكهما، و تثبت لمالك العين المستأجرة أجرة المثل عن منفعتها التي استوفاها المستأجر.

و كذلك الحكم في الإجارة على العمل، فإذا أتم الأجير العمل الذي استؤجر عليه أو أتم بعضه، ثم ظهر الغبن للمغبون، فيجوز له فسخ الإجارة ورد الأجرة المسماة إلى مالكها، و تكون للعامل أجرة المثل عن عمله الذي أتى به للمستأجر.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 278

المسألة 75:

يجوز للمؤجر أن يشترط لنفسه على المستأجر الخيار في ضمن عقد الإجارة في مدة معينة، فإذا شرط ذلك لنفسه و قبل المستأجر بذلك، ثبت له الخيار في الوقت الذي عينه، و جاز له أن يفسخ عقد الإجارة فيه، و يجوز ذلك للمستأجر أيضا، فإذا شرط الخيار لنفسه في ضمن العقد في وقت معين، و قبل المؤجر بذلك ثبت له الخيار كما شرط، و جاز له الفسخ.

و يجوز اشتراط ذلك لهما معا، بل يجوز لهما و لأحدهما أن يشترط الخيار في العقد لشخص ثالث غيرهما، فيكون الشخص الثالث هو صاحب الخيار، فيجوز له أن يفسخ الإجارة في الوقت المعين، كما سبق نظيره في فصل الخيارات من كتاب التجارة.

و يجوز لمالك العين المستأجرة ان يشترط لنفسه خيار فسخ الإجارة إذا هو رد الأجرة المسماة على المستأجر في وقت معين، و يجوز للأجير أن يشترط ذلك لنفسه إذا هو رد العوض على مستأجرة في وقت معلوم، فإذا رد المشترط منهما العوض في الوقت الذي عينه جاز له

ان يفسخ الإجارة كما شرط و قد سبق نظيره في البيع.

و يجوز لكل واحد من المتعاقدين أن يشترط على صاحبه أنه يستشير شخصا ثالثا في أمر الفسخ في وقت معين فان رجح له الفسخ فسخ العقد، و ان رجح له إبقاء العقد أبقاه، فإذا قبل صاحبه بالشرط نفذ و لزم العمل به.

المسألة 76:

إذا استوفى المستأجر المنفعة التي استأجر العين لها في بعض المدة، ثم حل الوقت الذي اشترط فيه أحد المتعاقدين الخيار لنفسه، لم يمنعه ذلك من أن يأخذ بخياره، فيجوز له بعد حضور الوقت المعين و بعد رد العوض إذا اشترط الخيار بذلك: أن يفسخ العقد و يرد العين المستأجرة إلى مالكها، و يرد الأجرة المسماة إلى دافعها، و تثبت لمالك العين المستأجرة أجرة المثل عن منفعتها التي استوفاها المستأجر، و كذلك الحكم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 279

في الفرض الأخير، فإذا قام الأجير ببعض العمل الذي استؤجر عليه، ثم حضر وقت الخيار لصاحب الخيار و كمل شرطه، جاز له أن يفسخ العقد، و كانت للأجير أجرة المثل للعمل الذي قام به للمستأجر.

المسألة 77:

إذا شرط المؤجر أو المستأجر في عقد الإجارة على صاحبه شرطا و قبل به صاحبه ثم لم يف له بالشرط، ثبت للمشترط خيار تخلف الشرط، على النحو الذي فصلناه في مبحث الخيارات من كتاب التجارة.

و هكذا يجري في الإجارة جميع الخيارات التي تقدم بيانها في مبحث الخيارات عدا ما استثني منها، فيجري في الإجارة خيار تبعض الصفقة، و خيار تعذر التسليم، و خيار تخلف الوصف، و خيار الشركة، و لا يجري فيها خيار المجلس، و لا خيار الحيوان، و لا خيار التأخير ثلاثة أيام، و قد ذكرنا في فصل الخيارات و في كتاب الصلح ان هذه الخيارات الثلاثة تختص بالبيع وحده، و لا تجري في ما سواه من المعاملات، و اما خيار ما يفسد ليومه فيشكل الأمر فيه، و لعله من أفراد خيار التأخير فيكون مما يختص بالبيع.

المسألة 78:

إذا أفلس المستأجر و حجر عليه الحاكم الشرعي لقصور أمواله عن الوفاء بجميع ديونه الحالة عليه، و كانت الأجرة المسماة أحد ديونه التي حجر عليه من أجلها، تخير المالك بين أن يفسخ الإجارة فيسترد العين المستأجرة و منفعتها التي ملكها للمستأجر في مدة الإجارة، و أن يبقى الإجارة بحالها، و يضرب بدينه و هو الأجرة المسماة في أموال المفلس مع بقية الغرماء.

و هذا الخيار هو خيار التفليس الذي يذكره الفقهاء في كتاب البيع، و في كتاب الحجر، و نظيره أيضا الخيار الذي يثبت للبائع إذا وجد عين ماله الذي باعه على المفلس في جملة أمواله المحجورة، و كان ثمن المال المبيع أحد الديون التي حجر على المفلس من أجلها، فيتخير البائع في هذه الصورة بين أن يفسخ البيع فيأخذ عين ماله و لا يشاركه فيه احد من

كلمة التقوى، ج 4، ص: 280

الغرماء، و ان يمضي البيع و يضرب بدينه و هو الثمن مع سائر الغرماء في أموال المفلس.

المسألة 79:

إذا ثبت الخيار للمؤجر أو للمستأجر، ففسخ العقد في أول المدة المعينة للإجارة، رجعت العين المستأجرة و منفعتها كاملة إلى مالكها و هو المؤجر، و رجعت الأجرة المسماة كاملة إلى مالكها و هو المستأجر، و لا شبهة في ذلك.

و إذا فسخ صاحب الخيار بعد مضي شطر من المدة و قد استوفى المستأجر بعضا من المنفعة، أو قام الأجير ببعض العمل المستأجر عليه، و كان سبب الخيار الذي أخذ به و فسخ من أجله ثابتا من حين العقد كما إذا كان المستأجر مغبونا من حين العقد و لم يعلم بالغبن الا بعد ذلك، و كما إذا كان في العين المستأجرة عيب حين العقد أو قبله و لم يعلم به المستأجر إلا بعد ذلك، و كما إذا اشترط لنفسه خيار الفسخ بعد شهر من العقد مثلا أو إذا هو رد العين على المالك بعد شهر، ففي مثل هذه الصور يتخير صاحب الخيار بين ان يفسخ العقد من أصله فيرجع اليه تمام الأجرة المسماة، و تثبت للمؤجر أجرة المثل بالنسبة الى ما مضى، و أن يفسخ العقد من ذلك الحين فتقسم الأجرة المسماة بين المؤجر و المستأجر، فيكون للمؤجر منها بنسبة ما مضى من المدة إلى مجموعها، و يرجع الى المستأجر منها بنسبة ما بقي. و إذا كان سبب الخيار طارئا في أثناء المدة، كما إذا انهدمت الدار المستأجرة في أثناء المدة، ففسخ صاحب الخيار بموجب خياره، قسمت الأجرة المسماة بينهما كما تقدم في الشق الثاني، فكان للمؤجر من الأجرة بنسبة ما مضى من المدة و

رجع الى المستأجر منها بنسبة ما بقي منها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 281

الفصل الثالث يملك العوضان في الإجارة بنفس العقد
المسألة 80:

إذا تم عقد الإجارة بين المتعاملين، ملك المستأجر منفعة العين المستأجرة بنفس العقد ملكا تاما مستقرا، و لم يتوقف تحقق ملكه لها و لا استقراره على حصول أمر آخر، و ملك المؤجر الأجرة المسماة بنفس العقد كذلك ملكا تاما مستقرا، و لم يتوقف تحقق ملكه لها و لا استقراره على حصول أمر آخر، و وجب على كل واحد منهما تسليم العوض الذي عينه، لصاحبه الذي ملكه بالعقد، و لكن لا يحق لأحدهما أن يطالب بالعوض الذي ملكه من صاحبه، حتى يسلم هو لصاحبه العوض الآخر الذي ملكه لصاحبه فلا يطالب المستأجر المالك بتسليم المنفعة حتى يسلمه هو الأجرة، و لا يطالب المالك المستأجر بدفع الأجرة، حتى يسلمه هو المنفعة.

و كذلك الحال في الإجارة على العمل، فيملك المستأجر العمل المعين على الأجير، و يملك الأجير الأجرة المسماة على المستأجر بنفس العقد ملكا مستقرا، فيجب على كل واحد منهما أن يسلم صاحبه عوضه الذي صار اليه، و لا يحق لأحدهما أن يطالب بعوضه حتى يسلم هو ما وجب عليه.

المسألة 81:

يتحقق تسليم المنفعة بتسليم العين ذات المنفعة، فإذا آجر المالك غيره دارا ليسكنها، أو دكانا ليبيع فيه و يشتري، أو دابة ليركبها، و سلم اليه العين المستأجرة، فقد سلمه منفعتها، و جاز له أن يطالب المستأجر بالأجرة المسماة له بالعقد إذا لم يكن دفعها اليه.

و يتحقق تسليم العمل المستأجر عليه بإتمام العمل، سواء كان العمل مما يتعلق بالنفس، كالصلاة و الصوم و الحج و العمرة و الزيارة، أم كان مما يتعلق بمال للمستأجر و هو في يد الأجير و تحت استيلائه كخياطة ثوب المستأجر و صياغة خاتمه و نسخ كتابه، أم لم يكن تحت

كلمة التقوى، ج 4، ص:

282

استيلاء الأجير كبناء منزل المستأجر و زرع بستانه، أو حفر بئر أو استخراج عين فيه، أو إصلاح جهاز أو آلة في منزله.

و الظاهر أنه يجوز للعامل أن يطالب المستأجر بأجرة ما أنجز له من العمل الذي استأجره عليه و لا يتوقف جواز المطالبة على إتمام العمل كله، و خصوصا إذا كان العمل ينحل إلى إعمال، كالصلاة و الصوم و شبههما، و يتضح ذلك جليا إذا كان العمل المستأجر عليه طويلا جدا، كما إذا استأجر الشخص لخدمة عدة من السنين، أو لصوم أشهر كثيرة نعم لا يحق للأجير أن يطالب المستأجر بأجرة غير ما أنجز له من العمل.

و يتحقق تسليم الأجرة بإقباضها إذا كانت معينة شخصية، و بإقباض مصداقها الذي يتحقق وجودها به إذا كانت كلية، و بتسليم العين التي تستوفى منها إذا كانت منفعة.

المسألة 82:

إذا اشترط المؤجر أو المستأجر في العقد تأجيل التسليم في المنفعة أو في الأجرة المسماة، إلى أجل مسمى نفذ الشرط و لزم العمل بموجبه، و لم يجز للآخر المطالبة به حتى يحل أجله، و إذا اشترط المؤجر في عقد الإجارة تقديم تسليم الأجرة على تسليم المنفعة أو العكس لزم الوفاء بالشرط، و كذلك إذا اشترط الأجير تقديم تسليم الأجرة على العمل فيجب اتباع الشرط، و إذا كان المتعارف بين الناس أو كانت العادة المعروفة بين أصحاب البلد أو أصحاب العمل ان تسليم الأجرة قبل تسليم المنفعة أو قبل تسليم العمل كان ذلك بحكم الشرط فيلزم اتباعه.

المسألة 83:

إذا تراضى المتعاقدان فسلم كل واحد منهما ما وجب عليه تسليمه من عوض لصاحبه دفعة واحدة أو ابتدأ أحدهما بتسليم ما لديه أولا ثم سلمه الآخر من بعده، أو قبل بتأخير التسليم من صاحبه مدة، أو تراضيا فجعل أحدهما العوض الذي عنده بيد أمين، و سلم الآخر العوض الذي عنده لصاحبه، أو تراضيا بغير ذلك من الصور صح لهما ما تصالحا عليه و رتبا أثر العقد حسب اتفاقهما، و إذا تعاسرا و لم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 283

يتفقا على وجه من الوجوه أجبرهما الحاكم الشرعي على إنفاذ العقد في صورة من الصور.

المسألة 84:

إذا امتنع مؤجر العين من تسليمها للمستأجر، و كان المستأجر باذلا لعوض الإجارة غير ممتنع من تسليمه، أو كان قد اشترط على المؤجر تأجيل تسليم الأجرة إلى أجل مسمى، جاز للمستأجر أن يجبر المؤجر على تسليم العين المستأجرة، و ان لم يمكن له أن يجبره على ذلك، ثبت للمستأجر خيار الفسخ، فيجوز له أن يفسخ الإجارة، و يسترد من صاحبه الأجرة المسماة إذا كان قد دفعها اليه، و يجوز له أن يمضي الإجارة و يطالب المؤجر بعوض ما فاته من المنفعة، و كذلك الحكم إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة، و كان المؤجر باذلا للعين المستأجرة أو كان قد شرط على المستأجر تأجيل تسليمها إلى أجل مسمى، فيجوز للمؤجر أن يجبره على تسليم الأجرة، فان لم يمكن له إجباره ثبت للمؤجر الخيار المذكور.

المسألة 85:

إذا سلم المؤجر العين المستأجرة للمستأجر، ثم أخذها منه بعد التسليم بلا فاصلة، أو تركها عنده بعض المدة ثم أخذها منه، جرى فيه الحكم المتقدم في المسألة السابقة، فيجوز للمستأجر أن يجبره على التسليم، فان لم يمكن له إجباره ثبت للمستأجر الخيار المتقدم ذكره، و إذا هو اختار فسخ الإجارة و كان فسخه في ابتداء المدة كما هو الفرض الأول رجع على المؤجر بجميع الأجرة المسماة، و ان كان فسخه في أثناء المدة كما هو الفرض الثاني رجع على المؤجر بما يقابل بقية المدة من الأجرة المسماة، و له أن يمضي الإجارة و يطالب المؤجر بعوض ما فاته من المنفعة، و هو الشق الثاني من الخيار الذي ثبت له.

المسألة 86:

إذا استأجر الرجل عينا و سلمه المؤجر العين في ابتداء مدة الإجارة و بقيت العين في يده الى ان انقضت المدة استقرت عليه الأجرة و ان لم يستوف المنفعة من العين إذا كان عدم استيفائه المنفعة باختياره، كما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 284

إذا استأجر من المالك دارا معينة، فاستلمها من المالك و لم يسكنها باختياره، و كما إذا استأجر منه محلا أو حانوتا معينا، فقبضه منه و لم يتجر فيه باختياره، و كما إذا استأجر منه سيارة معينة لتكون تحت تصرفه في تنقلاته، فقبضها و لم يستوف منفعتها كذلك حتى انقضت المدة، فيجب على المستأجر دفع الأجرة المسماة للمؤجر، و مثله في الحكم ما إذا بذل المؤجر العين المستأجرة فلم يقبضها المستأجر و لم يتسلمها منه باختياره حتى انقضت مدة الإجارة، فتستقر الأجرة المسماة على المستأجر بذلك و يجب عليه دفعها الى المؤجر.

و كذلك الحكم إذا استأجر الإنسان عينا كلية، و سلم إليه المؤجر فردا

خاصا من ذلك الكلي بقصد الوفاء بالعقد، كما إذا استأجر منه دارا كلية موصوفة، و كانت لدى المالك عدة من الدور كما وصف، و سلم إليه احدى الدور وفاء بعقده و بقيت الدار في يده حتى انقضت مدة الإجارة، فيجب عليه دفع الأجرة المسماة للمؤجر و ان لم يسكن الدار التي استلمها باختياره، و مثله ما إذا بذل له المؤجر الفرد الذي عينه من الكلي فلم يتسلمه المستأجر باختياره حتى انقضى الأجل، فيجب عليه دفع الأجرة للمؤجر.

المسألة 87:

إذا استأجر الإنسان أجيرا ليعمل له عملا معينا في وقت معين، بأجرة معينة، كما إذا استأجره لينسخ له كتابا في أيام معلومة، أو استأجره ليخيط ثوبه المعين، أو يصلح له سيارته الخاصة في وقت معين و هيأ الأجير و بذل نفسه للعمل المستأجر عليه، و لم يعطه المستأجر الكتاب المعين ليكتبه، و لم يسلمه الثوب أو السيارة، و هو مختار في ذلك حتى انقضت المدة المضروبة لذلك العمل، وجب على المستأجر أن يدفع للأجير أجرته المسماة، سواء شغل الأجير نفسه في تلك المدة بعمل آخر أم لا، و سواء كان العمل الذي قام به لنفسه أم لشخص غيره.

المسألة 88:

إذا استأجر الإنسان عينا و سلمه المؤجر العين المستأجرة و لم يستوف

كلمة التقوى، ج 4، ص: 285

المستأجر المنفعة منها حتى انقضت مدة الإجارة و كان معذورا في عدم استيفاء المنفعة فهاهنا صور.

(الصورة الأولى): أن يكون عذر المستأجر في عدم استيفاء المنفعة عاما له و لغيره، كما إذا حدثت حرب منعت من الوصول الى الدار المستأجرة أو الحانوت ليسكن في الدار و يكتسب في الحانوت، و كما إذا منعت الدولة السفر الى البلد فلم يمكنه الوصول الى الدار أو الحانوت لينتفع بهما و لو بالإجارة من غيره و كما إذا منعه مطر شديد أو نزول ثلج كثير من ركوب السيارة المستأجرة و استعمالها حتى انقضى الوقت، و الظاهر بطلان الإجارة في هذه الصورة، و لا تلزم المستأجر الأجرة.

و إذا استوفى المستأجر المنفعة في بعض المدة، ثم منعه العذر العام من استيفاء المنفعة في بقية المدة صحت الإجارة في بعض المدة الذي استوفى فيه منفعة العين، فتكون للمؤجر حصة ذلك البعض من الأجرة المسماة، و بطلت الإجارة في

الباقي الذي لم يتمكن فيه من استيفاء المنفعة، فلا يكون للمؤجر فيه شي ء من الأجرة.

المسألة 89:

(الصورة الثانية): أن يكون عذر المستأجر عن استيفاء المنفعة خاصا به، كما إذا سجن فلم يستطع سكنى الدار المستأجرة أو التكسب في الحانوت، أو الركوب في السيارة، أو مرض فلم يتمكن من ذلك، و هذا الفرض يقع على أنحاء.

النحو الأول: أن يكون المؤجر قد اشترط على المستأجر في ضمن العقد على نحو التقييد، أن يكون هو الذي يستوفى منفعة العين بنفسه، و المراد بالتقييد أنه خص الإجارة به، فلا تشمل الإجارة ما إذا استوفى المنفعة غيره، و يكون الشرط بنحو وحدة المطلوب كما يقول بعض الفقهاء.

النحو الثاني: أن يكون المؤجر قد اشترط على المستأجر ذلك، على نحو لا يقيد الإجارة به، و يكون من الشرط في ضمن العقد بنحو تعدد المطلوب.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 286

النحو الثالث: أن يطلق المؤجر عقد الإجارة فلا يشترط على المستأجر أن يستوفي المنفعة بنفسه.

فإذا كان الفرض على النحو الأول، و هو أن يكون المؤجر قد قيد إجارته بأن يكون المستأجر هو المستوفي للمنفعة بنفسه لا بغيره، فالظاهر بطلان الإجارة إذا سجن المستأجر أو مرض أو طرأ له عذر خاص آخر، فلم يتمكن من استيفاء المنفعة بنفسه، لتعذر المنفعة الخاصة المقصودة بالإجارة، و لا تثبت الأجرة للمؤجر.

المسألة 90:

الصورة الثالثة: ان يكون عذر المستأجر عن استيفاء المنفعة خاصا به كالمرض و السجن، و يكون المؤجر قد شرط عليه أن يستوفي منفعة العين بنفسه على نحو الاشتراط في ضمن العقد و تعدد المطلوب فالإجارة غير مقيدة بالشرط، و لكن الالتزام بالشرط مطلوب أيضا، فإذا مرض المستأجر أو سجن فلم يستوف المنفعة لذلك لم تبطل الإجارة لعدم تعذر المنفعة فيمكن له أن يستوفيها بإجارة الدكان أو الدار من غيره، و لكن يثبت الخيار

في الفسخ أو الإمضاء للمؤجر، بسبب تخلف شرطه الذي شرطه على المستأجر.

المسألة 91:

الصورة الرابعة: أن يكون عذر المستأجر في عدم استيفائه منفعة العين المستأجرة خاصا به كما تقدم، و يكون المؤجر قد أطلق عقد الإجارة و لم يشترط على المستأجر في استيفاء المنفعة شيئا، فإذا مرض المستأجر أو سجن و لم يستوف المنفعة بنفسه، لم تبطل الإجارة بذلك و ثبتت للمؤجر الأجرة المسماة في العقد و لا خيار له.

المسألة 92:

إذا سلم المؤجر العين المستأجرة، و قبضها المستأجر منه و لم يستوف منفعتها في بعض المدة جرت في هذه المسألة جميع الفروض المتقدم ذكرها، فقد يكون المستأجر مختارا في عدم استيفاء المنفعة في بعض المدة، و قد يكون معذورا في ذلك، و إذا كان معذورا فيه، فقد يكون

كلمة التقوى، ج 4، ص: 287

العذر عاما له و لغيره و قد يكون خاصا به الى آخر ما قدمنا ذكره من الفروض في المسألة السابقة، و ينطبق على كل فرض منها حكمه الذي تقدم بيانه فلا فرق بين ما إذا كان عدم استيفاء المنفعة في جميع المدة و في بعضها.

و كذلك إذا كانت الإجارة على العمل فلم يستوف المستأجر بعض العمل المستأجر عليه فتجري الفروض كلها و تبطل الإجارة في مورد البطلان منها، و تصح حيث تصح، و يثبت الخيار حيث يثبت هناك.

المسألة 93:

إذا استأجر الإنسان أجيرا حرا لعمل من الأعمال أو لمنفعة من المنافع المحللة، ملك المستأجر منه عمله و منفعته المستأجر عليهما، و أصبحا مضمونين عليه، فإذا هيأ الأجير نفسه و بذلها لتوفية العمل و المنفعة المستأجر عليهما، و لم يستوفهما المستأجر باختياره، ضمن للأجير عمله و منفعته و وجب عليه دفع الأجرة المسماة، كما تقدم في المسألة السابعة و الثمانين.

و كذلك إذا ملك منه العمل و المنفعة بصلح أو هبة، أو جعله ثمنا في بيع أو عوضا في معاملة شرعية صحيحة فيكون العمل و المنفعة مملوكين له و مضمونين عليه بعوضهما.

و لا يضمن عمل الحر و لا منفعته بمجرد التفويت من غير أن يملكهما بعقد أو معاملة، كما إذا شغله بشي ء حتى فات منه العمل أو المنفعة، بل و حتى إذا حبسه بحق أو

بغير حق، و كان كسوبا.

و يضمن الرجل عمل العبد المملوك و منفعته إذا استأجره لهما من سيده و لم يستوف المستأجر المنفعة أو العمل باختياره، فيلزمه دفع الأجرة المسماة، و كذلك إذا آجر العبد نفسه باذن مولاه.

و يملك الرجل أعمال العبد و منافعه إذا ملكهما إياه مولاه أو وكيل المولى بصلح أو معاملة شرعية صحيحة أو جعلهما عوضا في بعض المعاملات، و يملك أعماله و منافعه كذلك إذا ملكهما العبد نفسه إياه بإذن مولاه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 288

المسألة 94:

إذا استأجر الرجل من غيره دابة فشردت بحيث لا يمكن للمستأجر العثور عليها و استيفاء المنفعة المعلومة منها، و كان شرودها قبل التسليم أو بعده و قبل أن يتمكن المستأجر من استيفاء منفعتها كانت الإجارة باطلة، و رجعت الأجرة المسماة إلى المستأجر، و إذا كان شرود الدابة في أثناء المدة، بطلت الإجارة في ما بقي من المدة، و تقسطت الأجرة المسماة بين المؤجر و المستأجر بالنسبة، فيثبت للمؤجر منها بنسبة ما مضى من المدة و يرجع الى المستأجر منها بنسبة ما بقي، فإذا مضى من المدة ثلثها مثلا كان للمؤجر ثلث الأجرة المسماة و للمستأجر ثلثاها، و إذا مضى نصف المدة كان لكل واحد منهما نصف الأجرة، و كذلك الحكم إذا استأجر الرجل العبد من مالكه، فأبق العبد بحيث لا يقدر على استيفاء منفعته، أو استأجر السيارة فسرقت و لم يمكن العثور عليها، فيجري فيها التفصيل المذكور.

المسألة 95:

إذا غصب العين المستأجرة أحد قبل أن يقبضها المستأجر، فلم يستطع أن يستوفي منها شيئا من منفعتها، تخير المستأجر بين أن يفسخ عقد الإجارة، فيرجع على المؤجر بالأجرة المسماة إذا كان قد دفعها اليه، و أن يبقى الإجارة و يرجع على الغاصب بأجرة المثل للعين المغصوبة مدة الإجارة.

و إذا كان الغصب بعد أن قبض المستأجر العين المستأجرة، لم يجز له أن يفسخ الإجارة، و كان له ان يرجع على الغاصب بأجرة المثل، سواء كان الغصب في أول مدة الإجارة أم في أثنائها.

و كذلك الحكم إذا لم يغصب المتسلط العين، و لكنه منع المستأجر من استيفاء المنفعة، فإن كان ذلك قبل قبض العين تخير المستأجر بين أن يفسخ الإجارة و يرجع على مؤجرها بالأجرة، و أن يمضي الإجارة و

يرجع على الظالم بأجرة المثل، و ان كان منعه بعد قبض العين لم يجز للمستأجر أن يفسخ الإجارة و كان له الرجوع على الظالم بأجرة المثل.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 289

و إذا غصب الغاصب العين المستأجرة قبل قبضها، ثم أرجعها إلى المستأجر في أثناء المدة لم يسقط بذلك خيار المستأجر، و إذا أراد الفسخ فالأحوط له لزوما ان لم يكن هو الأقوى: ان لا يفسخ إلا في الجميع.

و كذلك الحكم إذا منعه قبل القبض عن استيفاء المنفعة من غير غصب للعين، ثم رفع منعه في أثناء المدة.

المسألة 96:

إذا استأجر الرجل عينا شخصية، فتلفت العين المستأجرة قبل أن يقبضها المستأجر من صاحبها بطلت إجارتها، و كذلك إذا تلفت العين بعد قبضها بلا فاصلة من الزمان، أو تلفت قبل حلول مدة الإجارة في ما إذا كانت المدة منفصلة عن زمان العقد، فتبطل الإجارة في هذه الفروض الثلاثة، و لا يستحق المؤجر شيئا من الأجرة.

و إذا تلفت العين بعد مضي بعض المدة بطلت الإجارة في بقية المدة، و رجع المستأجر على المؤجر بما قابل بقية المدة من الأجرة المسماة، فإذا كان الباقي نصف المدة رجع المستأجر بنصف الأجرة، و إذا كان الباقي ثلث المدة رجع بثلث الأجرة، و هكذا.

و إذا تفاوتت أجزاء المدة في مقاديرها من الأجرة، كما إذا كانت أجرة العين في أيام الصيف أكثر أو أقل من أجرتها في أيام الشتاء، و كما إذا كانت أجرتها في أيام الموسم أغلى من سائر الأيام، لوحظت النسبة ما بين الأيام و رجع بما قابل بقية المدة بنسبتها إلى أجرة مجموع المدة.

المسألة 97:

إذا تلف بعض العين التي استأجرها، بطلت الإجارة في ذلك البعض التالف بنسبته الى مجموع العين، فإذا كان التالف نصف العين مثلا بطل العقد في نصف الإجارة، و إذا كان التالف ربع العين بطل العقد في ربع الإجارة، و هكذا، و توجه التفصيل الذي تقدم ذكره في تلف جميع

كلمة التقوى، ج 4، ص: 290

العين، فإذا كان تلفه قبل القبض أو بعده بلا فاصل من الزمان أو قبل حضور مدة الإجارة، بطلت الإجارة في ذلك البعض التالف، و لم يستحق المؤجر من أجرته شيئا، و إذا كان تلفه بعد مضي بعض المدة، بطلت اجارة البعض التالف في بقية المدة، و رجع المستأجر على المؤجر

بما قابل بقية المدة من الأجرة المسماة، و كان للمستأجر خيار تبعض الصفقة في إجارة البعض الباقي من العين غير التالف.

المسألة 98:

ما ذكرناه في المسألتين المتقدمتين في تلف جميع العين المستأجرة و في تلف بعضها من الأحكام انما هو في التلف السماوي الذي لا يستند الى سبب اختياري من الإنسان، و منه ما إذا أتلف العين حيوان أو أتلف بعضها، و كان الإتلاف يستند الى الحيوان نفسه، كما إذا صال الحيوان على الدابة المستأجرة فقتلها، أو ضرب الآنية المستأجرة برجله فكسرها.

و إذا كان إتلاف الحيوان للعين مستندا الى فعل الإنسان و تحريضه مثلا لحقه حكم ذلك الإنسان تقديما للسبب على المباشر.

المسألة 99:

إذا أتلف المستأجر العين المستأجرة بعد أن قبضها من المؤجر، فلا ريب في صحة الإجارة، فيجب على المستأجر دفع الأجرة المسماة للمؤجر، و يجب عليه دفع قيمة العين التالفة.

و إذا هو أتلف العين المستأجرة قبل أن يقبضها من المؤجر، فقد ذكر جماعة من الأكابر ان إتلاف المستأجر للعين بمنزلة قبضها، فتصح الإجارة كما في الفرض السابق.

و هذا الحكم على إطلاقه ممنوع، فان القبض هو الاستيلاء على العين، و إتلاف المستأجر للعين لا يكون قبضا لها حتى يكون معه نحو استيلاء من المستأجر على العين، كما إذا استولى على الآنية فكسرها، أو على الحيوان فقتله أو على الفرش و الثياب فأحرقها، فإذا تحقق منه استيلاء على العين المستأجرة تحقق القبض و صحت الإجارة، و لزم المستأجر دفع الأجرة المسماة للمؤجر، و وجب عليه دفع قيمة العين التالفة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 291

و إذا لم يتحقق الاستيلاء على العين لم يحصل القبض، فإذا تلفت العين بطلت الإجارة، و وجب على المستأجر أن يدفع قيمة العين لإتلافها.

المسألة 100:

إذا أتلف المؤجر العين المستأجرة قبل أن يقبضها المستأجرة منه، فالظاهر بطلان الإجارة بذلك، و لا شي ء لكل من المستأجر و المؤجر على الآخر، و إذا هو أتلفها بعد القبض تخير المستأجر بين أن يفسخ الإجارة فيسترد الأجرة المسماة من المؤجر إذا كان قد دفعها اليه، و أن يمضي الإجارة و يرجع على المؤجر بقيمة المنفعة التي أتلفها مع العين.

المسألة 101:

إذا أتلف العين المستأجرة شخص آخر غير المؤجر و المستأجر كان ضامنا لما أتلفه، فإن كان قد أتلف العين بعد أن تمت الإجارة و قبض المستأجر العين، ضمن المتلف للمستأجر قيمة المنفعة التي ملكها بالإجارة، و ضمن لمالك العين قيمة العين و هي مسلوبة المنفعة، و إذا كان قد أتلف العين قبل أن يقبضها المستأجر بطلت الإجارة بذلك، فلا شي ء للمستأجر على المتلف، و ضمن المتلف قيمة العين و المنفعة معا لمالكهما و هو المؤجر.

المسألة 102:

إذا استأجر أحد من غيره عينا كلية، و دفع المالك المؤجر له فردا معينا من الكلي، ثم تلف الفرد الذي عينه المؤجر و سلمه اليه لم تبطل الإجارة بذلك، و مثاله أن يستأجر الرجل من المالك آنية موصوفة لوضع الطعام و الشراب فيها، فيدفع اليه مالك الأواني آنية معينة كما وصف، أو يستأجر منه دابة للركوب، أو بقرة للحلب فيدفع اليه المالك دابة أو بقرة يعينها له كما وصف في عقد الإجارة، فإذا تلف الفرد الخاص الذي عينه المالك و دفعه للمستأجر، لم تبطل الإجارة بتلفه، و وجب على المؤجر أن يدفع له فردا غير التالف، سواء كان الفرد التالف مضمونا على المستأجر أو على غيره أم لا.

المسألة 103:

إذا استأجر أحد أجيرا ليعمل له عملا في عين يملكها، بأن يخيط له

كلمة التقوى، ج 4، ص: 292

ثوبا أو يصلح له آلة أو جهازا معينا، أو يجلد له كتابا، و دفع المستأجر إليه العين التي استأجره للعمل فيها، ثم تلفت العين المذكورة بطلت الإجارة، فإذا كان تلف الثوب أو الجهاز أو الكتاب قبل ابتداء العمل به، رجعت الأجرة المسماة كلها الى مالك العين و هو المستأجر، و إذا كان التلف بعد أن قام الأجير بشي ء من العمل و أنجزه رجع الى المستأجر ما قابل بقية العمل من الأجرة المسماة، و يستحق الأجير منها ما قابل العمل الذي أنجزه، سواء كان تلف العين المذكورة سماويا أم كان بإتلاف أحد، و لا ينافي ذلك أن تكون العين مضمونة على المتلف في بعض الصور، و سيأتي التعرض لذلك ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 104:

إذا دفع المستأجر إلى الأجير العين التي استأجره للعمل فيها، فسلم اليه الثوب ليخيطه أو الجهاز ليصلحه، أو الكتاب ليجلده، ثم أتلف المستأجر نفسه العين التي دفعها الى الأجير قبل العمل أو في أثنائه لم تبطل الإجارة بذلك على الأقوى، و قد تقدم في المسألة السابعة و الثمانين و في المسألة الثالثة و التسعين: ان الرجل إذا استأجر أجيرا ليعمل له عملا، و هيأ الأجير نفسه و سلمها للمستأجر ليقوم له بالعمل، و لم يستوف المستأجر منه منفعته و عمله، و هو مختار في عدم استيفائه استحق عليه الأجير الأجرة المسماة.

و نتيجة لذلك فإذا كان الأجير قد سلم نفسه ليقوم بالعمل في الفرض المذكور في المسألة استحق على المستأجر الأجرة و لم يسقط استحقاقه بإتلاف المستأجر للعين المذكورة.

و إذا أتلف المستأجر الثوب أو الجهاز أو

الكتاب قبل أن يسلم الأجير نفسه و يهيئها للعمل فالظاهر بطلان الإجارة في هذه الصورة فلا يستحق الأجير على المستأجر شيئا.

المسألة 105:

إذا استأجر إنسان من غيره دارا فانهدمت الدار أو انهدم بعض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 293

بيوتها، ففي هذا الفرض صور نتعرض لها و لبيان أحكامها في ضمن مسائل.

(الصورة الأولى): ان ينهدم جميع الدار المستأجرة حتى تسقط بسبب انهدامها عن أن ينتفع بها أصلا في الجهة المقصودة بالإجارة، و الحكم في هذه الصورة هو بطلان الإجارة، و ان أمكن الانتفاع بالدار في جهة أخرى غير الجهة المقصودة.

فإن حدث انهدام الدار كذلك قبل أن يقبضها المستأجر من مالكها رجعت الأجرة المسماة كلها إلى المستأجر و كذلك الحكم إذا انهدمت الدار بعد أن قبضها المستأجر و قبل أن يمضي عليها شي ء من المدة و هي في يده ليسكن فيها، أو قبل أن يصل الزمان الذي حدد للسكنى في العقد حين تكون مدة السكنى منفصلة عن حين العقد، فتبطل الإجارة و ترجع الأجرة المسماة إلى المستأجر في هذه الفروض.

و إذا كان انهدام الدار بعد أن مضى شي ء من مدة الإجارة و هي في يد المستأجر بطلت الإجارة و رجع الى المستأجر من الأجرة المسماة بنسبة الباقي من المدة إلى مجموعها، فإذا كان الباقي نصف المدة مثلا رجع الى المستأجر نصف الأجرة، و إذا كان الباقي ثلاثة أرباع المدة رجع إليه ثلاثة أرباع الأجرة و هكذا.

المسألة 106:

(الصورة الثانية): أن تنهدم الدار و لا تخرج بسبب انهدامها عن الانتفاع أصلا، فيمكن أن ينتفع بها بعد انهدامها في الجهة المقصودة بالإجارة و لكن بمرتبة ناقصة، فلا تبطل الإجارة بانهدام الدار في هذه الصورة، بل يثبت للمستأجر الخيار بين أن يفسخ الإجارة، و ان يمضيها بالأجرة المسماة و إذا هو اختار ففسخ الإجارة، فالحكم في الأجرة هو ما ذكرناه في المسألة التاسعة

و السبعين، فلتراجع.

المسألة 107:

(الصورة الثالثة): أن ينهدم بعض بيوت الدار بحيث يسقط ذلك البعض المنهدم منها عن الانتفاع به مطلقا في الجهة المقصودة بالإجارة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 294

و يأتي في هذه الصورة الفرضان المتقدم ذكرهما في المسألة المائة و الخامسة، في انهدام جميع الدار، فقد يكون انهدام بعض بيوت الدار على النحو المذكور، قبل أن يقبضها المستأجر، أو بعد القبض بغير فاصلة من الزمان، أو قبل أن يأتي الزمان المعين للسكنى في عقد الإجارة، و قد يكون انهدام بعض بيوت الدار بعد مضي شي ء من مدة الإجارة، و لكن الفرضين هنا لا يختلفان في المهم من الحكم.

فإذا كان انهدام بعض بيوت الدار على أحد الوجوه الثلاثة الأولى، بطلت الإجارة في البعض المنهدم من الدار، و صحت في البعض الباقي غير المنهدم منها، بنسبة هذا البعض الباقي الى مجموع الدار، فإذا كان الباقي غير المنهدم نصف الدار صحت الإجارة فيه بنصف الأجرة المسماة، و إذا كان الباقي ثلثي الدار صحت الإجارة فيه بتلك النسبة من الأجرة، و يثبت للمستأجر خيار تبعض الصفقة في إجارة البعض الباقي غير المنهدم من الدار، فيجوز له فسخ هذه الإجارة و إمضاؤها بحصة هذا البعض من الأجرة.

و إذا كان انهدام بعض بيوت الدار في أثناء مدة الإجارة، بطلت فيه كذلك، و رجع الى المستأجر من حصة البعض المنهدم من الأجرة بنسبة الباقي من المدة إلى مجموع المدة، فإذا كانت حصة البعض المنهدم من الأجرة المسماة تساوي نصفها، و كان الباقي من المدة هو نصف المدة، رجع الى المستأجر نصف الحصة المذكور، و هو ربع الأجرة المسماة، و يثبت للمستأجر خيار تبعض الصفقة في إجارة البعض الباقي غير المنهدم من الدار.

المسألة 108:

(الصورة الرابعة): أن

ينهدم بعض بيوت الدار، و لا يخرج ذلك البعض المنهدم عن الانتفاع به بل يكون مما يمكن الانتفاع به في الجهة المقصودة من الإجارة و لكن بمرتبة ناقصة، و لا تبطل الإجارة في هذه الصورة، و يكون للمستأجر الخيار بين أن يفسخ الإجارة و ان يمضيها بالأجرة المسماة و تراجع المسألة التاسعة و السبعون في ما يتعلق بالأجرة إذا هو فسخ العقد.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 295

المسألة 109:

انما يكون انهدام الدار أو انهدام بعض بيوتها موجبا لبطلان الإجارة في الجميع أو في البعض كما فصلناه في المسائل المتقدمة، إذا كان الانهدام سببا لانعدام المنفعة المقصودة في نظر أهل العرف فإذا بادر مؤجر الدار بعد انهدامها أو انهدام بعضها الى تعمير ما انهدم منها، على نحو لا يفوت بسبب مبادرته على المستأجر شي ء من المنفعة المقصودة أصلا، أو على نحو لا يفوت عليه شي ء يعتد به من المنفعة، فالظاهر عدم بطلان الإجارة في هذه الصورة، و عدم جواز الفسخ إذا كان المنهدم هو البعض.

و من أمثلة ذلك أن يستأجر زيد الدار من مالكها في شهر محرم أو صفر ليسكنها ستة أشهر من أول شهر ربيع الأول، ثم تنهدم الدار أو ينهدم بعض بيوتها، و يبادر مالك الدار الى عمارتها و إصلاح ما انهدم منها قبل أن يأتي أول مدة الإجارة و هو شهر ربيع الأول، فلا يفوت على المستأجر شي ء من المنفعة المقصودة، و من أمثلة ذلك ان يستأجر من المالك حانوتا أو محلا مدة معينة فينهدم الحانوت المستأجر أو المحل في الليل، و يبادر مالكه الى تعميره قبل أن يصبح الصبح، فلا يفوت على المستأجر شي ء من المنفعة، و من أمثلة ذلك أن يستأجر الدار

و فيها بيوت يحتاج إليها في الصيف خاصة أو يحتاج إليها في الشتاء خاصة فينهدم في أيام الشتاء البيت الذي يحتاج إليه في الصيف أو بالعكس، و يسارع مالك الدار فيعمر البيت المنهدم قبل أن يصل زمان الحاجة اليه، و لا يفوت على المستأجر شي ء من المنفعة، فلا تبطل الإجارة في جميع هذه الصور و لا يثبت للمستأجر حق الخيار.

و كذلك الحكم إذا بادر المالك بعمارة ما انهدم من الدار في هذه الصور و أمثالها، و فات بسبب ذلك من المنفعة شي ء قليل لا يعتد به في نظر العقلاء، فلا تبطل الإجارة و لا يكون للمستأجر حق الخيار.

و إذا كان انهدام الدار أو انهدام بعضها يوجب فوت جميع المنفعة بالفعل على المستأجر، أو يوجب فوت شي ء معتد به من المنفعة بالفعل، كانت الإجارة باطلة في الجميع أو في البعض من حين انعدام المنفعة،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 296

و لا يجدي نفعا في تصحيح الإجارة أن يبادر المؤجر الى تعمير المنهدم بعد ان تحقق انعدام المنفعة و تحقق البطلان.

المسألة 110:

إذا وقع عقد الإجارة بين المالك و المستأجر، ملك المستأجر منفعة العين التي استأجرها ملكا مستقرا من حين العقد، و ملك المؤجر الأجرة المسماة ملكا مستقرا من حين العقد كما ذكرنا في المسألة الثمانين، فإذا تلفت العين المستأجرة أو تلف بعضها بطلت الإجارة بذلك، و رجعت الأجرة كلها أو رجع بعضها إلى المستأجر حسب ما فصلناه في المسائل المتقدمة، و رجوع الأجرة أو رجوع بعضها إلى المستأجر يكون من حين بطلان الإجارة لا من أول الأمر، و قد تعرضنا لذلك و لدفع الاشكال عنه في تعليقتنا على كتاب الإجارة من العروة الوثقى.

المسألة 111:

إذا أوقع الرجلان بينهما احدى صور الإجارات الدارجة بين الناس و جرت على ذلك معاملتهما فاستوفى المستأجر المنفعة و استلم المؤجر مال الإجارة، ثم انكشف لهما ان الإجارة التي أوقعاها بينهما فاسدة وجب على المؤجر أن يرجع الأجرة التي قبضها إلى المستأجر، و ثبتت للمؤجر أجرة المثل عن جميع ما استوفاه المستأجر من المنفعة، و عن كل منفعة للعين فاتت تحت يده و كانت مضمونة عليه بتعد أو تفريط أو إتلاف أو غير ذلك من موجبات الضمان.

و كذلك الحكم إذا كانت الإجارة على عمل من الأعمال ثم استبان فسادها، فترجع الأجرة المسماة إلى مالكها و هو المستأجر، و تكون للعامل عليه أجرة المثل عن عمله، و لا فرق في الحكم في الموردين بين أن يكون المؤجر و المستأجر عالمين ببطلان الإجارة بينهما أو جاهلين به أو كان أحدهما عالما و كان الآخر جاهلا.

و إذا علم بأن المالك متبرع بالمنفعة، أو بأن المستأجر متبرع بالأجرة، أو بأن الأجير متبرع بالعمل، فلا ضمان على صاحبه باستيفائها.

و إذا كان فساد المعاملة من حيث انهما قد أوقعا

الإجارة بينهما بلا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 297

عوض أو من حيث انهما جعلا الأجرة فيها ما لا مالية له عرفا كالخنفساء، فلا يترك الاحتياط في هذه الصورة بالتصالح بينهما.

المسألة 112:

يجوز لمالك العين أن يؤجر جزءا مشاعا منها على أحد، فيؤجره نصف داره المعينة أو نصف دكانه المعلوم، و يكون قبض الجزء المشاع بقبض العين كلها باذن المالك، و يكون المستأجر بعد العقد شريكا مع المالك في منفعة العين، و يجوز لأحد الشريكين في العين أن يؤجر حصته المشاعة منها، و إذا آجرها على أحد لم يجز له أن يسلم العين للمستأجر إلا بإذن شريكه فيها.

و إذا سلمه إياها بغير اذن الشريك عصى بذلك و أثم و ترتبت على التسليم آثاره، و إذا آجره المالك حصته المشاعة من العين المشتركة كان المستأجر شريكا مع المالك الآخر في منفعة العين.

المسألة 113:

يجوز أن يستأجر اثنان عينا شخصية واحدة، فيكونان شريكين في منفعتها، سواء كانت العين لمالك واحد فيؤجرها لهما معا بعقد واحد و أجرة واحدة، أو يؤجر أحدهما حصة مشاعة منها بعقد و أجرة، ثم يؤجر الثاني الحصة الثانية بعقد آخر و أجرة أخرى، أم كانت لمالكين فيؤجرانها عليهما بعقد واحد أو بعقدين.

المسألة 114:

إذا استأجر رجلان دارا مثلا، فاشتركا في منفعتها على أحد الوجوه، جاز لهما أن يسكنا الدار معا بالتراضي بينهما، فيخصصا لكل واحد منهما بعض بيوت الدار أو بعض الطبقات منها، أو يسكناها على نحو الاشتراك في البيوت إذا أمكن لهما ذلك و صح كما إذا كانت عائلة كل كل منهما من محارم الآخر، و يجوز لهما أن يقتسما الدار بالتعديل في المساكن و القرعة كما يقتسم الشريكان الدار و العقارات المشتركة بينهما، و يجوز لهما أن يقتسما المنفعة بالمهاباة، فيسكن أحدهما في الدار شهرا أو شهرين مثلا، ثم يسكن الآخر من بعده بقدر ما سكن الأول

كلمة التقوى، ج 4، ص: 298

و هكذا، و يجوز لهما إذا كانت الإجارة مطلقة أن يؤجر أحدهما حصته للآخر فتكون المنفعة كلها خالصة للمستأجر، و يجوز لهما أن يؤجرا الدار على شخص آخر و يقتسما أجرتها بينهما بنسبة ما لكل واحد من الحصة في منفعة الدار.

و إذا كانا قد استأجرا دابة للركوب و لم يمكن الترادف أو لم يصح، أمكن لهما أن يقتسما المنفعة بالمهاياة فيركبها أحد المستأجرين يوما أو يومين مثلا، ثم يركبها الآخر بقدر ما ركبها الأول، و يمكن ان يقتسماها بالمناوبة في الركوب فيركبها أحدهما فرسخا ثم يركبها الآخر فرسخا.

المسألة 115:

إذا آجر المالك الدار كلها لأحد مدة معينة، ثم تبين للمستأجر أن نصف الدار التي استأجرها مملوكة لغير المؤجر، و لم يجز المالك الآخر عقد الإجارة في حصته من الدار ثبت للمستأجر خيار الفسخ إذا كان جاهلا بأن الدار مشتركة، فيجوز له أن يفسخ العقد و يسترد الأجرة و يجوز له أن يمضي الإجارة في نصف الدار بنصف الأجرة المسماة.

المسألة 116:

إذا آجره المالك نصف الدار مدة معينة، فقبل المستأجر و هو يعتقد ان النصف الآخر من الدار ملك للمالك نفسه فهو شريكه في المنفعة، ثم علم ان النصف الآخر من الدار لمالك آخر، لم يثبت للمستأجر بذلك خيار الشركة، و ليس له حق الفسخ، إلا إذا كانت الشركة مع ذلك المالك الآخر نقصا على المستأجر يوجب مهانته أو كانت توجب له غبنا أو حرجا، فيجوز له الفسخ حين ذاك.

المسألة 117:

يجوز أن تكون مدة الإجارة منفصلة عن زمان العقد كما ذكرناه في المسألة الثالثة و الأربعين فيستأجر الرجل الدار من مالكها ليسكنها في شهر رمضان المقبل، و هما في شهر رمضان الحاضر مثلا، و لا يمنع من صحة ذلك طول المدة الفاصلة بين العقد و مدة الإجارة، و لا يمنع من صحة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 299

ذلك أن تكون الدار المستأجرة بالفعل لشخص آخر، إذا كان تسليم الدار مقدورا في الوقت المعين للسكنى.

المسألة 118:

يجوز للزوجة أن تؤجر نفسها للعمل عند أحد إذا كان العمل لا ينافي حقوق الزوج الواجبة عليها، كحق الاستمتاع، و ان لا تخرج من بيته إلا باذنه، و لا يجوز لها أن تؤجر نفسها لما ينافي شيئا من حقوقه إلا باذنه، و إذا هي آجرت نفسها لشي ء من ذلك بغير اذنه توقفت صحة الإجارة على اجازة الزوج فإن أجازها صحت و ان لم يجزها بطلت.

المسألة 119:

إذا أذن الرجل لزوجته أن تؤجر نفسها للعمل في ما ينافي بعض حقوقه، فآجرت نفسها كذلك أو هي آجرت نفسها للعمل فأجاز الزوج إجارتها، فليس للزوج ان يرجع في اذنه أو يمنعها من العمل الذي آجرت له نفسها ما دامت مدة الإجارة، فإذا انتهت المدة لم يجز لها العمل بعد ذلك و لم يجز لها تجديد الإجارة عليه الا بإذن الزوج أو إجازته.

المسألة 120:

لا يجوز للزوج أن يؤجر نفسه للعمل إذا كان منافيا لحق الزوجة الواجب عليه في قسمة الليالي، و لا تصح الإجارة إلا بإذن الزوجة قبل العقد أو إجازتها بعد العقد، و إذا هي أذنت له فآجر نفسه كذلك أو أجازت إجارته بعد وقوعها لم يصح لها أن ترجع في اذنها أو إجازتها فتطالب الزوج بحقها من الليالي ما دامت مدة الإجارة، فإذا انقضت المدة لم يكن له البقاء في العمل أو تجديد الإجارة له الا برضى الزوجة، إلا إذا كانت قد أسقطت له حقها.

الفصل الرابع العين المستأجرة امانة في يد المستأجر
المسألة 121:

إذا استأجر أحد من المالك عينا و استلمها منه ليستوفي منفعتها فالعين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 300

أمانة في يد المستأجر لا يضمنها إذا تلفت في يده أو تلف بعضها أو حدث فيها عيب، إلا إذا تعدى المستأجر فتصرف في الأمانة بأكثر مما يقتضيه الإذن الشرعي من التصرف، أو فرط فلم يصنها بما تصان به الأمانة، فيكون ضامنا حين ذاك لما يحدث عليها من تلف أو عيب.

و مع عدم التعدي و لا التفريط منه، فلا ضمان عليه في شي ء من ذلك، سواء حدث التلف أو العيب في العين في أيام مدة الإجارة، أم قبلها إذا كان قبضه إياها باذن مالكها، أم حدث بعد انقضاء مدة الإجارة إذا هو لم يفرط في تسليم العين الى مالكها، بل كان معذورا في تأخير التسليم اليه، أو كان قد أدى العين الى مالكها بعد انتهاء مدة الإجارة فأبقاها المالك في يد المستأجر فترة لبعض الأغراض.

المسألة 122:

إذا شرط المالك على المستأجر في ضمن العقد ان يكون ضامنا للعين المستأجرة إذا تلفت أو تلف بعضها أو حدث فيها عيب و هي في يده و ان لم يتعد و لم يفرط فيها، فهل يصح من المالك هذا الشرط؟ يشكل الحكم بصحته، فلا يترك الاحتياط بعدم اشتراط ذلك.

و يصح للمالك ان يشترط على المستأجر أن يدفع له مقدارا معينا من المال إذا تلفت العين في يده أو عابت و لا يكون هذا من اشتراط الضمان، بل هو من اشتراط التعويض عن الخسارة.

المسألة 123:

إذا سلم المالك العين إلى المستأجر فقبضها منه و كانت الإجارة باطلة لعدم توفر شروط الصحة فيها، و المستأجر لا يعلم ببطلان الإجارة، ثم تلفت العين في يد المستأجر أو عابت، فالظاهر عدم ضمانه تلفها و عيبها إذا هو لم يتعد و لم يفرط كما في الإجارة الصحيحة، سواء كان المالك المؤجر عالما ببطلان الإجارة أم لا.

المسألة 124:

إذا استأجر المالك أجيرا ليعمل له عملا في عين يملكها، فدفع اليه ثوبا ليخيطه أو دفع اليه آلة ليصلحها أو دفع إليه فضة أو ذهبا ليصوغهما،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 301

كانت العين المدفوعة إلى الأجير أمانة في يده كالعين المستأجرة فلا ضمان على الأجير إذا تلفت تلك العين في يده أو حدث فيها عيب إلا إذا تعدى الأجير أو فرط في الأمانة أو كان هو المتلف للعين أو العائب لها.

المسألة 125:

يجوز للمستأجر أن يشترط في ضمن العقد على الأجير أن يكون ضامنا للعين التي دفعها اليه ليعمل فيها إذا هي تلفت في يده أو حدث فيها عيب و ان لم يتعد و لم يفرط، فيشترط على الخياط أن يكون ضامنا للثوب و على العامل أن يكون ضامنا للآلة التي أعطاه إياها ليصلحها و على الصائغ أن يكون ضامنا للذهب و الفضة اللذين دفعهما اليه ليصوغهما فيجوز له هذا الشرط و يجب العمل به إذا اشترطه على الأجير و قبل به، و ليست هذه العين كالعين المستأجرة في الاشكال في هذا الحكم.

المسألة 126:

يتحقق تسليم العمل بإتمامه كما ذكرنا ذلك في المسألة الحادية و الثمانين، فيجوز للعامل بعد إتمام العمل أن يطالب المستأجر بأجرة عمله، و ان لم يدفع اليه العين التي أتم العمل فيها، فلم يدفع اليه الثوب الذي خاطه له و الآلة التي أصلحها و الخاتم أو القرط الذي صاغه، بل و ان تلفت العين بعد إتمام العمل فيها من غير تعد و لا تفريط من الأجير و لم يكن هو المتلف لها.

المسألة 127:

إذا أتلف الخياط الثوب بعد أن أكمل خياطته، أو أتلف الأجير الكتاب بعد أن أتم تجليده أو أتلف الآلة بعد ان أتم إصلاحها، ضمن للمالك المستأجر قيمة الثوب مخيطا و قيمة الكتاب مجلدا، و قيمة الآلة صالحة، و استحق هو على المستأجر الأجرة المسماة لعمله الذي أتمه له.

المسألة 128:

إذا أتلف العين المذكورة شخص ثالث بعد أن أتم الأجير عمله فيها ضمن الشخص المتلف للمالك قيمة العين بعد العمل، فيضمن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 302

للمالك قيمة الثوب تام الخياطة، و قيمة الكتاب مجلدا و قيمة الآلة صالحة، كما تقدم في ضمان الأجير، و لم تسقط بذلك الأجرة المسماة عن المستأجر فيلزمه دفعها للعامل وفاء بالإجارة، و قد تقدم في المسألة التاسعة و التسعين حكم ما إذا أتلف المستأجر العين بعد أن أتم العامل عمله فيها.

المسألة 129:

الأقوى ان المدار في ضمان العين المضمونة على قيمتها يوم تلفها، لا على قيمتها يوم الأداء و لا على أعلى القيم بين اليومين.

المسألة 130:

إذا استأجر الشخص أحدا لحمل متاع على ظهره أو على دابته أو في سيارته الى مكان معين بأجرة معينة، فحمل الأجير المتاع الى المكان المعين، ثم أتلفه بعد وصوله أو تلف المتاع و قد تعدى الأجير أو فرط في الأمانة، كان الأجير ضامنا للمستأجر قيمة المتاع في ذلك المكان، و استحق الأجير على المستأجر أجرته المسماة له في حمل المتاع.

المسألة 131:

إذا استأجر أحد أجيرا لعمل من الأعمال، فأفسد الأجير في عمله كان ضامنا لما أفسده إذا كان قد تجاوز الحد المأذون فيه. و مثال ذلك أن يستأجر خياطا ليخيط له ثوبا أو ليفصله، فيفسد الخياط الثوب، أو يستأجر نجارا ليصنع له بابا فيفسد النجار الباب، أو يستأجر عاملا ليصلح له بعض الأدوات أو الآلات أو الأجهزة فيفسد العامل ذلك الشي ء، و كما إذا جنى الحجام في حجامته و البيطار في معالجته الدابة، و هكذا كل عامل يستأجر لعمل معين، فيفسد في عمله، يكون ضامنا لما أفسده، إذا هو تجاوز الحد المأذون فيه في ذلك العمل.

و الحد المأذون فيه هو القدر المتعارف و المتبع بين أهل الخبرة و أهل المعرفة بذلك الأمر، فإذا تجاوز العامل هذا القدر كان ضامنا لما يحدث في عمله من فساد، و إذا لم يتجاوز الحد المأذون فيه لم يبعد القول بعدم ضمانه لذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 303

المسألة 132:

إذا استأجر الشخص أحدا ليذبح له حيوانا، فذبحه على وجه أوجب تحريم لحمه، كان الذابح ضامنا لقيمة الحيوان حيا، سواء كان الذابح قصابا أم لا، و كذلك إذا تبرع له أحد فذبح الحيوان و حرم لحمه، فإنه يكون ضامنا و المتبرع كالأجير للعمل في الحكم المذكور، فإذا أفسد المتبرع في عمله كان ضامنا لما أفسده إذا كان قد تجاوز الحد المأذون فيه في جميع الفروض المتقدمة و الآتية.

المسألة 133:

إذا استأجر الإنسان خاتنا ليختن ولده، فأفسد الخاتن في ختانه، فقطع الحشفة مثلا أو قطع بعضها، أو تعدى عن موضع القطع، كان ضامنا لما أفسد مع تجاوزه عن الحد المأذون فيه في الختان و إذا هو لم يتجاوز في عمله عن الحد المأذون فيه فتحرك الطفل مثلا أو اضطرب من غير تقصير من الخاتن أو المساعد فلا يبعد عدم ضمانه كما تقدم في نظائره.

و هذا في غير الفساد المؤدي إلى تلف النفس، و إذا أدى الى ذلك فالظاهر هو الضمان.

بل الظاهر الضمان في الختان مع عدم التجاوز عن الحد المأذون فيه، إذا كان الخاتن جراحا بصيرا يعتمد عليه في إجراء هذه العمليات و في تمييز ما يضر منها مما لا يضر، فيكون هذا الجراح ضامنا لما يحدث في ختانه من فساد و ان لم يبلغ إفساده إلى تلف النفس، كما إذا قطع الحشفة أو بعضها، أو جرح الطفل جرحا مضرا أو سبب له حدوث قرحة، و نحو ذلك، الا مع التبرؤ من الضمان على النحو الذي سنذكره في تبرؤ الطبيب من الضمان، و المتبرع كالأجير في كل ذلك.

المسألة 134:

الظاهر ان الطبيب و ان كان حاذقا يضمن ما يفسده إذا كان في مقام العلاج للمريض و لو بالتسبيب، و كان أقوى في التأثير من المباشر في حدوث الفساد، سواء باشر علاج المريض بنفسه، فزرق الإبرة في بعض أوردته مثلا أو أجرى له بعض العمليات، أو سلط عليه بعض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 304

الأجهزة، أم لم يباشر ذلك بنفسه فأمره بشرب الدواء أم وصفه له أم قال له و هو في مقام العلاج و بعد ان شخص الداء، الجرعة المعينة من الدواء الفلاني نافعة من هذا

المرض، أو قال له: لا أرجح على استعمال هذا المستحضر شيئا، أو قال لو كنت مريضا أو كان بعض أهلي مصابا بهذا المرض لعالجته باستعمال هذه الجرعة، أو غير ذلك مما يعين فيه الداء و يرجح له تناول الدواء المعين و يذكر له مقاديره و مواعيده، فإذا حصل الفساد بشي ء من ذلك كان الطبيب ضامنا لما حصل، و المتبرع كالأجير في كل ذلك.

المسألة 135:

لا يضمن الطبيب ما يحدث، إذا لم يكن في مقام المعالجة للمريض و الكشف عن داية، فذكر دواء لمرض يشبه مرضه، فاستعمله المريض و أوجب له مضاعفة في المرض أو تلفا، و لا يضمن الطبيب ما يحدث إذا شخص داء المريض و عين له الدواء، فأخذ المريض منه أكثر من المقدار الذي وصفه الطبيب، أو استعمل معه دواء آخر لم يصفه الطبيب، و لا يضمن الطبيب ما يحدث إذا عين للمريض دواء خاصا، فأعطاه الصيدلاني دواء غيره ذكر انه عوض عن ذلك الدواء أو أنه أنفع منه في معالجة المرض، فاستعمله و لم يرجع الى الطبيب.

المسألة 136:

إذا تبرأ الطبيب قبل المعالجة من الضمان، و قبل المريض إذا كان رشيدا مختارا، أو قبل ولي المريض إذا كان قاصرا، ببراءة الطبيب، و لم يقصر الطبيب في بذل جهده و طاقته في الكشف و في المعالجة فإنه يبرأ من التبعة بذلك، فلا ضمان عليه في ما يحدث بمعالجته من فساد أو تلف.

و كذلك الحكم في البيطار إذا تبرأ مما يحدث في معالجة الحيوان، و في الخاتن الجراح إذا تبرأ من التبعة في ختان المختون، فلا يكون عليهما ضمان إذا أفسدا في عملهما.

المسألة 137:

إذا حمل الحمال المتاع أو الشي ء على ظهره أو على رأسه، فعثر في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 305

طريقه و سقط ما يحمله على الأرض و انكسر كان الحمال ضامنا للشي ء الذي أتلفه، و إذا وقع ما يحمله على شي ء آخر فكسره أو أتلفه كان له ضامنا، و إذا تلفا معا ضمنهما معا.

المسألة 138:

إذا حمل الحمال المتاع أو الشي ء على ظهر دابته، فعثرت الدابة في مسيرها و وقع الشي ء المحمول على الأرض فتحطم و تلف أو حدث به عيب، لم يضمن صاحب الدابة شيئا من ذلك. و إذا كان صاحبها هو السبب في عثرتها كما إذا ساقها بعنف أو ضربها أو نخسها أو حملها على السير في مزلق أو في طريق كثير الحفر و العقبات، فعثرت لذلك و تحطم ما على ظهرها كان ضامنا لما حدث، و إذا كان السبب في عثرة الدابة و وقوع المتاع انسان آخر كان ذلك الإنسان هو الضامن، و إذا كان السبب حيوان آخر فلا ضمان.

المسألة 139:

إذا أتى الرجل الى الخياط بقطعة من القماش، و قال له: ان كانت هذه القطعة تكفيني قميصا، ففصلها لي قميصا، فقطعها الخياط و فصلها، ثم ظهر ان القطعة لا تكفي لذلك، فالظاهر ان الخياط ضامن للمال بهذا التصرف، فان المالك انما أذن له بتفصيل القطعة إذا كانت كافية للقميص فيكون اذنه له بالتصرف مقيدا بذلك، و إذا لم تكف لذلك فلا اذن من المالك، و يكون الخياط ضامنا بتصرفه.

و إذا سأله المؤجر: هل تكفي هذه القطعة لي قميصا، فقال الخياط نعم، فقال له ففصلها لي قميصا، ففصلها الخياط ثم ظهر انها لا تكفي، فالحكم بالضمان أو بعدمه في هذا الفرض موضع اشكال و تردد، و لا بد فيه من مراعاة الاحتياط.

المسألة 140:

إذا آجر المالك عبده المملوك له لبعض الأعمال فأفسد العبد في عمله، فالظاهر أن الضمان يكون على العبد في كسبه، سواء كان إفساده بتفريط منه أم بغير تفريط، فإذا لم يف كسب العبد بذلك اتبع به بعد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 306

أن يعتق، و لا ضمان على مولاه. و كذلك الحكم إذا آجر العبد نفسه باذن مولاه لبعض الأعمال، فأفسد في عمله.

و هذا كله انما هو في ضمان الأموال و الأعيان إذا أتلفها العبد أو أحدث فيها نقصا أو عيبا، و إذا كانت جناية العبد على انسان فقتله أو جرحه أو جنى عليه في عضو من أعضائه أو جارحة من جوارحه، فللمسألة تفاصيل تذكر في مواضعها من كتاب الديات و كتاب القصاص، و لم نتعرض لها هنا لكونها ليست موضعا للابتلاء و ان كان أصل المسألة كذلك.

المسألة 141:

إذا استأجر الشخص من أحد سفينة أو دابة أو سيارة، فحملها مالا الى مكان معين، فسرق المال المحمول فيها أو تلف كله أو بعضه، فلا ضمان على صاحب السفينة أو الدابة أو السيارة إذا هو لم يتعد و لم يفرط في أمانته.

و يجوز للمستأجر أن يشترط عليه في ضمن العقد ضمان المال إذا سرق منه شي ء أو تلف أو نقص، فإذا شرط عليه ذلك و قبل بالشرط وجب الوفاء به، فإذا تلف من المال شي ء أو سرق أو حدث فيه عيب، وجب على المؤجر أن يؤدي للمستأجر قيمة ما نقص أو سرق، و أرش ما عاب.

المسألة 142:

لا يجوز للمستأجر الدابة للحمل، أن يحمل عليها أكثر مما يتعارف حمله على أمثالها، و إذا اشترط مؤجر الدابة عليه في ضمن العقد أن لا يزيد في حملها على مقدار معين من الأمتعة، لم يجز له أن يتجاوز عن ذلك المقدار و إذا زاد في حملها على المقدار المتعارف في الصورة الأولى، و على المقدار المشترط في الصورة الثانية وجب عليه أن يدفع للمؤجر الأجرة المسماة بدلا للمقدار المتعارف الذي حملها إياه، و أجرة المثل للزيادة التي أضافها و وجب عليه أن يدفع للمؤجر مع ذلك قيمة الدابة إذا عطبت، و أرش النقصان إذا حدث فيها عيب بسبب ذلك، و قد تقدم ان المدار على القيمة في يوم التلف.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 307

المسألة 143:

إذا استأجر الرجل دابة ليحمل متاعه عليها الى مكان معين، أو ليركبها الى ذلك المكان فلا يجوز له أن يتجاوز بها الى أبعد من موضع الإجارة، و إذا هو فعل ذلك وجب عليه أن يدفع للمؤجر الأجرة المسماة إلى المكان المعين، و وجب عليه أن يدفع له أجرة المثل للمقدار الزائد من المسافة، و وجب عليه مع ذلك أن يدفع للمؤجر قيمة الدابة إذا عطبت بسبب ذلك، و أن يدفع له أرش النقصان إذا عابت.

المسألة 144:

يجوز لمستأجر الدابة للركوب أو للحمل أن يضربها إذا وقفت أو تباطأت في سيرها أو حرنت و يجوز له أن يكبحها باللجام و نحوه إذا أسرعت، إذا كان الضرب أو الكبح بالمقدار المتعارف في سوق الدابة و زجرها، و لا تجوز له الزيادة على ذلك، و إذا زاد في ضربها أو كبحها على المقدار المتعارف كان ضامنا لما يحدث على الدابة بسبب ذلك، و إذا هو لم يزد على المتعارف، فاتفق أن حدث للدابة بسبب الضرب أو الكبح المتعارف تلف أو نقص، فلا ضمان فيه على الأقوى.

و إذا شرط مالك الدابة على المستأجر في ضمن العقد أن لا يضربها و لا يكبحها حتى على النحو المتعارف لم يجز له ذلك، فإذا خالف الشرط فضربها أو كبحها على النحو المتعارف كان ضامنا لما يحدث عليها بسبب ذلك و إذا منعه المالك عن الضرب و الكبح المتعارف و لم يشترطه في العقد فالظاهر انه لا يكون بذلك محرما و لا سببا للضمان.

و إذا استأجر السيارة للركوب و التنقل فيها، على أن يكون المستأجر أو سائقه هو الذي يتولى قيادتها، لم يجز له أن يتعدى عن الحد المتعارف في سرعة السير و في

حمل الأمتعة فيها الا مع اشتراط ذلك أو رضى المالك به، و إذا تجاوز عن الحد من غير شرط منه و لا رضى من المالك كان ضامنا لما يحدث فيها و كذلك في طول فترة المسير إذا كان ذلك مما يضر بالسيارة، فلا يجوز الخروج عن المتعارف فيها الا مع الشرط من المستأجر أو رضى المالك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 308

المسألة 145:

يجوز للإنسان أن يستأجر أحدا لحراسة أمواله أو مكتبه أو متجره أو حراسة داره أو بستانه عن السرقة أو التعدي من الآخرين، و لحراسة نفسه و عائلته من بعض المخاوف الأخرى التي يمكن الاحتراز عنها، و يطلب فيها الأمن.

و يجوز أن يستأجر الشخص أو الأشخاص حراسا لجملة من الدور و المحلات و الحوانيت و المتاجر، في شارع أو سوق أو محلة أو منطقة، و لا بد من تعيين حدود الحراسة و موضعها و مواقيتها، و مدة الإجارة و الأجرة و أقساطها إذا كانت مقسطة.

المسألة 146:

لا يضمن الحارس إذا سرق المال أو الدار أو البستان الذي استؤجر لحفظه، أو حدثت سرقة أو تعد في الموضع الذي استؤجر لحراسته، الا مع التقصير في الحراسة و الحفظ، و الظاهر أن غلبة النوم على الحارس من التقصير، فإذا غلبه النوم فحدثت السرقة كان ضامنا.

و كذلك إذا اشترط المستأجر على الحارس في ضمن عقد الإجارة أن يكون ضامنا لما يحدث في موضع حراسته و في أوقاتها من سرقة و نحوها، فإذا قبل بالشرط كان ضامنا لما يحدث من ذلك، أو اشترط عليه كذلك ان يؤدي من ماله قيمة ما يسرق من الأموال التي استؤجر لحفظها، فإذا قبل بالشرط وجب عليه الوفاء به.

المسألة 147:

إذا استؤجر الرجل لحفظ المال و حراسة الدار أو الدور فحدثت السرقة في مجال حراسته فالظاهر انه لا يستحق الأجرة المسماة له في عقد الإجارة، لعدم حصول العمل الذي استؤجر عليه و هو الحفظ و الحراسة سواء كان مقصرا في عمله أم لا.

المسألة 148:

إذا استناب الحارس غيره ليقوم بدوره في الحراسة، فحدثت السرقة في أثناء ذلك، فان كان المستأجر قد اشترط عليه في ضمن العقد أن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 309

يتولى الحراسة بنفسه كان ضامنا للمال المسروق لتقصيره و عدم وفائه بالشرط، و كذلك إذا كان الذي استنابه في الحراسة ممن لا يوثق بقيامه بالدور فيكون ضامنا و إذا كانت إجارته مطلقة سواء باشر الحراسة بنفسه أم استناب فيها و كان من استنابه ممن يوثق بحراسته، جاز له ذلك و لا يكون ضامنا مع عدم التقصير.

المسألة 149:

الثياب التي ينزعها أهلها في المسلخ عند دخولهم الى الحمام لا تكون وديعة عند صاحب الحمام و لذلك فلا يكون صاحب الحمام ضامنا لها إذا سرقت أو تلفت أو أصابها عيب أو سرق ما فيها من مال أو غيره، الا إذا كان حدوث ذلك بفعل منه أو تسبيب. و إذا أودعها أصحاب الثياب عند صاحب الحمام و قبل الوديعة أصبحت امانة عنده، و لا يضمنها إذا سرقت أو سرق ما فيها أو تلفت أو عابت، إلا إذا تعدى أو فرط في الامانة، و إذا اشترط أصحاب الثياب عليه ضمانها و قبل بالشرط، ففي نفوذ هذا الشرط و ثبوت الضمان عليه إشكال إذا هو لم يتعد و لم يفرط في الوديعة.

المسألة 150:

إذا استؤجر صاحب الحمام لحفظ الثياب المتروكة من أهلها في المنزع و قبل الإجارة كانت الثياب أمانة في يده، فيضمنها إذا تعدى أو فرط أو قصر في حراستها، و يضمنها كذلك إذا شرط عليه في عقد الإجارة أن يكون ضامنا لها عند التلف أو السرقة أو حدوث العيب، و قبل الشرط.

الفصل الخامس مدار الإجارة أن يملك المؤجر المنفعة و ان لم يملك العين
المسألة 151:

تصح الإجارة من الشخص إذا كان مالكا للمنفعة و ان لم يكن مالكا للعين ذات المنفعة، و من أمثلة ذلك أن يملك منفعة العين بإجارة مطلقة، أو يملكها بصلح، أو هبة، بناء على ما هو المختار من صحة هبة المنافع،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 310

و من أمثلة ذلك أن يملك المنفعة ثمنا لمبيع قد باعه، و ان تملك المرأة المنفعة صداقا لها في زواجها، و أن يملكها الرجل من زوجته عوضا في خلع أو مباراة، و أن يملكها الشخص بوصية من أحد له بالمنفعة أو وقف على أن تكون منفعة العين الموقوفة ملكا له، فإذا ملك المنفعة بأحد هذه الوجوه أو غيرها و لم يملك العين، جاز له أن يؤجر تلك المنفعة لغيره مدة معينة فيملكها إياه و تصح الإجارة منه إذا تمت شروطها، سواء كان المستأجر منه هو المؤجر الأول الذي ملكه المنفعة أم غيره.

المسألة 152:

الواجب في الإجارة هو تسليم المنفعة المقصودة للمستأجر ليستوفيها بعد ما ملكها بالعقد، و اما العين المستأجرة فإنما يجب على المؤجر تسليمها للمستأجر إذا توقف عليه استيفاء المنفعة، كما إذا آجره الدار للسكنى، فان سكنى الدار لا يمكن أن يتحقق بدون تسليم الدار المعينة للمستأجر للكون و الإقامة فيها، و كما إذا آجره الحانوت و المخزن لحفظ البضائع، و عرضها و البيع و الشراء فيهما، فان استيفاء هذه المنافع لا يكون الا بعد تسلم الحانوت و المخزن من مالكهما و استعمالهما في الوجه المقصود، و كما إذا استأجر الرجل أدوات الخياطة أو آلات النساجة أو النجارة أو الحدادة للانتفاع بها في عمله، فان استيفاء منفعة هذه الأدوات و الآلات لا يمكن أن يكون الا بعد تسليم المؤجر اليه هذه

الأعيان ليدير بها عمله، فيكون تسليم العين المستأجرة واجبا على المؤجر في هذه الفروض و أمثالها.

و إذا لم يتوقف استيفاء المنفعة على تسليم العين، و أمكن أن يستوفي المستأجر منفعته المقصودة و العين المستأجرة بيد مالكها أو بيد من ينوب عنه، لم يجب على المؤجر تسليم العين اليه، كما إذا استأجر السيارة أو السفينة، أو الدابة للركوب، فان من الممكن ان يركب المستأجر السيارة و ينتقل فيها و هي بيد مالكها أو من ينوب عنه و يكون هو المتولي لقيادتها كما هو المتعارف، و كذلك السفينة و الدابة و وسائل النقل الأخرى، و كما إذا استأجر الدار لمنفعة يمكن استيفاؤها و الدار بيد مالكها، كما يستأجر النزلاء و المسافرون الفندق للنزول و المبيت، و الاستراحة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 311

فيه، و هو في يد مالكه، فلا يجب على المؤجر تسليم العين المستأجرة في هذه الفروض و أمثالها إلا إذا اشترط المستأجر على المالك تسليم العين، فيجب عليه تسليمها عملا بالشرط.

المسألة 153:

إذا استأجر زيد العين من مالكها مدة معينة، و ملك المنفعة، و كانت الإجارة مطلقة فلم تقيد الإجارة بأن يكون المستأجر هو الذي يستوفي منفعة العين بنفسه، جاز للمستأجر- و هو زيد- ان يؤجر العين على غيره و يملكه المنفعة التي ملكها بالإجارة الأولى، كما تقدم بيانه، فإذا آجرها على عمرو مثلا وجب عليه ان يسلم المنفعة التي آجرها الى عمرو بعد ان ملكه إياها.

فإن كان استيفاء المنفعة يتوقف على تسليم العين المستأجرة كما في مثال اجارة الدار للسكنى، وجب على المؤجر الثاني و هو زيد أن يسلم العين المستأجرة إلى عمرو ليستوفى المنفعة التي ملكها، و ان لم يأذن له مالك الدار بتسليمها

اليه، و لا يكون بسبب ذلك ضامنا للعين إذا تلفت أو حدث فيها عيب.

نعم لا يجوز لزيد ان يسلم العين الى عمرو إلا إذا كان أمينا، و إذا فرط زيد في ذلك فسلم العين إلى المستأجر الثاني و لم يكن أمينا كان ضامنا للعين بسبب هذا التفريط فيجب عليه دفع قيمتها لمالكها إذا تلفت و يجب عليه دفع أرش نقصانها إذا حدث فيها عيب.

المسألة 154:

إذا استأجر زيد العين من مالكها إجارة مطلقة، ثم آجرها زيد على مستأجر غيره، و كان استيفاء المنفعة من العين لا يتوقف على تسليم العين، و قد مثلنا لذلك بإجارة السيارة و السفينة و الدابة للركوب، صحت الإجارة الثانية كما تقدم و وجب على زيد تسليم المنفعة الى من استأجرها منه، و لم يجز له ان يسلم العين اليه، بل يستوفي المستأجر الثاني المنفعة من العين و هي بيد مالكها أو من ينوب عنه كما ذكرنا.

و إذا كان المستأجر الأول و هو زيد قد اشترط على المالك أن يسلمه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 312

العين، وجب على المالك ان يسلمها الى زيد كما شرط له، و لم يجز لزيد أن يسلمها بعد أن يقبضها الى من استأجرها منه الا برضى المالك و اذنه و إذا سلمها اليه بغير اذن المالك كان ضامنا.

و إذا اشترط المستأجر الثاني على مؤجره و هو زيد أن يسلمه العين كان هذا الشرط باطلا.

و إذا كان زيد قد اشترط على المالك في الإجارة الأولى أن يسلمه العين و يسلمها لمن يستأجرها منه صح الشرط و وجب العمل به.

المسألة 155:

إذا استأجر زيد العين من مالكها مدة معينة و كانت الإجارة مقيدة بأن يكون زيد هو الذي يستوفي منفعة العين بنفسه، فلا يجوز في هذه الصورة لزيد أن يؤجر العين من غيره و إذا آجرها منه كانت هذه الإجارة باطلة، و لا تصح إلا إذا أجازها مالك العين.

فإذا آجر زيد العين- في هذه الصورة- على عمرو، و لم يجز مالك العين إجارته، و استوفى عمرو، و هو المستأجر من زيد منفعة العين، فالظاهر وجوب دفع الأجرة المسماة لمالك العين على زيد و هو

الذي استأجر العين منه، و ذلك بمقتضى عقد الإجارة بينهما، و يجب على عمرو و هو المستأجر الثاني للعين، ان يدفع لزيد- و هو المستأجر الأول لها- قيمة المثل للمنفعة التي استوفاها فأتلفها عليه، فان زيدا قد استحق المنفعة بالإجارة من المالك، فيلزم عمرا ضمانها، و إذا كان ما استوفاه عمرو من المنفعة أكثر مما استحقه زيد بإجارته الأولى من المالك، وجبت للمالك أجرة المثل عن هذه الزيادة، فإذا أخذها المالك من عمرو و هو الذي استوفاها، و كان عمرو جاهلا مغرورا من المستأجر الأول و هو زيد رجع عليه بما غرمه للمالك و هو أجرة المثل للزيادة.

المسألة 156:

إذا آجر المالك عينا يملكها من شخص، و قيد الإجارة بأن يكون مستأجر العين هو الذي يستوفي منفعتها بنفسه، لم يجز للمستأجر أن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 313

يؤجر العين من غيره، و إذا هو آجرها كذلك كانت هذه الإجارة باطلة كما ذكرناه في المسألة المتقدمة.

و الحكم ببطلان الإجارة الثانية في هذه الصورة يختص بما إذا كانت هذه الإجارة على الغير منافية للقيد المأخوذ في عقد الإجارة الأولى، فإذا كانت الإجارة الثانية لا تنافي قيد الإجارة الأولى فهي صحيحة.

و مثال ذلك كما أفاده بعض الأكابر أن يؤجر المالك داره على امرأة، و يقيد إجارته بأن تكون المرأة هي التي تسكن الدار المستأجرة بنفسها، ثم تتزوج المرأة المذكورة بعد استئجارها الدار، فيكون إسكانها واجبا على زوجها لأنه من نفقتها الواجبة عليه، فإذا احتاج الزوج الى دار لإسكان زوجته المذكورة فيها، جاز للمرأة أن تؤجر زوجها الدار المتقدم ذكرها لتسكنها بنفسها و تصح الإجارة عليه لأنها لا تنافي قيد الإجارة الأولى من المالك.

و يجري مثل ذلك في بقية الأفراد

الذين تجب نفقتهم على الشخص، فإذا استأجر الرجل دارا ليسكنها بنفسه و قيد المالك الإجارة بذلك، و كان الرجل المستأجر للدار واجب النفقة على ولده، و أراد الولد دارا يسكن فيها أباه، صح للأب ان يؤجر ولده الدار المتقدم ذكرها لاسكانه بنفسه، و هكذا في الأم و الولد.

المسألة 157:

إذا آجر المالك العين من أحد، و اشترط عليه في ضمن العقد ان لا يؤجر العين من آخر، و قبل المستأجر بالشرط، لم يجز للمستأجر أن يؤجر العين من غيره، و إذا خالف الشرط فآجرها من احد كانت هذه الإجارة باطلة، و إذا استوفى المستأجر الثاني منفعة العين، فالحكم في الضمان نظير ما تقدم في المسألة المائة و الخامسة و الخمسين.

و كذلك إذا اشترط المالك على المستأجر في ضمن العقد أن يستوفي المنفعة بنفسه لنفسه و مثله ما إذا انصرف العقد الى اعتبار المباشرة في استيفاء المنفعة لقرينة عامة أو خاصة تقتضي ذلك، فيكون هذا الانصراف بحكم الشرط في ضمن العقد، فلا يجوز للمستأجر ان يؤجر العين من غيره

كلمة التقوى، ج 4، ص: 314

و إذا آجرها كانت هذه الإجارة باطلة، و يجري الحكم المشار إليه في المنفعة إذا استوفاها المستأجر الثاني.

المسألة 158:

إذا استأجر الإنسان عينا خاصة من مالكها إجارة مطلقة على النحو المتقدم بيانه و لم يشترط المالك عليه في العقد أن يستوفي المنفعة بنفسه و لم ينصرف العقد الى اعتبار المباشرة في ذلك بقرينة عامة أو خاصة تدل عليه، جاز للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة بما يساوي الأجرة المسماة التي استأجر العين بها، و بأقل منها، و يجوز أن يؤجرها بأكثر منها على الأقوى، سواء كان قد أحدث في العين حدثا كما إذا بيض الدار أو صبغها أو أنشأ فيها بعض المرافق أو المجاري أم لم يحدث فيها شيئا، و سواء كانت الأجرة التي يطلبها من جنس الأجرة الأولى أم من غير جنسها، فيجوز له ذلك في الجميع عدا ما يأتي استثناؤه في المسألة الآتية ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 159:

إذا استأجر الإنسان من المالك بيتا أو دارا أو دكانا، أو استأجر أجيرا، و كانت الإجارة مطلقة كما تقدم في المسألة السابقة جاز له أن يؤجرها بما يساوي الأجرة السابقة، و بأقل منها، و لا يجوز له أن يؤجرها بأكثر منها، و ان كانت الأجرة من غير جنس الأجرة السابقة، و الأحوط لزوما إلحاق الرحى و السفينة بالأعيان الأربع المذكورة في الحكم، فلا يؤجرهما بأكثر من أجرتهما السابقة.

و الأحوط استحبابا ان لا يؤجر مطلق الأعيان بأكثر من الأجرة المسماة التي استأجرها بها إلا إذا أحدث فيها حدثا.

المسألة 160:

إذا استأجر أرضا و كانت الإجارة مطلقة كما تقدم، جاز له ان يؤجر الأرض بأقل مما استأجرها به و بما يساويه على الأقوى و يجوز أيضا بأكثر منه على كراهة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 315

المسألة 161:

إذا استأجر الإنسان بيتا أو دارا أو دكانا أو أجيرا بأجرة معينة على النحو المتقدم، جاز له ان يؤجر بعض البيت أو بعض الدار أو بعض الدكان، بأقل من الأجرة المعينة و بما يساويها، فإذا كان قد آجر الدار بعشرة دنانير مثلا جاز له أن يؤجر بعض الدار من غيره بعشرة دنانير، و بأقل منها و لم يجز له ان يؤجر البعض بأكثر من العشرة، إلا إذا كان قد أحدث في العين المستأجرة حدثا، و هكذا إذا آجر الدار أو البيت أو الدكان بعشرة دنانير فسكنها بعض المدة ثم أراد أن يؤجرها في بقية المدة، فيجوز له ان يؤجرها بأقل من الأجرة المسماة و بما يساويها و لا يجوز له ان يؤجرها بأكثر منها الا إذا أحدث فيها شيئا.

و كذلك الحكم في الأجير، فإذا أراد أن يؤجره للعمل عند غيره في بعض المدة أو لبعض العمل، فيجوز له ان يؤجره بالأقل و بالمساوي و لا يجوز بالأكثر، و الأحوط لزوما إلحاق السفينة بالمذكورات في هذا الحكم.

المسألة 162:

إذا استأجر الرجل أحدا لعمل معين بأجرة معينة، و لم يشترط عليه في ضمن العقد أن يكون هو المباشر للعمل بنفسه، و لم ينصرف العقد الى اعتبار مباشرة الأجير للعمل بقرينة عامة أو خاصة تدل على ذلك، جاز للأجير أن يستأجر شخصا غيره للإتيان بذلك العمل، إذا كانت أجرة الشخص الذي يستأجره مساوية لأجرته هو المسماة له من المالك، أو أكثر منها، و لا يجوز له ان يؤجره بأقل منها، الا إذا قام الأجير الأول ببعض العمل و ان كان قليلا، فيجوز له في هذه الصورة أن يستأجر غيره ليتم العمل بأقل من الأجرة المسماة له من المالك، و

كذلك إذا غرم الأجير الأول من ماله شيئا على العمل، فيجوز له ذلك أيضا.

و مثال الأول أن يستأجر المالك الخياط لخياطة ثوبه، فيفصل الخياط الثوب أو يخيط منه قليلا ثم يستأجر غيره ليتم خياطة الثوب بأقل من الأجرة التي دفعها له المالك، فيصح له ذلك.

و مثال الثاني ان يشتري الخياط من ماله أو يستأجر بعض اللوازم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 316

التي يحتاج إليها في خياطة الثوب في المثال المتقدم ذكره ثم يستأجر غيره ليقوم بخياطة الثوب بأقل من الأجرة فيصح له ذلك إذا دفع ما اشتراه أو استأجره بماله الى أجيره ليخيط به الثوب و كان مما يصدق معه الغرامة عرفا.

المسألة 163:

إذا استؤجر الأجير للقيام بعمل معين بأجرة معينة، و لم يشترط عليه المباشرة للعمل، و لا انصرف العقد الى ذلك، جاز للأجير ان يستنيب في العمل أحدا غيره، فيوكله الى ولده مثلا أو الى أحد العاملين عنده أو الى صديقه ممن يعتمد عليه في إتمام العمل على الوجه المطلوب، فإذا استؤجر لصلاة ستة أشهر مثلا أو لصيام شهر، جاز له أن يوكله الى أحد المذكورين، فإذا أتى به على الوجه المطلوب كفى في الوفاء بالإجارة و استحق الأجرة المسماة على المستأجر.

و إذا كان العمل المستأجر عليه يتعلق بعين خاصة للمالك كخياطة ثوب دفعه اليه، و تجليد كتاب و إصلاح جهاز لم يجز للأجير أن يدفع العين الى أحد المذكورين الا برضى مالك العين و اذنه، و إذا دفعها الى أحد من غير اذن المالك كان ضامنا للعين إذا أصابها تلف أو نقصان أو عيب.

و يكفي أن تقوم قرينة على رضى المالك و اذنه بالدفع إليهم من عادة أو تعارف أو غيرهما.

المسألة 164:

إذا استؤجر زيد للإتيان بعمل معين بأجرة معينة و لم يشترط المستأجر عليه ان يباشر العمل بنفسه فبادر شخص آخر و أتى بالعمل الذي استؤجر عليه زيد حتى أنجزه، فإن قصد هذا العامل التبرع عن زيد في الإتيان بالعمل المطلوب منه كفى ذلك عن زيد و استحق الأجرة المسماة له من المستأجر، و ان لم يقصد العامل التبرع بالعمل عن زيد بطلت اجارة زيد لحصول العمل المستأجر عليه فلا يستحق زيد الأجرة المسماة له و لا يستحق العامل نفسه شيئا لكونه متبرعا بالعمل من غير اجارة و لا طلب من المالك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 317

المسألة 165:

إذا استؤجر زيد للعمل المعين بأجرة معينة و اشترط المستأجر عليه في العقد ان يباشر العمل بنفسه، فبادر شخص و أتى بالعمل المطلوب قبل أن يتمكن الأجير زيد من مباشرته بطلت اجارة زيد كذلك فلا يستحق الأجرة المسماة، و لم يستحق العامل شيئا كما تقدم.

المسألة 166:

إذا استأجر أحد زيد العمل معين و اشترط عليه أن يأتي بالعمل بنفسه كما هو الفرض السابق، و سلم الأجير نفسه للمستأجر و هيأها للعمل، ثم أمر المستأجر شخصا آخر أن يأتي بذلك العمل المعين أو استأجره لذلك بإجارة جديدة، فسبق هذا الشخص زيدا و أتى بالعمل المعين قبله، فالظاهر أن زيدا و هو الأجير الأول قد استحق الأجرة المسماة على المستأجر، فإن تفويت منفعته على المستأجر كان باختيار المستأجر فلا يسقط بذلك حق الأجير و يستحق العامل الثاني على المستأجر أجرة المثل لعمله بأمره و كذلك إذا كان قد استأجره للعمل لأن هذه الإجارة باطلة بعد الإجارة الأولى فيستحق العامل أجرة المثل على العمل لا الأجرة المسماة فيها.

المسألة 167:

إذا آجر الشخص نفسه لأحد مدة معينة ليقوم له ببعض الأعمال فيها، و كانت للأجير عدة من المنافع و الأعمال يمكن له أن يقوم بها لنفسه أو لمستأجره، فقد تكون الإجارة متعلقة بعمل الأجير الخارجي من غير أن يشغل ذمته بشي ء، كما يؤجر صاحب الدار داره المعينة لأحد ليسكنها مدة معينة، فإن مستأجر الدار انما ملك بعقد الإجارة سكنى الدار في المدة، و لم يملك في ذمة صاحب الدار شيئا، و كذلك الأجير في الصورة المتقدم ذكرها، فهو يؤجر نفسه لعمل معين أو أعمال معينة من أعماله الخارجية على وجه يكون ذلك العمل أو تلك الأعمال الخارجية ملكا المستأجر، من غير ان تشتغل ذمة الأجير له بشي ء، و هذه الصورة تقع على وجهين:

الوجه الأول: أن يؤجر الشخص نفسه لعمل واحد معين، أو أعمال

كلمة التقوى، ج 4، ص: 318

معلومة معينة في مدة الإجارة على الوجه المذكور، كما إذا آجر نفسه لأحد، ليكون له كاتبا في المدة

المعينة، أو ليكون له كاتبا و حاسبا و مترجما، في تلك المدة.

الوجه الثاني: أن يؤجر نفسه لتكون جميع منافعه و أعماله الخارجية ملكا للمستأجر مدة معينة على النحو المتقدم ذكره.

و قد تكون الإجارة متعلقة بعمل أو أعمال تكون في ذمة الأجير و دينا من ديونه يقوم بالوفاء بها في مدة الإجارة، و هذه الصورة تقع على وجوه:

الوجه الأول: أن يقيد المستأجر الإجارة بأن يقوم الأجير بالعمل أو الأعمال التي استأجره عليها و يباشر الإتيان بها بنفسه.

الوجه الثاني: ان يشترط المستأجر ذلك على الأجير في ضمن العقد بنحو تعدد المطلوب.

الوجه الثالث: أن لا يشترط المستأجر عليه المباشرة لا بنحو التقييد و وحدة المطلوب، و لا بنحو تعدد المطلوب فللفرض صور، و لكل صورة منها أحكامها كما سيأتي تفصيله ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 168:

الصورة الأولى: أن يؤجر الشخص نفسه لتكون جميع منافعه و أعماله الخارجية ملكا للمستأجر مدة معينة، من غير ان تشتغل ذمة الأجير له بشي ء، و من الواضح جدا أن فرض تمليك أعماله الخارجية يعني ان المملوك للمستأجر هي أعمال الأجير بنحو المباشرة فلا يكفي عمل غيره في الوفاء بالإجارة.

فإذا آجر الشخص نفسه كذلك، لم يجز له في مدة الإجارة أن يعمل لنفسه و لا لغيره أي عمل له مالية و يعد منفعة من المنافع، سواء كان عمله للغير بإجارة أم بجعالة أم تبرعا، فان جميع ذلك مما ينافي حق المستأجر، فلا يجوز إلا باذنه.

و يجوز للأجير في هذا الفرض أن يأتي بالأعمال التي لا تنافي حق

كلمة التقوى، ج 4، ص: 319

المستأجر و التي يكون عقد الإجارة منصرفا عنها، فلم تدخل في ملك المستأجر، كقراءة بعض السور في أثناء عمله، و كما إذا كان

العمل الذي وقعت عليه الإجارة هو عمل النهار، فلا يشمل العمل في الليل، أو هو منصرف عنه، فيجوز للأجير ان يعمل لنفسه أو لغيره في الليل تبرعا أو بإجارة أو بجعالة، و إذا أوجب ذلك له ضعفا عن العمل المستحق عليه في النهار لم يجز له، و يكون منافيا لحق المستأجر.

المسألة 169:

إذا خالف الأجير الحكم في المسألة المتقدمة، فأتى بجميع الأعمال التي وقعت عليها الإجارة أو أتى ببعض تلك الأعمال لغير المستأجر الذي ملكها، فان كان قد استوفى العمل لنفسه ثبت للمستأجر الخيار، فيجوز له أن يفسخ الإجارة، فيسترجع جميع الأجرة المسماة التي دفعها للأجير، و يجوز له أن يبقى الإجارة، و يطالب بأكثر الأمرين من عوض ما فاته من الأعمال و المنافع بسبب تعدي الأجير و مخالفته لعقد الإجارة، و عوض المنفعة أو المنافع التي استوفاها الأجير لنفسه، و إذا اختار المستأجر الوجه الأول ففسخ الإجارة و استرجع تمام الأجرة المسماة، و كان الأجير قد أتى له ببعض العمل قبل الفسخ كانت للأجير أجرة المثل لما أتى به من عمل أو أعمال.

و ان كان الأجير قد خالف و أتى بجميع الأعمال أو ببعضها تبرعا منه لغيره، جرى فيه الحكم المتقدم ذكره في ما إذا استوفى العمل لنفسه، فيثبت للمستأجر الخيار بين فسخ الإجارة و إمضائها على التفصيل و الأحكام التي مر بيانها هنا، و إذا كان تبرع الأجير للغير بأمر ذلك الغير أو استدعائه، جاز للمستأجر مضافا الى ذلك إذا هو أبقى الإجارة و لم يفسخ العقد أن يرجع على ذلك الغير المتبرع له بقيمة ما استوفاه من المنفعة.

و ان كان الأجير قد خالف و أتى بجميع الأعمال أو ببعضها لغيره بإجارة أخرى بينه

و بين ذلك الغير أو بجعالة منه، جاز للمستأجر الأول أن يجيز هذه الجعالة أو الإجارة الثانية التي وقعت بين الأجير و ذلك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 320

الغير فإذا أجازها كانت له الأجرة المسماة في تلك المعاملة بين الأجير و ذلك الغير، و يجوز للمستأجر الأول ان يفسخ الإجارة الأولى التي وقعت بينه و بين الأجير، فيسترد منه جميع الأجرة المسماة بينهما، و يجوز له كذلك أن يبقى الإجارة الأولى فلا يفسخها و يطالب بأكثر الأمرين من عوض المقدار الذي فاته من أعمال الأجير و منافعه بسبب مخالفة الأجير و تعديه، و من عوض الأعمال أو العمل الذي أتى به الأجير للغير إجارة أو جعالة، و يتخير المستأجر في ان يرجع في ذلك على الأجير نفسه أو على ذلك الغير فان العمل قد استوفي بأمره و استدعائه.

و إذا اختار المستأجر فسخ الإجارة الأولى و كان الأجير قد أتى له ببعض الأعمال قبل الفسخ وجب على المستأجر ان يدفع للأجير أجرة المثل عما أتى به من العمل.

المسألة 170:

الصورة الثانية: أن يؤجر الشخص نفسه لعمل معين أو لإعمال معينة خارجية، على أن يكون العمل أو الأعمال التي آجر نفسه للقيام بها ملكا للمستأجر في المدة المحدودة للإجارة، من غير أن تشتغل ذمته للمستأجر بشي ء، كما أوضحناه في المسألة المائة و السابعة و الستين، و قد مثلنا لهذه الصورة في ما تقدم بأن يؤجر الشخص نفسه ليكون كاتبا للمستأجر مدة شهر مثلا، أو ليكون كاتبا و حاسبا و مترجما له في المدة المعينة، فإذا آجر الشخص نفسه لذلك، لم يجز له أن يأتي بذلك العمل المعين أو بتلك الأعمال في المدة المعينة لنفسه و لا لغير المستأجر

من الناس، لا تبرعا و لا بإجارة و لا بجعالة، و لم يجز له ان يشتغل بشي ء آخر ينافي حق المستأجر بحيث لا يستطيع مع اشتغاله بهذا المنافي ان يأتي بالعمل الذي استحقه عليه المستأجر كما إذا استأجره للكتابة في وقت فاشتغل في الوقت نفسه بالخياطة أو بالنسج أو بالنجارة.

و كذلك إذا لم يذكر في الإجارة مدة معينة و لكنه عين فيها أول زمان العمل على أن يبتدئ الأجير بالعمل في ذلك الوقت، ثم لا يتماهل و لا ينصرف حتى يتم العمل، فلا يجوز للأجير ان يأتي في ذلك الوقت بذلك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 321

العمل لغير المستأجر، و لا يجوز له أن يشتغل بما ينافيه، و يجوز له أن يأتي بعمل آخر لا ينافيه كما إذا استؤجر للكتابة، فصام لنفسه أو لغيره تبرعا أو بالإجارة إذا لم يوجب ضعفه عن القيام بحق المستأجر.

المسألة 171:

إذا خالف الأجير الحكم في المسألة السابقة، فأتى بالعمل المعين في الوقت المعين لنفسه أو لغيره و غير المستأجر، تبرعا لذلك الغير أو بإجارة منه أو بجعالة، جرت عليه نظائر الأحكام المتقدم ذكرها في مخالفة الصورة الأولى في المسألة المائة و التاسعة و الستين.

فإذا هو خالف، فأتى بالعمل لنفسه في الوقت الذي ملك المستأجر فيه العمل، تخير المستأجر بين أن يفسخ عقد الإجارة بينه و بين الأجير، فيسترد منه جميع الأجرة المسماة إذا كان قد دفعها اليه، و كانت للأجير عليه أجرة المثل إذا كان الأجير قد أتى له ببعض العمل قبل مخالفته و فسخ المستأجر، و أن يمضي الإجارة الواقعة بينهما، فتكون للأجير أجرته المسماة له، و يطالبه المستأجر بأكثر الأمرين، و هما عوض ما فات المستأجر من العمل

بسبب مخالفة الأجير، و عوض العمل الذي استوفاه الأجير لنفسه.

و مثله الحكم في ما إذا خالف الأجير فأتى بالعمل المعين في الوقت تبرعا منه لغير المستأجر، فيكون المستأجر مخيرا بين الفسخ و الإمضاء على نهج ما سبق بيانه في فرض إتيان الأجير بالعمل لنفسه، و إذا كان تبرع الأجير للغير بأمر ذلك الغير و استدعائه، و اختار المستأجر أن يبقى الإجارة، جاز له أن يرجع على ذلك الغير المتبرع له بقيمة المثل للعمل الذي استوفاه من الأجير.

و إذا خالف الأجير فأتى بالعمل في الوقت المعين لغير المستأجر الأول بإجارة ثانية أو بجعالة منه، تخير المستأجر الأول كما فصلناه في المسألة المائة و التاسعة و الستين، فيصح له أن يجيز الإجارة الثانية أو الجعالة فإذا أجازها كان له العوض المسمى فيها للأجير، و يجوز له أن يفسخ الإجارة الأولى و يسترد الأجرة المسماة من الأجير و على المستأجر في هذا الفرض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 322

ان يدفع للأجير أجرة المثل إذا كان قد أتى له ببعض العمل قبل المخالفة و الفسخ، و يجوز للمستأجر أن يبقى الإجارة الأولى و يدفع للأجير أجرته المسماة له، و يطالبه بأكثر الأمرين، و هما عوض ما فاته من العمل بسبب مخالفة الأجير، و عوض العمل الذي قام به الأجير للمستأجر الثاني أو الجاعل، و يصح له ان يرجع في ذلك على هذين فان الاستيفاء قد حصل بأمرهما و استدعائهما.

و إذا خالف الأجير، فاشتغل في الوقت المعين بما ينافي العمل المستأجر عليه، كان للمستأجر الخيار بين أن يفسخ الإجارة فيسترد الأجرة المسماة من الأجير إذا كان قد دفعها اليه، و أن يمضي الإجارة فيدفع للأجير أجرته المسماة له و يطالبه

بعوض العمل الذي فوته عليه بفعل المنافي.

المسألة 172:

الصورة الثالثة: أن يؤجر الشخص نفسه للمستأجر ليقوم له بعمل واحد أو بأعمال تشتغل بها ذمة الأجير و تكون دينا عليه من ديونه يلزمه الوفاء بها في مدة الإجارة المعينة، و الإجارة مقيدة بأن يكون الأجير نفسه هو الذي يأتي بالعمل مباشرة.

فإذا آجر الشخص نفسه كذلك لم تحرم عليه الأعمال إذا كانت لا تنافي الوفاء بالإجارة و لا تمنع منه، فيجوز له أن يأتي بمثل العمل المستأجر عليه و بغيره مما لا ينافيه، سواء أتى بالعمل لنفسه أم لشخص آخر و سواء أتى به للغير متبرعا به أم مستأجرا عليه، و لا يجوز له أن يأتي بأي عمل ينافي وفاءه بالإجارة و يمنع منه، و إذا خالف الأجير ذلك فأتى بعمل لا يمكنه معه أن يفي بالإجارة و يأتي بالعمل المستأجر عليه، كان المستأجر مخيرا بين أن يفسخ الإجارة فيسترجع الأجرة المسماة من الأجير إذا كان قد دفعها اليه، و أن يمضي الإجارة فتكون للأجير أجرته المسماة له و يثبت للمستأجر حق مطالبته بقيمة العمل المستأجر عليه و الذي فوته الأجير عليه بسبب المخالفة.

و إذا خالف الأجير فآجر نفسه لعمل ينافي الوفاء بالإجارة الأولى

كلمة التقوى، ج 4، ص: 323

ثبت للمستأجر التخيير المتقدم ذكره في الفرض السابق، فيجوز له أن يفسخ الإجارة الأولى فيسترد الأجرة و ان يبقيها و يطالب الأجير بقيمة العمل المستأجر عليه.

و هل تصح الإجارة الثانية إذا أجازها المستأجر الأول، أو أسقط حقه في الإجارة الأولى، فيه اشكال فلا يترك الاحتياط فيه و في فروعه، بل الظاهر العدم في الفرض الثاني فان الحق في الإجارة لا يسقط بالإسقاط.

المسألة 173:

الصورة الرابعة: أن يؤجر الشخص نفسه للمستأجر لعمل أو أعمال تكون في ذمة الأجير،

على النهج الذي ذكرناه في الصورة الثالثة، و يشترط المستأجر في ضمن العقد على الأجير أن يأتي بالعمل المستأجر عليه بنحو المباشرة، و يكون الاشتراط بنحو تعدد المطلوب لا بنحو تقييد الإجارة بذلك.

فإذا آجر الشخص نفسه للعمل على هذا الوجه جاز للأجير أن يأتي بأي عمل شاء إذا كان لا ينافي الوفاء بالإجارة و بالشرط و لا يمنع منه، و لا يجوز أن يقوم بعمل ينافي ذلك، و إذا خالف الأجير هذا الحكم فأتى بالعمل المنافي له ثبت للمستأجر الخيار الذي تقدم بيانه في الصورة الثالثة و بيان لوازمه.

و إذا خالف الأجير فآجر نفسه لعمل ينافي الوفاء بالإجارة الأولى و بشرطها ثبت للمستأجر ذلك الخيار أيضا مع لوازمه المذكورة، و أمكن للمستأجر أن يسقط شرطه للمباشرة فإذا أسقط الشرط وجب على الأجير ان يفي بكلتا الاجارتين، فيفي بالإجارة الأولى للمستأجر الأول و يأتي بالعمل له لا بنحو المباشرة، و يفي بالإجارة الثانية للمستأجر الثاني و يأتي بالعمل له بنحو المباشرة، و يستحق بذلك كلتا الأجرتين.

و هل يصح للمستأجر الأول أن يجيز الإجارة الثانية؟ يشكل الحكم بصحة ذلك، و لا تترك مراعاة الاحتياط فيه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 324

المسألة 174:

الصورة الخامسة: ان يؤجر الشخص نفسه للمستأجر لعمل أو أعمال تكون في ذمة الأجير على نهج ما تقدم، و تكون الإجارة مطلقة فلا يشترط المستأجر فيها على الأجير مباشرة العمل بنفسه لا بنحو وحدة المطلوب و لا بنحو تعدد المطلوب، و إذا آجر الشخص نفسه كذلك جاز له أن يأتي بأي عمل شاء لنفسه أو لغيره، و جاز له أن يؤجر نفسه لغير المستأجر الأول لمثل ذلك العمل و لغيره، و وجب عليه أن يفي بعقد الإجارة

في الوقت المحدد إذا كان موقتا، سواء أتى بالعمل مباشرة أم باستنابة غيره تبرعا أم بإجارة أم بجعالة.

المسألة 175:

إذا استأجر الإنسان من أحد سيارة أو سفينة أو دابة للركوب فيها الى مكان معين، فحملها متاعا أو طعاما الى الموضع نفسه أو الى غيره، وجب على المستأجر أن يدفع للمالك أكثر الأمرين من الأجرة المسماة له في عقد الإجارة، و من أجرة المثل للمنفعة التي استوفاها.

و كذلك الحكم إذا استأجر منه دارا ليسكنها مدة معلومة فاستعملها فندقا لنزول المسافرين، أو استأجر المحل أو الدكان ليستعمله مخزنا، فاتخذه متجرا أو معملا.

و مثله ما إذا استأجر دابة أو سيارة لحمل متاع معين، و قيد المالك الإجارة بذلك، فحملها المستأجر بعد ما قبضها غير ذلك المتاع عامدا أو مشتبها، فيكون للمالك في هذه الفروض و ما أشبهها، أكثر الأمرين من الأجرة المسماة و من أجرة المثل للمنفعة التي استوفاها المستأجر.

و نظيره في الحكم ما إذا استأجر الرجل أجيرا لعمل معين من الأعمال، فحمله المستأجر على غير ذلك العمل و استوفاه منه و كان العامل غافلا أو جاهلا كما إذا آجره وكيله أو وليه و هو لا يعلم، فيثبت للأجير أكثر الأمرين.

المسألة 176:

إذا استأجر الإنسان رجلا ليعمل له عملا معينا في وقت معين، فعمل

كلمة التقوى، ج 4، ص: 325

الأجير للمستأجر عملا آخر غير العمل الذي استأجره له لم يستحق الأجير عليه شيئا، و مثال ذلك أن يستأجر زيد خالدا ليكون له كاتبا مدة شهر مثلا، فشغل خالد نفسه بالخياطة أو النساجة لزيد حتى أتم شهر الإجارة، فلا يستحق الأجير خالد على زيد شيئا، لا أجرة المثل لخياطته أو نساجته له لأنه لم يستأجره لذلك، و لا الأجرة المسماة لأنه لم يأت بالكتابة، سواء كان عامدا في فعله أم مخطئا.

و يجوز للمستأجر أن يمضي الإجارة بينه و بين

الأجير، فإذا أمضاها استحق الأجير عليه الأجرة المسماة له في العقد و استحق المستأجر على الأجير أجرة المثل للمنفعة التي ملكها و فاتت منه و هي الكتابة في المثال.

المسألة 177:

إذا آجر المالك دابته أو سيارته لزيد ليحمل متاعه الى موضع معين فاشتبه المالك، و حمل متاع عمرو، لم يستحق صاحب الدابة أو السيارة شيئا على زيد، لأنه لم يقم له بالعمل المستأجر له، و لا على عمرو، لأنه لم يستأجر لحمل متاعه.

و يجوز للمستأجر و هو زيد أن يمضي الإجارة، فإذا أمضاها استحق صاحب الدابة أو السيارة عليه الأجرة المسماة، و استحق المستأجر زيد أجرة المثل عن المنفعة التي ملكها و فاتت عليه و هي حمل متاعه الى الموضع المعين كما ذكرنا في المسألة المتقدمة.

المسألة 178:

إذا استأجر الرجل من المالك سيارة معينة أو دابة معينة ليركبها الى موضع معين، و سلمه المالك السيارة أو الدابة الخاصة التي عينها في العقد، و مكنه منها مدة يمكنه فيها استيفاء المنفعة المقصودة، ثم اشتبه المستأجر فأخذ سيارة أو دابة أخرى للمالك و ركبها الى المكان المعين، وجب على المستأجر أن يدفع للمالك الأجرة المسماة للسيارة أو الدابة المعينة، و أجرة المثل للسيارة أو الدابة الأخرى التي ركبها و استوفى منفعتها، و كذلك الحكم إذا استأجر الدابة منه و مكنه منها كما تقدم، ثم اشتبه المستأجر و ركب دابة لعمرو، فتجب الأجرة المسماة لدابة زيد و اجرة المثل لدابة عمرو.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 4، ص: 326

كلمة التقوى، ج 4، ص: 326

و لا تجب الأجرة المسماة بمجرد الإجارة إذا لم يمكنه المالك من الدابة أو السيارة، أو مكنه و لم تمض مدة يمكن المستأجر استيفاء المنفعة فيها.

المسألة 179:

إذا استأجر الرجل السيارة من مالكها ليحمل فيها طعاما أو متاعا أو شيئا آخر مما يحل حمله و سلمه المالك السيارة لذلك فحمل فيها خمرا، وجب على المستأجر ان يدفع الأجرة المسماة لصاحب السيارة و حل لصاحب السيارة أخذها، لأنها أجرة عن المنفعة المحللة المقصودة، و ليست أجرة لحمل الخمر.

و إذا حملها المستأجر بعد ما قبضها خلا و خمرا وجبت عليه الأجرة المسماة لحمل الخل، و يشكل الحكم بوجوب أجرة المثل لحمل الخمر، و إذا غصب السيارة من مالكها كان ضامنا لها و لمنافعها المحللة و ان لم يستوفها الغاصب فإذا أرجع السيارة إلى مالكها وجب عليه ان يدفع اليه

أجرة المثل عن منفعتها المحللة في مدة الغصب و ان لم يستوفها الغاصب و إذا حملها خمرا أشكل الحكم بوجوب أجرة المثل لحمل الخمر.

المسألة 180:

إذا آجر الإنسان نفسه للصوم في يوم معين أو في أيام معينة عن شخص، ثم آجر نفسه للصوم في ذلك اليوم أو في تلك الأيام المعينة عن شخص آخر، فالظاهر عدم صحة الإجارة الثانية، سواء كان عامدا أم مخطئا أم ناسيا للإجارة الأولى حين إيقاع الإجارة الثانية.

و إذا فسخت الإجارة الأولى بخيار من الأجير أو من المستأجر، أو بإقالة منهما، ثم أجاز الأجير إجارته الثانية قبل وصول موعد الصوم لم يبعد الحكم بصحتها.

و كذلك الحكم إذا آجر نفسه للصوم في الأيام المعينة ثم آجر نفسه لسفر يوجب القصر و الإفطار في تلك الأيام فتبطل الإجارة الثانية إلا إذا فسخت الأولى بخيار أو إقالة ثم أجاز الثانية.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 327

المسألة 181:

لا تصح اجارة العين المملوكة إلا بإذن مالكها أو اذن وليه قبل اجراء العقد أو إجازته أو اجازة وليه بعد وقوع العقد، سواء كانت العين المستأجرة دارا أم عقارا أم غيرهما، و لا يصح بقاء المستأجر بعد انتهاء أمد الإجارة في الدار أو الدكان أو المحل إلا بإذن المالك و رضاه أو اذن وكيله المفوض أو اذن وليه إذا كان قاصرا أو محجورا عليه. و يستثنى من ذلك ما إذا اشترط ذلك على المالك في عقد الإجارة أو في عقد لازم آخر، و يراجع في ذلك و في المسائل المتعلقة بالسرقفلية ما كتبناه في مبحث السرقفلية من رسالتنا في المسائل المستحدثة، فإن ما ذكرناه هناك يغنينا عن تكراره هنا.

الفصل السادس في إجارة الأرض و بعض أحكام الإجارة
المسألة 182:

يجوز للمالك أن يؤجر الأرض التي يملكها لغيره لاستيفاء منفعة معينة منها كالزرع و الغرس فيها أو جعلها مراحا أو مسرحا أو مرعى للحيوانات، أو اتخاذها محلات لتربية الدواجن و حفظها و عرضها و بيعها أو موضعا لتجميع التمر و تشميسه، أو لتصفية الطعام و إعداده للنقل و البيع، و شبه ذلك من المنافع المقصودة و لا بد و ان تكون الأرض التي يراد استئجارها معلومة الوصف و المقدار و الموضع، و لو بالمشاهدة الرافعة للجهالة و الغرر في كل أولئك، لاختلاف الأغراض باختلاف كل واحد منها، و لا بد و أن تكون مدة الإجارة محددة معلومة، فلا يصح أن يكون الموعد فيها قابلا للزيادة و النقصان، كما إذا آجره الأرض من أول ابتداء الزراعة إلى نهاية دوس الحبوب، أو من ابتداء جذاذ التمر إلى أوان بيعه.

المسألة 183:

يجوز للمالك أن يؤجر حصة مشاعة من الأرض إذا كانت الأرض معلومة و لو بالمشاهدة كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، فيؤجر غيره نصف

كلمة التقوى، ج 4، ص: 328

هذه الأرض المعلومة أو ثلثها أو ربعها مدة شهرين بعشرين دينارا، فإذا آجر الحصة كذلك و ملك المستأجر منفعتها اقتسمها مع مالك الأرض أو مع الشريك في المنفعة كما يقتسم الشركاء الأموال المشتركة بينهم، أو كما تقدم في المسألة المائة و الرابعة عشرة.

و يجوز أن يؤجره مقدارا من الأرض على نحو الكلي في المعين، فيؤجره جريبا من هذه الأرض المعينة أو قفيزا منها مثلا، ثم يتفقان في استيفاء المنفعة على أحد الوجوه و لو بالتراضي و المصالحة على جعل الجريب المستأجر في موضع معين من الأرض.

المسألة 184:

الظاهر أنه يصح للمالك أن يؤجر غيره مقدارا كليا في الذمة من الأرض، فيؤجره جريبا من أرض أو قفيزا و يكون الجريب المستأجر أو القفيز دينا في ذمة المؤجر، و لا بد من أن يكون موصوفا على وجه لا يكون معه غرر و لا جهالة في العين المستأجرة، و لا تصح الإجارة بدون ذلك.

المسألة 185:

لا يجوز للمالك أن يؤجر الأرض من أحد للزراعة فيها بمقدار معين من الحنطة أو الشعير اللذين ينتجان من زراعة تلك الأرض، و مثال ذلك أن يؤجر المالك أرضه المعينة من زيد ليزرعها حنطة أو شعيرا بعشرين منا من الحنطة أو من الشعير الذي ينتج من زراعته لهذه الأرض نفسها، فتبطل هذه الإجارة و لا تصح.

و لا يختص الحكم بالبطلان بما إذا استأجر الأرض بمقدار مما يحصل منها من الحنطة أو الشعير خاصة، بل تبطل الإجارة أيضا إذا استأجر الأرض لزراعة الحنطة أو الشعير أو لزراعة غيرهما من الحبوب بمقدار معين من الحبوب التي تحصل من زراعة الأرض نفسها سواء كانت حنطة أم شعيرا أم أرزا أم عدسا أم غيرها من الحبوب التي تنتج من زراعتها بعد الإجارة، و لا تصح إجارة الأرض للزراعة بما يحصل من زراعة أرض معينة أخرى بعد الإجارة كذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 329

و لا تصح إجارتها بالحنطة أو الشعير أو بغيرهما من الحبوب إذا اشترط في عقد الإجارة أن يكون الأداء من حاصل زراعة الأرض بعد الإجارة.

و أولى بالحكم بالبطلان من جميع ذلك ما إذا آجره الأرض للزراعة بحصة معينة من حاصلها فيؤجره الأرض بربع ما يحصل من زراعتها من الحبوب أو بثلثه مثلا.

و لا تبطل الإجارة إذا آجر المالك الأرض للزراعة بعشرين منا من

الحنطة مثلا أو من الشعير أو من غيرهما من الحبوب التي حصلت من زراعة الأرض نفسها قبل الإجارة، و لا تبطل الإجارة كذلك إذا آجر الأرض للزراعة بعشرين منا من الحنطة أو الشعير ثم أدى المستأجر مال الإجارة من حاصل زراعته في الأرض من غير اشتراط من المالك و لا تقييد بذلك.

المسألة 186:

إذا استأجر الإنسان من المالك أرضا للزراعة مدة معينة فحدثت آفة أفسدت الزراعة في الأرض أو أوجبت نقص النتاج منها، لم تبطل الإجارة بذلك، و لم يوجب ذلك نقصا في الأجرة المعينة في العقد، و لم يثبت بسبب ذلك خيار للمستأجر في فسخ الإجارة.

و إذا شرط المستأجر على المالك في ضمن العقد أن يبرئه من الأجرة بمقدار ما ينقص من حاصل الزراعة بسبب الآفة إذا حدثت، و قبل المالك بالشرط، نفذ الشرط و لزم العمل به، فإذا نقص من حاصل زراعة الأرض نصفه بسبب الآفة وجب على المالك أن يبرئ المستأجر من نصف الأجرة، و إذا نقص من الحاصل الربع وجب أن يبرئه من الربع، و هكذا، و المرجع في تقدير النقص من حاصل الزراعة، إلى تعيين أهل الخبرة و المعرفة بذلك.

المسألة 187:

يجوز أن يتقبل الشخص الأرض من مالكها، لينتفع بها بزراعة أو غرس أو غير ذلك من وجوه الانتفاع المقصودة مدة معلومة، و يجعل

كلمة التقوى، ج 4، ص: 330

العوض عن ذلك تعمير الأرض بستانا مثلا بحرثها و شق أنهارها و إخراج بئر أو عين ماء فيها و غرسها نخيلا و شجرا و نحو ذلك، أو بتعميرها دارا أو بنائه أو دكاكين معلومة المقادير و الصفات.

و الظاهر ان ما دلت عليه النصوص في ذلك معاملة خاصة، و ليست اجارة و لا جعالة، فتصح كذلك إذا كانت الأرض المتقبلة معلومة الحدود و الفوائد، و كان التعمير و الأعمال المشترطة بين المتعاملين معينة غير مجهولة.

المسألة 188:

إذا التزم الإنسان بعض الأرض الخراجية من ولي أمرها على ما فصلناه في المسألة السادسة و الأربعين من كتاب التجارة، و ذكرناه في المسألة المائة و الخامسة و الثلاثين، في فصل شرائط العوضين، كان مالكا لمنفعتها، و كان هو المكلف بدفع ما عليها من الخراج و الضريبة، فإذا استأجرها أحد من ذلك الإنسان ليزرعها و ينتفع بها فلا شي ء عليه من الخراج و الضريبة الا أن يشترط مالك المنفعة عليه ذلك في عقد الإجارة بينهما.

المسألة 189:

إذا استأجر الرجل الأرض من مالكها لبعض المنافع المقصودة مدة معينة، فغرس المستأجر في الأرض المستأجرة أو زرع فيها ما يحتاج في إدراكه إلى مدة أطول، فإذا انقضت مدة الإجارة جاز لمالك الأرض أن يأمر المستأجر بقلع ما غرس أو زرع في الأرض.

و كذلك إذا استأجر الأرض من مالكها للغرس أو للزرع مدة معينة، و غرس في الأرض أو زرع فيها ما لا يدرك في تلك المدة التي عينها في الإجارة، كما إذا استأجرها للغرس مدة سنتين، فغرس فيها شجرا أو نخيلا لا يثمر الا بعد ست سنين أو أكثر، و كما إذا استأجرها للزراعة فيها مدة شهرين، و زرع فيها مالا يبلغ أوان قطعه أو جزه الا بعد ثلاثة أشهر، فإذا انقضت مدة الإجارة جاز للمالك أن يأمر المستأجر بقلع ما غرس أو زرع.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 331

و لا يجوز للمستأجر أن يبقى غرسه و زرعه ثابتا في الأرض الا بإذن المالك و رضاه و ان بذل أجرة المثل للمدة التي يبقى فيها الغرس و الزرع ثابتا في الأرض، و ليس له أن يطالب المالك بأرش الشجر أو الزرع إذا قلعه.

المسألة 190:

إذا انتهت مدة الإجارة و لم يستأصل المستأجر جذور ما زرعه في الأرض التي استأجرها، فنمت الجذور و الزرع، فإن أعرض المستأجر عن زرعه و اباحه للآخرين ليتملكوه، جاز لمن شاء من الناس ان يسبق اليه و يتملكه من غير فرق بين مالك الأرض و غيره، و ان لم يعرض المستأجر عن زرعه أو لم يبحه للآخرين فهو ملك له.

و لا يجوز لغير مالك الأرض أن يدخلها الى ذلك الزرع إلا بإذن المالك سواء كان هو المستأجر سابقا أم غيره ليسبق الى

الزرع.

و لا يكفي مجرد اعراض المستأجر في صحة تملك الناس الآخرين للزرع بعد إعراضه حتى تقوم معه قرينة عامة أو خاصة على إباحته لأن يتملكه الآخرون، و لا يكفي في التملك مجرد القصد حتى يستولي على الزرع بقصد تملكه أو بقصد الحيازة لنفسه.

المسألة 191:

لا يصح للإنسان أن يستأجر أرضا مدة طويلة ليوقفها مسجدا و ان كانت المدة طويلة جدا، و لا تصح المسجدية إذا هو استأجرها كذلك و وقفها، و لا تثبت للأرض آثار المسجدية و أحكامها، فلا يحرم تلويثها بالنجاسة و لا يحرم دخول الجنب و الحائض و النفساء فيها و لا تكون لها فضيلة الصلاة في المسجد.

و يصح أن تجعل مصلى يصلي فيه الناس و يتعبدون فيه ما دامت المدة المعينة في الإجارة فإذا انقضت المدة عادت الأرض إلى حالها الأولى.

المسألة 192:

قد اتضح مما بيناه في المسألة التاسعة عشرة و غيرها من المسائل المتعلقة بشرائط العوضين في عقد الإجارة ان كل عين مملوكة يمكن الانتفاع

كلمة التقوى، ج 4، ص: 332

بها مع بقاء عينها، فهي مما تصح إجارتها بشرط أن تكون المنفعة محللة في الإسلام، و مقصودة عند العقلاء بحيث تعد في نظرهم مالا، و ان كان وجود تلك المنفعة نادرا فلا يضر في صحة إجارة العين أن تكون المنفعة المقصودة منها نادرة الوقوع، إذا كانت مما يرغب فيه الناس في حال وقوعه و يبذلون المال للحصول عليه.

و كذلك كل عمل محلل في الإسلام و مقصود عند العقلاء و يعد في نظرهم مالا، فهو مما تصح الإجارة عليه و ان كانت الحاجة إليه نادرة الوقوع على نهج ما تقدم في منفعة العين، عدا ما استثني من الأعمال التي لا تصح الإجارة عليها كالواجبات العبادية و نحوها على ما سيأتي بيانه.

المسألة 193:

يصح للإنسان أن يستأجر البستان من مالكه للتنزه فيه مدة معينة، أو لإقامة ضيوفه فيه أياما، أو لإقامة مريض فيه أيام نقاهته و إبلاله من المرض، و لا يجوز التصرف في ثمار البستان و ازهاره و أشجاره إلا بإذن المالك و رضاه.

المسألة 194:

يجوز أن يستأجر الشجر للانتفاع به في الاستظلال بفيئة و ربط الحيوان و الدواب فيه و شد الحبال فيه لنشر الثياب و غيرها لأهل المغاسل و غيرهم و شبه ذلك من المنافع.

المسألة 195:

يجوز أن يستأجر الرجل أو المرأة لكنس المنزل أو المسجد أو المشهد، و فرشه، و تنظيف فرشه و أدواته، و تطهيره من النجاسة إذا حدثت فيه، و إشعال السرج فيه، و تحريك وسائل التدفئة و التبريد فيه و ما أشبه ذلك.

المسألة 196:

الظاهر أن حيازة المباحات مما تقبل النيابة فيها، و لذلك فالأقوى صحة الإجارة عليها، فيجوز للإنسان أن يستأجر عاملا ليحوز له بعض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 333

المباحات كالحطب و الحشيش و الماء و الرمل و الحصى و الحجر و الجص من مواضعها المباحة، فإذا استأجر العامل لذلك على أن يكون المستأجر مالكا للحيازة و قصد الطرفان ذلك، ملكا المستأجر الحيازة بمقتضى العقد و ملك الشي ء المحاز بتبع ملكه للحيازة.

و هذه النتيجة تتحقق قهرا و ان قصد الأجير بحيازته تمليك نفسه، أو قصد بها تمليك شخص ثالث غيره و غير المستأجر، و ذلك لأن الأجير لما أوقع الإجارة على النهج المتقدم بيانه قد اخرج ذلك عن ملكه باختياره، فيكون قصده تمليك نفسه أو تمليك الشخص الآخر لغوا لا أثر له.

و لا فرق في ذلك بين ان تكون الإجارة بينهما واقعة على جميع منافع الأجير الخارجية فيكون جميعها ملكا للمستأجر و منها المنفعة الخاصة و هي أن يحوز المباح أو تكون الإجارة واقعة على المنفعة الخاصة المذكورة منه فتكون هذه المنفعة بعينها ملكا للمستأجر مدة معينة.

المسألة 197:

إذا استأجر الشخص عاملا ليحوز له بعض المباحات كما تقدم، على أن تكون الحيازة للمستأجر في ذمة العامل الأجير مدة معينة، أصبحت المنفعة المذكورة دينا عليه، و وجب عليه أن يفي بالعقد و بالدين في المدة التي عينها، و لكن الحيازة الخارجية لا تتعين للمستأجر و لا تكون وفاء بالعقد حتى يقصد الأجير ذلك بحيازته، فإذا نوى بحيازته الخارجية أنها للمستأجر وفاء بالعقد، كانت الحيازة الخاصة ملكا للمستأجر و كان الشي ء المحاز ملكا له أيضا تبعا لملكه للحيازة كما سبق في نظيره.

و إذا نوى الأجير الحيازة لنفسه أو لشخص ثالث،

لم يملكها المستأجر، و كان مخيرا بين أن يفسخ الإجارة فيسترجع الأجرة المسماة من الأجير إذا كان قد دفعها اليه، و أن يبقى الإجارة فيجب عليه أن يدفع الأجرة للأجير إذا كان لم يدفعها اليه و يستحق هو على الأجير أجرة المثل للمنفعة التي فاتت عليه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 334

المسألة 198:

إرضاع المرأة للطفل عمل من إعمالها، فهي تأخذ الطفل و تضعه في حجرها أو الى جانبها و هي نائمة و تضع ثديها في فمه مدة، ثم تنقله إلى الثدي الآخر حتى يرتوي و قد تصحب ذلك إعمال أخرى من المرأة، و لذلك فيصح للمرأة أن تؤجر نفسها للإرضاع مدة معينة، و لا ريب في صحة ذلك.

و كذلك يصح لها أن تؤجر نفسها للرضاع، و هو منفعة من منافعها، فتؤجر نفسها لولي الطفل لينتفع الطفل بلبنها مدة معينة، و ان لم يتحقق منها أي فعل كما إذا سعى الطفل بنفسه إليها و التقم الثدي بفمه، و كما إذا وضع احد الطفل في حجرها أو الى جانبها و هي نائمة و جعل ثدي المرضعة في فم الرضيع، فتصح الإجارة في جميع الصور.

و يعتبر في صحة الإجارة لذلك أن تشاهد المرأة الطفل الرضيع أو يوصف لها وصفا يرتفع معه الغرر و الجهالة و ان تشاهد المرأة المرضعة أو توصف للمستأجر وصفا يرتفع معه الغرر و الجهالة.

المسألة 199:

يجوز للمرأة المتزوجة ان تؤجر نفسها للإرضاع أو الرضاع و ان لم يأذن لها زوجها بذلك نعم لا يجوز لها ان تؤجر نفسها لذلك إذا كان منافيا لحق الزوج من الاستمتاع بالزوجة أو لحقه في عدم خروج المرأة من المنزل إلا باذنه، و إذا آجرت نفسها لذلك بغير اذن الزوج لم تصح الإجارة إلا بإجازته.

المسألة 200:

لا يملك الرجل لبن زوجته و لذلك فيجوز لها ان تؤجر نفسها للزوج لإرضاع ولده سواء كان الولد منها أو من غيرها و تملك الأجرة منه إذا دفعها إليها.

المسألة 201:

إذا كانت المرأة خلية من الزوج و هي ذات لبن، فآجرت نفسها لرضاع طفل ثم تزوجت في مدة الإجارة وجب عليها الوفاء بالعقد و ان كان منافيا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 335

لحق الزوج، و كذلك إذا آجرت نفسها لغير الرضاع من الأعمال الأخرى قبل التزويج ثم تزوجت كما تقدم ذلك في المسألة الثانية و الستين و إذا كان وطؤ الزوج لها في الفرض المذكور مضرا بالولد الرضيع منع الزوج منه مدة الإجارة.

المسألة 202:

يملك السيد لبن أمته، سواء كان اللبن منه أم من غيره، حرا كان ذلك الغير أم مملوكا، و سواء كانت الأمة قنة أم مدبرة، أم أم ولد، فيجوز للسيد أن يؤجر أمته لرضاع أي طفل يريد، و يجوز له أن يتبرع بإرضاعها لأي طفل، سواء رضيت الأمة بالإجارة و التبرع أم لا، و ان كانت ذات طفل يحتاج الى الرضاع فيرضع طفلها من لبن أخرى.

و لا يجوز للسيد أن يؤجر أمته المكاتبة المطلقة و لا المشروطة و لا المبعضة لإرضاع طفل أو يتبرع بإرضاعها لطفل الا برضاها.

المسألة 203:

إذا استأجر أحد مرضعة لإرضاع طفل معين مدة معينة، و مات الطفل انفسخت الإجارة بموت الطفل، فان كان موته قبل حلول المدة، أو بعد حلولها و قبل أن تتمكن المرأة من إرضاعه، استرد المستأجر منها جميع الأجرة إذا كان قد دفعها إليها، و ان كان موت الطفل في أثناء المدة و قد أرضعته في بعضها، استحقت المرضعة من الأجرة المسماة بنسبة الفترة التي أرضعته فيها الى مجموع المدة، فإن كانت أرضعته نصف المدة استحقت نصف الأجرة، و ان أرضعته ربع المدة استحقت ربع الأجرة، و أرجعت إلى المستأجر الباقي.

و إذا استأجر المرضعة لإرضاع طفل غير معين، و دفع إليها طفلا، فأرضعته بعض المدة ثم مات الطفل المدفوع إليها لم تنفسخ الإجارة بموته، فيجوز للمستأجر أن يدفع إليها طفلا آخر لتتم المدة بإرضاعه، و إذا تعذر وجود الطفل بطلت الإجارة، و جرى التفصيل المتقدم ذكره في الأجرة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 336

المسألة 204:

إذا استأجر أحد مرضعة لإرضاع طفل، و اشترط المستأجر على المرضعة أن يكون رضاع الطفل بلبنها لا بلبن غيرها، ثم ماتت المرضعة، انفسخت الإجارة بموتها.

فان كان موتها قبل حلول مدة الإجارة أو بعد حلولها و قبل أن تتمكن المرأة من إرضاعه، استرجع المستأجر من ورثة المرضعة جميع الأجرة إذا كان قد دفعها إليها، و ان كان موت المرضعة في أثناء المدة و قد أرضعت الطفل في بعضها كان لها من الأجرة بالنسبة كما تقدم، و استرد المستأجر الباقي من الورثة، إذا كان قد دفعه الى المرضعة.

و إذا استأجرها على أن يكون إرضاع الطفل دينا في ذمتها تقوم بوفائه في المدة، و لو بإرضاع غيرها من المرضعات لم تبطل الإجارة بموت المرضعة، و وجب الوفاء

على ورثتها و لو باستئجار مرضعة أخرى لتقوم بإرضاع الطفل و إذا تعذر وجود مرضعة غيرها بطلت الإجارة، و جرى التفصيل المتقدم بيانه في الأجرة.

المسألة 205:

لا ينبغي الريب في ان لبن الشاة أو البقرة أو الناقة يعد في نظر أهل العرف من منافعها، و نتيجة لذلك، فيجوز على الأقوى أن يستأجر الرجل الشاة أو البقرة أو الناقة من مالكها مدة معلومة لينتفع بلبنها و منتوجاته من جبن أو مخيض أو زبد أو غيرها، من غير فرق بين لبنها الذي يتجدد بعد الإجارة و الموجود منه بالفعل.

و كذلك شأن الثمر بالنسبة إلى الشجر و الماء بالنسبة إلى البئر أو العين فإنها في نظر أهل العرف منافع لها، فيصح على الأقوى أن يستأجر الشجرة أو الشجر لينتفع المستأجر بثمارها مدة معينة، و يستأجر البئر أو العين لينتفع بمائها، و ان كان اللبن و الثمر و الماء من الأعيان، و الانتفاع بها لا يكون إلا بإتلاف العين، و الاشكال في صحة استئجارها لهذه الجهة ضعيف، و لا فرق في الماء و الثمر بين ما يتجدد في العين و الشجرة بعد الإجارة و الموجود منه بالفعل.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 337

المسألة 206:

إذا أمر الرجل أحدا بأن يعمل له عملا، فأتى المأمور بالعمل كما طلب، فان كان المأمور قد قصد التبرع بعمله للآمر، لم يستحق عليه أجرة، و ان كان من عزم الآمر أن يدفع له الأجرة حينما طلب منه العمل له.

و كذلك إذا دلت القرينة الخاصة أو العامة على أن الآمر قد قصد المجانية في العمل حينما أمره به، و مثال ذلك أن يكون العمل المأمور به مما يعمل مجانا و بدون أجرة بحسب العادة المتبعة بين الناس، أو يكون الشخص المأمور ممن لا يطلب الأجرة على ذلك العمل إذا أتى به لغيره.

و إذا كان المأمور لم يقصد التبرع بعمله، و لم تدل القرائن

على أن الآمر قد قصد المجانية في طلبه لما أمره بالعمل له، استحق المأمور أجرة المثل على العمل الذي أتى به.

المسألة 207:

إذا اعتقد العامل أن زيدا قد استأجره للعمل المعين، فأتى بالعمل بقصد الوفاء بالإجارة ثم ظهر أن زيدا لم يستأجره لذلك و لم يأمره بالعمل، لم يستحق عليه أجرة.

المسألة 208:

يصح للإنسان أن يستأجر شخصا ليقوم له بكل ما يريد منه من الأعمال و الحاجات المقدورة له، و التي يتعارف بين الناس قيام مثل هذا الأجير بها، فتكون جميع منافع الأجير ملكا للمستأجر في المدة المعينة بينهما، و لا بد من أن يعين في العقد الأوقات التي يقوم الأجير فيها بوظيفته المذكورة، أ هي في النهار وحده، أم في الليل و النهار في أي ساعة يطلبه المستأجر للعمل، أم في ساعات محددة.

المسألة 209:

الظاهر أن نفقة الأجير الآنف ذكره تكون على نفسه، و لا تجب على المستأجر، إلا إذا اشترط الأجير عليه ذلك في ضمن العقد فيلزم الوفاء

كلمة التقوى، ج 4، ص: 338

بالشرط، أو كانت العادة المتعارفة بين الناس أن يقوم المستأجر بنفقة هذا الأجير، أو دلت القرائن عليه، فيكون ذلك بحكم الشرط في ضمن العقد.

و إذا اشترط الأجير نفقته على المستأجر في ضمن العقد، فلا بد من تحديد مقدار النفقة و نوعها بما يرفع الجهالة و الغرر بينهما، و إذا كان ذلك هو مقتضى العادة الجارية بين الناس اتبعت العادة في تحديد النفقة.

المسألة 210:

يجوز للشخص أن يأمر العامل بالعمل و يستعمله في بعض أعماله و يستوفي بعض منافعه من غير أن يسمي له أجرة معينة، و لكن يكره ذلك، و يثبت للعامل بذلك أجرة المثل على الشخص لأنه قد استوفى منفعة العامل، و لا يكون من الإجارة على الأصح.

المسألة 211:

إذا استأجر الرجل عاملا للكتابة أو للخياطة، أو لغيرهما من الأعمال، فهل يكون المداد الذي يحتاج اليه الكاتب في كتابته على الأجير أو على المستأجر؟ و كذلك الخيوط التي يحتاج الخياط في خياطته و المواد الأخرى التي يفتقر إليها العامل في إنجاز عمله و في توفية المستأجر منفعته التي ملكها بالإجارة؟.

الأقوى وجوب التعيين في ذلك على المتعاملين، الا أن تكون قرينة عامة أو خاصة تدل على شي ء فيكون ذلك الظهور هو المتبع.

المسألة 212:

لا يجوز للمكلف أن يؤجر نفسه للإتيان بالعبادات الواجبة عليه، و مثال ذلك أن يؤجر زيد نفسه لعمرو مثلا ليؤدي الفرائض الواجبة التي افترضها اللّٰه على زيد نفسه، فان اللّٰه سبحانه قد أوجب هذه الأعمال على العبد المكلف على أن يأتي بها تعبدا له، و طاعة و امتثالا لأمره، و لا يبتغي عليها أجرا و مثوبة من أحد سواه، فلا تصح الإجارة عليها من أحد و لا يحل أخذ الأجرة على الإتيان بها، سواء كانت الواجبات

كلمة التقوى، ج 4، ص: 339

عينية أم كفائية، و كذلك الحكم في المستحبات التي يكون لها هذا الوصف، كالنوافل الراتبة و غير الراتبة من الصلوات.

فلا تصح إجارة الإنسان نفسه لفعل الصلوات اليومية الواجبة عليه أو غير اليومية مما يكون له هذا الشأن كصلاة الطواف الواجب عليه و صلاة الآيات و غيرها، و لا لصيام شهر رمضان و نحوه من أفراد الصيام الواجب عليه، و لا للإتيان بنوافل الصلاة أو نوافل الصوم، و لا لغير ذلك من واجب العبادات و مستحبها، و لا لتغسيل الموتى أو تكفينهم أو الصلاة عليهم و لا على الأذان و نحو ذلك.

و لا تصح الإجارة لتعليم العقائد الواجبة، و تعليم مسائل الحلال و

الحرام و الواجبات الشرعية و غيرها في ما يكون محل الابتلاء، بل و في ما لا يكون محلا للابتلاء من ذلك على الأحوط لزوما، و لا تصح الإجارة على القضاء الواجب الشرعي و لا الفتوى.

المسألة 213:

تصح الإجارة للواجبات غير العبادية كدفن الميت، و معالجة الطبيب للمرضى و الواجبات التي يتوقف عليها نظام المجتمع كتعليم الطب و الصيدلة و تعليم الزراعة و نحو ذلك، و تصح الإجارة للمستحبات غير العبادية كوضع الحبرة و الجريدتين للميت، و تعليم العلوم الأدبية، بل و لتعليم القرآن في غير المقدار الواجب منه، و لتعليم علم الحديث و الرجال و شرح الحديث، و التفسير و أمثال ذلك.

و تصح الإجارة لتعليم العلوم الحياتية غير الواجبة و لا المستحبة، و يحل أخذ الأجرة على جميع ذلك.

المسألة 214:

يجوز أن يرتزق القاضي و المفتي و المؤذن من بيت المال، و ليس ذلك من الإجارة بل لأن ارتزاق هؤلاء و أمثالهم و الإنفاق عليهم من مصالح المسلمين العامة و قد وضع بيت المال لذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 340

المسألة 215:

لا تشرع النيابة عن الأحياء في الواجبات العبادية، و لذلك فلا تصح الإجارة للصلوات الواجبة نيابة عن الإنسان الحي سواء كانت الصلاة يومية أم غيرها، و سواء كان الإنسان المنوب عنه قادرا أم عاجزا، و لا تصح الإجارة للصيام الواجب و لا لسائر الواجبات العبادية الأخرى نيابة عنه.

و يستثنى من ذلك الحج الإسلامي الواجب بالاستطاعة، فإذا وجبت على المسلم حجة الإسلام و اجتمعت له شروط وجوبها و لكنه عجز عن الإتيان بالحج مباشرة لكبر سن أو مرض لا يرجى زواله وجب عليه ان يستأجر من يحج عنه، و لا يجري ذلك في غير حجة الإسلام، فإذا وجب على الرجل حج نذر أو شبهه، و عجز عن الإتيان به مباشرة للأعذار المذكورة، لم يصح له أن يستأجر من يحج عنه و هو حي، بل يسقط عنه وجوب الحج إذا حصل له العجز عن الأداء في عام النذر أو العهد نفسه، و إذا كان قادرا على المباشرة في عام النذر و لم يف بما أوجبه على نفسه، و تجدد له العجز عن الأداء بعد عام أو أكثر، قضي عنه بعد موته و وجبت عليه الكفارة.

و تصح الإجارة للنيابة عن الحي في الصلوات المستحبة و في الحج المندوب و الزيارات.

المسألة 216:

تصح الإجارة للنيابة عن الموتى في قضاء الصلوات الواجبة عليهم من اليومية و غيرها، و في قضاء الصوم الواجب، و سائر الواجبات التي اشتغلت بها ذممهم في حياتهم، و تصح الإجارة للنيابة عنهم في المستحبات، كالحج المندوب و العمرة المندوبة و الزيارة، و يصح كذلك أن يستأجر الأجير ليأتي بالعمل المندوب ثم يهدي ثوابه الى الميت أو الى الحي.

المسألة 217:

يجوز لولي الميت أن يستأجر شخصين أو أكثر لقضاء الصيام الواجب عن ميتة، فإذا كان الواجب في ذمة الميت قضاء صوم شهر، أمكن للولي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 341

أن يستأجر عن الميت ثلاثة أشخاص، ليصوم كل واحد منهم عنه عشرة أيام، أو مع التفاوت، حسب ما يتفقون عليه في عقد الإجارة.

المسألة 218:

الأقوى- كما ذكرناه في مبحث قضاء الصلوات- عدم وجوب الترتيب في قضاء الفوائت من الصلوات الواجبة، إلا في الفريضتين اللتين يجب الترتيب بينهما في الأداء، كالظهر و العصر إذا كانتا من يوم واحد، و كالمغرب و العشاء إذا كانتا من ليلة واحدة، فيجب الترتيب بينهما في القضاء إذا فاتتا من يوم واحد و نتيجة لذلك، فيجوز لولي الميت أن يستأجر شخصين أو أكثر لقضاء الصلوات الفائتة من الميت، مع مراعاة الترتيب في كل فريضتين مترتبتين في أدائهما، فإذا كان الواجب في ذمة الميت قضاء صلاة شهر: ثلاثين يوما أمكن للولي أن يستأجر عنه ثلاثة أشخاص، يصلي كل واحد منهم عن الميت صلاة عشرة أيام، و ان اتفقوا في زمان القضاء.

المسألة 219:

لا تشرع النيابة عن شخصين في عمل واجب واحد، فلا يصح أن يأتي الرجل بصلاة واجبة واحدة نيابة عن رجلين ميتين، أو يصوم يوما واحدا واجبا عن شخصين، سواء كان متبرعا بالنيابة عنهما أم مستأجرا لذلك، و لا تصح الإجارة له و لا يستحق الأجير عليه اجرة، و لا يصح أن يستأجر شخص واحد للنيابة عن شخصين في حجة واحدة واجبة، فيأتي بالحجة الواحدة عنهما معا.

المسألة 220:

لا يصح ان يستأجر شخص واحد للنيابة في حجتين في عام واحد إذا اشترطت عليه المباشرة في كلتا الحجتين، سواء كانت الحجتان عن شخص واحد أم عن شخصين، و سواء كان الاستيجار لهما بعقد واحد أم بعقدين، و إذا كانتا بعقدين صحت الإجارة الأولى و وجب الوفاء بها و بطلت الثانية.

و تصح الإجارة إذا كانت الحجتان في عامين، و إذا استؤجر كذلك وجب على

كلمة التقوى، ج 4، ص: 342

الأجير أن يأتي بالحجتين على الترتيب الذي استؤجر عليه، فيقدم الحجة التي استؤجر للإتيان بها في العام الأول و ان كانت الإجارة لها متأخرة في التأريخ، و يؤخر الحجة الثانية و ان كانت الإجارة لها متقدمة.

و تصح الإجارة لحجتين في عام واحد إذا لم تشترط على الأجير المباشرة في العمل، فيمكن له أن يأتي بإحدى الحجتين بنفسه و يستأجر للثانية غيره، و يمكن له أن يستأجر لكل واحدة من الحجتين أجيرا.

المسألة 221:

تشرع النيابة عن شخصين في عمل واحد مستحب، فيصح للرجل أن يأتي بحجة مندوبة أو بعمرة مندوبة أو بزيارة نيابة عن شخصين، سواء كان متبرعا بالعمل لهما أم مستأجرا له، و يصح كذلك ان يستأجر لحجة مستحبة واحدة أو لعمرة مندوبة واحدة، أو لزيارة واحدة ثم يهدي ثواب العمل للشخصين.

المسألة 222:

إذا استأجر زيد دارا معينة أو عينا أخرى مدة معلومة من مالكها، ثم اشترى العين المستأجرة بعد ذلك لم تنفسخ الإجارة السابقة بالبيع اللاحق، فيجب عليه أن يدفع للبائع ثمن العين و عوض الإجارة إذا لم يكن دفعها من قبل كما تقدم بيانه في المسألة الثامنة و الأربعين.

فإذا باع العين على أحد في أثناء مدة الإجارة، فلا يترك الاحتياط بأن يشترط التبعية إذا أراد ضم المنفعة إلى العين في التمليك، و لا يكتفي بمجرد قصد التبعية لها، و أن يشترط عدم التبعية إذا أراد عدم ضم المنفعة إلى العين، و إذا لم يشترط شيئا منهما رجع الى المصالحة.

المسألة 223:

إذا استأجر الرجل العين من مالكها ملك منفعتها المقصودة في أيام الإجارة، كما تقدم مرارا، و هذا ملك للمنفعة و ليس بحق في العين، و لذلك فلا يسقط بإسقاط حقه من العين المستأجرة، و لا تخرج المنفعة عن ملكه بذلك، و يمكن للمستأجر ان يملك المنفعة غيره بإجارة أو

كلمة التقوى، ج 4، ص: 343

صلح أو غيرها من النوافل الشرعية و قد بينا ذلك في ما تقدم و هذا غير إسقاط الحق.

المسألة 224:

إذا وجب أن يقضى الحج عن الميت من بلده، و أريد استئجار أحد لذلك، فلا بد من أن يستأجر الأجير ليسافر من بلد الميت إلى مكة بقصد الحج حتى يؤدي فريضة الحج عن المنوب عنه، و لا يكفي أن يستأجر شخص مثلا ليسافر من بلد الميت الى الميقات، ثم يستأجر شخص آخر ليحرم من الميقات و يسافر إلى مكة حتى يتم الحج.

المسألة 225:

تصح الإجارة لذكر مصائب المعصومين (ع) و شهاداتهم و تأريخهم، و التعريف بفضائلهم و مناقبهم و علو مقامهم، و قراءة خطبهم (ع) و كلماتهم و مواعظهم، و نحو ذلك مما يثبت الايمان و يرسخ العقيدة و يبعث على اكتساب الخلق الرضي و العمل الصالح و على الاستباق الى الخيرات و التنافس في المكرمات بل تحسن و تستحب المواظبة على ذلك، و الإجارة له، و يحل أخذ الأجرة عليه.

المسألة 226:

يصح للإنسان أن يجمع بين اجارة و بيع في عقد واحد، و أن يجمع بين اجارة و صلح في عقد واحد، فينحل العقد الواحد الى عقدين، و تترتب على كل واحد من العقدين لوازمه، و تشترط في صحة كل واحد منهما شروطه المعتبرة فيه، و تلحقه آثاره و أحكامه.

فإذا قال الموجب: بعتك هذا الفرس، و آجرتك هذا الدكان مدة شهر بمائة دينار، و قبل الآخر، صح بيع الفرس بحصته من العوض المذكور في العقد، و صحت اجارة الدكان بحصته منه.

و طريق معرفة مقدار الحصة هو النسبة بحسب تقدير أهل الخبرة، فيقدر أهل الخبرة القيمة لمثل هذا الفرس المعين، و يقدرون أجرة المثل للدكان المعلوم في المدة المعينة، و يضبط مجموع القيمتين، ثم تنسب قيمة الفرس وحدها الى المجموع، و تنسب أجرة مثل الدكان

كلمة التقوى، ج 4، ص: 344

وحدها الى المجموع أيضا، و تكون حصة كل واحد منهما من العوض المقرر في العقد بتلك النسبة.

فإذا كانت قيمة الفرس في نظر الخبراء ستين دينارا مثلا، و كانت أجرة المثل للدكان في المدة المعينة عشرين دينارا، فمجموع القيمتين في نظر أهل الخبرة هو ثمانون دينارا، و نسبة قيمة الفرس وحدها الى الثمانين، هي ثلاثة أرباعها، فتكون حصة الفرس من

العوض المذكور في العقد و هو المائة دينار هي ثلاثة أرباعها كذلك، و تكون نسبة أجرة الدكان الى الثمانين هي ربعها، فتكون حصة الدكان من المائة دينار هي ربعها أيضا، و هكذا فيصح بيع الفرس في المثال بخمسة و سبعين دينارا من العوض المقرر في العقد، و تصح اجارة الدكان بخمسة و عشرين دينارا منه.

و إذا صح العقدان ترتبت عليهما أحكامهما، فيكون للبائع و للمشتري خيار المجلس في بيع الفرس، و يثبت للمشتري فيه أيضا خيار الحيوان مدة ثلاثة أيام، و لا يثبت الخياران المذكوران في إجارة الدكان لأنهما مما يختص بالبيع و لا يجريان في غيره من العقود، و هكذا في بقية الأحكام.

و إذا جمع بين بيع و اجارة في عقد واحد، و كان البيع ربويا، لوجود تفاوت في المقدار بين الثمن و المثمن و هما من جنس واحد مما يكال أو يوزن، كان البيع باطلا، و صحت الإجارة لعدم لزوم الربا فيها، و إذا كان البيع بيع صرف، اشترط في صحته أن يقبض المشتري المبيع و يقبض البائع الثمن قبل التفرق، و لم يشترط ذلك في صحة الإجارة.

و كذلك إذا قال الموجب آجرتك هذه الدار مدة شهر و صالحتك عن هذا المتاع بخمسين دينارا، صح العقدان و وزع العوض بينهما بالنسبة، و ترتبت على كل عقد منهما آثاره و لوازمه الخاصة به، و مثله ما إذا جمع بين اجارة و هبة معوضة، أو بينها و بين أي معاوضة أخرى.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 345

الفصل السابع في بقية من أحكام الإجارة
المسألة 227:

يصح أن يستأجر القاري لتلاوة القرآن و ترتيله في بعض المحافل أو المآتم أو المناسبات الأخرى كالمجالس التي تعقد في ليالي شهر رمضان أو التي تقام لتأبين الموتى و

أمثال ذلك، و لا بد من علم المستأجر بكيفية قراءة القاري الذي يريد أن يستأجره و بأوصافها من الصحة و الجودة و الألحان المحللة التي تناسب عظمة القرآن و جلالة شأنه، اما بالاستماع الى قراءة القاري أو الى الآلة المسجلة لصوته، أو بالوصف الذي يرفع الجهالة و الغرر و لا بد في إجارته من تحديد الفرصة أو الفرص التي يأتي فيها بالعمل المستأجر عليه، أ هو مجلس واحد، أم أكثر و إذا كان في شهر رمضان أ هو في كل ليلة من الشهر أم في ليال مخصوصة منه، و في أي يوم يقام المجلس و في أي مكان، و في أي ساعة يبتدئ، و لا بد من تقدير العمل اما بذكر مدة القراءة كالساعة و الساعتين، و نحو ذلك، و أما بتحديد مقدارها كالحزب و الحزبين مثلا و يكفي التعارف إذا كانت هناك عادة متبعة في تحديد المقدار و الزمان.

المسألة 228:

إذا استؤجر الأجير ليختم القرآن كله وجب عليه أن يقرأ القرآن مرتبا في السور من فاتحته الى آخر سورة منه، و مرتبا كذلك في آيات كل سورة، فلا يقدم سورة على موضعها من المصحف الكريم و لا يؤخرها عنه و لا يقدم آية على موضعها من السورة و لا يؤخرها عنه و ان استوعب جميع الآيات و جميع السور في التلاوة، فإن هذا هو الذي ينصرف إليه الإطلاق من ختم القرآن، فيجب على الأجير العمل كذلك، الا ان تدل قرينة خاصة على ان مراد المستأجر تلاوة مجموع الكتاب كيفما اتفق و ان خالف الترتيب.

و وجب عليه أيضا أن يقرأ القرآن على الوجه العربي الصحيح من حيث الاعراب و البناء و المادة و النطق الصحيح بالحروف،

فان ذلك هو الذي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 346

ينصرف إليه الإطلاق كذلك، سواء شرط المستأجر على الأجير مراعاة الترتيب و مراعاة الصحة أم لم يشترط عليه ذلك.

نعم إذا نسي قراءة سورة أو نسي قراءة آية من السورة، كفاه أن يقرأ السورة أو الآية التي نسي قراءتها وحدها و لم يجب عليه أن يعيد قراءة القرآن كله، و كذلك الحكم إذا أخطأ فقرأ السورة أو الآية على غير الوجه العربي الصحيح ثم تذكر، كفاه أن يعيد قراءة السورة أو الآية المعينة التي وقع الغلط أو الخطأ فيها.

المسألة 229:

إذا أتم الأجير قراءة القرآن، ثم علم إجمالا بعد أن ختم القرآن، انه أخطأ في قراءته بعض الآيات من حيث الأعراب أو من حيث مبنى الكلمات أو من حيث تبديل مخارج بعض الحروف، فلا بد له من الإعادة على الوجه الصحيح، و إذا لم يعين المواضع المحتملة من الآيات أو السور فلا بد له من إعادة قراءة القرآن، الا أن تكون الإجارة على ما يحسنه.

المسألة 230:

إذا استؤجر الكاتب لكتابة قرآن أو كتاب أو نحوهما فأتم الكتابة استحق الأجرة المسماة و ان وجد المستأجر ان الأجير قد أسقط كلمة أو حرفا أو أكثر من ذلك أو كتبهما غلطا و لا يسقط حقه من الأجرة بذلك، و لا يقاس هذا على القراءة و لا تقاس القراءة عليه.

المسألة 231:

تصح إجارة الصبي المميز لقراءة القرآن و ترتيله في المحافل و المناسبات، و للقراءة في المجالس و المآتم الحسينية، و لقراءة الأدعية و الزيارات، و نحو ذلك، إذا كان المؤجر له هو وليه الشرعي، و لا تصح إجارته للنيابة عن الأموات في قضاء الصلاة و الصيام عنهم، و ان قلنا بأن عبادات الصبي المميز شرعية، و لا ملازمة بين كون عباداته شرعية و جواز نيابته عن الغير في أداء الواجبات عنه و إسقاط التكليف الثابت عليه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 347

المسألة 232:

تصح اجارة الطبيب لعلاج المريض و مداواته، سواء كانت بالفحص عن الداء و وصف الدواء، أم كانت بالمباشرة للعلاج كتضميد الجراح و تجبير الكسور و زرق الأبر و اجراء العمليات، و لا تصح الإجارة مع عدم تعيين المدة، و لا بقيد البرء و ان كان مظنونا، و لا مع اشتراط شي ء يؤدي الى الجهالة و الغرر أو التقييد به كما إذا قيد المستأجر إجارته بأن يكون الدواء على الطبيب مع عدم التعيين، و يصح جميع ذلك إذا كانت المعاملة بنحو الجعالة.

المسألة 233:

إذا آجر الإنسان نفسه للصيام أو الصلاة عن عبد اللّٰه مثلا، و حينما أتى بالعمل المستأجر عليه قصد النيابة به عن خالد، فان كان الأجير قد قصد النيابة عن الشخص الذي استؤجر للعمل له، و لكنه أخطأ فتوهم انه خالد، صحت نيابته عن عبد اللّٰه و أجزأ العمل عنه و استحق الأجير الأجرة المسماة له، و ان قصد بعمله النيابة عن خالد على وجه التقييد به، لم يجز العمل عن عبد اللّٰه، و لم يستحق الأجرة المسماة في العقد، و أجزأ العمل عن خالد إذا كان ميتا و مشغول الذمة بمثل ذلك العمل و لم يستحق على وليه شيئا.

و كذلك الحكم في كل عمل يستأجر له الأجير نائبا عن احد و كان العمل مما يفتقر إلى النية كالحج و العمرة و الزيارة و غيرها.

المسألة 234:

يصح للمالك ان يؤجر داره لزيد مثلا مدة معينة بأجرة معينة، ثم يوكل زيدا نفسه على أن يجدد عقد اجارة الدار لنفسه مدة أخرى بعد انتهاء المدة الأولى بمثل تلك الأجرة أو بغيرها حسب ما يتفقان عليه، فإذا أراد زيد أن يجدد اجارة الدار لنفسه بالوكالة عن المالك و كل غيره في القبول ليتخلص من الإشكال في وحدة الموجب و القابل، و يجوز للمالك أن يعزل المستأجر عن وكالته بعد ذلك، و إذا عزله عن الوكالة فليس له ان يجدد الإجارة بعد أن يبلغه خبر عزل المالك إياه و إذا جدد الإجارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 348

في هذا الحال كانت باطلة إلا إذا أجازها المالك، و إذا جدد الوكيل الإجارة بعد أن عزله المالك و قبل أن يبلغه خبر العزل صحت إجارته و نفذت و لم يجز للمالك فسخها.

المسألة 235:

إذا آجر المالك داره لزيد مدة معينة كما تقدم، و اشترط المستأجر زيد على المالك في ضمن عقد الإجارة أن يكون وكيلا عن المالك في تجديد الإجارة عند انتهاء المدة، أشكل الحكم بنفوذ الشرط و صحة هذه الوكالة عنه، لأنها من شرط النتيجة، و نفوذ مثل هذا الشرط مشكل.

و إذا أنشأ المالك عقد الوكالة للمستأجر بنفس اشتراط ذلك في ضمن العقد صح الشرط و صحت الوكالة، و مثال ذلك أن يقول مالك الدار لزيد في الإيجاب: آجرتك الدار مدة سنة بمائة دينار و اشترطت لك على نفسي انك وكيلي من هذا الوقت على أن تجدد عقد الإجارة إذا انقضت المدة سنة أخرى بمثل الأجرة الأولى مثلا، فإذا قال المالك في إيجابه ذلك و قصد إنشاء الوكالة للمستأجر بنفس هذا الاشتراط و قبل المستأجر ذلك نفذ

العقد و صح الشرط و التوكيل، و جاز للمالك عزل الوكيل بعد ذلك إذا شاء، و إذا شرط في ضمن العقد أن لا يعزله، فقال الموجب في ضمن العقد بعد العبارة المتقدمة، و اشترطت لك على نفسي أن لا أعزلك عن هذه الوكالة: نفذ الشرط و الوكالة و لم يجز له عزله بعد ذلك.

المسألة 236:

إذا اشترى الرجل دارا أو أرضا أو عينا أخرى، و اشترط البائع لنفسه خيار فسخ البيع إذا هو رد الثمن على المشتري في مدة معينة، جاز للمشتري أن يؤجر الدار أو الأرض أو العين المذكورة على أحد مدة لا تزيد على مدة الخيار للبائع.

و هل يجوز له أن يؤجرها مدة تزيد على ذلك؟ فيه تأمل و اشكال.

و يرتفع الاشكال المذكور إذا أذن البائع للمشتري في أن يؤجرها و ان زادت مدة الإجارة على مدة الخيار، فأوقع المشتري الإجارة باذنه،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 349

و يرتفع الإشكال أيضا إذا أوقع المشتري عقد الإجارة على ذلك، و أجاز البائع العقد بعد وقوعه من المشتري، و يرتفع الاشكال كذلك إذا أوقع المشتري عقد الإجارة عليها، و اشترط على المستأجر في العقد ان للبائع أو للمشتري نفسه الخيار في فسخ الإجارة إذا حضر وقت خيار البائع، فتصح الإجارة بلا ريب في هذه الفروض.

المسألة 237:

تقدم في المسألة المائتين و التاسعة انه يصح أن يشترط على المستأجر في ضمن العقد أن تكون عليه نفقة الأجير أيام إجارته، و إذا اشترط عليه ذلك، فلا بد من تعيين مقدار النفقة المشترطة و نوعها، و كذلك يصح أن يشترط على الأجير أن تكون عليه نفقة المستأجر أيام الإجارة، و إذا اشترط عليه ذلك، فلا بد من تعيين النفقة المشترطة على الأجير بما يرفع الغرر و الجهالة.

و من ذلك ما تعارف بين المقاولين الذين يحملون الحجاج أو الزوار في أيام الحج أو العمرة أو الزيارة إلى الأمكنة المقدسة، فيؤجر المقاول نفسه للمسافرة بالحجاج أو المعتمرين أو الزوار من البلد إلى مكة و الى المشاعر و الى المدينة ثم الى البلد، و للقيام بما يحتاجون إليه

في سفرهم و إقامتهم و عودهم من وسائل نقل و تهيئة أمور، و طعام و شراب و خدمة و مواضع اقامة و وسائل راحة و إرشاد في اعمال و غير ذلك، فتصح الإجارة لذلك إذا عينت الأعمال و الوسائل و النفقات و المنازل و الأجرة و المدة و جميع ما يقوم به الأجير على وجه يرتفع به الغرر.

و من ذلك ما تعارف في بعض المستشفيات الخاصة، فيؤجر القائم بأعمال المستشفى نفسه و موظفيه للقيام بما يحتاج إليه المستأجر المريض من فحوص و كشوف و تحليلات و أدوية و من تهيئة أمكنه و أطباء و ممرضين، و وسائل علاج و وسائل راحة و من طعام و شراب و وسائل تغذية أخرى و خدمة، حسب حاجة المريض و إرشاد الطبيب و نحو ذلك، فتصح الإجارة إذا عينت الأعمال و النفقات و الوسائل و الأماكن و الأجرة و المدة على وجه ترتفع به الجهالة و الغرر.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 350

المسألة 238:

إذا اكترى صاحب المال أجيرا ليوصل ماله الى بلد معين في مدة معينة، فسافر الأجير بالمال و حدث في أثناء سفره ما يمنعه من إيصال المال الى المقصد المعين، فالظاهر بطلان الإجارة بذلك لتعذر حصول العمل المستأجر عليه، أو لتعذر إتمامه.

فإذا كان متعلق الإجارة هو أن يوصل الأجير المال الى البلد المقصود، و لا مقصد للمستأجر من سفر الأجير بالمال سوى أنه وسيلة لإيصاله الى ذلك البلد، لم يستحق الأجير شيئا من الأجرة المسماة، لعدم حصول العمل المستأجر عليه.

و إذا كان متعلق الإجارة هو أن يسافر الأجير بالمال حتى يوصله الى البلد المعين بحيث كان قطع المسافة جزءا من مجموع العمل المستأجر عليه، استحق الأجير من الأجرة

المسماة بنسبة ما قطعه من المسافة في سفره الى مجموع المسافة و إيصال المال الى المقصد، فإذا كان ما قطعه من المسافة نصف ما تعلقت به الإجارة، استحق الأجير نصف الأجرة، و إذا كان ربعه استحق ربع الأجرة.

و إذا اتفق- و ان كان نادر الوقوع- أن يكون متعلق الإجارة هو مجموع السفر بالمال و إيصاله إلى البلد على سبيل الانضمام و وحدة المطلوب، بحيث لا مقصد للمستأجر في سفر الأجير إذا لم يوصل المال، و لا مقصد له في إيصال المال إذا لم يسافر به، فالظاهر عدم استحقاق الأجير من الأجرة شيئا.

المسألة 239:

إذا استأجر الرجل أجيرا لعمل مركب من أجزاء، و اشترط عليه أن يأتي بالعمل بنفسه، و ابتدأ الأجير في العمل المستأجر عليه ثم حدث له ما يمنع من إتمام العمل، بطلت الإجارة كما تقدم في المسألة المتقدمة.

فإن كانت أجزاء العمل المركب المستأجر عليه في حال انفراد بعضها عن بعض يكون كل جزء منها على انفراده موضوعا للغرض، و للمالية في نظر العقلاء من الناس، وزعت الأجرة المسماة على اجزاء العمل،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 351

و نتيجة لذلك فيستحق الأجير في الصورة المذكورة من الأجرة بنسبة ما أتى به من أجزاء العمل، و يسقط حقه من الباقي و مثال ذلك أن يستأجر الأجير لصيام ثلاثين يوما، فيصوم من عمله المستأجر عليه عشرة أيام، و يتعذر عليه إتمام الباقي، فيستحق ثلث الأجرة المسماة، فان صيام كل يوم موضوع يحقق بعض الغرض المقصود و هو كذلك موضوع للمالية في نظر العقلاء، و كذلك إذا استؤجر لخياطة ثوبين فخاط أحدهما و لم يتمكن من خياطة الثاني و ان كانت اجزاء العمل المستأجر عليه مترابطة في الوفاء بالغرض

المقصود بحيث لا تكون في حال انفراد بعضها عن بعض محققة للغرض و لا موضوعا للمالية في نظر أهل العرف لم يستحق الأجير شيئا من الأجرة في الصورة المذكورة، و مثال ذلك أن يستأجر الأجير لقضاء صوم يوم واحد، فيصوم نصف النهار و لا يتمكن من إتمامه، أو يستأجر لصلاة فريضة واحدة فيصلي منها ركعة أو ركعتين و لا يمكنه إتمام الصلاة، فلا يستحق من الأجرة شيئا، فإن صيام نصف النهار و أداء نصف الصلاة لا يتحقق غرضا و لا يعد مالا.

و إذا استأجر الرجل أجيرا للعمل المركب و لم يشترط عليه المباشرة في العمل، و شرع الأجير فيه ثم حدث له ما يمنعه من إتمامه لم تبطل الإجارة و استحق الأجير الأجرة المسماة و وجب عليه في الصورة الأولى أن يستأجر أجيرا غيره لإتمام العمل من حيث انقطع عمله، و وجب عليه في الصورة الثانية أن يستأجر أجيرا ليقوم بالعمل كله من أوله.

المسألة 240:

إذا اكترى الإنسان أجيرا لعمل مركب ذي أجزاء كما تقدم و كان للأجير حق الخيار، فان فسخ الإجارة قبل شروعه في العمل، انفسخت الإجارة و لم يستحق من الأجرة شيئا، و ان فسخ الأجير الإجارة بعد أن أتم العمل كله انفسخت الإجارة كذلك، و استحق هو أجرة المثل لعمله الذي اتى به، و استوفاه المستأجر منه، و إذا فسخ الأجير الإجارة في أثناء العمل، و كانت اجزاء العمل مترابطة على ما أوضحناه في المسألة المتقدمة، انفسخت الإجارة و لم يستحق من الأجرة شيئا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 352

و إذا فسخ الإجارة في أثناء العمل و كانت اجزاء العمل غير مترابطة في الوفاء بالغرض، بحيث كان كل جزء من الأجزاء في حال

انفراده عن بقية الأجزاء محققا لبعض الغرض المقصود في الإجارة و موضوعا للمالية في نظر العقلاء و أهل العرف، جرى فيه التفصيل الذي ذكرناه في المسألة التاسعة و السبعين.

فإذا كان سبب الخيار الذي أخذ به الأجير و فسخ من أجله عقد الإجارة ثابتا من حين صدور العقد، كما إذا كان مغبونا من حين العقد و لم يعلم بالغبن في ذلك الحال ثم علم به في أثناء العمل، و كما إذا كان في عين الأجرة المعينة التي جرى عليها العقد عيب موجود حين العقد أو قبله و لم يعلم به الأجير إلا في أثناء العمل، و كما إذا اشترط الأجير لنفسه خيار الفسخ في مدة معلومة، ففي هذه الصور و نحوها، يتخير الأجير بين أن يفسخ عقد الإجارة من أصله، فإذا فسخه كذلك لم يستحق من الأجرة المسماة شيئا، و تثبت له أجرة المثل لما جاء به من أجزاء العمل و يجوز له أن يفسخ الإجارة من ذلك الحين لا من حين صدور العقد، فإذا فسخ الإجارة كذلك استحق من الأجرة المسماة بنسبة ما جاء به من أجزاء العمل الى مجموع العمل المستأجر عليه، فإذا كان ما أتى به نصف الأجزاء استحق عليها نصف الأجرة، و ان كان ثلثها أو ربعها استحق منها بتلك النسبة و رد الباقي على المستأجر.

و إذا كان سبب الخيار للأجير طارئا في أثناء المدة ففسخ بموجب خياره الطاري قسمت الأجرة المسماة كما تقدم، فاستحق الأجير منها بنسبة ما أتى به من اجزاء العمل الى المجموع ورد الباقي منها إلى المستأجر.

المسألة 241:

إذا آجر المالك داره المعينة لشخص و ملكه بالإجارة جميع منافعها مدة معينة، لم يجز للمالك أن يؤجر الدار لغير المستأجر

الأول في المدة المعينة، و إذا آجرها لغيره كذلك كانت الإجارة الثانية فضولية فلا تصح إلا بإجازة مستأجر الدار الأول، و إذا هو أجازها صحت الإجارة له و لم تصح لمالك الدار.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 353

و كذلك الحكم إذا آجر المالك الدار لشخص و ملكه بالإجارة منفعتها الخاصة و هي السكنى مثلا، فلا يجوز للمالك أن يؤجرها للسكنى أيضا لغير المستأجر الأول، و إذا أجاز المستأجر الأول إجارته صحت الإجارة للمستأجر لا للمالك.

و إذا كان مالك الدار قد اشترط في الإجارة على المستأجر الأول أن يسكن الدار بنفسه ثم آجرها المالك لآخر، أشكل الحكم بصحة الإجارة للمستأجر الأول إذا أجازها، لأنه إنما ملك سكناها بنفسه و لم يملك أن يؤجرها لغيره.

المسألة 242:

إذا آجر المالك داره المعينة لشخص ليسكنها سنة كاملة مثلا، يصح للمالك أن يؤجر الدار لشخص آخر في سنة ثانية، و قد تقدم ان مدة الإجارة لا يجب أن تكون متصلة بالعقد.

و إذا آجرها لأحد للسكنى سنة كاملة من حين العقد، ثم آجرها لشخص غيره سنتين من حين العقد، فالظاهر صحة إجارة المالك للثاني في السنة الثانية، و لا تصح إجارته للثاني في السنة الأولى، إلا إذا أجازها المستأجر الأول، و إذا هو أجازها صحت الإجارة له و لم تصح للمالك كما تقدم، و إذا لم يجزها المستأجر الأول بطلت كما ذكرنا و كان للمستأجر خيار الفسخ في إجارة السنة الثانية لتبعض الصفقة إذا كان جاهلا.

المسألة 243:

إذا استؤجر الشخص للصلاة عن ميت و أطلق المستأجر الإجارة فلم يعين في العقد شيئا من حيث اشتمال الصلاة على المستحبات انصرف العقد الى المتعارف، فيجب على الأجير أن يأتي بالصلاة على الوجه المتعارف في المستحبات، و إذا أصبح المتعارف بين الناس في صلاة الاستيجار أن يترك فيها بعض المستحبات أو أكثرها جاز للأجير تركها و ان كانت من المتعارف في غيرها من الصلوات.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 354

المسألة 244:

إذا نسي الأجير فترك في صلاته عن الميت بعض المستحبات التي اشترط عليه في عقد الإجارة أن يأتي بها في عمله، أو التي يقتضي إطلاق عقد الإجارة لزوم الإتيان بها، أو نسي فترك في صلاته بعض الأجزاء الواجبة غير الأركان، فللمسألة صور و لكل صورة حكمها، و قد تعرضنا لتفصيلها في المسألة الألف و السابعة و العشرين من كتاب الصلاة في رسالتنا كلمة التقوى فليرجع إليها من أحب.

المسألة 245:

إذا استؤجر الشخص للحج عن ميت، فأحرم الأجير نيابة عن الميت بعمرة التمتع أو بحج الأفراد أو القران و دخل الحرم، ثم مات، برئت ذمة الميت المنوب عنه من التكليف المتوجه اليه بالحج. فان كانت إجارة الأجير على إبراء ذمة الميت من التكليف بالحج استحق الأجير جميع الأجرة المسماة، و ان كانت إجارته على أن يأتي بأعمال الحج المخصوصة، استحق من الأجرة بنسبة ما أتى به من الأعمال إلى مجموعة الأعمال المستأجر عليها، و إذا مات قبل الإحرام لم يستحق من الأجرة شيئا، و إذا كانت الإجارة لحجة بلدية فالظاهر بمعونة القرائن دخول السير و قطع المسافة إلى الحج في متعلق الإجارة على نحو الجزئية و نتيجة لذلك فإذا مات الأجير قبل الإحرام استحق من الأجرة ما يقابل سفره من البلد الى حين موته، و إذا كانت الإجارة لحجة ميقاتية لم يستحق على سفره قبل الميقات و الإحرام منه شيئا.

المسألة 246:

إذا مات الأجير للحج عن الغير بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم، أشكل الحكم باجزاء عمله عن المنوب عنه، فقد يستفاد من إطلاق بعض الأدلة في المقام اجزاء عمل الأجير عن المنوب عنه حتى في هذه الصورة، و نتيجة لذلك فإذا كانت إجارة الأجير على إفراغ ذمة الميت من التكليف كان الأجير مستحقا لجميع الأجرة المسماة، و الحكم في هذه الصورة مشكل، فلا بد من مراعاة الاحتياط في كل من الحكم بفراغ ذمة المنوب عنه، و الحكم باستحقاق الأجير جميع الأجرة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 355

و إذا كانت الإجارة على الإتيان بأعمال الحج المخصوصة استحق الأجير من الأجرة بنسبة ما أتى به من الأعمال و من السير من البلد و قطع المسافة إلى حين

موته إذا كانت الإجارة لحجة بلدية كما تقدم.

المسألة 247:

إذا استوفى الرجل منفعة العين المملوكة لغيره، ثم اختلف هو مع مالك العين، فادعى هو انه كان قد استأجر العين من المالك بأجرة معينة، و أنكر المالك وقوع الإجارة.

و المتعارف في مثل هذا التنازع أن تكون أجرة المثل لتلك المنفعة التي استوفاها الرجل أكثر من الأجرة المسماة، و لذلك أنكر المالك الإجارة لتكون له أجرة المثل، فإذا أنكر المالك الإجارة كان القول قوله مع يمينه، فإذا أحلف المالك كانت على الرجل أجرة المثل لأنه قد استوفى المنفعة.

و إذا اتفق ان الأمر بعكس ذلك، فكانت الأجرة المسماة التي يعترف بها الرجل أكثر من أجرة المثل، استحق المالك أجرة المثل فقط لاعتراف الجميع بأن المالك يستحق هذا المقدار اما لأنه أجرة المثل كما يقول المالك أو لأنه بعض الأجرة المسماة كما يقول مستوفي المنفعة، و لا موجب لتوجه اليمين على المالك، لأن الدعوى غير ملزمة، و لا يجوز للمالك أن يأخذ الزيادة التي يعترف بها مستوفي المنفعة لأنه يعترف بعدم استحقاقها، و ان وجب على الرجل أن يوصلها الى المالك إذا كان يعلم ان المالك يستحق عليه الأجرة المسماة كما اعترف له بها.

المسألة 248:

إذا ادعى مالك العين انه قد آجر العين على المدعى عليه مدة معينة بأجرة مسماة، و أنكر المدعى عليه وقوع هذه الإجارة، و قد استوفى المدعى عليه منفعة العين.

و المتعارف في مثل هذا الاختلاف أن تكون أجرة المثل أقل من الأجرة المسماة و لذلك ينكر المدعى عليه وقوع الإجارة ليدفع للمالك أجرة المثل، فإذا أنكر المدعى عليه الإجارة قدم قوله مع يمينه، فإذا أحلف

كلمة التقوى، ج 4، ص: 356

المدعى عليه سقطت دعوى المالك و استحق على المدعى عليه أجرة المثل لاستيفائه المنفعة.

و إذا

اتفق الأمر بعكس ذلك فكانت أجرة المثل أكثر من الأجرة المسماة، استحق المالك على المستوفي الأجرة المسماة فقط و لم يستحق الزيادة بمقتضى إقراره، و لم تتوجه اليمين على المنكر كما في المسألة السابقة، و ان وجب على المدعى عليه إيصال الزيادة التي اعترف بها الى المالك إذا كان يعلم أنه قد استحقها عليه.

المسألة 249:

إذا اختلف المالك و المستأجر في مقدار ما استأجره منه، فقال أحدهما ان المستأجر هو جميع الدار، و قال الآخر المستأجر هو نصف الدار، أو قال أحد المتعاقدين المستأجر جريب واحد من هذه الأرض، و قال الثاني هو جريب و نصف منها، فالقول قول من يدعي الأقل مع يمينه.

و كذلك الحكم في ما إذا اختلف المستأجر و الأجير في العمل المستأجر عليه، فقال أحدهما هو صلاة شهر واحد، و قال الآخر هو صلاة شهرين، أو قال أحدهما انه خياطة ثوب و قال الثاني انه خياطة ثوبين فيقدم قول من يدعي الأقل مع يمينه.

المسألة 250:

إذا استأجر الرجل من المالك دابة أو سيارة أو غيرهما مدة معينة، و انقضت المدة ثم اختلفا فقال أحدهما قد ردت العين المستأجرة إلى مالكها، و أنكر الآخر الرد، فالقول قول من ينكر الرد مع يمينه، و كذلك إذا اختلفا في رد الجميع أو البعض، فقال أحدهما قد رددت السيارتين معا و قال الآخر ردت سيارة واحدة و لم ترد الأخرى.

المسألة 251:

إذا استأجر الشخص ملاحا أو سائقا أو مكاريا لينقل له متاعا الى مكان معين، و سلمه المتاع، ثم ادعى الأجير ان المتاع قد تلف من غير تعد و لا تفريط، و أنكر المستأجر تلف المتاع أو ادعى على الأجير التعدي أو التفريط، فالقول قول الأجير مع يمينه، و كذلك إذا استأجر الصائغ

كلمة التقوى، ج 4، ص: 357

لصياغة خاتم أو قرط أو غيرهما و سلم إليه الفضة أو الذهب، فادعى الصائغ تلف المال و أنكره المالك أو ادعى عليه التعدي أو التفريط فالقول قول الصائغ مع يمينه، و هكذا الحكم في كل عامل يؤتمن على مال.

المسألة 252:

إذا اختلف المالك و المستأجر في مقدار الأجرة المسماة فقال المالك انه آجر الدار على المستأجر مدة شهر بمائة دينار، و قال المستأجر بل كانت الأجرة سبعون دينارا، فالقول قول من ينكر الزيادة، و هو المستأجر في المثال المذكور مع يمينه، و هكذا إذا اختلف المستأجر و الأجير في مقدار الأجرة.

المسألة 253:

إذا تنازع المؤجر و المستأجر، فادعى أحدهما انه اشترط على صاحبه شرطا في ضمن العقد و أنكر الآخر هذا الاشتراط، فالقول قول من ينكر الشرط مع يمينه.

المسألة 254:

إذا آجر المالك الدار أو البستان لأحد مدة بأجرة معلومة، ثم اختلفا في مقدار المدة فقال أحدهما مدة الإجارة شهران، و قال الثاني بل هي شهر واحد، فالقول قول من ينكر الزيادة مع يمينه.

المسألة 255:

إذا وقعت الإجارة بين المؤجر و المستأجر، ثم اختلفا، فادعى احد المتعاقدين صحة المعاملة، و ادعى الآخر فسادها، فالقول قول من يدعي الصحة مع يمينه.

المسألة 256:

إذا اختلف المالك و المستأجر فقال المالك اني آجرتك الدكان المعين مدة شهر بمائة دينار، و قال المستأجر انك آجرتني الدار المعينة مدة شهر بمائة دينار، أو بالعكس، كان ذلك من التداعي و رجعا الى

كلمة التقوى، ج 4، ص: 358

التحالف، فيحلف كل واحد منهما على نفي دعوى الآخر و تسقط الدعويان.

و كذلك الحكم إذا اختلفا فقال أحدهما ان الأجرة المسماة هي مائة دينار بحراني، و قال الآخر انها مائة دينار كويتي، فيتحالف الطرفان و تسقط الدعويان بالتحالف.

المسألة 257:

إذا استأجر الرجل أجيرا ليحمل له متاعا، فحمل الأجير المتاع إلى الكوفة مثلا، فقال له المستأجر إنما استأجرتك لتحمل متاعي إلى كربلاء، و نازعه الأجير فقال إنك استأجرتني لأحمل المتاع إلى الكوفة و قد حملته إليها، كان ذلك من التداعي بينهما، فيلزم تحالفهما، فيحلف كل واحد منهما على نفي مدعى الآخر و تسقط بذلك كل من الدعويين، و لا يستحق الأجير شيئا.

و إذا حمل الأجير المتاع إلى الكوفة و ادعى أن الإجارة كانت الى ذلك البلد و أنكر المستأجر الإجارة إلى الكوفة و لم يدع الإجارة إلى بلد آخر كان منكرا، فيكون القول قوله مع يمينه، فإذا أحلف المستأجر لم يستحق الأجير الأجرة المسماة التي يدعيها.

و إذا طلب المستأجر من الأجير بعد الحلف أن يرد المتاع الى المكان الأول الذي نقله منه وجب عليه ذلك، و لا يجوز للأجير أن يرد المتاع الى ذلك المكان إذا لم يرض المستأجر بالرد، و إذا تلف المال أو حدث فيه عيب كان الأجير ضامنا لذلك.

المسألة 258:

إذا خاط الخياط القماش قباء، فادعى المستأجر انه انما استأجر الخياط ليخيطه قميصا، و ادعى الخياط أنه استأجره ليخيطه قباء كما فعل، كان ذلك من التداعي فيلزم تحالف المتداعيين، و إذا تحالفا سقطت الدعويان و لم يستحق الخياط على عمله شيئا.

و إذا خاط الخياط القماش قباء، و ادعى ان المستأجر أمره بذلك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 359

و طالبه بأجرة عمله، و أنكر المستأجر انه اذن له بما صنع، كان المستأجر منكرا، فيقدم قوله مع يمينه، فإذا أحلف لم يستحق الأجير على عمله شيئا و ضمن للمستأجر أرش النقص الذي حصل في القماش بسبب فعله.

المسألة 259:

إذا ادعى الأجير تلف المال بيده من غير تعد منه و لا تفريط، فأقام المستأجر بينة على ان الأجير قد أتلف المال أو أقام البينة على انه قد تعدى أو فرط كان الأجير ضامنا لتلف المال، و كذلك إذا توجه عليه اليمين في دعوى التلف من غير تعد أو تفريط فنكل عن اليمين، فيكون الأجير ضامنا في هذه الموارد، و لكن يكره تضمينه فيها، بل يكره تضمينه في جميع الموارد التي يحكم فيها بضمانه شرعا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 361

كتاب المضاربة

اشارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 363

كتاب المضاربة و هو يحتوي على عدة فصول.

الفصل الأول في عقد المضاربة و شرائطها
المسألة الأولى:

المضاربة معاقدة بين شخصين يكون رأس المال من أحدهما، و العمل و الاتجار برأس المال من الآخر، بحصة معينة للعامل من الربح الحاصل بينهما، فيقال: ضارب زيد عمرا، يعني أنه اتجر لعمرو بماله بحصة من ربح المال، فالعامل و هو زيد مضارب بصيغة اسم الفاعل، و مالك المال و هو عمرو مضارب له بصيغة اسم المفعول، و تسمى المضاربة في لغة أهل الحجاز قراضا، فمالك المال مقارض بصيغة اسم الفاعل و العامل مقارض بصيغة اسم المفعول، و لا يطلق المضارب بصيغة اسم الفاعل على مالك المال، و لا يطلق المقارض بصيغة اسم الفاعل على العامل.

المسألة الثانية:

المضاربة عقد من العقود، و لذلك فلا بد فيها من الإيجاب و القبول، و يكون الإيجاب من مالك المال و القبول من العامل، و يكفي في الإيجاب و القبول كل ما يدل على إنشاء المعنى المقصود في المعاملة و يكون ظاهرا فيه ظهورا عرفيا من لفظ أو فعل.

و من أمثلة ذلك أن يقول المالك للعامل: ضاربتك أو قارضتك أو عاملتك أو عاقدتك على ان تتجر لي برأس المال المعين، و يكون لك نصف الربح الحاصل من التجارة أو الثلث منه مثلا، فيقول العامل قبلت أو رضيت، و لا يعتبر في اللفظ أن يكون بصيغة الفعل الماضي أو يكون باللغة العربية، فيصح إنشاء العقد بأي صيغة من اللغة العربية، و بأي لغة غيرها يحسنها المتعاقدان، و تجري فيها المعاطاة على الأقوى فيصح إنشاء العقد بالفعل كما يصح إنشاؤه بالقول.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 364

المسألة الثالثة:

إذا دفع الإنسان إلى غيره مالا ليتجر به و اشترط المالك أن يكون ربح المال مشتركا بينه و بين العامل على التساوي أو على التفاوت لكل منهما حصة معينة، صح ذلك مضاربة، و كان ذلك من إنشاء العقد بالفعل، فيقصد المالك إنشاء المضاربة بدفع المال الى العامل، و يقصد العامل إنشاء قبول المضاربة بقبضه المال من المالك، و يكون من المعاطاة في المضاربة.

المسألة الرابعة:

إذا دفع الإنسان إلى غيره مالا ليتجر له به، و اشترط على العامل أن يكون جميع الربح الذي يحصل من التجارة لمالك المال، كان ذلك بضاعة لا مضاربة، و كذلك إذا دفع الى العامل المال ليتجر له به و لم يشترط عليه شيئا، فإن ربح المال يكون لمالك المال عند إطلاق المعاملة عليه، فإذا اتجر العامل بالمال فالربح يكون جميعه للمالك في كلتا الصورتين، و لا يستحق العامل من الربح شيئا، بل يستحق على المالك اجرة المثل لعمله و منفعته التي استوفاها المالك منه.

و إذا قصد العامل التبرع بعمله لم يستحق عليه أجرة المثل، و كذلك إذا اشترط المالك عليه عدم الأجرة و قبل العامل بالشرط و مثله ما إذا دلت القرائن الخاصة أو العامة على عدم الأجرة فيكون ذلك بحكم الشرط.

المسألة الخامسة:

إذا دفع الإنسان إلى غيره مالا ليتجر لنفسه بالمال، و اشترط أن يكون ربح المال كله للعامل كان ذلك بحكم القرض، و لم يستحق المالك من الربح شيئا، سواء قصد المالك بذلك إقراض العامل أم لم يقصد ذلك، نعم يشكل الحكم إذا قصد بذلك إنشاء المضاربة فتكون مضاربة فاسدة، و يشكل عدم استحقاق المالك من الربح شيئا في هذه الصورة و ان اشترط المالك ذلك.

المسألة السادسة:

يشترط في كل واحد من المتعاقدين أن يكون بالغا، و أن يكون

كلمة التقوى، ج 4، ص: 365

عاقلا، و ان يكون مختارا، و ان يكون قاصدا على النهج الذي سبق بيانه في كتاب التجارة و في كتاب الإجارة، فلا تصح مضاربة المالك، و لا مضاربة العامل إذا كان صبيا، أو كان مجنونا أو كان مكرها، أو كان هازلا في معاملته أو غالطا.

و يشترط في كل واحد منهما أن يكون غير محجور عليه لسفه، فلا تصح المضاربة إذا كان أحدهما ممن حجر عليه لذلك، و يشترط في المالك أن يكون غير محجور عليه لفلس، و لا يشترط ذلك في العامل على الأقوى.

المسألة السابعة:

الأحوط لزوما ان لا يكون رأس المال في المضاربة منفعة من المنافع، فلا تصح المضاربة إذا كان رأس المال منفعة دار أو بستان أو غيرهما من الأعيان على الأحوط، الا إذا عاوض على المنفعة المملوكة له بمال و أجريت المضاربة على المال بعد قبضه و الأقوى عدم صحة المضاربة إذا كان رأس المال دينا، إلا إذا قبض الدين و أجرى المضاربة على المال بعد قبضه.

و نتيجة لذلك فيشترط في رأس المال في المضاربة أن يكون عينا، لا منفعة و لا دينا، من غير فرق بين أن يكون الدين على العامل أو على غيره.

المسألة الثامنة:

لا يشترط في صحة المضاربة أن يكون رأس المال فيها من الذهب أو الفضة المسكوكين خاصة فتصح المضاربة على الظاهر إذا كان رأس المال فيها من الأوراق النقدية المتداولة بين الناس، أو كان من المسكوكات الأخرى النحاسية أو النيكلية أو غيرها إذا كانت متداولة في التعامل بها و الأخذ و العطاء بين الناس.

المسألة التاسعة:

يشترط في المضاربة ان يكون رأس المال فيها معلوما في مقداره و في وصفه، فلا تصح المضاربة إذا كان المال مجهول القدر أو مجهول الوصف و ان كان مشاهدا، و يستثنى من ذلك ما إذا كانت الجهالة به تؤول إلى

كلمة التقوى، ج 4، ص: 366

العلم، و مثال ذلك ان يشير المالك الى كيس أو صندوق فيه مال و يقول للعامل ضاربتك بما في هذا الكيس أو بما في هذا الصندوق من المال، ثم يدفعه المالك الى العامل، فيعدان معا ما فيه من المال و يعلمان بقدره و وصفه، فتصح المضاربة، و لا تقدح فيها هذه الجهالة.

المسألة العاشرة:

يشترط على الأحوط لزوما في رأس المال أن يكون معينا، فلا تصح المضاربة على الأحوط إذا كان للمالك مالان معينان فقال للعامل:

قارضتك بأحد هذين المالين، أو قال قارضتك بأي هذين المالين شئت، و تصح المضاربة إذا كان رأس المال مشاعا و كان معلوم المقدار و الوصف، فإذا كان للمالك ألف دينار معين و قال للعامل ضاربتك بنصف هذا المال، صحت المضاربة، و كذلك إذا كان الألف مشتركا بينه و بين غيره على التنصيف مثلا فقال للعامل قارضتك بحصتي من هذا الألف، و هما يعلمان بمقدار الحصة.

المسألة 11:

يعتبر في صحة المضاربة ان تكون حصة كل من العامل و المالك معينة المقدار من الربح نصفا منه أو ثلثا أو غيرهما، و يكفي في التعيين أن تكون عادة عامة متبعة في المضاربات بتعيين حصة خاصة من الربح، فيكون ذلك قرينة ينصرف إليها العقد.

و قد يقال بالصحة مع التعيين الإجمالي، و مثال ذلك أن يجعل للعامل من الربح مثل حصة عامله الآخر و هو زيد، إذا علما بمقدار حصة زيد بعد العقد، و لكن لا يترك الاحتياط بعدم الاكتفاء بذلك فيعينان الحصة في العقد تفصيلا.

المسألة 12:

يشترط في المضاربة أن يكون الربح بين المالك و العامل دون غيرهما، فإذا شرطا في عقد المضاربة أو شرط أحدهما أن يعطى شي ء من الربح لأحد أجنبي لم تصح مضاربة، إلا إذا كان لذلك الأجنبي عمل يتعلق بتجارتهما، فتصح مضاربة حين ذلك لأنه عامل أيضا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 367

و لا فرق في الحكم بين أن يكون الأجنبي حرا أو عبدا مملوكا لأحد المتعاقدين أو لغيرهما، و الظاهر ان المعاملة المذكورة إذا شرط فيها جزء من الربح للأجنبي لا تصح مضاربة كما ذكرنا و لكنها تصح معاملة مستقلة بنفسها و تشملها العمومات و أدلة الوفاء بالشرط، فتكون نافذة.

المسألة 13:

يشترط في المضاربة أن يكون العمل و طلب الربح فيها بمتاجرة العامل بالمال، فلا تصح المضاربة إذا دفع المالك رأس المال الى عامل ذي صنعة ليعمل به في صنعته، فيدفعه الى نجار ليعمل بالمال في نجارته أو الى زارع ليعمل به في زراعته أو الى ذي حرفة أخرى ليصرفه في حرفته و يكون الربح الحاصل من ذلك مشتركا بينهما، و الظاهر ان المعاملة المذكورة و ان كانت لا تصح مضاربة و لكنها تصح معاملة مستقلة تدل على صحتها العمومات و قد تقدم نظيرها.

المسألة 14:

لا تجوز المضاربة في الدراهم المغشوشة التي لا يقبلها الناس في التعامل ما بينهم، و لا يرضون بها في الأخذ و العطاء لغشها، و لا تصح المضاربة بها كما لا تجوز أي معاملة فيها إذا كان الشخص الذي تدفع اليه جاهلا بأمرها، و ليرجع إلى المسألة الخامسة عشرة من كتاب التجارة من الرسالة.

المسألة 15:

لا يشترط في صحة المضاربة أن يكون رأس المال بيد العامل، فتصح المعاملة إذا كان العامل متسلطا على التصرف في رأس المال حسب ما تراضى عليه المتعاقدان في مضاربتهما و ان لم يكن المال بيده، بل كان بيد المالك أو بيد أمين آخر أو في مصرف أو بنك أو متجر، و يمكن للعامل أن يأخذ منه ما شاء متى شاء.

المسألة 16:

يشترط في العامل أن يكون قادرا على العمل الذي يضاربه المالك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 368

عليه، فإذا كان المقصود من المضاربة هو أن يتجر العامل بالمال بأي وجه اتفق من وجوه التجارات المباحة، اشترط في العامل أن يكون قادرا على الاتجار و لو في نوع مخصوص منها، فيكفي في الصحة أن يكون قادرا على المتاجرة بالحبوب أو بالأقمشة مثلا، و لا تصح المضاربة إذا كان العامل عاجزا عن الاتجار في جميع وجوه التجارات، و كذلك إذا قيد المالك المضاربة بنوع خاص من أنواع التجارة و كان العامل لا يقدر على الاتجار بذلك النوع، كما إذا قيد المالك المضاربة بالمتاجرة بالجواهر و كان العامل غير قادر على ذلك فلا تصح المضاربة، و هذا كله إذا كان المالك قد قيد المضاربة مع العامل بأن يباشر الاتجار بالمال بنفسه.

و إذا ضاربه و اشترط عليه أن يباشر التجارة بنفسه و كان الشرط لا بنحو التقييد، و كان العامل عاجزا عن الاتجار لم يبطل عقد المضاربة و ثبت للمالك خيار تخلف الشرط، فيجوز له أن يفسخ المضاربة و يجوز له ان يبقى المضاربة فيستأجر العامل عاملا آخر يتجر لهما بالمال.

و إذا ضارب المالك العامل للتجارة و لم يشترط عليه المباشرة بنفسه و لم يقيد المضاربة بذلك صحت المضاربة فإذا

كان العامل عاجزا عن الاتجار بنفسه أمكن له أن يتخذ عاملا غيره يقوم بالتجارة أو يتخذ معينا يعينه فيها، و تجري الأحكام المذكورة في ما إذا طرأ العجز للعامل عن الاتجار بعد ان كان قادرا في أول الأمر.

المسألة 17:

إذا دفع المالك الى العامل مبلغا كبيرا من المال ليتجر به، و كان العامل قادرا على المتاجرة في البعض، و لكنه يعجز عن الاتجار بذلك المبلغ من المال كله، فان قيد المالك مضاربته بأن يتجر العامل بجميع المال جرت في هذا الفرض الأحكام التي ذكرناها في المسألة السابقة.

فإذا كان المالك قد قيد عقد المضاربة أيضا بأن يباشر العامل المتاجرة بالمال بنفسه كانت المضاربة باطلة لعدم القدرة، و إذا كان قد شرط على العامل مباشرة الاتجار بنفسه و لم يقيد المضاربة بذلك صحت المضاربة و كان للمالك خيار تخلف الشرط على النهج الآنف ذكره.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 369

و إذا لم يشترط المالك المباشرة على العامل و لم يقيد المضاربة بها صحت المضاربة، و جاز للعامل أن يستأجر غيره ممن يقوم بالتجارة أو يعينه فيها، و هذا كله في ما إذا قيد المالك المضاربة بأن يتجر العامل بجميع المال.

و إذا ترك المالك الأمر في ذلك الى مشيئة العامل، فالظاهر صحة المضاربة في المقدار الذي يمكن للعامل الاتجار به من المال، فإذا اتجر به استحق حصته من ربحه، و تبطل المضاربة في المقدار الزائد الذي يعجز عن الاتجار به، و فرض انه غير قادر على الاتجار بالمقدار الزائد، يعني انه لم يعمل به، و لذلك فلا يستحق منه شيئا، و الظاهر أيضا عدم ضمان العامل إذا تلف المال.

و إذا كان العامل قادرا في ابتداء الأمر على الاتجار بالجميع، ثم

طرأ له العجز وجب عليه ان يرد الزائد على المالك فإذا هو لم يرده مع إمكان الرد كان ضامنا له إذا تلف أو حدث فيه عيب.

المسألة 18:

لا تصح المضاربة إذا كان رأس المال دينا كما ذكرنا في المسألة السابعة، سواء كان الدين على العامل نفسه أم على غيره، فإذا عين المدين الدين و قبضه المالك أو وكيله أو وليه إذا كان قاصرا صحت المضاربة به، و إذا كان للمالك مال شخصي في يد انسان قد أودعه المالك إياه أو ائتمنه عليه بأحد أنواع الائتمان، جاز للمالك أن يضارب أحدا بذلك المال ثم يوكل العامل في قبضه سواء كان بيد العامل نفسه أم بيد غيره.

و يجوز للمالك أن يوكل العامل في قبض دينه في ذمة المدين، فإذا قبضه العامل من المدين كان أمانة بيده و صح للمالك أن يجعله رأس مال و يضارب العامل به.

نعم، الأحوط لزوما أن لا يتولى العامل طرفي العقد في المضاربة، فيوكله المالك على اجراء العقد على الأمانة التي بيده أو على الدين الذي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 370

في ذمته بعد أن يعينه للمالك، فيوجب العامل عقد المضاربة فيه بالوكالة عن المالك ثم يقبلها لنفسه.

المسألة 19:

إذا كان للمالك مال معين بيد العامل قد استولى عليه غاصبا، ثم أجرى المالك مع العامل عقد المضاربة بذلك المال المغصوب صحت المضاربة به، فإذا اذن المالك للعامل في قبض المال بعد عقد المضاربة و سلطه على التصرف فيه في شؤون المضاربة ارتفع عنه الحكم بالضمان و أصبحت يده على المال يد أمانة، و كذلك إذا اشترى العامل بعد العقد بعض السلع في الذمة للمضاربة فيها، و اذن المالك له في دفع المال المغصوب ثمنا لها، فيرتفع الضمان عنه بذلك، و لا يرتفع الضمان بغير ذلك.

و كذلك الحكم في كل مال للمالك يوجد بيد العامل و هو مضمون عليه و ان لم

يكن مغصوبا كالمقبوض بالمساومة أو بالعقد الفاسد أو في موارد الاشتباه و الجهل.

المسألة 20:

إذا دفع المالك الى أحد مالا ليشتري به أرضا أو نخيلا أو دارا أو أغناما، فيكون نتاج الأرض أو النخيل أو الدار أو الغنم مشتركا بينهما، فان كان المقصود من المعاملة أن يبيع العامل هذه الأعيان التي يشتريها، و يحصل لهما الربح بزيادة قيمتها، صحت المعاملة مضاربة و ترتبت عليها أحكامها، و ان كان المقصود أن يشتري العامل هذه الأعيان لينتفع المالك و العامل بنماء الأرض من زرعها أو غرسها أو إجارتها، و بنماء النخيل من رطب و تمر و غيرهما، و نماء الدار من اجارة للسكنى و نحوها و نماء الغنم من لبن و دهن و صوف و شبه ذلك، فالظاهر البطلان إذا قصد بها المضاربة، فإذا اشترى العامل الأعيان كان نماؤها للمالك خاصة، و ليس للعامل فيه حصة، و يستحق العامل أجرة المثل على المالك لعمله الذي استوفاه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 371

و إذا لم يقصد بها المضاربة، فلا يبعد الحكم بصحتها معاملة مستقلة بنفسها، و تترتب عليها الآثار حسب ما اتفق عليه المتعاملان.

المسألة 21:

إذا دفع المالك الى العامل سلعا و أمتعة أو حبوبا أو نحو ذلك، و أمره أن يبيع هذه الأعيان و يجعل ثمنها مال مضاربة بينهما، لم تصح المضاربة بذلك حتى يبيع العامل الأعيان و ينشئ المالك عقد المضاربة على الثمن بعد قبضه.

المسألة 22:

إذا دفع المالك الى العامل شبكة لصيد السمك أو لصيد الطير، على أن يكون ما يصطاده العامل بها من السمك أو الطير مشتركا بينهما بالمناصفة مثلا أو بالتثليث، فثلث منه لمالك الشبكة و ثلثان للعامل، فالظاهر فساد المعاملة، و لا يترك الاحتياط بالتصالح في كل من الصيد الذي يقع في الشبكة و أجرة المثل لها و يمكن للمالك أن يؤجر شبكته للعامل مدة معينة بأجرة معينة و يشترط عليه في ضمن عقد الإجارة ان يحوز للمالك نصف ما يقع في الشبكة من الصيد أو ربعه، فإذا قبل العامل الإجارة و الشرط صح ذلك و لزم العمل به.

المسألة 23:

إذا أنشأ أحد عقد المضاربة مع العامل بمال غيره كان العقد فضوليا، فان اجازه مالك المال صحت المضاربة بين المالك و العامل، و ان لم يجزه كان العقد باطلا، و إذا أنشأ المالك العقد مع شخص آخر غير العامل، وقع فضوليا كذلك، فان اجازه العامل صح و الا كان باطلا.

المسألة 24:

إذا قال مالك المال للعامل ضاربتك بهذا المبلغ المعين على أن يكون الربح بيني و بينك فقبل العامل، صح العقد مضاربة، فإذا اتجر العامل بالمال و ربح كان الربح بينهما بالمناصفة، و كذلك إذا قال له ضاربتك بهذا المال على أن يكون لك نصف الربح منه، أو قال له على أن يكون لي نصف الربح، فان جميع هذه العبارات ظاهرة عرفا في تنصيف الربح بين المالك و العامل.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 372

المسألة 25:

إذا قال المالك للعامل ضاربتك بهذا الألف على أن يكون لك نصف ربحه، أو قال له على أن يكون لك ربح نصفه، فالعبارتان كلتاهما دالتان على إنشاء المضاربة عرفا، و على الاشتراك بين المالك و العامل في الربح بالمناصفة، فإذا قبل العامل ذلك، فلا ريب في صحة المضاربة و وجوب ترتيب آثارها.

الفصل الثاني المضاربة من العقود الجائزة
المسألة 26:

المضاربة من العقود الجائزة لكل من المتعاقدين، المالك و العامل، فيجوز لكل واحد منهما أن يفسخ العقد، سواء قبض العامل رأس المال أم لم يقبضه، و سواء شرع العامل في المتاجرة بالمال أم كان قبل شروعه أم بعده، و سواء ظهر الربح في المعاملة أم لم يظهر، و نض المال أم لم ينض، و نض المال صيرورته نقودا بعد أن كان عروضا:

أمتعة و سلعا و حبوبا و نحوها، و لا فرق بين ان يجعل المتعاقدان للمضاربة أجلا معينا أو لا.

المسألة 27:

إذا أنشأ المتعاملان عقد المضاربة بينهما و اشترطا في ضمن العقد نفسه أن لا يفسخا العقد إلى أجل معين لم ينفذ هذا الشرط و لم يجب الوفاء به، و لا يبطل العقد بذلك، و إذا اشترطا ذلك في ضمن عقد آخر، و هو من العقود الجائزة، نفذ الشرط و وجب الوفاء به ما دام العقد الذي ذكر الشرط في ضمنه موجودا، فلا يجوز لهما فسخ المضاربة في ذلك الحال، و إذا اتفق ان انفسخ ذلك العقد سقط الشرط المذكور في ضمنه و جاز لهما فسخ المضاربة بعد ذلك.

و إذا اشترطا أن لا يفسخا عقد المضاربة بينهما إلى أجل مسمى في ضمن عقد آخر لازم: بيع أو صلح أو إجارة أو غيرها من العقود

كلمة التقوى، ج 4، ص: 373

اللازمة، وجب الوفاء بالشرط و لم يجز لهما فسخ المضاربة الى أن ينقضي الأجل المعين.

المسألة 28:

إذا أنشأ المالك و العامل عقد المضاربة بينهما و اشترط أحدهما أو اشترطا معا في ضمن العقد نفسه أن لا يفسخا العقد مطلقا، فان كان المقصود من ذلك اشتراط اللزوم في المضاربة و ان لا يملك أحدهما فسخها، فالأقوى بطلان الشرط المذكور، و كذلك إذا اشترطاه في ضمن عقد آخر جائز أو لازم، فان الشرط المذكور مخالف للكتاب و السنة فلا يكون نافذا، على ان اللزوم في العقود مما لا يقبل الاشتراط، فإنه من الأحكام الشرعية التابعة لدلالة دليلها و لا يمكن ان تثبت باشتراط المتعاقدين، و بطلان الشرط لا يوجب بطلان العقد الذي وقع الشرط في ضمنه.

و ان كان المقصود من الاشتراط أن يلتزم المتعاقدان بعدم فسخ المضاربة بينهما مطلقا، و كان اشتراط ذلك في ضمن عقد المضاربة نفسه، لم ينفذ

الشرط و لم يجب الوفاء به كما تقدم في اشتراط عدم الفسخ إلى أجل معين.

و إذا وقع اشتراط ذلك في ضمن عقد آخر من العقود اللازمة، فقد يقال بصحة الشرط و وجوب الوفاء به و مثله ما إذا وقع الاشتراط في ضمن عقد آخر من العقود الجائزة، فقد يقال بنفوذ الشرط و وجوب الوفاء به ما دام العقد الذي وقع الشرط في ضمنه موجودا، و لكن الحكم في كلا الفرضين موضع اشكال، فلا يترك الاحتياط بعدم اشتراط ذلك، و بالرجوع إلى المصالحة أو التقايل بينهما إذا هما اشترطاه، و على أي حال فبطلان الشرط أو التوقف فيه لا يوجب بطلان العقد.

المسألة 29:

إذا اشترط المالك أو العامل على صاحبه في ضمن عقد المضاربة ان ينشئ معه مضاربة ثانية برأس مال آخر، و قبل صاحبه بالشرط، وجب العمل به ما دامت المضاربة الأولى التي وقع الشرط في ضمنها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 374

موجودة، فإذا فسخت المضاربة سقط الشرط المذكور في ضمنها و لم يجب العمل به إذا لم يعمل به من قبل، و كذلك إذا اشترط أن يأخذ منه بضاعة، أو يعمل له عملا معينا، أو يقرضه قرضا، فيجب الوفاء بالشرط ما دامت المضاربة موجودة.

المسألة 30:

العامل في المضاربة أمين، و لذلك فلا يكون عليه ضمان إذا تلف المال في يده أو نقص منه شي ء، أو حدث فيه عيب، إلا إذا تعدى عن الحد المأذون فيه، أو فرط في حفظ الامانة، و إذا حدثت في التجارة خسارة فلا يتحمل منها شي ء، بل يكون جميعها على مالك المال.

و إذا اشترط المالك على عامل المضاربة في ضمن العقد، أن يكون ضامنا لرأس المال إذا تلف في يده، أو اشترط عليه أن الخسارة التي قد تحدث في التجارة تكون عليهما معا، كما ان الربح الذي يحصل منها يكون لهما معا، فالأقوى عدم صحة الشرط.

نعم يجوز للمالك أن يشترط على العامل أن يتدارك بعض الخسارة التي تصيب المالك إذا اتفق حدوثها في التجارة، فيدفع العامل من ماله مقدار نصف الخسارة مثلا، بل يصح له أن يشترط عليه أن يدفع من ماله ما يتدارك جميع الخسارة، فإذا قبل العامل بالشرط صح و وجب العمل به، و هذا شي ء غير الضمان الذي تقدم منعه.

المسألة 31:

كل شرط يشرطه المالك أو العامل في ضمن عقد المضاربة يكون نافذا إذا كان الشرط جامعا لشرائط الصحة المعتبرة في الشروط، و ان كانت المضاربة من العقود الجائزة، فيجب الوفاء بالشرط المذكور ما دام عقد المضاربة، فإذا فسخت المضاربة سقط وجوب الشرط فلا يجب الوفاء به بعد ذلك إذا لم يكن و في به من قبل، كما ذكرناه في المسألة المائتين و الثامنة و الخمسين من كتاب التجارة.

و لذلك فيمكن للمالك و للعامل إذا اشترط عليه صاحبه بعض الشروط التي قد يصعب عليه الوفاء بها في ضمن عقد المضاربة أن يفسخ المضاربة فيسقط عنه وجوب الوفاء بالشرط.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 375

و يستثنى

من الحكم المذكور اشتراط عدم فسخ المضاربة مطلقا أو الى أجل معين، فإذا شرط ذلك في ضمن عقد المضاربة نفسه لم ينفذ الشرط، كما تقدم قريبا، و ذلك لأن وجوب الوفاء بالشرط مشروط بوقوعه في ضمن العقد، و من المعلوم ان الواجب المشروط لا يقتضي حفظ شرطه.

المسألة 32:

إذا شرط المالك على العامل في المضاربة شرطا أو حدد له شيئا، لم يجز للعامل ان يتعدى عما حدد له أو شرط عليه، فإذا شرط عليه مثلا أن يتجر بالحبوب فقط، لم يجز له أن يتجر بغيرها، و إذا شرط عليه ان لا يتجر بالأقمشة، لم يجز له أن يتجر بها، و إذا شرط عليه أن لا يسافر بتجارته، أو أن لا يسافر بها في البحر، أو أن لا يسافر بها في أيام الشتاء، وجب عليه أن لا يخالف، و إذا حدد له نوعا من التجارة أو نوعا من البيع، أو زمانا معينا أو مكانا معينا، فقال له لا تبع الا نقدا، أو إلا في سوق معين أو لا تشتر الا من بلد معين، وجب عليه أن يتبع ما شرطه عليه و لا يتجاوز.

فإذا خالف العامل ما عين له المالك أو شرط عليه، كان ضامنا للمال إذا تلف كله أو تلف بعضه و كان ضامنا للخسارة إذا حصلت، و إذا ربح مع ذلك في تجارته كان الربح مشتركا بينه و بين المالك حسب ما اتفقا عليه في العقد.

المسألة 33:

لا يجوز للعامل أن يخلط رأس المال المدفوع اليه بمال آخر، سواء كان المال الآخر لنفسه أم لغيره، بل و ان كان للمالك نفسه، إلا إذا رضي المالك له بخلطه، و إذا خلطه من غير اذن المالك كان ضامنا للمال إذا تلف جميعه أو تلف بعضه أو حدث فيه عيب، و لا تنفسخ المضاربة بذلك، فإذا ضارب به بعد الخلط فربح، كان الربح بين المالين بالنسبة، فإذا كان رأس المال ألف دينار و خلطه بألف دينار آخر، و تاجر بالألفين فربح مائتي دينار، فالربح الحاصل بين المالين

بالمناصفة، و هكذا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 376

و يكفي في اذن المالك أن يخوله ذلك على وجه العموم، فيقول له:

اعمل في المال حسب ما ترى، أو حسب ما تجده مصلحة، و إذا شرط اذنه بوجود المصلحة لم يجز له خلط المال بدونها.

المسألة 34:

إذا أطلق المالك عقد المضاربة و لم يشترط فيه على العامل شرطا، و كان بين الناس نوع متعارف من البيع، أو من السلع، أو من الأمكنة و الأحوال و الأوقات ينصرف إليه الإطلاق في مضارباتهم و معاملاتهم الدارجة بينهم، كان هذا الانصراف و التعارف الشائع قرينة عامة على أن ذلك هو المراد في العقد، و كان كالشرط الصريح المذكور في العقد، فيجب اتباعه، و إذا خالفه العامل كان ضامنا لرأس المال إذا تلف أو نقص أو عاب، و ضامنا للخسارة إذا حصلت، و إذا حصل من التجارة ربح مع ذلك كان مشتركا بين المالك و العامل على النحو الذي تقدم بيانه في المسألة الثالثة و الثلاثين.

و إذا كان بين الناس نوع من البيع أو من المبيعات أو من الأمكنة و غيرها ينصرف عنه الإطلاق و لا يشمله الاذن في المضاربات و المعاملات الشائعة كان هذا الانصراف عنه قرينة عامة على عدم ارادة ذلك في العقد، فيكون خارجا عن عقد المضاربة، و إذا خالف العامل ذلك لم تجز معاملته لعدم الاذن من المالك فيها، و لا تصح إلا بإجازة المالك و إمضائه للمعاملة التي أجراها العامل، فإن أجازها صحت و كان الربح فيها للمالك، و ان لم يجزها كانت باطلة، سواء كان العامل قد استوفى الثمن قبل أن يطلع المالك أم بعده.

المسألة 35:

إذا أطلق المالك عقد المضاربة و لم يشترط على العامل فيه شيئا، و لم يعين له الانصراف و التعارف بين الناس أمرا، جاز للعامل أن يتصرف في بيعه و شرائه و في تعامله مع الناس و اختياره الأمكنة و الأزمنة و الأجناس المبيعة حسب ما يراه و يعتقد بجدواه في معاملته و تحصيل الربح

في تجارته إلا إذا التبس عليه الأمر في بعض الجهات، فيرجع الى المالك أو يستشير بعض الخبراء في ذلك الأمر.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 377

المسألة 36:

لا يجوز للعامل أن يسافر في تجارته الى بلد آخر إلا بإذن المالك أو يكون السفر في التجارة من العادات الشائعة بين أهل العرف و التي ينصرف إليها الإطلاق، فيجوز له السفر حين ذاك، و إذا هو سافر بالتجارة بدون اذن المالك، و بدون دلالة العرف العام على الرخصة فيه يكون ضامنا للمال إذا تلف أو عاب و ضامنا للخسارة إذا حصلت كما تقدم ذكره، و إذا اتجر في سفره فربح كان الربح مشتركا بينه و بين المالك على الوجه الذي قرراه في عقدهما، و كذلك الحكم إذا أذن المالك له في السفر الى بلد فسافر الى بلد آخر أو عين له جهة فسافر إلى جهة أخرى.

المسألة 37:

لا يجوز للعامل أن يبيع في مضاربته نسيئة إلا إذا اذن له المالك بالبيع كذلك أو دل الانصراف على الرخصة فيه أو دلت القرائن الخاصة عليه، و إذا جاز له بيع النسيئة فلا بد له من الاستيثاق للمال و التأكد من حفظه، و إذا خالف العامل فباع نسيئة من غير اذن و لا دلالة قرينة على الرخصة، أو باع كذلك من غير استيثاق لمال المضاربة كان ضامنا كما تقدم في نظائره، و إذا ربح كان الربح مشتركا بينه و بين المالك.

المسألة 38:

لا يجوز للعامل أن يشتري الشي ء للمضاربة بأكثر من ثمن مثله، و لا يجوز له أن يبيع الشي ء بأقل من ثمن مثله، إلا إذا اذن له المالك، أو كان المالك قد خوله أن يعمل حسب ما يجده مصلحة و كانت المصلحة تقتضي ذلك، و إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل أو باع بأقل من ثمن المثل من غير اذن و لا تخويل في ما تقتضيه المصلحة كان الشراء و البيع باطلين.

المسألة 39:

إذا أطلق المالك عقد المضاربة مع العامل جاز للعامل أن يشتري المعيب إذا كان شراؤه و بيعه معيبا موردا للربح، و إذا أمكن له إصلاح

كلمة التقوى، ج 4، ص: 378

المعيب ثم بيعه صحيحا بثمن تتحقق به الفائدة، الى غير ذلك من وجوه المصلحة في شرائه و بيعه.

و لا يجوز له شراؤه مع العلم بالعيب إذا كان مظنة للخسارة من غير مصلحة تقابلها، و إذا اشترى العامل المعيب جاهلا جاز له أن يفسخ البيع و يسترد الثمن و أن يبقى البيع فيأخذ أرش العيب و يرجح منهما ما تقتضيه المصلحة.

المسألة 40:

يجوز للعامل أن يبيع الأجناس بالأجناس، فيبيع الحنطة بالأرز أو بالعكس أو بغير ذلك من الأمتعة و السلع و الحبوب، و لا يتعين عليه أن يبيع بالنقود، و لا يجوز له أن يبيع بجنس لا يرغب في شرائه إلا إذا علم أو اطمأن بوجود المصلحة و لو بنقله الى بلد يكون فيه موضعا للرغبة و موردا للربح أو حفظه الى وقت يتحقق فيه ذلك.

المسألة 41:

إذا تم عقد المضاربة بين المالك و العامل، وجب على العامل أن يقوم بما يعتاد قيام أمثاله به من الأعمال في مثل تلك التجارة في زمانها و مكانها و مشخصاتها الأخرى من سعة و ضيق و كثرة عملاء و قلتهم، فيتولى العامل بنفسه ما يتولى التجار لأنفسهم من الأعمال من اعداد نفسه لمراجعة المتعاملين معه بالمساومة و تحديد الأسعار و الاشراف على سير الأمور وفق ما يرام في البيع و الشراء و الأخذ و العطاء و القبض و التسليم، و شراء أو استئجار الأثاث و الأمتعة و الأدوات و المعدات و اللوازم و الأجهزة التي يفتقر إليها في تنظيم المكتب أو المكاتب و توجيه العمل فيها و في المتجر و استئجار الكتاب و الوكلاء و الأجراء الذين تحتاج ادارة المتجر إليهم و استئجار المحال و المخازن اللائقة و مواضع عرض الأجناس و مواضع بيعها، و إخراج النفقات التي يحتاج إليها في ذلك و شبهه من وسط المال، و ضبط جميع ذلك في سجلات خاصة تكون مرجعا عند الحاجة و غير ذلك مما يقوم به التاجر في إدارة تجارته و عمله.

و إذا كانت التجارة خاصة تولى العامل كذلك ما يتولاه التاجر فيها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 379

لنفسه من الأعمال، فإذا كانت

تجارة أقمشة كان عليه أن يحضر القماش للمشتري إذا طلبه و يخبره بالسعر إذا سأل و يساومه إذا ساوم و أن ينشر الطاقة بين يديه إذا رغب و يقيس له المقدار الذي يريد بالمتر أو بالذراع، و عليه طي القماش بعد النشر و قبض الثمن. و عليه عرض النماذج المطلوبة في تجارة الحبوب، و تحديد السعر للنموذج الذي يرغب فيه المشتري و وزن المقدار الذي يطلب، و قبض ثمنه، و هكذا في التجارات الأخرى.

و يجوز له أن يستأجر من تجري العادة باستئجاره ليقوم ببعض الشؤون، كالصانع و الوزان و الدلال و الحمال يحمل البضاعة من موضع شرائها الى مخزن التجارة و من المخزن الى موضع العرض و البيع، و يدفع أجرة عامله من مال التجارة.

و إذا استأجر العامل أجيرا للأعمال التي يلزمه القيام بها بنفسه وجب عليه أن يدفع أجرة هذا الأجير من ماله الخاص لا من مال المضاربة، و إذا قام بنفسه ببعض الأعمال التي تكون من وظائف غيره، و أراد أن يأخذ الأجرة على ذلك، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة بينه و بين المالك عنها.

المسألة 42:

لا يتعين على العامل إذا أراد أن يشتري شيئا للمضاربة أن يشتريه بمال شخصي معين من مال المضاربة نفسه، بل يصح له أن يشتريه بثمن كلي و يقصد كونه في ذمة المالك من حيث المضاربة. و يصح له أن يشتريه بثمن كلي و يقصد انه في ذمة نفسه من حيث انه وكيل عن المالك في أمر المضاربة، و يصح له أن يشتري الشي ء بثمن كلي من مال المضاربة الذي بيده، فيكون بنحو الكلي في المال المعين لا في ذمة المالك و لا في ذمة العامل، ثم يعين فردا للكلي

من مال المضاربة و يدفعه للبائع وفاء في الصور الثلاث، و لا مانع من ذلك كله، فإن إطلاق عقد المضاربة يقتضي الإذن له في جميع ذلك.

و كذلك الحكم إذا أراد العامل أن يبيع شيئا من مال المضاربة، فلا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 380

يتعين عليه أن يجري البيع على شي ء شخصي معين من أموال المضاربة، بل يجوز له أن يبيع شيئا كليا في ذمة المالك من حيث المضاربة أو في ذمة نفسه من حيث انه وكيل عن المالك في أمر المضاربة، و أن يبيع شيئا كليا من مال المضاربة ثم يدفع فردا للكلي من مال المضاربة للمشتري وفاء بحقه في الصور الثلاث.

المسألة 43:

إذا اشترى العامل شيئا للمضاربة بثمن كلي في ذمة المالك أو في ذمة نفسه من حيث انه وكيل عن المالك في أمر المضاربة ثم تلف مال المضاربة قبل وفاء الثمن منه، لم يجب على المالك أن يفي الثمن من أمواله الأخرى، بل يكون الشراء باطلا على الأقوى.

و ذلك لأن إطلاق عقد المضاربة انما اقتضى الاذن للعامل في أن يشتري في ذمة المالك من حيث المضاربة كما ذكرنا، أو في ذمة العامل نفسه من حيث وكالته عن المالك في أمر المضاربة، و أن يكون وفاء ذلك من مال المضاربة، و اما أن يكون الوفاء على المالك من أمواله الأخرى غير المضاربة، فلا اذن فيه و لا يقتضيه الإطلاق و نتيجة لذلك فيكون الشراء باطلا، إلا إذا أجازه المالك، و إذا أجاز المالك الشراء و دفع الثمن من أمواله الأخرى، فلا يدخل هذا المال في مال المضاربة إلا بعقد جديد.

المسألة 44:

إذا اشترى العامل الشي ء لنفسه و جعل ثمن البيع في ذمته، و لم يقصد عند الشراء ان يفي ما في ذمته من مال المضاربة، ثم بدا له فدفع الثمن من مالها، فلا ريب في صحة شرائه لنفسه، و لا يدخل الشي ء الذي اشتراه في مال المضاربة، فإذا باعه و ربح فيه كان الربح له خاصة، و ان كان غاصبا و آثما في دفع الثمن من مال المضاربة، إلا إذا أخذه مقترضا، و كان المالك قد أذن له في الاقتراض من مال المضاربة.

المسألة 45:

إذا اشترى العامل شيئا و قصد ان ثمن المبيع في ذمته، و لكنه لم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 381

يلتفت عند الشراء أن شراءه لنفسه أو للمالك، فالظاهر أن المبيع يكون له لا من مال المضاربة، فإذا باعه و ربح فيه يكون الربح له خاصة، و إذا دفع الثمن من مال المضاربة كان عاصيا. و إذا علم من حالته الوجدانية بحسب ارتكازه الإجمالي في نفسه و عادته التي يجري عليها في غالب أحواله من حيث كونه عاملا يتجر بمال غيره انه يشتري للمالك و ان لم يلتفت الى ذلك تفصيلا كان الشراء و الربح من مال المضاربة، و صح له أن يدفع الثمن من مال المضاربة.

المسألة 46:

عامل المضاربة أمين، فلا ضمان عليه، الا إذا خان أمانته أو تعدى أو فرط فيها، و قد بينا هذا في المسألة الثلاثين و أشرنا إليه في عدة مسائل أخرى و الخيانة هي أن يفعل ما يخالف الأمانة شرعا أو ينافيها شرعا و عرفا، و من أمثلة ذلك أن يأكل بعض مال المضاربة بغير عذر أو سبب شرعي يحل له ذلك، أو يتصرف فيه تصرفا غير سائغ، كما إذا وطأ الجارية المشتراة للمضاربة بغير سبب أو عذر يبيح له الوطء أو استمتع بها بغير الوطء مما لا يجوز الا بسبب محلل، و كما إذا استخدم الفرش و الأمتعة من مال المضاربة في منزله بغير اذن أو سبب مجوز.

و التفريط أن يهمل أو يتسامح في حفظ ما يجب حفظه من الأموال، و التعدي أن يتجاوز ما حدد له الشارع أو اذن له المالك أو شرطه عليه في عقد المضاربة شرطا صريحا، أو دلت القرائن العامة أو الخاصة على اشتراطه في العقد.

فإذا

خان العامل أمانته أو تعدى أو فرط فيها كان ضامنا لرأس المال، فإذا تلف جميعه أو تلف بعضه أو حدث فيه عيب كان عليه ضمانه، و ان كان حدوث التلف أو العيب بسبب حدوث آفة سماوية أوجبت ذلك.

و إذا كان تعدي العامل بمخالفته لما أمره به المالك أو لما نهاه عنه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 382

أو لما اشترطه عليه في العقد و لو بدلالة القرائن الخاصة أو العامة على اشتراطه، كان ضامنا للمال كما تقدم و كان ضامنا للخسارة إذا حدثت.

المسألة 47:

إذا خان العامل أو تعدى في أمانته أو فرط في حفظها، ثم رجع عن خيانته و تعديه و تفريطه، حتى عادت له صفة الأمانة في نظر أهل العرف و العقلاء من الناس، فالأقوى ارتفاع الضمان عنه، فلا يضمن ما يحدث من تلف أو عيب أو خسارة بعد رجوع صفة الامانة له، و لا يرتفع عنه الضمان في ما حدث قبل ذلك، من غير فرق بين ضمان رأس المال و ضمان الخسارة، على النهج المتقدم.

المسألة 48:

إذا دعت المصلحة أن يبيع العامل جنس المضاربة في وقت فلم يبع، و هو يعلم بوجود المصلحة الداعية و لا عذر له في ترك البيع، و كان المالك قد شرط عليه مراعاة المصلحة أو دلت القرائن الخاصة أو العامة على لزوم مراعاتها، كان العامل ضامنا للخسارة إذا حصلت بعد ذلك، بل و كان ضامنا لرأس المال إذا تلف أو عاب.

المسألة 49:

إذا نوى العامل الخيانة و التعدي في المضاربة أو نوى التفريط في حفظها، و لم يفعل ذلك فلا ضمان عليه بمجرد النية، سواء عزم على ارتكاب ذلك بالفعل أم نوى أن يرتكبه في ما بعد.

المسألة 50:

إذا كان الرجل عاملا للمالك في مضاربتين تستقل إحداهما عن الأخرى برأس مالها و بعملها، و خان العامل أو تعدى أو فرط في إحدى المضاربتين كان ضامنا فيها، و لم تزل أمانته في المضاربة الثانية، فلا ضمان عليه فيها.

و إذا كانت المضاربة واحدة و خان العامل أو تعدى أو فرط فيها كان ضامنا فيها جميعا و ان تعددت فروعها و نواحيها، و مواضعها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 383

الفصل الثالث في نفقة العامل في سفر المضاربة
المسألة 51:

ليس لعامل المضاربة و هو في الحضر أن ينفق على نفسه أو على شؤونه من مال المضاربة قليلا و لا كثيرا، سواء كانت النفقة في منزله أم في المتجر، كما إذا زاره في المتجر بعض أصدقائه و أراد تكريمه، و لا يجوز له الإنفاق منه كذلك على معامليه و مراجعيه في المتجر، إلا إذا اذن المالك له بذلك أو شرطه العامل على المالك أو كان تعارف عام يدل على الرخصة في تكريم المعاملين و المراجعين في مثله، فيجوز حين ذاك و يتبع فيه مقدار ما يدل عليه الاذن و ما يدل العرف على الرخصة فيه، في كل من نوع الإنفاق و مقداره.

المسألة 52:

إذا سافر العامل بتجارة المضاربة و كان سفره باذن المالك، فنفقته في السفر من مال المضاربة و تخرج من جميع المال، و يراد بالنفقة ما يحتاج اليه العامل من مأكول و مشروب و ملبوس، و أجرة وسائل نقل و أجرة مسكن و أثاث و أمتعة و أدوات يحتاج إليها في سفره و في موضع اقامته في البلد الذي يتجر فيه، و أو ان يحتاج إليها في طعامه و شرابه، و وسائل راحة، و غير ذلك مما يصدق عليه النفقة على النحو اللائق بشأنه و بشرفه و منزلته في المجتمع، و في موضع الإقامة.

و ليس من نفقته التي تخرج من مال المضاربة عطاياه و مصانعاته الخاصة، و الإنفاق على ضيوفه و زواره، أو الإنفاق على أهله إذا صحبهم معه في سفره.

و أما ما ينفقه على التجارة نفسها من أجرة نقل و أجرة مخزن و محل للعرض و البيع، و رسوم و ضرائب و مصارف أخرى لا بد منها، و أجرة حراس و دلالين و

حمالين و شبه ذلك فهو من مال المضاربة من غير فرق بين السفر و الحضر، و كذلك العطايا و المصانعات التي تتوقف عليها التجارة في متفاهم أهل العرف و أهل المعاملات.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 384

المسألة 53:

يجب على العامل أن يقتصر في النفقة على المقدار الذي يفي بحاجته بحسب منزلته كما ذكرناه من غير سرف و لا تقتير، فإذا أسرف في الإنفاق لم يجز له ذلك و كان للمالك ان يرجع عليه بما زاد على الحاجة منه، و إذا قتر على نفسه لم يحسب له ما نقص، و كذلك إذا ضيفه صديق أو غيره، فلا تحسب له النفقة.

المسألة 54:

يراد بالسفر هنا مطلق قطع المسافة و ان لم يبلغ المسافة الشرعية التي يجب فيها قصر الصلاة، فمتى صدق على العامل انه مسافر في تجارته صح له ان يأخذ نفقته من مال المضاربة و ان كان سفره فرسخين أو ثلاثة فراسخ، و كذلك إذا نوى الإقامة عشرة أيام أو أكثر في موضع وصوله، بل و ان امتدت إقامته أياما كثيرة ما دام يصدق عليه أنه مسافر و كان مشغولا بالتجارة أو بشؤونها.

المسألة 55:

إذا سافر العامل بمال المضاربة ليتجر به في بلد معين، و احتاج في أثناء سفره الى البقاء في بلد آخر مدة، لشؤون تتعلق بالسفر أو بالتجارة، كما إذا أرهقه عناء السفر فاحتاج الى الراحة أياما في ذلك البلد، أو لينتظر رفقة يتم سفره معهم، أو لانتظار بعض وسائل النقل التي تنقل له البضائع، أو لقضاء قوانين حكومية خاصة بالمكث هناك فترة للكشف على المال، أو لتسجيل الأجناس أو لدفع بعض الضرائب، فنفقة العامل مدة بقائه في ذلك البلد تكون من مال المضاربة أيضا.

المسألة 56:

إذا أقام عامل المضاربة في البلد الذي سافر اليه، فاتجر فيه حتى أتم العمل، ثم عزم على الإقامة فيه فترة أخرى، فإن كانت إقامته الثانية لإعمال تعود إلى التجارة أيضا، كتحصيل ديون للمضاربة من بعض العملاء، و توفية حقوق لأصحاب المخازن و المحلات التي استأجرها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 385

في تلك المدة، و كاستيجار محلات و لوازم جديدة لسفرة أخرى مقبلة في المضاربة نفسها، و نحو ذلك، فنفقة العامل في هذه المدة من مال المضاربة أيضا.

و ان كانت إقامته الجديدة لإعمال تعود له خاصة، كزيارة بعض الأصدقاء أو التنزه في ضواحي البلد و الاطلاع على مناظرة، و كعقد صفقات لنفسه مع بعض الشركات أو بعض التجار، و هي لا تتصل بتجارة المضاربة، فنفقته في تلك المدة من مال خاصة لا من مال المضاربة.

و ان كانت إقامته الجديدة لإعمال تتعلق بالتجارة الأولى، و لإعمال أخرى، تكون لغيرها، و هذا الفرض يمكن وقوعه على صورتين.

الصورة الأولى أن تكون أعمال التجارة بخصوصها سببا تاما لإقامته في البلد تلك المدة، و أن تكون الأعمال الأخرى أيضا سببا تاما للإقامة، بحيث لو انفردت أية واحدة منهما

عن الأخرى لأقام العامل بسببها في البلد و لم يسافر منه حتى يتمها، و الأقوى في هذه الصورة أن نفقة العامل في مدة بقائه كلها من مال التجارة لشمول النص له في هذا الحال.

الصورة الثانية: ان يكون السبب التام لإقامته الثانية في البلد هو مجموع العملين، بحيث لو كان الداعي له هو عمل التجارة خاصة، أو كان هو العمل الآخر خاصة، لما أقام العامل في البلد بسببه، و لكن اجتماع السببين أوجب له أن يقيم حتى ينجزهما معا، و الأقوى و الأحوط في هذه الصورة كون النفقة في مدة بقاء العامل عليه نفسه لا من مال المضاربة و لا بالتوزيع.

المسألة 57:

إذا سافر العامل من بلده لبعض شؤون المضاربة و مقدماتها و لم يكن سفره للتجارة نفسها كما فرضناه في المسائل المتقدمة، و مثال ذلك أن يسافر من وطنه الى البلد الذي يعزم على الاتجار فيه في ما بعد، ليتفاهم مع بعض التجار و العملاء بشؤون تتعلق بتجارته المقبلة، أو ليستأجر بعض المنازل و المخازن، أو ليشتري بعض الأثاث و الأدوات مما يحتاج اليه أو تحتاج اليه تجارته المقبلة، فالظاهر ان نفقته في هذا السفر

كلمة التقوى، ج 4، ص: 386

من ماله لا من مال المضاربة، و ان كان سفره باذن المالك، و الأحوط المصالحة بين العامل و المالك عنها أو اشتراط كون النفقة على أحدهما.

المسألة 58:

إذا سافر العامل بمال المضاربة ليتجر به في سفره و لم يأذن له المالك بالسفر، فنفقته في السفر من مال خاصة لا من مال المضاربة، و كذلك الحكم إذا أذن له المالك في السفر بتجارته الى بلد معين، فسافر العامل الى بلد غيره، أو اشترط عليه في السفر شرطا فخالف ما شرط المالك عليه، كما إذا اشترط عليه أن يتجر في سفره بالأقمشة، فاتجر بالحبوب، أو شرط عليه ان يتجر في البلد نفسه، فاتجر في القرى التابعة له، فتكون نفقة العامل من ماله لا من مال المضاربة.

المسألة 59:

إذا كان الرجل عاملا لشخصين في مضاربتين مستقلتين، فسافر بهما باذن المالكين كانت نفقته على المالكين بالتوزيع، فإذا تساوى المالان و تساوى العملان فالنفقة بينهما بالمناصفة، و إذا اختلف مقدار المالين و اختلف مقدار العمل فيهما، فالأحوط أن يتصالح المالكان و العامل في مقدار توزيع النفقة، و كذلك الحكم إذا كان أرباب المال أكثر من اثنين، فيجري في النفقة البيان المتقدم.

و إذا سافر العامل بمضاربة لغيره و بتجارة لنفسه، وزعت النفقة كذلك على الأحوط، و يكون التوزيع على النهج المتقدم أيضا.

المسألة 60:

إذا سافر العامل ليتجر بمال المضاربة و كان سفره باذن المالك استحق النفقة من مال المضاربة و ان لم يظهر الربح في المال بعد، فينفق من رأس المال سواء ربح المال أم لم يربح.

و إذا حصل للمال ربح بعد أخذ النفقة منه احتسبت النفقة جميعا حتى الماضي منها من الربح، و يدفع الى المالك رأس ماله تاما، و قسم الباقي من الربح بين المالك و العامل بعد إخراج جميع نفقة العامل منه، فإذا لم يبق من الربح شي ء بعد النفقة فلا شي ء لهما من الربح.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 387

المسألة 61:

إذا مرض العامل في أثناء سفره، و لم يمنعه المرض من عمله في السفر و في التجارة، لم يسقط بذلك حقه من النفقة، و لا يعد من النفقة ما يحتاج اليه العامل في علاج مرضه من أجرة طبيب أو قيمة كشف أو دواء أو غير ذلك على الأحوط فيخرجها من ماله لا من مال المضاربة.

و إذا منعه المرض من الاستمرار في عمله، فالأحوط له كذلك أن يأخذ نفقته في حال مرضه من ماله لا من مال المضاربة.

المسألة 62:

رجوع العامل من سفره للمضاربة و ذهابه فيه كلاهما من شؤون المضاربة عرفا، و ان اختلفا في الوضوح و الخفاء في ذلك، فإذا كان السفر مأذونا فيه من المالك، استحق العامل النفقة من مال المضاربة في رجوعه الى أن يصل الى بلده، كما استحقها في ذهابه الى أن يصل الى مقصده، فيأخذ من المال أجرة الوسائط و المراكب التي تنقله في رجوعه و بقية نفقاته، سواء كان عازما على السفر للمضاربة مرة أخرى أم لا.

و إذا كان رجوعه لغاية خاصة له كزيارة الأهل أو لقضاء بعض الحاجات له أو بعض الواجبات عليه، ثم يعود لإتمام عمل المضاربة، فنفقته من ماله لا من مال المضاربة.

المسألة 63:

إذا فسخ المالك أو العامل عقد المضاربة في أثناء سفر العامل، أو انفسخ العقد لبعض الطواري، و أراد العامل الرجوع الى بلده، فان كان أصل سفر العامل بتسبيب من المالك، و كان رجوعه من شؤون سفر المضاربة و ان كانت مفسوخة، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة بين العامل و المالك في أمر النفقة، و إذا كان الرجوع لا يعد من شؤون سفر المضاربة عرفا، أو لم يكن سفر العامل بتسبيب من المالك فنفقة العامل في رجوعه على نفسه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 388

المسألة 64:

إذا دفع صاحب المال للعامل مبلغا من المال و قال له خذ هذا المبلغ و اعمل به مضاربة و جميع ربح المال لي خاصة، فمقتضى تصريح صاحب المال بأن جميع الربح له وحده ان المعاملة بضاعة لا مضاربة و ان أنشأها بلفظ المضاربة، و قد تقدم في أول الكتاب ان هذه هي الخاصة التي تفترق البضاعة بها عن المضاربة، فالربح يكون جميعه للمالك في البضاعة، و يكون مشتركا بين المالك و العامل في المضاربة.

و نتيجة لذلك فيكون العقد المذكور ابضاعا صحيحا لا مضاربة فاسدة، و يكون جميع الربح لصاحب المال كما اشترط، فإذا عمل العامل استحق على المالك أجرة المثل لاستيفائه منفعة العامل، إلا إذا علم بأن العامل قد قصد التبرع بعمله أو دلت القرائن على ذلك، أو اشترطه المالك عليه، فلا يستحق العامل على عمله شيئا.

المسألة 65:

إذا دفع صاحب المال للعامل مبلغا من المال، و قال له خذ هذا المبلغ و اعمل به مضاربة و جميع ربح المال لك خاصة، فمقتضى تصريح مالك المال بأن جميع ربح المال للعامل: ان العقد لا يكون مضاربة فقد علمت أن المضاربة هي ما كان الربح فيها مشتركا بين المالك و العامل، لا خاصا بأحدهما، و لا يكون بضاعة فقد تقدم ان البضاعة ما يكون ربح المال فيها للمالك خاصة لا للعامل.

و إذا لم يكن العقد مضاربة و لا بضاعة، فإن علم من القرائن ان المالك قد قصد بهذا العقد تمليك المال للعامل بالعوض صح ذلك قرضا، فيملك العامل المال و عليه عوضه بعد ذلك و يكون ربح المال له خاصة و ان لم يعلم ذلك، فظاهر عبارة العقد المذكور ان المالك قد ملك العامل ربح المال الذي

دفعه اليه قبل وجود الربح، و من المعلوم انه لا أثر لهذا التمليك.

و نتيجة لذلك فلا يصح العقد قرضا و لا مضاربة و لا بضاعة، و يرجع المال لمالكه، و يكون ربح المال له خاصة و لا يستحق العامل على المالك

كلمة التقوى، ج 4، ص: 389

شيئا، فإنه إنما عمل لنفسه لا للمالك، و الأحوط لزوما الرجوع الى المصالحة فيه.

المسألة 66:

إذا دفع صاحب المال للعامل مبلغا معلوما من المال، و قال له خذ هذا المبلغ و اتجر به و الربح كله لي، كان ذلك بضاعة، و إذا علم بأن المالك قد قصد به المضاربة، كان مضاربة فاسدة و إذا ربح فالربح كله للمالك أيضا، و يستحق العامل على المالك أجرة المثل لعمله في كلتا الصورتين ما لم يقصد التبرع بعمله.

و إذا قال للعامل خذ المبلغ و اتجر به و الربح كله لك، كان ذلك قرضا، فإذا ربح فالربح للعامل، و إذا علم بأن المالك قد قصد به المضاربة، كان مضاربة فاسدة، و الربح كله للمالك، و في استحقاق العامل أجرة المثل لعمله اشكال، و الأحوط المصالحة عنها.

المسألة 67:

يجوز لمالك المال أن يضارب عاملين مضاربة واحدة، برأس مال واحد، يشتركان في الاتجار به، و يجوز له أن يخصص لكل واحد من العاملين حصة من رأس المال يتجر فيها، فيقول للعاملين: ضاربتكما بهذا المال، على أن يكون لكل واحد منكما نصف المال، مثلا، ليتجر به، و يجوز للمالك أن يعين مبلغين محددين من المال، يدفع كل واحد من المبلغين لأحد العاملين، و يعد المبلغين كليهما رأس مال واحدا للمضاربة الواحدة، و يختلف الحكم ما بين هذه الصورة.

فإذا كان ما بيد العاملين من رأس المال، مالا واحدا غير متميز، كما في الصورة الأولى، اشتركا في الربح، و كانت مضاربتهما واحدة يجبر ربح إحداهما خسارة الأخرى إذا حصلت.

فإذا اتجر أحد العاملين و ربح، و اتجر الثاني و لم يربح، أو اتجر و خسر، اشتركا في الربح الحاصل في الفرض الأول، و جبر الربح الخسارة في الفرض الثاني، و ذلك هو مقتضى اشتراكهما في المضاربة، و إذا كان ما بيد

أحد العاملين من مال المضاربة متميزا عما بيد الآخر،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 390

كما في الصورة الثانية و الثالثة، اختص كل واحد من العاملين بربحه و خسارته، فلا يشاركه العامل الآخر بربحه إذا ربح و لا تجبر بربح الآخر خسارته إذا خسر، و تكون مضاربة المالك معهما بحكم مضاربتين و عقدهما بمنزلة عقدين، و كذلك الحكم إذا ضارب المالك أكثر من عاملين، فيجري فيه هذا التفصيل.

المسألة 68:

يجوز للمالك الواحد أن يضارب عاملين على الوجوه التي بيناها في المسألة المتقدمة، و يشترط المالك على العاملين ان الربح الذي يحصل من مضاربتهما يكون بينه و بينهما بالمناصفة مثلا، فيقول لهما:

ضاربتكما بهذا المبلغ لتتجرا به، أو ليتجر كل واحد منكما بالحصة التي عينت له من المال، على أن يكون لي نصف الربح من المضاربة، و لكما نصف الربح.

فإذا كان ما بيد العاملين من رأس المال مالا واحدا غير متميز كما في الصورة الأولى من المسألة السابقة، كان نصف الربح للمالك، و كان النصف الثاني منه للعاملين يقتسمانه بينهما بالمناصفة.

و إذا كان ما بيد أحد العاملين من المال متميزا عما بيد العامل الآخر، كما في الصورة الثانية و الثالثة، كان للمالك نصف الربح، و لكل واحد من العاملين نصف الربح من مضاربته في المقدار الذي عين له من المال، و لا يشارك أحدهما الآخر في ربحه.

و يجوز للمالك أن يجعل حصة أحد العاملين أوفر من حصة الآخر، فيجعل لنفسه نصف الربح من مضاربة زيد و الثلثين من مضاربة عمرو و باقي الربح للعامل.

المسألة 69:

يجوز للمالكين أن يضاربا عاملا واحدا بمال مشترك بينهما، فيقول الوكيل المفوض منهما للعامل: ضاربناك بهذا المال المشترك لتتجر به، على أن يكون الربح بيننا و بينك بالمناصفة فإذا اتجر العامل بالمال و ربح كان نصف الربح للعامل، و كان النصف الآخر منه بين المالكين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 391

بالمناصفة و يجوز لهما أن يشترطا على العامل التفاوت في استحقاقه من الربح في حصتيهما من المال فيقول له الوكيل ضاربناك بهذا المبلغ، على أن يكون لك نصف الربح من حصتي، و ثلث الربح من حصة شريكي فإذا قبل العامل صح العقد

إذا كان مقدار الحصتين من المال معلوما.

و كذلك الحكم في المالكين اللذين لا شركة بينهما، فيجوز لهما أن يضاربا عاملا واحدا مضاربة واحدة على الوجه المتقدم ذكره، فيدفع للعامل كل واحد منهما مبلغا معينا من ماله، و يأذنا له في أن يخلط المالين، و يجريا معه عقد المضاربة، و يعينا له مقادير الحصص من الربح على النحو المتقدم في المالكين الشريكين.

المسألة 70:

إذا ضارب الشريكان عاملا بالمال المشترك بينهما ليتجر به، ثم فسخ أحد الشريكين مضاربة العامل في حصته من المال، فالظاهر بقاء عقد المضاربة مع الشريك الآخر في حصته و لا ينفسخ بفسخ شريكه، فإذا كان رأس مال المضاربة ألف دينار مثلا، و هو مشترك بين زيد و عمرو بالمناصفة، ثم فسخ زيد المضاربة في نصفه، بقيت مضاربة العامل مع عمرو في نصفه من المال، فإذا اتجر بالخمسمائة و ربح، استحق من الربح حصته المعينة له في عقد المضاربة، سواء كان المال متميزا أم مشاعا.

المسألة 71:

إذا تم عقد المضاربة بين المالك و العامل، و قبض العامل رأس المال، فلا يجوز له أن يترك الاتجار به إذا هو لم يفسخ العقد، و لا يجوز له أن يؤخره بمقدار يعطل به مال المالك أو يعد متسامحا في حقه، و إذا أخر الاتجار بالمال كذلك من غير عذر كان عاصيا لتعطيله مال الغير، و إذا تلف المال أو نقص منه شي ء أو حدث فيه عيب، كان العامل ضامنا لذلك، و ليس للمالك أن يطالبه بالربح الذي يحصل له لو أن العامل اتجر بالمال.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 392

المسألة 72:

إذا كان المال مشتركا بين مالكين و عملا به أو عمل به غيرهما، فمقتضى القاعدة ان حصة كل من الشريكين من الربح بنسبة حصته من المال، فإذا كان المال مشتركا بينهما بالمناصفة، فالربح الحاصل لهما يكون بالمناصفة بينهما كذلك، و إذا كان لأحدهما ثلث المال و للآخر الثلثان منه، قسم الربح بينهما كذلك، إلا إذا كان أحدهما عاملا، فيصح أن تشترط له زيادة من الربح على ما يستحقه بنسبة ماله، فإذا كان المال مشتركا بينهما بالمناصفة، و اشترط للعامل نصف الربح الحاصل، استحق الشريك العامل من الربح ثلاثة أرباعه، و كان ربعه للشريك الآخر غير العامل، و هذا من الشركة لا من المضاربة.

المسألة 73:

إذا ضارب زيد و عمرو عاملا بمال مشترك بينهما بالمناصفة، و اشترطا أن يكون لعامل المضاربة نصف الربح، و أن يكون النصف الآخر منه للمالكين بالمفاضلة ما بينهما لا بالمناصفة كما هو مقتضى القاعدة، فثلثان منه لزيد و ثلث لعمرو.

فان كان قصد المالكين من ذلك أن يكون نصف العامل من الربح في حصة عمرو أكثر من نصيبه من الربح في حصة زيد بهذه النسبة، و من أجل ذلك دخل النقص على نصيب عمرو من الربح، و كان زيد أوفر منه نصيبا مع تساويهما في مقدار المال، فالظاهر صحة المضاربة، و نفوذها على حسب ما اشترط بينهم في العقد سواء أجري ذلك بعقد واحد للمضاربة في مجموع المال ذكر فيه الشرطان معا، أم أجري في مضاربتين مستقلتين ذكر كل واحد من الشريكين شرطه مع العامل في مضاربة خاصة في حصته.

و ان كان المراد أن العامل اشترط في عقد المضاربة على عمرو أن يكون مقدار من ربحه الخاص به لشريكه الآخر و هو زيد،

و لذلك كان زيد أوفر من عمرو نصيبا من الربح مع تساويهما في المال، و مقتضى القاعدة أن يكون نصيب كل من المالكين من الربح بنسبة حصته من المال.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 393

فالظاهر عدم صحة ذلك مضاربة، فقد تقدم في المسألة الثانية عشرة انه لا يصح أن يشترط دفع مقدار من الربح لغير عامل فيها، و يصح ذلك إذا قصد به معاملة أخرى غير المضاربة يشترط العامل فيها ذلك، فإذا قبل بها الطرفان صحت و نفذت على حسب ما ذكر فيها من الشرط.

المسألة 74:

ليس لعامل المضاربة أن يوكل أحدا أو يستأجر أجيرا في أصل التجارة و في الأعمال التي تخصه من أعمال المضاربة إلا بإذن المالك، و يجوز له أن يوكل أو يستأجر أحدا في الأمور التي تعارف بين الناس التوكيل أو الاستئجار لها من عامل المضاربة، و هي مقدمات الأعمال و نحوها، فيكون التعارف المذكور بين العقلاء و أهل العرف قرينة على الاذن بالتوكيل و الاستيجار في تلك الأمور، و قد سبق التعرض لبعض ذلك في المسألة الحادية و الأربعين، و لا يجوز للعامل أن يضارب غيره في نفس مضاربته، إلا إذا أذن له المالك بها.

المسألة 75:

إذا أذن المالك للعامل في أن يضارب أحدا غيره ليعمل بمال مضاربته نفسها فهاهنا صور تختلف أحكامها.

الصورة الأولى: أن يكون العامل الثاني عاملا للمالك أيضا، و ان يكون العمل المقصود في كلتا المضاربتين الأولى و الثانية، عملا واحدا لا تعدد فيه، و الحكم في هذه الصورة أن تنفسخ المضاربة الأولى بين المالك و العامل الأول، من حيث ان العمل الواحد لا يقبل الصدور من عاملين مستقلين، و لذلك فتكون المضاربة الثانية التي أوقعها العامل باذن المالك موجبة لفسخ المضاربة الأولى، و لازم ذلك أن يكون الربح الذي يحصل من العمل في المضاربة الثانية مشتركا بين المالك و العامل الثاني على الوجه الذي عين له في المضاربة الثانية، و لا شي ء للعامل الأول منه.

و إذا كان العامل الأول قد عمل في المضاربة الأولى و ربح في عمله

كلمة التقوى، ج 4، ص: 394

قبل إنشاء المضاربة الثانية كانت له حصته من ذلك الربح، و ليس للعامل الثاني منه شي ء.

المسألة 76:

إذا ضارب العامل المأذون عاملا غيره على الوجه الذي ذكرناه في المسألة السابقة، و اشترط على العامل الثاني في العقد أن تكون له حصة معينة في ربحه، لم يصح له هذا الشرط، لأن المفروض أن مضاربته تنفسخ بذلك، و لا عمل له في المضاربة الثانية، فيكون الشرط له شرطا لأجنبي غير عامل.

المسألة 77:

إذا كانت حصة العامل المأذون في المضاربة هي نصف الربح مثلا، و ضارب العامل على الوجه المتقدم ذكره، و اشترط على العامل الثاني في مضاربته أن للعامل الثاني الثلث من الربح أو الربع منه صحت المضاربة و صح الشرط و كانت الزيادة للمالك، و لا يستحق العامل الأول منها شيئا.

المسألة 78:

الصورة الثانية: أن يكون المقصود من المضاربة الثانية المأذون فيها إنشاء مضاربة للعامل الثاني لعمل آخر مستقل غير عمل العامل الأول في مضاربته، و ان كان رأس المال في المضاربتين واحدا، و يكون كل واحد من العاملين الأول و الثاني عاملا مستقلا للمالك في مضاربة مستقلة لعمل مستقل.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 4، ص: 394

و الظاهر صحة كلتا المضاربتين في هذه الصورة، و لا مانع منهما و لا تنافي بينهما لاختلاف العمل، فإذا عمل أحد العاملين بالمال في الأسبوع الأول مثلا و ربح في عمله استحق حصته من الربح بمقتضى العقد معه، و إذا عمل الآخر بالمال في الأسبوع الثاني و ربح كذلك استحق حصته من ربحه بمقتضى عقده و لم يشارك أحدهما الآخر في الربح الخاص به، و هكذا، و على العاملين أن يتوافقا بينهما في مواعيد العمل أو في مجالاته.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 395

المسألة 79:

الصورة الثالثة: ان يضارب العامل المأذون العامل الثاني فيجعله شريكا معه في عمله و في حصته المعينة له من الربح، و الظاهر الصحة أيضا في هذه الصورة، فيفسخ المضاربة الأولى الخاصة به و ينشئ عقد مضاربة جديدة بين المالك و العاملين، و تكون الحصة المعينة من الربح في المضاربة الأولى مشتركة بين العاملين حسب ما يتفقان عليه من تحديد، و لهما أن يتفقا مع المالك على حصة أخرى من الربح أكثر من الأولى أو أقل منها.

المسألة 80:

الصورة الرابعة: أن يضارب العامل المأذون العامل الثاني فيجعله عاملا لنفسه لا للمالك بنصيب معين من حصته التي عينت له في المضاربة الأولى، و الظاهر عدم صحة ذلك مضاربة، و للعامل أن يتخذ أجيرا أو شريكا إذا كان باذن المالك و المفروض هو ذلك.

المسألة 81:

إذا ضارب العامل في المضاربة عاملا آخر، ليتجر بالمال الذي بيده و كان غير مأذون من المالك في أن يضارب غيره، كان عقده مع العامل الثاني فضوليا، فإن أجاز المالك عقدهما كان صحيحا و نفذت المضاربة الثانية، و جرت فيها الصور الأربع التي تقدم تفصيلها و بيان أحكامها في المسائل المتقدمة، و ان لم يجز المالك عقدهما كان باطلا و لم تنفذ المضاربة الثانية.

و إذا اتجر العامل الثاني بالمال و لم يجز المالك مضاربته، كانت معاملاته بالمال فضولية أيضا، فإن أجاز المالك هذه المعاملات صحت بإجازته، و إذا ربحت كان ربحها كله للمالك و لم يستحق العامل الأول من الربح شيئا، و استحق العامل الثاني على المالك أجرة المثل على عمله من حيث ان المالك قد استوفى منه منفعة عمله، سواء كان العامل الثاني عالما أم جاهلا بالحال.

و ان لم يجز المالك معاملات العامل الثاني في ماله كانت باطلة فترد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 396

المبيعات الى مالكها و ترد الأثمان إلى أصحابها، و لا يتحقق في المعاملات ربح لينظر في من يستحقه، و ذلك واضح غير خفي.

و لا فرق في هذه الأحكام بين أن يكون العامل الأول قد ضارب الثاني على أن يكون عاملا للمالك أو يكون عاملا لنفسه.

و هذا كله إذا كان المالك قد اشترط على العامل الأول في مضاربته الأولى ان يباشر عمل المضاربة بنفسه، و ان كان

هذا الشرط مما دلت عليه القرائن العامة أو الخاصة.

و إذا لم يشترط المالك عليه مباشرة العمل بنفسه، فقد يقال بصحة المعاملات التي أجراها العامل الثاني على المال، و ان لم يجز المالك مضاربته من العامل الأول، و لم يجز معاملاته التي أجراها على المال، من حيث ان هذه المعاملات قد وقعت باذن العامل الأول و قد استحقها المالك عليه بمضاربته و لم يشترط عليه المباشرة، فتكون المعاملات له و يستحق بها حصته المعينة له من ربحها، و يستحق عليه العامل الثاني أجرة المثل و لكن المسألة موضع تردد و اشكال، فلا يترك فيها الاحتياط.

المسألة 82:

إذا رد المالك مضاربة العامل الأول للعامل الثاني و لم يجزها، و كان المال بيد العامل الثاني و لم يتجر به، جاز للمالك أن يطالبه به، و يجب على العامل رده اليه، و إذا تلف المال أو نقص منه شي ء أو حدث فيه عيب، تخير المالك بين أن يرجع في ذلك على العامل الأول، و على العامل الثاني، فإذا رجع بالغرامة على العامل الذي أوقع المضاربة لم يرجع هذا على العامل الثاني بشي ء و ان كان التلف أو التعيب حدث و المال بيده إذا كان جاهلا بالأمر، و إذا كان العامل الثاني عالما بالحال و كان التلف أو التعيب في يده رجع العامل الأول عليه بما غرمه المالك، و استقر عليه الضمان.

و إذا رجع المالك بالغرامة على العامل الثاني فإن كان عالما بالحال لم يرجع على العامل الأول بشي ء، و ان كان جاهلا رجع بما اغترم للمالك على العامل الأول لأنه مغرور من قبله.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 397

و كذلك الحكم إذا اتجر العامل الثاني بالمال و لم يجز المالك المضاربة

و لم يجز المعاملات، فيجوز للمالك ان يرجع بماله على كل من العاملين على النحو المتقدم ذكره، سواء كان المال موجودا أم تالفا.

المسألة 83:

إذا ضارب المالك العامل بمقدار معين من المال، كألف دينار مثلا، و دفع اليه منه خمسمائة فعمل العامل بها مدة، ثم دفع إليه خمسمائة أخرى، فهما مضاربة واحدة، فإذا خسرت أولاهما و ربحت الثانية جبر ربح الثانية خسارة الأولى، و كذلك الحكم إذا حدث الأمر بالعكس، سواء خلطهما العامل في عمله أم عمل بهما منفردتين.

و إذا ضاربه بمبلغ معين كخمسمائة دينار مثلا، ثم دفع اليه مبلغا آخر ليتجر به، فهما مضاربتان، فلا يجبر ربح إحداهما خسارة الأخرى، سواء عمل العامل بالمبلغ الأول قبل دفع المبلغ الثاني إليه أم لا، و إذا قصد المالك حين دفع المبلغ الثاني إلى العامل فسخ المضاربة الأولى و إنشاء مضاربة جديدة بالمجموع كانت مضاربة واحدة، و لا يكفي مجرد مزج المالين و الاتجار بمجموعهما في جعلهما مضاربة واحدة.

الفصل الرابع في حصة العامل من الربح
المسألة 84:

إذا ظهر الربح في تجارة عامل المضاربة ملك حصته من الربح على الأقوى، و ان كان المال لا يزال متاعا و عروضا، و لم يصر نقودا، و لا يتوقف ملكه لحصته على قسمة المال، و لكن العامل محجور- على الأقرب- عن بعض التصرفات في حصته من الربح، كما إذا أراد أن يبيع الحصة أو ينقلها الى ملك غيره بصلح و نحوه من العقود اللازمة، فإن حق المالك لا يزال متعلقا به لاحتمال طروء تلف أو خسارة في رأس مال المضاربة بعد ظهور الربح، و للعامل أن يطالب المالك بالقسمة، فإنها لا تمنع

كلمة التقوى، ج 4، ص: 398

من جبر الخسارة بالربح إذا حصلت بعد القسمة ما لم يتحقق فسخ المضاربة كما سيأتي بيان ذلك.

المسألة 85:

إذا طرأ على رأس المال في المضاربة تلف، أو حدث فيه عيب، أو حصلت فيه خسارة، و كان هذا الطاري غير مضمون على أحد، جبر ذلك من الربح الذي يحصل في التجارة، سواء كان الربح سابقا على الخسارة أم لاحقا لها، و سيأتي بيان ذلك ان شاء اللّٰه تعالى، و من اجله كان العامل محجورا عن التصرف في حصته من الربح تصرفا ينافي ذلك و يمنع منه و ان كان مالكا للحصة كما ذكرناه في ما تقدم.

و لا يرتفع هذا الحجر عن العامل حتى تحصل القسمة و يتحقق فسخ المضاربة، و المراد بالقسمة قسمة جميع المال فلا تكفي قسمة الربح وحده، فإذا قسم الربح بين المالك و العامل ثم حصل خسران أو تلف في المال أو أخذت منه نفقة للعامل في سفر، جبر بالربح و ان كان مقسوما.

و لا تكفي قسمة جميع المال إذا لم تفسخ المضاربة، إلا إذا علم ان

القسمة لجميع المال فسخ عملي للمضاربة، فيكون ذلك فسخا مع قسمة، و يرتفع به الحجر عن العامل فتصح له جميع التصرفات في حصته، و إذا حصل بعد ذلك تلف أو عيب لم يجبر من الربح، بل يكون تلف كل شي ء من مال مالكه.

و إذا فسخت المضاربة بين المالك و العامل و لم تقع القسمة، فهل يرتفع بذلك الحجر عن العامل؟ و إذا حدث بعد ذلك تلف أو عيب في المال، فهل يجبر من الربح؟. فيه اشكال، فلا بد في هذا الفرض من مراعاة الاحتياط.

و لا يعتبر في استقرار ملك العامل لحصته و ارتفاع الحجر عنه أن ينض المال، و نض المال هو أن تصير الأجناس و الأمتعة في المضاربة نقودا، فإذا حصلت القسمة و تحقق الفسخ ارتفع الحجر عن العامل

كلمة التقوى، ج 4، ص: 399

في التصرف في حصته و لم يجبر التلف الذي يكون بعد ذلك، بالربح، و ان لم ينض المال بعد.

المسألة 86:

إذا ظهر الربح في تجارة المضاربة، جاز للمالك و العامل أن يتفقا فيقتسما مقدار الربح بينهما، و يبقى مقدار رأس المال بيد العامل لتستمر المضاربة به، فإذا فعلا كذلك، و حدثت خسارة في رأس المال بعد ذلك، فان حصل بعد الخسارة أو قبلها ربح آخر جبرت الخسارة بالربح الجديد، و ان لم تربح المضاربة شيئا أو كان الربح الجديد لا يكفي لجبر الخسارة، كان على العامل أن يرد أقل الأمرين من الحصة التي أخذها من الربح، و ما يصيبه من الخسران.

و إذا طلب العامل قسمة الربح الحاصل بعد ظهوره في المضاربة، و امتنع المالك من قسمته، لم يجبر عليها فلا تصح، و إذا طلب المالك قسمة الربح كذلك و امتنع العامل

أجبر عليها على الأقوى، و إذا حدثت بعد ذلك خسارة في المال جرى الحكم السابق.

المسألة 87:

ذكرنا في المسألة الرابعة و الثمانين: ان العامل يكون مالكا لحصته المعينة له من الربح عند ظهور الربح في مال التجارة، سواء نض المال و صار عينا و نقودا، أم لم يزل متاعا و عروضا، و لكن العامل محجور عن التصرف في الحصة بما ينافي حق المالك كالبيع و الصلح و المعاوضات التي تنقلها الى غيره نقلا لازما فان حق المالك لا يزال متعلقا بالربح.

و نتيجة لذلك، فإذا باع العامل حصته من الربح بعد ظهور الربح، توقفت صحة البيع على اذن المالك قبله أو إجازته بعده، فإذا أذن المالك للعامل ببيع حصته أو أجازه بعد وقوعه صح مع اجتماع شرائط البيع، و إذا خسر مال التجارة بعد ذلك لم يبطل البيع، و وجب على العامل أن يجبر الخسارة من قبله بدفع أقل الأمرين، و هما قيمة الحصة التي باعها من الربح و مقدار نصيبه من الخسارة، و إذا لم يأذن المالك للعامل ببيع حصته و لم يجزه بعد وقوعه ففي صحة البيع إشكال.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 400

المسألة 88:

الخسارة هي النقيصة التي ترد على مال المضاربة في تقليبه و الاتجار به، فإذا اشترى العامل متاعا بثمن ثم باعه بأقل من ذلك الثمن فقد خسر به، و تقابلها النقيصة التي ترد على المال بسبب تلف بعضه بغرق أو حرق أو ما يشبههما، و النقيصة التي ترد عليه بسرقة منه أو غصب، و النقيصة التي ترد عليه بحدوث عيب يوجب نقصان قيمته، و جميع هذه النقائص خسارة بمعناها العام الشامل، و ان كان الذي يسبق إلى الأذهان منها هو المعنى الأول حين تسند الخسارة إلى المال أو الى المعاملة، فإذا قال أحد خسرت المعاملة أو خسر مال

المضاربة سبق الى الذهن نقصان المال بسبب التعامل و المضاربة به.

و لا ريب في ان الخسارة التي ترد على مال المضاربة بالمعنى المذكور يكون الربح جابرا لها، سواء كان حصول الربح متقدما على ورود الخسارة على المال أم كان متأخرا عنه، فإذا خسرت التجارة في الأسبوع الأول عشرين دينارا مثلا، ثم ربحت في الأسبوع الثاني عشرين دينارا، كان الربح اللاحق جابرا للخسارة المتقدمة، فإذا فسخت المضاربة بعد ذلك وجب دفع رأس المال تاما الى مالكه و لم يستحق العامل منه نصيبا، و كذلك إذا ربحت التجارة في الأسبوع الأول ثم خسرت في الأسبوع الثاني، و إذا زاد الربح على مقدار الخسارة استحق العامل حصته المعينة من الزيادة.

المسألة 89:

إذا تلف مال المضاربة جميعا أو تلف بعضه، و كان التلف بعد دوران المال في التجارة بالتعامل به و الأخذ و العطاء، فالظاهر أن هذا التلف يجب جبره بربح التجارة إذا حصل، سواء كان حصول الربح سابقا على التلف أم لاحقا له، فإذا كان رأس المال ألف دينار و دارت التجارة به في الشهر الأول و ربحت ألفا ثم تلف الألف في الشهر الثاني كان الألف الباقي جابرا للتالف كما تقدم في الخسارة، سواء كان التلف بآفة من الآفات أم بإتلاف أجنبي أم بإتلاف العامل نفسه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 401

و إذا كان التلف مضمونا، فدفع الشخص المتلف عوض المال الذي أتلفه كان العوض المدفوع من مال المضاربة فإذا وفى برأس المال لم يحتج الى جبره من الربح.

المسألة 90:

إذا تلف مال المضاربة كله بعد شروع العامل في الاتجار به، فالأقوى بطلان المضاربة، فإذا اشترى العامل سلعا و أمتعة في الذمة، و تلف مال المضاربة قبل أن يدفع الثمن إلى البائع لم يصح الشراء، إلا إذا أجاز المالك، و قد تقدم في المسألة الثالثة و الأربعين ان إطلاق عقد المضاربة انما يقتضي الإذن للعامل في أن يشتري في ذمة المالك من حيث المضاربة، على أن يكون الوفاء من مال المضاربة نفسه لا من أموال المالك الأخرى، فإذا تلف مال المضاربة كما هو المفروض انتفى الاذن بالشراء في الذمة، فلا يكون الشراء صحيحا، و قد تقدم تفصيل ذلك في المسألة المذكورة فلتراجع.

و إذا تلف بعض مال المضاربة بعد الشروع في التجارة، و استمرت المضاربة في بقية المال و حصل الربح جبر التلف بالربح.

المسألة 91:

إذا تلف بعض المال قبل أن يبتدئ العامل في التجارة و استمرت المضاربة في بقية المال و حصل الربح جبر تلف التالف بهذا الربح كما سبق في نظائره.

و إذا تلف جميع مال المضاربة قبل أن يبدأ العامل في الاتجار انفسخ عقد المضاربة بذلك. و إذا أتلف المال أجنبي أو أتلفه العامل، ثم دفع عوض التالف لم تنفسخ المضاربة في هذا الفرض و لا في نظائره مما تقدم، و لم يحتج الى الجبر من الربح إذا كان التالف بعض المال، و يكون العوض المدفوع مالا للمضاربة.

و بحكم التلف ما إذا سرق المال أو نهب أو حدث فيه عيب يوجب نقصان قيمته، فتجري فيه الفروض المتقدمة جميعا و تلحقها أحكامها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 402

المسألة 92:

الأجناس و الأمتعة و العروض التي يشتريها العامل للمضاربة جميعها ملك لمالك المال، سواء اشتراها العامل بمال المضاربة نفسه أم اشتراها بثمن كلي في ذمة المالك أم في ذمة العامل لأنه وكيل عن المالك في أمر المضاربة، و لذلك فلا يصح للمالك أن يشتري شيئا منها، و لا يجوز أن يشتريها وكيل له و ان كان عاملا في مضاربة له أخرى، إلا إذا اشتراها وكيله أو عامله لنفسه لا للمالك أو للمضاربة.

و إذا ظهر الربح في مال المضاربة جاز للمالك أن يشتري حصة العامل من ربح المال، فقد بينا ان العامل يملك حصته عند ظهور الربح، و لذلك فلا مانع من أن يشتريها المالك أو وكيله إذا علم مقدار الحصة، و إذا حدثت بعد ذلك خسارة في مال المضاربة لم يبطل البيع، و وجب على العامل ان يرد أقل الأمرين من الثمن الذي باع به حصته على المالك، و النصيب الذي يلحقه

من الخسارة، كما تقدم في بيع الحصة على غير المالك باذن المالك أو إجازته.

المسألة 93:

يجوز لعامل المضاربة أن يشتري لنفسه من المالك من أموال المضاربة ما شاء، سواء ظهر الربح في المال أم لم يظهر بعد، و إذا كان الشراء بعد ظهور الربح بطل الشراء في مقدار حصة العامل من ربح الشي ء الذي اشتراه خاصة، فإنه قد ملك الحصة فلا يصح له ان يشتري ما هو ملكه، و يصح الشراء في الباقي.

و إذا لم يظهر الربح في المال، فاشترى العامل من مال المضاربة أشياء بأكثر من قيمتها، فظهر الربح في المال بنفس شراء العامل، فالظاهر صحة شرائه، فإنه اشترى مال المالك لا مال نفسه، و انما يملكه العامل بعد ان يملك المالك الثمن بالشراء، و بعد أن يتحقق كونه ربحا.

المسألة 94:

إذا كانت للعامل دار أو أرض مشتركة بينه و بين شخص آخر،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 403

فاشترى العامل حصة شريكه من الدار أو الأرض بمال المضاربة، جاز له أن يأخذ لنفسه بحق الشفعة في الدار أو الأرض المشتراة لأنه شريك فيها، فيحق له أن يشفع في حصة شريكه بمثل ما اشتراها به من الثمن، و هذا إذا كان شراء حصة الشريك من الدار أو الأرض قبل ظهور الربح في مال المضاربة.

المسألة 95:

إذا كانت لمالك المضاربة دار أو أرض مشتركة بينه و بين مالك آخر، فاشترى عامله حصة الشريك منها بمال المضاربة لم يجز للمالك ان يأخذ بحق الشفعة في الحصة المشتراة، فإن الشراء للمضاربة يكون للمالك نفسه، فلا يحق له أن يأخذ بالشفعة ما هو ملكه.

المسألة 96:

الجارية التي يشتريها العامل بمال المضاربة مملوكة لمالك المضاربة فلا يحل للعامل وطؤها لأنها ملك غيره، و إذا ظهر الربح في مال المضاربة ملك العامل حصته من الربح في الجارية فتكون مشتركة بينه و بين المالك، فلا يجوز له وطؤها كذلك، و إذا وطأها كان زانيا في كلتا الحالتين الا مع وجود الشبهة.

و إذا حلل المالك له وطأها قبل أن يظهر الربح جاز له ذلك، و كذلك إذا حللها له بعد ظهور الربح على الأقوى، و ان أصبحت مشتركة بينهما في هذا الحال، فإنه يصح لأحد الشريكين أن يحلل لصاحبه وطء الجارية المشتركة بينهما، و لا يكفي الاذن من المالك به إذا لم يكن بصيغة التحليل، و لا يكفي الاذن و لا التحليل من المالك إذا كان سابقا على شراء الأمة، و مثال ذلك ان يقول للعامل في عقد المضاربة، أذنت لك في أن تشتري جارية من مال المضاربة، و أحللت لك فرجها، فإذا اشترى العامل الأمة بعد ذلك لم يحل له وطؤها، إلا إذا جدد المالك له صيغة التحليل بعد ما ملك الأمة.

و يجوز للمالك ان يطأ الجارية التي اشتراها العامل بمال المضاربة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 404

قبل أن يظهر الربح، فإذا ظهر الربح في المال و استحق العامل الحصة لم يجز للمالك وطء الجارية إلا إذا حللها له العامل كما تقدم.

المسألة 97:

إذا مات عامل المضاربة بطل عقد المالك معه فلا تنتقل المضاربة إلى وارثه من بعده، فإذا تولى الوارث الاتجار بالمال بغير اذن المالك لم تصح معاملاته إذا لم يجزها المالك، و كان ضامنا للمال إذا تلف أو حدث فيه عيب، و إذا أجاز المالك معاملاته التي أجراها في المال و ربح

فيها كان الربح جميعه للمالك و استحق الوارث عليها أجرة المثل.

و اما المعاملات التي أجراها العامل في حياته فيرجع الى المالك في إتمام ما نقص منها، و إذا ظهر الربح في شي ء منها في حياة العامل استحق نصيبه من ربحه و انتقل الى وارثه من بعده، و إذا أراد المالك مضاربة الوارث فلا بد من عقد جديد تجتمع فيه شرائط الصحة في المضاربة.

المسألة 98:

إذا مات مالك المال في المضاربة انتقل المال الى وارثه من بعده، و بطلت المضاربة مع العامل، فلا يجوز للعامل أن يتولى العمل فيها الا بعقد جديد مع الوارث، و يستحق العامل حصته من الربح في الأموال التي ظهر ربحها في حياة المالك، و لا يستحق شيئا في المال إذا لم يظهر ربحه و في المعاملات التي لم تتم في حياة المالك، و إذا رغب الوارث في مضاربة العامل فلا بد لهما من إنشاء عقد جديد تجتمع فيه شرائط المضاربة.

المسألة 99:

إذا فسخ المالك أو العامل عقد المضاربة أو انفسخت المضاربة بينهما لطروء أحد الأسباب التي توجب بطلانها و انفساخ عقدها، كموت أحد المتعاقدين أو عروض الجنون عليه أو تلف مال التجارة في الموارد التي يوجب ذلك انفساخها، و كان الفسخ أو الانفساخ قبل شروع العامل في عمل المضاربة و قبل الدخول في مقدماتها، لم يستحق العامل على المالك شيئا، و لم يستحق المالك عليه شيئا، و لا إشكال في ذلك، و إذا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 405

حصل الفسخ أو الانفساخ بعد أن أتم العامل عمل المضاربة، و قد تحول المال نقودا، فان ظهر في المال ربح اقتسمه المالك و العامل على الوجه الذي اشترطاه بينهما في العقد، و ان لم تربح المضاربة رد العامل رأس المال على مالكه، و لم يستحق العامل على عمله شيئا، و إذا خسرت التجارة لم يكن على العامل من الخسارة شي ء، و ان كان المالك قد شرط عليه في عقد المضاربة أن يشاركه في الخسارة كما يشاركه في الربح، فقد تقدم أن الأقوى عدم صحة هذا الشرط.

و إذا كان قد شرط عليه في العقد أن يدفع له من ماله

ما يتدارك به نصيبا من الخسارة أو جميعها نفذ الشرط و لزم العمل إذا كانت المضاربة باقية، و إذا فسخت المضاربة أو انفسخت كما هو المفروض سقط الشرط، و قد تقدم بيان هذا الشرط و ما قبله في المسألة الثلاثين.

المسألة 100:

إذا اشترط العامل على المالك في ضمن العقد أن يدفع له شيئا إذا لم يحصل في المضاربة ربح، و قبل المالك بالشرط وجب على المالك أن يفي له بهذا الشرط إذا كان عقد المضاربة لا يزال باقيا، و إذا فسخ العقد أو انفسخ كما هو المفروض سقط الشرط و لم يجب على المالك الوفاء به.

المسألة 101:

إذا فسخ العامل عقد المضاربة بعد أن قام بشي ء من عمل المضاربة، و قبل أن يظهر الربح في المال، لم يستحق على المالك شيئا، و لا أجرة له على العمل، و كذلك الحكم إذا فسخ المالك المضاربة أو انفسخت لطروء بعض موجبات الانفساخ و كان ذلك في أثناء العمل و قبل حصول الربح في المال، فلا حصة للعامل و لا أجرة.

المسألة 102:

إذا سافر العامل ليتجر بالمال في سفره، و كان سفره باذن المالك و صرف مبلغا من رأس المال لنفقاته، ثم فسخ العامل عقد المضاربة قبل أن يتجر بالمال أو بعد الشروع في التجارة و قبل حصول الربح في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 406

المال، فلا ضمان على العامل للنفقات التي صرفها على نفسه من المال، و أولى من ذلك بعدم الضمان ما إذا كان الفسخ من المالك.

المسألة 103:

إذا فسخ العامل أو المالك عقد المضاربة و قد شرع العامل في العمل و لم يحصل الربح في المال فلا يجوز للعامل أن يبيع العروض و الأمتعة الموجودة من مال المضاربة بغير اذن المالك، و ان وجد الراغب الذي يمكن أن يزيد في الثمن لرغبته فيحصل الربح في المال، بل و ان كان الراغب عازما على الشراء بأكثر من القيمة، فلا يجوز للعامل البيع في جميع هذه الصور إذا لم يأذن المالك بالبيع، و لا يجبر المالك على البيع و إذا أذن المالك فباع العامل و ربح، أو باعه المالك بنفسه فربح استحق العامل حصته من الربح.

المسألة 104:

إذا فسخت المضاربة أو انفسخت قبل أن يظهر الربح، و طلب المالك من العامل أن يبيع الأمتعة و العروض الموجودة، ليكون رأس المال عينا و نقدا، لم يجب ذلك على العامل، فإذا هو رد على المالك العروض و الأمتعة التي اشتراها باذنه فقد رد اليه ماله.

المسألة 105:

إذا فسخت المضاربة أو انفسخت بعد ما ظهر الربح في المال و ملك العامل حصته و كان في المال عروض و أمتعة فللمالك و العامل ان يتراضيا فيقتسما المال الموجود بينهما، فيدفع الى العامل مقدار حصته عروضا و أمتعة، و يدفع الباقي الى المالك و هو رأس ماله و مقدار حصته عروضا و أمتعة كذلك، سواء كان الفسخ في أثناء عمل المضاربة أم كان بعد إتمام العمل.

و إذا طلب العامل أن تباع العروض و الأمتعة و تجعل نقودا لم يجب على المالك أن يجيبه الى ذلك، و إذا طلب المالك من العامل أن ينض المال الموجود و يجعله نقودا لم تجب على العامل اجابته كذلك، و إذا حصل الفسخ و حصلت القسمة استقر ملك العامل لحصته من الربح

كلمة التقوى، ج 4، ص: 407

و ارتفع عنه الحجر، فإذا حدث بعد ذلك نقص أو تلف أو عيب في المال لم يجب على العامل أن يدفع حصته من الربح ليجبر بها نقصان المال كما تقدم في المسألة الخامسة و الثمانين.

المسألة 106:

إذا فسخت المضاربة أو انفسخت و كانت في مال المضاربة ديون على الناس وجب على العامل أخذها و جبايتها من المدينين على الأحوط، ان لم يكن ذلك هو الأقوى، و خصوصا إذا كان الفاسخ هو العامل، و خصوصا إذا كانت الديون بغير اذن المالك.

المسألة 107:

إذا مات مالك المضاربة أو مات العامل فيها انفسخت المضاربة كما بينا في المسألة الثامنة و التسعين و ما بعدها، و ثبت لوارثهما بالموت جميع ما ذكرناه للمورث من الأحكام بعد حصول الفسخ أو الانفساخ و ينتفى عن الوارث ما قلنا بنفيه عن الميت المورث.

المسألة 108:

إذا فسخت المضاربة أو انفسخت وجب على العامل أن يرد مال المضاربة إلى مالكه، و المدار في ذلك على ما يصدق معه انه قد رد المال الى مالكه في نظر أهل العرف، و لا يكتفى بمجرد التخلية بين المالك و ماله على الأحوط، و إذا توقف رد المال الى صاحبه على دفع أجرة أو بذل مال لم يجب ذلك على العامل بل يكون على صاحب المال.

المسألة 109:

إذا سافر العامل بمال المضاربة إلى بلد آخر و كان سفره بغير اذن المالك، ثم حصل الفسخ أو الانفساخ، وجب على العامل رد المال، و إذا توقف رد المال على دفع أجرة أو بذل مال وجب ذلك على العامل و إذا تلف المال أو نقص أو حدث فيه عيب قبل وصوله الى المالك كان العامل ضامنا له، فإنه بحكم الغاصب شرعا و ان كان جاهلا بعدم جواز السفر بالمال إذا لم يأذن له المالك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 408

المسألة 110:

إذا أوقع المالك و العامل مضاربة فاسدة، و سارا في العمل عليها، فأخذ العامل المال من المالك و اتجر به و ربح، فالمعاملات التي أجراها العامل بالمال صحيحة، لوجود الاذن بها من المالك، و لا يضر في صحة الاذن و لا في إطلاقه أنه وقع في مضاربة فاسدة، الا أن تدل قرينة خاصة على ان اذن المالك للعامل بإيقاع المعاملات في ماله مقيد بالمضاربة، فإذا دلت القرينة على هذا التقييد كان الاذن باطلا لبطلان المضاربة فلا تصح المعاملات حين ذاك من العامل إلا إذا أجازها المالك، و إذا بطلت المعاملات لعدم الاذن بها و عدم الإجازة من المالك وجب رد الأموال إلى بائعها و الأثمان إلى المشتري و لا تتحقق الأرباح.

و إذا حصل الاذن كما أوضحناه لعدم القرينة على التقييد، أو حصلت الإجازة بعد ذلك من المالك صحت المعاملات، فإذا ربحت كان الربح جميعه لمالك المال.

و لا فرق في جريان هذه الأحكام بين أن يكون المالك و العامل جاهلين بفساد المضاربة و ان يكونا عالمين به و أن يكون أحدهما عالما بالفساد و يكون الآخر جاهلا به.

و يستحق العامل على المالك أجرة المثل لعمله في جميع

الصور المذكورة، فإن المالك قد استوفى من العامل منفعة العمل بأمره، فلا يسقط حقه من الأجرة و ان كان عالما بفساد المعاملة، إلا إذا علم بأن العامل قد قصد التبرع بعمله، و علمه بفساد المعاملة لا يدل على ذلك.

و لا يضمن العامل تلف المال و لا نقصه إذا تلف بيده أو نقص في جميع الصور المذكورة، و يستثنى من ذلك ما إذا سافر العامل بالمال و أنفق على نفسه من المال في سفره، فإنه يكون ضامنا للنفقة فيجب عليه دفع بدلها الى المالك.

المسألة 111:

إذا مات العامل و كان عنده مال المضاربة فهاهنا صور متعددة و لكل صورة حكمها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 409

الصورة الأولى: أن يعرف مال المضاربة بعينه و يتميز عن بقية أموال التركة، و حكم هذه الصورة واضح، فمال المضاربة لمالكه خاصة و لا شي ء منه لورثة العامل، إلا إذا علم أن في مال المضاربة ربحا، و ان للعامل حصة من الربح لم يقبضها في حياته، فان حصته تعود ميراثا لورثته، فتقسم الحصة عن بقية المال، و تضم إلى أموال التركة ليرثها الورثة.

المسألة 112:

الصورة الثانية: أن يعلم بأن مال المضاربة موجود في ضمن الأموال التي تركها العامل من بعده و لا يعرف بعينه من بقية الأموال، و الحكم في هذه الصورة ان مال المضاربة إذا امتزج بمال التركة حتى انتفى التمييز بين المالين، كان مالك المضاربة شريكا لورثة العامل الميت في الأموال المتروكة بنسبة ماله من المجموع، فإذا كان مال المضاربة ألف دينار مثلا و كان مال التركة ألفي دينار، و قد امتزج الجميع فلم يتميز بعضه عن بعض، كان لمالك المضاربة ثلث الأموال الموجودة، و احتاج في تمييزه إلى القسمة مع الورثة.

و ان لم يمتزج المال بالمال حتى تحصل الشركة، و لكنه اشتبه بعضه ببعض فلم يمكن تعيينه، رجع في تعيين مال المالك عن مال التركة إلى القرعة أو الى المصالحة بين المالك و الوراث.

و ان لم يعلم شي ء من ذلك كان لمالك المضاربة أسوة الغرماء ان وجدوا، فيأخذ مقدار ماله إذا وفت التركة بالديون أو زادت عليها، و يقتسم مع بقية الغرماء مال التركة بنسبة ماله من مجموع الديون إذا ضاقت التركة عن الوفاء بالديون.

المسألة 113:

الصورة الثالثة: ان يعلم بأن مال المضاربة لا يوجد في أموال التركة و لا في يد الميت، فلعل عامل المضاربة قد رد المال الى مالكه قبل أن يموت، و لعل المال قد تلف في يد العامل و هو حي بتفريط منه أو بدون تفريط، و الحكم في هذه الصورة عدم الضمان، فلا شي ء على ورثة العامل، و تعود التركة الموجودة كلها ميراثا لهم.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 410

المسألة 114:

الصورة الرابعة: أن يعلم بأن مال المضاربة قد بقي في يد العامل الى وقت موته، ثم لا يعلم هل المال موجود في جملة أموال التركة أولا، فلعل العامل أودع المال في مكان مجهول، و لعله دفعه وديعة إلى شخص آخر و الحكم في هذه الصورة موضع اشكال، فمقتضى العلم الإجمالي بأن بعض ما في يد العامل حين موته هو مال غيره أن يسقط اعتبار يده في جميع المال المتروك من بعده، فلا تدل يده على انه مالك للمال، و نتيجة لذلك فلا يجوز للورثة أن يتصرفوا في التركة حتى يتخلصوا من مال مالك المضاربة و ينحل العلم الإجمالي المذكور.

المسألة 115:

الصورة الخامسة: أن يعلم بأن مال المضاربة قد بقي في يد العامل الى حين وقت موته و يعلم كذلك بأن مال المضاربة غير موجود في جملة أموال التركة.

الصورة السادسة: أن يشك في أن مال المضاربة بقي في يد العامل الى حين موته أو لم يبق في يده، و الأقوى في هاتين الصورتين عدم الضمان، إلا إذا ثبت تفريط العامل، فلا شي ء على الورثة، و يكون المال المتروك كله ميراثا لهم.

الفصل الخامس في جملة من أحكام المضاربة
المسألة 116:

إذا خسر المال أو تلف، فادعى مالك المال انه قد دفعه الى العامل قرضا، و لازم دعواه هذه ان العامل مدين له بالمال الذي اقترضه و عليه أن يؤدي إليه عوضه، و ان العامل لا يستحق على عمله في المال أجرة، فإن المال قد أصبح ماله بسبب القرض، و لا أجرة له على العمل بماله، و أنكر العامل ذلك و ادعى ان المعاملة بينه و بين المالك كانت مضاربة فاسدة، و لازم قوله هذا انه يستحق على المالك أجرة العمل له في المال

كلمة التقوى، ج 4، ص: 411

لأن العمل له و بطلت منه، و انه لا ضمان على العامل لخسارة المال أو تلفه لأنه أمين و ان كانت المضاربة فاسدة، فلا يكون ضامنا، فيكون ذلك من التداعي بين المالك و العامل و الحكم في التداعي هو التحالف.

فإذا حلف كل واحد منهما على نفي دعوى الآخر سقطت الدعويان معا، و كان على العامل ضمان المال و لم يستحق العامل على المالك شيئا، إذا لم يحرز بوجه من الوجوه ان عمله كان باذن المالك و بطلب منه ليستحق عليه أجرة المثل.

المسألة 117:

إذا ربح المال، فادعى مالكه ان المعاملة بينه و بين العامل كانت مضاربة فاسدة و لازم دعوى المالك هذه أن جميع ربح المال له خاصة، و لا حصة للعامل من الربح و انما يستحق عليه أجرة المثل لعمله بالمال، و أنكر العامل ذلك، و ادعى أن المالك قد دفع المال اليه قرضا، و لازم قوله هذا ان جميع الربح للعامل، فإنه مالك المال بسبب القرض فيكون ربح ماله له، و لا شي ء للمالك سوى عوض دينه، فيكون ذلك من التداعي بينهما، و الحكم فيه هو

التحالف.

فإذا تحالفا على الوجه المتقدم ذكره سقطت الدعويان معا، و كان على العامل أن يدفع جميع المال و جميع ربحه للمالك، و في استحقاق العامل أجرة المثل لعمله إشكال، فإن المالك قد ادعى ان المعاملة مضاربة فاسدة، و العامل في المضاربة الفاسدة يستحق أجرة المثل لعمله، فالمالك يعترف للعامل بذلك في ضمن دعواه، و لكن العامل نفسه قد أنكر استحقاقه للأجرة لما ادعى انه ملك المال بالقرض، فلا تكون له أجرة على عمله بماله، و يكون المقام من صغريات ما إذا تعارض إقرار المقر مع إنكار المقر له، و لا يترك الاحتياط فإنهما متفقان على أن مقدار أجرة المثل قد استحقها العامل اما لأنه عامل مضاربة فاسدة و اما لأنه قد استحقها مع بقية المال بالقرض.

المسألة 118:

إذا ربح المال، فادعى مالك المال أنه قد دفعه الى العامل بضاعة يتجر

كلمة التقوى، ج 4، ص: 412

له بها، و لازم هذه الدعوى ان العامل لا يستحق على المالك شيئا، لا حصة من الربح و لا أجرة على العمل، و هذا بناء على انه هو الحكم في عامل البضاعة، و لازم هذه الدعوى أيضا ان جميع الربح يكون لمالك المال، و أنكر العامل ذلك و ادعى ان المعاملة بينه و بين المالك كانت مضاربة فاسدة، فتكون له أجرة المثل لعمله، و الحكم في ذلك هو التحالف فإنه من التداعي.

فإذا تحالف المالك و العامل سقطت الدعويان، و كان المال و ربحه كله للمالك لاتفاق الطرفين على ذلك و ثبتت للعامل أجرة المثل لعمله، فان المالك قد استوفى منه منفعة عمله سواء كانت المعاملة بضاعة أم مضاربة فاسدة.

المسألة 119:

إذا ادعى أحد الرجلين انه قد دفع الى الآخر مبلغا من المال مضاربة ليتجر به و أنكر الآخر ذلك، فالقول قول المنكر مع يمينه، الا ان يثبت المدعي صدق قوله بإقامة البينة على ما يدعي.

المسألة 120:

إذا اختلف المالك و العامل في مقدار رأس المال الذي دفعه المالك الى العامل، فادعى أحدهما أنه ألف دينار مثلا و ذكر الآخر أن مقداره تسعمائة دينار فقط و أنكر الزيادة، فالقول قول من ينكر الزيادة مع يمينه.

المسألة 121:

إذا اختلف المالك و العامل في المضاربة بينهما فادعى أحدهما أنها ربحت و أنكر الآخر حصول الربح فيها فالقول قول العامل مع يمينه سواء كان هو الذي ادعى وجود الربح أم ادعى عدم حصوله، و كذلك إذا اختلفا في مقدار الربح، أ هو خمسون دينارا مثلا أم هو ثمانون، فالقول قول العامل مع يمينه سواء ادعى الزيادة أم النقيصة، و مثله ما إذا قال العامل ربحت عشرين ثم خسرت عشرين فذهب الربح، فيصدق قوله في جميع ذلك مع يمينه لأنه أمين.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 413

المسألة 122:

إذا تنازع العامل مع المالك، فادعى العامل ان المال قد تلف في يده، و لازم قوله ان مالك المال لا يستحق عليه شيئا، لأنه غير ضامن لما يتلف، و أنكر المالك تلف المال، فعلى العامل ان يدفعه اليه، فالقول قول العامل لأنه أمين فيصدق قوله مع يمينه، و كذلك إذا ادعى العامل خسارة التجارة أو ادعى عدم ربحها و أنكر المالك ما يدعيه، و إذا كان المالك قد أذن للعامل بالبيع في الذمة، فباع كذلك، ثم ادعى انه طالب المشترين بما في ذممهم من أثمان المبيعات فلم يوفوا ديونهم و أنكر المالك ذلك، فيقدم قول العامل مع يمينه في جميع ذلك سواء كانت الدعوى قبل فسخ المضاربة أم كانت بعده، و حتى إذا ادعى حدوث تلف المال بعد فسخ المضاربة.

المسألة 123:

إذا تلف مال المضاربة في يد العامل فادعى المالك ان العامل قد خان الأمانة أو فرط في حفظها فتلف المال، فيكون ضامنا للتلف، و أنكر العامل الخيانة و التفريط، فالقول قول العامل مع يمينه.

و إذا ادعى المالك على العامل انه قد خالف شرطا اشترطه عليه في العقد، فيكون ضامنا للتلف، فان كان الشي ء الذي فعله العامل وعده المالك بسببه مخالفا لشرطه مما يجوز للعامل فعله و يكون الاذن فيه محرزا بحسب القرائن الخاصة أو العامة و المتعارف بين أصحاب المعاملات من أمثالهما و بحسب إطلاق العقد، كالبيع و الشراء من رجل معين أو لجنس معين أو في وقت معين، و ادعى المالك انه قد شرط على العامل ما يخالف ذلك، فعلى المالك إثبات دعواه و إذا لم يقم على ما يدعيه بينة فالقول قول العامل المنكر لذلك مع يمينه.

و إذا كان الشي ء الذي فعله العامل

مما لا يجوز فعله و لا يكون إطلاق العقد دالا على الاذن فيه كالسفر بمال المضاربة و كالبيع نسيئة، فادعى العامل ان المالك قد اذن له بذلك و أنكر المالك الاذن فالقول قول المالك المنكر له مع يمينه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 414

المسألة 124:

إذا اختلف المالك و العامل في مقدار حصة العامل من الربح أ هي النصف مثلا أم الثلث؟.

فالقول قول منكر الزيادة، و هو المالك غالبا.

المسألة 125:

إذا أوقع المتعاقدان عقد المضاربة ثم اختلفا بعد ذلك فادعى أحدهما صحة المضاربة، و ادعى الثاني بطلانها، فالقول قول من يدعي الصحة مع يمينه.

المسألة 126:

إذا فسخت المضاربة بين المتعاقدين و ادعى العامل انه رد مال المضاربة إلى مالكه و أنكر المالك الرد فالقول قول المالك مع يمينه.

المسألة 127:

إذا فسخت المضاربة و قبض المالك جميع المال ثم ادعى المالك انه قد دفع حصة العامل من الربح اليه، و أنكر العامل ذلك فالقول قول العامل مع يمينه.

المسألة 128:

إذا اشترى العامل شيئا و ادعى انه قد اشتراه لنفسه، و ادعى المالك انه اشتراه للمضاربة فالقول قول العامل لأنه أمين فيصدق قوله مع يمينه و لأنه أبصر بنيته، و مثله ما إذا اشترى شيئا و ادعى انه اشتراه للمضاربة، و أنكر المالك و ادعى انه اشتراه لنفسه، فيقدم قول العامل مع يمينه.

المسألة 129:

إذا مات مالك المال و انفسخت المضاربة لموته كما تقدم في المسألة الثامنة و التسعين، و بقي المال في يد العامل لبعض الأعذار فهو لا يزال أمينا على المال إذا لم تقع منه خيانة و لا تفريط و لا تقصير في رد المال إلى أهله ما أمكن، فلا ضمان عليه إذا تلف المال في يده أو نقص منه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 415

شي ء أو حدث فيه عيب، و كذلك إذا انفسخت المضاربة بأحد الأسباب الأخرى الموجبة للانفساخ فلا ضمان على العامل.

المسألة 130:

إذا اشترط عامل المضاربة على مالك المال في ضمن العقد ان لا يكون الربح جابرا للخسارة التي تحصل في التجارة، فإذا حصل أي ربح في المال اقتسماه بينهما و ان خسرت التجارة قبل حصول الربح أو بعده، ففي صحة هذا الشرط اشكال.

و كذلك إذا اشترط عليه أن لا يكون الربح جابرا للخسارة التي تحصل قبله فقط، أو لا يكون جابرا للخسارة التي تحصل بعده فقط، فيشكل الحكم بصحة هذه الشروط في المضاربة.

و إذا أوقعا بينهما معاملة أخرى مستقلة غير المضاربة، و اشترطا فيها تلك الشروط صحت المعاملة و نفذت الشروط بمقتضى عمومات الوفاء بالعقود، و لا تترتب عليها آثار المضاربة.

المسألة 131:

لا يشترط في مال المضاربة أن يكون عينا مشخصة في الخارج، فيجوز للمالك أن يضارب العامل بمبلغ كلي يكون في الذمة أو بمبلغ كلي في المعين، و مثال ذلك أن يضاربه بألف دينار في ذمة المالك أو بألف دينار من المال المعين الموجود في الصندوق، ثم يعين المالك فردا من الكلي و يدفعه للعامل ليعمل فيه، و لعل الغالب من المضاربات التي تقع بين الناس في هذه الأزمان من هذا القبيل.

المسألة 132:

تقدم في المسألة السادسة انه يشترط في كل واحد من المتعاقدين أن يكون عاقلا و ان يكون غير محجور عليه لسفه، و هذان الشرطان معتبران في صحة المضاربة في ابتدائها في ابتدائها و في بقائها، فإذا عرض للمالك أو للعامل الجنون المطبق أو السفه الذي يوجب الحجر من التصرفات بطلت المضاربة بذلك.

و إذا عرض لأحدهما الجنون أدوارا أشكل الحكم ببطلان عقد المضاربة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 416

بسبب ذلك، نعم يكون ذلك مانعا له من التصرف في ساعات جنونه، و المسألة مشكلة لا يترك فيها الاحتياط.

و قال الأصحاب قدس سرهم تبطل المضاربة أيضا بعروض الإغماء للمالك أو للعامل، و لهذا الحكم وجه إذا استمر الإغماء مدة طويلة ذهب فيها شعوره و منعته من التصرف، و اما إذا كانت المدة قصيرة، فيشكل الحكم بالبطلان، كما في الجنون غير المطبق، و لا يترك الاحتياط.

المسألة 133:

تصح المضاربة من المالك إذا أوقعها و هو في مرض موته، فإذا اتجر العامل بمال المضاربة و ربح، استحق حصته من الربح و ان كانت الحصة أكثر من أجرة المثل، و لا إشكال في ذلك بناء على نفوذ منجزات المريض من أصل التركة كما هو المختار.

المسألة 134:

اشترط جماعة من الأكابر في صحة المضاربة أن تكون منجزة، فلا تكون عندهم صحيحة إذا علقها الموجب على حصول شي ء يتوقع حصوله، سواء كان الشي ء الذي علقت عليه متيقن الوقوع في ما يأتي أم كان محتمل الوقوع و عدمه، و مثال الأول أن يقول المالك للعامل: إذا جاء يوم الفطر ضاربتك بألف دينار لتتجر به، و مثال الثاني أن يقول له: إذا شفى اللّٰه زيدا من مرضه ضاربتك، و مثله ما إذا علق المضاربة على أمر حاصل و هو لا يعلم بحصوله، و مثال ذلك أن يقول للعامل: إذا كان أبي قادما من سفره ضاربتك بألف دينار، و كان أبوه قادما من سفره و هو لا يعلم به، و قد ادعى الإجماع على الحكم المذكور و المسألة مشكلة لعدم الدليل على ذلك سوى هذه الدعوى، و الأحوط استحبابا مراعاة هذا الشرط.

المسألة 135:

إذا اشترط العامل على المالك أن يضاربه، و كان اشتراطه ذلك عليه في ضمن عقد لازم وجب على المالك أن يفي له بما شرط، و كذلك إذا اشترطه المالك على العامل، أو اشترط أحدهما على الآخر أن يضارب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 417

زيدا و هو غيرهما، فيكون ذلك الغير هو الذي اشترطت المضاربة معه، فيجب على المشروط عليه أن يفي بالشرط في جميع هذه الصور.

و لا يكفي في الوفاء بالشرط أن يعقد معه المضاربة ثم يفسخها بعد ذلك، فان الظاهر أن العقلاء و أهل العرف لا يقصدون في هذا الشرط و مثله مجرد اجراء عقد المضاربة، ليصح فسخه بعد إيقاعه، بل لا بد من الجري عليه بعد العقد، و لذلك فالأحوط أن تذكر للمضاربة المشترطة بينهما مدة معينة.

المسألة 136:

إذا ضارب أحد عاملا بمبلغ معين من المال و دفعه اليه ليتجر به، ثم ظهر ان رأس المال المدفوع اليه مملوك لغير من ضاربه، فان كان المال موجودا جاز لمالكه أن يأخذه، و يجب على العامل أن يرد المال اليه، و إذا تلف المال جاز للمالك ان يأخذ عوض ماله التالف من كل من منشئ المضاربة و العامل، و يتخير في الرجوع به على أيهما شاء، فإذا هو رجع بالعوض على العامل و كان جاهلا بالأمر، رجع العامل على من ضاربه بما غرمه المالك، و إذا رجع بالعوض على منشئ المضاربة رجع منشئ المضاربة بالغرامة على العامل إذا كان العامل عالما بالحال و كان التلف بيده، و لا يرجع عليه بشي ء إذا كان جاهلا بالحال أو لم يكن التلف في يده، و يجوز لمالك المال أن يجيز المضاربة الواقعة على ماله فتكون المضاربة له و يكون

الربح مشتركا بينه و بين العامل، و تراجع المسألة الحادية و الثمانون في ما يتعلق بذلك، و لا فرق في المضارب بالمال بين أن يكون غاصبا للمال أو جاهلا يعتقد بأنه هو المالك له.

المسألة 137:

لا يلحق الخسران حكم التلف في المسألة المتقدمة، و ذلك لأن الخسران انما يتحقق إذا اشتريت السلعة بثمن معين ثم بيعت بأقل من ثمنها الذي اشتريت به، و من الواضح ان شراء السلعة ثم بيعها لا يكونان صحيحين إلا بإذن مالك المال أو بإجازته بعد البيع، و إذا اذن المالك أو أجاز ذلك نفذ الشراء و البيع له، فلا يكون له حق الرجوع على احد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 418

بخسارة المال إذا خسر، كما انه يختص بجميع ربح المال إذا ربح، و إذا لم يأذن المالك و لم يجز بطلت المعاملة و كان له جميع المال لا خصوص الخسارة.

المسألة 138:

يصح للأب و للجد أبى الأب أن يضارب أحدا للعمل بمال الصغير أو المجنون الذي اتصل جنونه بصغره، فيجري مع العامل عقد المضاربة بمال المولى عليه، و يجعل للعامل حصة معينة من ربح ماله و للمولى عليه الحصة الأخرى، و يصح ذلك للوصي القيم على مال الصغير إذا اقتضت المصلحة فعل ذلك و أمن من تلف المال.

و يجوز للأب أو الجد أن يأذن لنفسه بحسب ولايته على المال بالاتجار بمال المولى عليه بحصة معينة يستحقها من ربح المال، فيتولى بنفسه العمل بالمال، و يتملك الحصة، و يكفي في صحة ذلك الاذن في قصده و نيته.

و يشكل ان يجري بنفسه مع نفسه عقد المضاربة بمال المولى عليه فيكون هو الموجب و القابل في العقد، و هو مشكل، و يتخلص من هذا الاشكال بالتوكيل عن أحد الطرفين، و كذلك الحال في الوصي فيصح فيه جميع ما تقدم.

المسألة 139:

يجوز للأب و للجد أبى الأب أن يوصي الى وصيه القيم بأن يضارب عاملا غيره بمال المولى عليه، فينشئ الوصي مع العامل عقد المضاربة و يدفع اليه مبلغا من مال المولى عليه ليتجر به بحصة من الربح يعينها الولي الموصى أو الوصي القيم.

و يجوز لأحدهما أن يوصي الوصي بأن يعقد لنفسه المضاربة بمال المولى عليه فيكون الوصي نفسه هو العامل، و يتخلص من اشكال اتحاد الموجب و القابل بالتوكيل عن أحد الطرفين.

و يجوز للأب أو الجد أن يوصي إلى الوصي بأن يعقد المضاربة بحصة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 419

المولى عليه من ميراث الموصى نفسه، فيعقد الوصي المضاربة بالمال المذكور لنفسه أو مع عامل غيره كما سبق في الفرض المتقدم.

المسألة 140:

إذا أوصى الإنسان بثلث تركته بعد موته لينفق في مصارف عينها في وصيته، و عزل الثلث، فيصح له أن يوصي الى وصيه بأن يدفع الثلث المعين مضاربة إلى عامل غيره ليتجر به بحصة من الربح للعامل و ينفق الوصي حصة الميت من الربح في مصارف الثلث المعينة في الوصية.

و يجوز له أن يوصي إلى الوصي بأن يتجر هو بالثلث بحصة معينة له من الربح و يفعل بحصة الميت كما تقدم.

المسألة 141:

يكره للمسلم أن يضارب الذمي أو يبضعه بضاعة، سواء كان يهوديا أم نصرانيا أم مجوسيا و سواء كان الذمي هو العامل في المضاربة أم كان هو مالك المال، إلا إذا كان المسلم حاضرا في أوقات التجارة، حذرا من أن يرتكب الذمي في معاملاته مالا يجوز في الإسلام.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 421

الشركة و أحكامها

اشارة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 423

الشركة و أحكامها

[مسائل]
المسألة الأولى:

الشركة هي أن يكون شي ء واحد لشخصين أو لأكثر على نحو الإشاعة، فليس من الشركة أن يكون بعض الحجر المعينة من الدار مملوكة لشخص و البعض الآخر مملوكة لغيره، و ليس من الشركة أن تكون أرض الدار مملوكة لأحد و بناؤها مملوكا لآخر، أو يكون آجرها مملوكا لإنسان و يكون حديدها و خشبها مملوكين لغيره فلا بد في تحقق الشركة من الإشاعة.

و الشي ء المشترك فيه قد يكون عينا من الأعيان كالدار و الأرض يشتريها الرجلان من مالكها على وجه الإشاعة بينهما، أو تنتقل إليهما بالإرث من مورثهما، و قد يكون دينا كما إذا أقرض المالكان شخصا مبلغا من المال مشتركا بينهما فيصبح الشخص مدينا لهما معا و يكون الدين في ذمته مشتركا بينهما، و كما إذا اشترى منهما سلعة أو متاعا مشتركا بينهما بثمن في ذمته، و قد يكون منفعة كما إذا استأجر الرجلان دارا للسكنى فيها مدة معينة، فتكون سكنى الدار في المدة المعلومة مشتركة بينهما، و قد يكون حقا من الحقوق، كما إذا صالحهما صاحب الحق عن حق تحجيره للأرض، أو ورثا الحق فانتقل إليهما من مورثهما.

المسألة الثانية:

سبب حدوث الشركة قد يكون أحد العقود التي توجب انتقال الشي ء إلى الشريكين على نحو الإشاعة كالبيع و الصلح و الهبة، و قد ذكرنا في المسألة السابقة بعض الأمثلة لذلك، و قد يكون أحد العقود التي توجب انتقال حصة مشاعة من الشي ء إلى الشخص، فيصبح بعد تملكه للحصة شريكا في ذلك الشي ء كما إذا باعه المالك نصف الدار أو ملكه إياه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 424

بالصلح، أو دفعه الى المرأة صداقا أو غير ذلك من العقود المملكة و قد يكون السبب إرثا من مالك واحد

كما إذا مات الأب فورث ولداه داره، أو ورثا منه حقه في أرض حجرها، أو دينه في ذمة مدينة، أو منفعته المملوكة له في دار أو محل استأجره.

و قد يكون السبب حيازة، كما إذا اشترك الشخصان في إحياء أرض موات أو في حفر بئر أو إخراج عين أو في اصطياد سمك أو غير ذلك من الحيازة المشتركة للشي ء الواحد.

و قد يكون السبب امتزاج مال أحدهما بمال الآخر امتزاجا تاما بحيث لا يتميز أحد المالين عن الآخر، كما إذا امتزج الماء بالماء و الدهن بالدهن.

المسألة الثالثة:

إذا امتزج المائعان المتجانسان امتزاجا تاما بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر في نظر الناس، كما إذا امتزج الماء بالماء، أو الخل بالخل أو الدهن بالدهن، حصلت الشركة الواقعية على الأقوى بين مالكي المائعين، بل تحصل الشركة الواقعية حتى إذا اختلف صنف المالين كما إذا امتزج دهن الحيوان بدهن النبات، و دهن اللوز بدهن الجوز بل و الخل بالدبس، فضلا عن أن يمتزج دهن البقر بدهن الغنم، و كذلك إذا امتزجت الأدقة بعضها ببعض، كما إذا امتزج دقيق الحنطة بدقيق الحنطة أو بدقيق الشعير، فان المالين بسبب هذا الامتزاج و عدم إمكان التمييز يكونان مالا واحدا في نظر العقلاء و تحصل فيه الشركة الواقعية بين المالكين.

المسألة الرابعة:

إذا امتزجت الحبوب الناعمة بجنسها كالسمسم بالسمسم و الدخن بالدخن و أمثالهما تحققت فيها الشركة الحكمية، و معنى ذلك انه تجري على المال المختلط أحكام المال المشترك واقعا، فتصح قسمته و يكون موردا للشركة العقدية التي سيأتي بيانها ان شاء اللّٰه تعالى، و أمثال ذلك من أحكام الشركة الواقعية في المال.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 425

و كذلك إذا اختلطت الحنطة بالحنطة و اختلط الشعير بالشعير، و الجوز بالجوز و اللوز باللوز، و الدراهم بالدراهم، و الدنانير بالدنانير و كانت متماثلة في الصفات أو متقاربة فيها، بحيث ينتفي الامتياز بينهما عرفا، فتتحقق فيها الشركة الحكمية، و تجري فيها أحكام الشركة الواقعية كما ذكرناه.

المسألة الخامسة:

إذا اختلط المال بالمال من جنسه و كانا مختلفين في الوصف، كما إذا امتزجت الحنطة الحمراء بالحنطة الصفراء، أو اختلط المال بغير جنسه، فالأحوط لزوما التخلص بالمصالحة، و إذا أراد المالكان أن يجريا بينهما الشركة العقدية في هذا المال المختلط، فالأحوط لهما أن يصالح أحدهما صاحبه عن بعض احد المالين ببعض المال الآخر حتى تحصل الشركة الواقعية بين المالين، ثم يجريا عقد الشركة.

المسألة السادسة:

إذا اختلط المالان بعضهما ببعض و كانا من القيميات كالثياب و الغنم و الدواب المتشابهة في الصفات، فلا يكون اختلاط المالين موجبا للشركة، بل يكون من المال المشتبه فيرجع في تمييزه إلى القرعة أو الى المصالحة بين المالكين.

المسألة السابعة:

قد تحصل الشركة بين الرجلين بتشريك أحدهما صاحبه في المال بعد أن يشتريه، فإذا اشترى السلعة و طلب منه صاحبه أن يشركه فيها، فقال له شركتك فيها بالنصف مثلا، و دفع له صاحبه نصف الثمن، ملك نصف السلعة، و هكذا إذا شركة فيها بالثلث أو بالربع و دفع له ثلث الثمن، أو ربعه، و قد يكون الطالب للتشريك هو المشتري، و مثال ذلك أن يشتري الرجل السلعة و لا يكون لديه ثمنها، فيقول للآخر ادفع عني ثمن السلعة و اشركك في نصفها مثلا، فإذا دفع صاحبه الثمن و شركه المشتري في السلعة أصبح شريكا له في السلعة، بالحصة التي اتفقا عليها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 426

المسألة الثامنة:

إذا باع المالك على المشتري منا من الصبرة، ملك المشتري هذا المقدار الكلي في ضمن الصبرة المعينة، و لكن المالك و المشتري لا يكونان شريكين في الصبرة لذلك، و لا تترتب عليهما أحكام الشركة، فإذا أراد المالك أن يبيع منا معينا من الصبرة على مشتر آخر، جاز له ذلك و لا يلزمه أن يستأذن المشتري الأول في البيع على الثاني، و إذا كان المبيع الثاني كليا و أراد المالك أن يزن للمشتري الثاني مقدار المن الذي اشتراه جاز له ذلك و لم يجب عليه أن يستأذن المشتري الأول في افراز المبيع عن المجموع، و إذا باع المالك بعض الصبرة بأكثر من الثمن الأول لم يدخل في المبيع شي ء من المن الذي يملكه المشتري الأول، و لم يستحق شيئا من الربح.

و إذا تلف من الصبرة مقدار، لم يسقط من حق المشتري الأول شي ء كما يسقط من المال المشترك، فيجب على مالك الصبرة أن يدفع له مقدار المن تاما من بقية

الصبرة إذا طلب منه افراز ماله، الى غير ذلك من لوازم الشركة و أحكامها.

المسألة التاسعة:

إذا تحققت الشركة بين الشخصين أو الأشخاص بأحد الأسباب الموجبة لحدوثها، لم يجز لبعض الشركاء أن يتصرف في المال المشترك إلا إذا رضي بقية الشركاء بتصرفه، و إذا أذن أحد الشريكين لصاحبه بالتصرف في المال جاز للمأذون ذلك و لم يجز للآذن إلا إذا رضي المأذون بتصرفه أيضا.

و إذا أذن الشريك في نوع من التصرف أو حدد له حدا أو شرطه بشرط، فلا يسوغ للمأذون أن يتجاوز عن النوع المأذون به من التصرف، و لا عن حده، و لا عن شرطه، فإذا قال له اسكن الدار في شهر رمضان لم تجز له السكنى فيها في غير الشهر، و إذا قال له اسكن الدار مع زيد لم يجز له أن يسكنها منفردا أو مع غير زيد و إذا قال له اسكن الدار تناول الاذن أن يسكن معه في الدار من جرت العادة بإسكانه معه من أهله و عائلته و أولاده التابعين له، و زواره و ضيوفه، الا أن يصرح

كلمة التقوى، ج 4، ص: 427

له الشريك بالمنع أو التحديد، أو تقوم القرائن الخاصة على ذلك.

المسألة العاشرة:

إذا كان الاشتراك في شي ء تابع للدار كالبئر و الدهليز و الطريق غير النافذ و العين الخاصة بين الدارين، لم يجب على الشريك أن يستأذن من شريكه في التصرف المتعارف فيه كالأخذ من ماء البئر و العين، و العبور في الطريق أو الدهليز.

المسألة 11:

إذا تعاسر الشريكان في الدار أو الأرض أو المحل فمنع أحدهما من جميع التصرفات فيها، و أدى ذلك الى الضرر أو احتمل وقوع الضرر احتمالا يعتد به، رجع في حل المشكلة إلى الحاكم الشرعي.

المسألة 12:

الشركة العقدية في مصطلح الفقهاء (قدس سرهم) هي أن يتعاقد شخصان على المعاملة بمال مشترك بينهما، فإذا تم العقد و جرت المعاملة حسب اتفاقهما و ربح المال فيها كان الربح مشتركا بينهما على نسبة حصتيهما من المال، و إذا خسرت المعاملة كانت الخسارة موزعة عليهما على نسبة حصتيهما أيضا، و كذلك إذا كان الشركاء أكثر من اثنين، فإذا كانا شريكين و كان لأحدهما ثلثا المال المشترك، و للثاني ثلثه فقط، و ربح المال في معاملة الشركة استحق الأول ثلثي الربح الحاصل و استحق الثاني ثلثه، و إذا خسر المال كان على الأول ثلثا الخسارة و على الثاني ثلثها.

و إذا كان الشركاء في العقد ثلاثة، و لأحدهم نصف المال، و لكل واحد من الآخرين ربعه، فالربح و الخسران بينهم كذلك.

المسألة 13:

الشركة عقد من العقود، و لذلك فلا بد فيه من الإيجاب و القبول، و يكفي في الإيجاب و القبول كل ما يدل على الشركة من قول أو فعل، فإذا قال الشريكان معا بعد اجتماع الشرائط المعتبرة: اشتركنا في المعاملة بهذا المال، كان ذلك إيجابا و قبولا منهما، و صح به العقد،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 428

و مثله إذا قالا تشاركنا، و كذلك إذا قال أحدهما للآخر شركتك معي في المعاملة بالمال، أو اشتركت معك فيها، و يقول الآخر قبلت أو رضيت و تجري فيه المعاطاة على الظاهر كما إذا خلط المالكان ماليهما بقصد إنشاء الشركة في المعاملة و التكسب بالمال.

المسألة 14:

يشترط في عقد الشركة أن يكون المتعاقدان بالغين، عاقلين، مختارين، غير محجور عليهما لسفه أو لفلس، و أن يكونا قاصدين لإنشاء المعاملة غير غافلين و لا هازلين.

المسألة 15:

يشترط في الشركة العقدية أن يمتزج مال أحد الشريكين بمال الآخر مزجا تاما حتى لا يتميز أحد المالين عن الآخر، سواء كانا من النقود أم من العروض على الوجه الذي بيناه في المسألة الثالثة و المسألة الرابعة، و إذا كان المالان مختلفين في الجنس أو مختلفين في الوصف و أراد المالكان اجراء الشركة العقدية بينهما باع أحد المالكين حصة مشاعة من ماله بحصة مشاعة من مال صاحبه أو صالحه عن احدى الحصتين بالأخرى، أو وهب كل منهما صاحبه حصة مشاعة من ماله حتى تحصل الشركة الواقعية في المالين و يتحقق الشرط للعقد.

المسألة 16:

لا تصح الشركة العقدية في الديون، فإذا كان لزيد دين على أحد، و كان لعمرو دين على آخر، فلا يصح لهما أن يوقعا عقد الشركة بينهما ليكون كل من الدينين مشتركا بينهما بالنصف مثلا أو بالنسبة.

و لا تصح الشركة العقدية في المنافع، فإذا كانت لكل من زيد و عمرو دار، فلا يصح لهما ان يوقعا عقد الشركة بينهما لتكون منفعة كل واحدة من الدارين مشتركة بينهما كذلك.

و يصح لزيد أن يصالح عمرا عن نصف منفعة داره بنصف منفعة دار لزيد، فإذا تم الصلح كانت منفعة كل من الدارين مشتركة بينهما على التنصيف، و يصح لزيد أن يصالح عمرا عن نصف منفعة داره

كلمة التقوى، ج 4، ص: 429

بعشرة دنانير مثلا و يدفع له العوض، ثم يصالح عمرو زيدا عن نصف منفعة داره بعشرة دنانير، و يدفع له العوض، فإذا تم الصلح كذلك كانت منفعة كل من الدارين مشتركة بينهما، و يصح لهما أن يوقعا ذلك بنحو الهبة المشروطة بالعوض فيهب أحدهما نصف منفعة داره لصاحبه بشرط أن يهبه صاحبه نصف منفعة داره، فإذا

حصلت الهبتان وقعت الشركة في منفعة الدارين، و لكن الشركة في المنفعة بأحد هذه الوجوه غير الشركة العقدية في المنافع.

المسألة 17:

لا تصح الشركة في الأعمال على الأحوط، و هي أن يوقع الشخصان عقد الشركة بينهما لتكون أجرة عمل كل واحد من الشخصين مشتركة بينهما، فلا يصح ذلك، سواء كان عقد الشركة على عمل معين من الشخصين أم على جميع إعمالهما في مدة معينة أم على مطلق إعمالهما ما داما حيين.

و يجوز لأحد الرجلين أن يصالح صاحبه عن نصف منفعته المعينة أو عن نصف منافعه في مدة معلومة، بنصف منفعة المصالح كذلك، فتكون منفعتهما مشتركة بينهما حسب اتفاقهما كما تقدم في المصالحة على منفعة الدار، و لكن ذلك غير الشركة العقدية في الأعمال.

المسألة 18:

لا تصح الشركة في الوجوه، و هي أن يتعاقد شخصان بينهما على أن يشتري كل واحد منهما بعض العروض و الأمتعة بثمن يبقى في ذمته و يكون ما يشتريه مشتركا بينهما، و يبيعان بعد ذلك ما اشترياه و يؤديان ثمنه و يقتسمان ربحه بينهما، فلا يصح ذلك على الأحوط.

و يصح ان يوكل كل واحد منهما صاحبه على المعاملة و الشراء في الذمة و البيع، فيشتري كل منهما لهما و في ذمتهما معا ثم يبيعان ما اشترياه.

المسألة 19:

و لا تصح شركة المفاوضة، و هي أن يتعاقد شخصان على أن يكون

كلمة التقوى، ج 4، ص: 430

جميع ما يحصل لأي واحد منهما من فائدة أو ربح في تجارة أو زرع أو غرس أو عمل أو ميراث أو هدية أو غير ذلك فهو مشترك بينهما، و ان جميع ما يرد على أحدهما من غرامة أو ضريبة أو خسارة أو نقص فهو مشترك بينهما.

المسألة 20:

إذا عين الشريكان في ضمن عقد الشركة أيهما هو العامل في التكسب برأس المال، أو ذكرا ان كليهما يعملان فيه كان ذلك تعيينا و إذنا في التصرف، و إذا كان العقد بينهما مجرد التزام منهما بلوازم الشركة التجارية و لم يعينا عاملا، فلا بد من الاذن لأحدهما أو لكليهما بعد العقد ليتصرف المأذون حسب ما يتفقان.

و إذا ذكرا ان كلا من الشريكين يعمل في رأس المال و بينا أن كل واحد منهما مستقل في العمل و التصرف عن صاحبه، أو شرطا أن ينضم أحدهما إلى الآخر في التصرف فيكون مجال عملهما واحدا بعد المشاورة بينهما وجب أن يجريا حسب ما شرطا و لم يجز التعدي عنه.

و إذا حدد لأحدهما أو لهما نوعا من التجارة، أو كيفية من الاتجار أو موضعا أو وقتا وجبت مراعاة ذلك، و ان أطلقا في العقد و الشرط و لم يحددا شيئا وجب على العامل منهما أن يجري على ما هو المتعارف في أمثال تلك الشركة و تلك التجارة و بين أصحابها، و كذلك الحكم إذا لم يعينا في ضمن العقد عاملا ثم أذنا بعد العقد لأحدهما أو لكليهما بالعمل فيجب على المأذون أن يراعي في تصرفه الأحكام المتقدمة.

المسألة 21:

يجري في العامل من الشريكين و في المأذون بالعمل منهما ما سبق في عامل المضاربة فلا يجوز له السفر بالمال، و لا يجوز له الشراء و البيع بالنسيئة إلا إذا أذن له الشريك بذلك.

المسألة 22:

يجب على العامل من الشريكين سواء كان معينا منهما في عقد الشركة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 431

أم مأذونا في العمل بعد العقد ان يلاحظ المصلحة و الفائدة في تصرفاته و معاملاته و لا يكفي عدم وجود المفسدة.

المسألة 23:

إذا تعدى عامل الشركة في معاملته عما حدد له في العقد أو الاذن لم تنفذ معاملته التي أجراها إلا بإجازة شريكه، فإن أجاز المعاملة نفذت و لم يضمن العامل الخسارة إذا حصلت، و ان لم يجز شريكه المعاملة بطل البيع في حصة الشريك و رجع بعين ماله إذا كان موجودا و ببدله إذا كان تالفا.

المسألة 24:

العامل في الشركة سواء كان معينا في العقد أم مأذونا بالعمل بعد العقد، أمين على المال فلا يكون ضامنا له إذا تلف بيده أو نقص منه أو حدث فيه عيب إلا إذا تعدى أو فرط.

المسألة 25:

ذكرنا في المسألة الثانية عشرة ان الربح و الخسران في الشركة العقدية يصيب الشريكين بنسبة حصتيهما من رأس مال الشركة، فإذا تساوت حصتاهما من رأس المال تساوت حصتاهما من الربح إذا حصل، و تساوى نصيباهما من الخسارة إذا حدثت، و إذا تفاوتت الحصتان في المقدار كان الربح و الخسران الذي يصيبهما على حسب نسبتهما، و هذا هو مقتضى القاعدة في الشركة، من غير فرق بين العامل من الشريكين و غيره، و لا بين من كان عمله في الشركة أكثر و غيره.

و إذا شرطا في ضمن عقد الشركة أن تكون للعامل منهما زيادة معينة من الربح على المقدار الذي يستحقه في أصل الشركة، صح الشرط و وجب الوفاء به ما دام عقد الشركة باقيا، و كذلك إذا شرطا أن تكون الزيادة لمن كان عمله أكثر، فيصح الشرط و يجب الوفاء به إذا كان الشخص معلوما حين العقد.

و إذا لم يكن الشخص الذي اشترطت له الزيادة معلوما حين العقد و قد ذكر الشرط للترغيب في كثرة العمل فالظاهر عدم صحة الشرط،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 432

للجهل بالمستحق، و يصح الدفع اليه بعد ذلك على نحو المكافاة إذا كان الدفع برضى الجميع.

المسألة 26:

إذا اشترط الشريكان أو أحدهما في ضمن عقد الشركة أن يكون لزيد- و هو أحد الشريكين- زيادة معينة من الربح على المقدار الذي يستحقه بمقتضى أصل الشركة، و كان زيد هذا غير عامل في الشركة أو كان غيره أكثر منه عملا فيها، فالظاهر عدم صحة هذا الشرط، فان كان الشرط في ضمن عقد لازم ألغي الشرط، و لم يبطل العقد الذي هو في ضمنه، و ان كان قد اشترط في ضمن عقد الشركة، فالظاهر بطلان عقد

الشركة ببطلان الشرط، فان الشرط الذي يذكر في الشركة العقدية يكون عوضا للإذن في التصرف و مقوما للعقد، فإذا بطل الشرط المقوم بطل الاذن و العقد.

و كذلك الحكم إذا شرطا في ضمن العقد أن تكون الخسارة كلها على أحد الشريكين بخصوصه، أو اشترط أن تكون حصته من الخسارة أكثر من نسبة حصته في المال، فلا يصح الشرط و لا يجب الوفاء به الا إذا كان المراد بالشرط عليه أن يتحمل مقدار الخسارة من ماله الخاص، لا من حصته في الشركة.

المسألة 27:

يصح للشريكين أن يستأجرا أجيرا لمساعدة العامل منهما في الشركة، و كاتبا لتسجيل واردات التجارة و صادراتها و ضبط حساباتها بين الشريكين و بينها و بين المتعاملين معها، و يصح لهما أن يستأجرا عاملا يؤكلان اليه ادارة الشركة و العمل فيها، و تنفذ تصرفاته و معاملاته إذا هما أذنا له بذلك، و تخرج أجرة هؤلاء الأجراء و العمال و غيرهم ممن يحتاج إليهم في العمل من مال الشركة و ربحها و يصيب كل واحد من الشريكين منها بنسبة حصته من رأس المال.

المسألة 28:

لا إشكال في جواز أن يرجع كل من الشريكين في اذنه لصاحبه في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 433

التصرف في المال المشترك، و لا إشكال أيضا في جواز أن يطالب كل واحد منهما صاحبه بقسمة المال المشترك سواء حصلت الشركة بينهما بمزج المالين أم بإنشاء عقد الشركة ما بينهما، و هذا لا يدل على ان الشركة من العقود الجائزة، و رجوع الشريك في اذنه و مطالبته بالقسمة لا يعني فسخ الشركة التي حصلت أو أنشئت بينهما، و اما الشركة التي تحصل بالبيع على الشريكين معا أو التي تحصل بتشريك أحدهما صاحبه في المعاملة بعد وقوعها فهي لازمة و لا يجوز فسخها.

المسألة 29:

العامل في الشركة أمين كما ذكرناه في المسألة الرابعة و العشرين، فلا ضمان عليه إذا تلف المال بيده بغير تعد منه و لا تفريط، و إذا ادعى تلف المال بيده و أنكر شريكه التلف قبل قول العامل مع يمينه لأنه أمين.

المسألة 30:

إذا ادعى أحد الشريكين على الآخر الخيانة أو التعدي أو التفريط فأنكر، فالقول قول المنكر مع يمينه، سواء كان المنكر عاملا أم لا.

المسألة 31:

إذا مات أحد الشريكين أو حجر عليه لسفه أو لفلس بطلت الشركة العقدية، فلا يجوز التصرف بعد ذلك و كذلك إذا عرض على أحدهما جنون أو إغماء على الأحوط فيهما، و اما أصل الشركة فهي باقية ما دام المال ممتزجا لم يقسم.

المسألة 32:

إذا تبين بطلان الشركة، فالظاهر بطلان المعاملات التي أوقعها الشريك بعد عروض المبطل و قبل التبين لانتفاء الاذن من الشريك بعروض المبطل.

المسألة 33:

إذا اشترى الشريك متاعا و ادعى أنه اشتراه لنفسه و أنكر الآخر قوله و ادعى انه اشتراه للشركة فالقول قول الأول مع يمينه لأنه أعرف

كلمة التقوى، ج 4، ص: 434

بنيته، و كذلك إذا اشتراه و ادعى انه اشتراه للشركة و أنكر صاحبه و ادعى انه اشتراه لنفسه فيكون القول قول الأول مع يمينه.

المسألة 34:

إذا اشترك شخصان في حيازة شي ء مباح، كما إذا أحييا أرضا أو اصطادا سمكا أو طيرا كان ذلك الشي ء مشتركا بينهما، و يرجع الى الصلح على الأحوط في تعيين حصة أحدهما عن الآخر.

و مثل ذلك ما إذا استأجر الإنسان أجيرين لعمل واحد بأجرة واحدة، فإذا قاما بالعمل كانت الأجرة المعينة مشتركة بينهما و رجع الى الصلح في تعيين احدى الحصتين عن الأخرى.

فصل، في القسمة
المسألة 35:

قسمة الشي ء تقابل الشركة فيه، فإذا كان معنى الشركة هو شيوع أجزاء الشي ء بين ملاكه و أصحاب الحق فيه، بحيث يكون كل جزء من الشي ء- مهما قل الجزء و صغر- مستحقا لجميعهم، فلكل فرد من الشركاء حصة من الجزء تساوي نسبة حصته الى مجموع الشي ء، فإذا كان له الربع أو الثمن من الشي ء كان له الربع أو الثمن من كل جزء فيه، فالقسمة هي أفراد تلك الحصة من الأجزاء و من مجموع الشي ء، بحيث يرتفع الشيوع من الحصة و يحصل التعيين.

و ليست القسمة بيعا و لا معاوضة، و لذلك فلا تجري فيها أحكام البيع و لا أحكام المعاوضات الأخرى فلا يجري فيها خيار المجلس مثلا و لا خيار الحيوان، و لا تجري فيها أحكام الربا و لا تشترط فيها شروطه و لا شروط بيع الصرف أو بيع الثمار.

المسألة 36:

لا تتحقق القسمة حتى تتعدل السهام التي يستحقها الشركاء، و تعديل السهام في المثليات و ما يشبهها يحصل بضبط مقادير الأجزاء في السهم، بالكيل أو الوزن إذا كان الشي ء الذي تراد قسمته مما يكال

كلمة التقوى، ج 4، ص: 435

أو يوزن، و بالعدد إذا كان مما يعد، و بقياس طوله و عرضه بالذراع أو المتر إذا كان مما يقاس بذلك، فإذا ضبطت مقادير السهام كذلك فقد عدلت، و هذه هي قسمة الافراز.

و المثليات هي الأجناس التي تتقارب أجزاؤها في الصفات و الفوائد المطلوبة، و من أجل ذلك تكون أجزاؤها متساوية في القيمة، كالحبوب و أمثالها و كالثياب المتساوية الأجزاء و يلحق بها الأشياء التي تنتجها المصانع الحديثة متشابهة في الأوصاف و المنافع و الإحجام من أمتعة و ثياب و نسائج و آلات و أجهزة و غيرها، و

قد تعرضنا للفرق بين المثلي و القيمي في المسألة التاسعة و التسعين من كتاب التجارة.

و تعديل السهام في القيميات قد يحصل بضبط مقدار كل سهم منها بحسب القيمة، فإذا اشترك ثلاثة رجال في عشر شياه مثلا، و لكل رجل منهم ثلث المجموع، و كانت قيمة مجموع الشياه تسعين دينارا، و ضبطت السهام بحسب القيمة فبلغت قيمة شاتين كبيرتين منها ثلاثين دينارا، و كانت قيمة ثلاث شياه متوسطة منها ثلاثين دينارا، و كانت قيمة خمس شياه صغيرة منها ثلاثين دينارا، فقد عدلت السهام بين الشركاء، و هذه هي قسمة التعديل.

و قد لا يحصل التعديل بين السهام حتى يرد بعض المال من أحد الشركاء على آخر، و مثال ذلك أن يشترك ثلاثة رجال في عشر شياه، و لأحد الشركاء نصف المجموع، و لكل واحد من الشريكين الآخرين الربع، و تكون قيمة كل شاة عشرة دنانير، فإذا أفرد للشريك الأول منها خمس شياه و هي تساوي خمسين دينارا، و أفرد للشريك الثاني ثلاث شياه و بقي للشريك الثالث شاتان لم تتعدل السهام حتى يرد الشريك الثاني على الثالث خمسة دنانير و هي المقدار الزائد على حصته و الناقص من حصة شريكه، و إذا رد عليه ذلك فقد عدلت السهام بين الشركاء، و هذه هي قسمة الرد.

المسألة 37:

الأموال المشتركة مختلفة في قبول أنواع القسمة المذكورة، فبعض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 436

الأموال تمكن فيه قسمة الافراز وحدها، و بعضها تمكن فيه قسمة التعديل وحدها، و بعضها تمكن فيه قسمة الرد وحدها، و بعض الأموال يمكن فيه نوعان منها، فتمكن فيه قسمة الافراز و التعديل فقط، أو قسمة الافراز و الرد فقط، أو قسمة التعديل و الرد فقط و بعضها

يمكن فيه كل من قسمة الافراز و التعديل و الرد، و إخراج الأمثلة لجميع ذلك غير عسير على الذكي.

فإذا قبل المالك المشترك القسمة على بعض الوجوه المذكورة و تراضى بها الشركاء فلا ريب في الصحة، و تستثنى من ذلك قسمة الرد إذا أمكن غيرها، فالأحوط لزوما الاجتناب عنها و الرجوع الى غيرها أو الرجوع الى المصالحة.

المسألة 38:

إذا اشترك رجلان أو أكثر في صبرة من الطعام و لم يعلم وزن الصبرة، و كانت حصص الشركاء فيها معلومة، كفى في تعديل السهام بينهم ان يعتمد على مكيال مجهول المقدار، فإذا كان الشركاء ثلاثة أشخاص و لكل واحد منهم ثلث الصبرة، كفى في التعديل أن تقسم الصبرة أثلاثا متساوية بذلك المكيال، و إذا كان لأحد الشركاء نصف الصبرة و لكل واحد من الآخرين الربع، قسمت الصبرة نصفين بذلك المكيال، فأخذ الأول أحدهما، ثم قسم النصف الآخر قسمين، متساويين و دفع أحد القسمين الى الشريك الثاني، و دفع القسم الباقي الى الثالث.

و إذا اشتركوا في عرصة أرض متساوية الأجزاء و كانت حصصهم معلومة، كفى أن يعتمد على حبل أو على خشبة مجهولة المقدار في الطول، فتقسم العرصة أثلاثا أو أرباعا بذلك المقياس على النهج المتقدم، و لا تضر هذه الجهالة بصحة القسمة فقد ذكرنا ان القسمة ليست بيعا و لا معاوضة.

المسألة 39:

إذا طلب أحد الشركاء قسمة الشي ء المشترك و كانت القسمة التي يطلبها تحتوي على رد مال أو تستلزم ضررا، فإن رضي الشريك الآخر

كلمة التقوى، ج 4، ص: 437

بهذه القسمة صحت، و ان امتنع عن قبولها جاز له الامتناع و لم يجبر على الإجابة إليها، و مثال ذلك ان يشترك رجلان في دار لا يمكن قسمتها قسمة تعديل حتى يرد أحد الشريكين على صاحبه بعض المال، أو يشتركا في دكان إذا قسم بين الشريكين لزم الضرر لصغره، فلا يجبر الشريك إذا امتنع عن قبول القسمة في كلا الفرضين، و تسمى هذه القسمة قسمة التراضي.

المسألة 40:

إذا طلب أحد الشريكين قسمة الافراز للمال المشترك، و كانت قسمة الافراز فيه ممكنة و لا تستلزم ضررا، وجبت الإجابة إليها على الشريك الثاني، و إذا امتنع عن الإجابة أجبر عليها، و مثال ذلك ان يشترك رجلان في عشرة أمنان من الحنطة و هي متساوية القيمة، أو يشتركا في عرصة أرض متساوية الأجزاء كذلك في القيمة، فإذا قسمت أمنان الحنطة بين الشريكين بالكيل أو الوزن، و قسمت عرصة الأرض بقياس مساحتها و مساحة الحصتين بالأمتار، صحت القسمة و اجبر الشريك إذا امتنع عن قبولها، و تسمى هذه القسمة قسمة الإجبار، و لا فرق في الفرض المذكور و في حكمه بين ان يكون المال مما تمكن فيه قسمة التعديل أيضا أولا.

المسألة 41:

إذا كان المال المشترك يقبل قسمة التعديل وحدها، أو كان يقبل قسمة التعديل و قسمة الرد معا و لا يقبل قسمة الافراز، و مثال الفرض الأول أن يشترك رجلان في خمس شياه بالمناصفة، و قيمة مجموع الشياه خمسون دينارا، و كانت قيمة شاتين كبيرتين منها خمسة و عشرين دينارا، و قيمة الثلاث الباقية خمسة و عشرين دينارا فإذا قسمت الشياه بين الشريكين كذلك، كانت من قسمة التعديل، و مثال الفرض الثاني ان يشترك رجلان في أربع شياه بالمناصفة، و قيمة شاة كبيرة منها خمسة عشر دينارا، و قيمة شاتين متوسطتين عشرون دينارا، كل واحدة عشرة دنانير، و قيمة شاة صغيرة خمسة دنانير و مجموع ذلك أربعون دينارا، فإذا جعلت الشاتان المتوسطتان سهما، و جعلت الشاة الكبيرة مع الصغيرة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 438

سهما، كان ذلك من قسمة التعديل، و إذا جعلت الشاة الكبيرة مع احدى المتوسطتين لأحد الشريكين، و جعلت الشاة المتوسطة الثانية مع

الصغيرة للشريك الآخر، لم تصح القسمة حتى يرد الشريك الأول على الثاني خمسة دنانير و تكون من قسمة الرد.

فإذا كان المال المشترك كذلك و طلب احد الشريكين أن يقسم المال بينهما قسمة تعديل وجب على الشريك الآخر أن يجيبه الى ذلك، و إذا امتنع عن اجابته أجبر عليها، و كانت من قسمة الإجبار.

المسألة 42:

إذا كان المال المشترك يقبل قسمة الافراز و قسمة التعديل كلتيهما، و مثال ذلك ان يشترك رجلان في من من الحنطة و منين من الشعير بالمناصفة و تكون قيمة من الحنطة عشرة دنانير، و قيمة كل من من الشعير خمسة دنانير، فإذا دفع لكل من الشريكين نصف من من الحنطة، و من من الشعير كان من قسمة الافراز، و إذا دفعت الحنطة كلها لواحد و الشعير كله للآخر كان من قسمة التعديل، فإذا طلب أحد الشريكين في مثل هذا الفرض قسمة الافراز وجبت على الشريك الآخر إجابته إليها، و كانت من قسمة الإجبار، و قد ذكرنا هذا في المسألة الأربعين. و إذا طلب الشريك قسمة التعديل في هذا الفرض لم تجب اجابة الآخر إليها و لم يجبر عليها إذا امتنع و كان الفرض من قسمة التراضي.

المسألة 43:

إذا كانت الدار المشتركة ذات طابقين أعلى و أسفل، و أمكنت قسمتها قسمة إفراز، بحيث يصل الى كل من الشريكين حقه كاملا من الطابق الأعلى و من الطابق الأسفل، و أمكنت قسمتها قسمة تعديل، فيكون لأحدهما الطابق الأعلى و للثاني الطابق الأسفل، كان الحكم كما تقدم، فإذا طلب أحدهما قسمة الافراز وجبت الإجابة و أجبر الممتنع، و إذا لم يمكن ذلك رجع الى قسمة التعديل، و إذا أوجبت القسمة ضررا على الشريك أو كانت قسمة رد لم يجبر عليها.

المسألة 44:

تجب قسمة الدار أو الخان الذي يحتوي على بيوت و حجر متعددة إذا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 439

كان مشتركا و طلب بعض الشركاء قسمته على أحد الوجوه المتقدمة و لا تجب إذا أوجبت الضرر أو كانت قسمة رد.

المسألة 45:

إذا اشترك شخصان أو أكثر في دكاكين متعددة و أمكنت قسمة كل واحد من الدكاكين بانفراده مستقلا و أمكنت قسمتها جميعا بنحو التعديل لينفرد كل شريك بدكان تام أو أكثر، و طلب بعض الشركاء القسمة على الوجه الأول وجبت اجابته و اجبر الممتنع إلا إذا أوجبت الضرر.

المسألة 46:

إذا كانت لأحد الشريكين في الدار حصة صغيرة فيها لا تصلح للسكنى إذا قسمت، و القسمة لا تضر الشريك الثاني لكبر حصته من الدار، فإذا طلب الشريك الثاني قسمة الدار لم يجبر الأول عليها لتضرره بالقسمة، و إذا اتفق للشريك الأول غرض خاص فطلب القسمة وجبت على الثاني إجابته و أجبر إذا امتنع عنها.

المسألة 47:

الضرر الذي يسقط معه إجبار الشريك على قبول القسمة هو أن تكون القسمة موجبة لنقصان في العين أو نقصان في القيمة بما لا يتسامح به عادة، فإذا أوجبت القسمة ذلك لم يجبر الشريك على تحمله.

المسألة 48:

إذا اشترط أحد الشركاء على الآخرين ان لا يقتسم المال المشترك مدة معينة و كان الشرط في ضمن عقد لازم وجب الوفاء بالشرط، فلا تجوز لهم القسمة، و إذا طلبوا منه القسمة لم تجب عليه الإجابة و لم يجبر عليها إذا امتنع، حتى تنقضي المدة.

المسألة 49:

إذا كانت حصص الشركاء في المال المشترك متساوية، فتعديل السهام فيها: أن يجعل المال سهاما متساوية في المقدار بعدد الشركاء، فإذا كانت الشركة بالمناصفة، جعل المال سهمين متساويين، لكل واحد من الشريكين سهم يساوي سهم صاحبه في المقدار، و إذا كانت الشركة أثلاثا، جعل

كلمة التقوى، ج 4، ص: 440

المال ثلاثة أسهم متساوية بعدد الشركاء الثلاثة، و كذلك إذا كانت الشركة أرباعا أو أخماسا أو أكثر من ذلك، فيجعل المال سهاما متساوية المقدار بعدد الشركاء، ثم يجعل لكل سهم من السهام المعدلة علامة خاصة تميزه عن بقية السهام ليعرف بها عند إجراء القرعة، و طريق تحديد السهام في المقدار هو ما تقدم بيانه في قسمة الافراز و قسمة التعديل و قسمة الرد.

فإذا عدلت السهام و جعلت لها العلامات المميزة و أريد إجراء القرعة أخذت رقاع متشابهة الشكل و المقدار بعدد الشركاء، و يتخير القاسم بين أن يكتب على الرقاع أسماء الشركاء، فيكتب على كل رقعة اسم واحد منهم، و ان يكتب عليها أسماء السهام، فيكتب على كل رقعة اسم سهم خاص منها مع علامته المميزة له كما تقدم، و توضع الرقاع في كيس و نحوه مما يسترها و تجال الرقاع فيه و تشوش حتى تختلط فلا تتميز، ثم تخرج واحدة بعد واحدة و يقصد القاسم عند إخراج الرقعة ان من يخرج اسمه من الشركاء في الرقعة، فله السهم الأول، و

هذا إذا كانت الرقاع قد كتبت بأسماء الشركاء، و يقصد ان ما يخرج اسمه من السهام فهو لفلان من الشركاء و هذا إذا كانت الرقاع مكتوبة بأسماء السهام و هكذا يقصد عند إخراج كل رقعة، فإذا أخرجت الرقعة كانت الحصة المعينة نصيبا لذلك الشريك المعلوم، ثم يخرج الرقعة الثانية ثم الثالثة حتى تتم القرعة و تتم القسمة.

المسألة 50:

إذا كانت حصص الشركاء مختلفة متفاوتة في المقدار، كما إذا كان لأحد الشريكين ربع المال و للآخر ثلاثة أرباعه، و كما إذا كان لأحد الشركاء نصف المال و للثاني ثلثه، و للثالث سدسه، فتعديل السهام فيها أن يجعل السهام على مقدار أقل الحصص، ففي المثال الأول يجعل المال أربعة سهام متساوية، ثم تجعل لكل سهم منها علامة مميزة له كما تقدم، و في المثال الثاني يجعل المال ستة سهام متساوية، و تجعل لكل سهم علامة تميزه كذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 441

فإذا أريد إجراء القرعة، أخذت الرقاع على النحو الذي تقدم بيانه بعدد الشركاء في المال، و كتب على كل رقعة اسم احد الشركاء، و صنع بالرقاع كما تقدم، و يخرج القاسم احدى الرقاع بعد أن يقصد ان من خرج اسمه في الرقعة فله السهم الأول ثم ما يليه حتى تتم حصته، فإذا أخرجت الرقعة الأولى في المثال الأول و كانت باسم زيد، و هو الذي يستحق الربع، كان له السهم الأول، و كانت السهام الثلاثة الباقية للشريك الثاني، و إذا كانت الرقعة باسم عمرو، و هو الذي يستحق الثلاثة أرباع، كان له السهم الأول و الثاني و الثالث، و بقي السهم الرابع لزيد، و هكذا في المثال الثاني، فإذا خرج في الرقعة اسم زيد على السهم الأول

و هو يستحق السدس تعين السهم له، ثم أخرجت الرقعة الثانية على السهم الثاني فإذا خرج فيها اسم عمرو، و هو يستحق الثلث كان له السهم الثاني و الثالث، و بقي السهام الرابع و الخامس و السادس للشريك الثالث و هو الذي يستحق النصف، و إذا انعكس الفرض انعكست النتيجة، و هكذا.

المسألة 51:

الأحوط انه لا بد في القسمة بعد تعديل السهام من القرعة، فلا تترك مراعاته.

المسألة 52:

إذا بنى الشركاء في ما بينهم على تقسيم المال المشترك، و عدلوا السهام، ثم أوقعوا القرعة تمت القسمة و لم يحتج إلى التراضي بعد ذلك، و ان كان الأحوط استحبابا أن يحصل التراضي بعد القرعة أيضا و خصوصا إذا كانت القسمة قسمة رد.

المسألة 53:

إذا تمت القسمة في الأعيان على النهج الذي مر ذكره كانت لازمة، فلا يجوز لأحد الشركاء فسخها و لا ابطالها، بل و لا يجوز ذلك و ان رضي جميعهم بإبطال القسمة و فسخها.

المسألة 54:

إذا وقعت القسمة بين الشريكين و ادعى أحدهما وقوع غلط في

كلمة التقوى، ج 4، ص: 442

القسمة أو ادعى عدم التعديل في السهام، و أنكر الشريك الآخر ذلك، فالقول قول المنكر مع يمينه، و إذا أقام المدعي بينة على صحة ما يقول، نقضت القسمة و احتاجا إلى قسمة غيرها.

المسألة 55:

إذا كانت العين مشتركة بين شخصين أو أكثر، و طلب أحد الشخصين أن يكون انتفاع الشركاء بالعين بنحو المهاباة، فيسكن الدار أحد الشريكين شهرا مثلا، ثم يسكنها الآخر شهرا، أو يكتسب هذا الشريك في الدكان المشترك ثلاثة أشهر ثم يسلمه الى شريكه ثلاثة أشهر، أو يسكن أحد الشريكين في الطابق الأعلى من الدار و يسكن الثاني في الطابق الأسفل منها، أو يؤجر الدار هذا الشريك شهرا ثم يؤجرها صاحبه شهرا، لم يجب على الآخر قبول ذلك و لا يجبر عليه إذا امتنع، و إذا تراضيا بالمهاياة صح و لم يجب عليهما الاستمرار عليه فيجوز لهما الرجوع عنه و اما المنافع المشتركة، فالغالب فيها أن تكون تقسيمها بين الشركاء بالمهاياة، و ان كانت لا تنحصر بذلك، فالآلات الحديثة إذا استؤجرت للتدفئة أو التبريد أو الانارة فيمكن تقسيمها بغير المهاياة، و قسمة المنافع بالمهاياة أو بغيرها غير لازمة فيجوز الرجوع فيها.

المسألة 56:

لا تصح قسمة الديون المشتركة، فإذا كانت للرجلين ديون مشتركة بينهما على بعض الناس لم يصح لهما أن يجعلا ما في ذمة زيد لأحدهما و ما في ذمة عمرو للآخر، أو يقسما ديونهما بصورة ثانية، بل تبقى الديون مشاعة بينهما، فما يحصل من الدين يكون لهما معا و ما يبقى منه يكون بينهما.

و الحمد للّٰه رب العالمين و صلواته الدائمة المباركة على سيدنا محمد و آله الطاهرين.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 443

المسائل المستحدثة

اشاره

فتاوى المرجع الديني سماحة الشيخ محمد أمين زين الدّين دام ظله

كلمة التقوى، ج 4، ص: 445

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم الحمد للّٰه رب العالمين، و صلواته التامة الزاكية المباركة على سيد الأولين و الآخرين، محمد و آله الطيبين المنتجبين و بعد فهذه مواضيع جدت مع العصر الحديث في ما جد فيه من أشياء و أمور، طلب مني بعض إخواني في اللّٰه ان انظر في أحكامها في الشريعة الإسلامية المقدسة، حسب ما ظهر لي من قواعدها و موازينها، الواردة في فقه أهل البيت المطهرين عليهم السلام، و قد حررت في هذه الأوراق نتائج نظري في هذه المسائل المستحدثة، لتكون لي و لإخواني في ديني تذكرة و تبصرة، و من اللّٰه سبحانه اسأل لي و لهم دوام التوفيق و السداد في العلم و العمل، و النجاة و الفوز في الدنيا و الآخرة إنه سميع الدعاء مجيب النداء.

ربنا أتمم لنا نورنا و اغفر لنا انك على كل شي ء قدير.

محمد أمين زين الدين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 446

التأمين
اشارة

و هو اتفاق يحصل في الغالب بين شركة أو دولة من أحد الجانبين، و شخص أو أشخاص من الجانب الآخر، يلتزم الشخص بموجب هذا الاتفاق: ان يدفع للشركة مبلغا محددا من المال، يسلمه إليها دفعة واحدة، أو يقسطه اقساطا معينة و مرتبة حسب ما يتراضى عليه الطرفان من التقسيط و المواعيد.

و تتعهد الشركة للشخص في قبال ذلك بأن تدفع له أو لورثته مبلغا من المال يعوضه عن خسارته عند حدوث خطر يؤدي بحياته، أو مرض يلم به، أو عند حدوث حادث يتلف أو يعيب بسببه بعض ما يملكه، حسب ما يوضحه الطرفان في بوليصة التأمين و يعينانه في الوثيقة. و

لذلك فقد يكون التأمين على حياة ضد موت مثلا. و قد يكون على صحة، ضد مرض أو عجز، و قد يكون على مال منقول أو غير منقول، ضد حرق أو سرقة، أو غيرهما من الطواري، و قد يكون على نقل تجارة أو مال في بر أو بحر أو جو، و قد يكون على وسيلة من وسائل النقل: سيارة أو طائرة، أو سفينة، و قد يكون على أشياء أخرى تشبه ذلك مما تتعرض في بقائها أو في عملها للاخطار و الطواري، و يمكن أن يكون المتعهد في التأمين شخصا تتوفر فيه الكفاءة و المقدرة على ذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 447

المسألة 1:-

الظاهر صحة هذه المعاملة و نفوذها على المتعاملين، فيلزمهما الوفاء بها حسب ما يتفقان عليه من اللوازم، و يوقتان له من المدة.

و التأمين- على الأقوى- عقد من العقود يشتمل على الإيجاب و القبول، يمكن للطرفين أن يوقعاهما باللفظ إذا أحسنا التعبير عن جميع بنود المعاملة باللفظ، و لكنهما في الغالب يقعان بالفعل، و لا مانع من ذلك.

فيدفع وكيل الشركة المفوض (بوليصة التأمين) إلى الشخص المستأمن بعد اتفاقهما على المعاملة و شروطهما و يكون دفعه إياها بقصد الإيجاب، فيوقعها الشخص المستأمن، و يكون توقيعه عليها قبولا للمعاملة.

و يمكن أن يكون توقيع (البوليصة) من الشخص المستأمن إيجابا منه للمعاملة و يكون دفع الوثيقة إليه من وكيل الشركة بعد ذلك قبولا للإيجاب، و على أي النحوين أجري العقد بين الطرفين كان صحيحا، و وجب الوفاء به بمقتضى آية الوفاء بالعقود.

المسألة 2:

يصح للطرفين بعد أن يتفقا على تعيين المبلغ و الأقساط و الشروط أن يجريا معاملة التأمين بينهما بصورة الهبة المعوضة، فيقول الشخص المستأمن لوكيل الشركة حينما يدفع له قسط التأمين، و هبتك هذا المبلغ من المال، على شرط أن تتدارك خسارتي إذا حدثت لي الحادثة المعينة التي اتفقنا عليها، و يقبل الوكيل ذلك عن الشركة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 448

المسألة 3:-

و يمكن لهما أن يجريا المعاملة بصورة المصالحة بينهما، فيقول الوكيل للمستأمن: صالحتك على أن تدفع للشركة المبلغ المعين على أن تعوضك الشركة عن الخسارة التي تحدث عليك إذا حدثت لك الحادثة التي اتفقنا عليها، فيقبل المستأمن ذلك، أو يكون المستأمن هو الموجب، و وكيل الشركة هو القابل. و المعاملة صحيحة نافذة على أي وجه أجريت من الوجوه المذكورة.

المسألة 4:-

و للتأمين صورة أخرى غير الصورة المتقدم ذكرها و تسمى هذه الصورة (التأمين بالتقابل)، و هي أن يتفق أشخاص معينون فيؤسسوا ما بينهم شركة خاصة يسهم فيها كل واحد منهم بدفع مبلغ من المال ليتكون من مجموع هذه الأسهم رأس مال مشترك و غرضهم من تأسيس هذه الشركة أن تقوم بتعويض ما يحدث من خسارة تحصل لأحد الأعضاء المشتركين إذا ألمت به أو بماله حادثة ما.

و هذا النوع من التأمين صحيح كذلك إذا أجريت المعاملة فيه على صورة عقد الشركة المعروف في الشريعة، و اشترط في عقد الشركة التأمين لكل عضو من الأعضاء فتعوضه الشركة عن خسارته إذا حدثت له الحادثة في نفسه أو في ماله، و يكون الشرط نافذا و إذا كانت هذه الشركة المؤسسة مخولة من قبل الأعضاء في الاكتساب، فاكتسبت برأس المال و ربحت كان الربح بين أعضائها بنسبة ما للعضو من سهم في رأس المال.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 449

المسألة 5:-

إذا خشيت شركة التأمين على نفسها من وقوع بعض الأخطار عليها فأرادت أن تؤمن نفسها عند شركة أخرى لتعوضها هذه عن الخسارة التي قد تحدث لها، أمكن لها ذلك فتجري مع الشركة الثانية معاملة التأمين بإحدى الصور المتقدم ذكرها، و تصح منها.

المسألة 6:-

إذا أرادت الشركة أن تنقل بعض عملائها الذين أجرت هي معهم معاملة التأمين إلى شركة ثانية، أو أرادت أن تدخل الشركة الثانية في عقدها مع العملاء ليكون التعويض عن خسائرهم مفروضا على الشركتين معا، لم يصح لها ذلك الا برضى العملاء، فيفسخ العقد الأول، و تجري المعاملة مع الشركة الثانية أو مع الشركتين معا بعقد جديد.

السرقفلية
اشارة

و هي معاملة جرى عليها عرف أصحاب المتاجر و الحوانيت و محلات الكسب في الأزمنة الأخيرة، فهم يعتبرون أن للمستأجر الأول للحانوت أو المحل حقا عرفيا في ذلك الحانوت أو المحل، بعد أن يستأجره من مالكه، و يصبح أحق به من غيره، و ليس للمالك إخراجه من ذلك المحل بغير رضاه، و ان انقضت مدة الإجارة المتفق عليها بينهما، و ليس له الزيادة عليه في بدل الإيجار، و نتيجة لذلك فلهذا المستأجر في نظرهم أن يتفق مع شخص آخر فيتنازل له عن ذلك المحل، و يأخذ منه مبلغا معينا بينهما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 450

عوضا عن تنازله، و يخلى له المحل بمقدار الأجرة السابقة التي كانت بينه و بين المالك دون زيادة، و يكون للمستأجر الجديد نفس الحق الذي كان للمستأجر الأول، و ليس للمالك الاعتراض على ذلك.

هذا هو موضوع السرقفلية، و لهذا الموضوع صور مختلفة، و أحكامه في الشريعة الإسلامية تختلف باختلاف صوره فلتلاحظ المسائل الآتية.

المسألة 7:-

الصورة الأولى: أن يجري عقد الإجارة بين المالك و المستأجر الأول من غير أن تجري بينهما معاملة أو شرط في شأن الاختصاص و الحق المذكور، فلم يذكرا في العقد سوى اجارة الموضع من ذلك الشخص المدة المعينة بينهما ببدل الإيجار المعين، فيجب على الطرفين في هذه الصورة الوفاء بعقد الإجارة ما دامت المدة، فإذا انتهت المدة، فليس للمستأجر حق في البقاء في المحل إلا بإجارة جديدة أو إذن من المالك بالبقاء، و للمالك الحق في أن يزيد في بدل الإيجار إذا شاء، و للمستأجر أن يقبل بالزيادة فيبقى في الموضع و ان لا يرضى بها فيخلى عنه، و ليس له أن يتنازل إلى مستأجر غيره الا إذا

رضي المالك.

المسألة 8:-

الصورة الثانية: أن يشترط في عقد الإجارة بين المالك و المستأجر الأول أن للمستأجر حق البقاء في المحل بعد انتهاء مدة العقد، و ليس للمالك إجباره على الخروج منه، و أن للمستأجر أن يجدد عقد الإجارة بعد انقضاء المدة كما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 451

أجري في المرة الأولى و ليس للمالك أن يمتنع من ذلك أو يزيد عليه في بدل الإيجار.

فيجب على المالك أن يفي للمستأجر بالشرط، و نتيجة لذلك فيجوز للمستأجر أن يتنازل لشخص آخر عن البقاء في المحل ليستأجره من المالك إذا رضي بإجارته، و يجوز للمستأجر أن يأخذ من ذلك الشخص مبلغا من المال يتفقان على مقداره عوض تنازله هذا، فيستحق المستأجر هذا المبلغ منه، سواء رضي المالك بإجارة المحل منه أم لا.

المسألة 9:-

الصورة الثالثة: أن يتفق المالك و المستأجر الأول على أن يؤجره المحل مدة سنة كاملة بمائة دينار مثلا، و أن يدفع المستأجر للمالك غير ذلك مبلغ ألف دينار، و يجعل المالك للمستأجر في قبال ذلك أن يكون له حق البقاء في المحل بعد مدة العقد إذا شاء، و أن يكون بدل الإيجار محددا بمائة دينار عن كل سنة يمكثها المستأجر في المحل دون زيادة و لا نقيصة، و أن يكون له الحق في أن يتنازل لغيره عن حقه في المحل فيؤجر المحل عليه، و أن تكون للشخص الذي يتنازل له المستأجر نظير الحقوق المذكورة التي كانت للمستأجر.

و إذا تمت المعاملة بين الطرفين كذلك، جاز للمستأجر أن يتفق مع شخص ثالث فيتنازل له عن حقه و يأخذ منه عوض تنازله مبلغا من المال سواء كان بمقدار ما دفعه للمالك أم أقل أم أكثر.

و إذا تنازل له المستأجر كذلك، وجب

على المالك أن يعامله معاملة المستأجر الأول.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 452

المسألة 10:-

المبلغ الذي يقبضه المالك من المستأجر عوضا عن الحقوق التي جعلها له في عقد الإجارة كما مر بيانه في المسألة السابقة يعد من أرباح المالك السنوية فيجب الخمس في ما زاد منه و من سائر أرباحه على مؤنة سنته.

المسألة 11:-

ما يدفعه المستأجر للمالك (السرقفلية) التي سبق بيانها في المسألة المتقدمة يعد بالنسبة إليه من مؤن التجارة، فلا يجب عليه إخراج خمسه إذا كان من أرباح سنته تلك، و كذلك ما يدفعه المستأجر الثاني للمستأجر الأول من السرقفلية، و كذلك الحكم في كل مستأجر لاحق يدفع السرقفلية للمستأجر قبله إذا كان دفعه على النهج المتقدم بيانه.

المسألة 12:-

إذا دفع المستأجر المبلغ المتقدم ذكره الى المالك أصبحت السرقفلية حقا من حقوقه وعدت قيمتها من أرباحه في تلك السنة، فإذا زادت قيمتها مع سائر أرباحه عن مؤنته في السنه وجب عليه إخراج خمس الزائد، سواء كانت قيمتها مساوية للمبلغ الذي دفعه الى المالك أم زادت عليه أم نقصت عنه.

و إذا تنازل في أثناء سنته لشخص آخر عن حقه في المحل و أخذ منه عوض السرقفلية تعلق الخمس بهذا العوض و انتقل حق السرقفلية إلى المستأجر الجديد، و شمله الحكم المتقدم في المستأجر الأول، و هكذا الحكم في كل مستأجر يأتي في السلسلة إذا انتقل الحق إليه من سابقه على

كلمة التقوى، ج 4، ص: 453

الوجه المذكور.

التلقيح الصناعي
اشارة

قد تطرأ في المرأة حالات معينة يعرفها الطب، تمنع نطفة الزوج أن تأخذ مستقرها من جهاز المرأة التناسلي إذا أدخلت فيه على النحو المألوف، فلا توجب لها التلقيح و الحمل، و قد تكون الحالة الحادثة آتية من الزوج نفسه، لضعف فيه أو مرض و نحوهما، فتحتاج المرأة إذا أرادت الحمل الى التلقيح الصناعي.

و التلقيح الصناعي هو أن يدخل ماء الرجل في الجهاز التناسلي للمرأة بواسطة أنبوب أو إبرة حاقنة و نحوهما حتى يصل الى المنطقة المرادة من الجهاز فيحصل به التلقيح للبويضة و تحمل منه المرأة. و الغالب ان القائم بعملية التلقيح يترصد مواعيد نزول بويضة المرأة إلى الرحم، أو الى موضع قريب منه، حتى يكون التلقيح مضمونا أو مظنونا، و نحن هاهنا نتعرض لأحكام هذا التلقيح.

المسألة 13:-

يجوز أن تلقح المرأة بنطفة زوجها، و إذا انعقدت هذه النطفة و حصل الحمل فحكم الطفل الذي يولد حكم سائر الأولاد الذين يتولدون من الزوجين على النهج الطبيعي المألوف سواء كان النكاح بينهما دائما أم منقطعا.

و بحكمها الأمة حين تلقح بنطفة مالكها، إذا لم تكن متزوجة، أو محللة لشخص آخر، أو ذات عدة من رجل آخر، و لم تكن مشتركة بين ذلك السيد و مالك آخر، و لا مكاتبة، و لم تكن مشركة و لا وثنية و لا مرتدة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 454

و كذلك الأمة المحللة للغير إذا لقحت بنطفة من حللت له.

المسألة 14:-

لا يجوز أن يكون القائم بعملية تلقيح المرأة غيرها و غير من يحل له لمسها و النظر الى عورتها، سواء كان رجلا أم امرأة.

نعم إذا أمكن له أن يقوم بعملية التلقيح من غير لمس و لا نظر لما يحرم و لا وقوع في محرم آخر، فالظاهر الجواز.

المسألة 15:-

يحرم تلقيح المرأة بماء رجل لا يحل له وطؤها، و ان رضي الزوج بذلك، بل و إن باشر عملية التلقيح بنفسه، و يحرم تلقيحها- إذا كانت أمة غير مزوجة، و لا محللة- بماء غير سيدها، و ان أذن السيد بذلك، إلا إذا قصد بذلك تحليلها لصاحب النطفة و كانت في موضع يصح فيه التحليل.

المسألة 16:-

إذا لقحت المرأة بنطفة غير من يحل له وطؤها تلقيحا صناعيا فحملت منه، ألحق الولد بها و بصاحب النطفة و جرى عليه حكم سائر أولادهما، و ان أثمت المرأة بالتلقيح إذا كانت مختارة في إجرائه، و أثم صاحب النطفة إذا كان عالما مختارا في ذلك.

المسألة 17:-

إذا ساحقت المرأة ضرتها بعد أن جامعها الزوج فدخلت بسبب ذلك نطفة الزوج في جهاز الضرة و حملت منه، ألحق

كلمة التقوى، ج 4، ص: 455

الولد بالأب و الأم التي حملت به و أن أثمت المرأتان بما اكتسبتا، و إذا زنى الرجل بامرأة، ثم ساحقت الزانية زوجة الرجل، فانتقلت بسبب ذلك نطفة الرجل الى زوجته و حملت منه فالولد لهما و ان ارتكب الرجل و المرأتان تلك الكبائر العظيمة.

المسألة 18:-

قد تكون لبعض النساء حالات ثابتة أو موقتة، يعجز فيها جهاز المرأة التناسلي عن الاحتفاظ بالجنين طيلة أيام حمله، فتجهض بعد فترة قصيرة أو طويلة من الحمل، و قد يعجز الجهاز عن صيانة الجنين أو عن تغذيته فيموت في بطنها، و تضطر إلى إلقائه، و قد اخترع العلم الحديث جهازا صناعيا ينوب عن الجهاز الطبيعي في المرأة في احتضان الجنين و صونه و إمداده بما يحتاج اليه من غذاء و حرارة و طاقة، حتى يستكمل نموه و يستتم فترة حمله، فينقل الجنين بعد أيام من انعقاده في بطن أمه و قبل أن يحل موعد الخطر الى هذا الجهاز الصناعي ليحتضنه و يقوم بتغذيته و تنميته الى أن يحين وقت ولادته، فيستخرج منه.

و لا إشكال في جواز ذلك، بل و لا ريب في رجحانه، إذا كان فيه حفظ لحياة الجنين و حياة أمه من الأخطار، و ربما يستخدم هذا الجهاز كذلك في حالات الاختيار تفاديا عن الأتعاب و الآلام و المضاعفات الأخرى التي يسببها طول الحمل و ثقله و إنفاق الطاقات و آلام الوضع للمرأة، فتنقل جنينها بعد أيام من حمله في بطنها الى هذا الجهاز و تكتفي بذلك عن المتاعب، و الظاهر جواز ذلك.

كلمة التقوى، ج 4،

ص: 456

و يجوز في الحالات الأولى الضرورية أن يتولى الطبيب الحاذق عملية النقل المذكورة إذا لم توجد الطبيبة التي تقوم بذلك، و اما في الحالات الأخيرة غير الضرورية فلا يجوز ان يتولاها الرجل إلا إذا أمكن له القيام بالعمل من غير نظر و لا لمس لما يحرم، بل و كذا المرأة، فيتولاها الزوج إذا كان ممن يمكنه ذلك و لو بإرشاد الخبير، فإذا لم يستطع الزوج لم تجر العملية.

منع الحمل
اشارة

و قد يسميه بعض الناس تنظيم النسل، و هي رغبة شاعت في كثير من الأوساط، و تنوعت الوسائل لتحقيقها، و انقسم الناس في الدعوة إليها و التنديد بها، و اختلف الداعون إليها في أساليب الدعوة.

فالاقتصاد السليم في رأي فريق من الناس يدعو الى تنظيم الحمل، فإذا كثر النسل و تضخمت العائلة اضطرب الاقتصاد و لم تكف الموارد لسد الحاجة. و التوجه الصحيح للتربية الناجحة في رأي آخرين يدعو الي تنظيم الحمل، فإذا كثر الولد لم يستطع الأبوان أن يتوجها الى أبنائهما بالتوجه المثمر المجدي في تربيتهم و توجيههم.

و التوزع العاطفي في رأي جماعة يدعو الى تقليل الحمل فإذا كثرت الأطفال توزعت العاطفة، و لم يملك الأبوان و أفراد الأسرة أن ينظروا الجميع بمنظار واحد، فينشأ بسبب ذلك الاختلاف بين الأطفال و تنشأ الأحقاد و الأضغان.

و هكذا، فالخيال يمد و الدعوة تمتد. و شارك الطب و الصيدلة في الأمر فوضعا بين أيدي الناس أنواعا من

كلمة التقوى، ج 4، ص: 457

الحبوب، و أنواعا من المستحضرات و أنواعا من الوسائل لهذه الغاية.

و يرغب بعض الأزواج في منع زوجته الجديدة من الحمل، ليتمتع بجمالها و بشبابها مدة أطول، بعد أن نال قسطا من الذرية من زوجته الأولى، أما

أن تحرم هذه الجديدة- بسبب رغبته- من الذرية، فهذا ما لا يفكر به الزوج، أو لا يريد التفكير به، و ترغب بعض الزوجات الشابات أن تمنع نفسها من الحمل، للتفادي من آلام الحمل و الولادة و أتعابهما كما تسمع من صديقاتها و من بعض النساء المتقدمات في السن، ثم لا تلتفت و لا تأسف الا بعد فوات الأوان.

و اما التعلق بالاقتصاد فهو فكرة قديمة في الزمان، و قد تكرر في القرآن ذكر الذين يقتلون أولادهم خشية إملاق، و لقد كان الإنسان وحشيا و حيوانا حين ما قتل أولاده بالسيف أو الخنجر لهذه الغاية، و لكنه أصبح يعد لطيفا و حكيما حينما يقتلهم بالأقراص و الحبوب للغاية نفسها!! و حديث التربية يتعلق به المستسلمون، الذين يستكثرون بذل بعض الجهد في تربية أطفالهم، و الا فمن المعلوم أن التمرن في تربية الطفل بعد الطفل يسهل أمرها على المربي الناجح، و أما العاطفة فأمرها أوضح، فان العاطفة التي لا تضيق عن العديد من الأحباء و الأصدقاء و الأرحام و أطفالهم، لا يمكن أن تضيق عن أطفال المرء نفسه، إذا هو أحسن النظرة، و أحسن الاندفاع و التصرف مهما كثر عددهم.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 458

و على أي حال فقد كانت هذه الرغبة الشائعة مثارا لسؤال كثير من الناس عن حكم الشريعة فيها و تبيين ما يجوز منها و ما يمنع.

المسألة 19:-
اشارة

لا يجوز للمرأة أن تتناول الأقراص و الحبوب المانعة للحمل، و لا استعمال غيرهما من الوسائل المانعة، بعد انعقاد النطفة في رحمها و حصول التلقيح و تحقق مبادئ نشوء الجنين، فان استعمال ذلك يوجب قتل الجنين و سقوطه، سواء رضي الزوج بذلك أم لا، و إذا تناولت شيئا

من ذلك فمات الجنين وجب عليها دفع الدية المقررة شرعا للجنين، نطفة أم علقة أم مضغة، أم غيرهما من أطوار نشوء الجنين، حسب ما فصل في كتاب الديات من فقه أهل البيت (ع).

تنبيه:-

المراد بموت الجنين هو انعدام طاقة النمو الطبيعي فيه، و ان كان ذلك قبل زمان و لوج الروح فيه، فإذا انعدمت الطاقة و وقف النمو فقد مات الجنين و وجبت الدية على قاتله، و ان تأخر سقوطه أو احتاج الى تدخل الطب في إخراجه.

المسألة 20:-

يشكل جواز استعمال الوسائل التي تمنع حمل المرأة مطلقا ما دامت في الحياة، من دون حاجة تضطرها الى ذلك، و مثال الحاجة الملزمة به: ما إذا أصابت المرأة قرحة أو علة احتاجت معها إلى إجراء عملية تستأصل فيها بعض

كلمة التقوى، ج 4، ص: 459

أجزاء الجهاز أو تسد المجرى، و توجب لها العقم، أو احتاجت الى تناول أدوية فعالة تفسد المبيض أو تعطل نمو البويضات فيه ما دامت الحياة، أو نحو ذلك. و في غير هذه الحالات الضرورية فالأحوط لها أن لا تستعمل الحبوب و الوسائل التي تمنع حملها ما دامت في الحياة و ان رضي الزوج بذلك و رغب فيه.

المسألة 21:-

يجوز للمرأة أن تتناول الحبوب المانعة للحمل مؤقتا عند طروء بعض الحالات الصحيحة التي تحتم عليها أن تؤخر فرصة إمكان الحمل، كما إذا عرض لها مرض أو ضعف يتضاعف أثره عليها مع وجود الحمل، فيجوز لها أن تتناول الحبوب، حتى تبرأ من المرض و تقوى من الضعف ثم تتركها.

المسألة 22:-

الظاهر أنه يجوز للمرأة أن تتناول الحبوب المانعة من الحمل مؤقتا، اختيارا، و في الحالات العادية لها، تفاديا عن تتابع الحمل، أو لغير ذلك من الغايات، و الأحوط أن يكون ذلك برضى الزوج، و الأولى لها في هذه المسألة و في سابقتها أن تسترشد الطبيب الموثوق عما إذا كان استعمال الحبوب المانعة يسبب لها بعض الآثار غير المحمودة، و عن النوع الذي يرجح لها أن تستعمله و عن المدة التي ينبغي أن لا تزيد عليها، فيكون تناولها بإرشاده.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 460

المسألة 23:-
اشارة

يجوز للرجل أن يعزل عن زوجته عند جماعها، حتى إذا كانت حرة و دائمة، إذا كان ذلك برضاها أو كان قد اشترط عليها في عقد التزويج بها أن يعزل عنها في الجماع، و يجوز له كذلك أن يعزل عنها إذا لم تأذن و لم يشترط عليها في عقد التزويج، و لكن العزل في هذه الحال يكون مكروها، و اما إذا كانت أمة أو كانت متمتعا بها فيجوز العزل عنها من غير كراهة.

و العزل عن المرأة هو أن يخرج ذكره منها في جماعها فيقذف ماءه في الخارج، و بحكم ذلك أن يستعمل الكيس الخاص الذي أعد حديثا لمثل هذه الغاية، فيلبسه الذكر قبل الجماع فإذا جامع كان إنزاله فيه، ثم يخرجه مع الذكر بعد الفراغ، و هو إحدى الوسائل القديمة لمنع الحمل و ان لم يكن مضمونا.

ملاحظة:-

ذكر بعض الأطباء أن للمرأة فرصة معينة، سماها الطبيب (فترة الأمان)، فإذا جامعها الزوج في هذه الفترة لم تحمل.

و خلاصة ما ذكره في بيان ذلك: أن الميعاد المحدد لنزول بويضة المرأة من مبيضها هو منتصف ما بين الحيضتين من الزمان، فإذا كانت المدة المعتادة للمرأة ما بين نهاية حيضها السابق و ابتداء حيضها اللاحق هي اثنان و عشرون يوما مثلا، فآخر اليوم الحادي عشر من هذه المدة هو الموعد المحدد لنزول البويضة، و الفترة التي تبقى فيها البويضة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 461

بحسب العادة سليمة صالحة للقاح هي ثلاثة أيام، فإذا لم تلقح في هذه الفرصة فسدت، و الفترة الممكنة لاخصاب المرأة و تعرضها للحمل هي هذه الأيام الثلاثة، و الأيام الثلاثة السابقة عليها، ذلك ان الحوين المنوي الذي يقذفه الرجل قد يبقى سليما صالحا للتلقيح ثلاثة أيام،

و هي أقصى مدة يعيش فيها الحوين، فإذا جامع الرجل زوجته في الأيام الثلاثة التي تعيشها البويضة أو الأيام الثلاثة التي تسبقها أمكن حصول التلقيح، و هذه هي (فترة الاخصاب) كما يقول.

و الأيام المتقدمة على ذلك، و الأيام المتأخرة عنه، لا يمكن أن يحصل فيها تلقيح، لفساد البويضة، أو لموت الحوين، و هي (فترة الأمان) كما يرى هذا الطبيب.

و هو رأي يعتمد على التخمين، فلا يكون من الوسائل المضمونة لمنع الحمل.

المسألة 24:-

يجوز للمرأة أن تتناول الحبوب التي تؤخر نزول الحيض عليها عن عادتها المحددة لها، لتتم الصوم في شهر رمضان مثلا فلا تفتقر إلى الإفطار فيه، أو لتكمل عمرة التمتع و حج التمتع كما أمرت بهما، فلا ينقلب نسكها الى حج افراد، أو لغير ذلك من المقاصد.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 462

التشريح
المسألة 25:-

يحرم تشريح بدن الميت المسلم و تقطيع أجزائه و إذا جرحه أحد أو شق بطنه أو قطع بعض أوصاله، أو قطع بعض أعضائه، أو بعض أجهزته، أو بعض عظامه، أو كسرها، وجبت عليه الدية المقدرة شرعا لذلك الشي ء و المذكورة في كتاب الديات، و بحكم الميت المسلم الطفل الميت المتولد من أبوين مسلمين أو من أبوين أحدهما مسلم، و المجنون الميت الذي يكون أبواه مسلمين أو يكون أحدهما مسلما، و كذلك اللقيط الذي يوجد في دار الإسلام و لم يعرف نسبه، فلا يجوز تشريحه و لا قطع جزء منه.

المسألة 26:-

يستثنى من حرمة تشريح بدن الميت المسلم و من بحكمه، ما إذا توقفت على تشريحه حياة أحد مسلم، و مثال ذلك ما إذا ادعى بعض أولياء الميت أنه مقتول بالسم أو بنحوه من الأسباب التي تخفى على عامة الناس، و ارتقب أن تحدث من ذلك فتنة توجب اراقة دم و جعلت كلمة الفصل في ذلك للطبيب الموثوق، و توقفت معرفة سبب الموت على تشريح بدن الميت و لا طريق سوى ذلك، فيجوز للطبيب تشريح البدن ليعرف سبب الموت و يقول كلمته في الأمر.

المسألة 27:-

لا يسقط الحكم بحرمة تشريح الميت المسلم إذا أوصى هو قبل موته بأن يشرح بدنه بعد الموت، و لكن إذا شرحه أحد بعد الموت كما أوصى لم تجب عليه الدية.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 463

المسألة 28:-

يجوز أن يشرح بدن الميت الكافر سواء كان كتابيا أم غيره من أصناف الكفار و بحكمه الطفل و المجنون إذا كان كلا أبويهما كافرين، و كذلك الحكم في الميت المشكوك في إسلامه و كفره، فيجوز تشريح بدنه.

المسألة 29:-

إذا توقف تعلم علم الطب على تشريح بدن الميت، و لم تكف عنه وسيلة أخرى و لم يوجد بدن ميت كافر أو مشكوك الإسلام و الكفر، و لم يمكن التعلم بالحضور عند من يشرح الميت و هو ينظر اليه، جاز حين ذاك تشريح بدن المسلم، و يجب أن يقتصر مع ذلك على مقدار الضرورة التي يقتضيها التعلم، و لا تسقط الدية بذلك عن المباشر للتشريح، و إذا كان الميت قد أوصى في حياته بتشريح جسده بعد موته فلا دية له.

المسألة 30:-

إذا توقف تعلم علم الطب على النظر الى العورات المحرمة أو لمسها كالفروع التي تختص بأمراض الاجهزة البولية أو الاجهزة التناسلية، أو التوليد، و لم تكف عن النظر، و اللمس وسيلة أخرى يضعها العلم بأيدي الطلاب.

لهذه الغاية كالأجهزه الصناعية، جاز حين ذلك النظر و اللمس للعورة المحرمة، كما يجوز للطبيب النظر و اللمس كذلك عند الفحص و العلاج للأمراض التي تتعلق بها و يجب أن يقتصر مع ذلك على مقدار الضرورة التي يقتضيها التعلم، أو يقتضيها الفحص و العلاج، و لا تجوز الزيادة على ذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 464

الترقيع
اشارة

و يسمى كذلك عملية التجميل، و هو عملية جراحية يقوم بها جراح مختص، يعوض فيها عن جزء مفقود من بدن الإنسان الحي بجزء مماثل له من بدن انسان آخر، حي أو ميت، يضعه في موضع الجزء المفقود من بدن ذلك الإنسان ليقوم مقامه و يؤدى وظيفته العضوية.

و مثال ذلك: أن تقطع احدى شفتي الإنسان فتوضع مكانها شفة مماثلة من بدن انسان ميت، أو تقلع احدى عينيه، فتنقل اليه عين مماثلة من انسان آخر، أو تبتر إحدى كفيه أو إحدى قدميه، و يعوض عنها بكف أو قدم مماثلة.

المسألة 31:-

ذكرنا في المسألة الخامسة و العشرين: أنه يحرم قطع بعض أوصال الميت المسلم، أو بعض أعضائه، أو بعض أجهزته، أو بعض عظامه، و ذكرنا أنه تجب في قطع أي جزء من أجزائه الدية المقدرة لذلك الجزء شرعا.

و نتيجة مقطوعة لذلك، فلا يجوز أن يقطع شي ء من أجزائه ليرقع به بدن المسلم الحي، إلا إذا توقفت على ذلك حياة المسلم، فيجوز قطع العضو و الترقيع به حين ذاك، و يجب على من يباشر قطع العضو دفع ديته و إذا كان الميت قد أوصى بذلك في حياته لم تجب الدية في هذه الصورة.

المسألة 32:-

إذا ارتكب الإنسان هذا المحرم، فقطع الجزء الذي أراده من بدن الميت، أثم بذلك، و لزمته الدية كما ذكرنا، و جاز أن يرفع به بعد القطع بدن الحي، و إذا تم الترقيع

كلمة التقوى، ج 4، ص: 465

به، و برء الجرح الذي تقتضيه العملية أصبح ذلك الجزء عضوا من بدن المسلم الحي و شملته جميع أحكامه فيكون طاهرا إذا خلا من النجاسات العرضية، و يجب غسله في الأغسال الواجبة، و يجب غسله أو مسحه في الوضوء الواجب إذا كان من أعضاء الوضوء.

المسألة 33:-

ذكرنا في المسألة السابعة و العشرين: أن حرمة تشريح الميت المسلم و حرمة قطع أعضائه و أوصاله لا تسقط بوصيته قبل أن يموت بأن يشرح بدنه أو تقطع أعضاؤه بعد موته، نعم تسقط ديته إذا كان قد أوصى بذلك، فلا دية على من قطع عضوه و ان كان آثما بذلك.

المسألة 34:-

يجوز قطع أي عضو يراد من بدن الميت الكافر أو مشكوك الإسلام و الكفر، و يجوز أن يرقع به بدن المسلم الحي، فإذا أجريت العملية و التأم الجرح، أصبح ذلك العضو جزءا من بدن المسلم الحي، و حكم بطهارته إذا خلا من نجاسة عرضية، و شملته أحكام المسلم الحي، فيجب غسله في الأغسال الواجبة، و يجب غسله أو مسحه في الوضوء الواجب إذا كان من أعضاء الوضوء التي تغسل أو تمسح، و يستحب غسله في الأغسال و الوضوءات المستحبة، و كذلك تجري عليه أحكام التيمم إذا كان من أعضائه. و يجوز أن يقطع العضو من بدن الطفل الميت إذا كان متولدا من كافرين، ليرقع به بدن طفل مسلم حي، و تجري عليه الأحكام المتقدمة بعد الترقيع و التئام الجرح.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 466

المسألة 35:-

لا يجوز قطع شي ء من الأعضاء المهمة من بدن إنسان حي ليرقع به بدن مسلم حي، و ان رضي الشخص المقطوع منه بذلك، أو عوض عنه بالمال، سواء كان مسلما أم كافرا، ذميا أو معاهدا. و يجوز أخذ أجزاء غير مهمة إذا رضي المأخوذ منه بقطعها من بدنه كقطعة من اللحم يرقع بها نقص في الشفة أو في موضع آخر، و إذا أريد تعويضه عنها بالمال فالأحوط أن يكون ذلك على وجه المصالحة.

المسألة 36:-

المراد بالأعضاء المهمة من بدن الإنسان هي ما يوجب فقدها نقصا ملحوظا في جسد ذلك الشخص كاليد و الرجل و العين، و القدم و الكف، فضلا عما إذا كان نقصها يوجب خطرا أو موتا محققا، فلا يجوز قطع شي ء من ذلك و ان رضى الشخص الذي يؤخذ منه، كما ذكرنا.

و الظاهر انه يجوز أخذ الكلية الواحدة من المسلم الحي لتوضع لمسلم آخر، إذا شهد الطب بأن نقص الكلية الواحدة منه لا يسبب خطرا عليه و لا يوجب نقصا ملحوظا في الوظيفة التي يقوم بها جهازه، و هي في الوقت ذاته تنقذ المسلم الآخر من خطر معلوم.

فيجوز للشخص ان يتبرع بها للآخر، إذا شهد له الطب بذلك، و إذا أريد التعويض عنها بالمال فالأحوط ان يكون على وجه المصالحة كما تقدم.

المسألة 37:-

الظاهر انه يجوز قطع الأعضاء حتى المهمة من الإنسان الحي إذا كان كافرا محاربا لترقيع بدن المسلم الحي بها،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 467

فإذا رقع بدن المسلم بعضو منه، جرت فيه الأحكام السابقة في المسألة الرابعة و الثلاثين.

المسألة 38:-

يجوز أخذ الدم للمريض الذي يحتاج اليه من المسلم و غير المسلم إذا رضي المأخوذ منه بذلك، و تجوز المعاوضة عليه بالمال ببيع أو صلح أو غيرهما، و يحسن التبرع به للمحتاجين و المرضى ممن لا يضر بهم ذلك، و إذا أدخل في أورده المريض و جرى في بدنه عد من دمه و لحقه حكمه، و ان كان مأخوذا من كافر نجس العين.

الأوراق النقدية
اشارة

و هي عملة ورقية درجت على استعمالها عامة الدول في عامة البلاد، و استبدلت بها عن مسكوكات الذهب و الفضة، و مصدر مالية هذه الأوراق هو اعتبار الدولة التي تحكم البلد، أو البنك الذي تعتمده الدولة في هذا الأمر، أو الهيئة الخاصة التي تخولها الدولة ذلك، فتصبح الأوراق بسبب هذا الاعتبار نقدا رسميا للدولة تقوم به الأشياء، و تجري به المعاملات في بلاد تلك الدولة و قد تتعدى الى خارجها بمقدار ما للدولة من مكانة و نفوذ.

و للعملة غطاء تعتمد عليه الدولة في اعتبارها لأوراقها النقدية، و هذا الغطاء قد يكون ذهبا و فضة تملكهما الدولة و تدخره في خزائنها مسكوكين، أو غير مسكوكين، و قد يكون ذهبا تودعه في بنك عالمي مع دول أخرى تشترك معها في الإيداع في ذلك البنك، و قد يكون الغطاء من ثروات طبيعية تمتاز بها بلاد الدولة من نفط و كبريت و غيرهما من المعادن.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 468

المسألة 39:-

لا تجب الزكاة في الأوراق النقدية إذا ملك المكلف منها قيمة النصاب في الذهب أو الفضة أو أكثر، و حال عليها الحول و هي في ملكه و تصرفه، و هو واضح جدا في البلاد التي يكون غطاء العملة فيها من النفط و الكبريت و نحوهما من الثروات الطبيعية، فان الأوراق ليست في نفسها ذهبا و لا فضة، و لا عوضا عنهما.

و كذلك في البلاد التي يكون غطاء العملة فيها من الذهب و الفضة غير المسكوكين، فإن الزكاة انما تجب في الذهب و الفضة المسكوكين.

و كذلك الحكم في البلاد التي يكون رصيد العملة فيها من الذهب و الفضة المسكوكين، فان الورق النقدي في هذه البلاد و ان كان عوضا عن

الذهب و الفضة المسكوكين، الا أن الذهب و الفضة المذكورين ليسا في يد المكلف بحيث يتمكن من التصرف فيهما طول الحول، و هذا أحد شروط وجوب الزكاة، و لذلك فلا تجب على المكلف فيه الزكاة.

المسألة 40:-

ما ذكرناه في المسألة المتقدمة من عدم وجوب الزكاة في الأوراق النقدية إذا بلغ ما يملكه المكلف منها قيمة النصاب، لا يعني انه لا يكفي دفع الأوراق النقدية قيمة للزكاة التي تجب عليه في أحد النصب الزكوية الأخرى.

فإذا كان المكلف مالكا لنصاب زكوي من أحد الغلات أو الأنعام أو النقدين و وجبت عليه الزكاة فيه. و أراد ان يدفع قيمة الزكاة من الأوراق النقدية فإنه يصح له ذلك و يجزيه عن الواجب، و هذا واضح و نحن نذكره للتنبيه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 469

المسألة 41:-

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 4، ص: 469

لا يجوز أن يقرض المكلف غيره عددا من الأوراق النقدية بشرط الزيادة، فيقرضه مائة دينار عراقي مثلا إلى مدة سنة بمائة و عشرين دينارا عراقيا، فان ذلك من الربا المحرم، و تحريم الربا في القرض لا يختص بالذهب و الفضة، و لا بالمكيل و الموزون، بل يشمل حتي المعدود، فلا يجوز أن يقرض الإنسان غيره عشرين بيضة من بيض الدجاج مثلا إلى مدة شهر باثنتين و عشرين بيضة منها، و لا يختلف هذا الحكم باختلاف رصيد العملة الورقية.

المسألة 42:-
اشارة

يجوز بيع عدد معين من الأوراق النقدية بأكثر منه من عملة واحدة، إذا كان الرصيد الذي اعتمدت عليه الدولة في إصدار تلك العملة من الثروة الطبيعية في بلادها كالنفط و شبهه، و مثال ذلك: أن يبيع الرجل على غيره خمسين دينارا عراقيا مثلا بأربعة و خمسين دينارا عراقيا، فيصح هذا البيع منه و لا يكون التفاضل بين العوضين من الربا الممنوع في المعاملة.

و ذلك لأن العملة نفسها ليست من المكيل و الموزون، و هي بهذا الاعتماد لا تكون عوضا عن أحدهما، و الربا الممنوع في المعاملة مشروط أولا: بأن يكون العوضان من جنس واحد، و ثانيا: بأن يكون الجنس من المكيل أو الموزون، و الشرط الثاني مفقود في المعاملة المذكورة، فلا مانع من البيع المتقدم ذكره.

و كذلك الحكم إذا كانت مالية العملة مستندة الى اعتبار الدولة و نفوذها فقط و لم يكن لها رصيد آخر، من ذهب

كلمة التقوى، ج 4، ص: 470

و فضة أو من ثروة طبيعية، كالعملة الورقية التي تصدرها بعض

الدول أيام الحروب العامة، فيجري فيها الكلام المتقدم سواء بسواء.

تنبيه:-

قد تكون لدى المكلف أوراق نقدية من العملة المتقدم ذكرها في المسألة السابقة، و يكون له غرض خاص بإبدال هذه الأوراق بأكثر منها من العملة ذاتها إلى مدة معينة، و قد بينا في المسألتين المتقدمتين: ان ذلك لا يصح إذا أجريت المعاملة بنحو القرض، و يكون أخذ الزيادة فيها من الربا المحرم، و يجوز ذلك إذا أجريت المعاملة بنحو البيع، و يحل له أخذ الزيادة و لا يكون من الربا الممنوع، فلا بد للمتعاملين إذا أراد اجراء المعاملة بينهما ان يلتفتا الى ما يقصدان في إنشاء معاملتهما، فان قصدا بها البيع إلى أجل حل ذلك، و ان قصدا بها القرض إلى مدة لم يحل، كما يقول سبحانه وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، وَ حَرَّمَ الرِّبٰا.

المسألة 43:-

إذا كان للعملة رصيد من الذهب و الفضة مسكوكين أو غير مسكوكين، مخزونين عند الدولة أو في بنك عالمي معين، و قد اعتمدت الدولة عليهما و أصدرت أوراقها النقدية عوضا عنهما، سواء كانت الدولة أو المؤسسة المخولة من الدولة قد تعهدت لمن يملك هذه الأوراق بأن تعطيه العوض من الذهب و الفضة إذا شاء، أم لم تتعهد له بذلك، إذا كانت العملة كذلك أصبحت الورقة منها عوضا عن الذهب و الفضة، و المعاملة بها معاملة بالذهب و الفضة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 471

و نتيجة لذلك فلا يصح أن يباع عدد من هذه الأوراق بأكثر منه من هذه العملة نفسها، لأن الذهب و الفضة اللذين تحكي عنهما الورقة مما يكال و يوزن، سواء كانا مسكوكين أم غير مسكوكين فتكون الزيادة في الثمن من الربا الممنوع في المعاملة، فيبطل البيع.

و هذا كله على الأحوط في هذا الصنف من العملة الورقية، فان من المحتمل

القريب أن يكون الرصيد الذهبي و الفضى الذي اعتمدت عليه تلك الدولة و أصدرت بسببه أوراقها، انما هو اعتماد دولي خالص و ليس أعواضا للأوراق، و الورقة انما هي نقد رسمي أصدرته الدولة اعتمادا على ما لديها من رصيد مخزون، و ليست عوضا عن ذهب أو فضة فيكون سبيل هذه العملة سبيل العملة التي ذكرناها في المسألة السابقة. و يسند هذا الاحتمال و يقويه ما تذيعه الاذاعات العالمية عن أسعار الذهب صعودا و نزولا بالعملات المختلفة للدول الكبرى، و بعض العملات المحلية و لو كانت العملة الورقية عوضا عن مقدار معين من الذهب لما اختلف سعر الذهب فيها و لا في العملات المرتبطة بها و ان اختلفت قيمته في العملات الأخرى، و يسنده و يقويه كذلك ما تذيعه الاذاعات عن ارتفاع أسعار العملات و هبوطها بعضها عن بعض حتي مع وقوف الذهب على سعر واحد. و لكن هذا كله انما يسقط الاحتمال الأول في أكثر العملات العالمية الموجودة و لا يسقطه في جميعها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 472

فلا يترك الاحتياط في العملة التي يظن أن الدولة قد أعدت الذهب و الفضة عوضا عن الأوراق و ليس مجرد اعتماد، و يصح البيع في ما عدا ذلك من العملات مع التفاضل.

المسألة 44:-

لا يشترط في صحة بيع الأوراق النقدية بعضها ببعض أن يحصل التقابض، بين المتبايعين قبل أن يفترقا، فان ذلك انما هو شرط في صحة بيع الصرف، و هو بيع الذهب و الفضة بعضهما ببعض، سواء كانا مسكوكين أم غير مسكوكين، و ليس منه بيع الأوراق، و ان كانت نقودا، فلا يبطل البيع إذا افترق المتبايعان قبل التقابض، و لا يترك الاحتياط في العملة المذكورة في المسألة

المتقدمة.

المسألة 45:-

ربما تصدر بعض الحكومات عملة ورقية تنفق في بلادها و بعض البلاد الأخرى، و يكون رصيد هذه العملة مبالغ تملكها الحكومة من عملة ورقية لبعض الدول الكبرى، تودعها حكومة ذلك البلد في أحد البنوك العالمية، أو يكون الاعتماد على تعهد احدى الدول الكبرى بعملة تلك الحكومة، فتكون تلك المبالغ المودعة، أو المتعهد من الدولة الكبيرة هو الرصيد المعتمد لتلك العملة.

و لا تجب الزكاة في هذه العملة كما تقدم في نظائرها و يصح أن يباع عدد من هذه الأوراق بأكثر منه من هذه العملة و لا يلزم منه الربا، فهي ليست مما يكال أو يوزن و لا عوضا عن الذهب و الفضة، و ليس بيع بعضها ببعض من بيع الصرف، فلا يشترط فيه التقابض قبل أن يفترق المتبايعان.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 473

نعم يجري فيها ربا القرض، فلا يجوز أن يقرض الإنسان غيره عددا منها بشرط الزيادة كما تقدم في غيرها.

أحكام اللقطة
المسألة 46:-

إذا وجد الإنسان أوراقا نقدية في طريق أو في موضع عام، و لم يعرف مالكها و ليس عليها يد أمينه، فهي لقطة كسائر الأموال الضائعة التي يجدها كذلك، فتجري عليها أحكام اللقطة.

و ليست فاقدة للعلامات المائزة التي يمكن الملتقط أن يتعرف بسببها على المالك، فعدد الأوراق مثلا، و كونها من الفئة ذات الدينار الواحد أو النصف دينار، أو الخمسة دنانير أو العشرة أو الخمسة و العشرين دينارا، و كونها في حافظة نقود و صفتها كذا، أو في كيس لونه كذا، أو في خرقة أو منديل وصفهما كذا، كل هذه و أشباهها علامات يمكن الملتقط ان يتعرف بسببها على مالك الأوراق، فلا فرق من هذه الجهة بينها و بين غيرها من النقود و المسكوكة التي تضيع

من أصحابها و تجري عليها أحكام اللقطة.

المسألة 47:-

لا فرق بين لقطة الأوراق النقدية و غيرها في الأحكام، فإذا وجدها في الحرم المكي حرم عليه أخذها، و إذا أخذها كان آثما و ضامنا، إلا إذا كان أخذه إياها بقصد التعريف بها فلا يأثم و لا يضمن حين ذاك، و إذا أخذها كذلك وجب عليه أن يعرف بها سنة كاملة من يوم التقاطها، فإذا هو لم يعرف مالكها وجب عليه على الأحوط أن يتصدق بها عن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 474

مالكها، و الأحوط كذلك أن يكون تصدقه بها باذن الحاكم الشرعي، و لا يجوز. للملتقط أن يتملكها بعد انتهاء التعريف، إلا إذا كان فقيرا فيجوز له تملكها بنية الصدقة عن المالك بأذن الحاكم الشرعي كما ذكرنا.

و إذا وجد اللقطة في غير الحرم و كانت للقطة علامة مائزه يمكنه أن يتعرف بسببها على المالك وجب عليه أن يعرف بها مدة سنة كاملة من يوم الالتقاط، فإذا تمت السنة مع التعريف و لم يعرف مالكها تخير بين أن يتصدق بها عن المالك، و ان يبقيها في يده أمانة لمالكها يحفظها له كما يحفظ ماله.

و يجوز له أن يتملكها، فإذا عرف صاحبها بعد ذلك فعليه ضمانها له، فيردها عليه إذا كانت موجودة، و يرد عليه مثلها إذا كانت تالفة، و ليرجع الى كتاب اللقطة في بقية المسائل التي تتعلق بها.

المسألة 48:-

إذا كان الإنسان مدينا لأحد بمبلغ من الأوراق النقدية، ثم ألغت الدولة اعتبار تلك الأوراق، وجب عليه أن يدفع لدائنه قيمة ما عليه من الأوراق يوم التلف، و هو اليوم الذي ألغي فيه اعتبارها و قبل أن تسقط عن المالية، من غير فرق بين أن يكون الدين ثمنا لمبيع اشتراه منه في الذمة أو وفاء مال

استقرضه منه الي أجل أو بدل عين ضمنها له بالغصب أو بالإتلاف، أو بغير ذلك من أسباب شغل الذمة بالمال، و لا اعتبار بالقيمة التي قد تكون لها بعد ذلك عند بعض الناس الذين يقتنونها و يحتفظون بأمثالها لأنها آثار أو للتاريخ أو للفن.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 475

الشوارع التي تفتحها الدولة
المسألة 49:-

يجوز المرور في الشوارع و الأرصفة و الطرق التي تفتحها الدولة أو توسعها من أملاك الناس و دورهم و محلاتهم، سواء أ عوضت الدولة أهل الأملاك عما أخذته منهم بالمال أم أخذته منهم بغير تعويض، و سواء أ كانت المحلات و الدور مملوكة أم موقوفة، كالمساجد و الحسينيات و الموقوفات العامة أو الخاصة، فيجوز للناس المشي و الاجتياز فيها بعد أن تصبح شوارع و طرقا و أرصفة و لا فرق بين أن تكون أرض الشارع و الرصيف قد بلطت بالقير و الزفت و الاسمنت و نحوها أم لم تبلط.

المسألة 50:-

لا يجوز ابتياع ما يفضل عن الشارع من أرض الدور و المحلات المملوكة إلا برضى أصحابها التي كانت لهم، و إذا اشتريت أو بنيت محلات أو دكاكين أو غير ذلك بدون رضى أصحابها فهي مغصوبة.

المسألة 51:-

ما يفضل عن الشارع من أرض المسجد المهدوم لا يخرج عن كونه مسجدا و ان صغرت مساحته، و تجري عليه أحكام المسجد، فلا يجوز تنجيسه، و يجب تطهيره إذا تنجس، إلا إذا تعذر ذلك أو لزم منه الحرج، و يحرم مكث الجنب و الحائض و النفساء فيه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 476

المسألة 52:-

ما يبقى من الحسينية المهدومة للشارع ان أمكن جعله حسينية صغيرة ينتفع بها على النحو الذي أراده الواقف في أصل الوقف، وجب جعله كذلك، و ان لم يمكن ذلك، بحيث زال عنه عنوان الحسينية، صح بيعه و المعاوضة عليه، و ان أمكن انتفاع الوقف به في جهة أخرى، و كذلك إذا طرأ على تلك الزيادة أحد المسوغات الأخرى لبيع الوقف، فيجوز بيعها.

و كذلك الحكم في الموقوفات الأخرى العامة أو الخاصة إذا أخذ منها للشارع، و بقيت منها فضلة، فإن أمكن الانتفاع بهذه البقية على النهج الذي عينه الواقف في أصل الوقف، تعين العمل بها كذلك، و ان لم يمكن ذلك، و علم من الشواهد و القرائن أن مقصود الواقف مطلق الانتفاع للجهة الموقوف عليها، صح أن تجعل هذه البقية دكاكين أو محلات، تؤجر و تصرف حاصلاتها على الجهة التي أرادها الواقف، و إذا طرأ أحد المسوغات لبيع الوقف صح بيعها و المعاوضة عليها، و يلاحظ لبيان ذلك ما ذكرناه في كتاب التجارة في مسوغات بيع الوقف.

المسألة 53:-

إذا جاز بيع ما يفضل من الحسينيات أو الموقوفات الأخرى التي تهدمها الدولة للشوارع، فالمتولي لبيعها هو الحاكم الشرعي أو وكيله، و إذا كان الوقف على أشخاص معينين كالوقف على الذرية، فالأحوط أن يرجع في بيعه الى كل من الحاكم الشرعي و الموقوف عليهم.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 477

المسألة 54:-

إذا بيع الموقوف أو عوض عنه بمعاوضة أخرى غير البيع كالصلح و نحوه، فالأحوط أن يشتري بثمنه ملكا و يقفه على نهج الوقف الأول.

المسألة 55:-

يجوز المرور في الشارع الذي تتخذه الدولة أو توسعة من مقبرة المسلمين، سواء أ كانت المقبرة عامة في البلد أم خاصة بفرد أو أسره، و سواء أ كانت مملوكة سبلها مالكها ليدفن فيها المسلمون موتاهم، أم موقوفة عليهم لذلك، أم مباحة، و الأحوط ترك المرور و الاستطراق في الشارع حتى تسوى أرضه و تهدم الشواهد و العلامات و الأبنية التي تكون للقبور.

المسألة 56:-

إذا استملكت الدولة قسما من مقبرة المسلمين، فأخذت بعضه للشارع، و بقيت منه فضلة أرادت أن تجعلها دورا أو حوانيت و محلات، فان كان الموضع خاليا من القبور، و كانت المقبرة مباحة جاز للإنسان أن يتملك الموضوع و يجعله دارا أو محلا، و إذا كان الموضع محجرا لم يجز تملكه إلا بإذن صاحبه الذي حجره لنفسه، و إذا كان الموضع يحتوي على قبور و مدافن للموتى، لم يجز تملكه حتى تبلى أجساد الموتى المدفونة فيه و تتلاشى.

و إذا كانت المقبرة مملوكة، لم يجز لأحد تملك شي ء منها الا برضى مالكها، سواء كان الموضع الذي يريد تملكه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 478

خاليا من القبور أم لا، و إذا كان الموضع يحتوي على قبور و مدافن للموتى لم يجز تملكه و ان رضى مالكها الأول و إذا كانت المقبرة موقوفة و كانت الفضلة خالية من القبور جرى فيها حكم الزيادة من سائر الموقوفات، و قد تقدم بيانه في المسألة الثانية و الخمسين، و إذا كان الموضع يحتوي على قبور، لم يجز بيعه، و ان طرأ عليه بعض مسوغات بيع الوقف.

المسألة 57:-

لا يجوز أن يستولي الإنسان على شي ء من مقبرة المسلمين ليتخذ منه دارا أو محلا أو حانوتا، و يمنع المسلمين من الدفن فيها، و خصوصا إذا كان الموضع الذي يريد الاستيلاء عليه يحتوي على قبور للموتى، فإنها بعد أن جعلت مقبرة و اعتبرت كذلك يكون حق الدفن فيها عاما لمن يريد الدفن فيها من المسلمين، فلا يجوز منعهم من هذا الحق، بل تكون الأرض ذاتها متعلقا لحقهم، فيكون الاستيلاء عليها لغير الدفن غصبا محرما، و ان كان الموضع خاليا من القبور بالفعل، و إذا دفن أحد

فيه كان موضع جسد ذلك الميت المسلم ملكا له ما لم يبل جسده و يتلاش و يصبح معدوما، فلا يجوز تملك الموضع قبل ذلك فإنه اغتصاب محرم.

المسألة 58:-

إذا منعت الدولة من الدفن في المقبرة، أو ترك الدفن فيها لبعض الموانع الأخرى و كانت المقبرة مباحة، جاز الاستيلاء على المواضع الفارغة منها من القبور، و جاز

كلمة التقوى، ج 4، ص: 479

اتخاذها دورا و محلات للسكنى و الإجارة، و سقط حكم التحجير إذا كانت محجرة للدفن.

و إذا كانت مملوكة، فالأمر فيها لأربابها، و إذا كانت موقوفة جرى في المواضع الفارغة منها حكم الموقوفات المتقدم بيانه.

و أما مواضع القبور فلا يصح تملكها قبل أن تبلى الأجساد المدفونة فيها و تتلاشى، سواء كانت المقبرة مباحة أم مملوكة أم موقوفة.

اليانصيب
اشارة

و هو وسيلة تستخدمها بعض الشركات و المؤسسات لمساعدة مشاريع تقوم بها أو تتبناها، و هذه المشاريع قد تكون إنسانية أو خيرية، و قد لا تكون كذلك.

فتطبع الشركة أو المؤسسة باسمها و بشعارها الخاص بها أوراقا متسلسلة الأرقام تدعو فيها الى مساندة المشروع الذي تريد، و تجعل للورقة ثمنا خاصا من النقد، تبيع الورقة به، على من يريد الاشتراك في المساعدة، و تتعهد الشركة أو المؤسسة بأنها ستقرع بين المشتركين الذين يشترون هذه الأوراق و يدفعون أثمانها، فمن تعينه القرعة منهم، فإن الشركة تدفع له جائزة من المال، قدرها (كذا دينارا)، و قد تجعل الجوائز متعددة، فللفائز الأول جائزة أولى بمبلغ (كذا)، و للفائز الثاني جائزة ثانية بمبلغ (كذا)، و هكذا بحسب ما يقتضيه اهتمام الشركة بالمشروع، و سعة دائرة الاشتراك، و كثرة ثمن الورقة،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 480

و قد تكون الجائزة جهازا معينا مثلا، أو سيارة من فئات خاصة أو غير ذلك من الأمور المرغوب فيها بين الناس.

و الشركة تعلن عن تعهدها بذلك في أوراق اليانصيب، و توزعها على من يريد الاشتراك في الصفقة،

فعلى الفرد منهم ان يدفع الثمن المعين للورقة، و على الشركة أو الموزع أن يدفع له الورقة ذات الرقم الخاص بها، و على المشترك أن يحتفظ بالورقة و بالرقم المعين فيها، لتكون سندا له إذا واتاه النصيب فعينته القرعة من بين ألوف المشتركين.

المسألة 59:-

السبيل لتصحيح هذه العملية أن يدفع المشترك القيمة المعينة لورقة اليانصيب، بقصد التبرع للمشروع، و خصوصا إذا كان إنسانيا أو خيريا، و لا يقصد به شراء الورقة لما سنذكره في المسألة الآتية، فإذا عينت القرعة اسمه بعد ذلك، و دفعت له الجائزة فإن كانت الشركة أهلية جاز له قبول الجائزة منها، فإن الشركة تدفع اليه ما لها برضاها، و لا مانع من قبوله، و ان كانت مؤسسة حكومية، كان المال المدفوع اليه من مجهول المالك فتتوقف إباحته له على استيذان الحاكم الشرعي أو وكيله.

المسألة 60:-

ليست ورقة اليانصيب عملة ورقية تعتبرها الدولة نقدا، أو شيئا تتوقف عليه مصلحة عامة ملحوظة للدولة و للناس على السواء كطوابع البريد و طوابع المال، فتكون من أجل ذلك لها قيمة مالية، و ليست لها في نفسها قيمة تذكر،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 481

و لذلك فيكون شراء المشترك إياها بالثمن المحدد لها معاملة سفهية، و إذا هو اشتراها لاحتمال أن يفوز بسببها بالحصول على الجائزة التي تدفعها الشركة كانت المعاملة غررية، و قد تكون في بعض صورها ربوية و على أي الحالين فالمعاملة عليها باطلة لا تنفذ.

البنوك
اشارة

تنقسم البنوك المعروف وجودها في بلاد المسلمين الى عدة أصناف:

1- بنوك أهلية، و هي التي يقوم بإنشائها جماعة من أهل البلاد المسلمين، فيشترك كل واحد منهم بدفع سهم واحد أو أكثر من المال الذي أرادوا جمعه لتمويل البنك، حتى يجتمع من مجموع هذه السهام رأس المال المحدد، أو المفتوح لكل من يريد الاشتراك، و يؤسس منه البنك ليقوم بأعماله و حركته الاقتصادية كسائر البنوك، و قد يشترك معهم غير المسلم في المساهمة، و هذا لا يعني أن البنك أصبح لغير المسلمين بعد أن كان الأكثر منهم، فلا يختلف الحكم بذلك، و تقسم الأرباح بين المشتركين على نسبة ما يملكه المشترك من السهام في رأس المال.

و قد يتفق أن يكون البنك الأهلي كله لشخص واحد فيضع هو رأس ماله و يقوم بتأسيسه و تمويله و تكون له أرباحه.

2- بنوك حكومية، و هي التي تؤسسها الحكومات المسلمة في البلاد، فهي التي تضع رأس المال و تنشئ المؤسسة،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 482

و تعين موظفيها و عمالها، و تشرف على حركتها، و تقوم باللوازم التي تحتاج إليها المؤسسة في نشاطها و

بقائها.

3- بنوك مشتركة بين الأهلين و الحكومة، فيسهم كل منهما بمقدار من رأس المال، و على ذلك يتم الإنشاء و تسير الأعمال و تقسم الأرباح.

4- و قد تفتح في البلاد فروع لبنوك مسلمة و لكنها أجنبية، فرأس مالها و مؤسسوها من بلاد مسلمة أخرى، و هي كذلك أهلية، و حكومية، و مشتركة، و لا يختلف حكم هذه عما تقدم، فللأهلية منها حكم البنوك الأهلية في البلاد، و للحكومية و المشتركة حكم نظيرها في البلاد، و كذلك إذا جرت المعاملة مع هذه البنوك في بلادها.

5- و قد تفتح في البلاد فروع لبنوك غير مسلمة، فتكون رؤوس أموالها لغير المسلمين حكومية أو أهلية أو مشتركة، و تقوم بأعمالها و حركتها الاقتصادية كسائر المؤسسات في البلد.

و الخط الذي تسير عليه هذه الأصناف كلها متحد في الغالب، و هو أخذ الفائدة من العميل حين يقترض من البنك مبلغا من المال، و دفع الفائدة إليه حين يقرض البنك و يودع ماله فيه، فيسأل الناس عن أخذ هذه الفوائد أو دفعها الى البنك، و هي من الربا المحرم في شريعة الإسلام، و يسألون عن اعمال يقوم بها البنك في حركته الاقتصادية لمساعدة عملائه و يأخذ منهم

كلمة التقوى، ج 4، ص: 483

بإزاء ذلك شيئا معينا من المال، و يسألون عن أمور تشابه ذلك في معاملة البنك مع الناس و معاملتهم معه.

6- و قد تفتح بنوك و مصارف إسلامية، و مثل هذه المؤسسات لا ينبغي السؤال عنها، فان هذه المؤسسات إذا كانت إسلامية كما تقول، فان معنى ذلك انها تسير على الخط الذي وضعته الشريعة الإسلامية للاقتصاد و العمل فيه، فهي لا تعترف بالربا المحرم و لا تتعامل به و لا تقترب

من الأموال المحرمة في الإسلام، و لا من الأعمال المحرمة فيه أبدا.

و إذا كان الأمر كما تقول، فلا إشكال في صحة التعامل معها.

مع البنك الأهلي
المسألة 61:-

لا يجوز الاقتراض من البنك بشرط الزيادة، لأن ذلك من الربا المحرم، و لا فرق في هذا الحكم بين البنك الأهلي و سائر البنوك و المؤسسات و المقرضين، و انما ذكرنا البنك الأهلي لأنه مورد حديثنا في المقام، و إذا كانت المعاملة مع البنك الأهلي أو ما يشبهه من المؤسسات و المتاجر الأهلية، و المقرضين فيمكن التخلص من الربا بأحد هذه الوجوه الآتي بيانها:- 1- أن تجري المعاملة بصورة البيع، فيشتري الشخص من البنك بضاعة لها قيمة معينة بأكثر من قيمتها بمقدار الفائدة التي يطلبها البنك، فيشتري منه سلعة قيمتها مائة دينار مثلا بمائة و عشرة دنانير إلى مدة

كلمة التقوى، ج 4، ص: 484

سنة، فإذا قبض العميل السلعة من البنك و تملكها بالبيع باعها منه أو من غيره بمائة دينارا نقدا، فيكون قد قبض مائة دينار نقدا و اشتغلت ذمته للبنك بمائة و عشرة دنانير إلى سنة.

2- ان يشتري العميل من البنك سلعة قيمتها عشرون دينارا مثلا بثلاثين دينارا حالة أو مؤجلة، و يشترط على البنك في عقد البيع: ان يقرضه مائة دينار من غير فائدة إلى مدة سنة، فإذا تم البيع و أقرضه البنك مائة دينار وفاء بالشرط كان للبنك في ذمة العميل مائة دينار عوض القرض و حصل منه على الفائدة بالربح من قيمة المبيع.

3- ان يبيع العميل على البنك سلعة بأقل من قيمتها المعروفة لها بمقدار الفائدة و يشترط على البنك في عقد البيع ان يقرضه المبلغ المعين بينهما مثلا بمثل إلى مدة سنة فإذا تم البيع و

قبض البنك السلعة و تم القرض كما اشترط كان القرض قد تحقق من غير فائدة، و ملك البنك الفائدة بالربح من السلعة المبيعة.

4- أن يقرضه البنك المبلغ الذي أراده و لا يشترط عليه الزيادة، و يهب المقترض مقدار الفائدة للبنك هبة مستقلة لا دخل لها في القرض، فلا يكون ذلك من الربا و للعميل ان يهب مقدار الفائدة للبنك أو لا و يشترط عليه في عقد الهبة ان يقرضه المبلغ إلى المدة المعينة مثلا بمثل، فإذا أقرضه كما اشترط حصلت النتيجة المتقدمة من غير ربا

كلمة التقوى، ج 4، ص: 485

5- إذا كان المبلغ الذي يريد الشخص أن يقترضه من البنك من الأوراق النقدية و كان من الصنف الذي تعتمد الدولة في إصداره و اعتباره على الثروة الطبيعية في بلادها، فيصح للبنك ان يبيع على الشخص المقدار الذي أراده بمثله مع الزيادة. فيبيع عليه مائة دينار معينة مما يملكه البنك بمائة و عشرة دنانير تبقى في ذمته إلى مدة سنة، فتصح المعاملة بيعا لا قرضا و لا يكون ذلك من الربا المحرم في المعاملة لأن الثمن و المثمن ليسا من المكيل و الموزون، و قد بينا هذا في مبحث الأوراق النقدية في المسألة الثانية و الأربعين.

المسألة 62:-

الوديعة هي المال الذي يتركه الإنسان عند غيره لينوب عنه في حفظه من التلف و السرقة و غيرهما، و عقد الوديعة هو الإيجاب و القبول الذي يستنيب به الرجل صاحبه في حفظ وديعته، فيقبل صاحبه منه هذه الاستنابة و هذا الايتمان.

فالوديعة في حقيقتها أمانة بيد المؤتمن يجب عليه حفظها، و لا يجوز له التصرف فيها و لا التفريط فيها و في حفظها، و يكون صدور ذلك منه موجبا لضمانها

إذا تلفت أو سرقت أو تعيبت، و هي بغير تعدّ و لا تفريط لا تكون مضمونة على الأمين، فإذا تلفت عنده أو سرقت لم يجب عليه دفع بدلها، و إذا تعيبت لم يجب عليه دفع أرشها.

و إذا تصرف المستودع فيها، فباع و اشترى و ربح لم يصح ذلك إلا بإجازة المالك و اذنه، و إذا أجاز، فالأرباح كلها لمالك الوديعة، و لا يستحق المستودع منها شيئا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 486

هذه هي الوديعة، و تفصيل هذا المجمل من أحكامها يراجع في كتاب الوديعة و كتاب البيع من الفقه الإسلامي، و هذه الاحكام و اللوازم لا تتفق مطلقا مع الوديعة المعروفة في البنوك، فإن الوديعة في نظام البنوك- بعد ان يتم إيداع المبلغ من العميل- تكون ملكا للبنك الذي أودعت فيه، يعمل فيها ما يشاء و تكون أرباحها له، و لا يستحق المودع منها شيئا، غير الفائدة التي يدفعها له البنك، سواء كان الإيداع ثابتا أم متحركا.

و يراد بالإيداع الثابت أن تكون للوديعة مدة معينة بين العميل و البنك، فلا يلزم البنك بوضعها تحت طلب صاحبها قبل أن تنتهي المدة المعينة، و لا يحق لصاحب الوديعة أن يطلبها من البنك أو يطلب شيئا منها قبل انتهاء المدة، و الإيداع المتحرك أن يكون البنك ملزما بوضع المبلغ تحت طلب المودع فيدفع له منه ما أراد متى أراد.

و معنى ما تقدم أن صاحب الوديعة قد ملك البنك المبلغ الذي أودعه إياه، فيكون للبنك حق التصرف فيه و تكون الأرباح له، و ان على البنك ان يدفع عوض المبلغ للمالك بعد انتهاء المدة أو عند الطلب، و اذن فهو إقراض للبنك و ان سمي في نظام البنوك ايداعا، و

الفائدة التي يدفعها البنك لصاحب المال انما هي فائدة للقرض.

المسألة 63:-
اشارة

لا يجوز للشخص أن يقرض البنك بشرط الزيادة، و قد تقدم في المسألة السابقة أن الإيداع في البنك إنما يعني إقراضه، فإذا كان الإيداع بشرط الزيادة كان محرما

كلمة التقوى، ج 4، ص: 487

سواء كان شرط الزيادة صريحا أم ضمنيا، بأن يكون ذلك معلوما لكل من الطرفين و قد تبانيا في عقد القرض بينهما عليه، و ان لم يذكراه صريحا، فتكون الزيادة المشترطة ربا محرما.

و يمكن لهما التخلص من الوقوع في الربا بأحد الوجوه التي تقدم بيانها في المسألة الحادية و الستين.

و لا يحرم إقراض البنك و الإيداع فيه إذا لم تشترط فيه الزيادة، أما بأن يصرح المقرض و المودع لصاحب البنك أو وكيله المفوض بأنه لا يريد الفائدة، و أما بان يبني في نفسه على عدم الزيادة، و انه يرد الفائدة الى صاحب البنك أو وكيله إذا دفعت اليه.

تنبيه:-

إذا أراد العميل أن يجري أحد الوجوه المتقدمة للتخلص من الربا في اقتراضه من البنك أو في إقراضه أو إيداعه، فلا بد و ان يجري المعاملة مع صاحب البنك أو مع وكيله المفوض، و لا يكفي أن يجريها مع أحد الكتاب أو الموظفين في البنك إذا لم يكن مفوضا من المالك.

و قد ذكرنا في ما تقدم ان البنوك الاجنية إذا كان مؤسسوها و مالكوا رأس مالها من الاهالي المسلمين فلها حكم البنوك الأهلية المسلمة في البلاد فتجري فيها الأحكام السابقة في القرض و الإقراض و الإيداع.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 488

البنك الحكومي
المسألة 64:-

لا يجوز الاقتراض من البنك الحكومى بشرط الزيادة، لأنه من الربا المحرم، كما تقدم في البنك الأهلي، و لا تجري الوجوه التي ذكرناها للتخلص من الربا مع البنك الأهلي، و يجوز للشخص أن يأخذ المبلغ الذي يدفعه له البنك فيباح له التصرف فيه باذن الحاكم الشرعي أو وكيله المأذون من باب المال المجهول مالكه. فإذا انتهت المدة المضروبة و طالبه البنك بتسديد العوض دفع اليه المبلغ مع الزيادة القانونية، إذ لا يمكنه التخلف عن ذلك قانونا.

المسألة 65:-

لا يجوز إقراض البنك أو الإيداع فيه بشرط الزيادة فهو من الربا المحرم، و له أن يودع المال فيه و لا يشترط الزيادة بان يبني في نفسه على عدم الزيادة، و إذا دفع البنك المبلغ اليه مع الفائدة عند المطالبة بالوديعة أو بمال القرض جاز له أن يأخذهما منه باذن الحاكم الشرعي كما تقدم في المسألة السابقة.

و كذلك الحكم مع البنك الحكومي لبلد مسلم آخر فتجري فيه أحكام المسألتين.

المسألة 66:-

تجري الأحكام المتقدمة في المسألتين السابقتين في البنك المشترك بين الحكومة و الأفراد في كل من الاقتراض و الإقراض و الإيداع، فيراعى تطبيقها على النهج المتقدم بيانه، و كذلك البنوك المشتركة بين الحكومة و الافراد المسلمين من بلاد أخرى.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 489

بنوك غير المسلمين
المسألة 67:-

لا يجوز للمسلم أن يقترض من بنوك الكفار بشرط الزيادة، فإن حرمة الربا تشمل المعاملة التي تقع بين المسلم و الكافر، إذا كان الدافع للفائدة هو المسلم. و إذا كان البنك الذي يراد الاقتراض منه أهليا، فيمكن للمسلم ان يتخلص من الوقوع في الربا معه بأحد الوجوه التي تقدم بيانها في المسألة الحادية و الستين.

المسألة 68:-

يجوز للمسلم أن يأخذ المبلغ الذي يدفعه له البنك الحكومي أو البنك المشترك من بنوك الكفار لا بعنوان الاقتراض، و لا يحتاج في إباحة التصرف فيه الى اذن الحاكم الشرعي، و إذا انتهت المدة التي عينها البنك و طالبه بالعوض و الفائدة و لم يمكنه الا التسديد جاز له ان يدفعهما للبنك.

المسألة 69:-

يجوز للمسلم أن يقرض بنوك الكفار و أن يودع ماله فيها بشرط الفائدة، و يجوز له أخذ الفائدة منها، فإنه لا ربا بين المسلم و الكافر إذا كان المسلم هو الذي يأخذ الفائدة سواء كان البنك أهليا أم حكوميا أم مشتركا.

المسألة 70:-

يجوز للمسلم أخذ الفائدة من الكافر، سواء كان الربا في معاملة أم في قرض إذا كان الكافر غير ذمي، و الأحوط لزوما عدم جواز المعاملة الربوية و القرض الربوي بين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 490

المسلم و الذمي، و لكن إذا جرى ذلك بينهما، جاز للمسلم أن يأخذ الفائدة إذا كان دين الذمي يبيح ذلك، لقاعدة الإلزام.

التوفير
المسألة 71:-

التوفير هو أن يودع الشخص ماله في البنك أو في مؤسسة أخرى بشرط الفائدة و بقصد توفير المال و حصول الربح عليه، فهو نوع من الإيداع و قد تقدم بيان حكمه.

فإذا كان البنك الذي يريد الشخص اجراء المعاملة معه أهليا مسلما لم يجز ذلك، إلا إذا أجريت المعاملة معه على أحد الوجوه التي تقدم بيانها للتخلص من الربا.

و إذا كان حكوميا أو مشتركا بين الحكومة و الأفراد المسلمين، لم يجز ذلك و لكن إذا حصل الإيداع، و دفع البنك اليه الفائدة، فله أن يأخذها بإذن الحاكم الشرعي من باب المال المجهول مالكه.

و إذا كان من بنوك غير المسلمين جاز للمسلم الإيداع فيه بقصد التوفير و جاز له أخذ الفائدة من البنك، و هكذا حكم التوفير في المؤسسات الأخرى التي قد تتبنى هذا المشروع، فالمؤسسة الأهلية إذا كان مالكها مسلما، لها حكم البنك الأهلي، و المؤسسة الحكومية لها حكم البنك الحكومي، و المؤسسة التي يكون مالكها كافرا أو تكون لحكومة كافرة يكون لها حكم بنك غير المسلمين.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 491

السحب على المكشوف
المسألة 72:-

الحساب الجاري في نظام البنوك هو أن يحق للشخص أن يسحب من البنك أي مبلغ يريد، و هذا الحق ثابت لكل شخص يملك رصيدا في البنك، بشرط ان لا يزيد المبلغ الذي يريد سحبه على الرصيد الذي يملكه في البنك، و بشرط أن لا يكون إيداعه ثابتا فان هذا لا يحق سحبه من البنك قبل أن تنتهي المدة المعينة في إيداعه و قد يكتسب بعض الأفراد ثقة خاصة عند البنك، فيسمح له أن يسحب مبلغا يزيد على رصيده المودع له في البنك، أو يسحب مبلغا أو مبالغ معينة، و لا رصيد له في البنك،

و يسمي هذا: (السحب على المكشوف)، و لكنه يحتسب على الشخص فوائد علي المبلغ أو المبالغ التي يسحبها من غير رصيد.

و لا شك في ان هذه الفوائد التي يحتسبها عليه من الربا في القرض و هو محرم في الإسلام و يمكن التخلص من ذلك إذا أجريت المعاملة على احد الوجوه التي ذكرناها للتخلص من الربا، و هذا إذا كان البنك للاهالي المسلمين، و إذا كان حكوميا أو مشتركا روعي ما ذكرناه في المسألة الرابعة و الستين.

التحويل
المسألة 73:-

قد يكون للشخص رصيد مالي في بنك البلد، و يحتاج الي مبلغ من المال يستلمه هو أو وكيله في بلد آخر، فيعطيه البنك صكا يحوله به أو يحول وكيله على بنك البلد الآخر، ليدفع له المبلغ الذي يريد، و يأخذ من الشخص مقدارا معينا من المال، و يصح ذلك بأحد وجوه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 492

1- أن يحول البنك عميله على البنك الآخر بالمبلغ المعين وفاء لدين العميل الثابت على البنك، و يأخذ البنك الزيادة منه: لأنه قام له بخدمة تستحق المكافاة، فتكون الزيادة أجرة له على العمل، أو جعالة له من العميل، و لأنه قام بتسديد الدين في بلد آخر كما طلب العميل منه، و كان من حقه أن لا يجيبه الى ذلك، و لا سيما إذا كان التسديد من عملة أخرى.

2- أن يبيع البنك المبلغ المعين- إذا كان من الأوراق النقدية- على العميل، بمقداره من العملة مع الزيادة التي يطلبها البنك، و يحوله على بنك البلد الآخر ليقبض منه المبيع، و يتقاضى البنك الثمن من رصيد العميل الموجود في البنك.

3- أن يحضر البنك المبلغ المطلوب من الأوراق النقدية، و يضيف إليه الزيادة التي يطلبها البنك، و

يدفع جميع ذلك للعميل وفاء لبعض دينه على البنك، فإذا قبضه العميل و تملكه من البنك، باع الجميع على البنك بمقدار المبلغ بدون زيادة، بشرط ان يحوله بالثمن على البنك الآخر فتصح المعاملة و التحويل و يملك البنك الزيادة المذكورة، و لا فرق في هذه الصورة و سابقتها بين أن يكون المبلغ المحول به من العملة نفسها أو من عملة و رقية أخرى.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 493

المسألة 74:-

قد يطلب الشخص من البنك أن يدفع له قرضا بمبلغ معين في بلد آخر، و يجيبه البنك الى ذلك، فيحوله بالمبلغ الذي يطلبه على بنك ذلك البلد الآخر، و يأخذ منه زيادة معينة بإزاء هذه الخدمة التي يقوم بها، فتكون الزيادة أجرة له على العمل و يصح أن يجعلها الشخص جعالة له على ذلك و لا سيما إذا كان المبلغ المحول به من عملة أجنبية عن عملة بلد البنك المحيل.

و يمكن أن تجري المعاملة بينهما بنحو البيع، فيحضر البنك المبلغ الذي أراده العميل و تضاف إليه الزيادة التي يريدها البنك و يقرض جميع ذلك للعميل فإذا قبضه العميل و تملكه باعه على البنك بمقدار المبلغ بدون الزيادة و اشترط عليه أن يحوله بالثمن على البنك الآخر، فيتم القرض و يصح البيع و التحويل و يملك البنك الزيادة.

المسألة 75:-

قد يدفع الشخص الى البنك مبلغا من المال، و يطلب منه تحويله بهذا المبلغ على بنك في بلد آخر، فيقوم البنك له بهذه الخدمة، فيحوله بالمبلغ على البنك الذي أراد، و يأخذ منه مقدارا من المال، فيصح هذا التحويل، و يستحق البنك هذه الزيادة لقيامه بهذه الخدمة، أما بأن يعتبرها الشخص أجرة له على عمله أو جعالة، و لا سيما إذا كان التحويل بعملة أجنبية غير العملة التي دفعها للبنك.

1- و يمكن أن تجري المعاملة بنحو البيع، فيضيف الشخص الزيادة التي يطلبها البنك الى المبلغ الذي

كلمة التقوى، ج 4، ص: 494

بيده، و يبيع المجموع على البنك بمقدار المبلغ بدون الزيادة، بشرط أن يحوله البنك بالثمن على بنك البلد الآخر.

2- و يصح للشخص أن يدفع المبلغ الذي بيده الى البنك بعنوان القرض، فيحوله على البنك الآخر بالمبلغ وفاء

بدينه، و يأخذ البنك الزيادة من الشخص، و لا يكون ذلك من الربا المحرم في القرض، فان المحرم في القرض هي الزيادة التي تؤخذ فيه لمصلحة الدائن، و الزيادة هاهنا إنما يأخذها البنك و هو المدين، فلا يشملها التحريم.

المسألة 76:-

قد يعلم البنك أن لهذا الشخص رصيدا ماليا في بنك آخر، و ليس لذلك البنك فرع أو معاملة في هذا البلد فيقرض البنك ذلك الشخص مبلغا من المال، و يحوله الشخص بالمبلغ على البنك الآخر الذي أودعه ماله، فيصح هذا القرض و هذا التحويل و يجوز للبنك أن يأخذ من الشخص زيادة معينة أجرة أو جعالة لقيامة بهذه الخدمة، و لانه قبل من الشخص أن يقوم بتسديد الدين في بلد آخر.

المسألة 77:-

صك البنك يعني ورقه خاصة يحول فيها العميل حامل الصك (زيدا بن عمرو) على البنك بالمبلغ المذكور في الصك، و هو يأمر فيه البنك بأن يدفع المبلغ المعين لحامل الصك، و يجريه من رصيده الموجود في البنك، و قد يكون الصك تحويلا للشخص من البنك على بنك آخر في البلد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 495

أو في الخارج.

و قد لا يتمكن الشخص الذي سجل باسمه التحويل من استلام المبلغ بنفسه من البنك المعين، فيرجع في ذلك الى تاجر، أو الى مصرف أو بنك آخر، و يوقع له في ظهر الصك، و يدفع له البنك أو المصرف أو التاجر ذلك المبلغ المعين، و يقبض منه الصك ليستلم ما فيه من البنك الذي عليه التحويل، عوضا عما دفعه لحامل الصك و يتقاضى بإزاء ذلك مقدارا معينا من المال من ذلك الشخص.

و تصح المعاملة بأن يحضر البنك الذي تجري معه المعاملة مبلغا من المال يساوي المبلغ المحول به في الصك، و يبيعه على حامل الصك بمقداره مع الزيادة التي يطلبها منه، فإذا تم البيع و قبض الشخص جميع المبيع، دفع الشخص الى البنك مقدار الزيادة و هو بعض الثمن، و دفع اليه الصك بعد ان يوقع في

ظهره، و وكله في ان يستلم بالنيابة عنه ما في الصك من البنك المحول عليه، ثم يقبضه لنفسه بقية للثمن في المعاملة.

و يمكن للبنك أن يدفع له ما يساوي المبلغ المذكور في الصك قرضا بدون زيادة و يدفع الشخص اليه الصك و يوكله في أن يقبض بالنيابة عنه ما في الصك من البنك المحول عليه، ثم يقبضه لنفسه وفاء للقرض، و يهبه الشخص مقدار الفائدة هبة مستقلة لا دخل لها في عقد القرض كما ذكرنا في المسألة الحادية و الستين.

و يمكن ان تجري كذلك بعض الوجوه المذكورة هناك لتصحيح المعاملة بصورة القرض.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 496

المسألة 78:-

قد يكون الإنسان مدينا لأحد البنوك في خارج البلاد أو لإحدى الشركات هناك بمبلغ من المال، فيدفع الى بنك بلده ما يساوي ذلك المبلغ من نقد بلده و يطلب منه ان يحيل دائنه بالمبلغ المذكور على فرعه الموجود في بلاد الدائن أو على وكيله هناك، فيكتب له صكا بتحويل الدائن بالمبلغ كما أراد.

فيكون العميل قد حول دائنه على بنك بلده بالمبلغ المعين، ثم يكون البنك قد حول هذا الدائن على فرعه في تلك البلاد أو على وكيله هناك بالمبلغ أو بما يعادله من عملة بلاد الدائن. و لا ريب في صحة المعاملة، و يجوز للبنك المحيل أن يأخذ من العميل شيئا من المال بإزاء ذلك. فان من حق البنك أن يمتنع من تسديد دينه في بلد أخر و بغير تلك العملة و يضاف الى ذلك أن الفائدة المعينة إنما يأخذها البنك و هو المدين فلا يشملها دليل تحريم الربا، فإنه الفائدة التي تكون للدائن كما ذكرنا سابقا.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 497

تحصيل الصكوك و الأوراق التجارية
المسألة 79:-

قد يستلم الإنسان صكا من بعض معامليه أو من بعض المصارف يحوله فيه على أحد البنوك بمبلغ معين من المال في بلده أو في الخارج، و لا يرغب ذلك الإنسان ان يحصل ما في الصك بنفسه، فيدفع الصك الى البنك الذي يتعامل معه، ليقوم بتحصيل المبلغ، فيتصل البنك بالبنك المحول عليه و يذكر له الصك، و رقمه و تاريخه و مصدر التحويل، و حامل الصك و المبلغ المحول به، و غير ذلك، حتى يحصل المبلغ لعميله، و يدونه في حسابه أو يدفعه اليه نقدا، و يتقاضى على ذلك عمولة معينة.

و لا ريب في صحة هذه المعاملة، فإن حامل الصك حين دفع الصك الى

البنك يكون قد وكله على تحصيل ما فيه و إيصاله اليه، و يكون قد استأجره على ان يقوم له بهذا العمل، فيكون المبلغ الذي يأخذه البنك منه أجرة مثلية له على العمل، أو يكون دافع الصك قد جعل ذلك المبلغ جعالة له على هذه الخدمة.

المسألة 80:-
اشارة

قد تكون للإنسان ديون مالية على بعض الناس، ولديه أوراق تجارية (كمبيالات) تثبت هذه الديون عليهم و تعين مقاديرها و مواعيد استحقاقها، فإذا قرب ميعاد استحقاق الدين في بعض الأوراق، دفع الورقة:

(الكمبيالة) الى البنك ليقوم له بتحصيلها.

فيرسل البنك الى الشخص المدين إخطارا قبل حلول الموعد

كلمة التقوى، ج 4، ص: 498

يذكر له فيه المبلغ و الدائن و تأريخ الورقة و تاريخ استحقاقها، و ان الدائن قد دفع الورقة الى البنك ليقوم بتحصيلها، ليكون على علم من جميع ذلك، فإذا حل موعد الاستحقاق طالبه بالمبلغ، فإذا حصل منه المبلغ أدرجه في حساب الدائن إذا رغب في ذلك أو دفعه اليه نقدا، و أخذ من الدائن عمولة معينة على عمله.

و لا ريب في صحة المعاملة، فإن الدائن حين قدم الورقة الى البنك يكون قد وكله على مطالبة المدين و قبض المبلغ منه و إيصاله اليه و قد استأجره على ذلك أو جعل له جعالة عليه، فتكون العمولة التي يأخذها البنك اجرة مثلية له على الوجه الأول، و جعالة على الوجه الثاني.

ملاحظة:-

إنما يحكم بصحة العملية المذكورة من البنك، و جواز أخذه الأجرة أو الجعالة عليها: إذا طالب البنك بالدين وحده و حصله للدائن، و لا تصح العملية إذا هو طالب بالمبلغ و بفوائده الربوية.

المسألة 81:-

تتضمن (الكمبيالة) بحسب المعتاد اعتراف المدين للدائن بالمبلغ المعين فيها، و انه ملزم بوفائه بعد المدة المعينة، و قد تتضمن بالإضافة الى ذلك، ان للبنك عند حلول موعد الاستحقاق أن يقتطع المبلغ المذكور من حسابه الجاري في البنك، و يدفعه للدائن نقدا أو يدخله في حسابه الجاري في البنك.

و معنى هذا التخويل للبنك: أن المدين قد حول دائنه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 499

على البنك بالمبلغ ليدفعه له من رصيده المالي الموجود فيه، فيلزم على البنك في هذه الصورة ان يقوم بذلك، و لا يجوز له ان يأخذ بذلك عمولة من الدائن، لان البنك انما يسدد بذلك دينه.

و كذلك إذا حول المدين دائنه على البنك بصك غير الكمبيالة أو بلسانه إذا اعتمد البنك على ذلك. و انما تصح المعاملة على الوجه المتقدم في المسألة السابقة إذا لم يكن للمدين رصيد مالي في البنك أو لم يحول دائنه على البنك بالمبلغ و ان كان يملك فيه رصيدا.

بيع الأسهم و السندات
المسألة 82:-

قد تحتاج شركة مساهمة الى بيع بعض سهامها، كما إذا استقال أحد الأعضاء منها، و كما إذا كان بعض الأعضاء يملك في الشركة أكثر من سهم واحد، و احتاج الى بيع بعض سهامه، و قد تحتاج الشركة إلى بيع بعض السندات، كما إذا كانت لها أوراق تجارية تثبت لها ديونا مؤجلة على بعض المتعاملين معها، و احتاجت الى نقد حاضر.

قد تحتاج الشركة الى ذلك، فتوسط البنك في بيع هذه الأشياء، فيعلن البنك ذلك لعملائه، و يتولى البيع عن الشركة، و يأخذ منها عمولة يتفقان عليها.

و تصح المعاملة اما بأن تهب الشركة للبنك مقدار العمولة المتفق عليها، و تشترط عليه في عقد الهبة أن يبيع لها الأسهم و السندات المعينة،

و اما بان تستأجره على بيع الأسهم و السندات، و تدفع له مقدار العمولة المعينة بدلا عن

كلمة التقوى، ج 4، ص: 500

الإيجار، و اما بان تدفع له مقدار العمولة جعالة له إذا قام بالبيع، و انما يستحق البنك المبلغ المحدد منها، هبة أو اجرة أو جعالة إذا حصل منه البيع بالفعل، و لا يستحق ذلك بمجرد التصدي و الإعلان.

المسألة 83:-

انما تصح المعاملة بأحد الوجوه المتقدم بيانها، إذا لم تكن المعاملات التي تقوم بها الشركة، و الحصص التي تسهم فيها، و السندات التي تثبت ديونها تعتمد على الربا المحرم في الإسلام، و إذا كانت كذلك فلا يجوز بيعها و لا شراؤها، و لا تصح معاملة البنك مع الشركة على ذلك.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 501

بيع العملة الأجنبية و شراؤها
المسألة 84:-

ذكرنا في المسألة الثانية و الأربعين و ما بعدها أنه يجوز بيع الأوراق النقدية بعضها ببعض مع التفاضل في العدد و ان كانت من عملة واحدة، و لا يلزم من ذلك الربا المحرم في المعاملة، لأن ذلك مشروط بأمرين: ان يكون المثمن و الثمن من جنس واحد، و أن يكون الجنس من المكيل أو الموزون و العملة الورقية ليس مما يكال أو يوزن، و يجوز كذلك مع اختلاف العملة، كالدينار العراقي بالدينار الكويتي أو الدولار الأمريكي و غيرهما، فيصح للبنك أو الصراف أن يبيع عشرة دنانير عراقية بأحد عشر دينارا عراقيا إلى مدة شهر مثلا، و يصح ان يبيع عشرين دينارا كويتيا بخمسة و عشرين دينارا بحرانيا، و هكذا.

نعم، الأحوط أن يجتنب بيع العملة التي يكون رصيدها ذهبا أو فضة، و يظن أن الدولة جعلت الذهب و الفضة أعواضا للأوراق النقدية و ليس مجرد اعتماد، فلا يباع عدد من أوراق هذه العملة بأكثر منه أو أقل من العملة نفسها، و لا يبدل عدد من هذه العملة بعدد من عملة اخرى، تماثلها في الشرط المذكور مع التفاضل بين العوضين.

و أما بيع هذه العملة بغير ذلك فيجوز مطلقا.

المسألة 85:-

المسكوكات الفضية أو النحاسية أو النيكلية و شبهها، انما يتعامل أهل العرف العام فيها بالعد لا بالوزن، و لا يلتفتون الى الوزن ابدا بل يجهل أكثرهم مقادير وزنها

كلمة التقوى، ج 4، ص: 502

و هي كذلك في مختلف البلدان و مختلف الدول، فهي عندهم من المعدود لا من الموزون، و ان كانت موادها مما يوزن و لذلك فالأصح انه لا تجري على هذه المسكوكات أحكام الربا في المعاملة حين ما تصرف إلى أبعاضها أو تباع بسكة أخرى من جنسها

و ان تفاضلت في الوزن، فالروبية حين ما تصرف بنصفي روبية فالمعاملة صحيحة و ان كانت الروبية تنقص عن النصفين في الوزن أو تزيد عليهما، و كذلك إذا صرف الريال الفضى بنصفي ريال، أو صرفت الروبية بالريال فيصح الصرف لأن الجميع من المعدود و ان تفاضلت في الوزن.

و بهذا تختلف هذه المسكوكات عن المسكوكات الذهبية، فإن عامة أهل العرف ينظرون في التعامل بها الى مقادير ما فيها من الذهب و خصوصا عند ما تباع بسكة ذهبية أخرى، فهي عندهم من الموزون فلا يجوز بيعها بجنسها مع التفاضل في الوزن بين العوضين كما هو الحكم في سائر الموزونات و المكيلات.

و إذا كان العوضان من الفضة أو من الذهب فلا تصح المعاملة حتى يحصل التقابض بين المتعاقدين قبل ان يتفرقا، فان ذلك شرط في صحة بيع الصرف.

خصم الكمبيالة

الكمبيالات انما هي أوراق تجارية تثبت ان المبلغ المذكور فيها دين لحامل الكمبيالة على موقعها، و ليست في نفسها ورقة نقدية ذات قيمة تباع بها و تشترى، و من أجل ذلك فلا تبرأ ذمة المدين بمجرد التوقيع في الكمبيالة و تسليمها إلى الدائن، و ان تلفت الورقة في يده أو سرقت،

كلمة التقوى، ج 4، ص: 503

و لا تبرأ ذمته إذا دفع للدائن كمبيالة تتضمن دينا للمدين على شخص آخر و لا تبرأ ذمة المدين كذلك إذا أعاد الدائن اليه الورقة الموقعة باسمه لبعض الأغراض ما لم يكن المدين قد أدى اليه الدين الذي تحتويه، أو أبرأ الدائن ذمته منه، أو حوله المدين بالمبلغ على غيره حوالة صحيحة نافذة. و لا تبرأ ذمة المدين كذلك إذا دفع الى الدائن مبلغا من المال يساوي مبلغ الدين، حتى يفهمه- و لو بالقرائن- انه

وفاء للدين، بل يكون المبلغ المدفوع امانة في يد الدائن، و تبقى ذمة المدين مشغولة بمبلغ الدين، و هذا كله واضح لا ينبغي الإشكال فيه.

و خصم الكمبيالة الذي نتحدث عنه هنا و نتعرض لحكمه، هو ما يدور بين حاملي الكمبيالات و البنوك أو المصارف أو الناس الآخرين، من تنزيل الكمبيالة عند البنك أو المصرف مثلا بأقل من المبلغ المذكور فيها، قبل حلول الموعد المعين، فإذا دفع البنك ذلك الى حامل الكمبيالة حولت الكمبيالة باسم البنك و أصبح هو الدائن، فيتسلم المبلغ تاما من المدين بعد حلول الموعد.

و الكمبيالات التي تتعارف بين الناس و يتداولون التنزيل فيها، على نوعين:

1- كمبيالات تدل على دين حقيقي ثابت لحامل الورقة على موقعها.

2- و كمبيالات مجاملة تدل على معاملة صورية لا واقع لها، و لا دائن في الحقيقة و لا مدين، و انما كتبت لتنزل و تقضى بها حاجات مؤقته بين حامل الورقة و المدين

كلمة التقوى، ج 4، ص: 504

الصوري و الطرف الثالث الذي يقضي حاجتهما و يستفيد من التنزيل.

المسألة 86:-

يجوز خصم الكمبيالة التي تحتوي على دين حقيقي ثابت لحامل الورقة في ذمة المدين (الموقع في الورقة)، إذا أجريت المعاملة بصورة البيع.

و الصورة هي أن يبيع الدائن على البنك أو على التاجر المبلغ الذي يملكه في ذمة المدين قبل أن يحل موعد استحقاق المطالبة به بثمن أقل منه نقدا، فإذا كان مبلغ الدين الذي تحتوي عليه الورقة مائة دينار مثلا، و هو مؤجل إلى سنة من تأريخها، فيجوز للدائن ان يبيع هذا المبلغ على البنك مثلا بخمسة و تسعين دينارا يدفعها البنك إلى الدائن نقدا، فإذا جرى البيع بينهما كذلك كان المشتري و هو البنك مالكا للمبلغ المذكور في

الورقة و هو المائة دينار بالثمن الذي نقده للدائن و هو الخمسة و التسعون دينارا، فإذا حل موعد الاستحقاق أخذ المبلغ تاما من المدين.

و صحة هذه المعاملة تتوقف على أمرين تجب مراعاتهما:

الأول: ان يكون المبلغ الذي تحتوي عليه الورقة من الأوراق النقدية، فان المبلغ إذا كان من الذهب مثلا، كان من الموزون، فلا يصح بيعه إذا كان الثمن من جنسه مع التفاضل بين العوضين لأنه ربا.

و إذا كان المبلغ من الفضة المسكوكة كانت المعاملة من الصرف، فلا تصح مع كون الثمن مؤجلا، فإن بيع الصرف

كلمة التقوى، ج 4، ص: 505

يشترط في صحته التقابض قبل التفرق، فيبطل بدون ذلك.

و الشرط الثاني: ان يكون الثمن الذي يدفعه البنك إلى الدائن نقدا، فإنه إذا كان مؤجلا و كان المثمن مؤجلا كذلك بحسب الفرض بطل البيع، لأنه من بيع الدين بالدين.

المسألة 87:-

لا يجوز خصم الكمبيالة إذا أجريت المعاملة بين الدائن و الطرف الثالث بصورة القرض، فإذا كان للرجل دين على رجل آخر بمائة دينار إلى مدة ستة أشهر، بموجب كمبيالة تثبت له ذلك، فلا يجوز للدائن أن يستقرض من البنك أو من التاجر خمسة و تسعين دينارا معجلة، و يحوله على المدين، ليستوفي منه المبلغ المذكور في الكمبيالة و هو المائة دينار عند حلول موعد الاستحقاق فان ذلك من الربا المحرم.

المسألة 88:-

قد أوضحنا أن كمبيالات المجاملة لا تدل على دين حقيقي ثابت في ذمة موقع الكمبيالة لحاملها، و انما تحكي عن دين صوري، و قد كتبت كذلك لتنزل و تقضى بالمبلغ الذي يحصل من هذا التنزيل بعض الحاجات المؤقتة.

و خصم هذه الكمبيالة يمكن حصوله بأحد وجهين، و كلاهما بصورة البيع:

الأول: أن تجري المعاملة بين البنك و حامل الكمبيالة:

(الدائن الصوري)، فيبيع البنك عليه خمسة و تسعين دينارا يدفعها اليه نقدا، بمائة دينار مؤجلة إلى مدة ستة أشهر (المدة المعينة) في الكمبيالة، فإذا تم هذا البيع كانت الخمسة و التسعون دينارا ملكا (للدائن الصوري)

كلمة التقوى، ج 4، ص: 506

و ملك البنك في ذمته مائة دينار، و دفع الى البنك الكمبيالة ليستلم بموجبها المبلغ من (المدين الصوري) عند حلول موعد الاستحقاق، و كان ذلك حوالة من الدائن على المدين (الصوريين)، و يكون توقيع المدين، الموجود في الكمبيالة قبولا منه لهذه الحوالة.

و إذا أراد الدائن أن يملك المدين المبلغ الذي اشتراه من البنك، باعه الخمسة و التسعين دينارا، بمائة دينار تبقى في ذمته دينار الى موعد الاستحقاق، فيملك بذلك المبلغ الذي اشتراه، و يصبح مدينا حقيقيا بالمائة دينار بعد أن كان مدينا صوريا، و عليه أن يسلمها للبنك في موعد

الاستحقاق بمقتضى التحويل.

و يجوز للدائن أن يدفع إليه الخمسة و التسعين دينارا بنحو القرض فيكون مدينا له بهذا المبلغ وحده و لا يجوز أن يأخذ منه الزيادة لأنها من الربا، فإذا حل موعد الاستحقاق و طلب البنك دينه أخذ من المدين خمسة و تسعين دينارا، و وجب على الدائن أن يدفع الزيادة منه فيتم المبلغ مائة دينار و يدفع وفاء لمدين البنك.

المسألة 89:-

الوجه الثاني لخصم هذه الكمبيالة أن تجري المعاملة بين البنك و المدين، فيبيع عليه البنك خمسة و تسعين دينارا معجلة بمائة دينار مؤجلة إلى موعد الاستحقاق في الكمبيالة كما تقدم مع الدائن، و للدائن أن يتولى أجراء المعاملة مع البنك بالوكالة من المدين، و يتم الخصم على نهج ما سبق.

و إذا أراد المدين بعد ذلك أن يملك الدائن المبلغ، باعه

كلمة التقوى، ج 4، ص: 507

الخمسة و التسعين دينارا التي انتقلت اليه بالشراء من البنك، بمائة دينار مؤجله في ذمة الدائن الى الموعد المعين، فيملك الدائن المبيع و يكون مدينا بمائة دينار، و يجري فيه القول المتقدم في المسألة السابعة و الثمانين.

و إذا دفع إليه الخمسة و التسعين دينارا بنحو القرض كان الحكم فيه على نهج ما سبق أيضا في المسألة المتقدمة.

المسألة 90:-

لا يجوز خصم هذه الكمبيالة إذا أجرى بنحو القرض من البنك سواء أجري ذلك مع الدائن أم مع المدين، بأن يقرض البنك أحدهما خمسة و تسعين دينارا، و يأخذ منه الكمبيالة محولة باسم البنك ليستوفي بموجبها مائة دينار عند موعد الاستحقاق، فان ذلك من الربا في القرض.

المسألة 91:-

قد يكون للرجل دين حاضر على شخص آخر، فيطلب المدين من الدائن أن يؤخره إلى أجل، و يدفع له بإزاء ذلك زيادة في المبلغ، أو يطلب الدائن ذلك من المدين، رغبة منه في الزيادة، و مثال ذلك أن يكون الدين مائة دينار حاضرة، فيطلب المدين أو الدائن: أن يؤجل الدين إلى ستة أشهر و يكون الدين مائة و عشرة دنانير، و الحكم هو عدم الجواز في كلتا الصورتين.

و قد يكون الدين مائة دينار مثلا، مؤجلة إلى شهر، فيطلب المدين من الدائن أن يزيده في الأجل و يزيده هو في المقدار، فيكون الدين مائة و عشرة دنانير مثلا إلى ستة أشهر، أو يطلب الدائن ذلك من المدين رغبة في الزيادة، و الحكم أيضا هو عدم جواز ذلك في كلتا الصورتين.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 508

و قد يكون الدين مائة دينار مثلا مؤجلة إلى شهر، فيطلب المدين من الدائن أن يؤجله في ثمانين دينارا من الدين إلى ستة أشهر و يعجل له هو بإزاء ذلك عشرين دينارا من الدين، أو يطلب الدائن ذلك من المدين لحاجته الى النقد الحاضر، و الحكم هو عدم جواز ذلك في كلتا الصورتين أيضا.

المسألة 92:-

قد يكون للرجل دين مؤجل على شخص إلى مدة شهر أو أكثر، و يطلب الدائن من المدين أن يعجل له وفاء الدين، و يسقط هو للمدين بإزاء ذلك مقدارا من الدين بصلح أو إبراء، أو يطلب المدين ذلك من الدائن، و الحكم هو جواز ذلك في كلتا الصورتين.

و قد يكون الدين مؤجلا، و هو من الأوراق النقدية أو شبهها مما لا يكال و لا يوزن، فيطلب الدائن من المدين أن يبيع عليه الدين بأقل منه حاضرا، فيبيعه المائة

دينار المؤجلة بثمانين دينارا حاضرة، أو يطلب المدين ذلك من الدائن، و الحكم جواز ذلك في كلتا الصورتين.

المسألة 93:-

إذا كان للرجل دين من الأوراق النقدية في ذمة رجل آخر، فيجوز لهما إذا اتفقا، أن يحولا المبلغ الذي في ذمة المدين الى عملة و رقية أخرى، و أن لم يتقابضا، فإذا قال الدائن للمدين حول ما أملكه في ذمتك من ألف دينار كويتي إلى ألف و خمسمائة دينار عراقي، و قبل المدين ذلك صح و تحول الدين من عملة الى عملة حسب ما اتفقا عليه من المبلغ.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 509

كفالة البنك
اشارة

قد يتعهد أحد لجهة معينة، حكومية أو أهلية أن يقوم لها بإنشاء مشروع معين، كبناء مدرسة أو مستشفى، أو دار حضانة، أو غير ذلك، و توضع له المواصفات بين الطرفين، و التصاميم الهندسية، و تعين لإنشائه مقادير المال، و الاقساط التي تستوفى بها المبالغ، و الآجال التي تدفع بها الأقساط و المدة التي ينجز بها المشروع، و غير ذلك من الملابسات، و يتم التعهد و الالتزام بين المتعاقدين.

و تشترط الجهة على المتعهد (المقاول) في عقد المعاملة:

أن يقدم لها ضمانا ماليا، يعوضها عما أصابها من خسائر، إذا اتفق أن المتعهد (المقاول) نكل فلم يقم بما تعهد به، أو انسحب قبل أن يتم المشروع، أو كان ما صدر منه مخالفا لما اتفقا عليه في العقد بينهما، و تطلب منه كفيلا معتمدا يكفله بذلك.

و المتعارف في ذلك ان يرجع المتعهد الى البنك ليكفله بذلك للجهة المتعهد لها، فإذا كان المتعهد (المقاول) موثوقا عند البنك أصدر البنك كتابا إلى الجهة يتعهد فيه بأنه كفيل للمتعهد و ضامن للمبلغ الذي تطلبه الجهة منه إذا هو لم يقم بانجاز المشروع حسب ما اتفق عليه الطرفان.

و من المتعارف كذلك ان البنك يأخذ من المتعهد مبلغا معينا من المال بإزاء

كفالته و تزويده بهذا المستند.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 510

المسألة 94:-

تصح هذه المعاملة بين الطرفين إذا أجريت بينهما بنحو عقد الإجارة أو الصلح، و ذكرت في العقد البنود التي يتفقان عليها بينهما، و ذكرت فيه الشروط التي تشترطها الجهة على المتعهد، أو يشترطها المتعهد (المقاول) على الجهة، و يجب على كل واحد منهما الوفاء بالعقد و بما التزم به لصاحبه من شرط و ضمان. و يجب على المتعهد (المقاول) أن يتولى إنشاء المشروع اما بالمباشرة بنفسه، أو بتهيئة العمال الذين يباشرون العمل حسب ما يتفق عليه الطرفان.

و يجب عليه كذلك أن يقدم الضمانات التي اشترطتها عليه الجهة المتعهد لها، و الكفالة التي طلبتها، و يجب على الجهة المتعهد لها أن تفي له بكل ما التزمت به في العقد من بنود، و دفع مبالغ، و أقساط، و مواعيد و التزامات.

المسألة 95:-

تصح كفالة البنك أو المصرف أو التاجر للمتعهد (المقاول) في ضماناته و التزاماته للجهة المتعهد لها حسب ما يتفق عليه الكفيل و المكفول، و ترضى به الجهة المكفول لها، و تتأدى هذه الكفالة بالإيجاب من الكفيل و القبول من الجهة المتعهد لها و لو بالكتابة، ثم تزويد المكفول بمستند الكفالة الذي يصدره البنك الكفيل و تعتمد عليه الجهة المكفول لها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 511

المسألة 96:-

يجوز للبنك أو الصراف أو التاجر إذا قام بكفالة المتعهد (المقاول) عند الجهة المتعهد لها: أن يأخذ من المتعهد المبلغ الذي اتفقا عليه من المال عوضا عما قام به من كفالة، أما بأن يجعله الطرفان أجرة للكفيل على العمل، و اما بأن يكون جعالة له على قيامه به.

المسألة 97:-

إذا لم يقم المتعهد بانجاز المشروع للجهة المتعهد لها حسب ما اتفقا عليه في المعاملة بينهما وجب عليه أن يدفع المبلغ الذي اشترط عليه في العقد، و إذا هو لم يف به رجعت الجهة المتعهد لها الى البنك (الكفيل) فأخذت منه ذلك وفاء بكفالته و ضمانه، فإذا دفعه البنك (الكفيل) إلى الجهة المتعهد لها رجع به الكفيل الى المتعهد (المقاول) فأخذه منه، فان تعهد البنك و كفالته انما كانا بطلبه فعليه ضمان المبلغ.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 512

فتح الاعتماد
اشارة

من المعروف أن الحكومات لا تسمح لأحد باستيراد أي بضاعة من الخارج الى البلاد، و لا لتصديرها من البلاد الى الخارج الا بتوسط البنك، و سبب ذلك ان الحكومات- محافظة على اقتصاد البلاد- لا تسمح بتحويل المال الى الخارج إلا بإذنها و تحت أشرافها، و من البيّن ان الاستيراد لا يكون الا بتحويل الثمن إلى الجهة المصدرة و كذلك التصدير، فان المصدر لا يمكنه ان يستلم ثمن البضاعة من التاجر الذي يشتريها الا من طريق البنك.

و لذلك فلا بد لأي تاجر أو جهة تريد استيراد بضاعة من أن تطلب من البنك أن يفتح لها اعتمادا مستنديا لذلك، و كذلك الشركة أو التاجر الذي يريد التصدير.

فالتاجر الذي يريد استيراد البضاعة، عليه أن يتفق أولا مع الشركة المصدرة لتلك البضاعة أو وكيلها، فيعينان نوع البضاعة التي يطلبها التاجر، و أوصافها، و الشروط التي يشترطها التاجر أو تشترطها الشركة، و المقادير المطلوبة، و الأسعار المحددة، فإذا تم الاتفاق بينهما و تبادلا إرسال القوائم: رجع التاجر المستورد الى البنك، فأطلعه على الاتفاق و طلب منه فتح الاعتماد، و دفع اليه بعضا من ثمن البضاعة، فيبتدئ بعد ذلك دور البنك في العمل

فيتصل بالشركة المصدرة، و يدفع لها ثمن البضاعة كاملا، و تسجل البضاعة باسم البنك و تشحن و يتم تصديرها و التأمين عليها و إرسالها.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 513

فإذا وصلت البضاعة المرسلة، و علم البنك بوصولها أعلم التاجر المستورد بذلك، فإذا حضر هو أو وكيله سلم اليه البنك مستندات البضاعة، و دفع الى البنك ما بقي عليه من الثمن، و هو القسم الذي دفعه البنك من ماله إلى الشركة، ثم حول البنك البضاعة من اسمه الى اسم التاجر، و أخذ منه مبلغا معينا بإزاء خدماته و أعماله التي قام بها للمستورد، و أخذ منه فائدة لبقية الثمن التي دفعها البنك من ماله إلى الشركة، من يوم تسليمه المبلغ إلى الشركة إلى يوم قبضه من التاجر.

المسألة 98:-

يصح أن تجرى هذه المعاملة بين التاجر المستورد و البنك، بنحو عقد الإجارة فيستأجر التاجر البنك ليقوم له بالأعمال المتقدم ذكرها حتى تصل إليه البضاعة و تسجل باسمه و يجعل المبلغ المعين الذي يطلبه البنك أجرة له على ذلك.

و أما الفائدة التي يأخذها البنك لبقية الثمن التي دفعها من ماله للشركة، فالظاهر أنها ليست من الربا المحرم فيجوز للتاجر دفعها و يحل للبنك أخذها، فإن البنك لا يقرض المال المذكور للتاجر المستورد و انما يدفعه إلى الشركة من ماله بأمر التاجر حين طلب منه فتح الاعتماد، فيجب على التاجر ان يدفع للبنك عوض ذلك المال، لانه السبب في نقله الى ملك الشركة، فإذا طلب البنك على هذا المال فائدة فهي ليست فائدة على قرض فلا تكون محرمة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 514

المسألة 99:-

و يصح أن تجري المعاملة المذكورة بين التاجر المستورد و البنك بنحو عقد الجعالة، فيجعل التاجر المبلغ المعين الذي يطلبه البنك منه جعالة للبنك إذا قام له بالعمل حتى أتمه و أكمل الاستيراد، و قد تقدم حكم الفائدة.

المسألة 100:-

و يصح أن تجري المعاملة بينهما بصورة عقد البيع، فيحضر البنك المقدار الذي يحتاج إليه في ثمن البضاعة من عملة بلد التصدير، فيبيع ذلك على التاجر المستورد بما يعادله من عملة بلد الاستيراد و يضيف اليه المبلغ الذي يطلبه البنك من المستورد بإزاء أعماله و خدماته، و يضيف اليه كذلك الفائدة التي يطلبها لبقية الثمن التي تبقى في ذمة المستورد الى وقت التسليم، فيكون جميع ذلك ثمنا للمبيع، فإذا تم البيع كذلك، و أصبحت العملة المبيعة ملكا للمستورد أخذها البنك ليدفعها إلى الشركة المصدرة ثمنا للبضاعة و ملك البنك في ذمة المستورد جميع ثمن هذا المبيع، و ملك في ضمنه المبلغ الذي يطلبه من المستورد و ملك معه الفائدة فإنهما جزء من ثمن هذه الصفقة، و على المستورد أن يدفع ذلك كله للبنك عند وصول البضاعة و تسجيلها باسمه.

المسألة 101:-

لا تصح هذه المعاملة إذا أجريت بين البنك و المستورد بنحو القرض، و صورة ذلك أن يقرض البنك التاجر المستورد بقية الثمن بشرط الفائدة ثم يقبضه هو بالوكالة عنه ليدفعه إلى الشركة ثمنا للبضاعة حين تصديرها، فان ذلك يكون

كلمة التقوى، ج 4، ص: 515

من الربا المحرم، و لذلك فلا تصح المعاملة و لا يجوز للبنك أخذ العمولة عليها.

المسألة 102:-

الاعتماد في التصدير كالاعتماد في الاستيراد، فكلاهما توسيط للبنك في إتمام العملية، فيتعهد البنك بموجب الاعتماد بقبض البضاعة و إيصالها و تأدية ثمنها و ما يرتبط بذلك و ما يتوقف عليه من أعمال، فيصح بأحد الوجوه المتقدم ذكرها و تلحقه أحكامها.

المسألة 103:-

قد لا يكون للشركة أو الجهة المصدرة وكيل أو فرع في بلد الاستيراد، ليتفق معه المستورد على البضاعة التي يريدها، فيطلب المصدر أو المستورد وساطة البنك، فيرسل المصدر الى بنك ذلك البلد قوائم البضاعة الموجودة لديه و المشتملة على أوصافها و كمياتها و أسعارها، و يطلب منه عرضها على المستورين هناك، فإذا عرضها البنك و قبلها المستورد تفاهم مع المصدر بالمخابرة أو المراسلة أو بواسطة البنك، فإذا حصل الاتفاق بينهما فتح الاعتماد.

و لا ريب في أن البنك يستحق على المصدر بعمله هذا عمولة معينة غير ما يستحقه بفتح الاعتماد.

و كذلك الشأن في المستورد فإنه قد يرسل الى البنك قوائم البضاعة التي يرغب فيها و يذكر أوصافها و كمياتها و يطلب منه أن يعرضها على الشركة المصدرة، فإذا عرضها البنك و رغب المصدر اتصل بالمستورد و بدأ التفاهم بينهما، و استحق البنك بذلك من المستورد العمولة المعينة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 516

المسألة 104:-

إذا وصلت البضاعة الى الميناء و أعلم البنك بذلك، أخبر المستورد بوصولها، ليحضر هو أو وكيله فيسلمه البنك مستندات البضاعة، و يدفع هو للبنك بقية الثمن و تسجل البضاعة باسمه و يسلمها له و يعين لذلك موعدا، فإذا لم يحضر المستورد في الموعد أو وكيله و لم يتسلم البضاعة قام البنك بخزن البضاعة و حفظها على حساب المستورد الى أن يستلمها، و عليه أن يدفع الى البنك أجرة معينة لقيامه بذلك، و ليس له الامتناع من ذلك، فإنه أحد شروط البنك على المستورد في فتح الاعتماد، و كذلك الحكم على الجهة المصدرة إذا اتفق لها نظير ذلك فخزن البنك البضائع على حسابها، فعليها أن تدفع له الأجرة لقيامه بخزن البضائع و حفظها وفاء بالشرط.

المسألة 105:-

إذا تخلف مالك البضاعة: (المستورد أو المصدر) عن استلامها و دفع المبالغ المستحقة للبنك عليه، فان البنك يحدد له موعدا، و ينذره بأنه إذا لم يتسلم البضاعة في الموعد المعين، و لم يدفع للبنك ديونه المستحقة عليه، فان البنك يتولى بيع البضاعة و يستوفي ديونه من أثمانها.

و الظاهر جواز ذلك للبنك، فإنه أحد الشروط التي يأخذها البنك على التاجر في العقد الصادر بينهما في فتح الاعتماد، فيكون البنك وكيلا عنه بموجب هذا الشرط في بيع البضاعة و قبض ثمنها و يصح هذا البيع و يملكها المشتري.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 517

المسألة 106:-

ما ذكرنا من أحكام المعاملة مع البنك إنما تجري في البنوك الأهلية، و اما البنوك الحكومية و المشتركة، فتتوقف صحة المعاملة على اجازة الحاكم الشرعي كما ذكرناه سابقا في المسألة الرابعة و الستين و ما بعدها.

المسألة 107:-

قد يعزم الإنسان على السفر الى بلد معين أو الى عدة بلاد، و هو يحتاج في سفره الى مقادير من المال، و يخشى على المال إذا صحبه معه من التلف أو الضياع، فيرجع في ذلك الى البنك و يدفع له مبلغا من المال، فيزوده بكتاب الى بنك معين أو الى بنوك عالمية أن يسددوا له حاجته من المال، بمقادير لا تتجاوز حدا يعينه لهم في الكتاب، و يسمى هذا الكتاب في عرف البنوك خطاب الاعتماد، و يأخذ البنك من ذلك الشخص عمولة معينة بإزاء تزويده بهذا الخطاب.

و الظاهر صحة هذه المعاملة، فإن الشخص قد أقرض البنك بحسب المفروض قرضا لا زيادة عليه، و العمولة التي تؤخذ منه انما هي فائدة ترجع الى البنك و هو المدين، فلا يشملها دليل التحريم كما سبق بيانه.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 518

العمل في البنك
المسألة 108:-

لا يجوز للإنسان الدخول في العمل للبنك إذا كان العمل هو اجراء المعاملات الربوية، أو ضبطها و تدوينها، أو التسهيل لها، أو كان من الأعمال المحرمة الأخرى، كشراء البضائع المحرمة و بيعها، و غير ذلك مما هو محرم في شريعة الإسلام، و لا يجوز له أخذ الأجرة على هذه الاعمال.

و يجوز له الدخول في أعمال البنك غير المحرمة، كما يجوز له أخذ الأجرة عليها، فإذا كان من البنوك الأهلية أو بنوك غير المسلمين أخذ الأجرة من البنك، و إذا كان من البنوك الحكومية أو المشتركة احتاج في قبض الأجرة منه و في صحة التصرف فيها إلى اذن الحاكم الشرعي.

المسألة 109:-

لا يجوز للإنسان الدخول في العمل إذا كان بعضه مباحا و بعضه محرما، و كان البعض المحرم جزءا ملحوظا من وظيفته التي يستحق بها الأجرة من البنك، و إذا لم يكن العمل المحرم جزءا ملحوظا في الوظيفة لم يحرم عليه الدخول فيها، و حرم عليه ذلك العمل نفسه.

المسألة 110:-

إذا كان عمله في المعاملات الربوية و كانت مهمته هي توجيه هذه المعاملات و إجراؤها على الوجوه الصحيحة في الإسلام، بحيث لا يجري مع العميل معاملة محرمة، لم يكن في دخوله بأس، بل كان مثابا و مأجورا على ذلك ان شاء اللّٰه تعالي.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 519

الصلاة في الطائرة
المسألة 111:-

تصح الصلاة في الطائرة إذا تمكن المكلف فيها من تعيين القبلة، و استطاع أن يأتي بالصلاة تامة بواجباتها و شرائطها، و تجزيه، فلا تجب عليه إعادتها إذا نزل من الطائرة و ان كان الوقت باقيا.

و إذا لم يستطع الإتيان بالصلاة التامة، و كان في سعة من الوقت بحيث يمكنه أن يأتي بالصلاة التامة بعد نزوله من الطائرة قبل أن يخرج الوقت، وجب عليه تأخير الصلاة و لم يجز له الإتيان بها في الطائرة في أول الوقت، و لم تجزه إذا صلاها كذلك، سواء كان الخلل في صلاته لعدم تعيين القبلة أم لعدم إمكان الاستقبال أم لفقد بعض الشرائط أو الواجبات الأخرى، و لو لعدم الاستقرار أو الاستقلال في القيام أو في الركوع أو السجود و نحو ذلك.

المسألة 112:-

إذا ضاق على المكلف وقت الصلاة و هو في الطائرة وجب عليه أن يأتي بالصلاة بما يمكنه منها، فإذا عين القبلة في جهة وجبت عليه الصلاة الى تلك الجهة، و إذا لم يحصل له ذلك اعتمد على الامارات و العلامات التي توجب الظن، فإذا ظن في جهة أنها القبلة صلى إليها و إذا لم يمكنه ذلك صلى إلى أربع جهات على الأحوط، و إذا ضاق الوقت الا عن صلاة واحدة صلاها الى أي جهة شاء، و إذا لم يمكنه الصلاة مستقرا أو مستقلا في قيامه أو في ركوعه أو سجوده لاضطراب الطائرة، صلى معتمدا على شي ء أو بما يمكنه كما يفعل المعذور في غير الطائرة.

كلمة التقوى، ج 4، ص: 520

المسألة 113:-

إذا كان المكلف في سعة من الوقت، و لكنه علم أنه لا ينزل من الطائرة و لا يتمكن من الصلاة التامة قبل أن يخرج الوقت، جاز له أن يأتي بالصلاة في الطائرة في أول وقتها بما يستطيع من صلاة المعذور، فإذا استمر به العذر حتى خرج وقت الصلاة أجزأته صلاته التي اتى بها، و إذا اتفق انه نزل من الطائرة قبل أن يخرج الوقت و تمكن من الإتيان بالصلاة التامة وجبت عليه إعادة الصلاة.

المسألة 114:-

إذا دخل وقت الصلاة على المكلف، و تمكن من الإتيان بالصلاة تامة الأجزاء و الشرائط، فأخر صلاته متعمدا حتى دخل الطائرة، فاضطر الى أن يأتي فيها بصلاة المعذور أتي بالصلاة كذلك، و لا يترك الاحتياط بقضاء هذه الصلاة بعد نزوله من الطائرة، و خصوصا إذا كان يعلم من أول الأمر انه لا يتمكن في الطائرة الا من صلاة المعذور، و ان كان الظاهر صحة صلاته.

و الحمد للّٰه حق حمده في المبدأ و الختام و صلواته الدائمة على سيد رسله محمد و آله أجمعين.

محمد أمين

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

الجزء الخامس

المعاملات

كتاب الشفعة

اشارة

فَأَنْزَلَ اللّٰهُ سَكِينَتَهُ عَلىٰ رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوىٰ، وَ كٰانُوا أَحَقَّ بِهٰا وَ أَهْلَهٰا، وَ كٰانَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيماً.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 3

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ربّ العالمين الرّحمن الرّحيم، و أفضل صلواته و تسليماته و بركاته الدائمة و رحماته الشاملة المباركة على سيّد الأولين و الآخرين محمد و آله المطهّرين المعصومين المنتجين.

رَبَّنٰا أَتْمِمْ لَنٰا نُورَنٰا وَ اغْفِرْ لَنٰا إِنَّكَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.

و بعد فهذا هو الجزء الخامس من رسالة كلمة التقوى، و هو يحتوي على كتاب الشفعة، و كتاب الجعالة، و كتاب العارية، و كتاب الوديعة، و كتاب إحياء الموات، و ما يتبع ذلك من المشتركات العامة، و كتاب المزارعة و المساقاة و كتاب السّبق و الرماية، و كتاب الإقرار، من كتب المعاملات و من اللّه عزّ اسمه اسأل لي و لجميع إخواني في ديني و أوليائي فيه ان يتم علينا نعمه، و يتفضل علينا بالمزيد من فضله و طوله و

هداه، و أن يزكى أنفسنا و يثبت أقدامنا، و يبلّغنا ما نأمل من توفيقه و رعايته و كفايته في جميع أمورنا في دنيانا و أخرانا. انه أرحم الرّاحمين و خير الغافرين و أن يستجيب.

لعبده المفتقر اليه محمد أمين زين الدين

كلمة التقوى، ج 5، ص: 4

كتاب الشفعة و هذا الكتاب يشتمل على ثلاثة فصول:

الفصل الأول في موارد ثبوت الشفعة و شروطها
(المسألة الأولى):

إذا كانت العين المملوكة مشتركة بين شخصين على وجه الإشاعة بينهما، ثم باع أحد الشريكين حصته المشاعة من العين على شخص أخر غير شريكه، ثبت لشريكه الحق في أن يتملك الحصة المبيعة بالثمن الذي اشتراها به الأجنبي، و كان الشريك أحق بها من ذلك الأجنبي، و إن لم يرض المشتري بتملكه و شفعته، و هذا إذا اجتمعت الشروط الآتي بيانها و يسمى هذا الحق الذي يثبت له حق الشفعة و يسمى الشريك الذي ثبت له حق التملك شفيعا.

(المسألة الثانية):

يثبت حق الشفعة للشريك إذا كان المبيع من الأعيان غير المنقولة، كالبساتين و المساكن و العقارات و غيرها، سواء كان مما يقبل القسمة أم كان مما لا يقبلها عادة كالدور و العقارات الضيقة، و تثبت الشفعة أيضا على الأصح في الشجر و النخيل و الأبنية، و التمار على النخيل و الأشجار إذا باعها الشريك كذلك، و تثبت أيضا في الأعيان المنقولة كالثياب و المتاع و الآلات و الحيوان و المماليك من الإنسان و نحو

كلمة التقوى، ج 5، ص: 5

ذلك، فإذا كانت العين المبيعة في جميع هذه الصور مشتركة بين شريكين على نحو الإشاعة، و باع أحدهما حصته على شخص غير شريكه استحق شريكه أن يشفع في الحصة المبيعة فيتملكها بالثمن الذي جرى عليه عقد البيع على ذلك المشتري و إن كانت العين من المنقولات أو كانت مما لا تقبل القسمة عادة.

(المسألة الثالثة):

لا تثبت الشفعة على الأحوط، ان لم يكن عدم ثبوتها هو الأقوى: في السفينة و لا في النهر و لا في الطريق و لا في الحمام و لا في الرحى، إذا كانت هذه الأشياء مشتركة بين مالكين و كانت غير قابلة للقسمة، فإذا باع أحد الشريكين فيها حصته من العين على شخص ثالث فلا شفعة للشريك الثاني في الحصة، فتستثنى هذه الأشياء الخمسة من المبيعات المشتركة التي تثبت فيها الشفعة.

(المسألة الرابعة):

يشترط في ثبوت حق الشفعة ان تكون العين المبيعة مشتركة و مشاعة غير مقسومة بالفعل كما تقدم بيان ذلك، فإذا قسمت العين المشتركة و تعين لكل من المالكين نصيبه الخاص منها ثم باع أحدهما حصته التي اختص بها بعد القسمة فلا شفعة لشريكه في المبيع، عدا الصورة التي سيأتي استثناؤها و لا شفعة بسبب الجوار، فإذا كانت لكل واحد من المتجاوزين دار يختص بملكها تقع في جنب دار صاحبه ثم باع أحدهما داره على شخص ثالث لم يثبت لجاره حق الشفعة في الدار المبيعة المجاورة له، و كذلك إذا كان الشخصان شريكين في دار غير مقسومة بينهما و كانت لأحد الشريكين دار ثانية يختص بملكها تقع في جنب الدار المشتركة المذكورة فإذا باع تلك الدار التي يختص بها على احد لم يثبت لشريكه في الدار المشتركة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 6

حق الشفعة في بيع داره الخاصة. و يلاحظ الاستثناء الذي سنذكره في المسألة الآتية فإنه يعمّ الفروض الثلاثة التي ذكرناها في هذه المسألة.

(المسألة الخامسة):

إذا قسمت الدار المشتركة بين شخصين، و انفرد كل واحد من الشريكين بحصة خاصة منها و زالت الإشاعة بينهما، فلا شفعة إذا وقع بيع لإحدى الحصتين بعد القسمة و الافراز، و قد ذكرنا هذا في المسألة الماضية.

و يستثنى من هذا الحكم ما إذا كان الطريق الى الحصتين مشتركا بينهما لم يقسم، فإذا باع احد الشريكين حصته المعينة له من الدار المقسومة على شخص أخر و ضم البائع إليها في البيع حصته المشاعة من الطريق الذي لم يقسم، ثبت للشريك الثاني حق الشفعة في كل من الحصة المبيعة من الدار، و من الطريق غير المقسوم الذي جرى عليه البيع.

و مثله الحكم في

المالكين المتجاورين، فإذا كان بينهما طريق يشتركان في ملكه على وجه الإشاعة، و باع أحدهما داره الخاصة به، و باع معها حصته المشاعة من الطريق المشترك على شخص ثالث، ثبت لجاره حق الشفعة في الدار المبيعة مع الحصة من الطريق فيجوز له ان يتملكها بالثمن الذي جرى عليه عقد البيع على ذلك المشتري و كذلك الحكم في الفرض الأخير من المسألة المتقدمة.

(المسألة السادسة):

إذا باع الشريك حصته التي عينت له من الدار بعد قسمتها مع شريكه فيها و لم يضم إليها في المبيع حصته من الطريق المشترك، فلا شفعة لشريكه في بيع الحصة من الدار كما قلنا و لا في الحصة من الطريق، و لا حق للمشتري في الحصة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 7

من الطريق أيضا و تبقى ملكا لصاحبها، فإذا باعها بعد ذلك وحدها كان لشريكه في الطريق حق الشفعة فيها إذا كان الطريق المشترك قابلا للقسمة، و كذلك الحكم إذا باع الجار داره المجاورة لصاحبه و لم يضم إليها في البيع حصته من الطريق المشترك بينهما، فلا شفعة لجاره في بيع الدار و لا في الحصة من الطريق، و ان كان شريكا له فيه، و إذا باع الحصة من الطريق منفردة كان لشريكه في الطريق حق في الشفعة في بيعها إذا كان الطريق قابلا للقسمة.

(المسألة السابعة):

يختص ثبوت الحق الذي ذكرناه في المسألة الخامسة بالدار المشتركة إذا قسمت ثم باع الشريك حصته منها بعد قسمتها و افرازها، و لا يجري في الاملاك الأخرى المشتركة كالبساتين و المحلات و الدكاكين و العقار، فإذا قسمت و باع الشريك حصته منها بعد القسمة و إفراز الحصة على أجنبي فلا شفعة للشريك في الحصة المبيعة و ان اشتركت معه في الطريق.

نعم، يجرى ذلك على الظاهر في الدار المشتركة إذا قسمت، ثم غيّر الشريك حصته بعد قسمة الدار و إفراز الحصة فبناها دكاكين أو محلات أو عقارا أخر أو جعلها أرضا فارغة لبعض الغايات المقصودة في ذلك أو صيرها بستانا، فإذا باعها بعد تغييرها و ضم إليها حصته من الطريق المشترك بينه و بين شريكه ثبت للشريك حق الشفعة في المبيع.

(المسألة الثامنة):

لا يلحق اشتراك الدارين بنهر أو ببئر أو بساقية باشتراكهما بالطريق في الحكم المتقدم كما يراه جماعة من العلماء فإذا قسمت الدار المشتركة إلى دارين أو الى

كلمة التقوى، ج 5، ص: 8

حصتين و انفرد كل واحد من الشريكين بواحدة منهما، ثم باع احد الشريكين حصته التي عينت له من الدار على شخص ثالث و باع معها حصته المشاعة من النهر أو الساقية أو البئر المشترك بينها و بين الحصة الأخرى بثمن معلوم، لم يثبت للشريك الآخر حق الشفعة في الدار المبيعة، و كذلك في الدارين المتجاورين إذا باع احد الجارين داره المعلومة مع حصته المشاعة من النهر أو الساقية أو البئر المشترك فلا يثبت بذلك لجاره حق الشفعة في الدار المبيعة.

نعم يثبت للشريك حق الشفعة إذا باع شريكه حصته من البئر المشترك و يثبت له حق الشفعة إذا باع شريكه حصته من النهر أو

من الساقية إذا كانا قابلين للقسمة، و لا شفعة له فيهما إذا كانا غير قابلين لها و قد ذكرنا هذا في المسألة الثالثة

(المسألة التاسعة):

يشترط في ثبوت حق الشفعة أن تكون العين مشتركة بين شخصين لا أكثر فإذا زاد عدد الشركاء في العين على اثنين و باع بعضهم حصته منها لم تثبت الشفعة في بيعها للشركاء الآخرين، و الظاهر عدم الفرق بين أن يكون الشريك الذي يبيع حصته واحدا منهم فيتعدد الشفعاء فيها، و أن يكون متعددا، فيتساوى عدد من يبيع من الشركاء و من يشفع أو يختلف، بل و ان باعوا جميعا الا واحدا منهم فيكون هو الشفيع وحده، فلا تثبت الشفعة حتى في هذه الصورة.

(المسألة العاشرة):

إذا كانت العين مشتركة بين مالكين لا أكثر، ثم باع أحد المالكين حصته المشاعة على شخصين أو على أكثر، ثبت لشريكه في العين حق الشفعة في حصته التي باعها، و ان أصبح الشركاء في العين متعددين بعد هذا البيع، و جاز للشريك أن

كلمة التقوى، ج 5، ص: 9

يشفع في جميع الحصة فتصبح العين بعد أخذه بالشفعة كلها ملكا له خاصة، و جاز له أن يبعض في أخذه بالشفعة، فيشفع في نصيب بعض المشترين بما ينوبه من الثمن، و لا يشفع في نصيب الباقي منهم.

(المسألة 11):

لا يشترط في ثبوت حق الشفعة أن يكون الشريكان متساويين في مقدار ما يملكانه من العين، فإذا ملك أحدهما ثلث العين أو ربعها أو أقلّ من ذلك أو أكثر و ملك الثاني الباقي منها، ثم باع أحدهما حصته منها على شخص ثالث غيرهما استحق الشريك الآخر الشفعة فيها سواء كان أقلّ من البائع حصة أم أكثر، و مثال ذلك أن يموت الأب و يخلّف بعد موته ولدا و بنتا، و يترك لهما دارا، فيرث الولد ثلثي الدار و ترث البنت ثلثها، فإذا باع الولد حصته و هي الثلثان جاز للبنت أن تشفع في بيع حصة أخيها و ان كانت هي أقل نصيبا منه، و إذا باعت البنت حصتها و هي الثلث جاز للولد أن يشفع في حصة أخته و ان كان أكثر نصيبا منها.

(المسألة 12):

إذا باع أحد الشريكين في العين بعضا من حصته التي يملكها فيها ثبت لشريكه حق الشفعة في ذلك البعض الذي باعه من الحصة، فإذا أخذ بالشفعة ملك ذلك البعض المبيع من الحصة بالثمن المعيّن الذي جرى به البيع و بقي البعض الذي لم يجر عليه البيع من الحصة في ملك البائع فلا يختص ثبوت حق الشفعة في أن يبيع الشريك جميع حصته من العين.

(المسألة 13):

لا يثبت حق الشفعة في غير البيع من المعاوضات، فإذا صالح الشريك أحدا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 10

على حصته المشاعة من العين المشتركة بينه و بين المالك الآخر بعوض معلوم، أو و هبها للغير هبة معوضة بعوض معيّن أو جعل حصته صداقا لامرأة في زواج، أو جعلتها المرأة فدية في خلع أو مبارأة، أو جعلت عوضا لشي ء في إحدى المعاملات الأخرى، لم يثبت للشريك الثاني حق الشفعة فيها في جميع هذه الفروض.

(المسألة 14):

إذا باع الرجل على أحد دارا أو متاعا أو شيئا أخر يختص به ملكه و لا يكون مشتركا بينه و بين مالك أخر، و ضم إليه في البيع حصة مشاعة من دار أو عين اخرى يشترك فيها مع غيره، فباعهما معا صفقة واحدة بثمن واحد معلوم، ثبت لشريكه حق الشفعة في الحصة المبيعة من العين المشتركة بما ينوب عن تلك الحصة من الثمن و لا شفعة له في الدّار أو الشي ء الذي يختص به البائع.

(المسألة 15):

لا يثبت حق الشفعة لمتولي الوقف، و لا للشخص الموقوف عليه و ان كان واحدا، إذا باع شريكه حصته المملوكة له من العين المشتركة بين الوقف و المالك المذكور، و مثال ذلك أن تكون دار أو عين أخرى مشتركة على وجه الإشاعة بين وقف و ملك مطلق، فحصه مشاعة من تلك الدار موقوفة على جهة خاصة، أو على شخص موقوف عليه، و حصة أخرى مشاعة من الدار مملوكة لمالك معيّن يتصرّف فيها كيف يشاء، فإذا باع الشريك حصته التي يملكها من الدار على أحد، فلا شفعة لمتولي الجهة الموقوف عليها أو الشخص الموقوف عليه في الحصة التي باعها الشريك من العين.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 11

و إذا طرأ للحصة الموقوفة- في المثال الذي ذكرناه- بعض الطواري المسوغة لبيع الوقف، فان كان الوقف على جهة خاصة، و باع متولي الوقف تلك الحصة الموقوفة جاز للشريك المالك للحصة الثانية أن يشفع في البيع، و ان كان الوقف على شخص موقوف عليه و باع الحصة الموقوفة عليه أشكل الحكم بثبوت الشفعة للشريك، و ان كان الشخص الموقوف عليه واحدا عند بيع الوقف، فان الموقوف عليه متعدد غير منحصر في أصل الوقف، بحسب العادة

المتعارفة في الوقف و إلا تكن من المنقطع الأخر و أشد من ذلك اشكالا ما إذا تعدّد الأشخاص الموقوف عليهم عند بيع الحصة الموقوفة.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 12

الفصل الثاني في الشفيع
(المسألة 16):

لا يثبت حق الشفعة للكافر إذا كان المشتري الذي باع الشريك عليه حصته مسلما، و لا فرق في هذا الحكم بين أصناف الكفار و مللهم، و لذلك فيشترط في ثبوت الحق للشفيع أن يكون مسلما إذا كان الذي اشترى الحصة مسلما، سواء اشتراها من مسلم أم من كافر حربي أو ذمي أو مرتد، و يثبت حق الشفعة للشفيع المسلم على المشتري سواء كان مسلما أم كافرا حربيا أو ذميّا أو مرتدا، و تثبت الشفعة للكافر على المشتري إذا كان كافرا و ان خالفه في الصنف أو في الملة، نعم يشكل الحكم بثبوت الشفعة للكافر على المشتري إذا كان مرتدا.

(المسألة 17):

يشترط في ثبوت حق الشفعة للشفيع أن يكون قادرا على تأدية الثمن تاما عند أخذه بالشفعة و لو بالاقتراض أو بيع بعض ما يملك، فلا يثبت له حق الشفعة إذا كان عاجزا عن أداء جميع الثمن أو عاجزا عن أداء بعضه، و لا يكفي في تحقق هذا الشرط أن يضمن الثمن عنه ضامن، و ان كان موثوقا به أو يجعل عليه رهنا، و إذا رضي المشتري بتأجيل الثمن أو رضي بضمان الضامن أو بالرّهن صح و لم يسقط

كلمة التقوى، ج 5، ص: 13

حقه من الشفعة.

(المسألة 18):

إذا أخذ الشريك بالشفعة و خرج من المكان ليحضر الثمن و كان مع المشتري في بلد واحد، انتظر به ثلاثة أيام من الوقت الذي أخذ فيه بالشفعة، فإن هو أحضر المال في المدة نفذت شفعته و كانت الحصة المبيعة ملكا له، و إذا انقضت الأيّام الثلاثة و لم يحضر الثمن فيها، نفذ البيع للمشتري و سقطت شفعة الشفيع و يكفي في المدة أن تكون الأيّام الثلاثة ملفقة، فإذا أخذ الشريك بالشفعة في أول الساعة الرابعة من النهار كانت نهاية المدة في أول الساعة الرابعة من اليوم الرابع.

و إذا كان المال في بلد أخر انتظر بالشفيع مدة يمكنه فيها السفر بحسب العادة المتعارفة بين الناس الى البلد الذي فيه المال و الرجوع منه، و يزيد على ذلك بثلاثة أيّام بعد رجوعه فإن أحضر الثمن في تلك المدة صحت شفعته، و إذا انتهى الأجل و لم يحضر الثمن فلا شفعة له، و تكفي المدة الملفقة أيضا كما تقدم.

(المسألة 19):

إذا كان تأجيل دفع الثمن الى أن يسافر الشريك أو وكيله الى البلد الآخر الذي يدعي وجود المال فيه، ثم الرجوع منه مما يوجب الضرر على المشتري فالظاهر سقوط حق الشريك من الشفعة و نفوذ البيع في الحصة للمشتري.

(المسألة 20):

لا يشترط في ثبوت حق الشفعة للشفيع ان يكون حاضرا في المجلس الذي جرى فيه عقد البيع للحصة، أو يكون حاضرا في بلد البيع، فإذا وقع البيع على الحصة من العين المشتركة بينه و بين شريكه البائع، و كان الشفيع غائبا عن المجلس

كلمة التقوى، ج 5، ص: 14

أو غائبا عن البلد، ثم علم به بعد مدة كان له حق الشفعة في الحصة، و لم يسقط حقه بذلك، و ان كانت المدة طويلة، بل يكون له حق الشفعة و ان كان بلده غير بلد البيع فإذا علم به جاز له أن يأخذ بالشفعة.

و إذا كان للشفيع وكيل مفوض في التصرّف عنه، و ان كانت وكالته إيّاه على نحو العموم، أو كان له وكيل في الأخذ بالشفعة، جاز للوكيل العام أو الخاص أن يأخذ له بالشفعة إذا علم و ان لم يعلم الموكّل نفسه بالبيع.

(المسألة 21):

يثبت حق الشفعة للشريك و ان كان سفيها قد حجر عليه في التصرّف لسفهه و يأخذ له وليه الشرعي بالشفعة، و إذا علم الولي الشرعي بثبوت حق الشفعة للسفيه على الوجه الصحيح، و اذن الولي للسفيه في أن يأخذ لنفسه بالشفعة، جاز له أن يتولّى ذلك و يأخذ بالشفعة، و إذا سبق السفيه فأخذ لنفسه بالشفعة ثم أجاز الولي فعله بعد الأخذ صحت شفعته و نفذت.

و تثبت الشفعة للشريك المفلّس إذا لم يزاحم حقوق الغرماء في المال الموجود، و مثال ذلك أن يرضى الغرماء جميعا له بأن يدفع الثمن من المال الموجود، و من أمثلة ذلك أن يرضى المشتري بأن يبقى ثمن الحصة دينا في ذمته فلا يزاحم به حقوق الغرماء في المال الموجود، و من أمثلة ذلك ان يستدين المفلّس

من أحد دينا جديدا يفي به الثمن، فتصح شفعته في جميع ذلك.

(المسألة 22):

لا يشترط في ثبوت الحق للشفيع أن يكون بالغا، و لا يشترط فيه أن يكون عاقلا فيثبت له الحق إذا كان طفلا مميّزا أو غير مميّز، و باع شريكه حصته من العين

كلمة التقوى، ج 5، ص: 15

المشتركة بينهما، و يتولّى وليه الشرعي الأخذ بالشفعة له، و يثبت له الحق كذلك إذا كان مجنونا و ان كان غير مميّز، و يتولّى وليه ذلك كما في الطفل، فإذا كان ولي الصبي أو المجنون هو الأب أو الجد للأب كفى في صحة تصرفه عنهما أن لا تكون في الأخذ بالشفعة لهما مفسدة تعود عليهما، و إذا كان وليهما غير الأب و الجد كالوصي من الأب أو الجد، و كالقيّم المنصوب من الحاكم الشرعي، لم ينفذ تصرفه إلّا مع وجود المصلحة لهما في التصرف، و قد بيّنا هذا في كتاب التجارة و في كتاب الحجر.

(المسألة 23):

إذا ثبت للصبي حق الشفعة في الحصة التي باعها شريكه، و كان الصبي مميّزا و يحسن الأخذ بالشفعة، و علم وليه الشرعي باجتماع الشرائط كلّها في المعاملة و في الصبي نفسه، جاز للولي أن يأذن للصبي بأن يأخذ لنفسه بالشفعة فإذا أخذ الصبي بها بعد الإذن من الولي نفذ تصرفه على الأقوى.

(المسألة 24):

الشفعة حق من الحقوق الشرعية التي تثبت للإنسان عند طروء أحد أسبابها و من أحكام الحق أنه يسقط إذا أسقطه صاحبه باختياره، أو أسقطه من يقوم مقامه و سيأتي لذلك مزيد إيضاح و بيان، و نتيجة لذلك فإذا ثبتت الشفعة للصبي أو للمجنون جاز للولي الشرعي عليهما أن يسقط هذا الحق، إذا دعت مصلحة الصبي أو المجنون صاحب الحق إلى إسقاطه، بل و جاز للأب و الجد أبى الأب ان يسقطا هذا الحق إذا لم تكن في إسقاطه مفسدة تعود على المولّى عليه، فإذا أسقطه الولي حسب ما بيّناه فليس للصبي إذا بلغ أن يطالب بالشفعة في الحصة المبيعة، و ليس

كلمة التقوى، ج 5، ص: 16

للمجنون أن يطالب بها إذا أفاق من جنونه و كذلك الحكم إذا ترك الولي المطالبة و لم يأخذ بالشفعة للصبي أو المجنون لوجود مفسدة غالبة في المطالبة، أو لعدم المصلحة لهما في الأخذ بها، فليس للصبي أو المجنون أن يطالبا بالشفعة بعد ارتفاع الحجر عنهما.

و إذا أسقط الولي حق الشفعة للصبي أو المجنون المولّى عليهما مع عدم تحقق الشرط الآنف ذكره لم يسقط حقهما بذلك، و كان لهما ان يطالبا بالحق و يأخذا بالشفعة بعد ارتفاع الحجر عنهما، و كذلك إذا تسامح الولي في الأمر فلم يأخذ لهما بحق الشفعة فيجوز للمولّى عليهما المطالبة به بعد البلوغ

و العقل.

(المسألة 25):

يجري في ولي السفيه نظير ما ذكرناه من الاحكام في ولي الطفل و المجنون فإذا أسقط ولي السفيه حق الشفعة الثابت للمولّى عليه مع وجود المصلحة له في إسقاطه، لم يجز للسفيه أن يطالب بالشفعة و الأخذ بها إذا رشد و ارتفع عنه الحجر و ان تجدّد وجود مصلحة له بعد الإسقاط، و إذا ترك الولي الأخذ بالشفعة للسفيه لوجود مفسدة غالبة تعود عليه إذا هو أخذ بها، أو لعدم مصلحة له في الأخذ، فلا شفعة للسفيه كذلك إذا اتفق له الرشد، و إذا أسقط الولي حق السفيه مع عدم وجود الشرط أو تساهل في الأمر فلم يأخذ له بحقّه، جازت للمولّى عليه المطالبة بالشفعة بعد الرشد.

(المسألة 26):

إذا كان الأب أو الجد أبو الأب شريكا للصبي أو المجنون في العين المملوكة لهما على وجه الإشاعة بينهما، جاز له أن يبيع حصة الصبي أو المجنون المولّى

كلمة التقوى، ج 5، ص: 17

عليه على أجنبي مع وجود شرط صحة البيع لأنه ولي له فينفذ تصرفه عليه، فإذا باع حصته المولّى عليه من العين المشتركة كما ذكرنا ثبت للولي نفسه حق الشفعة في الحصة المبيعة لأنه شريك في العين، فيجوز له أن يأخذ بالشفعة و يتملك الحصة بالثمن الذي وقع عليه البيع على الأجنبي.

و يصح للولي في المثال المذكور أن يبيع حصته التي يملكها من العين المشتركة على أحد، ثم يشفع في الحصة المبيعة للصبي أو المجنون بحسب ولايته عليهما، و لا مانع له من ذلك في كلا الفرضين، لوجود الولاية، و تحقق شروط الصحة في تصرفه كما هو المفروض، و إذا دل بعض القرائن الخاصة على وجود تهمة، أو على وجود مفسدة، فلا ولاية له و لا

يصح تصرفه.

و كذلك شأن الوصي القيم على اليتيم أو على المجنون إذا كان شريكا لهما في العين المملوكة لهما، فيجري فيه ما تقدم من الاحكام و يصح بيعه و أخذه بالشفعة لنفسه و للقاصر المولّى عليه، مع وجود الشرائط، الا أن تدل القرينة الخاصة على ما يخالف ذلك.

و يجري مثل ذلك في الوكيل المفوض في البيع، و في الأخذ بالشفعة إذا كان شريكا مع الموكل في العين على وجه الإشاعة بينهما، فيجوز له أن يبيع حصته من العين على شخص ثالث، ثم يأخذها بالشفعة لشريكه بالوكالة عنه بالثمن الذي باعها به على المشتري، و يجوز له أن يبيع حصّة موكله من العين المشتركة على أحد ثم يشفع فيها لنفسه بالثمن المعيّن، فيصح البيع و الأخذ بالشفعة مع وجود الشرائط في كلتا الصورتين.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 18

(المسألة 27):

إذا أخذ ولي الطفل أو المجنون لهما بالشفعة في حصّة باعها شريكهما في العين، ثم استبان بعد ذلك أن في أخذه بالشفعة لهما مفسدة غالبة تعود عليهما، أو نقصا يضرّ بحالهما بطلت شفعة الولي لهما و لم تنفذ، و ان كان الولي الذي تولى الشفعة لهما هو الأب أو الجد للأب، و كذلك إذا استبان عدم وجود مصلحة لهما في الشفعة، و كان الولي الذي أخذ لهما بالشفعة هو الوصي القيّم عليهما، فتبطل شفعته لعدم وجود الشرط، و مثله حكم الولي على السفيه فلا تنفذ شفعته إذا تبين بعد شفعته له انه لا مصلحة فيها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 19

الفصل الثالث في الأخذ بالشفعة
(المسألة 28):

إذا باع الشريك في العين حصته المشاعة منها على المشتري بثمن معلوم و حصل القبول من المشتري و تم العقد بينهما، ثبت لشريكه الثاني في العين حق الشفعة في المبيع، سواء وقعت معاملة البيع بينهما بعقد لفظي أم بمعاطاة، و لا يتوقف ثبوت حق الشفعة للشريك على انقضاء مدة الخيار و لا على أمر أخر.

(المسألة 29):

شفعة الشفيع حق يختص به وحده، و الأخذ بها أمر يتعلق به خاصة دون غيره، و قد دلت على ذلك ظواهر الأدلة، و لا تتوقف صحة الشفعة و الأخذ بها على قبول المشتري بالشفعة أو قبول الشريك الذي باع الحصة، فالأخذ بالشفعة من الإنشاءات و من الإيقاعات لا من العقود.

و يحصل الأخذ بالشفعة من الشفيع بأي لفظ يكون دالا في متفاهم أهل العرف و اللسان على أخذه الحصة المبيعة بالثمن الذي جرت به المعاملة بين الشريك بائع الحصة و مشتريها، و يحصل أيضا بأي فعل من الأفعال يكون له ظهور عرفي في ذلك.

فمن الألفاظ الدالة على ذلك أن يقول الشفيع: أخذت لنفسي الحصة التي باعها شريكي زيد، على المشتري عمرو بألف دينار، و تملكها بالشفعة بالثمن

كلمة التقوى، ج 5، ص: 20

المعيّن بينهما، أو يقول تملكت الحصة المبيعة بالثمن المعلوم.

أو يقول: أخذت الحصة لنفسي شفعة بالثمن الذي اشتراها به فلان، و من الأفعال الدالة عليه ان يضع الشفيع يده على العين بقصد تملك الحصة المبيعة منها و يدفع الثمن للمشتري.

(المسألة 30):

لا يصح للشفيع أن يبعض في شفعته، فيتملك بعض الحصة التي باعها شريكه بالمقدار الذي ينوب ذلك البعض من الثمن و يدع البعض الآخر، فيقول مثلا: أخذت نصف الحصة المبيعة، و تملكته بنصف الثمن، و لا يذكر النصف الآخر، أو يقول مع ذلك: و تركت النصف الآخر من الحصة للمشتري، بل يلزمه اما أن يتملك جميع الحصة المبيعة بجميع ثمنها أو يدعها جميعا لمن اشتراها.

(المسألة 31):

الشفعة التي تثبت للشفيع شرعا هي أن يأخذ المبيع بالمقدار الذي جرت المعاملة عليه بين المتعاقدين من الثمن، فلا يدفع للمشتري أكثر من ذلك و لا أقل منه، و ان كانت القيمة المتعارفة في السوق للحصة المبيعة أكثر من ذلك أو أقل، و إذا تراضى الشفيع مع المشتري بينهما بأقل من الثمن أو بأكثر منه، فالأحوط أن يوقعا المعاملة بينهما بالمصالحة لا بعنوان الأخذ بالشفعة.

و لا يتعيّن على الشفيع أن يدفع للمشتري عين الثمن الذي وقعت عليه المعاملة و سلمه المشتري إلى بائع الحصة، و ان تمكن الشفيع من ذلك، فيكفيه في الأخذ بالشفعة أن يدفع الى المشتري مثل ذلك الثمن إذا كان مثليا.

و إذا كان الشريك صاحب الحصة قد باع حصته المشاعة من العين على

كلمة التقوى، ج 5، ص: 21

المشتري بثمن من القيميات و دفعه المشتري إليه، فالظاهر سقوط الشفعة و عدم ثبوتها للشريك الثاني، و مثال ذلك أن يبيع الشريك حصته من الدار أو الأرض المشتركة على المشتري بجواهر معيّنة، أو بحيوان، أو بمتاع معلوم، أو بغير ذلك من القيميات، فلا شفعة للشريك الآخر في مثل هذه الفروض.

(المسألة 32):

لا يجب على الشفيع إذا أخذ لنفسه بالشفعة أن يدفع للمشتري ما دفعه من أجرة أو جعالة للدلّال أو الوكيل الذي توسّط له أو ناب عنه في شراء الحصة، أو زاده للبائع من إضافة فوق الثمن أو حباه به من هدية أو كسوة فلا يجب على الشفيع دفع ذلك، و لا يحق له أن يسقط من الثمن ما قد يحطّه البائع عن المشتري من مقدار الثمن عند التسليم بعد العقد، أو يحتسبه عليه حقا من الحقوق الشرعية و شبه ذلك فلا يحقّ له أن

ينقص ذلك من الثمن عند أخذه بالشفعة.

و لا يمنع من جميع ذلك إذا حصل التراضي عليه بين الشفيع و المشتري و أجرياه بقصد المصالحة بينهما لا بعنوان الأخذ بالشفعة، و يمكن له أن يأخذ بالشفعة بالثمن المعين دون زيادة و لا نقيصة، ثم ينقص منه بعد ذلك أو يزيد له ما يريد مع رضى الطرفين به.

(المسألة 33):

لا يصح للشريك أن يأخذ الحصة من المشتري بالشفعة فيها لا لنفسه، بل ليملّك الحصة غيره من أب له أو ولد أو غيرهما، و إذا فعل كذلك كانت شفعته باطلة، و إذا أراد ذلك أمكن له أن يأخذ بالشفعة لنفسه بالثمن المعيّن على الوجه الصحيح، فإذا ملّك الحصة بالشفعة جاز له ان يملكها بعد ذلك لمن يشاء بعوض أو

كلمة التقوى، ج 5، ص: 22

بغير عوض، و لم يدخل المعاملة الثانية بالمعاملة الأولى.

(المسألة 34):

لا يثمر الأخذ بالشفعة ثمرته، و لا يتملك به الشفيع الحصة المبيعة حتى يحضر الثمن للمشتري، فلا يكفي في حصول المقصود أن يقول الشفيع بقصد الإنشاء: أخذت بحقي من الشفعة و تملكت الحصة، أو يضع يده على العين المشتركة بينه و بين صاحبه بقصد تملك الحصة المبيعة منها، و لا يؤثر هذا الإنشاء اللفظي أو الفعلي تملكه للحصة شرعا حتى يحضر الثمن كما قلنا.

و في حكم إحضار الثمن للمشتري أن يرضى المشتري نفسه بتأخير الثمن فإذا أنشأ الشريك شفعته باللفظ أو بالفعل الدالين على المقصود، و رضي المشتري منه بتأخير الثمن تمت الشفعة، و ملك الحصة و بقي الثمن دينا.

و قد بيّنا في المسألة الثامنة عشرة أن الشفيع إذا أخذ بالشفعة، و طلب فرصة يحضر فيها الثمن و هو في البلد نفسه أنظر ثلاثة أيام، فإذا أحضر المال فيها نفذت شفعته، و كان ذلك بمنزلة إحضار المال في وقت أخذه بالشفعة، و إذا كان ماله في بلد أخر غير بلد البيع انتظر به مدة يتمكن فيها عادة من السفر الى ذلك البلد و الرجوع منه و يزاد عليها ثلاثة أيام، فإذا أحضر المال في هذه المدة صحت شفعته كذلك، و يتفرع على

ما ذكرناه أن الشفيع إذا أخذ بالشفعة و عجز عن إحضار المال للمشتري، أو هرب أو ماطل أو تأخر عن إحضاره من غير عذر كانت شفعته باطلة و لم يملك الحصة بمجرد إنشائه و بقيت ملكا للمشتري.

(المسألة 35):

إذا علم الشريك بثبوت حق الشفعة له في تملك الحصة التي باعها شريكه

كلمة التقوى، ج 5، ص: 23

و أراد الأخذ بحقه، وجب عليه أن يبادر إلى الأخذ بشفعته.

و المبادرة اللازمة عليه في ذلك هي أن لا يتساهل أو يماطل أو يتأخر عن الطلب بحقه من غير سبب يدعوه إلى التأخر أو التسويف، أو عذر شرعي أو عقلي أو عادي يبعث عليه، فإذا هو ماطل أو تساهل أو تأخر عن الطلب بحقه من غير سبب يعذر فيه سقطت شفعته، و سنذكر بعض الأمثلة للأعذار المقبولة للتأخير.

(المسألة 36):

من الأعذار المقبولة التي قد تدعو الشريك إلى تأخير أخذه بالشفعة و لا يسقط معها حقه بسبب التأخير و عدم المبادرة، أن يجهل ان شريكه في العين المملوكة لها قد باع حصته من العين و لم يعلم ببيعه الا بعد مدة، أو يجهل أن بيع شريكه لحصته المشاعة من العين يوجب له حق الشفعة فيها، أو يجهل بأن الشفعة مما تجب المبادرة فيه و لا يجوز فيه التأخير، ثم علم بالحكم بعد مدة.

و من الأعذار: أن يتوهم الشفيع ان الثمن كان كثيرا يغبن في بذله ثم استبان له بعد فترة ان الثمن قليل لا يغبن فيه إذا دفعه للحصة المبيعة، أو يتوهم أنه يعجز عن دفع الثمن إلى المشتري لأنه من الذهب مثلا و هو لا يجده أو لأنه لا يتمكن من تحويل المبلغ من بلده الى المشتري ثم تبين له بعد فترة من الزمن خطأ توهمه و من الأعذار أن يظنّ الشفيع ان مشتري الحصة هو زيد و هو لا يقدر على أخذ الحصة منه، ثم علم أن المشتري هو عمرو، و منها: أن يبلغه أن شريكه قد

وهب الحصة لزيد هبة، أو صالحه عليها بعوض، و لذلك فلا يكون له حق الشفعة في الحصة، ثم علم أن الشريك قد باعها على زيد فيثبت له حق الشفعة فيها.

و من الأعذار أن يكون الشفيع محبوسا بغير حق أو محبوسا بحق يعجز عن

كلمة التقوى، ج 5، ص: 24

أدائه، ثم يخرج من سجنه بعد مدة، و لا تنحصر الاعذار و الأسباب الموجبة للتأخير في ذلك.

(المسألة 37):

إذا علم الشريك بثبوت حق الشفعة له في الحصة التي باعها شريكه وجبت عليه المبادرة إلى الأخذ بحقه و لزمه الشروع في مقدمات ذلك، و المقدار اللازم عليه من المبادرة أن يجري في شروعه في المقدمات و في أخذه بالحق على الوجه المتعارف له و لأمثاله في ذلك، و لا تجب عليه المسارعة فيه بأكثر مما يعتاد له، فإذا علم ليلا بثبوت الحق له جاز له أن ينتظر مجي ء الصبح، و أن يتأخر عن أول الصبح الى الوقت الذي يخرج فيه أمثاله من الناس لهذه الغاية، و إذا علم بثبوت الحق له و هو في أثناء عبادة واجبة أو مندوبة من صلاة أو زيارة أو حج أو غيرها لم يجب عليه قطع عبادته و الخروج إلى الأخذ بحقه، و جاز له أن يتم عبادته على الوجه الذي جرت عليه عادته من إسراع و إبطاء، ثم يتوجه بعدها الى حيث يريد.

و إذا علم بالحق و هو في أول وقت الصلاة جاز له أن يأتي بطهارته و صلاته حتى يتمها، بل و يجوز له أن يأتي بنوافلها و مستحبّاتها إذا كان من عادته الإتيان بها، و يجوز له أن ينتظر الجماعة و يصلي معها إذا كان ذلك من عادته، و لا يجب

عليه الإسراع في المشي أكثر مما يتعارف له عند خروجه الى مقصده، و إذا كان بعيدا عن الموضع الذي يأخذ فيه بالشفعة و احتاج الى من يصحبه في الطريق جاز له انتظاره حتى يخرج معه، و إذا كان له ما يمنعه في الحال من حرّ أو برد أو مطر جاز له الصبر حتى يزول المانع، و إذا علم بثبوت الحق له و هو في أثناء عمل يلزمه بسبب إجارة أو نحوها، صبر حتى ينجز العمل و يتمه على الوجه المطلوب، و على

كلمة التقوى، ج 5، ص: 25

وجه الاجمال يجوز له الإتيان بأي عمل يتعارف لمثله، إذا لم يكن الإتيان بذلك العمل مما يصدق معه المماطلة في نظر أهل العرف،

(المسألة 38):

إذا علم الشريك بثبوت حق الشفعة له في الحصة المبيعة و هو في غير البلد الذي يأخذ فيه بالشفعة، و كان في وسعه أن يبادر في الأمر، فيرسل من قبله وكيلا مفوضا يأخذ له بحقه و يدفع الثمن عنه، فلا يكون منه تأخر و لا مماطلة في أخذه بالشفعة، و لا في دفع الثمن للمشتري، أو أمكن له أن يتصل بالبلد و بالمشتري أو وكيله بمخاطبة هاتفية و نحوها فينشئ بمكالمته معه أخذه بالشفعة، و يحوّل الثمن اليه أو الى وكيله، فلا يكون منه تأخير و لا مماطلة لزمه ذلك، فإذا هو أهمل و لم يبادر مع تمكنه من ذلك و تيسّره له صدقت المماطلة عرفا، و بطلت بذلك شفعته.

و كذلك إذا بلغه الخبر ليلا، أو كان مريضا أو مسجونا لا يمكنه القيام بالأمر بنفسه، و أمكنه الأخذ بالحق في وقته، بالتوكيل، أو بالمكالمة الهاتفية و تحويل الثمن و نحو ذلك من وسائل الاتصال في

المخاطبات و اجراء المعاملات مما هو متمكن منه و ميسور له، فلا يجوز له التأخير و المماطلة، و إذا أهمل و ما طل بطلت شفعته.

(المسألة 39):

إذا كان الشفيع غائبا عن الموضع الذي يأخذ فيه بالشفعة في سفر أو غيره و لم يمكنه الحضور بنفسه و لا بالتوكيل و لا الأخذ بحقه بمخاطبة هاتفية و شبهها كان معذورا في تأخير الأخذ بالحق، و لم تسقط بذلك شفعته و ان طالت المدة الى أن يزول العذر.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 26

(المسألة 40):

الشفعة- كما قلنا أكثر من مرة- حق يثبت للشريك إذا تمت له القيود و الشروط التي تقدم بيانها، و إذا أسقطه صاحبه باختياره- بعد أن يثبت له شرعا- يسقط اعتباره، و لا يصح لصاحبه الأخذ به بعد ذلك، فإذا شفع و دفع الثمن للمشتري لم يملك الحصة المبيعة، إلا إذا ملكها له المشتري برضاه بتمليك جديد و يجوز التعويض عن حق الشفعة إذا ثبت لصاحبه شرعا، و يصح أن يكون التعويض عنه بالمال و بغير المال، و مثال ذلك أن يكون للشريك حق الشفعة في دار أو أرض، فيصالحه المشتري عن حقه هذا بحق تحجير قد ثبت للمشتري في أرض أخرى، فيسقط بهذه المصالحة حق الشريك من الشفعة في الدار، و ينقل اليه حق التحجير في الأرض التي حجرها المشتري عوضا عن شفعته.

و يجوز للمشتري أن يعوضه عن حقه هذا بمنفعة خاصة يملكها في دار أو دكان أو عين اخرى، و أن يعوضه عنه بدين له عليه أو على شخص غيره، أو بغير ذلك من الأموال.

(المسألة 41):

يصح للمشتري أن يصالح الشريك عن حق الشفعة الذي ثبت له في الحصة التي اشتراها من الشريك الآخر، و يدفع له مبلغا من المال عوضا عن حقه، و إذا تم الصلح بينهما كذلك سقط حق الشريك من الشفعة بنفسه، و ان لم ينشئ صاحبه إسقاطه بلفظ أو بغيره، و وجب على المشتري ان يدفع له المبلغ المعيّن من المال بدلا عن حقه، و يصح أن يوقع الصلح معه عن الحق الذي ثبت له في الحصة بالتراضي بينهما بغير عوض، و قد ذكرنا هذا الحكم في المسألة السادسة عشرة من

كلمة التقوى، ج 5، ص: 27

كتاب الصلح.

(المسألة 42):

إذا كان للشريك حق الشفعة في الحصة التي باعها شريكه و صالحة المشتري بعوض من المال، على أن يسقط حقه الثابت له من الشفعة و قبل الشريك منه هذه المصالحة، وجب عليه ان يسقط شفعته و لا يأخذ بها، فان هو أسقط حقه، و وفى بعقد الصلح الجاري بينه و بين المشتري، استحق عليه العوض المعيّن، و ان لم يف بعقد الصلح فلم يسقط حقه من الشفعة أثم، لعدم و فأية بالعقد، و لم يستحق العوض المعيّن فيه، و لم يسقط حقه من الشفعة بمجرّد وقوع العقد بينهما، فإذا أخذ بالشفعة و دفع الثمن للمشتري صحت شفعته و ملك الحصة بذلك و ان كان اثما بعدم إسقاطه للحق كما قلنا.

(المسألة 43):

إذا ثبتت الشفعة للرجل فصالحه مشتري الحصة بعوض معلوم من المال على أن لا يأخذ بشفعته في الحصة، جرى في ذلك نظير ما بيّناه في المسألتين المتقدّمتين، فان كان المقصود من عدم أخذه بالشفعة الذي وقعت عليه المصالحة بينه و بين المشتري: أن يكون حق الشريك من الشفعة ساقطا و من أجل سقوط الحق فلا يحل للشريك أن يأخذ بالشفعة، سقط بهذه المصالحة حقه و ان لم ينشئ إسقاطه بلفظ أو بغيره، فإذا هو لم يف بالعقد، و أخذ بالشفعة لم تصح شفعته، فإنها قد سقطت بعقد الصلح، و لم يملك الحصة المبيعة، و استحق على المشتري العوض المعلوم من المال الذي وقع عليه عقد الصلح.

و ان كان المراد أن لا يأخذ الشريك بالشفعة و ان كانت ثابتة له و لم يسقط

كلمة التقوى، ج 5، ص: 28

استحقاقه لها، فالشفعة لا تزال باقية بحالها و لم تسقط، فإذا هو أخذ بالشفعة بعد وقوع الصلح نفذت

شفعته، و ملك الحصة المبيعة، و لزمه أداء الثمن المعين لها و ان كان آثما بما فعل لعدم وفائه بعقد الصلح، و لم يستحق العوض الذي جرى عليه عقد المصالحة.

(المسألة 44):

لا يسقط حق الشفعة إذا أسقطه الشريك قبل أن يثبت له شرعا، و قد ذكرنا- أكثر من مرة- أن حق الشفعة انما يثبت للشريك إذا باع شريكه الثاني حصته من العين المشتركة بينهما، و نتيجة لهذا الشرط فإذا أسقط الشريك حقه من الشفعة قبل إنشاء البيع، ثم وقع بيع الحصة بعد ذلك لم يسقط حق الشريك من الشفعة، و جاز له أن يأخذها و يتملك الحصة بثمنها على الأقوى.

و لا تسقط شفعة الشفيع إذا شهد بأن شريكه قد باع الحصة على زيد بحضوره، و انه أشهده على وقوع البيع، فيصح له أن يأخذ بالشفعة بعد شهادته هذه، و ان كانت الشهادة في مجلس الحاكم الشرعي، و لا يسقط حقة من الشفعة إذا وقع البيع و هو حاضر أو علم به بعد وقوعه فقال للمشتري بارك اللّه لك في ما اشتريت أو في صفقتك، فيجوز له أن يأخذ بالشفعة بعد ذلك، إلا إذا دلت القرينة على ان مراده من شهادته بالبيع في المثال الأول و من دعائه للمشتري بالبركة في الفرض الثاني إسقاط حق شفعته بعد البيع فيسقط بذلك حقه.

(المسألة 45):

إذا عرض الشريك حصته من العين على شريكه فيها و هو يريد بيع الحصة فأبدى الشريك عدم رغبته في شرائها فباعها مالكها من غيره، أشكل الحكم بثبوت

كلمة التقوى، ج 5، ص: 29

حق الشفعة له فيها بعد ذلك، و الأحوط له ترك الشفعة، و خصوصا إذا أذن له في البيع إذنا مطلقا، و لم يذكر مقدارا معينا للثمن و لا مشتريا خاصا، و كذلك إذا عرض المشتري عليه الأمر قبل أن يشتري الحصة من شريكه، فأبدى عدم الرغبة في شرائها فلا يترك الاحتياط في عدم الشفعة،

و مثله ما إذا استأذنه شريكه صاحب الحصة في بيعها بثمن معيّن أو على مشتر معيّن فلم يرغب في شراء الحصة و أذن له في بيعها، فلا يترك الاحتياط في هذه الفروض بترك الشفعة بعد وقوع البيع.

و إذا استأذنه الشريك في بيع الحصة بثمن معيّن فلم يرغب، ثم باعها بأقل من ذلك الثمن أو استأذنه في البيع على مشتر معيّن، فلم يرغب ثم باع الحصة على مشتر أخر، فالظاهر ثبوت الشفعة له في كلتا الصورتين، و كذلك إذا عرض المشتري عليه الأمر و ذكر له ثمنا فأذن له في الشراء، ثم اشترى الحصة من صاحبها بأقل من ذلك الثمن فيجوز له أن يأخذ بالشفعة.

(المسألة 46):

لا يشترط في ثبوت حق الشفعة للشريك أن يكون عالما بمقدار ثمن الحصة حين أخذه بالشفعة، فإذا علم أن شريكه في العين قد باع حصته منها، فقال: أخذت بالشفعة فيها، سواء كان ثمنها قليلا أم كثيرا، أو قال: تملكت حصته التي باعها بثمنها الذي اشتراها به المشتري بالغا ما بلغ، صحت شفعته، و ان كان جاهلا بمقدار الثمن حين أخذه بالشفعة، فإذا علم بمقداره بعد ذلك أو دلت عليه الحجة الشرعية دفعه الى المشتري و لم يضرّ ذلك بشفعته.

(المسألة 47):

إذا باع الشريك حصته المشاعة من العين على غير شريكه، ثبت لشريكه حق

كلمة التقوى، ج 5، ص: 30

الشفعة في الحصة، فإذا تقايل المتبايعان بعد أن وقع عقد البيع بينهما فردّ الشريك البائع الثمن على المشتري، و ردّ المشتري الحصة المبيعة على بائعها، لم يسقط بتقايلهما حق الشريك الشفيع من الشفعة التي ثبتت له في البيع، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة بطلت اقالة المتبايعين من أصلها.

و يتفرع على بطلان الإقالة من أصلها: ان ترجع الحصة المبيعة إلى ملك المشتري، فإذا كانت الحصة قد تجدّد لها نماء بعد شراء المشتري لها و قبل أخذ الشفيع بالشفعة فالنماء المتجدّد لها كلّه للمشتري، و أن يرجع الثمن الى ملك البائع فإذا كان قد حصل له نماء في تلك الفترة فهو ملك للبائع، و تكون الحصة بعد الشفعة ملكا للشفيع، و يلزمه أن يدفع ثمنها إلى المشتري.

(المسألة 48):

إذا ثبت حق الشفعة للشريك، فباع حصته الأولى التي يملكها من العين قبل أن يأخذ بالشفعة في الحصة الأخرى التي باعها شريكه، زالت شركته في أصل العين و سقط بذلك حقه من الشفعة في الحصة الأخرى، فلا يجوز له الأخذ بها و خصوصا إذا كان بيعه لنصيبه الخاص من العين بعد أن علم بثبوت الشفعة له في نصيب صاحبه.

(المسألة 49):

الشفعة حق خاص يثبت للشريك إذا توفرت له القيود و الشروط التي تقدم منا تفصيلها، و هي حق لا يقبل النقل الاختياري من الشريك الشفيع الى غيره بصلح أو بمعاوضة أخرى، و قد سبق منا في المسألة الحادية و الأربعين: أن المشتري إذا صالح الشريك صاحب الحق عن شفعته أفاد هذا الصلح سقوط الحق

كلمة التقوى، ج 5، ص: 31

فلا يجوز لصاحبه ان يأخذ بالشفعة بعد الصلح، و ليس معنى ذلك ان هذا الحق قد انتقل من صاحبه إلى المشتري بالمصالحة، و سنذكر في بعض المسائل الآتية ان حق الشفعة ينتقل بعد موت الشريك صاحب الحق إلى وارثه، و هو غير النقل الاختياري بالمعاوضة عليه.

(المسألة 50):

إذا باع الشريك حصته على المشتري بثمن مؤجل، و ثبت لشريكه حق الشفعة فيها، جاز لشريكه أن يأخذ بالشفعة و يتملك الحصة المبيعة عاجلا و يؤخر دفع الثمن، الى ان يحضر الأجل المسمّى، و يجوز له أن يعجّل دفع الثمن أيضا، إذا رضي المشتري بتعجيله.

(المسألة 51):

الأجل المسمّى الذي يجوز للشفيع أن يؤخر دفع الثمن الى وقت حلوله هو ما ضرب بين الشريك البائع و المشتري من حين وقوع البيع بينهما الى وقت حلوله، لا مقداره من حين أخذ الشفيع بالشفعة على الأحوط، ان لم يكن هذا هو الأقوى، فإذا كان أجل دفع الثمن إلى مدة سنة كان أول السنة من حين وقوع البيع لا من حين أخذ الشفيع بالشفعة.

(المسألة 52):

إذا اشترى المشتري الحصة المشاعة من الشريك الذي باعه حصته من العين ملكها بالشراء، و صح له أن يتصرف فيها بما يريد و كيفما يريد، و لا يمنعه من التصرف أن الشريك الآخر المالك للحصة الثانية قد ثبت له حق الشفعة في الحصة المبيعة عليه، و لا يمنع تصرف المشتري الذي ذكرناه في الحصة التي اشتراها من

كلمة التقوى، ج 5، ص: 32

شفعة الشفيع، و لا يوجب سقوط حقه الذي ثبت له في الحصة، فيجوز له الأخذ بالشفعة و تملك الحصة بالثمن.

(المسألة 53):

إذا باع المشتري الحصة التي اشتراها من الشريك على مشتر أخر قبل أن يأخذ الشفيع بشفعته، تخير الشفيع بين أن يشفع في البيع على المشتري الأول و أن يشفع في البيع على المشتري الثاني، فإذا هو شفع في البيع الثاني ملك الحصة بالشفعة بثمنها الثاني، و صح بذلك البيع الذي قبله على المشتري الأول بالثمن الذي اشترى به الحصة من بائعها، و إذا شفع الشفيع في البيع الأول ملك الحصة بثمنها الأول، و كان البيع الثاني فضوليا، فيجوز للشفيع بعد أن يملك الحصة أن يجيزه، فإذا أجازه بعد الشفعة كان البيع الثاني له لا للمشتري، و كان الثمن الثاني له و يجوز له أن يترك البيع الثاني و لا يجيزه فيكون باطلا كما هو الحكم في البيع الفضولي.

و مثال ذلك أن يبيع الشريك حصته المشاعة من العين على زيد بمائة دينار ثم يبيعها من اشتراها و هو زيد على عمرو بمائة و عشرة دنانير، فإذا شفع الشفيع في البيع الأول ملك الحصة من زيد بالشفعة و لزمه أن يدفع لزيد ثمنها الذي اشتراها به و هو مائة دينار، و كان البيع الثاني و

هو بيع الحصة على عمرو فضوليا، فان أجازه الشفيع بعد أن شفع و ملك الحصة صح بيعها على عمرو و ملك عمرو الحصة بمائة و عشرة دنانير و كان هذا الثمن للشفيع، و إذا ترك الشفيع البيع الثاني و لم يجزه كان باطلا و بقيت الحصة المبيعة في ملكه بثمنها الأول.

و إذا شفع الشفيع في البيع الثاني ملك الحصة من عمرو و وجب عليه أن

كلمة التقوى، ج 5، ص: 33

يدفع له ثمنها الذي اشتراها به، و هو مائة و عشرة دنانير و صح بذلك البيع الأول و هو بيع الشريك على زيد بمائة دينار.

(المسألة 54):

إذا زادت البيوع التي وقعت على الحصة المشاعة على بيعين قبل أن يشفع الشفيع في بيعها كما إذا تأخر عن الأخذ بالشفعة لبعض الأعذار المقبولة ثم شفع في الحصة بعد ذلك جرى في هذا الفرض نظير الحكم السابق الذي بيّناه في المسألة المتقدّمة.

فإذا شفع الشفيع في البيع الأول الذي وقع على الحصة من الشريك نفسه ملك الشفيع الحصة من المشتري الأول الذي اشتراها من الشريك بثمنها المعيّن في ذلك البيع، و كانت البيوع اللاحقة بعده كلّها فضولية، فإذا أجاز الشفيع بعد أن ملك الحصة واحدا معيّنا منها صح ذلك البيع الذي أجازه، و كان للشفيع بالثمن المعيّن في عقد ذلك البيع و بطل الباقي، و إذا لم يجز منها شيئا بطل الجميع، و بقيت الحصة ملكا له.

و إذا شفع الشفيع في البيع الأخير من تلك البيوع ملك الحصة من المشتري الأخير بالثمن المعيّن في ذلك البيع، و صح ما وقع على الحصة قبله من البيوع جميعا.

و إذا شفع في البيع المتوسط ملك الحصة بثمنها في ذلك العقد، و صح ما

وقع قبله من البيوع و بطل ما بعده، و إذا أجاز الشفيع بعد الشفعة بيعا معيّنا من البيوع اللاحقة للشفعة صح ذلك البيع بإجازته و كان البيع المجاز له بثمنه.

(المسألة 55):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 34

إذا وقف المشتري الحصة التي اشتراها من الشريك أو وهبها الى أحد هبة لازمة أو غير لازمة أو صالح أحدا عليها فملكه إياها بالصلح، أو نقلها الى غيره بناقل شرعي أخر غير البيع مما لا تثبت فيه شفعة، كما إذا جعل الحصة صداقا لزوجة أو عوضا لخلع أو مبارأة أو غير ذلك ثم علم الشفيع بثبوت حق الشفعة له في الحصة بالبيع الأول على المشتري الأول، جاز للشفيع أن يأخذ بشفعته فإذا ملك الحصة بالشفعة من المشتري بطلت التصرفات المذكورة التي أجراها المشتري على الحصة، و لزمه أن يدفع للمشتري الثمن الذي اشترى به الحصة.

و إذا هو أسقط حقه من الشفعة أو تركها و لم يأخذ بها نفذت تلك التصرفات التي أجراها المشتري على الحصة.

(المسألة 56):

إذا تلفت عين المبيع كلّها قبل أن يأخذ الشفيع فيها بشفعته و لم يبق من العين شي ء، سقطت شفعة الشفيع بتلفها، و لا ضمان على المشتري لحق الشفيع، سواء كان تلف العين بآفة سماوية، أم بفعل المشتري نفسه، أم بفعل غيره.

و إذا تلفت العين بعد أن أخذ الشفيع فيها بالشفعة و تملك الحصة، و كان تلفها بفعل المشتري كان المشتري ضامنا للحصة، و كذلك إذا كان التلف بغير فعل المشتري و لكنه قد تسامح و ما طل في دفع الحصة المبيعة للشفيع حتى تلفت فيكون لها ضامنا، و لا ضمان عليه إذا تلفت العين بغير فعله و لم يماطل في إقباضها للشفيع.

(المسألة 57):

إذا تلفت بعض العين المبيعة و بقي بعضها قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة فيها

كلمة التقوى، ج 5، ص: 35

لم يسقط بذلك حقه من الشفعة، فيجوز له أن يأخذ بالشفعة في الباقي من المبيع بجميع الثمن الذي جرى عليه البيع، و يجوز له تركها و عدم الأخذ بها.

و مثال ذلك، أن تنهدم الدار المبيعة و تبقى العرصة و بعض البناء و الأنقاض منها، أو يطرأ عليها بعض العيوب و الخلل في الأبنية و السقوف، فيتخير الشفيع بين أن يأخذ بحقه من الشفعة، فيتملك العرصة و البناء الباقي و الأنقاض الموجودة من الدار، و يدفع للمشتري جميع الثمن الذي جرى عليه عقد البيع، و ان يترك حقه فلا يشفع في المبيع و لا يدفع الثمن، و إذا هو اختار الشفعة و أخذ الباقي من الحصة المبيعة فلا ضمان على المشتري لما تلف من العين، و ان كان تلف التالف منها بفعل المشتري نفسه.

و إذا تلف بعض الحصة المبيعة بعد أن أخذ الشفيع بحقه من

الشفعة و ملك الحصة، و كان تلف التالف منها بفعل المشتري، أو كان قد تسامح و ما طل في تسليم الحصة للشفيع بعد أخذه بالشفعة حتى تلف بعضها، كان المشتري ضامنا لما تلف منها، و كذلك الحكم إذا حدث فيها عيب، فيجري فيها التفصيل الذي ذكرناه، فيكون المشتري ضامنا لأرش العيب الحادث فيها في الصورة الثانية و لا يضمن في الأولى.

(المسألة 58):

إذا ثبت حق الشفعة للشريك، ثم مات قبل أن يأخذ بالشفعة انتقل حق الشفعة من بعده الى وارثه على الأقوى، و يورث هذا الحق بعد موت صاحبه على نهج إرث المال، فيقسط على ورتثه حسب السّهام المقدرة لهم من التركة في الكتاب الكريم و السنة المطهرة، فإذا خلّف من بعده بنين و بنات فللذكر مثل حظ

كلمة التقوى، ج 5، ص: 36

الأنثيين من الحق، و إذا كان الميت صاحب الحق رجلا و خلّف من بعده ولدا و زوجة، ورثت الزوجة الثمن من الحق و أخذ الولد سبعة أثمانه، و إذا كانت امرأة و تركت بعدها زوجا و ولدا أو بنتا، ورث الزوج الربع من الحق، و كان للولد أو البنت ثلاثة أرباعه، و هكذا على حسب طبقاتهم و مراتبهم و درجاتهم و استحقاقهم من التركة كما فصّل في كتاب الميراث.

(المسألة 59):

إذا تعدد ورثة الميت صاحب الحق فليس لبعض الورثة أن يأخذ بالشفعة الموروثة لهم و ان كانوا كثيرين، إلا إذا وافقهم الباقي من الورثة على الأخذ بها و ان كان شخصا واحدا و قليل النصيب في الميراث.

و إذا عفا بعض الورثة عن نصيبه في الميراث من الحصة المبيعة التي تعلّقت بها الشفعة، و كان عفوه عن نصيبه قبل أن يأخذ الورثة بالشفعة، أو عفا بعضهم عن نصيبه من الشفعة نفسها، أو أسقط حقه باختياره، أشكل الحكم في الباقين.

و إذا أخذ جميع الورثة بحقهم فشفعوا في الحصة المبيعة، ثم عفا بعضهم عن نصيبه الذي يرثه من الحصة سقط نصيب ذلك البعض خاصة، و لم تسقط سهام الباقين من الحصة بعد أن تملكوها بالشفعة.

(المسألة 60):

يثبت حق الشفعة للشريك على الأقوى، و ان كان بيع الحصة على المشتري مما فيه خيار الفسخ، أو الردّ لبائع الحصة أو لمشتريها أو لكل منهما، و لا يمنع وجود الخيار في بيع الحصة من شفعة الشفيع فيها، و لا تمنع الشفعة من أن يأخذ صاحب الخيار بخياره إذا ثبت موجب الشفعة و موجب الخيار.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 37

فإذا كان الشريك بائع الحصة قد اشترط في بيعها على المشتري أن يكون له ردّ العين المبيعة إذا هو ردّ الثمن عليه في مدة معلومة، ثم ردّ الثمن في الوقت المعيّن، كان له أن يسترجع العين المبيعة نفسها، و إذا أخذ الشفيع بشفعته قبل ذلك أو بعده لزم الشفيع أن يدفع الثمن للمشتري، و استردّ منه مثل الحصة المبيعة إذا كانت مثلية و قيمتها إذا كانت قيمية بدلا عن العين نفسها.

و إذا أخذ صاحب الخيار في الخيارات الأخرى بحقه ففسخ البيع لخياره و أخذ

الشفيع بشفعته في الحصة المبيعة قدّم السّابق منهما في الأخذ فيأخذ العين نفسها، سواء كان السابق في الأخذ هو الشفيع أم صاحب الخيار، و يسترد الثاني المتأخّر منهما في أخذه بحقه مثل العين إذا كانت مثلية، و قيمتها إذا كانت قيمية بدلا عن العين ذاتها.

(المسألة 61):

إذا كانت عين مملوكة مشتركة على وجه الإشاعة بين شريكين أحدهما حاضر و الثاني غائب، و لنفرض العين المذكورة دارا أو بستانا أو شيئا أخر مما تقع فيه الشركة و تثبت فيه الشفعة، و كانت الحصة المشاعة التي يملكها الشريك الغائب من العين بيد شخص ثالث يتصرف فيها، و هو يدعي الوكالة عليها عن مالكها الغائب، و لا معارض له في دعواه الوكالة، فالظاهر نفوذ تصرّفه الذي يجريه على الحصة، فإذا باع هذا الوكيل الحصة على شخص، جاز لذلك الشخص أن يشتريها منه اعتمادا على يده، و أن يصدّقه في دعوى الوكالة عليها من مالكها، و إذا اشتراها المشتري من هذا الوكيل نفذت تصرّفات المشتري في الحصة المبيعة عليه كيف ما يريد، و لا ريب في شي ء من ذلك و لا خلاف، ما لم يعلم كذب مدّعي الوكالة، أو

كلمة التقوى، ج 5، ص: 38

تقوم على كذبه بيّنة أو حجة شرعية أخرى.

فإذا علم الشريك الحاضر ببيع حصة شريكه من العين على هذا الوجه الذي بيّناه، فهل يثبت له حق الشفعة في الحصة تعويلا على يد ذلك المدّعي للوكالة و اعتمادا على صحة بيعه و دعواه الوكالة بحسب الظاهر؟ الأقرب ثبوت حق الشفعة له ظاهرا.

فإذا أخذ بالشفعة و تملّك الحصة، ثم حضر الشريك الغائب و أقر بصدق وكالة المدعي و صحة بيعه نفذت شفعة الشفيع و ترتبت أثارها، و إذا كذّب

دعوى المدعي و أنكر وكالته إياه كان القول قوله مع يمينه، فإذا أحلف انتفى بيع الحصة و لم يثبت حق الشفعة للشريك، و استرجع منه الحصة و استرد معها جميع نمائها و منافعها في مدة استيلائه عليها، فإذا أخذها المالك من الشفيع، رجع الشفيع بها على مدّعي الوكالة، و كذلك الحكم في النماء و المنافع التي كانت للحصة عند المشتري قبل أن يأخذها الشفيع منه، فإذا استرجعها المالك من المشتري رجع المشتري بها على مدّعي الوكالة.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 39

كتاب الجعالة

اشارة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 41

كتاب الجعالة و هو يشتمل على ثلاثة فصول:

الفصل الأول في الجعالة و شروط صحتها
(المسألة الأولى):

الجعالة في اللغة ما يعطيه الإنسان لغيره من مال و شبهه مكافأة له على أمر صدر عنه، و الغالب أن يكون الشي ء الذي فعله الشخص المدفوع اليه مما يحتاج اليه الدافع أو هو مما يرغب في فعله، فيعطيه المال جزاء له على فعله، و تقال كلمة الجعالة أيضا على ما يجعله الإنسان لغيره على الشي ء سواء دفعه اليه بعد الفعل، أم وعده بدفعه اليه ليكون حافزا له على العمل، فيدفعه اليه بعد أن يقوم به.

و الجعالة عند الفقهاء و المتشرعين هي أن يلتزم الإنسان لغيره بدفع عوض له على عمل محلّل يقوم به بصيغة تدلّ على هذا الالتزام منه، و عرّفت أيضا بغير ذلك، و الأمر في التعريف سهل بعد وضوح المقصود من المعاملة، و التعريفات التي ذكروها (قدس اللّه أنفسهم) ترجع الى معنى واحد.

(المسألة الثانية):

الجعالة هي الالتزام المذكور الذي ينشئه الجاعل بالصيغة، أو هي إنشاء ذلك الالتزام، و على أي حال فهي إيقاع من الإيقاعات، فيكفي فيها الإيجاب من الجاعل

كلمة التقوى، ج 5، ص: 42

وحده، و ليست عقدا من العقود، فلا تفتقر مع الإيجاب إلى قبول من العامل المجعول له.

و يكفي في الإيجاب الذي تتحقق به، أي لفظ يكون دالا في متفاهم أهل اللسان على الالتزام للشخص المجعول له بالعوض إذا هو قام بالعمل سواء كانت دلالة اللفظ على ذلك بنفسه، أم بالقرينة الحافة بالكلام.

و يصح أن يكون اللفظ الذي ينشئ الإنسان به التزامه عاما يعم أي شخص يأتي بالعمل المقصود من الناس، فيقول الرجل مثلا: من أبلغني عن سلامة ولدي عبد اللّه في بلد كذا فله علىّ عشرون دينارا، أو من أوصل رسالتي إليه فله عليّ كذا دينارا، أو يقول: من دلني

على سيّارتي المسروقة، أو على قريبي فلان المفقود دفعت اليه خمسين دينارا، و يجوز أن يوجّه اللفظ خاصا الى شخص معيّن فيقول لكاتب: إن خططت لي هذا الكتاب دفعت لك مبلغ كذا من المال، أو يقول لخياط:

إن خطت لي ثوبا فلك عندي عشرة دنانير.

و يصح أن ينشئ جعالته بالكتابة، فيكتب و يعلن في أمكنة عامة أو في صحف مقروءة: من ردّ لفلان ناقته الضالة منه فله عند فلان كذا دينارا، أو من وجد ساعة مفقودة صفتها كذا، أو من وجد مستندا رسميا يحتوي على كذا و أوصله الى فلان فله على فلان كذا، فتصح منه الجعالة بهذا الإعلان و تترتب عليه أثارها و أحكامها.

(المسألة الثالثة):

يصح أن تقع الجعالة على أي عمل يكون محللا في شريعة الإسلام و مقصودا عند العقلاء من الناس، و لا يصح إيقاعها على عمل محرّم في الإسلام أو

كلمة التقوى، ج 5، ص: 43

يؤدي إلى غاية محرمة فيه، أو يستلزم أمرا محرما، و لا تصح الجعالة على أعمال يعد فعلها عبثا لا تتعلق بها أغراض العقلاء المتزنين في أعمالهم و تفكيرهم من الناس، أو التي يعدّون بذل المال فيها سفاهة يتنزهون عنها، كارتياد المواضع الخطرة، و تعمّد الوصول إلى الأماكن المخيفة، و التعرض للوحوش الكاسرة أو الحيوانات و الحشرات القاتلة أو السأمة، و كالتسلّق على الجبال و الأبنية المرتفعة الشاهقة، و النزول في المنحدرات و المهاوي السحيقة، و رفع الأحمال و الأشياء الثقيلة التي يعجز المتعارفون من أقوياء الناس عن رفعها، و أمثال هذه من المخاوف و المخاطر.

و إذا تعلقت بهذه الأمور أغراض عقلائية، أو أصبحت من الأمور المعتادة المكتسبة بالتمرن و الرياضة و المزاولة، بحيث خرجت بذلك عن كونها لغوا

و سفها و خطرا، جاز فعلها و صحّت الجعالة عليها.

(المسألة الرابعة):

يصح إيقاع الجعالة على الإتيان بالأعمال الواجبة في الإسلام غير العبادية كدفن الأموات، و معالجة الطبيب للمرضى، و يصح إيقاعها على الواجبات التي يتوقف عليها تنظيم المجتمع، كتعليم علم الطبّ و الصيدلة و الزراعة و تعلّمها و قد ذكرنا نظير هذا في المسألة المائتين و الثالثة عشرة من كتاب الإجارة.

و تصح الجعالة على الأعمال المستحبة غير العبادية، كوضع الجريدتين للميت و إلباسه الحبرة، و كتعليم العلوم الأدبية، و تعليم القران في غير المقدار الواجب منه، و تعليم علم التفسير، و علم الحديث و علم الرجال و شرح الحديث و الأحوط ترك الجعالة على المستحبات العبادية.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 44

(المسألة الخامسة):

تشترك الجعالة مع إجارة الأجير على العمل في عدة من شروطها، و تشبهها في بعض أحكامها، و كلتا المعاملتين تحتويان على جعل عوض للعامل على الإتيان بعمل معين، و تفترقان في عدة فوارق، فالإجارة عقد من العقود لا يتم إلا بإيجاب و قبول يقعان بين المستأجر و الأجير، و الجعالة كما ذكرنا أنفا إيقاع ينشئه الجاعل و لا يحتاج الى قبول من العامل.

و إذا تم عقد الإجارة بين المتعاقدين ملك المستأجر العمل المعيّن من الأجير فيجب على الأجير القيام به، و ملك الأجير العوض المعلوم من المستأجر، و قد ملكا ذلك بنفس العقد، على ما فصلناه في كتاب الإجارة، و تخالفها الجعالة في ذلك فإن الإيقاع فيها إذا تم لم يملك الجاعل من العامل عملا، و لم يملك العامل من الجاعل عوضا بالإيقاع و لا بعده، فإذا قام العامل بالعمل المقصود بعد إنشاء الجعالة استحق العوض المعيّن على الجاعل و لزم الجاعل دفعه اليه، و هذا هو أثرها.

و سنذكر في المسائل الآتية- ان شاء اللّه

تعالى- بعض المشابهات بينهما و بعض الفروق.

(المسألة السادسة):

يشترط في صحة الجعالة أن يكون الملتزم الجاعل بالغا عاقلا قادرا على الوفاء بما يلتزم به من العوض للمجعول له، و أن يكون مختارا في فعله، قاصدا لإنشاء المعنى الذي يلتزم به، رشيدا غير محجور عليه في تصرفه، و هذه الأمور بذاتها هي الشروط المعتبرة في المستأجر، و قد فصلنا القول فيها في كتاب الإجارة و في غيره من كتب المعاملات، فليرجع إليها من يطلب المزيد من التوضيح.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 45

و يشترط في العامل أن يكون ممن يمكن له أن يأتي بالعمل المقصود، فلا يكون عاجزا عن القيام بفعله، و لا يكون ممنوعا من الإتيان به شرعا، و لا يعتبر فيه غير ذلك من الشروط التي ذكرناها في الجاعل، و لذلك فيصح إيقاع الجعالة من الجاعل للمجعول له و ان كان صبيا أو مجنونا أو غيرهما ممن لم تتوفر فيه الشروط المتقدّم ذكرها، إذا كان ممن يستطيع أن يأتي بالعمل المقصود على الوجه المطلوب، و إذا هو أتى بالعمل على ما يرام استحق العوض المعين على الجاعل و هذا أحد الفوارق بين عامل الجعالة و العامل في الإجارة.

(المسألة السابعة):

إذا كان الجاعل قد اشترط في إيقاعه للجعالة أن يأتي العامل بالعمل المقصود بنفسه على وجه المباشرة، فلا بدّ و أن يكون العامل المجعول له قادرا على الفعل بنفسه و غير ممنوع من مباشرة ذلك الفعل في شريعة الإسلام و نتيجة لهذا الشرط، فإذا جعل الجاعل للعامل عوضا معلوما على كنس المسجد أو المشهد مثلا لم تصح الجعالة إذا كان العامل نفسه جنبا، أو غير مسلم، أو كانت امرأة حائضا، لأنه ممنوع من دخول المسجد و المشهد في هذه الحالات، فلا يكون قادرا على الإتيان

بالعمل المطلوب بنحو المباشرة كما اشترط الجاعل، و إذا هو خالف المنع فدخل المسجد أو المشهد و كنسه بنحو المباشرة، لم يستحق العوض المجعول.

و إذا لم يشترط الجاعل على العامل أن يتولى العمل بنحو المباشرة كفى في استحقاقه للعوض أن يستنيب غيره في الإتيان بالعمل، فإذا استناب العامل المجعول له أحدا و ردّ العبد الآبق أو الدابة الضالة بالنيابة عن العامل استحق

كلمة التقوى، ج 5، ص: 46

العوض المجعول، و إذا استناب العامل الجنب أو الحائض أحدا سواه فكنس المسجد أو المشهد بالنيابة عنه استحق العامل العوض على الفعل كذلك لأن الجاعل لم يشترط عليه المباشرة.

(المسألة الثامنة):

يعتبر في الجعالة أن يكون العمل الذي تكون عليه المعاملة و العوض المجعول فيها معلومين في الجملة، و لكن اعتبار العلم بهما في الجعالة ليس على الوجه المعتبر في العلم بالعوضين في البيع و الإجارة و نحوهما بحيث لا يدخلها غرر، أو تكون فيها جهالة- كما فصّلناه في مباحث تلك المعاملات.

و المعتبر في الجعالة من العلم بالعمل المقصود أن يعلم بمقدار يمكن للعامل أن يتوجه نحوه، و يتصدّى للإتيان به و لا يكون مسلوب القدرة عليه، و لا يضرّ في الجعالة الجهل به إذا لم يبلغ هذه الدرجة، فتصح الجعالة إذا قال الجاعل من وجد لي سيّارتي المسروقة مني دفعت له مائة دينار مثلا، و ان لم يدر العامل في أي بلد يجد السيارة، أو أي موضع، و كم يكون بينه و بينها من المسافة، و كم يحتاج من المدة في طلبها و ما يلاقي من المصاعب في البحث عنها و العثور عليها.

و كذلك إذا قال: من طلب قريبي زيدا المفقود مني دفعت له كذا دينارا، أو قال: من

طلب زيدا المفقود أو عبدي الآبق- على نحو الترديد بينهما- فله علي كذا من المال، فتصح الجعالة و يتوجه العامل في طلب الشخص المردّد بين الرّجلين، سواء كان مقدار العوض الذي جعله لذلك متحدا أم مختلفا.

و لا تصح الجعالة إذا كان العمل مجهولا مطلقا، كما إذا قال الجاعل: من وجد شيئا قد ضاع مني فله عندي كذا و لم يعين الشي ء الضائع منه ليمكن للعامل

كلمة التقوى، ج 5، ص: 47

التوجه في طلبه، و كذا إذا قال: من ردّ لي حيوانا قد ضلّ مني و لم يبيّن أن الحيوان الذي يطلبه من الأنعام أو الدواب أو الوحوش أو غيرها.

(المسألة التاسعة):

يعتبر في الجعالة أن يكون العوض المجعول للعامل معلوما في الجملة ليكون حافزا للعامل على القيام بالعمل، و تحصيل الغرض المقصود للجاعل و لذلك فلا بدّ من تعيين جنس العوض و نوعه و وصفه إذا كان لا يعلم الا بالوصف و لا بدّ من تبيين مقدار كيله أو وزنه أو عدده إذا كان مما يكال أو مما يوزن أو يعدّ و لا تصح الجعالة إذا التزم الجاعل للعامل بعوض غير معلوم المقدار فقال: من ردّ ضالتي فله عندي شي ء أو دفعت له ما في يدي.

و لا يضرّ فيها الجهل بالعوض إذا كان الجهل لا يؤدي الى التنازع و الخصام فيقول مثلا: من ردّ لي البقرة أو الناقة المسروقة من داري فله نصفها، أو فله نصف قيمتها في السوق، أو قال: من ردّها لي دفعت له هذا الثوب أو هذه الصبرة من الطعام، و هذه الأحكام من الفروق بين الجعالة و اجارة الأجير.

(المسألة العاشرة):

إذا بطلت الجعالة لفقد بعض الشروط، و أتي العامل بالعمل المقصود لمن أمره بالعمل و التزم له بالعوض، استحق عليه أجرة المثل لعمله بدلا عن العوض المسمى له في الجعالة.

(المسألة 11):

إذا أتى العامل بالعمل المقصود قبل أن يوقع الجاعل صيغة الجعالة و يلزم نفسه بالعوض، لم يستحق العامل على فعله عوضا و لا أجرة مثل، و كذلك إذا أتى

كلمة التقوى، ج 5، ص: 48

العامل بعمله بقصد التبرع به، فلا يستحق عليه عوضا و لا أجرة مثل، و ان كان الجاعل قد سبق فجعل على نفسه عوضا لمن أتى له بالعمل المقصود، فلا تعم جعالته ذلك العامل لأنه متبرع بعمله.

(المسألة 12):

إذا جعل الجاعل العوض لشخص معين إذا قام له بالعمل المقصود، فقال مثلا: إذا ردّ زيد علىّ عبدي الآبق، أو بقرتي المسروقة منيّ فله عندي عشرة دنانير فأتى بذلك العمل شخص أخر غير زيد المجعول له، لم يستحق هذا العامل العوض، لأنه لم يؤمر بالفعل، و لم يلتزم له بالعوض، و لا الشخص المجعول له، لأنه لم يفعل شيئا.

و تستثنى من ذلك صورة واحدة، و هي ما إذا كان الجاعل قد جعل العوض للشخص المعين و هو زيد في المثال الذي ذكرناه متى حصل منه العمل المقصود سواء قام بالعمل بنفسه أم أتى به غيره بالنيابة عنه في العمل، فإذا استناب زيد غيره فاتى بالعمل بالنيابة عنه، أو جاء بالعمل غيره بقصد التبرع عنه، استحق زيد العوض المسمى الذي جعله له الجاعل.

(المسألة 13):

يصح أن يوقع الجعالة شخص فيجعل العوض من ماله عن عمل يكون لغيره و مثال ذلك أن يقول الشخص: من طلب سيارة زيد المسروقة منه و ردّها اليه فله عندي عشرون دينارا، أو يقول لأحد معين: إذا طلبت سيارة زيد المسروقة و رددتها اليه دفعت لك من مالي كذا دينارا، فإذا طلب العامل السيارة المسروقة و ردّها الى زيد استحق العوض المعين على الجاعل الملتزم لا على زيد مالك

كلمة التقوى، ج 5، ص: 49

السيّارة.

(المسألة 14):

يمكن أن ينشئ الجاعل جعالات متعددة بإيقاع واحد، كما إذا كان العمل المقصود للجاعل كليا يمكن صدور أفراد متعددة منه من اشخاص متعددين فيترتب على كل جعالة أثرها و يجرى عليها حكمها و من أمثلة ذلك أن تكون لزيد عدة بنات غير متزوجات، فيقول الجاعل: من تزوج احدى بنات زيد فله عندي نصف صداقها، أو يقول: من تزوج إحداهن دفعت اليه مبلغ كذا من المال فتصح الجعالات، فأي شخص يتزوج من البنات المذكورات يستحق العوض الذي التزم به القائل.

و من أمثلة ذلك أن يقول: إذا تزوج على بنت عمه جعفر و تزوج عبد اللّه بنت عمه إبراهيم فلكلّ متزوج منهما عندي مائة دينار، فإذا تزوج الشخصان كما قال استحق كل واحد منهما المبلغ المعين من القائل، و إذا تزوج أحدهما فقط استحق المتزوج دون الآخر.

و كذلك أن يقول: إذا تزاور زيد و عمرو فدخل كل منهما بيت الآخر دفعت للزائر منهما صاحبه عشرين دينارا، فإذا هما تبادلا الزيارة بينهما استحق كل واحد منهما العوض المسمّى، و إذا دخل أحدهما خاصة على صاحبه استحق الزائر منهما المبلغ دون الآخر.

(المسألة 15):

إذا قال الرجل: من كتاب لي هذا الكتاب دفعت اليه عشرين دينارا مثلا فاشترك كاتبان أو أكثر فكتبوا له نسخة واحدة من الكتاب استحقوا المبلغ الذي

كلمة التقوى، ج 5، ص: 50

عينه، و اقتسموه بينهم، فأخذ كل واحد منهم من العوض بمقدار عمله، فإذا كانوا اثنين و قد عملا فيه بالسّواء أخذ كلّ واحد منهما نصف المبلغ، و إذا كانوا ثلاثة أخذ كل فرد منهم الثلث، و هكذا، و إذا تفاوتوا في العمل اقتسموا العوض المسمّى بالنسبة.

و إذا كتب كل كاتب منهم نسخة تامة من الكتاب استحق

كل واحد منهم عوضا تاما على الجاعل، و تراجع المسألة العشرون الآتية في حكم أحدهم إذا أتى بالعمل بعد انتهاء أمد الجعالة عرفا، و حصول الغرض المقصود منها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 51

الفصل الثاني في بعض أحكام الجعالة
(المسألة 16):

يجوز للجاعل أن يفسخ جعالته التي أنشأها و ألزم نفسه بدفع العوض للعامل فيها سواء بدأ العامل بالعمل المقصود، أم لم يتلبّس بشي ء منه و لم يشرع بشي ء من مقدماته، فإذا فسخ الجاعل جعالته قبل أن يبدأ العامل بالعمل و قبل أن يشرع في مقدّماته، لم يستحق العامل على الجاعل شيئا من العوض المسمّى في الجعالة و لا من أجرة المثل.

و إذا فسخ الجاعل جعالته بعد ما بدأ العامل بمقدمات العمل المقصود للجاعل، فشرع في طلب الشي ء المفقود، أو العبد الآبق أو الدابة الضالة ليردّها الى صاحبها و لم يجدها بعد، فإذا فسخ الجاعل و نقض التزامه في هذا الحال لم يستحق العامل عليه شيئا من العوض المسمّى لبطلان الجعالة بفسخها، و لكنه يستحق منه أجرة المثل لما قام به من الطلب و أتى به من المقدمات.

و إذا فسخ الجاعل جعالته بعد ما بدأ العامل في العمل نفسه، فأخذ في خياطة الثوب الذي جعل عليه العوض أو في نسخ الكساء أو في كتابة الكتاب، لم يستحق العامل على الجاعل شيئا من العوض المسمّى كما تقدم في نظيره و استحق عليه اجرة المثل للمقدار الذي أتى به و أنجزه من العمل.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 52

(المسألة 17):

يجوز للعامل في الجعالة أن يترك العمل فيها للجاعل قبل أن يبدأ به و بمقدماته، و بعد ما يتلبّس به و يشرع، فيرفع يده عما قام به من العمل و لا يتمه و إذا هو ترك العمل كذلك لم يستحق على الجاعل شيئا من العوض المسمّى في الجعالة و لا أجرة المثل، و ان كان الأحوط استحبابا للجاعل أن يصالحه بشي ء من المال إذا كان قد أو جد له بعض

العمل المقصود، و أحوط من ذلك أن يتراضى الطرفان و يتصالحا في جميع الفروض المذكورة في هذه المسألة و المسألة السابقة عليها.

(المسألة 18):

إذا أوقع الجاعل جعالته و ألزم نفسه بمقتضاها، بأن يؤدي للعامل العوض المسمّى الذي ذكره في الجعالة إذا هو أتى له بالعمل المقصود، ثم أتى العامل بذلك العمل وفقا لما طلب، استحق العامل عليه أن يدفع اليه العوض، سواء علم العامل بالجعالة أم لم يعلم بها و لم يطلع عليها.

فإذا قال الجاعل: من تزوج فاطمة بنت زيد دفعت له نصف صداقها، ثم تزوجها خالد، استحق خالد بزواجها العوض المعين من الجاعل، و ان كان لا يعلم بجعالته قبل التزوج بها، و إذا قال الجاعل: من كتب لي هذا الكتاب فله على مائة دينار، فكتب خالد له الكتاب استحق عليه الجعل، و ان لم يدر بإيقاع الجاعل قبل أن يتم الكتاب، و إذا قال: من ردّ لي ضالتي فله عندي عشرون دينارا فردّها عليه العامل استحق العوض و ان لم يبلغه نبأ الجعالة، و هكذا، نعم يشترط في استحقاقه للجعل أن لا يكون متبرعا بعمله، فإذا قصد التبرع به لم يستحق عليه شيئا.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 53

و قد اشترط بعض الأكابر من العلماء في استحقاق العامل للعوض المسمّى في الجعالة أن يكون إتيانه بالعمل لأجل تحصيل العوض، و من أجل اشتراطه لذلك اعتبر فيه أن يكون عالما بإيقاع الجعالة ليقصد تحصيل العوض بعمله و إطلاقات الأدلة و النصوص تدفع هذا القول و تنفي هذا الشرط، فإذا أتى العامل بالعمل و وافق غرض الجاعل استحق العوض المسمّى إذا لم يكن متبرعا بفعله.

(المسألة 19):

تختلف الجعالة باختلاف الملاحظات التي يلاحظها الجاعل للعمل المقصود الذي التزم بدفع العوض عنه، و هي تختلف كذلك باختلاف الأعمال التي يطلبها من العامل في وفائها بالغرض المطلوب، فبعض الأعمال يكون وفاؤها بالغرض بإتمام

العمل نفسه، فإذا قال الجاعل للرجل: إذا تزوجت بفاطمة دفعت إليك نصف صداقها، أو قال للطبيب: إذا عالجت زيدا فأبرأته من مرضه دفعت إليك مبلغ كذا، يكون المدار على إتمام العمل نفسه، فإذا أتمه العامل فتزوج بفاطمة في المثال الأول و ابرأ المريض من مرضه في المثال الثاني استحق العوض.

و إذا قال للكاتب: ان كتبت لي هذا الكتاب فلك عندي عشرون دينارا، أو قال للخياط: إذا خطت لي هذا الثوب فلك على عشرة دنانير، اتبع ظهور كلمة الجعالة فإن علم أو ظهر من الصيغة و لو بسبب القرينة الحافة بالقول ان الأمر المجعول عليه هو أن يتم العامل العمل و يسلّمه كان المدار عليه، فإذا أتم العمل و سلّمه لصاحبه استحق العوض، و ان لم يعلم و لم يظهر منها اعتبار التسليم كان المدار على إتمام العمل وحده، فإذا أتم العمل استحق العوض و ان لم يسلّمه، و لعل الظاهر ان العمل حين يكون متعلقا بعين مملوكة يكون دالا على اعتبار التسليم للعين بعد إتمام

كلمة التقوى، ج 5، ص: 54

العمل فيها، كالجعالة على خياطة الثوب، و على كتابة الكتاب، و نسج الكساء، فيكون المدار على تسليم العين بعد إتمام العمل.

و كذلك إذا قال: من ردّ على سيارتي المفقودة أو عبدي الآبق فله علي كذا من المال، فالمتّبع فيها ظهور كلمة الجاعل، فان علم أو ظهر من الصيغة أنه يريد من الردّ إيصال المفقود الى البلد، أو الى موضع معين اكتفى بذلك، فإذا أوصل العامل المفقود الى الموضع استحق العوض، و ان فقد أو سرق بعد ذلك، و ان دلت القرينة على اعتبار تسليمه الى صاحبه كان المدار عليه، و لعل الظاهر في الأمثلة التي

ذكرناها هو ذلك فلا بدّ فيها من التسليم.

و إذا قال من دلّني على المفقود أو المسروق أو الآبق، فالظاهر أن المراد مجرد الدلالة عليه و اخباره بموضعه، فيستحق العامل العوض بذلك.

(المسألة 20):

إذا أوقع الإنسان صيغة الجعالة، و قام العامل بالعمل المطلوب، و حصل به على الغرض المقصود للجاعل على الوجه الذي تقدم بيانه، استحق العامل العوض من الجاعل، و سقطت بذلك الجعالة فإذا قام عامل أخر بالعمل بعد ذلك لم يستحق على الجاعل عوضا لسقوط الجعالة.

و كذلك إذا عين الجاعل لجعالته وقتا محدودا، فإذا انتهى الوقت سقطت الجعالة، و لا يستحق العامل في عمله بعد ذلك عوضا.

و يستثنى من ذلك: ما إذ أنشأ الجاعل جعالات متعددة بإيقاع واحد، كما سبق بيانه في المسألة الرابعة عشرة، فإذا أتى بعض العمال بالعمل المقصود في بعض هذه الجعالات المتعددة، فسقط ذلك البعض لحصول الغرض المقصود فيه،

كلمة التقوى، ج 5، ص: 55

لم تسقط بذلك بقية الأفراد الأخرى من الجعالة، فيجوز لعامل أخر أن يعمل فيها إذا كان وقتها باقيا، فيحصّل الغرض و يستحق به العوض.

(المسألة 21):

إذا أوقع الرجل الجعالة لعامل خاص، فشاركه غيره في العمل حتى أتماه معا، استحق العامل الخاص الذي عيّنه الجاعل من العوض المسمّى بمقدار عمله و سقط منه ما يقابل عمل الآخر، فان كان الشخص الذي شاركه في العمل واحدا و كان عملهما متساويا، استحق العامل المعيّن نصف العوض، و ان كانا اثنين استحق هو الثلث، و هكذا و ان تفاوتوا في عملهم استحق العامل المعين من العوض بنسبة عمله و لم يستحق شركاؤه الآخرون على عملهم شيئا في جميع الصّور، لا من العوض المسمّى، و لا أجرة المثل، و هذا إذا كان الجاعل قد اشترط على العامل أن يتولى العمل بنفسه بنحو المباشرة.

و إذا كان قد اكتفى منه بأن يحصل العمل بواسطته- و لو بالتسبيب أو الاستنابة منه أو التبرع له- و كان العمّال الآخرون

قد شاركوه بقصد المعونة له أو النيابة عنه، استحق العامل جميع العوض المسمّى له في الجعالة.

(المسألة 22):

إذا أنشئت الجعالة على أن يقوم العامل بجميع العمل و يتمه إلى أخره، و كان في رفع العامل يده عن العمل قبل إكماله ضرر على الجاعل، لم يجز للعامل أن يترك العمل في أثنائه، و يجب عليه أن يتمه إذا كان قد شرع فيه، و يجوز له تركه قبل أن يبدأ به.

و من أمثلة ذلك: أن ينشئ الجاعل الجعالة للطبيب أو الجراح على أن

كلمة التقوى، ج 5، ص: 56

يجري له عملية جراحية في عينه، أو في بعض أجهزته الأخرى، أو في أحد أعضائه، فلا يجوز للطبيب أن يترك العمل بعد أن يبتدئ به، لما في ذلك من الضرر الكبير على المريض، و إذا هو ترك العمل بعد أن ابتدأ به لم يستحق عوضا و لا أجرة مثل لما أتى به من أبعاض العمل و مقدّماته، فإن الجعالة- كما فرضنا- انما وقعت على أن يتم العمل الى نهايته، و إذا كان رجوع العامل أو الطبيب أو الجراح في الأثناء سببا لتلف شي ء، أو حدوث عيب، أو نقص في عضو من أعضاء المريض أو خلل أو تعطيل في جهاز من أجهزته، كان العامل ضامنا له.

(المسألة 23):

إذا قال الجاعل: من ردّ على مالي المفقود دفعت اليه كذا من المال، فرد شخص اليه عين ماله، فإنما يستحق هذا الرّاد على الجاعل العوض، إذا كان في ردّ ذلك المال الى صاحبه كلفة و مؤنة يعد الردّ بسببهما عملا في نظر أهل العرف، كما في ردّ الدابة الضالّة و العبد الآبق و السيارة المفقودة و نحوها، و إذا كان ردّ ذلك المال الى صاحبه لا يحتوي على كلفة، و لا يفتقر إلى مؤنة و جهد، و لم يعدّ في نظر

أهل العرف عملا، فلا يستحق الرادّ عليه عوضا، كما إذا وجد في المكان أو في الطريق محفظة نقوده، فأخذها و ردّها الى صاحبها من غير طلب و لا تعب أو بذل جهد.

و إذا اتفق أن المال المذكور بيد غاصب و سمع بالجعالة على ردّه من مالك المال، فردّه الى الجاعل لم يستحق على ردّه اليه عوضا، و ان كان ردّه اليه يستوجب كلفة و مؤنة، و يعدّ من أجل ذلك عملا في نظر أهل العرف، لأن ردّ المال المغصوب الى مالكه واجب على الغاصب، و يجب عليه أن يتحمّل الكلفة و المؤنة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 57

في ردّه اليه، مهما بلغت.

(المسألة 24):

إذا قال الرجل: من دلني على مالي الذي أضعته فله عندي كذا، و كان المال الضائع بيد شخص، فدلّه ذلك الشخص على ماله استحق عليه العوض المسمّى إذا كانت الدلالة عليه تحتوي على كلفة أو تحتاج إلى مؤنة، كما قلنا في المسألة السابقة، فيستحق العوض على الجاعل إذا لم تكن يده على المال يد غاصبة، و ان كانت دلالة صاحب المال على ماله واجبة على من بيده المال، و ذلك لأنها من الواجبات التي لم يعتبر الشارع فيها أن تقع من المكلف بها بغير عوض من أحد كالعبادات، و كردّ الغاصب المال المغصوب الى صاحبه.

(المسألة 25):

إذا قال الرجل: من خاط لي هذا الثوب دفعت له دينارا، ثم قال بعد ذلك: من خاط لي هذا الثوب دفعت له دينارين، و هو يعنى الثوب الأول نفسه، فان دلت القرينة على أن جعالته الثانية عدول عن الجعالة الأولى و فسخ لها، كان العمل على الثانية سواء كان العوض المجعول فيها أكثر من العوض الذي ذكره في الأولى كما في المثال المتقدم أم أقل منه.

و إذا لم تدل القرينة على شي ء أشكل الحكم في الفرض، فلعلّ الجاعل عدل من الأولى الى الثانية كما تقدم، و لعله نسي جعالته الأولى فأوقع الثانية، و لعله أضاف إلى الجعل الأول جعلا ثانيا، و لا يترك الاحتياط بالرجوع إلى المصالحة بين الجاعل و العامل، إذا أتى بالعمل بعد الجعالتين.

(المسألة 26):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 58

إذا جعل الرجل ثلاث جعالات لثلاثة اشخاص مختلفين على عمل معين واحد، فقال: ان أرجع لي ضالتي زيد دفعت له دينارا واحدا، و ان أرجعها لي عمرو دفعت له دينارين، و ان أرجعها لي خالد دفعت له ثلاثة دنانير، ثم ردّ الضالة عليه أحد هؤلاء الأشخاص، استحق عليه الجعل الخاص الذي عيّنه له، و إذا اشترك الثلاثة جميعا في العمل فردّوا عليه ضالته استحق الأول منهم- و هو زيد- ثلث العوض الذي جعله له و هو الدينار، و استحق الثاني- و هو عمرو- ثلث عوضه المجعول له و هو الديناران، و استحق الثالث- و هو خالد- ثلث عوضه المجعول له و هو الثلاثة دنانير، و هكذا إذا زادوا في العدد فكانوا أربعة فلكل واحد منهم الربع من العوض الخاص المعيّن له، أو كانوا خمسة فللواحد منهم خمس جعله، و هذا إذا كانوا متساوين في

عملهم.

و إذا تفاوتوا في العمل استحق كل واحد بنسبة عمله الى مجموع أعمالهم جميعا، و يأخذ تلك النسبة من جعله المعيّن له، و من أمثلة المسألة أن تحدث مخاصمة في أمر بين إخوة ثلاثة، و يريد الجاعل أن يوقع الصلح بينهم و رفع الشحناء فيقول: ان سبق زيد و هو الأخ الصغير منهم الى مصالحة أخويه فله علي خمسة دنانير، و ان سبق عبد اللّه- و هو الأوسط- فله على عشرة دنانير، و ان سبق أحمد- و هو الكبير- الى مصالحة أخويه فله على خمسة عشر دينارا، فيجري فيهم الحكم المتقدم، فأيهم سبق إلى المصالحة استحق العوض الخاص الذي قرره الجاعل له، و إذا سبقوا جميعا استحق كل واحد منهم ثلث الجعل المحدّد له من الجاعل.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 59

(المسألة 27):

إذا قال الرجل: من رد لي سيارتي المفقودة من كربلاء فله عندي مائة دينار و اتفق للعامل أن وجد السيارة في موضع دون تلك المسافة، فردّها من ذلك الموضع، فقد يعلم أو يظهر من القرائن الموجودة: أن مراد الجاعل أن تردّ السيارة المسروقة إليه من اي مكان اتفق وجودها فيه، و قد جعل العوض لمن ردّها اليه من أي مكان أو مسافة كانت، و انما ذكر كربلاء أو بغداد- مثلا- لأنه يعتقد أو يظن أن السيارة توجد في ذلك البلد، و لا ينبغي الريب أن العامل في هذه الصورة يستحق على الجاعل جميع العوض الذي سمّاه، و لا ينقص منه شي ء بسبب نقص المسافة.

و قد يعلم أو يظهر من القرائن: ان الجاعل قد جعل العوض المعيّن لمن ردّ السيارة من المسافة المذكورة في الجعالة، و ان لأجزاء المسافة قسطا من العوض و إذا قصرت

المسافة نقص العوض، فإذا ردّ العامل السيارة المسروقة من بعض المسافة فإنما يستحق من العوض المسمّى بمقدار عمله و سفره في الطلب و الردّ و لا يستحق الباقي، فإذا ردّها اليه من ربع المسافة دفع اليه ربع الجعل خاصة، و إذا ردّها من ثلث المسافة دفع اليه الثلث.

و قد يعلم أو يظهر من القرائن أن الجعالة مقيّدة لمن ردّ السيارة من كربلاء و لا تشمل من ردّها من غير البلد المذكور، فإذا ردّ العامل السيّارة من بعض المسافة لم يستحق من العوض المسمّى شيئا، و ثبتت له أجرة المثل لما أتى به من العمل و ان لم يعلم و لم يظهر من القرائن شي ء من ذلك، و دار الأمر في ان العامل استحق الأقل أو الأكثر دفع الجاعل إليه الأقل، و الأحوط الرجوع الى المصالحة بينهما

كلمة التقوى، ج 5، ص: 60

(المسألة 28):

إذا أتى العامل بالعمل و طالب المالك بالعوض عن عمله، و قال له: انك جعلت لي عوضا إذا أنا أتيت لك بهذا الفعل، و أنكر المالك الجعالة، فالقول قول المالك مع يمينه لأنه منكر.

و كذلك إذا قال العامل له: إنك أمرتني بأن أعمل لك و قد فعلت كما أمرتني فانا استحق عليك أجرة المثل لفعلي، و أنكر المالك انه أمره بشي ء، فإذا حلف المالك على نفي ما يقوله العامل لم يستحق العامل عليه شيئا في الصورتين.

(المسألة 29):

إذا ضلت من الرجل دابتان، فردّ العامل عليه إحداهما، و طالبه بالعوض و قال له: انك جعلت لي جعلا إذا أنا رددت إليك هذه الدابة، و أنكر المالك قوله، و قال: اني لم أجعل عوضا على ردّ هذه الدابة، و انما جعلت عوضا على ردّ الدابة الأخرى فالقول قول المالك مع يمينه، فإذا حلف على نفي ما يدعيه العامل لم يستحق منه شيئا.

و كذلك إذا أنكر دعوى العامل و قال: اني لم اجعل عوضا على ردّ هذه الدابة وحدها، و قد جعلت عوضا لمن ردّ الدابتين الضالتين معا، فيقدم قول المالك مع يمينه، فإذا حلف لم يستحق العامل عليه العوض الذي يدعيه، و الأحوط للمالك في هذه الصورة- بعد يمينه و ردّ دعوى العامل- أن يصالحه بقسط من العوض فإنه قد ردّ احدى الدابتين، و هو بعض المجموع و قد اعترف بالجعالة عليه.

(المسألة 30):

إذا اتفق المالك الذي أنشأ الجعالة و العامل الذي أتى بالعمل على وقوع

كلمة التقوى، ج 5، ص: 61

الجعالة على الإتيان بالعمل المعيّن، ثم اختلفا في مقدار العوض المجعول فيها فادعى أحدهما مقدارا معيّنا، و أنكر الآخر ذلك، فادعى أن المقدار الذي ذكره الأول يزيد على العوض المجعول، فالقول قول من ينكر الزيادة مع يمينه، و منكر الزيادة في الغالب هو المالك الجاعل، فإذا حلف المنكر على نفي الزيادة لم يستحقها العامل، و كان له المقدار الأقل لاتفاق الطرفين على صدور الجعالة، و على أن العامل قد استحق هذا المقدار بعمله.

و إذا وقع الاختلاف بينهما في مضمون أصل الجعالة فقال المالك: انها انما وقعت على المقدار الخاص الذي يدعيه هو، و لم تقع على المقدار الذي يدعيه العامل، و قال العامل: ان

الجعالة صدرت على ما يدعيه هو و لم تصدر بينهما جعالة على المقدار الذي يزعمه الجاعل، كان ذلك من التداعي، فكل واحد منهما مدّع و منكر، و الحكم في مثل ذلك هو التحالف من الجانبين، فإذا حلف كل واحد منهما على نفي ما يقوله الآخر سقطت الدعويان معا و استحق العامل على عمله الذي أتى به أجرة المثل.

و إذا اتفق ان ما يدعيه العامل في أصل دعواه أقل من أجرة المثل التي حكم بها شرعا، لم يجز له ان يأخذ الزيادة من أجرة المثل على ما يدعيه، فإنه يعترف بأنه لا يستحقها، و إذا اتفق أن ما يدعيه الجاعل في أصل دعواه أكثر من أجرة المثل وجب عليه ان يوصل هذه الزيادة إلى العامل، فإنه قد اعترف بأن هذه الزيادة للعامل و قد استحقها بعمله.

(المسألة 31):

إذا رجعت الدابة الضالة مثلا إلى حظيرة المالك الجاعل أو اصطبله، فقال

كلمة التقوى، ج 5، ص: 62

العامل: اني قد طلبت الدابة و انا الذي رددتها إليك، فانا استحق الجعل المعيّن و أنكر المالك ذلك، و قال له: انك لم تسع، و لم تطلب الضالة، و قد رجعت الدابة بنفسها، أو قال له: ان الدابة قد وقعت في يدك من غير طلب و لا كلفة فلا تستحق على ردّها شيئا، فالقول قول المالك مع يمينه، فإذا حلف لم يستحق العامل شيئا.

(المسألة 32):

إذا أنشئت الجعالة على عوض معين و أتى العامل بالعمل، ثم اختلف المالك و العامل بينهما، فقال أحدهما: ان الجعالة قد وقعت فاسدة و ادّعى الآخر صحتها فالقول قول من يدّعي الصحة فيها، و مثال ذلك: أن يأتي العامل بالعمل، ثم يدّعي فساد الجعالة ليأخذ على عمله أجرة المثل، و هي أكثر من العوض المسمّى له في الجعالة، أو يدّعي المالك فساد الجعالة لتكون للعامل أجرة المثل على عمله و هي أقل من العوض المسمّى، فالقول قول من يدعي الصحة منهما.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 63

الفصل الثالث في التأمين
(المسألة 33):

التأمين اتفاق خاص يقع بين شخص أو أشخاص معيّنين من جهة، و شركة أو مؤسّسة معيّنة كذلك من جهة أخرى، تلتزم الشركة أو المؤسّسة المذكورة بموجب هذا الاتفاق، و تتعهد بأن تعوّض ذلك الشخص، أو الأشخاص المعيّنين عن خسارة يحتمل وقوعها لذلك الشخص أو الأشخاص، الذين اتفقت معهم من تلف أو عطب، أو حدوث نقص أو عيب، أو غير ذلك مما يعدّ خسارة في نفس ذلك الشخص أو الأشخاص أو أبدانهم أو في نفوس آخرين من متعلقيهم، أو في بعض ما يملكه الشخص أو الأشخاص من منزل أو عقار أو أثاث أو معامل أو وسائل نقل حسب ما يتفق عليه الجانبان، و حسب ما تحدده بوليصة التأمين، و تعيّنه الوثيقة من أنواع الخسارة و أسبابها.

فإذا حدثت للجانب المتفق معه تلك الخسارة المحدّدة، فالشركة أو المؤسّسة ملتزمة و متعهدة بدفع العوض عن الخسارة للجانب المتفق معه إذا كان موجودا، و لورثته إذا كان مفقودا.

و في مقابل التزام الشركة أو المؤسّسة له بذلك أن يلتزم الجانب الآخر للمؤسّسة أو الشركة بمبلغ معلوم من المال يدفعه إليها مرة واحدة، أو أقساطا على

مقادير و مواعيد يعينها الطرفان، و يوقعان عليها في الوثيقة التي تكتب بينهما.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 64

و قد كان هذا الاتفاق في بداءة أمره معاملة قانونية خاصة، ثم شاعت و اعتيدت و تعارفت بين الناس و أهل المعرفة منهم، حتى أصبحت معاملة عرفية متعارفة بين الناس خاصتهم و عامتهم، ثم كانت معاملة شرعية فإذا جرى الطرفان في اتفاقهما و التزامها و القيود في المعاملة بينهما، على الموازين الصحيحة في الشريعة، تناولتها الأدلة و العمومات، من الكتاب و السنة و صحت و نفذت، و قد ذكرنا التأمين و بعض أحكامه في مبحث التأمين من رسالتنا في المسائل المستحدثة، فلتراجع.

(المسألة 34):

إذا حدّد طالب التأمين و الشركة أو المؤسّسة المتعهدة به موضوع التأمين الذي يقصدان إيقاعه بينهما، و عينا الشروط و الأقساط و المواعيد لدفعها، أمكن لهما أن يجريا المعاملة بينهما بصورة هبة معوضة، فيقول طالب التأمين للوكيل المفوّض من الشركة المتعهدة: و هبت الشركة مبلغ كذا من مالي أدفعه لها أقساطا محدودة في المواعيد المعيّنة ما بيننا، و اشترطت على الشركة أن تقوم بدفع العوض عن الخسارة أو الخسارات التي قد تحدث لي، و التي قد عيناها ما بيننا في وثيقة الاتفاق، فيقول وكيل الشركة: قبلت الهبة منك بالوكالة عن الشركة على الشرط المذكور.

(المسألة 35):

يصح للمتعاملين في التأمين أن يجريا المعاملة بينهما بصورة المصالحة بعوض، فيقول طالب التأمين لوكيل الشركة أو المؤسّسة المفوض منها، بعد ضبط الشروط و القيود في المعاملة و تعيين الأقساط و المواعيد في دفع المال: صالحتك

كلمة التقوى، ج 5، ص: 65

بحسب وكالتك عن الشركة بمبلغ كذا من مالي، أدفعه للشركة أقساطا في المواعيد التي اتفقنا عليها، على أن تعوّضني الشركة عن الخسارة التي قد تحدث لي حسب ما حدّدناه بيننا في الوثيقة، فيقول الوكيل: قبلت المصالحة عن الشركة على الشرط المذكور.

و يصح أن يبتدئ الوكيل في المعاملة فيقول لطالب التأمين: صالحتك بأن تتعهد لك الشركة بتعويضك عن الخسارة المعيّنة إذا حدثت لك، على أن تدفع أنت للشركة المبلغ المعلوم ما بيننا من مالك، في اقساطه و مواعيده المعيّنة في الوثيقة فيقول طالب التأمين: قبلت المصالحة منك على الشرط المذكور.

(المسألة 36):

يصح أن تجرى معاملة التأمين بين الجانبين بصورة عقد مستقلّ عن العقود و المعاملات الأخرى، و ليس تابعا لشي ء منها، و يشترط في صحة هذا العقد أن تجتمع فيه جميع الشروط العامة التي يشترطها الشارع في صحة العقود و المعاملات الشرعية الأخرى، فلا بدّ فيه من الإيجاب و القبول التأمين الدالّين على المعنى المراد، و يشترط فيه أن يكون كل من الموجب و القابل فيه بالغا عاقلا رشيدا، غير محجور عليه في تصرّفه لسفه أو غيره من موجبات الحجر، و أن يكون مختارا في فعله غير مكره عليه، و قاصدا لما يقوله و ينشئه، فلا يكون سكران، و لا هازلا، و لا غاضبا غضبا يخرجه عن القصد.

فيقول وكيل الشركة المفوض من قبلها في التصرف لطالب التأمين: أمنت نفسك مثلا أو أمنت دارك و تعهّدت لك

بالوكالة عن الشركة بأن تعوّضك عن الإضرار أو الخسارات المعيّنة في الوثيقة إذا حدثت لك، على أن تؤدي أنت

كلمة التقوى، ج 5، ص: 66

للشركة مبلغا من مالك قدره كذا، تدفعه على الاقساط المعيّنة في أوقاتها المعلومة، وفقا للشروط و التحديدات في وثيقة التأمين، فيقول طالب التأمين: قبلت التأمين لنفسي أو لداري- مثلا- على الشروط المقرّرة و الحدود المبينة.

و يجوز أن يكون الإيجاب من طالب التأمين فيقول للوكيل: أمّنت عند الشركة نفسي أو أمّنت عندها داري مثلا بأن تعوضني الشركة عن الخسارة، أو الضرر الذي قد يحدث لي في ذلك على أن أدفع للشركة المبلغ المعلوم ما بيننا في أقساطه و مواعيده، فيقول الوكيل: قبلت ذلك بوكالتي عن الشركة على النهج المعلوم.

(المسألة 37):

لا يتعين في عقد التأمين أن يقع الإيجاب و القبول فيه بلفظ معيّن، فيكفي في صحة العقد أن ينشأ الإيجاب و القبول فيه بأي لفظ يكون دالا على المعنى المذكور، و ان كان بغير اللغة العربية إذا أدّى اللفظ المعنى المراد في عرف أهل تلك اللغة، و كان الموجب و القابل عارفين بتلك اللغة.

و يكفي أن يقع الإيجاب و القبول بالكتابة، إذا قصد بها إنشاء المعنى و قصد بها إيقاع العقد من كلّ من الموجب و القابل، و يصح أن يكون الإيجاب بالكتابة و القبول بالتلفظ و بالعكس.

(المسألة 38):

إذا تم عقد التأمين على الوجه المطلوب بين الموجب و القابل وجب على كل واحد منهما الوفاء بما يقتضيه العقد من لوازم و واجبات و أثار، فهو من العقود

كلمة التقوى، ج 5، ص: 67

اللازمة و لا يجوز لأحد المتعاقدين فسخه و الرجوع عنه، الا إذا تقايل الطرفان و اتفقا باختيارهما معا على فسخه كما في جميع العقود، و الا إذا كان أحد الجانبين قد اشترط على صاحبه الخيار لنفسه و قبل صاحبه الشرط منه، فيصح الفسخ للمشترط، و لا يصح للآخر، أو كان أحدهما قد شرط على الآخر في ضمن العقد شرطا سائغا، و تخلّف ذلك الشرط فلم يف له الجانب الآخر بشرطه، فيثبت له خيار تخلف الشرط، و من ذلك ما إذا خالف أحد الطرفين ما التزم به لصاحبه في العقد فيثبت لصاحبه خيار تخلف الشرط الضمني، و هو ما جرى عليه العقد بينهما، فان الشرط الضمني كالشرط الصريح في ذلك.

و من موجبات الخيار في هذا العقد ما إذا كان احد المتعاقدين مغبونا في المعاملة غبنا لا يتسامح العقلاء بمثله فيثبت حق الفسخ للمغبون.

و كذلك

الحكم إذا أنشئت المعاملة بين المتعاقدين بصور الهبة المعوضة، أو بصورة الصلح بعوض، فيكون العقد لازما، و لا يجوز فسخه إلا في الصور المذكورة.

(المسألة 39):

يمكن أن تجري معاملة التأمين بين الطرفين بصورة الجعالة، إذا تحقّقت في المعاملة مقومات الجعالة، و منها: أن يقوم العامل للجاعل ببعض الأعمال التي تتعلق بالتأمين الواقع بينهما، ليكون العوض الذي يلتزم به الجاعل في مقابلة ذلك العمل الذي يأتي به العامل.

فإذا كان التأمين على الحياة أو على الصحة، اشترط الجاعل على الشركة المؤمنة أن تضع له مثلا منهاجا للأكل و الشرب، أو تصف له و صفات من العلاجات النافعة ضدّ الأمراض و العوارض التي يجدها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 68

و إذا كان التأمين على حفظ مال جعلت له حراسا و مراقبين ضدّ السرقة و الحوادث التي قد تعرض للمالك.

و إذا كان التأمين على أجهزة آلية أو معامل أو وسائل نقل عينت له عمّالا تكشف على الآلات المؤمنة في بعض الفترات من الزمان، و تصلح منها ما يحتاج إلى الإصلاح، و هكذا، فيكون قيام الشركة بمثل هذه الأعمال جزءا من منهاج التأمين، و يكون اشتراط ذلك بعضا مما تنشأ عليه المعاملة.

فإذا أراد الطرفان إجراء المعاملة على هذا الوجه قال طالب التأمين لوكيل الشركة: إذا تعهدت الشركة لي بالتعويض عما يصيبني من الإضرار و الخسارات في نفسي مثلا أو في صحتي أو في مالي و قامت بوضع المناهج و الأعمال التي اشترطتها عليها، فلها عندي كذا مبلغا من المال ادفعه لها أقساطا، في المواعيد الخاصة المقرّرة بيننا.

(المسألة 40):

إذا وقعت الجعالة بين طالب التأمين و الشركة المتعهدة له وفق ما أوضحناه من الشروط صحت الجعالة و ترتبت عليها أثارها و أحكامها، و قد سبق منّا أن الجعالة من الإيقاعات الجائزة، فيجوز لكل من الطرفين فسخها و ترك الالتزام بها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 69

كتاب العارية

اشارة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 71

كتاب العارية و البحث في هذا الكتاب يقع في ثلاثة فصول:

الفصل الأول في العارية و ما يشترط في صحتها
(المسألة الأولى):

العارية هي أن يسلط الإنسان أحدا غيره على عين يملكها، أو هو يملك منفعتها خاصة لينتفع ذلك الغير بتلك العين الذي سلطه عليها مجانا من غير عوض أو هي عقد بين الطرفين يثمر التسليط المذكور، و لا ريب في أن العارية من الأمور الواضحة في معناها عند أهل العرف المعلومة في مصاديقها، و وضوح أمرها في ذلك يغني الباحث عن اطالة القول فيها.

و على أى حال فليس من العارية أن يأذن الرجل لمن يدخل منزله مثلا من الضيوف و الأصدقاء و الأقارب، بان ينتفع هذا الداخل بالأعيان الموجودة في الدار فيجلس على الفرش أو على الأرائك و يستند الى الجدران أو المساند و ينام على الفرش أو يلتحف بالملاحف و نحو ذلك، بل و ليس من العارية عرفا أن يقدم صاحب الدار لبعض ضيوفة أو أصدقائه القادمين اليه بعض الفرش الخاصة و المتكئات و نحوها بقصد التكريم، أو لينام عليها في وقت حاجته الى النوم

كلمة التقوى، ج 5، ص: 72

و الراحة، و أكثر من ذلك وضوحا ما يقدمه الى الضيف أو الصديق أو القريب من المآكل و المشارب، فلا يعدّ ذلك من العارية للانتفاع به في أنظار أهل العرف. و انما هو اباحة له بغير عوض.

نعم، قد يحتاج الضيف أو الصديق في دار الرجل إلى ابدال بعض الملابس أو الأحذية و نحو ذلك، فإذا دفع صاحب الدار اليه ذلك لينتفع به كان من العارية عرفا و ان دفعه اليه بقصد التكريم.

(المسألة الثانية):

العارية عقد من العقود بين المعير صاحب المال و المستعير، فلا بدّ فيها من الإيجاب و القبول كسائر العقود، و يكفي في الإيجاب أن ينشأ بأي لفظ يدل على المعنى الذي بيّناه دلالة

ظاهرة يفهمها أهل اللّسان، و من أمثلة ذلك: أن يقول المالك لصاحبه: أعرتك داري هذه لتسكنها أيام إقامتك في البلد، أو يقول له:

أحمل إلى بيتك هذه المبرّدة أو هذه الثلاجة لتنتفع بها في أيام الصّيف من هذا العام أو يقول له: خذ هذا الكتاب لتقرأه أو هذا الثوب لتلبسه، أو يقول له: انتفع بهذه الأمة لتقوم بخدمتك أيام إقامتك هنا.

و يكفي في القبول كذلك اي لفظ يكون دالا على الرضا بأخذ العين المعارة و الانتفاع بمنافعها، فيقول المستعير للموجب بعد إيجابه: قبلت أو رضيت، أو يقول له: أشكر لك هذا التفضّل، و يكفي فيه أن بأخذ العين المعارة بقصد إنشاء الرضا بالعارية، و يصح إنشاء الإيجاب و القبول كليهما بالمعاطاة من الجانبين فيدفع المالك الى صاحبه الثوب أو الكتاب أو المتاع بقصد إنشاء العارية، و يأخذه القابل منه، و يستعمله في حوائجه بقصد القبول و إنشاء الرضا بها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 73

(المسألة الثالثة):

يشترط في صحة العارية أن يكون المعير بالغا، فلا تصح اعارة الصبي غير البالغ و ان كان مميّزا و اذن له وليه على الأحوط، و ان كان الأقرب صحة إعارته في هذا الفرض، فإذا اذن له وليه بأن يعير صاحبه أو قريبه بعض أمواله المعيّنة، مع وجود المصلحة له بذلك، صحت إعارته إذا كان مميّزا، و أولى من ذلك بالصحة ان ينشئ عقد العارية لمال غيره إذا كان مميّزا، و أذن له مالك المال بإعارة ماله، و اذن له وليه الشرعي بأن ينشئ له صيغة العارية.

و يشترط في صحتها أن يكون المعير عاقلا، فلا تصح اعارة المجنون لما له و لا لمال غيره و ان كان مميّزا، و يشترط في صحتها أن

يكون المعير مختارا، فلا تصح إعارته إذا كان مكرها، و أن يكون قاصدا، فلا تصح من الهازل و السكران و الغاضب إذا فقد القصد، و ان يكون غير محجور عليه، فلا تصح من السفيه و لا المفلّس، و تصح اعارة السفيه إذا أنشأها بإذن وليه، و اعارة المفلّس إذا أذن له الغرماء بإعارة بعض ما تتعلق به حقوقهم.

(المسألة الرابعة):

لا يشترط في صحة العارية أن يكون المعير مالكا للعين و المنفعة كليهما و يكفي في صحتها أن يكون مالكا للمنفعة وحدها، بحيث يكون نافذ التصرف فيها فيمكن له أن يتبرع بها لغيره، و أن يسلّط غيره على العين ليستوفي المنفعة، و مثال ذلك: أن يكون قد استأجر العين من مالكها ليستوفي منفعتها استيفاء مطلقا لنفسه أو لغيره إذا شاء و من أمثلة ذلك: أن يكون المالك قد أوصي له قبل موته بمنفعة العين، و أطلق له في الوصية أن يستوفي المنفعة الموصى بها كيفما يشاء و لو

كلمة التقوى، ج 5، ص: 74

بالتبرع بها لغيره، فيصح له في أمثال هذه الفروض ان يعير العين لغيره ليستوفي منفعتها المملوكة له و ان لم يملك العين ذات المنفعة.

و لا تصح العارية إذا كان المعير غاصبا للعين، أو كان غاصبا للمنفعة، و ان كان مالكا شرعيا للعين نفسها، و مثال ذلك: أن يؤجر المالك داره من غيره، ثم يغصب المنفعة من المستأجر، و يستولي عليها ظالما.

و لا يصح للمستأجر أن يعير العين المستأجرة لغيره، إذا كان المالك المؤجر قد اشترط عليه في ضمن العقد أن يستوفي منفعة العين بنفسه و لا يتبرع بها لغيره، و مثله الحكم في المنفعة الموصى بها للرجل إذا كان المالك الميت قد اشترط في

الوصية على الموصى له بالمنفعة أن يستوفيها بنفسه و لا يتبرع بها لغيره فلا يجوز له أن يعيرها الى أحد سواه.

(المسألة الخامسة):

يصح لولي الصبي أن يستعير له عارية من أحد إذا كان الصبي قابلا للانتفاع بها، و قادرا على حفظ العين المعارة، و صونها من التلف و العيب، أو كان الولي نفسه أو وكيله هو الذي يقوم بذلك، فيستعير للصبي ثوبا ليلبسه و أدوات منزلية و أثاثا لينتفع به، و مبرّدة أو مدفّئة لتقية الحر أو البرد، بل و يستعير له كتابا للقراءة إذا كان ممن ينتفع بمثل ذلك.

و يجوز لولي المجنون أن يستعير له ما يمكنه الانتفاع به من الأشياء و المراد في الفرضين أن تكون العارية للصبي و للمجنون نفسهما لا للولي المستعير و يصرف المنفعة عليهما، و على أي حال فلا ينبغي الريب في صحة الجميع مع المحافظة على مال الغير.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 75

و لا يصح للصبي أن يستعير لنفسه إلا إذا كان مميّزا و أذن له وليه بذلك، مع وجود المصلحة له بها، و لا تصح استعارة المجنون لنفسه و ان أذن له وليه بالاستعارة، لانه مسلوب العبارة فلا يترب على قوله أثر.

(المسألة السادسة):

يشترط في صحة العارية أن يكون الشخص المستعير أهلا للتسلّط على العين المستعارة و الانتفاع بها في نظر أهل العرف، و في حكم الإسلام، فلا تصح العارية إذا كان آخذها ليس أهلا لذلك، كالعامي القليل المعرفة يستعير بعض الكتب الدقيقة في العلوم و الفلسفات، أو يستعير بعض الأجهزة العلمية التي لا يمكنه استعمالها و الإفادة منها.

و من أمثلة هذه المسألة أن يستعير الكافر مصحفا أو عبدا مملوكا مسلما فلا تصح هذه العارية لأن الكافر ليس أهلا للتسلط على المصحف، و لا على المملوك المسلم و الانتفاع بهما في حكم الإسلام، و من أمثلتها أن يستعير المحرم بالحج

أو بالعمرة صيدا بريا من أحد، فلا تصح استعارته فان المحرم لا يجوز له التصرف و لا الانتفاع بصيد البر في حكم الشريعة ما دام محرما، سواء كان من اعاره الصيد محرما أم محلا.

(المسألة السابعة):

يعتبر في صحة العارية أن يكون الشخص الذي يجري معه عقد العارية معيّنا، فلا تصح إذا أجريت لشخص مردّد بين اثنين أو أكثر، فيقول مالك العين لزيد و عمرو: أعرت داري لأحدكما، أو يقول: أعرت هذه العين لأحد هذين الشخصين، أو لأحد هؤلاء الرجال، فلا تصح عاريته، سواء قبلوا جميعا منه العقد

كلمة التقوى، ج 5، ص: 76

أم قبله بعضهم أم لم يقبله أحد منهم، و إذا قبل العقد أحدهم فدفع المالك له العين بعد قبوله جاز له أن ينتفع بها، و كان ذلك من الإباحة له بغير عوض، و لم يكن من العارية المصطلحة، لبطلان العقد الذي أنشأه.

(المسألة الثامنة):

تصح اعارة عين واحدة لأكثر من مستعير واحد، و مثال ذلك: أن يقول مالك العين لزيد و عمرو: أعرتكما هذا الكتاب شهرا، أو يقول: أعرت داري المعلومة لزيد و اخوانه يسكنون فيها سنة تامة، أو يقول، أعرت هذه العين لهؤلاء الطلاب العشرة لينتفعوا بها.

فإذا كانت العين المعارة مما يمكن أن يشترك المستعيرون في الانتفاع بها كالدار إذا كانت صالحة لسكنى الجميع، و كالمبرّدة و المدفئة إذا أمكن لهم أن ينتفعوا بها جميعا في وقت واحد، اشتركوا فيها إذا شاؤوا، و إذا لم يمكن الاشتراك في الانتفاع بالعين تناوبوا في الانتفاع بها، أو اقترعوا عليه، أو تراضوا في ما بينهم على الانتفاع كما يشاؤون.

(المسألة التاسعة):

يشترط في صحة العارية أن تكون العين التي يراد إعارتها مما يمكن للمستعير أن ينتفع بها مع بقاء عينها، كالأراضي و المساكن و العقارات و الأثاث و الأمتعة و الآلات و الأواني و الأدوات و الثياب و الأجهزة و الكتب و الحلي و وسائل النقل و الحيوان، و أمثال ذلك مما يندرج في الكبرى التي ذكرناها، و أن يكون الانتفاع الذي يمكن حصوله منها و الذي تقع المعاملة بين الطرفين بقصده انتفاعا محللا في الإسلام.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 77

فلا تصح اعارة العين إذا كانت مما لا يمكن الانتفاع إلا بإتلاف عينها كالطعومات و المشروبات، و كالصّابون مثلا و كالحطب و النفط و الغاز مما لا ينتفع به الا بإشعاله و حرقه و وقده و لا تصح اعارة العين إذا كانت المنفعة التي يمكن استيفاؤها منها غير محللة في الإسلام، و من أمثلة ذلك: آلات اللهو و آلات الحرام و قد فصّلنا ذكر ذلك في المسألة الحادية عشرة من كتاب التجارة، و

من أمثلته أيضا:

أواني الذهب و الفضة على ما هو الأحوط من المنع لزوما عن الانتفاع بها مطلقا و قد ذكرنا هذا في المسألة الرابعة عشرة من الكتاب المذكور.

(المسألة العاشرة):

تجوز اعارة الفحول من الحيوان: الإبل و البقر و الغنم و غيرها من أنواع الحيوان و أصنافه للانتفاع بها في ضراب الإناث منه، و تجوز اعارة الكلاب للانتفاع بها في الصيد و الحراسة في المنزل أو في البستان أو مع الغنم، و تجوز إعارة الهرة لقتل الفار و نحوه.

و تجوز إعارة الشاة و المعزاة و البقرة و الناقة لينتفع المستعير بلبنها و صوفها و وبرها، و تجوز إعارة البئر للاستقاء من مائها، بل و تجوز إعارة النخلة و الشجرة للانتفاع بثمرها، و ان كانت هذه المنافع أعيانا، و كان الانتفاع بها بإذهاب عينها فان العين المستعارة باقية و ان ذهبت المنفعة.

(المسألة 11):

تصح اعارة العبد المملوك أو الجارية المملوكة لينتفع بها المستعير في خدمة و حراسة و نحوهما، و لا تصح إعارة الجارية للانتفاع بها في استمتاع فان الاستمتاع بالأمة لا يجوز للرجل في الإسلام إلا بالزواج بها أو بتملكها ملك يمين

كلمة التقوى، ج 5، ص: 78

بأحد الأسباب الشرعية المملكة لها، أو بتحليل المالك إياها، و ليس منه أن يعيرها المالك له، أو يؤجرها لهذه الغاية، و لا فرق في الاستمتاع بالأمة بين الوطي و غيره في الحكم المذكور.

و إذا أعار الأمة مالكها للخدمة جاز للمستعير استخدامها كما قلنا، و لم يجز له أن ينظر الى المواضع المحرمة عليه من جسدها، و لا أن يلمسها أو تلمس شيئا من جسده.

و كذلك الحكم في الأعيان المملوكة الأخرى، فإذا كانت للعين منفعة أو منافع محللة في الإسلام، و منفعة أو منافع أخرى محرمة فيه، فيجوز للمالك اعارة العين لينتفع بها المستعير بالمنفعة المحللة و تنفذ هذه العارية و تترتب عليها أثارها، و لا يجوز له أن يعيرها

لأحد للانتفاعات المحرمة.

و إذا هو أعارها لينتفع بها المستعير بجميع منافعها، أو أعارها على نحو الإطلاق، صحت العارية للانتفاع بما يحل من المنافع، و بطلت في ما يحرم.

(المسألة 12):

لا يشترط في صحة العارية أن تكون العين معيّنة في وقت إنشاء صيغة العارية، فإذا طلب الرجل من المالك احدى دوابه ليسافر عليها الى مقصده، فقال له بقصد الإنشاء: أدخل الإصطبل و خذ منه أي دابة تختارها لسفرك، فأخذ واحدة منها بقصد الاستعارة، صحت العارية لتلك الدابة، و كذلك إذا قال المالك ابتداء للرجل: أعرتك إحدى السيارتين لتسافر فيها، فأخذ إحداهما بقصد القبول، أو قال له: أعرتك أحد هذه الثياب لتلبسه، أوخذ احد هذه الملاحف لتلتحف به في أيام

كلمة التقوى، ج 5، ص: 79

البرد، فقال المستعير: قبلت، صحت العارية، و يجوز للمالك أن يعين له بعد إنشاء الصيغة منها ما يشاء، بل يجوز للمستعير أن يختار منها ما يشاء إذا كان اذن المالك عاما لذلك.

(المسألة 13):

إذا كانت العين التي يريد مالكها ان يعيرها للرجل ذات منفعة واحدة بحسب العادة المتعارفة بين الناس، كالبساط و الطنفسة و السجادة، فإن منفعتها المتعارفة بين الناس واحدة و هي الافتراش لها، و كالثوب فان منفعته المعروفة هي اللبس وحده، و كالكساء و الملحف فمنفعتهما هي الالتحاف خاصة، فإذا كانت منفعة العين واحدة كذلك، كفى في صحة العارية أن يقول مالك العين للمستعير: أعرتك هذه العين لتنتفع بها، و لم يجب عليه أن يعيّن له جهة الانتفاع، فإن إطلاق العارية في هذه الموارد ينصرف الى تلك المنفعة الواحدة المتعارفة، و لذلك فيجب على المستعير أن يقتصر على تلك الجهة الواحدة المتعارفة و لا يتعدّاها، فلا يلتحف بالخيمة مثلا، أو يستظل بالبساط أو الطنفسة، أو يتقي بهما من المطر.

و إذا أراد استعارة العين لوجه من الانتفاع بها غير ما هو المتعارف بين الناس فلا بدّ من التعرض لذكر المنفعة التي

يريدها، و مثال ذلك أن يعير المالك البساط أو الطنفسة أو السجادة أو الكساء للرجل لينتفع بالعين، و المستعير يريد من الانتفاع أن يرهنها عند أحد على دين لذلك الشخص عليه، أو ليرسله نموذجا الى نساج لينسج له على طرازه، أو الى خياط ليخيط له على شكله، فعليه أن يذكر المنفعة الخاصة التي يقصدها، فان الانتفاعات المذكورة نادرة لا يحمل اللفظ عليها الا مع القرينة الدالة على الاذن فيها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 80

(المسألة 14):

إذا كانت العين التي تراد إعارتها ذات منافع عديدة، كالدار مثلا فإنه يمكن لمن يستعيرها أن ينتفع بها مسكنا له و لعياله، و يمكن له أن يتخذها مقرا خاصا لنزول ضيوفه الوافدين اليه، و ان يجعلها مخزنا لبضائعه أو معرضا لها، و أن يصيرها معملا أو موضعا لاستراحة عمّال، و كالأرض الفارغة، فإن المستعير يستطيع أن ينتفع بها مزرعة لخضروات أو حبوب، أو مغرسا لنخيل أو شجره أو ينتفع بها في بناء، و كالدابة يمكن له أن يستخدمها في ركوب و في حمل أمتعة و في حراسة أرض و في السقاية من بئر أو نهر، فإذا كانت العين متعددة المنافع، فقد يريد المعير و المستعير اعارة العين لاستيفاء منفعة مخصوصة منها، أو لمنافع معيّنة من جملة منافعها، و في هذه الصورة لا بدّ لهما من تعيين المنفعة أو المنافع المقصودة و ذكرها في عقد العارية، فيقول المالك للمستعير: أعرتك الدار لتسكنها مثلا، أو أعرتك الأرض لتزرعها، أو أعرتك الدابة لتركبها في تنقلاتك، أو لتسقي الزرع عليها، و إذا عيّنت للعين منفعة أو منافع خاصة لم يجز للمستعير ان يتعدّى ما عيّن له، و ينتفع بسواها.

و قد يقصد المالك أن ينتفع المستعير

بجميع الانتفاعات المتعارفة من العين، و في هذه الصورة يجوز للمالك أن يذكر الانتفاعات كلّها على وجه العموم و الشمول لها جميعا، فيقول للمستعير: أعرتك هذه العين لتنتفع بها بأي منفعة تحتاج إليها، أو تريدها من المنافع المحللة المتعارفة جميعا.

و يصح له أن ينشئ صيغة العارية مطلقة غير مقيدة: فيقول للمستعير

كلمة التقوى، ج 5، ص: 81

أعرتك هذه العين، أو يقول له: أعرتك العين لتنتفع بها، و في كلا الفرضين يباح للمستعير ان ينتفع بالعين في أي وجه يحصل له من وجوه المنافع المتعارفة لها.

(المسألة 15):

من المنافع التي قد تحصل من العين المستعارة ما يكون خفيا غير متعارف و لا معتاد بين الناس، و هو من أجل هذا الخفاء فيه لا يندرج في العموم الذي يذكره مالك العين عند اباحة جميع منافعها للمستعير، إلا إذا كان العام صريحا تام الصراحة في شموله لذلك الفرد، و لا يشمله إطلاق الصيغة حين يأتي بها مطلقة غير مقيدة، أو يشك في شمول العموم أو الإطلاق له من أجل خفائه، و لذلك فلا يجوز للمستعير أن ينتفع بمثل هذه المنفعة الخفية من العين، اعتمادا على العموم أو الإطلاق الذي يذكره مالك العين، و ان كانت من جملة منافع العين بلا ريب.

و من هذه المنافع الخفية: دفن الميت في الأرض المستعارة و مواراته فيها فإنه من بعض منافعها كالزرع فيها و الغرس و البناء، و لا يشمله الإطلاق و العموم كما ذكرناه و من المنافع الخفية: أن يرهن المستعير العين التي استعارها عند احد على دين له في ذمته، فإذا أراد المالك أن يبيح للمستعير مثل هذه الانتفاعات الخفية من العين فلا بدّ له من ذكره، و النص عليه بالخصوص،

و لا يكتفي بالعموم أو الإطلاق.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 82

الفصل الثاني في بعض أحكام العارية
(المسألة 16):

العارية عقد يتقوم بالاذن من مالك العين في أول حدوث العقد، و في استمراره و بقائه بين الطرفين، و لذلك فإذا زال اذن المالك للمستعير بالتصرف و الانتفاع بالعين زالت العارية و انفسخ عقدها، و ثمرة هذا العقد- كما ذكرنا في أول الكتاب- هي أن يتسلّط المستعير على العين المستعارة، و أن يباح له الانتفاع بمنافعها التي حدّدها له المالك.

و المعنى الواضح لذلك: أن العارية عقد جائز من جهة مالك العين، فيجوز له أن يرجع عن اذنه للمستعير في أي وقت يشاء، فيزول بذلك العقد ما بينهما، و أن العارية جائزة من جهة المستعير أيضا، فيباح له أن يدع العين المستعارة، و يترك الانتفاع بها في أي وقت يشاء فيرتفع العقد بذلك.

و هذا إذا لم يحدث في العين- و هي في يد المستعير- ما يمنع المالك من الرجوع عن اذنه، كما في بعض الفروض الآتي ذكرها، فإذا حدث مثل ذلك المانع لم يجز للمالك أن يرجع عن أذنه للمستعير، و يكون عقد العارية باقيا ما دام ذلك المانع موجودا، و ليس معنى ذلك ان العارية أصبحت لازمة بسبب عروض هذا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 83

المانع بعد ان كانت جائزة قبل وجوده، بل هي لا تزال على حكمها من الجواز و عدم اللزوم، فإذا اتفق زوال المانع كان للمالك الرجوع فيها.

(المسألة 17):

يجوز لمالك الأرض أن يعير أرضه لأحد ليدفن فيها ميتا، و قد أشرنا الى هذا الفرض في المسألة الخامسة عشرة، فإذا هو أعار الأرض لهذه الغاية، و دفن المستعير فيها ميتا في الإسلام تعلق للميت حق شرعي بموضع دفنه من الأرض حرم نبشه و إخراجه من الأرض على الأحوط، ان لم يمكن تحريم ذلك

هو الأقوى و لذلك فيكون الأحوط لزوما لمالك الأرض إذا أعارها لهذه الغاية أن لا يرجع في اذنه و إعارته للأرض بعد مواراة الميت المسلم فيها، نعم، يجوز له الرجوع عن اذنه قبل ان يدفن الميت، و ان حفر القبر في الأرض، و يجوز له الرجوع كذلك إذا نبش أحد قبر الميت بعد دفنه في الأرض، و أخرجه منه، فلا يجوز دفنه فيها ثانيا إلا بإذن من المالك.

و إذا أعار المالك الأرض لهذه الغاية و حفر القبر فيها و وضع الميت في القبر، فهل يجوز للمالك ان يرجع عن اذنه و يفسح العارية و يمنع الدفن قبل ان يوارى الميت في القبر؟. فيه إشكال.

(المسألة 18):

يصح للمالك أن يعير أرضه الفارغة لأحد ليغرس المستعير لنفسه في الأرض شجرا أو نخيلا ينتفع بها، أو ليبني له بناء يسكنه، و لا ريب في جواز رجوع المالك في عاريته للأرض قبل أن يغرس المستعير فيها غرسا أو يبني فيها شيئا و إذا رجع المالك بها قبل الغرس أو البناء يجوز للمستعير أن ينتفع بها بعد رجوعه.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 84

و الظاهر جواز رجوع المالك في العارية أيضا بعد أن يغرس المستعير في الأرض غرسه، أو يبني فيها بناءه، و إذا رجع المالك بعارية الأرض في هذه الصورة و فسخها، فهل يجوز له أن يلزم المستعير بأن يقلع ما غرسه في الأرض و يزيل ما بناه فيها، من غير أرش يلزم المالك لذلك؟ أو يحق له أن يلزم المستعير بإزالة غرسه و بنائه من الأرض، و عليه أن يدفع المستعير أرش ما يزيله من ذلك؟ أو لا يحقّ له أن يلزمه بشي ء من ذلك، و خصوصا إذا بذل المستعير

له أجرة المثل لأرضه، ليبقي الغرس و البناء فيها؟ يشكل الحكم بشي ء من ذلك، و لا يترك الاحتياط بالتراضي و المصالحة بينهما.

و كذلك الحال إذا أعار المالك أرضه للزراعة فزرع المستعير فيها، ثم رجع المالك بعاريته قبل أن يدرك الزرع و يبلغ أوانه، فيجري فيها الاشكال و الاحتياط الذي ذكرناه.

(المسألة 19):

إذا أعار مالك الأرض أرضه لينتفع بها المستعير بالغرس و البناء، فزرع فيها نخيلا أو شجرا أو بنى فيها بناء، فالشجر و النخيل و البناء الذي أحدثه في الأرض ملك له، فيجوز له أن يبيعه على صاحب الأرض فيكون الجميع ملكا له، و يجوز لمالك الأرض أن يبيع أرضه على المستعير، فيصبح الجميع ملكا له، و يجوز للمستعير أن يبيع ما غرسه و ما بناه في الأرض على شخص ثالث، إذا أذن له مالك الأرض بذلك، فإذا أذن له المالك فباع الغرس و البناء على غيره كان المشتري بمنزلة المستعير و قام مقامه، فإذا رجع المالك باذنه و فسخ العارية جرت الاحكام التي ذكرناها للمستعير على المشتري، و قد بيّناها في المسألة السابعة فلتلاحظ.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 85

(المسألة 20):

قد يستعير الرجل عينا أو أعيانا متعدّدة من مالكها ليجعلها المستعير رهنا عند أحد على دين لذلك الشخص في ذمته، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثالثة عشرة و المسألة الخامسة عشرة، و لا ريب في صحة العارية لذلك، و في صحة الرهن بعد أن اذن له المالك بهذا الانتفاع.

و يجوز لمالك العين أن يطالب المستعير بأن يفك رهانة العين عند انتهاء مدة الدين الذي عليه و حلول وقت وفائه، و ذهب بعض الفقهاء الى جواز مطالبته بفكّ رهانة العين قبل حلول وقت الدين، و على أي حال فلا يبطل رهن العين المستعارة بانتهاء المدة، و لا بمطالبة مالك العين بفكّ رهانتها.

(المسألة 21):

إذا حلّ وقت دين الدائن الذي يملكه في ذمة المستعير، و لم يفكّ المستعير رهانة العين و لم يف بالدين، جاز بيع العين المرهونة و وفاء الدين بثمنها، و إذا بيعت العين كذلك كان المستعير ضامنا لمالك العين، فإذا اختلف ثمنها الذي بيعت به عن قيمة مثلها في السّوق كان المستعير ضامنا لمالك العين أكثر الأمرين منهما.

(المسألة 22):

يجوز لمالك العين المستعارة أن يوقع عاريته مطلقة غير محدودة الوقت فيقول للمستعير: أعرتك هذه الدار لتسكن فيها، أو أعترك هذا البستان لتأكل ثمره فإذا أنشأ الصيغة مطلقة كذلك جاز للمستعير أن ينتفع بالعين مطلقا، فيسكن الدار و يأكل ثمر البستان حتى يموت المالك أو يرجع عن اذنه في الانتفاع و يفسخ العارية، و يجوز للمالك أن يجعل عاريته مقيدة في مدة معيّنة، فيقول للمستعير

كلمة التقوى، ج 5، ص: 86

أعرتك هذه العين تنتفع بها شهرا أو سنة كاملة، و إذا قيد المالك عاريته كذلك فلا يباح للمستعير أن ينتفع بالعين بعد انقضاء المدة، لارتفاع الاذن و انفساخ العارية.

(المسألة 23):

العارية كما قلنا أكثر من مرة معاملة تتقوم في حدوثها و في بقائها بإذن المالك المستعير في التصرف في العين، و تسليطه عليها و على الانتفاع بمنفعتها و من النتائج الواضحة لذلك: أن تبطل العارية و ينفسخ عقدها بموت مالك العين فلا يحل للمستعير بعد موت المالك أن يتسلط على العين المستعارة و ينتفع بها و ان كان المالك قد أطلق العارية و لم يجعل لها أمدا و وقتا محددا أو جعل لها مدة طويلة بل و حتى إذا أجاز له بالقول الصريح في الصيغة أن ينتفع بالعين بعد موته فقال له: أعرتك هذه الدار لتسكن فيها حتى إذا متّ قلبك، الا ان يرجع ذلك الى الوصية له بسكنى الدار و الانتفاع بها بعد الموت، فإذا علم بذلك، أو دلّت القرائن الحافة على ارادته صحت الوصية و لزم العمل بها و كان ذلك من الوصية بالمنفعة له لا من العارية بعد الموت.

و تبطل العارية كذلك إذا زالت سلطنة المالك عن العين، و مثال ذلك: أن يبيع

المالك العين التي أعارها أو ينقلها الى ملك مالك أخر بهبة أو صلح أو غيرهما من العقود أو الإيقاعات المملكة، أو يزول سلطانه على العين بعروض جنون و نحوه، فتبطل العارية بذلك.

و تبطل العارية بموت الشخص المستعير، فلا تنتقل الى وارثه من بعده، و لا يجوز للوارث الانتفاع بها إلا إذا اذن له مالك العين.

(المسألة 24):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 87

إذا حدّد مالك العين للمستعير نوعا خاصا من أنواع المنفعة أو صنفا من أصنافها، أو وجها من وجوهها، أو قيد انتفاعه بقيد من الزمان أو المكان أو غيرهما وجب على المستعير أن يتقيّد بذلك الحدّ أو القيد و يلتزم به و لا يتعدّاه، فإذا قال له مثلا: أعرتك الدار لتسكن فيها أنت و زوجتك فاطمة، لم يجز له أن يسكن فيها زوجته الثانية، و إذا أعاره السيارة ليسافر بها الى كربلاء لم يجز له أن يسافر بها الى الحلة، أو الى بلد أخر، و ان كان ما انتفع به أدنى مسافة و أقل ضررا، و إذا أعاره السيارة ليسافر بها نهارا لم يجز له السفر بها ليلا، و بالعكس.

و يجب على المستعير أن يقتصر في انتفاعه بالعين المستعارة على ما جرت به العادة المتعارفة بين الناس لمثل تلك العين، فلا يحمل على الحيوان المستعار أكثر مما يعتاد حمله لمثله، و لا يحمل في السيارة غير ما يصلح لحمولته من الأشياء و لا أكثر منه، و لا يسكن في المنزل أكثر مما يعتاد للسكنى فيه و لا غير ما يصلح له.

(المسألة 25):

إذا تعدى المستعير ما حدّده له مالك العين من الانتفاع و ما ذكره في المعاملة من قيود كان غاصبا اثما في تصرفه، و ضامنا لما استوفى، فإذا هو استوفى منفعة أخرى غير ما عين له مالك العين ضمن له أجرة المثل للمنفعة التي استوفاها، و إذا زاد في الحمل أو في المسافة أو في كيفية الاستيفاء للمنفعة عن المقدار المتعارف منها وجب عليه أن يدفع لمالك العين أجرة المثل لتلك الزيادة التي زادها.

(المسألة 26):

إذا أعار المالك أحدا أرضه للغرس أو للبناء أو للزرع فيها، جاز للمستعير

كلمة التقوى، ج 5، ص: 88

أن يدخل الأرض ليتصرف و يعمل و ينتفع بالأرض حسب ما أباح له المالك، و جاز ان يدخل الأرض معه من يحتاج المستعير الى مساعدته في عمله من الحرّاث و العملة و أشباههم، فانّ اذن المالك يشمل هؤلاء عرفا و يشمل الأجراء الذين يحتاج إليهم عادة في جمع حاصل الزرع و الغرس و نقله و أمثال هؤلاء، الا أن يكون مالك الأرض قد اشترط عليه غير ذلك فيتبع شرطه.

(المسألة 27):

إذا قبض المستعير العين المستعارة بإذن مالكها لينتفع بها أصبحت أمانة من المالك بيده، فإذا اتفق أن تلفت العين أو سرقت أو نقصت أو حدث فيها عيب، من غير تعد من المستعير في الاستيلاء عليها و لا في الانتفاع بها، و لا تفريط في المحافظة عليها و رعايتها، فلا ضمان عليه لشي ء مما حدث، إلا إذا كان المالك قد شرط عليه في عقد العارية أن يكون ضامنا عند التلف أو النقص أو التعيب في العين، أو كان المستعير قد اشترط ذلك على نفسه، فإذا شرط ذلك أحدهما في ضمن العقد و جرى عليه الإيجاب و القبول كان المستعير ضامنا لما يحدث في العين، و ان لم يحصل منه تعد و لا تفريط.

(المسألة 28):

إذا كانت العين التي استعارها الرجل من مالكها ذهبا أو فضة ثم تلفت أو سرقت أو نقصت أو حدث فيها عيب، فالمستعير لها ضامن لما حدث فيها من ذلك، سواء شرط عليه الضمان في عقد العارية أم لم يشترط عليه ذلك.

و يستثنى من هذا الحكم ما إذا شرط في العقد أن لا يكون المستعير ضامنا لما يحدث من ذلك فيتبع الشرط، و لا فرق في الأحكام المذكورة في هذه المسألة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 89

بين أن تكون العين المستعارة من الذهب أو الفضة المسكوكين و غير المسكوكين.

(المسألة 29):

إذا أخذ المستعير العين من مالكها و انتفع بها حسب ما أباح له المالك، و كان استخدامه للعين و انتفاعه بها بالمقدار المتعارف المأذون فيه من غير تعد و لا تفريط، و اتفق أن حدث في العين نقص أو عيب بسبب هذا الانتفاع المأذون فيه، فلا ضمان على المستعير لما حدث في العين من النقص أو العيب، و مثال ذلك: أن يعير خالد عليا دابته أو سيارته ليحمل فيها بعض الأمتعة و الأثاث، فإذا حمل المستعير فيها ما يعتاد حمله و لم يزد على ذلك فأصاب الدابة أو السيارة بسبب ذلك نقص أو عيب فلا ضمان عليه بذلك، بل و لا ضمان عليه إذا تلفت بسبب ذلك من غير تعد منه و لا تفريط.

(المسألة 30):

إذا أصاب العين المستعارة نقص أو عيب غير مضمون على المستعير كما في الفرض المذكور في المسألة السابقة، ثم تلفت بعد ذلك في يد المستعير على وجه مضمون، كما إذا تعدّى المستعير على العين أو فرّط في حفظها بعد أن حدث فيها العيب في المثال المتقدم، و تلفت العين في يده بعد ذلك، كان ضامنا للمالك قيمة العين يوم تلفت و هي ناقصة أو معيبة، و لا يضمن التفاوت بين قيمتها تامة و ناقصة، أو التفاوت بين قيمتها صحيحة و معيبة.

(المسألة 31):

المستعير انما هو منتفع بالعين المستعارة و ليس مالكا لمنفعتها، و لذلك فلا يصح له أن يعير عين التي بيده لشخص أخر، أو يؤجرها عليه، الّا إذا اذن له مالك

كلمة التقوى، ج 5، ص: 90

العين بأن يعيرها لأحد أو يؤجرها عليه، و إذا اذن له المالك بإعارة العين أو بإجارتها على غيره أصبح وكيلا عن المالك في إجراء العارية أو الإجارة مع الشخص الآخر فإذا هو أوقع العقد معه صحت عاريته أو إجارته للشخص بالوكالة عن مالك العين و كانت المعاملة للمالك لا للمستعير نفسه، و كانت هذه المعاملة الثانية التي أجراها بالوكالة فاسخة لعارية المستعير نفسه من المالك، فلا يجوز له الانتفاع بالعين بعدها، و يستثنى من ذلك ما إذا أوقع العارية الثانية على نحو التشريك في الانتفاع بالعين بينه و بين المستعير الثاني، و كان إيقاعه لهذه العارية الثانية بإذن المالك و بالوكالة عنه، فيجوز لكل منهما الانتفاع بها.

(المسألة 32):

إذا كانت العارية موقتة بمدة معينة، و انقضت المدة المحدودة لها أو فسخ المالك عقد العارية أو فسخه المستعير، لم يجز للمستعير أن يتسلط بعد ذلك على العين، و لم يحل له أن ينتفع بشي ء من منافعها، و وجب عليه ان يرد العين الى مالكها، أو الى وكيله المفوض في قبضها، أو الى ولي أمره إذا كان المالك قاصرا أو محجورا عليه، و لا يبرأ المستعير من عهدة العين بغير ذلك، فلا يكفيه لبراءة ذمته أن يفرغ الدار المستعارة، و يخرج منها ما لم يتسلمها المالك أو من ينوب عنه، و لا يكفيه أن يدخل السيارة التي استعارها الى الموضع الذي أخذها منه، و الذي أعده مالكها لحفظها، أو يرد الدابة إلى الإصطبل

و يربطها فيه، فإذا تلفت العين أو سرقت أو حدث فيها عيب أو نقص قبل أن يسلمها الى مالكها أو الى نائبه كان المستعير ضامنا لها و لما حدث فيها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 91

الفصل الثالث في أحكام أخرى للعارية
(المسألة 33):

يجوز للرجلين أن يعير كل واحد منهما صاحبه بعض الأعيان التي يملكها لينتفع صاحبه بالعين مطلقا أو في مدة معلومة على أن تكون كلّ واحدة من المعاملتين بينهما عارية مستقلة بنفسها فلا تكون احدى العينين عوضا عن الأخرى، و لا شرطا في إعارتها، و مثال ذلك أن يعير زيد عمرا داره التي يملكها في النجف ليسكنها عمرو ثم يعير عمرو زيدا داره في الكوفة ليسكنها زيد، و تكون كل واحدة من العاريتين كما قلنا معاملة بانفرادها، و لا معاوضة بينهما و لا مشارطة.

و إذا أراد المالكان أن تكون احدى العينين عوضا عن العين الأخرى أو تكون احدى العاريتين شرطا في عارية الثانية، فلا يترك الاحتياط في أن تجرى المعاملة ما بينهما بصورة الصلح بعوض، فيصالح زيد عمرا عن سكنى داره في الكوفة بسكنى دار زيد في النجف، أو تكون المعاوضة و الاشتراط بين المصالحتين، لا أن يكون التعويض في العارية أو بين العاريتين، فان في صحة ذلك اشكالا، بل منعا على القول المشهور.

(المسألة 34):

إذا كانت في يد الرّجل عين قد غصبها من مالكها، فأعارها أحدا لينتفع بها

كلمة التقوى، ج 5، ص: 92

و كان المستعير يعلم بأنها مغصوبة و ليست مملوكة للمعير لم يجز له أخذ العين و لا الانتفاع بشي ء من منافعها، فإذا هو تسلط على العين، و وضع يده عليها كان غاصبا اثما و ضامنا للعين و لمنافعها.

و يجوز للمالك الحقيقي للعين أن يستردها إذا كانت موجودة، و أن يأخذ بدلها إذا كانت تالفة، فيأخذ مثلها إذا كانت مثلية، و قيمتها إذا كانت قيمية، و يتخير شرعا بين أن يرجع في ذلك على الغاصب الأول و هو المعير فيأخذه منه، و ان يرجع

فيه على الغاصب الثاني و هو المستعير، و يجوز له أيضا ان يأخذ قيمة جميع المنافع التي استوفيت من العين في أيام غصبها منه، و جميع منافعها التي فاتت عليه، و ان لم يستوفها أحد، و يتخير في أن يغرم ذلك اي الغاصبين شاء.

فإذا أخذ المالك الشرعي هذه الغرامات من الغاصب الثاني المستعير، و كان تلف العين و هي في يده، لم يرجع المستعير على الغاصب الأول الذي أعاره بقيمة العين التالفة و لا بأجرة المنافع التي استوفاها المستعير بسبب العارية، و لا بأجرة المنافع التي فاتت على المالك في حال تسلّط المستعير على العين، و ان لم يستوف هذه المنافع.

نعم، يحق للمستعير أن يرجع الغاصب الذي اعاره بما غرمه المستعير للمالك من اجرة المنافع التي استوفاها الغاصب المعير من العين قبل العارية، و أجرة.

المنافع الأخرى التي فاتت على مالك العين في ذلك الوقت و ان لم يستوفها أحد فإذا كان المالك قد رجع بهذه الغرامات على المستعير و أخذها منه جاز للمستعير أن يأخذها من الغاصب المعير.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 93

و إذا رجع المالك الشرعي بالغرامات كلها على الغاصب الأول المعير، جاز لهذا أن يرجع على المستعير بما غرمه للمالك من قيمة العين إذا كان تلفها في يد المستعير، و ان يرجع عليه أيضا بأجرة المنافع التي استوفاها المستعير من العين في أيام استعارته لها، بل و أجرة المنافع التي فاتت و لم يستوفها أحد في تلك الأيام، فإن هذه المنافع قد تلفت في يده فيكون ضمانها عليه.

و لا يرجع الغاصب المعير على المستعير بقيمة العين إذا كان تلفها في يد الغاصب المعير نفسه و لا بقيمة المنافع التي استوفاها هو قبل العارية

أو بعدها، و لا بقيمة المنافع التي فاتت و لم يستوفها أحد في تلك الأيام.

(المسألة 35):

إذا أعار الغاصب العين المغصوبة أحدا، و كان المستعير لا يعلم بأن العين مغصوبة من مالكها الشرعي لم يأثم المستعير بتسلطه على العين و انتفاعه بمنافعها، و جاز لمالك العين ان يرجع بقيمة عينه المغصوبة إذا تلفت، و بمنافعها المستوفاة و الفائتة منه غير المستوفاة كما فصلناه في المسألة المتقدمة و في كتاب الغصب، و يتخير في ما يستحقه من ذلك، بين أن يرجع فيه على الغاصب الذي أعار العين، و ان يرجع فيه على المستعير، و ان لم يكن غاصبا بوضع يده على العين و لا اثما لجهله، فإذا أخذ ذلك من الغاصب المعير، لم يرجع الغاصب على المستعير بشي ء مما غرمه للمالك، و ان كان تلف العين في يده، و إذا رجع به على المستعير و أخذه منه، جاز له أن يرجع بما غرمه على الغاصب الذي إعارة العين، و يأخذه منه لأنه قد غره.

(المسألة 36):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 94

إذا علم المستعير بأن العين التي أعارها له المعير مغصوبة من مالكها الحقيقي وجب عليه أن يرد العين الى مالكها المغصوبة منه، إذا كانت العين لا تزال باقية في يده، و ان كان جاهلا بالغصب في وقت العارية، و لم يعلم به الا بعد انقضاء المدة، و لا يجوز له ان يردها الى الغاصب الذي اعاره إياها، و لا تبرأ ذمته من عهدة العين إذا دفعها إليه.

(المسألة 37):

إذا أنشئت العارية بين مالك العين و المستعير على الوجه المطلوب، و قبض المستعير العين كانت العين أمانة بيده، و قد ذكرنا هذا من قبل، فإذا طلب المالك من المستعير أن يرد اليه عينه المستعارة فأنكرها المستعير، أو أنكر العارية كان خائنا و بطلت أمانته، فإذا تلفت العين بعد ذلك في يده، أو سرقت، أو طرأ عليها نقص أو عيب كان ضامنا لما حدث، و لم يترتب عليه حكم الأمين.

(المسألة 38):

إذا استعار الرجل دابة أو سيارة ليسافر بها الى موضع معين، فتجاوز ذلك الموضع في سفره بها كان متعديا، فيلزمه ضمان العين المستعارة إذا تلفت أو عابت بذلك و يلزمه دفع اجرة المثل لمالكها لما زاد من المسافة على الموضع المعين، و لا يزول عنه هذا الضمان إذا رجع بالدابة أو السيارة إلى الموضع المعين المأذون فيه و لا تلزمه أجرة المثل للسفر بها الى الموضع المعين المأذون فيه قبل التعدي.

(المسألة 39):

إذا طلب مالك العين من المستعير أن يرد اليه العين، فادعى المستعير أن العين قد تلفت أو سرقت صدّق قوله مع يمينه، و لم يثبت عليه ضمان، لأنه أمين

كلمة التقوى، ج 5، ص: 95

ما لم تثبت خيانته أو تعديه أو تفريطه في الأمانة ببينة شرعية، كذلك إذا تلفت العين في يده فادعى مالك العين أنه قد فرّط في حفظ أمانته، أو أنه تعدّى ما حدّد له في عقد العارية، و انه ضامن لتلف العين بسبب تعدّيه أو تفريطه و أنكر المستعير ما ادعاه المالك، فالقول قول المستعير مع اليمين.

(المسألة 40):

إذا انقضت مدة العارية أو فسخ مالك العين عقدها أو فسخها المستعير فطلب المالك منه أن يرد اليه العين، و ادعى المستعير انّه قد ردّها اليه، و أنكر المالك الرّد قدّم قول المالك مع يمينه لأنه منكر، فإذا حلف ألزم الحاكم المستعير بردها الى مالكها، فإذا تعذر وجودها ألزمه برد مثلها إذا كانت مثلية، و قيمتها إذا كانت قيمية.

(المسألة 41):

إذا شرط مالك العين على المستعير في ضمن العقد أن يكون ضامنا للعين، أو شرط المستعير ذلك على نفسه صحّ الشرط، قد ذكرنا هذا في المسألة السابعة و العشرين، و اتبع في الضمان عموم الشرط و خصوصه.

فقد يشترط عليه أن يكون ضامنا للعين متى تلفت أو سرقت أو حدث فيها نقص أو عيب، فيحكم بضمان المستعير إذا حدث على العين شي ء من ذلك و ان لم يتعد و لم يفرّط في الامانة. و قد يشترط عليه الضمان إذا تلفت العين كلّها، و لا يشترط الضمان عليه إذا نقصت أو حدث فيها عيب، فيثبت الضمان عليه عند تلف الجميع خاصة، حسب ما اشترط، و لا يضمن إذا طرأ عليها نقص أو عيب، و قد أشرنا الى هذا في بعض المسائل المتقدمة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 97

كتاب الوديعة

اشارة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 98

كتاب الوديعة و تفصيل القول في هذا الكتاب يكون في أربعة فصول:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 5، ص: 98

الفصل الأول في الوديعة و ما يعتبر فيها
(المسألة الأولى):

الوديعة هي أن يأتمن الإنسان أحدا على شي ء ليحفظه له، و الغالب المعروف بين الناس في استعمال هذه الكلمة: أن يراد بها عند إطلاقها الائتمان على الأموال لحفظها، و قد تستعمل في الائتمان على أمور أخرى تكون عزيزة على الإنسان ليطمئن على حفظها و سلامتها، فيستودع الرجل من يثق به و بقدرته و كفاءته عرضه و أولاده الصغار الذين يخشى عليهم عادية الدهر، و يستودعه كتبه و نفائسه و الأمور الأخرى التي تعز عليه، و يحذر من طروء الحوادث عليها و يأتمن ذلك الثقة عليها ليتولى له حفظها.

و كثيرا ما تطلق كلمة الوديعة على المال أو الشي ء المستودع عند الأمين فيقول له هذا المال وديعتي عندك، أو يقول له: طفلي أو كتابي هذا وديعة بيدك تحفظه لي حتى ارجع من غيبتي، و هذا كلّه في المجال اللغوي للكلمة.

و تختص الوديعة المبحوث عنها في هذا الكتاب عند الفقهاء بوديعة المال

كلمة التقوى، ج 5، ص: 99

و حتى إذا عمّ البحث في الكتاب لبعض الأشياء الخاصة، كما إذا ائتمن الرجل غيره على أثر يختص به من مؤلّف له أو مخترع يعتز به اعتزازا معنويا، أو على عقد نفيس له ميزة معنوية عند بعض الخاصة أو ما يشبه هذه الأمور، فالمقصود في البحث عنه عند الفقهاء هو الجهة المالية التي تكون للشي ء الذي استودعه إياه، من حيث وجوب الحفظ، و وجوب أدائه عند الطلب، و من حيث

الضمان عند حدوث ما يوجب الضمان، و تكون المميزات المعنوية التي يتصف بها ذلك الأثر المستودع موجبة لزيادة قيمته المالية عند الراغبين فيه.

(المسألة الثانية):

الوديعة كما قلنا: هي أن يأتمن الإنسان شخصا غيره على مال ليحفظه له، أو هي عقد يقع بين صاحب المال و الأمين تكون فائدته الائتمان المذكور على المال و لذلك فلا بدّ فيه من الإيجاب و القبول، و يكفي في إيجاب عقد الوديعة كل لفظ يكون دالا على الائتمان أو الاستيداع، فيقول صاحب المال للشخص الذي يأتمنه:

أودعتك هذا المال أو هذا الشي ء لتحفظه عندك، أو يقول له: ائتمنتك عليه لتحفظه لي أو يقول: استودعتك المال أو استودعته عندك، أو استودعته لديك، أو يقول له:

هذا المال وديعة عندك أو: وديعة لديك أو يقول: احفظ لي هذا الشي ء، أو ما أدى هذا المعنى من الألفاظ، و كان ظاهر الدلالة عليه، و لو بمعونة القرينة الموجودة من حال أو مقال، و يكفي في القبول أيضا أي قول يدل على الرضا بالائتمان، فيقول المؤتمن: قبلت الوديعة أو الأمانة منك، أو رضيت بها.

و يصح أن يقع عقد الوديعة بغير اللغة العربية من اللغات الأخرى للعارفين بها، و يصح أن ينشأ عقدها بالأفعال الدالة على المقصود، فيدفع المالك ماله الى

كلمة التقوى، ج 5، ص: 100

الشخص بقصد إنشاء الوديعة عنده، و يتسلم المؤتمن المال المدفوع اليه بقصد إنشاء الرضا بها، و يجوز أن ينشأ الإيجاب بالقول و يقع القبول بالفعل، فيقول صاحب المال في إيجابه: أو دعتك هذا الشي ء لتحفظه، و يأخذ المؤتمن الشي ء منه و يضعه في صندوقه بقصد القبول، و يصح أن يقدم القبول على الإيجاب فيقول الأمين لصاحب المال: ادفع لي هذا المال احفظه لك

و يقول المالك بعده: أودعتك المال.

و يكفي أيضا في صحة الوديعة و ترتب أحكامها أن يحصل الإيجاب و القبول في عقدها بالكتابة الدالة عليهما، و بالإشارة المفهمة للمعنى المراد عند أهل العرف.

(المسألة الثالثة):

الوديعة عقد من العقود كما قلنا فلا بد فيها من القبول من الشخص المؤتمن أو من وكيله، و لا تتحقق الوديعة بدونه، فإذا وضع المالك ماله قريبا من الرجل، أو على طاولته أو على بساطه مثلا بقصد استيداع المال عنده، أو قال له: هذا وديعة عندك، و لم يقبل الرجل منه الإيجاب، لم يتم عقد الوديعة فلا تلزم الرجل أحكامها، فلا يجب عليه حفظ المال، و لا ضمان عليه إذا تلف ما لم يضع يده عليه سواء مكث في مكانه عند المال، أم ذهب عنه و تركه في موضعه، و لم يقبل العقد و لم يقبض المال، و سواء بقي مالك المال في الموضع بعد أن وضع المال أم تركه و انصرف لحاله، و أولى من هذا الفرض بعدم تحقق الوديعة ما إذا ترك المالك ماله قريبا من الرجل أو على طاولته و لم يقصد بذلك استيداع المال عند الشخص.

و لا يكفى سكوت الشخص في تحقق قبول الوديعة من المالك، فإذا قال

كلمة التقوى، ج 5، ص: 101

المالك للرجل: أودعتك هذا المال، أو دفع اليه بقصد استيداعه عنده فسكت الرجل و لم يقل شيئا، و لم يصدر منه قبض أو فعل يدل على القبول، فلا يكون سكوته قبولا للعقد، الا أن يقترن ذلك بقرينة تدل على الرضا بالوديعة.

(المسألة الرابعة):

إذا كان الرجل عاجزا عن حفظ الوديعة و غير قادر على القيام بأمرها فالأحوط لزوما له أن لا يقبل الوديعة من صاحبها، و ان كان واثقا من نفسه بأنه لا يتعدّى على الامانة و لا يرتكب خيانة، و إذا كان مالك الوديعة يعلم بحال الرجل من الضعف و العجز عن حفظها و أصرّ مع علمه بذلك على

إيداع الوديعة عنده، و أن يحفظها له بمقدار ما يمكنه من الحفظ، جاز له أن يقبلها منه على هذا الشرط فيجب عليه القيام بحفظ الوديعة و رعايتها بمقدار ما يستطيعه من ذلك.

(المسألة الخامسة):

يشترط في صحة الوديعة أن يكون صاحب المال المودع له بالغا، فلا تصح وديعة الطفل لماله عند غيره، و ان كان الطفل مميزا، و هذا إذا تولى إيداع ماله بنفسه بغير اذن وليه، فلا يجوز لذلك الغير أن يقبض منه وديعته، و إذا هو قبضها و وضع يده عليها كان ضامنا لها و لما يحدث فيها من نقص أو عيب أو تلف، و لا تبرأ ذمته من ذلك إذا هو ردّ الوديعة إلى الطفل نفسه، فيلزمه أن يردّها الى وليه الشرعي.

و لا يبعد القول بصحة الوديعة من الصبي إذا كان مميزا عارفا بكيفية إنشاء المعاملة و المعنى المراد من الصيغة، و تولّى إيداع بعض أمواله عند أحد و كان فعله لذلك باذن وليه الشرعي المطّلع على ذلك كلّه، فأنشأ الوديعة و دفع المال للشخص الذي ائتمنه على وفق ما يرام، فيصح لهذا المستودع قبض الوديعة منه

كلمة التقوى، ج 5، ص: 102

و لا يكون بقبضه لها ضامنا، و تترتب عليه أحكام الودعي شرعا، و يصح منه إذا كان مميزا عارفا، على الوصف الذي ذكرناه أن يتولى إنشاء الوديعة لمال غيره أيضا، إذا اذن له مالك المال و وكله في ذلك، و أذن له وليه الشرعي بإجراء المعاملة على النهج الصحيح، فيصح للمؤتمن أن يقبض الوديعة، و ان كان الصبي هو الذي دفعها إليه بالوكالة أيضا، و تجرى عليها أحكام الوديعة.

(المسألة السادسة):

يشترط في صحة الوديعة أن يكون الشخص الذي يستأمن على الوديعة بالغا، فلا يصح الاستيداع عند طفل لم يبلغ الحلم، و لا يثبت على الطفل ضمان بقبضه مال الوديعة إذا كان غير مميز، و لا بإتلافه إذا أتلفه، فإن صاحب المال هو الذي عرض ماله

لذلك باختياره، و لا ضمان على الصبي بقبض المال إذا كان مميزا و كان قبضه للوديعة بإذن وليه، فإنه في هذه الصورة و دعي أمين، فإذا تلف المال في يده من غير تعد و لا تفريط منه في الأمانة، فلا ضمان عليه، و سيأتي في بعض المسائل المقبلة ان شاء اللّه تعالى ان هذا هو الحكم الثابت في كلّ مستودع أمين.

و يشكل الحكم عليه بالضمان أو بعدمه في هذه الصورة إذا تعدّى أو فرّط في الوديعة، أو أهملها و تلفت المال في يده بعد التعدّي أو التفريط، و يشكل الحكم عليه أيضا بالضمان أو بعدمه إذا كان مميزا و قبض مال الوديعة بغير اذن من وليه ثم تلف المال في يده.

و إذا قبض الصبي مال الوديعة و كان مميزا فأتلف المال بفعله عامدا، فلا ينبغي الريب في الحكم عليه بضمان المال، سواء كان قبضه لمال الوديعة بإذن من وليه الشرعي أم كان بغير اذن منه.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 103

(المسألة السابعة):

يشترط في صحة الوديعة أن يكون المودع و المستودع عاقلين، فلا تصح إذا كان أحد الطرفين مجنونا، أو كان معا مجنونين غير عاقلين، و يجرى فيهما من حيث الضمان و عدمه نظير ما قدمنا بيانه في الصبي المميّز و غير المميّز في المسألتين المتقدمتين.

(المسألة الثامنة):

لا تصح وديعة الطفل و لا المجنون، و لا يجوز للشخص الذي يودع أحدهما عنده المال أن يأخذه منه، و إذا أخذ المال من يد الطفل أو المجنون كان له ضامنا و قد ذكرنا هذا الحكم قريبا.

و تستثنى من ذلك صورة واحدة، و هي أن يخاف هذا الشخص على مال الطفل أو المجنون إذا بقي في يده و لم يأخذه منه، ان يتلف فيجوز له أن يأخذ المال من يده و يحفظه له و يكون أخذه له من باب الحسبة لا من باب الوديعة.

و كذلك الحكم إذا وجد الإنسان مالا للطفل أو للمجنون في يده أو في غير يده و خاف على المال ان هو تركه و لم يأخذه أن يتلف أو يسرق، فيجوز له أن يأخذ المال و يحفظه له من باب الحسبة و يكون المال أمانة شرعية بيده، و يجب عليه أن يبادر بما يستطيع فيوصل المال إلى الولي الشرعي للطفل أو المجنون صاحب المال، فان لم يمكنه إيصال المال أعلم الولي بأن المال عنده، فإذا فعل ذلك فلا ضمان عليه إذا تلف المال في يده، و إذا فرّط أو تعدّى أو أهمل كان ضامنا.

(المسألة التاسعة):

يمكن لصاحب المال أن يبعث مبلغا من ماله أو شيئا أخر من مملوكاته بيد

كلمة التقوى، ج 5، ص: 104

صبي غير بالغ، أو بيد مجنون إلى ثقة يستأمنه ليبقى المبلغ أو الشي ء الأخر وديعة عنده يحفظه له، و هذا إذا كان المالك يثق بأن الصبي و المجنون اللذين أرسلهما يوصلان المال و يبلغان القول، فإذا أخذ المؤتمن منهما المال و اطمأن بصدقهما في الرسالة صحت الوديعة بين المودع و المستودع، و لم يضرّ بصحتها أن الرسول الواسطة طفل

أو مجنون.

(المسألة العاشرة):

يشترط في صحة عقد الوديعة أن يكون المودع الموجب و المستودع القابل قاصدين لإنشاء العقد بينهما، فلا يصح إذا كان المودع هازلا أو هازئا في إيجابه للعقد أو سكرانا أو غاضبا يخرج به عن قصد المعنى، أو كان المستودع غير قاصد للقبول كذلك.

و يشترط في صحته أن يكونا مختارين في فعلهما، فلا تصح وديعة المودع إذا كان مكرها في إيجابه للعقد غير مختار فيه، أو كان المستودع غير مختار في قبوله، فإذا قبض الوديعة مكرها على قبولها لم يضمنها، و لم تترتب على الوديعة أثارها.

(المسألة 11):

إذا أكره المستودع فقبل الوديعة و قبضها مكرها على قبولها و قبضها، ثم زال الإكراه عنه، و أجاز الوديعة الأولى باختياره بعد زوال الإكراه، صحت الوديعة بإجازته و ترتب عليها أثرها و لم يفتقر الى تجديدها.

و إذا جدّد المودع صيغة الوديعة بعد أن أرتفع الإكراه عن المستودع فقبل الوديعة الثانية مختارا، صحت الثانية بتمامية العقد، و لم يقدح بصحتها كون

كلمة التقوى، ج 5، ص: 105

المؤتمن مكرها غير مختار في أول الأمر.

(المسألة 12):

الوديعة أحد العقود التي تتقوم بالإذن في حدوثها و في بقائها و استمرارها و من أجل ذلك فهي من العقود الجائزة غير اللازمة، فيصح لمالك المال أن يسترد وديعته من الودعي الذي استأمنه في أي وقت يشاء و يفسخ عقد الوديعة بذلك و يجوز للمستودع المؤتمن أن يرد الوديعة إلى صاحبها متى أراد كذلك و يفسخ العقد، و إذا استرجع صاحب المال وديعته فليس للمستودع أن يمتنع من ردّها اليه و إذا ردّ المستودع الوديعة فليس للمودع صاحب المال أن يمتنع من قبولها.

و إذا فسخ المستودع المؤتمن عقد الوديعة انفسخت بينهما و ان كان صاحب المال لا يعلم بفسخ المؤتمن لها، و تزول بذلك الأمانة المالكية التي كانت للمستودع على المال بسبب العقد، و يبقى المال أمانة شرعية في يده.

و يجب على المستودع بعد أن يفسخ العقد كما ذكرنا أن يردّ المال الى مالكه، أو الى وكيله المفوض في القبض عنه، فان هو لم يقدر على الردّ وجب عليه أن يعلم المالك أو وكيله بأنه قد فسخ العقد، و أن المال باق عنده، فان هو لم يفعل ذلك من غير عذر مقبول كان مفرّطا في أمانته الشرعية و ضامنا لها إذا تلفت في

يده أو سرقت أو حدث فيها عيب أو نقص.

(المسألة 13):

إذا قبل المستودع الوديعة من مالكها أو من وكيله المفوض، و قبضها منه وجب عليه أن يقوم بحفظها بما جرت به العادة المتعارفة بين الناس في حفظ مثل تلك الوديعة، فإذا كانت من النقود المسكوكة أو العملة الورقية أو من الحلي

كلمة التقوى، ج 5، ص: 106

و نحوها، خزنها في ما تحفظ فيه النقود و الحلي عادة من خزانة أو صندوق مضمون أو شبه ذلك، و إذا كانت من الثياب و شبهها حفظها في الصندوق أو المخزن الذي يعدّ بين الناس لحفظ مثلها، و إذا كانت من الدواب أو الحيوان جعلها في الموضع الذي يعدّ لأمثالها من إصطبل أو حظيرة أو مراح مأمون، و هكذا فيحفظ كل نوع أو صنف من الودائع في الموضع الحصين الذي يناسبه، و لا ريب في أن ذلك يختلف باختلاف الأقطار و البلاد و الأزمنة و المواضع، بل و باختلاف منازل الرجال المستودعين في مجتمعاتهم، و في الجهات الطارئة أو الثابتة التي تتصف بها الأماكن و البلاد من حيث الأمن و الخوف و غير ذلك.

و على وجه الإجمال فيجب على المستودع حفظ الوديعة في موضع يكون به حافظا لأمانته و غير مضيّع لها أو متسامح فيها.

(المسألة 14):

إذا عين المالك الوديعة للمستودع موضعا خاصا و اشترط عليه في العقد أن يحفظ فيه وديعته، فقال له مثلا: أو دعتك هذا المال على أن تحفظه لي في حجرة زوجتك عالية و في خزانتها الخاصة، أو على أن تجعله في الصندوق الحديدي في منزلك، تعين على المستودع إذا قبل بالشرط أن يقتصر في حفظ الوديعة على ذلك الموضع و لا يتعدّاه الى غيره، و ان كان الموضع الأخر الذي ينقله إليه أشدّ حرزا منه،

و إذا نقل وديعته الى غيره كان متعديا و ضامنا لها.

و إذا علم من قول المالك أو من القرائن الموجودة أو ظهر منها ان مالك الوديعة انما يريد حفظ ماله و انما ذكر الموضع المعيّن من باب المثال و لا يريد التقييد و الخصوصية في ذلك الموضع جاز له أن ينقل الوديعة إلى مكان أخر

كلمة التقوى، ج 5، ص: 107

يساوي الموضع الذي ذكره أو يكون أشدّ منه حرزا.

(المسألة 15):

إذا عين صاحب المال موضعا خاصا لحفظ وديعته فيه كما فرضنا في المسألة المتقدمة و خاف المستودع على الوديعة أن تتلف أو تسرق أو تحرق أو تعيب إن هي بقيت في الموضع الذي عينه مالك الوديعة، لبعض الجهات التي تخفى على المالك أو التي تجددت بعد الاستيداع جاز له نقل الوديعة من الموضع المعيّن، و لا يكون بنقلها ضامنا لها، بل الظاهر جواز نقلها من ذلك الموضع في هذه الصورة و ان نهاه المالك عن نقلها منه، فقال له: لا تنقل الوديعة من هذا الموضع و ان تلفت.

(المسألة 16):

يجب على المستودع أن يتعاهد الوديعة ما دامت عنده بما يصونها عن التلف و العيب، أو تتوقف عليه صيانتها و سلامتها من ذلك، فإذا كانت الوديعة ثوبا أو شبهه من الصوف أو من الإبريسم فعليه أن ينشره كما هو معروف عند أهل الخبرة في بعض أيام الصيف في الشمس و الهواء الطلق ليسلم من التاكل أو من تولّد بعض الدود فيه، و عليه أن يقي الدابة من الحر و البرد الشديدين و من المطر و الثلج و نحو ذلك، و أن يتعاهد الدابة و الحيوان بمقدار ما يحتاج اليه من العلف و السقي، و أن يصون الكتاب من الرطوبة المفسدة و من الحشرات المتلفة كالأرضة و شبهها، و أن يحفظ الحبوب الكتاب عن الرطوبات و المياه التي توجب تعفّنها و فسادها و هكذا، فإذا هو ترك الملاحظة و الرعاية بمثل هذا الأشياء فتلفت الوديعة أو عابت كان ضامنا لما حدث فيها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 108

(المسألة 17):

لا يجوز للمستودع أن يتصرف في الوديعة تصرفا لم يأذن له فيه مالك الوديعة، و لا يتوقف عليه حفظها، فيكون بتصرفه فيها خائنا و متعديا، و مثال ذلك:

أن يأكل بعض الوديعة أو يلبس الثوب أو يسافر في السيارة أو يركب على الدابة أو يفترش الفراش أو يشترى بالنقود، أو يقترضها و ان كان عازما على أن يدفع العوض للمالك، فلا يحل له شي ء من ذلك إذا لم يأذن له به صاحب المال أو يتوقف عليه حفظه، و إذا فعله كان خائنا لأمانته و إثما في تصرفه و ضامنا للوديعة، و سيأتي لذلك مزيد بيان و إيضاح في الفصل الثاني ان شاء اللّه تعالى.

(المسألة 18):

من التصرف المحرّم على المستودع الموجب للحكم عليه بالضمان أن يدفع المالك إليه الوديعة و هي في كيس مختوم، فيفتح المستودع الكيس من دون ضرورة تدعوه إلى فتحه، و من التصرف المحرم كذلك ان يدفع المالك اليه المبلغ عملة و رقية ذات خمسة دنانير مثلا فيبدلها بعملة ذات عشرة دنانير أو خمسة و عشرين دينارا أو بالعكس، إلّا إذا اذن له المالك بذلك، أو كان المستودع لا يتمكن من حفظ المال الا بذلك، و تلاحظ المسألة الرابعة و السبعون، و من التصرف المحرم أن يدفع المستودع المبلغ الذي أودعه صاحبه عنده الى المصرف، و يأخذ بدله حوالة من المصرف بالمبلغ باسم المستودع، أو باسم مالك المال نفسه يدفعها له المصرف عند المطالبة، أو يفتح له حسابا خاصا يسدّده له مرة واحدة أو اقساطا كما يريد، فلا يحل للمستودع هذا التصرف، و يكون به متعديا و ضامنا، إلا إذا أجاز المالك له ذلك، أو استدعته ضرورة لا بدّ منها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 109

(المسألة 19):

الوديعة أمانة من مالك المال بيد المستودع، و لذلك فلا يثبت عليه حكم شرعي بالضمان إذا تلفت الوديعة عنده أو سرقت أو حدث فيها عيب أو نقص، إذا هو لم يتعد و لم يفرط في الوديعة و في حفظها، و قام بأمرها و برعايتها على الوجه المطلوب منه شرعا، و يأتي تفصيل هذا المجمل في الفصل الثاني ان شاء اللّه تعالى.

(المسألة 20):

لا يثبت على المستودع ضمان إذا قهره ظالم فأخذ الوديعة من يده مقسورا بغير اختيار منه، أو توعده الظالم بضرر يخشى من وقوعه عليه إذا امتنع، فدفعها اليه مكرها، و يثبت ضمان العين و ضمان منافعها في كلتا الصورتين على الظالم الذي قهره أو أكرهه.

و إذا كان المستودع هو السبب في تسلط الظالم على الوديعة، و وضع يده عليها فالضمان على المستودع، و مثال ذلك: أن ينبّئ المستودع الظالم بأمر الوديعة، و يصفها له و يحرضه على قبضها، بل و كذلك إذا عرّف الظالم بخبرها و بأن مالكها قد استودعها عنده ليحفظها له، فكان بذلك موجها، لنظر الغاصب إليها، و من أمثلة ذلك: أن يكون المستودع قد جعل الوديعة في موضع يلفت نظر الغاصب إليها، أو هو مظنّة لذلك، فالتفت إليها و غصبها، فيكون الضمان في هذه الفروض على المستودع نفسه، لأنه سبب الإتلاف.

و إذا اتفق في الصورة الأخيرة أن الظالم لم يلتفت الى الوديعة و لم يغصبها و لكنها تلفت بسبب أخر فالضمان على المستودع أيضا، لأنه قد فرّط في أمانته فوضعها في ذلك الموضع غير المأمون.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 110

(المسألة 21):

إذا علم الظالم بوجود الوديعة و عزم على غصبها، و استطاع المستودع أن يدفعه عنها ببعض الوسائل المباحة المقدورة له، كالاستعانة على ذلك ببعض الوجهاء و ذوي السلطة وجب عليه الدفع عنها مهما أمكن.

و إذا سأله الظالم عن وجودها عنده جاز له إنكارها، و ان كان كاذبا في إنكاره، و جاز له أن يحلف على ما يقول إذا توقف الدفع عنها على الإنكار و الحلف، بل يكون واجبا عليه.

و إذا كان المستودع ممن يعرف التورية و يمكنه استعمالها وجب عليه استعمال التورية

للتخلص من الكذب و القسم عليه على الأحوط لزوما.

و إذا اعترف المستودع للظالم بوجود الوديعة عنده فغصبها منه، كان المستودع ضامنا لها لأنه سبب إتلافها، و إذا اتفق أن الظالم لم يغصبها كان المستودع مفرّطا خائنا لأمانته بسبب إقراره بها للظالم، فيكون ضامنا لها إذا تلفت عنده بسبب أخر، و كذلك الحكم إذا أمكن له الدفع عنها بالإنكار و الحلف عليه فلم ينكر أو أنكر و لم يحلف، فإذا غصبها الظالم فهو السبب في الغصب، و إذا لم يغصبها فهو مفرط فيها لعدم دفعه عنها، و يكون ضامنا لها إذا تلفت في كلتا الحالتين.

(المسألة 22):

ليس من الوسائل الصحيحة التي يمكن أن تتخذ في هذا السبيل أن يخلص المستودع هذه الوديعة من يد الظالم بدلالته على مال لمؤمن أخر، أو بالسعاية عليه في ما يضرّه، و ان كان ذلك الرجل الذي سعى به أو دل الظالم على ماله عدوا مباينا للمستودع.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 111

و ليس من الوسائل الصحيحة أن يجامل الظالم فيدفع اليه بعض الهدايا المحرمة في الإسلام، أو يعينه في بعض المحرمات التي تنكرها شريعة الإسلام أو يسايره و يمالئه في ارتكاب بعض المناهي و المنكرات فيها، و يتخذ ذلك ذريعة لتخليص ودائع بعض المؤمنين، أو المدافعة عن بعض حقوقهم، و تحريم جميع ذلك من الأمور بيّنة الوضوح، و انما تذكر للتحذير و التّنبيه، و تراجع المسألة الثالثة و الأربعون من كتاب التجارة من هذه الرسالة.

(المسألة 23):

إذا لم يمكن للمستودع أن يدفع الغاصب عن الوديعة الموجودة لديه الا بنزاع و خصام و ضرب، و استلزم ذلك أن يضرب المستودع أو يجرحه أو يناله بسبب ذلك هتك أو شتم أو كلام بذي، لا يناسب شرفه و مقامه و منزلته الاجتماعية بين الناس، لم يجب عليه أن يتحمل ذلك في سبيل دفاعه عن الوديعة.

و على وجه الاجمال لا يجب عليه الدفاع عنها، إذا استلزم ذلك وقوع ضرر عليه لا يتحمّل عادة لمثله، أو خسارة مالية تضرّ بحاله، أو استلزم له الوقوع في عسر أو حرج.

(المسألة 24):

إذا توقف دفع الظالم عن غصب الوديعة على أن يتبرع المستودع فيدفع له مبلغا من ماله لم يجب ذلك على المستودع، فإذا هو لم يدفع للظالم شيئا من ماله و غصب الظالم الوديعة فلا ضمان على المستودع بسبب ذلك.

و إذا أمكن له أن يخبر مالك الوديعة فيأخذ منه المبلغ لمصانعة الظالم و دفعه عن الوديعة، أو يستأذنه أو يستأذن وكيله المفوض في أن يدفع المبلغ من ماله

كلمة التقوى، ج 5، ص: 112

للظالم بالنيابة عن المالك، ثم يرجع عليه بما دفع، وجب عليه أن يفعل ذلك، و إذا لم يتمكن من استئذان المالك أو وكيله استأذن من الحاكم الشرعي، و إذا فرّط في الأمر مع إمكانه و لم يفعل شيئا من ذلك كان ضامنا.

و إذا لم تتيسّر له مراجعة المالك و لا وكيله و لا الحاكم الشرعي في أن يفعل ذلك باذن من أحدهم دفع المستودع المبلغ من ماله عن مالك الوديعة من باب الحسبة، و إذا دفع المبلغ من ماله كما بيّنا و قصد الرجوع به على المالك، و لم يقصد التبرع بالمال، جاز له الرجوع عليه،

و إذا لم يفعل ما فصّلنا ذكره كان ضامنا للوديعة.

(المسألة 25):

إذا استطاع المستودع أن يفتدي الوديعة من الظالم ببعضها فيدفع له نصفها مثلا أو ثلثها أو ربعها، و يصرف بذلك نظره عن البقية منها فلا يغصبها وجب عليه أن يفعل ذلك فيحفظ الباقي منها، و كذلك إذا أمكن له أن يدفع بعض الوديعة لغير الظالم، فيصرف هذا الرجل الذي صانعه نظر الظالم عن غصبها، فيجب عليه أن يدفع البعض الى ذلك الشخص، فإذا فرّط المستودع في الأمر و لم يدفع شيئا منها ضمن الباقي إذا غصبه الظالم في الصورتين، لأنه هو السبب في غصبه و إتلافه و يضمنه كذلك إذا اتفق ان الظالم لم يغصب الباقي ثم تلف في يد المستودع لأنه قد فرّط في حفظه، فكان بتفريطه خائنا يلزمه الضمان.

و نظير هذا الفرض في الحكم أن تكون عند الرجل وديعتان لمالك واحد و أراد الظالم غصب الوديعتين كلتيهما، و أمكن للمستودع أن يدفع له احدى الوديعتين فلا يغصب الثانية، فإذا فرط المستودع و لم يدفعها اليه كان ضامنا على

كلمة التقوى، ج 5، ص: 113

النحو الذي تقدم بيانه.

(المسألة 26):

إذا استودع المالك عند الرجل دابة أو حيوانا وجب على المستودع أن يتعاهد الدابة أو الحيوان بالماء و العلف عند حاجتهما الى القوت و الشرب، و لا يلزمه أن يتولى ذلك بنفسه، فيكفيه أن يعهد بذلك الى بعض أولاده أو عياله أو غلمانه، إذا كان هذا البعض الذي يعهد اليه بذلك مأمونا على الحيوان، لا يفرّط و لا يتعدّى في حفظه، فلا يركب الدابة أو يعنتها أو يحملها، أو كان لا يسقيها أو لا يعلفها ما يكفي، و يجوز له أن يخرجها من الإصطبل و المراح المعدّ لها للسقي و العلف في خارجه، إذا كان من

المعتاد ذلك، و كان الطريق مأمونا و لا يخرج به عن المعتاد.

(المسألة 27):

إذا أنفق المستودع على الحيوان حسب ما يتعارف له في قوته من العلف و الماء أو في غير ذلك مما قد يحتاج إليه عادة، جاز له أن يرجع على مالك الحيوان بما أنفقه عليه إذا هو لم يقصد التبرع به، و عليه أن يستأذن في الإنفاق عليه من مالك الحيوان، أو من وكيله المفوض أو من ولي أمره إذا كان قاصرا أو محجورا عليه، فإذا تعذر عليه الاستئذان كذلك أنفق هو على الحيوان من ماله من باب الحسبة و رجع بالنفقة على المالك إذا لم يقصد التبرع، و قد ذكرنا هذا في أول المسألة.

(المسألة 28):

الوديعة عقد يتقوم بالإذن في ابتداء حدوثه و في بقائه، و نتيجة لتقومه بالاذن فيبطل العقد إذا مات المالك المودع أو مات الأمين المستودع، و إذا جنّ أحدهما

كلمة التقوى، ج 5، ص: 114

فخرج بذلك عن ان يكون أهلا للإذن و القصد، فإذا مات المالك المودع بطلت الوديعة كما قلنا و أصبح المال أمانة شرعية بيد المستودع، بعد ان كان عنده أمانة مالكية، و سيأتي بيان الفرق بينهما في الفصل الأخير من هذا الكتاب، فيجب على المستودع أن يبادر برد المال الى وارث المالك الذي أودع المال، أو الى وكيل الوارث و الى وليه إذا كان قاصرا، و إذا لم يقدر على ردّ المال اليه بالفعل لبعض الجهات المانعة من الردّ، وجب عليه ان يعلمه بأن الوديعة موجودة عنده، و انه مستعدّ لردّها متى أمكن له الردّ، و ان هو لم يفعل كذلك مع تمكنه من فعله و عدم العذر كان مفرطا ضامنا.

و إذا لم يعلم المستودع بعد موت مالك الوديعة بوجود وارث له، أو كان الوارث غير منحصر في علمه

بشخص معين أو أشخاص معيّنين، جاز له التأخير حتى يفحص عن ذلك و يعلم به، و يجب عليه أن لا يتسامح في أمر الأمانة فيتأخر من غير فحص أو يطيل المدة من غير ضرورة تقتضي ذلك.

و إذا جن مالك الوديعة و علم المستودع بجنونه، وجب عليه أن يبادر في ردّ الأمانة الشرعية إلى وليه الشرعي، فإذا لم يستطع الردّ اليه أن يعلم الولي بالوديعة و أنه مستعد لردّها، و ان هو لم يعلم بالولي الشرعي له على التعيين جاز له أن يتأخر بمقدار ما يفحص عنه، و يعلم به كما سبق في نظيره.

(المسألة 29):

إذا مات المستودع و بطلت الوديعة بموته كما سبق ذكره أصبحت الوديعة أمانة شرعية بيد الوصي من بعده، إذا كان قد أوصى الى أحد بالوديعة قبل موته و كانت أمانة شرعية بيد وارث المستودع إذا لم يكن قد أوصى بها، و إذا لم يكن قد

كلمة التقوى، ج 5، ص: 115

أوصى و كان وارثه قاصرا كانت الوديعة أمانة شرعية بيد الولي الشرعي على الوارث القاصر.

و يجب على من يصبح أمينا على الوديعة من أحد هؤلاء بعد موت المستودع أن يردّ الأمانة إلى مالكها الذي أودعها، أو الى وكيله المفوّض منه، و ان لم يتمكن من المبادرة إلى الردّ وجب عليه أن يعلم المالك أو وكيله بأن الوديعة قد انتقلت أمانة في يده، و انه يقوم بردها اليه متى أمكنه الردّ.

و إذا جنّ المستودع وجب على وليه الشرعي أن يقوم بالفعل، فيرد الأمانة إلى صاحبها أو يعلمه بها على الوجه الذي سبق ذكره.

(المسألة 30):

إذا مات مالك الوديعة و خلّف بعد موته ورثة متعددين، فان كان الميت المودع قد أوصى الى أحد قبل موته و عهد اليه أن يقبض الوديعة و يصرفها حسب وصية معينة له فيها، أو يقسّمها على الورثة بحسب ما يستحقونه من السهام في الميراث، تعين على المستودع أن يدفع الوديعة إلى الوصي ليعمل بها كما أوصى مالكها، و ان لم يوص الميت بأمرها الى أحد، وجب على المستودع ان يسلّم الوديعة إلى ورثة الميت جميعا أو الى أحد يتولى القبض عنهم جميعا من وكيل مفوض منهم إذا كانوا راشدين، أو ولي شرعي إذا كانوا قاصرين، أو الى فرد من الورثة أو من غيرهم يرتضون على اختياره فيفوضون إليه الأمر في قبض الوديعة و

تقسيمها بينهم على المنهاج الشرعي في المواريث.

و يجوز للمستودع أن يوكل أحدا يعتمد عليه في دفع المال إليهم على الوجه المطلوب، و لا يجوز له أن يسلّم الوديعة الى بعض ورثة مالكها بغير اذن من الباقين

كلمة التقوى، ج 5، ص: 116

و إذا دفعها الى بعضهم كما ذكرناه كان ضامنا لحصص من لم يدفع اليه سهامه منهم.

(المسألة 31):

إذا طلب صاحب المال وديعته من المستودع وجب على المستودع أن يبادر الى ردّها إليه في أول وقت يمكن له فيه الردّ، و المراد أن يبادر الى ردّها مبادرة عرفية، فلا يجب عليه أن يقطع الصلاة الواجبة و لا المستحبة ليردّ الوديعة إذا كان قد شرع في الصلاة، و لا يجب عليه الإسراع في المشي أكثر مما يتعارف لمثله.

و لا ينافي المبادرة العرفية أن يتم أكله للطعام إذا طلب المالك منه وديعته و هو على المائدة مثلا، و لا ينافي المبادرة أن يقدّم الصلاة إذا طلبها منه و هو في أول وقتها، أو يبدأ بأكل الطعام إذا كان في وقت حضوره، و لا ينافيها كذلك ان يؤخر دفع الوديعة إليه حتى يشهد على الدفع و القبض، أو حتى يكتب له ورقة يعترف المالك فيها بقبض المال، أو حتى يسجل القبض في سجلّه الخاص، إذا لم يستلزم ذلك التأخير الكثير، و خصوصا إذا كان المالك المودع قد أشهد عليه في وقت الإيداع، أو كتب عليه ورقة اعترف فيها بالوديعة و وقع عليها، أو سجلها في سجلّ يثبتها، و خصوصا إذا كان في الأمر مظنة للنزاع و الإنكار و لو من الورثة بعد الموت، فلا يجوز للمستودع تأخير الرد أكثر من ذلك، و لا يجب عليه الإسراع أزيد منه.

(المسألة 32):

يتحقق رد الوديعة إلى صاحبها بأن يرفع المستودع يده عن الوديعة و يخلّي ما بين المالك و بينها و يرفع جميع الموانع من قبله عن استيلاء المالك عليها، و لا يجب على المستودع نقل الوديعة إلى المالك، فإذا كانت محفوظة في محل، أو مخزونة في حرز و رفع المستودع الحواجز و الموانع عنها و عن استلام المالك

كلمة

التقوى، ج 5، ص: 117

إياها، و قال له مثلا: استلم وديعتك، فقد ردّ الأمانة إلى أهلها، و برئت ذمته من التكليف الشرعي بوجوب ردّها، و لا شي ء عليه بعد ذلك إذا أهمل المالك، أو تأخر في قبضها و وضع يده عليها.

(المسألة 33):

يجب على المستودع رد الوديعة إلى مالكها إذا طلبها منه، أو انفسخ عقد الوديعة بينهما بسبب أخر، سواء كان مالك الوديعة مسلما أم كافرا محترم المال و برا أم فاجرا، و لا فرق في المالك المسلم بين أن يكون من الشيعة و غيرهم من أي فرق المسلمين كان، و لا فرق في الكافر بين أصناف الكفار، إذا كان ممن يحترم ماله في الإسلام.

و الأحوط لزوما رد الوديعة إلى صاحبها، و ان كان كافرا غير محترم المال فإذا أودع عند المؤمن وديعة وجب عليه حفظها و ردّها إليه إذا طلبها منه، و في الحديث عن أمير المؤمنين (ع) قال: أدوا الأمانة و لو الى قاتل ولد الأنبياء)، و عن الإمام أبي عبد اللّه (ع): (أدوا الأمانة إلى أهلها و ان كانوا مجوسا)، و عنه (ع) انه قال: (أدوا الأمانة الى من ائتمنك و أراد منك النصيحة و لو الى قاتل الحسين (ع) و عن الامام زين العابدين (ع): (عليكم بأداء الأمانة، فو الذي بعث محمدا بالحق نبيا لو ان قاتل أبي الحسين بن على (ع) ائتمنني على السيف الذي قتله به لأديته إليه).

(المسألة 34):

إذا استودع الغاصب أو السارق المال الذي غصبه أو سرقة من صاحبه عند أحد، و علم الودعي بأن الوديعة مغصوبة من مالكها الشرعي أو مسروقة منه، لم يجز له بردّها الى الغاصب أو السّارق مع التمكن من الامتناع عليه، و كان المال بيده

كلمة التقوى، ج 5، ص: 118

أمانة شرعية يجب عليه حفظها لمالكها الحقيقي، فإن هو عرفه ردّ المال اليه و إذا لم يتمكن من المبادرة إلى ردّ المال الى مالكة أعلمه بأن المال قد وقع في يده و انه سيرده اليه

متى قدر على ردّه، و ان لم يعرف مالك المال وجب عليه التعريف به الى سنة، فإذا انقضت المدة و لم يعرف مالك المال تصدّق بالمال عنه و إذا وجد المالك بعد الصدقة بالمال أخبره بأنه أخذ المال و عرّف به سنة ثم تصدّق به كما أمره اللّه، و خيّره بين أن يقبل الصدقة لنفسه، فيكون له أجرها عند اللّه، و ان لا يقبل الصدقة فيغرم له المال و يكون أجر الصدقة للودعي المتصدق، و قد ذكرنا هذا الحكم في المسألة التاسعة و الأربعين من كتاب اللقطة.

(المسألة 35):

إذا جرى عقد الوديعة بين مالك المال و صاحبه، و استلم المستودع المال منه، ثم خاف المستودع على الوديعة أن تتلف بيده أو تسرق أو تعطب، بحيث كان الخوف عليها موجبا للشك منه في قدرته على حفظ الوديعة، أو للاعتقاد بعدم قدرته على ذلك، فالأحوط له لزوما وجوب ردّ الوديعة إلى المالك أو الى وكيله، فإذا تعذر عليه الرّد عليهما دفعها الى الحاكم الشرعي، و عرّفه بالأمر، و إذا لم يقدر على إيصالها اليه أو كان الحاكم الشرعي غير قادر على حفظها بنفسه أو بالتوكيل، دفعها المستودع إلى ثقة مأمون يقدر على حفظها و إيصالها إلى مالكها.

(المسألة 36):

إذا كانت للوديعة مدة محددة بين مالك الوديعة و المستودع، و انقضت مدة الاستيداع وجب على المستودع ان يرد الوديعة إلى مالكها، أو الى وكيله المفوض عنه في قبضها أو الى وليه إذا كان قاصرا أو محجورا عليه، فإذا تعذر عليه إيصالها

كلمة التقوى، ج 5، ص: 119

وجب عليه أن يعلمه بها، و بانتهاء المدة المعينة في العقد، و انه مستعد لردها متى أمكن له الرّد، و ان لم يقدر على شي ء من ذلك أوصل الوديعة إلى الحاكم الشرعي و عرّفه بأمرها، فإذا امتنع عليه ذلك، وضعها أمانة شرعية عند ثقة أمين ليحفظها لصاحبها من باب الحسبة، و إذا وجدت الثقة و الأمانة في المستودع نفسه بقيت في يده من باب الحسبة كذلك حتى يؤدّيها إلى أهلها.

(المسألة 37):

إذا خاف المستودع على نفسه من الموت لظهور اماراته عليه، من كبر سنّ أو ترادف أمراض و ما أشبه ذلك، و خشي على الوديعة التي أودعها صاحبه عنده أن تتلف بعد موته، أو تؤكل، أو تغصب من وارث أو من غيرة، و لم يأمن عليها إذا بقيت، وجب عليه ان يؤدّها في حياته الى مالكها، و ان يبادر الى ردّها على النهج الذي ذكرناه في ما تقدم.

و إذا كان الوارث أو القيّم على شؤون المستودع من بعده إذا مات يعلم بالوديعة و بصاحبها، و بموضعها، و كان ثقة أمينا يعتمد عليه و لا تضيع عنده الوديعة، لم يجب على المستودع ردّ الوديعة في حياته على صاحبها اعتمادا على ذلك، و إذا هو احتاط للوديعة فذكرها في وصيته و أشهد عليها فهو اولى و أفضل.

و إذا كان الوارث الذي يتركه من بعده لا يعلم بالوديعة، أو لا يعرف صاحبها

أو كانت بيد المستودع عدة من الودائع فيلتبس على الوارث من بعده أمرها، وجب على المستودع أن يذكرها مفصلة في وصيته و ان يظهر له أمر كلّ وديعة من الودائع الموجودة عنده، و يذكر له وصفها، و العلامات المميزة لها، و اسم صاحبها و أوصافه المشخصة له و موضع حفظ الوديعة و إذا علم المستودع بأن الوصية

كلمة التقوى، ج 5، ص: 120

بها لا تتم إلا بالإشهاد عليها، و لو للحذر من وقوع تنازع و تخاصم الورثة من بين من يثبت منهم، و من ينفي وجب عليه الاشهاد و الاحتياط.

(المسألة 38):

لا يمنع المستودع من أن يخرج في سفر مباح غير واجب و غير ضروري له و يترك الوديعة في بلده إذا كانت محفوظة في حرزها الذي وضعها فيه، أو في متجره أو في موضع أخر عند أهله أو غيرهم، و هو يعلم أو يطمئن بأنها ستبقى محفوظة مأمونة في موضعها، دون تعدّ او تفريط فيها من أحد، و اولى من ذلك بالجواز و عدم المنع إذا كان السفر الذي يعزم عليه واجبا شرعيا، كالسفر للحج أو للعمرة الواجبين عليه، أو كان ضروريا لا بدله منه كالسفر لعلاج نفسه، أو من يضطر الى علاجه، أو لبعض الضرورات الأخرى، و كانت الوديعة على حالها من الحفظ و الا من في موقعها.

(المسألة 39):

إذا أراد المستودع سفرا، و كان لا يقدر على حفظ الوديعة الموجودة عنده إذا هو غاب في سفر عنها و تركها في بلده، أو كان لا يطمئن على ان الوديعة ستبقى في حال غيبته عنها محفوظة في موضعها، وجب عليه ان يرد الوديعة إلى مالكها، أو الى وكيله أو الى ولي أمره إذا كان المالك قاصرا أو محجورا عليه، و لا يجوز له أن يصحبها معه في سفره، و ان علم بأنه قادر على حفظها في أثناء سفره بها إلّا إذا أذن له المالك بأن يصحبها معه إذا سافر، و ليس له أن يودعها في حال غيبته عند مستودع أخر، إلا إذا أذن له المالك بايداعها، و سنتعرض لذكر هذا في الفصل الثاني ان شاء اللّه تعالى، و إذا هو لم يقدر على رد الوديعة إلى مالكها أو الى

كلمة التقوى، ج 5، ص: 121

من يقوم مقامه، و توقف حفظها على حضوره في البلد تعين عليه

البقاء و ترك السفر مع الإمكان.

(المسألة 40):

إذا وجب على المستودع أن يسافر لحج أو عمرة أو غيرهما، أو اضطر الى السفر لعلاج نفسه أو غيره من بعض الأمراض أو لضرورة أخرى لا بدله منها، و لم يقدر على حفظ الوديعة في حال غيبته في السفر عنها، و تعذر عليه أن يردها قبل سفره الى مالكها، أو الى من يقوم مقامه في قبضها، فإن أمكن له أن يوصل الوديعة إلى الحاكم الشرعي ليحفظها لصاحبها وجب عليه إيصالها اليه، و ان تعذر عليه ذلك وجب عليه أن يودعها عند أمين عادل، و يعرفه أمرها و يعرفه باسم مالكها و نسبه، و يذكر له أوصافه و مشخصاته ليردها اليه متى وجده، و إذا لم يجد عادلا يودعها عنده في بلده أودعها عند عادل في بلد أخر.

(المسألة 41):

إذا أراد المستودع السفر و ترك الوديعة في البلد و في موضعها عند أهله، كما فرضنا في المسألة الثامنة و الثلاثين، و كان سفره الذي عزم عليه من الأسفار الكثيرة الخطر، وجب عليه ان يجرى أحكام من ظهرت له أمارات الموت، و قد ذكرنا هذه الأحكام في المسألة السابعة و الثلاثين، فعليه أن يلاحظ هذه المسألة لتطبيق أحكامها.

(المسألة 42):

إذا وجب السفر شرعا على المستودع، أو قضت به ضرورة لا بدّ له منها و وجد نفسه غير قادر على حفظ الوديعة في موضعها في حال غيبته في السفر عنها

كلمة التقوى، ج 5، ص: 122

و لم يقدر على ردّ الوديعة إلى مالكها أو الى من ينوب عنه في قبضها، و لم يتمكن من إيصالها إلى حاكم شرعي و لا إيداعها عند أحد العدول من المؤمنين في البلد أو في غيره، جاز له أن يصحبها معه في سفره، و وجب عليه أن يحافظ عليها مهما أمكنته المحافظة.

و كذلك الحكم إذا اضطرته الحوادث الى السفر من أجل الوديعة نفسها و مثال هذا أن تحدث في بلد المستودع عاديات من السلب و النهب أو الحريق أو غير ذلك، و يصبح البلد غير أمن، و لا مستقر الأوضاع، فلا يستطيع إبقاء الوديعة فيه، و لم يقدر على ردّها إلى أهلها، و لا إيصالها إلى مأمن مما ذكرناه في ما تقدم فيجوز له في هذا الحال ان يسافر بها و يصحبها معه، و يجب عليه الحفاظ عليها ما أمكن.

(المسألة 43):

إذا سافر المستودع و أخرج الوديعة معه مضطرا في الصورتين اللتين تقدم ذكرهما فاتفق له في السفر عروض أمر غير محتسب، فتلفت الوديعة بسبب ذلك الأمر أو سرقت أو حدث فيها نقص فلا ضمان عليه بذلك.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 123

الفصل الثاني في ما يوجب ضمان الوديعة
(المسألة 44):

الوديعة كما قلنا في المسألة التاسعة عشرة أمانة من المالك في يد المستودع، و من أجل أمانته عليها فلا يكون ضامنا إذا تلفت في يده أو سرقت أو غصبت بالقهر عليه أو عطب شي ء منها، إذا كان قائما بما تقتضيه واجبات الامانة و لم يتعد و لم يفرط فيها، و ان هو تعدّى بعض الحدود على ما سيأتي بيانه من معنى التعدّي أو فرّط كذلك حكم عليه بالضمان، و ينحصر السبب الموجب لضمان المستودع للوديعة بالتعدّي و التفريط.

(المسألة 45):

إذا تعدّى المستودع الحدود التي تلزم مراعاتها للوديعة، و التي يعدّ خائنا لها في أنظار أهل العرف إذا تعداها، و خالف الأحكام الشرعية المبينة للوديعة، أو فرط في حفظها كما أمر اللّه بالحفظ، خرج بذلك عن كونه أمينا، و أصبحت يده عليها يدا خائنة، و لذلك فيصبح محكوما عليه بضمان أي تلف أو عطب أو سرقة أو نقص أو عيب يحدث على الوديعة، سواء كان حدوث ذلك الأمر عليها بسبب تعدّيه أو تفريطه أم بسبب أخر حصل بعدهما.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 124

و لا تبرأ ذمته من هذا الحكم الا برد الوديعة إذا كانت موجودة، أورد مثلها أو قيمتها إذا كانت تالفة، أو دفع أرش النقصان و العيب إذا كانت ناقصة أو معيبة لا تبرأ ذمته الا برد ذلك الى مالك الوديعة، أو الى من يقوم مقامه، أو بإبراء المالك ذمته من الضمان بعد ان تشتغل ذمته بالمال، و هذا هو المراد من قولنا في المسألة السابقة:

إذا تعدّى المستودع أو فرّط ضمن.

(المسألة 46):

يتعدّد الحكم إذا تعدد الأمر الحادث الذي يتعلق به الضمان، و مثال ذلك أن يحدث في الوديعة عيب بعد أن يفرّط المستودع في أمرها أو يتعدّى، فيلزمه أن يدفع لمالك الوديعة أرش ذلك العيب الذي حدث فيها، ثم يحدث فيها بعد ذلك عيب أخر فيلزمه أن يدفع للمالك أرش العيب الجديد مضافا الى أرش العيب الأول و إذا تلفت الوديعة كلّها بعد ذلك لزم المستودع ان يدفع للمالك قيمة الوديعة و هي معيبة بالعيب الأول و الثاني، و لا يسقط أحد الأحكام بالآخر، و لا يتداخل بعضها في بعض.

(المسألة 47):

التفريط في الوديعة هو أن يهمل المستودع المحافظة عليها و لو من بعض الجهات اللازمة عليه للحفظ، أو يفعل ما يعد إضاعة لها، أو استهلاكا في نظر أهل العرف، و مثال ذلك: أن يجعل الوديعة في موضع بارز دون حرز يقيها و لا مراقبة و لا حفيظ، أو يحافظ عليها بأقلّ مما جرت به العادة المتعارفة بين العقلاء في حفظ تلك الوديعة، و وقايتها من التلف أو السرقة أو العيب.

و قد ذكرنا في مسألة سابقه وجوب سقي الدابة أو الحيوان المستودع و علفه

كلمة التقوى، ج 5، ص: 125

بمقدار ما تحتمه حاجة الحيوان الى ذلك في سلامته و بقائه صحيحا دون مرض فإذا ترك الودعي ذلك أو قصّر فيه من غير عذر أو سبب موجب فقد فرّط و ضيع و ذكرنا في ما تقدم أيضا وجوب إخفاء الوديعة عن الظالم الذي يخشى منه غصب الوديعة و نهبها أو سرقتها، فلا يجوز للمستودع أن يعرف الظالم بأمر الوديعة، أو يلفت نظره إليها، أو يجعلها في موضع يجلب نظره إليها أو نظر بعض السعاة الذين يتزلفون الى الظالمين،

و تكون في ذلك الموضع مظنة للغصب أو السرقة، فإذا فعل كذلك فقد فرط و ضيع، و تراجع المسألة العشرون و ما بعدها.

(المسألة 48):

من التفريط بالوديعة إذا كانت من الثياب أو إلا قمشة أو المنسوجات الأخرى أو الحبوب أو الفرش أو الكتب و نحوها أن يجعلها في موضع تسري إليها فيه الرّطوبات من الأرض، أو من المطر، أو من بعض المجاري أو من الندا فتعفّنها أو تتلفها أو تعيبها أو تلونها أو تصل إليها الحشرات أو الدّواب المبيدة أو الآكلة أو المفسدة فتأكلها أو تفسدها، و إذا فعل كذلك فقد فرط و ضمن، و قد ذكرنا في المسائل السابقة أحكام السفر عن الوديعة و أحكام السفر بها، و بيّنا فيها ما يجوز منه و ما لا يجوز، و ما يعد تفريطا في الوديعة و ما لا يعد، فليلاحظ ذلك فذكره هنالك يغني عن الإعادة هنا.

(المسألة 49):

التعدّي على الوديعة هو أن يتصرّف الودعي فيها تصرفا لم يأذن به مالكها و لم يبحه له الشارع. مثال ذلك ان يلبس الثوب الذي استودعه المالك إيّاه، أو يفترش الفراش، أو يركب السيارة أو الدابة، أو يستعمل جهاز التبريد أو التدفئة من

كلمة التقوى، ج 5، ص: 126

غير اذن من المالك و لا اباحة من الشارع.

(المسألة 50):

قد تدل القرينة على اذن المالك ببعض التصرفات في الوديعة، فلا يكون مثل هذا التصرف تعديا من الودعي عليها، و مثال ذلك أن يأتي المالك بمبلغ من المال فيودعه عند الرجل، فإذا أخذ الرجل المبلغ من يده و عدّه ليضبط حسابه، ثم وضعه في كيس خاص. و أدخله في الخزانة أو نقله الى الموضع الذي أعده لحفظه في البيت أو في المتجر لم يكن هذا التصرف منه تعديا، و إذا أتاه بالسيارة و أودعه إياها فركب الودعي فيها و أدخلها المكان الذي هيّأه لحفظها لم يكن من التعدي و هكذا.

و قد يتوقف حفظ الثوب المستودع عند الإنسان من تأكله أو من تولد بعض الحشرات فيه على لبسه في بعض الأيام أو على إخراجه و نشره في الشمس أو الهواء الطلق، و يتوقف حفظ الفراش على استعماله كذلك فيجب على الودعي أن يفعل ذلك لحفظ الوديعة و لا يكون هذا الاستعمال و التصرف من التعدي على الوديعة.

(المسألة 51):

من التعدّي على الوديعة الموجب لضمانها أن يخلط المستودع مال الوديعة بماله، بحيث لا يتميز أحد المالين عن الآخر سواء خلطها بما هو أجود منها أم بمساو لها في الجودة و الرداءة أم بما هو أردأ، و كذلك إذا خلطها بجنس أخر من ماله، كما إذا خلط الحنطة بالشعير أو الأرز أو خلط الماش بالعدس أو بغيره من الحبوب، فإنه قد تصرف في الوديعة تصرفا لا اذن فيه فيكون اثما، و ضامنا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 127

و هذا إذا لم يقصد بالخلط تملّك الوديعة و إنكارها، و انما قصد خلط ماله بها و هي في ملك صاحبها، و أوضح من ذلك في صدق التعدي المحرم ان يقصد بالمزج

غصب الوديعة و الاستيلاء عليها، و كذلك إذا خلطها بمال لشخص أخر فيضمن المالين معا لمالكيهما إذا كانا وديعتين عنده.

(المسألة 52):

إذا استودع صاحب المال عند الرجل مبلغين من المال، و علم أو دلت القرينة على انهما وديعتان تستقل إحداهما عن الأخرى، فلا يجوز للمستودع أن يخلط احدى الوديعتين بالثانية و إذا خلطهما بغير اذن مالكهما كان متعديا و ضامنا لكلتا الوديعتين، بل و كذلك إذا احتمل انهما وديعتان مستقلتان، احتمالا يعتد به ما بين العقلاء، فيكون متعديا و ضامنا إذا خلطهما.

و إذا علم أو دلت القرينة على ان المالين الذين دفعهما له المالك وديعة واحدة، و خلطهما المستودع ليحفظهما أمانة واحدة في موضع، أو لأنه أيسر له في الحفظ و أمكن، فلا ضمان عليه بما فعل.

و إذا كان المبلغان في كيسين مختومين أو معقودين، ففك الختم أو العقدة بغير اذن المالك و خلط المالين معا كان متعديا و لزمه ضمانهما و ان قصد بذلك حفظهما، و أولى من ذلك بالحكم عليه بالضمان ما إذا خلط الوديعة بمال أخر للمودع ليس بوديعة.

(المسألة 53):

من التفريط بالوديعة أن يوكل المستودع أمر حفظ الوديعة و القيام عليها الى

كلمة التقوى، ج 5، ص: 128

غيره، أو يستودعها عند شخص أخر و ان كان الشخص ثقة مأمونا إلا إذا أذن المالك له بايداعها عند غيره، أو دعت الى ذلك ضرورة تحتمه عليه، و قد سبق في المسألة الأربعين وجوب إيداع الوديعة عند بعض العدول من باب الحسبة في الفرض المذكور في تلك المسألة و يراجع ما بيّناه في المسألة السادسة و الثلاثين.

و إذا أذن له المالك بإيداع الوديعة و عين له شخصا خاصا لم يجز له إيداعها عند غيره الّا إذا اتفق له مثل الضرورة المتقدم ذكرها.

(المسألة 54):

إذا أنكر الودعي أن المالك قد استودعه المال، فان كان إنكاره للوديعة بقصد غصبها و الاستيلاء، عليها كان خائنا فإذا أثبتها المالك عليه بالبيّنة الشرعية أو اعترف هو بها بعد إنكاره لها، ثم اتفق أن عطبت الوديعة في يده أو سرقت أو عابت كان ضامنا لما حدث فيها، و ان كان إنكاره لها لنسيان و شبه من الاعذار لم تزل الوديعة أمانة بيده، فإذا تذكرها بعد نسيانه لها و اعتراف بها، ثم تلفت أو عابت و هي في يده فلا ضمان عليه.

و كذلك إذا كان جحوده لها لإخفاء أمرها و الحفاظ عليها من أن يغصبها غاصب أو يسرقها سارق فلا يكون جحودها تعديا أو تفريطا، و لا يثبت عليه بسبب ذلك ضمان بتلف أو غيره، و قد ذكرنا هذا في بعض المسائل السابقة.

(المسألة 55):

إذا جحد المستودع الوديعة من غير عذر مقبول، أو طلبها منه مالكها أو وكيله فامتنع عن ردّها اليه مع التمكن من الردّ كان خائنا و ضامنا، و لا يرتفع الضمان

كلمة التقوى، ج 5، ص: 129

عنه بالإقرار بها بعد جحوده لها، أو امتناعه من ردّها، و لا بالتوبة عن ذلك و الاستغفار إذا تاب عن خيانته و استغفر، فإذا تلف المال أو سرق أو غصب أو حدث فيه عيب أو نقص كان عليه ضمان بدل ما تلف أو أخذ و أرش ما طرأ

(المسألة 56):

من التعدي الصريح أن يستودع المالك عند الرجل طعاما فيأكل بعضه أو يطعمه غيره، و أن يستودعه مالا فيستقرض شيئا منه أو يقرضه أحدا غيره، أو يبيعه على احد، أو يهبه إياه أو يدخله في مضاربة و نحوها من المعاملات، سواء قصد المعاملة بالمال لنفسه أم لمالك المال.

و من التعدي أن يستودعه حبوبا و شبهها فيطبخها أو يطبخ بعضها، و ان لم يأكل المطبوخ و لم يطعمه غيره، و من التعدي أن يؤجر العين التي أودعها المالك عنده أو يعيرها لأحد لينتفع بها، أو ينتفع المستودع بها بما يعدّ تصرفا في مال الغير بغير إذنه.

(المسألة 57):

إذا دفع المالك الى الرجل مالا ليكون عنده وديعة، فأخذ الرجل المال منه بقصد التغلّب و الاستيلاء عليه كان بذلك غاصبا عاديا على مال الغير، و حكم عليه بالإثم و الضمان بمجرّد قصده و نيّته لذلك و لم يتوقف على ان يتصرف في الوديعة تصرفا عدوانيا، و ليس الحكم في ذلك كالتصرفات الأخرى و كذلك إذا قبض المال من مالكه بنية الوديعة في أول الأمر، ثم تحولت نيته بعد القبض فقصد الغصب و التغلب عليها فيكون غاصبا بمجرد نيته، و لا يتوقف تحققه على ان يتصرف في المال تصرفا عدوانيا، و لا يرتفع الحكم بالضمان عنه إذا رجع عن قصده و تاب منه

كلمة التقوى، ج 5، ص: 130

و استغفر.

(المسألة 58):

إذا قصد المستودع في نفسه أن يتصرف في الوديعة التي دفعها له مالكها فيركب السيارة مثلا في سفرة معينة، أو يسكن الدار أو يقترض المال، ثم عدل عن نيّته الاولى و لم يتصرف في الوديعة، لم يخرج بمجرد نيّته الاولى عن الامانة و لم تثبت له الخيانة يكون ضامنا للوديعة إذا حدث فيها أمر، و ليس الحكم في هذه التصرفات كنية الغصب، و قد ذكرنا هذا في المسألة السابقة.

(المسألة 59):

إذا وضع المالك ماله في محفظة مختومة أو صندوق مغلق أو نحوهما من الغلافات التي تدل عادة على وحدة المال، و سلمه كذلك الى المستودع وديعة عنده، فلا ريب في دلالة ذلك على كون المال وديعة واحدة، فإذا فتح المستودع الغلاف أو الصندوق من غير ضرورة و لا اذن من المالك في فتحه كان ضامنا لجميع ما في الغلاف أو الصندوق بسبب تعديه أو تفريطه، سواء أخذ بعض المال أم لم يأخذ منه شيئا.

و إذا دفع له مبلغين من المال على انهما وديعتان مستقلتان، فهما وديعتان كذلك، فإذا فرّط المستودع في إحداهما أو تعدّى عليها كان ضامنا لها بالخصوص و لم يضمن الأخرى التي لم يتعد عليها و لم يفرط، سواء جعل المالك كل واحدة من وديعتيه في حرز مستقل أم لا.

و إذا دفع له كيسين مختومين أو محفظتين مختومتين على انهما وديعة واحدة، ففرّط المستودع في أحدهما أو تعدّى عليه، فأخذ بعضه مثلا فلا ريب في

كلمة التقوى، ج 5، ص: 131

ضمان جميع ما في ذلك الكيس أو المحفظة التي فرّط فيها، و هل يكون ضامنا لما في الكيس الأخر أو المحفظة الثانية من حيث ان المالك قد جعلهما عنده وديعة واحدة، أو لا يضمنه

كما يرى ذلك جماعة من الأصحاب؟ و الأحوط لهما الرجوع الى المصالحة.

و كذلك إذا دفع المالك للرجل مبلغا من المال على انه وديعة، واحدة و لم يجعله في كيس أو حرز، فإذا تصرف المستودع في بعض ذلك المال نصفه أو ربعه مثلا، فهل يختص الضمان بالبعض الخاص الذي تصرف فيه أو يعم الجميع؟

فيجري فيه القولان المذكوران و الاحتياط بالمصالحة بين الطرفين كما في الفرض السابق.

(المسألة 60):

يجوز للمستودع ان يعتمد على بعض أهله أو على خادمه أو عامله في إدخال الوديعة إلى الموضع الذي يعيّنه هو لحفظها و وقايتها، إذا كان ذلك بنظره و ملاحظته و كان الاعتماد على مثلهم في هذه الأمور من العادات المتعارفة بين الناس في البلد، و بين الامناء الذين لا يتسامحون في شئون ودائعهم و الحفاظ عليها.

(المسألة 61):

إذا فرط المستودع في الوديعة أو تعدّى الحد المأذون به من المالك أو من الشارع في تصرفه بها على ما فصلناه في المسائل المتقدمة خرجت يده بذلك عن كونها يد أمانة و حكم عليه بالضمان، و قد تكرّر منا ذكر هذا، و يسقط الحكم بالضمان عنه بامتثال الحكم فيردّ الوديعة نفسها إلى أهلها إذا كانت موجودة، و يرد مثلها أو قيمتها إذا كانت تالفة، و يردها و يرد معها أرش النقصان أو العيب إذا كان

كلمة التقوى، ج 5، ص: 132

ناقصة أو معيبة، و يسقط الحكم عنه أيضا إذا اشتغلت ذمته ببدل الوديعة و هو المثل أو القيمة، أو بالأرش و هو التفاوت ما بين قيمتها صحيحة و معيبة، ثم أبرأ المالك ذمته من ذلك بعد اشتغالها بالمال.

(المسألة 62):

إذا فرّط المستودع في الوديعة أو تعدّى الحد المأذون فيه من التصرف فيها حكم عليه بالضمان إذا هي تلفت أو عابت في يده كما تكرر ذكره، فإذا فسخ مالك المال عقد الوديعة بينه و بين المستودع قبل أن تتلف الوديعة أو تعيب، بطلت الوديعة و زال الحكم المذكور بزوالها، فإذا اتفقا على الاستئمان مرة ثانية و دفع المالك الى المستودع تلك الوديعة، و جدد معه العقد صحت الوديعة، و ترتبت أحكامها، فلا يكون المستودع ضامنا الا بتعدّ أو تفريط جديد.

(المسألة 63):

يشكل القول بسقوط الحكم بالضمان عن المستودع إذا أبرأ المالك ذمته من الضمان بعد أن فرط أو تعدى على الوديعة، و قبل أن تتلف الوديعة بيده أو تعيب و تشتغل ذمته فعلا بالبدل أو بالأرش.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 133

الفصل الثالث في بعض أحكام الوديعة
(المسألة 64):

إذا ادعى المالك على الرجل انه قد استودعه وديعة من ماله، و أنكر الرجل ان المالك استودعه شيئا، فالقول قول منكر الوديعة مع يمينه، الا أن يقيم المالك بينة لإثبات ما يدعيه.

و إذا اعترف المستودع بأن صاحب المال قد دفع إليه وديعة، و ادعى أن الوديعة قد تلفت في يده بعد ان قبضها منه، صدق في قوله لأنه أمين و عليه اليمين للمالك الا أن يقيم المالك بيّنة على وجود الوديعة و عدم تلفها، و إذا اعترف بالوديعة من صاحب المال كما في الفرض السابق، و ادعى انه قد ردّ الوديعة إليه صدّق في قوله أيضا مع اليمين.

و كذلك الحكم إذا اتفق المالك و المستودع على أن المالك قد أودعه المال و اتفقا أيضا على ان الوديعة قد تلفت عند المستودع، ثم ادعى المالك أن المستودع قد تعدّى أو قد فرّط، و تلفت الوديعة بعد تعديه أو تفريطه فيكون ضامنا لها، و أنكر المستودع ما يدعيه المالك عليه، فالقول قول المستودع مع يمينه، الا أن يقيم المالك بيّنة شرعية مطلقة تثبت صحة ما يدعيه من ان التلف بعد التفريط.

(المسألة 65):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 134

إذا انقضت المدة المعينة للوديعة، أو فسخ عقد الوديعة من المالك أو المستودع، فدفع المستودع الوديعة إلى شخص ثالث، و ادعى ان مالك الوديعة قد اذن له في دفعها الى ذلك الشخص، و أنكر المالك انه أذن له في الدفع اليه، قدم قول المالك المنكر، و عليه اليمين للمستودع على عدم الاذن له، الا ان يقيم المستودع بيّنه على حصول الاذن من المالك.

و إذا اعترف المالك للمستودع بأنه أذن له في الوديعة الى ذلك الرجل و أنكر أن المستودع سلّم الوديعة

الى ذلك الوكيل الذي أذن بالدفع اليه، فالقول قول المستودع في الردّ اليه مع اليمين، و قد ذكرنا هذا الحكم في المسألة المتقدمة، إذ لا فرق بين الردّ الى المالك و الردّ الى وكيله.

(المسألة 66):

إذا اختلف مالك المال و المستودع أولا في أصل الوديعة، فادعى المالك انه قد استودعه المال، و أنكر المستودع وقوع وديعة بينهما، و أقام المالك بيّنة تثبت ما يدعيه على المستودع و أنه قد دفع إليه الوديعة، و بعد أن أقام المالك البيّنة المذكورة صدّقها المستودع في أن المالك قد استودعه المال، و ادعى أن الوديعة التي دفعها المالك اليه قد تلفت قبل الدعوى بينهما و قبل إنكاره إياها، فلا تسمع منه دعواه في هذا الفرض للتناقض بين قوله السابق و قوله الأخير، و إذا هو اقام بيّنة على تلف الوديعة، لم تقبل بيّنته لانه قد كذّبها بإنكاره السابق، و لذلك فيلزمه الحاكم الشرعي برد الوديعة نفسها الى مالكها.

و إذا هو صدّق بيّنة المالك في وقوع الوديعة بينهما و ادّعى ان الوديعة المدفوعة إليه قد تلفت بعد اقامة الدّعوى و إنكاره الأول سمعت منه دعوى التلف

كلمة التقوى، ج 5، ص: 135

إذا أقام عليها بيّنة تثبت التلف، فلا يلزمه الحاكم الشرعي برد الوديعة نفسها، و عليه أن يدفع للمالك مثل الوديعة إذا كانت مثلية، و قيمتها إذا كانت قيمية، و يثبت عليه هذا الضمان لانه قد فرّط في الوديعة بإنكاره للسابق، و لا يسقط عنه الضمان باعترافه أخيرا.

و إذا لم تكن له بيّنة على تلف الوديعة لم يسمع الحاكم منه دعوى التلف و ألزمه برد الوديعة نفسها.

و إذا أبدى له عذرا عن إنكاره الأول للوديعة و كان عذره عن ذلك مما

يقبله العقلاء سمعت دعواه في كلا الفرضين المذكورين.

(المسألة 67):

إذا فرّط المستودع في الوديعة أو تعدّى عليها ثم تلفت في يده فكان بذلك ضامنا لمثلها أو لقيمتها، ثم اختلف المالك و المستودع في مقدار المثل الواجب عليه أو مقدار القيمة، قدّم قول من ينكر الزيادة منهما و هو المستودع في الحالات المتعارفة بين غالب الناس و عليه اليمين لنفي الزيادة التي يدعيها الآخر.

(المسألة 68):

إذا حلف المستودع في الصورة المتقدمة وادي اليمين الشرعية لنفي الزيادة في المثل أو القيمة التي يدعيها المالك، حكم ظاهرا بنفي الزيادة، و لم يجز للمالك أن يأخذها منه بعد اليمين، و إذا علم المستودع أن قيمة الوديعة أو مثلها بمقدار ما يدعيه المالك و ليست أقل من ذلك، لم تبرأ ذمته من الزائد و لم يسقط عنه وجوب أدائه للمالك باليمين الذي أداه أمام الحاكم، فيجب عليه أن يوصله اليه مهما أمكن.

(المسألة 69):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 136

يجوز للأب و الجدّ أبى الأب أن يستودعا مال الصبي أو الصبية عند ثقة أمين ليحفظه له إذا لم تكن في إيداع ماله مفسدة تعود على الطفل أو على ماله، و يجوز لولي اليتيم غير الأب و الجد للأب ان يستودع ماله كذلك إذا كانت في إيداع المال مصلحة تعود لليتيم أو لماله، و كذلك الحكم في الولي على المجنون و السفيه.

(المسألة 70):

إذا أذن مالك الوديعة للمستودع بأن يودعها عند ثقة أمين متى شاء، أو أذن له بذلك عند طروء بعض الحالات من سفر و نحوه، جاز له ان يستودعها حسب ما أذن له صاحب المال، و لا يجوز له ان يتجاوز ما عيّن له من الحالات، و إذا عيّن له أشخاصا فلا يحق له أن يتعدى عنهم الى غيرهم، و ان كانوا أوثق في نفسه و أمن.

و نتيجة لما ذكرناه، فيجوز ان تترامى الوديعة بين عدة أشخاص من الامناء مع اذن المالك لهم على الوجه الذي ذكرناه، و لا يجوز الإيداع إذا لم يأذن به مالك المال.

(المسألة 71):

تصح الوديعة و تجرى عليها أحكامها في الأعيان غير المنقولة كالدور و العقارات و الا راضي، كما تصح في الأعيان المنقولة، و لا ريب في ان حفظ كل شي ء بحسبه و بما جرت به العادة المتعارفة في الحفاظ عليه و وقايته و الإبقاء عليه صحيحا سليما من العيوب، و بعيدا عن المتلفات و المهلكات، و عن استيلاء الظالمين و اعتداء المعتدين، فإذا أودعه المالك دارا أو عقارا، فلا بد للمستودع من المرور به و الدخول اليه و تفقد شؤونه و عمارته للمحافظة عليه، و على بقائه من الطواري و العوارض التي قد تجدّ لأمثاله، و هكذا، فإذا تركه و لم يتعهده بما تجري

كلمة التقوى، ج 5، ص: 137

به العادة من الرعاية و المراقبة كان مفرطا ضامنا، و إذا استأمن المالك الرجل على الدار أو العقار أو الأرض أو البستان، و خوّله أن يوجر الدار أو العقار، و أن يستثمر البستان و يقبض المنافع و الثمار و يحفظها له، كانت المعاملة وكالة في الإيجار و الاستثمار، و كان إبقاء

المال الحاصل من ذلك عنده وديعة، و إذا استأمنه عليها و أباح له أن ينتفع بمنافعها جميعا أو ببعضها، و يحفظ له الباقي كانت المعاملة عارية و الباقي من المال في يده وديعة، فلا بدّ من الفحص و التأكد من المقصد عند اجراء المعاملة لكي لا تشتبه الأمور و تلتبس الأحكام بين أقسام الاستئمان.

(المسألة 72):

إذا نمت الوديعة نماء أو أنتجت نتاجا و هي عند المستودع فالنماء و النّتاج الحاصل منها مملوك لمالك الوديعة، و مثال ذلك، أن تلد الدابة و أنثى الحيوان المودعة عند الرجل أو تثمر الشجرة أو تنتج لبنا أو سمنا أو بيضا، فإن أمكن رد النماء و النتاج الحاصل من الوديعة إلى المالك أو الى وكيله وجب على المستودع ذلك، و ان لم يمكن بقي النماء و النتاج أمانة شرعية في يده ليوصله الى المالك أو الى من يقوم مقامه، و إذا كان المالك قد أذن له في ان يبقى النتاج و النماء وديعة عنده أبقاه كذالك، و سيأتي بيان الفرق بين الأمانة المالكية و الأمانة الشرعية في الفصل الرابع إن شاء اللّه تعالى.

(المسألة 73):

إذا أباح المالك للمستودع أن يتصرف في لبن الحيوان المستودع عنده و في السمن الناتج منه جاز له ذلك و لم يجب عليه إبقاؤه امانة في يده، و كذلك إذا أباح له أخذ الصوف و الوبر من الحيوان، فيجوز له أن يجزّه و يأخذه، و لا يكون ذلك بعد

كلمة التقوى، ج 5، ص: 138

الاذن فيه من التعدي على الوديعة.

فيجوز للمالك و المستودع أن يصطلحا بينهما فيجعل النماء الحاصل من الحيوان عوضا عما ينفقه المستودع على الحيوان من علف و سقي و نفقة غيرهما.

(المسألة 74):

الغالب المتعارف عليه بين الناس في عامة الودائع من الأموال، كالأثاث و المتاع و الثياب و الفرش و الأدوات و الكتب و الحيوان، أن يكون الملحوظ لمالك الوديعة هو حفظ هذه الودائع بذواتها و أعيانها، بل و كذلك في الأموال الأخرى كالحبوب و الغلات و المخضرات و سائر الأموال غير النقود و العملات و لذلك فلا يجوز للمستودع أن يتصرف في عين الوديعة أو يبدلها بغيرها بوجه من الوجوه و ان حفظ ماليتها، حتى في المنتوجات التي تخرجها المعامل و الشركات الحديثة متشابهة في جميع الصفات و المقادير و الخصائص و الإحجام، فلا يجوز للمستودع أن يتصرف في الوديعة منها و يبدلها بفرد أخر يماثلها تمام المماثلة و إذا تصرف في العين كذلك من غير اذن من المالك كان متعديا ضامنا و قد ذكرنا لذلك أمثلة موضحة في التعدي و التفريط.

و كذلك الحكم في الوديعة من العملات و النقود على الظاهر، فلا يجوز للمستودع أن يتصرف في الوديعة منها و يبدلها بغيرها و ان حافظ على ماليتها بنقد أخر يعادلها من الأوراق أو المسكوكات، الا أن يعلم أو تدل القرائن على

ان المقصود للمالك من استيداعها هو حفظ ماليتها و أن تغيرت أعيانها، و هذا هو المعلوم من الودائع الدارجة في المصارف و البنوك، فان القرينة العامة دالة على أن المراد فيها ذلك.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 139

و لهذا فيجوز للمستودع عنده مع وجود هذه القرينة أن يتصرف في العين المودعة و يحتفظ للمالك بما يعادلها في المالية من العملة نفسها عند الحاجة و الطلب.

(المسألة 75):

إذا دفع صاحب المال الى المصرف أو الى البنك أو الى أي مؤسّسة صحيحة أخرى: مبلغا من ماله ليبقى المبلغ المذكور وديعة له عند المؤسّسة تحفظ له ماليتها، كما قلنا في المسألة المتقدّمة، و تدفعها له عند الطلب، أو بعد مضي مدّة معينة، حسب الشرط المتفق عليه بين المالك و المؤسّسة، جاز للمؤسّسة أن تتصرف في عين الوديعة كيف ما شاءت، على أن تفي له بدفع مقدار ذلك المبلغ المودع عندها من ماله في الوقت المتفق عليه بينهما.

(المسألة 76):

إذا دفع المصرف أو البنك أو المؤسّسة لصاحب الوديعة فائدة معيّنة شهرية أو سنوية للمبلغ الذي أو دعه عندها جاز للمالك أن يأخذ تلك الفائدة من المؤسّسة، و لا يكون ذلك من الربا المحرّم أخذه في الإسلام، فإن المفروض ان المالك انما دفع المبلغ وديعة تحفظ له المؤسّسة ماليتها و لم يدفعه قرضا للمؤسّسة فتكون الفائدة من ربا القرض و ليست هي من الربا في المعاملة فلا يحرم على صاحب الوديعة أخذها، نعم إذا دفع صاحب المال المبلغ للمؤسّسة على أن يكون قرضا لها لم يجز له أن يأخذ الفائدة عليه لأنه من ربا القرض و لا ريب في أن العقود تتبع القصود.

(المسألة 77):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 140

إذا أتلف المستودع عين الوديعة بفعله، أو تعدّى أو فرّط فيها ثم تلفت بعد ذلك في يده و ان لم يكن التلف بفعله وجب عليه أن يدفع للمالك مثلها إذا كانت مثلية و قيمتها إذا كانت قيمية بدلا عنها.

و إذا كانت الوديعة القيمية التالفة مما توجد له أمثال تتّحد معه في المقدار و الصّفات و المالية و النفع كالمنتوجات التي تخرجها المعامل و الشركات الحديثة، فالظاهر وجوب دفع هذا المثل للمالك بدلا عن العين التّالفة، على ان يكون البدل و الوديعة من إنتاج شركة واحدة و معمل واحد.

و إذا اختلف المثل الموجود عن الوديعة التالفة في القيمة من حيث الجدّة و القدم و الاستعمال و عدمه، و لم يوجد ما يماثلها في هذه الجهة لم يجب على المستودع دفع ذلك المثل إذا كان أكثر قيمة منها، و لم يكفه إذا كان أقل قيمة منها و دفع القيمة بدلا عن العين التالفة.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 141

الفصل الرابع في الأمانة الشرعية
(المسألة 78):

إذا وضع الإنسان يده على مال لغيره و هو يعلم أن ذلك المال لغيره فقد يكون وضع يده عليه باذن من صاحب المال، فيسمّى ذلك في عرف المتشرعة و الفقهاء أمانة مالكية، و قد يكون وضع يده على المال باذن من الشارع، و حكمه فيه بجواز ذلك أو بوجوبه عليه، و يسمّى ذلك عندهم أمانة شرعية، و قد يضع يده على المال بغير اذن من المالك و لا من الشارع فتكون يده على المال يدا عادية غير أمينة، و قد فصلنا أحكام اليد العادية في كتاب الغصب من الجزء السادس من هذه الرسالة و قد يضع الإنسان يده على مال غيره و هو يجهل

أن المال مملوك لغيره، أو هو يعتقد مخطئا أنه المالك الشرعي لذلك المال، و من أمثلة هذا الفرض: الشي ء المبيع الذي يقبضه من بائعه عليه بالبيع الفاسد، و العين التي يقبضها من صاحبها بإجارة فاسدة، و نحو ذلك من الأشياء التي يأخذها من مالكها بإحدى المعاملات ثم يظهر له ان المعاملة التي جرت بينهما معاملة فاسدة.

و لكلا الفرضين المذكورين أنحاء متعددة تختلف أحكامها، و لا ريب في أنها جميعا ليست من أقسام الأمانة، و قد يلحق بعضها بالغصب في الأحكام، و ان لم

كلمة التقوى، ج 5، ص: 142

يكن الإنسان واضع اليد فيه غاصبا و لا اثما بسبب جهله، و قد ذكرنا أحكام المال المقبوض بالعقد الفاسد في كتاب الغصب فلتلاحظ.

(المسألة 79):

الأمانة المالكية هي ما يكون الاستئمان على المال و الاذن بوضع اليد عليه من المالك نفسه، أو من وكيله المفوض، أو من ولي أمره إذا كان قاصرا أو محجورا عليه بسبب يوجب الحجر، فإذا أذن للإنسان في قبض المال و وضع المؤتمن يده على المال باذنه أصبح المال أمانة من المالك بيده، و هو على أقسام كثيرة يشترك جميعها في ترتب أحكام الامانة عليه، ما لم يفرط الأمين في أمانته، أو يتعدّ في تصرفه بها كما سبق تفصيله.

فالوديعة المقبوضة من المالك أو من يقوم مقامه أمانة مالكية بيد المستودع و المال الذي يدفعه المالك الى الوكيل ليبيعه له أو يؤجره أو يجري إحدى المعاملات فيه، أو ليتصرف فيه تصرفا خارجيا من تعمير و ترميم و شبه ذلك أمانة مالكية بيد الوكيل، لأن المالك قد أذن له في ذلك، و العين التي أعارها الشخص لغيره لينتفع بها، أمانة مالكية بيد المستعير لأن المالك أذن له

في القبض و استأمنه على العين و العين التي سلمها مالكها للمستأجر منه ليستوفي منها منفعتها في مدة الإجارة أمانة مالكية بيد المستأجر لأنه قبضها باذن المالك، و استأمنه عليها في المدة المذكورة، و العين التي دفعها صاحبها للأجير ليؤدي فيها العمل الذي أجر نفسه للقيام به لمستأجره، و المال الذي دفعه المالك لعامل المضاربة ليتجر به، و الأشياء التي يشتريها عامل المضاربة للمالك و يقبضها بالنيابة به للاتجار، و العين التي يدفعها الراهن للمرتهن لتكون وثيقة له على دينه حتى يؤديه، و هكذا في

كلمة التقوى، ج 5، ص: 143

الموارد الكثيرة من المعاملات المختلفة و التي يستأمن مالك العين فيها عامله أو شريكه أو وكيله على المال، فالمال في جميع هذه الموارد أمانة مالكية، و لا خلاف في جميع ذلك.

(المسألة 80):

الأمانة الشرعية كما قلنا في أول هذا الفصل هي ما يقع من أموال الناس الآخرين في يد الإنسان، و هو يعلم أنها من أموال الآخرين، و يكون وقوعها في يده بسبب غير عدواني، و يكون من غير اذن من مالك المال، و لا من يقوم مقامه في صحة التصرف في ماله. و الأمانة الشرعية تكون على عدة أنحاء.

فقد يكون السبب في وقوع المال في يد الإنسان رخصة شرعية له في أن يستولي على العين، و قد يحدث ذلك بسبب قهري لا خيرة لأحد من الناس فيه و قد يحدث بسبب مالك المال نفسه، أو وكيله من غير علم لهما و لا اختيار و قد يكون بسبب فاعل مختار لا يعلم به على وجه التحديد، و هكذا.

فاللقطة التي يجدها الإنسان في موضع يصح الالتقاط فيه، أمانة شرعية في يد الملتقط، لأن الشارع أباح له أن

يأخذ اللقطة في مثل هذا الموضع ليعرّف بها و يجري أحكامها، و الحيوان الضال الذي يراه الرجل أمانة شرعية في يد من وجده، للرخصة الشرعية له في وضع اليد عليه و تطبيق أحكامه، و مال الغير الذي يأخذه الشخص من غاصبه أو سارقه أمانة شرعية في يد ذلك الشخص الآخذ، لان الشارع قد أوجب عليه مع القدرة أن يأخذه من الظالم و يحفظه لصاحبه من باب الحسبة الشرعية، و المال الذي يأخذه الرجل من الصبي أو المجنون إذا خاف على مالهما التلف إذا بقي في يدهما أمانة شرعية في يد ذلك الرجل، لان الشارع قد أذن

كلمة التقوى، ج 5، ص: 144

له ان يأخذ المال منهما من باب الحسبة و يحفظه لمالكه أو يرده للولي الشرعي و المال أو الحيوان الذي يعرف الإنسان مالكه و يجده في معرض الهلاك و التلف يجب عليه أخذه مع القدرة من باب الحسبة ليقيه من التلف فيكون امانة في يده حتى يرده الى الى مالكه، و المال الذي يلقيه الطير في ملكه أو يأتي به ماء المدّ أو السيل اليه، أو يلقيه الريح العاصف في منزله أو في أرضه فيكون تحت يده و سلطنته و هو لا يعلم يكون أمانة شرعية بيده، لأن الشارع قد أذن له في قبض ذلك المال ليردّه الى مالكه، و المال الذي قبضه من البائع أو من المشتري أو من المستأجر غلطا منه زائدا على حقه، أمانة شرعية في يده كذلك ليرده الى صاحبه، و المال الذي يجده في الثوب الذي اشتراه أو في الصندوق الذي ابتاعه و المالك الذي باعه لا يعلم بوجود المال فيه، أمانة شرعية في يده حتى يردها الى المالك.

و هكذا في الموارد الكثيرة المختلفة التي تشبه ما تقدم ذكره و تشاركه في الحكم.

(المسألة 81):

الحسبيات هي أمور الخير و الإحسان التي تكثرت الأدلة الشرعية من الكتاب الكريم و السنة المطهرة في الحث عليها و الترغيب فيها و تضافرت على الأمر بها و الاستباق لها و المسارعة إلى فعلها، كحفظ مال اليتيم، و اغاثة الملهوف و اعانة الضعيف، و نصر المظلوم، و دفع الظلم عنه، و كشف كربة المضطر، و حفظ مال الغائب، و سائر موارد الإحسان إلى الناس الذين يستحقون الإحسان، و الى المؤمنين منهم على الخصوص و تسديد خلتهم، مما يكون امتثالا لقوله سبحانه:

فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرٰاتِ، و لقوله تعالى سٰابِقُوا إِلىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهٰا كَعَرْضِ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ، و قول الرسول (ص) (اللّه في عون العبد ما كان العبد في

كلمة التقوى، ج 5، ص: 145

عون أخيه)، و لا ريب في ان موارد التي تقدم ذكرها في المسألة السابقة تنطبق عليها و تكون امتثالا لها.

(المسألة 82):

الظاهر ان التصدّي لما تقدّم بيانه من الأمور الحسبية لا يختص بالحاكم الشرعي، و لا يتوقف على اذنه، فيجوز للعدل من المؤمنين أن يتصدّى له إذا كان عارفا في تطبيقه على موارده تطبيقا صحيحا، و لا يجوز له ان يتصدى له إذا كان جاهلا بذلك، أو كان شاكا في معرفته، و لا بدّ له من الرجوع الى فتوى من يقلّده من الفقهاء.

نعم، لا بدّ من مراجعة الفقيه العادل في الولاية على اليتيم و نحوه، و في أشباه ذلك من الولايات و من الأمور التي تتوقف على المعرفة التامة بالأحكام و النظر الصحيح فيها على الأحوط ان لم يكن ذلك هو الأقوى فيها.

(المسألة 83):

إذا كانت العين أمانة من المالك بيد الشخص، و قد قبضها بأذنه و كانت أمانته منه مؤقتة بمدّة معيّنة، ثم انقضت المدة المحدودة لها، أو كانت الأمانة قد وقعت في ضمن عقد من العقود كالإجارة و الصلح و الوكالة و الرهن و العارية و نحوها، ثم فسخ العقد أو بطل بعروض أحد المبطلات، و لم ترد الأمانة إلى أهلها لعذر من الأعذار الصحيحة، بقيت العين أمانة بيد الأمين.

فالوديعة بعد أن تنقضي مدتها أو ينفسخ عقدها أو يبطل بأحد المبطلات إذا لم ترد الى مالكها لعذر مقبول، تبقى أمانة بيد المستودع حتى يردّها إلى أهلها و العين المستأجرة إذا انقضت مدة الإجارة أو بطلت بسبب من الأسباب، تبقى

كلمة التقوى، ج 5، ص: 146

أمانة بيد المستأجر حتى يردّها الى صاحبها، و العين المرهونة بعد أن تفك رهانتها تبقى أمانة بيد المرتهن كذلك، و المال الذي بيد الوكيل بعد أن تنقضي مدة الوكالة أو يبطل عقدها أو يعزل الوكيل، يبقى أمانة بيد الوكيل حتى يردّه،

و مال المضاربة بعد أن ينفسخ عقدها أو تنقضي مدتها أمانة بيد العامل حتى يرده الى المالك و هكذا. فان كان بقاء المال في يد الأمين في الفروض التي ذكرناها برضا المالك و اذنه، أو كان فسخ العقد أو بطلانه في أثناء المدة، فالامانة مالكية، و ان كان بقاء المال عند الأمين لعجزه عن إيصال المال الى مالكه أو الى من يقوم مقامه أو ينوب عنه فالامانة شرعية.

(المسألة 84):

الأمانة الشرعية كالأمانة المالكية في الآثار و الأحكام، فيجب على الأمين حفظها و صيانتها بما جرت به العادة في حفظ الامانة بين الناس، و يجب عليه ردّها الى مالكها أو الى من يقوم مقامه في أول وقت يقدر على ردّها فيه.

و يتحقق ردّ الأمانة بأن يرفع الأمين يده عنها، و يخلّي بين مالكها و بينها و يرفع الموانع له عن قبضها إذا شاء و متى شاء، كما فصلناه في ردّ الوديعة في المسألة الثانية و الثلاثين.

و لا ضمان على الأمين إذا تلفت الأمانة الشرعية في يده أو سرقت أو عابت إلا إذا تعدّى عليها أو فرّط في حفظها كما في الأمانة المالكية سواء بسواء.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 147

كتاب احياء الموات و ما يتبع ذلك من المشتركات العامة

اشارة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 149

كتاب احياء الموات و ما يتبعه و تفصيل القول في هذا الكتاب يقع في تسعة فصول:

الفصل الأول في الأرضين الميتة و أحكامها
(المسألة الأولى):

الموات من الأرض هي ما قابل الأرض المحياة، و يراد بها الأرض البائرة التي لا تنتج بالفعل منفعة يقصدها الناس العقلاء من أمثالها، كالمفاوز المقفرة من السكّان الذين يتولّون عمارتها و إحياءها، و كالبراري التي انقطع عنها الماء أو رسب في أغوارها، فلا تنبت شيئا، أو هي تنبت الأشواك و الحشائش التي لا تنفع الإنسان لحياته الخاصة، و ان كانت قد تنفع دوابّه و مواشيه، و كالجزر و المستنقعات التي استولى عليها الماء الملح أو الماء العذب فأصبحت بسبب غلبته عليها غير صالحة للتعمير، و كالأراضي التي غلبت عليها الرمال أو الاملاح و الاسباخ أو الحجارة الخشنة فتركت و أهملت، و كالاهوار التي أصبحت آجاما و منبتا للقصب و البردي و النبات غير المجدي، و كالغابات التي التفت بها الأشجار و الادواح الضخمة و عادت مأوى للحيوانات المتوحشة و السباع و الضاريات، و كالجبال التي لم يملك الإنسان عمارتها لارتفاعها، و الأودية التي لم يستطع إحياءها لأنها بطون و مجاري للسيول، و كالأراضي التي ترك الإنسان عمارتها لصعوبة العيش فيها أو

كلمة التقوى، ج 5، ص: 150

لبعدها عن مواضع ألفه أو موارد رزقه، و هكذا مما يعسر عدّه من موانع التعمير و الاحياء.

(المسألة الثانية):

تنقسم الأرض الموات الى قسمين، فهي إمّا ميته بالأصل و إمّا ميته بالعارض و يراد بالميتة بالأصل الأراضي التي لم تجر عليها يد انسان من قبل، و لم تنلها بالتملك و العمارة من قديم العصور و الأزمان، و تلحق بها في الحكم الأراضي التي لم يعلم حالها في ما سبق: هل أحياها الإنسان في تاريخه الماضي أو لم يحيها؟

و يدخل في هذا القسم أكثر الأراضي الخربة الموجودة على سطح هذه الكرة من

مفاوز و صحارى و بوادي و وديان و جبال و جزر و شواطى خالية من التعمير.

و يراد بالأراضي الميتة بالعارض: ما علم بأنها كانت عامرة و قد أحياها الإنسان في بعض عصوره، ثم أهملها فآلت الى الاندثار و الخراب بعد الحياة و العمران، و تدخل في هذا القسم: الأراضي الدارسة و القرى الطامسة التي بقيت منها الآثار و الرسوم و الاطلال، أو التي لم يبق منها رسم و لا طلل، و تنقسم الأرض الميتة بالعارض إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أراضي تركها أهلها الذين عمروها ثم بادوا و انقرضوا، و بقي ذكرهم للعبرة و التاريخ أو لم يبق منهم حتى الذكر.

القسم الثاني: أراضي تركها أهلها و ملّاكها و لم يبيدوا و لم ينقرضوا و لكن جهل أمرهم و لم تعرف أشخاصهم و لا أسماؤهم، فهي مجهولة المالكين.

القسم الثالث: أراضي تركها مالكها فخربت و اندرست آثار الحياة فيها بعد أن تركها المالك أو قبل أن يتركها، و مالكها أو وارثه معلوم غير مجهول.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 151

(المسألة الثالثة):

لا ريب في أن الأرض الموات بالأصل من الأنفال، و حكم الأنفال أنها تختصّ بالرسول (ص) في حياته، و تختص بالأئمة المعصومين (ع) أولياء الأمور من بعده، اماما بعد امام، و قد اذن المعصومون (ع) للشيعة بإحيائها و تملكها في زمان غيبة الإمام المهدي خاتمهم (ع) و قد ذكرنا هذا في مبحث الأنفال من كتاب الخمس في هذه الرسالة.

بل الظاهر حصول الاذن العام من ولي الأمر (ع) للناس جميعهم بإحياء الأرض الموات و تملكها كما ورد في النصوص الدالة على جواز شراء الأرض من اليهود و النصارى، و ان الرسول (ص) لمّا فتح خيبر خارج أهلها و أبقى الأرض

في أيديهم يحيونها و يعمرونها و يؤدون إليه خراجها، و ان كل من أحياء أرضا مواتا ملكها، و هي شاملة للمسلم و الكافر.

و يلحق بالأرض الموات بالأصل في هذا الحكم: القسم الأول من الأرض الميتة بالعارض، و هي الأراضي و القرى التي اندرست و باد أهلها و ملّاكها القدامى، و لم يبق لهم الا الذكر، أو لم يبق منهم حتى الذكر، فيجوز للناس إحياؤها و من أحيا شيئا منها ملكه بالاحياء، و لا يتوقف جواز ذلك الى الاذن من الحاكم الشرعي.

(المسألة الرابعة):

إذا كانت الأرض من القسم الثاني من الأراضي الميتة بالعارض، فماتت بعد أن كانت عامرة محياة، و بعد أن تركها أصحابها و هي عامرة، أو هم تركوها بعد أن خربت و اندرست و لم يبدأ أهلها و لم ينقرضوا، بل جهل أمرهم فلم يعرفوا على

كلمة التقوى، ج 5، ص: 152

التعيين.

فان علم انهم قد أعرضوا عن أرضهم اعراضا تاما جاز للناس الآخرين إحياؤها و تملكها، و ان لم يعلم بإعراضهم عن الأرض أشكل الحكم فيها و الأحوط لمن يريد إحياء شي ء من هذه الأرض أن يفحص عن وجود مالكها، فإذا حصل له اليأس من معرفته رجع في أمر الأرض إلى الحاكم الشرعي ليجري معه في التصرف فيها معاملة مجهول المالك:

فيجوز للحاكم الشرعي بولايته عن المالك المجهول أن يبيع الأرض على الشخص المذكور بثمن معيّن، فإذا قبض الحاكم منه الثمن قسّمه هو أو وكيله على الفقراء، و يجوز له أن يؤجره الأرض مدة معلومة بأجرة معينة، أو يقدّر للأرض أجرة مثلها في المدة المعلومة بدلا عن انتفاع الرجل بالأرض، و يصرف الأجرة على الفقراء.

(المسألة الخامسة):

إذا كانت الأرض من القسم الثالث من الأراضي الميتة بالعارض، و هي التي أحييت أولا ثم ماتت بعد الحياة و العمران، و أهملها صاحبها قبل موتها أو بعده و كان مالك الأرض معلوما غير مجهول، فان علم بأن مالك الأرض قد أعرض عنها اعراضا تاما، جاز لغيره من الناس أن يتصرف في الأرض فيحييها بعد الموت و يتملكها، و ان لم يعرض المالك عن تملك أرضه و ان كانت ميتة، فهو يريدها مرعى أو مراحا لماشيته مثلا، أو يبتغى الانتفاع بما فيها من كلاء أو بردي أو قصب أو أسل أو شجر

أو نخيل يابس، أو يطلب إجارتها أرضا فارغة لبعض الراغبين فيها، فلا يجوز لأحد أن يتصرف فيها أو يحييها، و كذلك إذا كان المالك يريد التفرّغ

كلمة التقوى، ج 5، ص: 153

من أعماله و مشاغله ليعمرها و يحييها أو هو ينتظر الفرصة المواتية لذلك، بل و كذلك الحكم مع الشك في ما يقصده المالك من إبقائها ميتة لا منفعة لها، فلا يجوز لأحد إحياؤها و التصرف فيها.

(المسألة السادسة):

إذا ماتت الأرض و خربت و هي في يد مالكها و كانت حية عامرة في يده كما فرضنا في المسألة المتقدمة، و أهملها صاحبها و علم عدم انتفاعه بها و انه لا يريد تعميرها، فان كانت من قبل وضع يده عليها أرضا ميتة و قد ملكها هو بالاحياء، عادت بعد موتها من الأنفال كما كانت من قبل، و جاز لغيره من الناس أن يحييها و يتملكها، و إذا أحياها غيره و ملكها فليس للمالك الأول أن يطالب المحيي بشي ء، و ان كان المالك الأول قد ملكها بالإرث أو الابتياع من أحد أو بمعاملة مملكة أخرى لم يجز لأحد من الناس أن يحييها أو يتصرف فيها إلا باذنه و قد ذكر هذا في مبحث الأنفال من كتاب الخمس في هذه الرسالة.

(المسألة السابعة):

يجوز للرجل أن يحيي موضعا واحدا أو أكثر من القرية أو البلدة الخربة التي درست عمارتها و انقرض سكانها الذين عمروها، و أصبحت من الأنفال، فيجوز له أن يعمر منها منزلا دارسا فيجده بناءه، و يتخذه دارا يسكنها أو عقارا ينتفع به، أو يجري له الماء فيجعله بستانا أو مزرعة، أو ما شاء من أقسام الأرضين المعمورة و يملكه بالاحياء.

و يجوز له أن يحوز ما في المنزل و ما في القرية من مواد و أنقاض للأبنية القديمة فيها كالحجارة و المدر و الآجر و الأخشاب و الحديد و غيرها، و إذا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 154

حازها بقصد التملك ملكها و صح له التصرف فيها كما يشاء.

(المسألة الثامنة):

إذا ماتت أرض موقوفة و اندرست آثار العمارة و الحياة فيها، و علم من القرائن أو من الشياع و الاستفاضة بين أهل البلد ان الأرض موقوفة على قوم سابقين من الأجيال و قد بادوا و درس ذكرهم، أو أنها وقف على قبيلة من الماضين أو على جماعة لا يعرف منها في الوقت الحاضر سوى الاسم على ألسن بعض الناس أو في بعض السجلات القديمة و لا وجود لهم في الخارج، أصبحت الأرض المذكورة من الأنفال، فيجوز للناس إحياؤها و تملكها.

و كذلك حكم الأرض التي يعلم على وجه الإجمال أنها موقوفة و لم يعرف انها وقف عام أو خاص، و انها وقف على جهة أو على عنوان أو على أشخاص و على أي الجهات أو العناوين أو الأشخاص، فإذا ماتت الأرض المذكورة و خربت فهي من الأنفال و جاز للناس إحياؤها و تملكها.

(المسألة التاسعة):

إذا ماتت الأرض الموقوفة كما قلنا في الفرض المتقدم، و علم أن الأرض قد وقفت على بعض الجهات و لم تعرف الجهة الموقوف عليها على نحو التعيين، فهل وقفت الأرض على مسجد أو على مشهد أو على مدرسة أو على غير ذلك من جهات الخير، أشكل الحكم في أن يحيي هذه الأرض أحد من الناس و يتملكها و قد نقل جماعة من العلماء أن القول بجواز إحيائها هو المشهور بين الفقهاء.

و الأحوط لمن يريد أحياء هذه الأرض أن يستأذن من الحاكم الشرعي في إحيائها، و إذا عرف المتولي على الوقف استأذن الحاكم و المتولي معا، فإذا هو

كلمة التقوى، ج 5، ص: 155

أحيى الأرض المذكورة بإذنهما صرف جميع ما حصل من منافعها في وجوه البرّ و لم يتملك منه شيئا، و استأذن الحاكم

الشرعي، و المتولي في الصرف كما استأذنهما في الإحياء.

و يجري نظير القول الذي ذكرناه أيضا في الأرض الميتة إذا علم بان واقف الأرض قد وقفها على أشخاص و لم تعرف أعيانهم و مشخصاتهم، و علم أنهم موجودون بالفعل غير معدومين، فمن أراد إحياء هذه الأرض فالأحوط له أن يستأذن الحاكم الشرعي بإحيائها و من المتولي على الأرض إذا كان موجودا أو معروفا فإذا أحياها صرف جميع منافعها التي تحصل منها بعد الأحياء في وجوه البر و لا يتملك الأرض بهذا الاحياء و لا من المنافع شيئا، و عليه أن يكون الصرف في وجوه البر باذن الحاكم و المتولي أيضا.

(المسألة العاشرة):

يجوز لمن يريد إحياء الأرض في كلتا الصورتين اللتين ذكرنا هما ان يراجع الحاكم الشرعي و يراجع متولي الوقف معه إذا كان موجودا، فيستأجر منهما الأرض مدة معيّنة بأجرة مثل الأرض في تلك المدة، ثم يحيي الأرض لنفسه إذا شاء، و لا يملك الأرض نفسها بهذا الأحياء، بل يأكل منافعها و نماءها في مدة الإجارة، و تصرف أجرة المثل التي تلزمه في وجوه البرّ، و عليه أن يستأذن من الحاكم الشرعي و من المتولي إذا كان موجودا في صرفها، بل و لا يترك الاحتياط في أن يكون صرف الأجرة في وجوه البر من المتولي نفسه.

(المسألة 11):

إذا شمل الأرض المذكورة في كلتا الصورتين اللتين ذكرناهما بعد موت

كلمة التقوى، ج 5، ص: 156

الأرض و خرابها أحد الموارد التي يصح فيها بيع الوقف، أمكن للشخص أن يشتري الأرض من الحاكم الشرعي ثم يحييها بعد الشراء لنفسه و يملكها بهذا الاحياء، و إذا قبض الحاكم الشرعي من المشتري ثمن الأرض اشترى به أرضا و جعلها وقفا عوضا عن الوقف المبيع، و صرف منافع الوقف الجديد في وجوه البرّ، و إذا لم يمكن ذلك صرف الثمن نفسه في وجوه البرّ، و قد عدّدنا المواضع التي يجوز فيها بيع الوقف في المسألة المائة و الثلاثين و ما بعدها من كتاب التجارة، و في المسألة المائة و الثلاثة و الثلاثين و ما بعدها من كتاب الوقف في هذه الرسالة.

(المسألة 12):

إذا اندثرت عمارة الأرض و خربت بعد عمارتها و كانت وقفا على جهة معلومة أو كانت وقفا على جماعة معيّنين معروفين، جاز لمن يريد إحياء الأرض أن يستأجرها مدة معلومة بأجرة مثل الأرض في تلك المدة، ثم يتولى إحياءها و تعميرها في مدة الإجارة، و يأكل منافعها و ما يحصل منها في المدة، و تصرف أجرة المثل التي دفعها بدلا عن استئجاره للأرض في الجهة الموقوف عليها أو الجماعة الموقوف عليهم، فإذا كان الوقف على جهة معيّنة وجب أن تكون إجارة الأرض و التصرف فيها من المتولي على الوقف إذا كان موجودا، و لزم أن يتولى بنفسه صرف أجرة المثل على الجهة الموقوف عليها، أو يكون الصرف فيها باذنه و إذا لم يكن للوقف متولّ يقوم بالأمر وجب أن يكون كلّ من إجارة الأرض و صرف أجرة المثل في الجهة الموقوف عليها باذن الحاكم الشرعي.

و إذا كان

وقف الأرض على أشخاص معلومين و كان الوقف خاصا، وجب أن تكون إجارة الأرض و التصرف فيها و صرف أجرة المثل على الأشخاص

كلمة التقوى، ج 5، ص: 157

الموقوف عليهم بمراجعة متولي الوقف إذا كان موجودا، و بمراجعة كلّ من الحاكم الشرعي و الأشخاص الموقوف عليهم على الأحوط إذا كان متولي الوقف مفقودا.

و إذا كان وقف الأرض المذكورة على الأشخاص عاما، وجب أن تكون إجارة الأرض و التصرف فيها و صرف أجرة المثل على الموقوف عليهم بتولي الحاكم الشرعي أو وكيله.

و إذا انطبق على الأرض المذكورة بعد خرابها بعض ما يسوغ مع بيع الوقف أمكن للرجل أن يرجع الى الحاكم الشرعي فيشتريها منه ثم يحييها لنفسه بعد شرائها، و الأحوط أن يكون البيع من الحاكم الشرعي و المتولي للوقف إذا كان موجودا، و يتوليان معا على الأحوط كذلك شراء أرض أخرى بثمن الوقف المبيع، و وقفها عوضا عن المبيع، و إذا لم يمكن ذلك صرفا ثمن الوقف على الجهة أو الأشخاص الموقوف عليهم.

(المسألة 13):

لا فرق في الأحكام التي بيّناها أو التي يأتي بيانها للأرض الموات و أقسامها بين أن تكون الأرض في بلاد الإسلام أو في بلاد الكفر، فإذا كانت مواتا بالأصل فهي من الأنفال، و تختص بإمام المسلمين (ع) و ان كانت في بلاد المشركين أو الكفار غير المشركين، و تحت نفوذهم و في سيطرتهم، فإذا أحياها مسلم أو كافر ملكها بإحيائه إياها، و إذا كانت مواتا بالعارض جرت أقسامها و أحكامها أيضا حسب ما فصّلناه، و حتى إذا فتح المسلمون بلاد الكفر بالقتال فالأرض الموات منها في حال الفتح من الأنفال، فتجري فيها أحكام الأنفال، سواء كانت ميتة بالأصل أم ميتة بالعارض.

كلمة التقوى،

ج 5، ص: 158

و أما الأرض العامرة من بلاد الكفر في حال فتح المسلمين لها فهي ملك للمسلمين عامة، و لا تختص بأحد منهم و لا من غيرهم، و إذا ماتت بالعارض بعد الفتح لم يتغير حكمها، و لم تصبح بموتها من الأنفال، فلا يملكها من يحييها و هي لا تزال ملكا لعموم المسلمين.

(المسألة 14):

يشترط في صحة إحياء موات الأرض و في تملكها بالإحياء أن لا تكون حريما لملك أحد مسلم أو غير مسلم إذا كان ممن تحترم حقوقه و ملكيته في الإسلام، فلا يصح لأحد إحياء الأرض الميتة إذا كانت مرفقا أو حريما لملك مالك محترم، و لا يحلّ لغير ذلك الشخص الذي استحق الأرض بتبع ملكه العامر، و إذا أحياها غيره لم يملكها، و إذا وضع يده عليها بغير اذن صاحب الحق كان غاصبا لحق غيره اثما بفعله، و سنوضح ان شاء اللّه تعالى معنى الحريم و حدود مقاديره في الفصل الثاني.

و الظاهر أن المراد بالمرفق هنا ما يتوقف عليه بعض الانتفاعات بالملك من الأرض الموات المتصلة به فهو بعض أفراد حريم الملك.

(المسألة 15):

يشترط في صحة إحياء الأرض الموات أن لا تكون محجرة لغير الإنسان الذي يريد إحياءها، إذا كان المحجر مسلما أو ممن يحترم الإسلام حقوقه من غير المسلمين، كالذمي و المعاهد، و التحجير كما سيأتي إيضاحه في الفصل الثالث لا يكون سببا لملك الأرض المحجرة، و لكنه يوجب ثبوت حقّ فيها لمن حجرها، و يكون اولي بها من الناس الآخرين، فإذا وضع غير المحجّر يده على الأرض بعد

كلمة التقوى، ج 5، ص: 159

تحجيرها من غير اذن المحجر كان غاصبا اثما، و إذا أحياها كذلك لم يصح إحياؤه، و لم تثبت ملكيته لها على الأحوط، بل لا يخلو ذلك من قوة، و إذا أراد إحياءها جاز لمن حجرها أن يمنعه.

(المسألة 16):

اشتهر بين جماعة من الفقهاء (قدس اللّه أنفسهم) انه يشترط في صحة إحياء الأرض الميتة ان لا تكون الأرض المقصودة من الأراضي التي جعلت في دين الإسلام مشعرا من مشاعر العبادة للمسلمين مثل أرض عرفات و المزدلفة و منى فلا يصح إحياء الأرض من هذه الأودية إذا كانت ميتة.

هكذا أفادوا، و في صحة هذا الاشتراط اشكال، بل الظاهر منع ذلك، فانّ عظمة شأن هذه المواقع في دين الإسلام و جعلها فيه حقا مقدسا للّه سبحانه و حقا ثابتا معظما لعموم المسلمين، لأداء مناسكهم في ممرّ الازمان و العصور قد أبعد هذه الأمكنة أشدّ البعد و أعلى مقامها أعظم العلو و الارتفاع عن اعتبارها أرضا مواتا أو مباحة كسائر الأرضين فتحجر أو تحاز و يملكها الأفراد أو تجري عليها الاعتبارات المتعارفة في المعاملات بين الناس!!

(المسألة 17):

يشترط في صحة إحياء الأرض الميتة ان لا يكون امام المسلمين (ع) قد أقطع تلك الأرض من قبل لأحد من الناس، فإن الإمام إذا أقطع الأرض لأحد اختصت به و ان لم يحجرها و لم يحييها، و لا يحق لأحد من الناس غيره أن يحيي تلك الأرض أو يضع يده عليها، و لا ينبغي الريب في صحة هذا الشرط إذا تحقق

كلمة التقوى، ج 5، ص: 160

الإقطاع منه (ع)، و قد ذكرت في التاريخ و في كتب السيرة النبوية قطائع من الرسول (ص) لبعض الصحابة، و لكن هذا الشرط لا أثر له في عصر غيبة المعصوم (ع) لعدم وجود القطائع فيه.

(المسألة 18):

إذا أحيى الإنسان أرضا ميتة على الوجه التام من الأحياء، ملك الأرض بإحيائه إياها، و لا يشترط في حصول الملك له ان يكون المحيي قاصدا لتملك الأرض على الأقوى، و يكفي في حصوله أن يقصد إحياء الأرض للانتفاع بها.

فإذا مرّ الإنسان في الفلاة مثلا بأرض كثيرة الماء نقية الهواء، و رغب في البقاء في تلك الأرض شهرا أو أكثر، فأحيى بقعة من تلك الأرض لينتفع بها في مدة بقائه و زرع في البقعة بعض ما يعجل نموه و نتاجه من المخضرات و النبات، و غرس بعض الشجر و الأزهار، ملك البقعة التي أحياها، فإذا انقضت أيام اقامته في المكان و أعرض عن المزرعة و تركها و سافر عنها زال ملكه بالاعراض، و جاز للناس الآخرين حيازتها و تملكها من بعده، و كذلك إذا بنى له في الأرض منزلا ليسكنه مدة بقائه فيها، فإنه يملك المنزل بإحيائه، و إذا أعرض عنه و تركه و سافر زال ملكه، و مثله ما إذا حفر بئرا أو أجرى

نهرا لينتفع به، فيملك ما أحياه، و إذا تركه و سافر و أعرض عنه أعراضا تاما أصبح مباحا.

و لا يبعد القول بعدم حصول الملك لما أحياه إذا قصد بإحيائه عدم التملك له، و مثال ذلك: أن يحيي المنزل في الموضع المذكور و يحفر البئر و هو يقصد عدم تملكها لنفسه، بل لينتفع بها العابرون و المسافرون من الحجاج و الزوار.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 161

(المسألة 19):

إذا سبق أحد المسلمين إلى أرض موات مباحة فوضع يده و استولى عليها لينتفع بما فيها من كلاء و نبات أو ماء أو حطب أو قصب أو ما يشبه ذلك كان ذلك المسلم أولى بتلك الأرض من غيره ما دامت يده على الأرض و ان لم يحجرها، فلا يجوز لأحد أن يحييها و يتملكها، ما دامت في يد المسلم السابق إليها، و إذا أحياها الثاني بالقهر على صاحب اليد كان غاصبا لحقّه، و لم يملك الأرض بإحيائه لها و لذلك فيشترط في صحة إحياء الأرض الميتة و في حصول الملك بإحيائها: أن لا يكون احياء المحيي لها مسبوقا بيد المسلم قد استولى قبله على الأرض، أو مسبوقا بيد ذمي أو معاهد للمسلمين ممن تحترم يده و تصرّفه في الإسلام.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 162

الفصل الثاني في حريم الأملاك المحياة
(المسألة 20):

إذا أحيى الإنسان أرضا مواتا فجعل الأرض بإحيائه لها دارا يملكها أو عقارا أو مزرعة أو بستانا أو شيئا أخر مما يتملك و ينتفع به، تبع ذلك الملك مقدار من الأرض الموات مما يتوقف عليه حصول الانتفاع التام للمالك بالملك الذي أحياه من الأرض، و يسمّى هذا المقدار التابع للملك من الأرض الموات حريما له.

و الحريم الذي ذكرناه لا يكون بتبعيته له ملكا لمالك الأرض المحياة، و لكنه حق شرعي يثبت له في الأرض ليحصل به الانتفاع بما يملكه، و هو يختلف في مقداره باختلاف الملك المتبوع، حسب ما يحصل به الانتفاع بالملك في نظر أهل العرف، و ما أمضاه الشارع من ذلك، و سنذكره ان شاء اللّه تعالى في ما يأتي من الفروض.

(المسألة 21):

إذا بنى الرجل له دارا في الأرض الموات فأحيى موضع الدار منها و ملكها بالاحياء، تبع الدار من الأرض الموات المتصلة بها مقدار ما يسلك به في الدخول الى الدار و الخروج منها للرجل المالك و لعياله و أولاده الساكنين معه فيها و لدوابه و انعامه و زوّاره المترددين اليه و أضيافه، و لأحماله و أثقاله، و لسيارته و أموره المتعارفة له، و يكون المسلك المذكور في الجانب الذي يشرع منه باب

كلمة التقوى، ج 5، ص: 163

الدار، و يكون بمقدار يفي بحاجة كل أولئك في المرور دون عسر أو ضيق.

و إذا كان للدار بابان أحدهما لعياله و نسائه، و الثاني لضيوفه و زواره من الرجال، تبع الدار مسلكان يفيان بالحاجة، و لا يلزم أن يكون طريقه الى الدار مستقيما، إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك أو العادة المتعارفة في البلد فيتبع ما تقتضي.

و يتبع الدار بعد إحيائها و تملكها موضع من

الأرض الميتة تلقى فيه قمامتها و اوساخها و ترابها، و موضع أو أكثر يجري فيه ماؤها من المطر و غيره، و تلقى فيه ثلوجها إذا اقتضت ذلك عادة البلاد.

و هذه المواضع التي تتبع الدار بعد إحيائها من الأرض الميتة المتصلة بها هي حريمها الذي يتوقف على وجوده انتفاع المالك بداره، فتكون من مرافق الدار عرفا، و من حقوق مالك الدار شرعا، فلا يصح لأحد من الناس احياء هذا الحريم بدون اذن مالك الدار، و إذا استولى عليه بغير اذنه كان غاصبا، و لم يملك ما أحياه منه.

(المسألة 22):

إذا بنى الرجل في الأرض الموات حائطا ليجعله سورا لبستانه مثلا، أو لحظيرة مواشيه، أو لغرض أخر، تبع الحائط على الأحوط من الأرض مقدار ما يرمى فيه ترابه و مدرة و حجارته و طينه و حصة و أدواته، إذا استهدم أو نقضه مالكه و أراد ترميمه و اعادة بنائه، فلا يحيي غيره هذا المقدار من الأرض الا بإذن مالك الحائط على الأحوط كما قلنا.

(المسألة 23):

إذا حفر نهر في الأرض الموات ليسقي مزرعة أو نخيلا أو قرية أو غير ذلك

كلمة التقوى، ج 5، ص: 164

فحريم النهر من الأرض مقدار ما يلقى فيه طينه و ترابه على الحافتين إذا احتاج الى التنقية، و طريقان على حافتي النهر يسلكهما من يريد إصلاحه إذا احتاج الى الإصلاح، سواء كان النهر عاما أم خاصا، بمالك واحد أم بجماعة، و لا ريب في ان مقدار حريم النهر يختلف باختلاف النهر نفسه في كبره و صغره، و في سعة الأرض و الدور و النخيل و المزارع التي تستقي منه و قلتها، و في قلة العاملين فيه لا صلاحه و كثرتهم.

(المسألة 24):

إذا شق انسان له نهرا في الأرض الميتة ليسقي منه مزرعته أو أرضه أو داره أو حفرة جماعة مخصوصون لينتفعوا به في سقي مزارعهم و دورهم و ملكوه بالاحياء، فحريم النهر من الأرض الموات حق للرجل الذي حفر النهر و ملكه أو الجماعة الذين أخرجوه و ملكوه، فلا يجوز لأحد سواهم احياء حريم النهر إلا بإذنهم.

و إذا كان النهر عاما ينتفع به جماعة غير محصورين في العدد، و كان النهر غير مملوك لأحد منهم بعينه، أو لجماعة معيّنين، فالحريم حق عام للجماعة الذين ينتفعون به جميعا نظير ما يأتي بيانه في حريم القرية، إلا إذا كان الذي حفر النهر واحدا بعينه أو جماعة معينون، و بعد أن شقوا النهر لأنفسهم و ملكوه أباحوا الانتفاع و التصرف فيه للجميع، فيكون حريم النهر من الأرض الميتة حقا لمن استخرج النهر خاصة، دون غيره، الا إذا أسقط حقه من الحريم، أو جعل النهر نفسه مباحا للجميع.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 165

(المسألة 25):

إذا استخرج الإنسان له بئرا في الأرض الميتة يستقي من مائها لمزرعته أو لماشيته أو لغيرهما، و ملك البئر بالاحياء، تبع البئر مما حولها من الأرض الميتة مقدار ما يقف فيه النازح لاستقاء الماء منها، واحدا أو أكثر، و ما يضع فيه عدته و حباله قبل الاستقاء و بعده، و الموضع الذي يصب النازح فيه الماء إذا أخرجه من البئر، و الموضع الذي يجتمع فيه الماء لتشرب منه الماشية أو ليجري منه الى المزرعة و الموضع الذي يلقي فيه طين البئر و رملها و حجارتها إذا احتاجت إلى التنقية أو الإصلاح.

و لا يبعد أن يتبع البئر أيضا الموضع الذي تكون فيه الماشية حول الحوض حين الشرب و

قبله لانتظار النوبة إذا كانت الماشية كثيرة، و إذا كان الاستقاء من البئر بالدولاب تبع البئر موضع نصب الدولاب في البئر، و موضعه قبل ذلك و بعده، حين ما يحضر لينصب في موضعه أو حين ما يخرج منه للإصلاح أو الابدال، و موضع دور البهيمة حول الدولاب لتديره بحركتها، و موضع تردد البهيمة في ذهابها و رجوعها إذا كان الاستقاء بها لا بالدولاب، و موضع المكائن و الأجهزة التي تخرج الماء من البئر و تجريه في مجاريه إذا كان الاستقاء بها، و إذا حجر الإنسان هذه المواضع من الأرض الميتة و استعملها بقصد الاحياء ملكها مع البئر.

(المسألة 26):

للبئر السابقة في وجودها حريم أخر بالإضافة إلى البئر التي تحفر بعدها إذا كانتا متقاربتين في المكان، و حريم البئر الأولى أن تبعد البئر الثانية المتأخرة عنها في الوجود بمقدار لا تؤثر في ماء الأولى ضعفا في قوة الدفع أو قلة في كمية الماء

كلمة التقوى، ج 5، ص: 166

و قد حدّد ذلك في الحكم الشرعي بأن تبعد الثانية في مكانها الذي تحفر فيه عن الأولى أربعين ذراعا، إذا كانت الأولى بئر عطن و ان تبعد عنها ستين ذراعا إذا كانت بئر ناضح، و بئر العطن هي ما يستقي منها للإبل و الغنم، و بئر الناضح ما يستقى منها لمزرعة أو بستان أو نحوهما.

فيجب على صاحب البئر اللاحقة أن يبعدها عن مكان الأولى بالمقدار المذكور، و الظاهر ان التحديد بالمقدار المعيّن انما هو بحسب ما يقتضيه الغالب في مياه الآبار المتعارفة، و ان المدار فيه على التأثير و عدمه، فإذا علم أن البئر الثانية لا تؤثر على ماء الأولى قلة و لا ضعفا و ان استخرجت الثانية بالقرب

من الأولى جاز الحفر بقربها و لم يجب ابعادها، و إذا علم بأن المقدار المذكور من البعد لا يكفي في إزالة الأثر وجب أن تبعد الثانية عن الأولى بأكثر من ذلك حتى لا تؤثر في مائها شيئا.

(المسألة 27):

لا يختص الحكم بوجوب بعد البئر اللاحقة عن البئر السابقة عليها في الوجود بالآبار التي يحييها الإنسان في الأرض الموات، بل يجرى حتى في الآبار التي يحدثها أصحابها في أراضيهم المملوكة لهم، فإذا كانت لأحد الرجلين بئر في أرضه المملوكة أو في داره، و أراد الرجل الآخر أن يحفر له بئرا في أرض يملكها بجوار الأول، أو في أرض موات تقع بجواره، لزمه أن يبعدها عن بئر الأول إذا كانت تضرّ بمائها، و كذلك البئر الموقوفة أو المسبلة في وجه من وجوه الخير، فإذا أراد شخص أخر أن يحدث له بئرا في ملكه أو في أرض موات و هي في جوار البئر الموقوفة أو المسبلة، فعلى الثاني أن يبعد بئره عنها إذا كانت توجب

كلمة التقوى، ج 5، ص: 167

تأثيرا على مائها.

(المسألة 28):

إذا فجّر انسان لنفسه عينا نابعة بالماء في الأرض الموات ملك العين بتفجيرها و إحيائها، و تبع العين من الأرض الموات من حولها مقدار ما يتوقف عليه حصول الانتفاع بالعين المحياة، فيكون ذلك المقدار حريما للعين، و حقا يختص به مالك العين على نهج ما سيق ذكره في نظائره، فإذا احتاج في انتفاعه بحسب العادة المتبعة عند أهل العرف الى حوض يجتمع فيه الماء و الى مجرى يجرى فيه كان موضع الحوض و موضع المجرى حريما للعين و تبعها أيضا موضع تلقي فيه رواسب العين و طينها و رملها إذا احتاجت إلى الإصلاح أو التنقية، و لا يجوز لغير مالك العين احياء هذه المواضع من الأرض الميتة بدون اذن مالك العين لأنها حق يختص به، و إذا أحياها صاحب العين ملكها.

و للعين المحياة أيضا حريم أخر كالحريم الثاني للبئر، فإذا أراد رجل أخر

أن يستنبط له عينا في الأرض الموات بعد ذلك وجب عليه أن يبعدها عن العين السابقة خمسمائة ذراع إذا كانت الأرض صلبة و أن يبعدها عنها ألف ذراع إذا كانت الأرض رخوة.

و الظاهر هنا أيضا أن التحديد بالمقدار غالبي كما قلنا في حريم البئر و ان المدار على تأثير العين اللاحقة في العين السابقة و عدم تأثيرها، فإذا علم أن العين الثانية لن تؤثر على جريان ماء الأولى و لن تقلّله و ان قربت منها لم يجب ابعادها و إذا علم انها تحتاج الى بعد أكثر مما ذكر وجب ابعادها أكثر منه.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 168

(المسألة 29):

إذا شق الإنسان له قناة في أرض موات و أجرى فيها الماء من عين، أو من آبار موجودة في الأرض، أو كان هو قد استنبطها و أحياها و أجرى الماء في القناة الى مزرعته أو الى ضيعته، تبع القناة من الأرض الموات في جانبيها نظير ما سبق تحديده في حريم النهر، و كان هذا المقدار حريما للقناة، فلا يجوز لغير مالك القناة إحياؤه إلا برضاه.

و للقناة أيضا حريم أخر من كلا جانبيها و هو كحريم العين الذي سبق ذكره في المسألة الماضية، فإذا أراد أحد أن يحفر له قناة في إحدى الناحيتين وجب عليه أن يبعد قناته عن قناة الأول خمسمائة ذراع إذا كانت الأرض صلبة، و ألف ذراع إذا كانت الأرض رخوة، و التحديد بذلك غالبي كما قلنا في حريم العين و حريم البئر فالواجب أن تبعد القناة الثانية عن الأولى بمقدار لا تضر معه فيها و لا تقلّل ماءها.

و كذلك الحكم في النهر، فإذا شق الإنسان نهرا و اجرى فيه الماء و أراد إنسان أخر يشق

له نهرا في إحدى ناحيتي نهر الأول فعليه أن يبتعد عنه بمقدار لا يكون معه مضرا بالأول.

(المسألة 30):

لا يختص الحريم الذي بيّناه للعين أو القناة أو النهر بما يخرجه الإنسان منها في الأرض الموات، فيجري أيضا في ما يخرجه في ملكه، فإذا استنبط الرجل له عينا، أو شق له قناة، أو نهرا في أرض يملكها، و أراد غيره ان يخرج لنفسه مثل ذلك في ملكه، أو في أرض موات، وجب على الثاني أن يبتعد عن الأول بمقدار لا يضر معه به و بمائه، و كذلك في الموقوف و المسبل، و قد تقدم ذكر مثل ذلك في البئر

كلمة التقوى، ج 5، ص: 169

و تراجع المسألة السابعة و العشرون.

(المسألة 31):

الحريم الثاني الذي ذكرناه للبئر أو للعين أو للقناة أو للنهر انما هو حق شرعي، أثره أن تبتعد البئر أو العين أو النهر أو القناة اللاحقة عن نظائرها إذا سبقتها في الوجود، و كان وجود اللاحقة في ما دون المقدار المذكور يضر بالسابقة، فيقلل الماء فيها أو يضعف قوة دفعه و لا يمنع هذا الحريم غير المالك من أحياء الأرض الموات في هذه السافة المقدرة، فيجوز لغيره احياء الموات منها فيجعله مزرعة أو بستانا أو دارا أو عقارا له، بعد أن يترك للنهر أو للعين أو للبئر أو للقناة حريمها الأول التابع لها فقد ذكرنا أنه حق لمالكها.

(المسألة 32):

إذا أحيى الرجل له مزرعة في أرض موات على الوجه الذي يأتي بيانه في إحياء المزرعة من الفصل الرابع، ملك الموضع الذي أحياه، و تبع المزرعة من الأرض الموات التي تتصل بها مقدار ما يتوقف عليه حصول الانتفاع التام للمالك بمزرعته، فان المزرعة حسب ما يعتاد بين الناس و الزراع منهم تحتاج الى موضع من الأرض تجمع فيه الأسمدة إذا كان الزرع مما يحتاج الى التسميد و الى موضع يجعله الزارع بيدرا يداس فيه الزرع بعد حصاده و تصفي فيه الحبوب، و الى موضع يجمع فيه الخضر و الحاصلات و الثمار من الزراعة حتى توضع في صناديقها أو في أكياسها أو تشدّ حزما و باقات و تصنف أنواعها و أصنافها و تعدّ للحمل و النقل، و الى موضع يكون حظيرة للحيوان و الدواب التي يحتاج إليها في المزرعة، و الى طريق للدخول إلى المزرعة و الخروج منها و التردّد في أطرافها

كلمة التقوى، ج 5، ص: 170

و الوصول الى مرافقها للزارع و لمساعديه و عملائه الذين يصلون

الى مزرعته إذا كانت واسعة، و قد يحتاج بحسب العادة المتعارفة الى أكثر من مسلك واحد فيكون جميع ذلك و ما أشبهه حريما للمزرعة يتبعها من الأرض الموات و يصبح حقا خاصا لمالكها، فلا يجوز لغيره وضع اليد عليها أو على شي ء منها الا باذنه و إذا أحياها مالك المزرعة ملكها.

و قد يتخذ الإنسان في المزرعة أو في البستان الذي يحييه بركة من الماء لتربية الأسماك فيها، أو موضعا لإنتاج الدواجن و تربيتها فيملكه بالاحياء، و تتبعه من الأرض الموات المتصلة به مواضع يتوقف عليها الانتفاع بالملك فتكون حريما له على نهج ما سبق في نظائره.

و قد يتوسع أمرها فيحتاج الى طريق لدخول سيارته و أدوات نقله إلى المزرعة و خروجها منها، و دخول سيارات آخرين يتعاملون معه و خروجها و ترددها، فيكون ذلك حقا من حقوقه الخاصة به و إذا أحياه ملكه، و يجرى نظير ما ذكر في البستان و الضيعة إذا أحياهما من الأرض الموات فيتبعهما من الحريم ما يتوقف عليه حصول الانتفاع التام بهما.

(المسألة 33):

إذا أحييت قرية في أرض موات ملك كل واحد من أهل القرية منزله الذي أحياه منها، و تبع المنزل حريمه الخاص به، و الذي لا يتم الانتفاع بالمنزل الا به و قد ذكرنا حريم الدار في المسألة الحادية و العشرين، و يتبع القرية من الأرض الموات المتصلة بها طرق القرية للدخول إليها و الخروج منها، و الوصول الى منازلها و الى مرافقها العامة، و يتبعها كذلك موارد أهل القرية من الماء و مشارعهم

كلمة التقوى، ج 5، ص: 171

إذا كانت منفصلة عن البيوت، و مسيل مياه القرية من المطر و غيره إذا لم تكفها المجاري الخاصة بالبيوت، و

الموضع الذي يجتمع فيه أهل القرية متى احتاجوا الى الاجتماع و لم تكف لذلك مجالسهم الخاصة.

و يتبع القرية موضع لدفن الموتى منهم إذا لم توجد مقبرة مسبلة أو موقوفة تكفي لأهل القرية، و موضع تجمع فيه كناسة القرية و قماماتها و تلقي فيه فضلاتها و أسمدتها، و مراع للماشية و أمكنة للاحتطاب، إذا احتاج سكان القرية إلى مواضع خاصة لذلك و لم تكفهم الحيازة من المباح، و ما شاكل ذلك مما يحتاج اليه سكان القرى و تتوقف عليهم مصالحهم.

و المدار في ذلك أن يحتاجوا إليه حاجة ماسة بحيث يقعون في عسر و ضيق إذا منعهم منه أحد أو زاحمهم فيه مزاحم، فيكون ذلك حريما للقرية و حقا عاما لأهلها و لا يختص بواحد منهم، و لا يجوز لغيرهم إحياؤه أو الاستيلاء عليه، بل و لا يجوز لبعض أهل القرية إحياء شي ء منه إلا برضى الجميع.

و لا ريب في أن حريم القرية و مرافقها تختلف باختلاف القرية في كبرها و صغرها و في كثرة سكانها و قلتهم، و في سعة اتصالاتهم بالقرى و البلاد الأخرى و ضيقها، و كثرة الواردين و المترددين إليها من أهل المصالح فيها و غيرهم، و كثرة المواشي و الأنعام و الدواب و قلتها.

(المسألة 34):

قد يتداخل حريم الدار الخاص مع حريم القرية، فيكون مسلك الدّخول الى الدار و الخروج منها هو بذاته طريقا من الطرق العامة في القرية، أو يكون موضع إلقاء القمامة و الأوساخ من الدار هو موضع إلقائها في القرية، و يكون الموضع الذي

كلمة التقوى، ج 5، ص: 172

تجري فيه مياه المطر و نحوه من الدار في طريق من طرق القرية و هكذا، فيدخل حريم الدار في حريم القرية

و يكون حقا عاما لسكان القرية جميعا، و لا يختص به صاحب الدار، و انما يختص به إذا كان منفردا عن حريم القرية و ان كانت الدار متصلة بالقرية.

(المسألة 35):

لا ريب في ان حاجة الناس الى الطريق و الشارع قد اختلفت مع اختلاف الزمان و مع تنوع وسائل النقل و الحمل فيه، و اضطرار سكّان القرى و البلاد و سكّان الأرياف الى اتخاذ هذه الوسائل المتنوعة لحاجاتهم و تنقلهم و حمل أثقالهم في الذهاب و الرجوع، و لذلك فيكون من الحقوق اللازمة في القرية و البلد بل و في المزرعة و الضيعة أن يتسع الطريق و الشارع بمقدار ما يفي بالحاجة العامة و يرفع العسر و الضيق في المرور، و عن المارين و العابرين من الأفراد و الجماعات الراكبين و الراجلين و يكون ذلك حريما للقرية و حدا للطريق و حقا عاما للسكان.

(المسألة 36):

إذا غرس الرجل نخلة أو نخلتين مثلا في أرض ميتة ملك ما غرسه و ملك موضع غرسه من الأرض، و تبع النخلة من الأرض الميتة مدى جرائد النخلة من جميع جوانبها و يكون هذا المقدار حريما للنخلة المغروسة و حقا خاصا لمالكها فلا يجوز لغيره من الناس أن يحيي هذا الحريم أو يتصرف فيه إلا برضى صاحبه و إذا أحياه صاحب الحق ملكه، و كذلك الحكم إذا غرس شجرة في الأرض الميتة فيملك الشجرة، و يملك موضع غرسها من الأرض و يتبع الشجرة من الأرض مقدار ما تمتدّ إليه أغصانها، و يكون ذلك حقا له خاصة و إذا أحياه ملكه بالإحياء.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 173

(المسألة 37):

إذا أحيى الإنسان أرضا ميتة فجعلها دارا أو بستانا أو مزرعة أو غير ذلك ملك ما أحياه من الأرض و تبعه من الحريم ما فصّلنا ذكره في المسائل المتقدمة فيكون ذلك حريما لملكه و حقا من حقوقه، و بقي ما زاد على ذلك من الأرض الميتة مباحا للجميع، و ليس لمالك الأرض المحياة حق اختصاص به سبب جواره و إحيائه لبعض الأرض، و لا يحق له أن يمنع أحدا عن إحيائه أو تحجيره، و كذلك الحكم في الأرض الميتة التي تكون في جوار قرية أو طائفة من الناس، فلا يكون لأهل القرية أو لتلك الطائفة حق في الأرض المذكورة بسبب مجاورتها لهم، و ليس لهم أن يمنعوا من سواهم عن السبق إلى إحيائها إلا إذا سبقوا إلى الأرض فحجروها أو كانت حريما خاصا لاملاكهم أو ثبت لهم غير ذلك من موجبات الاختصاص شرعا.

(المسألة 38):

الحريم الذي يتبع الملك الذي يحييه الإنسان من الأرض الموات كما قلنا أكثر من مرة انما هو حق شرعي يثبت لذلك الإنسان و ليس ملكا له، فحريم الدار و حريم الحائط و حريم المزرعة و الضيعة و القرية و النخلة المغروسة، و الحريم الأول للبئر و للعين و القناة و النهر، حقوق شرعية تثبت لصاحب الحق تتعلق بالمقدار المعيّن من الأرض الميتة فلا يجوز للناس الآخرين غصبها منه و وضع اليد عليها بإحياء أو تصرف أخر، و يجوز لصاحب الحق منعهم منه، من غير فرق بين الأفراد المذكورة من الحريم على الأظهر و الأحوط.

و لا يثبت هذا الحكم في الحريم الثاني للبئر و العين و القناة و النهر فان هذا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 174

الحريم انما هو حدّ شرعي لابعاد البئر

اللاحقة عن البئر السابقة عليها في الحفر إذا كانت تضرّ بمائها، و كذلك الحريم الثاني للعين و القناة و النهر، و قد سبق منا بيان هذا، فيجوز للآخرين احياء هذا الحريم و تحجيرة و التصرف فيه، و لا يجوز لمالك البئر و العين و القناة و النهر منعهم منه.

(المسألة 39):

لا يثبت الحريم بين الاملاك المتجاورة، فإذا بنى الرجل له دارا في أرضه المملوكة له، فليس له حق الاستطراق الى داره في الدخول و الخروج منها في أرض جاره، و لا حق له في إجراء مياه داره أو إلقاء كناستها و قمامتها في ملك جاره، أو أن يجعل في ملك جاره شيئا من مرافق داره، إلا إذا اذن له الجار بما يريد، و إذا اذن له بشي ء منه فإنما هي رخصته يجوز له الرجوع بها متى أراد، و كذلك إذا بنى الرجل حائطا أو شق له نهرا أو حفر بئرا في حدود أرضه المملوكة له، فلا يثبت لها حريم في ملك صاحبه كالحريم الذي يكون لها إذا أنشئت في الأرض الموات.

نعم، إذا سبق أحد المتجاورين فحفر له بئرا في أرضه أو استنبط عينا نابعة أو شق قناة أو نهرا، ثم أراد جاره أن يخرج مثل ذلك في ملكه و كانت بئره أو عينه أو قناته أو نهره الذي يريد إخراجه يضرّ بما فعله الأول وجب على الثاني ان يبتعد عنه بمقدار يرتفع به الضرر و ليس ذلك حريما أو حقا للجار في ملك الجار، بل لعدم جواز الإضرار به و قد ذكرنا هذا في المسألة السابعة و العشرين و المسألة الثلاثين.

(المسألة 40):

يجوز لكل واحد من الشخصين المتجاورين في الملك ان يتصرف في ملكه الخاص به كيف ما يريد، و لا يحقّ لأحد من الناس أن يمنعه من التصرف في ملكه

كلمة التقوى، ج 5، ص: 175

إلا إذا كان الشخص محجورا عن التصرف في ماله فيجوز للولي الشرعي عليه منعه بل و يجوز لغير الولي منعه أيضا من باب الحسبة مع وجود الشرائط.

و لا يجوز للمالك

أن يتصرف في ملكه تصرفا يوجب الضرر على جاره و مثال ذلك: أن يقطع الرجل نخلة من بستانه و هو يعلم أن النخلة إذا قطعها فستقع على حائط جاره فتهدمه أو على بعض مملوكاته فتحطمها، و أن يفعل في بيته فعلا يسبّب تصدع منزل جاره و خلل بنائه، أو يبنى كنيفا بالقرب من بئر جاره يوجب تعفّن ماء البئر و فساده، أو يحتفر بالوعة تسري الرطوبة منها الى جدران جاره فتتلفها.

و من ذلك: أن يحفر بئرا بالقرب من بئر جاره فتسحب ماءها أو تنقصه، أو يستخرج عينا تضعف جريان عينه، أو يشق قناة تضرّ بماء قناته و قد ذكرنا هذا في مسائل تقدمت.

و الظاهر انه ليس من الضرر المانع من التصرف أن يرفع الرجل بناء بيته على بيت جاره فيمنعه بسبب ذلك من تسلّط الشمس و الهواء على منزله و الاستفادة الصحيحة من ذلك، و لا يبعدان يكون من الإضرار المانع إذا كان الجار قد أعد الموضع من ملكه لجمع التمر فيه و تشميسه فأعلى الجار الآخر بناءه على الموضع و منع تسلط الشمس عليه و أوجب ذلك تلف التمر و الضرر بالمال و خصوصا إذا كان الجار صاحب البناء يعلم بوقوع هذا الضرر من قبل ذلك.

(المسألة 41):

لا يجوز لكل واحد من المتجاورين في الملك أن يتصرف في ملكه تصرفا يوجب وقوع الضرر على جاره، و يراد به الضرر الذي يعتد به العقلاء، و الذي لا يتعارف حدوث مثله بين الجيران، فلا يمنع منه إذا كان مما يتعارف حصول مثله

كلمة التقوى، ج 5، ص: 176

بينهم، و مثال ذلك: أن يتخذ الجار في بيته مخبزا و ان استوجب أذية الجار بالدخان، أو يتخذ في ملكه

محلا لدباغة الجلود و ان استلزم أذاه بالروائح، و نحو ذلك، و يأثم إذا هو فعل شيئا من ذلك بقصد إيذاء الجار.

(المسألة 42):

إذا تصرف المالك في ملكه تصرفا يستلزم ضرر جاره ضررا يمنع منه العقلاء و يحرمه الشارع، وجب عليه ان يترك ذلك التصرف و يرفع استمرار الضرر عن جاره، فإذا أوجب تصرفه في بيته تصدع حائط جاره أو خلل بنائه، ضمن له ذلك فيجب عليه أن يتدارك الخلل و التصدع بالإصلاح و إذا حفر بئرا بالقرب من بئر جاره فانقطع بذلك ماءها أو نقص لزمه ان يطم البئر التي حفرها و هكذا.

(المسألة 43):

إذا تردد أمر المالك بين أن يتصرف في ملكه فيقع الضرر على جاره بسبب هذا التصرف، و أن يترك التصرف فيقع الضرر على المالك نفسه بالترك، أشكل الحكم، و لا يترك الاحتياط اما بأن يتحمل المالك الضرر و يترك التصرف أو يرجع الطرفان الى المصالحة بينهما.

(المسألة 44):

إذا سبق أحد المالكين المتجاورين فحفر له بالوعة في ملكه أو بنى كنيفا، ثم حفر الثاني من بعده، بئرا في ملكه بالقرب من بالوعة جاره أو كنيفه فأوجب ذلك فساد ماء بئر الثاني و تغيره فلا اثم و لا ضمان على مالك البالوعة أو الكنيف، و لا يجب عليه رفعهما ليزيل الضرر عن صاحب البئر.

و كذلك إذا سبق أحدهما فاحتفر في أرضه بئرا ثم حفر الثاني في أرضه بئرا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 177

من بعده فلم يخرج الماء في البئر الثانية بسبب قرب البئر السابقة منها أو خرج الماء فيها ضعيفا فلا شي ء على السابق و لا يجب عليه طم بئره ليزيل الضرر عن صاحبه فان الضرر على اللاحق قد حصل بسبب تصرفه بنفسه في ملكه لا بسبب تصرف الأول في كلتا الصورتين.

(المسألة 45):

تكاثرت الأحاديث الواردة عن الرسول (ص) و عن خلفائه الأئمة المعصومين (ع) الدالة على حرمة إيذاء الجار، و على وجوب كف الأذى عنه و تنوعت في الدلالة على ذلك، ففي بعضها (ان الرسول اللّه (ص) أمر عليا و سلمان و أبا ذر، يقول راوي الحديث و نسيت آخر و أظنه المقداد أن ينادوا في المسجد بأعلى أصواتهم: انه لا ايمان لمن لم يأمن جاره بوائقه، فنادوا بذلك ثلاثا)، و عن أبي حمزة قال: (سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: (المؤمن من أمن جاره بوائقه، قلت ما بوائقه قال (ع) ظلمه و غشمه)، و في حديث المناهي عن الرسول (ص): (من أذى جاره حرم اللّه عليه الجنة و مأواه جهنم و بئس المصير، و من ضيّع حق جاره فليس منا، و ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)، و في

الخبر عن الامام جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام)، قال: (قرأت في كتاب على (ع): ان رسول اللّه (ص) كتب بين المهاجرين و الأنصار و من لحق بهم من أهل يثرب ان الجار كالنفس غير مضار و لا اثم، و حرمة الجار على الجار كحرمة أمه)! و لهذه النصوص و غيرها فيحرم على الجار إيذاء جاره، و يجب عليه كف أذاه عنه، سواء حصل الأذى بتصرف الإنسان في ملكه تصرفا يضرّ بجاره و يؤذيه أم بسبب أخر، فيكون بايذائه إياه عاصيا اثما.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 178

(المسألة 46):

و قد استفاضت الأخبار عنهم (صلوات اللّه عليهم) في الحث على حسن الجوار و التأكيد على حفظ حقوق الجيران، فعن الرسول (ص) انه قال (حسن الجوار يعمر الديار و ينسئ في الأعمار)، و عن الإمام أبي عبد اللّه (ع): (حسن الجوار يزيد في الرزق)، و في خبر أبي أسامة زيد الشحام قال: قال لي أبو عبد اللّه (ع): (اقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم و يأخذ بقولي السلام، و أوصيكم بتقوى اللّه (عز و جل) و الورع في دينكم و الاجتهاد للّه و صدق الحديث و أداء الأمانة و طول السجود و حسن الجوار، فبهذا جاء محمد (ص)، و عنه (ع) في حديث أخر: (أما يستحيي الرجل منكم أن يعرف جاره حقه و لا يعرف حق جاره)، و عن العبد الصالح (ع): (ليس حسن الجوار كفّ الأذى، و لكن حسن الجوار صبرك على الأذى)، و قد تكرر في أحاديثهم (ع): (ان الصبر على أذى الجار و على أذى المؤذين من الناس مما يوجب الأجر الكريم عند اللّه، و انه سبحانه يمتحن العبد المؤمن بالجار المؤذي أو

بالقرين المؤذي من أهل بيته أو أرحامه أو بالرفيق المؤذي في سفره أو حضره ليؤجره بذلك إذا صبر) و ورد عنهم (ع): (من كف أذاه عن جاره أقاله اللّه عثرته يوم القيامة).

و لعل المراد بذلك أن يكظم الرجل غيظه مع إيذاء جاره له، و يصبر نفسه على تحمل الأذى منه، و يكف نفسه عن مجازاته بالأذى مع قدرته على ذلك ابتغاء لمرضاة اللّه سبحانه فيستحق بذلك أن يقيله اللّه عثرته في يوم الجزاء.

و قد ذكرنا في أخر كتاب الصلح في الجزء الرابع من هذه الرسالة مسائل تتعلّق بأملاك المتجاورين فليرجع إليها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 179

الفصل الثالث في تحجير الأرض الميتة و الحمى منها
(المسألة 47):

إذا سبق إنسان إلى قطعة من أرض ميتة و لا يد لأحد من الناس فحجر تلك القطعة كما يأتي بيانه كان أولى من غيره في إحيائها و التصرف بها، فلا يحق لغيره أن يضع يده عليها أو يحييها إلا بإذن من حجرها، و إذا أحياها الغير بدون رضاه لم يملكها، و لذلك فقد اشترطنا في صحة إحياء الأرض الموات و في حصول الملك به: ان لا تكون الأرض قد حجرها أحد ممن تحترم حقوقه في الإسلام، إلا إذا كان المحجر قد أسقط حقه من الأولوية بالأرض، و أباحها لذلك المحيي أو أباحها لكل من يرغب في إحيائها، أو عرض له ما يوجب سقوط حقه.

(المسألة 48):

تحجير الأرض هو أن يحدث الشخص فيها ما يدل على اختصاصه بها و منع الآخرين منها لغرض يقصده العقلاء، و سيأتي توضيح المقصود من هذا القيد في بعض المسائل الآتية.

و من أمثلة التحجير: أن يبني الرجل حول الأرض المقصودة له سورا كبيرا أو صغيرا يحيط بها، أو يسدّ حولها سدا من الطين أو غيره، أو يحيطها بحجارة أو يبني من حولها مروزا، أو يحفر أساسا أو يغرز خشبا أو جريدا أو قصبا، أو يحيطها

كلمة التقوى، ج 5، ص: 180

بسرك أو قضبان من الحديد و نحو ذلك. و لا يكفى أن يخط من حول الأرض خطة.

و الظاهر انه يكفي في تحقق التحجير أن يبسط المحجر جميع الأرض و يقتلع الإشراك و الطفيليات منها، و إذا فجّر في الأرض عينا نابعة ملك العين، و اختص بحريمها من الأرض من جميع جوانب العين، و إذا شق للعين قناة أو أجرى منها نهرا ملك القناة و النهر، و استحق ما يتبعهما من الحريم، و

كذلك إذا استخرج فيها بئرا فيملك البئر و يستحق حريمها من الأرض و قد سبق ذكر جميع هذا مفصلا.

و هل يعدّ إخراج العين أو البئر أو شق القناة أو النهر في الأرض تحجيرا لها و ان لم يسقها بعد بالماء كما يراه بعض الأعلام فيه اشكال، و إذا هو بسط الأرض من حول ما أخرجه فيها و سقاها من الماء كان ذلك تحجيرا للأرض و شروعا في إحيائها بلا ريب.

(المسألة 49):

إذا عمد الرجل إلى أرض قد غمرها الماء و أصبحت من الأهوار منبتا للبردي و القصب أو أجمة تلتف فيها الأشجار غير المثمرة، فجفف الماء و أظهر الأرض كان ذلك تحجيرا لها و كان ذلك الرجل أولى بها من سواه، و كذلك إذا قلع ما فيها من نبات و طفيليات كان ذلك تحجيرا و ان لم يجف الماء بعد، و إذا اقتلع الشجر و النبات من جذوره و جفف الماء فقد حجر الأرض و بدأ في عمارتها و إحيائها.

(المسألة 50):

لا يتقيد تحجير الأرض على الأقرب بأن يكون التحجير لإرادة إحياء الأرض و تعميرها كما يظهر من بعض الأكابر، فإن التحجير قد يحصل لغرض أخر

كلمة التقوى، ج 5، ص: 181

من الأغراض المطلوبة عند العقلاء المتعارفة في ما بينهم، كما أشرنا الى هذا في المسألة الثامنة و الأربعين، فقد يحجر الإنسان أرضا ميتة فيسورها لتكون مقبرة مسبلة لأهل البلد، و قد يحجرها ليبقيها أرضا خالية و يتخذها مراحا لماشيته و أنعامه، و قد يحجرها ليبقيها كذلك و يتخذها موضعا يجمع فيه حاصلاته من التمور أو الحبوب أو غيرها، و يعدها فيه للحمل و النقل، و قد يحجرها فيجعلها موضعا بارزا يجتمع فيه أهل بلده أو طائفته في مناسباتهم الدينية فيكون مصلى لهم في العيد مثلا، أو عند الاستسقاء، أو في مناسباتهم العرفية أو الوطنية التي لا بد لهم منها، أو لغير ذلك من الغايات و الأغراض المهمة، و لا مانع من ذلك على الظاهر خصوصا مع توفر الأراضي الموات لكل من يريد إحياء أرض و تملكها بحيث لا يزاحم حقوق الآخرين في ذلك.

و قد يريد الفقهاء القائلون بتقييد التحجير بإرادة إحياء الأرض ما يشمل مثل ذلك

مما يحتاج اليه الناس عادة، و ان كانت الأرض لا تزال فارغة من غير التحجير.

(المسألة 51):

يعتبر في التحجير أن تكون العلامات التي يجعلها الرجل في الأرض دالة على اختصاصه بالأرض، و دالة على تحديد القطعة التي يريدها من جميع جهاتها فعليه أن يحجرها من جوانبها الأربعة إذا كانت القطعة في وسط الأرض الموات و يكفيه تحديدها من ثلاث جهات إذا كانت في الجهة الرابعة تنتهي إلى موضع مملوك أو محجر لأحد من الناس، أو تنتهي إلى شط أو بحر مثلا، و يكفيه التحديد من جهتين إذا كانت من الجهتين الباقيتين تنتهي الى بعض المذكورات فإذا أراد الرجل تحجير بعض الشاطئ و كان البعض الذي يريد تحجيره ينتهى من

كلمة التقوى، ج 5، ص: 182

جهة اليابسة إلى أرض مملوكة أو محجرة لأحد كفاه أن يحجره من جهتين، و اما من ناحية الشط أو البحر فإنما يفتقر الى تحجيره إذا أبقى من الشاطى فضلة لا يريد الاختصاص بها، أو افتقر الى السد ليمنع الماء عن أرضه و يبدأ بإحيائها أو الانتفاع بها.

(المسألة 52):

تحجير الإنسان للأرض الميتة يوجب كونه أحقّ بالقطعة المحجرة من غيره، و لا يكون مالكا لها إلا بالاحياء، و لذلك فلا يصح له بيع الأرض التي حجرها و لا وقفها الا بعد إحيائها و تملكها.

و الحق الذي يثبت للرجل بتحجير الأرض قابل للانتقال منه الى غيره، فإذا مات قبل أن يحيي الأرض انتقل حقه فيها الى وارثه من بعده، و هو أيضا قابل لأن ينقله المحجر في حياته باختياره الى الغير فيصح له أن ينقله إليه بالمصالحة بعوض و بغير عوض، و يصح له ان يجعل حق التحجير بعد أن يثبت له شرعا في الأرض ثمنا لشي ء يشتريه فيملك الشي ء الذي اشتراه و ينتقل حق التحجير إلى البائع و يصح

أن يجعله عوضا في مصالحة تقع بينه و بين غيره، و أن يجعله عوضا عن شي ء يستأجره من مالكه، و أن يكون مهرا في عقد النكاح، و عوضا في الخلع و المبارأة، و يجوز له أن ينقله الى غيره بالهبة، و قد ذكرنا هذا في كتاب الهبة و ان كان ذلك خلاف القول المشهور، فإذا نقل الرجل حق التحجير الذي ثبت له في الأرض إلى غيره بأحد الأسباب التي ذكرناه أصبح الحق لذلك الغير، فيكون أولى بالأرض المحجرة من غيره، و لا يملك الأرض الا بإحيائها و تسقط بالنقل أولوية المحجر الأول.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 183

(المسألة 53):

لا يشترط في صحة تحجير الأرض الميتة أن يتولى الشخص المحجر تحجير الأرض بنفسه فيصح له أن يوكّل فيه إنسانا غيره و أن يستأجره ليحجر له الأرض على الوجه الذي يحدده في عقد الوكالة أو الإجارة بينهما، فإذا حجرها الوكيل أو الأجير وفقا لما يريده الأصل صح عملهما و ثبت الحق للأصيل المنوب عنه فكان أولى بالأرض من غيره، و لا حق فيها للوكيل و الأجير.

(المسألة 54):

إذا تبرع أحد عن زيد مثلا فحجّر له أرضا مواتا متبرعا له بعلمه من غير استنابة و لا توكيل من زيد نفسه، و قبل زيد منه تبرعه على أشكل الحكم بصحة التحجير لزيد، و كذلك إذا حجر الأرض بالنيابة عنه على نحو الفضولية في النيابة و أجاز الأصيل نيابة و تحجيره ففي صحة ذلك اشكال، و لا يترك الاحتياط بالمصافحة و المراضاة بينهما في كلتا الصورتين.

(المسألة 55):

إذا حجر الإنسان أرضا مواتا بقصد أن يحييها و يتملكها بعد التحجير، ثم بدا له بعد ما حجرها بهذا القصد أن يستعمل الأرض في وجهة أخرى من الغايات المتعارفة، فيتخذها مراحا لما لماشيته أو يسبلها مقبرة لدفن الموتى من أهل قريته أو يجعلها لغير ذلك من وجوه الانتفاع بها جاز له ذلك، و نظيره في الحكم ما إذا حجر الأرض لبعض الغايات و الوجوه المذكورة ثم بدا له أن يعمر الأرض و يحييها فيجوز له ذلك و لا يتعين عليه أن ينتفع بالأرض في الجهة الأولى التي قصدها عند

كلمة التقوى، ج 5، ص: 184

التحجير، و لا يسقط حقه من الأولوية بالأرض بسبب عدوله عن الغاية الأولى الى الغاية الثانية.

(المسألة 56):

انما يثبت للإنسان حق الأولوية بالأرض الموات بتحجيرها، و يكون له منع غيره عن التسلط عليها إذا كان قادرا على اعمار الأرض، و توجيهها في الوجهة المقصودة له، المتعارفة بين العقلاء من تحجير الأرض فإذا حجر الأرض و هو عاجز عن إحيائها أصلا، فلا يستطيع أن يقوم بعمارتها بنفسه و لا بالتوكيل أو الاستئجار لغيره، و لا يجد الأسباب التي تمكنه من الإحياء، و لا يقدر أن يوجه الأرض وجهة أخرى من الغايات الصحيحة، فلا اثر لتحجيره، و لا تكون له أولوية على غيره في الأرض المحجرة.

و كذلك إذا حجّر أرضا مواتا تزيد على مقدار ما يمكنه تعميره و إحياؤه منها و ما يمكنه استعماله و الانتفاع به من الوجوه الصحيحة غير الاحياء، فيثبت له حق التحجير في المقدار الذي يستطيع استعماله منها، و ينتفي حقه في الزائد الذي يعجز عنه.

و يتفرع على ذلك انه لا يصح للرجل أن يحجر أرضا يعجز عن استعمالها كما

ذكرنا، ثم ينقل حقه من الأرض إلى غيره بمصالحة أو هبة أو بإحدى المعاملات التي يصح نقل حق التحجير بها، فان حق التحجير لا يثبت له في الفرض المذكور حتى يصح له نقله الى غيره بعوض أو بغير عوض.

(المسألة 57):

يجوز لمن حجر أرضا مواتا و ثبت له حق التحجير فيها على الوجه الصحيح

كلمة التقوى، ج 5، ص: 185

أن يسقط حقه من الأرض باختياره، و يجوز له أن يعرض عنه كما يعرض عن سائر مملوكاته و أمواله، فإذا هو أسقط الحق باختياره أو أعرض عنه زال حقه بذلك و عادت الأرض مباحة لأي أحد يريد إحيائها من الناس، و ان كانت آثار التحجير لا تزال موجودة في الأرض، و كذلك إذا زالت آثار التحجير منها، و دل ذهابها على أن محجرها قد أعرض عن حقه فيها، و مثال ذلك: أن تنمحي آثار التحجير، و تبقى الأرض مهملة غير محجرة مدة من الزمان و صاحب الحق يراها و لا يلتفت إليها و هو قادر على إحيائها أو اعادة تحجيرها على أدنى التقادير.

(المسألة 58):

إذا تعمد أحد من الناس فأزال آثار التحجير من الأرض لم يزل حق التحجير ثابتا لصاحبه و هو المحجر الأول، و كذلك إذا زالت الآثار بعاصف من الريح أو مطر شديد أو شبه ذلك فلا يزول بذلك حق صاحب الحق و خصوصا مع قصر المدة، و إذا انمحت آثار التحجير من الأرض لطول المدة أشكل الحكم بزوال حق التحجير بذلك.

(المسألة 59):

إذا حجر الإنسان لنفسه أرضا ليحييها و يتملكها، لزمه بعد التحجير أن يشرع بعمارة الأرض أو يبدأ بمقدمات ذلك إذا كان تعميرها يتوقف على مقدمات و لا يجوز له أن يهمل الأرض و يترك إحيائها، و إذا أهمل المحجر الأرض التي حجرها و مضت على ذلك مدة فالأحوط لغيره إذا أراد وضع اليد عليها و إحياءها أن يرفع الأمر إلى الحاكم الشرعي إذا كان موجودا و مبسوط اليد، فيلزم من حجر الأرض اما أن يختار تعمير الأرض و إحياءها فلا تبقى معطلة، و اما ان يرفع يده عن

كلمة التقوى، ج 5، ص: 186

الأرض لمن شاء من الناس.

و إذا أظهر المحجر لنفسه عذرا مقبولا، فادعى أنه يريد التفرغ لتعمير الأرض من بعض أعماله و مشاغله مثلا، أو أنه ينتظر قدوم عمال يعتمد عليهم، أو يطلب الحصول على آلات صالحة يعمر بها الأرض، أمهله الحاكم مدة يزول فيها عذره، فإذا انقضت المدة و لم يبدأ بتعمير الأرض بطل حقه من تحجير الأرض جاز لغيره ان يقوم بعمارتها.

(المسألة 60):

إذا طالت مدة إهمال المحجر للأرض بعد تحجيرها فلم يعمرها و لم يوجد الحاكم الشرعي ليخيّره بين تعمير الأرض و رفع اليد عنها أو كان الحاكم غير قادر على ذلك، فالأحوط أن يراعي للمحجر حق تحجيره للأرض إلى مدة ثلاث سنين فإذا انقضت المدة سقط حقه و جاز لغيره إحياء الأرض، و كذلك الحكم إذا حجر الأرض لبعض الغايات الأخرى التي يصح التحجير لها، فإذا هو أهمل و لم يستعملها في الوجهة المقصودة جرت فيها الفروض التي ذكرناها في هذه المسألة و سابقتها و انطبقت عليها الاحكام التي بيناها.

(المسألة 61):

الحمى من الأرض حق مخصوص يتولى جعله و تعيينه ولي الأمر في الإسلام، و هو الرسول (ص) و الإمام المعصوم من أوصيائه (ع) لأنهما أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا حمى موضعا معينا من الأرض أو قطعة أو أكثر منها فجعلها لجهة من مصالح المسلمين العامة أو الخاصة أو لما شاء من الأمور كما تقتضيه ولايته التامة العامة، لم يجز لأحد من الناس ان يتسلط على ذلك الحمى

كلمة التقوى، ج 5، ص: 187

و يتصرف فيه بتحجير أو أحياء أو انتفاع في غير الجهة التي عينها ولي الأمر (ع).

و قد ذكر في كتب التاريخ و في كتب السيرة النبوية ان الرسول (ص) قد حمى النقيع، و هو موضع في المدينة، فجعله مرعى لإبل الصدقة و الجزية، و لخيل المجاهدين، لم بذكر انه (ص) حمى لنفسه موضعا أو قطعة من الأرض، و لم يذكر كذلك أن الوصي المعصوم (ع) قد حمى من بعده أرضا لمثل ذلك، و قد تقدم ذكر اقطاع الرسول و الإمام عليهما السلام لبعض المسلمين و الإقطاع غير الحمى.

(المسألة 62):

لا يجوز لغير الرسول و الامام المعصوم (عليهما السلام) أن يحمي موضعا أو قطعة من الأرض، و إذا حماه غيرهما لم تترتب عليه أحكامه.

و إذا أحيى الرجل ضيعة فملكها بالإحياء أو ملكها بغير الاحياء من الأسباب الشرعية للتملك، و أراد أن يعين موضعا من ملكه فيجعله مرعى خاصا لماشيته و أنعامه، أو لمواشي أرحامه أو أهل قريته، جاز له ذلك، و اختص الموضع بالجهة الخاصة التي عيّنها مالك الأرض، و هو أمر أخر غير الحمى من الأرض الموات الذي يختص بجعله ولي المسلمين (ع).

كلمة التقوى، ج 5، ص: 188

الفصل الرابع في ما يحصل به إحياء الأرض الميتة
(المسألة 63):

تختلف كيفية إحياء الأرض الموات باختلاف الوجهة التي يبتغيها الإنسان من إحيائها و الغرض الذي يطلبه من عمارتها، فإن الإنسان قد يعمر الأرض ليجعلها دارا يسكنها أو يؤجرها، و قد يعمرها لتكون ضيعة له أو بستانا أو مزرعة ينتفع من ثمرها و حاصلها، و قد يحييها فيفجر فيها عينا جارية، أو يحفر فيها بئرا نابعة، أو يشق في الأرض قناة أو نهرا، و يجرى فيهما الماء من العين أو البئر و يسقى مزرعته أو ضيعته أو قريته، و لا ريب في ان عمارة كل واحد من هذه الأشياء و إحياءه يختلف عن غيره و المرجع في جميع ذلك الى العرف الموجود بين الناس في صدق تعمير الجهة التي يريدها الإنسان و إحيائها.

(المسألة 64):

يتوقف إحياء الأرض قبل الشروع فيه على رفع الموانع التي تكون في الأرض عن قبول الاحياء و التعمير، فقد تكون الأرض منبتا للأشواك و الحسك و السلم و ما يشبه ذلك من النباتات الخشنة، فلا يمكن إحياء الأرض حتى يزال منها جميع ذلك، و تصبح نقية منها و من جذورها و قد يكون وجه الأرض قد استولى عليه السبخ أو الرمل الناعم أو الحصى الخشق فلا تكون قابلة للتعمير الا بعد تنقيتها من ذلك، و قد تكون مما كثرت فيها التلول و الهضاب و الأودية، فلا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 189

تمكن عمارتها الا بعد تسوية الأرض و بسطها و إزاحة ما فيها من العقبات المانعة و قد تكون الأرض قد استأجمت لغلبة الماء و الأشجار و النباتات الغريبة عليها و لا بدّ قبل الشروع في الاحياء من تجفيف الماء عنها، و قلع ما فيها من النبات و الشجر الذي يمنع من ذلك

و تسوية الأرض، و طم الحفر و ازالة الجذور.

(المسألة 65):

إذا عمر الإنسان حجرة في الأرض الميتة فبنى جدرانها الأربعة و وضع عليها سقفها على الأحوط فيه و أصبحت بذلك صالحة للسكنى، فقد احيي موضع الحجرة من الأرض و ملكه بالاحياء و ان لم ينصب لها بابا، و كذلك إذا بنى في الأرض بيتا من قصب أو من خشب أو حديد أو غيره و سقف البيت، و أصبح البيت قابلا للسكنى فيه فقد أحيى الموضع و ملكه، و إذا أدار حول الحجرة التي بناها و الساحة حائطا يسورهما من جوانبهما فقد عمر الدار و عمر ساحتها و أحياها و ملك الأرض و الدار بذلك و ان لم ينصب للحجرة أو للدار بابا.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 5، ص: 189

و إذا بنى جدارا حول القطعة التي يختارها من الأرض فسؤّر القطعة بالجدار من جميع جهاتها ثم بنى فيها قواطع تامة لحجرة واحدة أو أكثر و أتم ذلك بحيث عدت حجرا في نظر أهل العرف، فقد عمر بذلك الدار و ساحتها و ملك الجميع و ان لم يسقّف الحجر و لم ينصب أبوابها.

و مثل ذلك: ما إذا بنى الحائط و البيوت من القصب أو من الخشب شبهها فيتم بذلك تعمير المنزل و إحياؤه و يتملكه المحيي و ان لم تسقف البيوت و لم تنصب الأبواب.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 190

(المسألة 66):

لا يكفي في تعمير الدار و إحيائها ان يبني الجدران المحيطة بها ما لم يبن معها القواطع التي تكون فيها و لو لحجرة واحدة كما ذكرنا في المسألة المتقدمة فلا تحيي الدار الا بذلك كله و لا تملك، و يكفى

بناء الجدران المحيطة بالأرض إذا أراد تعمير حظيرة للحيوان، فيتم له بذلك إحياؤها و يتحقق له ملكها، و إذا هو أحياها بذلك حظيرة و ملكها، ثم بدا له أن يجعلها دارا أو مزرعة أو شيئا أخر، جاز له ان يفعل فيها ما يشاء، و لا يزول ملكه للأرض بعد الاحياء و التملك و ان تغير قصده الأول إلى القصد الثاني.

(المسألة 67):

الظاهر انه يكفي في تعمير القطعة من الأرض الميتة ليجعلها الرجل موضعا لجمع التمر و تشميسه و تنقيته و كبسه، أو موضعا لجمع الحبوب أو الثمار و المخضرات و اعدادها فيه للحمل و النقل، أن تزال الموانع التي تكون في الأرض من حشائش و اشواك و حجارة و تطم الحفر، و تبسط الأرض و يتم اعدادها و تهيئتها للمقصد الذي يريده المحيي، و لا يتوقف على بناء أو سقف إلّا إذا احتاج الى ذلك ليحفظ الثمار من مطر و شبهه أو يحفظها من سرّاق و غيرهم.

و إذا عمر الأرض كذلك بهذا القصد فقد أحياها و ملكها، و إذا بدا له بعد التملك أن يجعل الأرض دارا أو عقارا أو مزرعة جاز له ان يفعل فيها ما يشاء و لم يزل ملكه عنها بتغير قصده السابق كما قلنا في نظيره المتقدم.

(المسألة 68):

يكفي في تعمير القطعة من الأرض الموات لتكون إصطبلا للخيل و الدواب

كلمة التقوى، ج 5، ص: 191

أن يبني الرجل فيها جدارا يحيط بثلاث جهات منها، و يبني فيها بعض المعالف و الأحوط أن يسقف و لو بعضه، فإذا فعل ذلك فقد عمر ما في هذه الحدود من الأرض في نظر أهل العرف و إذا بنى الجدار في الجهة الرابعة فقد أحيى جميع ما بين الجدران من الأرض و ملكه من غير اشكال، و الظاهر عدم الحاجة الى السقف في تحقق الاحياء في هذه الصورة.

(المسألة 69):

إذا أراد الإنسان أن يحيي الأرض الموات و يتخذها دكاكين ينتفع بالتكسب و الاتجار فيها، أو بإجارتها على الناس، كفاه أن يبني في الأرض جدارا مستطيلا بقد حاجته منها و يبني على الجدار قواطع تامة للدكاكين تحدد مقاديرها و مواضع الأبواب منها، فإذا فعل ذلك فقد عمر الأرض و الدكاكين و أحياها و ملكها بذلك، و ان لم يضع على الدكاكين سقفا و لم ينصب لها أبوابا.

و تتبع الدكاكين من الأرض الموات مما يلي مواضع الأبواب مقدار الطريق الى الدكاكين في السلوك و الدخول و الخروج، و مرور الأثقال و البضائع و أدوات النقل و الحمل، و مرور العابرين و المترددين إليها بما يفي بالحاجة المتعارفة في البلد، فيكون ذلك حريما للدكاكين و الأرض المملوكة و حقا لمالكها، و لا يجوز لغيره من الناس أن يتسلط أو يتصرف في هذا الحق، و إذا عمره مالك الدكاكين طريقا إليها كان ملكا له.

(المسألة 70):

إذا احيي الرجل له دارا أو دكاكين من الأرض الميتة على الوجه الذي أوضحناه استحق من الأرض المميتة طريقا يسلكه الى داره أو دكاكينه مما يلي

كلمة التقوى، ج 5، ص: 192

الأبواب، و إذا عمر غيره من هذه الأرض الميتة دارا أو دكاكين تقابل عمارة الأول في البناء و الأبواب اشتركا في الطريق بينهما، و لا يجوز للثاني أن يزاحم الأول في مقدار حريم ملكه، فيبني فيه و قد تقدم ذكر هذا.

و إذا أسس الرجل عمارة داره أو دكاكينه متصلة في أرض مملوكة لغيره لم يجز له ان يتخذ له طريقا في ملك جاره إلا باذنه، و قد تقدم تفصيل هذا في الفصل الثاني.

(المسألة 71):

قد يحتاج الإنسان بحسب العادة الجارية و المتعارفة في العصور الحديثة الى حديقة خاصة تلحق بداره و لا يتم الانتفاع بالدار في هذه الأزمان إلا بها، فيكون مقدار الحديقة من الأرض الميتة المتصلة بالدار حريما يتبع الدار بعد تعميرها و تملكها، و يكون حقا من حقوق مالك الدار، و المرجع في تحديد مقدار ذلك الى العرف الموجود بين أهل البلد، و لا يجوز لأحد مزاحمته فيه، كما هو الحكم الثابت في نظائره، و إذا سوره مالك الدار كما تسور الحدائق الخاصة و وصله بعمارة داره فقد أحياه و ملكه و ان لم يغرس أو يزرع فيه شيئا.

(المسألة 72):

تتوقف عمارة الأرض الموات ليجعلها الإنسان مزرعة، على أن ينقى الأرض من الموانع و الطفيليات التي تميت الزرع، أو تضعف نموّه، أو تقلل نتاجه و تتوقف أيضا على تسوية الأرض و بسطها ليستقيم زرعها و يعمّ، و يسهل سقيها عند الحاجة، و هذا مما تشترك فيه أنواع المزارع و أصنافها.

و تستثنى من ذلك السهول و التلال القابلة بنفسها للزرع و التي تكتفي في

كلمة التقوى، ج 5، ص: 193

سقيها بماء المطر و الطل، فلا تحتاج إلى تسوية و بسط.

و الظاهر أن تعمير الأرض الميتة لتكون مزرعة من أي أنواع المزارع و أصنافها يحصل بأعداد الأرض أعدادا كاملا و تمهيدها للزراعة التي يقصدها ذلك الشخص، و تهيئة وسائل سقيها من تفجير عين أو حفر بئر أو شق نهر و مجاري و سواقي، و اعداد دلاء أو ناعور أو مكينة، بحيث يصدق على الأرض في نظر أهل العرف انها مزرعة.

و لا يعتبر في تعمير الأرض لذلك أن تحرث بالفعل أو تزرع أو تسقى بالماء، فان جميع ذلك مما يتوقف عليه

حصول الانتفاع بالمزرعة بعد إحيائها و بعد صدق اسم المزرعة، فإذا أعد الإنسان الأرض كما ذكرنا و حفر لها سواقيها و هيأ الوسائل لسقيها فقد عمر المزرعة و أحياها و ملكها و ان لم ينتفع بها الا بعد الحرث و الزرع و السقي و النّمو بل و الاثمار و الإنتاج.

(المسألة 73):

إذا كانت الأرض الميتة بذاتها صالحة للزراعة بالفعل بحيث لا تحتاج الى عمل و اعداد و تهيئة لذلك، و كانت تكتفي في سقيها بماء السماء بحيث لا تحتاج الى شق سواقي و إحضار وسائل، احتاجت الى تحجير يفصل القطعة التي يريدها الرجل و يرغب في إحيائها عن بقية الأرض من جميع جوانبها بسور صغير أو كبير يفصل ما بينهما، أو بنصب مروز، أو جمع تراب في حدود القطعة المطلوبة، فتعيّن مزرعته عن سائر الأرض، لئلا تشتبه الحدود و تلتبس الحقوق، و يحصل التعمير بحرث الأرض و زرعها بالفعل، و يكثر وجود هذا الفرض في الأراضي المهيأة بنفسها لزراعة الحنطة و الشعير، و التي تكتفي في السقي و الارتواء بماء المطر

كلمة التقوى، ج 5، ص: 194

و نحوه أو بامتصاص المزروعات فيها من مياه الأرض لقرب منابع العيون و توفر الماء.

(المسألة 74):

تختص مزارع الأرز في بلاد العراق و ما أشبهها بأن المزرعة تكون قريبة من الأنهار الكبيرة التي تزيد في مواسم الزيادة و يختلط ماؤها برواسب الطين مثل دجلة و الفرات و روافدهما و فروعهما، و تكون أرض المزرعة منخفضة في العادة عن مستوي الماء في النهر أو أن الزارع نفسه يعد الأرض كذلك، و يفتح لها ساقية من النهر حتى يمتلئ قاع المزرعة بالماء المختلط بالطين، فإذا رسب الطين في أرض المزرعة و صفا فوقه الماء فتح له منافذ على مجاري قد أعدها لينحدر إليها الماء الصافي الفاضل عن الحاجة و تكون الزراعة في الطين الراسب في قاع المزرعة و الماء المختلط بالطين فوقه، و هذه أمور يعرفها الزارع من أهل هذا الصنف، و يد أبون في العمل عليها.

و تعمير مثل هذه المزرعة ان يعدها

الزارع بعمله فيها لتكون صالحة لما يريد و مهيأة للانتفاع بها حين الزراعة و بذلك يكون قد أحياها و ملكها.

(المسألة 75):

إذا أراد الإنسان ان يعمر الأرض الميتة ليجعلها ضيعة له أو بستانا لزمه أن يعد الأرض لذلك و يمهدها و يهيئ، وسائل السقي على النحو الذي ذكرناه في المسألة الثانية و السبعين، و أن يغرسها بعد الاعداد و التمهيد نخيلا أو شجرا أو كليهما، و لا يتوقف صدق تعمير الضيعة أو البستان في نظر أهل العرف على أن يسوّر الأرض بجدار و شبهه، و لا على سقى الغرس إذا كان له من رطوبة الأرض أو

كلمة التقوى، ج 5، ص: 195

من ماء السماء ما يكفيه لاستعداده للنّمو.

(المسألة 76):

يتحقق اعمار العين في الأرض بأن يحفر الأرض حتى ينبع ماء العين سواء نبع قليلا أم كثيرا، و كذلك تعمير البئر، و إذا حفر الأرض و لم ينبع الماء في العين أو البئر لم يتحقق إحياؤهما و لم يملكهما، و يكون الحفر تحجيرا للأرض التي حفرها فيثبت للحافر حق الأولوية بها من غيره.

و يتحقق تعمير القناة بشقها في الأرض و إخراج العين أو البئر التي يجري ماء القناة منها، و كذلك الحكم إذا كانت القناة قديمة دارسة، فلا تعمر الا بإصلاح شق القناة و إخراج العين أو البئر حتى يجري الماء في القناة منهما، و يتحقق اعمار النهر بحفره في الأرض الى أن يصل الى الشط أو النهر الكبير الذي يجري فيه الماء المباح و تستقي منه الأنهر المتفرعة، و لا يعتبر في حصول تعميره أن يجري الماء فيه بالفعل، فإذا حفر الإنسان النهر الى ما يقرب من الشط و أبقى بينهما فاصلا صغيرا يزيله من احتاج الى إجراء الماء في النهر فقد احيى النهر و ملكه.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 196

الفصل الخامس في المشتركات بين الناس
اشارة

و يراد بالمشتركات الطرق العامة و المساجد و المدارس و الرباطات و المياه و المعادن، و لا تنحصر المشتركات بين الناس في حكم الشريعة بالأشياء المذكورة، و لكن هذه المعدودات أمور اعتاد الفقهاء (قدس اللّه أسرارهم) أن يبحثوا عنها في هذا الكتاب تبعا لإحياء الموات.

(المسألة 77):

الطريق النافذ من طرق البلد أو القرية حق عام يشترك فيه الناس كافة، و لا يختص به أصحاب الدور و المنازل التي تشرع أبوابها في ذلك الطريق دون غيرهم.

و الطريق النافذ هو الذي يتصل من أخره بطريق عام من طرق البلد أو بأكثر أو يتصل بساحة من ساحاته العامة، و لذلك فيكون من الممكن لعامة الناس أن يستطرقوا فيه، و يعبروا لحاجاتهم و مقاصدهم في الذهاب و الإياب، و في المرور من موضع الى موضع، و يسمى كذلك بالشارع العام و الطريق العام، و يقابله الطريق غير النافذ، و هو الذي تقطعه من أخره دار مملوكة أو ما يشبهها، و لذلك فلا يمكن العبور منه و النفوذ الى غيره من الطرق أو الساحات في البلد، و يسمى أيضا الطريق الخاص، و الدريبة، و السكة المقطوعة، و سنتعرض لبيان بعض أحكامها في ما يأتي من المسائل ان شاء اللّه تعالى.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 197

(المسألة 78):

الشارع العام في البلد أو في القرية حق شرعي عام يشترك في إباحة الانتفاع به الناس كافة، و لا يختص جواز الانتفاع بالمرور و الاستطراق فيه، و ان كان هذا هو الفائدة المهمة الملحوظة عند جعل الطريق للناس، بل يجوز الانتفاع به في الجهات الكثيرة الأخرى التي تتعلق بالمرور، فيجوز للمارّ فيه ان يقف في الطريق و أن يجلس مع أصحابه و غيرهم للاستراحة أو للمكالمة في بعض الأمور، و يصح له الوقوف أو الجلوس فيه لانتظار أحد، أو لانتظار وسيلة نقل، و يجوز له وضع بعض الأمتعة أو بعض الأثقال و الأحمال في الطريق لينقلها الى داره، أو الى موضع أخر، و أمثال ذلك من الانتفاعات المتعارفة بالطريق، و ان

زاحم بعض المارة فيها.

بل، و يجوز للرجل أن ينتفع بالطريق العام في جهات لا تتعلق بالاستطراق و المرور إذا هو لم يزاحم المارين و لم يضرّ بالمرور، فيجوز له أن يتخذ من بعض جوانبه مجلسا يجتمع فيه مع أصدقائه، و يجوز له النوم فيه و إحضار الطعام لبعض أصحابه، و أداء الصلاة، و ما يشبه ذلك من الانتفاعات، و يجوز له أن يجلس في الشارع أو يقف للبيع و الشراء و المعاملة، و ان يضع فيه بعض الأمتعة و الأثاث أو الفاكهة أو المأكولات الأخرى و المشروبات لبيعها، و يتخذه موضعا لكسبه و حرفته في التعيش، إذا هو لم يضايق المارة و لم يضر بالمرور، و لا يحق لغيره أن يمنعه أو يزعجه عن الموضع إذا سبق إليه.

(المسألة 79):

إذا جلس الرجل في الطريق العام للاستراحة فيه، أو للتنزه أو للتحدث مع بعض أصحابه أو للانتظار، ثم قام من موضعه بعد انتهاء غرضه من الجلوس، فلا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 198

حق له في الموضع، فإذا جلس غيره في المكان لم يجز للأول منعه أو إزعاجه من الموضع.

و إذا جلس أو وقف في موضع من الشارع العام و وضع فيه متاعه و رحله للبيع و الشراء و التكسب، ثم قام من موضع و رفع منه رحله و متاعه زال بذلك حقه من المكان، فإذا جلس في المكان غيره لم يجز للأول أن يمنعه أو يزعجه عن الانتفاع بالمكان.

و إذا ترك الأول مكانه من الشارع و أبقى فيه بساطا أو فراشا أو نحو ذلك ليعود الى المكان بعد قيامه منه، أشكل الحكم بزوال حقه من الموضع و عدم زواله و الأحوط الرجوع الى المصالحة، و أشدّ من

ذلك اشكالا ما إذا قام الرجل الأول من المكان و أبقى المتاع في موضعه ليعود الى بيعه، بل الحكم ببقاء حقه في المكان في هذه الصورة لا يخلو من وجه، و الاحتياط سبيل السلامة.

و إذا ذهب من موضعه في الشارع و أبقى متاعه في مكانه كما قلنا و استناب أحدا ليتولى البيع و الشراء في المتاع و المكان بالنيابة عنه ما دام غائبا عن متاعه لم يزل حقه، فلا تجوز لغيره من الناس مزاحمته أو مزاحمة نائبه أو ازعاجهما عن المكان، و ليس من الاستنابة التي ذكرنا حكمها أن يخلف الرجل الأول بعد قيامه من الموضع رجلا غيره ليبيع و يشتري لنفسه أو في غير متاع الأول، فلا يحق له ذلك.

(المسألة 80):

إذا جلس الرجل في الطريق العام للبيع و الشراء و المعاملة كان موضع جلوسه أو وقوفه حقا له، و يتبعه من المكان الموضع الذي يجعل فيه رحله و يضع

كلمة التقوى، ج 5، ص: 199

فيه متاعه، و الموضع الذي يقف أو يجلس فيه الأشخاص المتعاملون معه، بل و المقدار الذي يتمكن الآخرون من رؤية متاعه و الوصول اليه، فلا تجوز للغير مزاحمته في هذه المواضع أو منعه منها، و لا تثبت له هذه الحقوق، و لا تصح هذه الاحكام إذا زاحمت المارة أو أضرت بالمرور.

(المسألة 81):

يجوز لمن يجلس في الشارع ليبيع و يشتري أو ليعامل أن ينصب على موضعه ظلا يقيه و يقي متاعه من الشمس و البرد و المطر و نحوها إذا كان ذلك لا يضرّ بالمارة و لا يزاحم المرور.

(المسألة 82):

إذا جلس الشخص في الشارع فباع و اشترى و عامل في موضع معين منه لم يثبت له الحق في ذلك الموضع في الأيام الأخرى، إذا هو لم يسبق اليه، فإذا سبقه غيره الى ذلك الموضع في اليوم الثاني مثلا لم يجز للأول منعه و إزعاجه منه و كذلك إذا تكرر منه الجلوس في الموضع و البيع و الشراء فيه، فلا يثبت له الحق بسبب تكرره أو ملازمته له، و انما يثبت الحق لمن سبق الى المكان.

(المسألة 83):

الشارع حق تشترك في الانتفاع به عامة الناس، و لذلك فلا يجوز لأحد أن يختص به بتحجير و نحوه أو يتملكه بالإحياء، أو يبني فيه دكانا أو مخزنا لحوائجه أو حائطا لبعض أغراضه أو يستخرج فيه عينا أو بئرا، و لا يجوز له أن يبني فيه دكة يعرض عليها متاعه للبيع.

و لا يمنع من أن يزرع في الشارع شجرا و نحوه لينتفع الناس بالاستظلال

كلمة التقوى، ج 5، ص: 200

بفيئة، إذا كان الشارع متسعا و كان الغرس لا يمنع الاستطراق و لا يضر بالمارة، كما في الشوارع الحديثة، و يجوز كذلك ان يحفر الرجل في أرض الشارع بالوعة تجتمع فيها مياه الأمطار و شبهها إذا هو أحكم أسس البالوعة و بناءها و سقفها، و لم تضر بالاستطراق، بل ينبغي فعل ذلك و ما أشبهه فإنه من المصالح التي تقتضيها نزاهة الطريق و صيانته عن الأقذار و الأوساخ، و يجوز حفر مجرى في أرض الشارع لتجري فيه فضلات المياه و تخرج الى موضع أخر لصيانة الطريق كذلك.

(المسألة 84):

الظاهر أنه يجوز للرجل أن يحفر في أرض الشارع بالوعة خاصة لمنزله أو سردابا ينتفع به في أيام الحر في داره الى جنب الشارع، و هذا إذا هو احكم أسس البالوعة و السرداب و بناءهما و سقفهما فلم يضر وجودهما بالشارع و بمنافعه العامة.

و يجوز له أن يخرج لمنزله روشنا أو جناحا على الشارع العام، و أن يفتح لداره بابا فيه، و ينصب له ميزابا، أو يفتح له مجرى تجري منه مياه المطر و الغسالات فيه، إذا لم يضر ذلك بالمارّة و لا بالمرور.

(المسألة 85):

من الأسباب المعروفة التي بها يكون الموضع من الأرض شارعا عاما للناس، و تجرى عليه الاحكام المتقدم ذكرها: أن يكثر استطراق الناس في موضع من الأرض الميتة حتى يصبح الموضع جادة معروفة المعالم، مسلوكة للأفراد و الجماعات و القوافل، يترددون فيها من موضع الى موضع و من بلد الى بلد، و من هذا القسم الطرق و الجواد التي يسلكها الناس و قطارات الإبل و الدواب في

كلمة التقوى، ج 5، ص: 201

البراري و المفازات إلى الأماكن القريبة و البعيدة، ثم يتطور أمرها مع مرور الزمان و تتسع الجواد و تسهل و تعبد.

و من الأسباب التي يكون بها الموضع شارعا ان يملك الإنسان أرضا مستطيلة بالإحياء أو بغيره، فيجعلها وقفا على أن تكون شارعا مسبلا تسلكه عامة الناس، فإذا وقفه على ذلك و سلكه بعض الناس أصبح شارعا عاما موقوفا، و لم يجز لواقفه الرجوع فيه كسائر الأوقاف الثابتة شرعا إلا إذا طرأ ما يزيل الوقف أو يسوغ البيع و ليس لورثته تغيير ذلك بعد موته.

و من الأسباب لجعل الشارع العام أن يتفق جماعة من الناس فيعمروا أرضا مواتا، و يجعلوها قرية

أو بلدا ليسكنوها أو يؤجروها مثلا، و يحيوا فيها طريقا عاما تشرع اليه أبواب المنازل من الجانبين أو يحيوا فيها أكثر من شارع واحد إذا كانت القرية واسعة كبيرة، فإذا سكن الناس القرية أو البلد أصبحت الطرق و الشوارع المذكورة حقا عاما لهم و جرت عليها الأحكام المتقدمة، و لذلك إذا قام رجل واحد مقتدر بمثل ذلك فأحيى القرية و عمر الطرق فيها، و أباح للناس القرية أو أجر عليهم منازلها فسكنها الناس و سلكوا الشوارع.

(المسألة 86):

إذا قسمت الدولة أرضا ميتة قطعا لتكون دورا و منازل يسكنها المواطنون و عينت موضعا أو أكثر من الأرض لتكون شوارع في المحلة، فإذا سلك الناس في الموضع المعين و كثر التردد و الاستطراق فيه أصبح الموضع شارعا عاما، و ترتبت عليه أحكامه.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 202

(المسألة 87):

الحد الشرعي للطريق العام إذا اتفق وجوده في الأرض الموات أن لا ينقص عرضه عن خمسة أذرع بذراع اليد المتعارفة، و هي المتوسطة في طولها من أذرع الناس، فإذا كانت الجادة العامة في الأرض الميتة فلا يجوز للناس إحياء الأرض من جانبي الجادة حتى يصبح عرضها أقلّ من خمسة أذرع متعارفة، و إذا سبق أحد فأحيى الأرض إلى حدّ الجادة، هي أقل من المقدار المذكور، وجب على من يريد إحياء الأرض من الجانب الثاني ان يترك للطريق منها ما يبلغ به الحد الشرعي، و لا يتعدى ذلك فيضيق الطريق عن الحدّ.

و إذا كان مقدار خمسة أذرع لا يكفي لحاجة الناس العابرين و المترددين في الطريق لاستطراقهم و مرورهم، وجب أن يكون عرض الطريق سبعة أذرع متعارفة و إذا لم يكف ذلك لسدّ الحاجة وجب أن تكون سعة الطريق بمقدار يفي بها، و لا ينقص عن ذلك، و لا ريب في أن الحاجة في الطريق تختلف باختلاف الأزمنة و بكثرة الوسائل و تنوعها، و بكثرة الناس و تزاحمهم على استعمالها، و قد ذكرنا هذا في بعض المسائل السابقة.

(المسألة 88):

حريم الطريق العام هو ما ذكرناه في المسألة الماضية، و هو أن يكون عرضه خمسة أذرع من اليد المتعارفة المتوسطة في طولها، أو ما يفي بحاجة الناس في استطراقهم، و مرورهم إذا كان المقدار المذكور لا يفي بذلك، و ما يرتفع به التزاحم بين الناس و التصادم في وسائل المرور و الحمل و النقل عند الحاجة الى ذلك.

و انما يثبت للطريق العام هذا الحريم إذا كان ما يجاوره من الجانبين أو من

كلمة التقوى، ج 5، ص: 203

أحدهما أرضا ميتة و لا حريم له إذا وقع ما بين

أراض مملوكة، الا إذا رضي المالك المجاور أو أعرض عن ملكه بأحد أسباب الإعراض.

فإذا وجدت قطعة أرض ميتة مستطيلة ما بين الأراضي المملوكة و كان عرض القطعة الميتة لا يزيد على ثلاثة أذرع أو أربعة ثم استطرق الناس تلك الأرض و كثر ترددهم فيها، و أصبحت جادة مسلوكة، فلا يجب على أصحاب الاملاك المجاورة لها أن يتمموا عرض الجادة من أملاكهم، و ان كانت ضيقة لا تكفي للمرور، و كذلك إذا سبّل الرجل جادة في ملكه فسلكها الناس و استطرقوها و كانت ضيقة في عرضها لا تكفي للمرور، فلا يجب على المالك توسعة الجادة من بقية ملكه و إذا كانت الجادة المسبّلة في جوار مالك أخر لم يجب عليه توسعتها من ملكه. إلا إذا رضي أحدهما فوسّع الجادة باختياره أو أعرض عن ملكه لبعض الموجبات.

(المسألة 89):

إذا غلب الماء على الشارع العام الذي يستطرقه الناس، فأصبحت أرضه بسبب غلبة المياه عليها أجمة ينبت فيها القصب و الأشجار الشائكة، و لم يمكن للناس بعد ذلك سلوك الشارع و المرور فيه، زال موضوعه بذلك و ارتفعت أحكامه و أصبح أرضا ميتة، فيجوز للناس إحياؤه و تملكه كسائر الأرض الموات.

و كذلك إذا انقطعت المارة و المترددون عن الطريق لانتقال الناس الى قرى تبعد عنه، أو لوجود طريق أخر أقرب منه و أيسر لهم، أو لوجود ما يمنع الناس من سلوكه و المرور فيه فأصبح بسبب ذلك مهجورا لا يسلكه أحد، فإنه يكون بذلك أرضا مواتا، فيجوز لكل أحد من الناس إحياؤه و تملكه.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 204

(المسألة 90):

إذا كان عرض الطريق العام أكثر من المقدار الذي تلزم به الضرورة و الحاجة المتعارفة في البلد للمرور و كثرة المارة في ذلك الطريق، و كان الطريق موقوفا مسبلا لمرور الناس فيه، فلا يجوز لأحد أن يتصرف في المقدار الزائد منه عن الحاجة، و كذلك إذا لم يكن موقوفا مسبلا و كان عرضه بمقدار تستلزمه الضرورة التي لا بد منها في البلد فلا يجوز لأحد إحياء شي ء منه و لا التصرف فيه و ان كان عرضه الموجود يزيد عن خمسة أذرع أو سبعة أذرع و هما الحدّ الشرعي للطريق كما تقدم.

(المسألة 91):

إذا كان الطريق العام في أصله أرضا ميتة و قد سلكه الناس و استطرقوه حتى أصبح شارعا عاما لهم، و كان واسعا يزيد عرضه عن الحد الشرعي الذي ذكرناه و يزيد أيضا عن مقدار الحاجة التي لا بد منها في القرية أو في البلد عرفا، فالظاهر أنه يجوز للناس التصرف في المقدار الزائد عن الحاجة المذكورة فيصح إحياؤه و تملكه لمن سبق إليه.

(المسألة 92):

إذا كان الشارع في ء أصله مملوكا لمالك معين و قد أباحه المالك للناس اباحة عامة على أن يكون شارعا عاما يسلكونه لحاجاتهم و ضروراتهم، و لم يوقفه و لم يسبله، فإذا زاد عرض ذلك الشارع عن المقدار اللازم عرفا، أشكل الحكم بجواز التصرف في الزائد و الأحوط المنع في هذه الصورة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 205

(المسألة 93):

القسم الثاني من الطريق الذي يوجد في القرية أو في البلد: الطريق غير النافذ، و هو الذي ينقطع من أخره بدار مملوكة لأحد من الناس أو موقوفة أو ما يشبه ذلك، فالدور أو العقارات أو الاملاك الخاصة و ما يشبهها تكون محيطة بالطريق من كلا جانبيه و من آخره، و من أجل هذه الإحاطة به فلا يمكن للناس الاستطراق و المرور به الى طرق البلد أو ساحاتها، و يسمّى أيضا الطريق الخاص، و الدريبة و السكة المرفوعة، و السكة المقطوعة، و قد ذكرنا هذا في المسألة السابعة و السبعين.

و قد ذهب جماعة من أجلّة الفقهاء، (قدس اللّه أنفسهم) الى أن الطريق غير النافذ يكون مملوكا لأصحاب الدور الذين تكون لدورهم أبواب مفتوحة في ذلك الطريق، و أنهم يشتركون جميعا في تملكه من أوله إلى أخره، و تجرى عليه أحكام الأموال المشتركة بينهم، و لذلك فلا يجوز لأحد أصحاب الدور المذكورة أن يتصرف في هذا الطريق المشترك فيحفر في أرضه بالوعة أو سردابا، أو يخرج لداره في الطريق جناحا أو روشنا أو يبني فيه ساباطا إلا بإذن الآخرين من أصحاب الدور كلّهم، قالوا: و لا يشترك في ملكية هذا الطريق من يكون حائط داره الى الطريق و ليس له باب مفتوح فيه، و لم أقف لهذا القول على دليل

يمكن الاعتماد عليه، الا إذا كان أصحاب الدور قد ملكوا الدريبة بإحياء أو شراء أو بسبب أخر من الأسباب الشرعية المملكة.

و الظاهر ان الدريبة انما هي حق يختص به أصحاب الدور المذكورة و ليست مملوكة لهم كما يرى أولئك الفقهاء، و لا حقّ في الدريبة للرجل الذي يملك دارا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 206

يكون حائطها الى الدريبة و ليس له فيها باب مفتوح.

(المسألة 94):

الدريبة حق يختص به أرباب الدور المملوكة لهم و التي تكون لهم أبواب مفتوحة في الدريبة، و اشتراكهم فيها على النحو الآتي.

فيشترك جميع أصحاب الدور المذكورة في الحق من أول الدريبة إلى أول باب مفتوح فيها و أخر حائط الدار ذات ذلك الباب، و بذلك ينتهي حق صاحب تلك الدار، فلا حق له في باقي الدريبة، ثم يشترك أصحاب الدور الباقية الى باب الدار الثانية و أخر حائطها، و ينتهي بذلك حق صاحب هذه الدار و يكون الباقي من الدريبة للباقي من أصحاب الدور، و هكذا في الثالث و ما بعده على النهج المذكور و يختص صاحب الباب الأخير ببقية الدريبة الى أخرها.

و التفصيل الذي ذكرناه انما هو من حيث التصرف في الدريبة و في أرضها فإذا أراد صاحب الدار الأولى ان يحفر بالوعة أو سردابا في أرض الدريبة، أو يضع ميزابا أو يفتح بابا جديدا لداره: أو يخرج لها جناحا في الدريبة فلا بد له من أن يستأذن جميع أصحاب الدور، و إذا أراد ذلك صاحب الدار الثانية لم يستأذن الأول و عليه أن يستأذن الباقي، و هكذا.

(المسألة 95):

يجوز لكل واحد من أصحاب الدور ذوات الأبواب في الدريبة أن يستطرق فيها الى داره هو و كلّ فرد من عياله و أولاده و خدمه و ضيوفه و أصحابه و من يريد زيارته من الناس سواء قلّوا أم كثروا، و ان يجلسوا في الدريبة، و ان يضع فيها الأحمال و الأثقال و الحيوان التي يحتاج لإدخالها إلى الدار و إخراجها منها عادة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 207

و لا يفتقر في شي ء من ذلك الى الاستئذان من شركائه في الدريبة، و ان كان فيهم الغائبون و

اليتامى و القاصرون، و لا تجب المساواة بينهم في هذه الأمور.

و يجوز لصاحب الدار في الدريبة أن يوصد بابه الأول و يفتح بابا غيره، و إذا سدّ بعض أصحاب الدور بابه في الدريبة و لم يفتح له بابا أخر فيها سقط حقه الثابت له في الطريق، و لم يحتج الى ناقل شرعي كما يلزم القائلين بالملكية.

(المسألة 96):

إذا كان بعض الدّور له حائط إلى الدريبة و ليس له باب مفتوح فيها فلا حقّ لمالك تلك الدار في الدريبة كما ذكرنا في ما تقدم، و لا يجوز له أن يفتح لداره بابا فيها إلّا بإذن أصحاب الحق فيها، و لا يكفي الاستئذان من بعضهم، و يجوز له ان يفتح لداره شباكا أو روشنا للتهوية أو الاستضاءة و لا يثبت له بذلك حق في الدريبة و إذا استأذن من أرباب الدور ففتح له بابا في الدريبة بإذنهم كان شريكا لهم في الحق و خصوصا مع طول الدريبة و كثرة الدور فيها.

(المسألة 97):

يصح لأصحاب الحق في الدريبة أن يتسالموا عليها في ما بينهم فيحيي كل فرد منهم حصته من الدريبة و يتملكها و يلحقها بداره و يفتحوا لهم أبوابا من جهات اخرى و يقتسموا الدريبة بينهم أملاكا و يجوز لبعضهم أن يسقط حقه للآخر، و أن يصالحه عنه بعوض أو بغير عوض فيتملك حصته.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 208

الفصل السادس في المساجد و المشاهد
(المسألة 98):

المسجد هو الموضع الذي يقفه مالكه ليكون مسجدا، و قد فصلنا في مبحث مكان المصلي من كتاب الصلاة و في كتاب الوقف من هذه الرسالة كثيرا من احكامه، و بوقف الموضع كذلك تثبت مسجديته في الإسلام، و يكون موضعا عاما معدا لصلاة المصلين و عبادة المتعبدين من دعاء و تلاوة قرآن، و تدريس علوم دينية، و وعظ و إرشاد و إفتاء، و المسلمون في الانتفاع بمساجدهم في ذلك مشتركون متساوون في الحق، و قد جرت سيرتهم على هذا منذ عصر النبوة و عصور الأئمة الطاهرين (ع) و لا ريب لأحد، في شي ء من ذلك.

(المسألة 99):

إذا سبق أحد إلى مكان من المسجد ليتعبد فيه بقراءة دعاء أو بتلاوة قرآن، أو لدرس أو لتدريس، أو لوعظ أو لاستماع موعظة أو نحو ذلك فهو أحق بالمكان الذي سبق اليه من غيره، فلا يجوز لأحد ان يمنعه من الجلوس فيه أو يزعجه من البقاء فيه، سواء اتحد غرض الرجلين من الجلوس في المكان أم اختلف، كما إذا سبق الأول إلى الموضع ليقرأ الدعاء و أراد الثاني الجلوس فيه ليتلو القرآن، أو للموعظة أو للتدريس، و سواء شرع السابق في عمله الذي قصده فأخذ في القراءة أو التدريس

كلمة التقوى، ج 5، ص: 209

أم كان قريبا من الشروع فيه، لأنه ينتظر المدرس أو الواعظ مثلا، فلا يجوز للآخر منعه أو إزعاجه من مقامه إلا إذا كان وقت الانتظار طويلا بحيث يعدّ إضاعة لحقوق الآخرين عرفا فلا يجوز ذلك.

(المسألة 100):

الظاهر ان الصلاة في المسجد أولى من التعبدات الأخرى فيه، فإذا سبق أحد إلى الموضع في المسجد ليقرأ الدعاء أو ليتلو القران أو ليعظ أو ليدرس، و حضر من يريد الصلاة في المكان فهو اولى من الأول السابق، سواء أراد الصلاة فرادى أم جماعة، بل و ان أراد الصلاة نافلة، فعلى السابق أن يدع المكان له عند الانحصار به و إذا طلبه منه.

و لا أولوية لمن يريد الصلاة جماعة في المسجد ممن يريد الصلاة فيه منفردا، فإذا سبق الرجل الى المكان من المسجد ليصلي فيه منفردا ثم حضر من يريد الصلاة جماعة لم يجز للثاني منع الأول أو اقامته من موضعه، و لم يجب على الأول أن يترك المكان لصاحبه إذا طلب المكان منه، نعم ينبغي له ان لا يكون مانعا للخير عن أخيه المؤمن إذا

كان لا يدرك صلاة الجماعة إلا في ذلك المكان، و أمكن له نفسه أن يؤدي صلاته منفردا في غير ذلك الموضع من المسجد.

(المسألة 101):

لا يبعد وجود الفرق في من يجلس للدعاء في المسجد بين من يكون جلوسه للتعقيب بعد أداء الصلاة في المسجد، و من يجلس فيه لمطلق التعبد بالدعاء، فإذا حضر من يريد الصلاة في المكان فلا يجب على الجالس و هو يعقب بالدعاء بعد الصلاة ان يترك له مكانه، و لا يكون مريد الصلاة أولى منه بالمكان، فإنه قد سبق إلى

كلمة التقوى، ج 5، ص: 210

الصلاة و الدعاء، و إذا كان الجالس قد سبق الى المسجد للدعاء فيه و لم يؤد الصلاة فيه قبل الدعاء وجب عليه أن يترك المكان لمن يريد الصلاة.

(المسألة 102):

إذا سبق الرجل الى الموضع من المسجد لبعض التعبدات فيه، ثم فارق الموضع و أعرض عنه سقط حقه من الأولوية بالمكان، فإذا سبق اليه غيره بعد قيامه منه كان الثاني أولى به من الأول فليس له ان يمنعه من الجلوس فيه أو إزعاجه من المكان، و ان كان الأول لا يزال في المسجد، و لم يخرج منه، كما إذا انتقل من موضع صلاته في المسجد الى موضع أخر فيه ليستمع دعاء أو موعظة أو درسا فيسقط حقه من المكان الأول و ان أبقى فيه بساطا أو سجادة و في عزمه ان يعود إليها بعد مدة.

(المسألة 103):

إذا قام الرجل من موضعه في المسجد و هو يريد العودة إليه عن قريب و أبقى في مكانه سجادة أو بساطا أو علامة أخرى، فالظاهر بقاء حقه في المكان و عدم سقوط حقه من الأولوية به بمجرد قيامه، و إذا قام من الموضع و هو يريد العودة إليه كذلك و لم يبق فيه شيئا يدل على ذلك أشكل الحكم بسقوط حقه أو عدم سقوطه و الأحوط للآخرين مراعاة حقه، و خصوصا إذا كان قيامه من موضعه لبعض الأمور اللازمة من تجديد وضوء أو قضاء حاجة أو إحضار كتاب و نحوها.

(المسألة 104):

إذا وضع الإنسان له رحلا في مكان من المسجد قبل أن يجلس فيه فبسط له بساطا أو فرش فيه سجادة، فالظاهر ثبوت حق الأولوية له في المكان بمجرد ذلك

كلمة التقوى، ج 5، ص: 211

و ان لم يجلس فيه بعد، فلا يجوز لأحد أن يرفع رحله من المكان أو يجلس في موضعه، و يشكل الحكم بثبوت الحق له بوضع الرحل إذا طالت المدة الفاصلة بين وضع الرحل في المكان و جلوس صاحب الرحل فيه بحيث يعدّ تضييعا لحقوق الآخرين، فالحكم بجواز رفع غيره للرحل من المكان مشكل، و الحكم بعدم ضمان الرحل إذا تلف أو عاب بعد رفعه أشد إشكالا.

و إذا دلت القرائن على ان المراد من وضع الرحل في الموضع من المسجد أن صاحب الرحل يجلس في الموضع في وقت معين، فالظاهر ثبوت الحق و عدم بطلانه قبل حلول الوقت، و مثال ذلك أن يضع الرجل رحله صباحا أو ضحى فيبسط بساطه أو سجادته في المسجد ليصلي في الموضع صلاة الظهر جماعة في أول وقتها أو ليدرك صلاة الجمعة مع الإمام فلا تفوته، فلا

يسقط حقه بطول المدة الفاصلة إذا هو حضر في الوقت المعين.

(المسألة 105):

لا ينبغي الريب في ان اقامة المآتم و مجالس الذكرى لمصائب المعصومين من أهل بيت النبوة (ع)، و قراءة سيرتهم و تعداد فضائلهم و التعريف بمقاماتهم و علو منازلهم من العبادات الجليلة التي يتقرب الى اللّه سبحانه بها، و بالاجتماع فيها، و الاستماع الى ما يلقى فيها من الحقائق و المعارف، فإذا أقيمت هذه المحافل و الذكريات في المساجد كان الحضور فيها و الجلوس في محافلها و الاستماع الى الذاكرين فيها من أبر العبادات و أجلها، و إذا سبق السابق الى المسجد و الجلوس فيه لهذه الغاية ثبتت له الأولوية بالمجلس و الموضع الذي جلس فيه على غيره من الواردين من بعده، و جرت له الأحكام التي ذكرناها في المسائل المتقدمة.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 212

(المسألة 106):

إذا أقيمت محافل ذكريات المعصومين (ع) في الحسينيات العامة الموقوفة المتعارفة عند الشيعة كان لها مثل هذا الحكم، فهي مشتركة بين الحاضرين على السواء و إذا سبق أحد منهم الى مكان في الحسينية أو المأتم فجلس فيه كان اولى بالمكان من غيره، فلا يجوز لأحد أن يمنعه من الجلوس أو يزعجه و يقيمه من مكانه حتى ينتهي غرضه أو يقوم من موضعه باختياره و يسقط حقه منه.

(المسألة 107):

المشاهد المشرفة كالمساجد في جميع الأحكام التي ذكرناها فالمشهد حق عام كالمسجد، يشترك فيه جميع المسلمين على السواء، سواء كانوا من أهل البلد المجاورين للمشهد أم كانوا من الزوار الوافدين اليه من بلاد أخرى قريبة أو بعيدة فلا يكون الزائر الوافد أولى بالمشهد لزيارته و وفادته و غربته، و لا يكون القريب المجاور له في البلد أولى به لقربه و جواره، بل هما في الحق على حدّ سواء.

و إذا سبق احد من الناس الوافدين أو المجاورين الى موضع معين من المشهد فجلس فيه للتعبد و الصلاة أو الزيارة أو الدعاء أو قراءة القران أو لغيرها من العبادات و القربات كان أولى بالمكان من غيره، فلا يجوز ان يمنع أو يزعج حتى يستتم غايته من التعبد، أو يترك مكانه باختياره أو يسقط حقه، و إذا منعه أحدا أو أخذ موضعه بغير رضاه كان غاصبا اثما.

(المسألة 108):

لا يثبت للشخص حق الأولوية بالمكان في المسجد أو المشهد إذا سبق اليه و جلس فيه للتنزه أو للاستراحة أو لغاية أخرى غير العبادات و القربات كالاطلاع

كلمة التقوى، ج 5، ص: 213

على بعض النفائس و الآثار الموجودة في المشهد أو المسجد، أو للتحدث مع بعض الناس، أو لرؤية بعض الناس و بعض المظاهر.

(المسألة 109):

إذا جلس الرجل في المسجد أو المشهد لبعض العبادات فأعيا و استمر في جلوسه في موضعه ليستريح برهة ثم يعود للتعبد مرة أخرى، لم يسقط حقه الذي ثبت له أولا من الأولوية، فلا يجوز لغيره منعه و إزعاجه ما دام جالسا لهذه الغاية و كذلك إذا صرفه بعض الناس عن عمله بحديث طويل و هو يرتقب انتهاء صاحبه من حديثه ليعود الى عمله أو الى غيره فلا يسقط حقه بذلك.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 214

الفصل السابع في المدارس و الرّبط
(المسألة 110):

المدارس دور أو عمارات خاصة تعدّ ليسكن فيها طلاب العلم، حسب ما يطلقه واقف المدرسة، أو يعينه من صنف أو يذكر للساكنين فيها من قيود و شروط و الربط منازل مخصوصة كذلك يقفها الواقف ليسكنها الفقراء، أو لينزل فيها المسافرون و الغرباء، من حجاج و زوار و معتمرين و غيرهم، و هي كالمدارس تتبع وقف الواقف و ما يذكره في صيغته من عموم و خصوص و إطلاق و تقييد، و كلاهما من المشتركات العامة بين أفراد العنوان أو الصنف الموقوف عليه من الناس.

(المسألة 111):

إذا وقف الواقف مدرسته على أن يسكنها طلاب العلوم الدينية، و لم يقيدها بقيد و لم يشترط فيها شرطا كانت المدرسة عامة يشترك في استحقاق السكنى فيها جميع طلاب العلوم المذكورة، و لم يختص الحق فيها بعرب أو فرس أو هنود أو غيرهم من الأصناف التي تشتغل بطلب تلك العلوم، و لم تختص بطلب علم معين منها، و لم تختص بطبقة معينة من طلبة العلوم، أو من محصليهم أو أرباب الفضيلة منهم، فيجوز لكل فرد ممن يصدق عليه العنوان العام الموقوف عليه أن يسكن في المدرسة، و لا يجوز للأفراد الآخرين منعه من السكنى و لا إخراجه من المدرسة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 215

إذا هو سكنها و ان طالت مدة بقائه فيها، حتى يعرض هو عن السكنى فيها و يخرج منها باختياره، و إذا وقف الواقف المدرسة على أن يسكنها طلاب علوم الدين من العرب خاصة مثلا، أو من العجم خاصة، أو من أهل بلد معين أو أهل قطر خاص منهم أو وقفها على ان يسكنها طلاب علم الفقه خاصة أو طلاب علم الحديث أو علم التفسير، اختص حق السكنى فيها

بأهل ذلك الصنف الموقوف عليه، و اشترك بين أفراده، و لم يجز لغيرهم سكنى المدرسة ممن لا يشمله الصنف الذي عينه الواقف أو الطائفة التي ذكرها.

(المسألة 112):

إذا وقف الواقف مدرسة ليسكن فيها طلاب العلم مطلقا أو من طائفة خاصة أو من صنف معين، فالمراد السكنى المتعارفة بين الناس، فتكون الحجرة من المدرسة موضع اقامته و بقائه عرفا، و لا ينافي ذلك أن يخرج من المدرسة في بعض الأوقات لقضاء بعض الحاجات، أو لشراء بعض الضرورات، أو للدراسة أو التدريس في أمكنة أخرى، أو للقاء بعض الاخوان، و لا يضرّ بسكناه في المدرسة أن يبيت بعض الليالي في غيرها، إلّا إذا اشترط الواقف على الطالب أن يكون مبيته في المدرسة، كل ليلة أو في ليالي التحصيل، فيجيب عليه ان يتبع الشرط.

و لا يضرّ بالسكنى أن يسافر في بعض الأيام لزيارة أو حج أو عمرة، أو لغير ذلك، و ان طال سفره مدة لا تنافي سكناه في المدرسة، و إذا طالت مدة سفره حتى خرج عن كونه ساكنا في المدرسة في نظر أهل العرف بطل حقه، و إذا شرط الواقف على الطالب أن لا يتجاوز سفره مدة معينة وجب عليه أن يتبع الشرط.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 216

(المسألة 113):

قد يشترط الواقف أن يكون الطالب الساكن في المدرسة غير متزوج، أو غير معيل، فإذا سكن الطالب فيها مدة و هو غير متزوج أو غير معيل وفقا للشرط، ثم تزوج أو أصبح معيلا وجب عليه أن يخرج من المدرسة، و كذلك إذا شرط الواقف أن يكون الساكن فيها مشغولا بالفعل بالدراسة أو بالتدريس، فإذا سكن فيها مدة مع وجود الشرط ثم عرض له مرض أو ضعف أو كبر سن يمنعه من الاشتغال بالفعل وجب عليه ان يترك السكنى في المدرسة لفقد الشرط، و هكذا الحكم في كل وصف أو فعل يشترط الواقف أن يكون الطالب

الساكن في المدرسة متصفا به كصفة العدالة مثلا، أو الالتزام بأداء الصلاة في أول وقتها أو بصلاة الجماعة أو بصلاة الليل فلا يجوز للطالب أن يسكن المدرسة إذا كان فاقدا لذلك الشرط، و إذا كان متصفا بالشرط فسكن المدرسة ثم فقد الشرط لبعض الطواري المانعة، وجب عليه أن يترك السكنى فيها لزوال الشرط.

(المسألة 114):

إذا سبق أحد طلبة العلم إلى غرفة في المدرسة الموقوفة فسكنها، فليس له أن يمنع غيره من أن يشترك معه في سكنى الغرفة إذا كانت الغرفة تتسع لسكنى أكثر من طالب واحد فيها، إلا إذا كان الواقف قد اشترط ان لا يسكن الغرفة الواحدة في المدرسة أكثر من طالب واحد فيتبع الشرط.

(المسألة 115):

إذا سكن طالب العلم في إحدى غرف المدرسة الموقوفة ثبت له حق الأولوية في الغرفة التي سكنها، فلا يجوز لأحد منعه من البقاء فيها و لا يجوز

كلمة التقوى، ج 5، ص: 217

إخراجه منها ما دام مستحقا للسكنى، و ان طالت مدة إقامته فيها، و إذا كان الواقف قد اشترط أن لا تزيد اقامة الطالب فيها على مدة معينة وجب اتباع الشرط، فلا يجوز للطالب البقاء أكثر من المدة المشروطة في صيغة الوقف، و يبطل حقه من السكنى في المدرسة إذا ترك السكنى فيها و طالت مدة تركه للسكنى أكثر ممّا يتعارف مع وجود من يحتاج الى السكنى فيها من الطلاب الموقوف عليهم.

(المسألة 116):

الربط و هي جمع رباط، و يراد به المسكن أو الخان الذي يقفه مالكه لتسكن فيه الفقراء المحتاجون، أو يقفه ليكون منزلا للمسافرين من زوّار أو حجّاج أو غيرهم من عابري السبيل و حكم الرباط هو حكم المدرسة الموقوفة في كل ما بيّناه لها من اللوازم و الآثار، فيتبع فيه ما أطلقه الواقف في صيغة وقفه إذا كان مطلقا، و ما ذكره فيها من قيد أو شرط إذا كان مقيدا أو مشروطا، فإذا قال المالك وقفت هذا المنزل أو هذا الخان ليسكنه الفقراء من الناس، و لم يقيد وقفه بطائفة خاصة منهم و لا بصنف معين من أصنافهم، كان المنزل أو الخان الموقوف رباطا عاما يشترك في استحقاق السكنى فيه جميع الفقراء الموقوف عليهم، فإذا تقدّم أحد منهم الى السكنى في موضع منه أو غرفة من غرفة كان هذا السابق أولى بالموضع أو الغرفة من غيره، و لم يجز منعه أو إخراجه منه، و إذا اشترط الواقف أن تكون لكل فقير غرفة

يستقل بسكناها و لا يشاركه فيها غيره، لزم ذلك، و إذا وقف المنزل أو الخان ليسكنه الفقراء من أهل البلد أو من الغرباء أو من طائفة خاصة وجب أن يتبع ما ذكره في قوله من إطلاق أو تقييد، و يشترك في استحقاق السكنى في المنزل جميع أفراد الطائفة التي ذكرها، أو الصنف الذي عيّنه، دون غيرهم من الطوائف أو الأصناف، على نهج

كلمة التقوى، ج 5، ص: 218

ما ذكرناه في وقف المدرسة، و يجب اتباع كل شرط يشترطه الواقف.

و كذلك الحكم في الربط التي يقفها صاحبها لنزول المسافرين، فتجري فيها التفاصيل و الأحكام المذكورة.

(المسألة 117):

انما يستحق المسافر النزول في الرباط الموقوف على المسافرين و البقاء فيه ما دام مسافرا، فإذا طال مكثه في البلد أو في المنزل حتى خرج بسبب طول مدته عن كونه مسافرا في نظر أهل العرف وجب عليه الخروج من المنزل الموقوف، و لم تجز له مزاحمة المسافرين الآخرين، و لا يسقط حقه من السكنى و النزول في المنزل بالإقامة الشرعية التي توجب عليه إتمام الصلاة، أو الزيادة عليها، إذا لم يخرج بها عن كونه مسافرا.

(المسألة 118):

لا يستحق النزول في المنزل الموقوف على المسافرين أو الغرباء من كان بلده قريبا لا يصدق عليه اسم المسافر، أو اسم الغريب، لقرب بلده من ذلك المكان، و ليس المدار في هذا الحكم على وجود المسافة الشرعية التي توجب توجب القصر في الصلاة و الإفطار للصائم، بل المدار على صدق اسم السفر عرفا إلّا إذا كان وقف الواقف عاما يشمل ذلك فيكون هو المتبع.

(المسألة 119):

إذا وقف الواقف الرباط ليسكن فيه الفقراء مطلقا، أو الفقراء من طائفة خاصة أو من صنف معين و لم يقيده بقيد أخر، و لم يشترط فيه شرطا، جاز للفقير الذي يستحق السكنى أن يسكن في الحجرة، و يسكن معه عائلته و أولاده، و جاز له أن

كلمة التقوى، ج 5، ص: 219

يسكن معهم في أكثر من حجرة مع حاجته الى ذلك، و لا يجوز لأحد منعه أو مزاحمته في ذلك إذا سبق اليه، و يتبع ذلك من ساحة الرباط و مرافقه ما يتوقف عليه انتفاع الفقير بحقه، كموضع الطبخ، و موضع غسل الثياب و الأواني، و موضع النوم في ليالي الصيف و ما يشبه ذلك.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 220

الفصل الثامن في المياه و الكلاء
(المسألة 120):

يراد بالمياه هنا المياه التي حكم الشارع فيها بالإباحة الأصلية، كمياه البحار و مياه الشطوط العامة و الأنهار الكبيرة، كشط العرب و دجلة و الفرات و النيل و روافدها و فروعها، و مياه العيون التي تتفجر بأنفسها في الجبال و في الأرض الموات، و مياه السيول التي تنحدر من ذوبان الثلوج، أو تجتمع في الأودية و الوهاد من نزول الأمطار و نحو ذلك، فالناس في هذه المياه شركاء متساوون في الحقوق و إذا حاز أحد الناس منها شيئا ملكه بالحيازة، سواء حازه بآنية أم بدالية أم بناعور أم بنهر أو قناة شقهما أم بحوض أم بمكينة أم بوسيلة غيرهما من وسائل الري الحديثة.

و من المياه المباحة أيضا: الأنهار الصغيرة التي تتكون بأنفسها في الأرض الموات من سرعة جريان الماء المباح المندفع بقوة من الأنهار الكبيرة، أو العيون الجارية أو المياه المنحدرة من أعالي الجبال فتشق لها مجاري في الأرض، و لم يحيها احد و لم

يتملكها مالك، فيكون ماؤها من المشتركات العامة بين الناس.

(المسألة 121):

إذا حفر رجل له عينا في أرض ميتة أو في جبل فأحيى العين و أجرى ماءها

كلمة التقوى، ج 5، ص: 221

كانت العين و الماء الجاري منها ملكا خاصا له، و لم يجز لغيره أن يتصرف في العين أو في الماء الّا بإذن من المالك، و كذلك إذا حفر في الأرض الميتة بئرا فأحياها و أجرى ماءها، و إذا شق في الأرض الميتة قناة أو حفر نهرا فأحياهما و اجرى الماء فيهما من العين أو البئر اللتين احياهما فالعين و البئر و القناة و النهر جميعا أملاك خاصة له بالاحياء، و الماء ملك له بالحيازة، و لا حق لغيره، و قد سبق ذكر جميع هذا مفصلا.

(المسألة 122):

إذا حفر الإنسان نهرا أو شق له قناة في أرض مملوكة له بالشراء أو بغيره، أو أحيى النهر أو القناة في أرض موات كما تقدم ذكره، ثم أجري في نهره أو قناته الماء من بعض الشطوط العامة التي مر ذكرها أو من بعض العيون أو الآبار النابعة المباحة لجميع الناس، ملك ما يدخل في النهر أو القناة من الماء بالحيازة و كان الجميع ملكا له، و ان كان الماء صباحا للجميع في أصله، فلا يجوز لأحد التصرف فيه الا بإذنه.

(المسألة 123):

إذا كان نهر مملوكا لشخصين، أو لأشخاص متعددين، على نحو الاشتراك فيه في ما بينهم، و مثال ذلك أن يتفقوا فيشقوا النهر في أرض يملكونها جميعا على نحو الاشتراك، أو يشتركوا في إحياء النهر في أرض ميتة، فيكون النهر في الصورتين مملوكا لهم جميعا، على السواء أو على تفاوت ما بينهم في الحصص منه، و سيأتي بيان الميزان في ذلك.

فإذا ملكوا النهر كذلك ثم أجروا فيه الماء من الشطوط العامة المباحة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 222

للجميع، أو من العيون أو الآبار المباحة كان الماء الجاري في النهر مملوكا للشركاء فيه جميعا، و ملك كلّ فرد منهم من الماء الجاري فيه بمقدار حصته التي يملكها من النهر نفسه، فإذا كان النهر مملوكا لشخصين بالمناصفة ما بينهما فالماء الجاري في النهر مملوك بينهما بالمناصفة أيضا، و إذا كان الشركاء في النهر ثلاثة و النهر بينهم بالمساواة فالماء بينهم مملوك بالمثالثة، و هكذا.

و إذا تفاوتوا في مقادير الحصص فكان أحدهم يملك نصف النهر مثلا فله نصف ما يجري فيه من الماء، و كان الثاني يملك ثلث النهر فله ثلث الماء، و يكون للشريك الثالث سدس النهر و

يملك سدس الماء فقط.

و إذا اختلف الشركاء في مقادير حصصهم كما ذكرنا في الصورة الأخيرة، فلا يجوز لأحدهم أن يتصرف في أكثر من حصته من الماء، فإذا احتاج في سقي مزرعته أو بستانه أو ضيعته الى أكثر من حصته من الماء وجب عليه أن يستأذن شريكيه في أخذ الزائد، أو يدفع إليهما عوض ما يأخذه من نصيبهما في سقاية ضيعته و مزرعته من الماء.

(المسألة 124):

إذا كان الشركاء في النهر قد ملكوه بإحيائه من الأرض الموات، فإنما يحصل التفاوت بينهم في مقادير الحصص منه إذا هم اختلفوا في العمل فيه، فكان مقدار عمل أحدهم في تعميره و إحيائه أكثر من صاحبه أو أقل منه، فإذا هم تساووا في العمل تساووا في الحصص التي يملكونها من النهر، و إذا كان عمل أحدهم في إحيائه ضعف الثاني كان للاول ضعف حصة الثاني من النهر نفسه، و هكذا، و كذلك إذا هم اقتسموه بحسب النفقة، فإذا تساووا في مقدار ما أنفقوا في تعمير النهر

كلمة التقوى، ج 5، ص: 223

تساوت حصصهم منه، و إذا أنفق أحدهم نصف نفقة الثاني أو ثلثها أو ربعها ملك من الحصة في النهر بتلك النسبة، و مثله ما إذا عمل بعضهم و أنفق بعضهم، و يرجع في تعيين المقادير من العمل أو من النفقة أو من النفقة و العمل الى أهل الخبرة.

(المسألة 125):

إذا كان الماء الجاري في النهر مشتركا بين مالكين أو أكثر كما ذكرنا في المسائل السابقة جرى فيه حكم الأموال المملوكة المشتركة، فلا يجوز لأحد الشركاء أن يتصرف في الماء و لا في بعضه إلا بإذن جميع شركائه فيه، و لا يكفى أن يستأذن من بعضهم، فإذا أباح كل شريك منهم لكل واحد من شركائه أن يتصرف في الماء المملوك لهم بما يريد فلا ريب في الجواز، و قد يتسالمون جميعا فيقتسمون الماء بينهم بالتناوب، فيخصصون لكل واحد منهم يوما معينا أو أياما معينة، أو ساعة من النهار أو ساعات منه معلومة، يتصرف فيها ذلك الشريك بجميع الماء كيف ما يشاء، و بأي مقدار يريد، ثم تكون النوبة بعده للشريك الآخر حتى يتم الدور عليهم جميعا،

و لا ضير عليهم في ذلك.

(المسألة 126):

إذا وقع النزاع و التشاجر بين الشركاء في النهر و الماء و لم يصطلحوا و لم يرضوا بالمناوبة، فلا بد من تقسيم الماء بينهم بالاجزاء، فيسدّ النهر من أخره بصخر أو حديد أو غيرهما، فلا يخرج الماء المملوك من النهر، و توضع للماء في السّد أنابيب متساوية في الحجم و السعة ليخرج الماء منها بمقدار واحد، و تعين بذلك الحصص المملوكة منه و تشخص مقاديرها في القسمة.

فإذا كان النهر و الماء مشتركين بين مالكين بالمناصفة بينهما، وضعا في السد

كلمة التقوى، ج 5، ص: 224

أنبوبين متساويين في الحجم، و كان لكل واحد من الشريكين أنبوب منهما فيجري ماء انبوبه في ساقية يختص بها، و يتصرف بمائها حيث ما يشاء، و إذا كان الماء مشتركا بين ثلاثة أشخاص بالتساوي جعلوا في السدة ثلاثة أنابيب متساوية في السعة، و اختص كل شريك بواحد من الأنابيب و صنعوا كما تقدم، و هكذا إذا كان الشركاء أكثر من ثلاثة و كانوا متساوين في الحصص، فيجعل في السّد بعدد الشركاء أنابيب متساوية و يكون لكل واحد منهم أنبوب يختص بمائه.

و إذا كان الشركاء مختلفين في مقادير حصصهم التي يملكونها من الماء بسبب اختلاف مقادير حصصهم من النهر المملوك وضعوا في السدة أنابيب متساوية الحجم بمقدار أقلهم حصة و بعدد مجموع حصصهم فإذا كان الشركاء ثلاثة كما ذكرنا في المثال المتقدم و كان أحدهم يملك النصف من الماء، و الثاني يملك الثلث منه، و الثالث يملك الباقي و هو السدس، جعلوا في سدة النهر ستة أنابيب متساوية السعة و الحجم، فكان لمالك النصف ثلاثة أنابيب منها، يتصرف بالماء الذي تخرجه هذه الأنابيب من النهر كيف

ما يشاء، و كان لمالك الثلث أنبوبان يفعل بمائهما بما يريد، و لصاحب السدس أنبوب واحد يصرف ماءه في ساقية خاصة إذا شاء فيسقي به مزرعته أو أرضه أو يتصرف فيه بوجه أخر.

(المسألة 127):

و يتطور الزمان و تتطور الوسائل الحديثة معه لتقسيم الماء بالوزن و الكيل و تجعل له الموازين الدقيقة لضبط المقادير و الأعداد و تحديد ما يراد منه من الحصة أو الحصص، فيكون الرجوع إليها أيسر و أسهل، و الاعتماد عليها في التقسيم و تعيين مقادير الحقوق أكثر ضبطا و أوفر دقة، و أحرى في براءة الذمم بين الشركاء.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 225

(المسألة 128):

يجوز للشركاء في ماء النهر أن يقتسموا الماء بينهم بالمهاياة و المناوبة كما ذكرنا في المسألة المائة و الخامسة و العشرين، فإذا كانت حصصهم في الماء متساوية قسموه بينهم بالساعات إذا شاؤوا أو بالأيام المتساوية، فيكون جميع ماء النهر لأحدهم خمسة أيام مثلا يتصرف فيه كما يريد، ثم تنتقل النوبة بعده الى الشريك الثاني فيتصرف في جميع ماء النهر خمسة أيام أيضا كما يريد، ثم تكون للثالث، و هكذا حتى يتم الدور بينهم جميعا على السواء، ثم يستأنف عليهم من جديد.

و إذا كانت حصص الشركاء في ماء النهر مختلفة في مقاديرها كما في المثال الذي تقدم ذكره قسموا الماء بينهم بالمناوبة كذلك حسب ما يقتضيه اختلاف حصصهم، فيكون جميع ماء النهر لشريك الأول الذي يملك النصف ثلاثة أيام يتصرف فيه، ثم يكون بعده للشريك الثاني الذي يملك الثلث فيتصرف في جميع ماء النهر مدة يومين، ثم تنتقل النوبة للثالث و هو الذي يملك السدس فيتصرف في جميع ماء النهر يوما واحدا.

(المسألة 129):

القسمة بالمناوبة و المهاباة بين الشركاء متقومة بالتراضي و المسالمة ما بينهم، و لذلك فلا تكون قسمة إجبار و لا تكون لازمة، و معنى ذلك ان الشريك لا يجبر عليها إذا امتنع عن قبولها من شريكه، و يجوز للشركاء فسخ هذه القسمة بعد النوبة الأولى أو الثانية، و متى ما أرادوا. و يجوز للشركاء ان يقتسموا الماء بينهم بالاجزاء على النهج الذي أوضحناه في المسألة المائة و السادسة و العشرين و ما

كلمة التقوى، ج 5، ص: 226

بعدها، و القسمة بالاجزاء كذلك قسمة إجبار، فإذا طلبها بعض الشركاء وجبت على شركائه الآخرين اجابته، و إذا امتنع بعضهم عن قبولها أجبر الممتنع، و إذا وقعت

القسمة بينهم على الوجه المذكور كانت لازمة لا يجوز لأحد منهم فسخها.

(المسألة 130):

إذا اقتسم الشركاء الماء المشترك بينهم بالمهاياة جاز لكل واحد من الشركاء ان يفسخ القسمة متى أراد، فإذا أراد أحد الشركاء فسخ القسمة، بعد ان استوفى نوبته من القسمة و قبل أن يستوفي شركاؤه الآخرون نصيبهم منها جاز له ذلك، و إذا فسخ القسمة ضمن لشركائه حصصهم من الماء الذي استوفاه في نوبته، فإن أمكن العلم بمقدار ما يستحقونه من الحصص في نوبته ضمنه، و وجب أن يدفع لكل واحد منهم مثل حصته التي استوفاها، و إذا تعذر العلم بذلك ضمنه لهم بالقيمة، و يرجع الى الصلح في ذلك.

(المسألة 131):

المياه المباحة الأصلية كما قلنا في أول هذا الفصل مشتركة بين جميع الناس على السواء، و لا فرق بين المسلمين و غيرهم في ذلك، فإذا اتفق وجود جماعة من أصحاب الاملاك و المزارع على بعض هذه الموارد المباحة ليسقوا أملاكهم و مزارعهم منه كان لهم الحق في ذلك، فإذا كان المورد الذي اجتمعوا حوله وافيا بحاجة الجميع في أي وقت أرادوا، و مثال ذلك: أن تكون أملاكهم و مزارعهم حول نهر من الأنهار الكبيرة التي تكفيهم لذلك متى شاؤوا، فالنتيجة واضحة لا ريب فيها، فيصح لكل فرد منهم أن يستوفي حقه من الماء تاما متى أراد، فإن المفروض انه باستيفاء حقه لا يمنع و لا يزاحم حقوق الآخرين و لا يضعف

كلمة التقوى، ج 5، ص: 227

حصصهم من الماء.

(المسألة 132):

لا يحق لأحد من الناس في الصورة المتقدمة أن يشق له نهرا كبيرا في أرض يملكها أو في أرض ميتة فيتملك به ذلك الماء المباح كله، أو يستولي به على أكثره بحيث لا يكون الباقي من الماء وافيا بحاجة الآخرين. و لا يمنع الرجل من ان يشق لنفسه نهرا يملك فيه بعض الماء إذا كان لا يمنع حقوق الباقين و لا حق بعضهم و لا يوجب له قلة في الماء.

(المسألة 133):

إذا كان الماء المباح الذي اجتمع عليه أصحاب الأملاك و المزارع لا يكفى لسقاية أملاكهم و مزارعهم دفعة واحدة، و مثال ذلك: أن تكون الأملاك و المزارع المذكورة حول غدير في البادية يجتمع فيه ماء المطر: أو واد من أوديتها ينحدر اليه ماء السيل، أو حول عين نابعة في الأرض الميتة، فإذا قسم أصحاب الأملاك الماء الموجود عليهم، لم يف بحاجتهم مجتمعين، و وقع النزاع و التخاصم بينهم في من يتقدم أو يتأخر منهم في السقاية.

فإن علم من هو الأسبق في إحياء ملكه أو مزرعته قبل الآخرين من أصحابه قدم الأسبق، فيسقى من ذلك الماء قبل غيره، ثم يقدم السابق في الاحياء من بعد الأول، و هكذا حتى تتم سقايتهم أو ينتهي الماء الموجود.

و إذا لم يعلم السابق من اللاحق في إحياء لملكه، قدم الأعلى في السقاية من الماء، و المراد بالأعلى من يكون ملكه أو مزرعته أقرب الى أول الماء المباح الموجود، فيسقى ملكه أولا فإن كان نخلا حبس له الماء في أرضه الى أن يبلغ في

كلمة التقوى، ج 5، ص: 228

ارتفاعه الى الكعب، و الكعب هو المفصل ما بين الساق و القدم، و ان كان شجرا حبس له الماء حتى يبلغ الى

القدم، و ان كان زرعا حبس الماء لسقايته حتى يبلغ الى الشراك، فإذا استوفى من هو أقرب الى أول الماء حقه من السقاية بذلك، أرسل الماء من بعده الى من يليه فسقي كما تقدم، ثم أرسل الماء الى من بعده، و هكذا حتى تتم السقاية للجميع أو ينتهي الماء الموجود كله.

(المسألة 134):

إذا وجد جماعة من الناس على ماء مباح، فشق كل واحد منهم له نهرا في ملكه الخاص به، أو في أرض ميتة، أمكن لهم أن يجروا الماء في أنهارهم التي شقوها من ذلك الماء المباح الذي اجتمعوا عليه، و يملك كل واحد منهم الماء الذي أجراه في نهره و قد تقدم بيان هذا.

فان كان الماء المباح الموجود لديهم يكفي لحاجتهم جميعا لكثرته فيما لا الأنهار كلها في زمان واحد، و لا يمنع بعضهم بعضا و لا ينقص حقه، اشتركوا في الحق على السواء و فعلوا بالماء ما أرادوا.

و ان كان الماء المباح الموجود لديهم لا يفي بحاجتهم جميعا في وقت واحد، و وقع التخاصم بينهم في من يتقدم أو يتأخر في الاستحقاق، جرى فيه نظير الحكم الذي ذكرناه في سقاية الأملاك، فيقدم منهم من علم أنه أسبق في إحياء نهره من غيره فيجري الماء في نهره قبل الآخرين، ثم يكون الحق للسابق في الاحياء من بعد الأول: و هكذا.

و ان لم يعلم السابق منهم قدّم في الحق من يكون نهره الذي أحياه أقرب الى أول الماء المباح، فيجري الماء في نهره، ثم يكون الحق من بعده لمن يليه، و هكذا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 229

على الترتيب كما تقدم.

(المسألة 135):

إذا كان النهر المملوك مشتركا بين جماعة متعددين، و احتاج الى تنقيه من رواسب الرمل و الطين المجتمعة فيه، أو من النباتات التي تخرج في قاعه، و تعيق جريان الماء فيه، أو احتاج الى مزيد من الحفر أو التوسعة، أو الى إصلاح بعض الخروق و الخلل فيه أو في جوانبه، فللمسألة صور لا بدّ من ملاحظتها لتطبيق أحكامها.

(الصورة الأولى): أن يكون الشركاء في النهر كلهم كاملين

رشيدين و يتفقوا في ما بينهم على أن يقوموا بما يحتاج اليه النهر من إصلاح و تنقية، فإذا أرادوا القيام بالأمر في هذه الصورة فعليهم أن يقتسموا العمل في النهر أو يقتسموا النفقة عليه بنسبة ما يملكه كل فرد منهم من الحصة في النهر، فعلى مالك نصف النهر أن يقوم بنصف العمل فيه، أو يقوم بدفع نصف نفقاته، فيستأجر بها من يقوم بالعمل، و على مالك ثلث النهر أو ربعه أو ثمنه أو عشرة مثلا أن يقوم بنسبة حصته المذكورة من النهر فيتولى مقدارها من العمل، أو يدفع مقدارها من النفقة.

و كذلك الحكم إذا الزمتهم الدولة بأن يقوموا بتنقية النهر و إصلاحه، فعليهم أن يتولوا القيام بالأمر بنسبة ما يملكه الفرد منهم من الحصة في النهر، فيعمل في إصلاحه بنفسه أو يدفع من النفقة بذلك المقدار و هذه هي الصورة الثانية. بل و كذلك إذا ألزم الحاكم الشرعي بذلك، كما إذا كان النهر مشتركا بين ملاك قاصرين و كانت مصلحتهم تحتم تعمير النهر و إصلاحه، فيجب على الأولياء الشرعيين للقاصرين أن يقوموا بما تقتضيه المصلحة، فيدفعوا نفقة العمل و الإصلاح من أموال

كلمة التقوى، ج 5، ص: 230

القاصرين أنفسهم، فإذا لم يفعل الأولياء ذلك ألزمهم الحاكم الشرعي به، و اقتسموه بحسب الحصص كما تقدم، و هذه هي الصورة الثالثة.

(المسألة 136):

الصورة الرابعة أن يختلف الشركاء في النهر في ما بينهم، و هم جميعا كاملون رشيدون، فيعزم بعضهم على أن يقوم بإصلاح النهر المشترك و تنقيته، و يترك بعضهم فلا يقوم بشي ء، و لا يجبر الممتنعون من الشركاء على الاشتراك في العمل أو في النفقة، و إذا قامت الجماعة الأولى بإصلاح النهر أو بالإنفاق عليه أو بشي ء

منهما، فلا يحق لهؤلاء أن يطالبوا شركاءهم الممتنعين بمقدار نصيبهم من المئونة إلا إذا كان الممتنعون قد طلبوا من شركائهم العمل في النهر و تعهّدوا لهم ببذل ما ينوبهم من النفقة، فيجوز لهم المطالبة بها بعد هذا الطلب و هذا التعهد.

(المسألة 137):

(الصورة الخامسة) أن يكون النهر مشتركا بين فريقين من الملاك، فبعض الشركاء فيه قاصرون غير رشيدين، و لذلك فلا يصح التصرف في حصصهم الا من أوليائهم الشرعين، و بعض الشركاء في النهر كاملون يصح لهم التصرف، و لكنهم يعجزون عن القيام بإصلاح النهر إلا بمعونة شركائهم القاصرين لضعفهم في المال أو لسبب أخر.

فإذا كانت للشركاء القاصرين مصلحة تقتضي إصلاح النهر المشترك وجب على أوليائهم الشرعيين ان يبذلوا حصص القاصرين من مئونة إصلاح النهر ليتمكن شركاؤهم من القيام بالعمل و يتم الإصلاح المطلوب، و الحصص التي يبذلها الأولياء من أموال القاصرين أنفسهم، و إذا لم تكن للقاصرين مصلحة في إصلاح

كلمة التقوى، ج 5، ص: 231

النهر لم يجب على الأولياء البذل.

(المسألة 138):

إذا أذن مالك النهر لغيره أن يغرس لنفسه على حافة النهر نخيلا أو شجرا فغرس الشخص المأذون له ذلك، فلا يجوز لمالك النهر بعد ثبات الغرس ان يحول النهر الى موضع لا يصل منه الماء الى النخيل أو الشجر المغروس باذنه، و كذلك الحكم إذا أذن له فنصب رحى في مجرى النهر لطحن الحبوب، فليس لمالك النهر أن يحوله فلا ينتفع المأذون له برحاه، و يجوز له تحويل النهر إذا أذن له صاحب الغرس و صاحب الرحى بتحويله.

(المسألة 139):

النبات يتبع الأرض التي تنبته في الحكم، فإذا كانت الأرض مملوكة لأحد من الناس كان النبات الذي تخرجه مملوكا لصاحب الأرض، سواء كان مما تخرجه الأرض بنفسها أم خرج فيها بزرع زارع أو غرس غارس، و سواء كان مما يأكله الناس أو الأنعام أم كان مما لا يؤكل، فلا يجوز لأحد أن يتصرف فيه الا بإذن مالك الأرض، و إذا وضع يده عليه أو تصرّف فيه بغير رضا مالكه كان غاصبا اثما في فعله.

و إذا كانت الأرض مواتا غير مملوكة لمالك كان النبات الذي تخرجه بحكمها، فهو من المباحات الأصلية فتشترك فيه الناس عامة، و إذا سبق إليه أحد من الناس فحازه لنفسه ملكه بالحيازة، و كان مختصا به، الا أن يحدث ما يوجب الاشتراك في الملكية، و لا تختص هذه الاحكام بالكلاء و ما تأكله الأنعام و الدواب و الحيوان بل تشمل العقاقير و الأدوية و الزهور و ما يأكله الإنسان من النباتات، و ما ينتفع به في مأكولاته و مشروباته من التوابل و الأبزرة و المطيّبات و المشهيات، و ما ينتفع به

كلمة التقوى، ج 5، ص: 232

في غير ذلك كالحطب و الخشب و القصب

و البردي و غيرها.

(المسألة 140):

ذكرنا في المسألة التاسعة عشرة ان المسلم إذا سبق الى قطعة من الأرض الميتة فوضع يده و استولى عليها لينتفع بما فيها من كلاء و نبات أو ماء عذب أو حطب أو قصب أو نحو ذلك من المباحات العامة الموجودة في الأرض كان هذا السابق أولى بتلك القطعة التي استولى عليها و بمنافعها ما دامت يده مستولية عليها، و ان لم يحي الأرض و لم يحجرها، فلا يجوز لأحد غيره من الناس أن يضع يده على تلك الأرض، و لا على كلائها و نباتها و منافعها إلا باذنه، و كذلك إذا سبق إلى الأرض الميتة كافر ذمي أو معاهد ممن تكون يده محترمة في شريعة الإسلام لذمته أو معاهدته.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 233

الفصل التاسع في المعادن
(المسألة 141):

المعادن بقاع مخصوصة من الأرض تكون أجزاء الأرض فيها ذات خصوصيات مرغوبة عند أفراد الإنسان، و هو يطلبها لتلك الخصوصيات و لكثرة افادته منها، و قد يكون بعض تلك البقاع للخصوصيات الموجودة فيها سببا لتحويل المياه و الأبخرة و شبهها إذا اجتمعت فيها الى مواد ذات قيمة، بل و الى ذات ثروة كبيرة يتنافس عليها الناس، كالنفط و الكبريت، و القار و الملح و الزيبق و الزرنيخ. و كالذهب و الفضة و النحاس و الحديد و الرصاص، و كالزمرد و الزبرجد و الفيروزج و العقيق و الياقوت، و أمثال ذلك من المعادن النفيسة و غير النفيسة، و المألوفة و غير مألوفة بين الناس، و قد تعرضنا لذكر المعادن و الأحجار الكريمة في كتاب الخمس من هذه الرسالة و في مبحث ما لا يصح السّجود عليه من كتاب الصلاة.

(المسألة 142):

يقول جماعة من الفقهاء (قدس اللّه أرواحهم): تنقسم المعادن الى نوعين النوع الأول المعادن الظاهرة على وجه الأرض، كالملح و الكحل و القار و الموميا و هذا النوع كسائر المباحات الأصلية يملك بالأخذ و الحيازة، فإذا أخذ الإنسان

كلمة التقوى، ج 5، ص: 234

منه شيئا ملك ما أخذه و بقي الباقي الذي لم يأخذه من المعدن مشتركا بين عموم الناس، و النوع الثاني المعادن الباطنة في الأرض، و هذا النوع انما يملك بالتعمير و الاحياء.

و الظاهر أن هؤلاء الأجلة (تغمدهم اللّه برضوانه) يريدون من النوع الأول:

المعادن التي تكون جاهزة بنفسها، فيمكن للرجل ان ينتفع بها بالفعل، سواء كانت ظاهرة على وجه الأرض أم كانت بحكم الظاهرة، و هي التي يستولي عليها الإنسان بعد حفر يسير في الأرض، كمعادن الجص و النورة و الموميا و الكبريت و الفيروزج

و المرمر التي تستخرج و يستولي عليها بعد ازالة الرمل و التراب من وجه الأرض.

و الحكم في هذه المعادن الجاهزة بنفسها كما أفاده هؤلاء الأجلة (رضي اللّه عنهم) فهي مما يملكه الإنسان بالحيازة، فإذا أخذ منهما شيئا كثيرا أو قليلا ملكه سواء أخذه من ظاهر الأرض أم استولى عليه بعد الحفر كما قلنا و لا ينافي ذلك أن بعض هذا النوع يحتاج إلى الإحراق كالجص و النورة، و بعضه يحتاج الى نشره بالمناشير و الى تسوية وجوهه بالآلات كالمرمر، فان هذا المقدار من العمل لا يخرجها عن حكم المباحات العامة، و لا تكون بسببه من النوع الثاني الذي لا يملك إلا بالاحياء، و يبقى الباقي الذي لم يأخذه الرجل من المعدن مباحا لغيره من الناس، بل و له متى شاء.

(المسألة 143):

النوع الثاني: المعادن التي لا تكون جاهزة بالفعل ليستفيد الإنسان منها فوائدها المطلوبة متى أخذها، بل تفتقر حتى تبلغ هذه الغاية إلى إجراء أعمال و تعمير و احياء كمعدن العقيق و الياقوت و الزبرجد و نحوها من الأحجار الكريمة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 235

فهي تتوقف على حك و تصفية حتى تصبح جواهر نافعة، و كمعدن الزيت و النفط فإنه يحتاج الى حفر آبار و استخراج و تصفية بآلات و أجهزة معقدة متنوعة حتى تنتج أنواع الزيت المطلوبة، و كمعادن الذهب و الفضة و النحاس و الحديد و الرصاص فإنها تفتقر إلى إعمال كثير من الوسائل في العمارة و الاحياء. و الحكم في هذا النوع من المعادن انها لا تكون مملوكة للإنسان إلا بالتعمير و الاحياء، و لا فرق فيها بين أن تكون ظاهرة على وجه الأرض و أن تكون مستورة في باطنها أو في

اعماقها فتحتاج الى تنقيب و حفر آبار و اعداد اجهزة و وسائل معقدة.

و إذا حفر الإنسان البئر و لم يحيى المعدن بالفعل لم يملكه، و كان حفره للبئر و تعيين الموضع تحجيرا يثبت به للحافر حق الأولوية من غيره، و قد سبق نظير هذا الحكم في من حفر له بئرا في أرض ميتة و لم ينبع ماؤها، أو حفر له فيها عينا و لم يخرج ماؤها فلا يكون ذلك إحياء للبئر أو العين و لا يملكها بذلك و يكون حفرهما تحجيرا للموضع من الأرض الميتة تثبت للمحجر به الأولوية.

(المسألة 144):

إذا سبق إنسان الى احد المعادن التي لا تملك إلا بالاحياء و شرع في مقدمات إحيائه ثم تركه و أهمله، خيّره الولي العام للمسلمين بين أن يتم احياء المعدن، و أن يرفع يده عنه لمن يريد إحياءه من الناس و أجبره على أن يختار أحد الأمرين، و إذا اعتذر عن تعطيل العمل بعذر مقبول عند العقلاء أمهله ولي المسلمين مدة يزول فيها عذره فإذا انقضت المدة ألزمه بأن يختار أحد الأمرين و يتولى الحاكم الشرعي ذلك في عصر غيبة الإمام (ع) و سبق نظير هذا الحكم في المسألة التاسعة و الخمسين.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 236

(المسألة 145):

إذا أحيى انسان قطعة من الأرض الموات فوجد في الأرض المحياة: بعض المعادن ملك الأرض بالاحياء و ملك المعدن الذي وجده فيها بتبع الأرض، سواء وجد المعدن ظاهرا على وجه الأرض أم عثر عليه في باطنها، و مثال ذلك: أن يشق له في الأرض نهرا أو يحفر بئرا فيجد المعدن في أثناء حفره، فيملكه لأنه جزء من أرضه، و من توابعها و إذا كان المعدن في الأعماق البعيدة عن وجه الأرض بحيث لا يعدّ عرفا من اجزاء الأرض و لا من توابعها لم يملكه الرجل مع الأرض بإحيائها و من أمثلة ذلك: آبار النفط و شبهه مما يحتاج في استخراجه الى حفر كثير في الأعماق فلا يملك مثل هذا المعدن بإحياء الأرض، و انما يملك بإحياء المعدن نفسه على الوجه الذي تقدم بيانه.

(المسألة 146):

يجوز للإنسان أن يستأجر أجيرا لاستخراج المعدن من موضعه في الأرض بأجرة معلومة بينهما، و يجوز له أن يستأجره لإحياء المعدن إذا كان محتاجا الى الاحياء، و كان العمل المستأجر عليه معلوما بين المتعاقدين، و الأحوط أن يكون مقدارا في المدة، و لا تصح الإجارة إذا كان بدل الإجارة مجهولا، و مثال ذلك: أن يستأجر العامل يستخرج المعدن بربع ما يخرجه منه أو بثلثه، و يمكن للمتعاقدين إذا فقد بعض شروط الصحة في الإجارة أو شكّا في تحقق شرط منها أن يوقعا المعاملة بينهما على وجه الصلح.

(المسألة 147):

لا يجوز للإنسان أن يضع يده على مقاطعة كبيرة لا يستطيع إحياءها بنفسه

كلمة التقوى، ج 5، ص: 237

من الأرض الموات ثم يقسم المقاطعة بين أفراد متعددين من عشيرته أو غيرهم ليحيى كل فرد منهم حصته و يكون الرجل الأول هو صاحب الحق و الاستيلاء على الأرض كلها، فإذا أخذ كلّ فرد من العشيرة حصته من الأرض و أحياها ملكها هذا الفرد المحيي و لا حق للأول في شي ء منها.

و أولى من هذا الفرض بالمنع و عدم الجواز أن يضع الأول يده على مقدار كبير من المياه المباحة أو المعادن المشتركة و يصنع فيها كما تقدم ذكره من التقسيم على أفراد العشيرة.

(المسألة 148):

إذا أحيى رجل أرضا ميتة ملك الأرض بالاحياء، و إذا وجد في الأرض بعض الآثار القديمة التي يعتبرها الناس ذات قيمة تاريخية أو مالية فهي ملك لمحى الأرض و يملكها بتبع الأرض المحياة، و كذلك إذا اشترى أرضا أو انتقلت إليه بأحد الأسباب الموجبة لتملكها شرعا، فإذا عثر فيها على بعض الآثار للأمم السابقة فهي ملك له لأنها من أجزاء أرضه.

(المسألة 149):

إذا وقف الرجل شارعا عاما من أرضه المملوكة و سبله للناس و عين للشارع أرصفة لمرور المشاة فيها وجب اتباع ما عيّنه الواقف، فلا يجوز المرور و الاستطراق في الأرصفة لركبان الدواب و وسائط النقل، و لا يجوز وقوف السيارات أو الدواب أو وسائط النقل الأخرى فيها، و خصوصا إذا أوجب ذلك منعا أو مزاحمة لمرور المشاة الموقوف عليهم.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 239

كتاب المزارعة و المساقاة

اشارة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 240

كتاب المزارعة و المساقاة و تفصيل البحث في هذا الكتاب يكون في ستة فصول:

الفصل الأول في المزارعة و شروطها
(المسألة الأولى):

الزراعة أحد الأعمال التي تأكد استحبابها في شريعة الإسلام، و قد تعددت النصوص الواردة عن الرسول «ص» و عن الأئمة من أهل بيته الطاهرين «ع» الدالة على ذلك، و تنوعت في البحث و التأكيد عليه، ففي الحديث عن يزيد بن هارون الواسطي قال: سألت جعفر بن محمد «ع» عن الفلّاحين، فقال: هم الزارعون كنوز اللّه في أرضه، و ما في الأعمال شي ء أحب الى اللّه من الزراعة، و ما بعث اللّه نبيا الا زارعا، إلا إدريس «ع» فإنه كان خيّاطا) و في رواية أخرى عنه، قال سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: (الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيبا أخرجه اللّه (عز و جل) و هم يوم القيامة أحسن الناس مقاما، و أقربهم منزلة يدعون المباركين)، و عن سيابة عنه «ع» قال: سأله رجل، فقال له: جعلت فداك، أسمع قوما يقولون: أن الزراعة مكروهة، فقال له: (ازرعوا و اغرسوا فلا و اللّه ما عمل الناس أحل و لا أطيب منه) و عنه «ع» (أن اللّه عز و جل اختار لأنبيائه الحرث و الزرع كيلا يكرهوا شيئا من قطر السماء)، و بمضمونها روايات عديدة أخرى.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 241

(المسألة الثانية):

المزارعة معاملة تكون ما بين مالك الأرض و شخص أخر يتفقان بينهما على أن يقوم الشخص بزرع الأرض لمالكها بحصة من نتاج الزراعة، و لا ريب في شرعية هذه المعاملة إذا توفرت فيها شروط الصحة و سيأتي بيانها مفصلا.

و يسميها بعض اللغويين و علماء الحديث مخابرة، بملاحظة أن كلّ واحد من المتعاقدين في المعاملة يستحق خبرة من نتاج الزرع و الخبرة هي النصيب المعيّن، أو بملاحظة أن الخبير اسم يطلق في اللغة على الأكّار نفسه.

و قد روى الصدوق

في كتابه معاني الأخبار (أن النبي «ص» نهى عن المخابرة)، و هذا الخبر محمول على صورة وجود تنازع و تشاجر في المعاملة بين المتعاقدين، فلا نهي و لا كراهة في المزارعة إذا لم تؤد الى ذلك.

(المسألة الثالثة):

المزارعة معاملة معلومة تجري بين عامة الناس، و هي عقد من العقود يجري بين الطرفين المتعاملين، و لذلك فهي لا تتم و لا تنفذ إلا بإيجاب و قبول بينهما و يجوز فيها أن يكون الإيجاب من مالك الأرض و يكون القبول من الزارع، و يمكن أن يقع الإيجاب من الزارع، و يقع القبول من صاحب الأرض، و يصح أن يقع الإيجاب من أحدهما بأي لفظ يكون دالا على إنشاء عقد المزارعة بينهما بحصة معينة من حاصل الزراعة، فيجوز للموجب منهما أن ينشئ، العقد بصيغة الفعل الماضي، و بصيغة الفعل المضارع، و بصيغة فعل الأمر، و بالجملة الاسمية فيقول مالك الأرض للزارع: سلّمت إليك ارضي المعلومة لتزرعها حنطة مثلا و يكون لي النصف أو الثلث من الحاصل الذي ينتج من الزرع و لك الباقي منه، أو يقول له

كلمة التقوى، ج 5، ص: 242

ازارعك في ارضي على كذا، و يذكر له القيود و الشروط، أو يقول له: ازرع لي هذه الأرض بالحصة المعيّنة و هكذا في أي لفظ يكون دالا على إيجاد المعاملة المقصودة بينهما دلالة ظاهرة يعتمد عليها أهل اللسان، و أن كان ظهوره بسبب قرينة موجودة تدل على المراد، سواء وقع من مالك الأرض أم من الزارع.

و لا يتعين أن يكون إنشاء العقد بلفظ عربي، فيصح أن يقع إنشاؤه بأي لغة أخرى تكون دالة عليه في عرف أهل ذلك اللسان، و يجوز أن يكون القبول كذلك بأي لفظ

يكون دالا على رضى القابل بالمعاملة و بشروطها التي اتفق عليها الطرفان سواء وقع من الزارع أم من صاحب الأرض.

(المسألة الرابعة):

يجوز أن ينشأ عقد المزارعة بالمعاطاة الدالة على المعاملة المقصودة، فإذا دفع المالك أرضه إلى الزارع ليزرعها له بحصة معلومة من حاصل الزراعة و قصد بدفعه الأرض إنشاء المعاملة، ثم قبض الزارع الأرض منه بقصد إنشاء القبول على الشروط المتفق عليها بينهما، صحت المعاملة و نفذت، و كانت لازمة على الأقوى و سيأتي ذكر ذلك في موضعه، و انما تجري المعاطاة بعد أن يعين بين الطرفين ما يحتاج الى تعيينه و يشترط ما اتفقا على اشتراطه، ثم ينشأ العقد بالمعاطاة مبنيا على ذلك، فتكون القيود و الشروط بذلك بحكم المذكورة في العقد.

و يجوز أن يكون العقد مؤلفا فيكون الإيجاب باللفظ و القبول بالفعل و بالعكس و يصح أن يقدم القبول على الإيجاب على الوجه الذي يأتي إيضاحه و قد سبق نظير ذلك في بعض العقود.

(المسألة الخامسة):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 243

لا ريب في أن الأرض مملوكة لمالكها الشرعي، و يتبعها في ذلك نماؤها و جميع ما يحصل منها من فائدة و منفعة، فلا يحق للزارع أن يتصرف في الأرض الا بإذن مالكها، و لا يستحق من نمائها و فوائدها شيئا إلا بتمليكه، و لا ريب كذلك في أن عمل العامل الحر ملك خالص له، و لا سلطان لأحد غيره على عمله، و لا على شي ء من نتاجه و فوائده الا بتمليكه.

و من أجل ذلك كانت المزارعة عقدا لا يتم إلا بإيجاب و قبول من المتعاملين و من أجل ذلك صح أن يقع الإيجاب فيها من مالك الأرض و من الزارع، و يكون القبول من الطرف الثاني منهما، فإذا قال مالك الأرض للزارع: سلمت إليك ارضي المعلومة لتزرعها حنطة و يكون لك النصف أو الثلث مما

تنتجه الأرض من حاصل هذه الزراعة، و يكون لي الباقي من حاصلها، أو قال له: زارعتك على أن تزرع ارضي حنطة و يكون حاصل زراعة الأرض بيننا على النهج المذكور، كان مالك الأرض هو الموجب في المعاملة، و لا يتم العقد و لا ينفذ الا بقبول الزارع بعد أن يتم الإيجاب، و يجوز أن يقدم القبول قبل الإيجاب، فيقول الزارع لمالك الأرض و قبل إيجابه: رضيت بالمزارعة التي تنشئها على الشروط التي اتفقنا عليها ما بيننا و يصح العقد منهما على كلا الوجهين.

و إذا ابتدأ الزارع بالإيجاب فقال لمالك الأرض: استلمت منك أرضك المعلومة لأزرعها و تكون الحصص بيني و بينك بالمناصفة مثلا في نتاج الزراعة، أو على النهج المعين الذي اتفقنا عليه فيكون الزارع هو الموجب، و لا يتم العقد و لا ينفذ الا بقبول المالك بعد هذا لإيجاب، و يصح للمالك أن يوقع القبول سابقا على الإيجاب، فيقول للزارع قبل إيجابه رضيت بمزارعتك التي تنشئها، على

كلمة التقوى، ج 5، ص: 244

الوجه و القيود التي اتفقنا عليها و الشروط التي اردناها.

(المسألة السادسة):

يشترط في صحة عقد المزارعة أن يكون صاحب الأرض بالغا، و عاقلا و مختارا في فعله، فلا يصح عقده إذا كان صبيا غير بالغ أو كان مجنونا، أو كان مكرها أو مقسورا على الفعل، و أن يكون قاصدا لما ينشئه، فلا يصح عقده إذا كان سكران أو غاضبا غضبا يسلبه القصد لما يقول، أو كان هازئا أو هازلا غير جادّ في قوله و فعله، و أن يكون رشيدا غير محجور عليه لسفه، سواء كان سفهه موجبا للحجر عليه في ماله خاصة أم في جميع تصرّفاته، و قد ذكرنا تفصيل هذا في كتاب

الحجر، و أن يكون غير محجور عليه في ماله لفلس، و أن يكون مالكا للتصرف في ماله من الجهات الأخرى، فلا يصح عقده إذا كان غير نافذ التصرّف فيه لبعض الموانع منه.

و مثال ذلك: ما إذا كانت منفعة الأرض مملوكة لغيره بإجارة و شبهها، أو كانت الأرض مرهونة عند غيره على دين لذلك الغير، أو كانت قد تعلق بها حق أخر يمنع المالك من التصرف فيها أو في منفعتها.

و يشترط في صحة العقد كذلك أن يكون الزارع جامعا للشرائط المذكورة كلها على النحو الذي ذكرناه في صاحب الأرض، نعم، لا يضر في صحة المزارعة أن يكون الزارع مفلسا، إذا كانت مزارعته لا تستلزم تصرفا في أمواله الموجودة لديه و التي قد تعلق الحجر بها لحقوق الغرماء.

(المسألة السابعة):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 245

يشترط في صحة عقد المزارعة أن يجعل في العقد جميع ما يحصل من زراعة الأرض مشاعا بين المتعاقدين، فلا يصح العقد إذا جعل نماء الزراعة كله لأحد الطرفين دون الآخر، و لا يصح إذا اشترط أن يكون لأحد المتعاقدين مقدار معين من الحاصل يختص به، فيشترط صاحب الأرض على الزارع أو يشترط الزارع على صاحب الأرض أن تكون له عشرة أمنان من الحنطة الحاصلة من الزراعة يختص بها دون صاحبه، و لا يعلم بأن ما يحصل من نتاج الزرع يفضل عن ذلك المقدار أم لا، فيبطل العقد في هذه الصورة، و يبطل أيضا إذا جعل الباقي من الحاصل إذا اتفق وجوده خاصا بالثاني منهما أو جعل مشتركا بين الطرفين فيكون العقد في جميع هذه الصور، و تلاحظ المسألة الخامسة و العشرون الاتية.

و لا يصح العقد إذا اقتسما الحاصل من الزراعة بينهما بحسب الزمان فاشترطا

مثلا أن يكون ما تنتجه الزراعة في أول الوقت يختص بأحد هما، و ما تنتجه في أخر الزمان يكون للثاني، أو اقتسما النتاج بحسب الأمكنة من الأرض فما تنتجه القطعة الأولى المعيّنة من الأرض يكون لأحد هما و ما تنتجه القطعة الثانية يختص بالاخر.

و لا يصح العقد إذا اقتسما الحاصل بحسب النوع الذي تنتجه الزراعة، فما تنتجه الزراعة من الحنطة مثلا يكون مملوكا لأحدهما، و ما تنتجه من بقية أنواع الحبوب أو المخضرات يكون مملوكا للثاني، فيبطل عقد المزارعة في جميع هذه الفروض، و تصح المعاملة فيها إذا أنشئت على نحو المصالحة عليها بين الطرفين.

(المسألة الثامنة):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 246

يشترط في صحة عقد المزارعة زائدا على الشروط المتقدم ذكرها: أن تجعل في العقد لكل واحد من المالك و الزارع حصة معلومة المقدار من مجموع حاصل الزراعة، النصف منه أو الثلث أو الربع أو الخمس أو غير ذلك من الكسور، حسب ما يتفق عليه المتعاملان، سواء تساوت الحصتان المجعولتان لهما في المقدار أم تفاوتتا، فيكون المجموع بينهما حصتين على المناصفة أو على المثالثة، فلأحدهما ثلث الحاصل و للآخر ثلثاه، أو على غير ذلك، فلأحدهما ربع النتاج و للثاني ثلاثة أرباعه، و هكذا.

ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: (لا تقبّل الأرض بحنطة مسماة، و لكن بالنصف و الثلث و الربع و الخمس لا بأس به)، و قال «ع»: (لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس)، و في صحيحة أبي الربيع الشامي عنه «ع»، انه سئل عن الرجل يزرع أرض رجل أخر، فيشترط عليه ثلثا للبذر و ثلثا للبقرة فقال «ع»: (لا ينبغي أن يسمي بذرا و لا بقرا، و لكن يقول لصاحب

الأرض: ازرع في أرضك و لك منها كذا و كذا، نصف أو ثلث أو ما كان من شرط و لا يسمّ بذرا و لا بقرا، فإنما يحرم الكلام)، و بمضمونها أدلة معتبرة اخرى.

فلا يصح العقد إذا لم يعين مقدار الحصة كذلك، فقال له مثلا: زارعتك على أن تكون لك حصة من الحاصل نتفق على تقديرها في ما بعد، أو على أى مقدار تريده أو على ما يعينه لك فلان.

(المسألة التاسعة):

إذا ذكر المتعاقدان للمزارعة بينهما مدة وجب عليهما أن يعيّنا للمدة أمدا محدودا بالأشهر أو السنين، فيقول الموجب من الطرفين لصاحبه: أسلمت إليك

كلمة التقوى، ج 5، ص: 247

هذه الأرض لتزرعها لي مدة ثلاث سنين مثلا أو أربع، على أن يكون لي الثلث من الحاصل الذي تخرجه الزراعة كل سنة من هذه المدة و لك الثلثان منه، و يقول الآخر: قبلت المزارعة في هذه المدة المعيّنة على الشرط الذي ذكرت.

و إذا ذكرا للمزارعة مدة و لم يجعلا لها أجلا مسمّى بطل العقد بينهما و مثال ذلك أن يقول الموجب لصاحبه: سلمت إليك الأرض لتزرعها مدة من الزمان، فيكون لي الثلث من ناتج الزراعة و لك الباقي منه، فيبطل العقد لعدم التعيين، و إذا ذكر للمزارعة مدة و عيّناها لزم أن يكون الأجل المعيّن بمقدار يحصل فيه الزرع، و يتم إدراكه بحسب العادة المتعارفة لذلك الزرع، فلا يصح العقد إذا كان الأجل أقلّ من ذلك.

و يكفي في صحة العقد أن تعين المدة فيه على وجه الإجمال، فإذا قال المالك لصاحبه أسلمت إليك الأرض لتزرعها حنطة في هذا العام، و يكون لي الثلث من حاصل الزرع و لك الثلثان صح العقد، و تكون المدة من أول الوقت المتعارف

لابتداء زراعة الحنطة في أثناء العام الى حين إدراكها، و كذلك إذا عين مبدأ الشروع في الزرع فقال له: أسلمت الأرض إليك لتزرعها حنطة من أول شهر كذا، فيصح العقد و يحمل الآخر على الوقت الذي يتم فيه ادراك الزرع بحسب العادة، و ترتفع بذلك الجهالة.

(المسألة العاشرة):

يشترط في صحة المزارعة أن تكون الأرض التي تقع عليها المعاملة قابلة للزراعة المقصودة، فلا يصح العقد إذا كانت الأرض غير صالحة لذلك مطلقا و مثال ذلك: أن تكون الأرض سبخة مالحة يمكن علاجها و الإنبات فيها، أو يكون

كلمة التقوى، ج 5، ص: 248

وجهها مكسوا بالصخور و الصلدة و الحجارة الملساء، فلا تثبت فيها الجذور و لا تنمو فيها البذور، أو تكون مغمورة بالمياه، فلا يستطاع تجفيفها ليقوم فيها زرع أو يثمر فيها نبت، أو تكون قد استولت عليها الرمال الكثيفة الناعمة و تراكمت على وجهها فلا يقدر على إزالتها، أو تكون بعيدة عن منابع الماء و موارده، و عن مساقط الغيث و القطر فلا تمكن سقايتها، و لذلك فلا ينبت فيها زرع و لا ينمو فيها عود.

و تصح المزارعة على الأرض إذا أمكن الزرع فيها بالعلاج و الإصلاح فكان ما لك الأرض قادرا على إصلاحها و تسليمها بعد الإصلاح للزارع قابلة للزرع و الإنبات، أو كان الزارع نفسه قادرا على أن يصلح الأرض حتى تصبح قابلة لذلك و لو باستخدام الآلات و الوسائل الحديثة المعدّة لمثل ذلك، و لا ريب في أن ذلك يتبع الشرط بينهما، فإذا شرط مالك الأرض على العامل أن يقوم بإصلاح الأرض و كان العامل قادرا على القيام به، أو شرطه العامل على مالك الأرض، وجب على المشروط عليه أن يفي بالشرط، و

صحت به المعاملة، و ان احتاج الإصلاح إلى مدة طويلة، سنة أو سنتين أو أكثر، مع ذكر ذلك في العقد، و تلاحظ المسألة التاسعة و الستون.

(المسألة 11):

إذا اتفق المتزارعان بينهما على ارادة نوع خاص من الزرع في الأرض: حنطة أو شعير أو غيرهما من أنواع المزروعات و قصداه معا في نفسيهما حين إجراء المعاملة، تعين ذلك النوع في المعاملة الجارية بينهما، و وجب على الزارع و مالك الأرض اتباعه و الوفاء به، و كفى ذلك عن الاشتراط الصريح في العقد، و يكفي أيضا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 249

عن الاشتراط الصريح في العقد أن يكون ذلك النوع الواحد من الزرع هو المتعارف بين عامة الناس في ذلك البلد لمثل هذه الأرض و من ذلك العامل، و هو الذي ينصرف إليه الإطلاق بينهم، فيتعين الإتيان بذلك النوع، و يكون الانصراف اليه كالشرط الصريح في العقد.

و إذا كانت الأرض صالحة لعدة أنواع من الزرع فيها، و علم من القرائن الموجودة: أن مالك الأرض و زارعها كليهما قد قصدا في نفسيهما التعميم لجميع الأنواع التي تمكن زراعتها في الأرض، صح العقد، و كان العامل مخيرا في الزراعة بين جميع الأنواع المقصودة لهما، فأي الأنواع منها أتى به كان وفاء بالعقد، و إذا كانت الأرض قابلة لعدة أنواع من الزرع فيها، و لم يقصد المالك و الزارع العموم لتلك الأنواع، و لم يتفقا على ارادة نوع معين منها، و لم ينصرف الإطلاق عند العقلاء من الناس في البلد الى نوع مخصوص من الزرع فيها، وجب على المتعاقدين أن يعيّنا النوع الذي يريدان في المعاملة بينهما من أنواع الزرع، و إذا هما لم يعيّنا نوعا خاصا منها بطل العقد.

(المسألة 12):

المزارعة كما قلنا أكثر من مرة معاملة تتضمن أن يسلّط المالك العامل على أرضه ليتصرف فيها و يزرعها له، و أن يملكه حصة معينة من الحاصل الذي

تخرجه الأرض بسبب الزراعة، و لذلك فلا بد من فرض وجود ارض تتعلق بها المعاملة المذكورة، و يتعلق بها العمل من الزارع، و يحصل منها النتاج، و بدون هذا الفرض لا يمكن أن تتحقق المعاملة الخاصة و العقد بين الطرفين، و هو أمر في غاية الوضوح و الجلاء.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 250

و الأرض التي تتعلق بها المزارعة قد تكون مفروضة الوجود في الخارج و قد تكون كلية موصوفة، يلتزم بها المالك في ذمته أن يسلمها للعامل كما وصف و يتعاقد معه على زراعتها، و إذا كانت مفروضة الوجود في الخارج فقد تكون متشخصة فيه متميزة بوجودها الخاص عن غيرها، و قد تكون على وجه الكلي في المعيّن، فهي على ثلاث صور مختلفة.

(الصورة الاولي): أن تكون الأرض التي تتعلق بها المعاملة مفروضة الوجود في الخارج، و أن تكون متشخصة متميزة بوجودها الخاص عن سواها، و الأحوط في هذه الصورة أن يعين في عقد المزارعة مقدار الأرض و حدودها بين المتعاقدين فتكون معينة غير مبهمة لديهما، و بذلك يصح العقد عليها من غير ريب، و إذا أهمل ذلك و دار أمر الأرض بين الأقل و الأكثر بطل العقد على الأحوط.

و كذلك الحكم إذا كان للمالك أكثر من أرض واحدة و كانت اراضيه مختلفة في المقادير و الحدود و أراد أن يزارع العامل على واحدة منها، فالأحوط له أن يعيّن الأرض التي يجري عليها المعاملة و يعين مقدارها و حدودها، و بدون ذلك يبطل العقد على الأحوط، و خصوصا إذا كانت أراضيه مما تختلف حصة العامل في زراعتها عند أهل العرف من البلاد.

(المسألة 13):

(الصورة الثانية): أن تكون الأرض مفروضة الوجود في الخارج و أن تتساوى أجزاء الأرض

في صلاحها للزرع و الإنتاج، ثم ينشأ عقد المزارعة بين مالك الأرض و زارعها على مقدار جريب منها بحصة معلومة من حاصل زراعتها، و لا ينبغي الريب في صحة المزارعة على هذا الوجه، و يكون من العقد على الكلي

كلمة التقوى، ج 5، ص: 251

في المعيّن من الأرض فإذا عيّن المتعاقدان بعد ذلك جريبا خاصا من الأرض، و زرعه العامل على الوجه الذي أراده مالك الأرض و أنتجت الزراعة استحق كل واحد من المتعاقدين حصته التي عينت له من حاصل ذلك الجريب.

و من أمثلة ذلك: أن يكون للمالك أكثر من قطعة واحدة من الأرضين و كل قطعة منها تساوي الأخرى من القطعات في المقدار، و في صلاح اجزائها للزرع و الأثمار، فإذا زارع المالك العامل على قطعة غير معيّنة منها كان ذلك من المزارعة على الكلي في المعين نظير ما تقدم، و صح العقد على الوجه الذي بيّناه في نظيره.

(المسألة 14):

(الصورة الثالثة): أن ينشأ عقد المزارعة بين المتعاقدين على كلي من الأرض موصوف بصفات معينة يكون في ذمة المالك، و الظاهر صحة المعاملة في هذه الصورة أيضا فإذا اتفق المالك مع العامل على أن يزرع له أرضا يدفعها اليه و وصف له الأرض وصفا ترتفع به الجهالة من الطرفين، و أجريا صيغة العقد بينهما و عيّنا مقدار حصة الزارع و مقدار حصة المالك من نتاج الزرع، ثم دفع المالك للعامل أرضا تتحقق فيها الأوصاف التي ذكرها له في العقد صح ذلك و لزم المتعاقدين الوفاء به.

(المسألة 15):

لا يجب على عامل المزارعة أن يبذل البذر أو الجذور التي يقوم بزراعتها في الأرض، و لا أن يبذل غير ذلك من المصارف و النفقات التي يتوقف عليها الزرع، و الواجب عليه انما هو العمل في زرع الأرض و تعهده بالرعاية و السقاية حتى يثمر الزرع و ينتج، و لا يجب شي ء من ذلك على مالك الأرض أيضا.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 252

و لذلك فيجب على المتزارعين أن يعيّنا في عقد المزارعة بينهما من يقوم ببذل ذلك من احد الطرفين أو كليهما، و إذا هما أهملا ذلك، و لم يعيّنا من يقوم بالبذل كان العقد باطلا، و إذا تعارف بين الناس و أصحاب المزارعات أن يكون دفع ذلك على العامل خاصة، أو على مالك الأرض خاصة، أو على كليهما، و انصرف إطلاق المعاملة إلى المتعارف من ذلك، صح و عمل على الانصراف المذكور و كفى ذلك عن التعيين الصريح في العقد.

(المسألة 16):

لا ريب في صحة عقد المزارعة إذا وقع ما بين المالك الشرعي للأرض و العامل الذي يتولى الزراعة على الوجوه التي تقدم تفصيلها، و لتوضيح الاحكام قد جرينا على هذا في التعبير في المسائل السابقة من هذا الكتاب، و لا يشترط في صحة المزارعة أن يكون المزارع مالكا لعين الأرض، و يكفي في صحة مزارعته للعامل أن يكون مالكا لمنفعة الأرض وحدها ملكا تاما يبيح له أن يزارع غيره على الأرض و ان لم يك مالكا لها، و مثال ذلك: أن يستأجر الأرض من مالكها فيملك منفعتها بالإجارة مدة معلومة، أو يملك منفعة الأرض بالوصية له بالمنفعة من مالكها قبل موته، أو بوقف المنفعة عليه من واقفها، و يكون ملكه لمنفعة الأرض على وجه

مطلق يصح له معه أن يسلّط غيره على الأرض، فيزرعها و يجعل له حصة معيّنة من نتاجها، و لا يصح له ذلك إذا شرط عليه مالك الأرض في عقد الإجارة أو الوصية له أو الوقف عليه أن يتولى الانتفاع من الأرض بنفسه، و لا يسلّط عليها غيره.

(المسألة 17):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 253

يجوز للقيم الذي يجعله الواقف متوليا على الوقف العام أو الوقف الخاص أن يزارع من يشاء على الأرض الموقوفة التي تدخل تحت ولايته المجعولة له مع اجتماع الشرائط المعتبرة، فتنفذ مزارعته و تترتب عليها أحكامها، و كذلك المتولي العام أو الخاص المنصوب بأمر الشارع لذلك. و مثله الحكم في الوصي الشرعي المجعول بوصية الميت، فتنفذ مزارعته في الأرض التي تشملها وصايته المجعولة له من الميت الموصى.

و تنفذ مزارعة الولي الشرعي على الطفل أو المجنون أو السفيه إذا زارع أحدا على الأرض التي تكون ملكا أو حقا للمولى عليه، و كانت ولايته جامعة للشرائط المعتبرة.

(المسألة 18):

يكفي في صحة المزارعة أن يكون الرجل مالكا للانتفاع بالأرض انتفاعا تاما، و أن لم يكن مالكا للأرض نفسها، و لا لمنفعتها على أحد الوجوه التي تقدم ذكرها، و مثال ذلك: أن يحجر الأرض و هي موات، و قد تقدم في المسألة السابعة و الأربعين من كتاب احياء الموات أن الإنسان إذا حجر أرضا مواتا لا يد لأحد عليها كان أولى بالأرض التي حجرها من غيره، و مالكا للانتفاع بها، فلا يحق لأحد سواه أن يتصرف في الأرض أو يحييها أو يزرعها أو يزارع عليها إلا باذنه، و نتيجة لملكه للانتفاع بالأرض المحجرة، فإذا زارع أحدا على الأرض صحت مزارعته و ترتبت عليها أحكامها، فإذا زرعها العامل و أنتجت زراعته ثمرا استحق العامل حصته المعينة له من الحاصل و كان الباقي منه لمحجر الأرض.

و كذلك إذا سبق الإنسان إلى أرض ميتة فوضع يده و استولى عليها لينتفع بما

كلمة التقوى، ج 5، ص: 254

فيها من كلاء و نبات و أشياء أخرى من المباحات العامة، فيكون أولى

بتلك الأرض من غيره، ما دامت يده موضوعة عليها و ان لم يحيها و لم يحجرها، و يكون مالكا للانتفاع بها: و لا يجوز لغيره أن يضع يده عليها و لا على شي ء من منافعها، و إذا وضع غيره يده عليها بدون اذنه كان غاصبا، و قد ذكرنا هذا في المسألة التاسعة عشرة و في المسألة المائة و الأربعين من كتاب احياء الموات، و يجري فيها الحكم المتقدم، فيصح لصاحب اليد السابقة التي ذكرناها أن يزارع غيره على تلك الأرض التي سبق إليها و استحق الانتفاع بها، فتنفذ مزارعته و تتم أحكامها كما ذكرنا في الأرض المحجرة.

(المسألة 19):

إذا زارع الرجل المحجر غيره على الأرض التي حجرها و ثبت له فيها حق الأولوية، فزرعها له العامل و أحياها بالزراعة ملكها المحجر بإحياء العامل لها و استحق العامل حصته من حاصل الزراعة بسبب عقد المزارعة بينهما، و لم يملك الأرض و لا نصيبا منها، و كذلك الحكم في الأرض التي سبق الإنسان لها فوضع يده عليها لينتفع بمائها و كلائها و كان أولى بها من غيره، فإذا زارع أحدا عليها- كما فرضنا في المسألة المتقدمة- و زرعها له العامل ملك المزارع الأرض بإحياء العامل لها، و لم يملك العامل من الأرض شيئا، و انما يستحق الحجة المعينة له من حاصل الزراعة بسبب عقد المزارعة بينهما.

(المسألة 20):

إذا زارع الرجل شخصا على بعض الوجوه التي تقدم ذكرها، و التي تصح المزارعة فيها، فقد يعلم من صريح العقد أو من القرائن الخاصة أو العامة الحافة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 255

بالمعاملة و المفهمة للمعنى المراد منها: أن المقصود في المعاملة أن يقوم العامل بزرع الأرض و تعهد الزرع حتى ينمو و يثمر، و لو بمزارعة شخص أخر، بحيث لا يباشر العامل العمل بنفسه، و لا ينبغي الإشكال في هذا الفرض في انه يجوز لعامل المزارعة أن يزارع شخصا ثالثا في حصته التي يستحقها من الحاصل، فإذا كان صاحب الأرض قد زارعه و جعل له النصف من حاصل الزراعة مثلا، جاز للعامل في تلك الصورة أن يزارع عاملا غيره على الربع مثلا، فيكون لصاحب الأرض نصف الحاصل دون نقيصة، و للعامل الثاني الربع، و يبقى الباقي من الحاصل و هو الربع منه للعامل الأول، و إذا دلت القرائن على أن صاحب الأرض يشترط على عامله في المزارعة أن

يتولى العمل فيها بنفسه، لم يجز له أن يزارع غيره و سنتعرض لبيان الحكم في المسألة على وجه أكثر إيضاحا و تفصيلا أن شاء اللّه تعالى و إذا صح للعامل أن يزارع غيره في حصته من الحاصل لم يجز له أن يسلّم إليه الأرض الا بإذن صاحبها.

(المسألة 21):

يجوز للإنسان أن يستعير أرضا من مالكها ليزرعها و ينتفع بزراعتها، و إذا أذن له مالك الأرض في أن يزارع غيره على الأرض المستعارة بحصة معينة جاز للمستعير ذلك، فإذا زارع عليها أحدا نفذت مزارعته، و ترتبت عليها أحكامها و لا بد و أن يكون اذن مالك الأرض له بذلك صريحا، كما اشترطنا ذلك في إعارة العين ليرهنها المستعير على دين في ذمته، و إعارة الأرض ليدفن المستعير ميته فيها، و لا يكفي أن يأذن له بأن يزرع الأرض، أو بان ينتفع بها حتى يحصل العلم بالاذن له بالمزارعة عليها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 256

(المسألة 22):

أرض الخراج هي الأرض العامرة التي يأخذها المسلمون من أيدي الكفار بالقوة و الغلبة عليهم، و هي ملك عام لجميع المسلمين، تنفق فوائدها و منافعها في مصالحهم و شؤونهم العامة، و لا يختص ملكها بأفراد المسلمين و احادهم.

نعم إذا تقبل انسان قطعة من الأرض الخراجية من سلطان المسلمين، أو من الولي الشرعي على أمورهم، ثبت لذلك الشخص حق الاختصاص بتلك القطعة التي تقبلها، و وجب عليه أن يؤذي خراجها، و الخراج هو الضريبة الخاصة التي يجعلها السلطان أو ولي الأمر على تلك القطعة لتنفق في الشؤون العامة للمسلمين و جاز لذلك الشخص الذي تقبّل الأرض أن ينتفع بها، و ملك ما يفضل عن الخراج من حاصلها و فوائدها، و يصح له أيضا أن يزارع أحدا على تلك الأرض، فيزرعها له بحصة يعيّنها له من حاصل الزراعة، و يصح بذلك عقد المزارعة بينهما بعد أن ثبت له حق الاختصاص بالأرض، و يجوز له أيضا أن يشترط على العامل في عقد المزارعة أن يكون الخراج و ما يؤديه للسلطان كله على كليهما،

فتكون حصة العامل و حصة المزارع مما يفضل من حاصل الزراعة بعد دفع الخراج منه.

(المسألة 23):

إذا أذن مالك الأرض لرجل معين في أن يزرع له أرضه، و لم يجر معه عقد المزارعة، و اشترط عليه في اذنه له بزراعة الأرض أن يكون للمالك النصف أو الربع مثلا من حاصل الزرع، جاز للرجل أن يزرع الأرض كما اذن له مالكها، و إذا فعل استحق المالك الحصة المعينة التي اشترطها عليه في اذنه و كان الباقي للرجل، و لا يكون ذلك من المزارعة المصطلحة المبحوث عنها في هذا الكتاب، و لذلك فيجوز

كلمة التقوى، ج 5، ص: 257

لمالك الأرض أن يرجع عن اذنه متى شاء، و يجوز للعامل أن يترك الزرع إذا أراد.

و كذلك الحكم إذا أذن مالك الأرض إذنا عاما لكل من يريد زراعة الأرض و اشترط عليه في اذنه أن تكون الحصة المذكورة من حاصل الزرع لمالك الأرض و الباقي منه للعامل، فيجوز لأي شخص أراد: أن يستجيب لإذن المالك بالزرع على الشرط المعين، و لا يكون ذلك من عقد المزارعة، و انما هو إيقاع للإذن من المالك و استجابة له من العامل.

و نظير ذلك أن ينشئ المالك المعاملة بصورة الجعالة، فيقول: من زرع هذه الأرض أو هذه القطعة المعينة منها، فله النصف من حاصل الزرع و لي الباقي، فإذا استجاب له عامل و زرع الأرض استحق الحصة، و كان الباقي من الحاصل للمالك و كان ذلك إيقاعا، و لم يكن من المزارعة المصطلحة بين الفقهاء، و تلاحظ المسألة الثلاثون الآتية.

(المسألة 24):

لا تصح المزارعة بين الرجلين على أرض ميتة لم يسبق أحدهما بتحجيرها فيكون أولى بها من غيره بسبب تحجيرها، و لم يسبق أحدهما بوضع يده عليها لينتفع بما فيها من مباحات أصلية فيكون له حق السبق إليها، و لذلك

فلا يكون احد الرجلين أولى بالأرض الميتة من صاحبه، فيكون هو صاحب الحق فيها.

و يجوز للرجلين أن يشتركا في العمل في زرع تلك الأرض، فإذا هما اشتركا في العمل و أثمرت زراعتهما استحق كل واحد من حاصل الزرع بمقدار عمله فيها و ملك من الأرض نفسها بذلك المقدار أيضا، لأنهما قد اشتركا في إحيائها بالزراعة، و لا يكون ذلك من المزارعة التي يبحث الفقهاء عنها في هذا الكتاب.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 258

و يجوز للرجلين أن يشتركا في البذر و الحبوب التي تزرع في الأرض المقصودة لهما، و في المصارف و النفقات التي تنفق على الزرع، و العمل فيه فيستحق كل رجل منهما من النتاج بمقدار ما بذل من النفقة، و يمكن لهما أن يتفقا بينهما فيكون البذل و الإنفاق من أحد الرجلين، و العمل من الآخر، فيؤجر العامل منهما نفسه لصاحبه بالنصف من الحاصل مثلا، أو بالثلث منه، أو بغير ذلك حسب ما يتراضيان، و على أي حال فلا تكون المعاملة الجارية بينهما من المزارعة المصطلحة التي يبحث عنها الفقهاء في كتاب المزارعة.

(المسألة 25):

يصح لأحد المتعاملين في المزارعة أن يشترط في العقد على صاحبه لنفسه مقدارا معينا من المال يخرج من حاصل الزرع، فيختص هو بهذا المقدار دون صاحبه، ثم يقسم الباقي من الحاصل بينهما، فيأخذ كلّ واحد منهما حصته المعينة من الباقي، و مثال ذلك: أن يشترط صاحب الأرض لنفسه عشرة أمنان من الحنطة تخرج مما يحصل لهما من زراعة الحنطة في الأرض فيختص مالك الأرض بها و يقسم الباقي من حصيلة الزراعة بينه و بين العامل على المناصفة مثلا، فإذا قبل العامل بالمعاملة و بالشرط صح و لزم العمل به، و كذلك

إذا اشترط العامل ذلك لنفسه على صاحب الأرض، فيصح و ينفذ مع القبول، و انما يتم ذلك و ينفذ إذا علم أن ما يحصل من زراعة الأرض يزيد على المقدار المعين الذي يشترطه المشترط لنفسه، و تلاحظ المسألة السابعة.

و يصح لصاحب الأرض أن يستثني مقدار ما يأخذه السلطان على الأرض من الخراج أو الضريبة فيشترط على العامل خروج ذلك من حاصل الزراعة، ثم

كلمة التقوى، ج 5، ص: 259

يقسم الباقي بينهما، و يصح لباذل البذر أن يستثنى قيمة البذور و النفقات و المصارف التي ينفقها على الزرع، أو على تعمير الأرض أو السقاية، فيشترط إخراج ذلك من مجموع ما يحصل من الزرع، و تكون القسمة على الحصتين بعد ذلك، فيصح ذلك كلّه على الأقوى، إذا علم بأن ما يحصل من نتاج الزراعة يزيد على المقدار الذي استثناه، و تبطل المعاملة إذا علم بأن الحاصل لا يفي بذلك، أو لا يزيد عليه، و تبطل كذلك إذا شك في أن الحاصل يزيد على المقدار المستثنى أم لا يزيد عليه.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 260

الفصل الثاني في أحكام عقد المزارعة
(المسألة 26):

المزارعة أحد العقود اللازمة، فإذا تم الإيجاب و القبول بين المتزارعين على احد الوجوه التي فصلناها و قلنا بصحتها، لم يجز لواحد منهما فسخ العقد و عدم الوفاء به، الا إذا اتفق الطرفان، فأقال كل منهما صاحبه، كما في غيره من العقود، و قد ذكرنا الإقالة و بيّنا أحكامها في أخر كتاب التجارة من هذه الرسالة.

و يصح فسخ المزارعة إذا كان أحد المتعاقدين فيها قد اشترط لنفسه الحق في أن يفسخ العقد في وقت معين، أو شرط ذلك كلاهما، فيجوز لصاحب الشرط أن يفسخ العقد في الوقت الذي عيّنه للأخذ بالخيار، و يصح

فسخ المزارعة كذلك إذا كان أحد المتعاملين قد اشترط لنفسه على صاحبه شرطا، و جرى عليه الإيجاب و القبول بينهما، ثم تخلف الشرط و لم يف به صاحبه، فيثبت له خيار تخلّف الشرط، و يجوز فسخها أيضا في الموارد التي يثبت للفاسخ فيها خيار الفسخ بأحد الأسباب التي توجب له ذلك الحق، كالغبن و شبهه من الخيارات التي تجري في جميع المعاملات و لا تختص بالبيع.

و لا فرق في الحكم بلزوم المزارعة بين ما ينشأ منها بالإيجاب و القبول اللفظيين، و ما ينشأ بالمعاطاة، فيكون لازما على الأقوى، و تجرى فيه الاستثناءات

كلمة التقوى، ج 5، ص: 261

المتقدمة.

(المسألة 27):

تبطل المزارعة إذا طرأ الخراب على الأرض التي جرت عليها المعاملة بعد ما كانت قابلة للزرع فأصبحت غير صالحة، و مثال ذلك: أن يستولي عليها السبخ الشديد، أو تتراكم عليها الرمال، أو تطغى عليها المياه حتى تعود أجمة لا يمكن زرعها و لا علاجها و لا إصلاحها، أو تغور المياه الموجودة فيها و لم تمكن سقايتها و لم يكفها ماء الغيث، فيبطل عقد المزارعة بطروء ذلك على الأرض، و تلاحظ المسألة العاشرة.

(المسألة 28):

لا يبطل عقد المزارعة بموت أحد المتعاملين فيها، فإذا كان العقد جامعا للشرائط المعتبرة في صحته و مات أحدهما قام ورثة الميت مقامه، فيجب عليهم الوفاء بالعقد الذي أوقعه مورثهم، و لم يجز للآخر الموجود من المتعاملين أن يفسخ العقد.

فإذا مات من المتعاقدين صاحب الأرض وجب على وارثه تسليم الأرض للزارع، و تمكينه من التصرف فيها حتى يتم عمله، و لزمه الوفاء بكل شرط قد اشترط في ضمن العقد للزارع، و أن يلتزم بالأحكام التي يستتبعها عقد المزارعة و إذا كان الميت هو العامل وجب على وارثه من بعده أن يقوم بالعمل لصاحب الأرض حسب ما يقتضيه العقد و أن يرتب آثاره و احكامه كلها، و تلاحظ المسألة الآتية.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 262

(المسألة 29):

إذا كان صاحب الأرض قد اشترط على العامل في ضمن عقد المزارعة بينهما أن يتولى العامل الزرع في الأرض و العمل في ذلك بنفسه، فقد يكون هذا الاشتراط منه على وجه التقييد لموضوع المزارعة و وحدة المطلوب فيه، و المعنى الصريح لذلك: أن المزارعة التي جرى عليها العقد بينهما انما تعلقت بعمل العامل بنفسه، و بمنفعته الخاصة التي يقوم بها على سبيل المباشرة، فإذا مات العامل في هذه الصورة بطلت المزارعة بموته دون ريب، و ذلك لأن وارث العامل لا يستطيع أن يقوم مقام مورثه العامل في ذلك فيأتي بموضوع المزارعة حسب ما قيده به المالك.

و قد يكون ذلك الاشتراط من صاحب الأرض على سبيل تعدد المطلوب في المعاملة، و المعنى المراد من ذلك أن المزارعة التي جرى عليها العقد قد تعلقت بأن يأتي العامل بالعمل على أي وجه اتفق، سواء أتى بالعمل بنفسه أم أتى به غيره بالنيابة عنه، و

هذا هو المطلوب الأول، و أن صاحب الأرض يشترط على العامل في ضمن العقد أمرا زائدا على ذلك، و هو أن يتولى القيام بالعمل بنفسه، و هذا هو المطلوب الثاني في العقد، فإذا مات العامل في هذه الصورة لم تبطل المعاملة بموته، فان الوارث من بعده يستطيع أن يأتي بالعمل بالنيابة عن مورثه، و هو الذي تعلقت به المزارعة، و يثبت لصاحب الأرض خيار فسخ المعاملة إذا قام الوارث بالعمل بعد موت العامل لتخلف الشرط، فان ما يأتي الوارث به غير ما شرطه صاحب الأرض على مورثه.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 263

(المسألة 30):

إذا أذن صاحب الأرض لشخص في أن يزرع أرضه، و اشترط عليه أن يكون حاصل الزرع بينهما بالمناصفة أو المثالثة أو غيرهما من الحصص المشاعة، جاز للشخص المأذون أن يزرع الأرض على الشرط المعين، و قد ذكرنا هذا الحكم في المسألة الثالثة و العشرين، و أوضحنا فيها أن ذلك لا يكون من المزارعة المبحوث عنها، و يتفرع على ذلك: انه يجوز لصاحب الأرض أن يرجع عن اذنه للعامل بالزرع متى شاء، و يجوز للعامل المأذون أن يترك العمل متى أراد، فإذا رجع مالك الأرض عن اذنه قبل أن يزرع العامل الأرض، أو قبل أن ينمو الزرع فيها، بطلت المعاملة، و إذا رجع عن اذنه بعد أن زرع العامل الأرض، و بعد أن ظهر بعض الحاصل من الزرع لزم العمل على وفق الشرط في ما ظهر من النتاج، و بطل الاذن في ما لم يظهر منه، و كذلك الحكم إذا نشأت المعاملة بصورة الجعالة، كما سبق منا ذكره في تلك المسألة، فيجري فيها هذا التفصيل أيضا.

(المسألة 31):

إذا أذن مالك الأرض للرجل في أن يزرع أرضه و اشترط عليه أن تكون لمالك الأرض حصة معلومة من حاصل زرع الرجل فيها كما فرضنا في المسألة المتقدمة فزرع الزارع الأرض بعد اذن مالكها، و كان الزارع هو الذي يملك البذر أشكل الحكم في هذه الصورة في أن يرجع مالك الأرض عن اذنه فيقتلع الزرع قبل أن يظهر النتاج فيه، و لا ينبغي أن تترك مراعاة الاحتياط بين الجانبين في هذه الصورة.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 264

(المسألة 32):

إذا اشترط صاحب الأرض على العامل أن تكون المزارعة بينهما في مدة معينة، لزم العمل بموجب الشرط، فلا يحق للعامل أن يزرع الأرض قبل حلول الوقت المعين، و لا يجوز له أن يترك الزرع بعد حلول الوقت، و يجب أن يكون الأجل بمقدار يحصل فيه الزرع بحسب العادة و يبلغ أوان إنتاجه، و تتم فيه حصيلته، و لا يصح العقد إذا كان الأجل قصيرا لا يتسع لذلك، و قد ذكرنا هذا في المسألة التاسعة.

و إذا عين المتعاقدان للزرع مدة معلومة تتسع للزرع بحسب العادة المتعارفة، ثم اتفق أن انقضت المدة، و لم يدرك الزرع فيها لبعض الطواري المانعة و لم تتم حصيلته، جاز لصاحب الأرض بعد انقضاء المدة أن يأمر العامل باقتلاع الزرع من أرضه مجانا، و إذا قلعه العامل بأمره لم يستحق العامل على صاحب الأرض أرشا للزرع الذي يقلعه، و جاز لصاحب الأرض أن يرضى ببقائه، ثابتا في الأرض و لا يستحق على إبقائه في الأرض أجرة لأرضه، و إذا رضي العامل بإبقاء الزرع فيها مع الأجرة جاز لصاحب الأرض مطالبته بها و أخذها منه، و هذا كلّه مع وجود الضرر بالفعل على صاحب الأرض إذا

بقي الزرع في أرضه، و وجود الضرر كذلك على العامل إذا قلع زرعه، فيتخير صاحب الأرض كما ذكرناه لسلطنته على أرضه، و إذا وجد الضرر على أحد الطرفين خاصة دون الآخر كان الحكم لمن يصيبه الضرر.

(المسألة 33):

إذا لزم الضرر على العامل في الحكم عليه بإزالة زرعه من أرض المالك في

كلمة التقوى، ج 5، ص: 265

الصورة المتقدمة، و لم يوجد أي ضرر على صاحب الأرض بإبقاء زرع العامل فيها حتى يدرك لم تصح لصاحب الأرض إزالة الزرع عنها، فإذا بقي الزرع فيها استحق صاحب الأرض أجرة المثل لأرضه على الكامل للمدة التي يبقى الزرع فيها.

(المسألة 34):

إذا تم العقد بين المتزارعين على الوجه الصحيح، و دفع المالك أرضه إلى العامل ليزرعها، ثم ترك العامل زراعة الأرض مختارا عامدا في تركه حتى انقضت مدة المزارعة بينهما، وجب على العامل أن يدفع للمالك أجرة المثل لأرضه بسبب تفريطه في الأمانة، بل يجب عليه أن يدفع له أرش الأرض إذا نقصت منفعة الأرض بسبب إهمالها و ترك زرعها و سقيها طول تلك المدة، و كان هذا النقص بعد تفريطه في الامانة.

و إذا ترك العامل زراعة الأرض في المدة بغير تفريط منه، فلا يترك الاحتياط بالرجوع إلى المصالحة و التراضي بينه و بين مالك الأرض.

(المسألة 35):

إذا ترك العامل زراعة الأرض حتى انقضت مدة المزارعة و كان تركه للزراعة بسبب وجود عذر عام له و لغيره أوجب عدم قدرته على الزراعة طول تلك المدة فالظاهر بطلان عقد المزارعة، لعدم إمكان انتفاعه بالأرض، و قد ذكرنا في المسألة العاشرة أن إمكان انتفاع العامل بالأرض شرط في صحة المزارعة.

و من الأعذار التي لا يمكن معها الانتفاع بالأرض أن تنزل على المنطقة كلها أو على الأرض نفسها ثلوج شديدة تمنع من زراعتها، أو تصبح المنطقة أو الأرض مأوى لسباع ضارية من الوحوش أو لحشرات فاتكة فلا يمكن دخولها، أو يمنع

كلمة التقوى، ج 5، ص: 266

ظالم مستبد من الوصول إلى المنطقة أو الى الأرض، فلا يتمكن العامل من زراعتها بسبب ذلك فتبطل المزارعة عليها.

(المسألة 36):

المزارعة كما أوضحنا في المسائل المتقدمة معاملة تقع بين المتعاقدين فيها، على أن يزرع الزارع منهما لصاحب الأرض أرضه المعينة، و تكون لكل واحد من الشخصين حصة معلومة مشاعة يستحقها من الحاصل الذي تنتجه الزراعة في الأرض، و هذا هو القدر الثابت من أدلة هذه المعاملة، و لا يملك العامل بسبب عقد المزارعة شيئا من منفعة الأرض.

نعم، يجب على صاحب الأرض أن يدفع أرضه للعامل ليزرعها و يقوم بالعمل الخاص الذي وجب عليه بالعقد بينهما و من الواضح أن ذلك لا يتم الا بتسليم الأرض للعامل و تمكينه من التصرف فيها، فتسليم الأرض له شرط تقتضيه المعاملة، و إذا لم تسلم له الأرض كان له فسخ العقد لفوات الشرط، و سيأتي لهذا مزيد من الإيضاح و التبيين في بعض المسائل الآتية ان شاء اللّه تعالى.

فإذا تم عقد المزارعة بين الرجلين على الوجه المطلوب شرعا، ثم غصبت الأرض من صاحبها قبل

أن يسلمها لعامل المزارعة و لم يكن استردادها من الغاصب، جاز للعامل أن يفسخ عقد المزارعة لفوات الشرط، فإذا هو فسخ العقد بطلت المعاملة، و لم تترتب له و لا عليه أحكامها، و إذا هو أبقى العقد و لم يفسخه لفوات الشرط انفسخت المعاملة بنفسها، لأن العامل لا يستطيع الانتفاع بالأرض بسبب غصبها كما هو المفروض، فلا فرق في النتيجة بين فسخه و عدم فسخه.

و كذلك الحكم إذا غصب الغاصب الأرض بعد أن سلمها مالكها للعامل

كلمة التقوى، ج 5، ص: 267

فتنفسخ المعاملة بنفسها لعدم إمكان الانتفاع بها، و لا يثبت للعامل خيار الفسخ في هذه الصورة.

(المسألة 37):

يلزم غاصب الأرض ضمان جميع منفعة الأرض في جميع مدة الغصب لمالكها الشرعي سواء غصبها من يد المالك نفسه أم من يد عامل المزارعة، و سواء استوفي الغاصب من هذه المنفعة شيئا أم لم يستوف منها شيئا، و لا يضمن لعامل المزارعة حصته من المنفعة، و ان كان غصبه للأرض من يده، فقد ذكرنا في المسألة المتقدمة: أن العامل لا يملك شيئا من منفعة الأرض بعقد المزارعة، و لا يضمن الغاصب لمالك الأرض حصته من عمل العامل، و لا يضمن للعامل حصته من عمل نفسه في الأرض من حيث انه قد فوته عليه بسبب غصبه للأرض.

(المسألة 38):

إذا عين مالك الأرض لعامل المزارعة في ضمن العقد الواقع بينهما أن يزرع في الأرض نوعا خاصا من المزروعات، كالحنطة أو الشعير أو الأرز أو غيرها من الحبوب أو المخضرات، وجب على العامل أن يقتصر على زراعة ذلك النوع الخاص في الأرض و لم يجز له أن يتعدى عنه الى ما سواه من الأنواع الأخرى، و ان كان أيسر له في الزرع أو أكثر فائدة له من غيره.

(المسألة 39):

إذا عين مالك الأرض لعامل المزارعة أن يزرع في أرضه نوعا خاصا من المزروعات، فقد يكون هذا التعيين منه بنحو التقييد للمزارعة و وحدة المطلوب فيها، و يكون المستفاد من صريح قول المالك، أو من القرائن الموجودة الدالة على

كلمة التقوى، ج 5، ص: 268

مراده، أن المزارعة التي أجراها مع العامل قد تعلقت بأن يزرع العامل في الأرض ذلك النوع الخاص من المزروعات دون غيره، و ان هذا هو مقصده و لا غرض له في سواه، و نتيجة لهذا التقييد فإذا ترك العامل زراعة ذلك النوع المعين فقد ترك موضوع المعاملة، و لم يأت بشي ء من المقصود فيها، و ان زرع في الأرض غيره من الأنواع.

و قد يكون تعيين المالك للنوع الخاص من الزرع بنحو الاشتراط في المعاملة، و على سبيل تعدّد المطلوب فيها، و يكون المستفاد من صريح قول المالك أو من القرائن الدالة على مراده: أن المقصود الأول من المزارعة هو أن يزرع العامل الأرض، و ينتفع الطرفان بزراعتها بأي نوع حصل من أنواع المزروعات و ان له مطلوبا أخر لبعض الأغراض المهمة و هو أن يكون الزرع فيها من الحنطة أو من الشعير مثلا، فيشترط ذلك على العامل في ضمن العقد، و نتيجة هذا

الاشتراط فإذا ترك العامل زراعة ذلك النوع المعين لم تبطل المعاملة بتركه، و يثبت لمالك الأرض خيار الفسخ لتخلف الشرط الذي شرطه على العامل.

(المسألة 40):

إذا ترك العامل زراعة النوع الخاص الذي عيّنه مالك الأرض في العقد، و كان تعيينه لذلك النوع بنحو التقييد للمعاملة و وحدة المطلوب فيها حسب ما أو أوضحناه في المسألة المتقدمة، بطلت المزارعة بينهما لفوات الموضوع الخاص الذي تعلقت به، و لزم العامل أن يؤدي للمالك أجرة المثل لأرضه عن المنفعة التي فوتها عليه لما ترك الزراعة المعينة للأرض، سواء زرع في الأرض نوعا أخر غير النوع المخصوص الذي اراده المالك أم لم يزرع فيها شيئا، و إذا أوجب تصرف

كلمة التقوى، ج 5، ص: 269

العامل في الأرض على الوجه المذكور نقصا فيها وجب عليه أن يدفع للمالك أرش ذلك النقص، مع أجرة المثل التي تقدم بيانها، فيلزمه الأمران معا في هذه الصورة.

(المسألة 41):

إذا ترك العامل زراعة الأرض بالنوع الخاص الذي عيّنه له المالك، و زرع غيره من أنواع المزروعات، و كان تعيين المالك لذلك النوع بنحو الاشتراط و تعدد المطلوب حسب ما أوضحناه في المسألة التاسعة و الثلاثين، تخير مالك الأرض بين أن يفسخ المزارعة الواقعة بينهما و أن يمضيها، فإذا هو اختار الأول ففسخ المعاملة بطلت، و استحق المالك على العامل أن يدفع له أجرة المثل لأرضه عن المنفعة التي فوّتها العامل عليه، و إذا اختار الثاني فأمضى المعاملة حسب ما فعل الزارع صحت المعاملة كذلك، و استحق كل من المالك و العامل حصته التي جعلت له في العقد من حاصل تلك الزراعة.

و لا فرق في جريان الحكم المذكور بين أن ينكشف الأمر لمالك الأرض بعد تمام الزراعة و بلوغ الحاصل، و أن ينكشف له قبل ذلك، فيثبت له الخيار على الوجه الذي بيّناه.

(المسألة 42):

إذا زرع العامل في الأرض نوعا من المزروعات غير النوع الخاص الذي عيّنه مالك الأرض، على نحو التقييد للمعاملة أو على نحو الاشتراط فيها، فنما ما زرعه العامل و أنتج، فإن كان البذر الذي زرعه العامل في الأرض مملوكا للعامل نفسه، فلا ينبغي الإشكال في أن جميع ما يحصل من ذلك الزرع و ما ينتج يكون ملكا للعامل تبعا لملكه للبذر، و لا يستحق مالك الأرض منه شيئا، و انما يستحق

كلمة التقوى، ج 5، ص: 270

على العامل اجرة المثل لأرضه، و قد ذكرنا هذا في ما تقدم.

و إذا كان البذر مملوكا لصاحب الأرض و قد تصرف فيه العامل فزرعه في الأرض بغير اذنه فان المفروض أن المالك قد عين غير ذلك النوع في زراعة الأرض، فيتخير المالك بين أن يطالب العامل

بعوض بذره فيأخذ منه مثله إذا كان البذر مثليا و قيمته إذا كان قيميا، فإذا دفع العامل اليه عوض البذر كان البذر و الزرع و ما يحصل منه كله مملوكا للعامل و لم يستحق المالك منه شيئا بعد دفع البدل اليه و لا يستحق العامل أن يطالب المالك بأجرة على عمله، و يستحق المالك على العامل اجرة المثل لأرضه.

و يجوز لمالك الأرض و البذر إن يغضي عن تصرف العامل في بذره فلا يطالبه بالعوض فيكون الزرع و جميع ما يحصل منه مملوكا له تبعا لملكه للبذر و لا يستحق العامل أن يطالبه بأجرة على عمله كما تقدم.

(المسألة 43):

إذا شرط مالك الأرض على العامل أن يزرع فيها نوعا خاصا من المزروعات على نحو تعدد المطلوب و قد أوضحنا المراد منه، ثم تعدى العامل فزرع في الأرض نوعا أخر غير ما شرطه المالك، و كان البذر مملوكا للعامل، فإذ لم يعلم مالك الأرض بأن العامل قد تعدى و خالف الشرط حتى بلغ الزرع الذي زرعه العامل أوانه و أدرك، جرى فيه نظير الحكم المتقدم، فيتخير مالك الأرض بين أن يفسخ المعاملة و أن يرضى بها و يمضيها، فإذا اختار الشق الأول ففسخ المعاملة استحق على العامل أجرة المثل تامة لأرضه عن المنفعة التي فوتها العامل عليه بمخالفته للشرط، و أخذ العامل جميع حاصل ما زرعه، و إذا اختار الشق الثاني

كلمة التقوى، ج 5، ص: 271

فأمضى المعاملة و لم يفسخها صحت المعاملة و استحق كل من المالك و العامل حصته المعينة له من حاصل الزرع الموجود.

و إذا علم مالك الأرض بأن العامل قد خالف الشرط قبل أن يبلغ ما زرعه العامل أوانه جاز للمالك أن يفسخ المعاملة،

فإذا فسخها بطلت و استحق المالك على العامل اجرة المثل لأرضه عن المنفعة الفائتة، و جاز له أن يلزم العامل باقتلاع ما زرعه في الأرض و أمكن له ان يرضى ببقاء ما زرعه العامل في الأرض حتى يدرك و يأخذ منه أجرة المثل لتلك المدة، و يجوز له مع رضاه أن يبقى الزرع في الأرض مجانا بغير أجرة.

(المسألة 44):

إذا زارع المالك العامل على أرض ليس لها ماء يكفي لسقاية الزرع فيها و كان العامل قادرا على أن يستخرج لها ما يكفيها من الماء بحفر نهر أو ساقية أو إخراج بئر أو تفجير عين، فان كان العامل يعلم بوصف الأرض حين إجراء المعاملة بينه و بين المالك عليها، صحت المزارعة و لزمت فلا يجوز للعامل فسخها، و ان كان يجهل وصف الأرض في حال إجراء المزارعة ثبت له حق الخيار فيها، فان شاء أمضى المعاملة و وجب عليه أن يستخرج الماء، و يزرع الأرض لأنه قادر على ذلك كما فرضنا، و ان شاء فسخ المعاملة فبطلت و لم يلزمه شي ء، و إذا كان غير قادر على إخراج الماء في الأرض كانت المعاملة باطلة لعدم إمكان الانتفاع بالأرض.

و كذلك الحكم إذا زارع المالك العامل على أرض قد استولت عليها المياه أو الاملاح و الاسباخ بالفعل، و كان العامل قادرا على أن يعالج الأرض، فيجفف المياه و ينقيها من السبخ و الأملاح، فتصح المعاملة و تلزم إذا كان العامل عالما بوصف

كلمة التقوى، ج 5، ص: 272

الأرض حين إجراء المعاملة، و يثبت له خيار الفسخ إذا كان جاهلا، و تبطل المعاملة من أصلها إذا كان غير قادر على إصلاحها، سواء كان عالما بوصف الأرض أم كان جاهلا به.

و

تبطل المزارعة كذلك إذا طرأ بعض العوارض على الأرض في الأثناء فانقطع عنها الماء، و لم تمكن سقايتها، أو استولت عليها المياه أو الأسباخ أو الرمال الكثيفة الناعمة، و لم تمكن إزالتها و أصبحت غير قابلة للانتفاع بزراعتها و تلاحظ المسألة العاشرة.

(المسألة 45):

إذا زارع المالك عاملا على أرض، و كانت الأرض في حين عقد المزارعة ببينهما صالحة للانتفاع بها، و زرعها العامل بعد العقد و هي صالحة كذلك، ثم طرأ عليها بعض العوارض المفسدة قبل أن يظهر الزرع فيها أو قبل أن يدرك، فانقطع عنها الماء مثلا، و لم يمكن تحصيله لسقايتها بعد ذلك، أو استولت عليها المياه الكثيرة و لم يمكن تجفيفها، و أصبحت غير قابلة للانتفاع بها في بقية مدة المزارعة، بطلت المعاملة لفقد الشرط المعتبر في صحتها، و قد سبق ذكره في المسألة العاشرة و كان الزرع الموجود مملوكا لمالك البذر.

فإذا كان البذر مملوكا للعامل فالزرع الموجود و جميع ما يحصل منه من الثمر و النتاج يكون مملوكا للعامل تبعا لأصله و هو البذر، و استحق مالك الأرض عليه أجرة المثل لأرضه مدة بقاء الزرع فيها من أول زرعه فيها الى حين إدراكه و استيفاء العامل له، و إذا كان البذر مملوكا لصاحب الأرض كان الزرع و جميع نتاجه مملوكا له تبعا لأصله و هو البذر، و استحق العامل عليه أجرة المثل لعمله في الزرع.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 273

(المسألة 46):

تصح المزارعة الواقعة بين الطرفين المتعاقدين إذا كانت الأرض خاصة من أحدهما، و كان البذر و العوامل و العمل كلها من الثاني، و تصح المزارعة أيضا إذا كانت الأرض و البذر من أحد الطرفين، و كانت العوامل و العمل من الطرف الآخر و تصح المعاملة كذلك إذا كانت الأرض و البذر و العوامل من أحد الطرفين و كان العمل وحده من الطرف الثاني، و تصح أيضا إذا كانت الأرض و العمل من أحدهما و كان البذر و العوامل من صاحبه.

و تصح المزارعة إذا كانت

الأرض مشتركة بين المتزارعين كليهما، و كانت الأمور الثلاثة الباقية كلها على أحدهما خاصة دون صاحبه، و تصح المزارعة إذا اشترك الطرفان في جميع الأمور الأربعة أو في بعضها دون بعض حسب ما يتفقان عليه، و يجب عليهما تعيين الأمر الذي يشترك الطرفان فيه من هذه الأمور، و الأمر الذي يختص به أحدهما، و من يختص به من الطرفين، و مقدار الحصة من الأمر المشترك، فيجب عليهما تعيين ذلك في جميع الفروض المتصورة، و لا تصح المعاملة إذا ترك التعيين فيها.

و يستثنى من ذلك: ما إذا كان الاشتراك في الأمر أو الاختصاص بأحد الطرفين من العادات المتعارفة بين أهل البلد، و السيرة التي جرت عليها المعاملات الدارجة بينهم، بحيث ينصرف اليه العقد لديهم عند الإطلاق، و يصبح الانصراف قرينة عامة على ارادة ذلك الفرض في المعاملة، فلا يجب التعيين في هذا الفرض.

(المسألة 47):

لا يعتبر في الشخص الذي يلزمه دفع البذر من المتعاقدين أن يكون مالكا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 274

لعين البذر، فيكفي فيه أن يكون مالكا لقيمته، و لو بالاقتراض و الاستدانة له عند الحاجة، فإذا اشترط في عقد المزارعة على مالك الأرض أن يدفع البذر كله، أو يدفع نصفه مثلا، أو اشترط ذلك على العامل، كفاه في الوفاء بالشرط أن يدفع القيمة و يشتري بها ما لزمه من البذر ليزرع في الأرض عند الحاجة، سواء كان هو الذي يتولى زرعه فيها، أم كان الذي يتولى الزرع غيره.

و المراد بالعوامل الحيوانات و الدواب أو الآلات و المكائن و الأجهزة الحديثة أو القديمة التي تستخدم في حراثة الأرض، أو في تنقيتها و تسميدها، أو في سقاية الزرع و مكافحة الحشرات و الطفيليات المضارة قبل الزرع

و بعده، و في حصاد المزروعات و جمعها و تصفيتها، سواء كانت العوامل المذكورة مملوكة بأعيانها أم بمنافعها باستئجار و نحوه.

و المراد بالعمل زرع البذور في الأرض و القيام بما يطلبه ذلك عادة من حراثة الأرض و تمهيدها و إصلاحها قبل نثر البذور و وضع الجذور و بعده و السعي الذي يتوقف عليه نمو الزرع و تعهده و سقيه كل ما احتاج الى السقاية و مكافحة ما يضره، و شبه ذلك من الأعمال المتعارفة للمزارعين، حتى يدرك الزرع و يبلغ أوانه و يتم نتاجه.

و لا يعتبر في هذه الأعمال أن يتولاها العامل بنفسه بنحو المباشرة، فيكفي فيها أن ينوب عن العامل فيها غيره من أجير أو نائب أو متبرع، و قد جرى على هذا بناء العقلاء من الناس و سيرة أهل العرف في عامة البلاد، فهم يكتفون في هذه الأعمال التي تقبل النيابة بعمل النائب و الأجير و المتبرع، إذا أتوا بالعمل على الوجه الصحيح الذي يحصل به المقصود و جرى عليه بناء المتشرعة و الفقهاء

كلمة التقوى، ج 5، ص: 275

(قدس اللّه أرواحهم)، إلا إذا دلت قرينة خاصة أو عامة بين المتعاقدين على اشتراط أن يتولّى العامل العمل بنحو المباشرة بنفسه فيلزمه الوفاء بالشرط عند ذلك، و لكن الاحتياط عند الشك مما لا ينبغي تركه.

(المسألة 48):

يصح في المزارعة أن تقع على أرض واحدة مشتركة بين مالكين أو أكثر على وجه الإشاعة بينهم، فيوكل الشركاء في الأرض واحدا منهم على إنشاء عقد المزارعة بينهم و بين عامل واحد، و يتولى ذلك الشريك الذي وكلوه إيجاب المعاملة بالأصالة عن نفسه و بالوكالة عن شركائه في الأرض، أو يوكّلوا أجنبيا عنهم في إجراء المعاملة، و يتولى العامل

أو وكيله قبول هذه المزارعة منهم، أو ينشئ العامل إيجاب المعاملة و يتولى الشريك الذي وكلوه قبولها، و يذكر الموجب و القابل في ضمن العقد ما يتفقون عليه من قيود و شروط على نهج ما سلف بيانه في مالك الأرض إذا كان واحدا.

و يصح في المزارعة أن يكون العامل فيها أكثر من شخص واحد، فيوكلوا بعضهم أو غيرهم و تجري المعاملة بينهم و بين مالك الأرض على نهج ما سبق في مالك الأرض إذا كان متعددا، و تصح المعاملة أيضا إذا كان مالك الأرض متعددا و كان العامل فيها متعددا، و يجرى العقد بين الطرفين كما سبق.

و يمكن لهم في جميع هذه الصور و الفروض أن يشترط بعضهم على بعض في ضمن العقد أن تكون العوامل و البذور و العمل على نحو الاشتراك بين جميعهم، أو على نحو الاشتراك بين بعضهم، أو تكون على بعضهم خاصة دون الآخرين، فيصح العقد في كل في هذه الفروض مع الاشتراط و التعيين في ضمن

كلمة التقوى، ج 5، ص: 276

العقد، و حصول الرضا و القبول به من الجميع، و من الواضح جدا أن العقد في جميع هذه الصور المفروضة يتألف من إيجاب واحد و قبول واحد و أن كان الشركاء في الأرض و في العمل الذين بتعلق بهم العقد متعددين.

(المسألة 49):

يشكل الحكم بصحة عقد المزارعة إذا أجرى العقد بين أكثر من طرفين و مثال ذلك أن يتعاقد ثلاثة أشخاص على إجراء المزارعة في ما بينهم، فتكون الأرض من أحدهم و يكون العمل في الأرض من الثاني، و تكون العوامل و البذور من الثالث، و تكون لكل واحد من الأشخاص الثلاثة حصة معلومة من نتاج الزرع، أو يتعاقد أربعة

رجال فتكون الأرض من الأول و العمل من الثاني و العوامل من الثالث و البذور من الرابع، أو يتعاقد أكثر من ذلك على أن يكون العمل أو العوامل أو البذر بين شخصين أو أكثر، فتكثر أطراف المعاملة، و يجعل لكل طرف منهم حصة معينة من نتاج الزرع بالمساواة بينهم، أو بالتفاضل حسب ما يتفقون عليه و يعيّنونه في العقد، فيشكل وقوع المزارعة المصطلحة بين الفقهاء في مثل هذه الفروض.

و تصح المعاملة إذا أجريت بينهم على وجه المصالحة، و تصح أيضا و تلزم على الأقوى إذا أنشئت بينهم على انها إحدى المعاملات المستقلة في أنظار العقلاء و أهل العرف، و تدل على صحة هذه المعاملة العمومات الدالة على وجوب الوفاء بالعقود، و وجوب الوفاء بالشروط، و أن بعدت في صورتها عن المزارعة الخاصة المعروفة بين الفقهاء.

(المسألة 50):

إذا تم عقد المزارعة بين مالك الأرض و عامل المزارعة على الوجه الصحيح

كلمة التقوى، ج 5، ص: 277

الجامع للشرائط، أصبح العامل صاحب حق في الأرض المذكورة، و ان لم يملك شيئا من الأرض و لا من منفعتها، و من أجل ثبوت هذا الحق وجب على المالك دفع الأرض إليه ليعمل فيها عمل المزارعة، و جاز له التصرف فيها بما تقتضيه المعاملة بينهما، و إذا مات مالك الأرض لم يسقط حق العامل، فلا يجوز لورثة المالك منعه من التصرف فيها، و إذا مات العامل انتقل الحق إلى ورثته فيجب عليهم القيام بوظيفة مورثهم في الأرض، و قد سبق منا ذكر جميع هذا مفصلا.

و من نتائج ثبوت هذا الحق للعامل في الأرض انه يصح للعامل أن يزارع على الأرض شخصا أخر فيكون هذا الشخص الثاني عاملا للزارع الأول، و يجب عليه

أن يقوم بكل عمل يلزم الأول القيام به إذا كان هو المتصدي للعمل و لم يزارع غيره و يجب على الثاني أن يفي بكل ما يشترطه عليه الأول مما لا ينافي مزارعته مع مالك الأرض.

و لا بد في هذه المزارعة الثانية أن تكون حصة مالك الأرض من الحاصل محفوظة، فلا ينقص منها شي ء، فإذا كان المالك قد زارع العامل الأول على أن يكون لكل واحد منهما نصف الحاصل من الزرع، أمكن للعامل الأول أن يزارع الشخص الثاني، على النصف كذلك فتكون حصة مالك الأرض هي النصف و يكون النصف الثاني للعامل الثاني و لا يستحق الأول منه شيئا، و يمكن له أن يزارعه على النصف من حصته خاصة، فيكون نصف الحاصل لمالك الأرض و لا ينقص منه شي ء، و يقسم النصف الثاني بين العامل الأول و الثاني على التنصيف فيكون لكل واحد منهما ربع الحاصل، و يصح له أن يزارعه على الثلث أو الربع من حصته حسب ما يعينه له منها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 278

و لا يعتبر في صحة مزارعة العامل الأول للثاني أن يستأذن مالك الأرض فيها، بل و يجوز له أن يسلم إليه الأرض إذا كان أمينا و ان لم يأذن له المالك و ان كان الأحوط له الاستئذان في ذلك.

و لا فرق في صحة هذه المزارعة على الأقرب بين أن يكون البذر من مالك الأرض و أن يكون من العامل.

(المسألة 51):

إذا كان مالك الأرض قد اشترط على العامل في ضمن العقد أن يتولى العمل في الأرض بنفسه وجب عليه ذلك و أن صح له أن يزارع عليها شخصا أخر كما تقدم، فتصح المزارعة الثانية و يجب على العامل الأول أن يتولى

العمل في الأرض بنفسه بالنيابة عن العامل الثاني، و يستحق العامل الثاني بذلك حصته المعينة له من الحاصل.

(المسألة 52):

ذكر بعض أكابر الفقهاء (قدس اللّه أنفسهم): أنه يجوز لعامل المزارعة أن يشارك غيره في حصته من حاصل الزراعة، و لعل مراد هذا القائل أن يزارع العامل شخصا غيره في حصته، فإذا و في هذا المزارع الثاني بمزارعته معه استحق نصيبه من الحصة فكان مشاركا له فيها، و يعود الى ما ذكرناه في المسألة الخمسين.

و يشكل ذلك أو يمتنع إذا كان المراد أن يبيع العامل بعض حصته على الغير على وجه الإشاعة بعوض معلوم، فان العامل لا يملك حصته قبل الزرع و ظهور الحاصل منه فكيف يجوز له بيعها أو بيع شي ء منها؟ و انما يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها إذا باعها المالك مع الضميمة، أو باعها لأكثر من سنة واحدة، و قد ذكر

كلمة التقوى، ج 5، ص: 279

الفقهاء هذا الحكم في فصل بيع الثمار من كتاب البيع.

(المسألة 53):

إذا جرى عقد المزارعة بين المتزارعين بحسب ظاهر الأمر، و استلم العامل الأرض من صاحبها ليزرعها له، ثمّ تبيّن للجانبين فساد المزارعة الجارية بينهما من أصلها لفقد بعض شروط الصحة فيها، فان كان تبين بطلان المعاملة قبل أن يبدأ العامل بزراعة الأرض، أو يشرع بشي ء من مقدماتها القريبة أو البعيدة: استرد المالك أرضه، و دفع العامل يده عنها، و لا شي ء لأحدهما على الآخر.

و كذلك الحكم إذا كان العامل قد استلم الأرض من صاحبها، و بدأ في المقدمات البعيدة التي لا تعد شروعا في العمل لمالك الأرض في نظر أهل العرف و من أمثلة ذلك: أن يشتري العامل بعض الأدوات التي يحتاج إليها عند حراثة الأرض و تمهيدها للزرع، أو يشتري الحيوانات و الحبال و الدلاء التي يستخدمها عند سقي الزرع، و لم يستخدم شيئا منها

بالفعل، فإذا تبين فساد المزارعة أخذ المالك أرضه و كانت للعامل أدواته و دوابه و آلاته التي اشتراها، و لا شي ء للمالك و العامل غيرها.

و إذا كان العامل قد بدأ في المقدمات القريبة التي تعد عند أهل العرف شروعا في العمل لمالك الأرض و امتثالا لأمره بالمزارعة، كما إذا أخذ في حراثة الأرض و تمهيدها للزراعة، أو شق النهر الذي تحتاج اليه، أو حفر البئر أو نصب الناعور والد و لأب في الأرض أو أعدّ المكينة لجذب الماء من العين أو البئر، أو هيأ جهاز الكهرباء لتحريك الماكنة، فإذا ظهر بعد ذلك بطلان المزارعة استرد المالك أرضه من العامل، و وجب عليه أن يدفع للعامل اجرة المثل لما قام به من العمل

كلمة التقوى، ج 5، ص: 280

و كانت الأعيان من الأدوات و الاجهزة و الماكنة لصاحبها التي اشتراها و دفع قيمتها.

و أولى من ذلك بالحكم المذكور ما إذا عمل العامل في الأرض عملا ترتفع به قيمتها في أنظار العقلاء و أهل العرف، كما إذا حرث الأرض و بسطها و مهدها لتزرع فزادت قيمتها بذلك، و كما إذا شق فيها نهرا، أو فجّر فيها عينا، أو حفر فيها بئرا فارتفعت قيمتها، فيجب على المالك أن يدفع اليه اجرة المثل لذلك العمل بطريق أولى من الصورة المتقدمة.

(المسألة 54):

إذا تبيّن بطلان عقد المزارعة بعد أن أخذ العامل الأرض من صاحبها و بدأ بالعمل فزرع الأرض و نثر الحب و البذر فيها، كان جميع الزرع و ما ينتج منه مملوكا لصاحب البذر، فان النماء يتبع أصله في الملك، و هذا الفرض يقع على صور متعددة و لكل صورة أحكامها: (الصورة الأولى): أن يكون البذر مملوكا لعامل المزارعة، و

الحكم فيها أن يكون الزرع و النتاج مملوكا للعامل، و لا يملك صاحب الأرض منه شيئا، و لا يجب على مالك الأرض أن يبقى ما زرعه العامل في أرضه الى أن يبلغ و يدرك أوانه، و ان بذل العامل له أجرة المثل لأرضه في تلك المدة، فلا يجبر على ذلك، و يستحق مالك الأرض على العامل أجرة أرضه للمدة السالفة، و يجوز له أن يأمر العامل بإزالة ما زرعه في الأرض، و إذا قلعه العامل بعد أن أمره المالك بالقلع، فلا يستحق على المالك أرشا لزرعه، و يجوز لمالك الأرض أن يبقى زرع للعامل فيها بأجرة المثل أو مجانا إذا رضي العامل مالك الزرع بذلك و لا يحق لمالك الأرض أن يلزم العامل بإبقاء زرعه في الأرض و دفع الأجرة عنه إذا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 281

هو لم يختر ذلك.

و إذا اختار العامل فأبقى زرعه في الأرض فعليه أن يدفع لمالكها أجرة أرضه كما قلنا، و يدفع له اجرة العوامل المستخدمة في الزرع و السقي إذا كانت مملوكة لصاحب الأرض.

(المسألة 55):

(الصورة الثانية): أن يكون البذر مملوكا لصاحب الأرض، و الحكم فيها أن يكون الزرع و نماؤه و ما يحصل منه مملوكا لصاحب الأرض و البذر تبعا لأصله و يجب عليه أن يدفع للمعامل اجرة المثل عن جميع عمله الذي قام به في زرع الأرض و تنمية الزرع، و أن يدفع له اجرة العوامل التي استخدمها في الزرع و السقي إذا كان مالكا لها أو لمنفعتها.

(المسألة 56):

الصورة الثالثة: أن يكون البذر مملوكا لكل من صاحب الأرض و عامل المزارعة على سبيل الاشتراك بينهما، و الحكم فيها أن كل واحد من المتعاملين المذكورين يملك من حاصل الزرع بنسبة ما يملكه من البذر، فإذا كان مملوكا لهما بالمناصفة فلكل واحد منهما نصف الزرع و النماء و إذا كان لأحدهما ثلث البذر فقط، فله الثلث من الزرع و النماء و للآخر الثلثان، و هكذا.

و يجب على العامل أن يدفع لمالك الأرض من أجرة المثل لأرضه من اجرة المثل لعوامله التي يملكها أو يملك منفعتها و كان قد استخدمها في الزرع، و من النفقات و المصارف الأخرى التي أنفقها المالك فيه بنسبة ما يملكه العامل من الحصة في الزرع، فإذا كان يملك منه النصف لأنه يملك نصف البذر كما ذكرنا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 282

وجب علة أن يدفع لمالك الأرض نصف اجرة المثل لأرضه و عوامله، و من مجموع نفقاته على الزرع، و إذا كان العامل يملك من الحاصل الثلث وجب عليه أن يدفع لمالك الأرض ثلث جميع ما عددناه، و إذا كان يملك الثلثين وجب عليه أن يدفع له الثلثين من ذلك.

و يجب على صاحب الأرض أن يدفع للعامل من اجرة المثل لعمله في الزرع و متعلقاته و

من اجرة المثل للعوامل التي يملكها العامل، أو يملك منفعتها و كان قد استخدمها في الزرع، و من النفقات الأخرى التي أنفقها فيه، بنسبة حصة مالك الأرض من الزرع و النماء و فإذا كان يملك منه النصف على الوجه الذي بيّناه وجب عليه أن يدفع للعامل نصف ذلك، و هكذا إذا كانت حصته من الزرع أقلّ من النصف أو أكثر، فيجب عليه أن يدفع للعامل بنسبة حصته.

(المسألة 57):

إذا وقعت المزارعة بين أكثر من متعاقدين و كان إنشاؤها بين الأطراف باعتبار انها معاملة خاصة مستقلة بنفسها عن المعاملات الأخرى، و عن المزارعة المصطلحة بين الفقهاء، و قد ذكرنا هذا في المسألة التاسعة و الأربعين، فاشترط في المعاملة أن تكون الأرض من الطرف الأول و أن يكون العمل على الطرف الثاني و أن يكون البذر من الثالث، و استلم العامل الأرض من مالكها، و زرعها ثم تبيّن لهم بطلان المعاملة، فيكون جميع الزرع و النماء، لمالك البذر، و هو الطرف الثالث في المثال الذي ذكرناه، و يجري فيها الحكم المتقدم، فلا يجب على مالك الأرض إبقاء الزرع الى أن يبلغ أوان حاصله، و يجوز له أن يأمر مالك الزرع بإزالته من الأرض، و لا أرش له إذا قلعه، و يجوز لمالك الأرض أن يبقى الزرع في الأرض

كلمة التقوى، ج 5، ص: 283

مجانا أو بأجرة المثل إذا رضي مالك الزرع بذلك، و إذا اختار مالك الزرع فأبقى الزرع في الأرض لزمه أن يدفع لمالك الأرض أجرة أرضه مدة بقاء الزرع فيها و يجب على مالك الزرع أن يدفع للعامل أجرة عمله في الزرع، و أن يدفع لصاحب العوامل أجرة عوامله.

(المسألة 58):

قد اتضح مما ذكرناه في مسائل الفصل الأول و ما بعدها من هذا الكتاب أن القدر المعلوم ثبوته في عقد المزارعة: هو أن يلتزم صاحب الأرض للعامل بان يبذل له أرضه المعلومة ليزرعها له، و أن يلتزم العامل لصاحب الأرض بأن يقوم له بالعمل المطلوب فيزرع الأرض و يتعهد الزرع بما يربيه و ينميه حتى يظهر و يستكمل نموه و يثمر و يبلغ أوان حاصله، و يلتزم الجانبان بأن تكون لكل واحد منهما في

قبال ذلك حصة معلومة المقدار مشاعة من الحاصل الذي ينتجه الزرع.

ثم أن الثابت المعروف في مرتكزات أهل العرف و العقلاء، الخبراء بالمعاملة من الناس أن يكون الزرع في جميع مراحل نموه من حين ظهوره في الأرض إلى أخر إدراكه و بلوغ غايته مشتركا بين الطرفين على نسبة الحصتين اللتين عيّنهما الطرفان لهما من الحاصل، و من متفرعات ذلك و نتائجه أن يكون الفصيل و الورق و التبن و غير ذلك من نواتج الزرع مشتركة بين الطرفين على نسبة حصتيهما المعينتين و على هذا الأمر الثابت في أذهان أهل العرف و في مرتكزاتهم تتنزل الأدلة الشرعية و الإطلاقات الواردة في أحاديث المعصومين «ع» في عقد المزارعة و يثبت بها الحكم المذكور.

و يصح للمتعاقدين أن يشترطا ذلك في ضمن العقد بينهما اشتراطا صريحا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 284

فيقول مالك الأرض للعامل في إيجابه للعقد: أسلمت إليك هذه الأرض لتزرعها حنطة أو شعيرا، على أن يكون جميع ما يحصل من ثمر الزراعة بينى و بينك بالمناصفة مثلا، و على شرط أن يكون الاشتراك ما بيننا في الزرع في جميع مراحله من أول ظهور الزرع في الأرض إلى نهاية إدراكه و بلوغ حاصله، و يقبل العامل المزارعة منه على الشرط المذكور، و تكون نتيجة هذا الاشتراط كما تقدم اشتراك الطرفين حتى في ورق الزرع الذي يؤخذ منه و في فصيله و تبنه، و في أغصانه اليابسة أو الطرية التي تؤخذ منه لتزرع في موضع أخر من الأرض أو في أرض أخرى.

و إذا اشترطا أن يقع الاشتراك بينهما من أول الزرع لا من حين ظهوره في الأرض، اشتركا حتى في البذر بعد نثرة في الأرض، و في جذوره التي

تتكون قبل ظهور الزرع.

(المسألة 59):

إذا اشترط المتعاقدان أن يكون الاشتراك ما بينهما في الزرع عند بلوغه إلى مرحلة معينة من النمو، ثبت لهما ما شرطاه، فلا يكون بينهما اشتراك في الزرع قبل أن يصل الى تلك المرحلة، و مثال ذلك أن يقول الموجب منهما لصاحبه: زارعتك على هذه الأرض ليكون حاصل الزراعة فيها ما بيننا بالمناصفة، و على شرط أن يكون الاشتراك ما بيننا بعد ظهور الثمر في الزرع أو بعد انعقاد الحب فيه، أو بعد صدق اسم الغلة عليه، فيسمى حنطة أو شعيرا أو عنبا، فلا يقع الاشتراك الا بعد حصول الشرط و بلوغ الزرع إلى المرحلة التي عينها المشترط، و يكون الزرع في مراحله السابقة عليها مملوكا لمالك البذر و لا حق لصاحبه فيه، و لما بيّناه في هذه

كلمة التقوى، ج 5، ص: 285

المسألة و سابقتها فروع سنتعرض لذكرها ان شاء اللّه تعالى في المسائل الآتية.

(المسألة 60):

إذا وقعت المزارعة بين الشخصين جامعة لما يعتبر فيها من شرائط الصحة و زرع العامل الأرض ثم بدا للطرفين أن يتقايلا و يفسخا عقد المزارعة الواقع بينهما بعد أن ظهر الزرع في الأرض، أو بعد ما ظهر الثمر، أو انعقد الحب في الزرع فالظاهر أن يكون فسخ المعاملة إذا حصل بينهما فسخا لها في حين وقوعه و ليس فسخا لها من أصل وقوع العقد، و أن كان ذلك هو مقتضى القاعدة في التقايل إذا حصل بين الطرفين، و ذلك لأن المرتكز في أذهان عامة العقلاء و أهل العرف في فسخ المزارعة أن يكون ذلك على نحو تعدّد المطلوب، و هو نظير الفسخ عند تبعض الصفقة.

و يتفرع على حصول الفسخ بينهما في حين وقوع الفسخ كما ذكرنا لا من أصل العقد:

أن يكون الزرع الموجود مملوكا لصاحبه حين ما وقع الفسخ بينهما و ليس مملوكا لصاحب البذر، و يتفرع على ذلك أيضا: أن لا يثبت لصاحب الأرض حق في أن يأخذ من العامل أجرة لأرضه للمدة الماضية قبل الفسخ، و لا يثبت للعامل حق في أن يأخذ من صاحب الأرض أجرة لعمله في تلك المدة.

و إذا فسخا عقد المزارعة كما ذكرنا، فيجوز لهما أن يتراضيا بينهما على أن تبقى حصة العامل من الزرع في الأرض الى أن يبلغ أوانه و يتم نتاجه مع تسليم العامل اجرة المثل لمالك الأرض مدة بقاء الزرع فيها أو بغيره اجرة، و يجوز لهما أن يتراضيا على أن تقطع حصة العامل من الزرع قصيلا.

و يجوز لصاحب الأرض أن يطالب العامل بقسمة الزرع الموجود عند

كلمة التقوى، ج 5، ص: 286

الفسخ، فيبقي مالك الأرض حصته من الزرع بعد القسمة في الأرض، و يأمر العامل بقطع حصته من الزرع و إزالتها من الأرض و لا يستحق العامل عليه بذلك أرشا و ليس للعامل أن يبقى حصته من الزرع في الأرض إذا كان صاحب الأرض لا يرضى ببقائها فيها و ان دفع له اجرة المثل.

و كذلك الحكم إذا شرط أحد المتعاقدين أن يكون له خيار فسخ المزارعة في وقت معين، ففسخها في ذلك الوقت المعين، أو ثبت له خيار الفسخ لتخلف بعض الشروط التي شرطها على صاحبه، فإذا فسخ المعاملة و كان فسخه في أثناء المدة المعينة لعقد المزارعة بينهما جرت الأحكام و اللوازم التي بيناها في هذه المسألة.

(المسألة 61):

إذا غصب أحد أرضا من مالكها الشرعي، و سلّم الغاصب الأرض إلى عامل ليزرعها له مدة معلومة بحصة معينة من حاصل الزراعة فيها، جاز لمالك

الأرض أن يسترجع أرضه المغصوبة من الغاصب أو من العامل، و يصح له الرجوع بها على أيهما شاء.

و يتخير مالك الأرض بين أن يجيز عقد المزارعة الذي أنشأه الغاصب مع العامل، و أن يرد ذلك العقد، فان هو أجاز العقد صح و أصبحت المزارعة بين مالك الأرض و العامل على حسب ما عين في عقدها من قيود و شروط، و لا تفتقر صحة المزارعة بعد اجازة المالك الشرعي إلى قبول جديد من العامل.

و تثبت للعامل حصته الخاصة التي ذكرت له في العقد ما بينه و بين الغاصب من حاصل الزراعة، و تكون لمالك الأرض الحصة الأخرى منه، سواء وقعت اجازة المالك للعقد قبل شروع العامل بالعمل أم وقعت بعده، و إذا أبى المالك الشرعي

كلمة التقوى، ج 5، ص: 287

فرد عقد المزارعة و لم يجزه على أرضه بطلت المعاملة من أصلها، و إذا كان عامل المزارعة قد زرع الأرض بعد عقد المزارعة عليها و قبل أن يرده المالك، و قد ظهر الزرع في الأرض و كان البذر من العامل، فالزرع الموجود يكون مملوكا للعامل تبعا للبذر، و يلزم العامل أن يدفع لمالك الأرض أجرة المثل لمنفعة أرضه في المدة الماضية.

و يجوز لمالك الأرض بعد رده للمزارعة أن يأمر العامل بإزالة زرعه و جذوره من الأرض، و لا أرش للعامل إذا أزالها، و يجوز للمالك أن يرضى ببقاء الزرع في أرضه حتى يدرك، و يبلغ أوانه و يأخذ منه اجرة المثل في المدة الآتية.

و إذا أخذ مالك الأرض من العامل أجرة المثل لما مضى من المدة أو لما يأتي من مدة بقاء الزرع في الأرض جاز للعامل أن يرجع بما خسره على الغاصب إذا كان قد

غرّه.

(المسألة 62):

إذا أنشئت المزارعة بين مالك الأرض و عامل المزارعة ثم تبين بعد اجراء العقد، أو بعد زرع العامل الأرض: أن العامل الذي جرت معه المعاملة عبد مملوك و أن مولاه لم يأذن له في المزارعة، كان الأمر في تصحيح هذه المعاملة عبد المولى المالك للعبد، فان هو أجاز مزارعته صحت، و الزم العبد بالعمل في زراعة الأرض و القيام بما تحتاج اليه من سقي و غيره، و كانت الحصة المعينة له من حاصل الزرع لمولاه، و الحصة الثانية من الحاصل لمالك الأرض: و ان فسخ المولى المالك للعبد المعاملة بطلت من أصلها، و كان الزرع الموجود الذي زرعه العبد تابعا للبذر، فان كان مالك البذر هو مالك الأرض، كان الزرع مملوكا له لانه نماء بذره، و لزم صاحب

كلمة التقوى، ج 5، ص: 288

الأرض أن يدفع لمولى العبد أجرة المثل لعمل مملوكه، و ان كان البذر للعبد فهو ملك لمولى العبد و يكون هو المالك للزرع أيضا، و يجوز لمالك الأرض أن يأمره بقلع الزرع و ازالته من الأرض، و لا أرش لصاحب الزرع بذلك، و يجوز لمالك الأرض أن يبقى الزرع في أرضه حتى يبلغ أوانه مجانا أو مع أجرة المثل لأرضه في تلك المدة، إذا رضي مولى العبد بدفعها و لا يجبر على ذلك.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 5، ص: 288

و كذلك الحكم إذا غصب العبد غاصب من مولاه الشرعي، و زارعه صاحب الأرض بأمر الغاصب، و لم يستأذن مولاه، فيكون الأمر في صحة المزارعة لمولاه و يجرى فيه و في زرعه البيان الذي قدمناه.

(المسألة 63):

إذا

حكم الشارع ببطلان المزارعة بين المتعاقدين من أصلها، أو حكم ببطلانها في أثناء المدة بعد أن كانت صحيحة في أول الأمر لطرو، بعض العوارض التي أوجبت الحكم بفسادها كذلك و قد تكرّر منا أكثر من مرة، أن الزرع الموجود في الأرض بعد بطلان المعاملة بكون تابعا للبذر في الملك فمالك الزرع الموجود في الأرض هو مالك البذر.

فإذا علم أن البذر الذي زرع في الأرض كان مغصوبا من مالكه كان الزرع الموجود في الأرض مملوكا للمالك الأصلي الذي غصب البذر منه، فالزرع و النتاج كله له، و لا يستحق عليه مالك الأرض أجرة لأرضه، و لا يستحق عليه عامل المزارعة أجرة لعمله، بل تكون الأجرة على من جاء بالبذر ليزرع في الأرض فإن كان الذي جاء بالبذر للزراعة هو العامل لزمه أن يدفع أجرة الأرض لصاحبها، و أن كان الذي جاء به للزراعة هو صاحب الأرض لزمه أن يدفع للعامل أجرة عمله

كلمة التقوى، ج 5، ص: 289

و يجوز لمالك الأرض أن يأمر المالك المذكور للزرع بإزالة زرعه عن أرضه و أن لم يبلغ الزرع أوان قطعة، و لا أرش لمالك الزرع بسبب ذلك.

(المسألة 64):

إذا تمت المزارعة بين الطرفين المتعاقدين، ثم علم بعد ذلك أن العوامل التي استخدمت في زراعة الأرض و في حرثها و سقايتها كانت مغصوبة من مالكها الأصلي لم تبطل المزارعة بذلك، سواء كان الذي غصبها أو استخدمها هو مالك الأرض، أم كان هو العامل، و يجب عليه أن يدفع لمالكها الشرعي أجرة المثل لمنفعتها في مدة استخدامها، و كذلك الحكم في سائر المصارف التي أنفقها المالك على أرضه أو أنفقها العامل على زرعه، ثم علم بعد ذلك انها كانت مغصوبة من مالكها،

فلا يضر ذلك بصحة المعاملة الجارية بين المتعاقدين، و يلزم على منفقها أن يدفع لمالكها الأصلي مثلها إذا كانت مثلية، و قيمتها إذا كانت قيمية.

(المسألة 65):

قد سبق منا أن الأقوى حصول الاشتراك ما بين مالك الأرض و العامل في الزرع عند ظهوره في الأرض و تبيّنه على وجهها، و ان لم يسمّ قصيلا أو يخرج له شطئا، و قبل أن يظهر له ثمر أو ينعقد له حب، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثامنة و الخمسين، و كذلك إذا اشترط المتزارعان في ضمن العقد ان تحصل الشركة فيه بينهما عند ظهور الزرع في الأرض.

و من نتائج ذلك: أن يملك كل واحد من الطرفين حصته المقدرة له من حاصل الزراعة منذ ذلك الوقت، و في جميع مراحل نمو الزرع المتعاقبة، فإذا ظهر ثمر الزرع، و صدق عليه اسم الغلة حنطة أو شعيرا أو غيرهما من الغلات التي تجب

كلمة التقوى، ج 5، ص: 290

فيها الزكاة، و بلغت حصة مالك الأرض أو الزارع مقدار النصاب وجبت عليه الزكاة في حصته، و إذا لم تبلغ مقدار النصاب فلا زكاة عليه.

و إذا اشترط المتعاقدان أن يكون الاشتراك بينهما في ما بعد ذلك من المراحل كانت الزكاة على من يملك الزرع قبل ذلك و في المرحلة التي يتعلق فيها وجوب الزكاة في الغلة و هو مالك البذر، فإذا بلغ مجموع الحاصل مقدار النصاب وجبت عليه زكاة الحاصل كله و لا زكاة على الآخر لانه لم يملك الحصة في وقت تعلق وجوب الزكاة بها.

(المسألة 66):

إذا تم عقد المزارعة بين مالك الأرض و العامل و استلم العامل الأرض من مالكها فأهملها و لم يزرعها حتى انقضت المدة المعينة للمزارعة و كانت الأرض بيد العامل و لم يكن له عذر في ترك الزرع و إهمال الأرض لزمه أن يدفع لصاحب الأرض أجرة المثل لمنفعتها الفائتة في تلك المدة،

و قد سبق ذكر هذا في المسألة الرابعة و الثلاثين و ما بعدها، و لا ضمان عليه إذا لم يكن مفرطا في ترك الزرع، و قد ذكرنا في المسألتين بعض الأعذار الموجبة لعدم التفريط، و لا ضمان على العامل بذلك إذا كانت الأرض في يد مالكها، و كان مالكها يعلم بان العامل قد ترك زراعتها و لا يترك الاحتياط بالرجوع إلى المصالحة بين الطرفين إذا كانت الأرض في يد مالكها، و كان المالك لا يعلم بأن العامل قد ترك زراعتها.

(المسألة 67):

إذا أجريت المزارعة بين المتعاقدين على أرض معلومة معينة الحدود و كان الأرض بمجموعها صالحة للزرع و الانتفاع بها في جميع المدة، ثم اتفق أن طرا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 291

الخراب و البوار على بعض من الأرض فاستولت عليه المياه، أو الاسباخ، و لم يمكن علاجه، و لم يعد صالحا للانتفاع به بوجه من الوجوه، و بقي بعضها الآخر صالحا للزرع و الانتفاع به بالفعل بطلت المزارعة في القسم البائر من الأرض، و تخير كل من مالك الأرض و عامل المزارعة في القسم الثاني الذي يمكن الانتفاع به من الأرض بين أن يفسخ المعاملة فيه للتبعض الطاري عليها و أن يمضيها، فإذا اتفق الطرفان فأمضيا العقد في ذلك القسم من الأرض صحت المزارعة فيه و ترتبت أثارها، فيجب على العامل زرعه و يستحق كل من الطرفين حصته من حاصل الزراعة فيه، و إذا فسخا المعاملة فيه معا أو فسخ أحدهما بطلت المعاملة.

(المسألة 68):

إذا ذكر المتعاقدان للمزارعة الواقعة بينهما مدة وجب عليهما أن يعينا للمدة أمدا و أجلا مسمى، و يجب أن يكون الأجل بمقدار يتسع لزراعة الأرض فيه و بلوغ الزرع غايته و نتاجه بحسب العادة المتعارفة لذلك الزرع من الزمان، و قد ذكرنا هذا في المسألة التاسعة و في مسائل غيرها.

و إذا عين المتزارعان للمعاملة أجلا يتسع لمعاملتهما بحسب العادة ثم اتفق أن انقضت المدة المضروبة و لم يدرك الزرع فيها أوانه و لم يبلغ غايته لبعض الطوارئ المانعة، فلا حق للعامل في أن يبقى زرعه في الأرض إذا لم يرض مالك الأرض بإبقاء الزرع فيها و ان بذل له أجرة الأرض لذلك، و يجوز للطرفين أن يتراضيا على إبقاء الزرع فيها مجانا

أو مع الأجرة، و يجوز لمالك الأرض أن يأمر العامل بإزالة ما زرعه من الأرض و لا أرش للعامل في ذلك.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 292

(المسألة 69):

إذا زارع المالك عاملا على أرض معيّنة، ثم علم العامل بعد إنشاء المعاملة أن الأرض التي زارعه المالك عليها ليس لها ماء يسقيها بالفعل، و كان العامل قادرا على تحصيل الماء للأرض بحفر بئر أو استخراج عين أو غير ذلك و لم يكن العامل يعلم بذلك حين اجراء العقد، صحت المعاملة و لم تبطل بذلك، و يثبت للعامل فيها خيار الفسخ، فان شاء فسخ المعاملة و أبطلها، و ان شاء أمضاها و لزمه أن يقوم بتحصيل الماء و زراعة الأرض و سقاية الزرع.

و كذلك الحكم إذا أجريت المزارعة بين المتعاقدين، ثم علم الزارع بعد العقد أن الأرض المعينة غير قابلة للانتفاع بها الا بعلاج و كان قادرا على القيام بعلاجها و إصلاحها، فتصح المعاملة و يثبت للعامل خيار الفسخ فيها كما تقدم و تلاحظ المسألة العاشرة.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 293

الفصل الثالث في آثار تتبع عقد المزارعة
(المسألة 70):

إذا ظهر ثمر الزرع الذي زرعه العامل و بلغ أوان حاصله جاز لكل من مالك الأرض و عامل المزارعة أن يخرص الثمر الموجود في الزرع على صاحبه خرصا يتفق الطرفان على قبوله، و أن يحدّد لصاحبه مقدار حصته المجعولة له من المقدار الذي عيّنه بالخرص لجميع الحاصل، فإذا خرص مالك الأرض مجموع حاصل الزرع الموجود فيها بمائة من من الحنطة- مثلا- و كانت حصة العامل المجعولة له في عقد المزارعة هي نصف الحاصل، كان مقدار حصته من الثمر المخروص خمسين منا من الحنطة و للمالك الباقي منها، بشرط أن يحصل الرضا و القبول بذلك من العامل، فيصح ذلك و يلزم الطرفين الوفاء به سواء زاد الحاصل على مقدار الخرص أم ساواه أم نقص عنه، و لا يصح لأحدهما رد ذلك أو فسخه بعد جريان

معاملة الخرص المذكورة و القبول بها من كليهما.

و الخرص المذكور معاملة خاصة مستقلة بنفسها و بأدلتها الشرعية الواردة فيها عن سائر المعاملات، و أثر هذه المعاملة إخراج المال المشترك بين المالك

كلمة التقوى، ج 5، ص: 294

و العامل من الإشاعة المطلقة، و تحديد حصة كل واحد منهما عن حصة الآخر على وجه الاجمال، و هي ليست من البيع و لا من الصلح بعوض أو بغير عوض.

(المسألة 71):

يشترط في صحة معاملة الخرص التي ذكرناها: أن يكون خرص الثمرة بعد أن تبلغ و يتم إدراكها كما ذكرنا في المسألة المتقدمة فلا تصح إذا وقع الخرص قبل أن يبلغ الثمر هذا المبلغ، و أن ظهر في الزرع أو بدأ أول إدراكه و لم يتم، و يعتبر في صحتها: أن تكون الحصة المعينة لكل من الطرفين من حاصل الزرع نفسه، فلا تصح المعاملة إذا جعلت الحصة بذلك المقدار في الذمة من جنس الحاصل، و أولى من ذلك بعدم الصحة ما إذا جعلت بذلك المقدار من غير جنسه.

و يكفي في إنشاء المعاملة أن يقول الموجب من الطرفين: رضيت بالخرص المعيّن لثمر هذه الزراعة لي و علي، و تقبلت نصف المقدار الذي حدده الخرص في حصتي المعينة لي من حاصل الزرع و جعلت الباقي من الحاصل لك، فإذا قبل الجانب الآخر ذلك و رضي به صحت المعاملة، و وجب على الطرفين الوفاء بها فإذا زاد الحاصل على مقدار الخرص لم يستحق الطرف الذي تقبل حصته من الخرص من هذه الزيادة شيئا، كان الزائد من الحاصل كله لصاحبه، و إذا نقص الحاصل عن مقدار الخرص، أخذ الأول حصته من مقدار الخرص كاملة دون نقص و كان الباقي الناقص للثاني.

و يكفي في صحة

المعاملة أن تنشأ، بأي لفظ غير ذلك، إذا كان دالا على هذا المضمون في عرف أهل اللسان، و ان كانت دلالته بالقرينة المفهمة أو بلغة غير عربية، و يصح أن تنشأ بالفعل إذا كان دالا على المعنى المراد.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 295

و لا فرق في صحة معاملة الخرص المذكورة بين أن يكون الخارص لحاصل الزرع احد الطرفين المتعاقدين و أن يكون شخصا ثالثا غيرهما، إذا كان من أهل الخبرة و الوثوق و تم بخرصه غرض المتعاملين، و حصل به الرضا و القبول منهما.

(المسألة 72):

إذا تلف جميع حاصل الزرع أو تلف بعضه بحيث كان الباقي من الحاصل أقل من المقدار المخروص، و كان تلف التالف منه بعد الخرص و تقبيل الحصة منه دخل النقص على الجانبين، و لم يختص بواحد منهما على الأقوى، سواء كان التلف بآفة سماوية أم أرضية، و سواء كان التلف بفعل الإنسان، أم بسبب أخر من حيوان أو غيره.

و يشكل الحكم إذا تلف بعض الحاصل و كان المقدار الباقي منه يساوي مقدار الخرص، أو يزيد عليه، و لا يترك الاحتياط في هذه الصورة بالرجوع إلى المصالحة و التراضي بين الطرفين.

(المسألة 73):

لا تختص معاملة الخرص التي ذكرناها بالمزارعة و تقبيل الحصة منها، بل تجري أيضا في المساقاة، و سيأتي بيانه (ان شاء اللّه تعالى)، و تجري في ثمر النخيل و الشجر إذا كان مشتركا على وجه الإشاعة التامة بين مالكين بسبب إرث أو شراء، أو غيرهما من أسباب الملك و الاشتراك فيه، و تجري في كل ثمر أو زرع مشترك بين مالكين لأحد الأسباب الموجبة للتملك و الاشتراك فيه، فيجوز لهما أو لأحدهما أن يخرص الثمر عند بلوغه و تحقق إدراكه، فإذا رضي الجانبان بالخرص و رضيا بأن تكون حصة أحدهما من المقدار المخروص، و للآخر الباقي سواء زاد

كلمة التقوى، ج 5، ص: 296

الحاصل عنه أم نقص، صحت المعاملة و لزمت و ترتبت أثارها.

(المسألة 74):

يجوز لمالك الأرض أن يصالح عامل المزارعة عن حصته المقدرة له من حاصل الزرع بمقدار معين في ذمته من جنس الحاصل أو من غير جنسه، فإذا كانت الزراعة المشترطة بين المتعاقدين من الحنطة- مثلا- و كانت حصة العامل هي النصف من حاصلها، جاز لمالك الأرض أن يصالح العامل عن حصته المذكورة بعشرين منا من الحنطة، تبقى في ذمة المالك، أو بعشرين منا من الأرز أو الماش أو العدس تبقى في ذمته كذلك، و يجوز له أن يصالحه عنها بعين في الخارج مملوكة له، من جنس الحاصل أو من غير جنسه، فتكون عوضا للعامل عن حصته.

و يجوز للعامل أن يصالح مالك الأرض عن حصته المعينة له من الحاصل كذلك، في كلا الفرضين و انما يصح الصلح في جميع ما ذكر من الفروض إذا ظهر حاصل الزرع سواء تم إدراكه أم لم يتم.

و لا تضر بصحة هذا الصلح بينهما جهالة الطرفين بمقدار الحصة

المصالح عليها، فان مثل هذه الجهالة مغتفرة في عقد الصلح و الأحوط استحبابا لهما تقدير ذلك بخرص متعارف عند أهل الخبرة، و لا يضر بصحة الصلح وجوه التفاوت بين العوضين، و ذلك لان حصة المزارع و العامل من الزرع قبل الحصاد و التصفية ليست من المكيل و لا الموزون، فلا تكون المعاوضة عليها مع التفاوت بين العوضين من الربا المحرّم في الإسلام.

و إذا أراد أحد المتزارعين أن يصالح صاحبه عن حصته قبل ظهور الحاصل فلا بد له من ضم ضميمة إلى الحصة، و لا يصح الصلح عليها بغير ذلك.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 297

(المسألة 75):

إذا انقضت المدة المضروبة للمزارعة بين العامل و مالك الأرض، و وقعت القسمة لحاصل الزرع المشترك بينهما، و أخذ كل شخص منهما حصته المعينة له من الحاصل، و بقيت في الأرض بعد ذلك أصول الزرع و جذوره، فأنبتت في السنة الثانية نباتا و أخرجت زرعا، فالنبات و الزرع الذي يحصل منها يكون مشتركا بينهما، و قد ذكرنا في المسألة الثامنة و الخمسين، أن مقتضى عقد المزارعة عند إطلاقه أن يحصل الاشتراك بين مالك الأرض و عامل المزارعة من حين ظهور الزرع في الأرض، و في جميع مراحل نموه و أدواره، و لا يختص بالحاصل عند ظهوره في الزرع أو عند انعقاد الحب أو صدق الاسم، و كذلك إذا اشترط المتعاملان في ضمن العقد أن يقع الاشتراك بينهما في الزرع في تلك المرحلة أو قبلها.

و من نتائج ذلك: أن تكون أصول الزرع و جذوره الباقية في الأرض بعد الجذاذ مشتركة بينهما كما ذكرنا، و يتبعها نماؤها الذي يحصل منها فيكون مشتركا بينهما، إلا إذا أعرض المتعاقدان عن هذه الأصول الباقية، فيكون النبات

الحادث منها لمن سبق اليه فتملكه بالحيازة.

(المسألة 76):

إذا بقي في الأرض بعض الحبوب من حاصل الزراعة الماضية، فأنبت في السنة اللاحقة زرعا و اخرج نماء، فإذا كان الحب الذي بقي في الأرض من الحاصل المشترك بين المتزارعين قبل قسمته بينهما، فالزرع و النماء الذي يخرج منه يكون مشتركا بينهما أيضا تبعا لأصله، و يكون لكل واحد من الشريكين من هذا النماء الجديد بمقدار حصة ذلك الشريك من الأصل، فإذا كان الأصل مشتركا بينهما

كلمة التقوى، ج 5، ص: 298

بالمناصفة، فالنماء، الحادث منه مشترك بينهما بالمناصفة كذلك، و إذا كان لأحدهما الثلث منه أو الربع أو غيرهما، فله من النماء الجديد بتلك النسبة.

و إذا كان الحب الباقي في الأرض مختصا بأحد الشريكين، كما إذا سقط من حصة العامل بعد القسمة أو من حصة مالك الأرض كذلك اختص مالكه بالنماء الحادث منه، و لم يستحق الآخر منه شيئا، و لا يستحق مالك الأرض على العامل أجرة لأرضه إذا كان النماء الحادث ملكا للعامل خاصة، أو كان مملوكا له و لصاحب الأرض على نحو الاشتراك، ثم بقي النماء في الأرض حتى أدرك و بلغ أوانه.

(المسألة 77):

إذا قصّر عامل المزارعة في القيام المطلوب منه على الزراعة في تمهيد الأرض مثلا أو تسميدها، أو في السقي الكافي لحاجتها و حاجة الزرع، أو في مكافحة الحشرات و الطفيليات و الطوارئ، المؤثرة عادة، فقل بسبب تقصيره حاصل الزرع، فان كان التقصير منه قبل أن يظهر الزرع في الأرض لم يضمن العامل لمالك الأرض بسبب هذا التقصير شيئا، و ثبت لمالك الأرض بذلك خيار فسخ المعاملة الجارية بينه و بين العامل، فان شاء فسخ المزارعة، و ان شاء أمضاها و لم يفسخها فإذا اختار مالك الأرض ففسخ المزارعة و كان

البذر مملوكا للفاسخ صاحب الأرض كان الحاصل الذي يخرج من الزرع مملوكا له تبعا للبذر، و لزمه أن يدفع للعامل اجرة المثل لعمله، و إذا تلف شي ء من البذر بسبب تقصير العامل كان العامل ضامنا لما تلف منه فيجب عليه أن يدفع لمالكه مثله إذا كان مثليا و قيمته إذا كان قيميا.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 299

و إذا كان البذر مملوكا للعامل كان الحاصل مملوكا له بتبع البذر، و لزمه أن يدفع لمالك الأرض أجرة المثل لأرضه.

و إذا اختار مالك الأرض فأبقى المعاملة بينه و بين العامل و لم يفسخها بسبب تقصير العامل صحت المزارعة و كانت لكل واحد من الطرفين حصته المعيّنة له في العقد قلّت أو كثرت.

و ان كان التقصير الذي ذكرناه من العامل بعد ظهور الزرع في الأرض، تخير مالك الأرض، فيجوز له أن يفسخ المعاملة و تترتب على فسخه جميع النتائج و الآثار التي قدمنا ذكرها في الفرض السابق، و يجوز له أن يمضي المعاملة فتكون لكل واحد من الطرفين حصته المعينة له في عقد المزارعة قلّت أو كثرت، و يضمن العامل لصاحب الأرض مقدار التفاوت في حاصل الزرع بسبب تقصيره، و يعرف ذلك بالرجوع إلى أهله الخبرة، و إذا لم يعلم فالاحتياط بالرجوع إلى المصالحة.

(المسألة 78):

إذا ادعى مالك الأرض على عامل المزارعة فيها انه لم يف له ببعض الشروط التي شرطها عليه في عقد المزارعة، و جحد العامل ما يدعيه المالك عليه من عدم الوفاء، فالقول قول العامل، و لا يمين عليه لأنه مؤتمن، الا أن يقيم المالك على صحة دعواه على العامل بينة مقبولة يثبت بها عدم وفائه، و كذلك الحكم إذا ادعى مالك الأرض أن العامل قد قصّر

في عمله في المزارعة فأضر بالزرع بسبب تقصيره في العمل، و أنكر العامل وقوع تقصير منه، أو ادعى المالك عليه أنه فرط في حفظ الثمر بعد ظهوره في الزرع فتلف جميع الحاصل أو تلف بعضه، و أنكر العامل وقوع أي تفريط أو تقصير منه، فالقول في جميع هذه الفروض قول العامل و لا يطالب بيمين

كلمة التقوى، ج 5، ص: 300

على إنكاره لأنه مؤتمن.

(المسألة 79):

إذا ادعى مالك الأرض انه قد اشترط على العامل شرطا في ضمن العقد و أنكر العامل وقوع ذلك الشرط بينهما، أو ادعى العامل انه قد اشترط على المالك شيئا و أنكر المالك ذلك، فالقول قول المنكر منهما مع يمينه في كلتا الصورتين، إلا إذا أثبت المدعي منهما صحة قوله ببينة مقبولة، فيؤخذ بها و إذا انعكس الفرض فادعى أحد المتزارعين أن صاحبه قد اشترط عليه شرطا معيّنا في ضمن عقد المزارعة، و أنكر صاحبه وجود ذلك الشرط منه، ألزم الأول منهما بأن يفي بالشرط الذي ذكره أخذا له بإقراره، فلا يأخذ حصته المعينة له من الحاصل حتى يفي بالشرط، و يعامل الثاني أيضا بمقتضى قوله، و لذلك فليس له أن يطالب صاحبه المقرّ بالشرط الذي ذكره بعد إنكاره إياه و يلزمه أن يوصل الى صاحبه حصته من الحاصل و أن لم يف بالشرط أخذا له بقوله، و يمكن لهما أن يتخلّصا من هذا الاشكال بالرجوع الى التسالم و المصالحة بينهما.

(المسألة 80):

إذا ادعى أحد المتزارعين أن صاحبه قد غبنه بالمزارعة الجارية بينهما، لزمه أن يثبت وجود الغبن عليه في المعاملة بأحد المثبتات الشرعية، فإذا أثبت ذلك جاز له فسخ المزارعة للغبن، و لا يكون له حق الخيار الا بعد إثبات وجود سببه و هو واضح و انما يذكر للتنبيه.

(المسألة 81):

إذا تنازع المتزارعان في مقدار المدة التي عيناها لمزارعتهما، فقال أحدهما

كلمة التقوى، ج 5، ص: 301

هي سنة واحدة و قال الأخر بل هي سنتان، أو قال الأول: قد جعلنا لمزارعة بيننا الى ثلاث سنين، و قال الثاني، بل جعلناها إلى أربع سنين، قدم قول من ينكر الزيادة في المدة منهما مع يمينه، و تستثنى من ذلك صورة واحدة، و هي ما إذا ادعى احد المتعاقدين مدة قصيره لا تكفى بحسب العادة لزرع الأرض و بلوغ الحاصل فيها لقصرها، و ادعى الثاني مدة تتسع لذلك بحسب العادة فيقدم قول الثاني لأن قوله يستلزم صحة المعاملة الواقعة بينهما، و قول الأول يستلزم فسادها بسب قصر المدة، و قد بينا في المسألة التاسعة أن المدة التي تشترط للمزارعة إذا كانت قصيرة لا تكفى بحسب العادة المتعارفة لمزارعة الأرض و ادراك حاصل الزرع فيها كان العقد الواقع عليها باطلا.

(المسألة 82):

إذا تنازع المتزارعان في مقدار الحصة المعينة لأحدهما من حاصل الزرع، فقال احد الطرفين لصاحبه، قد جعلنا لك الثلث خاصة من حاصل الزراعة، و قال الثاني: بل حصتي النصف من الحاصل، فالقول قول من يدعى قلة الحصة، و ينكر الزيادة فيها من الطرفين مع يمينه، و هو في غالب الفروض المتعارفة من يملك البذر كله فهو يدعي القلة في حصة صاحبه ليكون الزائد من نصيبه، و قد يختلف ذلك، و قد يكون البذر ملكا للجانبين معا بالتساوي أو مع التفاوت، و على اى حال فالقول قول من ينكر الزيادة مع يمينه في جميع الصور التي يقع التنازع بين الطرفين في مقدار الحصة.

(المسألة 83):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 302

يجوز لمن تقبل قطعة من الأرض الخراجية من السلطان، أو من ولى أمر المسلمين، و كانت القطعة بيده يؤدي خراجها و ينتفع بها، أن يدفع تلك الأرض إلى شخص آخر ليزرعها ذلك الشخص و ينتفع بها لنفسه، فيؤدى من حاصل زراعة الأرض ما عليها من الخراج زاد أم نقص و يأخذ ما بقي من الحاصل لنفسه، و لا ينتفع الأول الذي تقبلها من السلطان منها بشي ء، سوى انه قد تخلص بذلك من الخراج، و قد دل بعض النصوص على جواز ذلك إذا كان دفع الأرض من الأول الى الثاني برضاه و يجوز لمن تقبل الأرض الخراجية كذلك أن يزارع عليها عاملا ليزرعها و يعمل فيها و يدفع خراج الأرض من حاصل الزارعة فيها، ثم يكون الباقي من الحاصل لكل من المتقبل و العامل فيقتسمانه بينهما بالمناصفة أو بما سوى ذلك من الحصص بحسب ما يشترطان و يتراضيان، فيكون الخراج على كليهما.

و يجوز لمتقبل الأرض من السلطان أو ولى

الأمر أن يشترط على العامل الذي يزارعه أن يكون جميع الخراج على العامل خاصة، فيدفعه من حصته من الحاصل بعد القسمة و لا يكون على المتقبل شي ء من الخراج، فيصح جميع ما ذكرناه من الفروض مع الاشتراط و الرضى به من الطرفين، و تلاحظ المسألة الثانية و العشرون.

و يجوز لمتقبل الأرض أن يدفعها الى شخص غيره ليزرعها و ينتفع بها و يشترط على ذلك الغير أن يدفع جميع الخراج من حاصل زراعته في الأرض و أن يدفع للمتقبل مع ذلك مبلغا معينا مائة دينار مثلا أو أقل أو أكثر، ثم يأخذ الزارع لنفسه ما بقي من الحاصل و قد دلت النصوص إلى صحة جميع ذلك مع الاشتراط في العقد و الرضى به من الجانبين.

(المسألة 84):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 303

يصح أن يقع عقد المزارعة بين المسلم و الكافر سواء كان الكافر هو صاحب الأرض أم كان هو العامل في المزارعة، و تجري في المعاملة بينهم جميع الاحكام و تترتب جميع الآثار التي بيّناها للمزارعة و يلزم الوفاء بعقدها و القيام بواجباتها و شروطها على كل من المسلم و الكافر من غير فرق بينهما.

(المسألة 85):

يجوز للقيم الذي جعله الواقف متوليا على الأرض الموقوفة، أو الذي نصبه الحاكم الشرعي متوليا عليها، أن يزارع عاملا على الأرض الموقوفة الداخلة تحت ولايته، إذا اقتضت مصلحة الوقف، أو مصلحة الموقوف عليهم: أن يزارع أحدا على الأرض، و قد توفرت في المتولي شروط الولاية، و صحة التصرف، سواء كان وقف الأرض عاما أم خاصا، و سواء كان وقفها على جهة، أم على أشخاص، أم على غير ذلك، و تنفذ المزارعة الواقعة من المتولي عليها، و يلزم الطرفين الوفاء بها و بأحكامها.

و إذا عين المتولي للمزارعة مدة تقتضي المصلحة تعيينها، لزم العمل بالمعاملة في تلك المدة و لا تبطل بموت المتولي الذي أوقع المزارعة إذا مات في أثناء المدة.

و إذا كانت الأرض موقوفة على بطون متلاحقة من الموقوف عليهم، و زارع المتولي أحدا على الأرض المذكورة لمصلحة البطون و عين للمزارعة مدة، لزم الوفاء بالعقد في جميع المدة، و لا يبطل العقد بموت المتولي، و لا بموت أهل البطن الأول أو الثاني أو الثالث من الموقوف عليهم، ما دامت المدة المشترطة باقية.

(المسألة 86):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 304

إذا زارع أهل البطن المتقدم عاملا على الأرض الموقوفة عليهم، و على من بعدهم من البطون لم تنفذ المزارعة التي أنشأها هؤلاء على من يأتي بعدهم من البطون المتأخرة، فإذا مات أهل البطن الذين أوقعوا المزارعة، بطلت مزارعتهم بعد موتهم، إلا إذا أجازها أهل البطن اللاحق لهم، فتصح المزارعة بإجازتهم، كما يصح العقد الفضولي إذا اجازه الأصيل في سائر المعاملات.

(المسألة 87):

يصح أن تقع المصالحة بين عاملين مستقلين في مزارعتين مختلفين يختص كل عامل منهما بأرض خاصة به، و بحصة معلومة معينة له من حاصل زراعته في أرضه، فيوقعا عقد الصلح ما بينهما على الحصتين، فيجعل الأول منهما حصة المعينة له من حاصل زراعته عوضا للعامل الثاني عن حصته المعينة له من زراعته، فإذا تم عقد الصلح بينهما، و حصل الإيجاب و القبول منهما انتقلت حصة كل واحد منهما من زراعته الى ملك الأخر، و حصلت المعاوضة بين الحصتين.

و من أمثلة ذلك أن يزارع مالك الأرض سعيدا و هو العامل الأول على قطعة معلومة من أرضه و يعين له حصة معلومة من حاصل زرعه لتلك القطعة، ثم يزارع عبد اللّه و هو العامل الثاني على قطعة اخرى من الأرض بحصة معينة كذلك من حاصل زرعه لهذه القطعة، فيختص كل واحد من العاملين بقطعته التي حددها له مالك الأرض، و بحصته التي عينها له من الحاصل، ثم يصالح سعيد عبد الله عن حصته من زراعة القطعة الثانية بالحصة التي يملكها سعيد من زراعته للقطعة الاولى، فتصبح بسبب الصلح الواقع بينهما حصة عبد الله من زراعته ملكا لسعيد فيقتسم حاصلها مع مالك الأرض بنسبة هذه الحصة التي ملكها بالصلح، و تصبح

كلمة التقوى،

ج 5، ص: 305

حصة سعيد من زراعته ملكا لعبد الله فيقتسم حاصلها مع المالك بهذه النسبة.

(المسألة 88):

إذا زارع مالك الأرض عاملين و لنفرضهما زيدا و عمرا على أن يزرعا له أرضه المعلومة و عين للعاملين حصة معلومة من حاصل زراعتهما للأرض تكون لهما معا: النصف من الحاصل أو الثلث أو الربع مثلا، و للمالك الحصة الأخرى منه و تم العقد بينهم على ذلك، جاز لزيد و عمرو (عاملي المزارعة) أن يقتسما الأرض التي دفعها المالك إليهما قطعتين و يختص زيد بزراعة احدى القطعتين و تكون له الحصة العينة في عقد المزارعة من حاصلها و للمالك الحصة الأخرى و يختص عمرو بزراعة القطعة الثانية و يقتسم حاصلها مع المالك- كما تقدم-

(المسألة 89):

يجوز لصاحب الأرض إذا كانت أرضه بوارا لا ينتفع بها بالفعل الا بعد علاج و تعمير و إصلاح يستمر سنة كاملة أو سنتين مثلا: أن يزارع على أرضه عاملا و يجعل للمزارعة مدة طويلة: خمس سنين مثلا أو أكثره و يشترط على العامل في ضمن العقد أن يقوم بعلاج الأرض و إصلاح خرابها سنة أو سنتين حتى تعمر و تكون صالحة للإنتاج، و يشترط على نفسه في العقد أن يكون جميع حاصل الأرض في فترة العلاج و التعمير مملوكا للعامل خاصة و لا يشاركه المالك فيه، ثم يزرعها العامل بعد تلك الفترة، فيكون الحاصل الناتح منها مشتركا بين المالك و العامل بمقدار ما يعينان لهما من الحصة، فإذا وقعت المعاملة بينهما كذلك، و تم الإيجاب و القبول عليه، صحت المزارعة، و لزم الوفاء بها على الطرفين، سواء كانت الأرض مملوكة لصاحبها أم كانت من ارض الوقف العام أو الخاص البائرة، فيجري

كلمة التقوى، ج 5، ص: 306

متولي الوقف عقد المزارعة عليها كذلك.

(المسألة 90):

ورد في الخبر عن مسمع عن الإمام ابى عبد الله (ع) قال: (لما أهبط أدم إلى الأرض احتاج الى الطعام و الشراب فشكا ذلك الى جبرئيل (ع) فقال له جبرئيل: يا أدم كن حراثا، قال فعلمني دعاء، قال: قل: (اللهم اكفني مؤنة الدنيا و كل هول دون الجنة و ألبسني العافية حتى تهنئني المعيشة)، و عن شعيب العقرقوفي عنه (ع) قال: إذا بذرت فقل: (اللهم قد بذرت و أنت الزارع فاجعله حبا متراكما)، و عن ابن بكير قال: قال أبو عبد اللّه (ع): (إذا أردت أن تزرع زرعا فخذ قبضة من البذر و استقبل القبلة و قل (أَ فَرَأَيْتُمْ مٰا تَحْرُثُونَ أَ أَنْتُمْ

تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّٰارِعُونَ) ثلاث مرات، ثم تقول: بل الله الزارع، ثلاث مرات، ثم قل: (اللهم اجعله حبا مباركا و ارزقنا فيه السلامة) ثم انثر القبضة التي في يدك في القراح)، و ورد عنه (ع): (إذا غرست غرسا أو نبتا فاقرأ على كل عود أو حبة: «سبحان الباعث الوارث» فإنه لا يكاد يخطئ ان شاء الله تعالى)، و عن أحدهما (ع) قال: تقول إذا غرست أو زرعت: (و مثل كلمة طيبة كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهٰا ثٰابِتٌ وَ فَرْعُهٰا فِي السَّمٰاءِ تُؤْتِي أُكُلَهٰا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهٰا)

كلمة التقوى، ج 5، ص: 307

الفصل الرابع في المساقاة و شروطها
(المسألة 91):

المساقاة معاملة خاصة تقع بين الرجل و شخص أخر على أن يسقى الشخص الثاني للرجل الأول أصولا ثابتة من نخيل أو شجر مدة معينة، و يتعهد تلك الأصول في تلك المدة بما تحتاج إليه عادة من الرعاية و العمل في نموها و اثمارها حتى تنتج، و على أن تكون للشخص الساقي حصة مشاعة معينة بين المتعاملين من حاصل الثمر الذي تنتجه تلك الأصول، و لا ريب في مشروعية هذه المعاملة، و صحتها إذا توفرت فيها الشروط الاتى ذكرها.

(المسألة 92):

المساقاة عقد من العقود المعروفة و المتعارفة بين الناس عامة في غالب البلاد، و ان كانت في بعض البلاد أكثر شيوعا و تعارفا بين عامة الناس في بعض الفترات من الزمان، لاحتياج السقي فيها إلى مزاولة أعمال و إتعاب لا يحتاج الى مثلها في بلاد اخرى و في أزمنة أخرى، و لا بد في صحة هذه المعاملة من الإيجاب و القبول لأنها كما ذكرنا عقد من العقود.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 308

و يكفي في صحة الإيجاب و القبول فيها أن يقعا بأي لفظ يكون ظاهر الدلالة عند أهل اللسان على المضمون الذي يريده المتعاقدان، سواء كانت دلالته بنفسه أم بقرينة موجودة تحف بالمعاملة، و سواء أنشأ المتعاملان الإيجاب القبول بينهما بصيغة الفعل الماضي، أم بالفعل المضارع أم بفعل الأمر، أم بالجملة الاسمية، أم بغير اللغة العربية من اللغات الحية التي يحسنها الطرفان إذا هما قصدا إنشاء المعنى المقصود بها، فإذا قال مالك الأصول لعامل المساقاة: سلمت إليك هذه الأصول المغروسة أو ادفع لك هذه المغروسات لتسقيها و تتعهد أمرها بالرعاية و الإصلاح و العمل فيها حتى تثمر، و لك النصف من حاصل ثمرها، أو الثلث، أو غيرهما

من الحصص المشاعة إذا اتفقا عليها، أو قال له: اسق هذه الأصول المغروسة و تعهدها بالعمل فيها و في إصلاحها حتى تنتج و تثمر و لك نصف حاصلها، و قال العامل:

قبلت المساقاة منك بالحصة التي عينتها لي من الحاصل صحت المعاملة.

و كذلك إذا كان الإيجاب من عامل المساقاة فقال لمالك الأصول: تسلمت منك هذه المغروسات لا سقيها و اعمل لك فيها حتى تثمر، ولى النصف من حاصل ثمرها و قال المالك رضيت بذلك، و مثله ما إذا أنشأ أحدهما الإيجاب بلغة غير عربية و قبل صاحبه منه الإيجاب فتصح المعاملة و تنفذ، و يمكن أن ينشأ الإيجاب باللفظ و القبول بالفعل الدال على الالتزام و الرضا بما أنشأه الموجب، و يصح بعكس ذلك فينشئ للموجب العقد بالفعل الدال على إنشاء المعنى المقصود و يكون القبول باللفظ، و يكفى أن يكون إنشاء المعاملة بالمعاطاة من الجانبين، بعد أن يعينا قبلها ما يحتاجان الى تعيينه، و يذكرا ما يحتاجان الى ذكره من الشروط، ثم تجرى المعاملة بالمعاطاة مبينة على ذلك، و قد ذكرنا نظير هذا في عقد المزارعة.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 309

(المسألة 93):

يشترط في صحة المساقاة أن يكون كل من صاحب الأصول المغروسة و عامل المساقاة بالغا و أن يكون عاقلا، فلا تصح المعاملة إذا كان الطرفان فيها صبيين غير بالغين، أو مجنونين غير عاقلين، أو كان أحدهما كذلك، و يشترط في صحتها أن يكون كل من الطرفين قاصدا في إنشائه للمعنى المراد في العقد فلا تصح إذا كانا هازلين أو هازئين في قولهما أو فاقدين للقصد لسكر أو غضب شديد أو كان أحدهما كذلك، و يشترط في صحتها أن يكون كل من المتعاقدين فيها مختارا

غير مكره اكراها يسلب منه الاختيار، و ان لا يكونا محجورين لسفه يوجب عليهما الحجر في المال أو الحجر في مطلق التصرف أو يكون أحدهما كذلك، و أن لا يكون مالك الأصول محجورا عليه لفلس من المال، و لا يشترط ذلك في العامل فتصح مساقاته إذا كان مفلسا، و تلاحظ الايضاحات التي بيناها لهذه الشروط العامة في عقد المزارعة و في المعاملات الأخرى التي سبق منا ذكرها في هذه الرسالة و في كتاب الحجر منها.

(المسألة 94):

يشترط في صحة المساقاة بين الشخصين أن تكون الأصول التي يتفقان على سقايتها مملوكة لصاحبها بأعيانها و منفعتها أو مملوكة له منفعتها خاصة، أو يكون نافذ التصرف في الأصول أو في منفعتها بوكالة أو ولاية، أو بتولية مجعولة له من شخص نافذ التصرف فيها.

فلا تصح مساقاة الرجل إذا كان مالكا لأعيان الأصول المغروسة خاصة و كانت منفعة الأصول مملوكة لغيره بإجارة أو صلح أو هبة أو معاملة شرعية اخرى

كلمة التقوى، ج 5، ص: 310

تنقل المنفعة عن ملكه الى غيره، فإنه لا يقدر في هذه الصورة أن يجعل حصة من منفعة الأصول لعامل المساقاة.

و تصح مساقاة الرجل على الأصول إذا كان مالكا لمنفعتها خاصة بإجارة و شبها، فإذا ساقى عاملا عليها و في له العامل بالعقد استحق الحصة المجعولة له من حاصلها، و تصح المساقاة من الرجل إذا كان نافذ التصرف في الأصول أو في المنفعة كما ذكرنا و ان لم يكن مالكا لأعيانها، و مثال ذلك: أن يكون وكيلا عن المالك أو وليا عليه كالأب أو الجد أبى الأب على مال الطفل، و كالولي الشرعي على مال اليتيم أو المجنون أو السفيه، و كالمتولي المجعول على ارض الوقف و

الوصي على الثلث و الأرض الموصى بها، و لا تصح المساقاة إذا انتفى جميع ذلك.

(المسألة 95):

يشترط في صحة المساقاة أن تكون الأصول التي تجري المعاملة على سقايتها معينة في الخارج، فلا تصح المساقاة إذا كانت الأصول مرددة بين افراد متعدّدة منها من غير تعيين للأصول المرادة، و أن تكون معلومة عند المالك و العامل، فلا تصح المعاملة على سقي الأصول إذا كانت مجهولة عندهما أو عند أحدهما.

(المسألة 96):

يشترط في صحة المساقاة أن تكون الأصول التي تجري المعاملة على سقيها مغروسة في الأرض، فلا تصح المعاملة على فسيل نخيل أو ودى شجر أو قضبان و أعواد لم تغرس بعد في الأرض، قالوا: و لا تصح المساقاة على أصول غير ثابتة و ان كانت مزروعة ذات جذور نابتة في الأرض، كالبطيخ و الخيار و الباذنجان

كلمة التقوى، ج 5، ص: 311

و القطن و الفلفل و ما يشبه ذلك من المزروعات، و كأنهم (قدس الله أرواحهم) يريدون من الأصول الثابتة التي تقطع المساقاة عليها ما يسمى نخلا أو شجرا في نظر أهل العرف، و سنتعرض في ما يأتي لحكم هذه المزروعات الأخرى ان شاء الله تعالى، و تلاحظ المسألة المائة و السادسة، و المسألة المائة و التاسعة و ما بعدها.

(المسألة 97):

لا ينبغي الريب في أن سقى أصول النخيل و الشجر لا يمكن ضبطه عادة في زمان معين و أجل محدد منه حتى يلزم ذكره في عقد المساقاة و يجب تحديد أمده بين المتعاملين، و انما يدور ذلك مدار الحاجة إليه في وقته و في مقداره، فان من السقي ما يحتاج إليه في تثبيت الأصل بعد ما يغرس في الأرض، و في نموه بعد ذلك و في تتابع نموه حتى يشتد الأصل و يقوى، و من السقي ما يحتاج اليه لاثمار الأصول في مواقيت اثمارها و في تربية الثمر و تقويته في مواعيد ايناعه، و في انضاجه في وقت نضوجه، و كل ذلك يدور مدار الحاجة إليه في الوقت و في المقدار كما قلنا، و هي أمور تتبع العادة العامة المتبعة بين الناس و التعارف الجاري عند أهل المعرفة و الخبرة منهم و لهذا الذي بيناه

فيكفي في صحة المساقاة أن يعتمد المتعاقدان على هذه العادة الجارية بين عامة الناس و على تعارف أهل الخبرة منهم في تعيين أوقات السقي و مواعيد الحاجة اليه و مقاديره، و لا يفتقران الى تعيين مدة له أو مقدار.

و كذلك الأعمال الأخرى التي يلزم على عامل المساقاة أو على مالك الأصول أن يقوم بها في معاملة المساقاة، مثل تنقية مجاري الماء و كري النهر و شقه

كلمة التقوى، ج 5، ص: 312

إذا لم يكن مشقوقا في الأرض، و حفر البئر إذا لم تكن محفورة، و تلقيح ما يحتاج الى التلقيح من الثمر، و تجريد النخيل و الشجر من السحف و الأغصان اليابسة و مثل حراثة الأرض و تسميدها إذا احتاج نمو الأصول أو نماؤها الى ذلك، و ازالة ما في الأرض من نبات أو حشائش تضر بالأصول أو بالثمار، و إصلاح مواضع جمع التمر و تصفيته و تشميسه، و إعداده للقسمة أو للنقل و البيع و ما يشبه ذلك، فان مواقيت هذه الأعمال، و مقاديرها تدور مدار تحقق الحاجة إليها، و الرجوع فيها إلى العادة العامة، و الى نظر أهل الخبرة من الناس يغني عن تعيين مدة أو مقدار لها و سنتعرض ان شاء اللّه تعالى لذكر هذه الأعمال، و ما يجب على العامل منها، و ما يجب على المالك في بعض المسائل الآتية.

و نتيجة لما تقدم ذكره فيكفي في صحة المساقاة أن يعين المتعاملان في العقد بينهما مبدأ الشروع في سقي الأصول، و أن تجعل النهاية إلى أوان بلوغ الثمر فان بلوغ الثمر أمر تحدده العادة، و يكفي في تعيينه الرجوع الى أهل الخبرة فيتعين الأمد بذلك و تصح المعاملة، و هذا إذا كانت

المساقاة الجارية بين الطرفين لعام واحد.

(المسألة 98):

قد يتعلق غرض خاص لمالك الأصول أو لعامل المساقاة في أن يكون مبدأ الشروع في المساقاة بينهما في وقت مخصوص، و أن تكون نهاية العمل فيها في وقت مخصوص كذلك و يجب في مثل هذه الفروض على المتساقيين أن يعيّنا المدة المقصودة للطرفين في بدايتها و نهايتها، فإذا لم تعين المدة بطلت المساقاة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 313

فإن المفروض انهما لم يقصد اما هو المتعارف بين الناس.

و يجب أن تكون المدة التي تعين للمساقاة كافية لأن يظهر فيها ثمر الأصول و يبلغ أوانه بحسب العادة و لا تصح المساقاة إذا كانت المدة قصيرة لا تكفي لذلك و قد سبق نظير هذا في عقد المزارعة.

(المسألة 99):

يصح أن تعقد المساقاة بين الشخصين على سقي الأصول المعلومة و أخذ الحصة المعيّنة من ثمرها سنين متعددة، خمس سنين أو عشر سنين أو أقل من ذلك أو أكثر، و يجب تحديد عدد السنين التي تراد المعاملة عليها بينهما، بحيث تكون المدة مضبوطة لا تقبل الزيادة و النقصان، فيقول مالك الأصول للعامل مثلا: سلمت إليك هذه الأصول لتسقيها و تعمل فيها عمل المساقاة و تأخذ الربع من حاصل ثمرها مدة عشر سنين من هذا الوقت، أو يقول له: عاملتك على هذه الأصول لتسقيها و تتعهد أمرها من هذا الوقت إلى نهاية بلوغ الثمر فيها من السنة العاشرة، و لك الربع من حاصل ثمرها في كل عام من جميع هذه المدة، فإذا قبل العامل المساقاة على القيود المعينة في المدة المذكورة صحت المعاملة، و لزم على الطرفين الوفاء بها ما دامت المدة باقية.

(المسألة 100):

يظهر جليا من إطلاق بعض النصوص المعتبرة: أنه يجوز لصاحب الأصول أن يدفع أصوله و شجره إلى العامل ليسقيها و يعمل فيها ما تحتاج اليه من أعمال المساقاة و يأخذ الحصة المعينة له من حاصل ثمرها في كل سنة ما دامت الأصول باقية في يد العامل من غير أن يعين لبقاء الأصول في يده مدة محدودة من الأشهر أو

كلمة التقوى، ج 5، ص: 314

السنين، و هذا أيضا هو الغالب و المتعارف بين العقلاء عامة في مختلف الأقطار و البلاد، فإن المألوف و المعروف في ما بينهم جميعا أن أرباب البساتين و النخيل يعاملون الفلاحين عليها من غير تحديد لمدة المعاملة، فهم يدفعون نخيلهم و أشجارهم و بساتينهم و ضيعاتهم الى الأكارين و الفلاحين ليسقوها و يعملوا فيها و يأخذوا الحصص المعينة لهم

من حاصل ثمرها في كل عام، و إذا أخذها العامل منهم بقيت الأصول في يده يسقيها و يعمل فيها عمل المساقاة و يأخذ حصته المحددة له ما دامت في يده، من غير أن يعين المالك أو العامل لذلك مدة و أجلا.

و الذي يظهر من مجموع ذلك و من الإطلاقات الواردة في هذا المجال: أن المساقاة التي تكون بين المتعاملين في هذه الموارد تجرى بينهما على نحو الانحلال في عقد المساقاة ففي كل عام معاملة مستقلة، يلتزم المالك و عامل المساقاة بأحكامها و لوازمها إذا هما بقيا على جريان المعاملة بينهما، فإذا بدا لهما أو لأحدهما في ذلك فترك المساقاة بينه و بين صاحبه باختياره لم يلزمه القيام بلوازمها و أثارها فليست المساقاة الجارية بين الطرفين مساقاة واحدة مستمرة على الدوام ليجب الوفاء بها على الدوام كذلك.

(المسألة 101):

يشترط في صحة المساقاة التي تجري بين المتعاملين أن يكون السقي و العمل الذي يقوم به عامل المساقاة مما يجدي نفعا في تقويم الأصول المساقى عليها، أو في قوة نموها أو في كثرة الثمر أو في تحسينه، و قد سبقت الإشارة منا الى ذلك في المسألة السابعة و التسعين.

و نتيجة لهذا الشرط فتصح المساقاة إذا شرع العامل بالعمل في الأرض

كلمة التقوى، ج 5، ص: 315

و بسقي الأصول بعد غرس الأصول و قبل ظهور الثمر فيها و استمر بالعمل و السقي الى أن أدرك الثمر أوان بلوغه، و تصح المساقاة إذا ابتدأ به بعد أن ظهر الثمر في الأصول و قبل أن يبلغ و استمر به الى النهاية، و يشكل الحكم بصحة المساقاة إذا شرع العامل في السقي بعد أن بلغ الثمر مبلغه، و لم يبق من الأعمال التي

يحتاج إليها غير جذاذ التمر و قطف الثمر و تصفيته و تشميسه و حفظه و نحو ذلك و لا يترك الاحتياط في هذه الصورة بالرجوع إلى المصالحة و التراضي بين الطرفين.

(المسألة 102):

يشترط في صحة المساقاة أن تجعل في العقد لعامل المساقاة حصة معينة من حاصل ثمر الأصول، و المراد بذلك أن تجعل له من مجموع الحاصل حصة مقدرة بكسر معلوم: النصف منه أو الثلث أو غيرهما من الكسور المعلومة، فلا تصح المساقاة إذا جعل له مقدار خاص مائة منّ من الثمر مثلا ليكون ذلك المقدار نصيبه في المساقاة و يكون للمالك باقي الثمر، و يشترط في صحتها أن تكون الحصة المعيّنة للعامل مشاعة في جميع الثمر و يكون جميع الحاصل مشتركا على نحو الإشاعة بين الطرفين، فلا تصح المساقاة إذا عيّنت للعامل فيها ثمرة أشجار أو نخيل معلومة فكانت ثمار تلك الأشجار أو النخيل حصته في المساقاة و للمالك بقية الحاصل، و لا تصح المساقاة إذا جعل فيها جميع ما يحصل من ثمر، الأصول ملكا للمالك أو للعامل خاصة، و ان شرط عليه في العقد أن يدفع لصاحبه مبلغا معينا من المال، من جنس الحاصل أو من غيره.

(المسألة 103):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 316

يجوز أن تجرى معاملة المساقاة بين الرجلين على الوجه الصحيح الذي ذكرناه فيكون حاصل الثمر مشتركا بين الطرفين، و تكون للعامل منهما حصته المعينة له المشاعة من الحاصل، و يشترط مالك الأصول أو عامل المساقاة في ضمن العقد أن يختص بأشجار أو نخيل معلومة من الأصول المساقى عليها فيكون ثمرها له خاصة، و يكون الاشتراك بين الجانبين و الحصة لصاحبه في بقية الثمر فتصح المعاملة و ينفذ الشرط إذا قبل به الطرفان.

و يجوز لأحدهما أن يشترط لنفسه في ضمن العقد أن يكون له مقدار معلوم من المال من جنس الحاصل أو من غير جنسه يختص بهذا المقدار دون صاحبه و يكون الاشتراك بينه

و بين صاحبه في الباقي بعد إخراج ذلك المقدار، و يقسم عليهما بحسب الحصة المعيّنة، فتصح المعاملة كذلك، و ينفذ الشرط إذا قبل به الطرفان و هذا إذا علم أن الثمر أكثر من المقدار الذي عيّنه المشترط منهما لنفسه بحيث تبقى بعد إخراجه بقية يشترك فيها الطرفان و يقتسم بينهما بحسب الحصة المعينة في العقد.

(المسألة 104):

سبقت الإشارة منا في المسألة السابعة و التسعين إلى أعمال كثيرة يحتاج إليها في إصلاح النخيل و الأشجار و البساتين لتنمية الأصول المغروسة في الأرض و تقوية نموّها، و زيادة ثمرها و تحسينه و صيانته من الآفات المضرّات، و حفظه من السراق و مؤثرات البيئة من حرّ و برد و مطر و رطوبة و غير ذلك، حتى يستكمل الغاية المطلوبة من المساقاة، غير سقي الأصول بالماء و تعهّدها بالري الكامل حتى تثمر و تنتج.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 317

فمن الاعمال ما بعد من شؤون السقي و مقدماته، مثل حفر البئر في الأرض أو استنباط العين فيها أو إخراج البئر الارتوازى، و شق النهر أو القناة و اعداد السواقي و المجاري للماء، و مثل جعل الناعور و الدولاب و اعداد الحبال و الدلاء و الدواب، أو نصب المكائن التي تجذب الماء، و مثل بناء الحياض و المخازن التي يجتمع فيها الماء ثم يقسم على أبعاض الأرض و أطرافها ليعم الأصول التي يجب سقيها.

و من الأعمال ما يعدّ من توابع السقي و متمماته مثل تنقية السواقي التي توصل الماء إلى الأصول، أو تخرج الفضلات و الاملاح عنها بعد السقي، و مثل كري النهر و تعمير البئر و العين إذا احتاجا إلى الإصلاح و التعمير.

و منها ما يكون لغير ذلك مثل تسوير الضيعة

و البستان، و حراثة الأرض و تمهيدها لتثبت فيها الجذور و الغراس، و تسميدها و ازالة الحشائش و النبات الغريب الذي يضر بالأرض أو بالأصول، و مكافحة الآفات و الطواري التي تقلل الثمر أو تتلفه أو تضعفه، و مثل اعداد مواضع التشميس للثمر الذي يحتاج الى التشميس، و التصفية و التنقية من الحشف أو الثمار المتغيرة أو المتعفنة أو المعيبة و تهيئة أماكن الحفظ للثمار من السرقة و من طوارئ الحر و البر و المطر و غيرها حتى تتم قسمتها أو نقلها و بيعها.

و لا بد من النظر و الملاحظة في هذه الأعمال التي ذكرناها، فان ثبت في بعضها اعتياد عام بين العقلاء و أهل العرف من البلد، أو تعارف يوجب الانصراف في العقد، و يعين بموجبه أن ذلك العمل مما يلزم على المالك خاصة أن يقوم به أو مما يلزم على العامل خاصة وجب اتباع هذا الانصراف في عقد المساقاة و كان

كلمة التقوى، ج 5، ص: 318

قرينة عامة على ارادته و لزومه، و ان لم يثبت الانصراف المذكور وجب على المتعاملين أن يعيّنا في ضمن العقد بينهما ما على المالك من هذه الاعمال و ما على العامل، و إذا لم يعيّنا شيئا بطلت المساقاة.

(المسألة 105):

تصح المساقاة بين المالك و العامل على أشجار لا تنتج ثمرا إذا كانت الأشجار مما ينتفع بورقه انتفاعا يعتد به بين الناس، و ينتج حاصلا يرغب فيه العقلاء كشجر الحناء، و كالتوت الذكر يطلب و رقه ليأكله دود القز، و كشجر الورد ينتفع بورده فيصعّد منه ماء الورد و يستخرج منه عطر الورد، و يطلب لغير ذلك من الغايات، و كبعض الأشجار التي يستحضر من ورقها أو من زهرها

أو من حبّها بعض الأدوية النافعة في علم الصيدلة لعلاج بعض الأمراض، فإذا شاعت و تعارف استعمالها لذلك، حتى أصبح نتاجا لها و حاصلا متعارفا بين أهل البلاد صحت المساقاة على تلك الأشجار لتلك الغايات.

و لا تصح المساقاة على أشجار لا ثمر لها و لا ينتفع منها بورق و لا ورد و لا غيره، كشجر الخلاف و الصفصاف و الأثل و ما يشبهها.

(المسألة 106):

يشكل الحكم بجريان عقد المساقاة المصطلحة بين الفقهاء (قدس اللّه أنفسهم) على سقي أصول غير ثابتة في نظر أهل العرف و ان كان مزروعة نابتة الجذور في الأرض كالبطيخ و الخيار و اليقطين و الباذنجان و الفلفل و القطن و ما يشبه ذلك، و ان كان القول بجريان المساقاة فيها لا يخلو من قرب، و الأحوط للمتعاقدين إذا أرادا اجراء المعاملة في مثل هذه المزروعات أن ينشئاها على انها

كلمة التقوى، ج 5، ص: 319

معاملة مستقلة غير المساقاة و المعاملات الأخرى، فتشملها العمومات على الأصح و يجب الوفاء بها.

(المسألة 107):

يجوز إنشاء عقد المساقاة على أشجار أو نخيل غير محتاجة إلى سقي من العامل أصلا لأنها تكتفي من الري بماء السماء، أو بمصّ جذورها مما ينز من مياه الأرض أو من الأنهار القريبة أو بارتفاع مدّ الماء إذا كانت في بلاد يتعاقب فيها المدّ و الجزر، و لكنها تحتاج الى تعهد بأعمال أخرى من أعمال المساقاة تزيد في نمو الأصول أو في ثمرها أو غير ذلك مما تحتاج إليه الأصول عادة، فإذا أوقع المالك مع العامل عليها عقد المساقاة لذلك صح العقد، و وجب على العامل أن يقوم بالأعمال التي تحتاج إليها حسب ما يشترطه المالك عليه أو حسب ما تلزم به العادة المتبعة في البلد، فإذا قام بذلك استحق الحصة المعيّنة له من الحاصل و أن لم يسق الأصول بالماء حتى مرة واحدة و تراجع المسألة المائة و الثانية و العشرون.

(المسألة 108):

لا يعتبر في صحة المساقاة أن تكون الأصول المساقى عليها مما تثمر بالفعل، فإذا غرس المالك في أرضه فسيل نخيل أو ودى شجر، و ثبتت جذورها في الأرض صح له أن يعامل أحدا على سقيها و العمل فيها حتى تنمو و تثمر، و يجب في هذا الفرض أن يجعل للمساقاة عليها مدة معلومة تكون فيها الأصول مثمرة بالفعل، فيعين للمساقاة على فسيل النخيل مدة ست سنين أو أكثر و يعين للمساقاة على ودي الشجر مدة تكفى لذلك، و لا تصح المساقاة إذا لم تعيّن لها مدة، أو كانت المدة التي عينها قليلة لا تكفى لذلك، و إذا عيّن لها مدة كافية صحت المساقاة، و ان

كلمة التقوى، ج 5، ص: 320

اتفق أن الأصول لم تثمر في تلك المدة الإمرة واحدة، و الظاهر عدم

الصحة إذا اتفق أنها لم تثمر في المدة حتى مرة واحدة.

(المسألة 109):

لا تصح المساقاة على فسيل نخيل أو ودى شجر لم يغرس بعد في الأرض و ان عينت للمعاملة عليه مدة طويلة تكفى عادة لغرس الفسيل و الودي و لنموه و اثماره، إذا أوقع المعاملة عليها كانت باطلة.

و إذا دفع مالك النخيل أو البستان نخيله أو شجره الثابتة الموجودة بالفعل الى عامل ليسقيها له و يعمل فيها بحصة معلومة من حاصل ثمرها صحت المساقاة على الأصول المعلومة الثابتة بالفعل، فإذا كان للنخيل و الشجر المدفوع إليه فسيل أو ودي لم يغرس بعد لم تشمله مساقاة أصوله، و إذا غرسه العامل أو المالك حتى ثبت في الأرض أمكن للمتعاقدين أن يجريا على هذا الغراس مساقاة أخرى تختص به، و أمكن لهما أن يتقايلا فيفسخا معاملتهما الأولى، و ينشئا مساقاة جديدة تشمل الجميع.

و إذا كانت المساقاة الأولى التي أنشئت بينهما كانت على سقي الأصول الثابتة في البستان، و لم يقيدها بالموجودة منها بالفعل شملت المساقاة الأولى هذه الأصول الجديدة، بالتبع بعد غرسها، و ثباتها فيجب على العامل سقيها و يستحق الحصة من حاصلها مع بقية حاصل البستان.

(المسألة 110):

يصح للمالك و العامل أن ينشئا ما بينهما في الفسيل و الودي الموجود غير المغروس معاملة مستقلة عن سائر العقود و المعاملات، يلتزم العامل فيها للمالك

كلمة التقوى، ج 5، ص: 321

بان يغرس له الفسيل و الودي في أرضه و يسقيه حتى يثبت و يؤتي ثمره، و تكون للعامل حصة معلومة من حاصل ثمره، و يتم على الإيجاب و القبول من المتعاقدين، فتصح هذه المعاملة و يلزمها الوفاء بها، و لا تكون من المساقاة المصطلحة بين الفقهاء.

(المسألة 111):

إذا كانت الأرض أو البستان الذي يملكه الرجل يحتوي على أنواع عديدة من الأصول المغروسة، ففيه النخيل و فيه الكرم و شجر الرمان و التفاح و بعض الفواكه الأخرى، جاز لمالك البستان أو الأرض أن يساقي العامل على سقي جميع ما فيه من النخيل و الأشجار المختلفة و يجعل له في عقد المساقاة حصة معينة واحدة من حاصل جميع ما ينتجه البستان من مختلف أنواع الأصول و الشجر فيه، فيقول للعامل: سلمت إليك هذا البستان لتسقى ما فيه من النخيل و الأشجار المختلفة و تقوم فيه بعمل المساقاة الذي يحتاج إليه عادة، و لك الربع مثلا من جميع ما تنتجه النخيل و الشجر من التمر و الثمار المختلفة، فإذا قبل العامل إيجابه صحت المساقاة و لزم الطرفين الوفاء بها.

و لا يشترط في هذه الصورة أن يعلم العامل و لا المالك بمقدار كلّ نوع من الأنواع الموجودة في البستان على الانفراد، و لا يشترط فيها أن يعلم بعدد ما في البستان من النخيل و الشجر الذي تجرى المعاملة و استحقاق الحصة من نتاجه، بل يكفي في الصحة أن يكون الجميع مشاهدا معلوما على وجه الاجمال لكل من الجانبين.

(المسألة 112):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 322

و يصح لمالك البستان الذي ذكرناه في المسألة الماضية أن ينشئ العقد مع عامل المساقاة على سقى جميع أصوله و تعهدها بالأعمال التي تحتاج إليها في مثل هذه المساقاة و تعين له حصصا مختلفة باختلاف الأنواع الموجودة في البستان، فيقول له: اسق نخيل هذا البستان، و أشجاره الموجودة فيه و تعهد أمرها بما تحتاج اليه من الأعمال و الرعاية، و لك الربع من ثمر النخيل، و الثلث من حاصل العنب، و النصف من

الرمان و بقية الفواكه الموجودة في البستان، فتصح المعاملة على ذلك إذا قبلها العامل، و الظاهر أنه يشترط في صحة المساقاة في هذه الصورة أن يعلم الطرفان بمقدار كلّ نوع من الأنواع الموجودة في البستان على انفراده و لا يكفي أن يعلم بمقدار الجميع.

(المسألة 113):

يجوز لمالك الأصول أن يساقى العامل على احد وجهين معلومين ليختار العامل أي الوجهين أراده، و يجعل له حصة معيّنة من الحاصل إذا اختار أحد الوجهين، و يجعل له حصة معينة غيرها أقلّ من الأولى أو أكثر إذا هو اختار الوجه الثاني، فيقول للعامل: عاملتك على أن تسقي هذه الأصول و تعمل في سقايتها و رعايتها بما تحتاج اليه من الأعمال المطلوبة عادة في المساقاة، فإن سقيتها بالناضح أو بالمكينة فلك النصف تاما مما تنتجه الأصول من الحاصل و الثمر، و ان سقيتها سيحا فلك الثلث فقط من الحاصل، فإذا قبل العامل منه ذلك صح العقد و تخير بين الوجهين المذكورين فإذا سقى الأصول على الوجه الأول استحق النصف من الحاصل، و إذا سقاها على الوجه الثاني استحق الثلث منه، و يكون ذلك من الأمر على وجه التخيير، فيلتزم عامل المساقاة للمالك بأن يأتي له بأحد

كلمة التقوى، ج 5، ص: 323

الفردين، و يلتزم مالك الأصول للعامل بالحصة التي عيّنها له على الفرد الذي يختاره منهما، و لا يكون ذلك من العقد على أمر مردد فيكون باطلا كما يراه بعض الأكابر، و قد سبق نظير هذا في كتاب الإجارة.

(المسألة 114):

يصح أن يكون مالك الأصول في عقد المساقاة واحدا و يكون العامل متعددا، فيقول المالك للعاملين: اسقيا لي هذه الأصول و اعمل فيها بما يصلحها و يثمرها و يصلح ثمرها على ما جرت به العادة بين عمال المساقاة، و لكما الربع مثلا من جميع ما يحصل من ثمرها، ولي ثلاثة أرباعه فإذا قبل العاملان منه إيجابه صح العقد و لزم الجميع الوفاء به، سواء اتفق العاملان بينهما على أن يقتسما الحصة التي عيّنها المالك لهما و

هي الربع بالتساوي فيكون لكل واحد منهما نصف الحصة و هو ثمن الحاصل، أم اتفقا على أن يقتسما الحصة، بينهما بالتفاوت و سواء علم المالك بمقدار ما يأخذه كل واحد منهما من حصة العامل أم لم يعلم فتصح المساقاة و يلزم الوفاء بها بعد أن علم الجميع بمقدار حصة العاملين معا و بمقدار حصة المالك من مجموع الحاصل، و كذلك إذا جعل للعاملين الثلث أو النصف أو غير ذلك من الحصص و له الباقي فيتبع ما عين في العقد.

(المسألة 115):

إذا ساقى مالك الأصول على نخيله و شجره عاملين كما فرضتا في المسألة السابقة و اتفق المالك مع العاملين على أن يختص أحدهما ببعض أعمال المساقاة فيأتي به مستقلا عن صاحبه و ينفرد العامل الثاني بالأعمال الأخرى منها أو يشترك فيه مع الأول، وجب أن يذكر ذلك في ضمن العقد، و إذا عيّنه كذلك وجب اتباعه

كلمة التقوى، ج 5، ص: 324

حسب ما عين و اشترط، و إذا ذكر الأعمال و لم يشترط عليهما الانفراد أو الاشتراك فيها جاز للعاملين أن يقتسما العمل بينهما حسب ما يريدان، سواء علم المالك بذلك أم لم يعلم.

(المسألة 116):

يمكن أن يتعدد المالك للأصول و يتحد العامل في المساقاة، و مثال ذلك أن تكون النخيل و الشجر في الضيعة أو البستان مملوكة لشريكين أو أكثر، فيساقون على أصولهم المشتركة بينهم عاملا واحدا، فيقول له أحد الشركاء فيها بالأصالة عن نفسه و بالوكالة عن شركائه أو يقول له الوكيل عنهم: اسق هذه الأصول الثابتة و قم بأعمال المساقاة فيها و في الأرض، و لك الربع مثلا من جميع ما تنتجه الأصول من الثمر، فإذا قبل العامل إيجابه صحت المعاملة و تثبت له الحصة المعينة سواء تساوى الشركاء في مقدار ما يملكونه من الأصول أم تفاوتوا فيه، و لا يشترط في صحة المساقاة في هذه الصورة أن يعلم العامل بمقدار ما لكلّ واحد من الشركاء في الأصول.

و يجوز أن تختلف الحصة التي تجعل للعامل باختلاف الشركاء فيقول الشريك للعامل: اسق هذه الأصول المشتركة بيني و بين زيد و قم بأعمال المساقاة فيها، و لك الثلث من حاصل الثمر مما أملكه انا من هذه الأصول، و لك الربع فقط من حاصل الثمر في

حصة زيد منها، فإذا قبل العامل منه الإيجاب صحت المعاملة و نفذت، و يشترط في صحة المعاملة في هذه الصورة أن يكون العامل عالما بمقدار ما يملكه كلّ واحد من الشريكين في الأصول، فإن المفروض ان حصة العامل من الثمر تختلف باختلاف مقدار حصتي المالكين من الأصول و هذا واضح.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 325

(المسألة 117):

يصح أن يتعدد مالك الأصول المساقى عليها بأن تكون مشتركة بين مالكين أو أكثر، و أن يتعدد عامل المساقاة كذلك، فيساقى الشريكان في الأصول عاملين أو أكثر فيقول احد المالكين على النهج الذي قدمنا ذكره للعاملين: اسقيا هذه الأصول المشتركة ما بيننا و تعهّدا أمرها بالأعمال التي تحتاج إليها المساقاة عادة، و لكما الربع أو الثلث من حاصل الأصول و ثمرها، فتصح المساقاة و تلزم، إذا قبل العاملان إيجاب الموجب و تجري فيها الفروض و الأحكام التي فصلناها في المسائل المتقدمة قريبا.

(المسألة 118):

يشترط في صحة المساقاة أن تكون الأصول المساقى عليها قابلة للاثمار و الإنتاج، فلا تصح المساقاة عليها إذا كانت غير قابلة لذلك لطول بقاء أو جفاف عروق أو يبس أغصان، أو لغير ذلك من موانع الإنتاج، سواء كانت غير قابلة له من أول الأمر و من حين اجراء العقد، أم عرض ذلك لها في أثناء مدة المساقاة فأصبحت غير صالحة، و هذا إذا لم يمكن علاجها و إصلاحها حتى ينتفع بها، فإذا أمكن ذلك صحت المساقاة عليها، و اتبع الشرط بين المتعاقدين في لزوم العلاج و الإصلاح على المالك أو العامل.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 326

الفصل الخامس في أحكام عقد المساقاة
(المسألة 119):

المساقاة عقد من العقود اللازمة فلا يبطل و لا ينفسخ إذا تم إنشاؤه و اجتمعت شروط الصحة فيه، الا إذا اتفق المتعاقدان، فأقال أحدهما صاحبه، أو ثبت لواحد منهما أو لكليهما خيار الشرط، فيجوز لمن ثبت له الخيار أن يأخذ بحقه، فيفسخ العقد في الوقت الذي شرط لنفسه فيه الخيار، أو عند حصول الشي ء الذي اشترط لنفسه الخيار عند حصوله، أو كان له خيار الفسخ شرعا لتخلف شرط قد اشترطه في ضمن العقد على صاحبه، أو لوجود غبن عليه في المعاملة الجارية بينهما، أو لسبب أخر من موجبات الخيار شرعا حسب ما فصلناه في مبحث الخيارات من كتاب التجارة، و تبطل أيضا عند طروء مانع عام يوجب عدم القدرة، و قد تقدم ذكر هذه الموجبات للبطلان أو الفسخ في أكثر العقود اللازمة التي ذكرناها في هذه الرسالة، فليرجع إليها من يريد المزيد من التوضيح.

(المسألة 120):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 327

إذا جرى عقد المساقاة بين مالك الأصول و عامل المساقاة على الوجه التام وجب عليهما الوفاء بالعقد حسب ما حصل عليه الاتفاق بينهما، و لزم على العامل أن يقوم بالعمل من سقى للأصول و غيره، و لا يتحتم عليه أن يتولى القيام بالأعمال اللازمة في المعاملة بنفسه، فيصح له أن يستأجر أجيرا لسقي الأصول لبعض الاعمال اللازمة الأخرى من تلقيح ثمرة و جذاذ تمر و قطف فاكهة و نحو ذلك، بل و يجوز له ان يستأجر من يقوم بجميع أعمال المساقاة و إذا استأجر من يقوم له ببعض الأعمال أو بجميعها، فالأجرة عليه لا على مالك الأصول، و هو واضح.

و إذا اشترط المالك على العامل أن يتولى بعض الأعمال المعينة بنفسه بنحو المباشرة، أو اشترط عليه

أن يتولى جميع أعمال المساقاة كذلك، وجب على العامل أن يفي بما شرط عليه، و لم يجز له أن يستأجر غيره أو يستنيبه للعمل الذي شرط عليه المباشرة فيه.

(المسألة 121):

إذا تبرع رجل عن عامل المساقاة فقام بسقي النخيل و الشجر و أتى بأعمال المساقاة اللازمة على العامل، و قصد بفعله التبرع للعامل بفعل ما وجب عليه، كفى ذلك في وفاء العامل بالعقد و استحق بفعل المتبرع الحصة التي عيّنها له المالك من الثمر، إلا إذا كان المالك قد اشترط على العامل أن يتولى السقاية و العمل بنفسه، فلا يكفيه تبرع ذلك الشخص مع هذا الشرط.

و كذلك إذا أتى ذلك الشخص الثالث بعمل المساقاة لنفسه و لم يقصد بفعله التبرع عن العامل، فلا يستحق العامل الحصة بذلك، و لا يستحقها الشخص الثالث و كذا إذا قام الشخص الثالث بالعمل و قصد به التبرع لمالك الأصول بسقي نخيله

كلمة التقوى، ج 5، ص: 328

و شجره و العمل فيها لبعض الغايات و الأغراض الخاصة، فلا يستحق العامل الحصة المعيّنة له في عقد المساقاة و لا يستحقها ذلك الشخص الثالث المتبرع.

(المسألة 122):

إذا دفع المالك نخيله و شجره إلى العامل ليسقيها بالماء حتى تثمر، و عيّن له بذلك حصة خاصة من حاصل ثمرها، و لم يذكر في العقد أي عمل أخر غير السقي من أعمال المساقاة و لم توجد قرينة خاصة و لا عامة على إرادة شي ء من هذه الأعمال، ثم اتفق أن استغنت الأصول عن سقاية العامل مطلقا، فقد اكتفت عنها بماء المطر الغزير، أو بجريان بعض العيون الدافقة أو بماء المدّ، فلم يسقها العامل ابدا حتى أثمرت، لم يستحق العامل الحصة التي عيّنت له من حاصلها، فإنه لم يسق الأصول، و لم يأت بشي ء من عمل المساقاة كما فرضناه، و ان هو أتى بشي ء من الاعمال فهو متبرع به لا يستحق عليه حصة بمقتضى عقد المساقاة، و

تلاحظ المسألة المائة و السابعة.

(المسألة 123):

إذا وقع الاتفاق بين الشخصين على المساقاة و جرى العقد بينهما على الوجه الجامع لشرائط الصحة ثبت العقد و لزم الوفاء به، و لم يبطل بموت أحد المتعاقدين، بل يقوم وارث الميت منهما مقام مورثه في تطبيق الاحكام على النهج الذي يأتي تفصيله.

فإذا مات مالك الأصول و بقي العامل وجب على ورثة المالك الميت أن يمكّنوا العامل من الأصول المساقي عليها ليقوم بعمل المساقاة فيها من سقاية و رعاية و لا يجوز لهم منعه من ذلك فإذا قام بالعمل و أثمرت الأصول استحق

كلمة التقوى، ج 5، ص: 329

العامل حصته المعينة له من حاصل الثمر، فإذا طلب منهم قسمة الحاصل قاسموه و دفعوا له حصته.

و إذا مات عامل المساقاة و بقي مالك الأصول قام وارث العامل الميت مقام مورثه، فإذا اختار أن يقوم بعمل المساقاة بنفسه بعد موت مورثه جاز له ذلك و أتم مالك الأصول معه معاملة المساقاة، و إذا اختار وارث العامل أن يستأجر شخصا غيره ليقوم بالعمل جاز له ذلك، و لم يجبره مالك الأصول على أن يعمل فيها بنفسه فإذا استأجر أجيرا و قام الأجير بالعمل حتى أتمه صح ذلك و لزمته الأجرة في ماله و استحق الحصة المعيّنة في عقد المساقاة لمورثه.

و إذا امتنع وارث العامل بعد موت مورثه فلم يعمل بنفسه و لم يستأجر أجيرا ليعمل عنه، قام الحاكم الشرعي بما يلزم فاستأجر من تركة العامل الميت أجيرا يقوم بالعمل في الأصول المساقى عليها حتى يبلغ الثمر، فإذا أتم الأجير عمله تولى الحاكم قسمة الحاصل بين مالك الأصول و وارث العامل و دفع لكل واحد منهما حصته.

(المسألة 124):

إذا مات عامل المساقاة و كان مالك الأصول قد اشترط على العامل

في ضمن العقد الجاري بينهما أن يتولى عمل المساقاة بنفسه، فان كان اشتراطه لذلك بنحو التقييد للمساقاة و وحدة المطلوب فيها بطلت المساقاة بموت العامل، فان وارث العامل لا يقدر على تأدية عمل المساقاة بنفسه و لا باستئجار غيره بسبب القيد المذكور.

و ان كان اشتراطه لذلك بنحو تعدد المطلوب تخير مالك الأصول بعد موت

كلمة التقوى، ج 5، ص: 330

العامل بين أن يفسخ المعاملة لتخلف شرطه فإذا فسخها بطلت و ارتفعت لوازمها و أحكامها، و أن يسقط حقه من الشرط المذكور و يرضى من وراث العامل بان يتولى عمل المساقاة بنفسه أو يستأجر أجيرا يقوم به، و ليس للمالك أن يجبر الوارث على أحدهما، بل يكون مخيرا بينهما.

(المسألة 125):

إذا شرط المتعاملان في عقد المساقاة أن تكون جميع الاعمال فيها على مالك الأصول من سقى و غيره و لا شي ء منها على العامل فلا ريب في بطلان هذه المعاملة من أصلها، فإن العامل في هذا الفرض لا يقوم بأي عمل حتى يستحق عليه حصة من الثمر و إذا قام بشي ء منها فهو متبرع بفعله لا يستحق عليه عوضا.

(المسألة 126):

إذا شرط المتعاقدان في المساقاة بينهما أن يقوم العامل ببعض الأعمال المعيّنة و كانت الأعمال التي اشترطت عليه مما توجب الزيادة في مقدار الثمر أو مما توجب صلاح الثمرة و تحسينها، و أن يكون باقي الأعمال كلّها على مالك الأصول، فالظاهر صحة المعاملة و نفوذها فيجب على كل واحد من المتعاقدين أن يفي بما شرط عليه، و إذا قام العامل بما شرط عليه من الأعمال استحق حصته المعيّنة له من الحاصل.

(المسألة 127):

إذا شرط المتعاقدان في المعاملة الجارية بينهما على العامل أعمالا خاصة و كانت الأعمال المشترطة عليه لا توجب زيادة في مقدار الثمر و لا صلاحا أو حسنا فيه، مثل جذاذ الثمر و قطف التمر و جمعه و حفظه من السّراق حتى تتم

كلمة التقوى، ج 5، ص: 331

قسمته و نقله، و أن تكون بقية الأعمال كلها على مالك الأصول، حتى الأعمال التي تزيد في الثمر و في صلاحه و في نمو الأصول و ثباتها، أشكل الحكم بصحة المساقاة في هذه الصورة، و لا يترك الاحتياط بالرجوع فيها إلى المصالحة و التراضي بين الطرفين، و كذلك إذا وقعت المساقاة بين الطرفين بعد أن إدراك الثمر في الأصول و تم بلوغه، و لم يبق من الأعمال للعامل الا مثل جذاذ التمر و قطف الثمار و جمع الحاصل و حفظه فلا يترك الاحتياط الذي ذكرناه في الفرض السابق.

(المسألة 128):

إذا شرط مالك الأصول على عامل المساقاة في ضمن العقد أن يأتي ببعض الأعمال المعيّنة، و كان شرطه عليه بنحو تعدد المطلوب في المعاملة و ليس على نحو التقييد فيها، ثم ترك العامل ذلك العمل الذي شرطه المالك عليه، جاز للمالك إجبار العامل على الإتيان به إذا كان وقت العمل لا يزال باقيا و لم يفت، فان لم يستطع إجباره على فعله، أو كان العمل قد فات وقته، جاز للمالك أن يفسخ عقد المساقاة لتخلف الشرط الذي أخذه على العامل، و لا يحق للمالك أن يترك فسخ المعاملة و يطالب العامل بأجرة ذلك العمل الذي تركه، سواء كان العمل الذي اشترطه المالك مما يتعلق بالمساقاة، كما إذا اشترط عليه أن ينظف السواقي التي يجرى فيها الماء إلى الأصول، أو يكافح

بعض الآفات التي تضرّ بالثمر، أم كان العمل زائدا لا يتعلق بالمساقاة نفسها، كما إذا شرط عليه أن يخيط له ثوبا أو يصوم عن أبيه أياما، و سنتعرض لحكم المساقاة إذا خالف العامل فترك بعض قيودها و الأعمال المعتبرة فيها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 332

(المسألة 129):

إذا اشترط العامل في ضمن عقد المساقاة أن يكون جميع ما يحصل من ثمر الأصول للعامل نفسه و لا يكون منه لمالك الأصول شي ء كانت المعاملة باطلة و كان جميع الثمر و النتاج لمالك الأصول، لأنه نماء ما يملكه فيكون تابعا له، و إذا قام العامل بعمل المساقاة أو ببعضه استحق أجرة المثل بمقدار ما عمل.

و كذلك إذا اشترط في العقد أن يكون جميع الحاصل من الثمر لمالك الأصول، و لا يكون لعامل المساقاة منه شي ء، فتبطل المساقاة بهذا الشرط و يكون الحاصل كله لمالك الأصول لأنه نماء ما يملكه فيكون تابعا له كما قلنا، و ليس ذلك للعمل بالشرط، و الظاهر ان العامل في هذه الصورة لا يستحق شيئا على عمله، فإنه قد دخل في المساقاة و قام بالعمل على شرط أن لا تكون له حصة فهو كالمتبرع بعمله، و لا ينبغي ترك الاحتياط بالرجوع إلى المصالحة و التراضي بين الطرفين.

(المسألة 130):

يجوز أن يشترط في عقد المساقاة أن يكون لمالك الأصول مقدار معلوم من الذهب أو الفضة أو غيرهما زائدا على حصته المعينة له في المعاملة من حاصل الثمر، و يجوز أن يشترط ذلك لعامل المساقاة، فإذا اشترط مالك الأصول ذلك لنفسه و قبل العامل بشرطه، أو شرطه العامل لنفسه و قبل به المالك صح الشرط و وجب الوفاء به.

قالوا: و يكره أن يشترط المالك لنفسه على العامل شيئا من الذهب أو الفضة و لم يدل على كراهة ذلك دليل سوى ما نقله بعضهم من الإجماع عليها، و على أي حال فلا كراهة في أن يشترط المالك لنفسه شيئا غير الذهب و الفضة، و لا كراهة في

كلمة التقوى، ج 5، ص: 333

أن يشترط

العامل لنفسه ذهبا أو فضة أو غيرهما على مالك الأصول.

(المسألة 131):

إذا اشترط مالك الأصول لنفسه على العامل أن يكون له من الحاصل مقدار من الذهب أو من الفضة أو من غيرهما زائدا على ما يستحقه من الحصة المعينة له في عقد المساقاة، أو اشترط العامل لنفسه مثل هذا الشرط على مالك الأصول، ثم اتفق أن حالت الأصول كلّها في ذلك العام فلم تخرج ثمرا أصلا، بطل عقد المساقاة الواقع بينهما من أصله، و سقط الشرط الذي شرطه المالك أو العامل، فقد ظهر أنه شرط وقع في ضمن عقد فاسد، فلا يجب الوفاء به، و إذا اشترط أحد المتعاقدين ذلك الشرط في ضمن العقد، ثم اتفق أن حال بعض الأصول المساقى عليها: نصفها أو ثلثها أو ربعها مثلا فلم يثمر شيئا في ذلك العام، بطلت المساقاة بين المتعاقدين في ذلك البعض الذي لم يثمر، و صحت و لم تبطل في البعض لآخر الذي أثمر فيستحق كل واحد من المالك و العامل حصته المعيّنة له من ثمرة ذلك البعض.

و الظاهر أن شرط المقدار من الذهب أو الفضة للمالك أو العامل يسقط في هذه الصورة أيضا كما سقط في الصورة السابقة، فلا يستحق المشترط شيئا من المقدار لا من البعض الحائل من الشجر و لا من البعض الذي أثمر، فان المنصرف اليه من مثل هذا الشرط أن الشارط انما يشترطه في المعاملة الجارية في جميع الأصول، و لا يجري في المعاملة المبعضة التي يبطل بعضها و يبقى بعضها.

و إذا كان الحائل من الأصول قليلا لا يعتنى به عند العقلاء لقلته كالشجرة الواحدة و الشجرتين، بل و الثلاث و الأربع من الشجر الكثير المثمر في البستان الكبير لم تبطل

به المساقاة، و لم يسقط الشرط فان من المعتاد و المتعارف أن تحيل

كلمة التقوى، ج 5، ص: 334

الشجرة و الشجرتان و الثلاث من مجموع الشجر الكثير فلا تثمر، و لا يضر عدم اثمارها في صحة عقد المساقاة.

(المسألة 132):

إذا شرط مالك الشجر لنفسه على عامل المساقاة أن يكون له مقدار من المال زائدا على حصته في المعاملة، أو شرط العامل ذلك لنفسه على المالك كما فرضنا في المسألة السابقة و ظهر الثمر في الشجر تاما، ثم اتفق بعد ذلك أن تلفت الثمرة كلها و لم يبق منها شي ء، لم يبطل عقد المساقاة بتلفها بعد ظهورها، فان العامل قد ملك حصته من الحاصل بظهور الثمرة و سيأتي توضيح ذلك قريبا ان شاء اللّه تعالى و كذلك حصة مالك الأصول من الثمرة، فقد تعينت له بالظهور، و بذلك تصح المعاملة و تتم المعاوضة، و التلف الذي يحدث بعد ذلك يطرأ على كل من حصة العامل و حصة المالك بعد أن ملكها صحبها الذي عيّنت له في العقد، و يكون تلف كل حصة منهما من مال صاحبها، و لا سبب يوجب فساد العقد، و إذا صح العقد كما بيّنا صح الشرط الواقع في ضمنه و وجب الوفاء به، و يستثنى من ذلك ما إذا كان الشارط منهما أو صاحبه قد قيّد الشرط بما إذا سلمت الثمرة كلها و لم يتلف منها شي ء، فيجب في هذه الصورة أن يتبع الشرط حسب ما جعل و قيّد في ضمن العقد بين المتعاملين، و يسقط الشرط إذا تلفت الثمرة.

و كذلك الحكم إذا تلف البعض المعتد به من الثمرة بعد ظهورها، فلا تبطل المعاملة و لا يسقط الشرط بتلفه، إلا إذا كان الشرط

مقيدا بعدم تلف الثمرة و عدم تلف البعض المعتد به منها، و يتبع في ثبوت التقييد المذكور تصريح المتعاقدين به أو وجود القرينة الخاصة أو العامة التي تدل عليه.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 335

(المسألة 133):

إذا أنشأ المالك عقد المساقاة بينه و بين العامل على أن يسقى له شجره و نخيله التي دفعها اليه، و يعمل فيها عمل المساقاة، و جعل له حصة معلومة من حاصل الثمر، و جعل له مضافا الى ذلك حصة معينة مشاعة أو مفروزة من الأصول المساقى عليها، فان قصد بذلك ان الحصة التي دفعها للعامل من الأصول جز، من العوض له في المعاملة، و أن مجموع الحصة من الحاصل و الحصة التي عينها له من الأصول يكون نصيبا له في عقد المساقاة، كانت المعاملة باطلة فلا يستحق العامل شيئا من الأمرين، و ان جعل الحصة من الأصول للعامل بنحو الاشتراط له في ضمن العقد، صح العقد و الشرط، فتكون للعامل حصته المعينة له من الثمر بمقتضى المساقاة، و تكون له تلك الحصة المذكورة من الأصول بمقتضى الشرط، و الأحوط للعامل أن لا يختص بنماء تلك الحصة في ذلك العام بل يكون ثمرها فيه للطرفين بحسب الحصة المعينة لهما، ثم يختص بها و بنمائها بعد ذلك العام.

(المسألة 134):

إذا وقع المساقاة بين المتعاملين، و شرع العامل في سقي الأصول أو في غيره من اعمال المساقاة، ثم استبان للطرفين أن الشجر لا يثمر شيئا في ذلك العام بطل عقد المساقاة بينهما على الظاهر، و قد سبق منا ذكر هذا، و لم يجب على العامل أن يتم سقى الأصول و اعمال المساقاة الأخرى في ذلك العام.

(المسألة 135):

إذا بطلت المساقاة بين المتعاقدين في أثناء المدة لبعض الطواري أو الأسباب التي توجب البطلان شرعا، كان الثمر الموجود في الشجر كله مملوكا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 336

لمالك الأصول لأنه نماء شجره فيكون تابعا له في الملك، و تثبت للعامل على المالك اجرة المثل لعمله الذي قام به و منفعته التي استوفاها المالك، و يستثنى من ذلك ما إذا علم العامل بأن المساقاة بطلت فلا يجب عليه الوفاء بها، فاتى بالعمل بقصد التبرع به، و يستثنى من ذلك أيضا ما إذا كان السبب في بطلان المساقاة هو اتفاق الطرفين على أن يكون جميع ما ينتج من الشجر للمالك خاصة و لا شي ء منه للعامل، فان العامل في هذا الفرض قد اتى بالعمل على أن لا تكون له حصة من الحاصل، فهو بمنزلة المتبرع بعمله فلا يستحق عليه اجرة، و قد مر ذكر هذا الفرض الأخير في المسألة المائة و التاسعة و العشرين.

(المسألة 136):

يجوز لأحد المتعاملين أن يشترط على الثاني في عقد المساقاة بينهما أن يجرى معه مساقاة أخرى على أصول أخرى، فإذا قبل صاحبه بالشرط صح العقد الأول و صح الشرط و لزم الوفاء بهما، و مثال ذلك أن يقول مالك الأصول للعامل:

سلمت إليك بستاني هذا لتسقى أصوله و تعمل فيه عمل المساقاة، و لك النصف من الثمر الذي يحصل من شجره و نخيله، و اشترطت عليك أن تساقينى في بستاني الثاني فتسقى أصوله و تعمل فيه و لك الربع مثلا من ثماره، فإذا قبل العامل ذلك صحت المساقاة و لزم الوفاء بالشرط المذكور فيها.

و كذلك إذا أنشأ العامل العقد فكان هو الموجب و هو المشترط، فقال لصاحب البستان: تسلمت منك هذا البستان لا

سقى لك أصوله و اعمل فيه عمل المساقاة و لي الربع من حاصل شجره و نخيله، و اشترط عليك أن تساقينى في بستانك الأخر على النصف من ثمره، فتصح المساقاة و الشرط إذا قبل المالك بهما.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 337

و من أمثلة ذلك أيضا أن يقول الرجل للعامل: عاملتك على أن تسقى شجر بستاني هذا و نخليه و تعمل فيه حتى يثمر الشجر و النخيل و يكون لك الثلث مثلا من جميع حاصله، و اشترط عليك أن تساقينى في بستانك المعلوم لا سقى لك أصوله و اعمل فيه بالربع من حاصله، فتصح المعاملة و الشرط إذا وقع القبول من الأخر، و يكون المالك في المساقاة الاولى عاملا في الثانية و بالعكس، و كذلك إذا أنشأ العامل الإيجاب و اشترط على صاحبه مثل ذلك الشرط فيصحان و يلزمان إذا حصل القبول.

و من أمثلة ذلك أن يقول المالك للعامل: اعاملك على أن تسقى شجر بستاني هذا و نخيله و تعمل فيه و لك النصف من تمره و تمره على أن تساقى أخي زيدا فتسقى له شجر بستانه و نخيله و تعمل فيه و لك الثلث من حاصله، فتصح المساقاة و الشرط حسب ما ذكر إذا قبل العامل بهما.

و مثله ما إذا قال العامل لصاحب البستان: تسلمت منك شجر بستانك هذا و نخيله لاسقيها و اعمل لك فيها حتى تثمر ولى الربع من حاصل الثمر، و اشترطت عليك أن تساقى ابن عمى بكرا في بستانك الثاني ليسقي أصوله و يعمل فيها حتى تثمر بالربع من حاصل الثمر، فتصح المساقاة و الشرط إذا قبل المالك.

(المسألة 137):

إذا جرى عقد المساقاة بين مالك الأصول و عامل المساقاة، و ترك العامل

الوفاء بالعقد من أول الأمر فلم يسق و لم يعمل في البستان شيئا، أو ترك السقي و العمل في أثناء المدة بعد أن قام بهما في أول الأمر، جاز لمالك الأصول أن يجبر العامل على العمل بالمساقاة و الوفاء بها، فان هو لم يقدر على إجباره و لو بمراجعة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 338

الحاكم الشرعي، جاز له أن يفسخ المعاملة، سواء كان قد اشترط على العامل أن يباشر العمل بنفسه أم لم يشترط، و لا يحق له أن يقاصه من ماله عن العمل الذي تركه أو يستأجر عند أجيرا يقوم بالعمل ثم يرجع عليه بأجرة الأجير.

(المسألة 138):

إذا تم عقد المساقاة بين المالك و عامل المساقاة على وجه جامع لشروط الصحة، ملك العامل حصته المعينة له في العقد من حين خروج الثمر و ظهوره في النخيل و الشجر، و أن لم يبد صلاحه بعد، و إذا كان إنشاء المعاملة بين الطرفين بعد أن ظهرت الثمرة في الأصول ملك العامل حصته من الثمر من حين وقوع العقد بينهما.

فإذا مات العامل بعد أن ملك حصته من الثمر في إحدى الصورتين المذكورتين انتقلت الحصة منه بعد موته الى ملك وارثه كسائر أمواله، و وجب على الوارث أن يقوم بما بقي من اعمال المساقاة التي وجبت على مورثه بالعقد، و تخير بين أن يأتي بهذه الاعمال بنفسه و أن يستأجر من ماله أجيرا يأتي بالعمل عن مورثه و قد ذكرنا هذا في المسألة المائة و الثالثة و العشرين.

و إذا كان صاحب الأصول قد اشترط في العقد على العامل أن يتولى عمل المساقاة بنفسه بنحو المباشرة، و كان اشتراطه لذلك على العامل بنحو التقيد في المعاملة الجارية بينهما بطلت المساقاة

بموت العامل فان الوارث لا يقدر على أن يفي للمالك بهذا الشرط، و قد بينا هذا في المسألة المائة و الرابعة و العشرين.

و الظاهر ان الحكم ببطلان المساقاة في هذه الصورة انما يقع في حينه و بعد تحقق سببه و هو موت العامل و تعذر حصول القيد المأخوذ في المعاملة، و ليس

كلمة التقوى، ج 5، ص: 339

من أول الأمر، و لذلك فهو لا ينافي ملك العامل لحصته من الثمر و انتقال الحصة منه الى الوارث بعد موته، و تلاحظ المسألة المشار إليها في حكم ما إذا كان اشتراط المباشرة في العمل على عامل المساقاة بنحو تعدد المطلوب.

(المسألة 139):

إذا ملك عامل المساقاة حصته المعينة له من الحاصل بظهور الثمر في الأصول المساقى عليها كما قلنا في المسألة المتقدمة، فلا يزول ملكه لحصته إذا فسخت المساقاة بعد ذلك لوجود بعض الأسباب الموجبة لخيار الفسخ، و لا إذا بطلت المعاملة لطرو، بعض العوارض الموجبة للبطلان، و مثال ذلك أن يفسخ احد المتعاملين عقد المساقاة بسبب خيار شرط كان ثابتا له في المعاملة أو بسبب تخلف شرط قد اشترطه في العقد على صاحبه، أو يتقايل الطرفان فيفسخا المعاملة باتفاقهما على ذلك، فلا ينفسخ بذلك ملك العامل لحصته و كذلك إذا طرأ للعامل عذر عام أو خاص أوجب عجزه و عدم قدرته على إتمام عمل المساقاة بعد أن ظهرت الثمرة في الشجر و ملك حصته بظهورها فتبطل المساقاة بذلك العذر، و لا يزول ملك العامل للحصة المعينة له، و مثله ما إذا عرض للأصول المساقى عليها عارض بعد أن ظهر بعض الثمر فيها و ملك العامل حصته منه، فأوجب ذلك العارض جفاف الأصول و عدم قابليتها لإنتاج الثمر المتأخر،

و لا لإنضاج الثمر الموجود و إيصاله إلى حد الإدراك و البلوغ، فلا تبطل حصة العامل بل يسقى الثمر الموجود مشتركا بين المالك و العامل و ان لم يكن بالغا.

(المسألة 140):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 340

إذا امتنع العامل أن يأتي بعمل المساقاة من غير عذر جاز لمالك الأصول أن يجبره على العمل، و قد ذكرنا هذا في المسألة المائة و السابعة و الثلاثين، فان هو لم يقدر على إجباره جاز له أن يفسخ المساقاة، فإذا فسخها المالك و كان فسخه قبل ان يظهر الثمر في الأصول كان الثمر الذي يظهر فيها كله مملوكا للمالك تبعا للأصول و إذا كان العامل قد اتى ببعض العمل في أول الأمر ثم امتنع عن إتمامه استحق العامل على المالك بعد فسخه في الصورة المذكورة ان يدفع له اجرة المثل بمقدار عمله إذا لم يكن متبرعا به.

و إذا كان فسخ المالك للمساقاة في الصورة المذكورة بعد أن ظهرت الثمرة في الأصول استحق العامل حصته المعينة له من الثمر، و يجوز للمالك أن يبقى حصة العامل في الشجر الى وقت بلوغه و إدراكه إما مجانا أو مع الأجرة إذا رضي العامل بدفعها، و يجوز له أن يأمر العامل بقطع مقدار حصته قبل أن يبلغ الثمر و يدرك، و لا يضمن المالك له أرش و حصته إذا هي نقصت أو عابت أو تلفت بسبب قطعها.

(المسألة 141):

إذا شرط مالك الأصول على العامل في ضمن العقد بينهما أن يتولى العمل في المساقاة بنفسه، لم يصح للعامل أن يساقى على تلك الأصول شخصا أخر فيقوم هذا العامل الثاني بالعمل فيها، و أن ساقاه في حصته الخاصة بأن جعل له حصة مشاعة منها بعد أن ملكها و لم ينقص من حصة المالك شيئا.

و كذلك الحكم إذا نهاه المالك في ضمن العقد عن أن يساقى على نخيله و شجره شخصا غيره، فان هذا النهي يدل بالدلالة التزامية

على أن المراد أن يعمل

كلمة التقوى، ج 5، ص: 341

العامل في المساقاة بنفسه، فلا يجوز له أن يساقى عليها عاملا غيره.

(المسألة 142):

إذا لم يشترط المالك على العامل أن يباشر العمل في المساقاة بنفسه كما في الفرض الأول و لم ينهه عن مساقاة غيره كما في الفرض الثاني، جاز للمالك أن يأذن للعامل الأول فيساقى على الأصول التي دفعها اليه عاملا غيره، و مرجع اذن المالك له بالمساقاة مع عامل أخر الى أن المالك قد وكله في أن يفسخ المساقاة السابقة التي جرت بينهما و ينشئ بعدها مساقاة ثانية بين المالك و العامل الثاني، و لا تكون في المساقاة الثانية حصة و لا نصيب للعامل الأول، و معنى ذلك أن المالك الموكل و العامل الأول الوكيل قد تقايلا عن المساقاة الاولى و فسخاها برضاهما معا فسخا اختياريا، فإذا فعل الطرفان كذلك صحت الوكالة و المقايلة، و نفذت المساقاة الثانية بين المالك و العامل الثاني.

و إذا اذن المالك له ففسخ المساقاة الاولى و ساقى عاملا ثانيا بوكالته عن المالك جاز له أن يسلم إليه الأرض و الشجر الذي بيده، و لم يحتج في التسليم الى إذن أخر من المالك.

(المسألة 143):

إذا تقبل انسان من السلطان أو من الولي العام للمسلمين قطعة من ارض الخراج لينتفع بالأرض و ما فيها من المغروسات، و جعل السلطان أو الولي العام على الأرض ضريبة خراج معلومة وجب وفاؤها على ذلك الشخص المتقبل، سواء جعل الخارج ضريبة على الأرض نفسها أم جعله على النخل و الشجر المغروس فيها، فإذا دفع الرجل الأرض التي تقبلها الى عامل ليسقي له الأصول الثابتة فيها

كلمة التقوى، ج 5، ص: 342

و يعمل في الأرض و الشجر عمل المساقاة بحصة معينة من الثمر الذي تنتجه الأصول فالخراج كله على المتقبل صاحب الأصول و ليس على عامل المساقاة منه شي ء.

و

يجوز للمتقبل أن يشترط على العامل في عقد المساقاة بينهما أن يكون جميع الخراج على العامل، فإذا قبل العامل الشرط لزمه الوفاء به، فيؤديه من حصته بعد القسمة أو من مال أخر، و يجوز له أن يشترط في العقد أن يكون الخراج عليهما معا، و لا بد أن يعين مقدار ما على كل واحد منها من الخراج فإذا قبلا بذلك لزم كل واحد منهما أن يدفع قسطه المشترط عليه.

(المسألة 144):

إذا أنشأ وكيل المالك عقد المساقاة على الأصول المعلومة بين موكله صاحب الأصول و عامل المساقاة و قبل العامل العقد صحت المعاملة، و ثبتت أثارها و لزم الطرفين الوفاء بها، و ان كان العامل يعتقد في بادى الأمر أن الشخص الذي اجرى العقد معه هو مالك الأصول، فإذا تبين له بعد ذلك انه وكيل عن المالك و ليس المالك نفسه كانت مساقاته على لزومها و ثباتها، و لم يقدح جهله السابق بصحتها و لم يفتقر الى تجديد العقد بعد استبانة الحال له.

و كذلك الحكم إذا أنشأ الولي العقد على الأصول التي يملكها اليتيم أو المجنون أو السفيه و قبل العامل العقد و جرت المساقاة، ثم علم العامل أن منشئ العقد ولى المالك و ليس هو مالك الأصول نفسه

(المسألة 145):

إذا جرى عقد المساقاة بين شخصين على أصول معلومة، و تم الإيجاب و القبول بينهما، ثم علم أن الأصول التي جرت عليها المساقاة مغصوبة من مالكها

كلمة التقوى، ج 5، ص: 343

الشرعي و ليست مملوكة للشخص الذي اجرى المعاملة عليها، أو ثبت ذلك بحجة شرعية من بينة مقبولة أو غيرها، كان الأمر في المساقاة لمالكها الشرعي، فإن هو أجاز المعاملة صحت و كانت مساقاة نافذة بين المالك نفسه و العامل، على النهج الذي ذكره المتعاقدان في العقد، و المقدار الذي عيناه من الحصة، كما هو الحال و الحكم في المعاملات الفضولية إذا أجازها المالك الحقيقي، و لا يكون للغاصب فيها نصيب، و ان لم يجزها المالك كانت باطلة، و كان جميع الثمر الذي تنتجه الأصول مملوكا للمالك الشرعي الذي غصبت منه و لا حصة فيه للعامل، و كانت للعامل اجرة المثل لعمله الذي قام به في

المعاملة، و يأخذ أجرته هذه من الغاصب فإنه هو الذي أمره بالعمل في المعاملة، و قد استوفيت منه منفعته باستدعائه فيكون هو الضامن لاجرة عمله.

و يستثنى من ذلك ما إذا ادعى العامل أن المساقاة التي جرت بينه و بين صاحبه الذي ساقاه صحيحة ليست باطلة و أن الأصول المساقى عليها مملوكة لصاحبه و ليست مغصوبة من احد، فهو يعترف بان حقه انما هو الحصة التي عينها له صاحبه من الثمر و أن المدعى أخذها منه ظالما، و لذلك فلا يجوز له أن يأخذ من صاحبه اجرة المثل على عمله بمقتضى اعترافه.

(المسألة 146):

إذا جرت المساقاة بين الشخصين ثم علم، أو ثبت بحجة شرعية، أن الشجر و النخيل المساقى عليها مغصوبة من مالكها الشرعي، و كان ثبوت الغصب بعد أن أخذ المتساقيان جميع الحاصل الذي انتجته الأصول و اقتسماه بينهما و أخذ كل واحد منهما حصته و تلفت الحصة بيده، فإذا ثبت الغصب بعد ذلك جاز للمالك

كلمة التقوى، ج 5، ص: 344

الشرعي أن يرجع على كل واحد من الغاصب و العامل بعوض ما تلف في يده من الحصة التي أخذها من الحاصل، و إذا أخذ العوض منهما على ما بيناه لم يرجع الغاصب على العامل بشي ء مما عزم، و لم يرجع العامل على الغاصب بشي ء و ذلك لان ضمان كل واحد منهما للعوض قد استقر عليه بتلف حصته في يده، و قد ذكرنا هذا في كتاب الغصب.

و جاز للمالك أيضا أن يرجع على الغاصب وحده فيأخذ منه عوض جميع الثمر الذي حصل من الشجر ما تلف منه في يده الغاصب و ما تلف في يد العامل و إذا أخذه من الغاصب بمقتضى هذا الحكم جاز للغاصب

أن يرجع على العامل بمقدار عوض حصته لان ضمانها قد استقر على العامل بتلفها في يده.

و يستثنى من ذلك ما إذا كان الغاصب يعترف بصحة المساقاة و أن العامل يستحق الحصة من الثمر و من أجل اعترافه بذلك فلا يجوز له أن يأخذ من العامل شيئا في الصورة المذكورة، لأنه يعترف بان المدعى قد ظلمه بأخذ العوض منه، فلا يحق له أن يرجع بشي ء منه على العامل.

و إذا كان عامل المساقاة ممن يصدق عليه صدقا تاما في نظر أهل العرف انه ممن استولى على الأصول المذكورة و وضع يده عليها و على جميع ثمرها، جاز للمالك المغصوب منه ان يرجع عليه بعوض جميع الثمرة كما سبق في الحكم برجوعه على الغاصب، و إذا أخذ من العامل جميع العوض رجع العامل على الغاصب بعوض الحصة التي أخذها الغاصب لنفسه من الثمر و تلفت في يده كما سبق في نظيره، إلا في الصورة المستثناة و قد مر ذكر كل ذلك.

و المدار في جواز رجوع المالك على العامل بجميع العوض على الصدق

كلمة التقوى، ج 5، ص: 345

التام الذي بيناه، و لا ريب في أن الموارد مختلفة في صدق ذلك على العامل و عدم صدقه، فإذا لم يصدق عليه ذلك في نظر العقلاء، و أهل العرف أو شك في صدقه عليه و عدم صدقه لم يجز للمالك أخذ جميع العوض منه، و جاز له أن يأخذ منه عوض حصته خاصة كما تقدم.

(المسألة 147):

إذا ملك العامل حصته المقدرة له من الثمرة في وقت وجوب الزكاة في الغلة، أو ملكها قبل ذلك، و كانت حصته بمقدار النصاب الشرعي الذي تجب فيه الزكاة أو أكثر، وجبت عليه الزكاة في الحصة، و

لا تجب عليه إذا نقصت الحصة عن ذلك إلا إذا تم له النصاب أو زاد عليه من مال أخر يملكه، و كذلك الحكم في الوارث إذا مات العامل و انتقل ملك الحصة منه الى وارثه عند وقت وجوب الزكاة أو قبله فتجب الزكاة عليه إذا بلغت حصته النصاب، و لا زكاة عليه إذا لم تبلغ، إلا إذا بلغت مقدار النصاب مع مال له أخر.

و إذا ملك العامل حصته بعد وقت وجوب الزكاة في الغلة لم تجب عليه زكاتها و ان بلغت مقدار النصاب، و وجب على مالك الأصول أن يؤدى زكاة جميع الثمرة إذا بلغ مقدار النصاب، و يرجع الى ما أوضحناه في كتاب الزكاة في وقت وجوبها في الغلة، و في مقدار النصاب الشرعي الذي تجب فيه، و إذا وجبت الزكاة على العامل في حصته من المساقاة ثم مات قبل أن يؤديها، وجب على ورثته أن يؤدوها بعده، و أن لم يبلغ نصيب كل وارث منهم مقدار النصاب.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 346

الفصل السادس في أمور تلحق المساقاة
(المسألة 148):

إذا قامت بينة شرعية عادلة أو حجة معتبرة اخرى تدل على خيانة عامل المساقاة، فإن كان ثبوت الخيانة عليه قبل أن يظهر الثمر في الأصول، و قبل أن يملك العامل حصته منه، جاز لمالك الأصول أن يستأجر من مال المالك نفسه أمينا يراقب العامل، و يمنعه عن الخيانة للمال الذي دفعه اليه من البستان أو الشجر أو المملوكات الأخرى الموجودة في البستان، أو الخيانة في العمل الذي وجب عليه في المعاملة، و إذا لم يفد ذلك في منعه عن الخيانة، جاز له أن يستأجر من ماله أيضا أمينا يضمه الى العامل، فيرفع بذلك يده عن الاستقلال في عمله و في ما

بيده من المال، و يحفظ المال إذا احتاج معه الى حفظ المال.

و إذا ثبتت خيانة العامل كذلك بعد أن ظهرت الثمرة في الشجر و بعد أن ثبتت للعامل حصته المعينة له في الثمر، فالظاهر جواز ما تقدم للمالك أيضا على التفصيل الذي بيّناه، و الأحوط أن يكون ذلك بمراجعة الحاكم الشرعي.

(المسألة 149):

إذا ادعى مالك البستان و الشجر انه قد اجرى مع العامل عقد المساقاة و لذلك فهو يلزمه يسقى الشجر و العمل في البستان و الأصول المغروسة فيه عمل المساقاة، و أنكر العامل وقوع عقد بينهما على ذلك، قدم قول المنكر و هو العامل

كلمة التقوى، ج 5، ص: 347

مع يمينه، الا أن يثبت المالك صدق دعواه بإقامة بينة شرعية عليها فيقدم قوله و كذلك الحكم إذا انعكس الأمر، فادعى العامل انه قد اجرى العقد مع المالك على سقي شجره و نخيله و العمل فيها، و لذلك فهو يروم من المالك أن يمكنه من القيام بالمعاملة، و أنكر المالك حدوث العقد، فالقول قول المنكر و هو المالك مع يمينه ما لم يثبت العامل صحة قوله بإقامة بينة.

(المسألة 150):

إذا تصادق المالك و العامل على صدور عقد مساقاة بينهما، ثم ادعى المالك أو العامل أن العقد الذي وقع بينهما كان باطلا لا يجب الوفاء به، لانه يفقد بعض الشروط المعتبرة في صحة العقد، و ادعى الثاني منهما أن العقد صحيح يلزم الوفاء به، قد قول من يدعى صحة العقد بينهما، سواء كان هو مالك الأصول أم كان هو العامل فيها، الا أن يثبت الثاني المدعى للبطلان صدق ما يدعيه بحجة شرعية مقبولة.

(المسألة 151):

إذا ادعى مالك البستان انه قد اشترط على العامل في ضمن العقد شرطا: أن يباشر العمل في المساقاة بنفسه مثلا، أو أن يكون بعض الخراج أو النفقات الأخرى عليه، أو غير ذلك من الشروط السائغة، و أنكر العامل وجود ذلك الشرط بينهما قدم قول العامل المنكر للشرط مع يمينه، و مثل ذلك ما إذا انعكس الفرض، فادعى العامل انه قد اشترط على المالك بعض الشروط النافذة شرعا، و أنكر المالك حدوث الشرط بينهما، فيقدم قول المنكر و هو المالك مع يمينه، الا أن يقيم المدّعى منها بينة شرعية على صدق ما يدعيه من وجود الشرط فيثبت بها قوله.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 348

(المسألة 152):

إذا ادعى عامل المساقاة أن حصته التي جعلت له في المعاملة التي جرت بينه و بين المالك هي نصف ما يحصل من الثمر و الثمار، أو قال حصتي هي الثلث منه و أنكر مالك البستان ما يدعيه فقال له أن حصتك المعينة لك بيننا هي ربع الحاصل لا أكثر، فالقول قول من ينكر الزيادة و هو المالك مع يمينه، الا أن يقيم العامل بينة تثبت ما يقول فيؤخذ بها، و نظير ذلك ما إذا ادعى المالك أو العامل أن مدة المساقاة المحددة بينهما هي ثلاث سنين أو أربع مثلا و أنكر صاحبه أن المدة أزيد من سنة واحدة، أو قال المدة سنتان لا أكثر، فالقول قول من ينكر الزيادة في المدة منهما مع يمينه، الا أن يثبت الأخر صدق قوله ببينة شرعية.

(المسألة 153):

إذا أنتجت النخيل و الشجر المساقى عليها مقدارا من الحاصل، ثم وقع الخصام بين مالك الأصول و عامل المساقاة في مقدار ما انتجته من ذلك، فقال أحدهما: أنها أخرجت مقدارا معينا من الحاصل مائة من مثلا من التمر و عشرين منا من العنب، و ادعى صاحبه أن الحاصل منها أكثر من ذلك المقدار، أو قال: انه أقل فإن كانت الثمرة تحت يد العامل خاصة صدق قوله في ما يدعيه سواء كان يدعي الزيادة أم النقيصة لأنه صاحب يد فيكون إخباره حجة شرعية في ما بيده و كذلك إذا كانت الثمرة في يد المالك خاصة فيصدق قوله، لان قوله حجة في ما بيده كما ذكرنا و ان كانت الثمرة في يد كل من المالك و العامل على نحو الاشتراك و عدم الاستقلال، و قد اختلطت بغيرها فالتبس الأمر في مقدارها أو تلفت بغير تفريط،

أو

كلمة التقوى، ج 5، ص: 349

بيعت و لم يكن العلم بمقدارها، فالقول قول من ينكر الزيادة منهما مع يمينه.

(المسألة 154):

إذا أجريت معاملة المساقاة بين المتعاقدين و ائتمن المالك عامل المساقاة على ضيعته و أصوله المغروسة فيها، ثم ادعى المالك على العامل انه سرق بعض الثمر أو بعض الأموال أو الأدوات التي بيده، أو انه أتلفها أو ادعى عليه قد خان في عمله أو في بعض الجهات الأخرى، و أنكر العامل ما ادعاه المالك عليه، قدم قول العامل في جميع ذلك لانه منكر، و لان المالك قد ائتمنه، الا أن يثبت المالك صحة ما يدعيه عليه ببينة شرعية.

و كذلك إذا تلف بعض المال في يد العامل فادعى المالك عليه انه قد فرط في الحفظ و أن التلف كان بسبب تفريطه أو بعد تفريطه فيكون له ضامنا، فلا تسمع دعوى المالك بعد أن ائتمنه، إلا إذا أقام البينة على صدق الدعوى.

(المسألة 155):

إذا ادعى مالك الأصول على العامل انه قد أتلف أو فرط أو سرق مقدارا و اقام بينة شرعية على صحة قوله سمعت دعواه و قبلت بينته، و ان لم يعين المقدار الذي يدعيه من المال أو من الثمر.

(المسألة 156):

إذا استعار احد بستانا من مالكه لينتفع به و بشجرة و ثمرة مدة معلومة سنة أو أكثر، و كانت اعارة المالك إياه مطلقة، فلم يشترط عليه فيها أن يتولى الانتفاع بالبستان و التصرف فيه بنفسه أو في جهة معينة، جاز للمستعير أن يساقى عاملا على البستان و ما فيه من نخيل و شجر، فيسقيه و يعمل فيه بما يحتاج اليه البستان

كلمة التقوى، ج 5، ص: 350

و الشجر و الثمر بحصة معينة من الحاصل، و للمستعير الباقي من الحاصل، و يجوز للمستعير أن يسلم البستان و الشجر الى عامل المساقاة، بمقتضى إطلاق العارية و لا يفتقر في ذلك الى إذن جديد من مالك البستان.

(المسألة 157):

يصح أن تجرى معاملة المساقاة بين مسلم و كافر سواء كان المسلم منهما هو مالك البستان و الأصول المساقى عليها أم كان هو عامل المساقاة، فتصح المعاملة، و تنفذ إذا أنشئ العقد و تمت القيود و الشروط و تجري أحكامها و لوازمها، و يستحق كل من المتعاملين حصته المقدرة في العقد، و تصح أيضا مع تعدد المالك و مع تعدد العامل و مع تعددهما معا، فيكون شريكان في البستان و هما مسلم و كافر، و يساقيان على البستان عاملا واحدا مسلما أو كافرا، أو يساقيان عاملين أحدهما مسلم و الثاني كافر، و كذلك في باقي الصور المحتملة فتصح المعاملة و تنفذ في جميعها إذا تحققت الشروط و جرت المعاملة على الوجه الصحيح.

(المسألة 158):

المغارسة هي أن يدفع الإنسان أرضه إلى العامل ليغرس فيها نخيلا أو شجرا و يسقيها و يعمل في الأرض و الغراس حتى يثبت و ينمو، و تكون للعامل حصة معينة المقدار من الشجر و الأصول التي يغرسها في الأرض: الربع منها أو النصف أو غيرهما من الحصص، فإذا أثمرت الأصول التي غرسها ملك من ثمرها بتلك النسبة، فيكون له الربع أو النصف من الثمر في المثالين المتقدمين، و قد يشترط الطرفان أن تكون للعامل حصة معينة المقدار من رقبة الأرض نفسها، و من الأصول

كلمة التقوى، ج 5، ص: 351

الموجودة في الأرض قبل المغارسة عليها، بالإضافة إلى حصته من الأصول التي غرسها، و هذا على ما هو متعارف بين الناس في المغارسات الدارجة في ما بينهم.

و قد اشتهر بين أصحابنا (قدس الله أرواحهم) القول ببطلان المغارسة و عدم نفوذها، و اشتهرت بينهم دعوى قيام الإجماع على عدم الصحة، و لعل المقصود من ذلك

أن المعاملة المذكورة لا تكون من المساقاة المصطلحة بين العلماء، و لا تشملها الأدلة الخاصة الواردة في المساقاة، و ليس مرادهم أن المغارسة باطلة لا تصح على الإطلاق، و لا ريب في بطلان المغارسة التي ذكرناها إذا أجراها المتعاقدان و قصدا بها المساقاة المصطلحة.

(المسألة 159):

إذا أوقع مالك الأرض مع العامل صورة المغارسة التي بيناها و قصدا بها معاملة المساقاة المصطلحة كانت المغارسة باطلة بلا ريب كما قلنا في المسألة المتقدمة، و بطل كل ما يذكر في ضمنها من الشروط، فإنها شروط في ضمن عقد فاسد، فلا يجب السقي و لا العمل في الأرض على العامل، و لا يملك حصة من الثمر و لا من النخيل و الشجر التي يغرسها، و لا من الأرض و الأصول الموجودة فيها من قبل إذا اشترط له ذلك فيها.

فإذا غرس العامل في الأرض المدفوعة اليه نخيلا أو شجرا، فالنخيل و الشجر التي غرسها تكون جميعا مملوكا لمالكها فسيلا و وديا قبل أن تغرس، فان كانت قبل غرسها مملوكة لصاحب الأرض كما إذا اشتراها أو تملكها بسبب شرعي أخر لتغرس في أرضه، و كما إذا أخذها فسيلا أو وديا من أصول مملوكة له في تلك الأرض، أو في أرض له اخرى، كانت جميعا بعد غرسها باقية على ملكه، و لا حصة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 352

و لا حق للعامل الغارس فيها.

و إذا كان مالك الأرض و العامل فيها يعلمان ببطلان هذه المعاملة الجارية بينهما، و علم العامل بان غرسه و تصرفه في الفسيل و في الأرض محرم عليه من حيث انه تصرف في مال الغير بغير اذنه، تنجز عليه التكليف بحرمته و حرم عليه أخذ الأجرة على الغرس و العمل

في الأرض، لأنه من الأجرة على العمل المحرم فان مالك الأرض انما اذن له في التصرف في أرضه و في ملكه إذا كانت المعاملة صحيحة شرعية و لم يأذن له في التصرف إذا كانت باطلة.

و إذا علم من القرائن أو من القول الصريح بان مالك الأرض قد اذن للعامل إذنا مطلقا بالتصرف في الأرض، و في الفسيل و الودي المملوك له، و لم يقيد اذنه له بالمعاملة الصحيحة استحق العامل على المالك اجرة المثل على عمله في الغرس و الأرض.

(المسألة 160):

إذا جرت المغارسة بين الرجلين على الوجه المتقدم الذي قلنا ببطلانه و كان الفسيل و الودي الذي غرسه العامل مملوكا له قبل الغرس، كما إذا اشتراه من قبل ليغرسه أو أخذه من نخيل و شجر يملكه ثم غرسه في الأرض بقي مملوكا للعامل خاصة و لم يملك صاحب الأرض منه شيئا.

فإذا كان مالك الأرض انما اذن للعامل في التصرف في أرضه و غرسها إذا كان التصرف بوجه شرعي صحيح و كانت المعاملة الواقعة بينهما صحيحة شرعية و لم يأذن له بذلك إذا كانت المعاملة باطلة، فلا يستحق مالك الأرض على العامل في هذه الصورة اجرة لأرضه عن تصرفه فيها في المدة الماضية، و يجوز للمالك أن

كلمة التقوى، ج 5، ص: 353

يأمر العامل بقلع ما غرسه في الأرض من شجر و نخيل، و يجوز له أيضا أن يأذن للعامل بإبقاء ما غرسه في الأرض مجانا أو مع اجرة المثل للأرض مدة بقاء المغروسات فيها، و هذا إذا رضي العامل بالإبقاء، و ليس للمالك أن يجبره عليه بأجرة أو بغير اجرة.

و إذا أمره المالك أن يقلع ما غرسه في الأرض وجب على العامل أن يقلعه و

يطم الحفر التي تحدث في الأرض بسبب الغرس أو القلع، و إذا حدث في المغروسات نقص أو عيب أو كسر بسبب قلع العامل إياها لم يضمن المالك له أرش ذلك.

و إذا أمر المالك العامل أن يقلع ما غرسه في الأرض فامتنع العامل جاز للمالك أن يقلعه بنفسه، فإذا انكسرت الشجرة أو النخلة أو عابت بسبب قلع مالك الأرض لها ضمن للعامل أرش هذا النقص أو العيب الحادث فيها بفعله، و أرش النقص أو العيب هو التفاوت في المقلوع منها ما بين قيمته صحيحا و قيمته مكسورا أو معيبا و لا يضمن للعامل تفاوت ما بين قيمتها و هي ثابتة في الأرض و مقلوعة منها.

(المسألة 161):

إذا كانت المغارسة بين الشخصين على الوجه المتقدم الذي حكم الشارع فيه بالبطلان و عدم النفوذ، و كان الودي و الفسيل الذي غرسه العامل في الأرض بسبب هذه المعاملة على قسمين، فمنه ما هو مملوك لصاحب الأرض من قبل غرسه، و منه ما هو مملوك للعامل، جرى في كل واحد من القسمين ما يخصه من الاحكام التي أوضحناها في المسائل المتقدمة من الملك و الضمان و الآثار

كلمة التقوى، ج 5، ص: 354

الأخرى، فليلاحظ ما سبق بيانه فيها لتطبيق حكم كل قسم منهما في مورده و لا موجب للتكرار.

(المسألة 162):

يمكن للمتعاملين أن يوقعا المغارسة بينهما على انها معاملة مستقلة بنفسها عن سائر المعاملات، و عقد من العقود المتعارفة بين العقلاء و أهل العرف و الشائعة بينهم، فتكون بذلك معاملة صحيحة و نافذة على الأقوى، تشملها العمومات و الإطلاقات الدالة على وجوب الوفاء بالعقود من الكتاب الكريم و السنة المطهرة و ذلك بان يتفق مالك الأرض مع العامل على أن يغرس العامل له أرضه نخيلا و شجرا معلومة، و يعمل له في الأرض و في الغرس حتى تنمو المغروسات و تثبت و تثمر، و يلتزم الجانبان بينهما بان يملك مالك الفسيل و الودي منهما صاحبه نصف الفسيل و الودي الذي يراد غرسه في الأرض أو ربعه مثلا على نحو الشركة و الإشاعة، فإذا كان مالك الفسيل و الودي هو مالك الأرض، ملك العامل الحصة المعينة منها و جعل ذلك عوضا له عما يقوم به من الغرس و العمل في الأرض، و إذا كان مالكها هو العامل، ملك الحصة منها لصاحب الأرض، و جعل ذلك عوضا له عن تصرف العامل في أرضه و انتفاعه بها.

فإذا اتفق الطرفان

على ما ذكرناه واقعا الإيجاب و القبول الدالين على الاتفاق و التمليك المذكورين و الالتزام بموجبهما صحت المعاملة، و شملتها الأدلة العامة و المطلقة الدالة على صحة العقود و وجوب الوفاء بها، و يمكن لهما أن يشترطا في ضمن هذا العقد أن يملك صاحب الأرض العامل حصة معلومة المقدار مشاعة من رقبة الأرض، و من الأصول الموجودة فيها قبل المغارسة، فيصح الشرط و ينفذ فإنه

كلمة التقوى، ج 5، ص: 355

شرط سائغ وقع في ضمن عقد لازم.

(المسألة 163):

يكفي في صحة عقد المغارسة الذي ذكرناه أن يعلم الطرفان مقدار الأرض التي تجري المعاملة عليها، و مقدار ما تحتاج اليه من المغروسات من النخيل و الشجر، و مقدار الحصة التي تجعل للعامل و المالك من الأرض و من الأصول بالمشاهدة الرافعة للجهالة و بتقدير المطلعين من أهل الخبرة و المعرفة فترتفع بذلك الجهالة التي تضر بمثل هذا العقد، و يكفى الاعتماد على ما هو المتعارف و المعتاد بين عامة أهل البلد في تعيين أنواع المغروسات من الشجر و النخيل و أصنافها، و إذا اختلف الأمر في ذلك، و لم يثبت المتعارف شيئا، أو اختلف المقصود بين المالك و العامل، فلا بد من تعيين النوع و الصنف الذي يراد غرسه و لا بد من تعيين كل قيد أو شرط أو أمر يكون الجهل به موجبا للتنازع بين الطرفين.

(المسألة 164):

إذا كان الفسيل و الودي الذي يرام غرسه في الأرض مشتركا على سبيل الإشاعة التامة بين مالك الأرض و العامل فيها، و مثال ذلك أن يشترى أحدهما جميع ذلك بالأصالة عن نفسه و بالوكالة عن الأخر، على ان يكون جميع ما يشتريه منها مشتركا مشاعا بينهما مع التساوي في الحصة، أو مع التفاوت فيها حسب ما يتراضيان عليه فإذا تم الاشتراك فيه بين الطرفين كذلك، أمكن لهما أن يوقعا معاملة المغارسة بينهما بصورة الإجارة على الوجه الاتى.

فيستأجر صاحب الأرض العامل ليقوم بغرس حصة صاحب الأرض من الفسيل و الودي المشترك في الأرض و سقيها و العمل فيها في مدة معلومة، و يجعل

كلمة التقوى، ج 5، ص: 356

للعامل عوضا عن عمله في ذلك أن يغرس العامل حصته المشتركة في الأرض و ينتفع بها في تلك المدة المعلومة،

أو يضيف الى ذلك ان شاء الطرفان أن يملك العامل معها حصته من الأرض.

و يمكن أن يتولى العامل إنشاء عقد الإجارة، فيؤجر نفسه لصاحب الأرض ليغرس له حصته من الفسيل و الودي في الأرض و يعمل فيها و يذكر المدة و العوض و الشرط حسب ما بيناه فإذا وقع الإيجاب و القبول في الصورتين صحت المعاملة و ثبتت لوازمها و آثارها و لا تصح الإجارة إذا لم تعين المدة أو لم تحدد المنفعة المستأجر عليها.

(المسألة 165):

إذا كان جميع الفسيل و الودي الذي يراد غرسه في الأرض مملوكا لصاحب الأرض أمكن له أن يجرى المغارسة بينه و بين العامل على الصورة الاتية و هي أن يملك العامل من الفسيل و الودي المذكور حصة معلومة النسبة له على سبيل الإشاعة التامة: النصف منه مثلا أو الثلث أو الربع، فيملكه ذلك بمصالحة أو ببيع أو بغيرهما من العقود اللازمة و يجعل عوض تمليك الحصة أن يغرس العامل حصة المالك من الفسيل و الودي في الأرض و يسقيها و يعمل فيها إلى مدة معينة، و يشترط المالك على نفسه في العقد أن يغرس العامل حصته التي ملكه المالك إياها من الفسيل في الأرض و يبقيها فيها الى آخر المدة المعينة للمغارسة بغير اجرة على غرسها و لا على بقائها من العامل، أو يشترط على نفسه مع غرس العامل حصته من الفسيل في الأرض أن يملك العامل حصة معينة من رقبة الأرض: النصف أو الربع مثلا على وجه الإشاعة فيها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 357

و إذا كان الفسيل و الودي كله مملوكا للعامل أمكن له أن يجرى المغارسة أيضا، فيملك العامل صاحب الأرض حصة معلومة النسبة كذلك من الفسيل و

الودي بمصالحة أو بيع أو غيرهما كما سبق في نظيره، و يجعل عوض تمليكه الحصة أن يغرس العامل حصته من الفسيل و الودي في أرض المالك بغير اجرة و يستوفي بذلك منفعة الأرض إلى مدة معينة، و يشترط العامل على نفسه في ضمن العقد أن يغرس لصاحب الأرض حصته التي ملكه إياها من الفسيل و الودي، و يسقيها و يعمل فيها الى انتهاء المدة، و يمكن له أن يجعل من العوض أن يملكه مالك الأرض نصف رقبتها أو ربعها، فتصح المعاملة و تنتج نتيجة المغارسة إذا جرى عليها الإيجاب و القبول.

(المسألة 166):

إذا أنشئت المغارسة بين العامل و مالك الأرض على انها معاملة مستقلة بذاتها، و ليست من المساقاة و لا من سائر المعاملات، و قد مر تفصيل بيان ذلك في المسألة المائة و الثانية و الستين، ثم وقع النزاع بين المتعاقدين فادعى أحدهما أن المعاملة تمت بينهما على الوجه المطلوب فالمغارسة صحيحة نافذة، و قال الثاني انها كانت فاقدة لبعض المقومات أو لبعض الشروط فهي باطلة و لا اثر لها، قدم قول من يدعى الصحة منهما الا أن يثبت الثاني صحة ما يقول ببينة شرعية.

و كذلك إذا أنشئت المغارسة بينهما بصورة الإجارة، أو على وجه تمليك الحصة من الفسيل و الودي، كما فصلناه في المسألتين السابقتين ثم ادعى احد الرجلين أن المعاملة صحيحة و قد جرت على وفق ما يرام، و ادعى الثاني بطلانها فالقول قول من يدعى الصحة.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 358

و إذا وقعت المغارسة بينهما، فادعى احد الشخصين أن المعاملة أنشئت، بينهما و تمت على انها من المساقاة المصطلحة فتكون باطلة على ما سبق بيانه.

و قال الأخر منهما: اننا قد أجرينا المغارسة

بيننا على انها معاملة مستقلة فهي صحيحة نافذة، أشكل الحكم بتقديم قول من يدعى الصحة، لعدم إحراز العنوان الذي وقعت عليه المعاملة، و لذلك فلا يترك الرجوع فيها الى الاحتياط بالمصالحة و التراضي بين المتداعيين

كلمة التقوى، ج 5، ص: 359

كتاب السبق و الرماية

اشارة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 361

كتاب السبق و الرماية و هو يحتوي على فصلين:

الفصل الأول في السبق و شروطه و أحكامه
(المسألة الأولى):

السبق بفتح السين و سكون الباء مصدر من قولنا: سبق الرجل الى المكان أو الى الغاية بمعنى تقدم على غيره في الوصول إليهما، و منه حق السبق الى الموضع من المسجد، و الى الموضع في السوق، و السبق أيضا كما يقول بعض اللغويين مصدر ثان من قولهم سابقه مسابقة اي غالبة في أمر يريد كل واحد من الرجلين أن يتقدم فيه على صاحبه، و المعنيان للسبق متغايران، فالسبق الأول يدل على تقدم فعلي من الرجل السابق، و ان لم تكن بينه و بين غيره منافسة أو مغالبة، و السّبق الثاني يدل على المسابقة في الأمر بين الرجلين أو الرجال، و لا يدل على تقدم واحد منهم بالفعل، و السبق بالمعنى الثاني أقرب الى المعنى الاصطلاحي الذي يبحث عنه الفقهاء في هذا الكتاب و السبق بفتح السين و الباء هو العوض الذي

كلمة التقوى، ج 5، ص: 362

يجعل أو يبذل لمن يسبق في الحلبة مكافأة له على سبقه و فوزه، و يقال له أيضا:

الخطر بفتح الخاء و الطاء، و يسمى كذلك الرهن و منه تسمية المسابقة بالمراهنة.

(المسألة الثانية):

السبق أو المسابقة المبحوث عنها في الكتاب هي إجراء الخيل و ما يشبهها من الدواب ذوات الحافر و هي البغال و الحمير، و من ذوات الخف و هي الإبل و الفيلة في حلبة لتعرف السوابق الجياد من المركوبات، و الأشد حذاقة و معرفة و الأقدر على الفروسية و المران من راكبيها، و لتمرن الدواب على الجري و العدو و الوقوف و الاندفاع حسب الإشارة و الأمر و الزجر، و يمرّن الراكب على أنواع الحذق و الفروسية و التبصر في فنونها و التصرف كما تقتضي الحال و القدرة عليها و

يدخل ذلك في أعداد القوة الذي أمر اللّه به في صريح الكتاب و متواتر السنة.

و لا ريب في مشروعية السبق و محبوبيته في الإسلام دين الجدّ و الجهاد و الاجتهاد، و المسابقة بعد ذلك كله معاملة شرعية ثابتة تقع بين المتسابقين يدفع فيها للسابق عوض مخصوص مكافأة له على سبقه و حذاقته، و ليشجع على المضي في سيرته، و ليندفع غيره الى الاقتداء به، و التحليق معه أو الارتفاع عنه في الأشواط المقبلة و المسابقات الآتية.

(المسألة الثالثة):

المسابقة عقد شرعي مخصوص يقع على اجراء الخيل، و على اجراء البغال أو الحمير ليعرف السابق من غيره بعوض يعين للسابق واحدا كان أم أكثر بحسب ما يتفق عليه المتعاقدان أو المتعاقدون في الحلبة، و يصح أن يجرى العقد لإجراء ذوات الخفّ من الإبل أو الفيلة، و يجري نظيره أيضا في الرماية و سيأتي بيانه ان

كلمة التقوى، ج 5، ص: 363

شاء اللّه تعالى.

و الظاهر أن العقد الشرعي الذي ذكرناه انما يجرى في المسابقة بين الدّواب إذا كانت من نوع واحد، فلا يصح في المسابقة بين الخيل و البغال مثلا أو بين البغال و الحمير، و تصح المعاملة فيها إذا أجويت على وجه آخر من المعاملات كالجعالة و الصلح و شبههما.

و لا يجري العقد الشرعي المخصوص في المسابقات في الأعمال الأخرى و ان كانت مباحة صحيحة الغرض، بعيدة عن اللعب و اللهو، بل و ان كانت من الأمور الراجحة في الدين أو الدنيا، و يمكن أن تجرى المعاملة فيها على وجه شرعي أخره و سنتعرض لذلك ذلك في موضع يأتي من الكتاب ان شاء اللّه تعالى.

و لا تجوز المعاملة في الأمور التي تكون من اللهو و اللعب و المقامرة،

و لا يجوز فعل هذه الأمور، و أن خلت من الأعواض عليها و بذل المال فيها، و إذا بذلت فيها الأعواض و الأموال كان تحريمها أشد و العقاب عليها أشق، و خصوصا إذا كان دفع العوض و المال بقصد التمرين و التشجيع على مزاولة الفعل المحرم في الإسلام، من المرديات المهلكات و من كبائر الكبائر.

(المسألة الرابعة):

يجوز لأحد الرجلين أو الرجال المشتركين في المسابقة أن يبذل مبلغا من ماله أو عينا معلومة من مملوكاته و يجعل ذلك عوضا في المسابقة بينه و بين أصحابه، ليدفع لمن يسبق منهم جزاء له على سبقه، و يصح أن يكون العوض الذي يبذله الباذل دينا له في ذمة أحد من الناس، فيقول: جعلت المبلغ الذي أملكه في ذمة زيد عوضا لمن يسبق في هذه الحلبة، و يصح أن يجعله دينا يبقى في ذمته

كلمة التقوى، ج 5، ص: 364

للسابق، و يجوز أن يشترك المتسابقان كلاهما في بذل العوض، فيبذل كل واحد منهما مبلغا من ماله، أو عينا معلومة من مملوكاته، أو دينا له على احد، أو دينا يبقى في ذمته، كما ذكرنا في الفرض المتقدم، و يجوز لكل فرد من المتسابقين إذا كانوا أكثر من اثنين أن يفعل كذلك، و يجوز أن يبذل بعضهم دون الآخرين، و يصح أن يكون العوض المجعول في المسابقة من شخص أخر لم يشترك في المسابقة، فيبذله من ماله عينا أو دينا كما في الفروض المتقدمة، و يجوز للولي العام على أمور المسلمين أن يدفع عوض المسابقة من بيت مال المسلمين، فإنها من مصالحهم العامة التي يصح الإنفاق فيها من بيت المال، و لا فرق بين أن تكون المسابقة عامة أو خاصة، إذا كانت مما

تدخل عرفا في الجهة التي يدعوا إليها الإسلام.

و يجوز أن تقع المسابقة و الرماية بين المتسابقين و المناضلين من غير عوض، فلا تكونان حين ذلك عقدا من العقود، و يصح أن يدفع للسابق فيهما بعض المال بعد سبقه من غير عقد أو معاملة سابقه، و يكون ذلك نوعا من التجلة و التكريم له على سبقه و فوزه.

(المسألة الخامسة):

العقد المخصوص في المسابقة أن يلتزم كل واحد من المتسابقين للثاني سواء كانا شخصين أم كانا فريقين بالمسابقة بينهما و بقيودها و شروطها حسب ما يتفقان عليه، و باستحقاق من يسبق منهما بالفعل للعوض المبذول و دفعه اليه، و أن يعينا كل أمر يفتقر التعيين في المعاملة، و يكون إهماله و عدم تعيينه موجبا للنزاع، فإذا تمّ الاتفاق بينهما على جميع ذلك أجريا صيغة العقد بينهما بأي لفظ

كلمة التقوى، ج 5، ص: 365

يكون دالا على اتفاقهما المذكور و التزامها بالمقصود، سواء كانت دلالته بظهور اللفظ بنفسه أم بسبب قرينة موجودة توجب الظهور في المعنى المراد، فإذا حصل الإيجاب من أحد الجانبين و القبول من الجانب الثاني تم العقد و وجب الوفاء به بينهما.

و لا يتعين في عقد المسابقة أن يكون الموجب فيه هو باذل العوض، بل يتخير الجانبان في أن يكون الإيجاب من أيهما أرادا، و إذا تعدّد المتسابقون و كلّ احاد الفريق و أحدا منهم أو من غيرهم لينشئ الإيجاب بالوكالة عنهم، و وكل أفراد الفريق الثاني أحدا منهم أو من غيرهم لينشى القبول كذلك و يجوز إنشاء العقد بالمعاطاة.

(المسألة السادسة):

يشرط في صحة عقد المسابقة أن تجتمع في الموجب و القابل جميع الشروط العامة التي تشترط في صحة العقود و المعاملات الشرعية، فيجب في كل منهما أن يكون بالغا عاقلا مختارا قاصدا للمعنى المراد غير محجور عليه حجرا يمنعه عن التصرف، فلا يصح عقده إذا كان صبيا أو كان مجنونا، أو كان مكرها على فعله، أو كان هازئا أو هازلا في قوله، أو سكر أن أو غضبان ليس له قصد، أو كان سفيها سفها يحجره عن مطلق التّصرف، و لا يجوز له أن

يبذل العوض من ماله إذا كان سفهه يحجره عن التصرف في ماله إلا إذا أذن له وليه بالبذل، و لا يجوز له البذل من أمواله الموجودة إذا كان مفلسا إلا إذا أذن له الغرماء أصحاب الديون عليه، و يصح إذا كان العوض المبذول منه دينا يبقى للسابق في ذمته، فإنه لا يزاحم حقوق الغرماء.

(المسألة السابعة):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 366

يجب تحديد المسافة التي تقع فيها المسابقة من أول بداءتها الى نهايتها على الأحوط لزوما بل لا يخلو ذلك عن قوة، و يجب أيضا تعيين العوض الذي يجري عليه العقد في جنسه و مقداره، و تبيين انه عين مشخصة في الخارج أو دين يثبت للسابق في الذمة، و إذا كان دينا فهل هو حال أو مؤجل، و لا بد من تعيين الدابة التي يسابق عليها بمشاهدة يرتفع بها الغرر و الجهل، أو بوصف يكون بمنزلة المشاهدة و منها ما إذا كانت الفرس التي يسابق عليها مشهورة الوصف معلومة الحال عند الطرفين، فيكفي ذلك في صحة العقد، و ان لم يشاهدها غير صاحبها من المتسابقين.

و إذا كانت المسابقة بين الطرفين لا تشتمل على عقد، لم يجب فيها تعيين المسافة، و لا تعيين العوض و أن كان بعض الأطراف عازما من أول الأمر على أن يدفع من ماله عوضا في المسابقة، فإذا أجريت المسابقة و علم السابق فيها جاز لذلك الشخص أن يدفع له اي مقدار يريد.

(المسألة الثامنة):

يشترط في صحة العقد في المسابقة أن يجعل العوض الذي يراد دفعه فيها لمن يسبق من المشتركين في الحلبة، و يجوز أن يجعل منه نصيب لمن كان مصليا أو ثالثا، و لا يصح العقد إذا اشترط فيه أن يكون العوض كله أو بعضه لشخص لم يشترك في المسابقة و ان اشترك في تنظيمها، أو في بعض مقدماتها، و لا يصح العقد إذا اشترط فيه أن يكون العوض كله أو بعضه للمسبوق المغلوب في المسابقة، و يجوز للسّابق بعد أن يتملك العوض في المسابقة و يقبضه، من باذله، أن يتبرع به أو ببعضه للمسبوق أو لشخص

لم يشترك في المسابقة.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 367

(المسألة التاسعة):

يشترط في صحة العقد أن يكون كل واحد من المتسابقين قادرا على المسابقة غير عاجز عنها، فلا يصح العقد إذا علم أن الفارسين الراكبين عاجزين عن المسابقة أو كان أحدهما عاجزا كذلك، و لا يصح العقد إذا علم أن الدابتين اللتين يقع السباق عليهما ضعيفتان لا تقويان على المسابقة، أو علم أن أحدهما لا تطيق ذلك، و المراد بهذا الشرط أن يكونا قادرين على المسابقة في وقت المسابقة لا في وقت العقد، فإذا اجرى العقد و كانا قادرين عليها في ذلك الحال ثم عجزا أو عجز أحدهما في حين المسابقة بطل العقد.

(المسألة العاشرة):

لا يمنع من اشتراك غير البالغ في المسابقة نفسها إذا كان قادرا على الركوب و الدخول في المسابقة فيصح منه ذلك، و لا يمنع المجنون من الاشتراك فيها أيضا إذا كان قادرا عليها، و كان جنونه لا يمنعه من ذلك، و لا يخشى أن يؤدّي به أو بدابته الى ما لا يحمد، فيصح اشتراكه في المسابقة نفسها، و يجب أن يكون الاشتراك بإذن ولي الصبي و ولي المجنون، و لا بد و أن يكون اجراء عقد المسابقة من الوليين نفسهما، و قد سبق في المسألة السادسة أن العقد لا يصح الا من البالغ العاقل.

(المسألة 11):

ليس من المسابقة المبحوث عنها أن يرسل كل واحد من الرجلين فرسه أو دابته من غير أن يركبها فتستبق الدابتان بينهما من غير فارس أو راكب، فلا يكون ذلك مسابقة، و لا يصح عليه عقد و لا يحلّ به أخذ عوض، إلا إذا دفعه الباذل الى

كلمة التقوى، ج 5، ص: 368

مالك الفرس السابق من باب التبرع له، و كذلك الحكم إذا ركب أحد المتسابقين دابته و أرسل الآخر دابته فاستبقت مع الأول، فلا يكون ذلك من المسابقة، و لا تجرى عليها الأحكام.

(المسألة 12):

يصح أن تجري المسابقة بين شخصين، و أن يقع بينهما عقد المسابقة و تترتب بينهما ما للعقد من أحكام و أثار، و يستحق السابق منهما العوض كلّه إذا كان مبذولا للسابق، و أن أتى الثاني بعده مصليا، فلا يستحق من العوض شيئا، سواء بذله أحدهما، أم بذله كلاهما، أم بذله شخص ثالث لم يشترك في المسابقة معهما و لا يشترط في صحة المسابقة بينهما أن يدخل معهما شخص ثالث محلل يتسابق معهما كما يراه جماعة، و إذا اشترط المتسابقان في العقد أن يدخل المحلل معهما لزم الشرط و وجب الوفاء به، فان عيّنا له في ضمن العقد حصة معلومة من العوض تكون له إذا سبق تعينت له تلك الحصة، و مثال ذلك: أن يشترطا في ضمن العقد أن يكون له ربع العوض أو ثلثه إذا هو سبق في الحلبة، فإن هو سبق أخذ تلك الحصة خاصة، و ان لم يشترطا ذلك أخذ العوض كله، و إذا سبق مع غيره اقتسم معه العوض بالسوية.

(المسألة 13):

المحلل كما بيّنا شخص ثالث يدخل مع الشخصين المتسابقين إذا هما اشترطا في ضمن العقد وجوده في المسابقة، فيتناوله العقد للشرط المذكور و يجرى فرسه معهما في الحلبة، و لا يبذل مع المتسابقين شيئا من العوض، و قد بيّنا في المسألة الماضية مقدار ما يأخذه من العوض إذا سبق.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 369

(المسألة 14):

إذا تساوى المتسابقان و المحلل في وصولهم جميعا إلى الغاية و لم يسبق منهم أحد لم يستحقوا جميعا من العوض المبذول شيئا و رجع كل مال الى باذله سواء كان البذل من بعضهم أم من الجميع أم من شخص لم يشترك معهم في المسابقة.

و إذا بذل العوض أحد المتسابقين في الحلبة، ثم سبق الباذل فيها و لم يشاركه في السبق غيره رجع اليه العوض الذي بذله، فإنه لا يستحق على نفسه شيئا و هذا هو المراد باستحقاق العوض في هذه الصورة من الإطلاق الذي ذكرناه في المسألة الثانية عشرة.

و كذلك إذا بذل معه صاحبه المسبوق عوضا أخر أو اشترك معهما شخص ثالث فبذل كل واحد منهم عوضا فإذا سبق أحد الباذلين و لم يسبق معه غيره استحق هذا السابق العوض الذي بذله الآخران و رجع اليه العوض الذي بذله هو لأنه لا يستحق على نفسه شيئا و هذا الأمر واضح و انما يذكر للتنبيه لئلا يلتبس الأمر.

و تراجع المسألة السابعة عشرة في حكم ما إذا كان المتسابقون كثيرين.

(المسألة 15):

إذا بذل كل واحد من الشخصين المتسابقين من ماله عوضا لمن يسبق في الحلبة، ثم سبق احد الباذلين للعوض و سبق معه المحلل و تساويا هو و المحلل في الوصول إلى الغاية و تأخر الآخر المسبوق عنهما، استحق السابقان العوض الذي بذله المسبوق و كان بينهما بالمناصفة، و أشكل الحكم في العوض الذي بذله

كلمة التقوى، ج 5، ص: 370

السابق، و قد ذهب جمع من العلماء الى أن هذا العوض يرجع الى باذله السابق و لا يستحق المحلل منه شيئا، و هو مشكل كما ذكرنا و لا يترك الاحتياط فيه بالرجوع إلى المصالحة بين الباذل و المحلل.

و

كذلك إذا بذل كل من المتسابقين عوضا، أو بذله أحدهما خاصة، و بذل معهما أجنبي لم يشترك في المسابقة ثم سبق في الحلبة أحد الباذلين و سبق معه المحلل، فيتقسم السابق الباذل و المحلل كلا من العوض الذي بذله الأجنبي و العوض الذي بذله المسبوق بينهما بالمناصفة، و يشكل الأمر في العوض الذي بذله السابق كما تقدم و يجرى فيه الاحتياط المذكور.

و نظيرهما في الاشكال ما إذا بذل الأول العوض و لم يبذل معه غيره ثم سبق في الحلبة و سبق معه المحلّل، فذهب أصحاب ذلك القول الى أن العوض المبذول يرجع الى باذله و لا يستحق المحلل منه شيئا، و لا يترك الاحتياط الذي ذكرناه و الفروض المذكورة في المسألة كلها من مأخذ واحد.

(المسألة 16):

إذا بذل شخص أجنبي عوضا من ماله في المسابقة و شرط في بذله أن يكون عوضه لزيد خاصة إذا سبق على غيره، و أن لا يدفع الى السابق إذا كان غير زيد، أو شرط أن يكون العوض كله لزيد وحده إذا سبق، و ان سبق معه غيره و ساواه فلا يدفع من العوض شي ء للسابق الآخر، أو شرط أن يكون العوض الذي بذله كله لزيد سواء كان غالبا أم مغلوبا، لم يصح ذلك إذا كان دفعه بنحو العوض المعلوم في العقد الشرعي المخصوص، فيرجع الى باذله، و يصح ذلك منه إذا كان دفعه للمال على وجه التبرع لزيد على النحو الذي تبرع به.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 371

(المسألة 17):

السابق من فرسان الحلبة هو الذي يتقدم حصانه على خيل المسابقة بالعنق و الكتد أو بأكثر من ذلك، و يراد بالكتد عظم مرتفع يقع بين عنق الحصان و ظهره و يسمى السابق أيضا بالمجلى، و الثاني من فرسان الحلبة هو المصلى و هو الذي يأتي حصانه بعد السابق، و يحاذي رأسه صلوى السابق أو يتقدم عليها و لا يصل الى الكتد، و المراد بالصلوين من الحصان عظمان يقعان عن يمين ذنبه و يساره، ثم يأتي الثالث من فرسان الحلبة، ثم الرابع و هكذا، و لها أسماء خاصة في اللغة تعرف بها.

فإذا كان العوض الذي بذله مالكه في المسابقة قد اشترط فيه باذله أن يكون للسابق اختص به الأول المجلى إذا كان واحدا، و أخذه وحده، و إذا كانت الحلبة كثيرة العدد و سبق منهم اثنان أو ثلاثة فوصلوا إلى الغاية متساوين في السبق اقتسموا العوض المبذول للسابق بينهم بالمساواة فإن كانا اثنين اقتسماه بالمناصفة و ان كانوا

ثلاثة فبالمثالثة، و لم يستحق الثاني المصلى من هذا العوض شيئا، و إذا كان باذل العوض قد جعله حصصا متعددة فللسابق حصة معينة و للمصلي حصة أخرى و للثالث حصة ثالثة، وزع العوض بينهم حسب ما عينه الباذل.

(المسألة 18):

إذا بذل الباذل من المتسابقين أو من غيرهم عوضا في المسابقة و أطلق بذل ماله و لم يجعله حصصا على مراتب المتسابقين كما بيناه في المسألة المتقدمة كان جميع العوض للسابق الأول سواء كان واحدا أم متعددا، و لا حق فيه للثاني المصلى و لا لغيره و قد فصلنا ذكر هذا، و كذلك إذا بذل الجميع من أموالهم أعواضا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 372

في المسابقة و أطلقوا بذلهم و لم يذكروا حصصا، فيكون الجميع نصيبا للسابق المجلى و ان كان واحدا و كان المبلغ كثيرا، و انما يستحق المصلى أو الثالث أو غيرهما شيئا إذا صرح الباذل فجعل في عوضه الذي بذله حصة للمصلي أو لغيره.

و نتيجة لهذا التفصيل فإذا بذل كل واحد من الشخصين المتسابقين من ماله عوضا و أطلقا بذلهما ثم تسابقا مع المحلل، فسبق أحدهما و صلى المحلل و تأخر الثالث أخذ السابق جميع العوض و لم يستحق المحلل منه شيئا و ان كان مصليا.

(المسألة 19):

إذا تم عقد المسابقة بين الشخصين أو الأشخاص و أجريت الخيل أو الدّواب و تحقق السبق من بعضهم ملك السابق العوض المبذول و ان تأخر قبضه لبعض الموانع التي أوجبت التأخير، فإذا كان العوض عينا و حصل منها نماء أو نتاج بعد التحقق السبق كان النماء و النتاج الحاصل منها مملوكا للسابق بتبع ملكه للعين.

(المسألة 20):

لا يصح أن يجعل العوض في المسابقة لشخص لم يشترك في السباق، و من أمثلة ذلك أن يقول بعض المتفرجين في حفلة السباق للبعض الآخر منهم: أراهنك على سبق هذه الفرس و هي فرس زيد، فان سبقت هي على غيرها من الخيل فعليك أن تدفع لي عشرة دنانير مثلا و أن سبقها غيرهما فعلىّ أن أدفع لك مثل هذا المبلغ فلا يصح مثل هذا الرهن و لا يحلّ أخذ المال بسببه، و يكون من المقامرة المحرمة و أشدّ من ذلك حرمة و أنكى أن يجرى مثل هذا الرهان بين المتفرجين على الألعاب

كلمة التقوى، ج 5، ص: 373

الرياضية و شبهها مع فرض كونها ألعابا.

(المسألة 21):

لا يحل أن يقول احد المتسابقين في الحلبة لشخص ثالث لم يشترك: أراهنك على فوزي في المسابقة، فإن غلبني صاحبي و فاز بالسبق علي دفعت إليك عشرين دينارا، فلا يحل لذلك الشخص أن يأخذ المبلغ من القائل إذا غلبه صاحبه و دفع مبلغ الرهان اليه، و يكون ذلك من المقامرة المحرمة.

(المسألة 22):

قد تقع المسابقة بين الشخصين أو الأشخاص، و تجرى فيها الخيل أو الدواب لغير الوجه الشرعي الذي أراده الإسلام من المسابقة و دعا اليه و حث المسلمين عليه، و شرع له احكامه، و هو اعداد القوة لقتال الأعداء و التمرين على الفروسية للجهاد في سبيل اللّه، و بسط العدل في الأرض، و إعلاء كلمة اللّه، فتقام المسابقة لغير ذلك من المقاصد و الغايات.

فان كان الوجه الذي تقام له هذه المسابقات مقصدا، صحيحا راجحا أو مباحا يرغب فيه العقلاء المتزنون و لا يعدّونه من اللهو و اللعب، كانت كسائر المسابقات التي تجريها العقلاء لمثل هذه الغايات الراجحة في الدين أو المطلوبة في أمور الدنيا، و سيأتي أن شاء اللّه تعالى بيان الحكم فيها.

و أن أقيمت بداعي اللهو و اللعب و قتل الوقت كما يقول البعض أو بداعي تحصيل المال، و ان كان تحصيله بوسيلة غير شرعية، شملتها أدلة تحريم اللهو و اللعب، فيحرم إجراؤها و ان كانت بغير عوض، و إذا كانت مع الأعواض فهي أشد حرمة و أمض عقوبة من اللّه.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 374

(المسألة 23):

تحرم الأعمال التي تعدّ من اللعب و اللهو عرفا، و تكون هذه الأعمال مع الاجتماع لها لهذه الغاية أشد حرمة و جرما، ثم هي مع استصغار أمرها و الاستهانة بنهي اللّه عنها تكون أشد من ذلك تحريما و مقتا و عقوبة عند اللّه، فإذا تعاظم الاستصغار لها و بلغ إلى درجة الإصرار على معصية اللّه و التمرن و الاعتياد عليها اشتد الأمر فيها و تعقد و تلبّد و كلما ازداد الإصرار و الاعتياد كبرت الجريمة و العقوبة و المقت من اللّه سبحانه ثم يكون تأثيرها أشد و أعمق و

جرحها أنكى و أمض إذا هي وقعت في أدوار الشباب، و هي زهرة الحياة و أيام التفتح و البناء النافع المجدي للشخصية المؤمنة المتكاملة، فلا بدّ من اليقظة، و لا بد من الوعي و لا بد من الحذر، و خصوصا في العصور التي كثرت فيها الدعايات لهذه الأمور و تنوّعت أسباب الإغراء و الفتنة بها و أساليب الدعوة إليها (إِنَّ الشَّيْطٰانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا، إِنَّمٰا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحٰابِ السَّعِيرِ).

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صٰابِرُوا وَ رٰابِطُوا، وَ اتَّقُوا اللّٰهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

(المسألة 24):

يجوز التنافس في الأعمال الراجحة في الحياة الدنيا، و في الأعمال المباحة فيها من اللّه (عز و جل) و لم يرد فيها منه نهي و لا تحريم، و يجوز التسابق فيها مع العقلاء، فالتنافس و التسابق إذا كان صحيحا مستقيما في اساليبه و غاياته فهو وسيلة كبرى من وسائل الابداع في الفكر، و الارتقاء في الحياة و الابتكار في الأمور و الاعتماد على النفس و الذكاء و المواهب، و التحرر الذاتي عن التبيعات و النفع الكبير الكثير للنفس و للإخوان من بني الإنسان، شريطة أن لا يشغل المؤمنون

كلمة التقوى، ج 5، ص: 375

و المسلمون بهذا التنافس و التسابق عما هو أكبر و أعظم و أجدى لهم و أنفع، و هو ابتغاء مرضاة اللّه و السعي في طلب نائلة، و التوكل الكافي عليه، و شريطة أن لا يشغل المؤمنون و المسلمون بسبب ذلك في ما بينهم، فتتولد الفروق و الا حن و الحزازات، و يبعدون عن الغاية و هم يرومون القرب إليها، فإن مكائد الشيطان و اساليبه في صرف المؤمن عن رضى ربه، و عن سبيل الحق لن تعد و

لن تحصى، و التنافس و التسابق إذا لم يكن صحيحا، و لم يكن مستقيما مع المبادئ الصحيحة السوية كان وسيلة من وسائل الشيطان للتفرق و الشقاق و الشقاء.

يجوز التسابق و التنافس في الأعمال التي ذكرناها إذا خلت عن المحاذير التي يمقتها الله، و يبغض وقوعها من الإنسان الذي كرمه و فضله، و من المسلم و المؤمن على الخصوص، و يجوز دفع العوض من الأموال للسابق فيها إذا كان دفع المال اليه من باب الجعالة له على فعله الذي سبق فيه، و يجوز التبرع له بذلك بقصد التشجيع و التكريم له لسبقه أو لابتكاره أو للمزية التي امتازها على أقرانه.

و لا يجري فيها العقد الشرعي المتقدم ذكره، فإنه يختص بمسابقة ذوات الحافر أو الخف، و بالرماية للنصوص الخاصة، و منها قول الرسول (ص): (لا سبق إلا في حافر أو نصل أو خف).

(المسألة 25):

تصح المسابقة على الظاهر بين الشخصين في العدو على الأقدام، و في السباحة، و في السفن الشراعية و نحو ذلك إذا تعلق بمثل هذه المسابقات غرض يعده الناس العقلاء صحيحا متعارفا لهم، و لم تكن من اللعب و اللهو في نظر أهل العرف، و يجرى فيها البيان الذي تقدم في المسألة الماضية.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 376

(المسألة 26):

من السبق المطلوب الراجح أن يتقدم الطبيب في صناعته حتى تكون له الأولية و التفوق الكبير على أقرانه في كشف الأمراض الخبيثة و المستعصبة، و علاج المصابين بها من بني الإنسان، و ازالة الأوباء و الاخطار بذلك عن حياة كثير من الموبوئين و المعذبين في هذه الحياة، و من السبق المرغوب فيه أن يتقدم السابق فيه في علوم الصيدلة فيكتشف العقاقير و الأدوية الحاسمة للأدواء المتوطنة المزمنة، و التي تزيل البؤس و النعاسة عن نفوس بائسة يائسة، و تعيد لها نضرة الحياة و بهجة الأمل، و من السبق المهم أن يتقدّم الصانع في صنعته و يفوق أقرانه و زملاؤه فيها، و يصبح قدوة و مثلا عاليا لهم في إتقان العمل، و دقة الصنعة و كثرة الإنتاج، و من السبق أن يبرع الخطاط و يبدع في جمال خطّه، و دقي فنّه و يحرز الأولية، و الفوز بين زملائه و هكذا في كل مجال من الصناعات و العلوم و الفنون المباحة و النافعة في هذه الحياة فيمكن فيه السبق و يجوز فيها التسابق و إحراز الفوز و الأولية و تجرى فيها الاحكام التي تقدمت في المسألة الماضية.

(المسألة 27):

الإسلام دين الجد و التكامل و الارتقاء الاختياري في كلّ المجالات التي يمرّ بها المسلم منذ نعومة أظفاره، فهو يجب للتلميذ الصغير من أبنائه منذ مراحله الاولى أن يتقدم في تعلّمه و تلقيه، و يسبق على اترابه، و يجوز الأولية في جميع أشواطه، و يجب للشاب في مراحله المتوسطة أن يتقدم كذلك حتى يبذ أقرانه و يكون السبق له عادة مستمرة، و يحب له في مراحله المنتهية أن يصبح السعي و الجد المتفوق على الآخرين عادة مستقرة في أعماقه، فلا

يقر و لا يهدأ حتى ينال

كلمة التقوى، ج 5، ص: 377

الأولية في كل شوط ممكن.

و الإسلام بالإضافة إلى الطلاب من أبنائه في مدارسهم الدينية، و تعلّمهم فيها، و تكاملهم و ارتقائهم في مناهجها أشد رغبة لهم في أن يتقدموا و يحرزوا الفوز و السبق في اشواطهم في العلم، و اشواطهم في العمل، و اشواطهم في الخلق و اشواطهم في التربية، و أدب النفس، و متممات السعادة لهم و للآخرين من تلاميذهم، و المتبعين لإرشادهم و السائرين على هديهم، و الإسلام بالإضافة الى جميع أبنائه المتبعين لحكمه و حكمته يريد منهم التقدم و السبق في التعلم و التعليم و في الأدب و في زكاة النفس و بناء الشخصية فهو يحب حبا عميقا و يرغب رغبة ملحة للمتعلم و المعلم و للأديب و للخطيب و للمرشد و للمسترشد في أن يسبقوا و يتقدموا و يحلقوا في مجالاتهم، حتى يصل دين اللّه بهم الى الغاية التي أرادها لهم، و هي السعادة العامة المتكاملة الحلقات و المجتمع الفاضل المتراصّ البناء المنير الأجواء.

و الإسلام يهيئ نفوس اتباعه و قلوبهم و طباعهم لكل ذلك بمناهجه و تعاليمه، و يفتح أبواب المشاريع له في أنفسهم و أموالهم، فيأمرهم بالاستباق الى الخير و التعاون على البر و التقوى، و يعدّ لهم الضمانات الاجتماعية الكفيلة بذلك و غيرها مما يطول شرحه، و يضيق هذا المجال عن بيانه، و النصوص التي تدعم كلّ هذه الجهات كثيرة وفيرة.

(المسألة 28):

يجري في هذه المسابقات كلها ما ذكرناه في المسألة الرابعة و العشرين فيجوز دفع العوض للسابق فيها بعنوان الجعالة له على ما قام به من علم، و يجوز دفع

كلمة التقوى، ج 5، ص: 378

العوض له من

باب التبرع له، مكافأة على سبقه و تميّزه، و مساهمة من المتبرع في بناء المجتمع المسلم، و خدمة للإسلام في تحقيق بعض اهدافه و غاياته و يصح أن يدفع العوض له من باب الاستباق الى الخير، و التعاون على البر، بل و يستحب الاعداد لإجراء هذه المسابقات و دفع الأعواض للسابقين فيها، لما ذكرناه من الوجوه، و للمشاركة في الضمان الاجتماعي الذي يعدّه دين اللّه العظيم لأتباعه، و لا يجري فيها العقد الشرعي المخصوص في المسابقة، و قد بينا وجه ذلك في المسألة المشار إليها.

(المسألة 29):

يحسن إنشاء هذه الرغبة في نفوس التلاميذ الصغار من المؤمنين و بعث الشوق في قلوبهم، بإجراء المسابقة بينهم في حفظ بعض السور من الكتاب الكريم فيمرنون فيها على التلاوة الصحيحة، و يرغبون في حفظ السور منه، و يحرّضون على التسابق في ذلك، و يوعد السابق منهم بالمكافاة له على سبقه، فمن كانت تلاوته أصح و حفظه أتم فهو السابق الأول، و له التكريم في الدرجة الاولى و العوض التام المعيّن في المسابقة، و من كان أدنى من ذلك فهو في الدرجات اللاحقة من السبق، و له الحصة الثانية أو الثالثة من العوض، و يبتدأ معهم بالسور الصغيرة و يكبر التمرين معهم كلما كبر سنهم، و ازدادت قوة حفظهم و نشطت ملكات إدراكهم، ثم يزادون مادة من التفسير الواضح و معاني الكلمات المفردة في اللغة.

و يمكن أن تكون الدربة لهم مع تقدم السن بحفظ بعض النصوص المنتخبة من الحديث النبوي الشريف، و من خطب نهج البلاغة و كلمات بعض المعصومين (ع) مع اضافة بعض الشرح و بعض الإيضاح، و يعد للسابق جزاؤه و للاحق

كلمة التقوى، ج 5، ص: 379

مكافأته على

النهج المتقدم في سبقهم في حفظ القران.

الفصل الثاني في الرماية و ما يتعلّق بها
(المسألة 30):

يراد بالرماية هنا المسابقة بين شخصين أو بين فريقين في الرمي ليعرف من هو أدقّ في إصابة الغرض، و أكثر في عدد الإصابة من غيره، و تسمى أيضا بالمناضلة، و تطلق الرماية أيضا على المناضلة بالسيوف و الرماح و الحراب من ذوات النصل، و ان كان الضرب بالسيف أو بالرمح لا يسمّى رميا، و الرماية كالمسابقة بين ذوات الحافر و الخف و نظيرتها في الشرعية و الأحكام، فالحث و التأكيد الشرعي في النصوص وارد فيهما على السواء، و هما معا من أعداد القوة المستطاعة لقتال من يجب قتاله و ارهابه من أعداء الإسلام، و لتأديب من يجب تأديبه من غيرهم، و يصح في الرماية أيضا ان تكون بعوض و ان تقع بغير عوض و تطلق كلمة الرماية أيضا على العقد الشرعي المخصوص للمسابقة بين الطرفين و العقد الشرعي المذكور يجري في كل من المسابقتين.

(المسألة 31):

يشترط في صحة المناضلة في الرمي شرعا جميع ما يشترط في مسابقة ذوات الخف و الحافر فلا بد فيها من تعيين المسافة بين موقف الرامي و الغرض الذي ترام اصابته، و لا بد من تعيين العوض الذي يجعل للسابق، و يجري عليه العقد بين الطرفين على النحو الذي بيناه في المسألة السابعة، و لا بدّ من تعيين عدد الرمي

كلمة التقوى، ج 5، ص: 380

و تعيين عدد الإصابة و صفتها كما سيأتي، و لا بد من تماثل الصنف في إله الرمي فتكون إله كل من المتناضلين من السهام، أو من الحراب أو من السيوف مثلا، فلا تصح المناضلة إذا اختلفت آلاته، و يعتبر في صحتها أن يكون المتناضلان قادرين عليها، فلا يصح العقد بين عاجزين و لا بين قادر و عاجز،

و تلاحظ المسائل المتعلقة بهذه الشروط من الفصل الأول.

(المسألة 32):

يجرى العقد الشرعي المخصوص في الرماية كما يجري في السبق و يتحدان في نحو إنشاء العقد، و في ما يعتبر في صحة العقد من الشروط، و في ما يصح من العوض فيه، و من يبذله، و لا اختلاف بينهما في شي ء من ذلك، بل الظاهر أن العقد في كلا الموردين عقد واحد، و تفصيل ما يتعلق به في المورد الأول يغني عن اعادته هنا فليرجع الى الفصل الأول من يريد التطبيق هنا.

(المسألة 33):

الرشق بكسر الراء و سكون الشين هو عدد الرميات الذي يعينه المتناضلان للنضال بينهما فيرمي كل واحدا منهما ذلك العدد، و الناضل أو السابق في المناضلة هو من يكون أكثر و أدق اصابة للغرض في ذلك العدد المعيّن.

و الغرض هو رقعة معيّنة يقصد الطرفان اصابتها بالرمي، و قد يجعلان الغرض دائرة أو نصف دائرة و يجعلان في وسطها نقطة معيّنة تسمى في عرف الرماة بالخاتم و يشترطان في السابق أن يصيب أي جزء اتفق من الدائرة أو يشترطان أن يصيب النقطة المعينة في وسطها، و الهدف موقع المرتفع عن وجه الأرض من تراب أو حائط أو غيرهما يجعل عليه الغرض لتتبين رؤيته و تمكن اصابته.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 381

و للسهم في عرفهم أيضا أوصاف كثيرة يعدّدهما علماء اللغة و يذكرون للسهم أسماء باعتبار تلك الأوصاف فمن السهام مثلا ما يصطدم بالأرض ثم يتنقّل و هو بسرعته على وجهها حق يصل الى الغرض، و منها ما يصيب الهدف و لا يصل الى الغرض نفسه، و منهما ما يضرب وجه الغرض فيخدشه خدشا و لا يثبت فيه و منها ما يخرقه و ينفذ منه، و هكذا، و ليس في ذكر هذه الأوصاف و تعداد

أسمائها كبير فائدة في البحث المطلوب، و المدار في صدق السبق على ما يعدّ اصابة للغرض في نظر أهل العرف، فيكون هذا هو المتبع، و إذا لم يوجد بين أهل العرف شي ء يمكن التعويل عليه ليتبع في ذلك، فلا بد من التعيين و الاشتراط في العقد بين المتناضلين، و إذا أهملا ذلك و لم يعينا شيئا يكون العقد باطلا.

(المسألة 34):

تصح المسابقة في الرمي على الأقوى بآلات الرمي الحديثة، و بأسلحة الحرب الموجودة في الأزمنة الحاضرة، و يجوز بذل العوض للسابق فيها إذا كان دفعه اليه بعنوان الجعالة على ما قام به من عمل للإسلام، أو من التبرع له مكافأة له على فوزه و نجاحه في بلوغ الغاية المطلوبة، أو من السبق الى الخير و التعاون على البرّ إذا كانت المسابقة لإعداد القوة للجهاد في سبيل اللّه، و قتال أعداء الإسلام و ارهابهم، و لا يجري فيها العقد الشرعي الخاص للمسابقة على الأحوط.

(المسألة 35):

إذا جرى عقد المسابقة في الرمي بين الطرفين و حصلت المناضلة بينهما و علم سبق السابق فيها ملك للسابق العوض المجعول له في العقد كما تقدم في نظيرتها، و لا يملك العوض بنفس العقد و تلاحظ المسألة التاسعة عشرة.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 382

(المسألة 36):

إذا تم عقد السبق أو الرماية، و جرت المسابقة أو المناضلة و تبيّن سبق السابق، و لما أراد الباذل دفع العوض المعيّن اليه ظهر أن العوض المعين له مغصوب من مالكه الشرعي، كان الأمر في العوض راجعا للمالك، فان شاء أجاز بذل العوض فيصح للسابق أخذه، و يكون الباذل من المالك و ان شاء لم يجز البذل فيصح له أن يأخذ عين ماله من الباذل، و يلزم الباذل أن يدفع مثل العوض أو قيمته للسابق وفاء بالعقد.

و إذا قبض السابق العوض بعد أن تبين سبقه ثم علم بالغصب بعد ذلك جاز للمالك أن يأخذ عين ماله من يد السابق، و إذا أخذه منه و كان الباذل قد غره فدفع العوض المغصوب اليه جاز له أن يرجع على الباذل بمثل العوض إذا كان مثليا و بقيمته إذا كان قيميا، و إذا كان السابق عالما بغصب العوض و لم يكن مغرورا بقبضه لم يرجع على الباذل بشي ء.

(المسألة 37):

إذا بطل عقد السبق أو الرماية بسبب عروض لبعض الطواري، فأوجبت فساد العقد بعد ان كان صحيحا لم يستحق السابق العوض المعين، و كذلك إذا تبين بعد العقد و المسابقة فساد العقد من أصله، فلا يستحق السابق العوض، و لا يترك الاحتياط بان تدفع له أجرة المثل بمصالحة أو غيرها في الصورتين.

(المسألة 38):

إذا اختلف السابق و الباذل في مقدار العوض المعين للسابق في عقد المسابقة فقال السابق: أن العوض ستون دينارا، و قال الباذل: بل هو خمسون لا أكثر قدم قول من ينكر الزيادة مع يمينه، الا أن يثبت الآخر صحة دعواه ببينة شرعية.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 383

كتاب الإقرار

اشارة

كلمة التقوى، ج 5، ص: 385

كتاب الإقرار و بيان البحث في هذا الكتاب يقع في ثلاثة فصول:

الفصل الأول في الإقرار و لوازمه و شروطه
(المسألة الأولى):

الإقرار هو أن يخبر الرجل على وجه قاطع جازم، لا تردّد له فيه و لا احتمال بثبوت حق لشخص أخر يلزم المخبر الوفاء به لذلك الشخص الآخر، أو يخبر كذلك بنفي حق له يلزم ذلك الشخص أن يفي به للمخبر، و من الإقرار أيضا أن يخبر الإنسان بوجود شي ء يستلزم وجوده ثبوت حق للغير يلزم على المخبر نفسه أن يفي به، أو يستلزم ثبوت حكم يجب على المخبر امتثاله، و من الإقرار أن يخبر بنفي شي ء يستلزم نفيه انتفاء حق للمخبر على الغير.

و مثال الفرض الأول أن يقول المخبر لرجل أخر: لك في ذمتي مائة دينار و أن يقول مشتري الدار: أن بائع هذه الدار قد اشترط علي أن يكون له خيار فسخ البيع إذا هو ردّ الثمن بعد مضي سنة من حين وقوع البيع، فهو يملك حق الخيار على رأس السنة إذا ردّ الثمن، و مثال الفرض الثاني أن يقول الشخص للمدعي: لا حق لي في الدار التي تدعى ملكها، و أن يخبر الشريك بأنه لا يستحق الشفعة على المشتري في الحصة التي اشتراها من شريكه.

و مثال الفرض الثالث أن يقول الرجل: إن فاطمة بنت زيد زوجته نفسها

كلمة التقوى، ج 5، ص: 386

و مكنته من حقوق الزوجية، فان ذلك يستلزم ثبوت حق النفقة لفاطمة على المخبر، و ثبوت حق القسمة لها في الليالي، و يستلزم أيضا حرمة زواجه بأختها حتى يطلّقها، و حرمة بنتها عليه إذا كان قد دخل بالأم، و حرمة الزواج بامرأة خامسة إذا كانت فاطمة هي الرابعة من زوجاته، و مثال الفرض الأخير

ان تقول المرأة المطلقة:

ان الزوج الذي طلقها لم يرجع بها حتى انقضت عدة الطلاق، فلا يجوز لها بعد إقرارها بذلك ان تطالب الزوج بحق الإنفاق عليها، و ليس لها أن تمكنه من الاستمتاع بها، أو تنظر اليه أو تلمسه بشهوة إلا بعد عقد جديد.

و قد ذكرنا في أول المسألة أن اخبار الإنسان بحصول الأمر المذكور فيها أو بنفيه انما يكون إقرارا لذا وقع منه على نحو الجزم به، و لهذا التقييد فإذا أخبر الإنسان بحصول الأمر و هو يظن حصوله، أو على نحو الشك و التردد فيه لم يكن اخباره إقرارا، و لم تترتب عليه آثاره.

و المتبع في تبيّن ذلك هو ظهور اللفظ الذي نطق به و دلالته في متفاهم أهل اللغة و اللسان، و ان لم تكن دلالة قطعية أو كانت الدلالة بسبب وجود قرينة عامة أو خاصة من حال أو مقال، فإذا دل اللفظ كذلك على حصول الشي ء، أو نفيه و دل على ان القائل كان جازما بخبره، و ليس ظانا و لا شاكا فيه، كان هذا الاخبار منه إقرارا بالمضمون، و لا اعتبار به إذا لم يكن للفظ ظهور في المعنى المراد، و كان أهل المحاورة يحتملون ان المراد منه شي ء يخالف ذلك.

(المسألة الثانية):

يعتبر في الإقرار أن يكون المخبر عارفا باللفظ الذي نطق به، و عارفا بمعناه الذي يدل عليه عند أهل اللغة، و بالقرينة الموجودة الموجبة لظهور اللفظ في المعنى المراد إذا كان الاعتماد في الظهور على القرينة، فإذا نطق هذا المخبر باللفظ

كلمة التقوى، ج 5، ص: 387

المذكور كان مقرا بمضمونه، سواء كان اللفظ عربيا أم غير عربي، و سواء كان المخبر من أهل تلك اللغة أم من غيرهم.

و بحكم

اللفظ الإشارة المفهمة للمعنى، فإنها ان لم تكن إقرارا حقيقيا فهي بمنزلة الإقرار، فإذا سأل سائل من بائع الدار بعد تمام العقد بينه و بين المشتري فقال له: هل اشترطت لنفسك خيار فسخ البيع إذا أنت رددت ثمن الدار على المشتري؟ فأشار البائع اشارة واضحة تدل على عدم الاشتراط، كانت إشارته بمنزلة الإقرار على نفسه بنفي حق الخيار له، و إذا سئل الرجل: هل تزوجت هندا؟

فأشار بالإيجاب كانت إشارته بمنزلة الإقرار على نفسه بزوجية المرأة، و إذا أشار بالنفي، كانت إشارته بمنزلة الإقرار بعدم الزوجية، فتلزمه أحكام الإقرار في الأمثلة المذكورة.

(المسألة الثالثة):

إذا وقع الاخبار من المخبر على الوجه الذي أوضحناه كان إقرارا من المخبر على نفسه بمضمون الخبر، و ان لم يكن قاصدا للإقرار على نفسه، فإذا سأله أحد هل استدنت من زيد مائة دينار؟.

فقال نعم، كان قوله: نعم إقرارا منه بأن ذمته مشغولة لزيد بالمبلغ المذكور و صح للسامع أن يشهد على إقراره به، و كذلك إذا قال و هو في أثناء حديثه مع بعض الناس: يمكنك أن تنكر دين فلان عليك و لا بينة له عليك، كما أنكرت انا دين زيد عليّ فلا يستطيع إثباته، فيكون قوله هذا إقرارا يمكن لمن سمعه منه أن يشهد عليه، و ان لم يكن قاصدا للإقرار، و مثل ذلك أن يدعي عليه المدّعي و يقول له هذه الدار أو هذه الأرض التي بيدك مملوكة لي و ليست لك، فيقول له انني قد اشتريتها منك، فيكون اخباره بشراء الدار منه إقرارا منه بأن المدّعي يملك الدار و دعوى منه

كلمة التقوى، ج 5، ص: 388

بان الدار انتقلت اليه بالبيع، فيؤخذ بإقراره، و عليه أن يثبت صحة ما يدعيه

من البيع بإقامة بيّنة و نحوها.

(المسألة الرابعة):

إذا قال المدعي للإنسان الذي يدعي عليه: ان لي في ذمتك مائة دينار، أو قال له ماذا صنعت بالمبلغ الذي استحقه في ذمتك؟ أو قال له: ان الدين الذي استحقه عليك قد حضر ميعاده، فقال له الرجل: سأدفعه إليك، أو قال له: إنك ذكرتني به و قد نسيته، أو قال له: سيدفعه لك وكيلي فلان، فقد أقر له بالحق، و بمقداره في المثال الأول، و أقرّ له بالحق في المثال الثاني، و أقر له بالحق و بحضور وقته في المثال الأخير.

و لا فرق في الإقرار بين أن تكون دلالة القول عليه بالمطابقة أو بالالتزام و الأمثلة التي ذكرناها في المسألة من القسم الثاني و قد تقدمت لذلك عدة من الأمثلة أيضا.

و إذا أخبر الإنسان بثبوت حق لغيره على نفسه، و علّق في اخباره ثبوت الحق على وجود شي ء معين فقال: ان لزيد عندي أو في ذمتي مائة دينار إذا أنا وجدت المبلغ المذكور مسجلا في دفتري الخاص بالديون، لم يكن ذلك منه إقرارا، فلا ينفذ و لا يثبت له أثر، و نظير ذلك أن يقول لشخص: لك في ذمتي خمسون دينارا، إذا أنا قبضت مثل هذا المبلغ من زيد، فلا يكون إخباره إقرارا، و قد سبق منا أن الإقرار هو الاخبار بثبوت الحق على نفسه على وجه الجزم، و لذلك فيعتبر في الإقرار أن يكون الاخبار بثبوت الحق أو بنفيه منجزا غير معلّق على وجود شي ء أو على عدمه.

(المسألة الخامسة):

كلمة التقوى، ج 5، ص: 389

قد تصحب اخبار المخبر قرينة خاصة تدل على ما يخالف الظاهر من لفظه الذي تكلم به، فلا يتم ظهور اللفظ و لا دلالته على المعنى عند أهل العرف بسبب وجود تلك

القرينة، و ان كان اللفظ ظاهرا أو صريحا في معناه لو لم توجد تلك القرينة، فلا يكون خبره خبرا و لا إقراره إقرارا بسببها.

و مثال ذلك أن يخبر بخبره و هو يضحك من ذلك القول أو يبتسم ابتسامة هازئة أو ساخرة أو يتكلم بلهجة تدل على التهكم و الإنكار للخبر، أو يصحب قوله بحركة رأس أو يد أو عين أو مطّ شفة تدل على شي ء من ذلك، فلا يكون خبره خبرا كما قلنا و لا إقراره إقرارا، و مثل ذلك إذا كان اخباره بالشي ء بإشارة مفهمة لثبوته أو نفيه، أو بقول: لا، أو نعم، بعد سؤال السائل عن وجود الحق أو بغير ذلك مما تقدم ذكره فلا يثبت خبره و لا إقراره مع وجود شي ء من هذه القرائن، و هو أمر معلوم لا يرتاب فيه عاقل، و انما يذكر للتنبيه، و لكي لا تلتبس الحقائق أو الأحكام في بعض الموارد لغفلة و نحوها.

(المسألة السادسة):

إذا أقر الرجل على نفسه بثبوت حق لبعض الناس عليه أو بنفي حق للمخبر على بعض الناس الآخرين، أو أقر بوجود شي ء يستلزم وجوده ثبوت حق على المخبر، أو انطباق حكم شرعي ملزم عليه، أو أقرّ بعدم شي ء يستلزم عدمه مثل ذلك، و كان إقراره جامعا للشرائط المعتبرة فيه لزمه الأمر الذي أقرّ به، و لا ريب في هذا الحكم، بل و لا اشكال فيه بين عامة العقلاء و المشرّعين، و لا الاختلاف في نظرات المشرعين انما حصل لاختلافهم إزاء الشروط التي يعتبرونها في صدق الإقرار، و في ثبوت لوازمه على المقر عندهم.

و الشروط المعتبرة شرعا في تحقق الإقرار و لوازمه متنوعة، فبعض هذه

كلمة التقوى، ج 5، ص: 390

الشروط يجب توفره

في الأمر المقرّبة، و بعضها يعتبر اجتماعه في الشخص المقر نفسه، و بعضها يلزم وجوده في الذات أو الجهة المقرّ لها، و سنوضح كلّ قسم منها في موضعه من المسائل الآتية ان شاء اللّه تعالى.

(المسألة السابعة):

الحق الذي يقر به الإنسان لغيره على نفسه فيلزم المقر أداؤه إليه يصح ان يريد به واحدا معينا من الأشياء التي يمكن للإنسان تملكها، فيعمّ ما إذا كان الشي ء عينا موجودة في الخارج، و مثال ذلك ان يقول الرجل: الدار أو الأرض التي بيدي مملوكة لزيد، أو يقول: نصف هذه الدار أو الأرض مملوك له.

أو كان عينا كلية تشتغل بها الذمة، و مثاله أن يقول: يملك زيد في ذمتي ألف دينار، أو مائة من الحنطة، أو كان منفعة خاصة لعين مملوكة للمقر، و مثاله أن يقول:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 5، ص: 390

فلان يملك حق السكنى في داري هذه مدة سنة، أو يقول: انني أجرت فلانا أحد هذه الدكاكين المعينة التي بيدي، فهو يملك الاتجار في واحد منها مدة ستة أشهر و يصح أن يكون الدكان المستأجر واحدا في الذمة فيكون الحق المقر به منفعة كلية في الذمة، أو كان عملا من الأعمال، و مثاله، أن يقول: يملك فلان علي أن اعمل له في مزرعته أو ضيعته مدة ستة أشهر، أو كان حقا من الحقوق التي تجوز لصاحبها المطالبة بها، و مثال ذلك ان يقول: لزيد علي حق الشفعة في الأرض التي اشتريتها من شريكه، أو يقول: له علي حق الخيار في الدار التي اشتريتها منه.

و كذلك الحال عند ما يقرّ الرجل بنفي

حقه عن رجل أخر، فان الحق المنفي يمكن ان يراد به أيّ واحد معيّن من الأشياء التي تقدّم ذكرها.

و قد يكون المقرّ به امرا خارجيا إذا كان الإقرار به يستتبع ثبوت حق لأحد على المقر، أو يستتبع حكما شرعيا ملزما له، و مثال ذلك أن يقر الرّجل بنسب ولد

كلمة التقوى، ج 5، ص: 391

فيتبع ذلك إلحاق الولد بنسبه و ميراثه منه بعد موته، و أن يقرّ بزوجية امرأة، فيتبع ذلك ثبوت نفقتها عليه و حرمة زواجه بأختها.

و نظير ذلك ما إذا أخبر الرجل بنفي شي ء خارجي، و كان نفيه يستتبع سقوط حق للمقر على غيره أو يستتبع حكما شرعيا ملزما للمقر، و قد ذكرنا في ما مضى أمثلة لذلك.

(المسألة الثامنة):

يشترط في صحة الإقرار و في نفوذه على الشخص المقر أن يكون ثبوت الأمر الذي يقرّ به مما يوجب دخول نقص عليه أو شي ء يضرّ به، كما في الأمثلة الماضية، فإن وجوب حق للغير على المقرّ أو تعلق حكم شرعي ملزم به و ما يشبه ذلك: من الأمور التي تكلّفه و توجب عليه الثقل أو تسبب له تضررا ماليا أو خسارة أو تحمّله كلفة و مؤنة في ماله أو بدنه أو في نفسه، أو في بعض الاعتبارات المتعلقة به، أو تلقى عليه مسئوولية خاصة.

و لذلك فلا ينفذ الإقرار في ما يكون فيه نفع للمقر، و لا ينفذ في ما كون مضرا بالغير، أو مثبتا للحق أو الحكم عليه، و إذا كان ثبوت الشي ء المقرّ به مضرا بالمقر من ناحية أو مضرا بغيره من ناحية أخرى، نفذ الإقرار و ثبت أثره على المقر فيجب عليه تحمل الضرر الذي يلم به، و لم ينفذ و لم يترتب

أثره على الشخص الآخر فلا يجب عليه تحمل شي ء، إلا إذا صدق ذلك الشخص إقرار المقر و شاركه في الاعتراف بما قال، فإذا أقر الرجل بنسب الولد اليه، و اعترف بأنه ولد شرعي له وجب على الرجل المقر أن ينفق على الولد من ماله إذا كان الولد فقيرا محتاجا، و كان الرجل غنيا قادرا على الإنفاق، و لم يجب على الولد أن ينفق على الرجل إذا انعكس الأمر، فكان الولد غنيا متمكنا، و كان الرجل المقر هو المحتاج، و استحق

كلمة التقوى، ج 5، ص: 392

الولد نصيبه من الميراث إذا مات الرجل الذي أقربه قبله، و لا يرث المقر من مال الولد شيئا إذا مات الولد قبل الرجل، إلا إذا صدّق الولد إقرار الرجل بالنسب و اعترف بأبوته، فيثبت وجوب الإنفاق و التوارث من الجانبين، و سيأتي تفصيل الحكم ان شاء اللّه تعالى.

و إذا أقر الرجل بامرأة أنها زوجته شرعا لزمه الإنفاق عليها، و لم يجب عليها أن تمكنه من الاستمتاع بها، و استحقت هي نصيبها من الميراث إذا مات الرجل قبلها، و لم يستحق هو شيئا من ميراثها إذا ماتت قبله، الا إذا أقرأت به زوجا و صدقته في قوله فتثبت الحقوق و الأحكام من الجانبين.

(المسألة التاسعة):

لا يشترط في صحة الإقرار بالشي ء أن يكون المقرّ به أمرا معينا أو أمرا معلوما فيصح الإقرار به إذا كان شيئا مبهما أو مرددا غير معين، و يصح الإقرار به إذا كان مجهولا غير معلوم، فإذا قال الرجل لشخص أخر: لك عندي بعض الأشياء، أو لك عندي حاجة، أو أحتفظ لك بشي ء، صح الإقرار منه، و نفذ عليه شرعا، و ألزم على الأحوط بأن يبيّن مراده من اللفظ

الذي تكلّم به، و أن يرفع الإبهام و اللبس عنه، فإذا هو بيّن المراد و كان بيانه يتطابق عند أهل العرف و اللسان مع القول الذي نطق به، و يصلح لأن يكون مدلولا له، و يصح أن يكون ذلك المدلول مما يلتزم به مثل هذا المقر لمثل ذلك الشخص، و يكون على عهدته كما هو ظاهر قوله: (لك عندي) قبل منه تفسيره لمقصده و ألزم بأدائه للمقرّ له، و ان كان ما ذكره قليلا، أو كان مما لا يعد مالا، و إذا لم يصلح ما ذكره أن يكون تفسيرا، للفظ الذي نطق به، أو لم يصح أن يكون على عهدة مثله في منزلته و مقامه الاجتماعي لم يقبل تفسيره و لزمه أن يتخلص من تبعة إقراره بوجه صحيح من مصالحة أو نحوها.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 393

و إذا قال للمقر له: لك في ذمتي شي ء، وجب أن يكون المدلول الذي يفسّره به مما يصلح أن يكون في الذمة و تشتغل به، و إذا قال: لك عندي مال، وجب ان يكون الأمر الذي يفسره به مما يعد مالا عند أهل العرف و في حكم الشرع، فلا يقبل منه إذا فسره بخمر أو بخنزير أو بنحوهما مما لا مالية له في حكم الإسلام، و لا يقبل منه إذا فسّره بحفنة من التراب، أو بخرقة بالية أو بحبة حنطة مما لا يعد ما لا في العرف.

(المسألة العاشرة):

إذا قال الرجل لآخر: لك في ذمتي من واحد ذمتي من الحنطة أو من واحد من الأرز مثلا على نحو التردد بين الجنسين، صح إقراره بالمن المردد و نفذ عليه و الزم المقر على الأحوط بأن يعيّن ما في ذمته منهما و

يزيل الإبهام عنه، و إذا هو استجاب و عيّن أحدهما، فقال لصاحبه: الذي تملكه في ذمتي هو منّ الحنطة مثلا قبل تعيينه و لزمه اداؤه، و إذا دفعه الى صاحبه المقر له و رضي به برئت ذمة المقر ظاهرا، و إذا تذكر بعد أن دفع إليه الحنطة أن ما في ذمته للمقر له هو الأرز و ليس هو الحنطة أعلم صاحبه بغلطه في التعيين، و استرد منه ما دفعه اليه و أعطاه الشي ء الثاني، و لا تبرأ ذمته بدفع الأول الا إذا تصالحا، فجعلا ما في ذمة أحدهما عوضا عما في ذمة الآخر، أو أبرأ كل واحد منهما ذمة الثاني، و أسقط حقه عنه.

و إذا عين المقر أحد الأمرين الذين تردد بينهما في إقراره و قال لصاحبه: ان الشي ء الذي لك في ذمتي هو من الحنطة، و أنكر المقر له ذلك، و لم يرض بتعيينه و قال: لست أملك في ذمتك من الحنطة، سقط حقه ظاهرا بسبب إنكاره لإقرار المقر، فلا تجوز له المطالبة به، و لم يسقط حقه واقعا، و لذلك فيجب على المقر- مع الإمكان أن يوصل حقه اليه، و لو بدسه في ماله في الخفاء أو يصالحه عنه.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 394

و إذا طلب من المقر أن يعيّن الشي ء الذي أقرّ به لصاحبه من الأمرين، فقال:

لست أعلم به على التعيين، و صدقه صاحبه في دعوى عدم العلم، فالأحوط لهما أن يرجعا إلى المصالحة بينهما، و إذا أقيمت بينة شرعية على تعيين أحد الأمرين لزم العمل بها، أو رجعا إلى المصالحة إذا شاءا.

(المسألة 11):

إذا كان في يد الإنسان شيئان معلومان من الأعيان الخارجية و لنفرض أحدهما دارا معينة و الآخر بستانا معلوما،

فقال صاحب اليد لشخص أخر: انك تملك أحد هذين الشيئين، أما الدار و اما البستان صح إقراره بالشي ء المردد بينهما و ألزم على الأحوط بأن يعين مراده من الشي ء الذي أقرّ به، و يزيل التردد فيه كما سبق في نظيره، فإذا استجاب المقر و عيّن أحد الشيئين، و قال لصاحبه: الشي ء الذي تملكه منهما هي الدار مثلا، فان صدقه المقرّ له في تعيينه، أو رضي به من غير تصديق، صح تعيينه، و الزم بدفع الدار في المثال للشخص المقر له، و إذا جحد المقر له ما قاله المقر، و لم يرض بتعيينه، و استمر المقر على إقراره و تعيينه، الأول و أصر المقرّ له على جحوده للتعيين، و إنكاره كان ما عينه المقر و هي الدار في المثال الذي ذكرناه من مجهول المالك ظاهرا، فتولى الحاكم الشرعي المحافظة عليها، أو سلمها بيد ثقة يأتمنه على حفظها حتى يتبين أمرها ببينة أو غيرها و يمكن للحاكم الشرعي ان يبقيها في يد المقر إذا كان ثقة مأمونا لا تخشى خيانته فإذا يئس الحاكم من استيضاح الأمر، و لم يمكنه إيقاع المصالحة بين المقر و المقر له عليها، صرفها في باب مجهول المالك.

و إذا أقر الإنسان لغيره بأنه يملك احد الشيئين، الدار أو البستان كما في المثال المتقدم، و جهل المقرّ و المقرّ له أي الأمرين هو الذي يملكه المقرّ له، و لم يعلما

كلمة التقوى، ج 5، ص: 395

من ذلك شيئا، و لم يمكنها التعيين و لا إقامة البينة، تخلصا من الإشكال بالمصالحة بينهما.

(المسألة 12):

يشترط في صحة الإقرار: أن يكون المقر بالغا، فلا يصح الإقرار و لا ينفذ إذا صدر من الصبي قبل أن يبلغ الحلم، و

ان كان إقراره بإذن وليه الشرعي، و كان مميزا رشيدا، و حتى إذا أكمل السنة العاشرة من سني عمره و كان إقراره في ما يصح منه فعله و إيقاعه، و هو الوصية بالمعروف و وجوه الخيرات و المبرات على الأحوط في الإقرار الأخير.

و يشترط في صحته أن يكون المقر عاقلا، فلا يصح إقرار المجنون سواء كان جنونه مطبقا أم ذا أدوار، و كان إقراره في دور جنونه، و يصح إقراره إذا وقع في دور إفاقته.

و يشترط في صحته أن يكون المقر قاصدا للمعنى المراد في اخباره و مختارا فيه، فلا يصح الإقرار إذا كان المقر سكران في حال إقراره أو غضبان لا قصد له لشدة غضبه، أو كان هازلا غير جاد في خبره، أو ساهيا أو غافلا ينطق بدون وعي كامل، أو كان مبرسما، و المبرسم هو من تصيبه بعض الحميات أو الأمراض الحادة، فيفقد شعوره و ينطق من غير قصد، و لا يصح إقراره إذا كان مكرها لا اختيار له.

(المسألة 13):

إذا أخبر الصبي عن نفسه بأنه قد بلغ، لم يثبت بلوغه باخباره، سواء قصد بذلك ان يرفع عن نفسه الحجر و يتسلم أمواله و يتخلص من ولاية الولي، أم أراد بذلك الإقرار على نفسه ليثبت عليه حدا شرعيا عن ذنب قد ارتكبه و يتخلص من

كلمة التقوى، ج 5، ص: 396

تأنيب الضمير، و قد سبق في المسألة السابقة أن إقرار الصبي غير نافذ ما لم يثبت بلوغه، فإذا هو ادعى البلوغ بنبات الشعر الخشن في موضع العانة من جسده، فحص عن ذلك ليعلم بالاختيار صحة قوله، و إذا ادعى البلوغ بإكمال السنة الخامسة عشرة من عمره طلب منه إقامة البينة الشرعية على صحة دعواه،

و إذا ادعى البلوغ بالاحتلام أشكل الحكم بثبوت دعواه بمجرد قوله مع اليمين و بغير يمين.

(المسألة 14):

يشترط في صحة الإقرار أن يكون المقر رشيدا غير محجور عليه، فلا يصح إقراره إذا كان سفيها، فان كان سفهه مختصا بالتصرفات المالية لم يصح إقراره إذا كان متعلقا بالمال، و يصح منه الإقرار المتعلق بغير المال من التصرفات الأخرى كما إذا أقر بطلاق زوجته أو بجناية على غيره توجب القصاص في بدنه، و كما إذا أقر على نفسه بأحد الإقرارات التي توجب الحدّ كالزنا و القذف و شرب الخمر.

و إذا أقر السفيه المحجور عليه في المال على نفسه بالسرقة و شبهها من الأمور التي تشتمل على الضمان المالي، و على غيره نفذ إقراره في غير جهة المال، فيقام عليه الحد الشرعي إذا أقر بالسرقة، و لا يقبل إقراره في جهة المال، و هكذا إذا أقر بخلع زوجته، فيقبل إقراره و ينفذ عليه بفراق الزوجة و بينونتها منه، و لا ينفذ في الفدية، و تراجع المسألة الحادية و الأربعون من كتاب الحجر من هذه الرسالة.

و إذا كان سفه السفيه عاما يوجب الحجر عليه في جميع التصرفات المالية و غيرها، لم يصح إقراره في الجميع، و يلاحظ ما حررناه في مبحث الحجر على السفيه من الرسالة.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 397

(المسألة 15):

يصح الإقرار إذا صدر من المفلّس المحجور عليه، و لا يكون الحجر عليه مانعا من نفوذ إقراره على نفسه، من غير فارق بين أنواع الإقرارات، فإذا هو أقر بعد تحقق فلسه و الحجر عليه في أمواله بأن لزيد عليه دينا في ذمته سابقا على تاريخ الحجر عليه، صح منه هذا الإقرار و نفذ عليه، و نفذ على الديان الغرماء، فيكون زيد الذي أقر له بالدين شريكا معهم في الاستحقاق، و يضرب معهم في الأموال التي

تعلّق بها الحجر، و يأخذ من الأموال بنسبة مقدار دينه الى مجموع الديون، و تثبت له فيها حصة من الحصص و قد ذكرنا هذا في المسألة الثانية و الستين من كتاب الحجر.

و إذا أقر المفلس بعد الحجر عليه فقال: ان لزيد علي دينا حادثا قد استدنته منه بعد وقوع الحجر، صح الإقرار و نفذ عليه كذلك و لكن هذا الدائن الجديد لا يشارك الغرماء السابقين، فلا يضرب معهم في الأموال الموجودة و التي تعلق بها الحجر فيبقى دينه الى ما بعد ارتفاع الحجر، و تلاحظ المسألة الثالثة و الستون من كتاب الحجر.

و ذا أقر المفلس بعد الحجر عليه و منعه من التصرف في أمواله الموجودة، فقال: ان هذه العين الخاصة من الأموال الموجودة التي بيدي ليست ملكا لي بل هو مملوكة لزيد، نفذ إقراره على نفسه، و لم ينفذ على الغرماء، فإذا اتفق ان العين التي أقربها بقيت في يده حق استوفيت ديون الغرماء، و ارتفع الحجر عنه لزمه أن يدفع العين المذكورة لزيد الذي أقر له بملكها، و إذا لم تسدّد الديون و لم تسقط حقوق الغرماء أشكل الحكم في العين المقر بها، و لا بد فيها من مراعاة الاحتياط.

(المسألة 16):

إذا أقر العبد الملوك على نفسه بمال لغيره، فقال: ان لزيد في ذمتي مائة دينار

كلمة التقوى، ج 5، ص: 398

أو قال: ان هذه العين التي بيدي مملوكة لزيد، و صدّقه مالكه في ما قاله، نفذ الإقرار عليه، و لزمه الوفاء به بالفعل، و لم ينتظر به الى ما بعد العتق، و كذلك إذا أقر على نفسه بما يوجب عليه الحد أو التعزير الشرعي أو بجناية على غيره توجب القصاص من المقر في نفسه،

أو في بعض أعضائه، أو توجب عليه الدية في ماله و صدّقه مالكه في مال قال، فينفذ إقراره بالفعل و يؤخذ به، و لا ينتظر الى ما بعد العتق.

و إذا أقر لغيره بمال في ذمته أو بعين أو منفعة في يده، أو أقر بما يوجب عليه الحد الشرعي أو التعزير، أو القصاص أو الدية، و لم يصدقه مولاه في قوله، لم ينفذ إقراره عليه بالفعل، لأنه إقرار في حق مالكه، فإذا أعتقه مولاه أو انعتق العبد بسبب أخر يوجب الانعتاق، نفذ عليه الإقرار بعد العتق، و لزم العمل بموجبه.

(المسألة 17):

يصح لمالك العبد ان يجعله وكيلا عنه في التجارة للمالك نفسه، و ان يجعله مطلق الحرية في التصرف في ما يتعلق بهذه التجارة من البيع و الشراء، و الأخذ و الرد و البيع نقدا و في الذمة و الشراء كذلك، حسب ما تقتضيه قوانين التجارة و قواعدها المألوفة بين الناس، فإذا و كله في التجارة على هذه الوجه، و اذن له في جميع ذلك كان هذا العبد الوكيل نافذ الإقرار و التصرف في ما يتعلق بتجارته و بعمله فيها سواء أقر بثبوت حق للآخرين عليه أم بنفي حق له على الآخرين، و لا يعم اذن المالك له غير هذه التجارة، فإذا أقر بمال أو بأمر يتصل بها لم ينفذ إقراره إلا إذا صدقه سيده، فان هو لم يصدقه فيه لم ينفذ الإقرار بالفعل، و اتبع به بعد ان يعتق أو ينعتق بسبب يوجب ذلك.

و يصح لمالك العبد ان يأذن له في ان يتجر لنفسه لا للمولى، و يأذن له بجميع

كلمة التقوى، ج 5، ص: 399

التصرفات التي تتعلق بعمله و معاملته في التجارة على نهج ما

تقدم في الفرض السابق، فيجري فيه مثل تلك الأحكام، و تنفذ إقراراته التي تتعلق بتجارته بموجب هذا الاذن العام في كل ماله و ما عليه، و لا يصح تصرفه و لا ينفذ إقراره في غيرها إلا بإذن من مولاه، و إذا لم يأذن له المولى و لم يصدقه في الإقرار اتبع به بعد العتق.

(المسألة 18):

يشكل الحكم بالصحة في أن يسقط المولى عن عبده المملوك له وجوب الاستئذان منه في جميع تصرفاته و إقراراته التي يوقعها، أو أن يأذن له في ذلك إذنا عاما يفعل فيه ما يشاء كما يشاء، و لا يحتاج الى الاذن من السيد في الموارد الخاصة التي تجد له ما دامت الحياة، بل الظاهر عدم صحة ذلك، فان العبد مملوك لا يقدر على شي ء، و هذا حكم من أحكام العبد المملوك اللازمة له، و ليس حقا من حقوق المولى و لذلك فلا يصح بل لا يمكن للمولى أن يسقطه الا بالعتق فإنه يرفع الموضوع.

(المسألة 19):

يصح إقرار المريض و ان كان في مرض موته، و ينفذ عليه كما ينفذ إقرار الصحيح السليم، سواء أقر لبعض وارثيه أم لشخص لا يرثه، و سواء أقر له بدين في ذمته أم بعين موجودة في يده.

و إذا أقر بذلك ثم مات في مرضه، و لم يكن متهما في إقراره نفذ الإقرار منه و لزم على الوصي أو الوارث أن يدفع المال الذي أقر به ذلك الميت قبل موته من أصل تركته، و إذا كان متهما نفذ الإقرار منه كذلك و يدفع المال الى المقرّ له من ثلث تركة الميت المقرّ، و إذا قصر ثلثه و لم يكف للوفاء بالمال المقر به لم ينفذ الإقرار في المقدار الزائد من المال على الثلث، فينفذ الإقرار في البعض و يسقط في البعض.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 400

و المراد بالمريض المتهم هنا هو من تدل القرائن على أنه يريد تخصيص الشخص الذي أقر له بالمال الذي أقر به أو يريد ان يحرم الورثة الآخرين منه.

(المسألة 20):

يشترط في صحة الإقرار بالمال أن يكون المقر له ممن له قابلية تملك المال أو الاختصاص به كالإنسان مثلا، فإنه ممن ثبتت له هذه القابلية، سواء كان كبيرا أم صغيرا، و ذكرا أم أنثى، و عاقلا أم مجنونا، و لذلك فيصح الإقرار للإنسان بجميع الأقسام المذكورة، سواء كان المقر له واحدا أم متعددا، و مثال ذلك أن يقول المقر:

يملك زيد في ذمتي عشرين دينارا مثلا، أو يقول: يملك زيد و عمرو في ذمتي عشرين دينارا، أو لهما عندي هذا المبلغ، أو يقول: يملك أولاد عبد اللّه الثلاثة أو الأربعة هذه الدار التي بيدي، أو هذا البستان، أو لهم عندي مبلغ مائة دينار.

و يصح

ان يقرّ الرجل لعنوان عام ينطبق على كثير من الافراد، فيقول: للفقراء عندي أو في ذمتي ألف دينار، أو يقول: عندي للفقراء من بني هاشم أو للفقراء من أهل هذا البلد مبلغ كذا من المال.

و إذا أقر الرجل بالمال لعنوان كثير الافراد أو قليلها، فعليه ان يعين ان المال المقر به لافراد هذا النوع أو هذا الصنف كلهم على وجه الاستيعاب لكل فرد فرد منهم، أو هو لهم على نحو التقسيم فيهم، و لو على بعضهم.

و يصح للرجل ان يقر بالمال لمسجد أو لمشهد أو لمدرسة أو مقبرة أو رباط معينة أو غير معينة، فإن المال قد يكون منذورا لينفق في هذه الجهات، و قد يكون من غلة أرض موقوفة عليها، أو من مال اوصى به الموصى لينفق فيها و لذلك، فيصح الإقرار به، و ينفذ على المقر، و عليه أن يفي بما أقر به و يقوم بأدائه حسب ما يعين في إقراره.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 401

(المسألة 21):

لا يصح الإقرار بالمال لبهيمة من البهائم أو لحيوان من الحيوانات، فإنها غير قابلة لتملك المال أو الاختصاص به فيكون الإقرار لها بالمال باطلا، إلا في موارد نادرة يمكن تصورها و قد لا يتفق وجودها و مثال ذلك أن يكون المال منذورا أو موصى به لعلف خيل المجاهدين، أو لانعام الصدقات و ما أشبه ذلك، فيمكن أن يحصل الاختصاص بها في هذه الموارد و يصح الإقرار لها.

و لا يصح الإقرار لشخص بشي ء لا يثبت له تملكه في الإسلام، و مثال ذلك ان يقر الرجل لرجل مسلم بخمر أو خنزير.

(المسألة 22):

إذا أقر الرجل على نفسه بحق من الحقوق اللازمة غير المالية كحق القصاص في النفس، أو بإحدى الجنايات التي توجب القصاص في الطرف، أو الضمان للدية أو الأرش، فالمقر له هو الإنسان الذي يثبت له ذلك الحق، و الحق نوع من الملك فلا يثبت لغير الإنسان، و إذا أقر على نفسه بما يوجب الضمان لبهيمة قد غصبها أو أتلفها أو أحدث فيها عيبا، أو نقصا أو كسرا، فالمقر له هو مالك البهيمة.

(المسألة 23):

إذا أقر الإنسان لعبد مملوك بمال يملكه العبد في ذمة المقر أو يعين في يده فالمقر له هو العبد نفسه، و الأحوط له أن يستأذن من مالك العبد في دفع المال اليه و إذا أقر بجناية جناها على العبد فالمقر له هو مالك العبد، فلا يكفى أن يرضي العبد أو أن يسقط العبد حقه من الجناية ما لم يرض المالك أو يسقط حقه.

(المسألة 24):

لا يعتبر في صحة الإقرار من الإنسان أن يكون المقر له شخصا معينا غير

كلمة التقوى، ج 5، ص: 402

مردد في الإقرار، و لا ان يكون فردا معلوما غير مجهول، فإذا قال الرجل: هذه الأرض التي بيدي مملوكة اما لزيد أو لعمرو قبل منه إقراره، ثم ألزم بأن يعيّن المالك الحقيقي للأرض من الرجلين اللذين أقر لهما، فإذا عيّنه و قال: مالك الأرض المذكورة هو زيد، و صدقه الشخص الآخر و هو عمرو في تعيينه أو رضي بقوله و لم ينازع، قبل منه الإقرار و التعيين، و عليه أن يدفع الأرض لزيد، و إذا أنكر عمرو تعيين المقر، و لم يقبل به وقعت المخاصمة بين المقر و هو المدعي و بين عمرو و هو المنكر.

و كذلك إذا قال الرجل: الدار التي بيدي لرجل من أهل هذه القرية أو لرجل من بنى هاشم، فيقبل منه الإقرار و يلزم شرعا بأن يعين الرجل المقصود من أهل القرية أو من بني هاشم، فإذا عيّنه قبل تعيينه، و دفعت الدار المقر بها اليه، و إذا ألزم بتعيين الرجل الذي يملك الدار، فقال: لست اعلم به حتى أعيّنه لم يلزم بذلك، و إذا ادعى عليه أحد الطرفين أو أحد الأطراف الذين أقر لهم بأنه يعرف شخص المالك

الحقيقي للدار، و أنكر المقر معرفته على الخصوص أحلف على عدم العلم، و سقط عند الإلزام.

(المسألة 25):

إذا أقر الإنسان لأحد بحق لازم من الحقوق المالية أو غيرها فقال: ان سعدا يملك علىّ حق الشفعة في الحصة التي اشتريتها من شريكه، أو قال انه يملك حق الخيار في الدار التي اشتريتها منه و لما سمع المقر له و هو سعد قوله جحد ذلك و قال: ليس لي هذا الحق عندك، أو قال: لست أملك عليك حقا اطالبك به، برئت ذمة المقر من ذلك الحق الذي اعترف به.

و إذا أقر للغير بمال أو بدين في ذمته فقال: يملك إبراهيم في ذمتي مائة دينار

كلمة التقوى، ج 5، ص: 403

و لما سمع المقر له أنكر أن الرجل مدين له بالمبلغ الذي ذكره، أو قال: ليس لي في ذمة هذا الرجل شي ء، أو قال: ليس لي عنده قليل و لا كثير، برئت ذمة المقر ظاهرا من هذا الدين، فلا يحق للمقر له أن يطالب المقرّ بالدين بعد إنكاره، و لم تبرأ ذمته إذا كان مدينا له في الواقع، فيجب عليه ان يوصل الدين اليه و لو من حيث لا يعلم أو يصالحه عنه.

و إذا رجع المقر له عن إنكار الدين، فقال: فحصت دفاتري فلم أجد ذكرا للدين، و لذلك أنكرته، ثم وجدته في دفتر مخصوص، جازت له المطالبة به و أخذه من المقر إذا دفع المال اليه، و هذا إذا كان المقر بالدين لا يزال مقرا به، و إذا رجع عن إقراره الأول أشكل الحكم بوجوب الدفع إليه في هذه الصورة.

(المسألة 26):

إذا أقر إنسان لغيره بعين موجودة في يده، فقال: ان هذا المتاع أو هذا الجهاز أو هذه الدار التي بيدي مملوكة لإبراهيم و لما سمع المقر له بذلك أنكر قوله و قال ان الرجل

مخطئ و ليست العين التي ذكرها مملوكة لي، أصبحت العين المقر بها مجهولة المالك بحسب ظاهر الحال، فيستولي عليها الحاكم الشرعي، أو من يعتمد عليه، لتحفظ عنده حتى يتبين أمرها و يعلم مالكها، و يجوز للحاكم إبقاؤها في يد المقر نفسه إذا اطمأن على حفظها مع بقائها في يده، و تراجع المسألة الحادية عشرة فقد بينا فيها بقية متعلقات المسألة و أحكامها.

و إذا رجع المقر له و هو إبراهيم عن إنكاره لتملك العين و اعترف بها جرى فيه نظير الحكم الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة، في فرض الإقرار بالدين إذا أنكره المقر له، ثم رجع بعد ذلك عن إنكاره، فليلاحظ ليطبق هنا.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 404

(المسألة 27):

إذا أقر شخص لغيره بدين عليه، أو بمال في يده، فقال: ان سعدا يملك الدين أو المال، و ذكر في إقراره ان مقدار ذلك الدين، أو المال الذي يملكه الرجل المقر له عنده، مردد بين ان يكون مائة دينار فقط و ان يكون مائة و خمسين دينارا، و هو لا يدري بمقداره على التعيين، أجزأ المقر أن يدفع له أقل الأمرين، و هو المائة دينار و لم يجب عليه دفع الزائد.

(المسألة 28):

إذا أقر الشخص لغيره بدين مؤجل إلى أجل مسمى ثبت للمقر له ذلك الدين الى ذلك الأجل المعين، فلا يحق له أن يطالب المقر بالدين قبل حضور ذلك الوقت و إذا أقر له بدين مؤجل و قال في إقراره: ان الدين الذي يملكه الرجل في ذمتي مؤجل اما الى شهر واحد و اما الى شهرين، و لست أعلم بمقدار الأجل على وجه التعيين، ثبت الدين للرجل المقر له إلى الأجل الأبعد منهما، فلا تحقّ له المطالبة بالدين قبل ذلك، و كذلك إذا أقر له بدين، و تردد في أمر الدين بين ان يكون حالا في الوقت، و أن يكون مؤجلا إلى شهر مثلا، فيؤخذ بإقراره و يثبت الدين للمقر له مؤجلا و لا تجوز له المطالبة بالدين قبل حلول الأجل الذي ذكره.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 405

الفصل الثاني في بعض ما يلحق الإقرار و يتبعه.
(المسألة 29):

إذا أقر الرجل لأحد بأنه يملك في ذمته مبلغا معينا من النقود، و أطلق قوله و لم يعين نقدا خاصا، فالمراد به النقد الموجود في بلد المقر، سواء كان النقد الموجود فيه من الذهب أم من الفضة أم من غيرهما، و سواء كان خالصا في جنسه أم مخلوطا من جنسين أو أكثر، و كذلك إذا أقر له بمبلغ من العملة الورقية، و أطلق القول و لم يعين عملة خاصة منها، فيكون المراد من إقراره العملة الدارجة في بلد المقر من اي فئة كانت، فإذا قال الرجل: يملك عبد اللّه في ذمتي مائة دينار، فالمراد هو الدينار الموجود في بلد الرجل المقر، فإذا كان من أهل العراق مثلا كان مضمون إقراره أنه مدين لعبد اللّه بمائة دينار من العملة الموجودة في العراق و يجزيه أن يؤديها للمقر له من

أي الفئات الموجودة في البلد، فله ان يفي دينه من الفئة ذات الدينار الواحد أو الخمسة دنانير أو العشرة أو الأكثر، بل و يجوز له ان يدفع الدين من الفئة ذات النصف دينار أو الربع الموجودة في البلد.

و هذا إذا كان الحق الذي أقر به أمرا كليا كالدين و ثمن المبيع و ما يشبه ذلك:

و إذا كان المال المقر به وديعة، فلا بد له من أن يدفع العين المودعة بذاتها إذا كانت موجودة في يده.

و إذا أقر له بالمبلغ، و كان في بلد المقر نوعان من النقد الذي أقر به، فالمراد

كلمة التقوى، ج 5، ص: 406

في إقراره هو النقد الغالب في المعاملات الجارية بين الناس من أهل البلد و لا يجزيه أن يدفع الحق من النقد غير الغالب، و لا يحق للمقر له أن يطالب المقر به الا إذا اتفق الجانبان على الاكتفاء به، و إذا أقر له بالحق و عين في إقراره، نقدا خاصا لزمه ان يدفع للمقر له ذلك النقد الذي عينه، و ان كان من غير الغالب أو من نقد غير البلد.

و إذا وجد في البلد نقدان مختلفان و هما متساويان في معاملة الناس بهما و لا غلبة لأحدهما على الثاني رجع الى المقر نفسه في تعيين النقد الذي اراده في إقراره.

(المسألة 30):

إذا أقر الإنسان لأحد بحق، و كان الحق الذي أقر به مما يوزن أو يكال، فان عين في إقراره وزنا أو كيلا خاصا ثبت ما عينه، و لزم العمل به، و ان لم يكن متعارفا في البلد، و إذا أطلق إقراره بالحق و لم يعيّن شيئا فالمراد الوزن و الكيل الموجود ان في بلد المقر، و يجرى فيه التفصيل

الذي تقدم في النقد، و تلاحظ المسألة السابقة.

(المسألة 31):

إذا أقر أحد لغيره بشي ء و ذكر أن الشي ء مودع في ظرف، ثبت إقراره بالشي ء المظروف وحده و لا يكون اخباره به إقرارا بالظرف معه، فإذا قال: عندي لسعيد عشرة دنانير في محفظة نقود كان قوله إقرارا لسعيد بالدنانير العشرة و حدها و ليس إقرارا بالمحفظة معها، و إذا قال: له عندي عشرة أمنان من الحنطة في اكياس كان إخباره إقرارا بأمنان الحنطة لا بالاكياس مع الحنطة، فلا يحق لسعيد أن يطالبه بالمحفظة أو بالاكياس و ما فيها، الا ان توجد قرينة تدل على ارادة الظرف مع المظروف، فيقول مثلا: لسعيد عندي عشرة دنانير مع محفظتها، أو عشرة أمنان من

كلمة التقوى، ج 5، ص: 407

الحنطة مع اكياسها فيكون إقرارا بالأمرين.

و كذلك لا حكم في العكس، فإذا أقر الشخص لغيره بالظرف لم يكن ذلك إقرارا له بالشي ء المودع فيه، و مثاله ان يقول: لسعيد عندي عشرة اكياس فيها حنطة، أو له عندي محفظة فيها نقود، فقوله إقرار لسعيد بالظروف خاصة و لا يعد إقرارا بالحنطة مع الأكياس أو بالنقود مع المحفظة، الا مع وجود قرينة ظاهرة تدل عليه فيكون إقرارا بهما، و لا اعتبار بالاحتمال.

(المسألة 32):

إذا أقر الرجل بشي ء ثم أقر بعده إقرارا أخر، و عطف إقراره الثاني على الأول بكلمة (بل) اتبع في إقراره ما يظهر عند أهل العرف و اللسان من مجموع قوله في الاخبار عن ذلك، و له عدة صور كما سيأتي:

(الصورة الأولى): أن يقر الإنسان لأحد بشي ء، ثم يقر لذلك الرجل أيضا بشي ء أخر يختلف عن الشي ء الأول، و مثاله أن يقول: يملك عبد اللّه في ذمتي منا من الحنطة، بل يملك فيها منا من الأرز، و الظاهر من هذا القول

في متفاهم أهل العرف: انه قد أقر لعبد اللّه بالاقرارين كليهما، فهو يملك في ذمة المقر من الحنطة و من الشعير فيلزمه أن يدفع للمقر له كلا المنّين، و يصح لعبد اللّه أن يطالبه بهما و هذا هو الأقوى الا ان تدل قرينة قوية الظهور على أن كلمة (بل) في الإقرار الثاني كانت للإضراب عن إقراره الأول، و انه قد غلط في هذا القول، أو توهم فأقر إقراره الثاني ليصحح غلطه، فيكون هذا هو الثابت.

و يجري هذا في كل مورد يقول الإنسان فيه مثل هذا القول، و يكون الشي ء الثاني المقر به مختلفا عن الشي ء الأول في الجنس، فإن إخباره كذلك يكون إقرارا بالشيئين معا، و يلزمه دفعهما الى المقر له، الا إذا ثبت غلطه و اضرابه عن الإقرار

كلمة التقوى، ج 5، ص: 408

الأول بوجه ظاهر عند أهل العرف.

و كذلك إذا قال الرجل مثل هذا القول و أقر مثل هذا الإقرار بشيئين معينين في الخارج فقال مثلا: يملك سليمان هذا الدكان الذي بيدي بل هذا الدكّان، أو قال:

يملك هذا المتاع بل هذا المتاع، فيجري فيه نظير الحكم المتقدم.

(المسألة 33):

الصورة الثانية: ان يقر الرجل لغيره بمقدار من الجنس، ثم يقر لذلك الشخص نفسه بأكثر من ذلك المقدار من الجنس الأول، و يعطف الإقرار الثاني على الأول بكلمة (بل) فيقول مثلا: لسليمان عندي أو في ذمتي من واحد من الحنطة بل له عندي منّان من الحنطة، أو يقول: له عندي خمسة دنانير بل عشرة دنانير و الظاهر من هذا القول انه يقر لسليمان بالعدد الأكثر من ذلك الجنس، فهو يملك عند المقر منّين من الحنطة في المثال الأول و يملك عنده عشرة دنانير في المثال الثاني،

و لا يكون إقرارا بكلا العددين: الأقل و الأكثر معا كما في الصورة الأولى.

و كذلك الحكم إذا قدم العدد الأكثر في الذكر على العدد الأقل فقال: له عندي أو في ذمتي منّان من الحنطة بل من واحد منها: أو قال له عندي عشرة دنانير بل خمسة دنانير فيكون قوله إقرارا بالعدد الأكثر في المثالين و لا يكون إقرارا بثلاثة أمنان من الحنطة أو بخمسة عشر دينارا. و أوضح من ذلك في الظهور أن يقر كذلك في عين خارجية فيقول: له هذه الغرفة من الدار بل له الدار كلها.

(المسألة 34):

(الصورة الثالثة): ان يقر لأحد بشي ء معين موجودة في الخارج يكون في يد المقر، ثم يقر بذلك الشي ء المعين نفسه لشخص آخر غير الأول فيقول مثلا: هذه الدار التي بيدي مملوكة لزيد بل هي مملوكة لعمرو، و الظاهر أن ما قاله المخبر في

كلمة التقوى، ج 5، ص: 409

هذه الصورة يحتوي على إقرارين لازمين له، و لذلك فيلزمه أن يدفع الدار المعينة نفسها للشخص الذي أقر له أولا و هو زيد، و ان يدفع قيمة الدار للشخص الثاني و هو عمرو، و إذا كانت العين التي أقر بها للرجلين من المثليات كما إذا قال: هذه الأمنان من الحنطة مملوكة لزيد، بل هي مملوكة لعمرو، لزمه ان يدفع العين ذاتها و هي أمنان الحنطة التي وقع عليها الإقرار- لزيد المقر له أولا، و أن يدفع مثلها لعمرو و إذا كان الشي ء الذي أقر به للرجلين من الأمور الكلية، كما إذا قال: يملك زيد في ذمتي مائة دينار، بل يملك المائة في ذمتي عمرو، لزمه أن يدفع لكل واحد من الرجلين مائة دينار عما في ذمته فلا يكون أحدهما

أصلا و الثاني بدلا عنه.

(المسألة 35):

إذا أقر الرجل للشخصين اللذين ذكرهما على الوجه المتقدم في المسألة السابقة بأحد تلك الإقرارات أو بما يماثلها، و أنكر أحد الشخصين المقر لهما قول الرجل المقر و جحد أن يكون له حق أو ملك في العين أو الدين الذي أقر به، سقط حقّ هذا المنكر، و برئت ذمة المقر منه ظاهرا، فلا يحق لهذا الشخص ان يطالب بالحق بعد إنكاره و على المقر أن يدفع العين أو الدين المقر بهما للشخص الآخر.

(المسألة 36):

إذا أقر الإنسان لغيره بشي ء و تم اخباره به، و دل ظاهر كلامه على الإقرار بالشي ء عند أهل اللسان و العرف، ثبت إقراره شرعا و لزمته أحكامه و إثارة، فإذا عقب على قوله المتقدم بقول آخرينا في قوله الأول بظاهره و يبطله لم يقبل القول الثاني و لم يؤثر على إقراره شيئا الا ان تكون دلالة الثاني على المعنى أقوى و أتم بحيث يزول بالثاني ظهور الكلام الأول في متفاهم أهل اللسان، و في محاوراتهم العرفية، و يعدونه قرينة معتبرة على ان المراد خلاف ذلك الظاهر.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 410

و من الأمثلة المعروفة للمسألة بين الفقهاء أن يقول الرجل: ان لزيد عندي وديعة من المال، ثم يقول بعده: و قد تلفت الوديعة في يدي، فيثبت بهذا القول إقرار الرجل لزيد بالوديعة، و لا يبطل هذا الإقرار باخبار الرجل بأن الوديعة قد تلفت، فان قوله له عندي وديعة نام الدلالة و الظهور في أن الوديعة عنده، و لم تزل، و لو انها تلفت لم تكن عنده، فيؤخذ بإقراره، و يلزم بدفع الوديعة لزيد أو يثبت تلفها بحجة شرعية مقبولة.

و لو انه قال: كانت لزيد عندي وديعة، ثم قال و قد تلفت الوديعة

في يدي صح قوله الثاني و قوله الأول، و لم يكن تناف بين القولين، و كان قوله يشتمل على إقرار منه بالوديعة و دعوى منه بتلفها، فيثبت إقراره و يؤخذ به، و على المقر و المقر له إذا أحبا أن يرجعا الى الحاكم الشرعي ليفصل بينهما دعوى تلف الوديعة أو يرجعا إلى المصالحة بينهما.

و من الأمثلة المعروفة للمسألة، أن يقول الرجل: يملك فلان عندي عشرة دنانير، ثم يقول: لا بل تسعة، فلا يقبل منه قوله الثاني بالنفي و يلزم بإقراره الأول بالعشرة، و من أمثلة ذلك أيضا أن يقول: يملك فلان عندي مائة دينار، ثم يقول: و هي ثمن خمر أو ثمن خنزير أو من لعب قمار، فيثبت إقراره بالمال، و يلزم بدفعه لمن أقر له، و لا يسمع منه قوله الثاني.

(المسألة 37):

الاستثناء في اللغة العربية احد مقومات الدلالة على المراد في الجملة التي يقع فيها الاستثناء، و لذلك فلا يتم ظهور الجملة في المعنى المراد منها الا به و ليس هو من تعقيب الكلام بكلام أخر ينافيه و يبطل ظهوره، كما في الأمثلة التي ذكرناها و تعرضنا لبيان حكمها في المسألة الماضية، و من القواعد المعروفة بين

كلمة التقوى، ج 5، ص: 411

أهل العربية ان الاستثناء إذا وقع من كلام مثبت يكون نفيا للمستثنى، و إذا وقع من كلام منفي يكون إثباتا للمستثنى، و كل هذا واضح لا يشك فيه احد من أهل اللغة و يجرى عليه حتى العامة من أهل العرف العربي الدارج، فإذا قال القائل منهم:

زارني أهل القرية إلا موسى، عرف الجميع من قوله ان أهل القرية، كلهم قد جاؤوا الى زيارته و ان موسى وحده لم يزره، و إذا قال: لم

يدخل المسجد أحد في هذا اليوم الا عبد اللّه، فهموا من خبره ان الجميع لم يدخلوا المسجد في ذلك اليوم، و قد دخله عبد اللّه وحده.

و على مجرى هذه الأمور الواضحة فإذا قال الرجل: يملك زيد في ذمتي مائة دينار الا خمسة دنانير فقد أقر في قوله هذا بان لزيد في ذمته خمسة و تسعين دينارا فله الحق في ان يطالب المقر بهذا المبلغ و لا يحق له في أن يطالبه بالخمسة دنانير التي تكمل بها المائة دينار، إلا إذا أثبت استحقاقه إياها بحجة شرعية.

و إذا قال: ليس لزيد عندي حق الا عشرة دنانير، فقد أقر لزيد بأن له عنده عشرة دنانير، فله أن يطالبه بها و يأخذها منه، و لا يحق له أن يطالب بأكثر من العشرة و لا بغيره من الحقوق الا أن يثبته بوجه شرعي، و إذا قال: ليس لي في ذمة زيد سوى مائة دينار، فقد أقر لزيد بان المقر لا يستحق في ذمته غير المائة، فلا يجوز له أن يطالب زيدا بأكثر منها، و هو يدعي في ضمن إقراره بان له في ذمة زيد مائة دينار فعليه أن يثبت صحة دعواه بها إذا أراد ذلك.

و إذا قال: لي عند زيد مائة دينار إلا عشرة دنانير، فقد ادّعى أنه يستحق عند زيد تسعين دينارا، و أقر لزيد في ضمن ادّعائه عليه بان المقر لا يستحق عنده العشرة التي تكمل بها المائة فيؤخذ بما أقرّ، و يحتاج في تصحيح دعواه إلى الإثبات.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 412

(المسألة 38):

يدخل الاستثناء في الأعيان الخارجية و في الاجزاء من الأشياء المركبة الموجودة في الخارج كما يدخل في الأعداد من المعدودات، فإذا قال الرجل:

يملك إبراهيم هذه

الدار التي بيدي الّا الحجرة التي تقع على يمين الدّاخل من باب الدار، أو إلّا الموضع الذي أعدّ لاستقبال الضيوف من الرجال فقد أقر لإبراهيم بأنه يملك جميع الدار التي ذكرها عدا ما استثناه من أجزائها و إذا قال: يملك إبراهيم جميع ما في هذه الدار من أثاث و أمتعة و حوائج الا الفراش الذي أغلقت عليه الحجرة الخارجية المعينة، فقد أقرّ له بجميع ما تحتويه الدار من الأعيان الموجودة فيها غير الفراش الذي ذكره، و هكذا.

و يجري في هذه الاستثناء ان نظير ما سلف في المسألة المتقدمة من الأمثلة و الصور المتعلقة بالمقر نفسه أو بالمقر له في كل من النفي و الإثبات.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 413

الفصل الثالث في الإقرار بالنسب أو بالميراث
(المسألة 39):

إذا أقر الرجل بطفل صغير أو بصبي لم يبلغ الحلم، فقال: هذا الصبي ولد شرعي لي، أو قال: انه صحيح الولادة مني، أو قال: قد ولدته أمه مني، أو على فراشي و كان إقراره جامعا للشرائط التي تعتبر في صحة الإقرار، ثبت النسب بين الرجل المقر و الصبي المقر به، و قد سبق منا ذكر الأمور التي يشترط وجودها في المقر بالنسب و غيره، و يشترط في صحة الإقرار بالنسب مضافا الى ذلك: (1): أن تكون ولادة الصبي المقر من الإنسان المقر ممكنة غير ممتنعة بحسب العادة المألوفة في تولد الإنسان من الإنسان، (2): أن يكون لحوق هذا الوليد بنسب المقر صحيحا غير ممنوع في حكم الإسلام، (3): ان لا يكون للمقر منازع في دعوى النسب بالصبي.

فإذا توفرت هذه الشروط صح الإقرار و ثبت النسب بين الرجل و الصبي بأصوله و فروعه، فيكون الرجل المقر أبا شرعيا للصبي، و يكون أبو المقر جدا للصبي، و أم

المقر جدّة له، و أولاد المقر اخوة له و أخوات، و اخوان المقر أعماما و عمات، و تكون أولاد الصبي المقر به إذا كبر و تزوج و أعقب أحفادا للمقر و اسباطا، و هكذا في جميع الفروع، و ثبتت أحكام النسب بين جميع أولئك في النكاح و جواز النظر للمحارم، و في الولايات و النفقات و المواريث و غيرها من

كلمة التقوى، ج 5، ص: 414

اللوازم و الآثار التي تكون للنسب، حتى في الوقف على الذرية و الأقارب، و الوصية لهم، و لا فرق في الحكم المذكور بين الطفل الصغير كما قلنا و الصبي المراهق للبلوغ، و لا بين المميز و غيره، و لا بين الصبي و الصبية.

(المسألة 40):

يشترط في لحوق الصبي غير البالغ بنسب الإنسان الذي أقر به- كما ذكرنا في المسألة المتقدمة أن تتوفر أمور ثلاثة عرضناها بنحو الاختصار، و لا بد من ذكرها بوجه أكثر بسطا و توضيحا:

الأمر الأول: ان يكون تولد الصبي من ذلك الشخص الذي أقر به ممكنا بحسب العادة المعروفة في ولادة الإنسان، فلا يصح إقرار المقر و لا يثبت به نسب الصبي إليه إذا كانت ولادة الصبي منه مما يمتنع بحسب هذه العادة الجارية، و مثال ذلك: أن يكون المقر في وقت انعقاد نطفة الصبي في بطن امه غير بالغ الحلم، و ان بلغ في وقت ولادة الطفل أو في وقت إقراره به، كما إذا تأخر زمان الإقرار عن وقت الولادة مدة، فيكون تولده منه ممتنعا و عادة لا يمكن الحاقه به في النسب.

و من أمثلة ذلك ان يكون المقر غائبا عن المرأة في وقت انعقاد الجنين في بطنها، أو يكون مريضا شديد المرض، أو سجينا فلا يستطيع

الوصول إليها و مقاربتها لتحمل منه، بالصبي أو يكون تاركا لمقاربة المرأة لسبب آخر.

الأمر الثاني: أن يكون إلحاق الصبي بنسب الرجل المقر صحيحا في حكم الشريعة الإسلامية، فلا يصح إقرار الرجل به و لا يثبت بالإقرار نسب الطفل إليه إذا كان الطفل ملحقا في الشريعة بنسب شخص أخر لوطي شبهة مثلا، أو كان الحاقه بنسب المقر ممنوعا، و مثال ذلك: ان تحرم المرأة على الرجل لرضاع، أو لعان، أو لسبب أخر من موجبات التحريم، فلا يصح الإلحاق و لا يصح الإقرار بالصبي.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 415

الأمر الثالث: ان لا يكون للرجل المقر بالطفل منازع في نسبه، و مثال ذلك أن يدعى شخص آخر نسب الطفل إليه أيضا فيقر به كما أقر به الأول، أو يدعي هذا الشخص الآخر عدم صحة نسب الأول و كذبه في إقراره، فيكون المورد من التنازع بين الرجلين، فلا يسمع إقرار المقر، و يلزم الرجوع الى الحاكم الشرعي ليحل الخصام و يفصل النزاع.

و لا يشترط في صحة الإقرار بالصبي و ثبوت نسبه به ان يصدق الصبي قول المقر و ان كان مميزا أو مراهقا و لا يشترط كذلك ان يصدقه و يعترف بأبوته بعد البلوغ، و إذا أقر الرجل بالصبي و تمت الشروط المذكورة و ثبت النسب بينهما بموجب ذلك، ثم أنكر الصبي النسب بعد ان بلغ الحلم لم يسمع منه إنكاره.

(المسألة 41):

إذا أقر الرجل بنسب ولد كبير قد بلغ الحلم أو تجاوز البلوغ، و لم يكن قد أقر به في طفولته على الوجه المتقدم، فقال عن الولد الكبير: هذا ولد شرعي لي، أو قال:

هو صحيح النسب لي أو قال ولدت هذا امه على فراشي، و قد اجتمعت في إقراره

به جميع الشروط التي ذكرناها لم يلحق الولد بنسب المقر حتى يصدقه الولد و يقر بنسبه اليه و يعترف بأبوته، فإذا أقر الطرفان كذلك مع اجتماع الشرائط المتقدمة فيهما يثبت النسب بينهما و ثبتت احكامه و آثاره لهما و لجميع أصول النسب و فروعه على النهج الذي فصلناه في الولد الصغير.

و كذلك إذا ابتدأ الولد فأقر بنسبه للرجل، و قال: انه أبي الشرعي و قد ولدتني أمي على فراشه، و صدق الرجل إقراره، و اعترف به على الوجه السابق بيانه و اجتمعت الشروط في الجانبين، فيثبت النسب، و يعم و تترتب اللوازم و الاحكام لهما، و لجميع أصول النسب و فروعه.

كلمة التقوى، ج 5، ص: 416

(المسألة 42):

إذا أقر الرجل بالولد الكبير و لم يصدقه الولد، أو أقر الولد بالنسب و لم يصدقه الرجل، نفذ الإقرار على المقر خاصة، و لم ينفذ على الثاني الذي لم يقر و لم يثبت النسب بينهما، و لا بين طبقات النسب الآخرين و لم تترتب احكامه عليهم و لزمت المقر أحكام إقراره التي تكون عليه من حرمة نكاح، و وجوب نفقة و ميراث و غيرها، و لم تترتب عليه الأحكام الأخرى التي تكون للمقر، و لا الاحكام التي تكون على الطرف الثاني.

(المسألة 43):

إذا مات الصبي و هو مجهول النسب، ثم أقر الرجل بعد موت الصبي بأنه ولد شرعي له، و كان إقرار الرجل به جامعا للشرائط التي بيناها أنفا نفذ إقراره بالطفل بعد موته، كما ينفذ في حياته و ثبت به نسبه اليه، و ترتب الممكن من أحكام النسب بينهما فتجب على الرجل نفقة تجهيزه و دفنه، و إذا كان للطفل مال ورث منه نصيبه لأنه أبوه شرعا.

(المسألة 44):

لا يثبت النسب بالإقرار في غير الولد الصغير أو الكبير، إذا جرى على الوجه الذي سبق بيانه، فإذا أقر الرجل لصبي أو شاب انه ولد ولده أو انه أخوه في النسب لم يثبت بذلك نسبه له، و انما تترتب على قوله أحكام الإقرار فيؤخذ الرجل بأحكام هذا الإقرار و لوازمه في ما يكون على المقر من هذه الاحكام و اللوازم لا في ما يكون له، و لا في ما يكون على غير المقر، فإذا قال الرجل هذا الصبي أو هذا الشاب ولد ولدي نفذ هذا الإقرار على الرجل، فتجب عليه نفقة الولد إذا كان فقيرا، و ليس له منفق أقرب من الرجل، و يحرم عليه الزواج بها إذا كانت أنثى، و يرثه الولد إذا

كلمة التقوى، ج 5، ص: 417

مات هو و لا وارث له سوى الولد.

و إذا أقر بولد الولد و كان بالغا و صدقه ولد الولد في قوله نفذ الإقرار في حقهما معا، فيرث أحدهما من الأخر إذا مات قبله، و لم يكن له وارث أقرب منه، و تجب نفقة الفقير منهما على الآخر إذا كان قادرا و لا منفق أقرب منه، و هكذا في بقية لوازم الإقرار، و لا يثبت به النسب و لا يقع به

التوارث بين غيرهما من الأقارب.

و كذلك الحكم إذا أقر الرجل بشخص أنه اخوه أو عمه أو قريبه في النسب فينفذ إقراره عليه خاصة، و تلزمه أحكام الإقرار التي تكون عليه لا على الآخرين و إذا صدقه الثاني في قوله نفذت عليهما أحكام الإقرار، و لا تنفذ على غيرهما لا في المواريث و لا في غيرهما من الاحكام و الآثار.

(المسألة 45):

إذا أقر الإنسان بشخص أنه أخوه في النسب أو ابن أخيه أو قريبه و صدقه الشخص المقر به، و اعترف بالقرابة التي ذكرها، نفذ الإقرار عليهما كما تقدم و ورث أحدهما صاحبه إذا مات قبله، و لم يكن له وارث أخر سواه، و إذا مات أحدهما و له وارث أخر غير المقر ففي ثبوت التوارث بينهما اشكال، و لا يترك الاحتياط بالرجوع إلى المصالحة، و كذلك الإشكال إذا أقر الرجل بأخ أو ابن أخ أو عم أو قريب في النسب ثم نفاه بعد الإقرار به، فلا يترك الاحتياط المذكور.

(المسألة 46):

يثبت النسب بين الشخصين المشكوك نسب أحدهما إلى الآخر بشهادة رجلين عادلين لهما بولادة أحدهما من الآخر، أو بولادتهما من شخص ثالث بغير واسطة أو بواسطة واحدة أو بأكثر مع وجود القرابة بينهما عرفا، سواء كان الشاهدان قريبين من الشخصين المشهود لهما بالنسب، أم بعيدين عنهما، و يثبت بإقرار

كلمة التقوى، ج 5، ص: 418

الرجل بالولد على الوجه الذي تقدم بيانه في المسائل الماضية من هذا الفصل، و لا يثبت النسب بغير ذلك، و اثر ثبوت النسب بالوجهين المذكورين أن تجرى جميع أحكام النسب بين الشخصين أحدهما مع الثاني و بين كل واحد منهما مع أقرباء الثاني و بين اقربائهما بعضهم مع بعض ممن يتصل بهما في نسبه، فتجري جميع أحكام النسب بين هؤلاء كافة في النكاح و جواز اللمس و النظر الى المحارم و في الولايات و الميراث و الحجب و غيرها و قد أشرنا الى هذا في ما سبق.

(المسألة 47):

إذا مات رجل و له ولدان معلومان و لا وارث له غيرهما ظاهرا، فأقر الولدان كلاهما بولد ثالث للميت غيرهما، و قالا: هذا أخ ثالث لنا و هو شريكنا في الميراث من أبينا، نفذ الإقرار عليهما و قسمت تركة الميت بينهم أثلاثا و أخذ كل واحد منهم ثلثا، و ان لم يعرفه احد من الأقرباء الآخرين. و إذا أقر به احد الولدين المعلومين للميت و أنكره الثاني نفذ إقرار المقر منهما على نفسه فيقسم المال نصفين و يأخذ الولد الذي أنكر أخاه، و لم يعترف به نصف المال تاما، و يأخذ الثاني الذي أقر به الثلث، و يدفع الباقي من المال و هو السدس الى الثالث، و هو الذي اعترف به أحد الأخوين و

أنكره الآخر.

(المسألة 48):

إذا مات رجل و ترك بعده وارثا واحدا معلوما، فهو الذي يستحق الميراث كله في ظاهر الأمر، فأقر هذا الوارث بوارث أخر أولى منه بميراث الميت، لزمه الإقرار و وجب عليه أن يدفع التركة كلّها للوارث الذي أقر به، و مثال ذلك أن يترك الميت بعده أخا لا غيره، و يقر هذا الأخ الوارث ظاهرا بولد للميت أو بولد ولد فيقول: هذا ولد أخي أو ولد ولده، و هو أولى بميراث أبيه مني، فيؤخذ بإقراره

كلمة التقوى، ج 5، ص: 419

و عليه أن يدفع الميراث كله للوارث الذي أقر به، لأنه أولى به كما قال.

و إذا أقر الوارث الواحد بوارث أخر يساويه في الاستحقاق، و في مقدار النصيب فعليه ان يقتسم تركة الميت معه بالمساواة، و مثال ذلك: ان يقر أخو الميت في المثال السابق بأخ ثان له و للميت، فإذا كان الميت قد ترك مأة دينار اقتسمها اخوه الأول الوارث مع الثاني الذي أقر به، فلكلّ واحد منهما خمسون دينارا، و إذا أقر بأخت له و للميت اقتسم التركة معها بالمثالثة، فدفع لها ثلثا و أخذ ثلثين.

(المسألة 49):

إذا كان الوارث الوحيد ظاهرا هو عم الميت مثلا، و لما دفعت اليه تركة الميت قال هذا زيد و هو أخو الميت فهو أدنى قرابة للميت و أولى مني بميراثه، ثم قال هذا خالد و هو ولد الميت أو هو ولد ولده، و هو اولى بميراثه منى و من أخيه، أخذ العم بالاقرارين كليهما فعليه أن يدفع التركة نفسها لزيد أخي الميت بسبب إقراره الأول، و يدفع لخالد ابن الميت مثل التركة، إذا كانت مثلية و قيمتها إذا كانت قيمية بسبب إقراره الثاني.

و إذا كان زيد أخو

الميت قد صدق العم في إقراره بالولد دفع المال الى الولد و لا شي ء لزيد على العم بسبب إقراره الأول له.

و إذا دفعت تركة الميت لعمه في المثال الذي ذكرناه لأنه وارثه الوحيد ظاهرا، فأقر العم بزيد أخي الميت، و قال: هو أولى مني بالإرث، و لما أخبر زيد بذلك قال الأخ: هذا خالد ولد الميت، فهو أولى بميراث أبيه مني و من عمه، دفع المال الى الولد و لا شي ء على العم.

(المسألة 50):

إذا أقر الإنسان لأحد بان له في ذمته مائة دينار مثلا أخذ بإقراره، و لزمه أن

كلمة التقوى، ج 5، ص: 420

يدفع المبلغ للشخص الذي أقر له، فإذا مات المقر قبل أن يؤدي الدين وجب على ورثته أن يؤدّوا الدين من أصل تركة الميت، و إذا مات الرجل فأقر جميع الورثة بأن لزيد في ذمة مورثهم مبلغا معيّنا من المال لزمهم ذلك، و وجب عليهم أن يؤدّوا الدين الذي أقرّوا به على مورثهم من أصل تركته، فإذا بقي من التركة شي ء بعد وفاء الدين اقتسموه بينهم.

و إذا أقر بعض الورثة بالدين على الميت، و أنكره بعضهم وجب على من أقر بالدين منهم أن يؤدي المقدار الذي يصيب حصة في الميراث من ذلك الدين، فإذا كانت تركة الميت خمس مائة دينار و كان الوارثون خمسة أولاد ذكور فنصيب كلّ واحد منهم من تركة أبيه مائة دينار، و إذا فرض أن مقادر الدين المقر به مائتا دينار أصاب نصيب كل واحد منهم أربعون دينارا من الدين، فعلى كل واحد ممن أقر بالدين أن يؤدي هذا المقدار، و لا يتعين عليه ان يؤدي هذا من حصته الموروثة له و يجوز له ان يدفعه من مال

أخر.

(المسألة 51):

إذا تنازع الرجلان بينهما فقال أحدهما للثاني: انك قد أقررت لي بمبلغ مائة دينار في ذمتك، أو بالحاجة المعينة التي في يدك و أنكر الثاني أن يكون أقر له بشي ء مما ذكر، فالقول قول المنكر، و عليه أن يحلف للمدعي على عدم الإقرار، و كذلك إذا اختلفا في مقدار ما أقرّ به فقال الأول للثاني: انك أقررت لي بمائة دينار و قال الثاني: انما أقررت لك بخمسين دينارا و أنكر الزيادة على ذلك، فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه، ما لم يثبت المدعى صحة قوله بإقامة البيّنة على ما يدعيه.

و الحمد للّه رب العالمين حمدا يرضاه لنفسه، و يفوق جميع حمد الحامدين من عباده و مخلوقاته، و الصلاة و السلام على سيد خلقه، محمد

كلمة التقوى، ج 5، ص: 421

و المطهرين من آله، صلاة لا حدّ لها و لا عدّ، يبلغهم بها آمالهم، و يقر بها أعينهم و يؤمن بها خوف الخائفين و يكشف بها ضر المضطرين، و يقرن ببركتها و يمنها لنا و للمؤمنين سعادة الدنيا و الدين، و يضاعف بها لنا توفيقه و نعمته و هداه و رحمته الى منتهى آجالنا انه ارحم الراحمين.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

الجزء السادس

المعاملات

كتاب الدين

اشارة

و فيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول في أحكام الدين
المسألة الأولى:

الدين هو مال تشتغل به ذمة إنسان لإنسان آخر، لأحد الأسباب التي توجب ذلك، كاقتراض مال يبقى عوضه في ذمة المقترض، و ابتياع شي ء يكون ثمنه في ذمة المشتري، و بيع شي ء موصوف مؤجل إلى أجل في ذمة البائع كما في بيع السلف، و كالتزويج بامرأة يؤجل صداقها في ذمة الزوج، و استئجار عين أو أجير يبقى بدل إجارته في ذمة المستأجر، و فدية خلع أو مبارأة تبقى في ذمة المرأة المختلعة، و ضمان مال بسبب إتلاف أو عيب أو غير ذلك من موجبات الضمان، و نحو ذلك من أسباب اشتغال ذمة الإنسان بالمال، و هذا هو الدين الذي يبحث عنه و عن أحكامه في كتاب الدين.

و يطلق الدين أيضا على ما تشتغل به ذمة الإنسان من الأموال و الحقوق لجهة عامة أو جهة خاصة، كالزكاة و الخمس و الكفارات و النذور، و أشباهها، و هي ديون خاصة يبحث عنها و عن أحكامها في مواضعها المختصة بها من فقه الشريعة و لا تدخل في مباحث هذا الكتاب.

المسألة الثانية:

الدين اما حال، و هو الذي حان وقت وفائه، و لذلك فيجوز لمالك الدين أن يطالب المدين به، و يجب على المدين أداؤه إذا طالبه الدائن به، و كان المدين موسرا متمكنا من الوفاء، و اما مؤجل، و هو الذي ضرب له أجل مسمى، و لذلك فلا يحق لمالك الدين أن يطالب المدين به،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 6

و لا يجب على المدين أن يؤديه إلا بعد حضور أجله، سواء كان التأجيل باشتراط المتداينين أو باشتراط أحدهما، أم كان بحكم الشارع بذلك، كما في أقساط الدية التي تبين في كتاب الديات.

المسألة الثالثة:

إذا حان أجل الدين أو كان الدين بنفسه حالا غير مؤجل، و أراد المدين دفعه لصاحبه ليفرغ ذمته منه، وجب على صاحب الدين أن يأخذه منه، و لا يجوز له الامتناع بغير عذر يسوغ له ذلك.

المسألة الرابعة:

إذا كان الدين مؤجلا و لم يحضر وقت أدائه، و أراد المدين تعجيل وفائه قبل حلول الأجل، فالظاهر انه يجب على الدائن أن يقبل ذلك منه، الا أن تكون في تعجيل الوفاء منة لا يتحملها الدائن، أو تدل قرائن خاصة على أن تأجيل الدين في المقام حق من حقوق الدائن كما هو حق من حقوق المدين، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثلاثمائة من كتاب التجارة.

المسألة الخامسة:

إذا حضر أجل الدين و دفعه المدين، و امتنع الدائن من قبضه من غير عذر يسوغ له ذلك، جاز للحاكم الشرعي أن يجبره على القبض إذا طلب المدين من الحاكم ذلك، و إذا تعذر إجباره على القبض رفع المدين أمره الى الحاكم و أمر الحاكم المدين أن يحضر المال و يمكن الدائن منه بحيث يكون مستوليا عليه و في قبضته في نظر أهل العرف، فإذا حصل ذلك بأمر الحاكم و بمراجعته، برئت ذمة المدين من الدين، و إذا ترك المدين المال كذلك و انصرف، فلا ضمان عليه إذا تلف المال أو حدث فيه عيب، فهو من مال الدائن.

و إذا لم يمكن ذلك جاز للمدين أن يدفع المال الى الحاكم، فإذا قبل الحاكم ذلك منه و قبض المال أو أمر بقبضه برئت ذمة المدين، و يشكل الحكم بوجوب قبول الحاكم للمال إذا دفعه المدين اليه.

و كذلك الحكم إذا حضر أجل الدين و كان صاحبه غائبا لا يمكن إيصال المال اليه، فإذا أراد المدين براءة ذمته دفع المال الى الحاكم،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 7

فإذا قبله منه و قبضه برئت ذمته، و يشكل الحكم بوجوب قبول الحاكم للمال كما في الفرض المتقدم.

المسألة السادسة:

يجوز للإنسان أن يتبرع بوفاء الدين عن غيره، سواء كان المدين المتبرع عنه حيا أم ميتا، و سواء كان التبرع و الوفاء باذن المدين أم بغير اذنه، بل الظاهر جواز ذلك و ان لم يرض المدين بتبرعه عنه، و إذا وفى المتبرع عنه برئت ذمة المدين في جميع هذه الفروض، و وجب على الدائن قبول الوفاء منه.

المسألة السابعة:

إذا قصد المتبرع بتبرعه في أداء الدين المنة على المدين، أو قصد إهانته و إذلاله بذلك أشكل تناول الأدلة له، فلا تجري الأحكام المذكورة في المسألة السابقة مع قصد أحدهما.

المسألة الثامنة:

إذا عين المدين الدين في مال مخصوص لم يتعين بذلك و لم يصبح ملكا للدائن حتى يقبضه الدائن وفاء عما يستحقه في ذمة المدين، و يستثنى من هذا الحكم ما ذكرناه في المسألة الخامسة، و نتيجة لذلك فإذا كان الرجل مدينا لأحد خمسة دنانير مثلا، و أخرجها من ماله ليدفعها اليه، ثم تلفت قبل أن تصل إلى الدائن، لم تبرأ ذمة المدين من دينه و كان التلف من مال المدين، و كذلك إذا دفعها الى وكيله ليوصلها إلى الدائن، فتلفت في يد الوكيل قبل أن يوصلها، و إذا دفعها الى وكيل الدائن المفوض منه في قبض الدين و تلفت في يد هذا الوكيل برئت ذمة المدين.

المسألة التاسعة:

إذا مات الشخص المديون حلت بموته ديونه التي في ذمته و ان كانت مؤجلة و كان موته قبل حلول أجلها، و إذا مات الشخص الدائن لم تحل بموته ديونه المؤجلة التي يستحقها في ذمم المديونين، فلا يجوز لورثته مطالبتهم بهذه الديون حتى تحل أوقاتها المعينة لها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 8

فإذا مات الرجل و في ذمته مهر زوجته المؤجل وجب على ذريته دفع مهر الزوجة من التركة و ان لم يحضر أجله بعد، و إذا ماتت الزوجة و لها في ذمة الزوج مهر مؤجل لم يحق لورثتها أن يطالبوا الزوج بمهرها حتى يحضر الأجل التي اشترط للوفاء به.

المسألة العاشرة:

لا تحل الديون المؤجلة في ذمة الشخص إذا قصرت أمواله الموجودة لديه عن الوفاء بديونه، فأصبح مفلسا، فإذا حجر عليه للفلس قسمت أمواله الموجودة على ديونه الحالة و لم يشارك في الأموال أصحاب الديون المؤجلة و سنذكر هذا في كتاب الحجر ان شاء اللّٰه تعالى.

المسألة 11:

يجوز للشخص ان يبيع الدين بمال حاضر، فإذا كان له في ذمة زيد من من الحنطة جاز للدائن أن يبيع دينه على زيد نفسه أو على غيره بثمن حاضر نقدا، سواء كان الثمن من جنس الدين المبيع أم من غير جنسه، و سواء كان الثمن أقل من المبيع أم مساويا له في المقدار أم أكثر منه، و لا يجوز ذلك إذا لزم منه الربا، و هو ما إذا باع الدين بثمن من جنسه أقل منه أو أكثر، و كان العوضان مما يكال أو يوزن، فلا يمنع من البيع إذا كان الثمن من غير جنس المبيع، و لا يمنع منه إذا كانا من جنس واحد و كان العوض أو المعوض غير مكيل و لا موزون.

المسألة 12:

لا يجوز للشخص أن يبيع الدين بالدين، و هو أن يكون المبيع و الثمن كلاهما دينا في الذمة قبل بيع أحدهما بالآخر، سواء كانا مؤجلين أم كانا حالين أم كانا مختلفين على الأقوى في جميع ذلك.

و هو يقع على صور، فقد يكون البيع بين المتداينين، و مثال ذلك أن يكون لزيد من من الحنطة في ذمة عمرو، و يكون لعمرو من من الأرز في ذمة زيد، فيبيع زيد من الحنطة الذي يستحقه في ذمة عمرو، على عمرو نفسه، و يكون ثمن المبيع هو من الأرز الذي يستحقه عمرو في ذمة زيد.

الصورة الثانية: أن تكون لزيد وزنة من الحنطة في ذمة شخص ما، و تكون لعمرو وزنة من الأرز في ذمة ذلك الشخص أيضا، فيبيع زيد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 9

على عمرو وزنة الحنطة التي يستحقها في ذمة الشخص المدين بوزنة الأرز التي يملكها عمرو في ذمة ذلك الشخص المدين نفسه.

الصورة

الثالثة: أن تكون لزيد وزنة من الحنطة في ذمة شخص ما، و يكون لعمرو وزنة من الأرز في ذمة شخص آخر فيبيع زيد حنطته التي يملكها في ذمة الشخص الأول، على عمرو، و يكون الثمن وزنة الأرز التي يملكها عمرو في ذمة الشخص الثاني، فلا يجوز البيع في جميع هذه الصور.

و كذلك الحكم على الأحوط لزوما إذا صار العوضان دينا بعد العقد، و كانا مؤجلين.

و مثال ذلك أن يبيع زيد على عمرو وزنة من الحنطة يدفعها له بعد شهر مثلا، بعشرة دنانير يدفعها له عمرو بعد مضي عشرين يوما، فلا يجوز ذلك على الأحوط.

و مثله ما إذا كان أحد العوضين دينا قبل العقد، و العوض الثاني دينا بعد العقد، و مثال هذا ان تكون لزيد في ذمة عمرو وزنة من الحنطة إلى أجل معين، فيبيع زيد على عمرو هذه الوزنة التي يملكها في ذمته بعشرة دنانير تبقى في ذمة عمرو إلى مدة شهر، فلا يجوز ذلك أيضا على الأحوط، و تراجع المسألة الثلاثمائة و التاسعة و التسعون و ما بعدها من كتاب التجارة في ما يتعلق ببيع المال المسلم فيه و تراجع ما بعدهما في بيع المال المسلم فيه بعد حلول أجله.

المسألة 13:

إذا كان للرجل على احد دين إلى أجل مسمى، جاز للمتداينين أن يتراضيا بينهما على تعجيل الدين بإسقاط بعضه، فإذا كان الدين مائة دينار إلى مدة ستة أشهر، صح لهما أن يتراضيا فيدفع المديون لمالك الدين ثمانين دينارا معجلة و يسقط الدائن عنه بقية الدين.

و لا يجوز لهما أن يؤجلا الدين إذا كان حالا بزيادة فيه، و ان تراضيا على ذلك، و مثاله أن يكون لزيد في ذمة عمرو مائة دينار حالة، فيطلب

المدين من زيد أو يطلب زيد من المدين أن يجعل الدين مائة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 10

و عشرين دينارا، و يؤجله فيه الى مدة شهرين، و كذلك الحكم إذا كان الدين مؤجلا إلى مدة فلا يجوز للمدين أن يزيد الدائن في مقدار الدين ليزيده الدائن في مقدار الأجل، فيضيف إليه عشرة دنانير مثلا ليؤجله الدائن إلى شهرين بعد ان كان مؤجلا إلى شهر، و مثله أن يطلب الدائن ذلك.

المسألة 14:

يجوز للمدين إذا كان الدين عليه حالا، أن يشترط على الدائن أن يؤجله في الدين إلى مدة معلومة فإذا كان الشرط في ضمن عقد لازم و قبل الدائن بالشرط لزم الشرط و وجب عليه الوفاء به و مثال ذلك ان يبيع المدين على الدائن سلعة بثمن معين و يشترط عليه في ضمن عقد البيع أن يؤجله بدين حال آخر، يستحقه في ذمته إلى مدة شهر، و يجوز له كذلك أن يشترط عليه زيادة الأجل في الدين المؤجل فإذا اشترط ذلك عليه في عقد لازم لم تجز للدائن المطالبة بالدين حتى يحل الوقت المشترط في كلا الفرضين، و كذلك إذا اشترط أحدهما في ضمن عقد جائز فيجب الوفاء بالشرط ما دام ذلك العقد باقيا، و إذا انفسخ العقد سقط وجوب الشرط.

المسألة 15:

لا تجوز قسمة الدين بين الشركاء فيه، فإذا كان لرجلين دين مشترك في ذمة أحد أو في ذمم أشخاص لم يجز للشريكين أن يقتسما الدين فيجعلاه سهمين مثلا، فالقسط الأول الذي يدفعه المدين في شهر محرم يكون لزيد، و القسط الثاني الذي يدفعه في شهر صفر يكون لعمرو، أو يكون ما في ذمة أحد المدينين للأول و ما في ذمة المدين الثاني للشريك الثاني، بل يكون الدين مشاعا، فكل ما يحصل منه فهو للشريكين معا، و ما يتأخر منه يكون عليهما و قد ذكرنا هذا في المسألة السادسة و الخمسين من كتاب الشركة.

المسألة 16:

إذا غاب الدائن غيبة انقطع فيها خبره و لم يعلم أ حي هو أم ميت، وجبت على المدين نية وفاء الدين متى تمكن من إيصاله إلى الدائن،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 11

و تجب عليه الوصية به عند ظهور أمارات الموت عليه ليعلم وارثه بذلك، و إذا علم بموت الدائن وجب عليه أن يدفع الدين إلى ورثة الدائن، و إذا لم يعرفهم وجب عليه الفحص عنهم حتى يعرفهم و يؤدي إليهم حقهم، فإذا أيس من معرفتهم تصدق بالمال عنهم باذن الحاكم الشرعي، و إذا علم ان الدائن الميت لا وارث له كان ميراثه للإمام (ع)، فيجب دفع الدين إليه.

المسألة 17:

إذا حل ميعاد الدين و طالب الدائن بالوفاء به، وجب على المديون أن يبذل جهده في أداء دينه و براءة ذمته ببيع عقار أو أمتعة أو أعيان يملكها و لا تدخل في مستثنيات الدين، أو إجارة أملاك له، أو تحصيل ديون له عند الناس، و يلزمه على الأحوط لزوما التكسب لذلك بما يليق به في شرفه و قدرته و منزلته الاجتماعية.

المسألة 18:

يستثنى من الحكم بوجوب البيع لوفاء الدين كل شي ء يكون ضروريا للمدين بحسب حاله و شرفه و منزلته في المجتمع، و ما يكون بيعه موجبا لوقوع المدين في عسر أو حرج أو منقصة، فلا يجب عليه بيع شي ء من ذلك أو المعاوضة عليه بغير البيع لوفاء الدين، و من ذلك داره التي يحتاج إليها في السكنى، و الثياب التي يحتاج إليها و لو للتجمل، و الدابة التي يفتقر الى ركوبها، و الخادم الذي يحتاج إليه في قضاء حوائجه إذا كان من شأنه أن تكون له دابة أو خادم، بل و السيارة التي يفتقر إليها في ركوبه و تنقلاته إذا كان من شأنه ذلك، و أثاث منزله و أدواته و آلاته و أوانيه و ظروفه المختلفة لأكله و شربه و طبخه، و فرش البيت و فرش النوم و اغطيته و ملاحفه له و لعياله و زواره و ضيوفه، و تسمى هذه مستثنيات الدين.

و المدار فيها هو ما ذكرناه في أول المسألة، و لذلك فهي لا تختص بما ذكرناه، و منها الكتب التي يحتاج إليها و تعد من ضروراته أو يلزمه العسر و الحرج أو المنقصة إذا فقدها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 12

المسألة 19:

إذا كانت لدى المديون دور متعددة و هو يحتاج إليها جميعا للسكنى فيها لكثرة عياله، فهي بحكم الدار الواحدة، فلا يجب عليه بيعها لوفاء الدين، و كذلك إذا احتاج الى أكثر من خادم واحد، و الى أكثر من دابة واحدة أو احتاج الى أكثر من سيارة، و مثله الحكم في الفرش المتعددة و الثياب، فالمدار في ذلك على مقدار ما تتأدى به الضرورة و ينتفي به العسر و لا يتأدى بأقل منه.

و إذا كانت

لديه دار للسكنى تزيد في سعتها على مقدار حاجته تخير بين أن يسكن منها ما يفي بحاجته، و يبيع منها ما زاد على ذلك، و أن يبيع الدار الواسعة و يشتري دارا تفي بحاجته و لا تزيد، و إذا كانت الدار التي يسكنها أرفع في القيمة و المنزلة مما يحتاج اليه باعها و اشترى دارا تناسب شأنه، و صرف الزائد من ثمنها في وفاء الدين و كذلك في السيارة و الخادم و الأثاث.

المسألة 20:

إذا كانت لديه دار موقوفة أو موصى بها لجهة تنطبق عليه و هي تكفي لسكناه و تناسبه في حاله و شرفه، و له دار مملوكة، فالأحوط أن يبيع داره المملوكة و يفي بثمنها الدين و يكتفي بما عنده من الدار الموقوفة أو الموصى بها.

المسألة 21:

انما تكون دار السكنى من المستثنيات في الدين، إذا كان المدين موجودا، فإذا مات و لم يترك شيئا إلا دار سكناه، أو ترك معها غيرها و كان دينه يستوعب الجميع، أو كان الدين بمقدار لا يمكن وفاؤه إلا ببيع الدار وجب بيع الدار في جميع هذه الصور، و صرف الثمن في وفاء الدين.

المسألة 22:

لا يجب على المدين أن يبيع المستثنيات التي تقدم ذكرها ليفي به دينه، و لا يجبر على ذلك، و إذا رضي المدين بذلك فباعها باختياره و صرف أثمانها في قضاء دينه صح له ذلك، و جاز لصاحب الدين أن

كلمة التقوى، ج 6، ص: 13

يقبض ما يدفعه اليه من ذلك، غير أنه يستحب للدائن أن يترفع عن ذلك و يتنزه، فلا يكون سببا لبيع المدين داره و ان كان البيع برضاه، و قد تستفاد كراهة ذلك من خبر عثمان بن زياد عن أبي عبد اللّه (ع).

المسألة 23:

إذا حل موعد الدين و طالب به صاحبه، و عرض المدين عقاره و أمتعته الموجودة لديه- مما يزيد على المستثنيات- ليبيعها في وفاء دينه، فوجد أنها لاتباع إلا بأقل من أثمانها، وجب عليه بيعها، و لم يجز له الانتظار حتى ترتفع القيمة أو يوجد الراغب. و إذا كان التفاوت في القيمة كثيرا يكون البيع معه تضييعا للمال و إتلافا له في نظر العقلاء، فلا يبعد عدم وجوب البيع في هذه الصورة، و خصوصا إذا لزم منه الضرر أو الحرج على المدين.

المسألة 24:

يحرم على المدين أن يماطل صاحب الدين في قضاء دينه مع قدرته على الوفاء، و قد عد في بعض النصوص المعتمدة حبس الحقوق الواجبة من غير إعسار من المعاصي الكبيرة، و قد أشرنا الى ذلك في تعداد الكبائر من بحث صلاة الجماعة، و عن النبي (ص): (من مطل على طي حق حقه و هو يقدر على أداء حقه فعليه كل يوم خطيئة عشار)، و إذا أعسر المدين و لم يقدر على الوفاء وجبت عليه نية القضاء بأن يعزم في نفسه انه يؤدي الدين متى قدر على وفائه، و إذا تجددت له الاستطاعة وجب عليه القضاء و لم تجز له المماطلة.

المسألة 25:

تكثرت الأدلة على وجوب انظار المدين إذا ثبت إعساره، و في الآية الكريمة (وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ)، و عن الإمام أبي عبد اللّه (ع): (إياكم و إعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بشي ء يكون لكم قبله و هو معسر، فإن أبانا رسول اللّه (ص) كان يقول:

ليس للمسلم أن يعسر مسلما، و من أنظر معسرا أظله اللّه يوم القيامة لظله يوم لا ظل الا ظله)، و قد تنوعت الأدلة في التعبير عن ذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 14

المسألة 26:

لا يسقط الدين بعدم مطالبة الدائن به و ان طالت المدة، و لا بنسيان الدائن أو المدين له فمتى ذكره لزمه القضاء، و إذا نسيه المدين حتى مات و علم به وارثه بعد موته وجب عليه قضاؤه من تركة الميت.

الفصل الثاني في القرض و أحكامه
المسألة 27:

القرض هو أن يملك الإنسان غيره مالا و يضمنه عوضه، مثله أو قيمته، يقال: أقرضه المال إذا ملكه إياه و ضمنه عوضه، فدافع المال مقرض، و آخذه مقترض و طالبه مستقرض.

المسألة 28:

يكره للإنسان أن يستقرض أو يستدين مع عدم الحاجة كراهة شديدة، ففي الحديث عن أبي عبد اللّه (ع) عن آبائه (ع)، عن علي (ع):

(إياكم و الدين، فإنه مذلة بالنهار مهمة بالليل، و قضاء في الدنيا و قضاء في الآخرة) و عن أبي جعفر (ع): (كل ذنب يكفره القتل في سبيل اللّه، الا الدين، فإنه لا كفارة له الا اداؤه أو يقضي صاحبه، أو يغفر الذي له الحق)، و إذا حصلت الحاجة الى الاستقراض و الاستدانة خفت الكراهة، و كلما تزايدت الحاجة ازدادت خفة الكراهة حتى تزول، و عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع): (من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه (عز و جل)، و ان غلب عليه فليستدن على اللّه (عز و جل) و على رسوله ما يقوت به عياله).

المسألة 29:

إذا لم يكن لدى الإنسان ما يفي به دينه إذا هو استدان، و لا يترقب أن يحصل له ما يفي به فالأحوط له أن لا يقترض و لا يستدين الا مع الضرورة التي تحتم عليه ذلك، أو مع علم الدائن بحاله و طيب نفسه بالاستدانة منه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 15

المسألة 30:

يستحب للمؤمن أن يقرض أخاه المؤمن استحبابا مؤكدا، و يتضاعف تأكيده و يعظم ثوابه و أجره عند الحاجة و في أوقات الشدة، فقد ورد عن الرسول (ص): (من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة، و كان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه اليه)، و عن أبي عبد اللّه (ع): (لأن أقرض قرضا أحب الي من ان أتصدق بمثله) و قال (ع): (من أقرض قرضا و ضرب له أجلا، و لم يؤت به عند ذلك الأجل كان له من الثواب في كل يوم يتأخر عن ذلك الأجل مثل صدقة دينار واحد كل يوم).

المسألة 31:

القرض أحد العقود، و لذلك فيعتبر فيه الإيجاب من المقرض و القبول من المقترض، و إيجابه أن يقول للمقترض: أقرضتك المبلغ المعين أو يقول: ملكتك المبلغ و عليك أن ترد لي عوضه إلى أجل كذا، و يكفي فيه أي لفظ يؤدي المعنى المقصود، و ان كان بلغة غير عربية، و قبوله أن يقول المقترض: قبلت أو رضيت، و يكفي أي لفظ يدل على ذلك و ان لم يكن عربيا.

و يصح وقوعه بالمعاطاة، فيدفع المقرض المال بقصد إنشاء القرض، و يتسلمه المقترض بقصد القبول، و يشترط في المقرض و المقترض أن يكونا بالغين و عاقلين و قاصدين و مختارين و غير محجور عليهما لفلس أو سفه، كما هو الشأن في كل متعاقدين.

المسألة 32:

يشترط في مال القرض على الأحوط أن يكون عينا، فلا يصح أن يكون دينا، فيقول له: أقرضتك الدين الذي أملكه في ذمة زيد، و يجوز للمقرض أن يوكل المستقرض في قبض الدين من زيد، فإذا قبضه منه جاز أن يقرضه إياه، و لا يصح أن يكون مال القرض منفعة، فيقول له: أقرضتك سكنى داري مدة شهر أو مدة شهرين، أو يقول له:

أقرضتك سكنى دار زيد التي استأجرتها منه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 16

و يشترط في المال أن يكون مملوكا، فلا يصح أن يقرضه مالا يملكه المسلم كالخمر و الخنزير، و لا يصح أن يقرضه شيئا يملكه غيره، و إذا أقرضه مال غيره كان فضوليا، فان أجازه مالك المال صح، و ان لم يجزه كان باطلا.

المسألة 33:

يصح للرجل أن يقرض صاحبه أمرا كليا في الذمة، فيقرضه خمس وزنات من الأرز أو من الحنطة، في ذمته، ثم يدفع اليه فردا شخصيا، فيقبضه المقترض، أو يقرضه خمس وزنات كلية من هذه الصبرة ثم يزن له من الصبرة المقدار المعين فيدفعه اليه و يحصل القبض.

المسألة 34:

إذا كان مال القرض من المثليات كالحبوب و الأدهان و سائر المثليات فيشترط في صحة قرضه أن يكون مما يمكن ضبط أوصافه و خواصه التي يكون اختلافها موجبا لاختلاف القيمة و الرغبة في المال بين المتعاملين من الناس، و إذا كان المال من القيميات لم يشترط فيه ذلك على الأقوى، فيكفي في صحة قرضه علم المتداينين بقيمته، و ان لم يمكن ضبط صفاته و خصائصه كما اشترطناه في المثليات، فيصح إقراض الغنم و الجواري و العبيد و غيرها من القيميات إذا علم الطرفان بقيمتها و ان لم تضبط أوصافها في العقد، أو لم يمكن ذلك فيها كاللئالي و الجواهر و أمثالها.

المسألة 35:

يشترط في مال القرض أن يكون معينا، فلا يصح أن يكون أمرا مبهما غير معين، كما إذا قال الرجل لصاحبه: أقرضتك أحد هذين المبلغين، أو أحد هذين الثوبين.

و يشترط أن يكون المال معلوم المقدار، بأن يعلم مقدار كيله إذا كان مما يكال، و مقدار وزنه إذا كان مما يوزن، و مقدار عدده إذا كان مما يعد، فلا يصح أن يقرضه الطعام الموجود من غير أن يعرف وزنه أو كيله، و لا يكفي أن يقدره بغير المقياس الذي يتعارف تقديره به، فيقرضه مل ء هذا الوعاء أو هذا الإناء بيضا من غير أن يعرف عدده.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 17

المسألة 36:

إذا أقرض الرجل صاحبه المال مما يكال، و قدره بكيلة معينة من غير المكاييل المعروفة بين الناس، فلا يبعد الحكم بصحة القرض، و يجب أن يقدر العوض عند الوفاء بتلك الكيلة المعينة، و كذلك إذا أقرضه المال مما يوزن، و اعتمد في تقديره على صخرة أو حديدة معينة من غير المعايير التي يتعارف الوزن بها، فيصح القرض و يقدر وزن العوض عند الوفاء بتلك الصخرة أو الحديدة التي وزن مال القرض بها، و الأحوط استحبابا اجتناب ذلك.

المسألة 37:

يشترط في صحة القرض أن يسلم المقرض المال و أن يستلمه المقترض، فلا يملك المقترض مال القرض حتى يقبضه، و لا يشترط في ملكه للمال أن يتصرف فيه.

المسألة 38:

الظاهر أن القرض من العقود اللازمة، فإذا تم العقد من الإيجاب و القبول و حصل القبض، لم يجز للمقرض أن يفسخ العقد و يرجع بالعين التي أقرضها، و لم يجز للمقترض أن يرد العين التي اقترضها إذا كانت من القيميات، نعم، إذا كان القرض غير مؤجل إلى أجل معين، فللمقرض أن يطالب المقترض بوفاء دينه و ان لم تمض عليه مدة بعد القرض، و يجوز للمقترض أن يرد المال الذي أخذه إذا كان من المثليات، على أن يكون ذلك وفاء بالدين، لا فسخا للعقد.

المسألة 39:

إذا تم عقد القرض و حصل الإقباض و القبض بين المتداينين، اشتغلت ذمة المقترض بعوض المال، فإذا كان مال القرض من المثليات، ثبت للمقرض في ذمة المقترض مثل المال، و قد بينا في ما تقدم ان ما تنتجه المعامل و المصانع الحديثة من الأشياء المتماثلة في كل جهة يكون بحكم المثليات، فإذا أقرض الإنسان صاحبه شيئا منها ثبت له في ذمة المقترض مثله.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 18

و إذا كان مال القرض من القيميات ثبتت للمقرض في ذمة المقترض قيمة ذلك المال، و إذا اختلفت قيمته فالمدار على قيمة المال يوم دفعه الى المقترض على الأقرب.

المسألة 40:

إذا كان المال الذي اقترضه الرجل مثليا، ثبت في ذمته مثله كما قلنا، و معنى ذلك أن يكون وفاؤه للقرض هو ان يدفع للمقرض ما يماثل المال في جنسه و صفاته سواء ارتفعت قيمته في السوق عن قيمته في يوم الاقتراض أم نقصت عنها، أم ساوتها، فإذا دفع الرجل المثل الى المقرض وجب عليه قبوله و لم يكن له أن يمتنع عنه، و ان نقص سعره نقصانا كبيرا عن سعره في يوم الاقتراض، و إذا طالب به المقرض عند حلول وقته وجب على المقترض أن يدفعه اليه و لم يجز له أن يمتنع عن أدائه و ان ارتفع سعره كثيرا عن قيمته يوم الاقتراض.

و إذا طلب أحد المتداينين من صاحبه أن تؤدى قيمة المثل بدلا عنه أو يدفع عنه من غير جنسه لم يجز ذلك إلا بالتراضي من الطرفين فلا يجبر أحدهما إذا امتنع عن قبول ذلك.

المسألة 41:

إذا كان المال الذي اقترضه الرجل قيميا، ثبتت في ذمة الرجل قيمته كما ذكرناه قريبا، و المراد أن يكون الوفاء بدفع مقدار قيمة المال السوقية من النقد المتداول بين الناس في معاملاتهم من دراهم أو دنانير أو أوراق نقدية أو غير ذلك، فإذا دفع المدين القيمة من ذلك الى المقرض وجب عليه قبولها و لم يجز له ان يمتنع عن القبول، و إذا طالب بها المقرض عند حلول وقت الدين وجب على المقترض دفعها اليه و لم يكن له أن يمتنع عن الدفع.

و إذا طلب أحدهما أن تؤدى قيمة المال من جنس آخر أو من نقود أخرى غير متداولة في البلد لم يجز ذلك إلا بالتراضي بينهما، فلا يجبر أحدهما إذا امتنع عن قبول ذلك.

و إذا كانت العين

المقترضة بذاتها موجودة فطلب المقرض أو أراد المقترض أن يكون وفاء الدين بدفع العين نفسها لم يصح ذلك إلا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 19

بالتراضي، فلا يجبر الممتنع منهما عن قبولها.

المسألة 42:

إذا وجب على المقترض أن يدفع مثل المال وفاء عما في ذمته للمقرض، و تعذر وجود المثل، وجب عليه ان يدفع له قيمة المثل في يوم دفعها.

المسألة 43:

يجوز للمتداينين مع التراضي في ما بينهما أن يتقابلا في القرض، فإذا تقايلا وجب على المقترض أن يدفع العين التي اقترضها الى مالكها إذا طلبها، و إذا لم يطلبها منه فهي أمانة في يده لا يجوز له التصرف فيها.

المسألة 44:

إذا اقترض ذمي من مسلم مالا أو استدان منه دينا، ثم باع الذمي بعض المحرمات في الإسلام كالخمر و الخنزير، و دفع الى المسلم من ثمنها وفاء لدينه، جاز للمسلم أن يقبض دينه منها، و إذا باع الذمي شيئا منها و بقيت أثمانها في ذمة المشتري، ثم أسلم الذمي، جاز له أن يقبض الأثمان بعد إسلامه، و لا يسقط حقه من المطالبة بها.

المسألة 45:

الدراهم المسكوكة من المثليات، فإذا اقترضها الرجل ثبت للمقرض في ذمته مثلها، و كذلك الدنانير المسكوكة، و الأوراق النقدية التي تعتبرها الدولة نقدا رسميا تجري به المعاملات في البلد، فإذا أقرض الرجل صاحبه مبلغا منها، ثبت في ذمة المقترض مثل ذلك المبلغ، سواء اتحد سعرها في النقود الأخرى و في الأجناس غير النقود أم اختلف.

و إذا ألغت الدولة اعتبار دراهمها أو دنانيرها أو عملتها الورقية، فان سقطت بسبب ذلك الدراهم أو الدنانير أو العملة الورقية عن المالية أصلا، وجب على المدين أن يدفع للدائن قيمتها في آخر أزمنة ماليتها و لم يجز له أن يدفع عينها، و ان لم تسقط بسبب ذلك عن المالية، كفاه أن يدفع له مثل ما في ذمته من تلك الدراهم أو الدنانير المسكوكة التي ألفتها الدولة، أو العملة الورقية و ان قلت قيمتها عن قيمتها يوم اقتراضها بسبب إلغاء الدولة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 20

الفصل الثالث الربا في القرض
المسألة 46:

لا يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض دفع زيادة على عوض المال الذي اقترضه منه، سواء كان الشرط صريحا مذكورا في ضمن العقد أم دلت عليه القرائن الحافة فهو كالصريح، أم علم أن ذلك من قصد المتداينين بحيث يكون عقد القرض بينهما مبنيا على هذا الشرط، و إذا شرط ذلك بطل الشرط خاصة، و لم يبطل عقد القرض على الأقوى، و نتيجة لذلك فيصح العقد و يملك المقترض مال القرض، و يثبت عوض المال في ذمته و يحرم على المقرض أخذ الزيادة التي شرطها عليه.

و هذا أحد نوعي الربا الذي حرمه الإسلام، و قد صرحت الأدلة الكثيرة بتحريمه و تعاضدت في الدلالة عليه من الكتاب الكريم و السنة المطهرة و على التشديد في أمره، و

قد تقدم في الفصل الحادي عشر من كتاب التجارة ذكر النوع الآخر منه، و هو الربا في المعاملة.

المسألة 47:

لا يختص تحريم هذا النوع من الربا بما يكال أو يوزن من أجناس المال، بل يجري في مطلق ما يقترض من الأموال، حتى في المعدود منها، كالدراهم و الدنانير، و العملات المسكوكة الأخرى، و الأوراق النقدية و الجوز و البيض، فإذا اشترطت فيها زيادة في العوض على المال المقترض كانت من الربا المحرم، و حتى الأعيان القيمية التي يكتفى في صحة قرضها بالمشاهدة، كالغنم و الدواب و الجواري و الأرض و غيرها مما يصح اقتراضه و تثبت في الذمة قيمته يوم الاقتراض كما تقدم، فإذا أقرض شيئا منها و اشترط في العقد زيادة على مقدار العوض، و هو القيمة التي تثبت في الذمة، كان ذلك من الربا المحرم.

المسألة 48:

لا يجوز في القرض أن تشترط فيه زيادة على العوض، سواء كانت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 21

الزيادة المشترطة عينية، و كانت من جنس مال القرض، و مثال ذلك أن يقرض زيد عمرا عشرة دنانير و يشترط عليه أن يؤدي له اثني عشر دينارا، أم كانت الزيادة عينية من غير جنس المال، و مثال ذلك أن يقرضه عشرين دينارا و يشترط عليه أن يدفع له عوض ذلك عشرين دينارا و سلعة معينة أخرى غير الدنانير، أم كانت الزيادة المشترطة منفعة أم عملا أم انتفاعا، و مثال ذلك أن يقرضه عشرين دينارا و يشترط أن يؤدي له عوض ذلك عشرين دينارا مع سكنى دار المقترض أسبوعا أو مع خياطة ثوب، أو مع انتفاع المقرض بالعين المرهونة عنده على الدين المذكور، و كذلك إذا أقرضه عشرين درهما مكسورا و اشترط عليه أن يدفع له عشرين درهما صحيحا، فلا يصح الشرط في جميع الفروض المذكورة، و إذا اشترطه كان من

الربا المحرم.

المسألة 49:

إذا أقرض الرجل صاحبه مقدارا من المال و اشترط عليه أن يدفع له عوض المال و ان يؤجره مع ذلك داره المعينة بأقل من أجرتها، أو اشترط عليه أن يدفع له العوض و أن يبيعه شيئا من أملاكه بأقل من ثمنه، كان ذلك من اشتراط الزيادة فيكون من الربا المحرم.

المسألة 50:

لا فرق في تحريم الربا بين أن يشترط على المقترض زيادة تعود الى المقرض نفسه كما في الأمثلة المتقدم ذكرها أو تعود الى شخص آخر، فلا يجوز له أن يقرض المدين عشرين دينارا و يشترط عليه أن يؤدي له عشرين دينارا و يعطي زيدا دينارا أو يهب له كتابا أو سلعة معينة.

و لا يجوز له أن يقرضه مبلغا من المال و يشترط عليه أن يؤدي له المبلغ و أن يصرف في تعمير مسجد معين أو في إقامة مأتم خاص أو في تعميره كذا دينارا.

المسألة 51:

ليس من الربا أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدي ما لا يجب على المقترض اداؤه، و مثال ذلك أن يقول له: أقرضتك عشرين دينارا و اشترطت عليك ان تدفع لي عشرين دينارا عوض القرض و أن تؤدي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 22

زكاة مالك لمستحقها أو تقضي الدين الذي يستحقه عليك فلان، و ليس من الربا إذا قال له في عقد القرض: بشرط أن تؤدي صلاتك أو صيامك أو حجك، أو بشرط أن تذكرني في دعائك أو تستغفر لأبي في صلاتك.

المسألة 52:

لا تكون الزيادة محرمة إذا لم تكن مشترطة في العقد، فإذا دفع المقترض للدائن زيادة على عوض المال الذي اقترضه منه من غير اشتراط من الدائن، بل دفعها اليه من تلقاء نفسه، جاز للمقترض دفعها و حل للمقرض أخذها، سواء كانت زيادة عينية أم غيرها، و في بعض النصوص دلالة على استحباب ذلك للمقترض و أنه من حسن القضاء، و أن خير الناس أحسنهم قضاء.

و في بعضها دلالة على كراهة قبولها للمقرض، و في رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه (ع): أن رجلا أتى عليا (ع) فقال له: ان لي على رجل دينا فأهدى الي هدية، قال (ع): احسبه من دينك عليه، و هذه الرواية محمولة على استحباب ذلك للمقرض.

المسألة 53:

الربا المحرم في الإسلام: هو أن يشترط على المقترض دفع الزيادة للمقرض، و ليس من الربا إذا اشترطت الزيادة للمقترض، فيصح اشتراط ذلك و يحل للمقترض أن يأخذها، و مثال ذلك أن يقرض زيد عمرا عشرين دينارا مثلا، و يشترط على المقترض- لبعض الأغراض الخاصة- أن يؤدي له عوض دينه ثمانية عشر دينارا فقط، فتكون الزيادة و هي الديناران مشترطة للمقترض لا للمقرض فلا تكون من الربا المحرم.

و من ذلك ما إذا احتاج الإنسان إلى تحويل مبلغ من المال الى بلد آخر، فيدفع ذلك الإنسان إلى تاجر في بلده مائة دينار مثلا، ليحوله التاجر بثمانين دينارا منها على وكيله أو على البنك في البلد الآخر المقصود، فيكون ذلك الإنسان قد أقرض التاجر مائة دينار، و استلم منه عوضها في ذلك البلد المقصود ثمانين دينارا فقط، و تكون العشرون

كلمة التقوى، ج 6، ص: 23

دينارا و هي الزيادة مشترطة للمقترض و هو التاجر، فيحل

له أخذها و لا تكون من الربا المحرم.

المسألة 54:

يجوز للرجل أن يقرض غيره مالا مثليا، كالدراهم و الدنانير و الحبوب، و يشترط على المقترض أن يدفع عوض ذلك المال من غير جنسه، فيصح الشرط و يلزم العمل به إذا كان العوض الذي اشترط دفعه مساويا للمال المقترض في القيمة أو أقل منه، و لا يصح الشرط إذا كان العوض المشترط أكثر من المال في القيمة.

المسألة 55:

إذا اشترط التأجيل في أداء عوض القرض إلى أجل معين، و كان الاشتراط في ضمن عقد لازم كالبيع و الإجارة و الصلح، صح الشرط و وجب الوفاء به، و كذلك إذا اشترط تأجيله في ضمن عقد القرض على الأقوى، فيجب الوفاء به، و لا يجوز للمقرض أن يطالب المقترض بعوض القرض قبل أن يحل الأجل، و إذا اشترط التأجيل في ضمن عقد جائز وجب الوفاء بالشرط ما دام العقد الذي اشترط ذلك في ضمنه موجودا، فإذا فسخ العقد سقط الشرط و لم يجب الوفاء به.

المسألة 56:

يصح للمقرض أن يشترط على المقترض أن يدفع اليه العوض في بلد معين، فإذا شرط عليه ذلك نفذ الشرط و وجب العمل به و ان كان في حمل المال الى ذلك البلد مؤنة، فإذا دفع المقترض عوض القرض في بلد آخر لم يجب على المقرض قبوله منه، و إذا طالب الدائن المقترض بالعوض في بلد آخر لم يجب عليه الأداء فيه.

المسألة 57:

إذا أطلق المقرض العقد و لم يعين موضعا خاصا لتسليم الدين فيه انصرف العقد الى البلد الذي وقع فيه القرض، فيجب على المقترض أداء الدين إذا طالبه المقرض به في ذلك الموضع، و يجب على المقرض القبول إذا دفعه المقترض فيه، الا إذا قامت قرينة على عدم ارادة ذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 24

الموضع و مثال ذلك أن يقرضه المال و هما غريبان عن بلد القرض و يريدان مفارقته.

المسألة 58:

يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض أن يجعل عنده رهنا لدينه، فيلزم المقترض الوفاء بالشرط و يجوز للمقرض أن يشترط عليه أن يقدم له ضامنا للمال، أو كفيلا للمقترض، فيلزم الوفاء بالشرط كذلك، و يجوز له أن يشترط على المقترض أي شرط يريده إذا كان الشرط جامعا لشرائط الصحة و لم يوجب نفع المقرض بما يعد زيادة في العوض.

المسألة 59:

إذا اقترض زيد من عمرو مبلغا معينا من المال ثم رهن عليه رهنا، و اشترط المرتهن على الراهن في ضمن العقد أن يستوفي المرتهن منافع العين المرهونة مجانا مدة رهنها، فيسكن الدار، أو يستعمل الفراش، أو يركب السيارة، لم يصح ذلك فإنه من اشتراط الزيادة في عوض القرض، فيكون من الربا المحرم.

و كذلك الحكم إذا لم يكن الرهن على قرض، و لكنهما اشترطا أن تكون المنفعة المستوفاة من هذا الرهن زيادة في عوض قرض، فيكون من الربا المحرم.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 25

كتاب الرهن

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 27

كتاب الرهن و فيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول في الرهن و شروطه
المسألة الأولى:

الرهن وضع شي ء و حبسه عند أحد تأمينا له على دينه، و من ذلك جعلت كلمة الرهن في عرف المتشرعة اسما للمعاملة التي يجعل بها الشي ء وثيقة للدائن على دينه، و الراهن هو المدين الذي دفع ذلك الشي ء، و أجرى عليه المعاملة و وثق به دين الدائن، و المرتهن هو الدائن الذي أخذ الشي ء من صاحبه و استوثق به لدينه، و المرهون هو الشي ء الذي جعل كذلك، و يطلق عليه اسم الرهن أيضا، و يجمع على رهون و رهان، و منه قوله تعالى فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ، و قد ذكرنا في كتاب التجارة ان الرهن من الإيقاعات و هو الأقوى، و لكن إجراء شرائط العقود و بعض أحكامها عليه أحوط، و من أجل ذلك أطلقنا عليه كلمة العقد في هذا الكتاب و اعتبرنا فيه شروطه و أجرينا ما يوافق الاحتياط من آثاره، فلا تغفل.

المسألة الثانية:

الرهن عقد من العقود كما ذكرناه، و هذا العقد قد ينشأ باللفظ، فيكون محتاجا إلى إيجاب و قبول لفظيين، و يكون الإيجاب من الراهن، و يكفي فيه كل لفظ يدل على جعل الشي ء المعين وثيقة عند المرتهن على دينه في ذمة الراهن، و منه أن يقول له: رهنتك هذا الشي ء على دينك في ذمتي، أو يقول له: هذا الشي ء وثيقة لديك على الدين، أو يقول له:

جعلت هذا الشي ء رهنا عندك لتتوثق به على دينك في ذمتي،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 28

و يكون القبول من المرتهن، و يكفي فيه أي لفظ يكون دالا على الرضا بما أنشأه الراهن في إيجابه، و منه أن يقول: قبلت، أو رضيت، أو ارتهنت، و الأحوط أن ينشأ عقد الرهن باللغة العربية.

و لا يصح أن يقدم القبول على الإيجاب،

و نتيجة لهذا، فإذا كان الرهن شرطا في عقد لازم مثلا، فقال الموجب: زوجتك ابنتي فلانة على ألف دينار مؤجل إلى سنة، و اشترطت عليك أن ترهن دارك عندي على المهر المؤجل المذكور، فقال الزوج: قبلت تزويج ابنتك فلانة لنفسي على الصداق المعين، و رهنتك داري على مهر ابنتك المؤجل، فلا بد و أن يقول الموجب الأول بعد ذلك: قبلت الرهن، و لا يكتفي بالشرط الذي ذكره في عقد النكاح.

المسألة الثالثة:

يصح أن ينشأ عقد الرهن بالفعل، إذا كان الفعل دالا في متفاهم أهل المحاورة على المعنى المقصود، فإذا دفع الراهن الشي ء المعين و قصد بدفعه إنشاء الرهن على الدين الخاص، و قبض الدائن الشي ء المدفوع اليه بقصد قبول الرهن، صح العقد و ثبتت أحكامه.

المسألة الرابعة:

يشترط في الراهن أن يكون بالغا، فلا يصح ان يرهن الصبي غير البالغ ماله بغير اذن وليه، و ان كان الصبي مميزا، و يشترط فيه أن يكون عاقلا، فلا يصح الرهن من المجنون، و يصح الرهن منه إذا كان جنونه أدوارا و كان رهنه للشي ء في دور إفاقته، و يشترط في الراهن أن يكون مختارا في فعله، فلا يصح رهنه إذا كان مكرها عليه، و يشترط في الراهن أن يكون قاصدا للإنشاء في إجرائه للمعاملة، فلا يصح الرهن إذا كان غافلا أو هازلا في معاملته، و يشترط في المرتهن أيضا أن تجتمع فيه الشروط الآنف ذكرها، فتجري فيه أحكامها كما تقدم في الراهن.

و يشترط في الراهن أن يكون غير محجور عليه لسفه أو لفلس، و لا يمنع السفه و لا الفلس الرجل أن يرتهن مال غيره إذا كان هو الدائن.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 29

المسألة الخامسة:

يجوز للولي إذا كان الطفل مدينا لأحد أن يرهن مال الطفل عند دائنه إذا اقتضت المصلحة ذلك، و يجوز للولي إذا كان الطفل هو الدائن أن يرتهن عنده بعض أموال المدين توثيقا لدين الطفل عليه، و يتعين ذلك إذا كان حفظ مال الطفل يتوقف على الرهن، و إذا كان الولي هو الأب أو الجد للأب كفى في صحة تصرفهما في مال الطفل برهن أو بغيره عدم وجود المفسدة فيه، و لم يشترط وجود المصلحة، نعم يعتبر التوثق الكامل من حفظ ماله. و تجري الأحكام الآنف ذكرها جميعا في ولي المجنون إذا حصلت للولي الفروض المذكورة في مال المولى عليه.

المسألة السادسة:

إذا أكمل الولي بنفسه المعاملة لرهن مال الصبي عند دائنه أو للارتهان عند الصبي من مال المدين له و توفرت لدى الولي شروط صحة المعاملة جاز له أن يوكل الصبي- إذا كان مميزا- ليجري بنفسه صيغة الرهن لماله عند الدائن بالوكالة عن الولي، أو ليتولى قبول الرهن عنده من المدين بالوكالة عن الولي أيضا، و تنفذ المعاملة إذا أجرى الصيغة على الأقوى، و قد تقدم نظير هذا في فصل شرائط المتعاقدين من كتاب التجارة.

المسألة السابعة:

يصح أن يتولى الصبي غير البالغ معاملة الرهن لغيره، بالوكالة عن ذلك الغير إذا كان الصبي مميزا و تنفذ معاملته إذا أجراها على الوجه الشرعي الصحيح، سواء كان ذلك الغير راهنا أم مرتهنا، و لا يشترط أن يستأذن ولي الصبي بذلك.

المسألة الثامنة:

يشترط في صحة الرهن على الأحوط أن يقبض المرتهن العين المرهونة، و أن يكون قبضه إياها بإقباض من الراهن أو بإذن منه.

و إذا كانت العين في يد الرجل وديعة أو عارية، ثم رهنها مالكها عنده، فان دلت القرائن على أن الراهن أقر القبض الموجود حال الرهن، و اعتبره قبضا للرهن، كفى ذلك في تحقق شرط الرهن، و لم يحتج إلى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 30

إذن جديد و لا الى قبض آخر و ان لم تدل القرائن على ذلك، فالأحوط لزوما أن يأذن الراهن في القبض بعد العقد و يمضي زمان يتحقق فيه القبض بعد الاذن، و كذلك الحكم إذا كانت العين مغصوبة عند الرجل ثم رهنها المالك عنده، فيأتي فيها التفصيل المذكور.

المسألة التاسعة:

إذا كانت للرجل حصة مشاعة من دار أو عين أخرى مشتركة بينه و بين غيره، و رهن حصته عند دائنه، فلا يجوز للرجل تسليم الحصة المرهونة للمرتهن إلا بإذن شريكه بتسليم العين و رضاه، و إذا تعدى فسلم العين الى المرتهن من غير اذن شريكه، تحقق القبض بذلك و صح الرهن، و ان كان آثما بعدوانه على حصة الشريك.

المسألة العاشرة:

إذا وقع القبض بعد عقد الرهن تحقق الشرط بذلك و ثبتت الصحة، فإذا أخذ الراهن العين المرهونة بعد ذلك من يد المرتهن أو وضعها بيد شخص ثالث، أو غصبها منه أحد لم يقدح في صحة عقد الرهن و لم يبطل بذلك رهن العين، فلا تفتقر صحة الرهن الى استمرار القبض.

و لا يجوز أخذ العين المرهونة من يد المرتهن إلا بإذنه من غير فرق بين أخذ الراهن و غيره، كما لا يجوز وضعها بيد شخص ثالث إلا بإذن مالك العين إلا إذا اشترط عليه ذلك في ضمن العقد فيكون الشرط نافذا.

المسألة 11:

إذا اشترط الراهن على المرتهن في ضمن العقد أن تكون العين بيد الراهن مدة الرهن، أو أن تكون بيد شخص ثالث، فان كان المقصود من الشرط أن تكون العين في جميع المدة بيد الراهن أو بيد الشخص الثالث بحيث لا يقبضها المرتهن بعد العقد لم يصح هذا الشرط، فقد تقدم ان القبض شرط في صحة الرهن فلا يصح الرهن إذا لم يقبض المرتهن العين، فإذا اشترط عليه عدم القبض كان الشرط ملغى.

و ان كان المراد أن يقبض المرتهن العين بعد العقد حتى يتحقق الشرط ثم يسترجعها الراهن في بقية المدة أو يجعلها بيد الشخص الثالث، فالظاهر صحة الشرط و نفوذه، و قد ذكرناه قريبا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 31

المسألة 12:

يشترط في المال الذي يراد رهنه أن يكون عينا و هذا على القول المشهور بين الأصحاب قدس اللّه أرواحهم، و بناء على هذا القول، فلا يصح رهن الدين، و لا يصح رهن المنفعة، و للمناقشة في أدلة هذا القول مجال متسع، و لكنه أحوط و لا ينبغي تركه، فإذا كان للرجل دين على زيد مبلغ من المال، لم يصح له ان يجعله رهنا عند عمرو على دين له، و إذا كانت له دار معينة فلا يصح له ان يجعل سكنى داره مدة معلومة رهنا عند عمرو على دينه.

و يشترط في المال أيضا ان يكون مملوكا، و بناء على ذلك فلا يصح ان يرهن الحر، و لا الخمر و لا الخنزير، فإنها غير قابلة للتملك، و لا يصح أن ترهن الأرض الخراجية، و هي الأرض التي فتحها المسلمون عنوة، و الأرض التي صالح أهلها المسلمين على أن تكون الأرض ملكا للمسلمين و تبقى بأيدي أهلها و يدفعون

خراجها لإمام المسلمين، فإذا تقبل هذه الأرض أحد من ولي أمر المسلمين لم يملكها و لم يصح له رهنها على دين.

و لا يصح رهن العين الموقوفة سواء كانت أرضا أم دارا أم غيرهما من سائر الموقوفات، و سواء كانت موقوفة وقفا عاما أم خاصا، و يشترط أن يكون المال مما يمكن قبضه و يصح بيعه، فلا يصح أن يرهن الطير المملوك إذا طار فلم يمكن قبضه و لم يؤمل عوده، أو يرهن السمك المملوك إذا ذهب في الماء فلم يمكن الاستيلاء عليه بعد انطلاقه.

المسألة 13:

يجوز لمتقبل الأرض الخراجية أن يرهن ما غرس فيها من شجر و ما أنبت فيها من زرع و ما اقام فيها من بناء، و لا يصح على الأقرب أن يرهن الأرض معه بالتبعية، و اما رهن الأرض مستقلة فقد ذكرنا في المسألة المتقدمة أن الأقوى عدم صحته.

المسألة 14:

إذا رهن الإنسان على دينه ما يملكه هو و ما يملكه غيره، صح الرهن في ما يملكه و كانت الصحة في ما يملكه غيره موقوفة على اجازة مالكه، فإذا أجاز مالكه الرهن صح، و ان لم يجزه كان باطلا، و مثال ذلك ان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 32

يكون زيد مدينا لأحد، فيرهن على الدين الذي في ذمته دارا مشتركة بينه و بين مالك آخر، فيكون الرهن في حصته من الدار صحيحا نافذا، و يكون الرهن في حصة شريكه من الدار فضوليا أو هو بحكم الفضولي، فتتوقف الصحة فيه على اجازة الشريك، فإذا أجازه صح رهنا على دين الراهن.

المسألة 15:

إذا استدان زيد من خالد مبلغا من المال و لم يجعل على دينه رهنا، فرهن عمرو بعض أموال زيد- و هو المدين- على الدين المذكور و لم يستأذن زيدا في ذلك، كان رهنه فضوليا، فان أجازه زيد كان صحيحا و ان لم يجزه كان باطلا.

المسألة 16:

يجوز للإنسان أن يتبرع بالرهن، فيجعل ماله رهنا لدين غيره، سواء رضي المدين بتبرعه عنه أم لم يرض بذلك، بل الظاهر صحة رهن المتبرع و ان منعه المدين من الرهن، و إذا كان في تبرعه منة لا يتحملها المدين، لم يصح الرهن حين ذاك، و كذا إذا قصد به إذلاله أو الحط من مكانته و كرامته.

و إذا تبرع الرجل فرهن ماله لدين غيره و لم يستأذن من المدين، ثم بيع المال بالدين، فليس للمتبرع الرجوع على المدين بعوض ماله، و خصوصا إذا كان المدين قد منعه من الرهن.

المسألة 17:

إذا كان الدين على الرجل مؤجلا إلى مدة معلومة، و رهن على الدين عينا يدركها الفساد قبل حلول أجل الدين، فان شرط الراهن أو المرتهن في ضمن العقد أن يباع المال المرهون قبل أن يصيبه الفساد، و يجعل ثمنه رهنا على الدين حتى يحل الأجل، صح الرهن و عمل بالشرط، فيتولى الراهن بيع المال قبل أن يعرض له الفساد، و يجوز له أن يوكل المرتهن في ذلك أو يوكل شخصا آخر يتفقان عليه فينفذ تصرف الوكيل.

و إذا امتنع الراهن من بيع المال و خيف على الرهن الفساد أجبره الحاكم الشرعي على بيعه و ان لم يمكن جبره تولى الحاكم البيع، و إذا لم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 33

يوجد حاكم شرعي أو لم يمكن الوصول اليه، تولى المرتهن بيع المال و جعل الثمن رهنا على الدين.

و كذلك الحكم إذا دلت القرائن الحافة بالعقد على اشتراط بيع المال و جعل الثمن رهنا فيجري فيه جميع ما تقدم، و إذا شرط عدم بيع المال قبل حلول الأجل كان الرهن باطلا.

المسألة 18:

إذا كان الدين مؤجلا إلى مدة معلومة و رهن المدين عليه عينا لا يدركها الفساد بحسب العادة، و لكن طرأ عليها ما جعلها مظنة لعروض الفساد و التغير، و مثال ذلك أن يرهن على الدين حنطة أو أرزا أو غيرهما من الحبوب فيصيبه المطر أو الرطوبة، فلا يبطل الرهن بحدوث ذلك، سواء شرط بيع المال قبل حلول الأجل أم شرط عدم البيع، أم لم يشترط في عقد الرهن شيئا، فيباع المال المرهون، و يستبقي ثمنه رهنا حتى يحل أجل الدين.

المسألة 19:

يشترط في المال الذي يراد رهنه أن يكون معينا، فلا يصح أن يرهن شيئا مرددا مبهما، و مثال ذلك أن يرهن عند دائنه أحد العبدين، أو إحدى العينين، فإذا رهن إحداهما لا على وجه التعيين كان الرهن باطلا.

المسألة 20:

يصح أن يكون المال المرهون كليا في المعين إذا كانت الأفراد متساوية في الصفات و في المالية و مثال ذلك أن يرهن عند الدائن وزنة من صبرة معينة من الحنطة المتساوية في الأجزاء، أو يرهن عنده عددا معلوما من الأواني أو الأشياء الأخرى الموجودة في محله مما انتجته المعامل الحديثة متساوي الصفات و المالية، فإذا رهن الكلي من هذه الأفراد المتساوية الموجودة ثم عين الراهن فردا من الكلي و قبضه المرتهن، صح الرهن و كان نافذا، و يتحقق قبض الكلي بقبض ذلك الفرد. و يتحقق قبض الكلي في المعين أيضا بأن يدفع اليه جميع الأفراد الموجودة لديه من الكلي، فإذا دفع له جميع الصبرة المعينة و قبضها المرتهن فقد قبض الكلي و تحقق الشرط و صح الرهن.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 34

و إذا كانت أفراد الكلي مختلفة في الصفات أو في المالية أو في كليهما، أشكل الحكم بصحة رهن الكلي منها.

المسألة 21:

يصح أن يرهن المدين كليا في الذمة على الأقوى إذا كان جنسه و نوعه مما تتساوى الأفراد منه في الصفات و المالية كما اشترطنا في المسألة السابقة، و يتحقق القبض بقبض المصداق الذي يعينه الراهن بعد ذلك، فإذا عين فردا من الكلي و قبضه المرتهن صح الرهن و ترتبت آثاره و أحكامه، و إذا تفاوتت أفراد الكلي في صفاتها و ماليتها أشكل الحكم بجواز رهن الكلي منها كما تقدم في نظيره.

المسألة 22:

إذا كان المال الذي يراد رهنه معلوم الجنس و الصفات و كان مجهول المقدار فالظاهر صحة رهنه، إذا كان مشاهدا، و مثال ذلك ان يرهنه صبرة معينة من الحنطة المعلومة، و هما لا يعلمان مقدار وزنها و كيلها.

المسألة 23:

إذا رهن الرجل عند دائنه شيئا مجهولا، فلا يعلم أن الشي ء المرهون مما له مالية أو لا، لم يصح رهنه و مثال ذلك أن يرهنه شيئا موجودا في الحجرة و هو لا يعلم أي شي ء فيها، و كذلك على الأحوط إذا رهن عنده شيئا يعلمان أنه مما له مالية و لكنهما يجهلان صفاته و خصائصه، أو كان أحدهما يجهل ذلك، و مثال ذلك ان يرهن عند صاحبه ما في الصندوق من المال و هما يجهلان اي نوع من المال يحتويه الصندوق، أو كان أحدهما يجهل ذلك، فلا يصح الرهن على الأحوط.

المسألة 24:

يشترط في الحق الذي يرهن عليه أن يكون دينا ثابتا في ذمة المدين بالفعل، فلا يصح أن يجعل الرهن وثيقة على مبلغ سيستقرضه بعد هذا أو على ثمن شي ء سيشتريه في الذمة، أو على ما سيبيعه سلفا على زيد، أو على صداق مؤجل لامرأة سيتزوجها، أو على مال اجارة لدار سيستأجرها من مالكها أو نحوها من الديون التي لم تثبت في ذمته و لكنها تثبت في ما يأتي عند ما تتحقق أسبابها، فلا يصح الرهن عليها قبل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 35

ثبوتها، و ان تحققت بعد ذلك كما إذا رهن على الدين المقبل ثم استدان أو رهن على الصداق المؤجل قبل التزويج ثم تزوج.

المسألة 25:

لا يصح أن يجعل الرهن على الدية قبل أن تستقر في ذمة القاتل بموت المقتول و ان علم بأن السبب الذي جناه القاتل يؤدي الى الموت، و لا يصح الرهن على مال الجعالة قبل شروع المجعول له في العمل المجعول عليه، و لا بعد الشروع فيه و قبل إتمامه.

المسألة 26:

إذا تحقق سبب الدين و ثبت المال في الذمة، صح طلب جعل الرهن عليه من الدائن، و صح جعل الرهن عليه من المدين، سواء كان الدين حالا أم مؤجلا.

المسألة 27:

إذا استأجر الإنسان الدار أو المحل من مالكه، و كان مال الإجارة دينا في ذمة المستأجر جاز للمؤجر أن يطلب الرهن عليه كما ذكرنا، و إذا استأجر الرجل أجيرا على عمل في ذمته جاز للمستأجر أن يطلب من الأجير رهنا على العمل الثابت في ذمته، إذا أمكن استيفاء العمل المستأجر عليه من الوثيقة و مثال ذلك أن يستأجر الأجير على عمل في الذمة و لا يشترط عليه المباشرة، فإذا انقضت المدة المحددة للعمل و لم يقم الأجير به أو علم منه الامتناع عن الوفاء بالإجارة، بيع الرهن و استؤجر بثمنه عاملا يأتي بالعمل المطلوب، و إذا لم يمكن استيفاء العمل من الرهن لم يصح، كما إذا اشترطت على العامل المباشرة في العمل.

المسألة 28:

إذا اشترى الرجل سلعة أو متاعا و بقي الثمن دينا في ذمة المشتري، صح له ان يجعل السلعة أو المتاع الذي اشتراه رهنا على الثمن الباقي في ذمته من ذلك الشراء.

المسألة 29:

لا يبعد أنه يجوز جعل الرهن على الأعيان التي يستقر ضمانها على

كلمة التقوى، ج 6، ص: 36

الإنسان شرعا، لقوله (ص) (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) و أمثاله، كالأعيان التي يستولي عليها الإنسان غصبا، و الأعيان التي يقبضها بالعقود الفاسدة أو يقبضها بالسوم، و كالعارية التي يحكم الشارع بضمانها، و نحو ذلك، فإذا رهن الضامن في بعض هذه الموارد شيئا على العين التي حكم الشارع عليه بضمانها، و لم يؤد العين المضمونة لصاحبها حتى تلفت، بيع الرهن و أخذت قيمة العين التالفة من ثمنه.

المسألة 30:

إذا باع الرجل عينا شخصية على أحد، و سلم العين المبيعة للمشتري، كانت العين المذكورة في عهدة بائعها، فإذا استبان أن العين مملوكة لغيره كان عليه ضمانها، فيرد الثمن على المشتري إذا كان الثمن باقيا و يرجع عليه بدله إذا كان تالفا، و كذلك إذا اشترى سلعة من أحد بثمن شخصي معين، فالثمن المذكور في عهدة المشتري على النهج المذكور في المبيع، و مثله مال الإجارة إذا استأجر الدار أو الأرض بأجرة شخصية، و عوض الصلح إذا صالح على الشي ء بعوض شخصي، فتكون الأعواض الشخصية المذكورة التي جرت عليها المعاوضة في عهدة دافعها و ضمانه، فإذا ظهر انها مملوكة لغيره وجب عليه رد عوضها إذا كان موجودا و لزمه رد بدله إذا تلف.

و يشكل الحكم بصحة جعل الرهن على هذه العهدة، بل الظاهر عدم جواز ذلك قبل أن ينكشف أمر العين المضمونة أ هي مستحقة للغير أم لا، و إذا انكشف ان العين مملوكة لمالك آخر، فالظاهر صحة الرهن عليها.

المسألة 31:

لا يمنع رهن العين على دين من أن ترهن تلك العين نفسها على دين آخر للمرتهن الأول، فإذا استدان الرجل من أحد مبلغا من المال، و رهن عليه عشرين مثقالا من الذهب مثلا، ثم استدان منه أيضا دينا آخر يساوي الدين الأول في المقدار أو يزيد عليه أو ينقص عنه أو يخالفه في الجنس، و أراد أن يجعل الذهب المرهون على الدين الأول رهنا على الدينين معا جاز له ذلك، و كذلك إذا كان الرجل مدينا لزيد بدينين مستقلين فجعل على أحدهما رهنا معينا ذهبا أو غيره، ثم جعل ذلك الشي ء

كلمة التقوى، ج 6، ص: 37

رهنا على الدين الآخر أيضا، و لا يمنع ذلك

من أن يجعله رهنا أيضا على دين ثالث أو رابع مثلا للمرتهن نفسه سواء كانت الديون التي يرهن عليها متجددة أم سابقه على الرهن الأول، فيصح له ذلك في جميع الصور.

المسألة 32:

إذا رهن الرجل شيئا معينا على دين لزيد، ثم أراد أن يجعل على الدين نفسه رهنا ثانيا توثيقا لزيد على دينه الواحد جاز له ذلك فيكون كل واحد من الشيئين رهنا مستقلا على ذلك الدين الواحد.

و إذا أراد أن يفسخ الرهن الأول و يجعل الشيئين معا رهنا واحدا على الدين صح ذلك إذا فسخ المرتهن الرهن الأول أو تقايلا بينهما فأبطلا الرهن الأول و اتفقا على إنشاء الرهن الثاني.

المسألة 33:

إذا رهن الرجل شيئا معينا على دين عليه لزيد، ثم أراد أن يرهن ذلك الشي ء نفسه على دين في ذمته لعمرو، صح له أن يفعل ذلك إذا رضي الدائنان و اتفقا معه عليه، فيصبح الشي ء رهنا على كل واحد من الحقين، فإذا أدى أحد الدينين أو أبرأه صاحبه منه بقي الشي ء رهنا بالدين الآخر.

و إذا رضي الدائن الأول ففسخ رهنه و رهن الشي ء على الدين الثاني وحده صح ذلك، و إذا فسخ رهن الأول ثم جعل الشي ء رهنا مشتركا على الدينين صح ذلك إذا اتفق جميعهم عليه.

المسألة 34:

إذا استدان كل واحد من زيد و عمرو دينا خاصا من دائن واحد، و رهنا عنده على الدينين دارا مشتركة بينهما بعقد واحد أو بعقدين، أصبحت حصة كل واحد منهما من الدار رهنا خاصا على دينه الذي في ذمته، فإذا أدى أحدهما دينه الخاص انفكت حصته من الدار من رهنها، و بقيت حصة شريكه مرهونة بدينه سواء تفاوت الدينان في المقدار أم تساويا، و سواء اختلفت حصتاهما من الدار في المقدار أم تساوتا، و سواء كان معهما شريك ثالث في الدار أم لا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 38

المسألة 35:

إذا استدان زيد من عمرو مبلغا من المال، ثم استدان من خالد مبلغا آخر، و جعل داره رهنا عندهما على الدينين، فان كان الدينان متساويين في مقدارهما، فظاهر ذلك ان نصف الدار رهن عند عمرو على دينه و نصفها الآخر رهن عند خالد على دينه.

و إذا اختلف الدينان في المقدار، فالظاهر منه أن رهن الدار بينهما يكون بنسبة حق الدائن إلى مجموع الدينين، فإذا كان دين عمرو مائة دينار مثلا، و كان دين خالد مائتي دينار كانت حصة عمرو من الدار المرهونة الثلث و كانت حصة خالد الثلثين منها، و هذا هو مقتضى ظاهر مناسبة الرهن مع الدين في كلا الفرضين، الا أن تدل قرينة خاصة على ان المراد غير ذلك فيجب اتباعها.

المسألة 36:

إذا استدان زيد من عمرو مبلغا من المال و رهن عنده داره على دينه، ثم مات الراهن و هو زيد، و خلف من بعده ولدين، فأدى أحد الولدين ما يصيبه من دين أبيه، لم تنفك حصته من الدار عن رهنها حتى تؤدى بقية الدين.

و إذا مات المرتهن و هو عمرو في الفرض المذكور، و خلف من بعده ولدين، فدفع الراهن و هو زيد حصة أحد الولدين من الدين لم ينفك الرهن عن حصته من الدار كذلك حتى يدفع جميع الدين لصاحبه.

المسألة 37:

إذا رهن الإنسان بقرة أو شاة أو دابة لم يدخل حملها الموجود في بطنها في الرهن و لا ما يتجدد منه بعد العقد، الا إذا اشترط في العقد أن يدخل الحمل في الرهن، فيتبع الشرط، أو كان دخول الحمل هو القاعدة المتعارفة بين الناس في ذلك فيكون التعارف قرينة على الدخول.

و كذلك الثمر في الشجر و التمر في النخيل، فلا يدخل الموجود منه في رهن الأصل، و لا ما يتجدد منه بعد عقد الرهن الا مع الشرط أو يكون ذلك هو المتعارف بين الناس فيثبت ذلك فان المتعاقدين يقصدان ما هو المتعارف بين الناس.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 39

المسألة 38:

إذا رهن الإنسان على دينه جملا أو بقرة أو شاة أو غيرها من الحيوان، فالظاهر دخول وبر الحيوان و صوفه و شعره في رهن الحيوان من غير فرق بين الموجود منه و ما يتجدد، و إذا رهن الشجرة دخل في الرهن أوراق الشجرة و أغصانها الخضراء و اليابسة.

و لا يدخل مغرس الشجرة في رهنها و مغرس الشجرة هو موضع غرسها من الأرض، و لا يدخل أس الجدار في رهن الجدار و هو موضع أساسه من الأرض.

و يشكل الحكم بدخول اللبن الموجود في الضرع في رهن البقرة و الشاة و الناقة، و كذلك ما يتجدد منه و الأحوط الرجوع فيه الى المصالحة، و ان كان الأقوى عدم الدخول في الرهن الا مع الاشتراط.

الفصل الثاني في لزوم الرهن و جوازه
المسألة 39:

عقد الرهن لازم من جانب الراهن، و هو جائز من جانب المرتهن، فلا يصح للراهن أن يفسخ الرهن أو يأخذ العين المرهونة من المرتهن بغير رضاه، و يجوز للمرتهن أن يسقط حقه من الرهن، فإذا أسقط حقه منها جاز للراهن أخذ العين و التصرف فيها و ان لم يرض المرتهن و لم يأذن بالتصرف بعد إسقاط حقه، و مثل ذلك ما إذا أدى الدين أو فرغت ذمته منه بإبراء أو مصالحة أو هبة أو غيرها فيسقط حق المرتهن و يجوز للراهن التصرف.

المسألة 40:

إذا برئت ذمة المدين من بعض الدين لم ينفك الرهن بذلك، و لم ينفك منه شي ء على الأقوى بل يبقى الجميع رهنا حتى يؤدي جميع الدين، أو تبرأ ذمته منه بأحد المبرئات.

و إذا شرط الراهن في العقد أن ينفك من الرهن بمقدار ما يؤدى من الدين نفذ الشرط، فإذا أدى نصف الدين انفك نصف الرهن و بقي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 40

نصفه رهنا على بقية الدين، و إذا شرط أن تكون العين مرهونة على مجموع الدين نفذ ذلك، فإذا أدى بعض الدين انفك جميع الرهن.

المسألة 41:

لا يجوز للراهن أن يتصرف في العين المرهونة تصرفا ينافي حق المرتهن كالبيع و الإجارة و نحوهما من التصرفات التي تنقل العين أو المنفعة إلى ملك غيره و كالوقف و التحبيس و الصدقة، و يجوز له أن يتصرف فيها تصرفا لا ينافي حق المرتهن، و لا يخرجها من يده على الأقوى كسقي الشجر المرهون و علف الدابة و تعمير الدار و مداواة المريض، بل يجوز استخدام العبد و الأمة و ركوب السيارة و الدابة و سكنى الدار إذا لم تخرج العين بتصرفه عن يد المرتهن أو كان التصرف باذنه و رضاه.

المسألة 42:

إذا أتلف الراهن العين المرهونة لزمه أن يؤدي قيمتها، فتوضع القيمة رهنا مكان العين التالفة و إذا آجر الراهن الدار المرهونة كانت صحة الإجارة موقوفة على اجازة المرتهن، فان ردها بطلت، و ان أجازها صحت و لم يبطل رهن الدار بذلك، و كانت الأجرة المسماة للمالك الراهن.

المسألة 43:

إذا باع الراهن العين المرهونة توقفت صحة البيع على اجازة المرتهن، فإذا هو رد العقد بطل البيع و بقي الرهن، و إذا أجاز العقد صح البيع و بطل الرهن، إلا إذا باع الراهن العين على أن يكون ثمنها رهنا في موضع العين و أجاز المرتهن البيع كذلك، فيصح البيع و يبقى الثمن رهنا كما اشترط.

و كذلك الحكم إذا أذن المرتهن في بيع العين فباعها الراهن، فيصح البيع و يبطل الرهن، و إذا باع العين على أن يكون ثمنها رهنا في موضع العين، و قد أذن له المرتهن كذلك صح البيع و لم يبطل الرهن بل يبقى الثمن رهنا كما اشترط و تراجع المسألة المائة و التاسعة و العشرون من كتاب التجارة في بقية من فروض هذه المسألة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 41

المسألة 44:

لا يجوز للمرتهن أن يتصرف في العين المرهونة إلا بإذن مالكها، فإذا ركب السيارة أو الدابة المرهونة عنده، أو سكن الدار أو اكتسب في الدكان بغير اذن المالك كان آثما بتصرفه، و كان ضامنا للعين إذا تلفت فيضمنها بمثلها إذا كانت مثلية و بقيمتها يوم التلف إذا كانت قيمية، و يجب عليه أن يدفع للمالك أجرة المثل للمنفعة التي استوفاها من ماله.

المسألة 45:

إذا باع المرتهن العين المرهونة، كان بيعه فضوليا، فلا يصح الا بإجازة المالك الراهن، فان أجازه صح، و ان رده كان باطلا.

و إذا أجاز المالك بيع المرتهن، و كان بيعه للعين مشروطا بأن يكون ثمنها رهنا، و قد أجازه المالك كذلك صح البيع و بقي الثمن رهنا مكان العين كما اشترط.

و إذا باع المرتهن العين و لم يشترط في البيع شيئا ثم أجاز الراهن البيع صح البيع و بطل الرهن و لا يكون الثمن رهنا على الدين الا بعقد جديد.

المسألة 46:

إذا آجر المرتهن الدار المرهونة بغير اذن مالكها كان عقد الإجارة فضوليا، فان أجازه المالك صحت الإجارة و كان بدل الإجارة له لا للمرتهن، و ان رده كانت الإجارة باطلة، و بقيت العين رهنا على حالها في كلتا الصورتين.

المسألة 47:

منافع العين المرهونة و نماءاتها تابعة للعين في الملك، فإذا كانت العين مملوكة للراهن كما هو الغالب، فمنافعها و نماءاتها كلها للراهن، فسكنى الدار المرهونة، و العمل و التكسب في الدكان المرهون و خدمة العبد و الأمة المرهونين، و استعمال الفرش و الأواني و الأثاث و الأمتعة و ركوب السيارة و الدابة إذا كانت هذه الأشياء مرهونة، و كل منفعة من منافعها، و أجرتها إذا استؤجرت كلها للراهن و كذلك نماءاتها كنتاج الحيوان و لبنه و دهنه و بيضه و سمنه إذا سمن، و ثمر النخيل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 42

و الشجر و نموه و فسيلة، فجميع ذلك للراهن، و لا ينتقل شي ء منه الى المرتهن و لا يدخل في الرهن إلا إذا اشترط دخوله أو دلت قرينة أو عرف على دخوله، و قد ذكرنا ما يدخل في الرهن و ما لا يدخل فيه في المسألة السابعة و الثلاثين و المسألة الثامنة و الثلاثين، فليرجع إليهما من يريد الوقوف على ذلك.

و إذا كانت العين المرهونة ملكا لغير الراهن فمنافعها و نماؤها لمالك العين و قد ذكرنا في المسألة السادسة عشرة حكم من يتبرع بالرهن، فيجعل ماله رهنا على دين غيره.

المسألة 48:

يصح للمالك أن يرهن ثمرة الشجرة دون أصلها، و يصح له أن يرهن الأصل و الثمرة معا فإذا أدركت الثمرة و حل أجل الدين في وقت واحد، أو كان الدين حالا لا أجل له، أجريت على الثمرة أحكام الرهن عند حلول الأجل، سواء كانت مرهونة مع الأصل أم على انفرادها.

و إذا كان الدين مؤجلا و أدركت الثمرة قبل حلول أجله، فإن كانت الثمرة مما يحفظ بتجفيف و نحوه حتى يحل أجل الدين، صنع بها

كذلك و بقيت رهنا، و ان لم يمكن حفظها، جرى عليها حكم رهن العين التي يسرع إليها الفساد قبل حلول الدين، و قد ذكرناه في المسألة السابعة عشرة فلتراجع لتطبيق حكمها في المورد.

المسألة 49:

إذا كان على الشخص دين حال، أو كان الدين مؤجلا فحل وقته، و رهن عليه رهنا، و شرط الراهن أو المرتهن في ضمن العقد، أن يستوفي الدائن المرتهن منفعة العين المرهونة مجانا ليؤجل الدين إلى مدة معينة لم يصح ذلك، و كذلك الحكم إذا كان الدين مؤجلا إلى مدة، فرهن عليه رهنا، و شرط أن يستوفي المرتهن منفعة العين مجانا ليزيد في مدة الأجل، فلا يصح ذلك في الصورتين، و قد ذكرنا في المسألة الثلاثمائة و الخامسة و ما بعدها من كتاب التجارة نظيري هذين الحكمين.

المسألة 50:

يجوز للدائن المرتهن أن يشترط في العقد على الراهن أنه يستوفي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 43

منفعة العين المرهونة مجانا. في مدة رهنها عنده، إذا لم يكن استيفاء المنفعة المذكورة زيادة في عوض قرض، كما ذكرناه في المسألة التاسعة و الخمسين من كتاب الدين، و لم يكن عوضا لتأجيل دين حال، أو عوضا لزيادة في أجل دين مؤجل كما ذكرناه في المسألة السابقة، فإذا لم يكن استيفاء منفعة الرهن راجعا الى ذلك، صح للمرتهن اشتراطه و إذا شرطه في الرهن لزم العمل به ما دامت المدة المشترطة باقية.

الفصل الثالث في استيفاء الحق من الرهن
المسألة 51:

لا يتعين على الراهن أن يبيع العين المرهونة لوفاء دينه، و لا يحق للمرتهن أن يجبره على بيعها و وفاء الدين من ثمنها إذا كان يستطيع وفاءه من مال آخر، أو ببيع عين أخرى أو بالاستدانة من دائن آخر، فيكون مخيرا في الوفاء من اي سبيل أراد، إلا إذا انحصر سبيل ذلك ببيع العين، فيتعين عليه بيعها حين ذاك و يجبر عليه إذا امتنع.

المسألة 52:

إذا رهن الرجل بعض أمواله عند الدائن يوثق به دينه، فقد يجعل الراهن صاحب الدين وكيلا عنه في بيع العين المرهونة عند حضور أجل الدين و في استيفاء حقه من ثمنها، و قد لا يوكله في ذلك بل يجعل أمر بيع الرهن و وفاء الدين لنفسه لا للمرتهن، و إذا وكله في البيع و الاستيفاء، فقد يجعل وكالته مطلقة في ذلك بمجرد حلول وقت الوفاء، و قد يجعل وكالته مقيدة بمراجعة الراهن في تسديد الدين، فلعله يوفي الدين من جهة أخرى غير جهة الرهن، فإذا لم يوف الراهن الدين من ناحية أخرى كان المرتهن وكيلا عنه في البيع و الاستيفاء.

فإذا حضر أجل الدين أو كان حالا غير مؤجل، و أراد المرتهن أن يستوفي حقه جاز له أن يعمل بموجب وكالته إذا كان وكيلا و جاز له ان يطالب الراهن بالوفاء إذا لم يوكله في ذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 44

المسألة 53:

إذا حضر أجل الدين أو كان الدين حالا غير مؤجل، و كان المرتهن وكيلا عن المديون في أن يبيع العين المرهونة و يستوفي دينه من ثمنها، و كانت وكالته مطلقة بمجرد حلول الدين، جاز له أن يتولى بيع العين و استيفاء الدين و لم يجب عليه أن يراجع الراهن في ذلك، و يلزمه أن يقتصر في تصرفه على ما تتناوله وكالته في نظر العقلاء فلا يجوز له أن يراعي حق نفسه من غير مراعاة لمصلحة موكله في كل من البيع و الاستيفاء.

و يحسن ان يراجع الراهن قبل البيع و في البيع و في الاستيفاء، و ان لم يجب عليه ذلك إذا كانت الوكالة مطلقة و كان مراعيا لشؤون الوكالة كما بينا.

المسألة 54:

إذا كانت وكالة المرتهن في بيع العين مقيدة بمراجعة الراهن قبل البيع كما ذكرنا في المسألة الثانية و الخمسين وجب عليه أن يراجع الراهن أولا، فإذا لم يحصل منه على الوفاء من جهة أخرى جاز له أن يتولى البيع و يستوفي حقه من الثمن على نهج ما بيناه في المسألة المتقدمة.

المسألة 55:

إذا شرط المرتهن على الراهن في ضمن العقد أن يكون وكيلا عنه في بيع العين و استيفاء الحق من ثمنها لزم الشرط و ثبتت وكالة المرتهن عن الراهن في ذلك، و لم ينعزل إذا عزله الراهن، حتى يتحقق البيع و الاستيفاء منه أو من الراهن باذن المرتهن أو إجازته، أو يحصل الوفاء للدين من طريق آخر، و إذا وكل الراهن المرتهن في بيع العين بعد أن تم عقد الرهن و لم يشترط ذلك في ضمنه جاز للراهن أن يعزله قبل أن يحصل البيع.

المسألة 56:

إذا حضر أجل الدين أو كان حالا غير مؤجل، و لم يكن المرتهن وكيلا عن الراهن في بيع العين لم يجز له أن يتولى البيع بنفسه، بل يطالب الراهن بوفاء الدين بأحد السبل التي يختارها في ذلك فيبيع العين

كلمة التقوى، ج 6، ص: 45

المرهونة، أو يوكل المرتهن أو غيره في بيعها، أو يؤدي الدين من مال آخر، و إذا باع الراهن العين توقفت صحة البيع على اذن المرتهن أو إجازته كما تقدم، و كذلك إذا وكل الراهن غير المرتهن فباعها فتتوقف صحة البيع على اذن المرتهن أو إجازته.

المسألة 57:

إذا امتنع الراهن من وفاء الدين و من بيع الرهن و التوكيل في بيعه، رفع المرتهن الأمر إلى الحاكم الشرعي، فألزمه الحاكم ببيع العين و وفاء الدين من ثمنها، أو أدائه من وجه آخر.

و إذا امتنع على الحاكم أن يلزمه بشي ء، لغيبة و نحوها، تولى الحاكم بيع الرهن و وفاء الدين، أو وكل غيره في ذلك، و يجوز ان يتولى المرتهن ذلك بالوكالة عن الحاكم الشرعي و اذنه.

المسألة 58:

إذا فقد الحاكم الشرعي أو تعذر الاستئذان منه، جاز للمرتهن، أن يتولى بيع الرهن بنفسه فيستوفي دينه من الثمن، و إذا زاد الثمن على الدين بقيت الزيادة امانة في يد المرتهن، يجب عليه ان يوصلها الى مالك العين.

المسألة 59:

لا يجوز للمرتهن أن يتولى البيع بنفسه في الصورة المتقدم ذكرها مع تمكنه من استئذان الحاكم الشرعي و ان كان الحاكم غير قادر على إلزام الراهن بالبيع و الوفاء لعدم بسط يده، فلا بد من استئذانه.

المسألة 60:

إذا كانت العين المرهونة بيد المرتهن و امتنع الراهن من بيعها و من وفاء الدين، و تعذر على المرتهن إثبات دينه عند الحاكم لعدم البينة الشرعية، و خشي إذا هو رفع أمره الى الحاكم الشرعي ان يجحد الراهن الدين فلا يستطيع هو إثباته لعدم وجود البينة، فتؤخذ منه العين المرهونة لاعترافه بها و عدم ثبوت حقه، جاز له أن يبيع الرهن و يستوفي دينه من ثمنه من غير مراجعة للحاكم الشرعي.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 46

و كذلك الحكم إذا مات الراهن و خاف المرتهن أن يجحد وارث الراهن الدين، و لا بينة للمرتهن على إثبات حقه، فإذا رفع الأمر إلى الحاكم لم يستطع إثبات الدين عنده، فتؤخذ منه العين المرهونة كما في الفرض السابق، فيجوز له أن يبيع الرهن و يستوفي الدين من غير مراجعة للحاكم.

المسألة 61:

إذا جاز للمرتهن أن يبيع العين المرهونة من غير مراجعة للحاكم الشرعي كما في الصور الآنف ذكرها، و كان بيع بعض الرهن كافيا في وفاء الدين كله فالأحوط للمرتهن لزوما ان لا يبيع جميع الرهن، بل يقتصر على بيع ما يكفيه من الرهن في تسديد الدين، و يبقى بقية الرهن أمانة شرعية في يده يوصلها الى مالكها، و هو الراهن.

و إذا تعذر عليه أن يبيع بعض الرهن لعدم إمكان التفكيك بين أجزائه أو لعدم وجود الراغب مثلا أو كان بيع البعض يوجب ضررا للراهن جاز له ان يبيع جميع الرهن، فيستوفي مقدار دينه من الثمن و يبقى الباقي منه امانة في يده يوصله الى الراهن.

المسألة 62:

إذا رهن الرجل عند دائنه بعض الأعيان التي جعلها الإسلام من المستثنيات في وفاء الدين، و هي الأمور التي تقدم ذكرها في المسألة الثامنة عشرة من كتاب الدين، جاز للمرتهن أن يبيعها و يستوفي دينه من ثمنها، و الأحوط أن لا يبيع دار سكناه، ففي الخبر عن أبي عبد اللّه (ع): أعيذك باللّه أن تخرجه من ظل رأسه.

المسألة 63

إذا كان لزيد في ذمة عمرو دينان يستقل أحدهما عن الآخر، و قد جعل عمرو على الدين الأول منهما بخصوصه، أو على الثاني بخصوصه رهنا، اختص الرهن بالدين المقصود منهما، فإذا وفاه المدين انفك رهنه، و لم يجز للمرتهن ان يحتبس الرهن بالدين الآخر، و إذا وفى الدين الآخر الذي لا رهن عليه برئت ذمته منه، و بقي الرهن محبوسا حتى يؤدي الدين الذي ارتهن عليه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 47

و إذا دفع للدائن مبلغا و لم يعين عند دفعه انه وفاء عن الدين الأول أو عن الثاني، لم ينفك الرهن بذلك على الأقوى حتى يعلم فكه.

المسألة 64:

المرتهن أمين على العين المرهونة في يده، و لذلك فلا يكون ضامنا لها إذا تلفت في يده أو نقصت أو أصابها عيب أو عوار، إلا إذا تعدى عن الحد المأذون فيه، فتصرف في العين تصرفا غير مأذون فيه أو فرط في حفظها فيكون ضامنا لما يحدث فيها، كما ذكرناه في المسألة الرابعة و الأربعين.

المسألة 65:

إذا كانت العين في يد الرجل و هي مضمونة عليه كما إذا كان غاصبا لها أو كان قد قبضها بالسوم أو بعقد فاسد أو كانت عنده عارية مضمونة أو أمانة قد فرط فيها فأصبحت مضمونة عليه، ثم رهنها مالكها عنده، فان أذن له مالك العين في بقائها في يده أو كان رهنها عنده دليلا على اذنه و رضاه بذلك أو دلت عليه قرينة أخرى ارتفع الضمان عنه بذلك و أصبح أمينا، و ان لم يأذن له المالك صريحا و لم تدل القرائن على الاذن، فالضمان الأول لا يزال باقيا بحاله حتى يحصل ما يرفعه.

المسألة 66:

إذا أدى الراهن الدين الذي جعل الرهن عليه، أو أبرأ الدائن ذمة المدين منه أو تبرع أحد بأدائه عنه انفك الرهن، و بقيت العين أمانة عند المرتهن، فإذا طالبه المالك بها وجب عليه أن يسلمها له، و لا يجب عليه تسليمها إذا لم يطالبه بها.

المسألة 67:

إذا كانت العين المرهونة بيد المرتهن و ظهرت عليه أمارات الموت، و علم أو خشي انه ان لم يوص بها لم يوصلها الوارث من بعده الى صاحبها، لأن الوارث لا يعلم بها أو هو يخشى من نسيان الوارث لها، أو لأن الباعث له على أداء الأمانة إلى أهلها ضعيف في نفسه، فإذا لم يوص بها لم يؤدها الوارث أو هو يخشى منه ان لا يؤديها، فتجب عليه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 48

الوصية بها و التعريف بها و بصاحبها و الاشهاد عليها، و إذا لم يوص بها في هذا الفرض أو لم يشهد كان مفرطا و ضامنا لها، و كذلك إذا خشي من بعض الورثة أن يجحد، و يقع النزاع بينهم، فلا يصل الحق الى صاحبه فتجب عليه الوصية و الاشهاد و إذا علم أو اطمأن بأن وارثه يوصل الحق إلى أهله، و كان الوارث عالما بالرهن و عارفا بالعين المرهونة و بأهلها و بالحق الذي رهنت عليه لم تجب عليه الوصية بها على الأقوى، و الأحوط استحبابا عدم تركها.

المسألة 68:

لا يبطل الرهن بموت الراهن، بل تنتقل العين ملكا لورثته من بعده و تبقى مرهونة بالدين الذي اشتغلت به ذمة مورثهم حتى تبرأ ذمته من الدين، و لا يبطل الرهن بموت المرتهن، بل ينتقل الحق إلى ورثته من بعده فتكون العين رهنا عند الورثة على دين مورثهم في ذمة الراهن.

و إذا لم يأتمنهم الراهن على العين المرهونة جاز لهم أن يتفقوا معه فيضعوها بيد أمين، فان لم يتفقوا على ذلك رفعوا الأمر إلى الحاكم الشرعي، فوضع العين بيد شخص يرتضيه، فان لم يوجد الحاكم الشرعي قام بالأمر عدول المؤمنين.

المسألة 69:

إذا أذن الراهن للمرتهن في بيع العين المرهونة قبل أن يحل أجل الدين، فباعها المرتهن كان ثمنها أمانة بيده، و لم يجز له أن يتصرف فيه، و لم يجز له أن يستوفي منه الدين حلول الأجل إلا بإذن الراهن.

و إذا حل الأجل و أذن الراهن للمرتهن باستيفاء الدين من الثمن جاز له ذلك، و يجوز للراهن أن يتولى ذلك، فيأخذ المال و يوفي الدين منه أو من غيره.

و إذا لم يأذن الراهن للمرتهن في الاستيفاء و لم يؤده بنفسه رجع الى الحاكم الشرعي فالزم الراهن بالوفاء و إذا امتنع تولى الحاكم أو وكيله وفاء الدين من المال، و إذا تعذر عليه ان يرجع الى الحاكم الشرعي جاز للمرتهن أن يستوفي دينه من المال الموجود بيده بغير إذن.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 49

المسألة 70:

إذا رهن الرجل بعض أمواله عند أحد على دين معين ثم أصبح مفلسا و حجر على أمواله لكثرة ديونه، اختص المرتهن بالعين المرهونة و لم يشاركه باقي الغرماء فيها حتى يستوفي دينه المذكور منها، و إذا كان للمرتهن دين آخر على المفلس لا رهن فيه شارك الغرماء الآخرين بالضرب معهم في بقية أموال المفلس بنسبة دينه الآخر، و إذا فضل من الرهن شي ء بعد استيفاء دين المرتهن اقتسمه الغرماء بالحصص بنسبة ديونهم كسائر أموال المفلس و منهم المرتهن في دينه الآخر، و إذا زاد دين المرتهن الذي كان الرهن عليه على ثمن الرهن، أخذ الثمن و ضرب مع الغرماء بالباقي من دينه في أموال المفلس الأخرى.

المسألة 71:

إذا مات المرتهن و بيده العين المرهونة جرت فيه الصور الست التي ذكرناها و فصلنا أحكامها في المسألة المائة و الثانية عشرة و المسائل التي بعدها من كتاب المضاربة فليرجع إليها من أراد و لا حاجة الى إعادة ذكرها في المقام.

المسألة 72:

يصح للمرتهن ان يشتري العين المرهونة عنده سواء كان المتولي لبيعها هو الراهن أم وليه أم وكيله غير المرتهن، و إذا كان الوكيل في بيع العين هو المرتهن نفسه، أشكل الحكم بالجواز، من حيث الإشكال في الصحة إذا اتحد الموجب و القابل في العقد، فإذا وكل المرتهن أحدا في قبول الشراء عنه، فباع هو بالوكالة عن الراهن، و قبل وكيله الشراء بالوكالة عنه، فالظاهر الصحة.

المسألة 73:

إذا تلفت العين المرهونة أو نقصت أو ظهر فيها عيب، فادعى الراهن ان المرتهن قد تعدى في الأمانة أو فرط في حفظها، فيكون ضامنا لما حدث فيها و أنكر المرتهن ذلك كان القول قول المرتهن مع يمينه لأنه منكر، و لأنه أمين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 50

المسألة 74:

إذا تنازع المرتهن و الراهن في قدر الدين الذي وضع عليه الرهن، فادعى المرتهن ان العين قد رهنت عنده على ألف دينار مثلا، و قال الراهن، هي مرهونة على ثمانمائة، فالقول قول الراهن مع يمينه لأنه منكر.

المسألة 75:

إذا استوفى المرتهن دينه ثم اختلف الراهن و المرتهن في رد العين المرهونة إلى مالكها، فقال المرتهن اني رددتها عليك و أنكر الراهن ردها، فالقول قول الراهن المنكر مع يمينه.

المسألة 76:

إذا كان زيد مدينا لعمرو بدين و قد جعل عليه رهنا معينا، و له عليه دين آخر لم يجعل عليه رهنا، ثم أدى زيد أحد الدينين المذكورين، و قصد في نفسه أن ما أداه وفاء عن الدين الأول المرهون عليه، أو عن الدين الثاني الذي لا رهن عليه اتبع قصده و كان المبلغ المدفوع وفاء عما قصده في نفسه، و إذا اختلف هو مع الدائن في انه عين أحد الدينين أم لا، فالقول قوله، و كذلك إذا اختلفا في ان الدين الذي قصد الوفاء عنه هل هو الأول الذي جعل الرهن عليه أو الثاني الذي لا رهن عليه؟

فيكون القول قوله لأنه أبصر بنيته.

و إذا أدى المبلغ و لم يقصد انه وفاء عن أيهما، تخير في التعيين بعد ذلك فإذا عين أحد الدينين تعين و كان المبلغ وفاء عنه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 51

كتاب الضمان

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 53

كتاب الضمان و فيه أربعة فصول:

الفصل الأول في الضمان و شروطه
المسألة الأولى:

ضمن الإنسان المال أو الشي ء: تعهد به و تكفل، فهو ضامن و ضمين، و الشي ء الذي تعهد به: مضمون و الشخص أو الجهة التي تعهد لها بالشي ء: مضمون له، و الشخص أو الجهة التي تعهد عنها بالشي ء:

مضمون عنه.

و الضمان الذي يقصده الفقهاء في هذا الكتاب هو أن يتعهد الإنسان لأحد بمال يكون له في ذمة شخص آخر، فالإنسان المتعهد بالدين ضامن، و الشخص الأول و هو الدائن مضمون له، و الشخص الثاني و هو المدين مضمون عنه، و الدين المتعهد به مضمون.

المسألة الثانية:

لا بد في الضمان من الإيجاب، و هو إنشاء التعهد بالمال المضمون للشخص المضمون له، و يكون الإيجاب من الضامن، و يكفي فيه أي لفظ يكون دالا على تعهد الضامن بالمال سواء كانت دلالته بالصراحة أم بالظهور العرفي و لو بنصب قرائن تتم بها دلالة اللفظ على المعنى المراد، و من الألفاظ المستعملة في الإيجاب أن يقول الموجب للمضمون له: ضمنت لك الدين الذي تستحقه في ذمة زيد، أو تعهدت لك به.

و لا يشترط فيه القبول على الأقرب، بل يكفي في ترتب الأثر رضي المضمون له بتعهد الضامن له بالدين سواء كان رضاه سابقا على إيجاب الضامن أم لاحقا له، نعم يعتبر فيه على الأحوط لزوما أن يكون للرضى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 54

مبرز يدل عليه من قول أو فعل، و لا يكتفى بالرضى القلبي المجرد من غير دلالة عليه.

المسألة الثالثة:

الظاهر ان التعهد بما في ذمة المضمون عنه مما لا تمكن الدلالة عليه بالأفعال، و لذلك فلا يصح الإيجاب بها من الضامن، و يمكن أن يكون الفعل دالا على الرضى، و لذلك فيكتفى بدلالته على رضى المضمون له كما قلنا.

المسألة الرابعة:

لا يعتبر في صحة الضمان أن يرضى به الشخص المضمون عنه، فيصح التبرع بضمان ما في ذمته من الدين و ان لم يأذن بذلك و لم يرض به كما تقدم في وفاء الدين عنه و كما تقدم في صحة الرهن على الدين الذي في ذمته و لا يصح ذلك إذا أوجب له حرجا أو ضررا أو منة عليه لا تحتمل بحسب العادة أو أوجب له ضعة لا تناسب منزلته الاجتماعية، فلا يصح التبرع بالضمان عنه في هذه الفروض كما لا يصح التبرع بالرهن عنه و لا بوفاء دينه، و قد ذكرنا ذلك في كتاب الدين و كتاب الرهن.

المسألة الخامسة:

يشترط في الضامن أن يكون بالغا، فلا يصح ضمان الصبي و ان كان مميزا أو كان مراهقا أو أذن له وليه بالضمان على الأحوط لزوما في الأخير، و يشترط فيه أن يكون عاقلا، فلا يصح ضمان المجنون، إلا إذا كان جنونه أدوارا و كان ضمانه للدين في دور إفاقته، و يشترط فيه أن لا يكون سفيها فلا يصح ضمانه إذا كان كذلك إلا إذا كان ضمانه باذن وليه، و يشترط فيه أن يكون مختارا، فلا يصح ضمانه إذا كان مكرها.

المسألة السادسة:

يشترط في الشخص المضمون له كذلك أن يكون بالغا و أن يكون عاقلا، و ان يكون مختارا و ان لا يكون سفيها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 55

و يشترط فيه زائدا على ذلك أن يكون غير محجور عليه لفلس، و لا يعتبر هذا الشرط في الضامن، فيصح للمفلس أن يضمن ما في ذمة غيره من الدين، و لكن المضمون له لا يشارك غرماء المفلس الضامن في الضرب في أمواله الموجودة بل يبقى هذا الدين المضمون في ذمة الضامن حتى يؤديه في ما يأتي بعد الفلس.

المسألة السابعة:

لا يشترط في الشخص المضمون عنه أن يكون بالغا أو أن يكون عاقلا، فيصح للضامن أن يضمن ما في ذمة الصغير من الدين و أن يضمن ما في ذمة المجنون، و لا يشترط فيه أن يكون غير محجور لسفه أو لفلس، فيصح للضامن أن يضمن ما في ذمة السفيه أو المفلس.

المسألة الثامنة:

إذا ضمن الرجل ما في ذمة الصغير أو المجنون لم يجز له أن يرجع عليهما بعوض ما أداه عنهما و ان كان ضمانه بإذنهما، و إذا كان المجنون أدواريا، و كان ضمان الضامن عنه بإذنه في دور إفاقته صح له الرجوع عليه إذا أدى عنه الدين، و إذا ضمن ما في ذمة المحجور السفيه أو المفلس لم يجز له كذلك أن يرجع عليهما بالعوض و ان كان الضمان بإذنهما.

المسألة التاسعة:

إذا ضمن الرجل ما في ذمة الصغير باذن وليه، و كان اذن الولي له بالضمان لمصلحة تعود للصغير، جاز للضامن أن يرجع على الصغير بالعوض على الظاهر، و لا يبعد أن يكون الحكم كذلك إذا ضمن ما في ذمة المجنون، أو ضمن ما في ذمة السفيه بإذن الولي، و قد لاحظ الولي في اذنه بالضمان مصلحة تعود للمجنون، و للسفيه.

المسألة العاشرة:

لا يصح الضمان من العبد المملوك إذا كان غير مأذون من مالكه، و في الآية الكريمة (ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ)، و هي ظاهرة الدلالة على ان العبد مملوكة عينه و مملوك فعله فهو لا يقدر على شي ء من ذلك، و ان سلطان ذلك كله بيد مالكه، من غير فرق بين ما ينافي حق المولى من أفعاله و شؤونه و ما لا ينافيه، و لا ريب في ان ذمة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 56

العبد كسائر شؤونه داخلة في هذه الكبرى، فهو لا يقدر على أن يشغل ذمته بضمان أو غيره الا إذا حكم الشارع بذلك كما إذا أتلف مال غيره، أو أذن له مولاه بأن يشغل ذمته لأحد بدين أو بضمان.

المسألة 11:

إذا أذن السيد لمملوكه صح للعبد أن يضمن ما في ذمة غيره، سواء كان الاذن خاصا أم عاما، و يتبع في ضمانه ما حدد له السيد في اذنه، كما إذا عين له أن يكون الضمان في ذمة السيد أو في ذمة العبد أو في كسبه، و إذا كان الاذن مطلقا و لم يعين شيئا، فالظاهر من الإطلاق أن الضمان يكون في ذمة العبد و نتيجة ذلك تختلف باختلاف شأن العبد مع سيده، فقد يكون السيد قد قيد ارادة العبد و تصرفه في أموره و أفعاله بإرادة السيد بحيث يكون متسلطا على شؤون العبد و أعماله و تكون جميع أفعاله و تصرفاته و كسبه و ماله تحت رعاية المالك و اختياره، فيكون ذلك قرينة على ان السيد يتعهد بما في ذمة العبد و ما يضمنه باذنه، فعلى السيد أن يؤدي ضمان العبد من أي أمواله شاء، من كسب العبد أو

من غيره.

و قد يكون السيد قد أطلق إرادة العبد في تصرفه، و اذن له في ان يفعل ما يشاء كالأحرار، و على هذا فيكون الوفاء بالضمان في عهدة العبد يؤديه من كسبه أو من أمواله الأخرى.

المسألة 12:

يشترط في عقد الضمان أن يكون منجزا على الأحوط لزوما، فلا يصح إذا كان معلقا على شي ء سواء كان التعليق للضمان نفسه، و مثال ذلك أن يقول الموجب للمضمون له: ضمنت لك ما في ذمة زيد من الدين إذا أذن لي أبي بالضمان عنه، أم كان التعليق لوجوب الوفاء، و مثال ذلك أن يقول للمضمون له: ضمنت لك ما في ما في ذمة زيد و أؤدي الدين عنه إذا هو لم يؤد الدين عن نفسه إلى مدة شهر.

المسألة 13:

يشترط في الضمان على الأحوط لزوما أن يكون الدين الذي يراد ضمانه ثابتا بالفعل في ذمة الشخص المدين، سواء كان ثبوته مستقرا،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 57

كعوض القرض، و كالثمن في بيع النسيئة، و المثمن في بيع السلف إذا كانا مما لا خيار فيه، و كالمهر المؤجل للزوجة بعد الدخول، أم كان ثبوته متزلزلا، كالثمن و المثمن في الذمة في البيع الخياري، فلا يصح ضمان الدين قبل أن يتحقق سبب ثبوته كعوض القرض قبل أن يقترض، و كالمهر المؤجل قبل أن يتزوج المرأة، و كالثمن أو المثمن قبل أن يتحقق البيع، و كنفقة المرأة قبل أن يتزوجها.

المسألة 14:

لا يكفي في صحة الضمان أن يتحقق المقتضي لثبوت الدين قبل أن يتم السبب له و تشتغل الذمة به بالفعل فلا يصح أن يضمن الضامن نفقة الزوجة قبل أن تشتغل بها ذمة الزوج و ان تحققت الزوجية بينهما، و لا يصح أن يضمن مال الجعالة قبل أن يأتي العامل المجعول له بالعمل، و لا يصح أن يضمن مال السبق و الرماية قبل أن يتحقق سبق السابق، و ان وجد المقتضي لاستحقاق المال، و هو العقد، و سيأتي التعرض لها في ما يأتي ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 15:

اعتبر جماعة من الفقهاء قدس اللّه أنفسهم في الضمان: ان لا يكون الضامن مدينا للمضمون عنه بمثل الدين الذي يريد أن يضمنه عنه، و جعلوا هذا هو الفارق بين الضمان و الحوالة، فكلاهما عندهم تعهد بما في ذمة المدين لدائنه، فإذا كان الضامن مدينا للشخص المضمون عنه بمثل الدين الذي يضمنه عنه كان حوالة، و إذا كان غير مدين له بذلك كان ضمانا.

و الأقوى عدم اعتبار ذلك، فيصح الضمان سواء كان الضامن مشغول الذمة بذلك أم كان بريئا، و فائدة الضمان هي نقل الدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، فإذا تم عقد الضمان و ثبتت شروطه انتقل الدين إلى ذمة الضامن و برئت ذمة المضمون عنه، و سيأتي بيان ذلك.

و الضمان و الحوالة عقدان متخالفان في مفهوميهما و في أحكامهما و آثارهما، و قد تقدم ان إنشاء العقد في الضمان يكون بالإيجاب من

كلمة التقوى، ج 6، ص: 58

الضامن و لا يعتبر فيه رضى المضمون عنه، و سيأتي في كتاب الحوالة ان إنشاء العقد فيها يكون بالإيجاب من المحيل، و بينهما فوارق أخرى سيأتي بيان بعضها في

مواضعه ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 16:

إذا كان زيد مدينا لعمرو مائة دينار، و كان خالد مدينا لزيد بمثل ذلك، ثم ضمن خالد لعمرو ما يستحقه في ذمة زيد، و زيد هو دائنه كما ذكرنا، فان كان خالد قد استأذن زيدا في ضمان ما في ذمته، ثم أدى ما ضمنه لعمرو، أصبح خالد بعد أداء الضمان دائنا لزيد بمال الضمان و هو مدين له أيضا بالدين السابق، فيتساقط الدينان، و ليس ذلك من الحوالة كما ذكرنا في المسألة المتقدمة.

و إذا ضمن خالد ما في ذمة دائنه زيد بغير اذنه كان متبرعا بضمانه عنه، و أصبح بعد الضمان مدينا لعمرو بمال الضمان، و مدينا لزيد بدينه السابق، فإذا أدى مال الضمان لعمرو برئت ذمته من دين عمرو و بقيت ذمته مشغولة لزيد بدينه السابق.

المسألة 17:

يعتبر في الضمان أن يكون الدين الذي يراد ضمانه متميزا عند الضامن بحيث يصح منه ان يكون قاصدا لضمانه، و لذلك فلا يصح إذا كان الدين مبهما مرددا عنده، و مثال ذلك أن يكون لزيد دينان مختلفان في ذمة عمرو، فيضمن له خالد أحد هذين الدينين من غير تعيين، فلا يصح ذلك و ان كان المضمون له و المضمون عنه معينين متميزين، و مثال ذلك أيضا أن يكون لزيد دين في ذمة عمرو، و دين آخر في ذمة بكر، فيضمن خالد لزيد أحد الدينين و لا يعين ان ضمانه لأيهما.

و يشترط كذلك ان يكون الشخص المضمون له متميزا عند الضامن، بحيث يصح منه قصد الضمان لذلك الشخص فلا يصح إذا كان مبهما مرددا كما ذكرنا في الدين المضمون، و مثال ذلك أن يكون عمرو مدينا لزيد بمبلغ من المال، و مدينا لبكر بمبلغ آخر، فيضمن خالد عن عمرو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 59

أحد هذين الدينين اللذين في ذمته و لا يعين ان المضمون له هو زيد أو بكر، فلا يصح الضمان.

و يشترط أيضا أن يكون الشخص المضمون عنه متميزا عند الضامن بحيث يصح منه قصد الضمان عنه، فلا يصح إذا كان مبهما مرددا، و مثال ذلك أن يكون لزيد دين معين على عمرو و دين معين على بكر، فيضمن خالد لزيد أحد الدينين المذكورين و لا يعين أن الشخص المضمون عنه هو عمرو أو بكر. فلا يصح الضمان في كل أولئك.

المسألة 18:

يكفي في صحة الضمان أن يكون الدين المضمون متميزا في قصد الضامن بحيث يصدق في نظر أهل العرف أنه قصد ضمان هذا الدين لصاحبه، و ان لم يميز الدين على وجه التفصيل، أو لم يتعين عنده الدائن على وجه التفصيل أو لم يتعين عنده المدين كذلك، فإذا علم الرجل أن على صديقه زيد دينا و لكنه لا يعلم بمقداره و لا يعلم ان دائنه خالد أو عمرو، جاز له ان يضمن الدين، لأنه متميز يصح قصده، فإذا ضمنه لصاحبه الواقعي و رضي الدائن بضمانه لما بلغه الأمر صح الضمان و ترتبت عليه آثاره و برئت ذمة زيد مما عليه.

و كذلك إذا علم الرجل أن لزيد دينا على أحد صديقيه عمرو أو خالد، و لا يعلم بمقدار الدين و لا يدري أن المدين أي الصديقين، فيمكن له ضمانه لأنه متميز كما تقدم فإذا ضمنه لزيد و رضي زيد بضمانه صح الضمان و برئت ذمة المدين أيا كان منهما.

و كذلك يصح للرجل أن يضمن عن زيد جميع ديونه التي في ذمته و ان لم يعلم بمقادير الديون و لا بعددها و لا بأصحابها

لأنها متميزة في الواقع و يصح منه قصدها، فإذا بلغ الخبر أصحاب الديون و قبلوا بضمان الضامن صح ضمانه و ترتبت آثاره و برئت ذمة زيد منها جميعا، و إذا قبل بعضهم بضمانه دون بعض، صح الضمان في من قبل ضمانه و لم يصح غيره و يصح أن يضمن لزيد جميع الديون التي له على الآخرين على النهج المتقدم فتجري الأحكام السابقة كلها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 60

المسألة 19:

إذا كان الدين متميزا عند الضامن على النحو الآنف ذكره جاز له أن يضمن جميع الدين و ان يضمن جزءا مشاعا منه فيقول للمضمون له:

ضمنت لك نصف دينك على فلان أو ثلثه أو ربعه، فإذا رضي المضمون له صح الضمان و برئت ذمة المدين من ذلك الجزء المعين من الدين، و جاز له أن يضمن مقدارا معينا منه، فيقول للمضمون له: ضمنت لك مائة دينار من دينك على فلان، فإذا تم العقد ثبت الضمان حسب ما عين.

و يشكل ضمان جزء غير معين منه كما إذا قال له: ضمنت لك شيئا من الدين أو جزءا منه، و لم تدل قرينة على تعيين المقصود من الشي ء أو الجزء.

المسألة 20:

إذا اجتمعت شروط الصحة في الضمان و تم الإيجاب و الرضى به انتقل الدين إلى ذمة الضامن و برئت ذمة المضمون عنه، فلا يجوز للدائن أن يطالبه بالدين بعد ذلك.

المسألة 21:

إذا شرط الدائن في عقد الضمان أن تضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في اشتغالهما بالدين بحيث يصح له أن يطالب أيهما شاء بدينه أو يطالبهما معا، لم يصح هذا الشرط على الأقوى، لأنه مخالف للكتاب و السنة، و لا يبطل العقد ببطلان الشرط فيصح ضمان الضامن و ينتقل المال الى ذمته خاصة.

المسألة 22:

إذا تم عقد الضمان، ثم أبرأ الدائن ذمة الضامن من الدين برئت ذمة الضامن بالإبراء، كما برئت ذمة المضمون عنه بالضمان، فلا يبقى له حق عندهما جميعا، و سيأتي ان الدائن إذا أبرأ ذمة الضامن من الدين فلم يدفع منه شيئا فليس للضامن أن يرجع على المضمون عنه بشي ء.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 61

و إذا أبرأ الدائن ذمة المضمون عنه لم يؤثر هذا الإبراء شيئا، فإن ذمة المضمون عنه قد برئت بالضمان و انتقل الدين منها إلى ذمة الضامن، و لا تبرأ ذمة الضامن بذلك، الا ان يعلم من القرائن ان الدائن يريد إبراء ذمة الضامن، و إسقاط حقه من الدين عن الضامن و المضمون عنه، و إذا دلت القرائن على ذلك فليس للضامن ان يرجع على المضمون عنه بشي ء.

الفصل الثاني الضمان من العقود اللازمة
المسألة 23:

عقد الضمان لازم فلا يجوز فسخه من قبل الضامن، و لا من قبل المضمون له على الأصح، سواء وقع العقد باذن المضمون عنه و رضاه أم كان متبرعا به من الضامن.

و نسب الى القول المشهور بين العلماء: أنه يشترط في لزوم العقد من جهة المضمون له، أن يكون الضامن موسرا في حين صدور العقد، فإذا كان موسرا في ذلك الحال كان العقد لازما على المضمون له، و كذلك إذا كان الضامن معسرا في حال العقد و كان المضمون له عالما بإعساره، فلا يجوز له فسخ الضمان في هاتين الحالتين.

و إذا كان الضامن معسرا و كان المضمون له جاهلا بإعساره، جاز له فسخ العقد، و فرعوا على ذلك فروعا ذكروها في كتبهم.

و الظاهر عدم ثبوت هذا الاشتراط و لا هذه الفروع، فإذا تم عقد الضمان و توفرت شروط الصحة فيه كان لازما من قبل الضامن و

من قبل المضمون له معا، فلا يجوز له فسخ العقد و ان كان الضامن معسرا و كان المضمون له جاهلا بذلك.

المسألة 24:

يجوز للضامن أن يشترط في عقد الضمان خيار الفسخ لنفسه في مدة معينة أو يشترطه مطلقا، و يجوز للمضمون له ان يشترط ذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 62

لنفسه، و يجوز أن يشترط ذلك كل منهما لنفسه، فيكون الفسخ جائزا لكل من الطرفين.

المسألة 25:

يصح لكل من الضامن و المضمون له أن يشترط على صاحبه في ضمن العقد ما يريد، فإذا قبل صاحبه بالشرط كان لازما و وجب العمل به إذا كان مستجمعا لشرائط الصحة، فإذا لم يف له صاحبه بالشرط ثبت له خيار تخلف الشرط.

المسألة 26:

تقدم منا في المسألة الرابعة: انه لا يعتبر في صحة الضمان رضى المضمون عنه، فيصح الضمان و ان لم يرض بضمان ما في ذمته و لم يأذن به، و يكون ضمانا متبرعا به، و إذا تم الضمان برئت ذمة المضمون عنه من الدين، سواء كان متبرعا به أم مأذونا فيه، ثم هما يختلفان بعد ذلك في بعض الأحكام الآتي بيانها.

المسألة 27:

إذا ضمن الضامن الدين و أداه لصاحبه، و لم يستأذن المدين في الضمان عنه و لا في الأداء فليس له الرجوع على المدين بشي ء، و كذلك إذا ضمن الدين عنه بغير اذنه، ثم أذن له بأن يؤدي عن نفسه ما استقر عليه بسبب الضمان، أو أمره به، فإذا أداه الضامن فليس له الرجوع على المضمون عنه بشي ء.

نعم، إذا أراد المدين التبرع عن الضامن بوفاء الدين الذي استقر عليه بسبب الضمان، فقال للضامن: أد الدين الذي استقر في ذمتك بسبب الضمان عني ثم ارجع به علي، فالظاهر صحة ذلك، فإذا أدى الضامن الدين صح له الرجوع على المدين في هذه الصورة.

المسألة 28:

إذا ضمن الرجل ما في ذمة الشخص المدين و كان ضمانه باذنه، ثم أدى الدين لصاحبه، صح للضامن أن يرجع على المضمون عنه بذلك، و ان لم يستأذنه في الأداء.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 63

المسألة 29:

إذا أذن المدين للرجل أن يتبرع له و يضمن الدين الذي في ذمته، فضمنه عنه ثم أداه كان متبرعا بالضمان و الأداء فليس له الرجوع على المدين بشي ء، و لا اثر لهذا الإذن لأنه اذن بالتبرع بالضمان عنه.

المسألة 30:

إذا ضمن الرجل ما في ذمة المدين و كان ضمانه باذنه فلا يصح له الرجوع على المدين حتى يؤدي المال الذي ضمنه عنه، فإذا أدى جميع المال صح له أن يرجع عليه بالجميع، و إذا دفع الى الدائن شيئا من الدين و استمهله في دفع بقيته صح له أن يرجع على المدين بالمقدار الذي أداه منه و لم يجز له الرجوع عليه بالباقي حتى يدفعه، و إذا صالح الدائن عن الدين بمقدار منه، فليس له الرجوع على المدين الا بالمقدار الذي صالح الدائن به، و إذا أبرأ الدائن ذمة الضامن من الدين كله لم يرجع على المضمون عنه بشي ء من الدين، و إذا أبرأ ذمته عن بعض الدين، فلا يجوز للضامن ان يرجع على المضمون عنه بمقدار ذلك البعض الذي أبرأه منه.

و إذا تبرع أحد عن الضامن فأدى عنه الدين أو تبرع بضمانه عنه لم يرجع على المدين بشي ء، و إذا تبرع احد عن الضامن فأدى عنه بعض الدين أو ضمن بعضه عنه لم يرجع بذلك البعض، و كذلك إذا ضمن الضامن الدين بأقل منه و رضي المضمون له بذلك، فليس له الرجوع على المدين الا بذلك المقدار إذا دفعه إليه.

المسألة 31:

إذا ضمن الرجل الدين عن أحد و كان ضمانه باذن المدين، ثم احتسب المضمون له دينه على الضامن زكاة أو خمسا أو صدقة، فقد أدى الضامن الدين الى صاحبه، و لذلك فيجوز للضامن أن يرجع على المدين بدينه، و كذلك الحكم إذا قبض المضمون له دينه من الضامن ثم وهبه إياه، أو وهبه الدين الذي في ذمته من غير أن يقبضه منه، أو مات المضمون له و رجع الدين بعده ميراثا للضامن، فيجوز للضامن

في جميع هذه الصور أن يرجع على المضمون عنه بالدين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 64

المسألة 32:

يجوز للضامن أن يضمن عن غيره الدين سواء كان حالا أم مؤجلا، و إذا كان الدين حالا أمكن له أن يضمنه حالا أو مؤجلا، و إذا كان مؤجلا أمكن له أن يضمنه مؤجلا كذلك أو حالا، و إذا كان مؤجلا أمكن له ان يضمنه مؤجلا بمثل أجله أو بأكثر منه أو بأقل، فيصح له جميع ذلك إذا رضي به الطرفان.

و إذا استأذن الضامن المدين في أن يضمن عنه ما في ذمته، فقد يكون اذنه له بالضمان مطلقا غير مشروط بالأجل و قد يشترط عليه أن يكون ضمانه إلى أجل، و قد يشترط عليه أن يكون ضمانه حالا غير مؤجل، و إذا اشترط عليه في اذنه أن يكون الضمان مؤجلا فضمنه حالا، أو شرط عليه أن يضمنه حالا فضمنه مؤجلا، انتفى الاذن و كان ضمانه متبرعا به و غير مأذون فيه.

المسألة 33:

إذا أذن المدين لأحد في ان يضمن ما في ذمته، و كان الدين حالا فضمنه الشخص المأذون مؤجلا إلى مدة معينة، ثم أسقط حقه من التأجيل فأدى الدين قبل حضور الأجل، فإن كان المضمون عنه قد اذن له بالضمان إذنا مطلقا و لم يشترط فيه أن يكون الضمان إلى أجل، صح للضامن أن يرجع عليه بعد أداء الدين للدائن و ان لم يحل الأجل، و إذا كان قد اشتراط عليه في اذنه أن يكون الضمان مؤجلا أشكل الحكم بجواز الرجوع عليه في الحال بعد أداء الدين و قبل حلول أجله، إذ لعل المقصود من اشترط التأجيل في الضمان أن لا يرجع عليه في الحال.

و كذلك الحكم إذا مات الضامن قبل انقضاء الأجل، فحل ما عليه من الدين بسبب موته، و أخذ الدائن الدين من تركته،

فان كان اذن المضمون عنه مطلقا غير مشروط بالأجل صح لوارث الضامن ان يرجع عليه بعد أداء الدين، و ان كان اذنه مشروطا بالأجل، أشكل الحكم بجواز الرجوع عليه قبل انقضائه.

المسألة 34:

إذا أذن المدين بضمان ما عليه و كان الدين مؤجلا فضمنه الضامن

كلمة التقوى، ج 6، ص: 65

مؤجلا كذلك، ثم أسقط حقه من الأجل و أدى الدين حالا، أو مات قبل حلول الأجل و أخذ الدائن دينه من التركة كما تقدم، جرى فيه التفصيل الآنف ذكره، فيصح له الرجوع على المدين في صورة إطلاق الاذن من المضمون عنه، و يشكل الحكم إذا اشترط فيه التأجيل.

المسألة 35:

إذا أذن المدين لأحد بضمان ما عليه، و كان الدين الذي في ذمة المدين مؤجلا فضمنه الضامن حالا و أدى الدين لصاحبه، فالظاهر انه يصح له الرجوع على المدين بعد أداء الدين، إذا كان الاذن مطلقا غير مشروط بالتأجيل، و إذا فهم من اذنه بالضمان و لو مؤجلا أن لا يرجع عليه بالدين قبل الأجل لم يصح له الرجوع، و إذا احتمل ذلك أشكل الحكم كما تقدم.

المسألة 36:

إذا كان الدين مؤجلا فضمنه الضامن بأقل من اجله و أداه كذلك، و كان الضمان باذن المدين جرى فيه التفصيل المتقدم، و كذلك إذا كان الدين مؤجلا فضمنه الضامن بأكثر من أجله مع اذن المدين ثم أسقط حقه من التأجيل و أدى الدين حالا، أو مات الضامن و حل دينه بسبب موته قبل الأجل و أخذ الدائن من تركته، فيجري في هذه الفروض ما تقدم من التفصيل.

المسألة 37:

إذا دفع المضمون عنه الدين إلى الدائن المضمون له و لم يستأذن الضامن بدفعه، برئت ذمة الضامن لوفاء دينه، و برئت ذمة المضمون عنه لأن الضامن لم يؤد المال فلا يحق له الرجوع على المضمون عنه، و كذلك الحكم إذا تبرع أحد فدفع الدين للدائن بغير اذن الضامن فتبرأ بذلك ذمة الضامن و المضمون عنه.

المسألة 38:

إذا طلب الضامن من الشخص المضمون عنه أن يدفع عنه مال الضمان للدائن فدفعه عنه برئت بذلك ذمة الضامن و المضمون عنه، فالمضمون عنه قد وفى دين الضامن بأمره، و من أجل ذلك يصبح الضامن مدينا له بالمبلغ الذي دفعه للدائن، و الضامن قد ضمن ما في ذمة المدين باذنه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 66

ثم ادى الدين عنه، فيصبح المضمون عنه مدينا للضامن بالمبلغ، فيتقابل الدينان و يحكم الشارع بسقوطهما معا.

المسألة 39:

إذا دفع المدين الى الضامن مقدار الدين الذي ضمنه عنه قبل أن يؤديه الضامن الى صاحبه، فقد يقصد بذلك أن يكون المبلغ المدفوع أمانة بيد الضامن، فإذا هو أدى عنه مال الضمان و استحق الرجوع عليه بما ضمن من الدين احتسب هذه الأمانة وفاء لدينه، فيكون المال أمانة كما قصد حتى يفي به الدين.

و قد يقصد بذلك أن يكون المبلغ المدفوع وفاء عما في ذمته بالفعل، فيشكل الحكم بصحته كذلك، و إذا بقي المال في يد الضامن حتى أدى للدائن مال الضمان، صح له أن يحتسبه عما له في ذمة المضمون عنه، و لا يحتاج إلى إذن جديد بذلك إذا بقي الإذن السابق و لو بالاستصحاب.

المسألة 40:

إذا تبرع زيد فضمن ما في ذمة صديقه عمرو من الدين و لم يستأذنه في الضمان عنه، ثم استأذن خالد فضمن عن زيد مال ضمانه، فإذا أدى خالد و هو الضامن الثاني مال الضمان، برئت بذلك ذمة زيد و ذمة عمرو من الدين، و صح لخالد أن يرجع على زيد بما أدى عنه لأنه قد ضمن عنه باذنه، و لم يصح له أن يرجع على عمرو فان زيدا كان متبرعا بالضمان عنه و لم يصح لزيد ان يرجع على عمرو.

المسألة 41:

إذا ضمن زيد ما في ذمة عمرو و كان ضمانه عنه باذنه، ثم تبرع خالد فضمن عن زيد مال الضمان بغير إذنه، فإذا أدى خالد مال الضمان برئت بذلك ذمة زيد و ذمة عمرو من دينهما، و لم يصح لخالد أن يرجع على زيد بما أدى عنه فإنه متبرع بالضمان عنه، و لم يصح لزيد أن يرجع على عمرو فان زيدا لم يؤد مال الضمان عنه بل تبرع خالد بأدائه عنه.

المسألة 42:

إذا ضمن زيد ما في ذمة عمرو من الدين و كان ضمانه باذنه، ثم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 67

ضمن خالد عن زيد مال الضمان و كان ضمانه عنه بإذنه أيضا، فإذا أدى خالد مال الضمان برئت ذمة زيد و ذمة عمرو، و صح لخالد و هو الضامن الثاني ان يرجع على زيد بما أدى عنه، و صح لزيد و هو الضامن الأول أن يرجع على عمرو كذلك إذا أدى لخالد ما عليه من مال الضمان، و لا يرجع عليه إذا لم يؤد.

المسألة 43:

يمكن أن يترامى الضمان، فيضمن الضامن الأول دين المدين، ثم يضمن الضامن الثاني مال الضمان عن الضامن الأول، و يضمن الثالث ما في ذمة الثاني و يضمن الرابع عن الثالث و هكذا، مع مراعاة المناهج و الشروط الآنف ذكرها في الضمان.

فإذا ضمن زيد دين عمرو برئت ذمة عمرو بالضمان، و استقر الدين في ذمة زيد، و إذا ضمن خالد مال الضمان عن زيد برئت ذمة زيد منه و استقر في ذمة خالد، و إذا ضمن الضامن الثالث ما في ذمة خالد برئت ذمة خالد منه و استقر في ذمة الضامن عنه، و هكذا حتى يستقر الدين في ذمة الضامن الأخير و تبرأ ذمم من سبقه من الضامنين فإذا أدى الضامن الأخير مال الضمان الى المضمون له و هو الدائن الأول برئت ذمته منه، و إذا كان ضمانه باذن الشخص الذي ضمن عنه، جاز له أن يرجع عليه بما أداه من دينه، فإذا أدى ذلك الشخص له الدين رجع على سابقه إذا كان ضمانه عنه باذنه، و هكذا حتى يرجع الى الضامن الأول فيرجع على المدين الأول إذا كان ضمانهم جميعا مع الاذن،

و لا يرجع اللاحق على السابق إذا لم يؤد ما عليه، و لا يرجع اللاحق على السابق إذا كان ضمانه عنه متبرعا به من غير اذن.

و نتيجة لذلك فإذا كان الضامن الأخير متبرعا بضمانه لم يرجع على من ضمن عنه و لم يرجع أحد من الضامنين قبله ممن ضمنوا عنهم الى المدين الأول، و كذلك الحكم إذا كانت السلسلة كلها متبرعة بالضمان من غير اذن.

و إذا كان بعض السلسلة متبرعا بضمانه و بعضها مأذونا فيه لم يرجع المتبرع على من ضمن عنه، و لم يرجع من كان قبله من السلسلة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 68

و ان كان ضمانه مأذونا فيه الى أن يصل الأمر إلى الضامن الأول و المدين الأول.

المسألة 44:

ذكروا قدس اللّٰه أرواحهم: انه يجوز للإنسان أن يضمن الدين عن غيره بأقل منه، فإذا كان الرجل مدينا بمائة دينار مثلا، فيصح للآخر أن يضمن ما في ذمته بثمانين دينارا، و الظاهر ان المراد من ذلك أن الضامن يضمن المقدار الأقل من مجموع الدين، و يبرئ الدائن ذمة المدين من الزائد عليه، فيضمن ثمانين دينارا من الدين في المثال المتقدم، و يبرئ ذمة المدين من بقية المائة، فإذا اتفق الجميع على ذلك صح الضمان كما اتفقوا عليه، فإذا أدى الضامن المقدار الأقل و هو المضمون من الدين رجع به على المدين و لم يرجع بالزائد فإن الذمة قد أبرئت منه كما هو المفروض.

و ذكروا أنه يجوز أن يضمن الدين بأكثر منه، و هو مشكل، الا ان يراد ان الضامن يلتزم بأن يدفع الزائد للدائن مجانا و من المعلوم ان ذلك ليس من الضمان.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد

وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 68

المسألة 45:

يجوز أن يضمن الضامن الدين و يشترط في العقد أو يشترط الدائن عليه أن يكون الوفاء بغير جنس الدين، و إذا ضمن الدين كذلك و أداه إلى الدائن كما شرط، صح له الرجوع على المضمون عنه بنفس الدين و لم يجز له الرجوع عليه بغير الجنس الا مع التراضي.

المسألة 46:

يجوز للدائن أن يشترط على الضامن في العقد أن يجعل على الدين الذي ضمنه رهنا فإذا اشترط عليه ذلك وجب على الضامن الوفاء بالشرط فيجعل الرهن على الدين بعد الضمان، و كذلك إذا اشترط عليه ذلك في ضمن عقد آخر بعد عقد الضمان.

المسألة 47:

إذا ضمن الضامن الدين، و كان المدين قد جعل على الدين رهنا، فان كان المدين قد وضع الرهن عند الدائن وثيقة لفراغ ذمته من الدين

كلمة التقوى، ج 6، ص: 69

كما هو الظاهر انفك الرهن بالضمان لتحقق فراغ الذمة بذلك و ان كان الرهن وثيقة لوفاء الدين، فالرهن باق بحاله حتى يحصل الأداء، و قد ذكرنا ان الظاهر هو الأول.

المسألة 48:

يجوز للضامن أن يضمن الدين و يقيد ضمانه بأن يكون وفاء الدين من مال معين من أمواله و يجوز له أن يشترط ذلك في عقد الضمان، و يجوز أن يكون الدائن المضمون له هو الذي يقيد ضمان الضامن بذلك أو يشترطه عليه، و إذا قيد أحدهما الضمان بذلك أو شرطه فيه لزم الضامن ذلك فيجب عليه ان يفي الدين من ذلك المال المعين.

و إذا تلف المال المعين ثبت للمشترط خيار فسخ الضمان من غير فرق بين التقييد و الاشتراط، فإذا كان مأخوذا بنحو التقييد ثبت للمشترط خيار تخلف الوصف، و إذا كان مأخوذا بنحو الاشتراط ثبت للمشترط خيار تخلف الشرط و إذا نقص المال ثبت الخيار كذلك للمشترط، فإذا هو لم يفسخ الضمان وجب على الضامن ان يتم وفاء الدين من مال آخر، و إذا كان التقييد بذلك بنحو وحدة المطلوب بطل الضمان بتلف المال.

المسألة 49:

إذا كان للضامن مال معين و أراد أن يجعل ضمان الدين على المال المعين و لا تشتغل ذمة الضامن بشي ء لم يكن ذلك ضمانا بالمعنى المصطلح للفقهاء، و المبحوث عنه في هذا الكتاب، بل يكون ذلك منه تعهدا خاصا و معاملة مستقلة بينه و بين الدائن و تدل على صحتها عمومات وجوب الوفاء بالعقود.

المسألة 50:

لا يصح- على الأقوى- للإنسان أن يضمن دينا عن مدين فقير على ان يفي دينه من الخمس أو من الزكاة أو المظالم و نحوها من الحقوق الشرعية التي تنطبق على ذلك الفقير، سواء كانت ذمة الضامن مشغولة بذلك الحق بالفعل أم لا.

المسألة 51:

يجوز للرجل أن يضمن دين المدين الثابت في ذمته من الخمس أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 70

الزكاة أو غيرهما من الحقوق، و الدائن المضمون له هو الجهة العامة التي جعل الشارع لها ذلك الحق، و ولي الجهة هو الحاكم الشرعي، فإذا أراد الرجل ضمان الدين لها عن المدين راجع الحاكم الشرعي أو وكيله و ضمن الدين له بالولاية على الجهة.

المسألة 52:

يصح ضمان الضامن و هو في مرض موته، فإذا مات قبل أداء الدين المضمون أخرج مال الضمان من أصل تركته على الأقوى سواء كان الضمان باذن المدين أم كان متبرعا به بغير إذنه.

المسألة 53:

يصح أن يشترك شخصان بالضمان عن رجل واحد و يضمنا عنه مجموع دينه بالمناصفة بينهما أو بالتفاوت، و يصح أن يقع ذلك منهما بعقدين مستقلين، فيضمن أحدهما عن الرجل حصة من الدين بعقد مستقل، ثم يضمن الثاني بقية الدين بعقد آخر، و يجوز أن يوقعا الضمان بعقد واحد، فيوكل أحدهما صاحبه أو يوكلا غيرهما فينشئ عقد ضمان يشتركان فيه حسب اتفاقهما من المناصفة أو غيرها فإذا رضي المضمون له تم الضمان و ترتبت آثاره و أحكامه كما أوقعاه.

و كذلك إذا كانوا أكثر من شخصين، فيصح لهم ان يشتركوا في الضمان عن واحد على الوجه المتقدم بيانه.

و يجوز للشخصين أو الأشخاص أن ينشئوا عقد الضمان من غير إشارة إلى مقادير حصصهم في ضمان الدين، فينصرف العقد إلى التساوي بينهم في الحصص، فإذا كانوا شخصين كان ضمانهما للدين بالمناصفة، و إذا كانوا ثلاثة كان ضمانهم له بالمثالثة، و كذلك إذا زاد العدد فالحصص متساوية و تكون بعدد الشركاء في الضمان.

المسألة 54:

إذا اشترك شخصان أو أشخاص في ضمان دين رجل واحد على النحو الذي بيناه في المسألة المتقدمة، انفرد كل واحد منهم بضمان حصته من الدين، و جاز له أن يؤدي ما عليه، فإذا أداه برئت ذمته سواء أدى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 71

الضامن الآخر ما عليه أم لم يؤد، و يجوز للدائن المضمون له أن يطالب كل شخص منهم بأن يؤدي ما عليه، و يجوز له أن يطالب واحدا منهم و يؤجل الآخر في حصته، أو يبرئ ذمته من الدين إذا شاء.

و إذا كان أحد الشركاء مأذونا في ضمانه و كان الآخر متبرعا بغير اذن، و أديا ما عليهما، جاز للمأذون منهما ان يرجع على المدين

بما أدى عنه، و لم يجز للآخر المتبرع في ضمانه ان يرجع على المدين بشي ء كما هي القاعدة في الضمان.

المسألة 55:

إذا تعدد الضامنون عن رجل واحد، و كان ضمان كل واحد منهم على نحو الانفراد بدين الرجل جميعه لا على سبيل الاشتراك فيه كما تقدم، فان كان ضمانهم مترتبا في وقوعه، فضمن الأول منهم و رضي الدائن بضمانه لم يصح ضمان الضامن الثاني بعده فإن ذمة المدين قد برئت من الدين و لا موضع لضمان الثاني عنه بعد براءة ذمته من الدين.

و إذا ضمن الضامن الأول ثم ضمن الثاني ثم ضمن الثالث، ثم رضي الدائن بواحد منهم، فالضامن هو من رضي الدائن بضمانه و ان كان هو الأخير منهم، و إذا رضي بواحد ثم رضي بآخر، فالضامن هو من رضي به أولا و لا حكم للآخر الذي يرضى به بعد ذلك.

و إذا رضي بضمانهم على وجه الإطلاق و لم يعين واحدا منهم كان لهذا الفرض الحكم الآتي في ما إذا ضمنوا جميعا عن الرجل دفعة واحدة غير متعاقبين.

و إذا وقع الضمان منهم دفعة واحدة، فإن رضي الدائن المضمون له بضمان واحد معين منهم دون الباقين كان ذلك الواحد هو الضامن، و إذا رضي بضمانهم على وجه الإطلاق و لم يعين واحدا جاز له ان يطالب بالدين أيهم شاء، و إذا طالب أحدهم في هذه الصورة و استوفى منه دينه، و كان ضمان هذا الضامن باذن المضمون عنه صح للضامن أن يرجع عليه بما أدى عنه، و إذا كان متبرعا بضمانه عنه لم يرجع عليه بشي ء.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 72

المسألة 56:

إذا كان لزيد دين معين على عمرو، و له دين آخر على خالد، فضمن كل واحد من المديونين ما في ذمة الآخر، و رضي الدائن و هو زيد بضمانهما، صح الضمان و انتقل دين عمرو

إلى ذمة خالد، و تحول دين خالد إلى ذمة عمرو.

فإذا كان الدينان مختلفين في المقدار أو في الجنس أو في تأجيل أحدهما و تعجيل الآخر، أو في مقدار الأجل بينهما فالأمر واضح لا خفاء فيه، و كذلك إذا كان على أحد الدينين رهن من المدين دون الآخر أو كان على كل دين منهما رهن معين، فينفك كل رهن بضمان الدين عن راهنه كما ذكرنا في المسألة السابعة و الأربعين. و تظهر الثمرة كذلك في ما إذا أبرأ الدائن أحد الدينين معينا، فيسقط ضمان ذلك الدين، و يبقى ضمان الدين الآخر بحاله.

و إذا رضي الدائن بضمان أحد الشخصين و لم يرض بضمان الآخر كان جميع الدينين في ذمة المدين الذي رضي بضمانه فإذا أدى جميع ما عليه و كان ضمانه باذن المدين الآخر جاز له الرجوع عليه في مقدار ما أدى عنه، و إذا كان متبرعا عنه لم يرجع عليه بشي ء.

المسألة 57:

إذا أدى المدين الضامن في الفرض المتقدم ذكره بعض ما في ذمته، و قصد في نفسه ان ما أداه يكون وفاء عن دينه الخاص به، أو عن دين الضمان اتبع ذلك و كان كما قصد، و إذا اختلف هو مع الدائن أو المدين الآخر فادعى أنه عين دينه أو عين دين الضمان صدق قوله، و إذا تنازعا عند الحاكم الشرعي، فالقول قوله مع يمينه، إذا لم يقم المدعي بينة على صحة ما يقول.

و إذا أدى شيئا عما في ذمته و لم يعين في قصده انه وفاء عن أي الدينين كان مخيرا في التعيين بعد ذلك، فإذا عين أحدهما كان وفاء عنه.

المسألة 58:

إذا أبرأ الدائن ذمة المدين الضامن في الفرض المتقدم ذكره من أحد الدينين و قصد في نفسه انه أبرأ ذمة المدين من دينه الأصلي، أو من

كلمة التقوى، ج 6، ص: 73

دين الضمان اتبع ما قصده، فتبرأ ذمته من الدين الذي عينه الدائن، و إذا اختلف مع المدين فادعى الدائن انه عين احد الدينين و أنكره المدين فالقول قول الدائن، و إذا أبرأ ذمة المدين من احد الدينين و لم يعين أيهما، تخير بعد ذلك، فإذا عين واحدا منهما برئت ذمة المدين منه.

المسألة 59:

يمكن أن يدور الضمان، فيضمن رجل دين رجل آخر، ثم يضمن غيرهما عن الضامن الأول، ثم يضمن المدين المضمون عنه أولا عن الضامن الثاني، و لا مانع من ذلك، فإذا ضمن زيد ما في ذمة عمرو من الدين فانتقل الدين إلى ذمة زيد، ثم ضمن خالد ما في ذمة زيد من مال الضمان، فأصبح ضامنا عن الضامن، ثم ضمن عمرو و هو المدين المضمون عنه أولا- عن خالد ما تحول في ذمته، صح ضمان الجميع إذا توفرت شروط الضمان في الجميع، و رضي الدائن المضمون له بضمانهم، و اشتغلت ذمة عمرو بالمال بسبب ضمانه عن خالد بعد ما برئت ذمته منه أولا بسبب ضمان زيد عنه.

فإذا كان عمرو قد جعل على دينه رهنا في المرة الأولى، فقد انفك رهنه بعد ان برئت ذمته من الدين بسبب ضمان زيد عنه، و لا يعود الرهن بعد عودة الدين الى ذمته بسبب ضمانه عن خالد، الا أن يجدد الرهن عليه بعقد جديد، فإذا أدى عمرو الدين إلى الدائن المضمون له برئت ذمته و برئت ذمة زيد و ذمة خالد من المال لسقوط الضمان لسقوط موضوعه

و هو الدين، سواء كان الضمان متبرعا به أم مأذونا فيه.

و تظهر الثمرة أيضا بالحلول و التأجيل في الدين، كما إذا كان دين عمرو في المرة الأولى حالا و في الثانية مؤجلا أو بالعكس، و بالاختلاف في مقدار الأجل كما إذا كان الدين في المرة الأولى مؤجلا إلى شهرين و في المرة الثانية إلى ستة أشهر أو بالعكس، و بغير ذلك من وجوه الاختلاف الممكنة.

المسألة 60:

لا يختص الضمان بالأعيان التي تكون في الذمم بل تشمل الديون

كلمة التقوى، ج 6، ص: 74

التي تشتغل بها الذمة من المنافع و الأعمال، فإذا استأجر أحد من المالك دارا كلية موصوفة للسكنى مدة سنة مثلا و اشتغلت ذمة المؤجر له بمنفعة الدار الموصوفة و أصبحت دينا في ذمته، جاز لغيره أن يضمن للمستأجر تلك المنفعة، و إذا استأجر أجيرا لعمل كلي من الأعمال و لم يشترط فيه المباشرة، و أصبح العمل دينا للمستأجر في ذمة الأجير جاز لشخص آخر أن يضمن للمستأجر ذلك العمل، فإذا ضمنه عنه و رضي المضمون له بضمانه صح و ترتبت عليه الآثار المتقدم بيانها، و إذا اشترط عليه المباشرة في العمل لم يصح ضمانه.

المسألة 61:

إذا اشترط الدائن على المديون في ضمن العقد أن يكون أداء الدين من مال معين يملكه المديون نفسه لم يصح ضمان ذلك الدين.

الفصل الثالث الضمان العرفي
المسألة 62:

يصح ضمان نفقة الزوجة عن زوجها إذا استقرت في ذمته و أصبحت دينا ثابتا عليه، و الظاهر من الأدلة أن الزوجة تستحق النفقة و تملكها في ذمة الزوج متى احتاجت الزوجة إلى النفقة و كانت ممكنة للزوج من نفسها، و لا ريب في صدق ذلك في النفقة للمدة الماضية إذا كانت الزوجة فيها ممكنة للزوج من نفسها، و كذلك في نفقة اليوم الحاضر عند تحقق المعيار المذكور، فإذا استحقت النفقة و ملكتها في ذمة الزوج صح للضامن ضمانها، و لا تستحق النفقة في اليوم الحاضر إذا لم يتحقق المعيار الآنف ذكره.

و اما نفقتها للمدة المستقبلة فلا يصح لأحد ضمانها بمعنى الضمان المبحوث عنه بين الفقهاء فإن ذمة الزوج لم تشتغل بها بعد لتنقل بالضمان إلى ذمة الضامن.

و يصح التعهد و الالتزام بها إذا وجد المقتضي لثبوتها في ذمة الزوج و المقتضي هو تحقق الزوجية بينهما و التعهد المذكور هو الضمان بالمعنى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 75

العرفي و هو معاملة مستقلة غير الضمان المصطلح فإذا تمت هذه المعاملة و تم العقد بين المتعهد و المتعهد له صحت المعاملة و وجب ترتيب آثارها، فيجب على المتعهد دفع النفقة عند حضور وقتها و الحاجة إليها و قد تقدم لها عدة نظائر و ستأتي لها نظائر أخرى.

المسألة 63:

لا يصح ضمان مال الجعالة قبل أن يأتي العامل بالعمل المجعول عليه، فإذا قال الرجل: من رد علي ضالتي فله عندي دينار مثلا، أو قال من خاط لي ثوبي أو من عمل لي العمل المعين فله علي ديناران، لم يصح لأحد أن يضمن للعامل مال الجعالة قبل أن يأتي بالعمل المعين، فان مال الجعالة لا يكون مستحقا للعامل المجعول له و

لا يثبت في ذمة الجاعل حتى يأتي العامل بالعمل المعين و لذلك فلا يجري فيه الضمان المصطلح، و إذا أنشأ الجاعل إيقاع الجعالة و تصدى العامل للعمل المعين ثبت المقتضي لاستحقاقه المال، و جاز التعهد به قبل الإتيان بالعمل على النحو المتقدم في نفقة الزوجة للمدة المستقبلة، فإذا تمت المعاملة كما ذكرنا صحت و وجب ترتيب آثارها و تكون من الضمان العرفي.

و كذلك الحكم في مال السبق و الرماية، فلا يصح ضمانه قبل أن يتحقق سبق السابق، و إذا ثبت المقتضي له جاز التعهد به كنظائره المتقدم ذكرها.

المسألة 64:

الأعيان التي حكم الشارع بضمانها على واضع اليد عليها، كالأشياء المضمونة على الغاصب أو المقبوضة بالعقد الفاسد و الأمتعة المقبوضة بالسوم و أمثال ذلك من الأعيان المضمونة شرعا، لا يجوز ضمانها عن الأشخاص الذين حكم الإسلام عليهم بضمانها و وجوب ردها إلى أهلها إذا كانت موجودة و وجوب دفع بدلها إذا تلفت و وجوب دفع أرشها إذا نقصت أو ظهر فيها عيب.

و مثال ذلك: أن يضمن الضامن العين المغصوبة عن الغاصب، أو العين المقبوضة بالعقد الفاسد عن المشتري أو بالإجارة الفاسدة عن المستأجر، أو العين إذا قبضها الرجل بالسوم و لم يتم بيعها أو المعاملة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 76

الأخرى عليها، فلا يصح ضمانه بالمعنى المبحوث عنه بين الفقهاء، و هو الضمان الذي ينقل الدين من ذمة إلى ذمة أخرى.

و يصح ضمانها بالضمان العرفي، و هو أن يتعهد الضامن للشخص المضمون له بالعين المضمونة، فإذا تراضيا و تم العقد شملته عمومات الوفاء بالعقود و ترتبت عليها آثارها، فيجب على المتعهد ان يرد العين على صاحبها إذا كانت موجودة و ان يدفع له مثلها أو قيمتها إذا

تلفت، و أن يدفع له أرشها إذا ظهر فيها عيب أو نقص.

و كذلك الأعيان غير المضمونة كالوديعة و مال المضاربة و الرهن و سائر الأمانات قبل ان تتحقق أسباب الضمان لها من التعدي أو التفريط فلا يجوز ضمانها و يصح التعهد بها.

المسألة 65:

إذا اشترى رجل من غيره أرضا أو دارا أو متاعا، و دفع الثمن إلى البائع، فقد يشك المشتري في انتقال المبيع الى ملكه و سبب شكه هو احتماله ان يكون البائع قد باعه ملك غيره، أو يكون البيع باطلا لفقد شرط من شروط صحة البيع و لذلك فهو يطلب من البائع ضامنا يضمن له عهدة الثمن الذي دفعه إليه إذا ظهر المبيع ملكا لغيره أو ظهر ان البيع باطل لبعض الجهات التي تخفى عليه.

و قد نقل عن الأصحاب ره صحة هذا الضمان، و سموه ضمان درك الثمن، و فرعوا على ذلك فروعا عديدة، و الحكم بصحة هذا الضمان مشكل إذا أريد به الضمان بمعناه الاصطلاحي، و يصح الضمان في ذلك و في جميع فروعه التي ذكروها إذا أريد به الضمان العرفي، و هو التعهد و الالتزام الذي مر ذكره في المسائل المتقدمة، فإذا تم العقد و التعهد بين الضامن و المضمون له كان صحيحا و لزم الوفاء به، و لا يكون من الضمان الاصطلاحي.

المسألة 66:

إذا باع الرجل على غيره دارا أو أرضا أو متاعا بثمن شخصي معين و حصل القبض من المتبايعين، فقد يشك البائع في انتقال الثمن اليه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 77

و سبب شكه هو احتمال ان يكون المشتري قد اشترى منه بثمن يملكه غيره أو يكون البيع باطلا لفقد بعض الشروط كما تقدم في المشتري و لذلك فالبائع يطلب من المشتري ضامنا يضمن له درك المبيع، و الحكم فيه كما تقدم في ضمان درك الثمن، فهو مشكل إذا أريد الضمان بالمعنى الاصطلاحي المتقدم بيانه و يصح بمعنى التعهد العرفي على ما سبق في نظائره.

المسألة 67:

إذا اشترى الرجل من غيره أرضا بثمن معين و تقابض المتبايعان، و أراد المشتري أن يحدث في الأرض التي اشتراها غرسا أو بناء، و هو يشك في صحة البيع فقد تكون الأرض لغير بائعها و لذلك فهو يطلب من البائع ضامنا يضمن له درك ما يحدثه في الأرض من البناء و الغرس.

و قد قال بصحة الضمان على ذلك جماعة من الأكابر كالشهيد الأول و الشهيد الثاني قدس اللّه أرواحهم، و القول بذلك مشكل إذا أريد به الضمان الاصطلاحي، و لكنه يصح و ينفذ إذا أريد به الضمان العرفي الذي تقدم بيانه في الفروض المتقدمة، فإذا أجري العقد على ذلك كان صحيحا و لازما، سواء كان المتعهد هو البائع نفسه أم كان شخصا غيره يتعهد للمشتري بما يريد.

المسألة 68:

إذا قال أحد ركاب السفينة لآخر منهم: ألق متاعك في البحر و علي ضمانه، فألقاه في البحر كما أمره، فإن كان ذلك لخوف غرق السفينة كان الآمر بالإلقاء ضامنا لمتاع صاحبه، و الضمان هنا من الضمان العرفي الذي تقدم ذكره، و كذلك إذا كان ذلك لغاية عقلائية أخرى كخفة السفينة أو الخوف من ظالم أو سارق، فيصح منه التعهد، و يكون ضامنا للمتاع إذا ألقاه صاحبه، و إذا لم تكن له فائدة يقصدها العقلاء لم يصح التعهد فإن إلقاء المتاع في البحر لا لغاية يكون من المحرمات، و ضمان عوضها يكون من التعويض عن المحرم فلا يكون صحيحا، و ان أريد به التعهد و الضمان العرفي.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 78

الفصل الرابع في بعض منازعات الضمان
المسألة 69:

لا يشترط في صحة الضمان أن يعلم الضامن مقدار الدين حين ضمانه كما أشرنا إليه في المسألة الثامنة عشرة، فإذا علم بوجود الدين على وجه الاجمال فضمنه، صح ضمانه، فإذا علم بمقداره بعد ذلك أو شهدت به بينة شرعية وجب عليه أداء ذلك المقدار، و كذلك إذا ثبت مقدار الدين بإقرار المضمون عنه أو باليمين المردودة على الدائن، إذا كان الإقرار أو اليمين المردودة سابقين على الضمان، بل و ان كان الإقرار به بعد الضمان أيضا إذا كان الضمان باذن المضمون عنه، فيجب على الضامن أداء المقدار الذي أقر به المضمون عنه، ثم يرجع به عليه إذا شاء، و كذلك الحكم- على الأحوط- إذا ثبت المقدار باليمين المردودة بعد الضمان، و كان الضمان مأذونا فيه، و إذا أقر المضمون عنه به بعد الضمان أو ثبت باليمين المردودة بعد الضمان كذلك و كان غير مأذون فيه لم يجب أداؤه على الضامن و لزم على المضمون

عنه.

المسألة 70:

انما يجب على الضامن أداء المقدار الذي تشهد به البينة إذا شهدت بأنه مقدار الدين في حال صدور الضمان من الضامن، و لا يلزمه الأداء إذا شهدت بأن ذلك هو مقدار الدين بعد الضمان أو أطلقت شهادتها فلم تعين ان ذلك هو مقداره حين الضمان أو بعده.

المسألة 71:

إذا قيل للرجل: ان بينة شرعية مقبولة تدل على أن صديقك زيدا مدين بمبلغ من المال، فقال: ضمنت للدائن ما تشهد به البينة على زيد من الدين، جاز ضمانه فإذا رضي الدائن صح و نفذ، و وجب عليه ان يؤدي ما تشهد البينة المذكورة بثبوته على زيد من الدين حينما ضمن الضامن.

المسألة 72:

إذا ادعى الدائن ان مقدار الدين المضمون مائة دينار مثلا و أنكر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 79

الضامن هذا المقدار و قال: انما هو خمسون دينارا، و صدقه المضمون عنه فأنكر المائة، ثم تنازع الدائن و الضامن في ذلك الى الحاكم الشرعي فوجه اليمين على الضامن لأنه منكر، و ردها الضامن على الدائن و حلف الدائن على ما يدعيه و ثبت عند الحاكم باليمين المردودة ان الدين المضمون مائة دينار، فإذا أداها الضامن لم يحق له أن يرجع على المضمون عنه بجميع المائة لأنه منكر لها و انما يرجع عليه بالخمسين.

و كذلك الحكم إذا أقر الضامن بالمائة فثبت ذلك بإقراره، فلا يرجع بها على المدين المضمون عنه، بل يرجع عليه بمقدار ما يعترف به هو من الدين لا بمقدار ما يقر به الضامن.

المسألة 73:

إذا ادعى الدائن على زيد انه قد ضمن له دينه على عمرو و أنكر زيد الضمان، فأقام الدائن بينة على ما يقول و ثبت الضمان على زيد و أدى المال، فلا يحق لزيد أن يرجع على عمرو بما أدى لأنه اعترف بأن الدائن أخذ المال منه بغير حق.

المسألة 74:

إذا تنازع المدين مع الدائن فادعى المدين أن الدين الذي كان عليه قد ضمنه عنه ضامن فهو يزعم ان ذمته قد برئت من الدين و أنكر الدائن الضمان و لذلك فهو يزعم ان على المدين أن يؤدي ما عليه، فالقول قول الدائن المنكر مع يمينه.

و كذلك الحكم إذا اختلفا فادعى المدين أن الضامن قد ضمن عنه جميع ديونه، فلا حق للدائن عنده، و أنكر الدائن ذلك و ادعى ان الضامن انما ضمن عنه دينا واحدا و لم يضمن الدين الثاني فعلى المدين أن يؤديه فالقول قول المنكر مع يمينه، و مثله أن يدعي المدين ان الضامن ضمن جميع دينه و يدعي الدائن انه ضمن نصف دينه أو ربعه.

المسألة 75:

إذا اختلف الدائن المضمون له و المدين المضمون عنه، فادعى المضمون له انه قد اشترط الخيار لنفسه في عقد الضمان فيجوز له أن يفسخ الضمان و يأخذ دينه من المدين، و أنكر المضمون عنه هذا الاشتراط

كلمة التقوى، ج 6، ص: 80

فليس للدائن أن يفسخ الضمان و ان ذمته قد برئت بضمان الضامن، فالقول قول المضمون عنه مع يمينه لأنه منكر.

و إذا اختلفا في صحة الضمان و فساده، فالقول قول من يدعي الصحة منهما مع يمينه، و الغالب ان المضمون عنه هو الذي يدعي الصحة، فإن صحة الضمان تستلزم براءة ذمته من الدين، فإذا اتفق الأمر بعكس ذلك فادعى المضمون له صحة الضمان، كان القول قوله مع يمينه.

المسألة 76:

إذا اختلف الدائن مع الضامن، فادعى أحدهما أن الضامن منهما قد ضمن الدين و أنكر الآخر الضمان و ادعى عدمه، فالقول قول من يدعي العدم مع يمينه، و الغالب ان الضامن هو الذي يدعي عدم الضمان فان لازم ذلك براءة ذمته من الدين، فإذا اتفق الأمر بعكس ذلك فادعى الضامن انه ضمن الدين و أنكر الدائن فادعى عدم الضمان كان القول قوله مع يمينه.

و كذلك الحكم إذا اختلفا في مقدار الدين، أ هو مائة دينار أو ثمانون، أو اختلفا في أن الضامن ضمن للدائن دينا واحدا أو دينين، أو اختلفا في ان الدائن قد اشترط على الضامن التعجيل في أداء الدين أم لم يشترط عليه ذلك، أو انه اشترط عليه تقصير مدة الأجل أو لم يشترط ذلك، أو أنه اشترط عليه شرطا آخر في عقد الضمان أو لم يشترط، فالقول في جميع ذلك قول من يدعي العدم مع يمينه، و هو الضامن في الغالب، فإذا اتفق الأمر

بعكس ذلك فادعى الدائن العدم كان القول قوله مع يمينه.

المسألة 77:

إذا ضمن الضامن دين الرجل و كان الدين حالا، فاختلف الضامن و الدائن في أنهما هل اشترطا في العقد تأجيل الدين إلى مدة أم لم يشترطا، فادعى أحدهما وجود هذا الشرط و أنكره الآخر فادعى عدم اشتراط ذلك، فالقول قول من يدعي العدم مع يمينه كما تقدم و الغالب هنا ان من يدعي عدم الاشتراط هو الدائن المضمون له، لأنه يريد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 81

أخذ دينه، معجلا، و إذا اتفق عكس ذلك فادعى الدائن الاشتراط و ادعى الضامن العدم كان القول قول الضامن مع يمينه لأنه المنكر.

و مثله ما إذا كان الدين مؤجلا فادعى أحدهما انهما قد اشترطا الزيادة في المدة و أنكر الآخر، أو اختلفا فقال أحدهما: قد اشترطنا في العقد أن يبرئ الدائن ذمة الضامن من الدين أو من بعضه و أنكر الآخر، أو اختلفا في أن الضامن قد اشترط لنفسه خيار الفسخ لعقد الضمان فادعاه أحدهما و أنكره الثاني، فيقدم في جميع ذلك قول من يدعي العدم، و الغالب في هذه الموارد أن يدعي المضمون له ذلك فيكون القول قوله مع يمينه، و إذا انعكس الأمر فادعى الضامن العدم كان القول قوله كما تقدم.

المسألة 78:

إذا ضمن الضامن عن المدين و اداه عنه ثم تنازع الضامن و المضمون عنه فادعى الضامن أن ضمانه عنه كان باذنه، فيجوز له أن يرجع عليه بما أدى عنه، و قال المضمون عنه: انه لم يأذن بالضمان فلا حق للضامن بالرجوع عليه، قدم قول المضمون عنه مع يمينه، و كذلك إذا ضمن الضامن الدين عنه باذنه ثم تنازعا، فادعى الضامن انه قد ادى الدين للدائن فيصح له الرجوع على المضمون عنه، و أنكر المضمون عنه أداء

الدين، فيقدم قول المضمون عنه مع يمينه.

المسألة 79:

إذا ضمن الضامن الدين باذن المضمون عنه و اداه للدائن ثم تنازعا في مقدار الدين فادعى الضامن أنه مائة دينار مثلا، و قال المضمون عنه: ان الدين ثمانون دينارا و أنكر الزيادة، فالقول قول المضمون عنه مع يمينه، و إذا ادعى المضمون عنه ان الدين مائة دينار فعلى الضامن أن يدفعها جميعا، و قال الضامن: انه ثمانون فحسب و أنكر الزيادة فالقول قول الضامن مع يمينه.

المسألة 80:

إذا ادعى الضامن أنه أدى الدين للدائن، و أنكر الدائن المضمون له ذلك، فان صدق المدين المضمون عنه دعوى الضامن بالوفاء و كان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 82

ضمانه باذنه صح للضامن الرجوع عليه سواء حلف الدائن لإنكاره دعوى الضامن أم لم يحلف، و ان لم يصدقه في دعوى وفاء الدين لم يرجع الضامن عليه بشي ء.

و إذا حلف الدائن لإنكاره دعوى الضامن و أخذ المال منه لم يرجع به على المضمون عنه إذا لم يصدقه في دعوى الوفاء لأن الضامن يعترف بأن هذا المال أخذ منه بغير حق.

المسألة 81:

يصح للمدين المضمون عنه ان يشهد للضامن بأداء الدين إذا كان يعلم بذلك و كان جامعا لشروط قبول الشهادة من عدالة و عدم تهمة و غير ذلك.

المسألة 82:

إذا طلب المدين من أحد أن يفي عنه دينه فأداه عنه اجابة لطلبه جاز له ان يرجع عليه بما أدى عنه و ان لم يضمن عنه، و كذلك إذا أمره أن يدفع الى زيد مبلغا أو ينفق في بعض السبل شيئا و لم تقم القرائن على طلب التبرع، فإذا أعطى أو أنفق اجابة لأمره جاز له الرجوع عليه بما دفع و بما أنفق، و هذا ليس من الضمان المصطلح و لا من التعهد العرفي.

و إذا أذن المدين لأحد بوفاء دينه و لم يطلب ذلك منه، لم يحق له الرجوع عليه إذا وفاه عنه الا إذا أفهمته القرائن انه لا يؤدي تبرعا، و انه إذا وفى له دينه رجع عليه بما أدى، فيرجع عليه حين ذاك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 83

كتاب الحوالة و الكفالة

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 85

كتاب الحوالة و الكفالة و فيه فصلان.

الفصل الأول في الحوالة و شرائطها و أحكامها
المسألة الأولى:

الحوالة اسم للمعاملة الخاصة التي ينقل بها المديون دائنه بالحق الذي يستحقه في ذمته إلى ذمة رجل آخر، يقال: أحال الرجل غريمه بدينه الى غيره، إذا نقل دين الغريم من ذمة نفسه إلى ذمة ذلك الغير، فالمدين الذي نقل الدين محيل، و الدائن الذي نقل المحيل دينه إلى ذمة الرجل الآخر محال، و الشخص الآخر الذي انتقل الدين الى ذمته محال عليه، و الدين الذي نقله المحيل من ذمة إلى ذمة محال به، و المعاملة التي يحصل بها هذا النقل حوالة.

و الغالب في الشخص الثاني الذي ينقل الدين من ذمة المحيل الى ذمته أن يكون مدينا للمحيل، فالمحيل في الغالب مدين للمحال، و دائن للمحال عليه، و قد تكون الحوالة على شخص بري ء الذمة، و سيأتي بيان ذلك ان شاء اللّه تعالى.

المسألة الثانية:

لا بد في عقد الحوالة من الإيجاب و هو يكون من المحيل، و القبول من المحال، و يكفي في الإيجاب كل لفظ يدل على المعنى المراد، و هو احالة المدين دائنه على الشخص الآخر المحال عليه، و اللفظ المتعارف في ذلك ان يقول الموجب لدائنه: أحلتك بما تستحقه في ذمتي من الدين على زيد، فيقول الدائن المحال: قبلت الحوالة أو يقول: قبلت الإحالة منك على زيد بالدين المعين، أو يقول: رضيت بذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 86

و يعتبر في صحة عقد الحوالة على الأحوط رضى المحال عليه أيضا، بل لا يخلو اعتباره من قوة، و خصوصا إذا كان المحال عليه بري ء الذمة من دين المحيل، أو كان مدينا له و كانت الحوالة عليه بغير جنس الذي في ذمته.

المسألة الثالثة:

يعتبر في صحة الحوالة أن يكون المديون المحيل بالغا، و أن يكون عاقلا، و ان يكون غير سفيه و غير مكره، على النهج الذي تقدم إيضاحه في كتاب البيع و غيره من العقود المتقدم ذكرها، و يعتبر جميع ذلك أيضا في الدائن المحال، و في الشخص الآخر المحال عليه، فلا يصح العقد إذا كان أحد الأطراف الثلاثة المذكورين صغيرا أو مجنونا أو سفيها أو مكرها.

المسألة الرابعة:

الظاهر صحة الحوالة إذا كان المحيل مفلسا أو كان المحال أو كان المحال عليه مفلسا كذلك، إذا كانت الحوالة انما تستلزم تصرفا في ذمته و لا تفيد تصرفا في أمواله المحجور عليها للفلس و التي يكون التصرف فيها منافيا لحقوق الغرماء.

المسألة الخامسة:

يعتبر في صحة عقد الحوالة أن يكون منجزا على الأحوط كما سبق في نظائره من العقود، فلا يصح إذا كان معلقا على شرط أو على وصف.

المسألة السادسة:

ليس من الحوالة أن يحيل الشخص على نفسه أحدا بدين له في ذمة غيره فيقول لزيد مثلا: أحلتك على نفسي بالدين الذي تملكه في ذمة خالد، فيقبل زيد منه العقد، و يكون الإيجاب من المحال عليه لا من المدين، بل و قد لا يحصل منه الرضى بالحوالة، فلا يكون ذلك من الحوالة المصطلحة، و لا يكون من الضمان، بل هو من الحوالة اللغوية، فإذا اتفق المتعاقدان المحال عليه و المحال كما بينا و أوقعا عقد الحوالة بينهما فأحاله بدينه على نفسه، صحت معاملة مستقلة و شملها عموم أدلة الوفاء بالعقود و لزم الوفاء بها، و قد سبقت له نظائر في كتاب

كلمة التقوى، ج 6، ص: 87

الضمان، سواء كان الشخص الذي أحال الدائن على نفسه بري ء الذمة، أم كان مدينا لخالد، و سواء كانت الحوالة بغير جنس ما عليه أم بجنسه.

المسألة السابعة:

يشترط في صحة الحوالة المصطلحة أن يكون الدين المحال به ثابتا للدائن بالفعل في ذمة المحيل، سواء كان ثبوته في ذمته مستقرا أم كان متزلزلا، فلا تصح الحوالة به قبل أن يتم سببه و يثبت في الذمة بالفعل، و مثال ذلك أن يحيله بالدين الذي سيستقرضه منه، أو بثمن السلعة التي سيشتريها به أو ببدل الإجارة الذي سيستأجر به الدار أو يحيل المرأة بالمهر المؤجل الذي سيتزوجها به، و لا يصح أن يحيل الزوجة بنفقتها للمدة الآتية، أو يحيل العامل بمال الجعالة قبل أن يأتي بالعمل المجعول عليه، أو يحيل بمال السبق قبل أن يتحقق سبق السابق، و قد سبق نظير هذا في الدين الذي يراد ضمانه، فلا تصح الحوالة المصطلحة في هذه الفروض و ما أشبهها، و تصح فيها الحوالة بالمعنى اللغوي إذا

وقع الاتفاق و جرى العقد فتكون معاملة مستقلة كما سبق نظيرها هنا و تقدمت نظائرها في فصل الضمان العرفي.

المسألة الثامنة:

لا يشترط في صحة الحوالة المصطلحة أن يكون الدين المحال به معلوما للمحيل و المحال على وجه التفصيل حين صدور عقد الحوالة بينهما، فإذا علم المحيل و المحال بالدين على وجه الإجمال فأحاله به، ثم علما بعد ذلك بجنسه و مقداره، برجوعهما الى وثائق و مستندات و سجلات أوضحت لهما ذلك و ذكرت تفاصيله صحت الحوالة و ترتبت آثارها، و كذلك إذا أحال الدائن بما تشهد به البينة ثم سألا البينة فأوضحت بشهادتها لهما تفاصيل الدين.

المسألة التاسعة:

لا تصح الحوالة إذا كان الدين المحال به مبهما مرددا و مثال ذلك:

أن يحيل المدين دائنه بأحد الدينين على وجه الترديد من غير تعيين، أو يحيله على المحال عليه بشي ء من دينه من غير تحديد لمقدار الشي ء الذي أحاله به من الدين، فلا تكون الحوالة صحيحة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 88

المسألة العاشرة:

إذا كان لرجل دينان يختلف أحدهما عن الآخر في ذمة شخص واحد، يصح للمدين ان يحيل دائنه المذكور بأحد دينية على نحو الواجب التخييري على الشخص المحال عليه، و مثال ذلك أن يكون لزيد في ذمة عمرو دين بخمسمائة دينار، و له في ذمته كذلك دين آخر بستمائة دينار، فيحيل عمرو دائنه زيدا بالدينين معا على خالد، على أن يختار المحال عليه و هو خالد أحد الدينين المحال بهما فيسدده، فإذا اختاره و قام بوفائه سقطت الحوالة عليه بالدين الآخر.

المسألة 11:

يشكل الحكم بصحة الحوالة إذا كان المحيل أو المحال جاهلا بجنس الدين المحال به أو جاهلا بمقداره في حال الحوالة و لا يحصل له العلم به بعد ذلك كما إذا كان عمرو مدينا لزيد بمبلغ لا يعلمان مقداره أو لا يعلمان جنسه و ليس عندهما ما يعين ذلك لهما، فيشكل الحكم بصحة الحوالة بهذا الدين المجهول.

و تصح الحوالة به بالمعنى اللغوي الذي تقدم بيانه فإذا تراضى بها الجميع كذلك و اجري العقد صح و كانت الحوالة معاملة مستقلة كنظائرها المتقدمة.

المسألة 12:

لا يشترط في صحة الحوالة أن يتفق المال المحال به مع المال المحال عليه في جنسهما و نوعهما و وصفهما فإذا كان لزيد دين في ذمة عمرو مبلغ من الدراهم، و كان مدينا لخالد بمبلغ من الدنانير أو بمقدار من الحنطة و أراد زيد ان يحيل دائنه خالدا على مدينة عمرو بأن يدفع له دنانير أو حنطة بدل الدراهم التي لزيد في ذمته، صح له ذلك إذا تراضى به الجميع و إذا أحاله كذلك مع الرضى به حصل الوفاء.

المسألة 13:

لا يشترط في صحة الحوالة أن يكون الشخص المحال عليه مدينا للمحيل، فتصح الحوالة عليه و ان كان بري ء الذمة على الأقوى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 89

المسألة 14:

تصح الحوالة بأي دين تشتغل به ذمة المدين، سواء كان من الأعيان أم من المنافع أم من الأعمال كما إذا استأجر الرجل من المالك دارا كلية موصوفة بأوصاف معينة للسكنى فيها أو استأجر أجيرا ليقوم له بأعمال معلومة في ذمته و لم يشترط عليه المباشرة، فكانت المنفعة المملوكة بالإجارة دينا في ذمة المؤجر و كان العمل المستأجر عليه دينا في ذمة الأجير، فتصح الحوالة بذلك من المدين على شخص آخر، سواء كان المحال عليه مشغول الذمة للمدين بمثل تلك المنفعة و مثل ذلك العمل أم كان بري ء الذمة.

و يجري ذلك في الصلاة و الصيام و الحج و العمرة و الزيارة و غيرها من الأعمال إذا كانت ديونا في الذمة و لم تشترط فيها المباشرة.

المسألة 15:

تصح الحوالة بالمال سواء كان مثليا أم قيميا إذا وصف وصفا ترتفع به الجهالة المضرة بالحوالة.

المسألة 16:

إذا أحال المدين بدينه و تمت شروط الحوالة و توفر جميع ما يعتبر فيها برئت ذمة المحيل من دينه المعلوم بالمقدار الذي أحال به دائنه، و انتقل دين الدائن المحال إلى ذمة الشخص المحال عليه بذلك المقدار و برئت ذمة المحال عليه من دين المحيل إذا كان مشغول الذمة له بمقدار ما أحال به عليه من المال و كان المال مثليا و الحوالة عليه بمثله.

و إذا كانت الحوالة بغير مثل الدين، أو كان المحال عليه بري ء الذمة اشتغلت ذمة المحيل له بما أحال عليه ثم يتحاسبان بعد ذلك إذا شاءا أو يتصالحان.

المسألة 17:

إذا أنشأ المديون الإيجاب في عقد الحوالة لم يجب على المحال قبول الإيجاب، بل يتخير في القبول و عدمه و ان كان الشخص المحال عليه مليا، و غير مماطل في أداء المال.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 90

المسألة 18:

إذا تم الإيجاب و القبول في الحوالة، و تحقق الرضى بالمعاملة من المحيل و المحال و المحال عليه كانت الحوالة لازمة على الأشخاص الثلاثة جميعا، فلا يجوز لأحدهم فسخ الحوالة و ان كان المحال عليه بريئا، فلا يجوز له الفسخ بعد أن تحقق منه الرضى، و قد ذكرنا ان دين الدائن ينتقل إلى ذمة المحال عليه إذا تمت الحوالة، و توفرت شروطها.

و يستثنى من ذلك ما إذا كانت الحوالة على رجل معسر، و كان الدائن المحال جاهلا بإعساره، ثم علم بإعساره بعد ذلك، فيجوز له فسخ الحوالة و الرجوع بالدين على المحيل.

و يراد بإعسار المحال عليه هو ان لا يكون عنده ما يفي به دينه زائدا على الأمور المستثنيات في الدين و التي ذكرناها في المسألة الثامنة عشرة من كتاب الدين، و المدار في ذلك هو ان يكون المحال عليه معسرا كذلك في حال الإحالة عليه، و أن يكون المحال جاهلا بالإعسار كما ذكرنا، فلا يثبت الخيار للمحال إذا كان المحال عليه مليا في حال الحوالة و ان تجدد له الإعسار بعد ذلك، و لا يثبت الخيار للمحال إذا قبل الحوالة على الرجل و هو يعلم بإعساره.

المسألة 19:

لا تجب المبادرة على المحال في فسخ الحوالة بعد ان يعلم بإعسار المحال عليه، فإذا تأخر في الفسخ لعذر أو لغير عذر لم يسقط حقه في خيار الفسخ على الأقوى، مع تحقق الفرض المتقدم الذي يثبت له فيه الخيار.

المسألة 20:

لا يسقط خيار الفسخ للمحال بعد ان يعلم بإعسار المحال عليه و ان أمكن للمحال عليه أن يقترض و يفي دينه من مال القرض، و لا يسقط الخيار كذلك إذا وجد من يتبرع عن المحال عليه بوفاء دينه بعد ما كان معسرا، في الفرض الذي يثبت فيه الخيار للمحال و لا يسقط الخيار إذا تجدد له اليسر بعد ما كان معسرا حال الحوالة و كان المحال جاهلا بعسره.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 91

المسألة 21:

يجوز للمحال عليه أن يشترط لنفسه في ضمن العقد أن يفسخ العقد إذا شاء، فإذا شرط ذلك لنفسه و رضي به الآخر ان صح له الفسخ كما شرط، و يجوز كذلك للمحيل أو المحال ان يشترط الخيار لنفسه، و يثبت له حق الخيار إذا شرط.

المسألة 22:

يمكن الترامي في الحوالة، فيحيل المديون دائنه على شخص معين، ثم يحيل المحال عليه ذلك الدائن على محال عليه آخر، ثم يحيله هذا المدين الجديد على آخر ثم يحيله هذا على غيره، و هكذا فتترامي الحوالة و يتعدد المحال عليه، و الدائن المحال في الجميع واحد، و يصح الجميع.

و يجوز أن يحيل المدين دائنه على شخص، فإذا كان هذا الدائن مدينا لغيره صح له أن يحيل دائنه على الشخص الذي أحيل عليه و إذا كان الدائن الثاني مدينا لثالث جاز له أن يحيل دائنه على مدينة الذي أحيل عليه، و هكذا، فيتعدد المحال و يكون المحال عليه واحدا، فإذا ترامت العقود و توفرت شرائطها صحت جميعا، و ترتبت آثارها.

المسألة 23:

يجوز أن تدور الحوالة، و مثال ذلك أن يحيل المديون دائنه على شخص، ثم يحيل الشخص المحال عليه دائنه على شخص غيره في المرة الثانية، ثم يحيل هذا المدين الثالث دائنه على المدين الأول، فترجع سلسلة الحوالات من حيث ابتدأت و يكون الجميع صحيحا إذا توفرت فيها الشرائط المطلوبة، و قد تقدم نظير ذلك في كتاب الضمان.

المسألة 24:

إذا ترامت الحوالة، فأحيل الدائن بدينه مرتين أو أكثر على اشخاص متعددين، و انتقل دينه بسبب ذلك الى ذمة المحال عليه الأول ثم الى الثاني ثم الى الثالث ثم أحاله المدين الأخير بدينه على رجل له في ذمة الدائن مثل دينه، و قبل الطرفان الحوالة تقابل ما في ذمتيهما من الدين و حكم الشارع بتساقطهما معا، و إذا اختلف الدينان في الجنس اشتغلت ذمة كل منهما للآخر بدينه، ثم تحاسبا عن ذلك إذا شاءا أو تصالحا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 92

المسألة 25:

تبرأ ذمة الشخص المحال عليه من دين الدائن إذا هو وفى الدين و أدى مال الحوالة، و تبرأ ذمته إذا أحال الدائن على شخص آخر و قبل الدائن و المحال عليه بالحوالة الجديدة، و تبرأ ذمته إذا ضمن المال عنه ضامن، و كان الضمان برضى الدائن المضمون له، و تبرأ ذمته إذا تبرع احد فوفى عنه الدين، سواء كان المتبرع أجنبيا أم كان هو الشخص الذي أحال عليه بالمال، و تبرأ ذمته إذا أمر أحدا بوفاء الدين فأداه عنه اجابة لطلبه.

و يرجع موفي الدين عليه بما أداه عنه إذا كان الأداء بطلبه، أو كان الضمان عنه باذنه، سواء كان المؤدي أو الضامن هو المحيل نفسه، أم كان شخصا غيره، و لا يرجع عليه إذا كان متبرعا بالوفاء أو بالضمان و قد سبق تفصيل هذه الفروض و الأحكام جميعها، و نحن نذكرها للتنبيه.

المسألة 26:

إذا أدى المحال عليه مال الحوالة للدائن، ثم طالب المحيل بما أداه عنه، فادعى المحيل ان المحال عليه كان مشغول الذمة له بمثل الدين الذي أداه، فلا يحق له المطالبة به فإنما و في به دينه، و أنكر المحال عليه انه مشغول الذمة و ادعى ان الحوالة عليه كانت من الحوالة على البري ء، فالقول قول المحال عليه مع يمينه على أنه بري ء الذمة، فإذا أحلف على ذلك طالب المحيل ببدل ما أداه عنه.

المسألة 27:

إذا قبل المحال عليه الحوالة اشتغلت ذمته بدين الدائن و برئت ذمة المحيل عنه كما ذكرنا في المسألة السادسة عشرة، و نتيجة لذلك: ان المحال عليه إذا كان بري ء الذمة من الدين جاز له أن يرجع على المحيل بالمال بمجرد قبوله الحوالة عليه و لا يتوقف جواز رجوعه عليه على أداء المال، و لا يقاس الحكم في الحوالة على الضمان و الفارق بينهما هو النص.

المسألة 28:

إذا قبل المحال عليه الحوالة، ثم صالحه الدائن بأقل من دينه و ابرأ

كلمة التقوى، ج 6، ص: 93

ذمته من الباقي، فإن كان المحال عليه بري ء الذمة من دين للمحيل، جاز له أن يأخذ من المحيل جميع الدين الذي أحاله عليه، و ان كان مشغول الذمة للمحيل لم يجز له أن يأخذ من المحيل أكثر مما أدى عنه و هو الأقل.

المسألة 29:

إذا باع الرجل أرضا أو دارا يملكها و بقي الثمن في ذمة المشتري، فأحال المشتري البائع بالثمن على أحد و رضي المحال عليه بالحوالة، ثم تبين بطلان البيع، كانت الحوالة باطلة من أصلها، فإن بطلان البيع يعني أن ذمة المشتري غير مشغولة للبائع بشي ء لتصح احالته به على احد.

و إذا أحال البائع دائنا له على الثمن المذكور الباقي عند المشتري، ثم تبين بطلان البيع، فان كانت حوالة البائع لدائنه على المشتري مقيدة بثبوت الثمن في ذمته كانت الحوالة باطلة كذلك لانتفاء القيد، فإذا كان المحال قد قبض مال الحوالة، فالمقبوض باق في ملك صاحبه المحال عليه في كلتا الصورتين، فيجوز له الرجوع به إذا كان موجودا و إذا تلف فله الرجوع بعوضه على المحيل أو على المحال.

و إذا كانت حوالة البائع لدائنه في الصورة الثانية غير مقيدة بثبوت الثمن في ذمة المشتري بل كان ذلك بنحو الداعي للإحالة عليه كما هو الغالب لم تبطل الحوالة ببطلان البيع و كانت من الحوالة على البري ء.

المسألة 30:

إذا باع الرجل أرضه أو داره، و بقي الثمن في ذمة المشتري، و أحال المشتري البائع بالثمن على غيره، أو أحال البائع دائنا له على المشتري، كما في الفرض المتقدم، ثم انفسخ البيع بتقايل المتبايعين أو حصل الفسخ بأحد أسباب الخيار.

فإذا فسخت معاملة البيع قبل أن يقبض المال المحال به، فالظاهر بطلان الحوالة، فإن الثمن بسبب فسخ المعاملة بالتقايل أو بالخيار يرجع الى ملك المشتري، فلا يصح للبائع أخذه من المحال عليه، و إذا قبض المال المحال به أولا ثم حصل الفسخ بعد ذلك صحت الحوالة ثم رجع الثمن بعد الفسخ من البائع إلى المشتري.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 94

المسألة 31:

إذا وضع الإنسان بعض أمواله عند وكيله أو استودعها عند أمين، جاز له أن يحيل دائنه على الوكيل أو الأمين ليفي دينه من المال الذي بيده، و هو من الحوالة العرفية، و ليس من الحوالة المصطلحة، فإذا أحال الدائن بالمبلغ و رضي المحال و المحال عليه، جاز للوكيل أو الأمين أن يدفع للدائن من المبلغ الموجود لديه، و لا يجب الدفع عليه الا إذا انحصر رد المال الى مالكه بذلك، بحيث لو لم يدفع المال إلى الدائن المحال، لم يمكن له أن يرد المال الى مالكه بعد ذلك. و كذا إذا علم من القرائن ان المالك لا يرضى برفض الحوالة، أو لا يرضى بتأخير دفع المال.

المسألة 32:

إذا تنازع المدين و الدائن في أن العقد الذي أوقعاه بينهما هل هو حوالة بالدين على الشخص المحال عليه أو هو وكالة للدائن في أن يقبض المال من ذلك الرجل، فهاهنا صور تختلف في الفرض و في الحكم، فلا بد من ملاحظتها.

(الصورة الأولى): أن يقع التنازع بينهما في ذلك قبل أن يقبض الدائن المال من الشخص المحال عليه، فمدعي الحوالة منهما يدعي ان ذمة المحيل قد برئت من دين المحال بسبب الحوالة، و يدعي كذلك أن ذمة المحال عليه قد برئت من دين المحيل بقبوله الحوالة، و يدعي أيضا ان المال المحال به لا يزال ملكا لصاحبه الأول و لم ينتقل الى ملك المحال، و مدعي الوكالة ينكر جميع ذلك فيكون قوله هو الموافق للأصول، و يكون هو المنكر، فإذا لم تكن لصاحبه بينة على قوله فالقول لمدعي الوكالة مع يمينه، سواء كان هو الدائن أم المدين.

المسألة 33:

(الصورة الثانية): أن يكون الاختلاف بينهما في ذلك بعد أن يقبض الدائن المال من المحال عليه، و تكون الوكالة المدعاة هي وكالة المحيل للمحال في أن يقبض من المحال عليه ما في ذمته من دين المحيل، و يأخذه لنفسه بعد القبض وفاء لدينه في ذمة المحيل، و لا ريب ان جميع الأصول المتقدم ذكرها تكون ساقطة في هذه الصورة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 95

فقد علم تفصيلا بأن ذمة الشخص المحال عليه قد برئت من دين المحيل اما بالحوالة من المحيل، و اما بدفع الدين الى وكيله، و علم أيضا بأن ذمة المحيل قد برئت من دين دائنه، اما بالحوالة و اما باستيفاء الدائن دينه بالوكالة بعد أن قبض المال من المدين المحال عليه، و علم بأن الدائن قد

ملك المال المحال به اما بالحوالة و اما بقبض الدائن المال لنفسه بالوكالة، و إذا سقطت الأصول كما بينا فلا يكون قول مدعي الوكالة و منكر الحوالة موافقا للحجة ليحكم بتقديم قوله مع اليمين.

على ان الظاهر أن الدعوى في هذه الصورة تكون ساقطة بنفسها لأنها ليس لها أثر ملزم لأحد الطرفين، فلا تكون مقبولة.

المسألة 34:

(الصورة الثالثة): ان يكون التنازع بينهما في ذلك بعد أن يقبض الدائن المال من المحال عليه و تكون الوكالة المدعاة هي وكالة المدين للدائن في أن يقبض المال من المحال عليه و يبقيه امانة بيده يراجع المدين في أمرها و لا ريب في براءة ذمة المحال عليه من دين المحيل اما بالحوالة و اما بدفع دينه الى وكيله.

و لكن دين المحال على المحيل لا يزال مشكوك البقاء، فتجري فيه أصالة بقاء اشتغال ذمة المحيل للمحال، و تجري كذلك أصالة عدم ملكية المحال للمال الذي قبضه من المحال عليه، فيكون قول من يدعي الوكالة و ينكر الحوالة موافقا لهذين الأصلين، فإذا لم تكن لمدعي الحوالة بينة لإثبات قوله، فالقول قول المنكر مع يمينه.

الفصل الثاني في الكفالة
المسألة 35:

الكفالة هي أن يتعهد الإنسان لإنسان آخر بإحضار شخص معين له عليه حق، مال أو غيره، بل تعم اي شخص يستحق إحضاره في مجلس الشرع و ان لم يثبت عليه الحق بعد، فيكون التعهد بإحضاره من الكفالة المصطلحة، فالإنسان المتعهد بإحضار ذلك الرجل كفيل، و الإنسان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 96

الآخر الذي تعهد له الكفيل بإحضار الرجل مكفول له، و الشخص الذي تعهد الكفيل بإحضاره مكفول.

و لا تصح الكفالة في ما إذا كان الحق الذي على الشخص حدا من حدود اللّه أو تعزيرا شرعه الإسلام عند ارتكاب الشخص بعض المحرمات أو تركه لبعض الواجبات، و تصح في ما إذا كانت العقوبة من حقوق الناس كالقصاص.

المسألة 36:

الكفالة عقد من العقود يكون الإيجاب فيه من المتعهد و هو الكفيل، و القبول من صاحب الحق و هو المكفول له، و يقع الإيجاب بأي لفظ يدل على التعهد و الالتزام بإحضار الشخص المقصود و من أمثلة ذلك ان يقول الموجب للمكفول له: تكفلت لك بإحضار فلان، أو تعهدت، أو التزمت بذلك أو يقول: أنا كفيل لك بإحضاره، و يكفي في القبول كل لفظ يدل على الرضى بتعهد الكفيل و منه أن يقول بعد الإيجاب: قبلت بكفالتك أو رضيت بتعهدك.

المسألة 37:

يشترط في صحة الكفالة أن يكون الكفيل بالغا و عاقلا، و مختارا غير مكره، و قاصدا غير ساه و لا هازل، و أن يكون قادرا على إحضار الشخص المكفول، و أن يكون غير محجور عليه لسفه، و يشترط فيه أن يكون غير مفلس إذا كان الحق الذي على المكفول حقا ماليا، كالمدين و الضامن، و إذا كان الحق الذي على المكفول من الحقوق غير المالية، ففي اشتراط أن يكون الكفيل غير مفلس، اشكال.

و لا يشترط في صاحب الحق: المكفول له أن يكون بالغا أو عاقلا، أو رشيدا، فتصح الكفالة للصبي و المجنون و السفيه، و يكون القبول من الولي عليهم.

المسألة 38:

لا يشترط في صحة الكفالة أن يرضى بها الشخص المكفول، و ليس طرفا من أطراف العقد على الأقوى، فإذا تم الإيجاب و القبول من الكفيل و المكفول له صح العقد و لزم الوفاء به و ان لم يرض المكفول

كلمة التقوى، ج 6، ص: 97

بذلك و سيأتي الاختلاف في بعض الآثار بين الكفالة إذا أذن المكفول بها و الكفالة إذا لم يأذن بها، و هذا لا يعني اشتراط صحة الكفالة برضاه.

المسألة 39:

تصح الكفالة بإحضار الشخص إذا كان عليه حق مالي و ان لم يعلم الكفيل بمقدار المال و تصح الكفالة كذلك إذا كان على المكفول حق و لم يعلم بأنه حق شفعة مثلا أو حق خيار، و تصح إذا كان عليه حق قصاص، و لم يعلم أنه قصاص في طرف أو قصاص في نفس، و تصح إذا كان عليه حق جناية و لم يعلم أنها جناية توجب دية أو جناية توجب قصاصا.

المسألة 40:

يصح أن توقع الكفالة حالة، و أن تكون مؤجلة و معنى إيقاعها حالة أن يتعهد الكفيل بإحضار المكفول في الوقت الحاضر و المراد بإيقاعها مؤجلة أن يتعهد بإحضاره بعد مدة، و إذا أوقعت مؤجلة فلا بد من تعيين الأجل فيها و تحديده على وجه لا تكون فيه زيادة و لا نقصان، و إذا أطلق الكفيل العقد و لم يذكر للكفالة وقتا اقتضى إطلاق العقد أن تكون حالة.

المسألة 41:

الكفالة من العقود اللازمة على المتعاقدين، فلا يجوز للكفيل و لا للمكفول له فسخ العقد، و يجوز لهما أن يتراضيا فيتقايلا منها، و يصح لأحدهما أن يشترط لنفسه خيار الفسخ فيها إلى مدة معينة، فإذا اشترط ذلك صح له الفسخ في الوقت المحدد، و يجوز أن يشترطا الخيار لكل منهما إلى مدة معينة كذلك و يمكن ان تكون المدة المشترطة لهما متساوية في المقدار و متفاوتة.

المسألة 42:

إذا تم عقد الكفالة و كانت حالة أو حل وقتها بعد أن كانت مؤجلة، جاز لصاحب الحق ان يطلب من الكفيل إحضار المكفول في الوقت المحدد، فإذا أحضره لديه و تمكن المكفول له منه تمكنا تاما برئت ذمة الكفيل من الكفالة، سواء استوفى المكفول له من الرجل حقه أم لا.

و إذا امتنع الكفيل من إحضار المكفول جاز لصاحب الحق أن يرفع الأمر إلى الحاكم الشرعي، فإذا رفع الأمر إليه حبس الحاكم الكفيل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 98

حتى يحضر المكفول، من غير فرق بين أن يكون الحق الذي عليه ماليا أم غيره، و هذا هو الحكم الذي دلت عليه نصوص المسألة.

و في القول المعروف بين الأصحاب قدس اللّه أرواحهم: أن الكفيل إذا امتنع عن إحضار المكفول جاز للمكفول له أن يحبسه عند الحاكم حتى يحضر المكفول أو يؤدي ما على المكفول من الحق.

و هو مشكل، فإن أدلة المسألة كما أشرنا إليه خالية عن هذا التخيير، و أداء ما على المكفول انما يمكن إذا كان الحق ماليا يمكن تسليمه كالدين و بدل الضمان للتلف و العيب، و لا يتم في مثل حق القصاص و في كفالة الزوجة الناشزة، و المرأة المدعى زوجيتها، و كفالة المدعى عليه في الدعوى، فلا بد

فيها من إحضار المكفول بنفسه.

نعم إذا كان الحق الذي على المكفول ماليا، و اداه الكفيل باختياره برئت ذمته من الكفالة بسبب ارتفاع موضوعها بأداء الحق الذي كفل من أجله، فيجب إطلاقه من الحبس.

المسألة 43:

إذا كان الشخص المكفول غائبا في موضع يمكن للكفيل الوصول اليه و إحضاره منه، اعطي من النظرة في الوقت ما يمكنه فيها أن يصل الى الموضع المعين، و أن يفحص عن الرجل إذا كان العثور عليه يحتاج الى الفحص، حتى يحضره، و إذا أمهل كذلك و انقضت المدة و لم يحضره، رفع المكفول له أمره الى الحاكم الشرعي فحبسه حتى يأتي بالمكفول.

و إذا انقطع خبر المكفول و لم يعلم موضعه و كان الظفر به مرجوا مع الفحص، ألزم الكفيل بإحضاره و حبس لذلك، و قد سبق الإشكال في إلزام الكفيل بأداء الحق الذي على المكفول، و إذا أدى باختياره ما على المكفول من الحق ليتخلص بذلك من الحبس جاز له ذلك، و كفى.

و كذلك الحكم إذا انقطع خبر المكفول، و لم يرج الظفر به، و كان عروض هذه الحال بعد الكفالة فلا تبطل الكفالة بذلك، و يلزم بإحضار الرجل و يحبس لذلك، أو يختار بنفسه أداء ما على المكفول من الحق ليتخلص من الحبس، و خصوصا إذا كان ذلك بتفريط الكفيل في أمره حتى غاب الرجل و انقطع خبره.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 99

و إذا أريد إنشاء الكفالة له ابتداء في مثل هذه الحال أشكل الحكم بصحتها.

المسألة 44:

إذا أدى الكفيل المال الذي على المكفول و كان اداؤه للمال بطلب من المكفول جاز للكفيل الرجوع بالمال عليه، و إذا أداه بغير طلب من المكفول، أشكل الحكم بجواز الرجوع عليه، و لا يترك الاحتياط بالمصالحة في ذلك.

المسألة 45:

إذا اشترط الكفيل أو المكفول له في العقد أن يكون إحضار المكفول في بلد معين، لزم العمل بالشرط، فلا يجب على الكفيل تسليمه في غير ذلك البلد، و لا يجب على المكفول له تسلمه من الكفيل إذا أحضره في غيره، و إذا أطلق العقد بينهما و لم يعينا موضعا للإحضار، فإن دلت القرائن على ارادة موضع خاص تعين ذلك، و من القرائن أن يوقعا عقد الكفالة في بلد المكفول له أو في موضع استقراره، فينصرف العقد الى لزوم التسليم في ذلك الموضع، و إذا لم يعينا موضعا و لم تدل القرائن على إرادة شي ء فالظاهر بطلان الكفالة.

المسألة 46:

يجب على الكفيل إحضار المكفول في الوقت المعين، و يلزمه ان يتخذ لذلك أي وسيلة يمكنه التوصل بها الى أداء الواجب إذا كانت الوسيلة مباحة غير محظورة في الإسلام و منها أن يستعين ببعض أهل النفوذ و السطوة إذا لم يكن في ذلك ظلم أو إضرار أو مفسدة.

المسألة 47:

إذا احتاج إحضار المكفول في موضع التسليم الى مؤنة فهي واجبة على المكفول، و إذا صرفها الكفيل و لم يقصد بها التبرع، و كان صرفها بطلب من المكفول، جاز له أن يرجع بها عليه، و كذلك إذا دلت القرائن على طلبه، و يشكل في غير ذلك.

المسألة 48:

إذا أحضر الكفيل الشخص المكفول و سلمه الى المكفول له تسليما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 100

تاما برئت ذمة الكفيل من الكفالة كما تقدم بيانه، و تبرأ ذمة الكفيل كذلك إذا حضر المكفول بنفسه و سلم نفسه لصاحب الحق في موعد الكفالة، و مثله ما إذا أخذه المكفول له حتى تمكن من استيفاء حقه منه أو من إحضاره في مجلس الشرع، إلا إذا علم من الشرط في عقد الكفالة أو من القرائن الحافة به ان المراد حضوره بتوسط الكفيل لغرض خاص من الأغراض، فلا يسقط الوجوب عن الكفيل حين ذاك إلا بإحضاره، و تبرأ ذمة الكفيل كذلك إذا أبرأ المكفول له ذمته من الكفالة و رفع يده عنها، و إذا أبرأ ذمة الشخص المكفول من الحق الواجب عليه فارتفع بذلك موجب الكفالة و سقطت بارتفاع موضوعها.

المسألة 49:

إذا مات الكفيل بطلت الكفالة بموته، فلا يجوز للمكفول له أن يطالب ورثته بإحضار المكفول، و كذلك إذا مات الشخص المكفول فتبطل الكفالة بموته، فلا يحق للمكفول له أن يطلب من الكفيل إحضار وارثه من بعده، و إذا مات المكفول له لم تبطل الكفالة بموته، فيجوز لوارثه أن يطالب الكفيل بإحضار المكفول إلا إذا كان الحق الذي لمورثهم مما لا ينتقل الى الوارث فتبطل فيه كفالة الكفيل.

المسألة 50:

إذا كان للرجل حق على رجل آخر من دين أو عين أو غير ذلك مما يصح تمليكه، فكفله الكفيل لإحضاره ليوفي الدين أو يسلمه العين، أو ليثبت الدعوى فيه، ثم نقل المكفول له حقه المذكور الى ملك رجل غيره، فباعه منه أو صالحه عليه أو وهبه إياه أو احاله عليه بطلت الكفالة.

المسألة 51:

إذا أخذ الدائن مدينة ليطالبه بحقه الثابت له فقهره رجل آخر أو أجبره أو احتال عليه حتى خلصه من يده، كان هذا الشخص بمنزلة الكفيل و كان ضامنا لإحضاره عند الدائن، و ليس للدائن أن يطالبه بأداء ما على المكفول من الدين، و إذا هو أدى ما على الرجل باختياره كفى و سقط عنه الضمان، و لا يسقط الضمان في غير الدين و شبهه من

كلمة التقوى، ج 6، ص: 101

الماليات كما في الكفالة، فيجب عليه إحضار الرجل المضمون و يجبره الحاكم الشرعي على ذلك.

المسألة 52:

إذا خلص القاتل من يد ولي دم المقتول، وجب عليه أن يحضره أو أن يدفع الدية باختياره إذا كان القتل مما فيه الدية، و إذا كان القتل عمدا ألزم بإحضاره، فإذا مات القاتل قبل أن يتمكن منه، وجب عليه أن يدفع الدية.

المسألة 53:

يكره للإنسان أن يكفل غيره، ففي الأحاديث الشريفة ما يحذر عن تعاطي ذلك و التعرض له و في بعضها ما يدل على ان الكفالة خسارة غرامة ندامة، و انها أهلكت القرون الأولى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 103

كتاب الوقف و توابعه

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 105

كتاب الوقف و توابعه و فيه ثمانية فصول

الفصل الأول في الوقف و شروطه
المسألة الأولى:

الوقف صدقة جارية باقية كما وصفته الأحاديث الكثيرة الواردة عن الرسول (ص) و عن أئمة الهدى المطهرين من آله، صلوات اللّه عليهم أجمعين، فعن الامام أبي عبد اللّه (ع): (ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال، صدقة أجراها في حياته، و هي تجري بعد موته، و سنة هدى سنها فهي يعمل بها بعد موته، و ولد صالح يدعو له).

و في الصحيح عن معاوية بن عمار: (قلت لأبي عبد اللّه (ع): ما يلحق الرجل بعد موته، قال: سنة يسنها يعمل بها بعد موته فيكون له مثل أجر من عمل بها من غير ان ينتقص من أجورهم شي ء، و الصدقة الجارية تجري من بعده، و الولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما و يحج و يتصدق و يعتق عنهما و يصلي و يصوم عنهما). و من ذلك و من أمثاله مما ورد فيه يعلم عظم أجره و كبير خطره في الإسلام.

المسألة الثانية:

الوقف هو أن يحبس الإنسان العين المملوكة له و يسبل منفعتها، و تحبيس العين: هو المنع من التصرف فيها على الوجه الذي يتصرف به في الأعيان المملوكة، فلا تباع و لا توهب و لا تورث و لا تنقل بأي ناقل شرعي و تبقى على وجهها الذي وقفت عليه مؤبدة محبوسة، و تسبيل المنفعة هي إباحة المنفعة التي قصدها الواقف من تلك العين، للموقوف عليهم أو في الجهة المعينة التي وقفت العين عليها أو لأجلها على المناهج التي يأتي بيانها في مواضعها ان شاء اللّه تعالى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 106

المسألة الثالثة:

لا بد في تحقق الوقف من الصيغة الدالة على إنشاء التحبيس المؤبد المذكور، يوقعها مالك العين أو من يفوض إليه أمرها، و مثال ذلك ان يقول المالك: وقفت هذه الدار المعينة أو هذه البناية المعينة لتكون مسجدا، أو يقول: وقفتها على أولادي، أو على الفقراء، أو وقفت هذه العمارة مدرسة لطلاب العلم أو رباطا يقيم فيه الفقراء، و يكفي أن يقول: تصدقت بها في هذا السبيل المعين صدقة مؤبدة لاتباع و لا تورث و لا توهب، أو جعلتها موقوفة.

و لا يشترط في الصحة أن يكون إنشاء الصيغة باللغة العربية أو بالفعل الماضي، بل يصح أن يكون الإنشاء بالفعل المضارع و بالجملة الاسمية، فيقول: ارضي المعينة موقوفة على الوجه المعين، و يصح إنشاؤها بأي لغة من اللغات التي يحسنها الواقف و يعبر فيها تعبيرا دالا على المقصود في عرف أهل تلك اللغة.

المسألة الرابعة:

لا تكفي كلمة حبست وحدها في الدلالة على معنى الوقف، و لا كلمة سبلت، حتى يضم الكلمة الثانية منهما إلى الأولى، و تتعلق كلمة حبست بالعين التي يريد المالك وقفها و تتعلق كلمة سبلت بالمنفعة الخاصة التي يقصد إباحتها في الوجه الخاص، فيقول: حبست داري المعينة و سبلت منفعتها لتكون مسجدا، أو يقول: حبست العمارة المعينة على أولادي و سبلت منفعتها لهم لتكون مسكنا لهم، أو لتؤجر و يصرف حاصلها في مصالحهم أو لغير ذلك من الوجوه التي يقصدها و يعينها.

المسألة الخامسة:

يشترط في وقف المسجد أن يقصد الواقف في وقفه أن تكون الأرض أو يكون البناء مع الأرض مسجدا، فيقول: وقفت هذا الموضع المعين مسجدا، أو وقفته ليكون مسجدا، و إذا قال: وقفت المكان على الصلاة أو على العبادة، أو على المصلين صح وقفه مصلى أو معبدا، و لم يصح مسجدا و لم تترتب عليه آثار المسجد و لا فضله و لا أحكامه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 107

المسألة السادسة:

تكفي المعاطاة في إنشاء الوقف لبعض الموقوفات، فإذا بنى الإنسان أرضه المملوكة أو المحجرة بقصد إنشاء المسجدية ثم أذن للناس في الصلاة في الموضع الذي بناه بهذا القصد و صلى فيه بعض الناس صح وقفه مسجدا و ترتبت عليه آثار المسجد و أحكامه.

و إذا بنى في الأرض بنائه بقصد وقفها مدرسة لطلاب العلم، أو رباطا يقيم فيه الفقراء أو ينزل فيه بعض ذوي الحاجة من المسافرين و غيرهم، ثم اذن بالسكنى فيه فسكن المدرسة بعض الطلاب و اقام في الرباط بعض الفقراء و ذوي الحاجة صح الوقف و تم.

و إذا حدد قطعة من أرضه المملوكة بقصد إنشاء وقفها مقبرة للمسلمين و اذن لهم بالدفن فيها ثم دفن فيها بعض الموتى، تم الوقف، و هكذا في وقف الطريق أو الشارع أو القنطرة، و وقف الفرش و الحصر و المصابيح و أجهزة الانارة و السقاية و التبريد و التدفئة في المشاهد و المساجد و المدارس و الحسينيات فإذا وضع الفراش أو الجهاز في الموضع بقصد إنشاء وقفه و قبضه المتولي أو استعمل في احتياجات المشهد أو المسجد أو الموضع المعين صح وقفها.

المسألة السابعة:

إذا كانت للرجل دار مملوكة أو موضع تام البناء و أراد وقفه مسجدا أو مدرسة أو رباطا أو حسينية، فلا يترك الاحتياط بإنشاء صيغة الوقف، و لا يكتفي بأن يصرف الناس في الصلاة في الموضع بقصد إنشاء وقفه مسجدا أو يصرف الطلاب في السكنى فيه بقصد وقفه مدرسة أو رباطا.

و كذلك إذا كانت له دار مملوكة أو بستان مملوك و أراد أن يجعلها وقفا على ذريته أو لبعض ذوي الحاجات أو على بعض القربات، فلا يترك الاحتياط في إنشاء الصيغة و لا يكتفي بالمعاطاة بقصد

إنشاء الوقف المعين.

المسألة الثامنة:

يصح التوكيل في إجراء الوقف سواء كان ذلك بإنشاء الصيغة أم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 108

كان إنشاؤه بالفعل و المعاطاة على النهج الذي سبق بيانه، و يشكل جريان الفضولية فيه، فلا بد من الاحتياط بتركه فإذا وقف الرجل مال غيره فضولا و أراد المالك إنفاذ الوقف، فلا بد له من تجديد صيغة الوقف من المالك أو وكيله، و لا يكتفي بإجازة الصيغة التي أوقعها الفضولي على المال.

المسألة التاسعة:

إذا أنشأ المالك أو الوكيل عنه الإيجاب في الوقف على الوجه الصحيح أو أنشأه بالمعاطاة على الوجه المطلوب، صح الوقف و نفذ و لا يحتاج بعده الى القبول على الأقوى سواء كان الوقف بنفسه من الجهات العامة كالمساجد و الربط و المقابر و الشوارع و القناطر، أم كان وقفا على عناوين عامة كالوقف على الفقراء و على ذرية الرسول (ص) أو على الفقهاء أم كان وقفا خاصا كالوقف على الذرية أو على زيد و ذريته، فلا يعتبر القبول في جميع أقسام الوقف، و الأحوط استحبابا اعتبار ذلك و خصوصا في الوقف الخاص.

المسألة العاشرة:

لا يشترط في صحة الوقف أن يقصد الواقف فيه التقرب الى اللّه، من غير فرق بين الأوقاف العامة و الخاصة.

المسألة 11:

يشترط في صحة الوقف أن يقبض الموقوف عليه العين الموقوفة، فلا يصح الوقف إذا لم يحصل القبض، و إذا مات الواقف قبل القبض بطل الوقف و عادت العين ميراثا لورثة الواقف، و إذا وقف الدار على زيد و ذريته و مات زيد قبل أن يقبض الدار بطل الوقف في حصة زيد و عادت الحصة ملكا للواقف، و إذا لم يحصل القبض من زيد و لا من ذريته بطل في الجميع و عاد ملكا للواقف.

و لا يعتبر في القبض ان يقع فورا، فإذا وقف العين و حصل القبض بعد مدة صح الوقف و نفذ، و نتيجة لذلك فإذا وقف العين على زيد و ذريته و لم يقبض زيد حتى مات، ثم قبض ذريته العين بعد مدة بطل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 109

الوقف في حصة زيد، و صح في حصة ذريته إذا كانوا موجودين حين إنشاء الوقف.

المسألة 12:

القبض هو استيلاء القابض على العين الموقوفة و وضع يده عليها، سواء كان المقبوض من المنقولات أم من غيرها، و يراجع في تفصيل ذلك ما ذكرناه في المسألة المائتين و الخامسة و الثمانين من كتاب التجارة.

المسألة 13:

يعتبر- على الأحوط لزوما- أن يكون القبض باذن الواقف، فلا يتحقق الشرط المعتبر في الوقف إذا قبض العين الموقوفة بغير إذنه، فالأحوط تجديد القبض بعد الاذن، و إذا كانت العين وديعة أو عارية بيد الشخص ثم وقفها المالك عليه و هي بيده، فان دلت القرائن على رضى الواقف بالقبض الموجود و اعتباره قبضا للوقف، صح و لم يحتج الى قبض جديد، و ان لم تدل القرائن على شي ء فالأحوط تجديد الاذن و مضي زمان بعد ذلك و هي في يد الموقوف عليه ليتحقق شرط الوقف.

المسألة 14:

إذا وقف الأب بعض أملاكه على أولاده غير البالغين، كان قبض الأب قبضا لهم بالولاية عليهم، و يتعين عليه أن يقصد بقبضه بعد الوقف القبض عنهم على الأظهر، و لا يكتفي بمجرد استمرار قبضه من غير أن يقصد ذلك، و كذلك الحكم في الجد أبى الأب إذا وقف بعض الأشياء على أولاد ولده، و كانوا صغارا، و في كل ولي إذا وقف بعض ما يملكه على من ولي أمره، فلا بد من قصد القبض عن المولى عليه بحسب الولاية.

المسألة 15:

إذا كان الوقف على اشخاص معينين، اشترط في صحة الوقف قبض الموقوف عليهم و مثال ذلك أن يقف دارا أو بستانا على أولاده أو على ذريته أو يوقفهما على زيد و ذريته، فلا بد من قبض الموقوف عليهم إذا كانوا بالغين، و إذا كانوا قاصرين أو كان بعضهم قاصرا قبض عن القاصر منهم وليه الشرعي.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 110

و يكفي قبض الطبقة الأولى من الموقوف عليهم عن بقية الطبقات اللاحقة، فلا يشترط في صحة الوقف قبض الطبقات المتأخرة إذا حصل القبض من الطبقة الأولى، و إذا كان بعض الطبقة الأولى موجودا كفى قبضه عن البعض الآخر الذي يوجد بعد ذلك منها و لا تتوقف صحة الوقف على قبضه حين يوجد، و مثال ذلك أن يقف الدار على أولاده ثم على أولاد أولاده، فإذا كان الموجودون من الأولاد أربعة و قبضوا العين الموقوفة صح الوقف بقبضهم و نفذ، فإذا ولد له ولد خامس أو أكثر شملهم الوقف و لم يحتج الى قبضهم كما لا يحتاج الى قبض أولاد الأولاد و من بعدهم كما ذكرنا، فقد كفى عنهم قبض الموجودين من الطبقة الأولى. و إذا وقف الشي ء

على ولده الكبار و قبض بعضهم و لم يقبض الباقي، صح الوقف في حصة من قبض و لم يصح في حصص من لم يقبض كما تقدم، و إذا قبض الباقون بعد ذلك صح الوقف في حصصهم أيضا إذا كان قبضهم قبل موت الواقف، و كذلك الحكم إذا قبض الجميع، و كان قبض بعضهم باذن الواقف و قبض الآخرين بغير اذنه فلا يصح الوقف في حصص من قبض بغير إذن، إلا إذا قبضوا بعد ذلك مع الاذن من الواقف و كان قبضهم في حياته.

المسألة 16:

إذا كان الوقف على عنوان من العناوين العامة كما إذا وقف الرجل بستانه أو عمارته على العلماء أو على طلاب العلم أو على ذرية الرسول (ص) أو على الفقراء، فان كان الواقف قد جعل على الوقف متوليا خاصا، اشترط في صحة الوقف قبض المتولي لتلك العين الموقوفة، و ان لم يعين أحدا، قبضها الحاكم الشرعي.

و كذلك الحكم إذا كان الوقف على الجهات و المصالح العامة، كوقف المساجد و المدارس و القناطر و المقابر و الشوارع و ما يشبه ذلك، فيقبضه المتولي المنصوب من الواقف و إذا لم يجعل الواقف له قيما قبضه الحاكم الشرعي.

المسألة 17:

إذا كان الوقف على عنوان من العناوين العامة فالظاهر أنه يكفي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 111

في صحة الوقف قبض بعض مستحقي الوقف ممن ينطبق عليه العنوان الموقوف عليه، فإذا كان وقف الدار على العلماء و قبضها بعض العلماء ليسكنها، أو كان وقف البستان على ذرية الرسول (ص) و قبضه بعض الذرية ليستوفي منه ما يستحق صح القبض و تحقق شرط الوقف، و هكذا في وقف العين على الفقراء و الطلاب، و لا بد من أن يقبض المستحق العين الموقوفة ليستوفي منها الحق، و لا يكفي أن يقبض المستحق بعض حاصل العين الموقوفة و فوائدها ليصرفه في حاجاته من غير أن يقبض العين نفسها.

المسألة 18:

يكفي في قبض المسجد بعد وقفه أن يصلي فيه أحد المؤمنين بإذن الواقف بقصد أنها صلاة في المسجد، و يكفي في قبض المقبرة بعد وقفها أن يدفن فيها ميت واحد باذن الواقف بقصد انه دفن في مقبرة، و يكفي في قبض الحسينية بعد وقفها أن يقام العزاء فيها للأئمة (ع) باذن الواقف، بقصد أنه أقامه عزائهم (ع) في حسينية، و هكذا.

المسألة 19:

إذا كان الوقف على بعض الجهات العامة أو على بعض العناوين العامة و جعل الواقف نفسه متوليا على الوقف كفى في صحة الوقف أن يقبض الوقف بنفسه من حيث انه ولي على الوقف المعين، و لا يكفي مجرد القبض إذا لم يقصد به الحيثية المذكورة.

المسألة 20:

ينفرد وقف المسجد عما سواه من أقسام الوقف الآتي بيانها، بأن وقف المسجد لا يكون له موقوف عليه، و لا تلاحظ فيه منفعة خاصة تصرف أو تملك لموقوف عليه عام أو خاص، و انما يلاحظ في تحبيس أصله و تسبيل منافعه مجرد أن يكون الموضع مسجدا و أن يبقى كذلك ما دامت الأرض و ما دامت العين، و قد أشرنا الى هذا في ما تقدم، و ذكرنا أن الواقف إذا لاحظ منفعة معينة، فوقف المكان أو البناية على أن تقام فيها الصلاة أو على العبادة أو على الذكر و الدعاء، لم يكن

كلمة التقوى، ج 6، ص: 112

مسجدا و لم تترتب عليه أحكامه بل يكون مصلى أو معبدا أو موضعا للذكر و الدعاء حسب ما قصده الواقف.

المسألة 21:

قد يلاحظ الواقف أشخاصا أو عنوانا عاما ينطبق على أفراد كثيرين، فيجعل العين موقوفة عليهم، و مثال الأول أن يقف الأرض أو الدار المعينة موقوفة على أولاده ثم على أولادهم، و أولاد أولادهم طبقة بعد طبقة، و مثال الثاني ان يقف الأرض أو الدار موقوفة على العلماء أو على الطلاب أو على المحتاجين من ذرية الرسول (ص)، و يعين في وقفه أن تكون منافع الأرض أو الدار الموقوفة ملكا تاما للموقوف عليهم، الخاصين أو العامين على النحو الذي يحدده في وقفه، فتكون الثمار و الفوائد ملكا طلقا للموقوف عليهم كما جعل فيجوز لهم التصرف فيها كما يتصرفون في أملاكهم الأخرى بالبيع و الشراء و الهبة، و سائر المعاوضات و التصرفات، و تترتب عليها أحكام الأملاك و الفوائد من وجوب الزكاة و الخمس إذا توفرت شروطهما و من ضمان إذا أتلفها متلف أو غصبها غاصب أو أحدث فيها محدث

عيبا أو نقصا. و إذا مات الموقوف عليه بعد أن ملك حصته من المنفعة ملكها وارثه من بعده، و هذا هو القسم الثاني من أقسام الوقف.

المسألة 22:

و قد يحدد الواقف في وقفه أن تصرف منافع العين الموقوفة على الموقوف عليهم في الوفاء بحاجاتهم و مطاليب حياتهم و معيشتهم و تدبير أمورهم من غير أن يملكوا من المنافع شيئا، و لازم ذلك أن لا تترتب آثار الملك على المنافع التي تصل إليهم من هذا الوقف، فلا تصح لأحدهم المعاوضة على حصته من المنافع ببيع أو هبة أو غيرها و لا تجب عليه الزكاة إذا بلغت حصته منها نصابا زكويا، و لا يرث الوارث ما يتركه الموقوف عليه من الحصة إذا مات قبل أن يصرفه في حياته، و إذا أتلفها أحد في حياته أو غصبها كان المتلف و الغاصب ضامنا لها، و هذا هو القسم الثالث من أقسام الوقف.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 113

المسألة 23:

إذا عين الواقف في وقفه أن تصرف منافع العين الموقوفة في شؤون الموقوف عليهم و معيشتهم من غير تمليك كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، فقد يشترط في وقفه أن تصرف المنفعة بعينها على الموقوف عليهم لا بأثمانها و أعواضها، و مثال ذلك أن يقف على أولاده نخيلا أو شجرا ليأكلوا تمر النخيل و ثمر الشجر، و يتعين على متولي الوقف في هذا الفرض أن يصرف الثمرة بعينها على الموقوف عليهم، فيعطي كل فرد منهم حصته من تمر النخيل أو من ثمر الشجر نفسه، و لا يصح له أن يبيع الثمرة و يقسم بينهم أعواضها و قد يجيز الواقف في وقفه للولي أن يبدل المنفعة الموقوفة بشي ء آخر و يقسمه عليهم لينتفعوا به، فيصح للولي ذلك، و إذا أبدلها الولي، أو قسم المنفعة نفسها بينهم و أعطى كل واحد منهم حصته ليصرفها على نفسه لم يجز له المعاوضة على حصته

المدفوعة إليه كما تقدم، و قد عرفت ان المنفعة إذا جعلت كذلك فهي مضمونة إذا غصبت أو أتلفت.

المسألة 24:

قد ينظر الواقف في وقفه أن يستوفي الموقوف عليهم منفعة العين الموقوفة بأنفسهم فيقف كتب العلم مثلا ليقرأ فيها طلاب العلم و ينتفعوا بقراءتها بأنفسهم، و يقف المدرسة ليسكنها الطلاب و أهل العلم و ينتفعوا بالسكنى فيها بأنفسهم، و كذلك في وقفه خانات المسافرين، و الرباطات للفقراء و القناطر و الشوارع للعابرين.

و من الواضح أن منافع هذه الموقوفات لا يملكها الموقوف عليهم فلا يحل لهم المعاوضة عليها و لا يرثها الوارث من بعدهم كما لا تحل المعاوضة عليها من ولي الوقف، و يشكل الحكم بضمانها إذا غصبت أو أتلفت، و هذا هو القسم الرابع من أقسام الوقف.

المسألة 25:

يشترط في صحة الوقف الدوام، و المراد بالدوام أن لا يوقت الواقف وقفه بمدة، فإذا قال: وقفت هذه الدار على الفقراء أو على أولادي مدة عشر سنين أو مدة عشرين سنة، و قصد بذلك إنشاء الوقف كان باطلا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 114

و الفروض المحتملة في هذه الصيغة ثلاثة:

الأول: أن يقصد الموجب بهذه الصيغة إنشاء وقف الدار في المدة المحدودة، و لا ريب في بطلانه، فلا يصح وقفا للدار، لعدم الدوام فيه، و لا يصح تحبيسا لها في المدة المعينة لأن الموجب لم يقصد الحبس و انما قصد الوقف.

الفرض الثاني: أن يقصد بهذه الصيغة إنشاء تحبيس الدار على الفقراء أو على أولاده في المدة المذكورة، و الظاهر صحته حبسا كما قصد فإن الصيغة التي اتى بها كافية في إنشاء ذلك مع وجود القصد اليه، و لا يكون وقفا لعدم قصده، و لعدم الدوام فيه.

الفرض الثالث: ان لا يعلم أن الموجب قصد بالصيغة إنشاء الوقف أو قصد التحبيس و الظاهر صحته حبسا كما هو ظاهر الصيغة و لا يبعد

أن ذلك هو مقتضى صحيحة محمد بن الحسن الصفار.

المسألة 26:

إذا وقف الواقف العين على من ينقرض بحسب العادة، و مثال ذلك:

أن يقف الدار أو الأرض على زيد و الطبقة الأولى من أولاده، فالظاهر صحة الوقف، فإذا انقرض زيد و أولاده رجع الوقف الى ملك الواقف إذا كان موجودا، و رجع الى ورثته إذا كان ميتا.

و كذلك الحكم إذا وقف العين على زيد و أولاده، فإذا هم انقرضوا فهي وقف على الكنائس أو هي وقف على طبع كتب الضلال، فان الوقف على الكنائس أو على طبع كتب الضلال باطل بحكم الإسلام، فيكون الفرض المذكور من الوقف المنقطع الآخر، فإذا انقرض زيد و أولاده عاد الوقف ملكا للواقف و لورثته من بعده.

المسألة 27:

و مثله في الحكم ما إذا وقف الإنسان العين على من لا ينقرض في الغالب ثم اتفق انهم انقرضوا و مثال ذلك أن يقف الأرض على زيد و على ذريته من بعده طبقة بعد طبقة، و اتفق أن جميعهم انقرضوا فان العين الموقوفة بعد انقراضهم ترجع ملكا لواقفها، و إذا كان ميتا رجعت لورثته.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 115

و إذا علم ان الواقف قد وقف الأرض صدقة مؤبدة على الفقراء مثلا أو في وجوه الخير، و انه انما جعله لزيد و ذريته من بعده لأنهم من وجوه الخير، لم يبطل الوقف بانقراض زيد و ذريته، بل يبقى وقفا على الجهة التي قصدها الواقف.

المسألة 28:

إذا انقرض الموقوف عليهم في الفروض الآنف ذكرها و كان الواقف ميتا رجع الوقف إلى ورثة الواقف حين موته على الأقوى، لا الى ورثته حين انقراض الموقوف عليهم، فإذا كان للواقف عند موته ثلاثة أولاد، قسمت العين عليهم على حسب سهامهم في المواريث، للذكر مثل حظ الأنثيين، و إذا مات بعضهم انتقل نصيبه الى ورثته كذلك، فيشاركون اعمامهم في الميراث من عين الوقف، و ينتقل نصيب الولد الذكر منهم الى وارثه و ان كان بنتا، و ينتقل نصيب الأنثى منهم الى وارثها و ان كان عدة أولاد.

المسألة 29:

قد يكون الوقف الذي يقفه الرجل منقطع الأول، و من أمثلة ذلك:

أن يقف الرجل العين أولا على جهة لا يصح الوقف عليها في الإسلام، كالعبادات المبتدعة، و هياكل الأديان الباطلة، و نشر كتب الضلال، ثم من بعدها على جهات صحيحة كالفقراء و المحتاجين، و لا ريب في بطلانه في الأول، و لا يترك الاحتياط بأن يجدد صيغة الوقف بعد انقراض الأول أو إنشاء الوقف بالمعاطاة، و قد يكون الوقف منقطع الوسط و من أمثلته أن يقف الرجل العين على زيد، ثم من بعده على جهة غير صحيحة ثم على الفقراء، فيصح الوقف في الأول، و يبطل في الوسط، و يكون بالنسبة إلى الأخير كالمنقطع الأول فلا يترك الاحتياط بتجديد صيغة الوقف بعد انقراض الوسط.

المسألة 30:

إذا وقف الإنسان داره أو أرضه على بعض الأشخاص أو على بعض الجهات، و اشترط في وقفه أن تعود العين ملكا له إذا هو احتاج إليها، صح الوقف و الشرط، فتكون العين وقفا على الجهة المعينة ما دام الواقف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 116

غنيا عن العين الموقوفة غير محتاج إليها، فإذا احتاج إليها انقطع وقفها و رجعت ملكا له و تكون من الوقف المنقطع الآخر، فتدخل في ملكه، و إذا مات بعد ذلك كانت ميراثا لوارثه، و إذا لم يحتج فالعين باقية على وقفها و لا تعود الى الواقف و لا الى وارثه من بعده.

المسألة 31:

يشترط في صحة الوقف أن يقفه الواقف منجزا، فلا يصح إذا علقه في الصيغة على حصول شي ء في المستقبل، سواء كان الشي ء الذي علق الوقف عليه مما يعلم بحصوله في الآتي، و مثال ذلك: ان يقول: وقفت داري على الفقراء إذا هل هلال شهر رمضان، أم كان الشي ء الذي علقه عليه مما يحتمل حصوله و يحتمل عدم حصوله في المستقبل، و مثال ذلك:

أن يقول: وقفت الدار على الفقراء إذا ولدت لي زوجتي ولدا ذكرا، فلا يصح الوقف في الصورتين، للتعليق و لأنه وقف منقطع الأول.

و كذلك إذا علق الوقف على أمر حالي يجهل الواقف تحققه و عدم تحققه بالفعل، و كان الأمر المذكور مما لا تتوقف عليه صحة الوقف، و مثال ذلك أن يقول: وقفت داري على الفقراء إذا كان هذا اليوم هو يوم الجمعة أو إذا كان اليوم أول الشهر، و كان الواقف لا يعلم بذلك، فيكون الوقف باطلا على الأحوط لزوما، بل لعله الأقوى أيضا.

و إذا علق الوقف على حصول أمر حالي و هو يعلم بحصوله، فالظاهر

صحة الوقف، و مثال ذلك ان يقول: وقفت داري إذا كان هذا اليوم يوم الجمعة و هو يعلم بتحقق ذلك، و مثله ما إذا علقه على حصول أمر في الحال، يجهل حصوله و عدم حصوله و كان الشي ء مما تتوقف صحة الوقف عليه، و مثال ذلك أن يقول: وقفت داري على الفقراء إذا كانت الدار ملكا لي و هو يجهل ذلك، فالظاهر صحة الوقف إذا علم بعد ذلك أو ثبت بالبينة أو غيرها ان الدار ملك له.

المسألة 32:

إذا قال الرجل: داري المعينة وقف بعد وفاتي على الفقراء، فالظاهر من هذه العبارة أنها صيغة لإنشاء وقف معلق على الموت، فيكون وقفا باطلا، إلا إذا دلت القرائن و فهم منها أن القائل أراد الوصية بأن توقف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 117

الدار بعد موته، فيجب على الورثة العمل بوصيته، مع مراعاة شروط الوصية و أحكامها فإذا كانت الدار بمقدار الثلث أو أقل منه، وجب على الورثة إنفاذ الوصية، و إذا كانت أكثر من الثلث، وجب عليهم أن يقفوا مقدار ثلث التركة من الدار و لم يجب عليهم وقف الزائد إلا إذا أجازوا ذلك.

المسألة 33:

يشترط في صحة الوقف أن يخرج الواقف نفسه عن الوقف، فلا يصح أن يقف الشي ء على نفسه، و إذا وقف الشي ء على نفسه و على غيره، و علم من الصيغة انه يريد الوقف على وجه التشريك بطل الوقف في حصته، و صح في حصة شريكه، و يعلم مقدار الحصة بالقرائن الدالة عليه، فإذا قال: وقفت الدار على نفسي و على زيد، فالظاهر من هذا القول انه يريد التنصيف، فيصح الوقف في نصف زيد و يبطل في نصف الواقف، و إذا قال: داري وقف علي و على زيد و عمرو معي، فالظاهر منه انه يريد المثالثة فيبطل في ثلثه، و يصح في الباقي.

و إذا قال: وقفت الدار على نفسي ثم على زيد بعدي أو قال: ثم على ذريتي من بعدي، فالظاهر من هذا القول انه أراد الترتيب، فيبطل الوقف في حصته، و يكون الوقف منقطع الأول و قد تقدم ذكر حكمه في المسألة التاسعة و العشرين، و إذا قال: وقفت الدار على أخي الكبير، ثم من بعده على نفسي، صح الوقف في

حصة أخيه و بطل في حصة نفسه، و كان الوقف منقطع الأخير، و قد تقدم بيان حكمه في المسألة السادسة و العشرين، و إذا قال: هي وقف على أخي فلان ثم من بعده على نفسي، ثم من بعدي على ذريتي، كان الوقف منقطع الوسط و قد سبق حكمه في المسألة التاسعة و العشرين.

المسألة 34:

إذا وقف الإنسان داره على أولاده أو على اخوانه و ذريتهم، و اشترط في صيغة الوقف على الموقوف عليهم أن يوفوا عنه ديونه، أو يؤدوا عنه ما وجب عليه من زكاة و خمس و حقوق شرعية أخرى، فإن كان المقصود من الوقف و الشرط: ان الموقوف عليهم قد ملكوا منافع الوقف كلها،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 118

و ان الواقف يشترط عليهم أن يؤدوا عنه ديونه أو يوفوا عنه ما عليه من واجبات مالية من تلك المنافع التي ملكوها بالوقف، أو يشترط عليهم أن يؤدوا ذلك عنه من أموالهم الخاصة، فالظاهر صحة الوقف و صحة الشرط، فيجب عليهم الوفاء بالشرط، و لا يكون ذلك من الوقف على نفسه.

و ان كان المقصود من الوقف و الشرط أن يكون بعض منافع الوقف للواقف نفسه لوفاء ديونه و الواجبات التي عليه كان الوقف باطلا لأنه يكون من الوقف على نفسه.

و كذلك التفصيل و الحكم إذا شرط على الموقوف عليهم ان يقوموا بمؤنته مدة معينة أو مدة حياته كلها، أو يقوموا بمئونة عياله و أضيافه أو بنفقة زوجته و نحو ذلك من سائر شؤونه، فيصح الوقف و الشرط إذا كان من الصورة الأولى و يبطل إذا كان من الصورة الثانية.

المسألة 35:

أجاز بعض الفقهاء قدس سرهم للرجل أن يقف شيئا مما يملكه لتنفق منافعه بعد الموت في وفاء ديونه و أداء الواجبات المالية التي عليه من زكاة و خمس و كفارات و نحو ذلك، و هذا الحكم مشكل، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه، و كذلك الإشكال في أن يقف عينا على قضاء ما عليه من العبادات بعد وفاته فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه.

المسألة 36:

إذا أراد الإنسان أن يستوفي بعض المنافع من العين التي يريد وقفها، و أراد أن يتخلص من اشكال الوقف على نفسه، فقد ذكر بعض الأكابر من الفقهاء قدس سرهم وجوها لذلك.

أحدها: أن يؤجر الإنسان الدار أو العين على غيره مدة معينة بمبلغ معين، و يشترط لنفسه خيار فسخ الإجارة، ثم ينشئ وقف العين على الجهة التي يقصدها، فيثبت بذلك وقفها مسلوبة المنفعة في مدة الإجارة، فإذا تم وقف العين و قبضها، فسخ الواقف عقد الإجارة بالخيار أو بالتقايل بينه و بين المستأجر، فتعود منفعة العين في مدة الإجارة بعد فسخها الى ملك الواقف، فيجوز له أن يستوفي المنفعة في تلك المدة حتى تنقضي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 119

لأن المنفعة ملكه و ان كانت العين موقوفة، فإذا انقضت المدة كانت المنفعة التي تتجدد بعدها الى الموقوف عليهم.

هكذا أفاد، و هو ممنوع، فإن منفعة العين بعد فسخ الإجارة تتبع العين، فتكون للموقوف عليه لا للواقف، و قد ذكرنا هذا في كتاب الإجارة في المسألة الثامنة و الأربعين، و ذكرنا: ان المالك إذا آجر العين مدة معلومة ثم باعها انتقلت العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدة الإجارة، فإذا فسخت الإجارة بخيار أو بإقالة تبعت المنفعة العين، فتكون للمشتري و لا حق فيها للبائع، و

هذا بنفسه هو الحكم في المقام، فلا يكون في المنفعة حق للواقف.

المسألة 37:

الوجه الثاني: أن يقف الواقف العين على الجهة التي أراد الوقف عليها، و يشترط في صيغة الوقف أن تبقى منافع العين على ملكه مدة معينة، أو مدة حياته، فتكون المنافع ملكا له عملا بشرطه، فله أن يتصرف فيها كما يريد، و هو مشكل، فمن المحتمل أن يرجع اشتراط ذلك في صيغة الوقف الى الوقف على نفسه، و قد تقدم منعه.

نعم، يصح ذلك على الظاهر إذا كان بنحو الاستثناء، لا بنحو الشرط، فيقف الواقف العين على الجهة المقصودة له، و يستثني من منافعها، منفعتها في المدة المعينة بحيث تكون غير داخلة في الوقف و لا مشمولة للصيغة و تبقى على ملك الواقف قبل إيقاع الوقف على العين و خاصة به و لذلك فيصح له التصرف فيها.

المسألة 38:

الوجه الثالث: أن يملك الإنسان داره أو عينه التي يرغب في وقفها لشخص غيره بهبة أو صلح أو غيرهما. و يقفها الشخص الآخر الذي ملكها على الوجه الذي يريد المالك الأول، فيشترط هذا الواقف الأجنبي في صيغة الوقف ان توفي من منافع العين ديون المالك الأول، أو تؤدى منها ما عليه من واجبات مالية أو يعطى منها ما يقوم بمئونته مدة حياته أو غير ذلك من الانتفاع، و هو وجه صحيح لا اشكال فيه إذا كان التمليك لذلك الشخص صحيحا لا صوريا، و كان وقفه للعين بعد ما ملكها حقيقيا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 120

كذلك فيشترط فيه ما يريد و لا يكون من شرطه لنفسه.

المسألة 39:

يجوز للرجل ان ينتفع بما وقفه من الأعيان على الجهات و المصالح العامة، فيصلي في المسجد الذي وقفه، و يتوضأ و يغتسل و يستقي من المطهرات و الآبار و العيون التي وقفها، و يمر و يعبر في الشوارع و القناطر التي وقفها، و يسكن في المدرسة التي وقفها إذا كان من الطلاب الذين وقفت المدرسة ليسكنوها و يطلبوا العلم فيها، و ينزل الخان الذي وقفه لاستراحة المسافرين و الغرباء و الحجاج و الزوار فيه إذا كان منهم، و يقرأ في كتب العلم و في كتب الأدعية و الزيارات التي وقفها للقراءة و الإفادة منها، و لا يمنع من ذلك أن يكون هو الواقف لهذه الأشياء على جهاتها المعينة.

المسألة 40:

إذا وقف الرجل أرضا أو بستانا أو بنائه على العلماء أو على الطلاب أو على ذرية الرسول (ص) أو على الفقراء أو شبه ذلك من العناوين العامة، و كان الواقف ممن يندرج في العنوان الموقوف عليه، و كان المقصود من الوقف ان توزع منفعة العين الموقوفة على الأفراد، فتكون لكل فرد منهم حصة من المنفعة، لم يجز للواقف أن يأخذ حصة منها، و لم يجز له أن يقصد في أصل الوقف دخول نفسه في الموقوف عليهم.

و كذلك الحكم- على الأحوط- إذا كان المقصود من الوقف أن تكون الأفراد الموقوف عليهم مصارف للمنفعة و ان لم توزع عليهم، فلا يأخذ منها شيئا، بل الأحوط ان يقصد خروج نفسه، و إذا هو قصد خروج نفسه لم يجز له الأخذ من المنفعة قطعا.

المسألة 41:

إذا وقف الرجل العين و كملت شروط الوقف، نفذ و كان لازما، فلا يصح للواقف ان يفسخه أو يرجع فيه، و ان رضي الموقوف عليهم و اتفقوا على ذلك، و إذا أوقع الواقف الوقف و هو في مرض الموت نفذ من أصل التركة و لم يتوقف على اجازة الورثة فليس لهم رده و لا الخيار فيه و ان زاد على ثلث التركة و سيأتي بيان هذا في منجزات المريض.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 121

الفصل الثاني في الواقف و ولي الوقف
المسألة 42:

يشترط في الواقف أن تجتمع فيه جميع الشروط التي اعتبرها الشارع في صحة التصرف المالي، و قد تكرر ذكرها في أكثر المعاملات المتقدمة، فلا بد فيه من البلوغ، فلا يصح الوقف من الصبي غير البالغ على تأمل في من بلغ عشر سنين و هو عاقل مميز، و لكن الأحوط اشتراط البلوغ فيه أيضا و ان كان وقفه بإذن الولي، فلا يترك الاحتياط فيه.

و لا بد فيه من العقل، و لا بد فيه من الاختيار فلا يصح وقفه إذا كان مكرها، و لا بد من أن يكون قاصدا فلا يكون هازلا في قوله أو ساهيا أو ناسيا، و لا بد فيه من ان يكون غير محجور عليه لسفه أو فلس أو رق

المسألة 43:

سيأتي في كتاب الوصية (ان شاء اللّه تعالى): أن الأقوى صحة الوصية من الصبي إذا بلغ عشر سنين و هو عاقل مميز و كانت وصيته في وجوه الخير و المعروف، سواء كانت لأرحامه أو لغيرهم، فإذا أوصى و هو ابن عشر سنين كذلك بوقف بعض ما يملكه على الجهات المذكورة وجب على الوصي إنفاذ وصيته، فيجب عليه وقف العين التي أوصى بوقفها على الجهة التي عينها، و يكون الوقف نافذا.

المسألة 44:

لا يشترط في صحة الوقف أن يكون الواقف مسلما، فيصح وقفه إذا كان كافرا على الأقوى.

المسألة 45:

يصح للواقف أن يجعل الولاية على الوقف لنفسه خاصة ما دام حيا أو في مدة معينة، و يجوز له أن يجعلها لشخص آخر ما دام ذلك الشخص حيا أو في مدة معينة، و يجوز له أن يجعل الولاية لنفسه و لغيره على سبيل الاشتراك بينهما على النحو الذي يأتي بيانه، و يجوز له أن يجعل الولاية

كلمة التقوى، ج 6، ص: 122

لشخصين غيره أو أكثر على نحو الانضمام أو الاستقلال، فيجوز له جميع ذلك و إذا جعل شيئا منه نفذ و وجب العمل به.

و يجوز له أن يجعل الأمر في تعيين الولي بيد زيد مثلا، فأي شخص يعينه زيد يكون هو المتولي و ان لم يكن زيد نفسه وليا للوقف، و يجوز له أن يجعل الولاية لزيد و يجعل له كذلك أمر تعيين الولي من بعده، ثم يعين هذا الولي المجعول من زيد بعده من يشاء و هكذا.

و يجوز للواقف أن يجعل على ولي الوقف ناظرا يشرف على تصرفاته و أعماله في العين الموقوفة، أو يجعل ناظرا يرجع إليه الولي في النظر قبل التصرف و العمل، فإذا عين الواقف شيئا من الأمور المتقدمة لزم العمل حسب ما عين و حدد.

المسألة 46:

انما ينفذ قول الواقف و تعيينه و اشتراطه في الوقف و في الولاية على الوقف و النظارة على الولي إذا كان القول أو التعيين أو الاشتراط في نفس إيقاع الوقف و في ضمن صيغته و متعلقاتها فإذا تم الإيقاع فليس للواقف أن يلحق به أمرا أو يحدد شيئا أو يعين له وليا أو ناظرا بعد ذلك و ليس له أن يعزل وليا أو ناظرا، و يكون شأنه شأن الأجنبي في ذلك، إلا إذا شرط لنفسه

في ضمن إيقاع الوقف أن يكون له الحق في تعيين ولي أو ناظر أو في عزله، فإذا اشترط ذلك صح شرطه و نفذ، و يجري ذلك حتى في ولايته نفسه على الوقف أو نظارته إذا جعلهما في الوقف، فليس له أن يعتزل إلا إذا شرط لنفسه ذلك في إيقاع الوقف، فيجوز له أن يعتزل، و كذلك إذا شرط ذلك لغيره، فعزله الشخص المشروط له.

المسألة 47:

يجوز للواقف أن يجعل لنفسه الولاية على الوقف أو النظارة عليه و تثبت بذلك ولايته و نظارته و ان لم يكن عدلا، و لا يشترط في غير الواقف إذا أراد أن يجعله وليا أو ناظرا على الوقف ان يكون عدلا، و يعتبر فيه على الأحوط الامانة و الكفاءة لما يعينه له، فلا يصح له أن يعين لذلك خائنا لا يوثق به أو من لا كفاءة له، و خصوصا إذا كان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 123

الوقف على المصالح و الجهات المهمة العامة و كانت الولاية على أمور بالغة الاهتمام في تدبير أمر الوقف كإجارة و ادارة و تقسيم و صرف في أمور مختلفة.

المسألة 48:

إذا علمت الخيانة من الولي أو النظير على الوقف، جعل الحاكم الشرعي معه من يمنعه عن الخيانة فان لم يمكن ذلك أو لم يجد نفعا عزله الحاكم الشرعي عن الولاية أو النظارة، و ليس للواقف نفسه ان يعزله و يعين غيره الا إذا اشترط لنفسه الحق في ذلك كما ذكرنا قريبا.

المسألة 49:

لا يجب على الشخص أن يقبل ولاية الوقف أو نظارته إذا جعله الواقف وليا على الوقف أو نظيرا عليه و ان لم يكن حاضرا في مجلس إيقاع الوقف، و لم يبلغه خبر جعله وليا أو نظيرا الا بعد موت الواقف، فيجوز له الرد و عدم القبول.

و إذا جعل الواقف الولاية لأشخاص مترتبين، واحدا بعد واحد، و قبل الأول منهم لم يجب القبول على الآخرين، فيكون الوقف بعد موت الأول بلا ولي، و إذا قبل الأخير و لم يقبل الأول كان الوقف بلا ولي من أول الأمر، و إذا جعل الواقف الولاية لشخص و قبل ذلك، فليس له عزل نفسه بعد ذلك، على الأحوط، و لعل ذلك هو الأقوى أيضا.

المسألة 50:

إذا عين الواقف وليا و اشترط فيه شرطا و انتفى الشرط منه لم تثبت ولايته، و مثال ذلك أن يجعل الولاية لزيد إذا كان عدلا، فلم تتحقق فيه العدالة، و كذلك إذا كان عدلا في أول الأمر ففسق، فينعزل بذلك عن الولاية و يكون الوقف بلا ولي.

المسألة 51:

إذا جعل الواقف ولاية الوقف لشخصين أو أكثر، و اشترط في ولايتهما ان ينضم أحدهما إلى الآخر في التصرف، لم يجز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف عن صاحبه لا في جميع الوقف و لا في بعضه و ان اتفقا بينهما على ذلك، أو اقتسما الوقف برضاهما، بالتبعيض، فجعلا نصف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 124

العين الموقوفة بيد أحدهما، و النصف الآخر بيد الثاني، أو بالمهاياة فجعلا جميع العين الموقوفة في يد أحدهما يتصرف فيها مستقلا في الشهر الأول مثلا، و جميعها في يد الآخر يتصرف فيها مستقلا في الشهر الثاني.

و إذا سقطت ولاية أحدهما بموت أو بفقد شرط، نصب الحاكم الشرعي وليا آخر ينضم إلى الولي الباقي منهما في التصرف على الوجه الذي حدده الواقف، و هذا هو الأحوط إذا لم يكن هو الأقوى.

المسألة 52:

إذا جعل الواقف الولاية لاثنين أو لأكثر، و ذكر ان ولايتهما على الوقف على نحو الاستقلال في التصرف، جاز لكل واحد منهما أن ينفرد في التصرف عن الثاني، و إذا تصرف أحدهما قبل صاحبه كان تصرفه نافذا، و إذا تقارنا في تصرفهما و كان تصرف أحدهما لا ينافي تصرف الثاني نفذا معا و مثال ذلك: ان يبيع أحدهما نصف ثمرة النخيل الموقوفة على زيد، و يبيع الآخر نصفها الثاني على عمرو في وقت واحد، فيصح البيعان و إذا كان التصرف منهما متنافيا بطل التصرفان معا، و مثال ذلك: أن يبيع أحد الوليين جميع ثمرة النخيل الموقوفة على زيد، و يبيع الثاني جميعها على عمرو في وقت واحد، فيبطل البيعان.

و يجوز لهما أن يقتسما الوقف بالتبعيض، فينفرد كل واحد منهما بقسم من الوقف يتصرف فيه و ان كان القسمان غير متساويين، و يجوز

لهما أن يقتسماه بالمهاياة، فيتصرف أحدهما في العين الموقوفة شهرا أو أكثر، ثم يتصرف الآخر فيها بعد ذلك، و إذا سقطت ولاية أحدهما بموت أو فقد شرط، اختص الثاني بالولاية فيتصرف في الوقف منفردا و لا يجعل الحاكم الشرعي معه وليا غيره.

المسألة 53:

إذا جعل الواقف ولاية الوقف لشخصين أو أكثر، و لم يبين ان ولايتهما على نحو الانضمام أو على نحو الاستقلال، فالظاهر وجوب الانضمام، فلا يصح لأحدهما أن يتصرف منفردا، الا ان تدل القرينة على غير ذلك، و تجري بقية الأحكام التي ذكرناها في المسألة الحادية و الخمسين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 125

المسألة 54:

إذا نصب الواقف وليا على وقفه و أطلق ولايته و لم يحدد له وظيفة معينة، تولى جميع الوظائف و الأعمال المتعارفة التي يقوم بها أولياء مثل هذا الوقف ما بين الناس، فيقوم بتعمير الوقف أو إصلاحه إذا احتاج الى التعمير أو الإصلاح، و يجعل له الفلاحين و الأكارين و العمال إذا كان محتاجا الى ذلك، و يتولى جمع ثماره و إصلاحها، و يبيعها إذا كانت مما يباع، و يؤجر الوقف إذا كان مما يؤجر و يحصل مال الأجرة، و يقسم المنافع و الحاصلات على أصحابها و يصرف المصارف في أبوابها، و يدفع حقوق الفلاحين و العمال لما يقومون به من إصلاح و تعمير و حفظ و يضبط الصادر و الوارد و يؤدي الخراج و الضرائب و شبه ذلك مما يقوم به مثله من الأولياء. و إذا حدد الواقف له وظيفة خاصة تولاها و لم يتعدها، و أوكل الوظائف الأخرى الى من ينصبه الواقف لذلك أو الى من يوليه الحاكم الشرعي، و سيأتي التعرض لذلك.

المسألة 55:

إذا ثبتت للشخص الولاية على الوقف و عينت له وظيفة خاصة، أو شملت ولايته جميع النواحي، لم يجز لأحد أن يزاحمه أو يخالفه في حدود ولايته، و وجب عليه أن يراعي الاحتياط في تطبيق مراد الواقف و أن يراعي مصلحة الوقف و مصلحة أربابه في تلك الحدود و الشؤون التي جعلت له.

المسألة 56:

إذا جعل الواقف للمتولي مقدارا معينا من منفعة الوقف اختص به و كان ذلك المقدار أجرة له عما يقوم به من عمل في ولايته على الوقف، و ليس له المطالبة بأكثر منه و ان كان أقل من أجرة مثله. فان المفروض أنه قد قبل بذلك لما جعل الواقف له التولية و عين له المقدار و أقدم على ذلك باختياره.

و إذا جعل الواقف له التولية و لم يعين له شيئا، فإن كان عمله مما لا يستحق عليه اجرة في نظر أهل العرف فلا شي ء له، و كذلك إذا علم من القرائن أن الواقف لما جعله متوليا أراد منه أن يقوم بالعمل مجانا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 126

دون اجرة، و قبل بذلك و أقدم عليه باختياره، فلا يستحق على عمله شيئا.

و إذا جعل له التولية و لم يعين له شيئا و كان عمله مما يستحق عليه الأجرة و لم يعلم من الواقف انه أراد منه القيام بالعمل مجانا، فالظاهر أن له اجرة المثل، و إذا جعل الواقف له مقدارا من المنفعة بعد أن تم إيقاع الوقف لم ينفذ ذلك، فإذا كان العمل مما يستحق عليه الأجرة و لم يقصد به التبرع و لم يشترط الواقف عليه في إيقاع الوقف ان يقوم بالعمل متبرعا استحق على عمله أجرة المثل.

المسألة 57:

لا يجوز للمتولي أن يجعل تولية الوقف لشخص غيره، سواء قصد بذلك أن ينقل توليته الى غيره، أم قصد أن يجعل لمنصوبه ولاية غير ولايته، فلا يصح له ذلك، إلا إذا كان الواقف قد جعل له هذا الحق في ضمن صيغة الوقف و حين عينه متوليا، فقال له: جعلتك متوليا على الوقف، و خولتك ان تجعل له متوليا

غيرك إذا عجزت أو طرأ شي ء يمنعك عن القيام بأمر الولاية مثلا، فيجوز له جعل المتولي حين ذاك.

و يجوز له أن يوكل أحدا في أداء بعض الأعمال المنوطة به، إذا كان الواقف لم يشترط عليه المباشرة في ذلك العمل.

المسألة 58:

قد ذكرنا في المسألة الخامسة و الأربعين: إن للواقف أن يجعل على المتولي ناظرا، و هو على نوعين، فقد يقصد الواقف أن يكون للنظير مجرد الاشراف على تصرف المتولي و عمله، فيجب على المتولي أن يطلعه على أي عمل يريد القيام به في الوقف، و فائدة جعل الناظر مجرد الاستيثاق من وقوع العمل، و لا تتوقف صحة العمل على اذن الناظر بفعله.

و قد يقصد الواقف أن يكون النظير مرجعا للولي في تصويب نظره و صحة تصرفه، فلا يجوز للولي أن يعمل عملا أو يتصرف تصرفا حتى يصوب النظير رأيه و تصرفه و يأذن له فيه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 127

و إذا تردد أمر النظير المجعول بين النوعين، فلم يعلم أن مراد الواقف أيهما لزم مراعاة الأمرين، فعلى المتولي اطلاع الناظر على عمله و استئذانه بالتصرف حتى يكون تصرفه باذنه.

المسألة 59:

إذا لم يعين الواقف متوليا للوقف، أو عين له متوليا فمات بعد التعيين، أو اشترط في المتولي وجود شرط معين، فانتفى الشرط و لم يوجد فيه، أو كان الشرط موجودا فيه ثم فقد منه بعد ذلك، أو عين للوقف متوليا، و حدد ولايته في بعض الجهات التي يحتاج إليها تدبير أمر الوقف، و ترك بعض النواحي التي يحتاج إليها، فلم يدخلها في ولاية ذلك المتولي المجعول، و لم يعين لها متوليا آخر يقوم بها. فان كان الوقف نفسه من الجهات العامة كالمساجد و المشاهد و المعابد، و المدارس و القناطر و المقابر و شبهها، أو كان من الأوقاف على هذه الموقوفات العامة، أو كان من الوقف على العناوين العامة، كالوقف على أهل العلم أو على ذرية الرسول (ص) أو على الفقراء و ما يشبه ذلك، فالولاية

عليه للحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله.

المسألة 60:

إذا كان الوقف من الأوقاف الخاصة كالوقف على الذرية، أو على أخيه زيد و ذريته و كان الوقف على نحو صرف المنفعة على الموقوف عليهم لا على سبيل تمليك منفعة الوقف لهم، و لم يعين الواقف له متوليا أو كان من أحد الفروض التي ألحقناها به في الحكم في المسألة المتقدمة، فالولاية فيه أيضا للحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله.

و إذا كان الوقف خاصا و كان المقصود به تمليك منفعته للأفراد الموقوف عليهم، فالظاهر فيه التفصيل فالأمور التي ترجع إلى مصلحة الوقف أو الى بقائه أو الى مصلحة البطون اللاحقة من الموقوف عليهم كالإجارة لهم، و تعمير الوقف و إخراج البئر أو العين فيه و صون أصوله و غرس الأشجار و النخيل الجديدة فيه، تكون الولاية فيها للحاكم الشرعي أو منصوبه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 128

و الأمور و الأعمال التي ترجع الى النمو الفعلي للوقف و الى نمو ثماره و منافعه الفعلية كتأبير النخيل، و إصلاح الثمرة و جذاذها و جمعها و تشميسها و بيعها و اجارة الوقف لمصلحة البطن الموجود و تقسيم المنفعة على أرباب الوقف الموجودين و شبه ذلك تكون الولاية فيها للموجودين من الموقوف عليهم.

المسألة 61:

إذا جعل الواقف تولية وقفه بيد رجلين عدلين على وجه الانضمام فمات أحدهما، فالأحوط أن يضم الحاكم الشرعي عدلا ثانيا الى العدل الباقي من الوليين فيتصرفا في الوقف منضمين، و كذلك إذا فسق أحد العدلين اللذين جعلهما الواقف، أو لم يتفق من أول الأمر إلا وجود عدل واحد، فيضم الحاكم الشرعي عدلا آخر الى العدل الموجود كما تقدم.

و إذا جعل الولاية لعدلين فلم يوجد حتى عدل واحد، أو مات العدلان معا بعد أن عينهما الواقف أو فسقا

معا، رجعت الولاية إلى الحاكم الشرعي، و جاز له أن يكتفي بنصب عدل واحد على الأقوى و الأحوط استحبابا أن ينصب عدلين.

المسألة 62:

إذا احتاج الوقف الى التعمير، جاز للمتولي أن يأخذ من منافع الوقف نفسه إذا كانت موجودة فيصرفها في تعميره، و يكون ذلك مقدما على الجهات الأخرى التي يحتاج إليها الوقف و على حصص الموقوف عليهم من المنافع، سواء كان وقفه عليهم على نحو الصرف أو على نحو التمليك، و ان استوعب المنافع الموجودة كلها أو زاد عليها و احتاج الى الاستدانة على ما يأتي منها.

و إذا لم يوجد من منافع الوقف شي ء، أو قصر الموجود منها عن المقدار الذي يحتاج إليه في التعمير، جاز للولي أن يستدين لتعميره بقصد أن يفي الدين من حاصلات الوقف في المستقبل أو من منافع الموقوفات على ذلك الوقف كالمسجد يقترض الولي لتعميره مبلغا بقصد أن يفي المبلغ الذي اقترضه له من منافع الموقوفات على المسجد، مما يصح انطباقه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 129

على التعمير، و كالمدرسة و الرباط، كذلك. و كالبستان و الدار الموقوفين يحتاجان الى التعمير فيستدين المتولي لهما بقصد أن يفي الدين من منافعهما المقبلة، و يكون وفاء هذا الدين مقدما على حقوق الموقوف عليهم.

و يجوز للمتولي أن يصرف على تعمير الوقف من ماله بقصد أن يستوفي عوض ماله من منافع الوقف الآتية.

الفصل الثالث في العين الموقوفة
المسألة 63:

يشترط في الشي ء الذي يراد وقفه أن يكون عينا متشخصة في الخارج، فلا يصح وقف ما يكون دينا، و مثال ذلك أن يشتري الرجل ببيع السلف من الآخر بساطا موصوفا في ذمته أو متاعا موصوفا، فيقول المشتري:

وقفت البساط أو المتاع الذي ملكته في ذمة زيد على الفقراء، أو يكون له على زيد دين بسبب آخر، فيقول: وقفت الدين الذي استحقه على زيد، فلا يصح الوقف.

و لا يصح وقف ما يكون كليا قبل أن

يتعين، و مثال ذلك: أن تكون له عدة أفراس أو عدة عبيد، فيقول: وقفت فرسا، أو وقفت عبدا على الجهة الخاصة من غير أن يشخص عبدا أو فرسا معينا، و لا يصح وقف ما يكون منفعة فيقول: وقفت منفعة داري المعينة أو منفعة بستاني المعلوم على الفقراء، فيكون الوقف باطلا في جميع ذلك، لفقد الشرط المذكور.

المسألة 64:

يشترط في العين التي يراد وقفها أن تكون مملوكة أو هي بحكم المملوكة، فلا يصح وقف العين إذا كانت غير قابلة للتملك شرعا كالإنسان الحر، و كالعرصة الموقوفة مسجدا، فلا يصح وقفها و ان أراد الواقف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 130

الجديد أن يقفها مسجدا أيضا، و سيأتي أن خراب المسجد لا يوجب زوال المسجدية عنه، و لا يصح بيعه و تملكه ليقفه الواقف مرة أخرى مسجدا أو غير مسجد.

و لا يصح وقف المباحات الأصلية قبل أن تحاز و تملك، كالأرض المباحة و الحيوان المباح و الشجر المباح.

المسألة 65:

إذا أخذ الحاكم الشرعي زكاة الأنعام من مالكها إبلا أو بقرا أو غنما، و لم تدفع في مصارفها، أو أخذها العامل المنصوب لذلك، و أراد الحاكم الشرعي وقف هذه الأنعام المأخوذة لتكون فائدتها أكثر، جاز له ذلك و ان لم تكن مملوكة، فإنها بحكم المملوكة، لولاية الحاكم الشرعي على المستحقين و على سائر مصارف الزكاة، و إذا أراد مالك الأنعام الزكوية وقفها كذلك ففي صحة وقفه إياها إشكال.

المسألة 66:

يشكل الحكم بصحة وقف العين المملوكة إذا كانت مرهونة عند الغير و لم يأذن المرتهن قبل إيقاع الوقف عليها، و الأحوط تركه، و إذا أذن المرتهن قبل إجراء صيغة الوقف فالظاهر الصحة و النفوذ، و يشكل، بل يمنع على الأحوط، وقف الأمة إذا كانت أم ولد للمالك، فلا يصح وقفها لخدمة مشهد أو معبد أو غير ذلك.

المسألة 67:

يعتبر في العين التي يراد وقفها أن تكون مما يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها، فلا يصح وقف العين إذا كانت مما لا منفعة له في نظر أهل العرف، كما إذا كانت الأرض المملوكة غير صالحة للزراعة و الغرس لكثرة الموانع التي تمنع من الزراعة و النمو فيها، و غير قابلة للبناء لينتفع بها دارا أو مخزنا أو موضعا لعمل أو لشي ء آخر لبعدها كثيرا عن مواضع العمران و الأماكن التي يطلب الناس السكنى فيها و العمل و تعذر مطاليب الحياة فيها أو تعسرها، و هي لذلك و لغيره غير قابلة لاجارتها أرضا فارغة لينتفع المستأجر فيها بوجه من الوجوه، فإذا اتفق

كلمة التقوى، ج 6، ص: 131

أن الأرض المملوكة أو العين الأخرى كذلك لم يصح وقفها، لعدم منفعة يسبلها.

و إذا أمكن أن توقف الأرض المذكورة مسجدا أو مصلى لينتفع بعض المارة بالصلاة فيه، لم يصح وقفها لغير ذلك.

المسألة 68:

لا يصح وقف الشي ء الذي لا ينتفع به الا بإتلاف عينه كالمأكولات و المشروبات و كالحطب و النفط و الغاز لا ينتفع به الا بوقده و حرقه، و كالطاقة الكهربائية لا ينتفع بها الا بصرفها أما الأدوات و الأجهزة و الآلات و المصابيح الكهربائية فلا ريب في صحة وقفها فهي مما ينتفع به مع بقاء عينه.

و لا يصح وقف العين إذا كانت المنفعة التي يقصدها الناس منها تنحصر في المحرم، كالآت اللهو، و آلات القمار، و ان أمكن أن تكون لها منفعة محللة، و لكنها نادرة و غير مقصودة للناس في العادة، و لا يصح وقف العين إذا كانت المنفعة التي قصدها الواقف و أوقع وقفه بلحاظها منفعة محرمة كمن يقف الدابة أو السيارة أو وسيلة

النقل الأخرى لحمل الخمر، أو يقف الدار أو المحل ليكون معملا للخمر أو مخزنا له أو موضعا لبيعه و شربه أو موضعا للبغاء أو غيره من أنواع الفسوق و المحرمات.

المسألة 69:

ذكرنا في ما سبق: انه يعتبر في الشي ء الذي يراد وقفه أن يكون مما ينتفع به مع بقاء عينه، و المراد أنه ينتفع به مع بقائه بقاء معتدا به في نظر العقلاء، فلا يكفي بقاؤه مدة يسيرة كما إذا أراد الرجل أن يقف الريحان أو الورد للشم، أو يقف النار للاصطلاء بها أو للطبخ عليها فلا يصح مثل هذا الوقف لقلة مدة الانتفاع به.

المسألة 70:

لا يشترط في صحة وقف الشي ء المملوك أن يكون مما يمكن قبضه في حال إنشاء الوقف فإذا وقف الإنسان عبده الآبق، أو جمله الشارد، أو طيره الطائر في الهواء، أو سيارته المسروقة ثم حصل القبض بعد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 132

ذلك صح الوقف و ان تأخر قبضه مدة، و إذا لم يتحقق القبض بطل الوقف.

المسألة 71:

ظهر من مجموع ما ذكرناه: أن كل عين مملوكة إذا كانت مما يمكن أن ينتفع بها منفعة محللة مع بقاء العين مدة معتدا بها، فهي مما يصح وقفها، كالدور و البساتين و سائر العقارات و الأرضين، و الكتب و السلاح و الحيوان و أدوات النقل و الأجهزة و الفرش و الأثاث و الثياب و غيرها مما تتحقق فيه الشروط المتقدمة.

المسألة 72:

لا تختص المنفعة المقصودة في الوقف، بالمنفعة المقصودة في الإجارة كسكنى الدار و الكسب في الحانوت و المحل، و حرث الآلة و الدابة، و الحمل و الركوب و حمل الأثقال و شبهها، بل تعم النماءات و الثمار و أعواض الإجارة للعين، و اللبن و الصوف و الوبر و الشعر و النتاج و غيرها، فيصح وقف العين بلحاظ جميع ذلك.

المسألة 73:

لا يشترط في صحة الوقف أن تكون المنفعة المقصودة حاصلة بالفعل في حال الوقف، فيكفي أن تكون متوقعة الحصول و لو بعد حين، فإذا وقف الرجل الدابة الصغيرة صح وقفها، و ان لم يمكن ركوبها و الحمل عليها الا بعد سنين، و إذا وقف فسيل النخيل أو أصول الشجر المغروسة صح وقفها و ان كانت لا تثمر و لا تؤتي نماءها و نتاجها الا بعد أمد طويل، و إذا آجر المالك داره مدة ثم وقفها بعد الإجارة صح وقفها و ان لم تملك منفعتها الا بعد انتهاء مدة الإجارة، و انقضاء ملك المستأجر.

المسألة 74:

إذا وقف الواقف العين و كان على النخيل و الشجر الموقوفة ثمر موجود في حال إنشاء الوقف، لم يدخل هذا الثمر الموجود في الوقف، فلا يكون للموقوف عليهم أو الجهة الموقوف لها، بل يبقى ملكا للواقف، سواء كان الوقف بنحو تمليك المنفعة أم كان بنحو صرفها على الموقوف عليهم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 133

أم كان وقفا على جهة عامة، و إذا آجر المالك داره مدة ثم وقفها بعد الإجارة، لم يدخل مال الإجارة في الوقف فهو ملك للواقف، و قد تقدم:

أن الوقف في هذه الصورة يثبت للدار و هي مسلوبة المنفعة في مدة الإجارة، و إذا وقف دابة أو أمة و كانت حاملا في حال إنشاء الوقف لم يدخل الحمل الموجود في بطنها في الوقف بل هو ملك للواقف.

و يشكل الحكم في الصوف و الشعر و الوبر الموجود على الحيوان الموقوف في حين إنشاء الوقف، و في اللبن الموجود في ضرع الأنثى الموقوفة فهل يدخل في الوقف أم لا؟ فلا يترك الاحتياط فيه، و كذلك في ما يتجدد من المذكورات بعد

إنشاء الوقف و قبل القبض فلا يترك الاحتياط فيه.

المسألة 75:

إذا أطلق الواقف وقف العين و كانت لها منافع عديدة متنوعة دخلت جميعا في وقف العين و ان كانت كثيرة، فيكون جميعها للموقوف عليهم إذا كانوا أشخاصا، و للجهة الموقوف لها إذا كان الوقف على جهة، فإذا وقف عبدا و كان كثير المنافع و الفوائد، فجميع منافعه و فوائده داخلة في وقفه و مختصة بالأشخاص أو الجهة الموقوف عليها، و إذا وقف أرضا أو بستانا أو نخيلا أو شجرا، فجميع ثمرتها و حاصلها مشمولة للوقف حتى السعف و الأغصان اليابسة، و أكمام الطلع، و الفسيل، و قضبان الشجر التي تقطع منه للغرس أو لغرض آخر، و إذا وقف ناقة أو بقرة أو شاة أو حيوانا آخر فجميع نتاجه و نمائه داخلة كذلك، و إذا كانت العين الموقوفة متعددة المنافع كما ذكرنا فلا يترك الاحتياط باجتناب تخصيص الوقف ببعض المنافع دون بعض.

المسألة 76:

يصح وقف الحلي من الذهب و الفضة و نحوهما للتزين به و التحلي، فيقف الحلي على ذريته طبقة بعد طبقة أو على أقربائه، أو على المحتاجين مثلا أو على جهة عامة كما في غيره، و له أن يقف الحلي عليهم للتحلي به و يجيز لهم أن يؤجروه مدة على الآخرين و يقتسموا مال الإجارة بينهم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 134

بالحصص على نحو التمليك أو على نحو الصرف عليهم في شؤونهم، و يصح وقف الدراهم و الدنانير كذلك إذا جعلت حليا يتحلى بها أو ما يشبه الحلي و عد ذلك منفعة يعتد بها العقلاء، و هو أمر تابع لجريان العادة فيه، و إذا لم يعد منفعة بين الناس و لم تجر به العادة أشكل الحكم بصحة وقفها.

الفصل الرابع في الموقوف عليه
المسألة 77:

ينقسم الوقف بلحاظ الأشخاص أو العنوان أو الجهة التي وقف عليها الواقف الى عدة أقسام.

(الأول): قد يلاحظ الواقف أشخاصا، فيخصصهم بالمنفعة المقصودة من الوقف، و يسمى هذا القسم وقفا خاصا، باعتبار أن الملحوظين أشخاص معينون و ان كان عاما باعتبار أنه شامل لجميع أفراد الطبقة أو الطبقات الملحوظة، فإذا قال الرجل: وقفت داري أو بستاني على أولادي طبقة بعد طبقة، شمل الوقف كل فرد من أفراد الطبقة الأولى منهم، ثم شمل كل فرد من أفراد الطبقة الثانية، و هكذا حتى يعم كل طبقة، و كل فرد على الوجه الذي قصده في وقفه.

و كذلك إذا قال: وقفت الدار على ذرية أبي طبقة بعد طبقة، أو قال: وقفتها على زيد و ذريته نسلا بعد نسل.

ثم أن الواقف قد يخصص الموقوف عليهم بمنفعة الوقف على وجه التمليك حصصا، و قد يجعلها لهم على أن تصرف في حاجاتهم و معيشتهم من غير

تمليك، و قد تقدم بيان ذلك في بعض مسائل الفصل الأول فيرجع هذا القسم الى قسمين: باعتبار اختلاف الجهة الملحوظة للواقف، و الأثر الذي ينتجه هذا اللحاظ.

المسألة 78:

و قد يلاحظ الواقف عنوانا عاما ينطبق على أفراد كثيرة أو قليلة، فيجعل منفعة الوقف للأفراد من حيث انطباق العنوان المذكور عليهم،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 135

فيقول مثلا: وقفت الدار أو البستان على الفقراء أو على الفقهاء أو على المحتاجين من ذرية الرسول (ص) أو على الأيتام، و هذا القسم كسابقه يرجع الى قسمين، فقد يجعل الواقف المنفعة للأفراد على وجه التمليك لهم، و قد يجعلها لهم على أن تصرف في حاجاتهم و شؤونهم من غير تمليك، فتكون الأقسام أربعة.

المسألة 79:

و قد يلاحظ الواقف جهة من الجهات أو مصلحة من المصالح شرعية أو دنيوية، فيجعل منفعة العين موقوفة على أن تصرف في تلك الجهة الملحوظة، كما هو الحال في وقف المساجد و المشاهد و كما في وقف المدارس و القناطر و الشوارع و الربط و الخانات المعدة لنزول العابرين و المسافرين و أمثالها، و الوقف في هذا القسم لا يكون على نحو التمليك و انما يكون على نحو التصرف، فيكون قسما واحدا.

و لكن الجهة أو المصلحة الملحوظة، قد تكون عامة كما في الأمثلة التي ذكرناها، و قد تكون خاصة كما في الوقف على الرسول (ص) أو على أمير المؤمنين (ع) أو على أحد المعصومين (ع) أو على جميعهم (ع)، و هذا القسم في واقعة وقف على جهة و مصلحة شرعية و ان كان في صورته وقفا على شخص أو أشخاص، فالأقسام ستة.

المسألة 80:

إذا كانت الطبقة الأولى من الموقوف عليهم موجودة جميعا حين إنشاء الوقف من الواقف، أو كان منهم من هو موجود بالفعل، صح الوقف الخاص عليهم، و صح الوقف بتبعهم على المعدوم الذي سيوجد منهم، و على الحمل الموجود في بطن أمه، و على المعدوم الذي قد مات إذا أدخلهم الواقف في الوقف، فيشملهم الوقف تبعا للموجود، سواء كانوا من طبقته أم كانوا من طبقة متأخرة عنه.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 135

و لا يشترط في صحة الوقف وجود موقوف عليه في كل زمان، و نتيجة لذلك فإذا وقف الواقف على زيد ثم على أولاده، و مات زيد قبل أن يولد ولده لم يبطل الوقف على

الحمل و لا على أولاده بعد ان شملهم الوقف في حياة زيد و بتبع وجوده.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 136

المسألة 81:

إذا وقف الرجل داره على ولده الذي قد مات ثم من بعده على أولاد هذا الولد الذين سيوجدون، لم يصح هذا الوقف لعدم وجود الطبقة الأولى حين إنشاء الوقف.

و كذلك الحكم على الأحوط إذا وقف الرجل داره على ولده الحمل في بطن أمه، أو على أولاده الذين سيوجدون فلا يصح الوقف إلا إذا وقف على شخص موجود بالفعل حين إنشاء الوقف، و كان الوقف على الحمل و على الذين يوجدون تبعا للموجود في طبقته أو من بعده.

المسألة 82:

إذا وقف الواقف العين على الموجودين من أولاده و اشترط انه إذا وجد له أولاد بعدهم كانوا مقدمين في الطبقة على الموجودين، فالظاهر صحة الوقف و الشرط، فإذا وجدوا اختصوا بالوقف و تأخر السابقون عنهم، و كذلك الحكم إذا اشترط انه إذا وجد لأولاده أولاد قدموا في الوقف على آبائهم.

المسألة 83:

إذا وقف الإنسان داره أو بستانه على عنوان من العناوين العامة كاليتامى و المساكين و غيرهما لم يشترط في صحة الوقف أن يتحقق وجود العنوان الموقوف عليه في حين إنشاء الوقف، بل يكفي في صحة الوقف أن يكون وجود العنوان في ضمن بعض أفراده ممكنا، ثم يتحقق وجوده في بعض الأوقات فإذا وقف على اليتامى و لم يوجد يتيم حال إنشاء الوقف ثم وجد بعد ذلك كان الوقف صحيحا، و إذا وجد اليتيم أولا ثم فقد لم يبطل الوقف بذلك، فيجب حفظ الغلة حتى يوجد الفرد الذي ينطبق عليه.

المسألة 84:

الأحوط لزوما أن يعين الواقف الشخص الموقوف عليه في إنشاء الوقف، فلا يقف داره مثلا على أحد المشهدين من غير تعيين أو على أحد المسجدين أو على أحد الشخصين، فإذا هو ردد كذلك في إنشاء الوقف و لم يعين المقصود منهما، ففي صحة وقفه إشكال.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 137

المسألة 85:

لا يصح الوقف على جهة محرمة في الإسلام كالوقف على البيع و الكنائس، و معابد الأديان الباطلة و نشر كتب الضلال، و شراء آلات اللهو، و لا على شخص يصرف منفعة الوقف في معصية كمن يصرفه في تعاطي الموبقات و الآثام و سائر المعاصي.

المسألة 86:

يشكل الحكم بالصحة أو عدمها في وقف المسلم على الكافر الحربي و على المرتد الفطري، فلا يترك الاحتياط باجتنابه، و يجوز الوقف على الكافر الذمي و على المرتد غير الفطري و خصوصا إذا كانا رحما للواقف.

المسألة 87:

إذا وقف الرجل على جهة أو شخص يصح الوقف عليه، و على جهة أو شخص لا يصح الوقف عليه و كان الوقف على نحو التشريك بينهما، صح الوقف في حصة الأول من العين الموقوفة و بطل في حصة الثاني منها.

المسألة 88:

إذا وقف الرجل على جهة أو شخص يصح الوقف عليه، ثم على جهة أو شخص لا يصح الوقف عليه و كان الوقف بنحو الترتيب، صح الوقف في الأول، و بطل في الأخير، فيكون من الوقف المنقطع الأخير، و إذا انعكس الفرض فقدم الجهة أو الشخص الذي لا يصح الوقف عليه بطل الوقف من أصله و كان من المنقطع الأول، و إذا وقف على ما يصح الوقف عليه أولا ثم على ما لا يصح الوقف عليه ثانيا، ثم على ما يصح الوقف عليه أخيرا كان من الوقف المنقطع الوسط و قد تقدم حكم ذلك في المسألة التاسعة و العشرين.

المسألة 89:

إذا وقف الإنسان داره أو بستانه على عنوان معين كالفقراء و اليتامى اتبع في استحقاق الأفراد الموقوف عليهم ما يعينه الواقف لهم من منفعة الوقف مع الإمكان، و إذا أطلق الوقف و لم يعين شيئا اتبع ما دلت عليه القرائن الموجودة، من وحدة الفرد الموقوف عليه و تعدده و انحصار

كلمة التقوى، ج 6، ص: 138

العدد و عدم انحصاره، و من قلة منفعة الوقف و كثرتها و أمثال ذلك من القرائن التي تدل على المراد، فإذا وقف البستان على امام المسجد في البلد، و كان واحدا اختص بالمنفعة كلها و إذا تعدد الأئمة فيه اقتسموا منفعة الوقف بالسوية الا أن يعلم غير ذلك.

و إذا وقف الدار أو البستان على فقراء القرية و كانوا قليلين في العدد وزعت المنفعة عليهم بالسوية، الا أن يعلم غير ذلك، و إذا قلت المنفعة و لم تتسع لاستيعابهم، لم يجب ذلك، و إذا كان افراد العنوان الموقوف عليه غير محصورين عددا، لم يجب استيعابهم كذلك، و قد تكون المنفعة كثيرة، فتكون كثرتها

دليلا على ارادة الاستيعاب، فتجب مراعاة ذلك بقدر الإمكان. و هكذا.

المسألة 90:

إذا وقف الواقف بستانه على الامام الحسين (ع) انصرف على الأكثر الغالب من هذه الموقوفات إلى إقامة مجالس عزائه و ذكر استشهاده (ع) و بذل الطعام أو غير الطعام في ذلك على النحو المألوف المعروف في عرف الواقف و بلده، و قد تعين القرائن لذلك أياما خاصة كأيام شهادته (ع) أو أيام أربعينه فتتعين كذلك، و قد تدل القرائن على ان المراد الحسين (ع) لا خصوص اقامة عزائه فيصرف في الخيرات المحبوبة عند اللّه و يهدى ثوابها للحسين (ع).

و كذلك إذا وقف على النبي (ص) أو على أحد المعصومين من أهل بيته (ع) فينصرف إلى إقامة المجالس لبيان فضلهم و مناقبهم و ذكر مصائبهم على النحو المتقدم، و قد تدل القرائن على غير ذلك فتتبع دلالتها.

المسألة 91:

إذا وقف الواقف العين على امام العصر عليه السلام و علم ان الواقف قصد الوقف على الجهة كما في غيره من المعصومين، كان الحكم فيه كما تقدم في الوقف على آبائه (ع) و ان علم ان الوقف على نحو التمليك له (ع) كان الحكم فيه هو الحكم في حق الامام (ع) من الخمس.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 139

الفصل الخامس في المراد من بعض عبارات الوقف
المسألة 92:

إذا قال الرجل: وقفت داري على الفقراء أو على المساكين، و كان الواقف مسلما كان ذلك قرينة على ان المراد من كلمة الفقراء في عبارته فقراء المسلمين و مساكينهم، و إذا كان من الشيعة فالمراد منها فقراء الشيعة و ينصرف الى فقراء فرقته فيختص بالاثني عشريين إذا كان اثني عشريا، و بالاسماعيليين إذا كان اسماعيليا، و هكذا الا ان تدل القرينة على غير ذلك.

و إذا كان الواقف سنيا انصرف مراده الى فقراء السنة، و إذا كان كافرا فالمراد فقراء أهل دينه خاصة فيكون وقفه على فقراء اليهود إذا كان يهوديا و على فقراء المسيحيين إذا كان مسيحيا، و هكذا.

المسألة 93:

إذا وقف الرجل على فقراء قبيلة معينة و كانوا غير محصورين في العدد، كما إذا وقف على فقراء بني هاشم أو على فقراء بني تميم مثلا، لم يجب على الولي الاستيعاب، فيكفيه ان يوزع منفعة الوقف على بعض فقراء القبيلة المعينة، و كذلك إذا كان العدد محصورا و كانت المنفعة قليلة لا تتسع لجميعهم، فلا يجب الاستيعاب، و إذا كان العدد محصورا و كانت المنفعة كثيرة تتسع للجميع وجب على متولي الوقف استيعابهم، و يجب عليه ان يتتبع الغائبين و أن يحفظ حصصهم حتى يوصلها إليهم، و إذا عسر عليه احصاؤهم و لم يمكن له الفحص وجب عليه أن يستقصى من يمكنه منهم و لا يلزمه الحرج باستقصائهم.

المسألة 94:

إذا قال: هذه الدار وقف على أولادي فالظاهر منه العموم فيشمل الجميع و يجب الاستيعاب و كذلك إذا قال: هي وقف على أخوتي، أو على ذرية أبي، أو على أرحامي فيجب استيعاب الجميع.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 140

المسألة 95:

إذا قال الواقف: هذه العين وقف على المسلمين و لاحظ أن يكون وقفه شاملا لعامة من ينتسب إلى الإسلام كان الوقف لكل من أقر بالشهادتين، و إذا هو لم يلاحظ ذلك اختص وقفه بمن يعتقد هو بإسلامه و لم يشمل من اعتقد بكفره و ان أقر بالشهادتين، و عم الذكور و الإناث و البالغين و غيرهم، و إذا قال: هي وقف على المؤمنين و كان اثني عشريا اختص وقفه بالإمامية الاثني عشرية، و إذا كان من غيرهم اختص وقفه بالمؤمنين في معتقده.

المسألة 96:

إذا قال الواقف: هذا الشي ء وقف على الشيعة، و كان اثني عشريا، اختص وقفه بالإمامية الاثني عشرية و لم يشمل غيرهم من فرق الشيعة، و إذا كان الواقف من غيرهم شمل عمومه كل من قال بتقديم علي (ع) بالخلافة بعد الرسول (ص)، و إذا قامت القرينة في عرف الواقف على اختصاص كلمة الشيعة بطائفة معينة اختص وقفه بها.

المسألة 97:

إذا قال: داري وقف في سبيل اللّه أو قال: هي وقف في البر و وجوه الخير، شمل وقفه كل ما يتقرب به الى اللّه من الطاعات و القرب و ما يكون فعله أو الإنفاق فيه سببا لنيل الثواب.

المسألة 98:

إذا قال: هذا وقف على قرابتي أو على ذوي رحمي، شمل وقفه كل من حكم العرف بأنه من قرابته و أرحامه، من الكبير و الصغير و الذكر و الأنثى، و إذا قال: هو وقف على الأقرب الي فالأقرب، نزل الوقف على طبقات الوارثين منه دون غيرهم و كان الوقف عليهم ترتيبيا، فيكون وقفا على الوارثين منه بالفعل، فإذا فقدوا فعلى الوارث من بعدهم، و هكذا، و في شمول الوقف لمن يرث منه بالولاء إشكال.

المسألة 99:

إذا قال: وقفت هذه الدار على أولادي اشترك الذكر منهم و الأنثى و الخنثى في استحقاقهم من منفعة الوقف و كانوا في الحصص على السواء،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 141

و قد تختص كلمة الأولاد في عرف بعض البلاد بالذكور فقط، فإذا كان الواقف من أهل هذا العرف اختص وقفه بالذكور و لم يشمل الإناث و كذلك الحكم إذا وقف على أولاده، و أولاد أولاده فيشمل الوقف جميع الذرية من الذكور و الإناث و الخناثى و أولادهم على التساوي في الحصص، و يكون الوقف بين جميعهم على التشريك لا على نحو الترتيب.

و إذا كانت كلمة الأولاد و أولاد الأولاد في عرف الواقف مختصة بالذكور فقط كما تقدم اختص الوقف بهم و بالذكور من أولادهم.

المسألة 100:

إذا قال: وقفت الدار على أبنائي لم يشمل البنات و لا أبناء البنات، و إذا قال: وقفت على ذريتي شمل الذكر و الأنثى منهم، و شمل من كان للصلب و من كان بواسطة أو أكثر، و كانوا في الاستحقاق و في التشريك على السواء، و إذا قال: وقفت على أولادي فالظاهر أنه يعم أولاد الأولاد و ان نزلوا على نحو التشريك، إلا إذا وجدت قرينة تخصه بأولاده بلا واسطة فلا يعم أولاد الأولاد.

المسألة 101:

إذا قال الرجل: وقفت الدار على أولادي الأقرب منهم فالأقرب أو قال: بطنا بعد بطن أو نسلا بعد نسل، أو طبقة بعد طبقة، فالظاهر من جميع هذه العبارات ان الوقف ترتيبي بين الأولاد و أولادهم و أولاد أولادهم فلا تستحق الطبقة الثانية من الوقف شيئا إذا وجد أحد من الطبقة التي تكون قبلها.

المسألة 102:

إذا قال الرجل: وقفت هذا الشي ء على أخوتي، شمل وقفه جميع اخوته الذكور، سواء كانوا للأبوين أم للأب وحده، أم للأم وحدها، و كانوا متساوين في مقدار استحقاقهم من منفعة الوقف، و لم تشاركهم الأخوات، و لم يشمل الوقف أبناءهم.

و إذا قال: وقفت الشي ء على أجدادي اشترك في الوقف أجداده لأبيه و أجداده لأمه، سواء كانوا بلا واسطة، أم كانوا بواسطة واحدة أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 142

أكثر و كان استحقاقهم منه على السواء و لم يتقدم بعضهم على بعض، و لم تشاركهم الجدات.

و إذا قال: وقفته على أعمامي شمل الوقف أعمامه: اخوان أبيه لأبويه كليهما، و اخوان أبيه للأب وحده، و اخوان أبيه للأم وحدها، و كانوا في الاستحقاق على السواء، و لم تشاركهم العمات و لا أعمام الأب و لا أعمام الأم.

و إذا وقف على أخواله شمل أخواله اخوان أمه لأبويها، و اخوان أمه لأحدهما و كانوا في الوقف على السواء و لم تشاركهم الخالات و لا أخوال الأب و لا أخوال الأم.

المسألة 103:

إذا قال: وقفت الدار على أولادي الذكور نسلا بعد نسل أو قال:

طبقة بعد طبقة، اختص وقفه بأولاده الذكور و بأولاد أولاده الذكور من الذكور في جميع الطبقات، و لم يشمل الإناث من أولاده و لا الذكور الذين يتولدون من أولاده الإناث، و هذا إذا علم أن مراده التقييد بالذكور في جميع الطبقات.

المسألة 104:

إذا علم أن الرجل وقف داره على ذريته، و لم يعلم أن وقفه كان على نحو التشريك بين جميعهم أو على نحو الترتيب بين طبقاتهم، دفعت الى الطبقة المتقدمة حصتهم من الوقف، ثم أقرع على المقدار الزائد و هو الذي تردد أمره بين أن يكون للطبقة المتقدمة أيضا و أن يكون لمن بعدهم، و أعطي لمن تعينه القرعة، و الأحوط الرجوع الى المصالحة في المقدار الزائد.

المسألة 105:

يتبع ما حدده الواقف في الترتيب بين الموقوف عليهم إذا كان وقفه على نحو الترتيب، فإنه قد يجعل الترتيب بين جميع أفراد الطبقة اللاحقة و سابقتها، فلا يستحق أحد من الطبقة اللاحقة شيئا من منفعة الوقف مع وجود أحد من الطبقة السابقة، فلا يشارك الولد إذا مات

كلمة التقوى، ج 6، ص: 143

عنه أبوه أعمامه و عماته في الاستحقاق من الوقف، و لا يشارك إذا ماتت عنه أمه أخواله و خالاته.

و قد يجعل الترتيب بين الولد و أبيه خاصة و بينه و بين أمه خاصة، فإذا مات عنه أبوه استحق من الوقف و شارك أعمامه و عماته، و إذا ماتت عنه أمه استحق كذلك من الوقف و شارك أخواله و خالاته.

المسألة 106:

المعيار في تعيين المراد على ما يقصده الواقف، و ما يدل عليه العرف الذي جرى عليه في إنشائه صيغة الوقف، فإذا قال: وقفت هذه الضيعة على العلماء، اختص بعلماء الشريعة من أهل مذهب الواقف إذا كان شيعيا، و لم يشمل علماء العلوم الأخرى من طب و هندسة و فلسفة و غير ذلك إلا إذا كان من علماء الشريعة أيضا.

المسألة 107:

إذا وقف الرجل على أهل بلد اختص وقفه بمن اتخذ ذلك البلد وطنا له و سكن فيه، و لم يشمل المسافر اليه و الزائر و ان مكث فيه طويلا أو كثر تردده عليه لتجارة أو زيارة أو عمل آخر.

المسألة 108:

إذا قال: هذا الشي ء وقف على اخوتي نسلا بعد نسل شمل وقفه اخوته دون أخواته على نحو التشريك. كما تقدم و شمل جميع أولادهم الذكور و الإناث على نحو الترتيب.

المسألة 109:

إذا قال: هذا وقف على أولادي و من بعدهم على أولادهم كان الوقف بين أولاده و أولادهم على الترتيب، و كان بين طبقات أولاد الأولاد على نحو التشريك.

المسألة 110:

إذا وقف الرجل داره أو بستانه على مسجد معين أو على مشهد معين أو على عنوان معين، ثم تردد الولي ان الموقوف عليه أي المسجدين، أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 144

أي المشهدين أو أي العنوانين، رجع في ذلك الى القرعة، فيصرف منفعة الوقف على الذي تعينه القرعة منهما.

المسألة 111:

إذا وقف الدار أو البستان على المسجد، صرف الولي منافع الوقف و نماءه في حاجات المسجد و مصالحه كالتعمير و الانارة و الفرش و التنظيف و التبريد و التدفئة، و اعداد مواضع الوضوء و تعميرها و الخادم و أمثال ذلك، و يشكل صرف بعضه لإمام الجماعة في المسجد و للمؤذن الراتب فيه. و كذلك الأمر في الوقف على المشهد، و انما يصرف منه على خادم المشهد إذا كان مواظبا على الأعمال التي يحتاج إليها المشهد أو المتعلقة به تعلقا مباشرا.

المسألة 112:

إذا وقف على جهتين مختلفتين، أو على عنوانين أو على شخصين مختلفين كذلك، و لم يذكر مقدار ما يختص به كل واحد منهما من العين الموقوفة، فالظاهر أن كل واحد منهما يختص بنصف الوقف و انه بينهما على نحو التشريك.

فإذا قال: وقفت داري المعينة على المسجدين المعروفين في البلد، كانت الدار وقفا على المسجدين اللذين ذكرهما على نحو التشريك بينهما و اختص كل واحد منهما بنصف الدار، و كذلك الحكم إذا وقفها على مأتمين معينين، أو وقفها على الفقراء و اليتامى في البلد، أو وقفها على زيد و ذريته، و على عمرو و ذريته فتكون الدار وقفا على ما عينه من الناحيتين بالتنصيف بينهما و على نحو التشريك، الا ان يعلم خلاف ذلك.

الفصل السادس في أحكام الوقف
المسألة 113:

إذا تم الوقف و تحققت شروطه، فالظاهر خروج العين الموقوفة عن ملك الواقف، سواء كان الوقف على الجهات العامة كالمسجد و المشهد و المعبد، و الشارع و القنطرة و المقبرة و المدرسة، و الحسينية و كالموقوفات

كلمة التقوى، ج 6، ص: 145

على احدى هذه الجهات، و ما أشبه ذلك، أم كان الوقف على العناوين العامة كالوقف على الفقراء أو على طلاب العلم أو على اليتامى، و ذرية الرسول (ص) من غير فرق بين أن يكون وقفها على نحو تمليك المنفعة للموقوف عليهم أو على وجه صرف المنفعة عليهم من غير تمليك، أم كان الوقف خاصا على أحد الوجهين المتقدم ذكرهما، فالظاهر زوال ملك الواقف عن العين الموقوفة في جميع ذلك، نعم يشكل الحكم بزوال الملك في الوقف المنقطع الآخر.

المسألة 114:

إذا حصل الوقف و تمت شروطه، نفذ و وجب ترتيب آثاره على حسب ما عينه الواقف و حدده، و لم يجز تغييره عن ذلك، و لم يجز للواقف نفسه أن يحدث تغييرا أو تبديلا في الموقوف عليه فلا يصح له أن ينقل الوقف من جهة إلى جهة أخرى، أو من عنوان الى عنوان غيره أو من أشخاص إلى أشخاص غيرهم، و لا يصح له أن يخرج بعض الموقوف عليهم من الوقف بعد ان أدخله في الوقف، أو يدخل معهم أحدا كان خارجا عنه، و إذا شرط لنفسه في أصل الوقف أن يكون له الحق في أن يدخل في الوقف من يشاء، و يخرج عنه من يشاء، لم يصح له هذا الشرط، و لا ينفذ إذا شرط، و لكن بطلان الشرط لا يبطل الوقف.

المسألة 115:

ليس للواقف أن يقف العين على أشخاص معينين و يشترط لنفسه انه إذا وجد له أولاد أو اخوان مثلا فله الحق أن ينقل الوقف من الموقوف عليهم إلى أولاده أو إخوانه الذين وجدوا و يصح له أن يقف العين على اشخاص معينين و على أولاده الذين سيوجدون، و يشترط في الوقف انه متى وجد له أولاد كانوا مقدمين في الوقف على الموقوف عليهم السابقين، و الفرق بين المسألتين واضح جدا لا التباس فيه و قد ذكرنا هذا الفرض الأخير في المسألة الثانية و الثمانين.

المسألة 116:

إذا وقف الرجل داره أو بستانه على بعض العناوين الخاصة أو العامة، لتصرف منفعة الوقف على أفراده، و جهل متولي الوقف ذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 146

العنوان الموقوف عليه فتردد عنده بين عنوانين أو أكثر و لذلك عدة فروض تختلف أحكامها.

(الفرض الأول): ان تكون العناوين التي تردد المتولي ما بينها غير متباينة فهي مما تتصادق في بعض الأفراد و مثال ذلك أن يشك المتولي في أن الواقف وقف داره على عامة طلاب العلم، أو على خصوص العدول منهم، و الحكم في ذلك أن يقتصر المتولي في صرف منفعة الوقف على الطلاب العدول، و كذلك الحكم إذا تردد في أن الواقف وقف الدار على العلماء أو على السادات، فيجب عليه أن يصرف المنفعة على مورد التصادق و هو العلماء السادة.

المسألة 117:

(الفرض الثاني): ان تكون العناوين التي احتملها ولي الوقف و تردد ما بينها متباينة لا تتصادق في الأفراد و مثال ذلك أن يتردد المتولي: هل وقف الواقف داره على فقراء أهل هذا البلد أو على فقراء البلد الآخر؟ أو يتردد هل وقف الدار على هذا المسجد أو على على المسجد الآخر؟ و الحكم في هذا الفرض أن يرجع في تعيين الموقوف عليه إلى القرعة، فيصرف منفعة الوقف على من تعينه القرعة، و قد ذكرنا هذا في المسألة المائة و العاشرة.

المسألة 118:

(الفرض الثالث): ان يجهل المتولي مصرف الوقف الذي عينه الواقف، و يتردد بين عناوين و أشخاص غير محصورة العدد، فان علم بأن الوقف عليهم كان بنحو تمليك المنفعة لهم جرى في منافع الوقف حكم مجهول المالك، فيتصدق بها عن الموقوف عليهم باذن الحاكم الشرعي، و ان علم بأن الوقف كان بنحو الصرف على الموقوف عليهم من غير تمليك أو جهل ذلك، أو كان الوقف مرددا بين جهات غير محصورة العدد، صرف الولي منافع الوقف في وجوه البر، على أن لا يخرج في صرفه عن الوجوه المحتملة في الوقف.

المسألة 119:

إذا وقف الرجل العين و اشترط في الموقوف عليهم ان يكونوا موصوفين

كلمة التقوى، ج 6، ص: 147

بأوصاف خاصة، كانت الأوصاف المشترطة داخلة في عنوان الموقوف عليهم، فإذا انتفى الوصف المشترط في أحد الأفراد خرج ذلك الفرد عن عنوان الوقف فلا يكون من الموقوف عليهم، فإذا وقف المدرسة على طلاب العلم بشرط أن يكونوا عدولا أو بشرط أن يكونوا مواظبين على الاشتغال بطلب العلم، و فقدت العدالة من طالب العلم في الفرض الأول و انتفت صفة المواظبة عنه في الفرض الثاني خرج عن عنوان الموقوف عليهم فلا يصح له سكنى المدرسة الموقوفة.

و إذا وقف العين و لم يذكر للموقوف عليهم أوصافا و لكنه اشترط عليهم أن يقوموا بأعمال معينة، فإذا لم يقم الفرد منهم بالعمل الذي اشترط عليه القيام به، ففي خروجه بذلك عن الموقوف عليهم اشكال، و مثال ذلك أن يقف المدرسة على طلاب العلم و يشترط على كل فرد منهم أن يكون ملازما لصلاة الجماعة أو يواظب على الصلاة في أول وقتها، فإذا لم يقم الطالب بالعمل المشروط عليه كان الحكم بخروجه عن عنوان الموقوف

عليهم و عدم خروجه عنه مشكلا، و لا يترك فيه الاحتياط، و إذا قصد الواقف من الشرط دخله في العنوان و لم يف به الشخص خرج عن الموقوف عليهم بلا ريب.

المسألة 120:

إذا وقف الإنسان ضيعته أو عمارته أو عقاره الآخر على أولاده و أطلق الوقف، فالظاهر من ذلك انه ملكهم منفعة العين الموقوفة، فيجوز لهم استنماؤها و استثمارها، و بيع ما يحصل من ثمارها و منافعها أو المعاوضة عليه بغير البيع مما يصح لهم من المعاوضات و اجارة ما يؤجر و أن يقتسموا الحاصل على الوجه الذي حدده الواقف من الحصص و التقدم و التأخر، فان لم يكن قد حدد شيئا اقتسموا الحاصل بالسوية، و ليس لهم أن يختص بعضهم بمنفعة الضيعة مثلا و ينفرد بعضهم بأجرة البناية، إلا إذا خولهم الواقف بذلك.

المسألة 121:

إذا وقف الدار أو العمارة لسكنى أولاده تعينت لذلك، فلا يصح لهم أن يؤجروا الدار أو العمارة على غيرهم و يقتسموا مال الإجارة بينهم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 148

و ان تراضوا بذلك، بل يتعين لهم الانتفاع بالسكنى خاصة، فإذا أمكن لهم أن يسكنوها جميعا سكنوها، و لا يصح لبعضهم ان يستقل بسكنى الدار و يمنع الآخرين، و إذا اختلفوا في اختيار المساكن من الدار أو العمارة و كان الواقف قد جعل للوقف متوليا و جعل له النظر في تعيين المساكن لهم وجب عليهم اتباع نظره، و إذا لم يجعل على الوقف متوليا خاصا، أو كان قد جعل أولياء متعددين و اختلفوا في التعيين رجعوا الى الحاكم الشرعي في حسم نزاعهم، و إذا فقد الحاكم الشرعي أو تعذر عليهم الوصول اليه، رجعوا في تعيين المساكن بينهم إلى القرعة.

و إذا عين الولي أو الحاكم الشرعي لهم المساكن أو عينتها القرعة، و امتنع بعضهم عن السكنى جاز للبعض الآخر أن يستقل بسكنى الدار، و لا حق للممتنع في أن يطالبه بالأجرة عن حصته.

المسألة 122:

إذا لم تكن الدار كافية لسكنى جميع الموقوف عليهم اقتسموا السكنى فيها بالمهاياة، بأن يسكنها بعضهم أياما معلومة، أو أسبوعا، أو شهرا، أو سنة مثلا، ثم يسكنها الآخر مثل ذلك، فإذا تنازعوا في ذلك رجعوا إلى المتولي، ثم الى الحاكم الشرعي ثم إلى القرعة على النهج الذي تقدم بيانه و ليس لبعضهم أن يمتنع عن السكنى بالمهاياة و يطالب من سكن منهم بالأجرة عن حصته.

المسألة 123:

إذا وقف الرجل شيئا مما يملكه على مصلحة معينة، فبطلت المصلحة الموقوف عليها، و مثال ذلك أن يقف نخيلا يملكها على مسجد في القرية، فيخرب المسجد الموقوف عليه حتى لا يمكن تعميره أو تخرب القرية التي هو فيها و ينقطع المصلون فيه، فلا يكون موردا لصرف منفعة الوقف فيه، أو يقف بستانا على مدرسة، فتخرب المدرسة و لا يستطاع تعميرها، أو تنقطع هجرة طلاب العلم الى البلد التي هي فيه، فلا تصبح المدرسة موردا لصرف منفعة الوقف فيها، أو يقف شيئا على قنطرة، فيندرس النهر فلا يحتاج إلى قنطرة أو تنقطع المارة فتلغى فائدتها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 149

فان كان وقف ذلك الشي ء على المصلحة المعينة بنحو تعدد المطلوب كما هو الغالب في وقف هذه الأشياء وجب أن تصرف منفعته بعد بطلان تلك المصلحة في مصلحة أخرى من جنسها، فإذا كان وقفا على مسجد معين صرفت منفعته على مسجد آخر، و إذا كان وقفا على مدرسة صرفت منفعته على مدرسة ثانية، و إذا كان وقفا على إقامة مأتم الحسين (ع) في بلد معين أو في حسينية معينة و لم يمكن ذلك، صرفت المنفعة في إقامة مأتمه (ع) في بلد آخر، أو في حسينية أخرى، و هكذا.

و إذا تعذر وجود مصلحة

من جنسها أو تعذر الصرف فيه، صرفت منفعة الشي ء الموقوف في الأقرب فالأقرب إلى المصلحة الأولى الموقوف عليها، و لا يكفي صرفها في مطلق وجوه البر و الخيرات، و إذا كان الوقف على المصلحة المعينة بنحو وحدة المطلوب، فالظاهر بطلان الوقف ببطلان المصلحة الموقوف عليها.

المسألة 124:

لا يجوز تغيير العين الموقوفة و ازالة عنوانها الذي جرى عليه الوقف، و ان كان التغيير الى عنوان آخر، كما إذا أراد الموقوف عليه أو أراد متولي الوقف ان يغير الدار الموقوفة إلى محلات لخزن البضائع للتجار، أو يبنيها شققا للإجارة أو يجعلها دكاكين للتجارة أو غير ذلك، فلا يصح التغيير، عدا ما يأتي استثناؤه في المسألة الآتية.

المسألة 125:

إذا كان الوقف وقف منفعة، فقد يعلم أو يثبت من إطلاق الصيغة في الوقف أو من قرينة دالة أخرى: أن مقصود الواقف هو حصول المنفعة بأية صورة تكون العين الموقوفة عليها، فإذا تحقق هذا الفرض، صح تغيير العين اختيارا الى ما هو أكثر منفعة و أجدى فائدة، و ان كانت صورتها الموجودة ذات فائدة كثيرة أيضا، و يتولى ذلك ولي الوقف إذا كانت ولايته مطلقة تشمل مثل هذا التصرف.

و قد يعلم من الواقف أو يثبت من إطلاق الإنشاء أو من قرينة أخرى، ان المراد بقاء العنوان الذي جرى عليه الوقف مهما كان له دخل في كثرة المنفعة من العين، و ان كان غيره أكثر منفعة منه، و إذا تحقق هذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 150

الفرض، لم يصح تغيير العين اختيارا حتى تقل منفعتها، فإذا قلت المنفعة جاز تغيير العين الى ما هو أكثر منفعة و أجدى، و تراجع المسألة المائة و الثانية و الأربعون في الفرق بين وقف المنفعة و وقف الانتفاع.

و إذا لم يكن لإنشاء الوقف إطلاق يدل على شي ء و لم تدل القرائن على جواز التغيير، لم يصح ذلك، و مما بيناه يظهر ان المدار في المسألة على العلم بمقصود الواقف من الوقف و ما يدل عليه إطلاق إنشائه و القرائن الحافة به الدالة

على مراده، و لا تجوز المخالفة لذلك و ان كان الذي يريد التغيير هو ولي الوقف، بل و ان كان الذي يريد التغيير هو الواقف نفسه، إذا بدا له بعد الوقف فأراد أن يغير العين عما حدد لها في صيغة الوقف، فلا يجوز له ذلك و لا ينفذ إذا فعل.

المسألة 126:

إذا احتاجت العين الموقوفة إلى تعمير أو ترميم أو إصلاح يتوقف عليه بقاء العين و إيتاء ثمارها و توفية منفعتها، و كان الواقف قد لاحظ ذلك حين الوقف فعين ما يصرف على ذلك عند الحاجة إليه، اتبع تعيينه، و صرفت الحصة المعينة على الإصلاح و التعمير، و ان لم يعين الواقف لذلك شيئا، صرف عليه من منافع العين الموقوفة و كان ذلك مقدما على حق الموقوف عليهم، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثانية و الستين بصورة أكثر تفصيلا، فلتراجع، و ذكرنا في المسألة المائة و الثالثة و الثلاثين من كتاب التجارة أن الوقف إذا خرب بعضه على وجه فصلناه هناك جاز أن يباع البعض الخرب من الوقف و يصرف ثمنه في إصلاح البعض العامر منه، و لعلنا نتعرض لذلك في ما يأتي من المسائل و من اللّه التوفيق.

المسألة 127:

إذا خرب المسجد و انهدم بناؤه و عفى أثره لم تخرج عرصة أرضه و بقايا آثاره الثابتة عن كونها مسجدا، و لذلك فتجري عليها أحكام المسجد، فلا يجوز تلويثها بالنجاسة و يجب تطهيرها إذا تنجست مع إمكان ذلك، و يحرم مكث الجنب و الحائض فيها، و لا يجوز بيعها أو المعاوضة عليها و صرف أثمانها و أعواضها في أحداث مسجدا آخر أو في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 151

تعميره، و كذلك إذا خربت القرية و انقطعت المارة و المصلون عن المسجد لم يخرج بذلك عن كونه مسجدا، و جرى عليه جميع الأحكام المتقدمة.

المسألة 128:

لا يجوز بيع الوقف و لا ابداله، و لا نقله بأحد النواقل التي تنقل العين من مالك الى مالك كالهبة و الهدية و الصلح، و لا يجري عليه ميراث، سواء كان وقفا على مصلحة أم على عنوان أم على أشخاص، و سواء كان عاما أم خاصا، عدا ما يأتي استثناؤه عند طروء أحد مسوغات البيع فيه، و عند بطلان الوقف فيكون منقطع الآخر أو ما هو بحكمه، فترجع العين الى ملك الواقف أو الى ملك وارثه و قد ذكرنا هذا في ما تقدم.

و قد تقدم في المسألة السابقة حكم المسجد و انه لا يجوز بيعه و لا ابداله و ان خرب و بقي أرضا فارغة و كذلك الحكم على الأحوط لزوما في المشهد، فلا يجوز بيعه و ان خرب و زال عنوانه و تعطلت جهته.

المسألة 129:

لا تجوز اجارة المسجد و لا المشهد و ان خربا و بقي موضعهما أرضا فارغة، فلا تصح إجارتهما للزرع أو للغرس أو لشي ء آخر.

المسألة 130:

إذا خرب الوقف غير المسجد و المشهد، و زال عنوانه، فانهدمت حيطان الدار أو المدرسة أو البناية الموقوفة و بقيت عرصة فارغة مثلا، و جف الماء و تقلعت النخيل و يبست الأشجار من الضيعة أو البستان، و أمكن تعميره و اعادة عنوانه و بنائه و غرسه و منافعه بأن توجر الأرض و بقايا العين مدة معلومة، و ينفق مال الإجارة على تعمير الوقف و إصلاحه، أو بأن يستدين المتولي لذلك ثم يسدد الدين من مال الإجارة أو من منافع العين بعد عمارتها، لزم ذلك و تعين العمل به، و إذا أريدت إجارة الأرض و بقايا العين الخربة لذلك استؤذن متولي الوقف، و الموقوف عليهم على الأحوط.

المسألة 131:

إذا وقف الإنسان شيئا على مصلحة معينة أو على عنوان معين أو على

كلمة التقوى، ج 6، ص: 152

اشخاص معينين فخرب الوقف و لم يمكن تعميره و تجديده بإجارة أو استدانة كما سبق ذكره، و بقيت للعين منفعة يعتد بها، لم يبطل وقف العين، و وجب صرف المنفعة الباقية على الجهة الموقوف عليها، فإذا كان البستان موقوفا على مسجد أو على مأتم مثلا و خرب البستان حتى بقي عرصة خالية لا نبات فيها، و أمكن إيجار العرصة لبعض المنافع وجب إيجارها و صرف مال الإجارة على المسجد أو المأتم الموقوف عليه الا ان تدل القرائن على أن مقصود الواقف خلاف ذلك.

المسألة 132:

الآلات و الأثاث و الفرش و الأجهزة التي تجعل في المساجد أو المشاهد و أدوات التبريد و التدفئة و الإضاءة و تكبير الصوت التي تكون فيها، ليست أجزاء من المسجد أو المشهد، فلا تلحقها أحكامها، و انما هي موقوفات مستقلة للانتفاع بها في المسجد أو المشهد ما دام الانتفاع بها ممكنا و أعيانها باقية، و ان أصبح الانتفاع بها قليلا أو كان بصورة غير معتادة كما إذا استعمل الفراش سترا للنساء، أو ظلالا يقي عن الشمس أو البرد.

و إذا استغنى المسجد أو المشهد عن بعض هذه الأشياء استغناء تاما بحيث تعد ضائعة و يكون إبقاؤها فيه سببا لتلفها نقلت من ذلك المسجد الى مسجد آخر و من ذلك المشهد الى مشهد غيره، فان لم يوجد المماثل أو لم يمكن النقل اليه جعلت في الأقرب فالأقرب إلى المصلحة الأولى الموقوف عليها، فان لم يمكن الانتفاع بها و كان بقاؤها موجبا للتلف، بيعت الأعيان و صرفت أثمانها في مصالح المسجد أو المشهد الذي وقفت عليه، و

إذا استغنى عن أثمانها صرفت في مصلحة تماثله من مسجد أو مشهد آخر فإذا استغنى عنها صرفت في الأقرب فالأقرب إليه من المصالح.

المسألة 133:

تقدم منا قريبا و في مواضع أخرى أن العين متى تم وقفها و اجتمعت شروط صحة الوقف فيها، لم يجز بيعها و لا المعاوضة عليها بهبة أو صلح أو غيرهما من المعاوضات أو النواقل، و الحكم بذلك اتفاقي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 153

لا خلاف فيه، و قد استثني من ذلك عدة موارد يصح فيها بيع العين الموقوفة و المعاوضة عليها.

(المورد الأول): أن يخرب الوقف فلا تبقى له أي منفعة يمكن أن تستوفى الا بإتلاف عينه، كالحيوان الموقوف إذا وقذه المرض حتى أشرف على الموت، أو تردى في بئر أو من شاهق أو أشرف على الهلاك بسبب آخر فاضطر الى ذبحه و بيع لحمه، و كالفراش الموقوف إذا تخرق و تمزق و كالجذع الموقوف إذا بلي، فان العين الموقوفة في هذه الأمثلة و شبهها لا تبقى لها فائدة إلا بأكلها أو جعلها وقودا و إتلاف عينها بذلك، فيبطل وقفها و يصح بيعها و المعاوضة عليها.

المسألة 134:

(المورد الثاني): أن يخرب الوقف حتى يعد بين الناس معدوم الفوائد و المنافع و لا ينافي ذلك أن تبقى له منفعة قليلة لا يعتد أهل العرف بوجودها لقلتها و يحلقونها بالمعدوم، كما إذا جف ماء البستان الموقوف و تقلعت نخيله و يبست أشجاره و لم يمكن تجديده و بقي أرضا يابسة لا فائدة فيها سوى أن تؤجر لبعض الأمور بشي ء زهيد، و الحكم في هذا المورد كما في سابقه هو بطلان الوقف و جواز بيع العين و المعاوضة عليها و كذلك الحكم إذا سقطت العين عن الانتفاع بها أصلا بسبب آخر غير الخراب أو سقطت عن الانتفاع بها حتى أصبحت معدومة المنفعة في نظر أهل العرف و ان بقيت لها

منفعة قليلة تلحق بالمعدوم و كان ذلك بسبب آخر غير الخراب.

المسألة 135:

(المورد الثالث): أن تتجدد أحداث أو تطرأ طوارئ يعلم معها بأن بقاء الوقف يستوجب خراب العين و بقاءها بغير منفعة أصلا فتكون من المورد الأول، أو يعلم معها بأن بقاءه يؤدي الى ذهاب جميع منافع العين التي يعتد بها الناس، و لا تبقى لها إلا منفعة يسيرة يلحقها أهل العرف لقلتها بالمعدوم فتكون من المورد الثاني، أو يظن ظنا يطمئن به عامة العقلاء و يعتمدون عليه بأن بقاء الوقف يؤدي الى أحدهما.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 154

و الحكم في هذا المورد هو أن يؤخر الوقف الى آخر زمان يمكن فيه بقاء الوقف و استيفاء منفعته، فإذا انتهى ذلك جاز بيع الوقف و المعاوضة عليه، و لا يصح بيعه و لا المعاوضة عليه قبل ذلك.

المسألة 136:

(المورد الرابع): أن يقف الرجل العين، و يلاحظ فيها أن يكون لها عنوان خاص يجعله قواما للعين الموقوفة، و للمنفعة المقصودة من وقفها، و يجعل وقفه للعين دائرا مدار وجود ذلك العنوان و بقائه، فيلاحظ أن تكون العين الموقوفة حماما مثلا، و يكون ذلك هو العنوان المقوم لوقف العين بحيث يكون الانتفاع المقصود من الوقف مقيدا بأن يكون من هذا السبيل، أو يلاحظ أن تكون العين دارا للسكنى أو بستانا ينتفع الموقوف عليهم بثماره و نمائه، و نتيجة ذلك أن يكون الوقف مقيدا ببقاء ذلك العنوان الخاص، فإذا زال العنوان و لم يمكن تجديده بطل وقف العين و صح بيعها و المعاوضة عليها و ان وجدت لها منافع أخرى يمكن ان تستوفى بعد زوال العنوان.

المسألة 137:

(المورد الخامس): أن يقف الواقف العين و يشترط في صيغة وقفه أن تباع العين الموقوفة إذا احتاج الموقوف عليهم الى بيع العين، أو إذا قلت المنفعة منها، أو إذا طرأ طارئ معين آخر، فيكون أصل الوقف مقيدا بعدم حدوث ذلك الأمر، فإذا حدث ذلك الشي ء بطل الوقف و صح بيع العين.

المسألة 138:

إذا انهدم المسجد أو هدمه أحد لتجديد عمارته أو إصلاحه جرى في انقاضه و أخشابه و أجزائه الحكم المتقدم، فإن أمكن الانتفاع بنفس الانقاض و الأجزاء في المسجد نفسه وجب ان ترجع اليه و تستدخل في عمارته، و ان لم يمكن ذلك، و أمكن نقلها بأعيانها إلى مسجد آخر و الانتفاع بها في إصلاحه و ترميمه أو تعميره وجب ذلك و تعين، و إذا لم يمكن ذلك جاز بيع الانقاض و الاجزاء و المعاوضة عليها و يصرف ثمنها في حاجات المسجد الأصلي على الأحوط، و إذا استغنى المسجد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 155

الأصلي عنه، صرف الثمن في حاجات مسجد غيره، فإذا لم يوجد أو لم يمكن ذلك صرف في الأقرب فالأقرب إليه من المصالح.

المسألة 139:

إذا خرب الوقف و ذهبت جميع منافعه، و أمكن أن يباع بعضه و يعمر الباقي بثمن البعض المبيع لزم ذلك على الأحوط و لا يباع الجميع، و إذا خرب بعض الوقف و كان البعض الآخر محتاجا إلى الإصلاح جاز أن يباع البعض الخرب و يصرف ثمنه في إصلاح البعض الآخر.

المسألة 140:

إذا طرأ أحد مسوغات بيع الوقف المتقدم بيانها، و أريد بيعه، رجع في ذلك الى الحاكم الشرعي فيكون هو أو وكيله المتولي لبيعه، و هذا في جميع الأعيان الموقوفة التي يجوز بيعها، نعم، إذا كان الوقف على اشخاص معينين كالوقف على الذرية أو على زيد و ذريته، و أريد بيعه فالأحوط أن يرجع فيه الى الحاكم الشرعي و الموقوف عليهم معا.

المسألة 141:

إذا بيع الوقف، فالأحوط لزوما أن يشتري بثمنه ملكا و يجعله وقفا على نهج الوقف الأول المبيع.

المسألة 142:

قد يلاحظ الإنسان في وقفه للعين أنه يسبل المنفعة المقصودة بذاتها للأشخاص أو العنوان أو الجهة الموقوف عليها على نحو تمليك المنفعة أو على نحو صرف المنفعة عليها من غير تمليك كما إذا وقف ضيعته أو بستانه أو بنايته على الذرية أو على العلماء أو على السادة مثلا، أو وقفها على المسجد أو المشهد أو المأتم، و يسمى هذا القسم، وقف منفعة، و قد يلاحظ أنه يسبل الانتفاع بالمنفعة المقصودة، كما إذا وقف الدار لسكنى ذريته فيها و وقف الشارع و القنطرة لمرور المارين و العابرين و وقف المدرسة لسكنى طلاب العلم فيها، و وقف الخان لنزول المسافرين، و يسمى هذا القسم وقف انتفاع.

و لا ينبغي الريب في أن ما يوقف من الأشياء وقف منفعة تجوز إجارته، سواء كان وقفا عاما أم خاصا و سواء كان على أشخاص أم على عنوان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 156

أم على مصلحة، فإن المقصود أن تصل المنفعة إلى الموقوف عليه ليستوفيها أو يستوفى بدلها، و اما ما كان وقفه وقف انتفاع كما في الأمثلة المتقدم ذكرها، فلا تجوز إجارتها فلا تصح للذرية اجارة الدار الموقوفة لسكناهم فيها، و لا تصح للطلاب اجارة المدرسة الموقوفة لسكناهم و دراستهم فيها، و لا للعابرين و المارين اجارة الشارع و القنطرة.

المسألة 143:

إذا كانت العين موقوفة على الذرية أو على غيرهم وقفا مرتبا، فآجرها البطن الأول من الموقوف عليهم مدة معينة، ثم انقرض البطن الأول قبل أن تنقضي مدة الإجارة، بطلت الإجارة في بقية المدة، فإذا أراد البطن الثاني إبقاء الإجارة، فلا بد له من إنشاء اجارة جديدة على الأحوط و لا يكفي أن يجيزوا الإجارة الأولى لأنهم لم يكونوا مالكين في حال

الإجارة.

و كذلك الحكم إذا كان وقف العين على نحو التشريك، و آجرها الموجودون من الموقوف عليهم مدة، ثم ولد من يشاركهم في منفعة الوقف، فلا تصح الإجارة الأولى في حصة المولود الجديد، و لا بد من الإجارة لحصته بعد أن يولد على الأحوط، و لا تكفي إجازة الإجارة الأولى، لأن المجيز لم يكن مالكا حين الإجارة.

المسألة 144:

إذا آجر المتولي العين الموقوفة مدة معينة، و كانت إجارته لمصلحة الوقف، ثم انقرض البطن الأول جميعهم قبل أن ينقضي مدة الإجارة نفذت اجارة المتولي على البطن الثاني و استحقوا حصتهم من الأجرة، و كذلك إذا كانت إجارة المتولي لمصلحة البطون و كانت ولايته شاملة لهم فتصح إجارته في الجميع و يستحق البطن الثاني حصته من الأجرة.

و كذلك الحكم إذا كان الوقف على نحو التشريك، و آجر المتولي العين ثم ولد من يشارك السابقين في الوقف عليهم، فتصح اجارة المتولي في الصورتين المذكورتين، و يستحق المولود الجديد حصته من مال الأجرة.

المسألة 145:

يجوز للرجل أن يقف البستان أو الضيعة و يستثني لنفسه منها نخلة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 157

معينة أو شجرة معينة أو أكثر، فيكون المستثنى ملكا للواقف و لا يدخل في الوقف، و يجوز له إبقاؤها في الأرض، و يصح له الدخول إليها و الخروج عنها بمقدار ما يحتاج إليه في صلاح ملكه و الانتفاع به و لا يحق للموقوف عليه قلعها.

و إذا انقلعت شجرة الواقف أو نخلته المستثناة فلا حق له في مكانها من الأرض فلا يجوز له أن يغرس فيه نخلة أو شجرة أخرى بدلها.

و يجوز له أن يقف الدار و يستثني لنفسه غرفة معينة منها، فيصح له الدخول إليها و الخروج منها متى أراد، و تكون أرض الغرفة ملكا له، فإذا انهدمت الغرفة بقيت أرضها ملكا له، فيصح له البناء فيها.

المسألة 146:

ما يخرج من الفسيل في النخيل أو الأرض الموقوفة بعد وقفها لا يدخل في الوقف، بل يكون من منافعه و نمائه، فإذا نمى الفسيل في موضعه و صار نخلا أو قلع و غرس في موضع آخر من الأرض الموقوفة حتى أصبح نخلا لم يمكن وقفا بل يكون ذلك النخل و ثمره من نماء الوقف، و نتيجة لذلك فيصح بيعه و المعاوضة عليه و يصرف ثمنه على الأشخاص الموقوف عليهم و في الجهة الموقوف عليها.

و كذلك الحكم في الأغصان التي تقطع من الشجر لإصلاحه، فإذا غرست و نمت و أصبحت شجرا مثمرا لم تكن من الوقف بل تكون من نمائه، فيجوز بيعها كما تباع منافع الوقف الأخرى و يصرف ثمنها في مصارف منفعة الوقف، و اما فسيل النخيل و ودي الأشجار الصغيرة الموجودة في حين إنشاء الوقف فهي داخلة في الوقف فتجري

فيها أحكام العين الموقوفة، فلا يجوز بيعها و المعاوضة عليها إلا إذا جاز بيع الوقف لأحد المسوغات الآنف ذكرها.

المسألة 147:

إذا وقف المالك حصته من العين المشتركة بينه و بين صاحبه صح وقفه، فإذا قبض الموقوف عليه الحصة الموقوفة تم وقفها و نفذ، و كذلك إذا وقف المالك حصة معلومة من العين التي يملك جميعها كما إذا وقف نصف داره أو نصف ضيعته فيصح الوقف، و تكون العين مشتركة بين

كلمة التقوى، ج 6، ص: 158

الوقف و الملك الطلق، و تصح القسمة بتمييز أحدهما عن الآخر، و يتبع الطريق الذي ذكرناه في فصل القسمة من كتاب الشركة، و يتولى القسمة بينهما متولي الوقف و مالك الحصة المملوكة، و إذا لم يكن للوقف متول مخصوص تولاها الحاكم الشرعي أو منصوبه، و الأحوط أن يشترك الحاكم الشرعي مع الموقوف عليهم في تولي القسمة.

و تصح قسمة العين المشتركة بين وقفين، سواء كان الواقف واحدا أم متعددا، و مثال الأول أن تكون الضيعة مشتركة بين زيد و عمرو على سبيل الإشاعة بينهما، فيقف كل واحد منهما حصته من الضيعة على أولاده، و مثال الثاني أن تكون الضيعة كلها مملوكة لزيد، فيقف نصفها المشاع على الفقراء و يقف نصفها الآخر على اليتامى.

و اما قسمة الوقف الواحد على الموقوف عليهم إذا تعددوا، فيشكل الحكم بصحتها، و خصوصا إذا كانوا بطونا مترتبين.

المسألة 148:

إذا شرط الواقف في صيغة الوقف شرطا و كان الشرط صحيحا مشروعا، وجب العمل به، فإذا شرط على الموقوف عليه أن يتصدق في كل شهر بمقدار معين مثلا أو أن يطعم عددا معلوما من المؤمنين لزمه ذلك، و إذا شرط عليه أن لا يؤجر العين أكثر من سنة لم تجز له المخالفة.

المسألة 149:

يثبت كون العين موقوفة بالشياع إذا أفاد العلم أو أفاد الاطمئنان بذلك، و يثبت بالبينة الشرعية، و بإقرار صاحب اليد على العين بأنه وقفها، و بإقرار ورثته من بعده جميعا بأن مورثهم قد وقف العين، و إذا أقر بعضهم دون بعض ثبت الوقف في حصة المقر، و ثبت كذلك في حصة الآخرين من الورثة إذا توفرت في المقر شروط البينة الشرعية، فإذا لم تتوفر فيه شروطها لم ينفذ إقراره في حقهم، و هذا إذا لم يكن الورثة أصحاب يد بالفعل على العين الموقوفة.

المسألة 150:

يقبل اخبار صاحب اليد على العين بأصل الوقف كما ذكرنا، و يقبل اخباره بالخصوصيات التي يكون عليها الوقف، فإذا أخبر بأن الوقف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 159

ترتيبي أو تشريكي، أو بأنه على الذكور و الإناث أو على الذكور فقط، أو بأنه على وجه التساوي بين الموقوف عليهم أو على وجه الاختلاف في الحصص بينهم، قبل قوله و نفذ.

و يقبل اخبار صاحب اليد أيضا إذا كان اخباره بفعله لا بقوله، و مثال ذلك: ان تكون العين تحت يده و هو يتصرف فيها و يعاملها معاملة العين الموقوفة من غير معارض، فيثبت الوقف بهذا الاخبار و كذلك إذا كان يتصرف في العين على نهج الوقف الترتيبي أو التشريكي بين الطبقات أو على الذكور و الإناث معا أو على الذكور خاصة، و على وجه التساوي في الحصص أو الاختلاف فيها فيقبل خبره الفعلي بذلك إذا لم يعارضه اخبار بعض أصحاب اليد معه فيتصرف بخلافه.

المسألة 151:

لا يحكم بثبوت الوقف على الكتاب أو المصحف أو الإناء بمجرد وجود كتابة عليه انه وقف ما لم تقم معها قرينة تورث العلم أو الاطمئنان بتحقق وقفه، فلعل المالك كتب ذلك ليقف الشي ء ثم عدل قبل الوقف، فإذا كان الكتاب أو المصحف أو الإناء بيد شخص و هو يدعي ملكيته جاز الشراء منه إذا لم يعلم أو يطمئن بثبوت الوقف من بعض القرائن الحافة به.

و كذلك إذا ظهرت ورقة كتب عليها ان زيدا وقف داره المعلومة أو بستانه المعين لم يثبت الوقف بمجرد ذلك ما لم يقترن بأمارات أو عبارات تدل على الاعتراف بوقوع الوقف منه مع توقيعه عليه أو شهادات موثوقين بذلك، و لا يكفي مجرد كون الورقة بخطه، فلعله كتبها قبل

الوقف ثم عدل عنه كما قلنا.

المسألة 152:

إذا كانت في يد الإنسان ضيعة أو عين أخرى و هو يتصرف في العين على انها ملكه حكم بأنها ملكه كذلك و ترتبت عليها آثار الملك شرعا و أجاز شراؤها منه و شراء ثمارها و استئجارها و ان علم بأن العين في السابق كانت وقفا أو ثبت ذلك بالبينة، لاحتمال عروض بعض مسوغات بيع الوقف فبيعت العين على ذلك الشخص أو على مورثه، فيحكم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 160

بأن العين ملكه بمقتضى يده و لا تنتزع من يده إلا إذا ثبت أنها وقف بالفعل.

و إذا ادعى أحد أن هذه العين كانت وقفا على آبائه نسلا بعد نسل، فأقر الإنسان الذي هي في يده بأنها كانت وقفا ثم طرأ أحد مسوغات البيع، فبيعت عليه، أخذ بإقراره بأنها كانت وقفا، و انتزعت العين من يده حتى يثبت كلا الأمرين اللذين ادعاهما، و هما عروض أحد المسوغات للبيع و شراؤه للعين.

المسألة 153:

قد يقف الإنسان داره أو بستانه أو ضيعته من أجل أن يتحقق له غرض خاص يرغب في حصوله، و قد جعل وقف العين وسيلة لتحقق تلك الرغبة، و لا تتوقف صحة الوقف على حصول الرغبة التي أرادها، فإذا وقف العين و لم يحصل الغرض لم يبطل الوقف.

و مثال ذلك أن تكون للرجل رغبة ملحة في أن يستعين أولاده على طلب العلم بتهيئة موضع السكنى لهم أو بتوفير سبب المعيشة في حياتهم فيقف عليهم الدار ليسكنوها و الضيعة لينتفعوا بها، أو أن يتخلصوا بذلك من بعض النزاعات، فإذا لم تحصل له تلك الرغبة لم يبطل الوقف، و هذا الحكم عام في جميع المعاملات، فلا يبطل العقد أو الإيقاع إذا تخلفت الرغبة التي أرادها من إنشاء تلك المعاملات،

فلم يحصل له الربح من ذلك البيع أو الشراء و لم تحصل الغاية المبتغاة من ذلك التزويج.

المسألة 154:

لا تجب الزكاة في العين الموقوفة إذا كانت من الأعيان الزكوية، فلا زكاة فيها على الواقف لخروجها عن ملكه، و لا على الموقوف عليهم و ان قيل بملكهم للعين، و بلغت مقدار النصاب، و لا تجب الزكاة في منفعة العين إذا كان الوقف على نحو صرف المنفعة على الموقوف عليهم من غير تمليك، كما إذا وقف الضيعة على إطعام أولاده أو على كسوتهم أو تزويجهم، أو على إطعام الفقراء، فلا تجب الزكاة لعدم الملك كما ذكرنا و ان بلغت حصة الفرد منهم مقدار النصاب.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 161

و إذا كان الوقف على أشخاص الموقوف عليهم بنحو تمليك المنفعة لهم و كانت المنفعة من الأعيان الزكوية كالتمر و الزبيب، وجبت الزكاة على من تبلغ حصته منهم مقدار النصاب أو تزيد عليه.

و إذا كان الوقف على عنوان عام للأفراد بنحو تمليك المنفعة، كما إذا وقف البستان على الفقراء، لم تجب الزكاة أيضا إذا كان قبض الفرد لحصته بعد وقت تعلق الزكاة بالغلة، لعدم الملك، فان الفرد لا يملك الحصة من المنفعة حتى يقبضها، فإذا قبضها بعد الوقت لم تجب عليه الزكاة.

نعم إذا أعطى الولي الفرد الفقير مقدارا من منفعة الوقف قبل زمان تعلق الزكاة بها و بقيت في ملكه حتى حل الوقت وجبت الزكاة في حصته، إذا بلغت حد النصاب، و قد ذكرنا في المسألة الحادية و الثمانين من كتاب الزكاة في هذه الرسالة وقت تعلق الزكاة بالغلة فلتراجع.

المسألة 155:

تعارف بين الناس أن يجمعوا المال من الأفراد المتبرعين لإقامة بعض الشعائر المطلوبة فيجمع أهل البلد أو القرية الأموال منهم لإقامة مأتم الحسين (ع) في بلدهم أو في قريتهم، و يجمعها صنف خاص من العمال أو من

القبائل لإقامة مأتم لهم، أو لإطعام الطعام في أيام معلومة بمناسبة معلومة، و يجمعونها كذلك ليذهبوا مجتمعين الى كربلاء لزيارة الحسين (ع) في الأربعين و اقامة المأتم و العزاء فيها، و يجمعونها ليذهبوا مجتمعين الى زيارات أخرى و يقيموا العزاء و الإطعام بمناسبات أخرى، و هي على الأقوى: نوع خاص من الصدقات و البذل في قربات خاصة يشترط صرفه في تلك الجهات المعينة.

و نتيجة لذلك فلا يبقى المال بعد دفعه بهذا القصد ملكا لصاحبه و لا تترتب عليه آثار ملكه، فلا يحق لصاحبه الذي بذله للجهة أن يرجع به الا إذا شرط ذلك فترك الاشتراك في المشروع، و لا يرثه وارثه إذا مات قبل أن يصرف المال، و لا يحل لدائنه أن يأخذ المال وفاء لدينه.

و إذا اجتمع المال و لم يمكن صرفه في الجهة المشترطة أو زاد على المقدار المحتاج الى صرفه، فإن أمكن تأخيره مدة و صرفه في الجهة المعينة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 162

لزم ذلك، و ان تعذر ذلك أو لم يمكن حفظ المال، صرف على الأحوط في ما هو أقرب فأقرب إلى تلك الجهة المشترطة.

المسألة 156:

إذا دفع المالك المال الى الشخص الذي يتولى جمع المال من المتبرعين للمناسبة المتقدم ذكرها، و ظهر من القرائن أنه انما يدفع المال أمانة بيد الشخص، الآخذ و يراه وكيلا عنه في صرف المال في الجهة المعلومة، لم يخرج المال عن ملك صاحبه بهذا الدفع، فيجوز له أن يسترد المال قبل صرفه و إذا مات المالك قبل صرفه رجع ميراثا لوارثه، و لدائنه ان يرجع على الآخذ فيأخذ المال وفاء لدينه إذا فلس أو مات و قصرت تركته عن ديونه، و إذا تعذر صرف المال

في الجهة المعينة وجب على الآخذ مراجعته في صرف المال، و كذلك الحكم إذا احتمل انه انما دفع المال كذلك و لم تدل القرائن على شي ء.

المسألة 157:

قد تجمع الأموال من المتبرعين بها لبناء مسجد، أو لبناء حسينية، أو لإقامة مشروع ديني آخر، و الحكم في المال المجتمع نظير ما تقدم، فهو نوع خاص من الصدقات و القربات الخاصة، و لا بد بعد جمعه من صرفه في الجهة المعينة التي بذل لها، الى آخر ما ذكرناه في المسألتين المتقدمتين و إذا قام الآخذ ببناء المسجد و إنشاء وقفه، أو ببناء الحسينية و إنشاء وقفها بالأموال المتبرع بها صح وقفها على النهج الذي قام به و جمع المال من أجله، فان المتبرعين قد فوضوا الأمر إليه في ذلك، و إذا زاد المال المتبرع به عن بناء المسجد و أراد المتولي للصرف أن يبني به مرافق للمسجد مثلا و مواضع للتطهير و نحو ذلك مما يحتاج المسجد اليه جاز له ذلك إذا كان المتبرعون قد فوضوا له الأمر أو كان ذلك هو الأقرب الى الجهة المتبرع لها، و كذلك إذا زاد المال المجتمع عن بناء الحسينية، فأراد أن ينشئ لها مرافق و موضعا للطبخ، و مخزنا لحفظ الأثاث و الأدوات و الفرش و نحو ذلك.

المسألة 158:

إذا دفع بعض المشتركين في جمع المال لبناء المسجد شيئا من الزكاة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 163

من سهم سبيل اللّه، فعليه أن يعلم آخذ المال بذلك ليضعه في الموضع الذي يصح وضعه فيه، و على الآخذ أن يرجع في ذلك الى أهل المعرفة ليضع الأمور في مواردها، و إذا أراد ان يدفع شيئا من حق الامام (ع) فعليه أن يستعلم عن فتوى مقلده في ذلك و يستأذن فيه إذا كان محتاجا الى الاذن، و عليه أن يعلم آخذ المال بذلك ليضع كل شي ء في موضعه الصحيح.

الفصل السابع في الحبس و أخواته
المسألة 159:

الفارق الأساس بين الوقف و الحبس ان وقف العين يوجب زوال ملك المالك عنها في جميع أقسام الوقف سواء كان وقفا على جهة عامة أو خاصة أم كان وقفا على عنوان كذلك أم كان وقفا على اشخاص، كما ذكرنا في المسألة المائة و الثالثة عشرة، على اشكال في الوقف إذا كان منقطع الأخير، و أن حبس العين لا يوجب زوال الملك عنها، و انما يوجب لزوم صرف نماء العين و منافعها على الناحية التي ذكرها الحابس و على الوجه الخاص أو العام الذي عينه في إنشائه.

المسألة 160:

يصح الحبس على كل ما يصح الوقف عليه و يمنع عن كل ما يمنع الوقف عليه، و تجري فيه اقسامه المتقدم ذكرها، فقد يكون الحبس على جهة من الجهات، فيحبس الرجل ملكه على مسجد أو على مشهد أو على حسينية أو مدرسة، و قد يكون على عنوان من العناوين، فيحبس ملكه على العلماء أو على الطلاب أو على الفقراء أو اليتامى، و قد يكون على اشخاص معينين فيحبس الملك على ولده علي أو على أخيه زيد و ذريته، و نحو ذلك مما يجري في الوقف.

المسألة 161:

يعتبر في التحبيس قبض العين المحبوسة، و يعتبر كذلك أن يقصد الحابس القربة بحبسه للعين، و هل الشرطان المذكوران شرطان في صحة التحبيس أم هما شرطان في لزومه، لا يبعد الثاني، و ان كان الأحوط

كلمة التقوى، ج 6، ص: 164

الأول، فلا ينبغي تركهما، فإذا لم يحصل القبض حتى مات المالك أشكل الحكم بصحة الحبس.

المسألة 162:

إذا حبس الرجل بعض ما يملكه على سبيل معين من سبل الخير، أو على موقع من مواقع العبادات كالكعبة المعظمة أو أحد المشاهد المشرفة أو أحد المساجد، أو على مطلق سبيل اللّه، على ان تصرف منافع العين على تلك الجهة، فقد يطلق الحابس إنشاءه، فلا يقيده بدوام و لا بمدة معينة فيكون حبسه لازما، فلا يجوز له الرجوع فيه ما دامت العين موجودة، و كذلك إذا قيد إنشاء حبسه بالدوام، فلا يجوز له الرجوع فيه، و لا يرث المنفعة وارثه إذا مات، و إذا حبس ملكه على الجهة مدة معينة كان حبسه لازما في تلك المدة، فلا يجوز له الرجوع فيها، فإذا انتهت المدة انتهى تحبيس المال و رجع الى المالك إذا كان موجودا و الى وارثه إذا كان ميتا.

المسألة 163:

إذا حبس الرجل بعض ما يملكه على شخص معين أو على عدة أشخاص مدة معلومة و قصد الحابس القربة و تحقق القبض كما ذكرنا كان الحبس لازما في المدة المعلومة، فلا يجوز للحابس الرجوع في حبسه ما دامت المدة، فإذا انقضت رجع المال الى المالك إذا كان حيا، و الى وارثه إذا كان ميتا، و إذا مات الحابس قبل ان تنقضي المدة لم ينته الحبس بموته، بل يبقى حتى تنتهي المدة، ثم يعود بعدها ميراثا، و كذلك إذا حبس ملكه على الشخص مدة حياة ذلك الشخص، فيجري فيه الحكم على التفصيل الآنف ذكره.

و إذا حبس الرجل ملكه على شخص مدة حياة الحابس نفسه لم يجز الرجوع به في حياة الحابس، فإذا مات رجع بعده ميراثا.

و كذلك إذا حبس ملكه على شخص و لم يذكر للتحبيس مدة معلومة و لا حدده بحياة أحدهما، كان الحبس لازما

الى موت الحابس، فإذا مات رجع بعد موته ميراثا، و لا يبطل بموت الشخص المحبس عليه و تنتقل المنفعة بعده الى ورثته.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 165

المسألة 164:

إذا حبس الرجل ملكه على أحد العناوين مدة معينة فقال: حبست داري على اليتامى أو على المساكين مدة عشر سنين، كان الحبس لازما في المدة المعينة، فلا يجوز للحابس الرجوع فيها، و إذا أطلق الحبس و لم يعين له مدة كان الحبس لازما ما دام الحابس حيا، فإذا مات رجع ميراثا.

المسألة 165:

إذا حبس الإنسان العين المملوكة له على أن تصرف منفعتها في جهة معينة كان ذلك إيقاعا كما هو الشأن في الوقف، فيكفي في تحققه إنشاء الإيجاب من المالك و لا يحتاج الى قبول، و إذا حبس العين على شخص أو على أشخاص معينين، ففي اعتبار القبول في صحته تأمل، و ان كان اعتباره أحوط فلا يترك الإتيان به، و يكفي فيه اي لفظ يدل على الرضا بالتحبيس عليه.

المسألة 166:

تلحق بالحبس أمور ثلاثة: (السكنى) و (العمرى) و (الرقبى)، و هي من العقود فلا بد في كل واحد منها من الإيجاب و القبول، و لا بد في كل واحد منها من أن تجتمع فيه شروط العقد و شروط المتعاقدين و قد ذكرناها مفصلة في كتاب التجارة فليرجع إلى المسائل المتعلقة بذلك من الكتاب المذكور.

المسألة 167:

يختص عقد (السكنى) بالمساكن و لا يجري في غيرها من الأعيان المملوكة، فإذا سلط المالك أحد على سكنى داره أو سكنى شقة من شقق عمارته مع بقاء العين على ملك المالك سمي ذلك (سكنى) و يقع الإيجاب في عقد السكنى بكل لفظ يدل على تسليط الساكن على سكنى المنزل المعين، فيقول المالك له: أسكنتك داري المعلومة أو شقتي المعينة، أو جعلت لك سكناها، و نحو ذلك مما يقع به الإنشاء المقصود، و يحصل القبول بأي لفظ يدل على رضا الساكن بالإيجاب المذكور فيقول: قبلت أو رضيت أو نحوهما.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 166

المسألة 168:

إذا أسكن المالك أحدا داره، فقد يعين للاسكان مدة محددة فيقول له أسكنتك داري مدة خمس سنين، و قد يسكنه إياها مدة عمر الساكن نفسه، فيقول له: أسكنتك الدار مدة عمرك أو مدة حياتك، أو ما حييت، أو نحو ذلك، و قد يسكنه إياها مدة عمر المالك فيقول له أسكنتك الدار مدة حياتي أو مدة عمري أو ما بقيت حيا أو نحو ذلك، و قد يطلق المالك الإسكان فلا يذكر له مدة معينة و لا يقيده بعمر المالك و لا بعمر الساكن.

المسألة 169:

يعتبر في السكنى و في العمرى و الرقبى أن يقبض الساكن العين على الأحوط كما تقدم في الحبس، فإذا لم يحصل القبض حتى مات المالك ففي صحة العقد إشكال.

المسألة 170:

إذا أسكن المالك شخصا داره مدة معينة كما إذا أسكنه الدار مدة خمس سنين سميت سكنى كما تقدم و سميت رقبى أيضا، فيصح أن ينشئ الإيجاب بقوله أرقبتك الدار مدة خمس سنين، فإذا تم الإيجاب و القبول بأحد النحوين المذكورين و حصل القبض لزم العقد، فلا يجوز للمالك الرجوع في إسكانه ما دامت المدة المضروبة، و لا يحق له ان يخرج الساكن من الدار قبل ان تنتهي المدة، و إذا انقضت رجع المسكن الى المالك إذا كان موجودا و الى وارثه إذا كان ميتا.

المسألة 171:

إذا اسكن المالك الشخص منزله مدة عمر الساكن أو مدة عمر المالك، و أجرى العقد على ذلك سميت سكنى كما تقدم، و سميت عمري أيضا، فيصح له أن ينشئ العقد بقوله: أعمرتك الدار مدة حياتك أو مدة حياتي، فإذا تم الإيجاب و القبول بين المالك و الساكن على أحد الوجهين، و حصل القبض من الساكن لزم العقد، فلا يجوز للمالك ان يرجع بإسكانه أو إعماره ما دامت حياة أحدهما الذي قدرت العمرى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 167

بمدة حياته، فإذا انتهت المدة المضروبة رجع المسكن الى المالك أو الى وارثه.

المسألة 172:

إذا كان اعمار الدار مقدرا بمدة عمر المالك فمات الساكن في حياة المالك، فان كان المالك قد جعل للساكن في عقد العمرى مجرد الانتفاع بالسكنى له و لتوابعه مدة عمر المالك، لم تنتقل السكنى إلى ورثة الساكن بعد موته بل ترجع الى المالك، و ان كان المالك قد جعل للساكن في العقد تمليك السكنى ما دام المالك حيا، انتقلت السكنى بعد موت الساكن الى ورثته فيملكونها ما دام المالك حيا، و إذا مات المالك رجعت الى ورثته.

و كذلك الحكم في إسكان الدار مدة معينة الذي ذكرناه في المسألة المائة و السبعين إذا مات الساكن في المدة، فتنتقل السكنى الى ورثته في الفرض الثاني، و ترجع الى المالك في الفرض الأول.

المسألة 173:

إذا قال المالك لأحد: أسكنتك هذه الدار لك و لعقبك من بعدك، و قبل الرجل، و قبض الدار لزم العقد و لم يجز للمالك و لا لورثته الرجوع في العقد ما دام الساكن موجودا و ما دام عقبه، فإذا انقرض و انقرض عقبه رجعت الدار الى المالك و الى ورثته إذا كان ميتا.

المسألة 174:

إذا أسكن المالك الشخص و أطلق عقد السكنى، و لم يعين له مدة معلومة، و لا قيده بعمر الساكن و لا بعمر المالك، و حصل القبول و القبض من الساكن لزم العقد، و وجبت له السكنى بما يتحقق معه مسمى الإسكان و لو مدة يسيرة، و جاز للمالك بعد ذلك ان يرجع بالسكنى و يأمره بالخروج في أي وقت أراد.

المسألة 175:

إذا ثبت للساكن أو لورثته حق السكنى في المنزل بعد موت المالك في المواضع التي ذكرناها في ما سبق، لم يجز لورثة المالك إخراجهم من المنزل الى ان تنتهي المدة المحددة لسكناهم.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 168

المسألة 176:

إذا أطلق المالك عقد السكنى جاز للساكن ان يسكن في الدار هو و أهله و أولاده و خدمه و ضيوفه و من جرت العادة بأن يسكن معه، و الحيوان و الدابة التابعة له إذا كان في المنزل موضع معد لذلك، و يصح له أن يقتني ما جرت العادة لمثله باقتنائه من أثاث و أمتعة و غلات و أدوات و نحوها مما يعد من شؤونه و توابعه.

المسألة 177:

لا يجوز على الأحوط للساكن أن يؤجر الدار الذي استحق السكنى فيها بعقد السكنى أو العمرى أو الرقبى، أو أن يعيرها لغيره أو يهب له سكناها أو يصالحه عليها، على تأمل في ذلك و لكنه احتياط لا يترك.

المسألة 178:

لا تخرج العين المحبوسة و لا الدار المعقود عليها بعقد السكنى أو العمرى أو الرقبى عن ملك مالكها، فيجوز للمالك بيع العين، و لا يبطل ببيعها عقد السكنى و لا العمرى و الرقبى، فيبقى للساكن حق السكنى فيها على الوجه الذي جعله المالك له في العقد، و تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة، مدة العقد المجعول، و لا يجوز للمشتري ابطال العقود التي أجراها المالك، و إذا كان المشتري جاهلا بوجود العقد عليها ثبت له الخيار بين ان يفسخ البيع و أن يمضيه بجميع الثمن.

و تستثنى من ذلك صورة واحدة، و هي ما إذا كانت السكنى مطلقة غير موقتة بمدة و لا بعمر أحدهما و تحقق مسمى الإسكان، فإذا باع المالك العين بقصد فسخ السكنى صح البيع و انفسخ عقد السكنى بذلك.

المسألة 179:

يجري عقد العمرى في غير المساكن من الأعيان المملوكة كالعقار و الأثاث و الحيوان، فكلما يصح وقفه يصح إعماره و تجري فيه أحكام العمرى الآنف ذكرها، و اما عقد الرقبى ففي جريانه في غير المساكن اشكال، فالأحوط ان لم يكن الأقوى إلحاقه بالسكنى، فلا يجري بغير المساكن.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 169

الفصل الثامن في الصدقة
المسألة 180:

توفرت الأدلة بل تواترت، و تآزرت في الدلالة على استحباب الصدقة، و تنوعت ألسنتها في الترغيب فيها و الحث عليها، (فإن الصدقة تقضي الدين و تخلف بالبركة)، كما يقول الإمام أبو عبد اللّه جعفر بن محمد (ع)، و عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع): (البر و الصدقة ينفيان الفقر و يزيدان في العمر، و يدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة السوء)، و عن أبي عبد اللّه (ع) (ان لكل شي ء مفتاحا و مفتاح الرزق الصدقة)، و عن أمير المؤمنين (ع): (إذا أملقتم فتاجروا اللّه بالصدقة)، و عن أبي جعفر (ع) في قول اللّه عز و جل (فَأَمّٰا مَنْ أَعْطىٰ وَ اتَّقىٰ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنىٰ)، قال (ع): (و ان اللّه يعطي بالواحدة عشرة إلى مائة ألف فما زاد).

و عن النبي (ص): (بكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها)، و في وصيته (ص) لعلي (ع): (يا على الصدقة ترد القضاء الذي أبرم إبراما، يا علي صلة الرحم تزيد في العمر، يا علي لا صدقة و ذو رحم محتاج، يا علي لا خير في القول الا مع الفعل، و لا في الصدقة إلا مع النية)، و عن أمير المؤمنين (ع): (الصدقة جنة من النار)، و عن أبي عبد اللّه (ع): (صدقة العلانية تدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء، و صدقة السر تطفئ غضب الرب)، و عنه

(ع): (قال سئل رسول اللّه (ص): أي الصدقة أفضل؟ قال (ص) على ذي الرحم الكاشح)، و المراد به المعادي، و عن أبي عبد اللّه (ع): (لو جرى المعروف على ثمانين كفا لأوجروا كلهم، من غير أن ينقص صاحبه من اجره شيئا).

و يتأكد استحباب الصدقة و يتضاعف أجرها في بعض الأوقات من الأيام المخصوصة كيوم الجمعة و يوم عرفة و أيام الأعياد و شهر رمضان و بعض الأيام و الأشهر الأخرى، و يتأكد استحبابها على الجيران و الأرحام

كلمة التقوى، ج 6، ص: 170

و بعض الأشخاص و الأصناف ممن تكون لهم خصائص تفضلهم على غيرهم من التقوى و العلم و شرف النسبة إلى الرسول (ص) و الفضائل الأخرى.

المسألة 181:

الأقوى الذي تدل عليه ظواهر الأدلة ان الصدقة هي الإحسان بالمال على وجه القربة، و هي تختلف باختلاف مواردها، فقد يكون الإحسان بتمليك المال للمستحق، بهبة أو صلح على وجه القربة فيكون عقدا يفتقر إلى إيجاب و قبول، و يكون ذلك مصداقا من مصاديق الصدقة، و قد يكون الإحسان بوقف العين على المستحق على وجه القربة فيكون من الإيقاع المفتقر إلى الإيجاب وحده، و قد يكون الإحسان بإبراء ذمة المدين المستحق مما عليه من دين و نحوه، فيكتفى فيه بالإيجاب الدال على ذلك، فيقول الدائن: أبرأت ذمة زيد من الدين قربة الى اللّه، و قد يكون الإحسان بدفع شي ء من المال قليل أو كثير للمستحق قربة الى اللّه فيكون من المعاطاة فيها، و قد يكون الإحسان ببذل المال له من مأكول أو ملبوس أو غيرهما قربة الى اللّه، فيكفي فيه الاذن بالتصرف في المال المبذول، و هو في جميع هذه الموارد صدقة و إحسان على وجه القربة تشمله

الأدلة و يتناوله الحث البالغ الذي طفحت به الأدلة و استفاضت و تواترت به النصوص.

المسألة 182:

و قد استبان مما ذكرناه أن الصدقة تختلف كذلك بحسب اختلاف مواردها في اشتراط القبض فيها و عدم اشتراطه، فيشترط فيها القبض إذا كانت عقد هبة أو وقفا أو صلحا على عين مملوكة أو معاطاة بمال و نحوه على وجه القربة، فإن صحة هذه المعاملات مشروطة بالقبض و لا يشترط فيها القبض إذا كانت إبراء لذمة المستحق أو بذل مال له و نحو ذلك.

المسألة 183:

إذا تحققت الصدقة في مورد من مواردها و تحقق قصد القربة و تم ما يعتبر في موردها من عقد أو إيقاع و قبض أو غير ذلك كانت لازمة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 171

لا يجوز الرجوع بها و ان كانت هبة لأجنبي على الأصح، إذا قصد الواهب بها القربة كما هو الشرط في الصدقة.

المسألة 184:

و قد ظهر مما ذكرناه أيضا أن الفارق الأساس بين الصدقة و غيرها مما يتحقق في مواردها هو قصد القربة، فإذا وهب الرجل أو صالح أو أبرأ أو وقف أو أعطى و لم يقصد بفعله التقرب الى اللّه كانت المعاملة هبة و صلحا و إبراء و وقفا و عطية و لم تكن صدقة، و إذا قصد بعمله القربة تحققت المعاملات المذكورة و كانت صدقة أيضا.

المسألة 185:

إذا كان المتصدق هاشميا حلت صدقته لغيره، سواء كان هاشميا أم غير هاشمي، و سواء كانت صدقته زكاة مال أم زكاة فطرة، أم صدقة أخرى واجبة أم مندوبة و تبرأ ذمة المتصدق بأخذه لها مع اجتماع بقية الشرائط فيه.

و يحرم على الهاشمي أن يأخذ زكاة المال أو زكاة الفطرة من غير الهاشمي، و إذا أخذها لم تحل للآخذ و لم تبرأ ذمة الدافع، و يجوز للهاشمي على الأقوى أن يأخذ من غير الهاشمي صدقاته الأخرى سواء كانت واجبة كفدية الصوم، و الكفارات و رد المظالم و ما اشتغلت به الذمة من مجهول المالك و شبهه، أم كانت مندوبة، فيجوز له أخذها من غير الهاشمي، و ان كان الأحوط له استحبابا الاجتناب عن الواجبات منها.

و في جواز أخذه للصدقات اليسيرة التي يقصد بها دفع البلاء و شبه ذلك مما يكون من مراسم الذل و الهوان عادة اشكال، فالأحوط لزوما للهاشمي الاجتناب عنها، بل الأحوط للمتصدق عدم دفعها له.

المسألة 186:

يجوز دفع الصدقة المندوبة للفقير و الغني و للمؤمن و المخالف إذا لم يكن ناصبيا، و للكافر إذا كان ذميا، و لا يجوز دفعها للناصب و الكافر الحربي و ان كانا رحمين قريبين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 172

المسألة 187:

يتضاعف أجر الصدقة إذا كانت سرا، و قد تقدم في حديث الامام الصادق (ع): (ان صدقة السر تطفئ غضب الرب)، و عن أحدهم (ع):

(صدقة السر تطفئ غضب الرب و تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار و تدفع سبعين بابا من البلاء)، و عن النبي (ص): (سبعة يظلهم اللّه في ظله يوم لا ظل الا ظله، الى ان قال (ص): و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لم تعلم يمينه ما تنفق شماله.

المسألة 188:

يستحب استحبابا مؤكدا أن يوسع الرجل على عياله في معيشتهم، و هي أفضل من صدقته على غيرهم، فإذا كان عنده مبلغ من المال و دار أمره بين أن يوسع به على عياله و أن يتصدق ببعضه على من سواهم فالأفضل له أن يختار الأول، و قد ورد عن أبي عبد اللّه (ع): (قال رسول اللّه (ص): أفضل الصدقة صدقة تكون عن فضل الكف)، و عنه (ص):

(كل معروف صدقة و أفضل الصدقة عن ظهر غنى، و ابدأ بمن تعول).

المسألة 189:

الصدقة على الرحم المحتاج أفضل من الصدقة على غيره، و قد تقدم قول الرسول (ص): (لا صدقة و ذو رحم محتاج)، و أفضل من ذلك الصدقة على الرحم الكاشح، و قد تقدم في حديث أبي عبد اللّه (ع) أنه قال: (سئل رسول اللّه أي الصدقة أفضل؟، قال (ص): على ذي الرحم الكاشح)، و المراد به: القريب للإنسان في النسب و هو يضمر له في باطنه العداء.

المسألة 190:

يستحب للرجل أن يكون وسيطا في إيصال الصدقة من المالك الى المستحق، و قد ورد عن الرسول (ص) في بعض خطبة انه قال: (و من تصدق بصدقة عن رجل الى مسكين كان له مثل أجره و لو تداولها أربعون ألف إنسان ثم وصلت الى المسكين كان لهم أجر كامل)، و عن أبي عبد اللّه (ع): (المعطون ثلاثة، اللّه رب العالمين، و صاحب المال، و الذي يجري على يديه).

كلمة التقوى، ج 6، ص: 173

المسألة 191:

يكره للإنسان أن يسترجع الى ملكه مالا دفعه الى المستحقين في صدقاته الواجبة أو المندوبة، فيشتريه من المستحق أو يتهبه منه أو يتسبب الى تملكه منه بسب اختياري آخر، و لا يكره إذا عاد المال الى ملكه بالميراث.

المسألة 192:

يكره للإنسان أن يرد سائلا يسأله و ان كان يظن انه غني غير محتاج، فيعطيه و لو شيئا يسيرا أو يرده ردا جميلا، فقد جاء في بعض كلمات أمير المؤمنين (ع): (ان المسكين رسول اللّه إليكم، فمن منعه فقد منع اللّه، و من أعطاه فقد اعطى اللّه)، و عن أبي عبد اللّه عن أبيه (ع): ان رسول اللّه (ص) قال: (ردوا السائل ببذل يسير و بلين و رحمة).

المسألة 193:

يكره للرجل أن يسأل أحدا و ان كان محتاجا، فعن الامام أبي جعفر (ع): (لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا، و لو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا)، و عن أبي عبد اللّه (ع): (إياكم و سؤال الناس فإنه ذل في الدنيا، و فقر تستعجلونه، و حساب طويل يوم القيامة).

المسألة 194:

لا يجوز للإنسان- على الأحوط، ان لم يكن ذلك هو الأقوى- أن يسأل أحدا من غير حاجة، فعن أبي عبد اللّه (ع): (ما من عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتى يحوجه اللّه إليها، و يثبت اللّه له بها النار)، و عنه (ع): (من سأل من غير فقر فكأنما يأكل الخمر)، و عن أبي جعفر (ع):

(اقسم باللّه و لهو حق- ما فتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح اللّه عليه باب فقر).

كلمة التقوى، ج 6، ص: 175

كتاب الغصب

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 177

كتاب الغصب و فيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول في الغصب و ما يلحق به
المسألة الأولى:

الغصب هو استيلاء الشخص على مال غيره، أو على شي ء من حقوقه ظلما، و قد تطابقت الأدلة على تحريمه و شدة العقاب عليه، و سيأتي ذكر أمور تلحق بالغصب في بعض أحكامه فيكون الشخص المستولي على الشي ء ضامنا له إذا تلف أو إذا طرأ عليه نقص أو عيب، و يجب عليه رده الى صاحبه إذا كان الشي ء موجودا، و ان لم يكن الاستيلاء عليه غصبا محرما.

المسألة الثانية:

قد يتحقق الغصب و الاستيلاء ظلما على كل من العين المملوكة و على منفعتها معها من مالك واحد، و مثال ذلك: أن يأخذ الشخص دار زيد منه و يسكنها ظالما له في كليهما، فيكون غاصبا للدار و غاصبا لمنفعتها من زيد باستيلائه على الدار و على المنفعة، و كلتاهما مملوكتان لزيد نفسه.

و قد يتحقق الغصب للعين من مالك، و يكون الغصب لمنفعتها من مالك آخر و مثال ذلك: أن تكون الدار مستأجرة لشخص آخر، فيستولي الظالم على الدار من مالكها، و على المنفعة من المستأجر فيكون غاصبا لكل واحدة منهما من مالكها، و قد يستولي على الدار غصبا مدة الإجارة، و لا يستطيع أن يستولي على المنفعة من المستأجر لعدم قدرته على غصبها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 178

منه، أو يستولي على المنفعة وحدها، و لا يمكنه غصب الدار، فيكون غاصبا لإحداهما دون الأخرى.

و قد يحصل الغصب بالاستيلاء على حق مالي للغير، كما إذا استولى على أرض قد حجرها شخص، أو غصب عينا مرهونة عند أحد، فيكون غاصبا لحق الشخص الذي حجر الأرض و لحق المرتهن الذي ثبت له في العين حق الرهن، و كما إذا غصب الحجرة من الطالب الذي سكنها في المدرسة أو غصب المكان ممن سبق

إليه في المسجد أو المشهد.

المسألة الثالثة:

قد يكون المغصوب منه شخصا معينا من الأشخاص كما في الأمثلة الآنف ذكرها، و قد يكون المغصوب منه نوعا من الأنواع، و مثال ذلك:

أن يعين المالك زكاته أو خمسه في مال معين فيستولي عليه الغاصب قبل ان يدفعه المالك الى مستحق معين، فيكون المغصوب منه هو نوع المستحق للزكاة أو الخمس، و كما إذا استولى على مدرسة موقوفة فمنع الطلاب أن يسكنوها، أو استولى على الضيعة الموقوفة على الفقراء أو على اليتامى فمنعهم أن يتصرفوا بمنفعتها، فيكون المغصوب منه في جميع هذه الأمثلة هو النوع.

المسألة الرابعة:

يحرم الغصب في جميع اقسامه، سواء كان الشي ء المغصوب عينا أم منفعة أم حقا، و يجب على الغاصب فيها جميعا رفع اليد عن الشي ء المغصوب و رده الى صاحبه، إذا كان الشي ء موجودا، و إذا كان تالفا أو طرأ عليه نقص أو عيب، و كان عينا أو منفعة لزم الغاصب ضمانه في صورة التلف، و لزمه ضمان ما نقص منه في صورة النقص، و ضمان أرشه في صورة العيب، و كذلك إذا كان حقا يبذل بإزائه المال كحق التحجير و حق الاختصاص، و لا ضمان عليه إذا كان الحق مما لا يبذل بإزائه المال، كحق السبق الى المكان في المسجد أو المشهد.

المسألة الخامسة:

لا يتحقق الغصب بالاستيلاء على الإنسان إذا كان حرا، فإذا استولى عليه ظالم و وضع يده عليه لم يكن مغصوبا، سواء كان ذلك الحر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 179

المستولي عليه كبيرا أم صغيرا، و ضعيفا أم قويا و ان كان الذي استولى عليه ظالما له و آثما بفعله، و لا يدخل الحر بسبب ذلك في ضمانه، فإذا مات المحبوس تحت استيلاء المستولي أو طرأ عليه حادث، فهلك بغير تسبيب من الحابس فلا ضمان عليه بسبب استيلائه عليه، و لا يضمن منافعه التي تفوت بسبب ذلك، فإذا كان الحر المستولي عليه صاحب صنعة و لم يعمل بصنعته في تلك المدة لم يضمن الحابس أجرتها.

المسألة السادسة:

إذا هلك الحر المستولي عليه تحت استيلاء ظالمه، و كان هلاكه بتسبيب من المستولي كما إذا حبسه و منعه من الماء أو من الأكل، فهلك جوعا أو عطشا، أو وضعه في مكان يتعرض فيه للدغ الحشرات، أو لأذى بعض الحيوانات أو السباع، فهلك بسبب ذلك كان ضامنا لهلاكه أو للعيب الذي يصيبه من ذلك، و ضمانه من حيث تسبيبه للهلاك لا من جهة الغصب.

و إذا استوفى المستولي من الحر بعض منافعه بعمل أو استخدام ضمن المنافع التي استوفاها منه، فيجب عليه دفع أجرتها، و إذا كان الحر المستولي عليه أجيرا لأحد، فمنعه المستولي عن العمل في المدة المعينة للعمل، كان المستولي ضامنا للمستأجر ما فوته عليه من المنفعة المملوكة له على الأجير في تلك المدة.

و إذا كان الحر المستولي عليه أجيرا للمستولي نفسه على عمل، فمنعه بسبب استيلائه عليه من العمل لزمه أن يدفع له الأجرة المسماة له بعقد الإجارة بينهما، و ضمان المستولي في هذه الصور بأسباب أخرى توجب الضمان

لا بسبب الغصب.

المسألة السابعة:

إذا منع الرجل صاحب الدابة المرسلة من أن يمسك دابته، لم يكن بذلك غاصبا لعدم استيلائه على الدابة، و ان ظلم صاحب الدابة بمنعه عن إمساكها و أثم لذلك، فإذا عطبت الدابة بغير تسبيب منه لم يضمن عطبها و لا عوارها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 180

و كذلك إذا منع صاحب السلعة من أن يبيع سلعته، فلا يكون غاصبا للسلعة بذلك، و لا يضمن نقص قيمتها إذا نقصت بعد ذلك، و كذا إذا منع صاحب الدار من ان يدخل داره، أو منع صاحب الفراش أن يتصرف في فراشه أو أن يرفعه من موضعه، فلا يكون غاصبا للدار و لا للفراش، و يأثم لمنعه صاحب الحق عن حقه، فإذا انهدمت الدار أو سرق الفراش بغير تسبيب منه فلا ضمان عليه.

المسألة الثامنة:

المدار في تحقق الغصب للشي ء هو أن يكون الشي ء تحت استيلاء الإنسان عدوانا، فإذا كان الشي ء في بيته و طالبه المالك به فامتنع من دفعه له و حرص على منعه منه عدوانا كان غاصبا و ان لم يحصل نقل للشي ء و لا أخذ، و كذلك في سائر الأموال من الحيوان و غيره من المنقولات و غير المنقولات من الدور و الضياع و الدكاكين و القرى و المزارع و غيرها.

و يتحقق غصب المنافع بانتزاع العين ذات المنفعة من يد مالك المنفعة، فإذا استأجر زيد الدار من مالكها، ثم انتزعها المؤجر من المستأجر عدوانا أو استولى عليها شخص آخر فمنع المستأجر منها ظلما كان غاصبا للمنفعة، سواء استوفى المنفعة في مدة الإجارة أم لا.

المسألة التاسعة:

إذا سكن الرجل الدار مع مالكها ظالما له بذلك، و كان مالك الدار غير قادر على إخراج هذا المستولي من داره، فقد يكون استيلاء هذا الرجل العادي مختصا بطرف معين من الدار فيكون تصرفه و سكناه في تلك الجهة منها خاصة، و لا يعم بقية الأطراف من الدار، فيكون الغصب مختصا بالجهة المستولي عليها و يكون الضمان مختصا بها كذلك و لا يعم بقية الدار.

و قد يعم استيلاؤه و تصرفه جميع الدار بحيث يكون استيلاؤه و استيلاء المالك على مجموع الدار بنسبة واحدة فيكون غاصبا لنصف الدار مشاعا و يكون ضامنا لنصفها كذلك، فإذا انهدم جميع الدار فهو ضامن لنصفها و إذا انهدم بعضها، فهو ضامن لنصف ذلك البعض المنهدم، و كذلك حكمه في ضمان المنفعة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 181

و إذا استولى على الدار رجلان ظلما فسكنا مع المالك داره على نهج ما سبق، كان كل واحد من الرجلين العاديين غاصبا لثلث

الدار و كان كل واحد منهما ضامنا لثلثها على البيان الآنف ذكره، و إذا كانوا ثلاثة كان غصب كل واحد منهم لربع الدار و كان ضمانه لربعها. و هكذا.

المسألة العاشرة:

الظاهر انه لا يتحقق الغصب في الفرض الذي ذكرناه في المسألة السابقة، إذا كان الرجل العادي الذي سكن الدار مع المالك ضعيفا، و كان مالك الدار قويا قادرا على إخراجه منها متى شاء، فلا يحصل الغصب بسكناه مع المالك، و لا ضمان عليه إذا طرأ تلف أو عيب في الدار، و يستحق المالك عليه أجرة المثل عن المنفعة التي استوفاها بسكنى الدار مع المالك.

المسألة 11:

إذا كان مالك الدابة راكبا على ظهرها، فأخذ رجل بزمام الدابة ظلما و قادها و استولى عليها فان كان المالك الراكب عليها ضعيفا لا يملك مقاومة المستولي في ما يصنع بدابته، فالظاهر تحقق الغصب بذلك فيكون قائد الدابة ضامنا لها، إذا أصابها عطب أو عيب أو كسر.

و ان كان المالك قويا قادرا على دفع المستولي و على مقاومته، لم يتحقق الغصب بذلك و ان استسلم لقيادته موقتا لبعض الأغراض، فلا ضمان على القائد إذا تلفت الدابة أو أصابها كسر أو جرح بغير تسبيب منه و يضمن ما يصيبها أو يصيب المالك الراكب بسبب تصرفه، كما إذا قادها بعنف فسقطت و انكسرت أو جرحت أو هلكت أو أصاب المالك شي ء من ذلك، و كذلك إذا ساقها بعنف فجمحت أو سقطت، فيكون ضامنا لما يحصل بسببه.

و يجري نظير هذا التفصيل في الحكم في السيارة إذا كان المالك متوليا لقيادتها و أراد رجل آخر غصبها منه و الاستيلاء عليها، فتجري فيها الصور المتقدمة و تنطبق آثارها فيتحقق الغصب في بعضها و لا يجري في البعض و يحصل الضمان إذا تحققت أسبابه و لا يحصل إذا لم تتحقق.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 182

المسألة 12:

إذا اشترك رجلان في غصب الدار أو السيارة من المالك في الفرض المتقدم فتآمرا بينهما على استغفال المالك و مقاومته و الاستيلاء على الشي ء المغصوب، ضمن كل واحد من الغاصبين مقدار ما استولى عليه من الدابة أو السيارة، فإن كان استيلاؤهما عليها بالتساوي كان كل واحد منهما ضامنا لنصفها و إذا كان استيلاؤهما متفاوتا ضمن كل واحد ما استولى عليه منها، من غير فرق في الحكم بين أن يكون الرجلان معا سببا واحدا في حصول الاستيلاء،

أو كان كل واحد منهما سببا مستقلا في الاستيلاء على العين، و مثال ذلك: أن يكون الرجلان ضعيفين لا يمكن لهما الاستيلاء على الشي ء إلا إذا تآزرا معا فقاوما المالك و استوليا على ماله، أو كان كل واحد منهما سببا مستقلا كافيا في حصول الاستيلاء إذا انفرد عن صاحبه.

المسألة 13:

الظاهر أن غصب الأوقاف التي تفيد تمليك المنفعة للموقوف عليهم يوجب ضمان العين و المنفعة إذا تلفت أو حدث فيها نقص أو عيب، سواء كانت وقفا على أشخاص أم على عنوان عام أو خاص، و كذلك غصب الأوقاف التي تفيد صرف المنفعة على الموقوف عليهم من غير تمليك في الموارد المذكورة، فإذا غصب الوقف منها غاصب كان ضامنا له و لمنفعته.

المسألة 14:

إذا كان الوقف وقف انتفاع لا وقف منفعة، كوقف المصاحف و كتب العلم و كتب الأدعية للقراءة فيها و الانتفاع منها، و وقف المدارس لينتفع الطلاب بسكناها، و وقف خانات المسافرين و الرباطات للفقراء و القناطر و الشوارع للعابرين، و غصبه غاصب أو أتلفه متلف أشكل الحكم بضمانه فلا يترك الاحتياط فيه.

المسألة 15:

إذا غصب المسجد غاصب فالظاهر انه لا ضمان عليه بذلك فلا يضمن عينه إذا تلفت بعد الغصب أو انهدمت جدرانه أو تصدعت و حدثت فيها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 183

عيوب، و لا يضمن أجرته إذا سكن فيه أو اتخذه مخزنا لبعض أمواله أو موضعا لبعض أعماله.

المسألة 16:

يتحقق الغصب بالاستيلاء على العبد المملوك أو الأمة المملوكة أو الدابة المملوكة، و تترتب عليه جميع أحكامه و يكون الغاصب ضامنا للعين و لمنافعها، سواء استوفاها الغاصب أم لم يستوفها.

المسألة 17:

إذا لم يستول الإنسان على العبد المملوك و لم يضع يده عليه و لكنه منعه عن عمل خاص له أجرة من غير أن يستوفي منفعته، لم يضمن ذلك الإنسان عمله الفائت لعدم الغصب و ان كان آثما بمنعه عن الإتيان بالعمل، و الفارق في ضمان منفعة العبد في المسألة المتقدمة و عدم الضمان هنا، هو تحقق الغصب في تلك المسألة و عدمه هنا فلا التباس بين المسألتين.

و إذا كان العبد أجيرا على ذلك العمل فمنعه الرجل عن الإتيان به و فات العمل بسبب منعه على المستأجر ضمنه للمستأجر و قد تقدم نظيره في الحر في المسألة السادسة.

المسألة 18:

يلحق بالشي ء المغصوب في الحكم بضمانه على الغاصب الشي ء المقبوض بالعقد الفاسد فيكون مضمونا على القابض، فإذا كان البيع فاسدا، فالمبيع الذي يقبضه المشتري و الثمن الذي يأخذه البائع يكونان مضمونين عليهما إذا تلفا بعد القبض أو حدث فيهما عيب أو نقص، و إذا كانت الإجارة فاسدة فالعين المستأجرة التي يقبضها المستأجر، و الأجرة التي يقبضها المؤجر يكونان في ضمانهما كذلك، و إذا كان النكاح فاسدا فالمهر الذي تقبضه الزوجة يكون في ضمانها، سواء كان المتعاقدان عالمين بفساد العقد أم جاهلين به، و قد تعرضنا لبعض الفروض التي تتعلق بذلك في فصل شروط المتعاقدين من كتاب التجارة.

و يلحق بالشي ء المغصوب في الحكم بالضمان أيضا الشي ء الذي يقبض بالسوم قبل العقد، كالعين التي يقبضها الشخص المستام لينظر أوصافها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 184

و يتعرف على خصائصها، فإذا وافقت رغبته اشتراها أو استأجرها فتكون العين في ضمانه إذا تلفت أو حدث فيها نقص أو عيب، و ان لم يكن غاصبا و لا آثما في قبضه للعين.

المسألة 19:

إذا غصب الإنسان أمه حاملة أو غصب أنثى من الحيوان المملوك حاملة دخل الحمل في الغصب و تعلقت به أحكام الغصب كما تعلقت بأمه و يكون الاستيلاء على أمه استيلاء عليه فيكون الغاصب ضامنا للحمل كما هو ضامن للحامل فإذا مات الجنين في بطنها أو أسقطته ميتا أو مات في الولادة أو هلك بعد الولادة أو سقط ناقصا أو معيبا كان الغاصب ضامنا له في جميع ذلك و يضمن الجنين و أمه إذا نقصا في الإجهاض معا أو الولادة أو تعيبا أو تلفا.

الفصل الثاني في أحكام الغصب
المسألة 20:

يجب على الغاصب رد العين التي غصبها الى مالكها إذا كانت موجودة، و ان كان ردها يكلفه بذل مال و تحمل مؤنة، كما إذا كان المالك في بلد آخر و كان نقل العين المغصوبة إليه يتوقف على صرف مقدار من المال، بل و ان استلزم رد العين ضررا شاقا على الغاصب، كما إذا كان قد جعل الحديد أو الخشب المغصوب أجزاء من سقف بيته أو أعمدة يقوم عليها بناؤه، فإذا أرادها المالك وجب على الغاصب إخراجها من البناء و إرجاعها اليه و ان أوجب ذلك خللا أو هدما لبنائه، فإنه قد تعمد كل ذلك بفعله و تصرفه عاديا بغير حق.

المسألة 21:

إذا أدخل الغاصب لوحا أو ألواحا مغصوبة في تعمير سفينته وجب عليه نزع اللوح أو الألواح من السفينة في الحال و إرجاعها إلى مالكها و ان أوجب ذلك خرق السفينة أو تحطيمها و إذا اتفق كونه في ذلك الحال في البحر و خاف من الغرق إذا هو نزع اللوح و خشي هلاك نفس محترمة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 185

جاز له تأخير ذلك، فإذا ارتفع المحذور وجب عليه نزع المغصوب و رده الى صاحبه، و كذلك إذا خشي في البحر تلف مال محترم لغير الغاصب، و إذا كان المال للغاصب العامد ففي جواز التأخير إشكال.

و يجب رد الخيوط المغصوبة إذا خاط الغاصب بها الثوب و ألزمه المالك بنزعها فيجب عليه نزعها و ان فسد الثوب.

المسألة 22:

إذا أخرج الخشب أو الحديد المغصوب من البناء أو انتزع اللوح المغصوب من السفينة، أو الخيط من الثوب، فأوجب ذلك نقصا في تلك الأشياء المغصوبة لزم الغاصب ضمان أرشها، و إذا لم تبق لها قيمة بعد النزع وجب على الغاصب دفع بدلها الى المالك و كانت بحكم التالف فلا يحق للمالك أن يطالبه بالعين مع عوض المنفعة.

المسألة 23:

يجري حكم العين المغصوبة الآنف ذكره في المال المأخوذ بالمقامرة و المال المأخوذ اجرة على عمل محرم كالأجرة على الزنا أو على اللواط أو على عمل الخمر أو على حمله أو على خزنه أو على بيعه، فيجب رده الى صاحبه و ان دفعه اليه باختياره و كان شريكا في الكبيرة أو في العمل المحرم.

المسألة 24:

إذا استولى الغاصب على العين مدة و كانت ذات منفعة، وجب عليه رد العين على مالكها، و دفع بدل منفعتها تامة في تلك المدة، سواء كان قد استوفى المنفعة أم لم يستوفها فإذا هو غصب الدار مدة سنة، وجب عليه رد الدار، و دفع أجرة المثل لسكنى الدار في مدة السنة، و ان لم يسكن الدار في المدة أو سكنها في بعض المدة أو أسكنها غيره، و كذلك إذا غصب الحانوت أو غصب الأرض أو غصب السيارة، فعليه رد العين و دفع قيمة المثل لمنفعتها.

المسألة 25:

إذا كانت العين المغصوبة ذات منافع متعددة يمكن أن تستوفى منها،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 186

وجب عليه رد العين، و وجب عليه دفع البدل عن المنفعة الشائعة المتعارفة بين الناس من منافع تلك العين، و لا يضمن أجرة المثل للمنافع الأخرى، و ان أمكن استيفاؤها من العين، فإذا غصب الدار وجب عليه رد الدار و دفع أجرة المثل عن سكناها خاصة، فإنها هي المنفعة المتعارفة لها و ان أمكن له ان يجعل الدار معملا أو مخزنا لبعض الأموال أو معرضا للبضائع، و إذا غصب السيارة وجب عليه ردها، و دفع أجرة المثل لركوبها في تلك المدة، إذا كان الركوب فيها هو المنفعة المتعارفة لمثلها، أو دفع اجرة المثل لحمل الأثقال و الأمتعة فيها إذا كانت تلك هي منفعتها الشائعة، و هكذا في بقية الأعيان ذات المنافع.

المسألة 26:

إذا كانت العين المغصوبة ذات منافع متعددة، و كانت منفعتها الشائعة المتعارفة متعددة أيضا، فإن كانت أجرة المثل لكل واحدة من منافعها المتعارفة متماثلة لا يزيد بعضها على بعض، كما إذا كانت السيارة المغصوبة تتخذ عادة للركوب و للحمل على السواء، و كانت أجرة المثل لكل منهما على السواء أيضا، فأجرة المثل لها عن ركوبها أو الحمل فيها هي خمس دنانير في اليوم الواحد مثلا، وجب على الغاصب رد العين و دفع تلك الأجرة الواحدة عن منفعتها عن كل يوم في مدة الغصب، و إذا كانت الأجرة مختلفة بين المنفعتين وجب عليه أن يدفع الأعلى من الأجرتين.

المسألة 27:

الظاهر أنه لا فرق في ترتب الأحكام التي بيناها بين أن يكون الغاصب قد استوفى بعض المنافع من العين أم لم يستوف منها شيئا، و لا بين أن يكون ما استوفاه من منافعها من المنافع المتعارفة أم من غيرها، الا أن يكون ما استوفاه أكثر أجرة من المنافع المتعارفة فيجب عليه دفع الأكثر.

المسألة 28:

إذا استولى الغاصب على السيارة، و وزع بعض أدواتها أو جميعها لينتفع بها في إصلاح سيارات أخرى، وجب عليه أن يرد أعيان الأدوات إلى مواضعها من السيارة المغصوبة ثم يرد السيارة تامة الأجزاء الى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 187

مالكها، و إذا باع بعض الأدوات على غيره وجب عليه ان يسترد المبيع و لو بأكثر من ثمنه.

و يجب عليه أن يرد مع العين أجرة المثل لاستعمال تلك الأدوات الموزعة في جميع المدة، و إذا نقصت قيمة الأدوات باستعمالها وجب أن يرد معها أرشها و هو التفاوت ما بين قيمتها تامة و ناقصة، و إذا سقطت قيمتها لكثرة استعمالها لزمه ضمان قيمتها و لم يجب عليه رد نفس الأدوات المذكورة التي سقطت قيمتها، و كذلك إذا باع الأدوات و لم يمكنه استرداد عينها فعليه ضمان قيمتها.

و إذا سقطت قيمة السيارة المغصوبة بسبب توزيع أدواتها و لم يمكن له استردادها بإرجاع الأدوات إليها، ضمن قيمة السيارة تامة و ضمن منفعة استعمال ادواتها في تلك المدة.

المسألة 29:

إذا كان الشخص المغصوب منه كاملا غير محجور عليه، وجب على الغاصب رد العين المغصوبة و الغرامات التي تلحقه بسبب غصبها و غصب منافعها اليه أو الى وكيله الذي خوله حق القبض عنه و لا يجزيه أن يدفع ذلك الى غيرهما، و إذا كان صغيرا أو مجنونا أو محجورا عليه لسفه و نحوه دفع ذلك الى وليه، و لا يجزيه أن يدفعه الى الصغير نفسه أو المجنون أو السفيه، إلا إذا رضي الولي الشرعي بالدفع إليه.

المسألة 30:

إذا كان المغصوب منه نوعا من الأنواع لا شخصا من الأشخاص، كما إذا غصب الغاصب وقف منفعة للفقراء، أو غصب مال الزكاة أو الخمس بعد أن عزله المالك و قبل أن يدفعه الى المستحقين، وجب على الغاصب أن يرد المغصوب إلى المتولي الخاص على ذلك المال، فان لم يكن له متول خاص رده الى الحاكم الشرعي أو وكيله المنصوب لذلك، و لا يجزيه أن يدفعه إلى أفراد النوع المغصوب منه، فيدفع وقف الفقراء المغصوب الى بعض الفقراء مثلا، و يدفع مال الزكاة أو الخمس المغصوب الى بعض المستحقين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 188

المسألة 31:

إذا غصب الغاصب مسجدا أو شارعا موقوفا أو قنطرة موقوفة أو رباطا أو شبه ذلك مما يكون وقفه وقف انتفاع لا وقف منفعة، كفى في رد المغصوب أن يرفع الغاصب يده عن العين، و يتركها على حالها الذي وقفت عليه، و كذلك إذا غصب مدرسة كفاه ان يرفع يده عنها و يدعها للطلاب الذين يستحقون الانتفاع بالسكنى فيها، و الأحوط ان يرد المدرسة إلى المتولي الخاص عليها، فان لم يكن فالى الحاكم الشرعي، و يتأدى الاحتياط بأن يردها الى الساكنين في المدرسة قبل الغصب باذن المتولي الشرعي عليها.

المسألة 32:

إذا كان المالك و العين المغصوبة في بلد واحد، و كان هو البلد الذي وقع فيه الغصب وجب على الغاصب أن يرد العين على المالك في ذلك البلد، سواء كان هو بلد الغاصب أيضا أم لا.

و إذا كان المالك في بلد الغصب و كانت العين في بلد آخر، وجب على الغاصب أن ينقل العين الى المالك في بلد الغصب. و إذا كان المالك في بلد العين المغصوبة، و هو غير البلد الذي وقع فيه الغصب، جاز للمالك أن يخير الغاصب بين أن يرد اليه العين في ذلك البلد، و ان ينقلها الى بلد الغصب فيرد العين اليه هناك، و يلزمه بأحد هذين الأمرين.

و إذا كان المالك في غير بلد الغصب و غير بلد المال المغصوب، جاز للمالك أن يلزم الغاصب بتسليم المال إليه في بلد الغصب، و يشكل أن يلزمه بنقل المال المغصوب الى بلد المالك، إلا إذا توقف على ذلك صدق رد المغصوب، و مثال ذلك ما إذا كان المالك غريبا في البلد الذي وقع فيه الغصب ثم رجع الى وطنه، فان رد المغصوب انما يكون

بدفعه الى مالكه، و بدون ذلك لا يتحقق للغاصب معنى أداء ما أخذت يده الذي دل عليه دليل الضمان.

المسألة 33:

إذا حدث في العين المغصوبة نقص أو عيب لزم على الغاصب رد العين الناقصة أو المعيبة على مالكها، و لزمه مع ذلك أن يدفع له أرش النقصان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 189

أو العيب الطاري عليها، و المراد بالأرش هو التفاوت الحاصل ما بين قيمة العين و هي صحيحة و قيمتها و هي ناقصة أو معيبة، و لا يحق للمالك أن يلزم الغاصب بأخذ العين الناقصة و يدفع له قيمتها صحيحة تامة.

و لا فرق في هذا الحكم بين أن يكون العيب الحاصل في العين مستقرا، كما إذا كسرت رجل الدابة أو قطع بعض أعضائها، و أن يكون مما يتزايد و يسري، كما إذا تعفنت الحنطة المغصوبة، فإن التعفن فيها قد يتزايد حتى يتلف المال، و كالجرح العميق في العبد أو الدابة المغصوبة، فإن مثل هذا الجرح قد يسري حتى يأتي على حياة العبد أو الدابة.

و المرجع في ذلك الى أهل الخبرة و التمييز في هذه الأمور، فإذا عدوا العين معيبة لزم الغاصب رد العين مع دفع الأرش الآنف ذكره، و إذا عدوها تالفة لزمه دفع قيمة المغصوب صحيحا إذا كان قيميا، و مثله إذا كان مثليا.

المسألة 34:

إذا كانت العين المغصوبة موجودة غير ناقصة و لا معيبة، و حدث هبوط في قيمتها في السوق أجزأ الغاصب أن يرد العين نفسها على المالك و لم يضمن نقصان قيمتها في السوق إذا لم يكن النقصان ناشئا عن طول استعمال العين و استهلاك طاقتها وجدتها.

المسألة 35:

إذا تلفت العين المغصوبة قبل أن يردها الغاصب الى مالكها لزمه ضمان العين التالفة، بأن يدفع للمالك مثلها إذا كانت العين مثلية و يدفع له قيمتها إذا كانت قيمية، و كذلك العين المقبوضة بالعقد الفاسد و المقبوضة بالسوم كما بينا في المسألة الثامنة عشرة.

و المراد بالمثلي ما تساوت أجزاؤه في الصفات التي يطلبها الناس من ذلك الجنس و الخصائص التي يرغبون فيها، و كان ذلك سببا لتساوي اجزائه في القيمة كالحبوب و الأدهان و العقاقير و أمثالها، و منه ما تنتجه المصانع و المعامل الحديثة من أشياء و أدوات و أجهزة و أثاث و أقمشة لتقاربها في الصفات كذلك و القيمي هو ما لا تتساوى أجزاؤه في القيمة لعدم تساويها في الصفات و الخصائص كالأراضي و العقارات و الحيوان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 190

و أمثالها، و قد ذكرنا ذلك في المسألة التاسعة و التسعين من كتاب التجارة و في موارد متعددة أخرى فليرجع إليها.

المسألة 36:

المعيار الذي ذكرناه هنا و في المواضع السابقة للمثلي انما يجري بلحاظ الأصناف من الجنس الواحد، فتساوي الأجزاء في الصفات و في القيمة انما هو بلحاظ كل صنف على انفراده من أصناف الجنس، لا بين الصنف و الصنف الآخر منه، فنحن نحكم بأن الحنطة من المثلي لأن كل صنف واحد منها يكون متساوي الأجزاء في الصفات المطلوبة و في القيمة كما بينا، و قد يحصل اختلاف بين أفراد الصنف الواحد و لكنه اختلاف يسير لا ينظر اليه، و لا يضر بصدق المعيار المذكور، و اما الاختلاف بين الصنفين من الجنس الواحد في صفاتهما و في قيمتهما، فهو واضح، و ليس من محل الكلام في الفارق المذكور و كذلك الحال في

الأرز و العدس و السمسم و غيرها من الحبوب و سائر المثليات.

المسألة 37:

إذا تلفت العين المغصوبة و كانت من المثليات، وجب على الغاصب دفع مثلها للمالك كما بيناه، فإذا أعوز وجود المثل وجب عليه أن يدفع له قيمة المثل، و إذا اختلفت قيمة المثل في السوق وجب عليه أن يدفع قيمة المثل في يوم أداء القيمة، فإذا كان الغاصب ضامنا للمالك عن عينه التالفة منا من الحنطة، و تعذر وجود الحنطة، وجب عليه أن يؤدي له قيمة المن الذي في ذمته يوم دفع القيمة، سواء كانت قيمته قبل ذلك أقل منها أم أكثر.

المسألة 38:

إعواز وجود المثل الذي يحكم معه بوجوب دفع القيمة بدلا عنه، هو عدم وجود المثل في البلد و في ما حوله مما ينقل منه الى البلد بحسب العادة، فإذا فقد المثل كذلك انتقل الضمان إلى القيمة.

المسألة 39:

إذا أعوز وجود المثل مدة ثم وجد بعد ذلك، فان كان الغاصب قد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 191

دفع القيمة بعد تحقق الإعواز أجزأه ما دفع و برئت ذمته من الضمان، و ان لم يدفع القيمة بعد وجب عليه أن يدفع المثل و لم تجزه القيمة.

المسألة 40:

إذا وجد المثل بأزيد من ثمن المثل، وجب على الغاصب شراؤه و دفعه للمغصوب منه و ان لزم منه الحرج، فان الحرج لا يسقط حق الغير.

المسألة 41:

إذا وجب على الغاصب أن يدفع المثل و كان موجودا أجزأ الغاصب أن يدفعه للمالك و ان هبطت قيمته السوقية عن قيمته السابقة، فلا يحق للمالك ان يطالب الغاصب بالقيمة الأولى، و لا يحق له أن يأخذ منه المثل و يطالبه بنقصان القيمة، و لا يحق له أن يمتنع عن أخذ المثل بالفعل ليبقى في ذمة الغاصب الى ان ترتفع قيمته، إلا إذا رضي الغاصب بذلك.

المسألة 42:

إذا وجب على الغاصب أن يدفع للمغصوب منه مثل العين المغصوبة ثم سقط المثل عن المالية لبعض الطواري أو الحالات، لم يكف الغاصب أن يدفع المثل في تلك الحال، و لم تبرأ ذمته من الضمان بدفعه و هو ساقط القيمة، إذا لم يرض به المالك.

و من أمثلة ذلك: أن يغصب الغاصب من المالك ثلجا في شدة الحاجة إليه من أيام الحر في الأمكنة الحارة و يريد أن يدفع اليه مثل الثلج المغصوب في أيام شدة البرد و عدم القيمة له، أو يغصب منه قربة من الماء في أيام الصيف و في مكان يعز فيه وجود الماء، و يريد أن يدفع اليه مثل تلك القربة في مكان تكثر فيه الأنهار و العيون المتفجرة بالمياه العذبة، فلا يكفيه ذلك إذا دفعه اليه، و يحق للمالك أن يطالب الغاصب بالفعل بقيمة المغصوب، و يجوز له ان ينتظر الى زمان أو مكان يكون فيه المثل ذا قيمة فيطالبه به.

و إذا طالب الغاصب بالقيمة فعلا، فهل تراعى قيمة المغصوب في زمان تلف المغصوب و مكانه إذا كان تالفا، و آخر أزمنة وجود المالية له و آخر أمكنتها إذا كان باقيا كما هو غير بعيد، أو تراعى قيمة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 192

المغصوب في

زمان الغصب و مكانه كما يراه جماعة من الأعيان؟ لا يترك الاحتياط بالتصالح لإشكال الحكم في المسألة.

المسألة 43:

إذا تلفت العين المغصوبة و كانت من القيميات، لزم الغاصب ان يدفع قيمة العين للمالك فإذا كانت قيمتها متفاوتة في السوق وجب عليه أن يدفع له قيمتها في يوم تلفها.

المسألة 44:

إذا اختلفت أحوال العين في مدة الغصب، فسمنت الدابة مثلا في بعض الأيام، و هزلت في بعضها و كان ذلك سببا في اختلاف قيمتها، فكانت قيمة الدابة في أيام هزالها عشرين دينارا مثلا، و أصبحت في أيام سمنها ثلاثين دينارا، فإذا تلفت بعد ذلك ضمن الغاصب أعلى القيمتين، سواء كانت أيام السمن متقدمة على أيام الهزال أم متأخرة عنها، و كذلك الحكم في البستان أو الضيعة، فزاد نموها في بعض الأوقات و ضعف في بعضها، و كانت قيمتها في أيام زهرتها خمسمائة و عند ضعف نموها ثلاثمائة، ثم تلفت، فيكون الغاصب ضامنا لقيمتها في أحسن أحوالها.

المسألة 45:

إذا كانت قيمة العين في يوم غصبها مساوية لقيمتها في يوم تلفها، و لكن قيمتها في ما بينهما زادت لزيادة سمن الدابة و نمو الشجر في الفترة ما بين الوقتين، ثم عادت الى حالتها الأولى فإذا تلفت بعد ذلك ضمن الغاصب أعلى القيمتين و لم ينظر الى يوم التلف.

المسألة 46:

إذا كانت قيمة العين المغصوبة و هي في بلد الغصب عشرة دنانير ثم نقلت الى بلد آخر، فكانت قيمتها فيه خمسة عشر دينارا، و تلفت فيه، فلا يترك الاحتياط بالتصالح عن القيمة.

المسألة 47:

إذا تعذر على الغاصب تسليم العين المغصوبة لمالكها تعذرا عاديا،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 193

وجب على الغاصب أن يدفع له بدلها مثلها أو قيمتها، و المراد بالتعذر العادي أن يحكم أهل العرف بامتناع وقوع التسليم بمقتضى العادات المتعارفة بينهم و ان لم يكن ذلك مستحيلا عقلا.

و يسمى البدل الذي يدفعه الغاصب في هذا الحال بدل الحيلولة، و يكون هذا البدل المدفوع ملكا للمغصوب منه ما دامت هذه الحال، مع ان العين المغصوبة لا تزال في ملكه أيضا. و إذا اتفق ان تبدلت الحال المتعارفة فتمكن الغاصب من العين المغصوبة و ردها الى المغصوب منه استرجع منه البدل الذي دفعه اليه و من أمثلة ذلك أن تسرق العين المغصوبة أو تغرق، أو يأبق العبد المغصوب أو تشرد الدابة، فلا يستطيع الغاصب ان يرد العين على المالك بمقتضى حكم العادة و يجري فيها الحكم الآنف ذكره.

المسألة 48:

يملك المغصوب منه البدل الذي يدفعه له الغاصب عند الحيلولة بينه و بين العين المغصوبة بما ذكر من سرقة أو غرق أو إباق أو شرود دابة و نحو ذلك، فلا يتمكن بسبب هذا الحائل من رد العين الى مالكها، و إذا ملك البدل المدفوع له ملك منافعه و نمائه الذي يتجدد ما دام الحائل موجودا و ما دام رد العين المغصوبة عليه ممتنعا، فإذا تمكن الغاصب و رد العين، استرد البدل من المالك، و لم يسترد معه المنافع و النماءات التي تجددت له في الفترة المذكورة لأنها ملك المالك.

و يسترد الغاصب مع البدل نماءه المتصل، فإذا كان البدل دابة و سمنت في تلك الفترة أو كان شجرة فنمت و زاد ارتفاعها فان هذا النماء تابع لعين البدل، فإذا استرده الغاصب بعد

دفع العين المغصوبة استرد معه هذه النماءات المتصلة التابعة له.

و اما نماء العين المغصوبة و منافعها التي تتجدد في مدة الحيلولة سواء كانت متصلة أم منفصلة فهي ملك المالك تبعا للعين، فتكون مضمونة على الغاصب إذا تلفت قبل أن يقبضها المالك، و لكن الغاصب لا يضمن منافع العين غير المستوفاة في تلك المدة على الأقوى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 194

المسألة 49:

إذا لزم الغاصب أن يدفع للمالك قيمة العين، وجب أن تكون القيمة بالنقد الذي تجري به المعاملات في البلد من الذهب و الفضة المسكوكين بسكة المعاملة و ما يجري مجراهما من المسكوكات الأخرى و من العملة الورقية المتداولة في البلد، سواء كانت العين المغصوبة من القيميات أو من المثليات و قد لزمته القيمة لتعذر وجود المثل، و كذلك في جميع الضمانات و الغرامات التي تلزم الإنسان فلا يصح للضامن دفع غيرها إلا بالتراضي به عوضا عن النقد الآنف ذكره و يقيسه الطرفان إليه.

المسألة 50:

النحاس و الرصاص و الحديد، و النيكل و الشبه و سائر الفلزات و المعادن المنطبعة، كلها من المثليات، فإذا غصبت فهي مضمونة بمثلها، و إذا تعذر وجود المثل ضمنت بقيمة المثل كما ذكرنا في حكم المثليات، و يراد بالمنطبعة أنها قابلة للطرق و التمديد، و يقابلها غير المنطبعة منها كالياقوت و الزمرد و الفيروزج، و هذه من القيميات.

المسألة 51:

الذهب و الفضة مثليان كما ذكرنا في المعادن المنطبعة، سواء كانا مسكوكين أم غير مسكوكين فيضمنان بالمثل، و إذا أعوز المثل ضمنا بالقيمة في يوم الأداء، و إذا أعوز المثل في الفضة و قومت بالذهب أو بغير الذهب و الفضة من المسكوكات أو بالأوراق النقدية صح و لم يكن فيه اشكال، و كذلك إذا أعوز المثل في الذهب فقوم بغير الذهب، فيصح من غير اشكال، و إذا قوم الذهب بالذهب أو قومت الفضة بالفضة، و كان العوض و المعوض متساويين في الوزن صح كذلك و لم يكن فيه اشكال، و إذا قوم أحدهما بجنسه، مع التفاوت في الوزن بين العوض و المعوض أشكل الحكم بالصحة لاحتمال طروء الربا في هذا الفرض و لذلك فلا يترك الاحتياط بأن يكون التقويم بغير الجنس، و إذا كان التقويم بالجنس روعي أن يكون العوضان متساويين في الوزن لتسلم المعاملة من شبهة الربا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 195

المسألة 52:

إذا تعاقبت الأيدي العادية على المال المغصوب، فغصبه الغاصب الأول من المالك ثم غصبه الغاصب الثاني من الأول و الثالث من الثاني، تعلقت أحكام الغصب بالغاصبين جميعا، فإذا كانت العين المغصوبة موجودة و ردها بعضهم الى المالك تحقق امتثال الحكم منه، و سقط الحكم بوجوب الرد عن الباقين منهم.

و إذا تلفت العين المغصوبة، ضمنوا جميعا للمالك، و جاز للمالك أن يرجع عليهم بمثلها إذا كانت مثلية و بقيمتها إذا كانت قيمية، و تخير بين أن يرجع بالبدل على بعضهم و على جميعهم بالتوزيع بالتساوي أو بالتفاوت كما يشاء.

فإذا رجع المالك على الغاصب الأخير و هو الذي تلفت العين المغصوبة في يده لم يرجع هذا على من قبله بل يستقر عليه الضمان، و

إذا رجع على من قبل الأخير بالجميع أو بالتوزيع صح لهذا أن يرجع بما غرمه للمالك على الأخير الذي تلف بيده المال و يصح له أن يرجع به على الغاصب الذي يليه و إذا رجع الى من يليه جاز لهذا ان يرجع الى الغاصب بعده حتى يستقر ضمان الجميع على الأخير.

و كذلك إذا ترتبت الأيدي على الغصب و ان لم يغصب الثاني من الأول كما إذا وهب الأول الثاني العين المغصوبة أو باعه إياها أو نقلها إليه بصورة أخرى، و يجري الحكم المذكور في ما يلحق بالغصب و ان لم يكن غصبا محرما كالمقبوض بالسوم و المقبوض بالعقد الفاسد.

المسألة 53:

قد تكون المادة التي تتخذ منها العين من المثليات، و يدخل عليها أثر عمل أو صنعة فتصبح بسبب ذلك الأثر الطاري عليها من القيميات كالثياب الجاهزة التي تستورد من الخارج و بعض ما يصنع منها في الداخل، فهي بسبب التجهيز و الأثر الداخل عليها تعد من القيميات و الظاهر أن الناس لا يختلفون في ذلك.

و قد تصبح العين بسبب ذلك موضع شك و تردد كالأواني التي تتخذ من النحاس أو المعدنيات الأخرى إذا كانت الآثار التي تدخل عليها من

كلمة التقوى، ج 6، ص: 196

الصناعات اليدوية و الأعمال الشخصية، و كالحلي الذي يتخذ من الذهب و الفضة، فهل تكون العين مركبة من المثلي و القيمي فتضمن المادة بالمثل و تضمن الهيئة التي أدخلت عليها بالقيمة، أو يعد المجموع من المادة و الهيئة فيها قيميا فتضمن كذلك؟ و الظاهر الرجوع في استيضاح أمرها إلى ثقات أهل الخبرة في ذلك، و أما الأواني و الظروف و الأدوات و الثياب و نحوها التي تنتجها المصانع الحديثة متشابهة في الصفات

و متقاربة في القيمة فقد تقدم هنا و في أمكنة أخرى انها تعد من المثليات.

المسألة 54:

إذا غصب الإنسان شيئا مثليا أو قيميا و عليه أثر صناعة أو فن تزيد في ماليته، فأفسد الغاصب الهيئة أو الفن الموجود فيه، و بقيت العين خالية من ذلك، وجب على الغاصب ان يرد على المالك العين الموجودة و ضمن له قيمة الهيئة التي أتلفها و اثر الفن الذي أفسده، و مثال ذلك: أن يغصب حليا مصوغا من الذهب أو من الفضة فأتلف الغاصب صياغته أو غصب آنية أو شيئا من المعدنيات، و عليهما أثر من الفن و التزويق الذي يوجب الرغبة و الزيادة في قيمتهما، فأفسد الغاصب ما فيهما من أثر و صنعة، وجب على الغاصب ان يرد للمالك العين و عليه ضمان ما أتلف و أفسد، و لا يحق لمالك العين ان يلزم الغاصب بأن يعيد الهيئة أو أثر الفن و الصنعة التي أفسدها، و لا يجب على المالك القبول من الغاصب إذا بذل له ذلك و التزم أن يعيد الهيئة و الأثر كما سبق.

المسألة 55:

إذا غصب الإنسان شيئا من آلات اللهو أو الأصنام أو الصلبان أو غيرها من الأشياء المحرمة غير المحترمة في الإسلام و تلفت لم يضمن الغاصب هيئتها و صورتها التي بها تكون آلة للهو و موضعا للعبادة المحرمة و مدارا للحكم بالتحريم في الشريعة، و يجب عليه أن يرد المادة خالية من الصناعة المحرمة إذا كانت المادة موجودة، و إذا كان قد أتلف الجميع ضمن مثل المادة وحدها إذا كانت مثلية و ضمن قيمتها إذا كانت قيمية.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 197

المسألة 56:

تقدم منا في فصل الأواني من كتاب الطهارة، و في المسألة الرابعة عشرة من كتاب التجارة: انه يجوز للإنسان أن يقتني آنية الذهب و الفضة إذا لم يكن الاقتناء للاستعمال أو الانتفاع بها، أو ليجعلها متاعا معدا للانتفاع به و ان لم يستعملها بالفعل، بل كان اقتناؤها لحفظها أو حفظ المالية بهذه الصورة و نحو ذلك من الغايات المحللة، و نتيجة لذلك، فلا تكون الصناعة فيها محرمة و غير محترمة إذا كانت للغايات المباحة، فإذا أتلفها الغاصب كان ضامنا لها، و لا يعمها الحكم المذكور في المسألة المتقدمة.

المسألة 57:

يضمن الغاصب نقص العين المغصوبة و عيبها إذا حدث أحدهما بعد الغصب، فيضمن أرش النقص و العيب و قد تقدم ذكر هذا.

المسألة 58:

إذا زاد الغاصب في العين المغصوبة شيئا بعد ما غصبها و استولى عليها، فقد تكون الزيادة أثرا خالصا و لا عين فيه، كما إذا غزل القطن أو الصوف أو الوبر الذي غصبه، و كما إذا خاط الثوب أو العباءة التي غصبها بخيوط مملوكة له، و كما إذا مرن الفرس التي غصبها، و عودها على الخصال الممدوحة في الخيل عند العدو و الوقوف و خفة الحركة و الانتباه للاشارات في المسابقة، و قد تكون الزيادة عينا خالصة كما إذا غصب أرضا فارغة فغرسها نخيلا و شجرا و شق فيها نهرا أو استنبط فيها بئرا، و قد تكون الزيادة التي جعلها في العين أثرا و عينا مشوبين، فصبغ السيارة التي غصبها أو الثوب الذي غصبه، و لكل من هذه التصرفات أثره و أحكامه عند رد العين المغصوبة كما سيأتي بيانه في المسائل الآتي ذكرها، فلتلاحظ.

المسألة 59:

إذا زاد الغاصب في العين و كانت زيادته فيها أثرا محضا و مثال ذلك ان يعلم العبد المغصوب القراءة و الكتابة أو يعلمه صنعة منتجة، أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 198

يطحن الحنطة المغصوبة أو يصوغ الفضة أو الذهب المغصوب، أو ينسج الغزل المغصوب.

و إذا كانت العين موجودة و لم تتلف، وجب على الغاصب ردها الى مالكها و لا يستحق الغاصب على المالك شيئا للزيادة التي عملها في العين، و لا يستحق على عمله فيها أجرة، و لا يجوز له أن يبدل العين المغصوبة فيدفع للمالك مثلها خاليا من الزيادة إذا كانت موجودة كما هو الفرض، و لا يجوز له أن يزيل الأثر الذي عمله في العين، كما إذا أراد أن يزيل الصياغة من الفضة أو الذهب المغصوب و يعيدهما سبيكتين كما

غصبهما و يجوز للمالك ان يلزم الغاصب بذلك إذا كان ممكنا، و كان له فيه غرض يقصده العقلاء، فإذا ألزمه المالك بذلك و فعله لم يضمن له قيمة الصنعة، و إذا حدث في العين بسبب ذلك نقص أو عيب ضمن للمالك أرشه.

المسألة 60:

إذا غصب الغاصب الأرض فزرعها أو غرسها شجرا أو نخيلا، و كان الحب الذي زرعه، و الفسيل و الودي الذي غرسه مملوكا للغاصب، فالزرع و الغرس و النماء جميعه للغاصب، و تجب عليه أجرة المثل للأرض ما دام الزرع و الغرس فيها، و يجب على الغاصب ازالة زرعه و غرسه من الأرض إذا لم يرض المالك ببقائه فيها، و ان دخل الضرر على الغاصب بإزالته، و إذا رضي المالك ببقاء زرع الغاصب و غرسه في الأرض مجانا جاز له إبقاؤه، و كذلك إذا رضي ببقائه مع الأجرة فيتراضيان على تعيين المدة و مقدار الأجرة، و إذا بذل الغاصب أجرة الأرض ليبقى زرعه و غرسه فيها الى أن يدرك لم يجب على المالك القبول و كذلك إذا بذل له قيمة الأرض ليشتريها منه فلا يجب عليه القبول، و إذا رغب المالك ان يشتري الزرع و الغرس من الغاصب فبذل له قيمته لم تجب على الغاصب اجابته الى ذلك.

و إذا أزال الغاصب زرعه و غرسه من الأرض وجب عليه طم حفرها و ان يدفع للمالك أرش نقصها الذي يحدث فيها بسبب فعله.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 199

المسألة 61:

إذا غصب الغاصب الأرض و بنى فيها بناء و كانت مادة البناء و حجارته و اجزاؤه ملكا للغاصب نفسه جرى فيها جميع الأحكام المتقدمة في الزرع و الغرس، فالبناء و نتاجه ملك للغاصب، و تلزمه أجرة المثل للأرض ما دام البناء موجودا عليها، و تجب على الغاصب ازالة البناء من الأرض الا إذا رضي المالك ببقائه مع الأجرة أو بدونها حسب ما يتراضيان عليه، و هكذا في جميع الأحكام و الآثار التي ذكرناها في المسألة المتقدمة.

المسألة 62:

إذا حفر الغاصب في الأرض المغصوبة بئرا أو شق فيها نهرا، فان طلب المالك منه ان يطم البئر أو النهر لغرض من الأغراض المقصودة، كما إذا أراد أن يبني فيها عمارة، وجب عليه ذلك و لزمه ان يطم الأرض و يساوي الحفر، و إذا لم يطلب المالك ذلك لم يجز له طم البئر و النهر سواء منعه المالك عن ذلك أم لم يمنعه، و لم يطلب منه إزالتهما.

المسألة 63:

إذا غرس الغاصب في الأرض المغصوبة غرسا أو زرع فيها زرعا أو بنى فيها بناء و كان الودي و الفسيل الذي غرسه فيها و الحب الذي زرعه و أجزاء البناء الذي اقامه ملكا لمالك الأرض، فجميع الغرس و الزرع و البناء الذي أحدثه في الأرض يكون للمالك و لا يحق للغاصب أن يزيل منه شيئا أو يطالب مالك الأرض عنه بأجرة عمل، و يجوز لمالك الأرض أن يلزمه بإزالة ما أحدث في الأرض إذا كان له من ذلك غرض يقصده العقلاء، فإذا ألزمه بذلك وجب على الغاصب أن يزيله و إذا حدث بسببه نقص في الأرض لزم الغاصب دفع أرش الأرض و وجب عليه طم حفرها.

المسألة 64:

قد تكون الزيادة التي يزيدها الغاصب في العين أثرا مشوبا بعين، و قد شاع التمثيل بين الفقهاء لهذه الصورة بما إذا غصب ثوبا ثم صبغه بصبغ يملكه الغاصب، و هذا المثال قد يصعب تطبيقه على بعض الفروض

كلمة التقوى، ج 6، ص: 200

التي يدور الحديث عليها في المسألة، و كذلك إذا مثل له بما إذا غصب سيارة ثم صبغها، أو غصب دارا ثم صبغها بصبغ يملكه، و الأمر سهل في المثال بعد وضوح المراد.

و إذا غصب العين ثم صبغها كما في المثال، فقد يكون من الممكن للغاصب أن يزيل الصبغ عن الثوب أو السيارة أو الدار المغصوبة، بحيث تبقى العين خالية من الصبغ، و يبقى الصبغ عينا متمولة بعد ازالته عن العين المغصوبة، فإذا أمكن ذلك، جاز للغاصب أن يفعله، و لا يحق لمالك العين أن يمنعه من فعله، و يجوز لمالك العين أن يلزم الغاصب بفعله فيختص كل واحد منهما بما يملك، و إذا أزال الغاصب الصبغ عن

العين المغصوبة فأوجب ذلك حدوث نقص فيها كان الغاصب ضامنا للنقص فيجب عليه دفع أرشه سواء كان فعله باختياره هو أم بطلب من مالك العين.

و إذا طلب مالك العين من الغاصب أن يملكه الصبغ ليكون المجموع له لم تجب على الغاصب اجابته الى طلبه، و كذلك إذا طلب الغاصب من المالك أن يملكه العين فبذل له قيمتها لم تجب على المالك إجابته.

المسألة 65:

إذا لم يمكن للغاصب أن يزيل الصبغ عن العين، و كانت للصبغ عين متمولة و هو في هذا الحال، كان مالك العين و مالك الصبغ شريكين في العين المصبوغة بنسبة القيمة، فإذا كانت قيمة العين و قيمة الصبغ متساويتين كانا شريكين بالمناصفة، و إذا كانت القيمتان متفاوتتين كان كل واحد شريكا في المجموع بنسبة قيمة ماله، فإذا كانت قيمة الثوب وحده عشرة دنانير و قيمة الصبغ وحده خمسة دنانير فلمالك الصبغ الثلث من المجموع و لمالك الثوب الثلثان، و هكذا في الزيادة و النقيصة. و إذا حدث نقص في قيمة العين بسبب الصبغ أو بسبب آخر كان الغاصب ضامنا للنقص، و لا يضمنه إذا كان النقص بسبب هبوط القيمة في السوق.

و كذلك الحكم إذا أمكنت إزالة الصبغ و لكنهما تراضيا على بقاء

كلمة التقوى، ج 6، ص: 201

الاشتراك بينهما فيكونان شريكين بنسبة القيمة على نهج ما تقدم بيانه و تفصيله في المسألة.

المسألة 66:

إذا صبغ العين التي غصبها بصبغ مغصوب أيضا، و كانت للصبغ عين متمولة في قبال العين المغصوبة كما فرضنا في المسألة السابقة، و لم تمكن الإزالة حصلت الشركة بين مالك العين و مالك الصبغ بنسبة قيمة ماليهما على نهج ما سبق، و إذا طرأ على أحدهما نقص بسبب فعل الغاصب كان الغاصب ضامنا لأرشه، و إذا طرأ النقص عليهما معا ضمن الغاصب لكل واحد منهما النقص الذي ورد على العين التي يملكها بالسوية إذا كان النقص متساويا و بالنسبة إذا كان متفاوتا.

المسألة 67:

إذا غصب الرجل شيئا مثليا فخلطه بجنسه مما يملك حتى فقد التمييز بينهما و كان المالان متماثلين في الصفات و في الجودة و الرداءة، كان الغاصب مع المالك شريكين في مجموع المال بنسبة مقدار كل واحد من المالين الى المجموع، و جرت عليه أحكام المال المشترك، و لا يكون الغاصب ضامنا لمثل المال المغصوب أو قيمته، و لا يجوز له التصرف في المجموع الا برضى المالك، و يجب عليه تسليم المال المشترك ليفرز بينه و بين شريكه برضاهما و يقسم عليهما بنسبة ماليهما، أو ليباع المجموع و يأخذ كل واحد منهما حصته من الثمن بتلك النسبة، و يتخيران في ذلك.

المسألة 68:

إذا غصب الرجل شيئا مثليا و خلطه بشي ء من جنسه مما يملك حتى ارتفع التمييز بين المالين كما ذكرنا في الفرض المتقدم، و كان المال المغصوب أجود من ماله الذي خلطه به، كان الغاصب مع المالك شريكين في مجموع المال بنسبة مقدار المالين كما سبق، فإذا خلط منا مغصوبا من الحنطة بمن من الحنطة يملكه فهما شريكان بالمناصفة في مجموع المال، و إذا خلطه بمنين مما يملكه فهما شريكان بالمثالثة و يكون لصاحب العين المغصوبة ثلث المجموع و للغاصب الثلثان منه، و إذا أرادا تقسيم المال أو أرادا بيعه لزم أن يكون التقسيم و البيع بنسبة القيمة، فإذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 202

كانت قيمة المن المغصوب عشرة دنانير لأنه أجود و كانت قيمة المن الذي يملكه خمسة دنانير كانت الشركة بينهما بالمناصفة لتساوي المالين في المقدار و لزم أن يكون التقسيم بينهما بالمثالثة، فيجعل لمالك المن المغصوب سهمان من المجموع لأنه يملك ثلثي القيمة و يجعل للغاصب سهم واحد منه، لأنه يملك ثلث القيمة،

و كذلك إذا باعا مجموع المال، فيكون للأول ثلثا الثمن و للثاني ثلثه.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 202

و الأحوط في الفرض و في جميع نظائره مما يختلط فيه المالان و هما من جنس واحد مما يكال أو يوزن، و يكونان مختلفي القيمة أن يختار البيع و تقسيم الثمن بحسب القيمة تخلصا من شبهة الربا، و ان كان الأقوى عدم جريان أحكام الربا في القسمة كما ذكرناه في المسألة الخامسة و الثلاثين من كتاب الشركة.

المسألة 69:

إذا غصب الشي ء المثلي و خلطه بمثله مما يملك حتى فقد التمييز بين المالين، و كان المال المغصوب أردأ من ماله الذي خلطه به كان المالك و الغاصب شريكين في المال الممتزج و جرت فيه الأحكام التي ذكرناها في المسألة الثامنة و الستين سواء بسواء و لا حاجة الى التكرار.

المسألة 70:

إذا غصب الرجل الشي ء و مزجه بغير جنسه حتى عد المال المغصوب تالفا في نظر أهل العرف، و مثال ذلك أن يمزج ماء الورد المغصوب بالماء المطلق حتى يصبح المجموع ماء مطلقا، أو يمزجه بزيت أو خل أو نحوهما مما لا يبقى معه لماء الورد عين و لا خصوصيته في نظر الناس، فيكون الغاصب ضامنا للعين المغصوبة بمثلها إذا كانت مثلية و بقيمتها إذا كانت قيمية.

و إذا مزجه بجنس آخر و لم يعد تالفا في نظر أهل العرف، بل يعدونه مالا ممتزجا بغيره، جرى فيه الحكم المتقدم في خلط الشي ء بما هو أجود منه أو أردأ، فيكون الغاصب و المالك شريكين في العين بنسبة مقدار ما لأحدهما من المال الى مجموع المالين، و إذا أرادا القسمة أو أرادا بيع

كلمة التقوى، ج 6، ص: 203

المال كانت القسمة بنسبة قيمة كل واحد من المالين إلى قيمة مجموعهما كما فصلناه في المسألتين السابقتين.

المسألة 71:

إذا خلط الغاصب المال المغصوب بمال آخر هو أجود منه أو أردأ، أو خلطه بمال من جنس آخر فكان هذا الخلط سببا لنقص قيمة المال المغصوب عن قيمته قبل الخلط، كان الغاصب ضامنا لهذا النقص، فإذا قسم المال أو بيع، أخذ المالك مقدار قيمة ماله المغصوب قبل خلطه و كان الباقي للغاصب.

المسألة 72:

منافع العين المغصوبة كلها و نماءاتها و فوائدها مملوكة لمالك العين من غير فرق بين ما كان موجودا منها قبل الغصب و ما تجدد بعده، و الغاصب ضامن لها جميعا، من غير فرق بين الأعيان منها كالولد و الثمر و اللبن و الزبد و الصوف و الشعر و الوبر، و المنافع كركوب السيارة و الفرس و الدابة و الحمل عليها، و منافع الدار و العقار و الضيعة و البستان و فوائدها التي تحصل من إجارتها و غيرها، و كل صفة تزيد بسبب وجودها قيمة العين المغصوبة، فإذا وجدت الصفة بعد الغصب ثم فقدت فكان زوالها موجبا لنقصان قيمة العين بعد زيادتها، فهي مضمونة على الغاصب و ان كانت قيمة العين حين الرد مساوية لقيمتها حين الغصب.

المسألة 73:

إذا غصب عبدا مملوكا فعلمه بعد الغصب صنعة زادت لها قيمة العبد، ثم نسي العبد الصنعة فهبطت قيمته كان الغاصب ضامنا لتلك الزيادة المفقودة، فإذا تعلم العبد تلك الصنعة مرة ثانية فزادت قيمته، فلا ضمان على الغاصب للزيادة الأولى بعد رجوع الصفة و القيمة الى ما كانت، الا أن تنقص قيمته الثانية عن قيمته الأولى، فيكون الغاصب ضامنا للتفاوت الذي حصل بين القيمتين، و كذلك الحكم إذا سمنت الدابة فزادت قيمتها، ثم هزلت فنقصت القيمة كان الغاصب ضامنا لتلك القيمة، و إذا عاد لها سمنها و عادت قيمتها، فلا ضمان عليه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 204

لقيمتها الأولى، إلا إذا قلت قيمتها في المرة الثانية، عن قيمتها الأولى فيكون ضامنا للتفاوت.

المسألة 74:

إذا حصلت في العين المغصوبة صفة فزادت لذلك قيمتها، ثم فقدت تلك الصفة، فنقصت القيمة، ثم تجددت في العين صفة أخرى زادت لها قيمة العين مرة ثانية لم يزل عن الغاصب ضمان القيمة الأولى بتجدد الصفة و القيمة الثانية.

و مثال ذلك: أن يتعلم العبد صنعة أو لغة فتزيد لذلك قيمته، ثم ينسى الصنعة فتهبط قيمته لذلك و يكون الغاصب ضامنا لتلك الزيادة، فإذا تعلم العبد صنعة ثانية و رجعت قيمته أو زادت عن الأولى فلا يزول بذلك ضمان الغاصب للزيادة الأولى، و من أمثلة ذلك أن تسمن البقرة فترتفع لذلك قيمتها ثم تهزل فتقل قيمتها الأولى و يكون الغاصب ضامنا لها، ثم يكثر بعد ذلك لبن البقرة فترتفع قيمتها مرة ثانية، بسبب ذلك و لا يزول بذلك ضمان الغاصب للزيادة الأولى.

المسألة 75:

إذا تجددت في العين المغصوبة صفة و لم توجب الصفة زيادة في قيمة العين لم يضمنها الغاصب إذا فقدت، و مثال ذلك: أن يسمن العبد المملوك ثم يزول سمنه فلا يكون الغاصب ضامنا لذلك.

المسألة 76:

إذا جب الغاصب العبد المغصوب وجبت عليه دية الجناية على العبد، و ان زادت بسبب ذلك قيمة العبد.

المسألة 77:

إذا غصب الرجل حبا فزرعه كان الزرع و نتاجه لمالك الحب، سواء زرعه الغاصب في أرضه و سقاه من مائه أم زرعه في أرض المغصوب منه و سقاه من مائه، و كذا إذا غصب فسيلا أو وديا فغرسه، فالغراس و نتاجه لمالك الفسيل و الودي و تلاحظ المسألة الثالثة و الستون.

المسألة 78:

إذا غصب الغاصب بيضا فأحضنه دجاجته أو جعله في الجهاز الحديث

كلمة التقوى، ج 6، ص: 205

الذي يملكه هو المعد لاحتضان البيض و استفراخه حتى أنتج، فالفراخ الناتجة ملك لمالك البيض، و لا يستحق الغاصب على عمله أجرة و كذلك إذا غصب دجاجا أو غيره من ذوات البيض، فأنتجت بيضا ثم فراخا، فالبيض و الفراخ لمالك الدجاج المغصوب، و لا أجرة للغاصب على عمله.

المسألة 79:

إذا غصب فحل بقر أو فحل غنم أو غير ذلك من فحول الحيوان و أنزاه على إناث من جنسه فلقحت و أولدت، فالنتاج لمالكي الإناث، و إذا كانت الإناث ملكا للغاصب نفسه فالنتاج له و تجب عليه أجرة الفحل لمالكه.

المسألة 80:

يملك الكافر الذمي الخمر و الخنزير إذا كان يستتر بشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و لا يتجاهر بهما كما هو أحد شروط الذمة عليه، فإذا غصبهما منه غاصب و تلفا عنده بعد الغصب كان ضامنا لقيمتهما عند أهل الذمة.

و إذا ملك المسلم عصيرا و انقلب عنده خمرا كان له حق الاختصاص به، فلا يحل لأحد غصبه منه، فإذا انقلب بعد ذلك خلا كان ملكا له، و نتيجة لذلك فإذا غصبه منه غاصب بعد ان انقلب خمرا، وجب على الغاصب رده اليه لاختصاصه به، و كذلك إذا غصبه منه عصيرا ثم انقلب عند الغاصب خمرا فيجب عليه رده، و مثله ما إذا اختص المسلم بالخمر بسبب آخر ليجعل الخمر خلا، أو لغير ذلك من الغايات المباحة، فإذا غصبه أحد وجب عليه رده، و إذا انقلب عند الغاصب خلا ثم تلف كان الغاصب ضامنا لقيمته خلا، و إذا تلف عند الغاصب و هو خمر و قد غصبه خلا ضمن قيمة الخل كذلك و إذا غصبه خمرا و تلف عنده خمرا ففي ضمانه اشكال، و لا يترك الاحتياط بأن يصالحه عن حق الاختصاص.

المسألة 81:

تجري جميع أحكام الضمان التي تقدم تفصيلها و بيانها في كل يد توضع على مال الآخرين بغير حق، و ان لم تكن اليد غاصبة و لا ظالمة، و لم يكن واضعها عاصيا و لا آثما، كما إذا وضع الرجل يده على مال

كلمة التقوى، ج 6، ص: 206

غيره و هو يعتقد أن المال له ثم علم أنه مال غيره، و كما إذا أخذ المال من أحد بشراء أو هبة أو عارية و هو يعتقد أن المال ملك لذلك الشخص، ثم ظهر له انه سارق،

و قد تقدم ان جميع هذه الأحكام تجري في الأشياء التي يقبضها الإنسان بالسوم أو يقبضها بالمعاملة الفاسدة. و يسمى الضمان في جميع هذه الموارد بضمان اليد، لقوله (ص): (على اليد ما أخذت حتى تؤدي)، و لا ضمان على صاحب اليد إذا كان أمينا سواء كانت أمانته من قبل المالك كالوديعة و العارية أم كانت بحكم الشارع كالعين المستأجرة و نحوها.

الفصل الثالث في بعض ما يوجب الضمان
المسألة 82:

إذا أتلف الإنسان مال غيره لزمه ضمان ما أتلف، سواء كان عامدا في فعله أم غير عامد كما إذا كسر الإناء أو أراق المائع و هو نائم أو و هو ساه أو غافل، فيلزمه ضمانه، و كذلك إذا أتلف الشي ء في حال صغره و عدم تكليفه فيكون عليه ضمان التالف، و يؤديه عنه الولي من مال المولى عليه و إذا لم يكن له و لي أو لم يكن له مال لزمه اداؤه بعد البلوغ.

المسألة 83:

قد يكون إتلاف الإنسان لمال الغير بنحو المباشرة للإتلاف كما إذا ضرب الإناء أو أوقعه من شاهق فكسره، أو رمى الحيوان ببندقية أو بسهم أو بحجر فقتله أو ألقى الشي ء في النار أو في البحر فأحرقه أو أغرقه، و قد يكون إتلافه إياه بنحو التسبيب، كما إذا وجه الأعمى نحو بئر أو هاوية في الطريق فسقط فيها و مات، أو ساق الدابة بعنف و هي لا تدري نحو بئر أو هاوية أو حافة جبل فوقعت فيها و هلكت، أو جعل في الطريق بعض المزالق أو المعاثر فانزلق فيها بعض الغافلين أو بعض الأطفال أو الحيوان أو بعض أدوات النقل فتلف، فإذا حصل التلف بأحد النحوين كان المتلف المباشر أو المسبب ضامنا لما حصل، فيضمن المال لصاحبه بمثله إذا كان مثليا و بقيمته إذا كان قيميا و إذا حدث

كلمة التقوى، ج 6، ص: 207

بفعله أو بسببه عيب في الشي ء أو حصلت جناية على صغير أو كبير ضمن أرش العيب و أرش الجناية.

المسألة 84:

إذا ذبح الإنسان حيوانا يملكه غيره على غير الوجه الشرعي، أو ذبحه على الوجه الشرعي و كان الحيوان مما لا ينتفع به بحسب العادة بعد ذبحه بأكل و نحوه، كالفرس و البغل و الحمار فان هذه الحيوانات لا يؤكل لحمها عادة و لا ينتفع بها بعد ذبحها و ان كانت محللة اللحم، و لذلك فهي مما تعد تالفة بالذبح، و يكون الذابح لها ضامنا، و إذا ذبح حيوانا يملكه غيره على الوجه الشرعي و كان الحيوان مما يؤكل لحمه و ينتفع باجزائه بعد التذكية كالبقر و الغنم و الإبل، فلا يعد تالفا، و لا يكون الذابح له ضامنا للإتلاف، و يضمن للمالك تفاوت

قيمة الحيوان ما بين كونه حيا و مذبوحا، و إذا ذبحه و أكل لحمه أو قسم لحمه كان ضامنا لقيمته.

المسألة 85:

إذا أثبت في الطريق وتدا ليعثر به بعض المارة أو بعض الحيوان، فيصيبه بسبب ذلك عطب أو كسر كان ضامنا لما يحدث بسبب فعله من جناية أو خسارة أو تلف مال، كما إذا عثر بالوتد إنسان أو دابة فوقعت و تلف المتاع الذي تحمله، و كذلك إذا لم يقصد به ذلك و لكن وضع الوتد في ذلك الموضع مظنة لحدوث مثل ذلك، و إذا جعل الوتد لغاية صحيحة و لم يكن وضعه في ذلك مظنة لذلك، فاتفق حدوث مثله ففي ضمانه اشكال.

و من صغريات المسألة ما إذا أصاب الوتد عجلة سيارة أو وسيلة نقل أخرى فأحدث جناية أو تلف مال أو عيبا أو نحو ذلك فيجري فيه البيان الآنف ذكره.

المسألة 86:

و من ذلك ما إذا جعل في الطريق عقبة توجب نفور الدابة إذا مرت بها، فإذا وضع العقبة بهذا القصد أو كانت مظنة لذلك، فنفرت الدابة حين اجتازت بها، فوقعت و أصابها عقر أو كسر، أو جنت على راكبها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 208

أو على شخص آخر أو أتلفت مالا، كان واضع العقبة ضامنا لما حدث بسببه.

المسألة 87:

إذا فك الرجل القيد عن المجنون و تركه مطلقا كان ضامنا لما يجني و لما يتلف، إذا كان من شأنه أن يقيد، و كذلك الحيوان إذا كان من طبعه أن يؤذي أو يجني كالكلب العقور و الفرس المؤذي و الدابة الصائلة، فيجب على صاحبه أن يربطه للاحتراز منه، فان فرط في التحفظ فتركه مهملا، أو حله من رباطه في وقت يجب فيه التحفظ كان ضامنا لما يحدث بسببه، و إذا حله أحد بعد أن ربطه مالكه كان هو الضامن.

المسألة 88:

إذ فك الإنسان دابة أو حيوانا يملكه غيره من رباطه، فشرد أو دخل في حظيرة حيوان آخر فجنى الحيوان عليه أو قتله كان الإنسان الذي فكه ضامنا لقيمته و لأرش الجناية عليه و كذلك إذا فتح الرجل القفص فطار الطائر منه و لم يقدر صاحبه على إمساكه، فيضمن الرجل قيمته لصاحبه، و يضمن أيضا ما تتلفه الدابة بعد ما فكها من الرباط، أو يتلفه الطائر بخروجه من القفص، و يضمن قيمة الطائر إذا عطب بسبب الخروج منه، كما إذا كان باب القفص ضيقا فاضطرب الطائر فيه حتى عطب أو انكسر.

المسألة 89:

إذا غصب الرجل الشاة و ترك ولدها صغيرا، فمات بعدها جوعا، فان ترك الولد و لا غذاء له غير ارتضاعه من أمه كان الغاصب هو السبب في تلف الولد فيلزمه ضمان قيمة الولد لمالكه و ان لم ينحصر غذاؤه بلبن أمه، فلا ضمان على الغاصب بتلفه.

المسألة 90:

إذا حبس الرجل راعي الماشية أو مالكها عنها، فهلكت بعد غيبته عنها، فان كانت الماشية ترعى أو تقيم في أرض ذات سباع أو ذئاب مثلا و كان مالك الماشية أو راعيها هو الحارس لها من أخطارها كان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 209

الحابس هو السبب في هلاكها، فيكون ضامنا لقيمتها، و الا فلا ضمان عليه.

المسألة 91:

إذا حل الرجل وكاء الظرف، فسأل المائع الذي جعل فيه من سمن أو عسل أو غيره كان ذلك الرجل ضامنا لقيمة المائع.

و إذا فتح بعض وكاء الظرف و كان الظرف مسندا الى جدار و نحوه فلا يسيل ما فيه بحسب العادة بمجرد فتح رأسه و اتفق ان حط عليه طائر، أو حركة حيوان فانقلب، أو قلبته ريح عاصفة فسال ما فيه، أشكل الحكم على الرجل بالضمان.

و يقوي الحكم عليه بالضمان إذا كان مظنة لحدوث مثل ذلك كما إذا في مهب ريح عاصفة أو في موضع تكثر فيه طيور أو حيوانات تعبث بمثله.

المسألة 92:

لا يضمن مالك الجدار إذا وقع جداره في الطريق أو في بيت غيره أو في ملكه فأتلف مالا، أو أتلف نفسا أو جنى عليها، و إذا مال الجدار الى الطريق أو الى ملك الغير أو بناه صاحبه مائلا كذلك، و لم يزل صاحبه خطره أو يصلحه مع تمكنه من ذلك، فسقط الجدار و أتلف أو جنى، كان على صاحب الجدار ضمان ذلك، و كذلك إذا تمكن من الاعلام بالخطر و لم يعلم به حتى وقع المحذور، و انما يكون صاحب الجدار ضامنا إذا كان الشخص المجني عليه أو الشخص الذي تلف ماله لا يعلم بالحال، فإذا كان الشخص عالما بأن الجدار منهار و مائل للانهدام و وقف تحته أو وضع ماله بقربه فسقط الجدار و تلف المال أو حصلت الجناية، فلا ضمان على صاحب الجدار.

المسألة 93:

إذا أوقد الرجل في منزله أو في ملكه نارا لبعض الأغراض، و كان من شأن النار التي أوقدها أن تسري الى بيت غيره أو ملكه لوجود ريح قد تحمل اللهب و قد تطير الشرر، فسرت النار و أتلفت، كان موقد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 210

النار ضامنا لما يحدث بسبب فعله، سواء تجاوز في النار التي أوقدها عن مقدار حاجته أم لم يتجاوز عنه، و سواء علم أو ظن بأن النار تتعدى و تسري أم لم يعلم و لم يظن أم اعتقد بعدم السراية فاتفق أن تعدت و سرت لوجود الريح.

و إذا أوقد نارا ليس من شأنها التعدي لسكون الريح، و اتفق ان عصف الهواء و حمل الشرر فسرت النار الى ملك غيره، فالظاهر عدم الضمان بذلك.

المسألة 94:

إذا أرسل الإنسان الماء في بيته أو في ملكه فتعدي الى ملك شخص آخر فأفسد أو أضر به كان المرسل ضامنا لذلك سواء كان يعتقد بعدم وصول الماء الى ملك الآخر أو عدم الضرر به أم يعتقد خلاف ذلك.

و إذا أرسل الماء في ملكه فعداه غيره الى ملكه لينتفع به فأضره، فلا ضمان على المرسل الأول، و إذا عداه الثاني إلى ملكه فأضر بملك الثالث كان الثاني ضامنا للثالث و لا ضمان على الأول.

المسألة 95:

إذا حمل الحمال سارية ضخمة من الخشب أو من الحديد على ظهره ليوصلها الى مكان فصدم بها جدارا أو بناء فصدعه أو هدمه كان ضامنا لما فعله، و إذا اجهده حمل السارية فأسندها الى جدار أحد ليستريح، و لم يستأذن مالك الجدار بذلك، فأوجب اسنادها صدعا في الجدار أو انهيارا، أو وقع الجدار بسبب ذلك فأتلف مالا أو نفسا كان الحمال ضامنا لكل ذلك إذا كان وقوع الجدار أو تصدعه أو إتلاف الشي ء مستندا إلى اسناد الخشبة اليه، و ان تأخر وقوع الجدار عن إسناد الخشبة اليه ساعة مثلا أو أكثر، و إذا وقعت السارية فأتلفت بوقوعها شيئا لزم الحمال ضمانه أيضا.

المسألة 96:

إذا دخلت دابة الرجل أو حيوانه الى مزرعة أحد فأكلت زرعه أو أفسدته ضمن مالكها ما أكلته و ما أفسدته إذا كان المالك مع الدابة في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 211

دخولها راكبا عليها أو قائدا أو سائقا لها أو مصاحبا لها، و إذا لم يكن المالك معها في دخولها كان ضامنا لما أتلفته إذا وقع ذلك ليلا، و لا ضمان عليه إذا كان نهارا.

المسألة 97:

إذا جعل المالك الدابة أو الحيوان عند الراعي أو بيد مستأجر لها أو بيد مستعير فدخلت مزرعة الغير و أكلت زرعه أو أفسدته، فالضمان الذي ذكرناه في المسألة السابقة على الراعي و على المستأجر و على المستعير و لا ضمان على المالك.

المسألة 98:

إذا اجتمع سببان تامان من فعل شخصين في إتلاف نفس أو إتلاف شي ء، و لم يسبق أحدهما على الآخر في التأثير، فالأقوى أن الشخصين كليهما يكونان مشتركين في ضمان التالف و كذلك إذا سبق أحدهما على الآخر في وجوده بعد أن كان الأثر و هو تلف التالف انما تحقق بهما جميعا.

و مثال ذلك: ما إذا حفر رجل بئرا أو حفيرة عميقة ليوقع فيها بعض العابرين، و لما اجتاز أحدهم صرخ به رجل آخر صرخة أذهلته فوقع في البئر من غير اختيار، أو ضرب في الهواء طلقة نارية ففزع و سقط في البئر من شدة الفزع فمات أو انكسر بعض أعضائه، و من أمثلة ذلك: أن يضع الرجل لغما في الماء ليقتل به شخصا و يفزعه الآخر فيغرق في الماء و يصيبه اللغم فيهلك بفعلهما معا فيكونان شريكين في الضمان، إلا إذا علم أن التلف حصل بفعل أحدهما خاصة، فيكون هو الضامن.

المسألة 99:

إذا كان أحد الشخصين سببا في إتلاف التالف بفعله، و كان الآخر هو الفاعل المباشر لذلك، فالضمان على المباشر للفعل، فإذا حفر أحدهما الحفيرة ليهلك بها الشخص ثم دفعه الآخر فيها، فالجاني هو الدافع لا الحافر، و إذا وضع أحدهما اللغم و أوقعه الثاني عليه فالجاني عليه هو من أوقعه على اللغم لا من وضع اللغم في طريقه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 212

و يستثنى من ذلك ما إذا كان السبب أقوى في حصول الأثر من المباشر، كما إذا وضع الرجل الإناء عند رجلي النائم فدفعه النائم برجله و كسره، أو أغرى به طفلا أو مغفلا فألقاه من شاهق فتحطم و ما أشبه ذلك.

المسألة 100:

إذا أكره القوي ضعيفا على إتلاف مال غيره، و هدده بأن يوقع به ما يكرهه إذا هو لم يفعل ما ألزمه به، و خشي الضعيف منه أن يوقع به ما هدده به إذا لم ينفذ قوله، فأتلف المال كما أمره به، فالضمان على القوي المكره لأن السبب أقوى من المباشر.

و هذا في المال الذي لم يلزم المتلف ضمانه من قبل كمال الوديعة أو العارية أو العين المستأجرة أو مال الغير الذي لم يكن تحت يده، و إذا أكرهه على إتلاف المال الذي غصبه و لزمه ضمانه بسبب الغصب أو الذي قبضه بالسوم أو بالمعاملة الفاسدة، فأتلفه للإكراه، تخير مالك المال بالرجوع على كل من المتلف أو على من أكرهه، فإن أخذ بدل ماله من المتلف كان للمتلف الرجوع بالغرامة على من أكرهه، و إذا أخذ البدل من المكره لم يرجع بغرامته على المتلف.

المسألة 101:

إذا أكره القوي الضعيف على قتل أحد فقتله كان الضمان على القاتل و لا يسقط الضمان عنه بالإكراه، فإنه لا إكراه في الدماء، و لا يرجع على من أكرهه بشي ء و ان كان عاصيا و آثما بفعله.

المسألة 102:

إذا غصب الغاصب طعاما أو شرابا، فاستضاف مالكه و أطعمه طعامه أو سقاه شرابه و المالك لا يعلم بأن المال ماله، ضمن الغاصب له ذلك المال، فان السبب و هو الغاصب أقوى من المباشر لجهله و كذلك إذا غصب منه شاة أو بقرة و طلب الغاصب من المالك ذبحها، فذبحها و هو يجهل بأنها ملكه، فيجب على الغاصب ان يرد لحم الحيوان المذبوح

كلمة التقوى، ج 6، ص: 213

و أجزاءه التي ينتفع بها على مالكه، و يضمن له التفاوت ما بين قيمة الحيوان حيا و قيمته مذبوحا كما ذكرنا في المسألة الرابعة و الثمانين.

المسألة 103:

إذا غصب زيد طعام عمرو أو شرابه و استضاف رجلا غير مالك الطعام و الشراب فأطعمه أو سقاه إياه و الرجل يجهل أن الطعام و الشراب ملك الغير، فالظاهر ان الغاصب و الآكل كليهما ضامنان للمال، و يتخير المالك ان يأخذ بدل ماله من الغاصب أو من الآكل، فإذا أخذ البدل من الغاصب لم يكن له أن يرجع على الآكل بشي ء منه، و إذا أخذه من الآكل جاز له أن يرجع على الغاصب بما غرم لأنه مغرور منه.

المسألة 104:

إذا سعى الرجل بأحد إلى شخص متنفذ سعاية فأخذ المتنفذ منه مبلغا من المال بغير حق فهو آثم بسعايته بالرجل، و لا ضمان على الساعي لما غرمه المتنفذ من المال بل يكون الضمان على آخذ المال، و كذلك إذا شكاه اليه بحق أو بغير حق فغرمه مالا، فيكون الضمان على آخذ المال.

المسألة 105:

إذا تلفت العين المغصوبة و كانت قيمية اشتغلت ذمة الضامن بقيمة المغصوب في يوم تلفه لا بعينه، و هو ظاهر صحيحة أبي ولاد، و نتيجة لهذا فإذا اختلف مالك العين المغصوبة و غاصبها بعد أن تلفت العين في مقدار القيمة في يوم التلف، و لم توجد بينة تعين المقدار، فالقول قول الغاصب مع يمينه لأنه ينكر الزائد. و كذلك الحكم إذا تنازعا في وجود صفة في العين المغصوبة تزيد بها قيمتها، فادعى المالك بأن العبد قد تعلم الصنعة حين الغصب أو بعده فالزيادة مضمونة و أنكر الغاصب وجودها، فالقول قول الغاصب مع يمينه لأنه منكر.

المسألة 106:

إذا تنازعا في ثياب على العبد المغصوب أو الأمة المغصوبة أو في سرج على الفرس المغصوب أو في فراش في الدار المغصوبة فقال المالك: انها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 214

ملك له و ادعى الغاصب انها له، فالقول قول الغاصب مع يمينه لأنه صاحب اليد على هذه الأشياء التي يدعي بها و ان كان غاصبا للعين.

المسألة 107:

ما يضمنه الإنسان بسبب الغصب أو بسبب الإتلاف يكون في ذمته و في ماله و لا يكون على عاقلته.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 215

كتاب الحجر

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 217

كتاب الحجر

المسألة الأولى:

الحجر في اللغة يعني المنع من الشي ء، فيقولون: زيد محجور من دخول البلد إذا منعه مانع من دخوله، و يصح فيه ضم الحاء و فتحها و كسرها، و يختص عند الفقهاء بأن يكون الشخص ممنوعا عن أن يتصرف بماله، لوجود أحد الأسباب الموجبة لذلك، و هي كثيرة.

و المهم من الأسباب المانعة للشخص من التصرف في ماله ستة أمور، و سنتعرض هنا لأربعة منها فقط، لاهتمام الفقهاء بها، و هي صغر السن، و السفه، و الفلس، و المرض الذي يموت الشخص فيه، و أما الجنون فقد ذكرنا المهم من أحكامه في كتاب التجارة و كتاب النكاح و غيرهما من أبواب الفقه و فيها ما يغنينا عن التكرار هنا و أما الرق فإن قلة الابتلاء بأحكام العبيد و الإماء في الأزمان المتأخرة يغنينا عن البحث فيها، و قد ذكرنا جملة وافرة منها في أبواب المعاملات و في بعض كتب العبادات.

و بعد فما نتعرض له من أحكام الحجر يحتوي على أربعة فصول:

الفصل الأول في صغر السن
المسألة الثانية:

يحجر الصبي الصغير شرعا من أن يتصرف في أمواله بأن يبيع أو يشتري أو يهب أو يتهب أو يصالح أو يقبل الصلح عليها أو على شي ء منها، أو يقرض أو يؤجر أو يودع أو يعير أو يجري غيرها من أنواع التصرف، و لا ينفذ تصرفه في المال و لا تترتب عليه آثاره إذا هو أجراه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 218

و المراد بالصغير من لم يصل الى أوان البلوغ الشرعي و ان كان مميزا رشيدا، و كان تصرفه موافقا للمصلحة لنفسه و لمن يتعامل معه و للمال.

و منع المشهور من صحة تصرفه في المال حتى مع اذن الولي له قبل التصرف أو إجازته له بعد التصرف، فلا

تصح معاملته على هذا القول على الإطلاق، و هو ممنوع و سيأتي التعرض لذلك و سنذكر بعض المستثنيات ان شاء اللّه تعالى.

المسألة الثالثة:

يحجر الصبي الصغير عن أن يتصرف في ذمته فيشغلها ببعض المعاوضات، فلا يصح له أن يقترض من أحد مالا فيصبح مال القرض في ذمته أو ببيع على أحد أو يشتري منه سلفا أو نسيئة، و يحجر كذلك عن أن يتصرف في نفسه، فليس له أن يتولى تزويج نفسه أو طلاق زوجته، أو يؤجر نفسه لعمل أو يجعل نفسه عامل مضاربة أو مزارعة أو مساقاة أو غير ذلك من أنواع التصرف في النفس.

المسألة الرابعة:

تقدم منا في المسألة الثالثة و السبعين من كتاب التجارة: أن ولي الصبي إذا قام بالمعاملة على بيع مال الصبي حتى أتم المساومة و حصل الاتفاق بينه و بين المشتري ثم وكل الصبي نفسه في أن يجري صيغة البيع على المشتري، فالأقوى صحة المعاملة و نفوذها إذا كان الصبي مميزا و صحيح الإنشاء، و كذلك إذا أتم الولي معاملة الشراء له ثم وكله في إنشاء القبول، فالصبي غير مسلوب العبارة لصغره على الأقوى إذا كان يحسن الإنشاء.

و ذكرنا في المسألة ذاتها: أن الظاهر صحة معاملة الصبي المميز في الأمور غير الخطيرة، فيصح له أن يتولى معاملة البيع و الشراء مستقلا في هذه الأمور، إذا اذن له الولي بأصل المعاملة لا في خصوص إنشاء الصيغة.

و سيأتي ان شاء اللّه تعالى في كتاب الوصية: ان الأقوى صحة الوصية من الصبي إذا بلغ عشر سنين و كانت وصيته في الخيرات و المبرات و وجوه المعروف، فتنفذ وصيته و يلزم العمل بها بعد موته.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 219

المسألة الخامسة:

تصح معاملة الصبي المميز على الأقوى في بيع مال غيره إذا وكله مالك المال و اذن له بذلك، و يصح الشراء له كذلك، فيتولى اجراء المعاملة له في البيع و الشراء بالوكالة عنه، و تترتب على معاملته آثارها و ان لم يأذن ولي الصبي له بذلك، و قد ذكرنا هذا في المسألة الرابعة و السبعين من كتاب التجارة.

المسألة السادسة:

سيأتي في كتاب الطلاق (ان شاء اللّه تعالى) ان الاحتياط لا يترك في الطلاق و لا في آثاره إذا وقع من الزوج الصبي و قد بلغ عشر سنين، فالأحوط أن لا يصدر منه، و إذا وقع منه لزم مراعاة الاحتياط في ترتيب الآثار في صغريات موارده التي تحدث، فلا يطأ المطلق الزوجة إلا بعقد جديد، و لا تتزوج المطلقة غيره الا بعد طلاق جديد و هكذا.

المسألة السابعة:

لا يمنع الصغير لصغره من حيازة المباحات الأصلية، و يتحقق له ملكها إذا حازها على الوجه المعتبر فيها، فإذا احتطب أو احتش أو استقى الماء أو اصطاد سمكا أو طيرا صحت حيازته و ملك ما حازه، و تصح منه النية إذا نوى بحيازته تملك الشي ء و لم يفتقر في ذلك الى اذن الولي له بالحيازة أو بالتملك، و الظاهر صحة ذلك منه حتى في مثل إحياء الأرض الميتة و تحجيرها إذا تحققت منه على الوجه الصحيح.

المسألة الثامنة:

يعلم تحقق البلوغ الشرعي في كل من الذكر و الأنثى بنبات الشعر الخشن في موضع الشعر من العانة، و لا يكفي خروج الزغب الناعم في الموضع قبل أن يقوي الشعر و يخشن، و يعلم تحققه بخروج المني من الذكر أو الأنثى، و هو الماء الذي يوجب خروجه غسل الجنابة، سواء كان خروجه في اليقظة أم في المنام، و سواء خرج بجماع أم بغيره، و يعلم تحققه في الأنثى بخروج دم الحيض، و يعلم تحققه بأن يكمل الذكر خمسة عشر عاما من حين ولادته، و أن تكمل الأنثى تسعة أعوام،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 220

و لا يكفي أن يدخل الذكر في السنة الخامسة عشرة قبل أن يتمها أو تدخل الأنثى في عامها التاسع قبل أن تتمه.

المسألة التاسعة:

لا يرتفع الحجر عن الصبي الذكر و لا عن الصبية الأنثى بتحقق البلوغ وحده حتى يحصل معه الرشد في العقل، و سيأتي بيان المراد منه في الفصل الثاني، فإذا لم يتحقق الرشد مع البلوغ لم يزل محجورا عن التصرف في ماله و ان كبرت سنه.

المسألة العاشرة:

يثبت الرشد عند اشتباه الأمر في الغلام عند البلوغ أو قبله باختباره في الأمور التي تناسب شأنه و حاله من التصرف في المال من بيع و شراء و اجارة و صرف و إنفاق و نحو ذلك من الأمور التي تكشف بحسب العادة عن رشده و مراعاته لمصلحة المال و الحفاظ على شؤونه التي يجري عليها العقلاء في معاملاتهم حتى يستبين أمره، و سيأتي مزيد من القول في تفصيل ذلك.

و يثبت كذلك بشهادة البينة العادلة من الرجال المطلعة على الحال في رشد الذكر و في رشد الأنثى و يشكل الحكم في ثبوت رشد الأنثى بشهادة النساء، فلا بد في ذلك من مراعاة الاحتياط.

المسألة 11:

تثبت للأب و للجد أبى الأب ولاية التصرف في مال الصبي غير البالغ و الصبية غير البالغة و النظر في مصالحهما و شؤونهما، و ينفذ تصرفهما في مال المولى عليه من بيع و شراء و صلح و اجارة و هبة لهما أو منهما و غير ذلك كما أوضحناه في فصل شرائط المتعاقدين.

و تثبت لهما ولاية التصرف في المعاملات التي تتعلق بذمته، فلهما أن يقترضا له أو يقرضاه من مالهما، و أن يبيعا له و يشتريا سلما أو نسيئة، و تثبت لهما ولاية التصرف في نفسه، فلهما أن يزوجاه بمهر معجل من ماله أو مؤجل في ذمته، و ان يؤجراه عاملا لما يريدان له من الأعمال، مع وجود المصلحة له في جميع ذلك، بل و مع عدم المفسدة على الأقوى، إلا في الصورة التي سنذكر استثناءها من ذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 221

و إذا فقد الأب و الجد للأب، فالولاية على التصرف في ماله للقيم الذي يوصي اليه الأب أو الجد للأب و يجعله

ناظرا على الطفل، و قد أوضحنا ولايته و بينا حدودها و شروطها في فصل شرائط المتعاقدين من كتاب التجارة، و في مبحث أولياء العقد من كتاب النكاح.

و إذا لم يكن للصغير غير البالغ أب و لا جد للأب، و لا قيم مجعول من أحدهما، فالولاية عليه للحاكم الشرعي، فإذا لم يوجد فالولاية عليه في أمواله على الأحوط للعدول من المؤمنين، فان لم يوجد العدول فلثقاة المؤمنين.

المسألة 12:

لا ولاية على التصرف في مال الصبي أو الصبية غير البالغين للأم و لا للجد أبي الأم، و لا للأخ الكبير أو الصغير، أو العم أو الخال، الا أن يجعله الأب أو الجد للأب أو الحاكم الشرعي قيما، و وليا على التصرف في ماله، أو كان من عدول المؤمنين إذا لم يكن له ولي سواهم، أو كان من ثقاتهم إذا لم يوجد العدل.

المسألة 13:

لا يشترط في صحة ولاية الأب أو الجد للأب على الصغير أن يكونا عدلين، فتثبت ولايتهما و ينفذ تصرفهما و ان كانا فاسقين، و لا يجب على الحاكم الشرعي إن يفحص عنهما و عن تصرفهما في أموال الصغير و شؤون ولايتهما عليه، و إذا استبان له من باب الاتفاق سوء سلوكهما و ان تصرفهما مما يضر بالمولى عليه عزلهما عن الولاية و منعهما من التصرف في ماله.

المسألة 14:

لا ترتب في الولاية بين الأب و الجد للأب، فهما مشتركان في الولاية على الصبي أو الصبية، فأيهما أجرى المعاملة على ماله أو عليه كان تصرفه ماضيا نافذا، و لم تتوقف صحة تصرفه على اذن الآخر أو إجازته، و إذا تصرفا معا فان سبق أحدهما على الآخر كان تصرف السابق نافذا و بطل تصرف اللاحق، فإذا باع الأول دار الصبي على رجل ثم باعها الثاني على رجل آخر صح بيع الأول و بطل بيع الثاني، و إذا اقترنا في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 222

إيقاع المعاملة في وقت واحد و لم يتقدم أحدهما على الآخر قدم الجد إذا كانت المعاملة التي أوقعاها عقد نكاح، كما إذا زوج الجد البنت الصغيرة من أحد و زوجها الأب من غيره و تقارنا في إيقاع عقد التزويج، فيقدم عقد الجد و يلغى عقد الأب، و إذا كانت المعاملة التي أجرياها مقترنين غير عقد النكاح، فلا بد من مراعاة الاحتياط في ترتيب الآثار، فإذا باعا داره على شخصين في وقت واحد أو آجراها من شخصين تقايلوا من البيع أو الإجارة ثم آجروا المعاملة حسب ما يتفقون.

المسألة 15:

لا فرق في ثبوت ولاية الجد للأب بين القريب من الأجداد و البعيد منهم، فلا يتقدم القريب على البعيد فيها، فالجد و أبو الجد و جد الجد إذا وجدوا فجميعهم مشتركون في الولاية على الطفل، و جميعهم يشاركون الأب فيها.

المسألة 16:

ذكرنا هاهنا و في مواضع سبقت الإشارة إليها: انه لا يشترط في صحة تصرف الأب أو الجد في مال الصغير أو الصغيرة أن يكون التصرف مشتملا على مصلحة للصغير أو للمال، بل يكفي في الصحة عدم وجود مفسدة في التصرف، و تستثنى من ذلك صورة واحدة، و هي ما يكون تصرفهما محتويا على تفريط في مصلحة الصغير، فإذا كان تصرف الأب أو الجد يستلزم أو يحتوي على تفريط في مصلحته لم يصح ذلك التصرف و لم ينفذ، و قد ذكرنا هذا و ذكرنا مثاله في المسألة المائة و الخامسة من كتاب التجارة.

المسألة 17:

إذا كانت الولاية على أموال الصغير أو الصغيرة للقيم المنصوب من أبيهما أو جدهما لأبيهما اشترط في صحة تصرفه في مالهما أن توجد المصلحة في تصرفه، و لا يكفي عدم وجود المفسدة، كما في ولاية الأب و الجد، فإذا أراد القيم بيع دار الصغير أو عقاره أو أراد إجارته أو أراد إيقاع أي تصرف آخر في ماله، فلا بد له من إحراز هذا الشرط، و قد ذكرنا في المسألة المائة و العاشرة من كتاب التجارة أن الميزان في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 223

ذلك أن يكون التصرف مشتملا على المصلحة في نظر العقلاء من الناس و لا يكفي في الصحة اعتقاد الولي بذلك إذا كان العقلاء يرونه مخالفا، و تراجع المسألة المذكورة.

المسألة 18:

إذا كانت الولاية في أموال الصغير للحاكم الشرعي، فالتصرف في المال يكون منوطا برأيه من حيث لزوم مراعاة المصلحة في ذلك و عدم لزومها، و ان كان الأحوط استحبابا له أن يقتصر في تصرفه على ما يلزم من تركه حصول ضرر أو فساد.

المسألة 19:

إذا كانت الولاية في مال الصغير للعدول من المؤمنين أو لثقاتهم فالأحوط لزوما أن يقتصر الولي في تصرفه في المال على ما يلزم من تركه الضرر فإذا خاف تلف المال باعه و إذا خشي تلف المنفعة آجر العين.

المسألة 20:

يجوز للولي ان يدفع مال الصغير الى احد مضاربة أو بضاعة إذا كان العامل الذي يجري معه عقد المضاربة أو البضاعة ثقة أمينا، و إذا ضاربه و كان غير ثقة أمين كان الولي ضامنا لتفريطه فإذا تلف المال لزم الولي دفع بدله.

و يجوز للولي بحسب ولايته على المال و على الصغير أن يأذن لنفسه بأن يتجر بمال المولى عليه بحصة معينة من ربح المال و تكون الحصة الأخرى منه للمولى عليه، و يكفيه حصول الاذن بذلك في قصده و نيته فيتولى الاتجار و العمل له بنفسه و إذا ربحت التجارة استحق الحصة المعينة، و تلاحظ المسألة المائة و الثامنة و الثلاثون من كتاب المضاربة.

المسألة 21:

مما يرجح فعله للولي و لا ينبغي تركه أو التسامح فيه، سواء كان الولي أبا أم جدا أم غيرهما، بل هو من الشؤون الأولى للولاية أن يعلم الصبي أو الصبية القراءة و الخط و الحساب و غيرها من مواد التعليم، فيدفعه الولي إلى شخص مأمون أو يجعله في معهد موثوق يتلقى فيه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 224

مبادئ ذلك و نتائجه، و يتلقى فيه مبادئ اللغة العربية و علومها و العلوم الأخرى التي تضع بيد الصغير مفاتيح النجح و الفوز و الخير في هذه الحياة و ما بعدها، و تغرس في قلبه و في نفسه محبة الخلق الرضي و أصول الطباع الكريمة المهذبة النافعة له في دينه و دنياه و يجب ان يتولى الولي و الثقات من معلميه و مرشديه صيانته عما يفسد الخلق و يشين الحياة و يضر بالدين أو العقيدة.

المسألة 22:

يجوز للولي أن يدفع الصبي الى من يثق بأمانته و بحسن سلوكه و معاملته ليعلمه بعض الصنائع أو يعوده على بعض الأعمال التي تنفعه في الحياة، أو يجعله أجيرا أو عاملا لديه في الأمور التي يمكنه القيام بها مقابل أجر معين في أوقات محددة، فيتعود بذلك على الكسب المحلل و الحفاظ على الوقت و أداء الواجب، و احترام العمل و احترام الناس.

المسألة 23:

إذا كان الصغير يتيما و كان إنفاق الولي عليه من مال الصغير نفسه فعليه مراعاة الاقتصاد و التوسط في ذلك بلا سرف و لا تقتير و أن يلاحظ شأن الصغير و شأن أمثاله في المجتمع و الشرف و المنزلة و في التمكن و عدمه في كل من الطعام و الشراب و اللباس و السكنى، و إذا زاد في الإنفاق على ما يقتضيه الحال كان ضامنا للزيادة التي أتلفها في إنفاقه، و إذا قتر في الصرف وجب عليه أن يحفظ للطفل ما تركه للتقتير.

المسألة 24:

إذا كان اليتيم من أفراد العائلة التي يكفلها الولي و يقوم بالإنفاق عليها جاز له أن يخلط اليتيم مع العائلة في مأكلهم و مشربهم و مسكنهم، و يصرف عليهم صرفا واحدا، ثم يوزع مجموع ما ينفقه على رؤوسهم بالمساواة، فينال اليتيم ما ينال أحدهم من حصة و يأخذها الولي من ماله، و جاز له أن يفرده في مأكله و مشربه و مسكنه، و أما اللباس فلا بد و ان يكون لكل فرد منهم ملبسه الخاص به، و كذلك إذا كان الولي يقوم بالإنفاق على عدة من اليتامى و كانوا من أسره واحدة أو كانوا متماثلين في الشأن و في التمكن، فيجوز للولي أن يخلط اليتامى كلهم في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 225

المأكل و المشرب و المسكن، و يوزع ما ينفقه عليهم جميعا بالحصص فينال كل فرد منهم مقدار حصته و تخرج من ماله كما ذكرنا، و يجوز له ان يفرد كل واحد منهم بنفقته.

المسألة 25:

إذا كان للصغير مال في ذمة غيره و كان المدين ممن لا يوثق بوفائه لجميع الدين، فاضطر الولي إلى مصالحته عن الدين ببعضه ليستنقذ منه بعض المال حل للولي ذلك و لا يحل للمدين باقي المال، و لا يجوز للولي إسقاطه.

المسألة 26:

إذا بلغ الصغير الحلم و ثبت رشده و أراد استلام المال، فادعى الولي انه قد أنفق على الصبي قبل بلوغه أو أنفق على ماله أو على بعض شؤونه مقدارا من المال، فأنكر المولى عليه أصل الإنفاق عليه أو أنكر الإنفاق في بعض الأمور التي ذكرها الولي أو أنكر مقدار الإنفاق، فالقول قول الولي مع يمينه، لأنه أمين، الا أن يقيم المولى عليه بينة على ما يقول.

المسألة 27:

تجري في المجنون جميع أحكام الحجر التي ذكرناها في الصغير، إلا في الموارد التي قلنا بصحة التصرف فيها من الصغير المميز، كالبيع و الشراء منه في الأمور غير الخطيرة، و كصحة إنشائه إذا أتم الولي المعاملة على مال الصغير ثم وكله في إنشاء الصيغة، و صحة معاملته في مال غيره إذا وكله المالك في إجراء المعاملة و اذن له فيها، و غير ذلك مما تقدم ذكره فإنها لا تجري في المجنون إذا كان مطبقا.

المسألة 28:

إذا كان جنون المجنون أدوارا، صح التصرف منه في أدوار إفاقته إذا كان تام الإفاقة فيها، و لا يحتاج معه إلى اذن الولي أو إجازته.

المسألة 29:

إذا جن قبل أوان بلوغه أو حدث جنونه مقترنا مع بلوغه فاتصل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 226

جنونه بصغره جرت فيه جميع أحكام الحجر و أحكام الولاية المتقدم ذكرها في الحجر على الصغير كما بينا.

و إذا تجدد جنون المجنون بعد ان بلغ الحلم و كمل رشده، فلا يترك الاحتياط بأن تكون ولاية التصرف في ماله بيد كل من الحاكم الشرعي و من الأب أو الجد إذا كانا موجودين و القيم المنصوب من أحدهما إذا كانا مفقودين على وجه الانضمام، فيرجع الى الحاكم مع الأب أو الجد في الصورة الأولى، و الى الحاكم مع القيم في الصورة الثانية، و إذا فقد الأب و الجد و الوصي اختصت الولاية بالحاكم الشرعي.

المسألة 30:

يحجر المجنون كما ذكرنا عن اي تصرف في ماله أو في ذمته أو في نفسه أو في مال غيره و لا يجدي في تصحيح معاملاته أن يأذن له وليه بالتصرف قبل إيقاع المعاملة أو يجيزها بعد إيقاعها و لا يجدي في تصحيحها أن يجيزها هو بعد ان يفيق، فإذا أراد تصحيحها فلا بد له من إيقاع المعاملة تامة بعد الإفاقة.

الفصل الثاني في حجر السفيه
المسألة 31:

السفه صفة في نفس السفيه تقابل صفة الرشد في نفس الرشيد، و تبدأ صفة السفه طبيعية في أيام الطفل الأولى، لعدم قدرته على التمييز بين ما يصلحه من الأمور و ما لا يصلحه، و ما ينفعه من التصرف و ما لا ينفعه، و قد تستمر معه هذه الصفة و ينشط أثرها و تعمق لعدم تنبه قواه المميزة أو لضعفها، أو لوجود بعض المنشطات للصفة، فتبقى الى البلوغ و الى ما بعد البلوغ.

و قد تتنبه القوى المميزة في الطفل مبكرة، بنفسها أو بفعل المربي الناجح، ثم تعتاد و تقوى و ترسخ فيكون الطفل مميزا بين ما يصلح و ما لا يصلح و ما يجدي و ما لا يجدي من الصفات و من الأعمال و من المعاملات، فيرشد قبل أوان الرشد و ينشط تفكيره و تصح موازينه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 227

و أفعاله قبل ميعاد النشاط، و تستمر معه الصفة و تقوى مع طول الاعتياد و طول المران.

و قد تختلف الحال في بعض الأطفال فتبدأ الصفة فيه ضعيفة، ثم تقوى ثم تضعف لبعض العوارض و المؤثرات ثم تقوى، و هكذا بين إرخاء و شد و أخذ ورد.

المسألة 32:

يثبت سفه السفيه باختباره في تصرفه بماله الذي يوضع بيده، و في معاملته مع الناس بالمال، فإذا علم من حاله انه لا يعتني بحفظ المال كما يعتني به الناس العقلاء، فلا يبالي أن يصرفه في أي موقع اتفق، و أن يتلف المال أو ينقص في أي موضع كان، و أن معاملاته مع الآخرين لا تبتني على التحفظ من حصول الغبن فيها أو الانخداع من معامليه كما هو دأب العقلاء و المتعاملين من الناس، فإذا علم ان تلك هي صفته

الموجودة فيه و الثابتة له في تصرفه و معاملاته، فهو سفيه ثابت السفه في المال، و لا يثبت السفه باتفاق صدور ذلك منه في بعض حالات الغفلة أو الغلط أو التسامح الذي لا يقاس عليه، و لا يكون السفه صفة ثابتة له.

المسألة 33:

قد يكون الرجل رشيدا تام الرشد في تصرفه بماله و في معاملته مع الناس فلا يغبن و لا ينخدع و لا يتلف المال أو يتسامح فيه بغير سبب موجب، و لكنه سفيه في الأمور التي تتعلق بذمته، فلا يبالي بأن يقع في الغفلة أو في الانخداع في المعاملات التي يوقعها في ذمته من اقتراض أو شراء أو بيع نسيئة أو سلم أو استدانه في صورة أخرى، فيعلم ان تلك هي صفته الثابتة له في هذه الأمور.

و قد يثبت سفهه في التصرفات التي تتعلق بنفسه، كالتزويج و اجارة نفسه عاملا و جعل نفسه مضاربا أو مزارعا أو مساقيا أو نحو ذلك من المعاملات التي يوقعها على نفسه فلا يتحفظ من وقوع الغبن أو الانخداع أو التسامح فيها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 228

و قد يثبت سفهه في عامة أموره و تصرفه و معاملته سواء تعلقت بالمال أم بالذمة أم بالنفس فيكون سفهه عاما في جميع معاملاته.

المسألة 34:

إذا ثبت سفه الرجل في تصرفاته المالية حجر عليه شرعا فيها، فلا تصح منه أي معاملة يوقعها في ماله، فلا ينفذ بيعه إذا باع شيئا من أمواله و لا شراؤه إذا اشترى و لا إجارته إذا آجر و لا صلحه و لا هبته و لا وديعته و لا عاريته، و الظاهر أن الحجر عليه لا يحتاج الى حكم الحاكم الشرعي به سواء بلغ سفيها فاتصل سفهه بصغره أم تجدد له السفه بعد أن بلغ و رشد، فمتى حصل السفه للرجل حجر عليه شرعا، فإذا ثبت له الرشد بعد ذلك ارتفع عنه الحجر و صح منه التصرف، و إذا سفه ثانية حجر عليه، و هكذا.

و كذلك الحكم عليه إذا ثبت له السفه

العام في جميع تصرفاته حجر عليه حجرا عاما في المال و غيره على الأحوط و لم يحتج الى حكم الحاكم في حدوث الحجر عليه و لا في ارتفاعه كما ذكرنا. و إذا زال السفه في البعض ارتفع الحجر عنه في ذلك البعض.

المسألة 35:

إذا ثبتت للشخص صفة السفه في التصرف الذي يتعلق بذمته حجر عليه شرعا في هذه التصرفات على الأحوط و لم يمنع من غيرها إذا لم يكن سفيها فيها، و لم يفتقر الى حكم الحاكم كما ذكرنا في الحجر عليه في المال فلا يصح له أن يقترض أو أن يضمن ما في ذمة غيره أو يبيع أو يشتري في الذمة على الأحوط ما دام سفيها كذلك و إذا زال السفه عنه زال الحجر، و إذا عادت الصفة عاد الحكم، و كذلك إذا ثبت له السفه العام كما سبق في نظيره فيحجر عليه في تصرفاته المتعلقة بذمته كما يحجر في غيرها على الأحوط و إذا زال عنه السفه فيها خاصة ارتفع الحجر عنه فيها خاصة و بقي في الباقي.

المسألة 36:

إذا كان الرجل سفيها في تصرفه الذي يتعلق بنفسه حجر عليه في ذلك على الأحوط و لم يحجر عليه في سواه، فلا يصح له تزويج نفسه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 229

و لا جعل نفسه أجيرا لعمل أو عاملا في مضاربة أو نحوها، و إذا ثبت له السفه العام حجر عليه في الناحية المذكورة و في غيرها على الأحوط كما قدمنا فلا تصح منه التصرفات المتعلقة بنفسه ما دام سفيها و جرى فيه ما تقدم.

المسألة 37:

إذا بلغ الغلام الحلم و هو سفيه فاتصل سفهه بصغره، حجر عليه كما ذكرنا لسفهه بعد ان كان محجورا عليه لصغره، و كانت الولاية عليه في تصرفاته لأبيه وجده لأبيه إذا كانا موجودين، أو كان أحدهما موجودا، و للوصي الذي يجعله أحدهما قيما عليه بعد موتهما، فإذا لم يكن له أب و لا جد و لا وصي من أحدهما كانت الولاية عليه للحاكم الشرعي، و إذا طرأ له السفه بعد البلوغ و ثبوت الرشد، فالولاية عليه للحاكم الشرعي أيضا.

المسألة 38:

الحكم بحجر السفيه عن التصرف في المجالات التي تثبت له فيها صفة السفه يعني انه غير نافذ التصرف و المعاملة إذا أجراهما مستقلا بغير اذن من الولي، فإذا أذن له الولي قبل أن يوقع المعاملة صحت منه و ترتبت عليها آثارها.

المسألة 39:

إذا أوقع السفيه المعاملة بغير اذن سابق عليها من الولي ثم أجازها الولي بعد ان أوقعها المولى عليه، فان كانت المعاملة مما تجري فيه الفضولية و هي العقود كالبيع و الإجارة و النكاح، صحت المعاملة بالإجازة اللاحقة من الولي، و يشكل الحكم بالصحة إذا كانت من الإيقاعات كالعتق و الوقف للإشكال في جريان الفضولية فيها.

و كذلك الحكم في المعاملة إذا أوقعها السفيه ثم زال عنه السفه و أجاز المعاملة بعد ارتفاع الحجر عنه، فتصح المعاملة إذا كانت من العقود التي تجري فيها الفضولية، و يشكل الحكم بصحتها إذا كانت من الإيقاعات.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 230

المسألة 40:

لا يصح للسفيه الذي حجر عليه التصرف بالمال ان يزوج نفسه إذا كان زواجه بغير اذن من وليه و لا اجازة، و ان كان غير محجور عليه في التصرف في نفسه فان الزواج يستلزم تصرفا بالمال فيكون محجورا منه بغير اذن، و يصح له في هذه الحال ان يطلق زوجته أو يبارئها أو يخلعها أو يظاهر منها، و يشكل الحكم بصحة طلاقه و خلعه و ظهاره إذا حجر عليه في التصرف في نفسه

المسألة 41:

يقبل إقرار السفيه إذا كان إقراره لا يتعلق بالمال، فإذا أقر بامرأة مثلا أنها أمه أو بنته، نفذ إقراره في اللوازم غير المالية، فيحرم عليه نكاح المرأة، و يجوز له النظر إليها و يشكل الحكم بقبول إقراره في اللوازم المالية كوجوب النفقة عليه، و إذا أقر بقتل شخص أو بالجناية عليه نفذ إقراره إذا كان موجبا للقصاص منه، و أشكل الحكم بقبوله إذا كان موجبا للدية، و إذا أقر بسرقة مال قبل إقراره في ما يوجب قطع يده و أشكل قبوله في ما يوجب ضمان المال.

المسألة 42:

لا يمنع السفيه من أن يتولى المعاملة في مال غيره بالوكالة عنه، فإذا وكله المالك في ان يبيع ماله أو يهبه أو يشتري له سلعة أو يؤجر دارا، صح له أن يقوم بذلك و نفذ تصرفه سواء و كله المالك في إجراء المعاملة كلها أم في إجراء الصيغة فيها.

المسألة 43:

إذا ارتكب السفيه عملا يوجب عليه كفارة مالية على نحو التعيين كما في كفارات الإحرام لزمه الإتيان بها و لم يسقط عنه الحكم لوجود السفه المانع عن التصرف بالمال، و إذا ارتكب عملا يوجب عليه كفارة مخيرة بين الصوم و غيره من الماليات، كما إذا أفطر يوما من أيام شهر رمضان تعين عليه أن يأتي بالصوم على الأحوط إذا كان متمكنا منه، و إذا لم يتمكن من الصوم تعين عليه ان يأتي بالعتق أو الإطعام و ان كان ماليا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 231

المسألة 44:

إذا حلف السفيه على فعل شي ء مما يتعلق بماله أو على تركه لم ينعقد يمينه، فإذا خالف اليمين لم تجب عليه الكفارة لمخالفته و كذلك إذا نذر فعله أو تركه أو عاهد اللّه على أحدهما فلا ينعقد النذر و لا العهد، فإذا خالفهما لم تجب عليه الكفارة بمخالفته.

و إذا حلف على فعل شي ء لا يتعلق بالمال أو حلف على تركه انعقد حلفه، فإذا حنث في يمينه وجبت عليه الكفارة بالمخالفة، و يتعين عليه الإتيان بالصوم من خصال الكفارة على الأحوط إذا كان الصوم ممكنا، فإذا لم يمكنه الصوم لزمه إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم و ان كان ماليا و كذلك إذا نذر فعل الشي ء أو تركه أو عاهد اللّه عليه، فإذا خالف لزمته الكفارة و تعين عليه الصوم إذا كان ممكنا على الأحوط، فإذا لم يمكنه الصوم اتى بإحدى الخصال الأخرى و ان كانت مالية.

المسألة 45:

إذا ثبت للسفيه حق القصاص على أحد لجنايته عليه أو على احد من متعلقيه، بحيث يكون السفيه هو صاحب الحق في الجناية، جاز له أن يعفو عن الجاني فيسقط حقه من القصاص و إذا ثبت له الحق في أخذ الدية أو أرش الجناية من الجاني، فليس له أن يعفو عنها و يسقط حقه من أخذها، إلا إذا أذن له الولي بذلك، لأنه تصرف في مال فهو محجور عنه.

المسألة 46:

إذا أجرى السفيه معاملة على بعض أمواله بغير اذن الولي، فباع شيئا منها مثلا أو اشترى، ثم علم الولي بتصرفه و وجد أن لا مصلحة في إجازة العقد، كفى في إلغاء العقد عدم أجازته كما ذكرنا في ما تقدم مرارا، و إذا كان السفيه قد قبض العوض و أقبض المعوض وجب على الولي بعد رد المعاملة أن يسترد مال المولى عليه و يحفظه له، و ان يرجع العوض الآخر إذا كان موجودا الى مالكه، و إذا كان تالفا فالظاهر ان السفيه يكون ضامنا له، فيلزمه دفع مثله الى المالك إذا كان مثليا و دفع

كلمة التقوى، ج 6، ص: 232

قيمته إذا كان قيميا، إلا إذا كان سفه السفيه واضحا، لتبين سفهه و تبين حكمه عند المالك، بحيث يصدق عند أهل العرف أن المالك- لوضوح الأمر- قد سلط السفيه على إتلاف المال مجانا، فلا يكون السفيه ضامنا في هذه الصورة، لأن السبب و هو المالك أقوى من المباشر، و يضمن السفيه إذا كان المالك حين دفع المال الى السفيه جاهلا بسفهه أو كان جاهلا بأن السفيه محجور عليه شرعا. عن التصرف.

المسألة 47:

إذا اقترض السفيه من أحد مبلغا من المال بغير اذن الولي ثم أتلف المال الذي اقترضه، فالحكم في ضمان السفيه للمال و عدم ضمانه يبتني على الوجوه التي ذكرناها في المسألة السابقة فيجري فيه التفصيل الآنف ذكره، فيضمن السفيه إذا كان المقرض جاهلا بسفهه أو كان جاهلا بحكمه، و لا يضمن إذا كان المقرض عالما بالحال على الوجه المتقدم من وضوح الأمر لديه بحيث يكون سببا في إتلاف ماله أقوى من المباشر في نظر أهل العرف.

المسألة 48:

إذا أودع شخص وديعة عند السفيه، فأتلف السفيه وديعته كان السفيه ضامنا لها فيجب عليه أن يدفع للمالك المودع بدلها من المثل أو القيمة، سواء كان صاحب الوديعة عالما بسفه السفيه حينما أودعه أم كان جاهلا به، الا إذا تحقق الفرض الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة فكان السبب- و هو مالك الوديعة- أقوى من المباشر لإتلافها، لوضوح سفه السفيه لديه و وضوح حكمه بحيث يصدق عرفا ان المالك قد سلطه على إتلاف المال مجانا، فلا يكون السفيه ضامنا في هذا الفرض.

و إذا أودعه الشخص الوديعة فتلفت عند السفيه و لم يكن هو الذي أتلفها و لم يفرط في حفظها فلا ضمان عليه، و إذا فرط السفيه في حفظ الوديعة فتلفت عنده من غير أن يكون هو المتلف لها، فالحكم على السفيه بالضمان أو بعدمه مشكل، فلا بد في هذا الفرض من مراعاة الاحتياط بالتصالح.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 233

المسألة 49:

إذا كان للسفيه مال معين عند أحد، وديعة أو عارية أو غيرهما من وجوه الأمانة أو كان الشخص مدينا للسفيه بمبلغ من المال، فلا يجوز له ان يدفعه الى السفيه، و لا تبرأ ذمته إذا سلمه اليه الا إذا اذن له ولي السفيه بذلك فيصح له حين ذاك و تبرأ ذمته بدفعه إليه.

المسألة 50:

لا يصح لولي السفيه أو الأمين على ماله أن يسلم مال السفيه اليه، الا إذا علم برشده أو ثبت ذلك ببينة شرعية أو حكم حاكم شرعي، و إذا اشتبه الأمر فيه، فلا بد من الاختبار.

و المعروف من طرق الاختبار أن يفوض اليه التصرف في بعض الجهات التي تناسبه من بيع و شراء، و أخذ و عطاء و اجراء بعض المعاملات الأخرى، و صرف و إنفاق، من غير فرق بين أن يقع الاختبار في ماله أو في أموال آخرين، و لا بد أن يكون الاختبار تحت ملاحظة من يعتمد عليه في ذلك من قريب أو من بعيد، فإذا اختبر كذلك مرارا، و في مدة يعتد بها حتى حصل الوثوق و الاطمئنان برشده و صحة تصرفه، و تحفظه في معاملته و في أخذه و رده من الوقوع في الغبن و تضييع المال و صرفه في غير حقه و وضعه في غير مواضعه، فإذا أنس منه الرشد و اطمأن به دفع اليه ماله و ارتفع عنه الحجر و نفذ تصرفه و عول على معاملته.

و كذلك الحال في المرأة السفيهة، فتختبر عند اشتباه حالها بما يناسب شأنها من التصرفات المنزلية و غير المنزلية و شبهها من الأمور و الشؤون التي يتولى العمل فيه أمثالها بحسب العادة، و يتكرر الاختبار حتى تحصل الثقة بثبوت الرشد و زوال

السفه و صحة التصرف، و قد يحتاج الاختبار في الرجل و المرأة إلى طول مدة حتى يكتشف الرشد و يعلم بثبوت الصفة في المولى عليه، و خصوصا إذا كان السفه شديدا و كانت مدته طويلة، فلا بد من الاختبار كذلك.

المسألة 51:

إذا كان للصبي غير البالغ مال عند وليه أو عند أمين آخر، و احتمل ثبوت الرشد له قبل البلوغ وجب أن يجرى الاختبار عليه قبل البلوغ،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 234

فإذا أنس منه رشده وجب ان يسلم اليه ماله عند تحقق بلوغه و لا يجوز التأخير إلا برضاه، و إذا لم يحتمل ثبوت الرشد له مبكرا، وجب ان يختبر رشده في أي زمان يحتمل فيه ثبوت رشده، فيختبر في أول البلوغ مثلا أو بعده بمدة قصيرة أو مدة طويلة، فلا يتأخر الاختبار عن وقت احتمال حصول الرشد، لئلا يتأخر تسليم المال الى صاحبه.

المسألة 52:

إذا ادعى السفيه المحجور عليه للسفه حصول الرشد له، و احتمل الولي صدق قوله وجب عليه اختباره، و إذا احتمل الولي حصول الرشد له و لم يدع المولى عليه ذلك فلا يترك الاحتياط للولي باختباره.

الفصل الثالث في حجر المفلس
المسألة 53:

لا تمنع الشخص كثرة ديونه التي تكون في ذمته من أن يتصرف في أمواله الموجودة عنده كما يريد، ببيع أو هبة أو صلح أو وقف أو غير ذلك من التصرفات التي تخرج المال عن ملكه، بل يجوز له إخراجها جميعا عن ملكه مجانا، كما تجوز له المعاوضة عليها بثمن مثلها أو أكثر أو أقل، إلا إذا ثبت سفهه بسبب ذلك فيحجر عليه للسفه، أو يحجر عليه الحاكم الشرعي للفلس كما سيأتي، و إذا كثرت عليه الديون فوهب جميع أمواله لغيره بغير عوض أو صالحه عليها كذلك و كان ذلك بقصد الفرار من أداء الديون أشكل الحكم بصحة ذلك منه، فلا يترك الاحتياط باجتنابه، و كذلك إذا أراد وقف جميع ما يملكه بهذا القصد.

المسألة 54:

لا يجوز للحاكم الشرعي أن يحجر على المفلس إلا إذا توفرت لديه أربعة شروط:

(الأول): أن تكون الديون التي على المفلس ثابتة عليه بأحد المثبتات الشرعية، و يكفي أن تكون الديون التي يراد من أجلها الحجر ثابتة عليه كذلك و ان لم تكن بقية ديونه ثابتة شرعا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 235

(الثاني): أن تكون الأموال الموجودة عند المدين قاصرة عن الوفاء بديونه، و يراد بالأموال الموجودة لديه جميع ما يملكه بالفعل من أرض و عقار و دور و سلع و أمتعة و عروض اخرى و منافع و ديون له على الناس، ما عدا الأمور المستثنيات في الدين، و قد تقدم ذكرها في المسألة الثامنة عشرة من كتاب الدين.

(الثالث): أن تكون الديون التي على المدين حالة غير مؤجلة، أو تكون الديون الحالة عليه مما تقصر أموال المدين الموجودة لديه عن الوفاء بها وحدها، فلا يحجر عليه إذا كانت الديون كلها مؤجلة لم يحل ميعادها،

و لا يحجر عليه إذا كان بعض الديون حالا و بعضه مؤجلا و كانت أمواله الموجودة لا تقصر عن الوفاء بالديون الحالة.

(الرابع): أن يطلب الغرماء الذين حلت ديونهم من الحاكم الشرعي أن يحجر عليه و كانت أمواله تقصر عن وفائهم كما ذكرنا.

المسألة 55:

إذا طلب بعض الغرماء الذين حلت ديونهم من الحاكم أن يحجر على المدين و لم يطلب الآخرون ذلك، فان كان دين ذلك البعض الذي طلب الحجر وحده لا يفي به مال المفلس، وجب على الحاكم أن يحجر على المفلس بطلب ذلك البعض، فإذا حجر عليه كان الحجر عاما بالنسبة الى جميع الديون الحالة للغرماء، من طلب منهم الحجر و من لم يطلب، فتقسم أموال المفلس الموجودة على ديونه الحالة عليه جميعا بالحصص، و لا يسهم للديون المؤجلة.

المسألة 56:

إذا كانت الديون التي في ذمة المفلس جميعها لمجنون أو يتيم وليه الحاكم الشرعي نفسه و كانت حالة غير مؤجلة، أو كان بعض الديون لهما، و كان دينهما حالا و لا يفي به مال المفلس جاز للحاكم الشرعي في هاتين الصورتين ان يحجر على المفلس و ان لم يطلب منه الغرماء الحجر عليه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 236

المسألة 57:

إذا كان المدين المفلس نفسه يتيما أو مجنونا و وليه الحاكم الشرعي، جاز للحاكم أن يحجر على هذا المدين المولى عليه إذا اقتضت مصلحته ذلك، فيحجر عليه و تقسم أمواله على الديون الحالة بالحصص و ان لم يطلب الغرماء منه الحجر، و لا يحجر على المفلس في ما سوى هذه الصور الا بطلب جميع الغرماء الذين حلت ديونهم عليه.

المسألة 58:

إذا اجتمعت شروط الحجر الآنف ذكرها لدى الحاكم الشرعي و حكم بالحجر على المفلس تعلق حق الغرماء الذين حلت ديونهم، بأموال المفلس الموجودة، فلا يجوز له بعد الحجر أن يتصرف بشي ء منها، من غير فرق بين أن يكون تصرفه في المال بعوض كالبيع و الإجارة و الهبة المعوضة، و الصلح بعوض، و أن يكون تصرفه بغير عوض، كالوقف و الهبة غير المعوضة و العطية و العتق، فلا يصح له شي ء من ذلك إلا إذا أذن له الغرماء به قبل الفعل، أو أجازوه له بعد الفعل.

المسألة 59:

لا يمنع الحجر المفلس عن التصرفات غير الابتدائية، و هي التصرفات التي تحققت أسبابها و ثبت له جوازها قبل الحجر عليه، فإذا كان المدين قد باع سلعة أو اشتراها قبل أن يحجر عليه و اشترط لنفسه خيار الفسخ، ثم حجر عليه الحاكم بعد ذلك، صح له أن يأخذ بخياره فيفسخ البيع أو يمضيه و لم يمنعه الحجر عن ذلك و ان لم يأذن له الغرماء، و إذا باع شريكه حصته من الدار أو من الأرض المشتركة فثبت للمفلس حق الشفعة فيها، ثم حجر عليه بعد ذلك، لم يسقط بالحجر حقه من الشفعة، فيجوز له أن يشفع بالحصة المبيعة و لا يحتاج إلى إذن الغرماء.

المسألة 60:

إذا ثبت للمدين المفلس حق مالي على أحد قبل أن يحجر عليه، كما إذا جنى عليه أحد أو جنى على عبده المملوك له أو على دابته المملوكة له أو على شي ء مما يملك، فثبتت له بسبب ذلك دية على الجاني أو أرش

كلمة التقوى، ج 6، ص: 237

جناية أو ضمان تلف أو أرش عيب أو غيرها فلا يجوز له بعد الحجر عليه أن يسقط حقه المالي الذي ثبت له قبل الحجر فيعفو عن الحق أو عن المال أو عن بعضه.

المسألة 61:

إذا حجر الحاكم الشرعي على المفلس منع عن التصرف في أمواله الموجودة لديه حين الحجر، فإذا تجددت له أموال بعد الحجر، كما إذا حصل له إرث من بعض أقربائه، أو ملك شيئا بهبة من أحد أو بوصية إليه من موص، أو دفع اليه من سهم الفقراء في الزكاة أو الخمس، أو اكتسب بالحيازة لبعض المباحات، فالظاهر عدم شمول الحجر المتقدم لهذه الأموال المتجددة، فلا يمنع من التصرف فيها، إلا إذا حجرها الحاكم حجرا جديدا بعد أن ملكها المفلس.

المسألة 62:

إذا أقر المفلس- بعد أن حجر عليه الحاكم الشرعي- لأحد بدين عليه سابق على الحجر، صح إقراره و نفذ، و كان الدائن الذي أقر له شريكا مع الغرماء السابقين بدينه هذا، فيضرب معهم في الأموال الموجودة بنسبة مقداره الى مجموع الديون، و كذلك إذا شهدت بينة شرعية بعد الحجر، بدين سابق على الحجر لشخص و لم يكن يعلم بالدائن من قبل، أو ثبت الدين بوجه آخر من المثبتات الشرعية فيكون الدائن شريكا مع الغرماء السابقين فيضرب بحصته في الأموال الموجودة من مجموع الديون.

المسألة 63:

إذا أقر المفلس- بعد الحجر عليه- بأنه قد اقترض من أحد مبلغا بعد حجر الحاكم عليه أو أنه اشترى منه مالا في ذمته، فأصبح مدينا له بكذا، صح إقرار المفلس و ثبت به دين ذلك الدائن المقر له، و لكنه لا يشارك الغرماء السابقين في الضرب في الأموال الموجودة.

المسألة 64:

إذا أتلف المفلس مالا لأحد- بعد أن حجر الحاكم الشرعي عليه- ضمن قيمة التالف و كان الضمان في ذمته، و إذا جنى على أحد ضمن

كلمة التقوى، ج 6، ص: 238

أرش الجناية في ذمته كذلك، و يشكل الحكم بمشاركة هذا الدائن بالضرب مع الغرماء السابقين في أموال المفلس الموجودة، و كذلك إذا أقر المفلس بأنه أتلف المال أو جنى الجناية فثبت الضمان عليه بإقراره، فيشكل الحكم بمشاركته مع الغرماء السابقين بهذا الدين المقر به.

المسألة 65:

إذا حجر الحاكم الشرعي على المفلس، فمنعه من التصرف في الأموال الموجودة، فأقر المفلس بعد الحجر أن عينا خاصة من الأموال التي بيده ملك لزيد مثلا، نفذ إقراره في حقه و لم ينفذ في حق الغرماء، فإذا اتفق سقوط حق الغرماء بإبراء ذمة المفلس، أو بتسديد الدين من وجه آخر و انفك الحجر عنه بسبب ذلك، وجب على المفلس دفع تلك العين الى الشخص الذي أقر له بملكها، و إذا لم تسقط حقوق الغرماء أشكل الحكم بدفع العين الى المقر له، فلا بد فيها من الاحتياط.

المسألة 66:

إذا حكم الحاكم على المفلس بالحجر في أمواله الموجودة لديه، و ضبطت اعدادها و أعيانها، بدأ فأخرج منها مستثنيات الدين و قد تقدم بيانها في المسألة الثامنة عشرة من كتاب الدين، ثم أخرج الأعيان التي رهنها المفلس عند بعض الديان إذا اتفق وجود ذلك، فان المرتهن أحق بالعين المرهونة عنده من بقية الديان، فتباع العين و يستوفي المرتهن دينه من ثمنها و لا يشاركه فيها الغرماء الآخرون، و قد ذكرنا هذا في المسألة السبعين من كتاب الرهن، و إذا زاد من ثمن العين المرهونة شي ء عن دين المرتهن و وزع الزائد على بقية الغرماء بنسبة حصصهم من مجموع الديون و إذا قصر ثمن العين المرهونة عن الوفاء بدين المرتهن شارك سائر الغرماء في بقية دينه فضرب معهم في أموال المفلس الأخرى ببقية دينه.

المسألة 67:

إذا عينت أموال المفلس المحجور عليها و أخرجت منها مستثنيات الدين و الأعيان المرهونة كما تقدم ذكره، بيعت الأموال ثم قسمت أثمانها بين الغرماء بالحصص بنسبة دين كل فرد منهم الى مجموع

كلمة التقوى، ج 6، ص: 239

الديون، فإذا كان مجموع الديون ألف دينار مثلا، و كان لأحد الغرماء خمسمائة دينار و هي نصف الألف و للثاني مائتا دينار و هي خمسه، و للثالث ثلاثمائة دينار و هي خمسه و نصف خمسه، و بيعت الأموال بثمن معين، كان للغريم الأول نصف مجموع الثمن الذي بيعت به الأموال مهما نقصت حصته عن قدر دينه فان المفروض قصور أموال المفلس عن الوفاء بدينه، و كان للغريم الثاني خمس مجموع الثمن، و للثالث الباقي منه و هو خمسه و نصف خمسه، و هكذا في كل ما يفرض من مقادير الديون و مقادير اثمان الأموال المبيعة.

المسألة 68:

إذا وجد بعض الغرماء في أموال المفلس العين التي اشتراها المفلس منه و بقي ثمنها دينا في ذمته، تخير هذا الغريم بين أن يفسخ البيع بينه و بين المفلس في العين المذكورة فيأخذ الغريم عين ماله التي وجدها، و أن يمضي البيع و يبقى الثمن دينا يضرب به مع الغرماء.

المسألة 69:

إذا اقترض المفلس عينا خارجية من أحد و بقي عوض القرض دينا في ذمته ثم أفلس و حجر عليه، فوجد المقرض العين التي أقرضه إياها باقية في أمواله جرى فيه الحكم المتقدم في البيع، فيتخير المقرض بين أن يفسخ القرض و يأخذ عين ماله، و أن يمضي القرض فيبقى عوضه دينا يضرب به في أموال المفلس، على نهج ما تقدم في العين المبيعة.

المسألة 70:

قال بعض الأصحاب (قدس سرهم) ان التخيير المذكور لصاحب العين في المسألتين المتقدمتين فوري يسقط مع التأخير، فإذا لم يبادر صاحب العين فيفسخ البيع أو القرض و يرجع بالعين، سقط حقه و تعين عليه أن يضرب بالدين مع الغرماء، و لا ريب في ان ذلك أحوط، و لكن الأظهر عدم سقوط حقه من الفسخ بالتأخير و عدم المبادرة، غير انه إذا أفرط في التأخير و لم يختر أحد الأمرين حتى أوجب تأخيره تعطيلا لتقسيم المال بين الغرماء، تدخل الحاكم الشرعي فخيره بين الأمرين،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 240

فإذا امتنع عن اختيار أحدهما حكم عليه بأن يضرب بالثمن مع الغرماء و إذا لم يمكن ذلك تولى عنه الضرب معهم بالدين.

المسألة 71:

اشترط بعض الأصحاب (قدس سرهم) في رجوع صاحب العين بها إذا وجدها باقية في أموال المفلس: ان لا تكون من مستثنيات الدين، فإذا كانت عند المفلس من المستثنيات لم يصح لصاحبها أن يرجع بها، و هذا الحكم مشكل، فلا بد من الاحتياط في ذلك.

المسألة 72:

انما يتخير صاحب العين في الفرضين الآنف ذكرهما بين أن يأخذ العين و أن يضرب بثمنها مع الغرماء إذا كان دينه على المفلس حالا، فلا يجوز له فسخ البيع أو القرض و أخذ العين إذا كان دينه مؤجلا.

و إذا كان دينه مؤجلا فحل موعده قبل أن يفك الحجر عن المفلس و كانت العين باقية، كفى ذلك في الحكم بجواز أخذه للعين، فيختص بها إذا أراد ذلك و تنتقض به القسمة الأولى كما يجوز له أن يضرب مع الغرماء بدينه.

المسألة 73:

إذا حجر على المفلس بديونه الحالة، و قسمت أمواله الموجودة على الديان، ثم حل بعض الديون المؤجلة قبل أن يفك الحجر عنه في أمواله انتقضت القسمة الأولى و شارك الدائن الذي حل دينه الغرماء السابقين بالضرب في الأموال الموجودة، و قد أشرنا الى بعض أفراد هذا الحكم في المسألة المتقدمة.

المسألة 74:

إذا وجد البائع بعض العين التي اشتراها المفلس منه و لم يجد بعضها الآخر، تخير بين أن يفسخ البيع فيأخذ ما وجده من العين، و يأخذ معه حصة البعض الآخر الذي لم يجده منها من الثمن، فيضرب بحصته من الثمن مع الغرماء، و أن يمضي البيع فيضرب بجميع الثمن مع الغرماء.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 241

و كذلك الحكم في المقرض إذا وجد بعض العين التي أقرضها المفلس و لم يجد بعضها الآخر، فيتخير كما هو الحكم في البائع فيأخذ البعض الذي وجده من العين و يأخذ معه حصة البعض الآخر من العوض أو يضرب مع الغرماء بجميع الدين.

المسألة 75:

ذهب بعض العلماء (قدس سرهم) إلى إجراء الحكم المتقدم في المؤجر أيضا و مثال ذلك: ما إذا آجر الرجل من المفلس دارا مثلا ليستوفي منفعتها مدة معينة و بقي مال الإجارة دينا في ذمة المفلس، ثم حجر الحاكم عليه فوجد المؤجر الدار التي استأجرها المفلس منه قبل استيفاء المنفعة أو بعد ما استوفى شيئا منها، فقال (قدس سرهم): بتخيير المؤجر بين أن يفسخ الإجارة و يأخذ العين و المنفعة في الصورة الأولى، و يأخذ ما بقي من المنفعة و يأخذ معها حصة ما مضى منها من مال الإجارة في الصورة الثانية، و أن يمضي الإجارة و يضرب بجميع الدين مع الغرماء، و هذا القول مشكل، فلا يترك الاحتياط في كلا الفرضين.

المسألة 76:

إذا وجد البائع أو المقرض في العين التي باعها من المفلس أو أقرضها له زيادة متصلة كالسمن في الحيوان، و الطول و النمو في النخلة و الشجرة و البلوغ في الثمرة و نحو ذلك مما لا يصلح للانفصال فان كانت الزيادة متعارفة رجع بها البائع أو المقرض مع العين، و ان كانت الزيادة أكثر مما يتعارف فالأحوط أن يتصالح البائع أو المقرض مع الغرماء عن هذه الزيادة، و كذلك في الصوف و الوبر و الشعر و نحوها مما يصلح للانفصال، فلا يترك الاحتياط فيها بالمصالحة.

و إذا وجد مع العين زيادات منفصلة كالولد و الحمل و اللبن و الدهن، و الثمرة على الشجرة و التمر على النخيل، فهي من أموال المفلس يضرب فيها الغرماء بديونهم، و لا يحق للبائع و المقرض أخذها مع العين.

المسألة 77:

إذا وجد العين معيبة عند المفلس، فقد يكون العيب الحادث عنده بسبب آفة سماوية، و قد يكون بفعل المشتري المفلس و قد يكون بفعل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 242

شخص أجنبي، و المسألة بجميع فروضها و شقوقها خالية من النص و الاحتمالات فيها متقابلة، فالأحوط التخلص بالصلح في جميعها.

المسألة 78:

إذا باعه أرضا بثمن في الذمة، فغرس المشتري في الأرض التي اشتراها غرسا أو بنى فيها بناء ثم أفلس المشتري و حجر عليه، فإذا أراد البائع فسخ البيع و أخذ الأرض المبيعة جاز له ذلك، فإذا أخذها كانت الأرض للبائع، و الغرس و البناء للمشتري، و لا حق للمشتري في أن يبقى غرسه و بناءه في الأرض الا بالتراضي بينهما مع الأجرة أو مجانا، و إذا لم يتراضيا فالمسألة محل اشكال، و إذا بيع البناء و الغرس على مالك الأرض، أو بيعت الأرض و ما فيها من غرس و بناء من مالكيهما على شخص آخر وصل كل منهما الى حقه و تخلصا من الإشكال.

المسألة 79:

إذا باعه شيئا مثليا، فخلطه المشتري بماله ثم أفلس و حجر عليه، فان كان قد خلطه بشي ء من جنسه جاز للبائع أن يرجع بماله، فإذا رجع به كان هو و المشتري شريكين في المال المخلوط بنسبة مقدار ماليهما الى المجموع، فإذا باعه منا من الحنطة، و خلطه المشتري بمن من الحنطة و كان الخليطان متساويين في الجودة و الرداءة فهما شريكان بالمناصفة، و إذا أرادا قسمة المال اقتسماه بنسبة ماليهما كذلك فلكل منهما نصف المجموع لأن المفروض تساوي المالين في المقدار و في الجودة و الرداءة.

المسألة 80:

إذا خلط المشتري المال الذي اشتراه بما هو أجود أو بما هو أردأ، و رجع البائع بماله كانا شريكين بنسبة مقدار ماليهما كما في الفرض المتقدم، فإذا خلط المن بمقداره فهما شريكان بالمناصفة و إذا خلط المن بمنين فهما شريكان بالمثالثة فلصاحب المن الثلث و لصاحب المنين الثلثان، و هكذا و إذا أرادا التوصل الى حقيهما، بيع المجموع و قسم الثمن بينهما بنسبة ما لكل واحد من المالين من القيمة، فإذا كانت قيمة من الحنطة غير الجيدة دينارا واحدا، و قيمة من الحنطة الجيدة دينارين،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 243

فلصاحب الحنطة الأولى الثلث و لصاحب الحنطة الثانية الثلثان، فيأخذان من الثمن بهذه النسبة.

و هكذا إذا كان المالان أكثر من ذلك، فإذا كانت الحنطة غير الجيدة منين، و كانت الحنطة الجيدة أربعة أمنان، فيكون مجموع قيمة الأولى دينارين، و مجموع قيمة الثانية ثمانية دنانير، و مجموع كلتا القيمتين عشرة دنانير و قيمة الأولى وحدها خمس المجموع، و قيمة الثانية وحدها أربعة أخماسه، فإذا بيع المجموع بثمن معين اعطي صاحب الحنطة الأولى خمس الثمن، و دفع لصاحب الحنطة الثانية أربعة أخماسه،

و كذلك إذا خلط المال بما هو أردأ.

المسألة 81:

إذا خلط المشتري المال الذي اشتراه بشي ء من غير جنسه ثم فلس و حجر عليه، فان كان خلطهما مما تعد معه العين المبيعة تالفة في نظر أهل العرف و ليست قائمة بعينها لم يجز للبائع الرجوع بها و وجب أن يضرب بدينه مع الغرماء، و إذا لم تتلف العين في نظر أهل العرف و صدق انها لا تزال قائمة بعينها، جاز للبائع أن يرجع بماله فيكون شريكا مع المشتري في المجموع بنسبة مقدار المالين بالمناصفة أو المثالثة أو غيرهما، و إذا بيع المجموع قسم الثمن بنسبة القيمة على نهج ما تقدم، و إذا عسر تقويم المالين بعد خلطهما رجع الى المصالحة بينهما.

المسألة 82:

إذا اشترى المشتري من البائع غزلا فنسجه، أو اشترى منه دقيقا فخبزه، أو اشترى منه ثوبا فصبغه ثم حجر على المشتري للفلس، فالظاهر جواز الرجوع للبائع بالعين، فان العرف يعد أن العين التي باعها منه لا تزال باقية و ان تغيرت بعض صفاتها، ثم يتوصل البائع و المشتري الى حقهما بالتقسيم بحسب القيمة أو بحسب المصالحة بينهما.

المسألة 83:

إذا مات الرجل و هو مدين، و وجد البائع أو المقرض عين ماله في تركة الميت و كانت تركته وافية بديون الغرماء، جاز للبائع أو المقرض ان يرجع بعين ماله كما هو الحكم في المفلس الحي، و جاز له أن يضرب

كلمة التقوى، ج 6، ص: 244

بدينه في التركة مع بقية الغرماء، و إذا قصرت تركة الميت عن الوفاء بديونه لم يجز لصاحب العين أن يختص بها، بل يكون كبقية الغرماء، فيضرب معهم بدينه في التركة الموجودة، سواء كان الميت قد حجر عليه قبل الموت أم لا.

المسألة 84:

إذا حجر الحاكم على المفلس، و منعه عن التصرف في أمواله وجب أن تجري نفقته و كسوته و نفقة من تجب نفقته عليه و كسوته من المال من يوم الحجر عليه الى يوم قسمة ماله، و ان يجري عليه جميع ذلك بحسب عادته، و إذا اتفق موته في ذلك الحال وجب أن يقدم كفنه و جميع مؤنة تجهيزه على حقوق الغرماء، و يجرى ذلك بحسب ما يتعارف لأمثاله من حيث النوع و المقدار، و ان كان الأحوط استحبابا أن يقتصر فيهما على ما يتأدى به الواجب فقط.

المسألة 85:

إذا حجر الحاكم الشرعي على المفلس و قسم أمواله على الغرماء بنسبة ديونهم، ثم ظهر بعد القسمة غريم آخر له دين قد حل على المفلس، نقضت القسمة الأولى و أبدلت بقسمة أخرى على جميع الغرماء بنسبة ديونهم، فإذا كانت للغريم الجديد عين مال اختص بها على المناهج التي تقدم تفصيلها و كذلك إذا حل بعض الديون المؤجلة قبل ان يفك الحجر عنه و قد ذكرنا هذا في المسألة الثالثة و السبعين فلتراجع.

الفصل الرابع في تصرف المريض و منجزاته
المسألة 86:

لا ريب في صحة تصرف الإنسان الصحيح في ماله كيفما شاء، و في نفوذ جميع تصرفاته التي يجريها في ما يملكه، و ان خرج منه جميعا إذا لم يطرأ عليه أحد أسباب الحجر الأخرى، و كذلك الحكم في المريض الذي لم يتصل مرضه بموته، فيصح منه اي تصرف يجريه في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 245

ماله، سواء أجراه بعوض أم بغير عوض، و سواء كان العوض الذي يأخذه عن ماله قليلا أم كثيرا و لا ريب في ذلك أيضا.

و يستثنى من ذلك ما يوصي الإنسان بإنفاذه بعد موته، فإنه لا يصح الا إذا كان المال الموصى به بمقدار ثلث ما يملك من الأموال و لا ينفذ في ما يزيد عليه، و هذا الاستثناء يجري في كل انسان من غير فرق بين الصحيح و المريض الذي لم يتصل مرضه بموته و المريض الذي يموت بسبب مرضه، و سيأتي تفصيله في كتاب الوصية ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 87:

تصح المعاوضات من المريض الذي يتصل مرضه بموته إذا كان العوض في المعاملة لا يقصر عن عوض المثل، فينفذ بيعه إذا باع الشي ء بثمن مثله أو أكثر، و تنفذ إجارته إذا آجر الشي ء بأجرة مثله أو أكثر و هكذا في جميع المعاوضات التي يوقعها على ماله، و لا خلاف في ذلك بين العلماء (قدس اللّه أرواحهم)، و تصح منه التصرفات الأخرى التي يوقعها في المال من صرف و إنفاق على نفسه و على من يعوله و من صرف و إنفاق في النواحي التي يعدها العقلاء من شؤونه و مستلزمات شرفه و مكانته الاجتماعية، و لا يعدونها خارجة عن حدوده المتعارفة لأمثاله، و ان لم تكن تلك المصارف من المعاوضات، و

لا خلاف في ذلك.

المسألة 88:

ينحصر الخلاف بين العلماء في هذا الباب بالمنجزات، و هي التصرفات التي يجريها الإنسان ليتحقق منه أثرها بالفعل و هو في حياته و لا تكون معلقة على حصول موته و التي تتصف بصفة المحاباة أو التبرع، فهي اما مجانية لا تشتمل على تعويض أو مبادلة، كالوقف و العتق و الإبراء و الهبة من غير عوض و الصلح من غير عوض، و اما معوضة بأقل من عوض المثل كالبيع بأقل من ثمن المثل، و الإجارة بأدنى من اجرة المثل، و الصلح و الهبة بأقل من عوض المثل، أقول: ينحصر الخلاف في هذا النوع من التصرفات الفعلية المنجزة المشتملة على المحاباة أو التبرع إذا أوقعها المريض الذي يتصل مرضه بموته و العلماء في المسألة على قولين:

أحدهما ان تكون تصرفاته هذه نافذة منه من أصل ماله، سواء زادت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 246

على ثلث ماله أم قلت عنه، بل و ان استوعبت جميع المال، فتصح منه في جميع الصور، و لا تحتاج إلى إمضاء ورثته، الثاني انها انما تكون نافذة منه إذا كانت بمقدار الثلث أو أقل منه، فإن هي زادت على الثلث لم تنفذ في الزائد، إلا إذا أمضاها وارثه من بعده، فإن أمضاها نفذت في الجميع و ان لم يمضها نفذت في مقدار الثلث و بطلت في الزائد و لم تصح، و القول الأول هو الصحيح المختار.

المسألة 89:

ما يخرجه المريض في مرض موته من الواجبات المالية التي تكون في ذمته أو تجب عليه في ماله من زكاة أو فطرة أو خمس أو كفارة أو نذر أو مظالم أو ضمان مال، فهو نافذ من أصل ماله، و لا خلاف في ذلك، سواء وجب عليه في ذلك

الحال أم كان دينا في ذمته من قبل ذلك.

المسألة 90:

ذكرنا ان المعاملات التي تشتمل على المحاباة تكون من المنجزات، و الوجه في ذلك: ان المعاملة إذا اشتملت على المحاباة لأحد، فباعه ما تبلغ قيمته في السوق مائتي دينار بمائة دينار مثلا، أو آجره ما تكون أجرته المتعارفة مائة دينار في الشهر الواحد بخمسين دينارا، فكأنه قد وهب المشتري أو المستأجر المبلغ الذي يكون به التفاوت ما بين القيمتين، فالمعاملة لذلك تعد من التصرفات المنجزة، و تدخل في موضع الخلاف في المسألة، و قد عرفت ان الأقوى انها تخرج من الأصل.

المسألة 91:

الصدقة بجميع أقسامها من المنجزات، حتى ما يدفعها المريض للفقير بقصد الشفاء من مرضه، أو يدفعها المسافر بقصد السلامة في سفره، أو يدفعها صاحب الحاجة بقصد قضاء حاجته، و نجح طلبته، فهي داخلة في موضع الخلاف و قد عرفت المختار فيها.

المسألة 92:

قد يشكل الأمر في بعض الفروض، بناء على القول بأن المنجزات تخرج من الثلث، كالمرض الذي يطول بالمرء سنين متعددة، و المرض الخفيف الذي يتفق به الموت، و كما إذا مات و هو مريض، و كان موته

كلمة التقوى، ج 6، ص: 247

بسبب آخر غير المرض نفسه، و لا أثر لهذا الاشكال و لا اختلاف في الفروض كلها، بناء على أن المنجزات تنفذ من أصل المال كما هو الحق في المسألة.

المسألة 93:

ألحق بعض العلماء بعض الأمور الخطرة التي يخشى فيها الهلاك بمرض الموت، كحالات الحرب و حالات الخوف من الغرق، و حالات الاجتياز بالأرض ذات السباع أو الحشرات القاتلة، و حالات الولادة و الطلق للمرأة، فذكر ان الشخص إذا أجرى بعض المنجزات المتقدم ذكرها في هذه الأحوال و اتفق موته فيها كان له حكم منجزات المريض، فتخرج من الثلث بناء على القول بذلك في المسألة، و من الظاهر انه لا أثر لهذه الفروض جميعها بناء على القول المختار من أن التصرفات المنجزة تخرج من الأصل، على أن إلحاق هذه الأمور بمرض الموت في غاية الإشكال، بل هو ممنوع و ان قلنا بخروج المنجزات من الثلث.

المسألة 94:

إذا أقر المريض لوارث من ورثته أو لشخص أجنبي عنه بدين، أو بشي ء مما هو في يده و كان إقراره له و هو في مرض موته، فان كان المريض المقر مأمونا لا يتهم بالكذب في قوله، صح إقراره و وجب إنفاذه من أصل المال، فيدفع الشي ء الذي أقر به للشخص المقر له و ان زاد في مقداره على ثلث ماله، و مهما بلغت زيادته، و ان كان المقر متهما في صدق قوله، نفذ إقراره في ثلث ماله خاصة و لم ينفذ في ما زاد عليه.

و يراد باتهامه أن توجد أمارات تدل على أنه يريد تخصيص الشخص الذي أقر له بالمال الذي أقر به، أو انه يريد حرمان بقية الورثة منه.

المسألة 95:

إذا أقر المريض بالدين أو بالعين لوارثه أو لأجنبي كما ذكرنا في الفرض السابق و لم يوجد من القرائن ما يدل على أن المقر متهم في إقراره أو غير متهم، ففي نفوذ إقراره في ما يزيد على الثلث اشكال، فلا يترك الاحتياط في هذا الفرض بالمصالحة ما بين الورثة و المقر له.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 248

المسألة 96:

يراد بالثلث في هذا الباب ثلث جميع ما يتركه المريض حين ما يموت بمرضه من الأموال التي يملكها سواء كانت من الأعيان الخارجية أم من الديون في ذمم الآخرين أم من المنافع أم الحقوق التي يبذل بإزائها المال، و منها الدية و أرش الجنايات التي تكون له على الآخرين على الأقوى، فيجمع جميع ذلك و يستخرج مقدار ثلثه، و يكون ذلك هو المعيار في مسألة إقرار المريض مع الاتهام و في مسألة منجزات المريض إذا قيل بنفوذها من الثلث.

المسألة 97:

إذا قيل بأن منجزات المريض تخرج من الثلث و لا تنفذ من الأصل، فذلك انما هو إذا لم يجز الورثة تصرفه، فإذا أجاز الورثة ذلك نفذ الزائد على الثلث من الأصل، و إذا أجازه بعض الورثة دون بعض نفذ بمقدار حصة ذلك البعض المجيز من الأصل، و اختص في حصة الآخر بالثلث، فإذا كان الوارث و لدين مثلا و أجاز أحدهما و لم يجز الآخر نفذ في نصف الشي ء من الأصل و اخرج الزائد على ما يصيب الثلث منه من حصة المجيز، و نفذ في النصف الآخر من الثلث و لم ينقص من حصة الولد الثاني شي ء و إذا أجاز الورثة بعضا من الزائد على الثلث نفذ من الأصل بمقدار ما أجازوه، و قد عرفت المختار في مسألة المنجزات، فالتفصيل المذكور عندنا انما يجري في مسألة الإقرار مع الاتهام، و في الوصية إذا أجاز الورثة خروجها من الأصل.

المسألة 98:

إذا أجاز الورثة تصرف مورثهم في ما زاد على الثلث في المسائل المتقدم ذكرها و كانت إجازتهم بعد أن مات المورث، فلا ريب في صحة إجازتهم و نفوذ تصرفه من الأصل بسبب إجازتهم، و ان كانوا قد ردوه أولا قبل موت المورث، فلا يكون ردهم السابق مضرا في صحة إجازتهم اللاحقة.

و إذا أجازوا التصرف قبل موت المورث ثم ردوه قبل موته أيضا، بطلت الإجازة الأولى و لم تنفذ، و إذا أجازوا قبل موته و بقوا على

كلمة التقوى، ج 6، ص: 249

إجازتهم حتى مات المورث، فالظاهر صحة إجازتهم و نفوذها، و لا يضر بصحتها و نفوذها إذا هم عدلوا فردوا بعد الموت.

المسألة 99:

إذا أقر الإنسان و هو في حال صحته بدين لوارثه أو لشخص أجنبي عنه أو أقر لأحدهما بشي ء آخر مما يملك، أو أقر بذلك و هو مريض بغير مرض الموت، صح إقراره فإذا مات نفذ من الأصل من غير فرق بين أن يكون متهما في قوله أو مأمونا.

المسألة 100:

إذا قال الرجل للمدين: أبرأت ذمتك من الدين بعد وفاتي، لم يصح منه هذا الإبراء لأنه إنشاء معلق غير منجز، فلا يكون صحيحا سواء كان الدائن صحيحا أم مريضا، و في مرض الموت أم في غيره.

و إذا أجاز الورثة ذلك فأبرأوا ذمة المدين بعد موت مورثهم و انتقال الدين إليهم و قصدوا بالإجازة تنازلهم عن المال صح ذلك و برئت ذمة المدين، لأنه إبراء جديد، و إذا قصدوا بالإجازة إمضاء ما أنشأه المورث، أشكل الحكم فيه، بل الظاهر عدم الصحة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 251

كتاب اللقطة

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 253

كتاب اللقطة

المسألة الأولى:

اللقطة هي المال الضائع من صاحبه، و لا يد أمينه لأحد عليه، إذا وجده الإنسان و هو لا يعرف مالكه، فلا يكون المال غير الضائع من اللقطة و ان كان صاحبه مجهولا، و من أمثلة ذلك الوديعة و العارية و العين المستأجرة إذا نسي الإنسان من هو صاحبها، و من أمثلته المال المغصوب إذا أخذه الرجل من يد غاصبه و لا يعلم من هو مالكه، و العين التي قبضها بالسوم أو قبضها بالمعاملة الفاسدة و نسي من هو مالكها، فيجري على هذا و على أمثاله حكم مجهول المالك لا حكم اللقطة.

و لا يكون من اللقطة المال الذي يكون بيد أمينة و ان كان ضائعا و مجهول المالك، و مثال ذلك أن يلتقط المال الضائع أحد ثم يأخذه شخص آخر من يده، فيكون المال لقطة للآخذ الأول إذا كان معلوما لا للآخذ الثاني، و إذا كانت يد الآخذ الأول ليست أمينة، فلا اعتبار بها، كما إذا نوى الملتقط الأول في المثال المتقدم تملك المال قبل أن يعرف به فتكون يده خائنة، فللثاني أن ينتزعه منه، و إذا أخذه من يده جرت عليه أحكام اللقطة عنده.

المسألة الثانية:

تنقسم اللقطة بملاحظة نفس المال الضائع إلى ثلاثة أقسام، فالمال الضائع الذي يجده الإنسان و لا يعرف مالكه، قد يكون غير انسان و لا حيوان، و يسمى هذا القسم لقطة بالمعنى الأخص، و قد يكون حيوانا و ليس بإنسان، و يسمى بالضالة، و قد يكون إنسانا و يسمى اللقيط، و المعنى الشامل للأقسام الثلاثة هي اللقطة بالمعنى العام.

و الاقسام الآنف ذكرها مختلفة في الأحكام و في بعض الشروط و الآثار، فاللقيط مثلا لا يختص بالإنسان المملوك كما إذا كان محكوما

كلمة

التقوى، ج 6، ص: 254

عليه بالحرية و لعل هذا هو الغالب فلا يعد مالا ليدخل في الأقسام، و لذلك لم يعده بعض الفقهاء من أقسام اللقطة بل عده من توابعها، و الأمر سهل بعد وضوح المقصود و صحة التقسيم باعتبار الإنسان المملوك.

فتفصيل الكلام في هذا الكتاب يكون في ثلاثة فصول.

الفصل الأول في اللقطة بالمعنى الخاص
المسألة الثالثة:

لا يكون المال لقطة تجري عليه أحكامها حتى يكون ضائعا من صاحبه كما ذكرناه في المسألة الأولى، و لذلك فلا بد في صدق اسم اللقطة على الشي ء من إحراز كونه ضائعا بأمارة، أو قرينة أو شاهد حال يدل على ذلك، و لا يكفي مجرد عدم العلم بمالكه، فإذا وجد الإنسان مالا و لم يقم اي شاهد يدل على ضياعه من مالكه لم تجر عليه أحكام اللقطة، بل يكون من مجهول المالك، فإذا تبدل ثوب الإنسان أو عباءته أو حذاؤه في بعض المجامع و لم يحرز ان بدل الثوب أو الحذاء الذي وجده مكانه ضائع من مالكه، لم تجر فيه أحكام اللقطة، فلعل المالك قد قصد التبديل عامدا أو مشتبها فلا يكون ماله ضائعا منه.

المسألة الرابعة:

لا يكون المال لقطة حتى يحصل أخذه و الاستيلاء عليه من الواجد، فلا يصدق على المال انه لقطة بمجرد انه رأى المال و علم أنه ضائع، و إذا رآه فأخبر به غيره، و أخذه ذلك الغير فالملتقط هو الذي أخذه و به تتعلق أحكام اللقطة لا بالذي رآه، و إذا رأى الرجل المال الضائع فقال لغيره:

ناولني إياه، فأخذه هذا الغير لنفسه لا للآمر كان هو الملتقط و تعلقت به الأحكام، و إذا قال له: ناولني المال، فأخذه و ناوله إياه، أشكل الحكم لحصول الأخذ من كليهما، فالأحوط تعريف كل واحد منهما بالمال إذا لم يعرف به الآخر.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 255

المسألة الخامسة:

إذا رأى الرجل المال، فظن أو اعتقد انه ماله، فأخذه ثم استبان له بعد أخذه انه مال ضائع من صاحبه، كان المال المأخوذ لقطة و لزمته أحكامها، و كذلك إذا رأى مالا ضائعا فأخذه و نحاه الى جانب آخر كان لقطة على الأحوط ان لم يكن ذلك هو الأقوى و لزمه حكمها، و إذا رأى المال فدفعه الى جانب آخر ببعض أعضائه من غير أخذ و لا استيلاء لم يكن لقطة، و لم يتعلق به شي ء من أحكامها، و لا يكون بذلك ضامنا للمال إذا تلف أو حدث فيه عيب أو نقص على الظاهر، الا أن يكون هذا التصرف منه سببا للتلف أو العيب، و كان سببا أقوى من المباشر، فيكون ضامنا لهما في هذه الصورة.

المسألة السادسة:

لا يجوز للإنسان أن يأخذ المال المجهول المالك أو يضع يده عليه إذا لم يحرز أنه لقطة، و هي المال الضائع كما ذكرنا من قبل، و إذا وضع يده عليه كان غاصبا و لزمه ضمانه، و إذا كان المال معرضا للتلف إذا لم يأخذه جاز له وضع اليد بقصد حفظه، فإذا أخذه في هذه الحالة بهذا القصد وجب عليه حفظ المال و كان أمانة في يده فلا يضمنها إذا تلفت أو عابت في يده بغير تعد و لا تفريط منه، و إذا كان المال مما لا يبقى عادة و يكون في بقائه عرضة للتغير و الفساد، لزمه ان يبيع المال أو يقومه على نفسه تقويما عادلا، فيتصرف في العين و يبقى ثمنها امانة في يده، و الأحوط لزوما: أن يكون ذلك باذن الحاكم الشرعي مع الإمكان، فإذا لم يمكن تولى ذلك بنفسه مع مراعاة الاحتياط في جميع ذلك.

المسألة السابعة:

إذا وضع الشخص يده على المال المجهول المالك، سواء كان ذلك مما يجوز له شرعا كما في الصورة الثانية، أم كان مما لا يجوز كما في الصورة الأولى، وجب عليه ان يفحص عن مالك المال حتى يحصل له اليأس من معرفته، فإذا يئس من الظفر به وجب عليه أن يتصدق بعين المال إذا كان موجودا و بالثمن إذا كان قد باع المال أو قومه على نفسه،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 256

و لا بد من مراجعة الحاكم الشرعي على الأحوط في ذلك مع الإمكان، و إذا تصدق بالمال أو ببدله بعد اليأس ثم عرف المالك فلا ضمان على المتصدق.

المسألة الثامنة:

يكره للإنسان أن يأخذ اللقطة إذا وجدها في غير الحرم المكي الشريف، سواء كان المال قليلا أم كثيرا، و سواء كان مما يمكن التعريف به أم لا، و يحرم على الأحوط أخذ اللقطة إذا وجدها في الحرم حتى إذا كانت اللقطة دون درهم، إلا إذا كان ناويا التعريف بها، فلا يكون أخذها محرما مع هذا القصد.

المسألة التاسعة:

إذا أخذ الرجل لقطة الحرم وجب عليه ان يعرف بها في المجامع سنة كاملة من يوم التقاطه إياها، فإذا هو لم يعرف صاحب المال تعين عليه ان يتصدق به على الأحوط، و لا يجوز للواجد أن يتملكها و ان أتم مدة التعريف، إلا إذا كان فقيرا و تملكها بنية الصدقة على نفسه عن مالك اللقطة، و الأحوط أن يكون التصدق باذن الحاكم الشرعي سواء كانت الصدقة على نفسه أم على الغير.

المسألة العاشرة:

إذا تصدق الملتقط بلقطة الحرم بعد أن عرف بها حولا، ثم وجد صاحبها، فالأحوط له ضمانها لمالكها إذا هو لم يرض بالصدقة، فيدفع له مثلها إذا كانت مثلية و قيمتها إذا كانت قيمية.

المسألة 11:

إذا أخذ الرجل لقطة في غير الحرم و كانت قيمتها لا تبلغ درهما لم يجب عليه التعريف بها و جاز له أن يتملكها بعد أخذها، و إذا تملكها ثم تبين له مالكها بعد قصد التملك وجب عليه ردها إليه إذا كانت عينها موجودة، و وجب عليه رد مثلها أو قيمتها إليه إذا كانت تالفة، على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 257

المسألة 12:

وزن الدرهم الواحد يساوي نصف مثقال صيرفي و ستة أعشار الحمصة من الفضة المسكوكة فإذا بلغت قيمة اللقطة هذا المقدار وجب على واجدها التعريف بها، و إذا لم تبلغ لم يجب عليه التعريف بها كما تقدم، و الحمصة هي جزء واحد من أربعة و عشرين جزءا من المثقال الصيرفي.

و يراعى في تعلق الحكم في اللقطة أن تبلغ هذا المقدار في قيمتها سواء كانت اللقطة ذاتها فضة غير مسكوكة خالصة أو مغشوشة أم كانت من المسكوكات الأخرى كالنحاس و النيكل أو العملة الورقية أو غير ذلك من أنواع المال الضائع من مالكه.

المسألة 13:

المعتبر في التقدير هي قيمة اللقطة في زمان الالتقاط و في مكانه، فلا تلاحظ قيمتها في غير ذلك الزمان و المكان، و ان كان الفرق بين الزمانين أو المكانين قليلا و كان التفاوت بين القيمتين ملحوظا.

المسألة 14:

إذا أخذ الرجل اللقطة في غير الحرم و كانت قيمتها درهما فأكثر، وجب عليه أن يعرف بها حولا كاملا من يوم التقاطه إياها، فإذا هو أتم الحول في التعريف و لم يهتد إلى معرفة مالك المال تخير بين أمور ثلاثة:

(الأول): أن يتصدق بالمال عن مالكه، و إذا اتفق له أنه عرف مالك اللقطة بعد الصدقة بها و لم يرض المالك بالصدقة عنه، دفع الملتقط له مثلها إذا كانت مثلية، و قيمتها إذا كانت قيمية، و كان للملتقط أجر الصدقة.

(الثاني): أن يتملكها، فتكون كسائر أمواله، و عليه ضمانها كذلك فإذا استبان مالكها بعد نية التملك من الملتقط و كانت عينها باقية ردها اليه، و إذا كانت تالفة دفع له مثلها أو قيمتها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 258

(الثالث): أن يبقيها أمانة شرعية عنده لمالكها، فيجب عليه أن يحفظها له كما يحفظ ماله. و لا يجب عليه ضمانها إذا تلفت في يده الا مع التعدي أو التفريط.

المسألة 15:

يجب التعريف باللقطة إذا أخذها الملتقط سواء قصد أن يختار بعد التعريف بها أحد الأمور الثلاثة التي ذكرناها أم قصد واحدا منها على الخصوص أم لم يقصد شيئا، بل قصد امتثال الأمر الشرعي بالتعريف.

المسألة 16:

إذا كانت اللقطة التي وجدها الرجل مما يعرض له الفساد إذا بقيت، كالخضر و الفواكه جاز للملتقط أن يقومها على نفسه تقويما عادلا، و ينتفع بها كيف ما أراد، و يبقى ثمنها في ذمته لمالكها و يعرف باللقطة مدة الحول، فإذا استبان له صاحبها دفع له ثمنها، و إذا لم يظهر صاحبها تخير بين الأمور الثلاثة الآنف ذكرها في المسألة الرابعة عشرة، و المدار هنا على قيمة اللقطة يوم انتقالها الى الملتقط.

و يجوز له أن يبيعها على شخص آخر، و الأحوط بل الأقوى أن يكون البيع من الغير باذن الحاكم الشرعي ثم يحتفظ بثمنها للمالك، فإذا أتم التعريف باللقطة مدة الحول جرى في الثمن الحكم المتقدم ذكره.

المسألة 17:

إذا قوم الملتقط اللقطة على نفسه في المسألة السابقة أو باعها على غيره وجب عليه أن يضبط معرفة الصفات و الخصوصيات التي تميز اللقطة عن غيرها و يحفظها جيدا ليتم التعريف بها و يعلم بسبب ذلك صدق من يدعي ملكها من كذبه.

المسألة 18:

إذا كان المال الضائع مما لا يمكن التعريف به، اما لعدم العلامة التي تميزه عما يشابهه من الأموال و يساويه في الصفات، و أما للعلم بأن مالك المال قد انتقل الى بلد آخر يتعذر الاتصال به، أو لسبب غير ذلك، سقط عن الملتقط وجوب التعريف بالمال، و وجب عليه التصدق

كلمة التقوى، ج 6، ص: 259

به إذا كان من لقطة الحرم، و تخير بين الصدقة به، و إبقائه عنده أمانة لمالكه إذا كان من لقطة غير الحرم، و في جواز تملكه اشكال، و الأقوى جواز ذلك، و الأحوط استحبابا اختيار الصدقة به.

و إذا علم بأن السبب المانع من التعريف سيزول، وجب عليه الانتظار الى ان يزول المانع، فإذا زال المانع وجب عليه التعريف بالمال سنة كاملة من حين زوال العذر، فإذا لم يعرف المالك جرى فيه الحكم الآنف ذكره.

المسألة 19:

العلامة المميزة للقطة هي الخصوصيات التي تختص بها و يكون بعضها أو المجموع منها سمة تنفرد بها اللقطة الخاصة عما يشابهها و يمكن أن يتعرف بسببها على مالك المال، فالدراهم المودعة في كيس له وصف خاص من الوضع و نوع القماش و كيفية الخياطة أو المشدودة في خرقة لها لون معين، يكون الكيس و الخرقة و أوصافهما علامة للتعريف بها، و عدد الدراهم و الدنانير التي يجدها منثورة يكون علامة لها و هكذا كل خصوصية لها هذا الشأن، و قد تكون مجموعة من الصفات علامة يحصل بها التمييز كما ذكرنا، فلا تكون اللقطة معها فاقدة للعلامة و يجب التعريف بها.

المسألة 20:

تجب المبادرة إلى التعريف باللقطة، و مبدأه من حين الالتقاط على الأحوط، فإذا أخر التعريف عنه مدة و كان التأخير لغير عذر أثم بذلك، و وجبت عليه المبادرة بعده الى التعريف، و هكذا و إذا عرف بها في بعض الحول ثم ترك لا لعذر أثم كذلك، و وجبت عليه المبادرة بعده و هكذا الى أن يتم حول التعريف.

و إذا أخر التعريف أو قطعه في أثناء الحول لعذر يصح معه التأخير، وجبت عليه المبادرة إلى التعريف بعد زوال العذر و لا يكون مأثوما لعذرة، و إذا أتم التعريف حولا بعد ما أخره أو بعد ما قطعه في أثناء الحول، جرى فيه الحكم المتقدم في المسألة الثامنة عشرة، فيتصدق بلقطة الحرم، و يتخير في لقطة غير الحرم بين أن يتصدق بها و أن يبقيها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 260

في يده أمانة لمالكها على الأحوط، و ان جاز له أن يتملكها على الأقوى، سواء كان معذورا في تأخيره أم لا.

المسألة 21:

ظهر مما بيناه ان المدار على حصول التعريف باللقطة مدة حول كامل و ان تأخر عن أول وقته لعذر أو لغير عذر، أو تقطعت المدة بعضها عن بعض بترك التعريف لعذر أو لغير عذر حتى أتم التعريف و أتم المدة و حصل الشرط، و ان كان آثما إذا كان غير معذور في التأخير أو في تقطيع المدة، فإذا قطع التعريف في أثناء الحول ثم عاد اليه كفاه ان يتمه و لم يفتقر الى الاستئناف.

المسألة 22:

لا يجوز للملتقط أن يخرج باللقطة من البلد الذي أخذها فيه، فإذا أراد الخروج من البلد ائتمن على اللقطة من يثق به لحفظها و التعريف بها في موضع الالتقاط، و يسافر هو إذا شاء، نعم، إذا علم ان اللقطة لبعض المسافرين، جاز له أن يخرج بها الى بلدهم ليكون التعريف فيه.

المسألة 23:

لا يتعين على الملتقط أن يتولى التعريف باللقطة بنفسه، بل يجوز له أن يستنيب في ذلك أحدا غيره، و لا يسقط التكليف عن الملتقط حتى يحصل له الاطمئنان بأن النائب قد أوقع التعريف على الوجه المجدي، و إذا احتاج في الاستنابة إلى أجرة، فالظاهر كون الأجرة على الملتقط لا على المالك، و ان كان قاصدا أن تبقى اللقطة أمانة بيده لمالكها، و الأحوط استحبابا التصالح بين المالك و بينه في هذه الصورة.

المسألة 24:

يجب أن يكون التعريف مدة الحول في موضع الالتقاط على الأقوى إذا كان الملتقط قد وجد المال في موضع متأهل من بلد أو قرية و شبههما، إلا إذا علم بانتفاء فائدة التعريف فيه، و مثال ذلك: ان يعلم ان مالك اللقطة لا يمكث في ذلك الموضع، فينتقل بالتعريف الى المواضع التي يعلم أو يحتمل وجود المالك فيها، و إذا كان الالتقاط في البراري و المفاوز عرفها للنزال فيها كالقوافل و السالكين فيها، و يتبع القافلة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 261

الراحلة من الموضع ليعرف أهلها، فان لم يكن فيها نزال، أو علم بأن اللقطة ليست لهم، عرفها في البلد الأقرب فالأقرب مما يحتمل وجود المالك فيها.

المسألة 25:

لا يختص التعريف بالزقاق أو الشارع الذي وجد فيه المال الضائع، بل يكفي التعريف في الأسواق و الميادين و المجامع العامة المتصلة بذلك الموضع عرفا، و يتوخى المواسم و أوقات الاجتماع للناس.

المسألة 26:

لا يجب على الملتقط أو نائبه أن يستوعب مدة الحول كلها في التعريف باللقطة، نعم يجب أن يكون تعريفه بها متتابعا طوال السنة، و يكفي في تحقق ذلك أن يقع في فترات متصلة في نظر أهل العرف، بحيث يصدق انه عرف بالمال متصلا طوال الحول، و لا يكفي التعريف في فترات غير متصلة.

المسألة 27:

التعريف باللقطة: هو ان يذكر المعرف ما يلفت المالك الى ماله الضائع منه و يبعثه على تفقده و تذكر صفاته، فلا يكفي أن يعرف السامع بأنه وجد ضائعا أو شيئا أو مالا، بل عليه ان يذكر انه وجد آنية مثلا أو كتابا أو ذهبا أو ثوبا، و لا يذكر الصفات التي تعين المال فيعرفه غير مالكه.

المسألة 28:

إذا يئس الملتقط من معرفة المالك قبل التعريف بالمال أو في أثناء الحول سقط عنه وجوب التعريف، و وجب عليه التصدق بلقطة الحرم، و تخير بين الصدقة بالمال و تملكه في لقطة غير الحرم.

المسألة 29:

إذا أتم الملتقط التعريف حولا كاملا جرت عليه الأحكام المتقدم ذكرها في المسألة الرابعة عشرة و ان لم يحصل له اليأس من معرفة المالك، و لا يجب عليه التعريف أكثر من ذلك. و إذا علم انه سيتوصل إلى معرفة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 262

المالك إذا زاد في التعريف على السنة، فالأحوط لزوم الزيادة في التعريف، و لا تجري أحكام اللقطة بدونه.

المسألة 30:

تقدم في المسألة الثامنة أنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ لقطة الحرم على الأحوط الا لمن يريد التعريف بها، و نتيجة لذلك فإذا أخذها من لا يريد التعريف بها كان عاديا و ضامنا للقطة إذا تلفت في يده أو حدث فيها عيب، فإذا وجد المالك دفع له مثلها إذا كانت مثلية و قيمتها إذا كانت قيمية و دفع له نماءها مع التلف، و ضمن له أرشها إذا حدث فيها عيب، و لا يبرأ من الضمان إذا عدل بعد ذلك الى نية التعريف بها و لا إذا دفع العين الى الحاكم الشرعي على الأقوى، و إذا لم يعرف المالك تصدق عنه بالمثل أو القيمة مع التلف و باللقطة و أرشها مع العيب.

و كذلك الحكم في لقطة غير الحرم إذا نوى تملكها قبل التعريف، أو قبل أن يتم التعريف حولا على الأحوط و يضمنها كذلك إذا تعدى أو فرط فيها و ان لم يقصد تملكها.

المسألة 31:

إذا أخذ لقطة الحرم مع قصد التعريف بها كانت أمانة في يده، فلا يكون ضامنا لها إذا تلفت في يده من غير تعد منه و لا تفريط، سواء كان تلفها قبل التعريف بها أم في أثنائه أم بعده و قبل التصدق بها و كذلك الحكم إذا حدث فيها عيب.

و مثله الحكم في لقطة غير الحرم إذا أخذها و لم ينو تملكها قبل التعريف أو قبل ان يتمه حولا فهي أمانة غير مضمونة إذا تلفت أو عابت بلا تعد و لا تفريط.

المسألة 32:

من التفريط أن يترك الملتقط التعريف بالمال الضائع الذي وجده و يضعه في مسجد مثلا أو في مجمع عام ليراه الناس، فإذا فعل كذلك و أخذ اللقطة غير مالكها أو تلفت أو حدث فيها عيب كان الملتقط ضامنا لها، بل و يكون ضامنا لها إذا أخذها آخذ و لم يعلم ان الآخذ هو مالكها أم غيره.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 263

المسألة 33:

إذا تلفت اللقطة قبل أن يعرف الملتقط بها أو في أثناء مدة التعريف بها، فان كانت اللقطة مضمونة كما في الفروض التي ذكرناها في المسألة الثلاثين لم يسقط عن الملتقط وجوب التعريف، فإذا عرف المالك دفع له مثلها أو قيمتها، و ان كانت غير مضمونة كما في الفروض التي ذكرناها في المسألة الحادية و الثلاثين سقط عنه وجوب التعريف.

المسألة 34:

معرفة مالك اللقطة قد تكون بنحو العلم به كما إذا أوجبت القرائن للملتقط العلم بصدق دعواه، و قد تحصل بشهادة بينة شرعية، كما إذا شهد شاهدان عادلان بأنه هو مالك اللقطة المعينة و قد تأتي من ذكره الأوصاف التي تميز اللقطة و تدل على انه صاحبها، و لا تدفع إليه اللقطة في هذه الصورة إلا إذا أوجب ذلك الاطمئنان بصدقه، و لا يكفي حصول الظن.

المسألة 35:

إذا حصل للملتقط الاطمئنان من ذكر صفات اللقطة و بعض مميزاتها أن الرجل هو مالك المال دفعه اليه و ان خفي عليه بعض الصفات الدقيقة للقطة التي قد يغفل عنها المالك أو لا يحصل له العلم بها، فمالك الكتاب مثلا لا يعلم على الأكثر بعدد صفحات الكتاب و بسنة طبعه، و بأنه من الطبعة الثالثة أو الرابعة إلا إذا كانت لها مميزات خاصة، و مالك الجهاز أو الآلة قد لا يدري بأنها من صنع اي معمل في البلد و من نتاج اي عام، و مالك الفراش و الدثار قد يذهل أو ينسى مقدار سعته في الطول و العرض و عن بعض الآثار الموجودة فيه التي تحدثها كثرة الاستعمال.

المسألة 36:

إذا عرف الملتقط مالك اللقطة قبل التعريف بها أو في أثناء مدة التعريف أو بعد ان أتمه حولا و قبل أن يتخير أحد الأمور الثلاثة، و كانت العين موجودة دفعها اليه، و لا يحق للمالك أن يطالب الملتقط ببدلها، و إذا كانت العين تالفة، فإن كانت اللقطة مضمونة دفع اليه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 264

مثلها، أو قيمتها، و ان كانت اللقطة غير مضمونة فليس للمالك ان يطالب الملتقط بشي ء، و قد ذكرنا بعض هذه الأحكام في المسألة الثالثة و الثلاثين.

و إذا عرف المالك بعد أن أتم التعريف باللقطة و بعد أن تصدق بها عن المالك، تخير المالك بين أن يرضى بالصدقة فيكون له أجرها و لا يطالب الملتقط و لا الفقير بشي ء، و ان لا يرضى بالصدقة، فيغرم له الملتقط مثلها أو قيمتها، و يكون للملتقط أجر الصدقة، و لا يحق للمالك أن يطالبه بالعين و ان كانت موجودة، و لا يرجع على الفقير بشي ء.

و إذا

عرف المالك بعد أن تملكها الملتقط رجع عليه بالعين إذا كانت موجودة في يده، و رجع عليه بمثلها أو بقيمتها إذا كانت تالفة، أو كانت قد انتقلت منه الى ملك غيره ببيع أو هبة أو غيرهما، أو نقلها عن ملكه بوقف أو عتق أو شبه ذلك.

و إذا كان الملتقط قد اختار إبقاء اللقطة أمانة في يده لمالكها، ردها إليه إذا كانت موجودة، و إذا كانت تالفة فلا ضمان عليه الا إذا تعدى أو فرط فيها، و إذا حدث فيها عيب أو نقص رد الموجود و لم يضمن أرش العيب و لا النقصان الا مع التعدي أو التفريط، و قد أشرنا الى هذا في المسألة الرابعة عشرة.

المسألة 37:

النماء المتصل للقطة يكون له حكم العين، فإذا عرف الملتقط مالك العين وجب عليه ان يدفع اليه نماء العين المتصل في كل صورة يجب عليه فيها رد العين أو بدلها اليه، و قد تقدم تفصيل ذلك في المسألة السادسة و الثلاثين، و إذا لم يعرف المالك كان النماء المتصل تابعا للعين كذلك، فيتملكه الملتقط إذا اختار أن يتملك العين، و يملكه الفقير إذا اختار الملتقط الصدقة فتصدق بالعين على الفقير، و يبقى في يد الملتقط أمانة للمالك إذا اختار الملتقط بقاء العين كذلك.

و اما النماء المنفصل، فما حصل منه بعد أن يتملك الملتقط العين يكون للملتقط، و ما يتجدد منه بعد التصدق بالعين يكون للفقير، و لا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 265

يجب دفعه الى مالك العين إذا عرفه الملتقط بعد التملك أو بعد الصدقة، و ما حصل منه قبل ذلك فهو لمالك العين إذا عرف، و إذا لم يعرف، فالأحوط التصدق به، و لا تجري فيه أحكام اللقطة

بل يكون من المال المجهول مالكه.

المسألة 38:

إذا عرف الملتقط المالك و لم يتمكن من أن يوصل المال اليه و لا الى وكيله، وجب على الملتقط أن يستأذن المالك في ما يفعل باللقطة، فان لم يتمكن من الاستيذان منه تصدق بالمال عنه.

المسألة 39:

يشكل الحكم بجواز دفع المال الضائع إلى الحاكم الشرعي ليتخلص الملتقط بذلك من التعريف بالمال، كما يشكل الحكم بسقوط التعريف عن الملتقط بذلك لو أن الحاكم قبل منه فأخذ اللقطة، بل يشكل وجوب قبول الحاكم لها إذا دفعت اليه.

نعم يمكن دفع اللقطة إلى الحاكم أو الى أمين غيره ليقوم بحفظها في مدة التعريف، و يمكن ان يدفعها الملتقط الى الحاكم ليتصدق بها عن المالك بعد أن يتم الملتقط التعريف بها و يختار الصدقة بها عن مالكها أو بعد أن ييأس من معرفة المالك، و لكن هذه الفروض غير ما يذكره المشهور.

المسألة 40:

إذا وجد شخصان لقطة واحدة، فأخذاها معا في وقت واحد كانت لقطة لهما على سبيل الاشتراك فيها و تعلقت بهما معا أحكامها، فإذا كان مجموع قيمة اللقطة لا يبلغ درهما جاز للرجلين أن يتملكاها و لم يجب عليهما التعريف بها، و يكونان شريكين فيها على وجه التساوي، و إذا بلغت قيمة اللقطة درهما فأكثر، وجب عليهما التعريف بها، و ان لم تبلغ حصة الواحد منهما مقدار الدرهم، و تخيرا في إيقاع التعريف، فيجوز لهما أن يوكلا إيقاع التعريف كله إلى أحدهما، فيتولى التعريف بالمال في جميع الحول، و يجوز لهما أن يقوما بالتعريف بالمال معا طوال الحول، فيقوم كل واحد منهما بتعريف كامل من يوم التقاطهما المال

كلمة التقوى، ج 6، ص: 266

إلى نهاية الحول، و يجوز لهما أن يقتسما الحول بينهما اجزاء فيتولى أحدهما التعريف بالمال تعريفا كاملا في شهر أو شهرين أو أكثر من الحول، ثم يقوم الثاني بالتعريف في الجزء الثاني من الحول و هكذا حسب تراضيهما في القسمة الى ان يتما التعريف في مدة الحول، و إذا تنازعا في التعريف،

وزع الحول بينهما بالتساوي، فيقوم كل واحد منهما بالتعريف الكامل في قسطه من الحول.

و إذا تم التعريف مدة الحول، فلهما أن يتفقا في اختيار تملك اللقطة أو التصدق بها أو إبقائها أمانة لصاحبها، و يجوز لأحدهما أن يختار الصدقة بنصفه و للآخر ان يتملك نصفه أو يبقيه امانة في يده لمالك المال.

المسألة 41:

إذا التقط الصبي أو المجنون مالا ضائعا صحت لقطتهما، و على وليهما أن يتولى أمرها فإذا كانت اللقطة دون الدرهم و كانت في غير الحرم جاز للولي أن يقصد تملكهما إياها، و إذا كانت اللقطة في الحرم أو كانت قيمتها درهما فأكثر و هي في غير الحرم، وجب على الولي التعريف بها سنة، ثم يتصدق بها في لقطة الحرم على الأحوط، و يتخير لهما أحد الأمور الثلاثة التي ذكرناها في المسألة الرابعة عشرة في لقطة غير الحرم.

المسألة 42:

إذا وجد الإنسان لقطة، و علم بأنها ضائعة من ملتقط آخر قد التقطها قبله، وجب على الملتقط الثاني ان يعرف بها سنة، فان عرف مالكها ردها اليه، و ان لم يعرف المالك و لكنه عرف الملتقط الأول دفعها اليه كذلك، و ان لم يجد واحدا منهما جرى فيها حكم اللقطة المتقدم.

و إذا عرف الملتقط الأول و ردها اليه كما ذكرنا، وجب على الملتقط الأول ان يتم التعريف بها سنة إذا لم يكن قد أتم التعريف من قبل، و يحتسب منها مدة تعريف الملتقط الثاني بها، فان هو لم يعرف المالك جرى فيها حكم اللقطة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 267

المسألة 43:

إذا تملك الملتقط اللقطة بعد التعريف بها، ثم مات كانت ملكا لوارثه من بعده، و إذا ظهر المالك بعد ذلك ضمنها له الوارث، فيجب عليه أن يرد له عين اللقطة إذا كانت موجودة في ملكه و يجب عليه ان يدفع له مثلها أو قيمتها إذا كانت تالفة أو كانت منتقلة عن ملكه بأحد النواقل الشرعية و ان كانت بالصدقة عن نفسه لا عن المالك.

و إذا مات الملتقط قبل أن يعرف باللقطة أو في أثناء التعريف بها أو بعد أن أتم التعريف و قبل أن يتملكها، جرى في اللقطة حكم مجهول المالك على الأحوط، فيفحص الوارث عن مالكها، فإذا حصل له اليأس من معرفته تصدق بها عن المالك باذن الحاكم الشرعي على الأحوط.

المسألة 44:

إذا وجد الرجل مالا فأخذه و هو يعتقد ان المال له، أو يعتقد أنه وديعة أو عارية من زيد مثلا عنده و بعد أن أخذه ظهر له أن المال ضائع من مالكه و لا يد لأحد عليه، كان لقطة و لزمه القيام بأحكامها.

المسألة 45:

إذا رأى الإنسان في صندوقه مالا، و لم يدر أن المال له أو لغيره، فان كان الصندوق الذي وجد المال فيه خاصا به بحيث لا يد لغيره عليه، فالمال ماله، و ان كان الصندوق مشتركا بينه و بين آخر، بحيث يكون كل منهما صاحب يد على الصندوق يأخذ منه و يضع فيه، فعليه أن يعرف صاحبه بالمال، فان عرفه دفعه اليه، و ان قال صاحبه: ان المال ليس له، فالمال للأول، و إذا جهلاه معا رجعا إلى القرعة بينهما، فأيهما عينته القرعة فالمال له، و يمكنهما الرجوع الى المصالحة بينهما، و كذلك الحكم إذا كان الصندوق مشتركا بين جماعة قليلة محصور عددهم.

و إذا كان الصندوق مشتركا بين جماعة كثيرة، جرى في المال حكم مجهول المالك، فيجب الفحص عن المالك منهم و يدفع المال إليه إذا عرف، و إذا حصل اليأس من معرفته تصدق بالمال عنه باذن الحاكم الشرعي على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 268

المسألة 46:

إذا وجد الإنسان مالا في داره التي يسكنها و لم يعلم ان المال له أم لغيره، فان كانت الدار خاصة لا يدخلها غيره، أو كان الداخل إليها قليلا، فالمال له، و إذا كان المترددون في الدخول و الخروج من الدار كثيرين كما في المضائف و المجالس العامة جرى في المال حكم اللقطة، و ان لم يحرز انه مال ضائع جرى فيه حكم المجهول المالك، و لا فرق في الحكم بين أن تكون الدار مملوكة له أو مستأجرة أو مستعارة أو موقوفة أو غير ذلك من الوجوه المسوغة للسكنى، بل و ان كانت مغصوبة، فإن كون اليد غاصبة للدار لا تنافي كونها دالة على ملك المال الموجود فيها.

المسألة 47:

إذا وجد الإنسان مالا في دار يسكنها غيره، وجب عليه أن يعرف ساكن الدار بالمال فان ادعاه ساكن الدار دفعه اليه، و كذلك إذا لم يعرف ساكن الدار أمر المال و كانت الدار خاصة بالساكن لا يدخلها غيره أو يدخلها النادر القليل فيكون المال له، و إذا كثر الداخلون و الواردون فيها و علم و لو من القرائن ان المال ضائع من صاحبه جرى عليه حكم اللقطة و ان لم يعلم ذلك جرى فيه حكم مجهول المالك، فيتصدق به بعد الفحص عن المالك و اليأس من معرفته من غير فرق بين الأسباب التي اقتضت له سكنى الدار كما تقدم.

المسألة 48:

إذا أخذ الإنسان مالا من أحد و هو يعتقد ان المال المأخوذ ملك لذلك الشخص، ثم ظهر أن المال لغيره و قد أخذه منه عدوانا بغير حق، و الإنسان لا يعرف المالك، لم تجر على المال الذي أخذه أحكام اللقطة، فإنه ليس من المال الضائع من مالكه، بل يجري عليه حكم مجهول المالك.

المسألة 49:

إذا استودعه سارق مالا سرقه من أحد لم يجز للرجل الذي أخذ الوديعة ان يردها الى السارق الذي أودعه إياها، بل يجب عليه ردها الى المالك إذا كان يعرفه، و ان لم يعرفه جرى على المال حكم اللقطة كما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 269

في الرواية، فيجب عليه التعريف بالمال سنة كاملة، فان لم يعرف مالكه تصدق بالمال عنه، و إذا عرف المالك بعد تصدقه بالمال خيره بين أن يقبل بالصدقة فيكون له أجرها و أن يغرم له بدل المال مثله أو قيمته فيغرم الودعي له ذلك، و يكون للودعي أجر الصدقة، و الفارق بين الحكم في هذه المسألة و المسألة المتقدمة هو النص الذي أشرنا إليه.

الفصل الثاني في لقطة الحيوان
المسألة 50:

اللقطة من الحيوان و تسمى أيضا الضالة، هي الحيوان المملوك الذي يجده الإنسان ضائعا من مالكه، و لا تكون لأحد يد عليه، فلا تشمل الحيوان غير المملوك شرعا كالخنزير و ما يلحق به من الحيوانات غير المملوكة، و لا تشمل الحيوانات المباحة إذا لم تملك بحيازة، فلا تكون من اللقطة، و لا تشمل الحيوان المملوك غير الضائع من مالكه و ان لم يعلم مالكه، و لا تشمل الحيوان الضائع من مالكه إذا وجده الإنسان و عليه يد أمينه لأحد من الناس، و قد تقدم بيان ما يتعلق بهذا في لقطة غير الحيوان.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 269

المسألة 51:

يكره للإنسان أن يأخذ لقطة الحيوان، و قد ورد في بعض الأخبار:

(لا يأخذ الضالة إلا الضالون، و ورد في حديث آخر عن الضالة: (ما أحب ان أمسها)، و الظاهر ان الحكم بكراهة التقاط الضالة شامل حتى لصورة ما إذا خشي تلف الحيوان إذا لم يأخذه الملتقط.

المسألة 52:

يحرم على الإنسان أخذ البعير الذي يراه ضالا، سواء وجده في العمران أم في غير العمران، إذا كان في ماء وكلاء، و يحرم كذلك أخذه إذا وجده في غير ماء و لا كلاء إذا كان البعير صحيحا يمكنه السعي و الوصول إليهما، و يحرم في جميع هذه الصور على الإنسان أخذ كل حيوان ضال عن مالكه إذا كان الحيوان مما يمكنه الامتناع عن السباع

كلمة التقوى، ج 6، ص: 270

لقوة الحيوان أو لسرعة عدوه أو لكبر جثته، و يمكنه السعي إلى مواضع الكلاء و الماء و ان كان من صغار الحيوان كالغزال و بقر الوحش المملوكين، و إذا أخذه الملتقط كان آثما.

المسألة 53:

إذا أخذ الرجل البعير الضائع أو ما بحكمه من الحيوان الذي تقدم ذكر حكمه في المسألة الثانية و الخمسين، وجب على الآخذ الإنفاق عليه، و لا يرجع على مالك الحيوان- إذا وجده- بشي ء مما أنفق عليه، و كان ضامنا للحيوان، فيجب عليه ان يرد على المالك قيمته إذا تلف الحيوان ثم عرف المالك، و يتصدق بالقيمة بإذن الحاكم الشرعي إذا يئس من معرفة المالك، و يضمن جميع ما يستوفيه من نماء الحيوان كاللبن و الصوف و الوبر و الدهن و غيرها، فيرد مثله أو قيمته كذلك، و يضمن جميع ما يستوفيه من منافعه كالحمل و الركوب و السقاية عليه، فيدفع اجرة مثله.

و لا تبرأ ذمته من الضمان الا بالدفع الى المالك، فيجب عليه الفحص عنه حتى ييأس من معرفته، فإذا حصل له اليأس تصدق عن المالك بما ضمنه باذن الحاكم الشرعي.

المسألة 54:

إذا وجد الرجل البعير الضال أو ما بحكمه من الحيوان الآنف ذكره في المسألة الثانية و الخمسين في موضع يتحقق تلفه فيه إذا لم يأخذه الملتقط، لوجود سباع ضارية لا يمكن الحيوان أن يمتنع منها، أو لكون الحيوان مريضا أو مجهودا لا يمكنه السعي إلى مواضع النجاة، أو لبعد الماء و الكلاء عليه في ذلك الموضع، أو لغير ذلك، جاز للرجل أخذه، و الأحوط أن يجري عليه حكم مجهول المالك، فيفحص عن مالكه حتى ييأس من الحصول عليه، ثم يتصدق به و بقيمته إذا تلف عن المالك باذن الحاكم الشرعي، و إذا عرف المالك رجع عليه بما أنفق على الحيوان إذا لم يكن قد نوى التبرع بالإنفاق، و إذا كان للحيوان نماء كاللبن و الدهن، أو كانت له منفعة كالركوب و الحمل عليه، جاز

للملتقط

كلمة التقوى، ج 6، ص: 271

أن يستوفيها بإزاء نفقاته على الحيوان، و إذا زادت النفقة على أجرته أو زادت الأجرة على نفقته، رجع صاحب الزيادة بزيادته على صاحبه.

و كذلك الحكم في ضالة هذا الحيوان إذا كان المالك في طلبها و خشي الملتقط عليها من التلف قبل أن يصل المالك إليها فيجري فيها ما ذكرناه على الأقرب.

المسألة 55:

إذا وجد الرجل شاة ضائعة في غير العمران جاز للواجد أن يلتقطها سواء كانت ضائعة في موضع فيه ماء و كلاء أم كانت في موضع ليس فيه ذلك، و إذا أخذها الملتقط وجب عليه أن يعرف بها في الموضع الذي وجدها فيه و ما حوله على الأحوط، فإذا لم يعرف مالكها جاز له أن يتملكها و أن يتصرف فيها بأكل و نحوه، و جاز له ان يبقيها في يده امانة لمالكها.

فإذا هو تملكها أو تصرف فيها كان ضامنا لها، فإذا عرف مالكها بعد ذلك و كانت الشاة موجودة ردها اليه و إذا كانت الشاة تالفة و طالبه المالك بها دفع اليه ثمنها.

و إذا أبقاها في يده أمانة لمالكها فلا ضمان عليه إذا تلفت من غير تعد و لا تفريط، و كذلك الحكم في كل حيوان لا يمكنه حفظ نفسه و لا يقدر على الامتناع من صغار السباع كأطفال الخيل و الحمير و البقر، بل و أطفال الإبل و شبهها.

المسألة 56:

إذا وجد الرجل الشاة الضالة في مواضع العمران و الأماكن المأهولة بالسكان بحيث لا خوف فيها على الحيوان الضعيف، لم يجز له أخذها و إذا التقطها أحد كان لها ضامنا و لم تبرأ ذمته الا بردها الى مالكها، إذا كانت موجودة و دفع قيمتها إذا كانت تالفة، و كذلك الحيوانات الضعيفة التي ألحقت بالشاة في حكمها في المسألة السابقة فلا يجوز التقاطها في الأماكن المذكورة و يكون ضامنا لها إذا أخذها، و يجب عليه التعريف بها و إذا يئس من معرفة المالك تصدق بها عنه باذن الحاكم الشرعي.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 272

و إذا خيف عليها التلف في المواضع المذكورة إذا لم يأخذها الملتقط، لبعض الطواري

كوجود السراق، أو بعض السباع المختبئة أو غير ذلك، جاز له أخذها و جرى عليها حكم الالتقاط في غير العمران و قد ذكرناه في المسألة المتقدمة.

و قد ورد في رواية ابن أبي يعفور، في الشاة، أن واجدها يحبسها عنده ثلاثة أيام يسأل عن صاحبها فان لم يأت باعها واجدها و تصدق بثمنها، و قد عمل بها المشهور، و هو غير بعيد.

المسألة 57:

إذا أعرض المالك عن الحيوان الذي يملكه فتركه سائبا أصبح الحيوان مباحا و جاز لمن يجده أن يتملكه و لا ضمان عليه للحيوان و لا لمنافعه.

المسألة 58:

إذا أجهد الحيوان مثلا في الطريق أو في البر و لم يتمكن المالك من أخذه معه و لا من البقاء عنده، فتركه في موضعه و مضى عنه، فان كان المالك قد تركه في موضع يمكنه التعيش فيه لوجود الماء و الكلاء فيه لم يجز لأحد أخذ الحيوان، فإذا أخذه واجده كان آثما و ضامنا، و كذلك الحكم إذا كان الحيوان المتروك قادرا على السعي إلى موضع الكلاء و الماء، أو كان مالكه عازما على أن يعود اليه قبل أن يتلف.

و إذا ترك المالك الحيوان في موضع لا يمكنه التعيش فيه و لا يستطيع السعي إلى موضع يمكنه التعيش فيه، و لم يكن المالك عازما على العود اليه، جاز لمن يجده أن يأخذه و يتملكه و لا ضمان عليه.

المسألة 59:

لا فرق بين الصبي و المجنون و بين غيرهما في الحكم في أخذ الضالة، فإذا كان الحيوان الضائع مما يجوز أخذه لغيرهما صح لهما أخذه، كما تصح لقطتهما لغير الحيوان من الأموال الضائعة من مالكها، و يقوم وليهما بأمر الضالة بولايته عليهما، فيعرفها في مقام وجوب التعريف،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 273

و يقصد تملكهما إياها في موضع التملك، و يتولى تطبيق سائر الأحكام كما تقدم نظير ذلك في لقطة غير الحيوان في المسألة الحادية و الأربعين.

المسألة 60:

إذا تبرع الملتقط بنفقة الحيوان الضائع الذي التقطه أو تبرع بها رجل آخر غير الملتقط كانت النفقة مما تبرع به و لم يرجع بها على المالك.

و ان لم يتبرع بها أحد، أنفق عليه الملتقط من ماله ثم رجع بما أنفقه على المالك إذا وجده، و إذا كان للحيوان نماء أو منافع جاز للملتقط أن يستوفي ذلك بدلا عن النفقة، و لا بد و ان يكون ذلك بحسب القيمة و قد ذكرنا هذا في المسألة الرابعة و الخمسين، و هذا في ما يحتاج اليه الحيوان من النفقات، و إذا اكتفى الحيوان في تعيشه و بقائه بالماء و الكلاء الموجود في الأرض و لم يفتقر إلى نفقة أخرى لم تجب على الملتقط و لم تلزم المالك فإذا أنفق الملتقط عليه ما يزيد على ذلك لم يصح له الرجوع به على المالك، و تراجع المسألة الثالثة و الخمسون في حكم النفقة على الحيوان الذي لا يصح التقاطه.

المسألة 61:

لا يتحقق التقاط الحيوان بمجرد دخوله الى منزل الإنسان أو الى حظيرته إذا هو لم يأخذه و لم يضع يده عليه، فإذا دخلت الدجاجة الضالة أو غيرها من الدواجن و شبهها الى منزل الإنسان أو الى حظيرته لم يكن ملتقطا، و جاز له أن يخرجها من منزله و لا شي ء عليه، بل و لا يجوز له أخذها كما تقدم في المسألة السادسة و الخمسين، و إذا أخذها وجب عليه التعريف بها حتى ييأس من معرفة مالكها ثم تصدق بها باذن الحاكم الشرعي على الأحوط.

المسألة 62:

إذا وجد الرجل حيوانا قد تركه صاحبه، و لم يعلم أنه قد تركه بقصد الأعراض عنه، ليصح له تملكه كما ذكرنا في المسألة السابعة و الخمسين أو انه لم يعرض عنه بل تركه ليرجع اليه بعد مدة أو عند الحاجة، لم يجز له أخذ الحيوان، إلا إذا كان في موضع الخوف و عدم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 274

الماء و الكلاء، فيصح له أخذه كما تقدم في المسألة الرابعة و الخمسين و غيرها.

الفصل الثالث في لقطة الإنسان
المسألة 63:

اللقيط من الإنسان هو الطفل الضائع من أهله أو الذي يكون منبوذا منهم خشية من الاتهام في نسبته إليهم، أو لعدم القدرة على الإنفاق عليه، أو لغير ذلك من موجبات النبذ، فلا يكون له كافل.

و لا ريب في شمول اللقيط لغير المميز من الأطفال، و الأقوى شموله للمميز منهم إذا كان عاجزا عن دفع ضرورته و القيام بشؤونه بنفسه، فإذا التقطه أحد تعلقت به أحكام الالتقاط، و إذا كان غلاما مراهقا ضائعا من أهله أو منبوذا منهم و كان عاجزا عن القيام بضرورات نفسه و شؤون تربيته و حياته من غير كافل، ففي صدق اللقيط عليه و شمول الأحكام له إذا التقطه أحد، تردد و اشكال، فلا ينبغي ترك الاحتياط.

المسألة 64:

يجب على الناس التقاط الطفل الضائع أو المنبوذ الذي لا كافل له وجوبا كفائيا إذا توقف على التقاطه حفظ حياته و إنقاذه من التلف أو الخطر المتيقن أو المحتمل احتمالا يعتد به العقلاء، و يأثم العالمون بحاله إذا تركه جميعهم حتى هلك.

و إذا أخذه الملتقط وجبت عليه حضانة اللقيط و تربيته، و كان أحق بحضانته من غيره الا إذا عرف من له الولاية الشرعية عليه لنسب أو وصية أو غير ذلك، و إذا عرف الولي الشرعي عليه أو من تجب عليه نفقته من الأقارب لم يكن لقيطا لوجود الكافل، فتنتفي فيه أحكام الالتقاط.

المسألة 65:

إذا لم يتوقف حفظ حياة اللقيط و إنقاذه من الخطر على أخذه لم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 275

يجب على الملتقط التقاطه و كان مستحبا، فإذا أخذه تولى كفالته شرعا و كان أحق بحضانته من غيره، فلا يحق لأحد ان يأخذه من يد ملتقطة و يتولى حضانته الا ان يكون وليا شرعيا أو ممن تجب عليه نفقته من الأقارب كما ذكرنا آنفا.

المسألة 66:

إذا وجد الكافل الشرعي أو من تجب عليه نفقة اللقيط من الأقارب جاز له ان ينتزع الطفل من يد الملتقط كما ذكرنا في ما تقدم، و إذا امتنع عن كفالة الطفل و الإنفاق عليه أجبر على ذلك، و سيأتي تفصيل ذلك ان شاء اللّه تعالى في فصل نفقات الأقارب من كتاب النكاح.

المسألة 67:

إذا أخذ الملتقط الطفل اللقيط وجبت عليه حضانته كما بيناه و القيام بتربيته و تدبير شؤونه، و يجوز له أن يتولى ذلك بنفسه، و أن يعهد به أو يستعين فيه أو في بعضه بمن يثق به، كزوجته أو إحدى قريباته أو غيرهن من النساء أو الرجال، بحيث يكون التصرف في نواحي شؤون اللقيط تحت اشراف الملتقط نفسه.

المسألة 68:

يشترط في آخذ الطفل اللقيط أن يكون بالغا، فلا تترتب أحكام الالتقاط إذا كان الملتقط صبيا و ان كان مميزا، و يشترط فيه أن يكون عاقلا فلا حكم لالتقاطه إذا كان مجنونا و ان كان جنونه أدوارا و كان أخذه للقيط في حال جنونه، و إذا التقطه في حال إفاقته من الجنون صح أخذه و ترتبت أحكامه، و لا يمكن منه في أدوار جنونه.

و لا حكم لالتقاط العبد المملوك إلا بإذن مولاه، فإذا أذن له مولاه صح و كان نافذا، و لا يصح للمولى ان يرجع في الاذن، و يشترط في الملتقط على الأحوط أن يكون مسلما إذا كان اللقيط محكوما بإسلامه، فلا يمكن من أخذه و كفالته إذا كان كافرا، و لا تجري على أخذه إياه أحكام الالتقاط.

المسألة 69:

ليس للنفقة على اللقيط مورد خاص، فان تبرع بها الملتقط أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 276

تبرع بها أحد غيره، أو تبرع بها الحاكم الشرعي كانت النفقة عليه من هذا الوجه، و إذا كان اللقيط فقيرا، جاز أن ينفق عليه من الزكاة من سهم الفقراء أو من سهم سبيل اللّه، و إذا كان للقيط مال و لم يوجد من يتبرع بالإنفاق عليه استأذن الملتقط الحاكم الشرعي، فأنفق عليه من ذلك المال، و يصح للملتقط أن ينفق عليه من ماله، ثم يرجع على اللقيط بعد بلوغه بما أنفق عليه، و لا يرجع عليه إذا كان متبرعا، و يمكن الإنفاق عليه من الصدقات المستحبة و من الخيرات العامة و من النذور التي يعلم بصحة انطباقها عليه.

المسألة 70:

ما يوجد في يد اللقيط الذي حكم الشارع بحريته من المال، فهو محكوم بأنه ملكه.

المسألة 71:

ولاية الملتقط على الطفل اللقيط لا تعني انه ولي على ماله، فإذا كان للقيط مال وجده معه أو ثبت بوجه من الوجوه أنه ملكه، أو دخل بعد ذلك في ملكه بميراث و نحوه، فلا بد من مراجعة الحاكم الشرعي لحفظ ماله أو التصرف فيه.

المسألة 72:

إذا كان للقيط مال و احتاج الملتقط إلى الإنفاق منه على اللقيط لبعض شؤونه و لو لاستئجار مرضعة له و نحو ذلك، فلا بد من استئذان الحاكم الشرعي في ذلك كما ذكرنا ذلك في ما تقدم، فإذا لم يوجد الحاكم الشرعي أو تعذر الاستئذان منه رجع الملتقط في ذلك على الأحوط إلى عدول المؤمنين، فتولوا الإنفاق عليه من ماله، و إذا لم يوجد العدول صح للملتقط ان يتولى ذلك بنفسه، فينفق على اللقيط من ماله بالمعروف، و لا يكون ضامنا حين ذاك إذا لم يتعد أو يفرط في أخذه من المال و صرفه.

المسألة 73:

إذا سبق الى الطفل الضائع أو المنبوذ ملتقط فأخذه تعلقت به أحكام الالتقاط، فإذا نبذه الملتقط و أخذه شخص آخر لم يصح التقاط الثاني

كلمة التقوى، ج 6، ص: 277

لوجود الكافل الأول، و لم يسقط الحكم عن الأول بنبذه بل يلزم بأخذه و إجراء الأحكام عليه.

المسألة 74:

إذا التقط الطفل الضائع في دار الإسلام فهو محكوم بأنه حر غير مملوك، و كذلك إذا التقط في دار الكفر و كان فيها مسلم أو ذمي يحتمل تولده منه، فيحكم بحريته، و إذا بلغ و رشد فأقر بعد بلوغه و رشده، بأنه مملوك لأحد نفذ إقراره على نفسه فيحكم بعبوديته لمن أقر له، و إذا التقط في دار الكفر و لم يوجد فيها مسلم و لا ذمي يحتمل تولده منه جاز استرقاقه.

المسألة 75:

لا ولاء للملتقط على لقيطة، فإذا مات اللقيط لم يرثه الملتقط، و إذا جنى لم يحتمل من جنايته شيئا، و إذا بلغ اللقيط و رشد و لم يثبت له نسب، فله أن يتولى من يشاء، فإذا تولى أحدا معينا، و ضمن ذلك الرجل جريرته كان هذا الضامن عاقلته في حياته إذا جنى و كان وارثه بعد موته إذا مات. و إذا لم يوال شخصا و لم يضمن جريرته أحد كان الامام (ع) عاقلته و وارثه.

المسألة 76:

إذا ضل العبد المملوك عن مالكه و خيف عليه التلف أو الضياع جاز لمن يجده أن يلتقطه سواء كان صغيرا أم كبيرا، فإذا التقطه واجده وجب عليه أن يعرف به حولا كاملا كما في اللقطة، فإذا عرف مالكه وجب عليه رده اليه، و رجع الملتقط على المالك بما أنفقه على العبد ان لم يكن قد قصد التبرع به حين الإنفاق.

و إذا لم يعرف مالك العبد أبقاه في يده أمانة لمالكه، و لا يجوز له ان يتملكه على الأقوى، نعم يجوز له بيع العبد بما أنفق عليه إذا لم يكن متبرعا بالنفقة.

و الحمد للّه رب العالمين

كلمة التقوى، ج 6، ص: 279

كتاب الصيد و الذباحة

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 281

كتاب الصيد و الذباحة

المسألة الأولى:

المقصود الأول في هذا الكتاب هو البحث عن الأسباب الشرعية التي تحصل بها تذكية الحيوان، فيحل أكل لحمه إذا كان مما يؤكل لحمه، و تترتب عليه آثار التذكية الأخرى، من طهارة لحمه و جلده و سائر أجزائه، و صحة الصلاة في أجزائه عند اجتماع الشروط الأخرى المعتبرة في ترتب هذه الأحكام.

و كلمة الصيد قد تطلق و يراد بها إثبات اليد على حيوان أو طير ممتنع بالأصالة، و قد تطلق و يراد بها قتل ذلك الحيوان أو الطير بآلة أو بحيوان على الوجه الذي اعتبره الشارع و حدده لحصول التذكية به من غير ذبح و لا نحر.

و الصيد بالمعنى الأول أحد الأمور التي تحصل بها حيازة الحيوان المباح، فيملك بها بعد ما كان مباحا بالأصالة، و الصيد بالمعنى الثاني أحد الأسباب الموجبة لتذكية الحيوان عند اجتماع الشروط المعتبرة فيه، فهو كالذبح و النحر و غيرهما من أسباب التذكية، و هذا هو المقصود في هذا الباب.

و الصيد الذي يكون سببا للتذكية، قد يكون بحيوان، و قد يكون بالآلات المعدة للاصطياد و القتل من الحديد و غيره، و لذلك فالبحث في هذا الكتاب يكون في عدة فصول.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 282

الفصل الأول في الصيد بالحيوان
المسألة الثانية:

لا تحصل التذكية في الحيوان إذا اصطاده غير الكلب المعلم من أنواع الحيوان الصيود فأجهز عليه و قتله، فلا يحل أكل لحمه و لا تترتب عليه الآثار الأخرى للتذكية، سواء كان الحيوان الصائد معلما أم غير معلم، و سواء كان من جوارح السباع كالنمر و الفهد و غيرهما أم كان من جوارح الطير كالبازي و العقاب و الصقر و الباشق و غيرها.

و يحل أكل لحم الحيوان الممتنع بالأصالة و تترتب عليه آثار التذكية كلها إذا صاده

الكلب المعلم و قتله، سواء كان الكلب سلوقيا أم غيره من أنواع الكلاب المعلمة و سواء كان أسود اللون أم غير أسود، فإذا جرح الكلب الحيوان أو عقره أو عضه في أي موضع كان من بدنه و قتله بذلك حكم عليه بأنه مذكى، و لا تتحقق التذكية و لا يترتب شي ء من أحكامها إذا كان الحيوان أهليا فاصطاده الكلب و قتله، و سنتعرض لبيان ذلك في ما يأتي من المسائل ان شاء اللّه تعالى.

المسألة الثالثة:

يشترط في ترتب الأثر على صيد الكلب أن يكون معلما للاصطياد، و المراد من ذلك أن يعوده مروضه على تلقي الأمر و الزجر في حركته الى الصيد و وقوفه عنها، فإذا أرسله صاحبه على الصيد و أغراه به بإشارة أو صوت أو كلمة و لم يكن له مانع من الحركة هاج اليه و انبعث في طلبه و الجري نحوه حتى يدركه، و إذا زجره عن الحركة و سمع زجرته انزجر و وقف، و أن يعتاد على ذلك حتى تصبح هذه الصفة ثابتة له.

المسألة الرابعة:

الظاهر أنه يكفي أن ينزجر بزجر صاحبه في الجملة، كما إذا رأى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 283

الصيد فهم بطلبه و الجري نحوه، فزجره صاحبه و انزجر قبل الحركة، و كما إذا أغراه صاحبه بالصيد فتحرك اليه و زجره صاحبه قبل أن يسترسل في الجري فانزجر عنه، فيكفي ذلك في صدق كونه معلما، و لا يضر أن لا ينزجر إذا زجره بعد استرساله في الحركة، أو حين ما يقرب من الصيد.

المسألة الخامسة:

لا يشترط في صدق صفة المعلم على الكلب أن يكون من عادته أن لا يأكل من الصيد إذا أمسك به، فلا يضر بحصول التذكية إذا هو أكل من الحيوان شيئا قبل أن يصل اليه صاحبه و خصوصا إذا كان ذلك بعد أن قتل الصيد بمدة.

المسألة السادسة:

يشترط في حصول التذكية و في حلية لحم الحيوان الذي يصيده الكلب، ان تتحقق عدة أمور:

(الأول): أن يرسل الإنسان الكلب للاصطياد، فيكون الصيد و القتل بإرساله لذلك، فإذا انبعث الكلب الى الصيد بنفسه فقتله من غير إرسال من صاحبه لم يحل الحيوان المقتول بذلك.

و إذا أغرى الكلب صاحبه بالصيد بعد ان انبعث اليه بنفسه من غير إرسال من صاحبه لم ينفع ذلك في حصول التذكية و لم يحل لحم الحيوان، و ان زاد في جريه بعد الإغراء حتى أدرك الصيد و قتله فلا يحل لحمه على الأحوط ان لم يكن ذلك هو الأقوى.

و كذلك الحكم إذا أرسل الكلب صاحبه لا بقصد الاصطياد، بل لغرض آخر، كما إذا أرسله لطرد كلب آخر أو لطرد سبع، فصادف صيدا و قتله، فلا يحل هذا الصيد المقتول، و ان قصد الرجل اصطياده بعد الإرسال، فلا يحل الصيد بذلك.

المسألة السابعة:

يكفي في حصول الشرط الآنف ذكره أن يرسل الكلب صاحبه بقصد الاصطياد و ان لم يقصد صيدا معينا، فإذا أرسله بهذا القصد و لم يقصد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 284

صيدا خاصا، فانطلق الكلب و اصطاد حيوانا و قتله حل صيده، و إذا أثاره الى اصطياد حيوان معين فتبع غيره حتى أدركه و قتله، حل مقتوله و ثبتت تذكيته، و إذا أرسله إلى اصطياد حيوان و رأى معه صيدا آخر فتبعهما حتى أدركهما و قتلهما، حلا معا و ثبتت تذكيتهما.

المسألة الثامنة:

الشرط الثاني: أن يكون مرسل الكلب مسلما أو من هو بحكم المسلم كالصبي المميز المتولد من مسلم، فلا يحل الصيد إذا كان مرسل الكلب كافرا، سواء كان مشركا أم كتابيا، و حربيا أم معاهدا أم ذميا، و كذلك من هو بحكم الكافر كالغالي و الناصب و منكر الضروري في الإسلام، و الصبي المتولد من كافرين و ان كان مميزا.

و لا يلحق بالمسلم في هذا الحكم المجنون المتولد من المسلم على الأحوط.

المسألة التاسعة:

الشرط الثالث: أن يذكر المرسل اسم اللّه عند إرساله الكلب، و المراد بالتسمية المشترطة هنا و عند الذبح و النحر أن يذكر اسم اللّه مقترنا بالتعظيم، مثل أن يقول: اللّه أكبر أو يقول: بسم اللّه، أو يقول الحمد للّه، و نحو ذلك، و يشكل الحكم بالاكتفاء بذكر اسم اللّه مجردا عما يدل على التعظيم، و إذا ترك المرسل التسمية متعمدا لم يحل الحيوان الذي يقتله الكلب في ذلك الإرسال، و إذا تركها ناسيا لم يضره ذلك، و ثبتت تذكيته.

و الأحوط احتياطا لا يترك أن تكون التسمية عند الإرسال، فلا يؤخرها عنه عامدا و ان اتى بها قبل الإصابة، و لا يضر إذا أخرها ناسيا كما تقدم.

المسألة العاشرة:

الشرط الرابع: أن يكون موت الحيوان مستندا الى جرح الكلب إياه أو عقره له أو قتله. فلا يحل الصيد إذا مات بصدمه أو عثرة أو سقوط من جبل و شبهه، أو بسبب إتعابه في العدو، أو بسبب اختناق، أو غرق في ماء أو توحل في طين و شبه ذلك من أسباب الموت بغير قتل الكلب.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 285

المسألة 11:

يجب على صاحب الكلب المعلم إذا أرسله للاصطياد ان يتبعه ليذكي الحيوان إذا وجده حيا لم يمت بإصابة الكلب، و تجب عليه المبادرة الى ذلك و المسارعة العرفية حين يرى ان الكلب قد لحق الصيد و أصبح غير ممتنع عليه على الأحوط. فإذا هو لم يتبع الكلب في هذه الحالة، أو لم يسارع اليه بالمسارعة العرفية، و حين وصل الى الصيد وجده ميتا لم يحل أكل لحمه.

و إذا هو بادر الى الصيد على الوجه الذي تقدم ذكره، فأدركه ميتا بقتل الكلب أو أدركه حيا، بفترة قليلة لا تتسع لذبحه و تذكيته، ثم مات، حل لحم الحيوان و ثبتت تذكيته، و هذا هو الشرط الخامس من شروط حلية الصيد الذي يقتله الكلب.

و لا تجب على الرجل المبادرة و المسارعة من حين إرسال الكلب أو قبل وصوله الى الصيد و استيلائه عليه.

المسألة 12:

إذا أدرك الرجل الصيد و هو حي لم يمت بإصابة الكلب له، و كان الزمان الذي أدركه فيه حيا يتسع لذبحه، لم يحل أكل لحمه الا بالذبح، فإذا ترك ذبحه حتى مات فهو ميتة لا يحل أكلها.

المسألة 13:

ادنى حياة الصيد التي يحتاج معها الى الذبح هي أن يدركه الإنسان و هو يطرف بعينه و يركض الأرض برجله و يتحرك بذنبه، و طرف العين هو تحركها بالنظر أو تحرك اجفانها بالانطباق و الانفتاح، و الركض بالرجل هو أن يضرب بها الأرض أو غيرها، و قد جعلت هذه الأمور علامات على وجود الحياة في الحيوان في مثل هذه الحالات.

فإذا وجد الإنسان الصيد كذلك. و اتسع الزمان لذبحه وجب ذلك، و لم يحل لحمه الا بالذبح، و تراجع المسألة المائة و السادسة، و المسألة المائة و التاسعة و العشرون.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 286

المسألة 14:

إذا عقر الكلب الصيد أو عضه أو جرحه و أدركه الرجل و هو لا يزال يعدو، فتبعه حتى وقع، فإذا وجده حيا في فترة تتسع لذبحه لزمه ذلك و لم يحل لحمه الا بالذبح، و ان وقع ميتا أو وجده حيا في فترة لا تتسع للذبح ثم مات حل أكله في كلتا الصورتين و ثبتت تذكيته.

المسألة 15:

إذا أصاب الكلب الصيد و جرحه، و أدركه الرجل و الحيوان لا يزال حيا، و لم تكن عند الرجل سكين ليذبحه بها، فإذا هو أغرى الكلب بالصيد قبل أن يموت حتى قتله فالظاهر حل أكله، و إذا تركه كذلك حتى مات بنفسه من غير ذبح و لا قتل لم يحل أكله.

المسألة 16:

إذا أدرك الرجل الصيد و هو حي بعد أن عقره الكلب أو جرحه، فاشتغل بمقدمات التذكية من شحذ السكين و توجيه الحيوان إلى القبلة و هو يمتنع لبقية قوة فيه، و رفع الحائل عن موضع الذبح، فمات الحيوان قبل ذبحه، فالظاهر حل لحمه كما إذا لم يتسع الوقت لذبحه.

المسألة 17:

ذكرنا في المسألة الحادية عشرة انه يجب على الرجل ان يتبع الكلب إذا رآه قد لحق الصيد و أصبح الحيوان غير ممتنع عليه و أن يسارع اليه، و هذا إذا احتمل وجود أثر يترتب على مبادرته الى الحيوان بعد اصابته، و هو أن يذبحه إذا وجده حيا و كان له من الوقت ما يتسع لذلك.

فإذا علم بأنه لا يستطيع ادراك الحيوان قبل موته أو علم بعدم تمكنه من ذبحه إذا وجده حيا لعدم السكين، لم تجب عليه المسارعة اليه، و جاز له أن يتركه الى الكلب حتى يقتله و يزهق روحه، و يحل أكله بذلك.

المسألة: 18

تقدم في المسألة العاشرة أن الحيوان الذي يصطاده الكلب لا يكون حلال اللحم حتى يعلم أن موته يستند الى قتل الكلب بجرحه أو عقره

كلمة التقوى، ج 6، ص: 287

مثلا، و لا و لا يحل أكله إذا كان موته بسبب آخر من صدمة أو عثرة أو خنق أو غرق أو شبه ذلك.

فإذا مات الصيد و لم يعلم سبب موته من أي النوعين لم يجز أكل لحمه، و إذا توقف حصول العلم بسبب موت الحيوان على المسارعة إليه بعد إرسال الكلب لاصطياده ليعلم أن سبب موته هو قتل الكلب فيحل أكله أو غير ذلك فيحرم، وجبت على الرجل المسارعة نحوه ليحرز ذلك، و ان علم بأنه لا يدركه للذبح.

المسألة 19:

إذا عض الكلب الصيد أو جرحه فقتله، حل أكله و طهر لحمه كما ذكرنا، و ليس معنى ذلك أن موضع العضة أو موضع الجرح طاهر يجوز أكله من غير تطهير، فلا بد من غسل الموضع من نجاسة الكلب و نجاسة الدم، و الحكم واضح غير خفي و انما يذكر للتنبيه.

المسألة 20:

يجوز أن يتعدد الكلب الصائد، و يجوز أن يتعدد المرسلون للكلب الواحد أو الكلاب المتعددين إذا وجدت الشروط المتقدم ذكرها جميعا في كل واحد من المرسلين و من الكلاب المرسلة. فإذا كانت للرجل المسلم عدة كلاب معلمة و أرسلها للاصطياد، و سمى عند إرسال كل واحد من كلابه، فذهبت و اشتركت في صيد واحد أو في أكثر، فقتلته حل لحمه و كان ذكيا.

و إذا اشترك جماعة مسلمون فأرسلوا كلابهم للصيد، و سمى كل واحد منهم عند إرسال كلبه فانطلقت الكلاب و اشتركت في صيد حيوان أو أكثر فقتلته حل لحمه و ثبتت ذكاته.

و لا يحل الصيد إذا لم تجتمع الشرائط في المرسلين أو في الكلاب، فإذا اشترك رجلان في صيد حيوان فأرسلا كلبيهما للاصطياد، و كان احد الرجلين مسلما و الآخر كافرا، أو كانا مسلمين و سمى أحدهما عند إرسال كلبه، و لم يسم الآخر، أو كان أحد الكلبين معلما دون الآخر، فإذا انطلق الكلبان و قتلا الصيد لم يحل لحمه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 288

و كذلك إذا أرسل أحد الرجلين كلبه و سمى، و انطلق الكلب الآخر من غير إرسال و ذهبا الى الصيد و قتلاه معا، فلا يحل لحمه.

المسألة 21:

إذا أرسل الرجل كلبين للاصطياد، و أحدهما معلم و الآخر غير معلم فاشتركا في قتل صيد واحد لم يحل لحمه.

و كذلك إذا أرسلهما و سمي عند إرسال أحدهما و لم يسم عند إرسال الآخر، بل و كذلك على الأحوط لزوما إذا أرسلهما إرسالا واحدا و سمى عند إرسالهما تسمية واحدة.

المسألة 22:

إذا اشترك جماعة فأرسلوا كلبا واحدا معلما، و سمى جميعهم عند إرساله صح ذلك و حل لحم الصيد إذا قتله الكلب.

و إذا اشتركوا في إرساله، و سمي بعضهم و لم يسم الآخر، فان كان إرسال البعض الذي سمى و اغراؤه كافيا في انطلاق الكلب و اغرائه، فالظاهر كفاية ذلك، فيحل لحم الصيد إذا قتله.

و إذا لم يؤثر إرسال ذلك البعض في انطلاق الكلب حتى ينضم اليه الآخر، لم يحل لحم الصيد الذي يقتله. و كذلك الحكم إذا كان أحدهما مسلما و الثاني كافرا، فيجري فيه التفصيل الذي ذكرناه.

المسألة 23:

إذا أرسل أحد الرجلين كلبه الى الصيد فانطلق اليه، و أثخنه بالجراح، ثم أرسل الآخر كلبه اليه و اصابه يسيرا، بحيث يستند قتله و موته إلى الأول منهما دون الثاني، اعتبر وجود الشرائط في الأول، فإذا وجدت الشرائط فيه حل لحم الصيد، و لم يضره أن يكون الثاني فاقدا للشرائط أو لبعضها. و إذا أرسل أحدهما كلبه فعمل في الصيد قليلا، ثم أرسل الثاني كلبه فأصابه اصابة مؤثرة و كان هو القاتل في نظر أهل العرف، اعتبر وجود الشروط في الثاني، فإذا توفرت الشرائط فيه حل لحم الصيد، و لم يضر فيه أن يكون الأول غير جامع للشرائط، و إذا انعكس الفرض انعكس الحكم.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 289

المسألة 24:

إذا وجد الرجل الحيوان الذي أرسل الكلب عليه ميتا و تردد في سبب موته أ هو قتل الكلب له و اجهازه عليه، أو يكون مات بسبب آخر غير ذلك، لم يحل أكل لحمه كما ذكرنا أكثر من مرة.

و إذا دلت امارة عرفية على أن سبب موته هو قتل الكلب إياه و كانت الامارة تفيد الاطمئنان بذلك، ففي الحكم بالاعتماد عليها قوة، و لكن لا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه.

الفصل الثاني في الصيد بالآلة
المسألة 25:

تحصل التذكية للحيوان الممتنع بالأصالة إذا اصطاده الرجل بالسيف أو بالخنجر أو بالسكين أو بغيرها من الآلات و الأسلحة التي يكون لها حد قاطع، إذا ضربه بالآلة فقتله، فيحل بذلك لحم الصيد إذا اجتمعت فيه الشروط الآتي ذكرها.

و تحصل التذكية له إذا اصطاده بالرمح أو بالحربة أو بالسهم و نحوها من الأسلحة التي يكون لها طرف محدد، يطعن به و يخرق، حتى العصا إذا جعلت في طرفها حديدة محددة يطعن بها أو يخرق فإذا طعنه بالرمح أو الحربة أو بالعصا التي تقدم وصفها أو رماه بالسهم أو شبه ذلك من الأسلحة فقتله كان لحم الحيوان حلالا مع اجتماع الشرائط.

سواء كان السلاح مما له نصل كالسيف يصنع من حديدة ذات حد أو حدين، و يركب له مقبض من غير الحديد غالبا، و الخنجر و السكين يصنعان كذلك، و كالزج و السنان يركب في طرف قناة الرمح، و كالحديدة الشائكة توضع في أسفل العصا، و كنصل السهم يركب على الريش أو على الخشبة، أم كان مجموع السلاح مصنوعا من حديدة واحدة يجعل لها من نفسها حد قاطع أو طرف طاعن كالسيف أو السكين أو الرمح أو السهم يفرغ جميعه كذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 290

المسألة 26:

لا يشترط في الآلة أو في نصلها أن يكون من الحديد، فيصح أن يكون من أي فلز كان، كالنحاس و النيكل و غيرهما إذا صنعت منه الآلة القاطعة أو الشائكة أو صنع منه نصلها على النحو المتقدم فإذا ضرب بها الصيد أو طعنة فقتله حل لحمه على الظاهر، بل حتى إذا كانت من الذهب أو الفضة. نعم لا بد- على الأحوط لزوما- أن يكون مما يعد سلاحا في نظر أهل العرف، فيشكل

الحكم إذا كان مما لا يعد سلاحا في نظرهم، أو كان سلاحا غير معتاد كالمخيط و الشك و السفود و لا بد فيه من مراعاة الاحتياط.

المسألة 27:

إذا ضرب الإنسان الصيد أو طعنه أو رماه بالاسلحة المتقدم ذكرها فأصابه و مات الحيوان بسبب ذلك حل لحمه، و ان لم تؤثر الضربة أو الطعنة أو الرمية في جسد الحيوان أثرا بينا من جرح أو خرق، و لا يحل إذا لم يصبه، بل مات من الفزع أو من صدمة أو غيرها.

المسألة 28:

يلحق بآلة الحديد المعراض: و هو على ما قالوا: خشبة غليظة الوسط محددة الطرفين و لا نصل فيها من حديد و نحوه، و هو نوع من السهام كان يستعمل قديما في الصيد و نحوه، فإذا رمى الرجل به الصيد فقتله فإن أصابه بأحد طرفيه فخرقه و مات الحيوان بسبب ذلك حل لحمه، و ان أصابه معترضا و قتله لم يحل لحمه، و كذلك الحكم في السهم الذي لا حديدة فيه و انما هو عود أو خشبة يحدد طرفها، فإذا رمى به الصيد فخرقه أو جرحه بطرفه المحدد و مات بسبب ذلك حل لحمه، و ان قتله معترضا لم يحل لحمه. و يشكل الحكم بحصول التذكية بالعصا إذا لم تكن في طرفها حديدة بل كانت محددة بنفسها، فإذا طعن الحيوان بها فقتله، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عن أكل لحمه.

المسألة 29:

لا يحل من الصيد ما يقتل بالحجارة أو بالبندق، و البندق جمع بندقة، و هي الطينة المدورة المجففة، فلا يحل لحمه و لا تثبت تذكيته إذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 291

مات بذلك، سواء كان من صغار الصيد أم كباره.

و لا يحل منه ما يضرب بمقمعة أو بعمود، فيموت بسبب ذلك، و ان كانا من الحديد و سميا سلاحا.

و لا يحل منه ما يقتل بالشرك و الحبالة و الفخ و غيرها من آلات الصيد، و لا تكون قاطعة و لا شائكة، و لا تعد سلاحا، فلا يحل أكل صيدها إذا علقت به فمات بذلك.

المسألة 30:

إذا علق الصيد بإحدى الآلات المذكورة في ما تقدم أو بغيرها و هو حي، فأصبح بسبب علوقه بها غير قادر على الامتناع، فقبضه صاحب الآلة و وضع يده على الصيد، ثم ذكاه على الوجه الشرعي، حل لحمه بالتذكية.

و كذلك ما يصطاده النمر أو الفهد أو غيرهما من جوارح السباع، أو يصطاده الصقر أو العقاب، أو الشاهين أو الباشق أو غيرها من جوارح الطير، فإذا أدركه الرجل و ذكاه على الوجه الصحيح حل لحمه، و هذا من التذكية بالذباحة لا من التذكية بالصيد.

المسألة 31:

الظاهر حل لحم الصيد الذي يقتل بالبندقية، و هي الآلة المعروفة لإطلاق النار على الصيد و نحوه، إذا كانت البندقة أو الرصاصة التي تطلقها محددة الطرف تشبه المخروط، فإذا أطلقها الرامي و سمى عند الإطلاق، فأصابت الطير أو الحيوان فقتلته، فالظاهر حل لحمه بذلك.

و إذا كانت البندقة التي تطلقها مدورة غير محددة الطرف، فالأحوط اجتناب ما قتل بها و ان خرقت و نفذت بسبب قوتها، سواء كانت صغيرة الحجم أم كبيرته.

و إذا لم يمت الطير أو الحيوان بها، و أدركه الصائد حيا فذكاه بالسكين، فلا ريب في حلية لحمه.

المسألة 32:

يشترط في حل لحم الحيوان الذي يصطاد و يقتل بالآلة- مضافا الى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 292

ما ذكرناه من الشروط و الصفات التي تعتبر في نفس الآلة- أن تجتمع فيه جميع الشروط التي تقدم ذكرها و اشتراطها في صيد الكلب المعلم.

فيجب أن يكون الرمي أو الضرب بالآلة بقصد الاصطياد، فإذا رمى الرجل أو ضرب بالآلة لا بقصد شي ء، فاتفق ان أصابت رميته أو ضربته حيوانا فقتلته لم يحل لحم الحيوان.

و كذلك إذا رمى أو ضرب بقصد اصابة هدف خاص، أو بقصد دفع عدو أو بقصد طرد سبع أو خنزير، فأصابت غزالا أو حمار وحش، و قتلته، لم يحل ذلك الحيوان المقتول، و كذلك إذا أفلت السهم أو السلاح من يده، فأصاب حيوانا، فلا يحل لحم الصيد في جميع هذه الفروض.

و إذا رمى أو ضرب بالآلة بقصد الاصطياد، فأثارت رميته صيدا من مخبئه ثم قتلته، أو رمى صيدا معينا فأصابت الرمية غيره، أو رماه فأصابه و أصاب غيره معا، فيحل ما قتله إذا اجتمعت بقية الشروط كما ذكرنا في صيد الكلب في المسألة السادسة و المسألة

السابعة.

المسألة 33:

يشترط في حل الصيد أن يكون الرامي أو الضارب بالآلة مسلما أو من هو بحكم المسلم فلا يحل أكل لحم الحيوان إذا كان صائده كافرا أو من هو بحكمه، كما بيناه في المسألة الثامنة.

المسألة 34:

يشترط في حل الحيوان أن يذكر الصائد اسم اللّه عند الرمي أو الضرب أو الطعن بالآلة على الوجه الذي فصلناه في المسألة التاسعة من البيان و الأحكام.

المسألة 35:

يشترط في حل الحيوان أن يكون موته مسببا عن رمي الرامي أو ضربه أو طعنة بآلة الصيد لا الى سبب آخر، كما إذا فزع الحيوان من الرمية أو الضربة فمات من الخوف، أو فزع فسقط من جبل أو في حفرة أو في ماء فمات، أو كان موت الحيوان مستندا إلى ضربه بالآلة و الى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 293

سبب آخر معها فكان موته مستندا الى السببين معا على وجه الاشتراك.

و كما إذا رماه مسلم و كافر فأصاباه معا و قتلاه أو رماه رجلان معا و سمى أحدهما و لم يسم الآخر، أو رماه رجلان و قصد أحدهما الصيد و لم يقصد الثاني.

المسألة 36:

إذا وجد الصائد الحيوان الذي رماه ميتا و تردد في سبب موته بين السبب المحلل و السبب المحرم، أو تردد في استناد موته الى السبب المحلل خاصة أو اليه و الى السبب المحرم معا على نحو الاشتراك، بنى على أصل عدم التذكية، و لم يجز له أكل لحمه.

المسألة 37:

يشترط في حل لحم الحيوان إذا ضرب بآلة الصيد أن لا يدركه الصائد و الحيوان حي و الوقت يتسع لذبحه، فإذا أدركه كذلك وجب عليه ذبحه، و إذا تركه حتى مات من غير ذبح لم يحل أكله كما فصلناه في المسألة الحادية عشرة و الثانية عشرة، و تراجع المسائل الأخرى المتعلقة بفروض المسألة و فروعها.

المسألة 38:

إذا اشترك شخصان في صيد حيوان، فرماه أحدهما بسهم و طعنه الآخر برمح فقتلاه و كانت الشروط مجتمعة فيهما حل أكل لحمه، فلا يعتبر في الصيد بالآلة وحدة الصائد و لا وحدة الآلة.

و كذلك الحكم إذا أرسل أحد الشخصين كلبه الى الحيوان بقصد صيده، و رماه الثاني بسهم فاشتركا في قتله، فيحل لحمه مع اجتماع الشرائط فيهما.

المسألة 39:

إذا غصب الرجل آلة الصيد من أحد و اصطاد بها حيوانا، فالحيوان ملك للغاصب الصائد لا لصاحب الآلة، و ان كان آثما بغصب الآلة و استعمالها.

و يجب عليه أن يدفع لمالك الآلة أجرة المثل للآلة المغصوبة إذا كانت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 294

لمثل هذا العمل بها أجرة في نظر العقلاء.

و إذا قتل الصيد بها و كانت الشرائط المتقدم ذكرها كلها مجتمعة، حل أكل لحمه، فلا يشترط في الصيد بالآلة أن تكون مباحة غير مغصوبة.

المسألة 40:

الحيوان الذي يحل لحمه باصطياد الكلب المعلم و بالصيد بالآلة عند اجتماع الشرائط الآنف ذكرها، هو الحيوان الوحشي الممتنع بالأصالة، سواء كان طيرا أم وحشا، كالظبي و بقر الوحش و حمار الوحش و الغنم الجبلية و غيرها من الحيوانات الوحشية، و لا تقع هذه التذكية على الحيوان الأهلي الذي يقدر عليه بلا وسيلة، كالغنم و البقر و الإبل الأهلية و الدجاج و الإوز و سائر الدواجن المتأهلة.

المسألة 41:

إذا تأهل الحيوان الوحشي بالأصالة كالظبي و حمار الوحش و الطير، فأصبح أنيسا غير ممتنع بعد توحشه و امتناعه، جرى عليه حكم الحيوان الأهلي، فلا يحل لحمه باصطياد الكلب أو بالصيد بالآلة، و لا بد في تذكيته من الذبح.

و إذا توحش الحيوان الأهلي، فأصبح وحشيا ممتنعا لا يقدر عليه الا بالاصطياد و نحوه، كالغنم الأهلية إذا توحشت، و البقر الأهلية إذا استعصت، و الإبل الأهلية إذا توحشت و كالصائل من البهائم ثبت له حكم الحيوان الوحشي بالأصالة، فيصح اصطياده و إذا قتله الكلب المعلم أو قتل بالآلة، حل لحمه مع اجتماع شروط التذكية في الصيد.

المسألة 42:

يجري في طفل الحيوان الوحشي إذا كان صغيرا لا يقوى على الفرار و الامتناع، و في فراخ الطير قبل استطاعتها للنهوض و الطيران حكم الحيوان الأهلي فلا يحل لحمها بالاصطياد بكلب أو بآلة، فإذا رمى الصائد الظبي و ولده الذي لا يستطيع الهرب، حل لحم الظبي و لم يحل لحم ولده، و إذا رمى الطير و فرخه الذي لا يتمكن من الطيران حل الطير و لم يحل ولده

.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 295

المسألة 43:

إذا ترددت البهيمة في بئر أو في حفيرة و لم يمكن إخراجها و لا ذبحها أو نحرها على الوجه الشرعي صحت تذكيتها في تلك الحال بالصيد بالآلة، فتضرب بها أو تطعن أو ترمى في أي موضع يتفق من جسدها، فإذا ماتت بذلك و كانت شروط التذكية موجودة حل لحمها.

و في صحة اصطياد الكلب المعلم لها اشكال، و الأحوط لزوما اجتناب ذلك.

المسألة 44:

إذا كان الحيوان الوحشي مما لا يؤكل لحمه كالسباع و الطيور المحرمة و سائر الحيوانات الوحشية التي يحرم أكلها، فالظاهر صحة صيدها بالآلة، فإذا رماها الصائد بالسهم و نحوه أو ضربها بالسيف أو طعنها بالرمح بقصد الصيد و ماتت بسبب ذلك و اجتمعت فيها الشروط المعتبرة حصلت لها التذكية بذلك فيطهر جلدها و لحمها و جميع أجزائها، و ترتبت عليها آثار التذكية غير حل اللحم.

و الأحوط لزوما عدم حصول التذكية فيها بصيد الكلب المعلم لها إذا أرسل عليها فقتلها.

المسألة 45:

إذا أرسل الكلب المعلم على الحيوان أو الطير فقطعه قطعتين، فان زالت الحياة عن كلتا القطعتين حل أكلهما معا إذا كانت الشروط كلها موجودة، و كذلك إذا بقيت الحياة في الحيوان و لم يتسع الوقت لتذكيته، فيحل أكل القطعتين.

و إذا بقيت الحياة مستقرة في الصيد و اتسع الزمان لذبحه، فإن أسرع الصياد فذبح الصيد حل أكل القطعة التي يكون فيها الرأس و الرقبة لوقوع التذكية عليها و حرمت القطعة الأخرى وحدها لأنها جزء مبان من الحي. و ان ترك الصيد حتى مات من غير ذبح حرمت القطعتان معا.

و كذلك الحكم إذا اصطاده بالآلة التي يحل بها الصيد، فضربه بالسيف أو بغيره، فقطع الحيوان قطعتين، فيجري فيه التفصيل الذي بيناه في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 296

الفرض السابق و تجري عليه الاحكام بنفسها.

المسألة 46:

إذا اصطاد الكلب غير المعلم حيوانا، أو اصطاده أحد الجوارح من السباع أو من الطير التي لا يحل صيدها، فقطعه قطعتين، فان زالت الحياة عن كلتا القطعتين، حرم أكلهما معا، و كذلك إذا بقيت الحياة في الصيد و لم يتسع الوقت لذبحه، فتحرم القطعتان معا، و إذا بقيت الحياة مستقرة في الحيوان و اتسع الزمان لذبحه، فان سارع الصياد و ذبح الصيد حلت القطعة التي يكون فيها الرأس و أعضاء التذكية و حرمت الأخرى وحدها، و ان لم يذبحه حرمت القطعتان معا.

و كذلك إذا اصطاده بالآلة التي لا يحل بها الصيد كالشبكة و الحبالة، و الآلات الأخرى التي لا تعد سلاحا، فيجري فيه التفصيل و الأحكام المذكورة في الفرض المتقدم.

المسألة 47:

إذا رأى الصائد شبحا على البعد فظنه كلبا أو خنزيرا أو سبعا، فرماه و قتله، و لما طلبه وجده صيدا، لم يحل له أكل لحمه، و ان سمى عند الرمي، و كذلك إذا أرسل كلبه المعلم عليه ليطرده أو ليقتله و لما وصل اليه وجده حيوانا و قد قتله الكلب، فلا يحل لحمه.

الفصل الثالث في ما به يملك الصيد
المسألة 48:

الحيوان الممتنع بالأصالة و الطير المطلق الجناح من المباحات العامة، فلا يملكه أحد إلا بوجود أحد الأسباب المملكة له، و سنذكرها ان شاء اللّه في ما يأتي، سواء كان مما يحل أكله أم مما يحرم فيجوز للإنسان السبق الى حيازته و تملكه قبل أن يملكه غيره.

و إذا استبق الى حيازته و وضع اليد عليه شخصان، و تقارنا في إيقاع السبب المملك، ملكاه معا و كان مشتركا بينهما.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 297

و قد تكرر الحديث في استثناء الخنزير و بعض الكلاب البرية من هذا الحكم، فلا يملكهما المسلم باصطياد و لا بغيره، على اشكال في عموم الحكم و إطلاقه إذا تملكهما المسلم لغاية محللة.

المسألة 49:

إذا أرسل الصائد كلبه المعلم بقصد الاصطياد و سمى عند إرساله فانطلق الكلب و قتل الصيد، فلا ريب في أن الحيوان المقتول أو الطير المقتول يكون ملكا للصائد كما يكون حلال اللحم، فلا يجوز لغير الصائد أن يسبق اليه أو يأخذه منه، و إذا سبقه و استولى على الصيد كان غاصبا، و كذلك إذا اصطاد الرجل حيوانا بالآلة المحللة فرماه أو ضربه أو طعنة بقصد الاصطياد و مات الحيوان بسبب ذلك فيحل لحمه إذا كانت الشروط كلها موجودة، و يكون ملكا للصائد لا يجوز أخذه منه الا برضاه.

المسألة 50:

إذا أرسل الرجل كلبه على الحيوان بقصد الاصطياد، فجرحه الكلب و لم يقتله، و أدركه الصائد فخلصه من الكلب، و بقي الحيوان حيا، فهو ملك للصائد، و لا يجوز لأحد أخذه إلا برضاه، و إذا بري ء من جرحه، و عاد الى الامتناع لم يخرج بذلك عن ملك مالكه و لا يجوز لغيره صيده و إذا تجدد له نماء فهو لمالكه أيضا.

و كذلك إذا رمى الرجل الحيوان أو ضربه بالآلة بقصد الاصطياد فأثبته، و أدركه الرجل و هو لا يزال حيا، فهو المالك له، حتى إذا بري ء من جرحه و عاد الى الامتناع.

و إذا أرسل الرجل عليه الكلب أو رماه أو ضربه بالآلة لا بقصد الاصطياد، و أدركه الرجل حيا، فإن أخذه عند وصوله اليه بقصد التملك له فقد حازه و ملكه، فلا يجوز لغيره أخذه منه أو التصرف فيه الا باذنه، و إذا أخذه لا بقصد التملك، ففي حصول الملك بأخذه له اشكال، فلا يترك فيه الاحتياط.

المسألة 51:

إذا اصطاد الرجل الحيوان بغير الكلب من السباع أو الطيور الجوارح، و أدركه الصائد حيا، فان قصد الاصطياد بإرسال السبع أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 298

الطير عليه، كان ذلك حيازة للحيوان، فيملكه باصطياده، و كذلك إذا قصد التملك عند أخذ الحيوان، فيملكه بأخذه بهذا القصد كما سبق في نظيره، و إذا أخذه لا بقصد التملك جرى فيه الاشكال السابق.

و كذلك التفصيل و الحكم إذا اصطاده بالحجارة أو الخشب أو بالعمود و أمثاله مما لا يعد سلاحا.

المسألة 52:

إذا أدرك الإنسان الحيوان الممتنع أو الطير في بعض حالات غفلته أو مرضه أو توحله أو تورطه بخوض ماء و نحوه، فاستولى عليه و أمسك بيده أو برجله أو وضع رباطا في رقبته بقصد التملك، ملكه بذلك و إذا نصب شبكة أو شركا أو حبالة بقصد الاصطياد بها فوقع الحيوان أو الطير فيها ملكه ناصبها.

المسألة 53:

إذا وضع الرجل يده على الحيوان وضعا مستقرا بحيث تحقق معه استيلاؤه على الحيوان و تملكه إياه، ثم أفلت الحيوان من يده لم يزل ملكه عن الحيوان بذلك، فلا يجوز لأحد أخذه أو التصرف فيه، الا باذنه، و كذلك إذا اصطادته الشبكة أو الحبالة التي نصبها للصيد حتى استقر ملكه للحيوان باستقرار صيد الشبكة أو الحبالة له، فلا يزول ملكه بإفلات الحيوان من الشبكة أو الحبالة بعد ذلك، و لا يجوز لأحد أخذه أو اصطياده.

المسألة 54:

لا يملك الإنسان الحيوان بمجرد وضع يده عليه حتى تستقر يده و يصبح مستوليا عليه، فإذا انفلت الحيوان منه لقوة امتناعه و ضعف الرجل عن قبضه، بحيث يعد في نظر العقلاء انه لم يستول عليه لم يملكه القابض.

و كذلك إذا علق الحيوان أو الطير بالشبكة المنصوبة للصيد فانفلت منها لقوته و ضعف الشبكة عن إمساكه فلا يملكه ناصبها، و إذا أخذ الشبكة معه لقوته و شدة عدوه، فرماه آخر و أثبته ملكه الرامي ورد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 299

الشبكة إلى صاحبها و كذلك إذا رماه الصياد فأصابه، وفر بعد الإصابة و هو مستمر في عدوه و امتناعه، فلا يملكه الصياد بمجرد ذلك، فإذا ضربه رجل آخر بعد ذلك أو رماه فاصطاده أو قتله، ملكه الثاني.

المسألة 55:

إذا غصب الرجل شبكة أو شركا أو حبالة و نصبها للاصطياد بها، فوقع فيها حيوان أو طير فالحيوان أو الطير ملك للغاصب الذي نصب الشبكة لا لمالكها، و ان كان ناصبها آثما بغصبه و تصرفه فيها و يجب عليه أن يدفع أجرة المثل للمالك إذا كانت هذه المنفعة مما له أجرة في نظر العقلاء و قد تقدم نظير هذا في المسألة التاسعة و الثلاثين.

المسألة 56:

إذا نصب الشبكة أو وضع الحبالة لا بقصد الاصطياد، فالظاهر ان ناصب الشبكة لا يملك الحيوان أو الطير الذي يقع فيها، فإذا أخذه غيره بقصد التملك ملكه.

المسألة 57:

إذا أجرى الرجل الماء على الأرض ليستوحل فيها الحيوان إذا مر بها فيصيده، أو حفر في طريق الحيوان حفائر ليقع فيها إذا مر بالطريق فيصيده، أو وضع الحبوب في الحجرة لتدخل إليها العصافير فيغلق عليها الباب و يصيدها، أو جعل سفينته في الليل على وضع معين في مكان كثير السمك و علق على ساريتها سراجا، ليثب إليها السمك من النهر فيصيده، فلا يبعد أن يكون لذلك حكم الشبكة و الحبالة التي ينصبها بقصد الاصطياد، فإذا استوحل الحيوان في الأرض الموحلة و لم يمكنه الخروج منها، أو وقع في الحفيرة و لم يستطع الفرار أو دخلت العصافير الى الحجرة و أغلق الباب عليها أو وثب السمك إلى السفينة ملك الصيد بذلك إذا كان قد صنع ذلك بقصد الاصطياد و تملك الصيد، بل هو الأظهر.

المسألة 58:

إذا كانت الأرض التي يملكها الرجل موحلة فدخلها حيوان و توحل بها لم يملكه مالك الأرض إذا لم يكن فعل ذلك بقصد الاصطياد كما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 300

ذكرنا، فإذا أخذ الحيوان غيره بقصد التملك ملكه، و ان كان آثما إذا دخل الأرض بغير رضا مالكها.

و إذا عشش الحمام أو غيره من الطيور المباحة في دار الرجل أو في بستانه لم يملك صاحب الدار أو البستان تلك الطيور حتى يأخذها بقصد التملك، فإذا سبقه غيره فأخذها كان هو المالك لها.

المسألة 59:

لا يختص بالحمام و لا بغيره من الطيور إذا بنى لها برجا في ملكه لتعشش فيه، و لا يملكها بذلك، و ان اعتادت التعشيش و التفريخ فيه، بل يكون لها الحكم السابق في المسألة السابقة.

المسألة 60:

إذا تبع الإنسان الحيوان الممتنع راكبا على فرس مثلا أو في سيارة حتى أعياه فوقف لم يملكه بمجرد إعيائه و وقوفه عن العدو، حتى يأخذه و يستولي عليه بقصد التملك، فإذا سبق ذلك الإنسان غيره فأمسكه قبله بقصد التملك ملكه الآخذ.

المسألة 61:

إذا رمى الصياد الحيوان أو الطير فأثبته برميته و أعجزه عن الامتناع، و لكنه فر بعد جرحه و وقع في دار غير الصائد أو في بستانه، فهو ملك للصياد الذي رماه و أعجزه، و لا حق لصاحب الدار أو البستان فيه بمجرد وقوعه في ملكه، فإذا أخذه كان غاصبا.

و إذا رماه الأول فلم يثبته برميته و لم يخرج بها عن الامتناع في العدو، فدخل و هو يعدو في ملك الآخر، فاصطاده ملكه باصطياده له و أخذه إياه بقصد التملك لا بدخول ملكه.

المسألة 62:

إذا رمى الحيوان رجلان، فأثبته أحدهما برميته و أعجزه عن الامتناع، و جرحه الآخر فهو ملك لمن أثبته و أوقفه، سواء رمياه دفعة واحدة أم متعاقبين، و سواء كان الذي أثبته و أعجزه عن الامتناع سابقا لصاحبه في إصابة الصيد أم متأخرا عنه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 301

و إذا شك في من أثبته منهما برميته، رجعا الى الصلح بينهما أو الى القرعة في تعيينه.

المسألة 63:

لا يجوز اصطياد الحيوان و لا تملكه بالصيد إذا علم انه مملوك لأحد، أو وجدت عليه آثار تدل على وجود يد عليه، فان اليد امارة على الملك، و مثال ذلك ان يرى في عنق الحيوان جرسا أو طوقا أو حبلا، أو يجد شعر الحيوان أو وبره مصبوغا بألوان غير طبيعية، أو يجده مجللا بثوب و شبهه.

فإذا علم أو دلت آثار اليد على انه مملوك، وجب رده الى مالكه، و ان لم يعلم صاحبه فان وجد ما يدل على انه مال ضائع من صاحبه جرى عليه حكم اللقطة، و ان لم يوجد ما يدل على ذلك جرى عليه حكم المال المجهول المالك.

المسألة 64:

يجري في الطير ما ذكرناه في اصطياد الحيوان، فلا يجوز اصطياده و لا تملكه بالصيد إذا علم انه مملوك لمالك أو كانت عليه آثار يد، كما إذا وجد الطير مقصوص الجناح أو وجده مصبوغا بلون غير لونه الطبيعي، أو سمع الببغاء التي اصطادها تردد بعض الألفاظ فإن ذلك يدل على التعليم، و تجري فيه الأحكام المذكورة في غير الطير.

و إذا ملك الطير جناحيه و لم يعلم انه مملوك و لم يوجد فيه ما يدل على يد مالكة صح اصطياده و تملكه.

المسألة 65:

إذا اصطاد الرجل حيوانا أو طائرا و ملكه بالصيد ثم أطلقه من يده، فان قصد بذلك الاعراض عن ملك الصيد و ازالة سلطانه عنه، أصبح الصيد بذلك مباحا أو هو في حكم المباح فيجوز للآخرين اصطياده و تملكه، و لا يجوز للصائد الأول أن يرجع في تملكه، بعد ان يصطاده الثاني و يتملكه بل و يشكل الحكم بجواز رجوعه في التملك قبل أن يصطاده الثاني و يتملكه أيضا، فلا يترك الاحتياط في هذا الفرض.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 302

و إذا أطلق الصيد من يده و لم يقصد الاعراض عن ملكه لم يخرج بمجرد إطلاقه عن ملكه، فلا يصح للآخرين اصطياده و لا يتملكه أحد إذا اصطاده.

المسألة 66:

إذا اصطاد الرجل ملكة النحل و تملكها من بعض الجبال أو المواضع التي يعيش فيها النحل، كفى ذلك على الظاهر في اصطياد جماعة النحل التابعة لتلك الملكة مهما بلغت من الكثرة أو القلة، فإن جماعة النحل تتبع ملكتها في حركتها و سكونها و في الانتقال من موضع الى موضع و في الدخول في الموضع الذي يعد لها و الخروج منه و في الانتشار في طلب الأزهار و النبات الذي يزودها بالرحيق و غيره، و في بناء الخلية التي تجعلها موضعا لإفراز مادة العسل و تكوينه، و في القيام بأي عمل يقوم به النحل بحسب العادة، فتكون سيطرته على الملكة سيطرة على الجماعة كلها و على جميع حركاتها و أعمالها و منافعها.

الفصل الرابع في ذكاة السمك و الجراد
المسألة 67:

تحصل الذكاة في السمك بأحد وجهين.

أحدهما أن يخرج الإنسان السمك من الماء و هو حي، سواء كان ما أخرجه في المرة الواحدة سمكة واحدة أم أكثر، و سواء أخرجه بيده أم بإناء أم بآلة كالشص و الفالة و الشباك و هي كثيرة الأنواع، و القرقور، و الحظيرة تصنع من جريد النخل أو من الحديد و شبهه و تبنى في الشواطي أو في الأسياف أو في الجزر التي يغمرها و ينحسر عنها الماء فيحتجز فيها السمك عند ارتفاع الماء، و ينضب عنه الماء بسبب الجزر فيخرج السمك بسببها من الماء و هو حي و كالشباك الحديثة تلقى في البحر بتوسط الآلات الكهربائية و نحوها فإذا استولت على السمك سحبت إلى السفينة أو الى الباخرة، و أخرج ما فيها من السمك، فإذا كان السمك لا يزال حيا عند إخراجه فهو ذكي.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 303

الوجه الثاني: أن يأخذ الإنسان السمك في خارج الماء و يستولي

عليه و هو لا يزال حيا، كما إذا و ثبت السمكة في السفينة أو في خارج النهر أو نبذها الموج الى الساحل و رجع الماء عنها و بقيت تضطرب، أو أخرجها حيوان الى الشاطئ، فإذا أخذها الرجل و هي لا تزال حية كانت ذكية.

المسألة 68:

إذا و ثبت السمكة إلى خارج الماء أو أخرجها حيوان أو نضب عنها الماء و بقيت تضطرب و لم يأخذها الإنسان حتى ماتت حرم أكلها و ان كان ينظر إليها فلا تكون ذكية بمجرد النظر إليها على الأحوط.

المسألة 69:

لا يشترط في تذكية السمك أن يذكر الصائد اسم اللّه عند إخراجه من الماء حيا أو عند أخذه حيا بعد خروجه من الماء، فيحل أكله سواء سمى الصائد أم لم يسم.

المسألة 70:

لا يشترط في تذكية السمك أن يكون صائده مسلما، فيحل أكله و أن كان الصائد كافرا كتابيا أو وثنيا أو مرتدا أو غير ذلك من أصناف الكفار، سواء كان صيده بإخراجه من الماء حيا أم بأخذه حيا خارج الماء، فيحل للمسلم أكله إذا علم بذلك أو شهدت به البينة.

المسألة 71:

إذا وجد الإنسان السمك ميتا و هو في يد مسلم، و وجد المسلم صاحب اليد يتصرف فيه بما يدل على التذكية، من أكله و بيعه و إهدائه أو إطعامه لأهله أو لغيرهم، حكم بتذكية السمك، فيصح له أكله و شراؤه منه و بيعه، و إذا وجد المسلم يتصرف فيه بما لا يدل على التذكية، كما إذا رآه قد أعد السمك لتسميد الأشجار، أو لإطعام بعض الحيوان، لم يحكم بتذكيته على الأقرب، و إذا أخبره المسلم صاحب اليد بذكاة السمك قبل خبره و رتب الآثار عليه.

المسألة 72:

إذا وجد الرجل السمك ميتا و هو في يد كافر، و لم يعلم بأن الكافر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 304

قد ذكاه فأخرجه من الماء حيا أو أخذه بيده خارج الماء و هو حي أم لا، لم يحل للرجل أكله، و لا عبرة بيد الكافر في الدلالة على التذكية و لا يقبل قوله إذا أخبر بأنه قد ذكاه.

المسألة 73:

إذا و ثبت السمكة من الماء إلى السفينة لم يحل أكلها حتى تؤخذ باليد و هي حية كما تقدم بيان ذلك، و لا يملك السفان السمكة و لا مالك السفينة، بل يملكها كل من أخذها بقصد التملك.

و قد تقدم في المسألة السابعة و الخمسين: أن صاحب السفينة قد يجعلها على وضع خاص فيضعها في الليل في مكان يكثر فيه السمك و يميل السفينة إلى جانبها و يعلق سراجا على ساريتها، فيكون ذلك وسيلة لوثوب السمك من الماء إلى السفينة، فإذا فعل ذلك و قصد به اصطياد السمك و تملك الصيد، فالظاهر حصول التملك له بذلك و الأحوط أن يضع يده على السمك و هو حي لتحصل بذلك التذكية.

المسألة 74:

إذا نصب الرجل شبكة أو بنى حظيرة أو وضع آلة في الماء لاصطياد السمك فدخلها السمك عند ارتفاع الماء، فإن أخرج ما فيها من السمك و هو حي، فهو حلال و لا ريب، و كذلك إذا انتظر حتى انحسر الماء بالجزر و السمك لا يزال حيا ثم مات السمك في الشبكة أو في الحظيرة أو الآلة بعد نضوب الماء عنه، فالسمك كله ذكي يحل أكله. و إذا مات في الشبكة أو في الحظيرة أو الآلة و هو في الماء، فالظاهر حرمة السمك و عدم جواز أكله، و إذا مات بعضه في الماء، و بقي بعضه حيا حتى نضب الماء عنه، حرم ما مات في الماء و حل الباقي.

المسألة 75:

إذا أخرج الصائد السمك من الماء حيا ثم أعاده إلى الماء لغرض من الأغراض، و لو لنظم السمك كله في خيط قوي واحد لئلا يفلت منه شي ء حتى يتم الاصطياد، فمات في الماء بعد عودته فيه، حرم أكله و لا يحرم إذا أعاده إلى الماء بعد أن مات في خارجه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 305

المسألة 76:

إذا وجد الصائد السمك الموجود في الشبكة أو في الحظيرة أو في الآلة ميتا، و شك في أن موته كان قبل خروجه من الماء فيكون محرما، أو بعد انحسار الماء عنه و نضوبه فيكون حلالا، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه، سواء علم بزمان خروج السمك من الماء و جهل زمان موته أ هو متقدم على وقت خروجه أو متأخر عنه، أم علم بزمان موت السمك و جهل وقت خروجه من الماء، أم جهل كلا من الزمانين معا فلم يعلم المتقدم منهما من المتأخر.

المسألة 77:

إذا طفي السمك على وجه الماء لبعض العوارض فلم يستطع السبح و الانطلاق في الماء كما إذا أصابه بعض الأمراض، أو ألقي عليه بعض المخدرات التي قد تستعمل لصيد السمك، أو ضرب ببعض الآلات أو عضه بعض الحيوان أو الحشرات، فإن أخذه إنسان و أخرجه من الماء حيا قبل أن يموت فهو ذكي حلال اللحم إذا لم يكن مضرا، و إذا كان مضرا حرم أكله من حيث الضرر لا من حيث عدم التذكية.

و ان لم يأخذه أحد حتى مات في الماء أو على وجه الماء فهو حرام غير ذكي، و هو المراد من السمك الطافي الذي دلت النصوص على تحريمه.

المسألة 78:

الزهر من المركبات المخدرة المعروفة عند بعض صائدي السمك.

يخلطونه مع طعام السمك بمقادير معينة و يرمونه في الماء، فإذا أكله السمك تخدر و ضعفت قوته و طفي على وجه الماء، فإن ألقاه إنسان في الماء لبعض الدواعي و لم يقصد بإلقائه اصطياد السمك، فأكله السمك و تخدر و طفي على الماء، فلا يكون مملوكا للرجل الذي ألقى الزهر، و لم يزل من المباحات، فإذا سبق إليه أحد فأخذه ملكه بأخذه، سواء كان هو الذي ألقى الزهر أم غيره، و إذا أخرجه من الماء حيا كان ذكيا و حل أكله.

و ان ألقاه في الماء بقصد اصطياد السمك، و أكله السمك و طفي على الماء، أشكل الحكم بجواز أخذه لغير الشخص الذي ألقى الزهر، فلا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 306

يترك الاحتياط بعدم أخذ شي ء منه الا باذنه، و خصوصا إذا قصد بإلقائه اصطياد سمكة خاصة أو سمكات معينة، فأكلته السمكات المعينة و تخدرت، فلا يتملكها غيره.

المسألة 79:

إذا رمى الصائد سمكة بسهم أو رصاصة أو طعنها برمح أو بفالة فطفت على وجه الماء و لم تمت، فلا يبعد كونها ملكا للرامي أو الطاعن، فلا يحل لغيره أخذها.

المسألة 80:

إذا أخرج الرجل السمكة من الماء حية، أو وضع يده عليها و هي حية بعد خروجها من الماء كانت ذكية كما بينا مرارا، و حل له أكلها و تقطيعها و ان لم تمت بعد، أو ماتت بالتقطيع أو بالشوي مثلا، و إذا اقتطع من السمكة قطعة و هي حية في خارج الماء، ثم أرجع السمكة إلى الماء و هي حية، فالقطعة التي اقتطعها لا تزال ذكية محللة، و كذلك السمكة إذا عاد فأخرجها من الماء قبل ان تموت فيه، و إذا ماتت في الماء قبل أن يخرجها منه كانت حراما.

المسألة 81:

تحرم السمكة إذا ماتت في الماء سواء كان الماء الذي ماتت فيه هو ماء النهر أو الحوض مثلا، أم كان ماءا قليلا في إناء و شبهه.

المسألة 82:

إذا ضرب الصائد السمكة بسيف أو بسكين و هي في الماء فقطع منها قطعة، كانت القطعة محرمة، لأنها جزء مبان من حي، فهي ميتة، فإذا هو أدرك السمكة و أخرجها من الماء قبل أن تموت فهي ذكية محللة و ان لم يدركها فماتت في الماء قبل أن يخرجها منه كانت ميتة محرمة.

المسألة 83:

إذا أخرج الرجل السمكة من الماء، و شك في أنها حية عند إخراجه إياها من الماء أم ميتة، فهي ميتة لا يحل أكلها، و كذلك إذا و ثبت السمكة إلى السفينة أو الى الشاطئ و وضع يده عليها ثم شك في انها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 307

حية أم ميتة حين أخذه إياها فلا يحل له أكلها، و هذا إذا كان الشك في حياة السمكة و موتها في حين إيقاع التذكية عليها.

و إذا أوقع التذكية على السمكة بأحد الوجهين و هو يعتقد الصحة و وجود الشرط، ثم شك بعد ذلك في كون السمكة حية أم ميتة، فالظاهر الصحة.

المسألة 84:

تذكية الجراد هي أن يأخذه الصائد حيا، سواء أخذه بيده أم بآلة أو وسيلة يصدق معها أنه أخذ الجراد و استولى عليه كما إذا أخذه بإناء أو كيس أو جمعه بثوب و نحو ذلك، و يشكل الصدق في ما إذا دخل الجراد بنفسه حجرة واسعة أو قاعة كبيرة مسقوفة، فأوصد الرجل عليه الأبواب و المنافذ فلا يكتفي بذلك ما لم يقم بجمعه من أطراف الحجرة و القاعة و الاستيلاء عليه بيده أو بآنية و شبهها، أو يلجئه إلى مضيق يجتمع فيه.

المسألة 85:

إذا مات الجراد قبل أخذه باليد أو بالآلة كان حراما غير ذكي.

المسألة 86:

ذكاة الجراد كذكاة السمك، فلا يعتبر فيها ذكر اسم اللّه عند أخذه، و لا يعتبر فيها أن يكون الصائد مسلما، فإذا أخذه الكافر و هو حي كان ذكيا حلالا من غير فرق بين أصناف الكفار.

المسألة 87:

يجري في تذكية الجراد ما تقدم بيانه في تذكية السمك، فإذا وجد الجراد ميتا في يد مسلم و كان المسلم يتصرف فيه تصرفا يدل على التذكية، كالأكل و البيع و الهدية، فهو ذكي حلال الأكل، و إذا أخبر المسلم بتذكية ما في يده صدق قوله و ثبتت تذكيته، و إذا وجد ميتا في يد كافر لم تثبت ذكاته و لا حله بذلك فلا يحل للمسلم أكله و لا ترتيب الأثر على تذكيته حتى يعلم بها و لا يقبل اخباره بها كما في المسلم.

المسألة 88:

إذا وقع الجراد في نار فاشتوى قبل أن يؤخذ حيا لم يحل أكله كما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 308

تقدم في المسألة الخامسة و الثمانين، و إذا أخذه الشخص حيا جاز له طبخه أو شويه و أكله و ان لم يمت بعد كما تقدم نظيره في السمك.

المسألة 89:

إذا أجج الصائد النار عامدا بقصد اصطياد الجراد بها، فإذا رآها اجتمع إليها من الأطراف و ألقى نفسه فيها، فتكون النار آلة للصيد كما يقول بعض الأجلة، و في حل الجراد بذلك اشكال، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه.

المسألة 90:

لا يحل أكل الدبا، و هو الجراد في ابتداء تكونه و نشوية قبل أن تكون له أجنحة و يستقل بها بالطيران، و هذا هو الفارق بين الدبا و الجراد.

الفصل الخامس في الذباحة
المسألة 91:

يشترط في تذكية الحيوان بالذبح أن يكون ذابحه مسلما أو من هو بحكم المسلم، و ممن هو بحكم المسلم الصبي المتولد من المسلم إذا كان يحسن الذبح على الوجه الصحيح، فتكفي تذكيته إذا علم انه أجراها على الوجه الصحيح و لا تقع التذكية و لا تحل الذبيحة إذا كان ذابحها كافرا من غير فرق بين المشرك و الكتابي و المرتد و غيرهم من أصناف الكفار و مللهم و فرقهم و من لا ينتسب إلى ملة أو فرقة منهم، و كذلك من هو بحكم الكافر من الأطفال الذين يولدون من أبوين كافرين.

المسألة 92:

لا يشترط في حل الذبيحة أن يكون ذابحها مؤمنا اثني عشريا فتحل ذبيحة من يخالفنا في المذهب من أي فرق المسلمين كان على الأقوى إذا لم يكن ناصبا أو خارجيا أو غاليا، على ما أوضحنا بيانه في مبحث النجاسات من كتاب الطهارة، و سيأتي مزيد بيان له ان شاء اللّه تعالى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 309

المسألة 93:

الناصب هو من أظهر المعاداة للأئمة المعصومين من أهل البيت (ع) أو لبعضهم، من اي الفرق كان، و لا يختص بفرقة معينة أو مذهب مخصوص، و يعم كل من أضمر العداء لهم أو لبعضهم (ع) إذا ثبت ذلك عليه بأحد المثبتات الشرعية و منه الخارجي إذا كان كذلك.

و لا تحل ذبيحة الغالي إذا رجع غلوه الى الشرك باللّه أو الى إنكار ذاته سبحانه أو الى جحد ضروري من ضروريات الإسلام مع الالتفات الى كونه ضروريا، فيكون ذلك تكذيبا للرسالة.

المسألة 94:

لا يشترط في حل الذبيحة أن يكون الذابح ذكرا، و لا أن يكون بالغا، فيصح الذبح و تحل الذبيحة إذا كانت الذابحة امرأة مسلمة أو خنثى مسلمة، و تحل الذبيحة إذا كان الذابح طفلا متولدا من مسلم و كان يحسن الذبح كما تقدم ذكره.

نعم يشكل الحكم بصحة ذبحه إذا شك في انه أتى به على الوجه الصحيح أم لا، للإشكال في جريان أصالة الصحة في فعله، و الاشكال في اعتبار خبره، و لذلك فلا بد من الاحتياط.

و تحل الذبيحة إذا كان الذابح جنبا، من غير فرق بين الذكر و الأنثى، و تحل الذبيحة إذا كانت المرأة الذابحة حائضا أو نفساء، و تحل الذبيحة إذا كان الذابح خصيا أو أغلف أو أعمى إذا أوقع التذكية على الوجه المطلوب و الشروط المعتبرة، و تحل الذبيحة إذا كان الذابح فاسقا.

المسألة 95:

يجوز ذبح ابن الزنا إذا كان مسلما، و لا يكفي في إسلامه إسلام أبويه اللذين ولد منهما فإنه لا يلحق بهما كما يلحق الطفل المتولد من نكاح صحيح.

المسألة 96:

لا يصح ذبح السكران و النائم و المجنون و شبههم ممن لا يشعر بفعله،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 310

و يشكل الحكم في ذبح المجنون و شبهه إذا كان ممن يشعر في الجملة، و لا يترك الاحتياط باجتنابه.

المسألة 97:

لا يشترط في صحة الذبح و في حل الذبيحة أن يكون الذابح لها مختارا في فعله، فإذا أكره الرجل أحد على ذبح الحيوان، و توعده بما يحذر إذا هو لم يفعل، فذبحه و هو مكره على ذلك صح فعله و حلت ذبيحته.

نعم إذا بلغ الإكراه إلى حد اللجوء و عدم القصد الى الفعل أشكل الحكم بصحة التذكية بل الظاهر عدم الصحة.

المسألة 98:

لا يشترط أن يكون الذابح ممن يعتقد بوجوب التسمية عند الذبح، فيصح ذبح الرجل إذا كان مذهبه لا يرى وجوب التسمية في حل الذبيحة، و لكنه أتى بالتسمية عند ما ذبح الحيوان، فتحل ذبيحته بذلك. نعم لا يصح ذبحه و لا تحل ذبيحته إذا هو لم يأت بالتسمية عند الذبح وفقا لمعتقده.

و يشكل الحكم بصحة ذبحه، بل يمنع أيضا إذا شك في أنه أتى بالتسمية حين ما ذبح الحيوان أم لم يأت بها فلا تحل الذبيحة.

المسألة 99:

يجب في حال الاختيار أن يكون ذبح الحيوان بالحديد، لا بغيره من الفلزات و المعادن كالنحاس و الشبه و الذهب و الفضة و الرصاص، فإذا ذبحه بغير الحديد من المعادن المنطبعة و غير المنطبعة لم تصح التذكية و لم تحل الذبيحة.

نعم إذا لم يجد الذابح الحديد، و قد وجب عليه الذبح في الوقت المعين، أو خاف موت الذبيحة إذا هو أخر ذبحها الى أن يجد حديدا يذبحها به، جاز له أن يذبحها بأي شي ء يحصل به قطع الأوداج من المعادن الأخرى، بل يجوز له ذبحها بغير ذلك من القصب أو الزجاج أو الحجر الحاد و شبهه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 311

المسألة 100:

إذا لم يجد الحديد و اضطر الى الذبح كما فرضنا في المسألة السابقة، فيشكل أن يوقع التذكية بالسن و الظفر، و ان لم يجد شيئا غيرهما يقطع به الأوداج.

المسألة 101:

لا يصح الذبح في حال الاختيار بالمنجل المسنن على الأحوط لزوما، و إذا اضطر الى الذبح به كما في الفرض السابق، فالأحوط أن يكون قطع أوداج الحيوان بالرد لا بالأخذ، تفاديا عن تعذيب الحيوان بذلك، و عن احتمال أن لا يكون موت الحيوان مستندا الى الذبح وحده، بل الى الآلام التي تحصل له من ذبحه كذلك.

المسألة 102:

يجب في الذبح ان يقطع الذابح أعضاء أربعة من الحيوان.

الأول: الحلقوم، و هو المجرى الذي يجري فيه النفس في دخوله إلى الرئة و خروجه منها.

الثاني: المري ء، و هو المجرى الذي يدخل منه الطعام و الشراب إلى المعدة، و موضعه تحت الحلقوم.

الثالث و الرابع: الودجان، و هما عرقان غليظان يحيطان بالحلقوم و المري، و قد تسمى هذه الأعضاء الأربعة بالأوداج الأربعة.

فلا يحصل الذبح الشرعي حتى يقطع الذابح هذه الأعضاء الأربعة من الحيوان قطعا كاملا بحيث ينفصل الجزء الأعلى عن الجزء الأسفل من كل واحد منها، و لا يكفي شقها أو شق بعضها.

المسألة 103:

يقول الخبراء الممارسون ان قطع الأعضاء الأربعة المذكورة يلازم أن تكون العقدة الموجودة في العنق و المعروفة في ألسنة عامة الناس بالجوزة، كلها في جانب الرأس، فإذا كان الذبح فوقها، بحيث كان بعض العقدة أو جميعها في الجثة، لم تقطع الأعضاء الأربعة جميعا، و على هذا فلا بد من مراعاة ذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 312

المسألة 104:

يشترط في صحة التذكية أن يكون الذابح قاصدا للذبح، فإذا أوقعه ساهيا من غير قصد أو ذبح هازئا و هو يعتقد أن فعله لا يؤدي الى الذبح، و كما إذا سبقه السكين أو سبقته يده من غير شعور لعارض من العوارض، لم يصح فعله و لم تحل ذبيحته، و قد تقدم الحكم في ذبح المجنون و السكران و النائم في المسألة السادسة و التسعين.

المسألة 105:

لا يشترط التتابع في قطع الأعضاء إذا كان موت الذبيحة مستندا الى قطع مجموع الأعضاء فإذا قطع بعض الأعضاء و تركها لكل في السكين أو لغير ذلك، ثم عاد إلى الذبيحة قبل ان تموت و قطع بقية الأعضاء صحت التذكية و حلت الذبيحة، و ان كان التتابع أحوط.

و إذا قطع بعض الأعضاء و ترك الذبيحة حتى ماتت ثم رجع إليها بعد الموت و أتم الذبح حرمت الذبيحة بذلك سواء فعل ذلك عامدا أم جاهلا أم ساهيا أم كان يعتقد أنه أتم الذبح في المرة الأولى ثم علم انه لم يتمه.

المسألة 106:

يشترط في صحة التذكية و في حل الذبيحة أن يكون الحيوان حيا في حال إيقاع الذكاة عليه الى أن يتم ذبحه، و لا يجب ان تكون حياته تامة الاستقرار بحيث يمكن بقاء الحيوان يوما أو نصف يوم كما يراه جماعة من الفقهاء قدس اللّه أرواحهم، بل يكفي وجود أصل الحياة فيه، و يعرف ذلك بوجود الحركة الدالة عليها و ان كانت الحركة ضعيفة كما دلت عليه النصوص الكثيرة، كتحريك اليد أو الرجل و الطرف بالعين، و المصع بالذنب و هو تحريكه، على أن تكون الحركة موجودة الى ان تكمل التذكية و يتم ذبح الحيوان.

و يكفي في الدلالة عليها ان يتحرك الحيوان كذلك بعد أن يتم ذبحه، و يكفي أيضا في الدلالة عليها أن يخرج منه الدم المعتدل المتعارف في كثرته و قوة دفعه بعد ان يتم ذبحه فهو دال على وجود الحياة حال التذكية الى ان تتم كما دلت عليه النصوص أيضا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 313

المسألة 107:

يشترط في حل الذبيحة و تذكيتها- على الأحوط- أن يكون ذبح الحيوان من مذبحه و هو مقدم عنقه، فلا يحل أكله إذا ذبحه من قفاه على الأحوط لزوما، و ان أسرع الذابح حتى قطع عضلات العنق و قطع معها الأعضاء الأربعة قبل أن تزهق روح الحيوان.

المسألة 108:

لا يترك الاحتياط في أن يبتدئ الذابح في قطع الأعضاء الأربعة من مقدم المذبح حتى يتم قطعها، فلا يدخل السكين تحت الأعضاء ثم يقطعها الى الفوق، و إذا فعل كذلك لم تحرم الذبيحة على الظاهر، و لكن الأحوط الاجتناب عن هذا الفعل.

المسألة 109:

إذا ذبح الحيوان من القفا، و بقيت الأعضاء الأربعة التي يجب قطعها في حصول التذكية فإن بقيت حياة الحيوان و بقيت الحركة التي تدل عليها على الوجه الذي بيناه في المسألة المائة و السادسة صح ذبح الحيوان و حل لحمه بذلك، و ان لم يدرك ذلك حرم لحمه و كان ميتة.

المسألة 110:

إذا ذبح الرجل ذبيحته من فوق العقدة مخطئا، ثم التفت الى فعله، فان كانت الحياة في الحيوان لا تزال باقية على الوجه الذي تقدم بيانه، بحيث يمكن للذابح أن يذبح الحيوان من تحت العقدة فيقطع الأعضاء الأربعة منه و حركة الحيوان الدالة على الحياة فيه باقية الى أن يتم الذبح، لزمه ذلك، و إذا فعله حلت الذبيحة.

و ان لم تبق الحياة و الحركة الدالة عليها على الوجه المذكور حرمت الذبيحة و كانت ميتة.

المسألة 111:

إذا أكل الذئب أو السبع شيئا من الحيوان أو شق بطنه أو عقره، و بقيت الأعضاء الأربعة منه سليمة، فإن أدركه الذابح حيا على الوجه المتقدم بيانه، صح ذبحه على الوجه الشرعي و يحل بذلك لحمه، و إذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 314

أكل السبع من بعض أعضاء التذكية شيئا، فقطعه بأسنانه، و بقي بعض أعضائها سالما و كان الحيوان حيا، قطع الذابح الأعضاء السالمة من أعضاء التذكية في الحيوان، و قطع العضو الآخر الذي أكل السبع منه من فوق محل أكل السبع أو من تحته، و حلت الذبيحة بذلك.

المسألة 112:

إذا أكل الذئب أو السبع أحد أعضاء التذكية في الحيوان كله فلم يترك منه شيئا يقطعه الذابح كما إذا أكل الحلقوم كله أو أكل أحد الودجين كله، حرم الحيوان و لم تمكن تذكيته، و أولى من ذلك ما إذا أكل جميع أعضاء التذكية و لم يبق منها شيئا فلا يمكن حصول التذكية و ان فرض كون الحيوان حيا.

المسألة 113:

إذا أكل الذئب أو السبع من مجموع الأعضاء الأربعة مقدارا من فوق أو من تحت فقطع الأعضاء كلها بأسنانه و أبقى مقدارا من جميعها يتصل بالرأس أو بالجسد، أشكل الحكم بوقوع التذكية في هذا الفرض و ان كانت الحياة باقية في الحيوان، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه.

المسألة 114:

إذا قطعت الأعضاء الأربعة للتذكية في الحيوان على غير النهج الشرعي أو قطع بعضها كذلك كما إذا ضرب الحيوان أحد بآلة أو نحوها فقطع أعضاءه أو قطع بعضها جرى فيه التفصيل الذي ذكرناه في المسائل الثلاث المتقدمة في ما أكله السبع من الحيوان و انطبقت أحكامها.

المسألة 115:

يصح أن يتعدد الذابح للذبيحة الواحدة، فيشترك شخصان في ذبحها، فيقبضا بيديهما معا على السكين و يوجها الذبيحة، و يتوليا قطع الأعضاء حتى يتما العمل مشتركين فيه.

و يجوز أن يتولى أحدهما قطع بعض الأعضاء و يتولى الثاني قطع الباقي في وقت واحد أو يقطع الأول بعضا، ثم يقطع الآخر ما بقي.

و إذا توليا ذبح الحيوان، فلا بد و أن يكون كل منهما قاصدا للذبح

كلمة التقوى، ج 6، ص: 315

فلا يكفي القصد من أحدهما كما إذا كان الثاني مجنونا أو سكران أو فاعلا بغير شعور، و لا بد و أن تقع التسمية من كل واحد منهما فلا تجزي التسمية من أحدهما، فإذا توليا الذبح مقترنين سميا في أول الذبح، و إذا قطع أحدهما بعض الأعضاء ثم أتم الثاني العمل سمى كل واحد منهما في أول عمله.

المسألة 116:

إذا ذبح الإنسان الحيوان حتى أتم تذكيته، ثم اضطرب الحيوان، فوقع في نار مضرمة، أو في نهر أو في حفيرة عميقة أو سقط من شاهق، فكان ذلك هو السبب في موت الحيوان أو كان أحد السببين فيه، أو شك في استناد الموت إلى أيهما، لم يحرم الحيوان المذبوح بذلك، لأن تذكية الحيوان قد تمت بتمام ذبحه، فلا يكون بعد وقوع التذكية التامة عليه ميتة.

و اعتبار أن يكون موت الحيوان مستندا إلى التذكية لا إلى شي ء آخر انما هو شرط في التذكية في الصيد كما تقدم، و لا يشترط ذلك في التذكية بالذبح.

المسألة 117:

إذا شرع الذابح بذبح الحيوان، فشق الآخر بطنه أو أخذ في تكسير عظامه في حال الذبح و قبل أن يتمه الذابح، ففي صحة التذكية إشكال، و الأحوط لزوما اجتناب أكله، و هكذا في كل فعل يوجب موت الحيوان، يفعل به في حال تذكيته و قبل أن يتم ذبحه، فلا بد معه من اجتناب أكل الحيوان على الأحوط.

المسألة 118:

إذا انخنقت الشاة برباطها، أو نطحها حيوان قوي بشدة، أو تردت من جبل أو غيره، أو أصابها مرض أو غرق أو حرق أو عارض آخر حتى أشرفت على الموت بسبب ذلك، فإن أدرك الذابح حياتها على النحو الذي ذكرناه في المسألة المائة و السادسة، بحيث يمكن له أن يذبحها و هي تتحرك حركة تدل على الحياة الى أن يتم الذبح، أجرى عليها التذكية و حل بذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 316

أكل لحمها، و إذا لم يدرك حياتها على الوجه المذكور فهي ميتة لا تحل بالذبح.

المسألة 119:

يشترط في صحة الذبح و في حل الذبيحة به أن يستقبل بها القبلة في حال ذبحها و يراد بالاستقبال أن يوجه مذبح الحيوان و مقاديم بدنه الى جهة القبلة، فلا تصح التذكية و لا يحل أكل لحم الحيوان إذا ترك الاستقبال به و هو عالم بالحكم و عامد في فعله، و إذا كان جاهلا بوجوب الاستقبال بالحيوان حال الذبح أو ناسيا له لم يحرم أكله بذلك.

المسألة 120:

إذا وجه الذابح الحيوان إلى جهة اعتقد انها هي جهة القبلة حتى أتم ذبحه، ثم استبان له انه مخطئ في اعتقاده صح ذبحه و لم يحرم الحيوان، و كذلك إذا اضطر الى ذبح الحيوان و لم يعرف جهة القبلة أو لم يتمكن من توجيه الحيوان إليها كالبهائم الصائلة، و الحيوان المستعصي فكلما وجه الى القبلة انحرف عنها و كالحيوان المتردي في بئر أو حفيرة، فلا يجب الاستقبال بالحيوان في هذه الفروض.

المسألة 121:

لا يشترط في صحة الذبح أن يكون الذابح نفسه مستقبلا للقبلة في حال ذبح الحيوان، و ان كان الأحوط استحبابا استقباله أيضا.

المسألة 122:

لا تتعين في توجيه الحيوان إلى القبلة عند ذبحه هيئة مخصوصة، فللذابح ان يطرح الذبيحة على الأرض على جانبها الأيمن فيكون مذبحها و مقاديم بدنها إلى القبلة، و له أن يضعها على الجانب الأيسر، و له أن يذبحها قائمة إذا أمكن له توجيه مذبحها و مقاديم بدنها نحو القبلة كما هو المطلوب.

المسألة 123:

إذا احتاج الذابح في توجيه الحيوان الصائل أو المستعصي إلى القبلة عند ذبحه الى شد وثاق أو ربط بوتد و نحو ذلك أو الى استعانة بشخص

كلمة التقوى، ج 6، ص: 317

أو أشخاص، وجب عليه ذلك مع الإمكان، و إذا أمكنه توجيه المذبح خاصة دون مقاديم البدن لزمه ذلك على الأحوط بل على الأقوى.

المسألة 124:

إذا احتاج الذابح في توجيه الذبيحة إلى القبلة إلى فترة يقضيها في ذلك، و خشي إذا هو اشتغل به أن تموت الذبيحة لضعف الحركة فيها و تفوت الفرصة لتذكيتها، فالظاهر عدم وجوب الاستقبال في هذه الصورة.

المسألة 125:

يشترط في صحة الذبح و في حل الذبيحة أن يذكر الذابح اسم اللّه سبحانه عند ما يكون متشاغلا بذبحها أو قبل الشروع بالذبح متصلا به عرفا، و هذا هو المراد بقولهم يشترط التسمية عند الذبح.

و يكفي أن يأتي بالتسمية في آخر الذبح قبل إتمامه و لا ينبغي تعمد ذلك.

و إذا ترك التسمية عامدا لم يصح الذبح و حرمت الذبيحة، و كذلك إذا تركها جاهلا بالحكم، فتحرم الذبيحة. و إذا ترك التسمية ناسيا حتى أتم الذبح لم تحرم الذبيحة بذلك، و الأحوط استحبابا أن يأتي بها إذا ذكرها بعد الذبح.

المسألة 126:

يجب أن يأتي بالتسمية بقصد التسمية للذبح و تذكية الذبيحة، فلا يكفي ان يأتي بها اتفاقا من غير قصد شي ء أو يأتي بها بقصد أمر آخر غير التذكية كالبركة و نحوها، و لا يكفي ان يأتي بها عند مقدمات الذبح غير متصلة به عرفا، و لا يكفي أن يأتي بالتسمية غير الذابح و ان كان هو مالك الذبيحة.

المسألة 127:

لا يشترط في التسمية أن يأتي بها في صيغة معينة أو أن تكون في ضمن البسملة، بل يكفى منها ما يصدق عليه انه ذكر اسم اللّه مقترنا بالتمجيد و التعظيم، فيقول مثلا: بسم اللّه أو يقول: اللّه أكبر أو يقول:

لا إله إلا اللّه، أو الحمد للّه، أو سبحان اللّه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 318

و يشكل الحكم بكفاية أن يذكر لفظ الجلالة مجردا عن أي صفة أو تعظيم، كما سبق في المسألة التاسعة في التسمية عند التذكية بالصيد.

و يشكل الاكتفاء بذكر بعض أسمائه الحسنى بدلا عن لفظ الجلالة، و ان قرنه بما يدل على التعظيم، كما إذا قال: سبحان ربي العظيم، أو سبحان ربي الأعلى، نعم يكفي أن يضم أحد أسمائه الحسنى إلى لفظ الجلالة بقصد التعظيم، فيقول: اللّه الرحمن الرحيم، أو يقول: اللّه العلي العظيم.

المسألة 128:

لا يكفي- على الأحوط- بل على الأقوى أن يذكر ما يرادف لفظ الجلالة في لغة أخرى غير العربية و ان كان الذابح الذاكر من أهل تلك اللغة.

المسألة 129:

يشترط في صحة الذبح و في حل الذبيحة أن تصدر من الحيوان بعد ان يتم ذبحه حركة تدل على الحياة و ان كانت الحركة ضعيفة، كما ذكرنا في المسألة المائة و السادسة، كالطرف بالعين أو الحركة باليد أو بالرجل أو الأذن أو الذنب، ليعلم بذلك ان التذكية من أولها إلى نهايتها قد وقعت على حيوان حي، فإنه من البين أن التذكية لا تتم الا بتمام الذبح، و من البين أيضا أن التذكية لا تقع على حيوان ميت، و لذلك فلا بد في تحقق التذكية من العلم بحياة الحيوان في جميع مدة التذكية، أو وجود الحركة الدالة على الحياة في جميع المدة، و قد تقدم في المسألة المشار إليها انه يكفي في الدلالة على ذلك خروج الدم المعتدل في كثرته و في قوة دفعه من الحيوان بعد ان يتم ذبحه.

المسألة 130:

إذا علم بحياة الحيوان حتى تم ذبحه، أو وجدت الحركة الدالة على حياته الى أن تم ذبحه كذلك و ان كانت الحركة ضعيفة، حلت الذبيحة و ان خرج الدم منها متثاقلا متقاطرا، و قد يكون هذا متعارفا في الحيوان الذي يعتريه بعض الأمراض، فلا يضر ذلك بتذكيته.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 319

المسألة 131:

خروج الدم المعتدل في كثرته و في قوة دفعه بعد ذبح الحيوان يلازم وجود الحياة في الحيوان الصحيح كما قلناه، و لذلك فالأحوط استحبابا اعتبار خروج الدم المذكور بعد الذبح في مثل هذا الحيوان و ان وجدت الحركة الضعيفة الدالة على وجود الحياة فيه، فإذا ذبح الحيوان الصحيح و لم يخرج منه الدم بعد ذبحه، أو خرج منه متثاقلا متقاطرا، فالأحوط استحبابا اجتناب أكل لحمه إذا تحرك حركة ضعيفة و مما تقدم يعلم ان هذا الاحتياط لا يجري في الحيوان المريض، و الأمر سهل بعد ان كان الاحتياط المتقدم بيانه مستحبا غير لازم المراعاة.

المسألة 132:

إذا لم يخرج القدر المتعارف من دم الحيوان بعد ذبحه أوجب ذلك تنجس اللحم بملاقاة الدم المتخلف فيه، و قد بينا هذا في مبحث النجاسات من كتاب الطهارة فليراجع ذلك من شاء.

المسألة 133:

المدار في صحة الذبح هو أن يقطع الذابح الأعضاء الأربعة على ما تقدم من التفصيل سواء كان القطع في أعلى الرقبة أم في وسطها أم في أسفلها، من غير ترجيح لأحدها على الآخر.

المسألة 134:

الأحوط لزوما أن لا يقطع الذابح رأس الذبيحة عامدا الى ذلك قبل أن تموت، و لا منع فيه و لا ضرر إذا وقع ذلك منه غافلا أو سبقته السكين أو ألجأته قوة حركة الحيوان مثلا، و لا تحرم الذبيحة إذا فعل ذلك و ان كان عامدا في فعله.

المسألة 135:

الأحوط لزوما أن لا ينخع الذابح الحيوان عامدا، و الانخاع هو أن يصيب نخاع الحيوان حين ذبحه، و النخاع هو خيط أبيض يمتد في وسط الفقار من الرقبة إلى أصل الذنب، و لا تحرم الذبيحة إذا أنخعها و ان كان عامدا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 320

المسألة 136:

الأحوط لزوما أن لا يسلخ جلد الذبيحة قبل أن تزهق روحها، و لا تحرم الذبيحة بذلك إذا هو فعله و ان كان عامدا.

المسألة 137:

تختص الإبل دون سائر البهائم و الحيوانات و الطيور بأن تذكيتها تكون بنحرها، و تختص البهائم و الحيوانات الأخرى و الطيور بأن تذكيتها دون الإبل تكون بذبحها، فلا يصح ذبح الإبل و لا يصح نحر غيرها من أنواع الحيوان و الطيور، فإذا ذبح الناقة أو البعير و مات في ذبحه حرم أكله و كان ميتة، و إذا نحر الحيوان من غير الإبل و مات في نحره حرم أكله و كان ميتة كذلك.

و إذا ذبح ناقة أو جملا و بقيت الحياة فيه بحيث يمكن نحره على الوجه الذي تقدم ذكره، نحره و حل أكله، و إذا نحر الحيوان من غير الإبل و لم يمت بالنحر و أمكن له ذبحه على الوجه المطلوب، ذبحه و حل أكله بالذبح.

المسألة 138:

لا فرق في الحكم المتقدم في الإبل بين عراب الإبل و بخاتيها و ذات السنام الواحد و السنامين و غيرها من أصناف الإبل و الطفل و الكبير منها فتكون تذكيتها بالنحر.

و لا فرق في الحيوانات الأخرى بين صغار الأجساد من الحيوان و كبارها كالجاموس و الثور و الأجناس الكبيرة من الحيوانات المعروفة و غير المعروفة فتكون تذكيتها بالذبح.

المسألة 139:

نحر الإبل هو أن يدخل الناحر سكينا أو آلة حادة من الحديد في لبة البعير بحيث يتحقق دخولها بالفعل و يحصل بذلك موت المنحور بحسب العادة، فلا يحصل النحر مثلا بإدخال سكين صغيرة يحصل بها الجرح و لا يتحقق بها النحر في نظر أهل العرف أو لا تكون سببا لموت المنحور بحسب العادة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 321

و النحر بحسب العادة يحتاج الى الطعن أو الضرب بالآلة بشدة و قد يحتاج الى الحز بالآلة و الى مزيد من دفعها و تمكينها بقوة حتى يتم المقصود. و اللبة هي الموضع المنخفض الذي يكون بين آخر العنق و أعلى الصدر.

المسألة 140:

يشترط في صحة النحر جميع ما تقدم اشتراطه في صحة الذبح من غير فارق بينهما في ذلك فيجب أن تجتمع في الناحر جميع الشرائط التي ذكرناها في الذابح، و يجب أن توجد في آلة النحر جميع الشروط التي اعتبرناها في آلة الذبح و تجري فيها أحكامها.

و تجب التسمية عند النحر و استقبال القبلة في المنحور، و العلم بحياته الى ان يتم نحره، أو وجود ما يدل على الحياة من الحركة و ان كانت ضعيفة حتى يتم النحر، أو خروج الدم المعتدل الدال على ذلك.

و تفصيل القول في كل أولئك هو القول في ما تقدم في شرائط الذبح و أحكامه.

المسألة 141:

يجوز أن تنحر الإبل و هي قائمة، و يجوز أن تنحر و هي باركة، و يجوز أن تنحر و هي مطروحة على أحد جنبيها و يجب في جميع الحالات المذكورة أن يوجه منحرها و مقاديم بدنها إلى القبلة.

المسألة 142:

إذا كان الحيوان مما يذبح أو مما ينحر و تعذر ذبحه أو نحره، كما إذا تردى في بئر أو في حفرة عميقة أو دخل في موضع ضيق، فلم يمكن إخراجه أو التسلط على موضع ذبحه أو نحره، و كالبهيمة الصائلة فلا يستطاع أخذها و إيقاع التذكية عليها، و كالحيوان المستعصي فلا تمكن السيطرة عليه، و كالحيوان يقع في مكان يخشى موته فيه إذا أبقي حتى يذبح أو ينحر، و أمثال ذلك، جاز أن يجري عليه حكم الصيد بالآلة فيضرب أو يطعن بسيف أو رمح أو سكين أو خنجر أو غيرها من الأسلحة القاطعة أو الشائكة التي يحل بها الصيد و قد مر ذكرها في الفصل الثاني.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 322

فإذا ضربه الصائد أو طعنة بالآلة أو رماه بالسهم أو البندقية بقصد التذكية، و مات الحيوان بذلك حل أكله و ان لم يذبح و لم ينحر، بل و ان لم تقع الضربة أو الطعنة في موضع الذبح أو النحر من جسد الحيوان و لا يجب الاستقبال بالحيوان.

نعم تجب التسمية من الصائد عند الضرب أو الطعن أو الرمي بالآلة، و يجب أن توجد في الصائد الشرائط التي ذكرناها في الذابح أو الناحر.

و لا يكتفى فيه بصيد الكلب المعلم إذا أرسله عليه بقصد التذكية فعقره أو قتله، فالأحوط لزوما اجتناب أكله، و قد تعرضنا لذلك في المسألة الثالثة و الأربعين، و تعرضنا لحكم الاستقبال في المسألة المائة و العشرين.

المسألة 143:

إذا خرج الجنين من بطن أمه و هو حي لم يحل أكله إلا بالتذكية، سواء كان مما يذبح أم مما ينحر، و سواء كانت أمه حينما خرج أو أخرج من بطنها حية أم ميتة أم مذكاة، فإذا أجريت

عليه التذكية الشرعية حل لحمه و إذا مات و لم يذك حرم أكله و كان ميتة، و ان كان عدم تذكيته لضيق الوقت و عدم اتساعه للتذكية، فلا يحل أكله حتى في هذه الصورة على الأقوى.

المسألة 144:

إذا خرج الجنين من بطن أمه و هو ميت و كانت أمه حينما خرج أو أخرج من بطنها حية أو كانت ميتة، فهو ميتة لا يحل أكله. و إذا خرج من بطن أمه و هو ميت، و كانت أمه حينما أخرج من بطنها مذكاة، حل أكله و كانت ذكاة أمه ذكاة له مع وجود الشرائط الآتي ذكرها.

المسألة 145:

لا يحل أكل الجنين الذي يخرج من بطن أمه ميتا حتى تتحقق فيه ثلاثة شروط.

الأول: أن تكون أمة مذكاة تامة التذكية، بذبح أو نحر أو صيد.

الثاني: أن يكون الجنين تام الخلقة، و من تمام خلقته أن يكون قد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 323

أشعر أو أوبر، و يراد بالوبر ما يعم الصوف إذا كان الجنين من الغنم و شبهها.

الثالث: أن يكون موت الجنين قبل خروجه من بطن أمه و بعد وقوع التذكية عليها.

فلا يحل أكل الجنين إذا كانت أمه غير مذكاة سواء كانت حية أم ميتة كما سبق، أم كانت غير تامة التذكية فإنها تكون ميتة، و لا يحل أكل الجنين إذا لم يكن تام الخلقة أو لم يشعر أو يؤبر أو ينبت عليه الصوف و لا تكون ذكاة أمه ذكاة له، و لا يحل أكله إذا كان موته بعد خروجه من بطن أمه ما لم يذك كما تقدم ذكر ذلك.

المسألة 146:

إذا كان الجنين ميتا في بطن أمه قبل إيقاع التذكية عليها فالظاهر حرمته و عدم شمول الذكاة له، و إذا كان موته بسبب ضربة وقعت على الأم أو بسبب سقوطها في حفرة أو نطحة من حيوان قوي أو ترديها من شاهق مثلا فهو حرام قطعا.

المسألة 147:

إذا كان الجنين حيا في بطن أمه في حال ذبحها أو نحرها، وجب على المذكي ان يبادر الى شق جوف الذبيحة على النحو المتعارف في شق بطون الذبائح، ليخرج الجنين من بطن أمه، فإذا بادر كذلك و مات الجنين قبل أن يخرجه من بطنها حل أكله، و إذا توانى في شق بطنها فتأخر أكثر مما يتعارف في ذلك و مات الجنين بسبب التأخير حرم أكله.

المسألة 148:

إذا علم بأن الجنين قد مات في بطن أمه بعد تذكيتها حل أكله و وقعت التذكية عليه و لم يجب على المذكي أن يبادر لإخراجه، و إذا علم بحياته في حال التذكية و شك في بقائها لزمته المبادرة كما في الفرض السابق، و إذا تأخر و لم يبادر ثم وجد الجنين ميتا لم يحل أكله.

المسألة 149:

تتحقق ذكاة الجنين بذكاة أمه إذا ذكيت الأم بصيد الكلب المعلم أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 324

بالصيد بالآلة إذا اجتمعت الشروط المعتبرة في صيد الأم، و في تذكية الجنين، فيحل أكله بصيد أمه و تثبت تذكيته.

المسألة 150:

تحصل ذكاة الجنين إذا ذكيت أمه و توفرت الشروط الآنف ذكرها، و ان كانت الأم و الجنين مما يحرم أكله، إذا كانت الأم مما يقبل التذكية، فيحكم بطهارة لحم الجنين و جلده و يصح الانتفاع به في كل ما تشترط فيه الطهارة، و لا تصح الصلاة فيه لأنه غير مأكول اللحم.

الفصل السادس في ما يقبل التذكية و ما لا يقبلها
المسألة 151:

لا ريب في أن كل ما يؤكل لحمه من الحيوان أو من الطير أو غيرهما فهو مما يقبل التذكية سواء كان بريا أم بحريا و أهليا أم متوحشا، و الأدلة على ذلك كثيرة موفورة، و الأدلة الدالة على إباحة أكله بذاتها دالة على صحة تذكيته لذلك، و على قبوله للتذكية إذا أجريت عليه، و لا شك في جميع ذلك و ان اختلفت أنواعه في ذلك و في كيفية التذكية التي تجري عليه و قد سبق تفصيلها.

و الحكم المذكور ثابت له في جميع أفراده و أنواعه و أجناسه و ان حرم لحمه بالعارض، كما إذا كان جلالا أو موطوء انسان، و كالجدي و الحمل و العجل الذي يرضع لبن خنزيرة حتى يقوى و ينبت عليه لحمه و يشتد عظمه و سيأتي بيان ذلك و ذكر بعض أحكامه في كتاب الأطعمة و الأشربة ان شاء اللّه تعالى.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 324

فإذا ذكي الحيوان المأكول اللحم حل أكل لحمه و صحت الصلاة بجلده و اجزائه، و إذا كان محرم الأكل بالعارض لم يحل أكله و لم تصح الصلاة بجلده و باجزائه و فضلاته كما تقدم في مبحث لباس المصلي من كتاب الصلاة و عدم جواز أكله و

عدم صحة الصلاة فيه انما هو لذلك العارض الذي أوجب الحرمة لا لعدم التذكية و لذلك فتترتب عليه أحكام التذكية غير ذلك، فهو طاهر اللحم و الجلد، و يصح استعمالها في ما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 325

تشترط فيه الطهارة فيلبس الجلد في غير الصلاة و يفترش و لا ينجس ما يلاقيه برطوبة و يستعمل ظرفا للمائعات.

المسألة 152:

إذا شك في الحيوان غير المأكول اللحم، هل هو مما يقبل الذكاة أو هو مما لا يقبلها و كان مما ليست له نفس سائلة، كالسمك المحرم و بعض أنواع الحشرات، لم يجر فيه دليل التذكية. فإن أكله محرم بحسب الفرض سواء وقعت عليه الذكاة أم لم تقع، و هو محكوم بالطهارة على كل حال سواء وقعت عليه الذكاة أم لم تقع لأنه مما لا نفس له سائلة، فلا أثر للتذكية فيه حتى يشمله دليل التذكية لو كان موجودا.

المسألة 153:

الكلب و الخنزير البريان غير قابلين للتذكية، و هما نجسان عينا، سواء كانا حيين أم ميتين، و لا ريب في ان أكلهما محرم ذاتا سواء كانا مذكيين أم غير مذكيين، فلا أثر للتذكية فيهما فلا يشملهما دليلها.

المسألة 154:

السؤال عن الإنسان نفسه هل هو قابل للتذكية أو غير قابل لها، قد يعد في نظر العقلاء من الناس و في عرف الأديان الإنسانية من المستنكرات التي لا ينبغي أن تخطر في فكر أو تكون موضعا للتساؤل، و في مقدمتها الإسلام، دين اللّه العظيم الذي كرم ابن آدم و حمله في البر و البحر و الجو، و في مجاهل البر و أعماق البحر و طباق الجو، و فضله على كثير ممن خلق تفضيلا.

فالإنسان في نظر الإسلام ارفع شأنا من أن يكون محلا لهذا التساؤل و شبهه أو تشمله مثل هذه الأدلة و بعض الفقهاء انما يعرضه في هذا المعرض لمجرد البحث العلمي و لتطبيق القاعدة في ما يقبل الذكاة، و مالا يقبلها من أنواع الكائن الحي، و الا فانصراف الأدلة عنه ليس مجالا للشك من أحد.

و على اي حال فالإنسان غير قابل للتذكية لارتفاع شأنه عنها لا لهبوط مقامه كما في بعض الكائنات الحية و لا أثر للتذكية، فهو محرم الأكل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 326

على كل حال، و الحي منه طاهر على كل حال إذا كان مسلما و نجس على كل حال إذا كان كافرا، و الميت منه نجس على كل حال، و إذا غسل المسلم بعد موته طهر بالغسل لا بالتذكية، فلا أثر للتذكية فيه حتى يشمله دليلها لو فرض وجود الشك فيه.

المسألة 155:

إذا شك في حيوان محرم الأكل هل هو مما يقبل وقوع التذكية عليه أو هو مما لا يقبلها و كان الحيوان مما له نفس سائلة، فالظاهر ان الحيوان المشكوك فيه إذا كان من ذوات الجلود التي يعتد بها الناس و ينتفعون بها في شؤونهم و أعمالهم فهو قابل لوقوع

التذكية عليه، سواء كان من السباع و هي التي تفترس الحيوان، كالأسد و الفهد و النمر و الذئب و ابن آوى من الوحوش، و كالعقاب و الصقر و الشاهين من الطير أم كان من المسوخ كالفيل و الدب و القرد و نحوها أم كان من الحشرات و هي الدواب الصغيرة التي تسكن باطن الأرض كالضب و ابن عرس و اليربوع و الجرذ.

فإذا كان الحيوان من ذوات الجلود المعتد بها أمكنت ذكاته، فإذا ذكي طهر جلده و لحمه و جاز استعماله في ما تشترط فيه الطهارة، فيجعل جلده ظرفا للمائعات أو فراشا أو فروا يلبس في غير الصلاة، و الأحوط استحبابا أن لا يستعمل الا بعد الدبغ.

المسألة 156:

لا فرق بين الطير و غيره من الحيوان في الحكم المتقدم ذكره، فإذا كان الطير غير المأكول من ذوات الجلود التي ينتفع بها، فهو مما يقبل التذكية و تجري عليه أحكامها، فإذا ذكي طهر لحمه و جلده و جاز الانتفاع به.

المسألة 157:

و النتائج الحاصلة مما تقدم بيانه: أن كل حيوان يحل أكله فهو مما يقبل التذكية، من أي الأصناف أو الأنواع أو الأجناس كان.

و كل حيوان يحرم أكله من غير نجس العين و يكون ذا نفس سائلة و ذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 327

جلد معتد به في نظر الناس فهو مما يقبل التذكية، فإذا ذكي جرت عليه أحكامها.

و كل حيوان يكون نجس العين فهو مما لا يقبل التذكية، و كل حيوان يحرم أكله و لم يك ذا نفس سائلة فهو مما لا تشمله أدلة التذكية لعدم الفائدة من تذكيته، و كل حيوان يحرم أكله و يكون ذا نفس سائلة من غير ذوات الجلود المعتد بها فهو مما لا تشتمله أدلة التذكية.

المسألة 158:

ما يقبل التذكية من الحيوان الذي يحرم أكله، تكون تذكيته بذبحه و يجري فيها و في شرائطها جميع ما ذكرناه في ذبح الحيوان المحلل الأكل من غير فارق بينهما.

و إذا كان الحيوان المحرم وحشيا ممتنعا بالأصالة، فتذكيته بصيده بالآلة التي يحل بها الصيد على النحو الذي تقدم ذكره في صيد المحلل من الوحوش، و إذا أخذ حيا كانت تذكيته بالذبح، و يشكل الحكم بصحة تذكيتها بصيد الكلب المعلم، و الأحوط لزوم اجتنابه.

المسألة 159:

إذا وجد الإنسان بيد رجل مسلم جلودا أو لحوما أو شحوما و لم يعلم بأنها قد ذكيت أم لا، و وجد المسلم صاحب اليد يتصرف فيها تصرفا يدل على التذكية حكم بتذكيتها و مثال ذلك ان يرى المسلم قد عرض اللحوم و الجلود للبيع أو يجده يأكل منها أو يلبس أو يصلي فيها أو يفترشها أو يراه يطعم أهله منها أو يطعم الآخرين أو يهديها إليهم، فيحكم عليها بالذكاة و يجوز له الأخذ و الاستعمال، و كذلك إذا أخبره المسلم صاحب اليد بتذكيتها أو سمعه يخبر غيره بتذكيتها، فيصدق قوله، و يجوز له الشراء منها و البيع لها و الاستعمال لها في ما يتوقف على التذكية من لبس و افتراش و ملاقاة برطوبة و صلاة فيها.

و إذا رآها بيد المسلم و لم يجده يتصرف فيها تصرفا يدل على التذكية لم يحكم عليها بالتذكية، و مثال ذلك أن يجد عنده لحما و لا يدري انه أخذه للأكل و إطعام أهله أو لإطعام بعض الحيوان عنده و سباع الطير، أو يجد بيده جلدا و لا يدري أنه يريد جعله ظرفا للماء أو السمن أم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 328

يريده وعاء لبعض النجاسات أو فراشا

لها، فلا يحكم بتذكيتها و لا يحل له الشراء منها و الاستعمال لها في ما يحتاج إلى التذكية أو يتوقف على الطهارة.

المسألة 160:

إذا رأى الإنسان جلودا أو لحوما أو شحوما في سوق المسلمين و لم يدر بأنها من حيوان مذكي أو غير مذكى، جرى فيه التفصيل الذي ذكرناه في يد المسلم، فإذا كان وجود هذه الجلود و اللحوم في السوق مقرونا بتصرف يدل على التذكية فوجدها تباع أو تعرض للبيع فيه لغايات تتوقف على التذكية و الطهارة فتباع لأكل اللحوم و لبس الجلود مثلا و شبه ذلك حكم عليها بالتذكية و صح له ترتيب الآثار عليها و إذا لم يقترن وجودها في سوق المسلمين بمثل هذا التصرف لم يحكم عليها بالتذكية و لم يصح له أن يرتب آثارها، فلعل البيع أو العرض للبيع في السوق، لغايات لا تتوقف على التذكية، فتباع اللحوم طعاما للحيوان أو السباع، و تباع الجلود لأمور لا تتوقف على الطهارة كما تقدم في يد المسلم، و لهذا الاحتمال فلا يحكم بتذكيتها. و كذلك الأمر في ما يجده منها مطروحا في أرض المسلمين، فلا يدل ذلك على تذكيتها إلا إذا وجد معها أثر استعمال المسلمين المناسب للطهارة و الذكاة، كما إذا رأى اللحم مطبوخا لأكل المسلمين منه أو وجد الجلد مخيطا أو مدبوغا ليستعملوه في ما يناسب التذكية من لبسه و الصلاة فيه، فيحكم عليه بالتذكية، و إذا لم يجد مثل هذا الأثر لم يحكم بالتذكية.

فلا يكتفى في يد المسلم أو سوق المسلمين أو أرض المسلمين بما يكون امارة على مطلق اليد، و لا بد من أن يقترن معها تصرف أو أثر يدل على الذكاة.

المسألة 161:

إذا وجد الإنسان اللحوم أو الجلود المشكوكة في يد مسلم و وجد المسلم صاحب اليد يتصرف فيها بما يدل على تذكيتها حكم عليها بالتذكية و رتب آثارها كما قلنا

في المسألة المائة و التاسعة و الخمسين من غير فرق بين ان يكون المسلم صاحب اليد موافقا في المذهب أو مخالفا، و سواء

كلمة التقوى، ج 6، ص: 329

كان ممن يقول بطهارة جلد الميتة إذا دبغ أم لا، أو كان ممن يخالف في اعتبار بعض الشروط في التذكية، كالتسمية عند الذبح و الاستقبال بالذبيحة و إسلام الذابح، فيصح للإنسان أن يعتمد على تصرفه الدال على التذكية فيحكم بها و يرتب آثارها، و ليس عليه أن يسأل أو يفحص، نعم يجب عليه أن يجتنب، إذا علم ان الجلود أو اللحوم مما لم تتم فيه التذكية على الوجه الصحيح أو اعترف صاحب اليد بذلك، فلا يكون تصرفه المتقدم دالا على التذكية الصحيحة، و لا يقبل اخباره بها فهو انما يخبر عن تذكيتها وفق معتقده.

المسألة 162:

لا يعتبر تصرف صاحب اليد و لا اخباره بالتذكية إذا كان ناصبا أو خارجيا أو غاليا على ما تقدم توضيح المراد منهم فلا تثبت التذكية اعتمادا على تصرفهم أو على قولهم.

المسألة 163:

إذا وجد اللحوم أو الجلود المشكوكة في سوق المسلمين، و وجد معها التصرف الذي يدل على التذكية كما اشترطنا في المسألة المائة و الستين حكم عليها بأنها مذكاة، و ان كانت بيد شخص يجهل أمره أ هو من المسلمين أو من غيرهم.

المسألة 164:

لا يترك الاحتياط بالاجتناب عنها إذا وجدها بيد شخص يجهل حاله و كانت السوق التي هي فيه لغير المسلمين، و ان غلب المسلمون على البلاد.

المسألة 165:

ما يوجد بيد الكافر محكوم بعدم تذكيته فهو ميتة يجب اجتنابها و ينجس ملاقيها برطوبة سواء كان في بلاد الكفار أم في بلاد المسلمين، و تلاحظ المسألة المائة و التاسعة و الستون الآتية.

و كذلك الحكم في ما يوجد بيد من يجهل حاله أ هو مسلم أم كافر، و كان في بلاد الكفار فهو محكوم بعدم التذكية و بالنجاسة، و مثله الحكم في ما يوجد مطروحا في بلاد الكفار و أرضهم فيجب الاجتناب عنه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 330

المسألة 166:

المرجع في كون البلد بلد مسلمين أو بلد كفار الى العرف، و حكمهم في ذلك يدور مدار الغلبة من الساكنين و المتوطنين في البلد، فإذا كان الغالب من المسلمين، فالبلد بلد مسلمين، و ان كانوا تحت سيطرة كافرة، و إذا كانت الغلبة للكفار فالبلد بلد كفار و ان كانوا في نفوذ حكومة مسلمة، و إذا تساوى السكان في المقدار جرى عليه حكم بلد الكفار.

المسألة 167:

ما يوجد في يد الكافر من جلود و لحوم و شحوم إذا كان قد أخذه من مسلم سابق عليه باليد، و كانت يد المسلم السابقة مقرونة بتصرف يدل على انها مذكاة كما تقدم اشتراطه في المسألة المائة و التاسعة و الخمسين فهو محكوم بأنه من المذكى، فيحل شراؤه و بيعه و ترتيب آثار الذكاة عليه.

المسألة 168:

إذا علم بأن المسلم قد أخذ ما عنده من الجلود أو اللحوم و الشحوم من كافر سابق عليه باليد من غير تحقيق في الأمر و لا تثبت حكم عليها بعدم التذكية و لم يجز ترتيب آثارها و تلاحظ المسألة الآتية.

المسألة 169:

ما يكون عند الكافر من جلود و لحوم إذا لم يعلم المسلم بأنه يشتمل على المذكى منها و غير المذكى، حكم عليه بعدم الذكاة و لم يجز له شراؤه و بيعه، كما تقدم في المسألة المائة و الخامسة و الستين، و إذا علم إجمالا بأن ما في يد الكافر يشتمل على ما هو مذكى و على ما هو غير مذكى، سقطت أصالة عدم التذكية بالعلم الإجمالي المذكور و بنى على أصالة الطهارة و أصالة الإباحة في اللحوم و الجلود الموجودة، فيصح له شراؤها و ترتيب آثار الطهارة و الإباحة عليها.

و هذا إذا كان العلم الإجمالي المذكور لا ينحل بسبب عدم الابتلاء ببعض أطرافه، لكثرة المذكى المعلوم وجوده في الأطراف.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 331

المسألة 170:

إذا وجد الرجل لحوما أو جلودا بيد شخص مسلم و كان الرجل مع المسلم صاحب اليد مختلفين في شرائط التذكية أو كيفيتها بحسب اجتهادهما أو تقليدهما، فكان الرجل يوجب قطع الأعضاء الأربعة في حصول التذكية، و كان صاحب اليد يكتفي بقطع الحلقوم، جاز له ان يأخذ الجلود أو اللحوم منه إذا اطمأن بأن صاحب اليد قد راعى في تذكية الحيوان جميع الشرائط.

و إذا شك في ذلك أو ظن بأنه راعى جميع الشرائط و لم يطمئن به فالأحوط له لزوم الاجتناب ان لم يكن ذلك هو الأقوى.

المسألة 171:

يجوز شرب دهن السمك المستحضر إذا علم انه قد أخذ من سمكة مذكاة و كانت ذات فلس، و لا يحل شربه إذا أخذ من غير المذكى أو من سمكة ليست ذات فلس، و إذا كان مشكوكا فلا بد في إباحته من إحراز كلتا الناحيتين، فإذا كان من صنع عامل مسلم و تحضيره حل شربه من كلتا الناحيتين و الا أشكل الأمر و جرت فيه التفاصيل السابقة التي ذكرناها في اللحوم و الشحوم الموجودة بيد الكافر.

المسألة 172:

ذكر الفقهاء قدس اللّه أرواحهم انه يستحب للذابح عند ذبح الغنم أن يربط يدي الذبيحة مع احدى رجليها و يطلق الرجل الثانية، و لم أجد لهذا مستندا سوى فتوى الأصحاب به و لذلك فلا بد و ان يكون الإتيان به برجاء المطلوبية.

و يستحب له ان يمسك صوف الذبيحة أو شعرها بيده حتى تبرد، و لا يمسك بيديها أو رجليها.

و يستحب عند ذبح البقر أن يعقل يدي الذبيحة و رجليها و يطلق ذنبها.

و يستحب عند نحر الإبل أن ينحرها قائمة و ان يعقل يدها اليسرى، و إذا نحرها باركة استحب له ان يشد خفي يديها الى ابطيها و يطلق رجليها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 332

و يستحب في ذبح الطير أن يرسله بعد ذبحه.

و يستحب له أن يعرض على الحيوان الماء قبل ذبحه أو نحره، و ان يساق الى الذبح أو النحر برفق و يضجعه للذبح برفق.

و يستحب أن يكون الذابح أو الناحر مستقبلا للقبلة عند الذبح و النحر، بل الأحوط استحبابا ان لا يترك ذلك.

و يستحب له أن يحد الشفرة و أن يواريها عن البهيمة لئلا تراها، و أن يريح البهيمة في الذبح جهده، فيسرع في قطع أوداجها و يمر السكين

بقوة، و يجد في العمل حتى ينجزه بسرعة، و أن يدع الحيوان في موضعه حتى يفارق الحياة فلا ينقله الى مكان آخر.

المسألة 173:

ذكر بعض الأصحاب رضوان اللّه عليهم انه يكره للذابح أن يبين رأس الذبيحة عامدا قبل أن تفارق الحياة و قد ذكرنا في ما تقدم ان الأحوط لزوما ترك ذلك و لا تحرم الذبيحة به إذا فعله.

و ذكروا (قدس سرهم): انه يكره له أن ينخع الذبيحة فيصيب بالسكين نخاعها عامدا، و قد تقدم أن الأحوط لزوم تركه و لا تحرم الذبيحة بفعله.

و ذكروا انه يكره له ان يسلخ الذبيحة قبل أن تفارق الحياة، و قد سبق ان الأحوط لزوم تركه كذلك و لا تحرم الذبيحة به.

و يكره له ان يقلب السكين فيدخلها تحت أعضاء التذكية و يقطعها الى فوق.

و يكره له ان يذبح الشاة عند الشاة أو ينحر الجزور عند الجزور و هو ينظر اليه.

و يكره الذبح في الليل حتى يطلع الفجر، و يكره الذبح في يوم الجمعة إلى الزوال.

و يكره للإنسان أن يذبح بيده ما رباه من الأنعام، و لا كراهة إذا ذبحه له غيره، أو باعه و اشترى بثمنه حيوانا مثله فذبحه بيده.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 333

كتاب الأطعمة و الأشربة

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 335

كتاب الأطعمة و الأشربة

المسألة الأولى:

المبحوث عنه في هذا الكتاب هو ما يحل أكله للإنسان من الحيوان و غيره من جامدات الأشياء و المجففات و ما لا يحل أكله منها، و ما يجوز شربه من المائعات و المعتصرات و المستحضرات و ما لا يجوز شربه، و لذلك فالبحث فيه يقع في عدة فصول.

الفصل الأول في ما يحل أكله من الحيوان و ما لا يحل
المسألة الثانية:

لا يحل للإنسان أكل ما عدا السمك و الطير من حيوان البحر، من غير فرق بين ما أشبه المأكول من حيوان البر و ما لم يشبهه، كبقر البحر و فرس البحر، و كلب الماء و خنزيره، و جميع أجناس الحيوان منه و أنواعه، ما عرف اسمه منها و ما جهل، و ما أمكن أن يعيش خارج الماء منه كالتمساح و السلحفاة و الضفدع و السرطان، و ما لم يمكن.

المسألة الثالثة:

يحل للإنسان أكل السمك إذا كان له فلس و قشور، و هذه هي العلامة المميزة بين ما يحل أكله من السمك و ما يحرم، من غير فرق بين كبير السمك و صغيره كالشبوط و القطان و البز و البني و الهامور و الداقوق، و الكنعت، و السبيطي و الزبيدي و الصافي و الحمام و الجنم، و ما عرف اسمه و ما جهل، فجميع ذلك مما يحل أكله لوجود الفلس فيه، و قد ذكر في بعض النصوص الطمر و الطبراني و الإبلامي و الربيثا، و هي أنواع منه لعلها تعرف بغير هذه الأسماء في الأزمان الحاضرة، و على أي حال فالمدار في الحل على وجود العلامة الآنف ذكرها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 336

المسألة الرابعة:

من الحوت ما يكون سي ء الخلق- على ما في بعض النصوص- كالكنعت، فيحتك بكل شي ء يجده حتى يسقط عنه قشره و فلسه، و لكنه محلل الأكل لوجود العلامة فيه فيوجد الفلس و القشر في أصل اذنه مثلا و في المواضع التي لا يمكنه أن يحكه من جسده، و قد ذكر بعض من يوثق بهم ما يقرب من ذلك عن الصافي و المزلق، و المزلق نوع من السمك إذا أضطره الصائد غاص في الطين و انزلق فيه و استعان على ذلك بنعومة جلده و صغر الفلوس و القشور عليه، و قد أكد بعض الخبراء وجود الفلس فيه.

المسألة الخامسة:

الإربيان و يسميه العامة الروبيان نوع من السمك الصغار المعروف و له قشر واضح يكسو لحمه فهو مما يحل أكله.

المسألة السادسة:

يحرم على الإنسان أكل الجري و الزمير و المارماهي و سائر الأنواع التي لا فلس فيها و لا قشر من السمك و أصناف الحوت من غير فرق بين الصغير منها و الكبير و منه الكوسج المفترس و أنواع سمك القرش الكبيرة و الصغيرة.

المسألة السابعة:

بيض السمك تابع له في الحكم، فالسمك الذي يحل أكل لحمه يحل أكل بيضه، و السمك الذي يحرم أكله يحرم أكل بيضه.

و إذا اشتبه في بيض السمك فلم يعلم أنه من المحلل أو من المحرم فالأظهر حرمته و لزوم اجتنابه سواء كان خشنا أم أملس.

المسألة الثامنة:

يحرم أكل السمك الطافي و هو الذي يموت في الماء ثم يطفو على وجهه، و يحرم كل سمك يموت في الماء و ان كان في شبكة أو حظيرة أو آلة أخرى للصيد، بل و ان مات في حوض أو إناء فيه ماء و قد مر ذكر هذا في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 337

المسألة الحادية و الثمانين من كتاب الصيد، و يحرم أكل السمك إذا مات و لم تدرك ذكاته.

المسألة التاسعة:

يحرم أكل السمك الجلال و أكل بيضه على الأحوط و هو الذي يتغذى بعذرة الإنسان وحدها حتى يصدق عليه اسم الجلال، و سيأتي بيان هذا عند التعرض لحكم الحيوان الجلال، و يزول الجلل عن السمك شرعا إذا منع من أكل العذرة و أطعم طعاما طاهرا مدة يوم و ليلة، فإذا زال الجلل منه حل أكله و إذا لم يزل اسم الجلل عنه في المدة المذكورة استبرئ حتى يزول عنه اسم الجلل.

المسألة العاشرة:

إذا اصطاد الرجل سمكة، فوجد في جوفها سمكة أخرى ذات فلس، حل له أكل السمكة الكبيرة إذا كانت مباحة ذات فلس، و حل له أكل السمكة التي وجدها في الجوف إذا كانت حية حال أخذ السمكة الكبيرة، و اما إذا جهل حياتها و موتها حال أخذ الكبيرة أو علم بموتها، ففي حلها اشكال و لا يترك الاحتياط باجتنابها.

المسألة 11:

لا فرق بين طير البحر و طير البر في الحكم، فما يكون أكله حلالا من طير البر يكون أكل مثله حلالا من طير البحر، و العلامات التي جعلها الشارع مميزة للمحلل من طير البر هي بذاتها علامات للحل في طير البحر، و سيأتي ذكر كل أولئك في مواضعها ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 12:

يحل للإنسان أكل لحوم الأنعام الثلاثة من حيوانات البر الإنسية:

الإبل، و البقر و الغنم، من غير فرق بين أصناف كل جنس منها، ما ذكرناه في كتاب الذباحة منها أو في كتاب الزكاة و ما أشرنا اليه و لم نذكره.

و يحل له أكل لحم الخيل، و البغال و الحمير، بجميع أصنافها، على

كلمة التقوى، ج 6، ص: 338

كراهة تختلف ما بينها في الشدة و الضعف، فالخيل أخفها كراهة، و هي في البغال و الحمير على قولين.

و يحرم عليه أكل السنور، و يحرم عليه أكل الأرنب و هو من المسوخ على ما ورد في بعض الأدلة، و هو من الحيوانات المتوحشة التي قد تستأهل، و سيأتي ذكره في المحرم من الحيوانات المتوحشة، و اما الكلب فهو نجس العين، فضلا عن كونه مما يحرم أكله، و كذلك الحكم في الخنزير البري، و هو من الحيوانات المتوحشة التي قد تستأنس.

المسألة 13:

يحل للإنسان ان يأكل لحوم الظباء من الحيوانات الوحشية، و يحل له أكل لحوم البقر الوحشية و الوعول و الأيائل و اليحامير و الغنم الوحشية و الحمر الوحشية، و ربما يطلق بعض هذه على بعض، و ربما اختلفت في الكبر و الصغر من الجنس الواحد، أو في الذكورة و الأنوثة، كما تختلف المهاة عن مطلق بقر الوحش و كما يختلف الرشا و الشادن عن مطلق الظبي، و لعل الحل لا ينحصر بالمذكورات.

المسألة 14:

يحرم على الإنسان من الحيوان الوحشي أكل كل ذي ظفر و ناب يفترس فيه، كالأسد، و الفهد و النمر و الذئب و سائر السباع التي تفترس الحيوان كالضبع و ابن آوى و الثعلب، و يحرم عليه أكل الفيل و وحيد القرن و الزرافة، و الدب، و أصناف القردة و الأرانب.

و يحرم أكل الحشرات كالضب و ابن عرس و اليربوع و القنفذ، و الحيات و الجرذان، و الصراصر و الخنافس و سائر الحشرات، الصغير منها و الكبير مما يعسر عده، بل و مما يقبح ذكره.

المسألة 15:

يحل للإنسان من الطير أكل الحمام بجميع أصنافه، كالرواعب مسرولة و غير مسرولة و القماري و الدباسي و الورشان و اليمامة، و يكره الفواخت منها، و يحل أكل القطا، و الحبارى و الكركي و الكروان، و الحذاف، و البط، و القبج و الدراج، و الحجل، و الطيهوج و هو طائر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 339

يشبه الحجل كما قيل، و يفترق عنه في بعض الأوصاف، و يحل أكل العصفور بجميع أنواعه.

المسألة 16:

يحل له أكل الدجاج بجميع أصنافه كالدجاج الأهلي و الدجاج الحبشي و قد يسمى الغرغرة أو الدجاج الرومي، و يحل أكل الإوز و البط غير الطائر، و يحل أكل لحم النعام على الأقوى.

المسألة 17:

يجوز للإنسان- على كراهة- أكل لحم الصرد، و هو على ما يقول بعض اللغويين: طائر أخضر الظهر أبيض البطن ضخم الرأس يصطاد صغار الطير، و يكره أكل الصوام، و الشقراق، و هو طائر أخضر مليح له صوت يشبه الزغردة و لذلك فالعامة من أهل نواحي البصرة يسمونه بالمهلهل، و يكره أكل القنبرة، و هو طائر كالعصفور، له في رأسه قنزعة، و يكره أكل الهدهد و الخطاف، و لعله أشدها كراهة بل الأحوط استحبابا اجتنابه.

المسألة 18:

يحرم أكل الخفاش، و الطاوس، و يحرم أكل كل ذي مخلب، سواء كان من الجوارح المفترسة كالعقاب و الرخم و البازي و الصقر و الشاهين و الباشق و الحدأة أم من غيرها كالنسر و البغاث و البومة، و يحرم أكل الببغاء، و لحوم الغربان من غير فرق بين الكبير منها و المتوسط و الصغير، حتى الزاغ و الغداف على اشكال في بعض الأنواع منها، و الأحوط لزوما اجتنابها جميعا.

المسألة 19:

يحرم أكل الذباب و النحل و مطلق الزنابير، و الجعلان و البق و جميع الحشرات الطائرة و قد تقدم الحكم بالتحريم في الحشرات غير الطائرة مما يدب أو يثب.

المسألة 20:

قد ذكرت للتمييز ما بين المحلل من الطير و المحرم منه في الشرع

كلمة التقوى، ج 6، ص: 340

علامتان يرجع إليهما إذا شك في حل الطير و حرمته، و لم يرد فيه نص خاص أو عام، كما ورد في الموارد الآنف ذكرها.

العلامة الأولى: الصفيف و الدفيف في طيران الطير، و الصفيف هو أن يبسط الطير جناحيه في حال طيرانه، و الدفيف هو ان يحركهما في حال طيرانه، فكأنه مأخوذ من الضرب بجناحيه على دفتيه.

فكل طير يصف جناحيه في طيرانه أو يكون صفيفه أكثر، فهو محرم الأكل، و مثال ذلك: جوارح الطير و كواسرها، فإنها تبسط أجنحتها في الطيران أو يكون بسطها أكثر، و كل طير يحرك جناحيه عند طيرانه أو يكون تحريكها و الدفيف بها أكثر، فهو محلل الأكل، و مثال ذلك:

الحمام و القطا و العصفور، فهي تدف بأجنحتها، إلا في حالات خاصة.

العلامة الثانية: أن تكون في الطير أحد أمور ثلاثة:

الحوصلة، و هي في الطائر- كما يقول بعض اللغويين- بمنزلة المعدة للإنسان، و القانصة، و هي قطعة صلبة تكون في جوف الطائر تجتمع فيها الحصى الدقيقة التي يأكلها، و الصيصية، و هي شوكة أو إصبع يكون في موضع العقب من رجل الطائر.

فكل طير يكون فيه بعض هذه الأشياء الثلاثة أو جميعها، فهو محلل الأكل كالدجاجة فإنها توجد فيها جميعا، و كل طير لا يكون فيه شي ء منها فهو محرم الأكل.

المسألة 21:

إذا اتفقت العلامتان الآنف ذكرهما في الدلالة على الحكم، فكان الطير مما يصف في طيرانه أو مما يكون صفيفه أكثر، و لم توجد فيه حوصلة و لا قانصة و لا صيصية، فلا إشكال في حرمة أكله، و كذلك إذا كان الطير مما يدف في طيرانه،

أو مما يكون دفيفه أكثر، و وجد فيه مع ذلك بعض الأشياء المذكورة، أو وجد فيه جميعها، فلا ريب في انه مما يحل.

المسألة 22:

إذا اختلفت العلامتان في الدلالة على حل الطائر أو تحريمه، عول

كلمة التقوى، ج 6، ص: 341

في الحكم على العلامة التي ذكرناها أولا، فإذا كان الطير مما يصف في طيرانه، أو كان صفيفه أكثر من دفيفه، و كانت مع ذلك له حوصلة أو قانصة أو صيصية، حكم بحرمته.

و إذا كان مما يدف في طيرانه أو كان دفيفه أكثر من صفيفه، و كان فاقدا للأمور الثلاثة كلها فالظاهر حل أكله.

المسألة 23:

إذا كان الطير مما يتساوى صفيفه و دفيفه، رجع في تبين حكمه الى العلامة الثانية، فإذا وجدت له قانصة أو حوصلة أو صيصية حكم بحل أكله، و إذا لم يوجد فيه شي ء منها حكم بحرمته.

المسألة 24:

إذا وجد الإنسان طيرا يصف في طيرانه تارة و يدف تارة، و لم يعرف أيهما أكثر رجع في حكمه إلى العلامة الثانية كما في الفرض المتقدم، فإذا وجد فيه شي ء من الأمور الثلاثة أو وجد فيه جميعها، حكم بحله، و إذا فقدها جميعا حكم بحرمته.

و كذلك الحكم إذا رأى طيرا مذبوحا لا يعرف حاله في الطيران، فيرجع في أمره إلى العلامة الثانية.

المسألة 25:

لا فرق في ترتب الأحكام المذكورة مع العلامات و اختلاف الفروض بين طير البحر و طير البر كما أشرنا إليه في ما تقدم، و إذا وجدت علامة الحل في طير البحر حكم بحل أكله و ان كان الطير مما يأكل السمك، فلا يكون ذلك موجبا لتحريمه، كما لا تحرم السمكة التي تأكل السمك إذا كانت ذات فلس.

المسألة 26:

بيض الطير يتبع الطير نفسه في الحكم، فالطير الذي يحل أكله للنص على تحليله بالخصوص أو بالعموم يحل أكل بيضه، و الطير الذي يحرم أكله كذلك، يحرم أكل بيضه، و لا يحتاج معه الى وجود علامة الحل أو الحرمة في البيض نفسه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 342

و إذا وجد الإنسان بيضا، و شك في انه مما يحل أو مما يحرم، فالعلامة المائزة فيه هي اختلاف طرفي البيضة و تساويهما، فإذا اختلف طرفا البيضة و تميز رأسها عن طرفها الآخر كبيضة الدجاجة و بيضة البطة و بيضة الإوزة فهي مما يحل أكله، و إذا اتفق طرفاها و تساويا فهي مما يحرم أكله.

المسألة 27:

تقدم في المسألة الرابعة عشرة ان النعامة مما يحل أكله، فهي مما يحل أكل بيضه.

المسألة 28:

اللقلق من الطيور التي لم ينص الشارع على حله أو على حرمته بالخصوص أو بالعموم، فالمرجع في حكمه الى العلامات التي تقدم ذكرها، و قد اختلف الناقلون عن حاله في الطيران من الصفيف و الدفيف أيهما أكثر، و لعله مضطرب الحالات في ذلك فيكثر صفيفه في بعض الأوقات و يكثر دفيفه في أوقات أخرى، و إذا تساوى حاله في الطيران، أو شك و لم يعرف أمره، فالمرجع في حكمه الى وجود الحوصلة فيه أو القانصة أو الصيصية، أو فقدها جميعا، و هي العلامة الثانية، و نقل عن بعض الأعاظم حكمه بحرمة أكله لأن صفيفه أكثر، و الأحوط اجتناب أكله.

المسألة 29:

قد تعرض الحرمة على الحيوان المحلل أكله لطروء بعض الأسباب الآتي ذكرها، فيكون الحيوان محرما بالعارض، و الأسباب التي توجب له الحرمة بالعارض هي: الجلل، و وطء الإنسان له، و تغذي بعض أطفال الحيوان بلبن الخنزيرة حتى يقوى عليه و ينمو و يشتد عليه عظمه و لحمه، فيكون الجلل سببا لتحريم الحيوان الجلال، و يكون وطء الإنسان سببا لتحريم الحيوان الموطوء، و يكون تغذي الحيوان الطفل بلبن الخنزيرة سببا لتحريم الطفل المتغذي و تحريم نسله.

المسألة 30:

الجلل هو أن يغتذي الحيوان بعذرة الإنسان حتى يصدق عرفا انها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 343

غذاؤه، و لذلك فلا بد في صدق الجلل من أن ينحصر غذاء الحيوان بعذرة الإنسان وحدها، فإذا خلط الحيوان في أكله بينها و بين غيرها، بحيث لم يصدق أنها غذاؤه لم يتحقق الجلل الذي تترتب عليه الأحكام الآتية الا ان يكون أكله من غيرها يسيرا نادرا لا ينافي حكم العرف بأن غذاءه هي العذرة خاصة، فيصدق الجلل و تترتب أحكامه، و لا يتقدر ذلك بمدة معينة، بل المدار ان يأكل منها حتى يتحقق الموضوع المذكور في مقاييس أهل العرف.

المسألة 31:

لا تلحق بعذرة الإنسان عذرة غيره من الحيوان في تحقق الجلل و ترتب أحكامه الخاصة إذا تغذى الحيوان بها و ان كانت نجسة أيضا، و لا يلحق بها سائر النجاسات و المتنجسات.

المسألة 32:

إذا تحققت صفة الجلل في الحيوان حرم أكل لحمه، و حرم شرب لبنه، و حرم- على الأحوط لزوما- أكل بيضه إذا كان مما يبيض، و ترتبت عليه جميع أحكام المحرم بالأصل، على الأحوط فلا تجوز الصلاة في جلده و لا في أجزائه الأخرى إذا ذكي، و لا تصح الصلاة في فضلاته الطاهرة، و قد تقدم في المسألة المائة و التاسعة و العشرين من كتاب الطهارة: الحكم بنجاسة بوله و روثه و نجاسة عرقه إذا كان من الإبل، بل الأحوط الحكم بنجاسة العرق من كل حيوان جلال، و لا ترتفع هذه الأحكام جميعا حتى يستبرأ الحيوان و يرتفع عنه اسم الجلل عرفا.

المسألة 33:

إذا تحققت صفة الجلل في الحيوان حرم أكله و تحققت أحكام الجلل الممكنة فيه من غير فرق بين الحيوان الصغير و الكبير و الطير و السمك، و قد ذكرنا حكم السمك الجلال في المسألة التاسعة.

المسألة 34:

لا يمنع الجلل من أن يذكى الحيوان الجلال كما يذكى غيره من الحيوان القابل للتذكية، فإذا ذبح أو نحر مثلا على الوجه المطلوب طهر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 344

لحمه و جلده كما يطهر الحيوان المحرم بالأصل إذا ذكي و كان قابلا للتذكية و ان لم يجز أكل لحمه و لا الصلاة في أجزائه كما قلنا.

المسألة 35:

يصح للإنسان أن يشتري الحيوان الجلال أو يتملكه بصيد و نحوه، ثم يستبرئه بعد أن يتملكه فإذا زال عنه اسم الجلل بعد الاستبراء حل له أكله، فيصطاد الطير الجلال أو السمك الجلال، فإذا ملكه و استبرأه كذلك حل أكله و أكل ما يتجدد من بيضه بعد ذلك و لا يحل أكل ما باضه قبل أن يتم الاستبراء.

المسألة 36:

ترتفع أحكام الجلل الآنف ذكرها عن الحيوان الجلال بالاستبراء، و هو منع الحيوان عن أكل العذرة و تغذيته بغيرها مدة يأتي بيانها.

و لا يترك الاحتياط لزوما فيه، فإذا منع الحيوان من التغذي بالعذرة و زال عنه اسم الجلل في نظر أهل العرف قبل أن تنتهي المدة المنصوصة للحيوان فلا بد من الاستمرار على الاستبراء حتى تنتهي المدة المعينة له، و إذا منع من التغذي بالعذرة حتى مضت المدة و لم يزل اسم الجلل عنه في نظر أهل العرف، لم تنتف عنه أحكام الجلل حتى يستمر في الاستبراء الى ان يزول الاسم.

المسألة 37:

المدة المعينة في النصوص لاستبراء الحيوان الجلال، هي أربعون يوما في الإبل، و ثلاثون يوما على الأحوط في البقر، و عشرة أيام في الشاة، و خمسة أيام أو سبعة في البطة و ثلاثة أيام في الدجاجة و يوم و ليلة في السمك.

و قد ذكرنا أن المقصود أن يستبرأ الحيوان المدة المذكورة إذا زال اسم الجلال عنه معها أو زال عنه قبلها، فإذا لم يزل اسم الجلل عنه في المدة فلا بد من الاستمرار على الاستبراء بعدها حتى يزول الاسم.

المسألة 38:

تجب مراعاة المدة المذكورة في الحيوان الذي نص عليه على الوجه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 345

الذي بيناه من غير فرق بين الكبير من الحيوان و الصغير.

المسألة 39:

إذا كان الحيوان الجلال مما لم تقدر له مدة في استبرائه، وجب أن يستبرأ حتى يزول عنه اسم الجلل و يصدق عليه في نظر أهل العرف ان غذاءه غير العذرة.

المسألة 40:

استبراء الحيوان الجلال أن يمنع من أكل العذرة بحبس أو ربط، و يطعم علفا طاهرا على الأحوط الى أن تنتهي المدة المعينة، فإذا لم يزل عنه اسم الجلال استمر في ذلك الى أن يزول عنه الاسم.

المسألة 41:

إذا استبرئ الحيوان كذلك حل أكل لحمه و حل شرب ما يتجدد بعد الاستبراء من لبنه، و ارتفعت عنه أحكام الجلل الآنف ذكرها أو الإشارة إليها.

المسألة 42:

السبب الثاني من أسباب تحريم أكل الحيوان المحلل: أن يطأه انسان، فإذا وطأ الإنسان حيوانا مما يحل أكله، حرم بالوطء أكل لحمه و لحم نسله على المالك و الواطئ و على غيرهما من الناس، و حرم عليهم شرب ألبانهما مما يتجدد بعد الوطء من النسل و اللبن، و لا يحرم ولده و لا لبنه المتقدم على الوطء، من غير فرق بين أن يكون الإنسان الواطئ كبيرا و صغيرا على الأحوط، و عاقلا و مجنونا، و عالما و جاهلا، و مختارا في فعله و مكرها، و سواء أنزل الواطئ أم لم ينزل، و سواء كان وطؤه للحيوان قبلا أم دبرا، و سواء كان الحيوان الموطوء ذكرا أم أنثى، و صغيرا أم كبيرا.

المسألة 43:

إذا وطأ الإنسان بهيمة أنثى و كانت حاملا، قد تكون جنينها قبل وطء الإنسان لها، لم يحرم بالوطء أكل هذا الحمل، و لم تشمله أحكام وطء الإنسان و لا تشمل نسله الذي يتولد منه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 346

المسألة 44:

إذا كان الحيوان مذبوحا أو منحورا قد تمت تذكيته، فوطأه الإنسان لم يحرم بذلك لحمه و لا اللبن الموجود في الضرع إذا كانت أنثى و لا الجنين الذي في بطنها إذا ذكي أو كانت ذكاة أمه ذكاة له.

المسألة 45:

لا يعم الحكم بالتحريم الحيوان الموطوء إذا كان من غير ذوات الأربع، و ان كان الأحوط استحبابا اجتناب أكله و أكل بيضه الذي يتجدد بعد الوطء.

المسألة 46:

إذا كان الحيوان الذي وطأه الإنسان مما يقصد أكل لحمه كالغنم و البقر و الإبل و نحوها من الحيوانات و ان كانت وحشية قد تأهلت، وجب أن يذبح الحيوان أو ينحر، ثم يحرق بعد موته، و يغرم الواطئ قيمة الحيوان لمالكه، إذا كان الواطئ غير المالك.

و إذا كان الحيوان الموطوء مما يطلب ظهره للحمل أو الركوب عليه و لم يعتد أكله كالفرس و البغل و الحمار، أخرج الحيوان الى بلد آخر غير البلد الذي وطئ فيه و بيع في ذلك البلد، و غرم الواطئ قيمته للمالك إذا كان غير الواطئ، و إذا بيع الحيوان في البلد الآخر دفع ثمنه للواطي على الأقرب.

المسألة 47:

إذا وطأ الإنسان الحيوان ثم اشتبه الحيوان الموطوء بغيره أخرج بالقرعة و أجري الحكم المذكور على ما عينته القرعة، و إذا تعدد الحيوان الذي اشتبه الموطوء به، قسمت الحيوانات المشتبه بها الى نصفين و أقرع بينهما، فإذا خرجت القرعة على أحدهما قسم الى نصفين كذلك و أقرع بينهما، و هكذا حتى يتعين واحد و يجرى عليه الحكم.

المسألة 48:

ظاهر وجوب إحراق الحيوان بعد ذبحه و موته الذي دلت عليه الأدلة في المسألة عدم جواز الانتفاع بجلد الحيوان الموطوء بعد تذكيته، و لا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 347

بصوفه و لا بشعره أو وبره و لا بشي ء من اجزائه كالإنفحة و شبهها، فلا يجوز شي ء من ذلك على الأقوى.

المسألة 49:

الأحوط لزوما حرمة شرب اللبن الموجود في ضرع الحيوانة الأنثى في حال وطئها، و لعله الأقوى، فإنه من الانتفاع بالحيوان الموطوء و قد تقدم أن الأقوى حرمته.

المسألة 50:

لا يجري الحكم بوجوب الإحراق بعد الذبح على نسل الحيوان الموطوء الذي يتولد منه بعد الوطء و ان حرم أكل لحمه و شرب لبنه كما ذكرنا في ما تقدم.

المسألة 51:

السبب الثالث من أسباب تحريم أكل الحيوان المحلل: أن يرضع الجدي لبن خنزيرة حتى يقوى و ينبت لحمه و يشتد عظمه على رضاعه منها، و الجدي هو ولد المعز في سنته الأولى، و المراد ان يغتذي برضاعه من لبنها في أيام رضاعه المتعارفة لمثله سواء كان في السنة الأولى أم بعدها، فإذا رضع كذلك حرم أكل لحمه و حرم أكل نسله و حرم شرب لبنه و ألبان نسله سواء كان المرتضع أنثى أم ذكرا.

و كذلك الحكم- على الأحوط لزوما- في الحمل و هو ولد الشاة بل و في كل حيوان رضيع محلل الأكل فإذا رضع من لبن الخنزيرة حتى نمى و نبت عليه لحمه و اشتد عظمه وجب اجتناب أكل لحمه و لحوم نسله و ألبانهما.

المسألة 52:

لا تلحق الكلبة بالخنزيرة في الحكم، فإذا ارتضع الحيوان الصغير من لبنها حتى نمى و اشتد على رضاعه منها لحمه و عظمه لم يحرم أكله.

و يشكل الحكم إذا سقي الحيوان الرضيع لبن الخنزيرة سقيا من غير رضاع حتى نمى و اشتد على ذلك، فلا يترك الاحتياط باجتنابه، و كذلك إذا ارتضع من لبنها بعد ما كبر و فطم من رضاع أمه حتى حصل الشرط

كلمة التقوى، ج 6، ص: 348

فلا يترك الاحتياط باجتنابه، و ان كان الأظهر عدم التحريم في الصورتين.

المسألة 53:

إذا رضع الحيوان الصغير من لبن الخنزيرة و لم يشتد على رضاعه منها لحمه و عظمه، كره أكل لحمه، فإذا استبرئ من ذلك سبعة أيام، فمنع من رضاع الخنزيرة و أرضع من لبن شاة أو معز مثلا في تلك المدة زالت الكراهة عن أكله، و ان كان قد استغنى عن الرضاع أطعم في أيام الاستبراء علفا طاهرا فتزول الكراهة عنه بذلك.

المسألة 54:

لا يحرم الحيوان الصغير إذا رضع من لبن امرأة كافرة حتى نمى و اشتد لحمه و عظمه على رضاعه منها، و أولى من ذلك، ما إذا رضع من لبن امرأة مسلمة حتى حصل الشرط أو سقي من اللبن بغير رضاع فلا يحرم أكل لحمه، بل يكون أكله مكروها في الصورتين الأولتين، و لا دليل على الكراهة في الصورة الأخيرة.

المسألة 55:

إذا شرب الحيوان الذي يحل أكله خمرا فسكر، و ذبح في حال سكره لم يحرم بذلك أكل لحمه، و الأحوط وجوب غسل لحمه قبل أكله، و لا يجوز أكل ما في جوفه من أمعاء و شحوم و كرش و قلب و كبد و رئة و كليتين و غير ذلك و ان غسله.

المسألة 56:

إذا شرب الحيوان بولا نجسا أو تناول بعض النجاسات الأخرى ثم ذبح بعد تناوله إياها لم يحرم أكل لحمه، و لا يحتاج الى غسل اللحم قبل الأكل إذا لم تكن عين النجاسة موجودة، و يجوز أكل ما في جوف الحيوان، و الأحوط لزوم غسل ما في الجوف قبل أكله.

المسألة 57:

تحرم من الحيوان الذي يحل أكله أربعة عشر شيئا، فلا يجوز أكلها و ان ذكي الحيوان بالذبح أو النحر، و تسمى هذه الأشياء محرمات الذبيحة و هي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 349

(1) الفرث (2) الدم (3) الطحال (4) القضيب (5) الأنثيان (6) المثانة، و هي الموضع الذي يتجمع فيه بول الحيوان قبل خروجه، (7) النخاع، و هو خيط أبيض يمتد من رقبة الحيوان في وسط فقرات ظهره إلى أصل ذنبه، (8) الغدد، و هي عقد مدورة الشكل غالبا تتكون في جسد الحيوان، و لا تنحصر في موضع منه، (9) المرارة (10) المشيمة، و هي كيس أو نحوه يكون موضعا للجنين أيام حمله، أو هي قرينته التي تخرج معه في الولادة، فيجب الاجتناب عنهما، (11) العلباوان، و هما عصبتان صفراوان عريضتان تمتدان في الظهر من رقبة الحيوان الى ذنبه (12) خرزة الدماغ، و هي- على ما قالوا- حبة بقدر الحمصة تكون في وسط الدماغ و لونها يميل إلى الغبرة، و يخالف لون باقي الدماغ الموجود في الجمجمة، (13) الحدقة، و هي السواد الذي يكون في العين لا مجموعها، (14) الفرج من الحيوانة الأنثى ظاهره و باطنه.

المسألة 58:

مما يقطع به وجود الرجيع و الدم و الفرج و الحدق في مطلق الطير من محرمات الذبيحة، و مما يقطع به أيضا وجود القضيب و البيضتين و المرارة و النخاع في كبار الطير و متوسطها، كالدجاجة و شبهها و اما المثانة و المشيمة فيقطع بعدمهما فيه لأن الطير لا يبول و لا يلد ما عدا الخفاش، فيجب الاجتناب عن المذكورات أولا التي يقطع بوجودها و يشك في وجود باقي المحرمات فيه، فلا يجب الاجتناب عنه.

المسألة 59:

تحرم الأشياء الآنف ذكرها من الحيوان الذي يذبح أو ينحر خاصة، فلا يحرم شي ء منها في السمك و لا في الجراد إذا علم وجوده فيهما، و الأحوط لزوما اجتناب أكل الدم في السمك، و الرجيع فيهما.

المسألة 60:

يكره أكل الكليتين من الحيوان المذبوح أو المنحور، و أذني القلب، و هما زائدتان تكونان في أعلى القلب، و يكره أكل العروق و الأوداج.

المسألة 61:

يحل أكل كل شي ء من الذبيحة غير ما تقدم ذكره، فيحل أكل اللحم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 350

و الشحم، و القلب، و الرئة، و الكبد، و الأمعاء و الكرش، و الغضاريف، و يحل أكل الجلد و العظم على الأظهر، و الأحوط استحبابا اجتناب أكلهما، و يتأكد الاحتياط باجتناب إهاب الذبيحة الذي يسلخ و لا يعتاد أكله، و لا بأس بأكل جلد الرأس و جلود الدجاج و الطيور.

المسألة 62:

يجوز أكل اللحم المحلل نيا، و مطبوخا بالماء، و مطبوخا بالدهن أو بالمائعات المحللة الأخرى و مشويا، و ان غلبت عليه النار فاحترق ما لم يكن مضرا، أو يعد من الخبائث، فيحرم لذلك.

المسألة 63:

تعرضنا في المسألة التسعين من كتاب الطهارة لحكم الأجزاء التي لا تحلها الحياة في حال الحياة إذا أخذت من حيوان طاهر العين، كالقرن و العظم، و السن و الظفر، و الحافر، و الظلف و المخلب، و المنقار، و الشعر و الصوف، و الوبر و الريش، و البيضة إذا اكتست قشرها الأعلى و ان لم يتصلب بعد، و كاللبن في ضرع الحيوانة الأنثى، و الأنفحة التي تخرج من بطن الجدي أو السخل قبل أن يتغذى بالأكل، فهي جميعا محكومة بالطهارة، و ان أخذت من الحيوان بعد موته، و لا تسري إليها نجاسة الميتة، و لا يكون حكمها حكم أجزاء الميتة التي تحلها الحياة، و قد فصلنا حكمها هناك، فليرجع إليها من أراد.

و الأجزاء المذكورة كما هي طاهرة فهي محللة إذا كانت محللة في الأصل، فيجوز أكل البيضة إذا كانت من طير يحل أكله، و يجوز شرب اللبن إذا كان من حيوان يحل أكله، و يجوز أكل الأنفحة إذا أخرجت من بطن سخل أو جدي محلل الأكل و جعلت في اللبن فصار جبنا، فيجوز أكل الجبن و معه أجزاء الأنفحة المذكورة، و قد بينا في المسألة المشار إليها ان الأحوط الاقتصار في الانفحة على المادة الصفراء التي يستحيل إليها اللبن الذي يرتضعه الحيوان قبل أن يأكل، و لا يعم الكرش نفسه.

و قد اشترطنا في طهارة الأجزاء المذكورة أن لا تصيبها نجاسة عرضية برطوبة الميتة نفسها حين إخراجها منها فإذا أصابتها نجاسة عرضية

كلمة التقوى،

ج 6، ص: 351

بسبب ذلك أو بسبب آخر فلا بد من تطهيرها إذا أمكن التطهير، و هذا الشرط كما هو شرط في الطهارة، فهو شرط في الحل، و هو واضح.

المسألة 64:

ذكرنا في مبحث النجاسات من كتاب الطهارة: أن بول كل حيوان لا يؤكل لحمه نجس عينا إذا كانت للحيوان نفس سائلة، سواء كان مما يحرم أكله بالأصل كالمسوخ و السباع و الحشرات، أم كان مما يحرم أكله بالعارض كالحيوان الجلال و موطوء الإنسان، و لذلك فلا ريب في حرمة شربه.

و يحرم كذلك شرب بول ما يؤكل لحمه على الأحوط لزوما، كالغنم و البقر و بقية الحيوانات التي يؤكل لحمها من الوحوش و غيرها، فلا يجوز شرب بولها و ان كان طاهرا غير نجس.

و يجوز شرب أبوال الإبل للاستشفاء به من بعض الأمراض، و لا يلحق به غيره من بول الأنعام الأخرى.

المسألة 65:

يحرم رجيع كل حيوان، سواء كان الحيوان مما يحرم أكله أم كان مما يحل، و الظاهر أن التحريم لا يتناول فضلات الدود التي تتكون في جوف بعض الفاكهة و المخضرات و تلتصق به فضلاتها، و لا يتناول ما في جوف السمك و الجراد من فضلاتهما إذا كان غير متميز و أكل معهما، و إذا كان متميزا، فالأحوط لزوم اجتنابه.

المسألة 66:

يحرم أكل الدم من كل حيوان له نفس سائلة، سواء كان الحيوان مما يحرم أكله أم مما يحل، حتى الدم و العلقة التي تتخلق في البيضة، فيجب اجتنابهما.

و يستثنى من ذلك الدم الذي يتخلف في الحيوان المأكول لحمه إذا ذكي و خرج بالذبح أو النحر ما يتعارف خروجه من الدم و بقي الباقي منه، فيكون المتخلف منه في جوف الذبيحة طاهرا، و يكون المتخلف في اللحم و الذي يعد جزءا منه حلالا تابعا للحم في جواز أكله معه، من غير

كلمة التقوى، ج 6، ص: 352

فرق بين ما يتخلف منه في اللحم أو في القلب أو في الكبد، و إذا اجتمع الدم و كان له وجود غير تابع لها و لا يعد جزءا منها كان محرما.

المسألة 67:

دم الحيوان الذي ليست له نفس سائلة طاهر ليس بنجس كما أوضحناه في مبحث الدم من كتاب الطهارة، و كذلك دم الحيوان الذي يشك في ان له نفسا سائلة أم لا، كالحية و التمساح، فهو طاهر ليس بنجس، و لا ريب في حرمة أكله إذا كان من حيوان يحرم أكله كالحيات و الحشرات المحرمة التي يكون فيها دم و لكنه لا يسيل بقوة عند الذبح و كدم السمك الذي يحرم أكله كالجري و الزمير.

و إذا كان الحيوان مما يحل أكله كالسمك المحلل، فالظاهر جواز أكل دمه مع لحمه إذا عد تابعا للحم و جزءا منه، و إذا اجتمع دمه و كان وجوده متميزا و ليس تابعا للحم و لا جزءا منه، أشكل الحكم بحل أكله فلا بد من تركه على الأحوط لزوما.

المسألة 68:

اللبن تابع في الحكم للحيوان الذي يتكون منه، فيحل شربه إذا كان الحيوان محلل الأكل و يحرم شربه إذا كان الحيوان الذي يتكون منه محرم الأكل، و قد سبق الحكم بوجوب الاجتناب عن شرب لبن الحيوان الجلال و لبن الحيوان الذي يطأه إنسان و ألبان نسله و وجوب الاجتناب عن لبن الحيوان الذي يتغذى في رضاعه بلبن الخنزيرة حتى يشتد عليه و ينمو، و عن البان نسله.

و يجوز شرب لبن الحيوان الذي يحل أكل لحمه، سواء كان أهليا أم وحشيا، و سواء كان الحيوان حيا أم مذكى و أخرج اللبن من ضرعه بعد تذكيته، و قد ذكرنا في المسألة الثالثة و الستين جواز شرب اللبن الذي يخرج من ضرع الميتة إذا كانت مما يحل أكله لو كان مذكى، و يجوز شرب لبن الفرس و البغلة و الأتان، و ان كره أكل لحمها، و

لم تثبت الكراهة في شرب لبنها.

المسألة 69:

يجوز شرب لبن المرأة في الرضاع و ما يشبه الرضاع كما إذا سقي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 353

الطفل من لبنها في إناء و شبهه و ان زادت أيام الرضيع على الحولين، و يشكل الحكم بجواز شرب لبنها لغير الطفل، و خصوصا للإنسان إذا راهق أو بلغ أو تجاوز ذلك، و لا يترك الاحتياط باجتنابه اختيارا، و كذلك الحكم في شرب المرأة لبن نفسها أو لبن غيرها من النساء.

المسألة 70:

إذا شك في لحم موجود انه قد ذكي أم لا، فان قامت على التذكية امارة، كما إذا وجده في يد مسلم مقرونة بتصرف منه يدل على تذكية الحيوان، أو وجده في سوق المسلمين مقترنا بمثل ذلك من التصرف، أو وجده مطروحا في أرض المسلمين، و عليه أثر يدل على ذلك، حكم بتذكية اللحم، و الا وجب اجتنابه، و تلاحظ المسألة المائة و التاسعة و الخمسون و ما بعدها من كتاب الصيد و الذباحة في توضيح المقصود من ذلك.

و إذا شك في حل ذلك اللحم و حرمته، فان وجده في يد مسلم، و أخبره المسلم صاحب اليد بأنه من المحلل صدق قوله و جاز له أكل اللحم، و الا أشكل الحكم فيه، و في المسألة تفصيل لا يتسع الحال لبيانه.

المسألة 71:

لا ريب في جواز أن يبتلع الإنسان ريقه و ان كثر، و يجوز له كذلك أن يمص ريق ولده أو غيره من الأطفال مثلا، و أن يمص ريق زوجته و نحوها.

و يحرم عليه تناول البلغم و النخامة، و هي الخلط الذي يخرجه من الصدر، و النخاعة و هي ما ينزل من الرأس بعد انفصال جميع ذلك عن الفم، و أولى منه بالتحريم ما إذا كان ذلك من غيره، و يحرم عليه كذلك تناول البلغم و النخامة و النخاعة من فم غيره قبل ان تنفصل عنه، و يحرم تناول القيح و الأوساخ و غيرها من الخبائث منه و من غيره.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 354

الفصل الثاني في ما يحل أكله من الجامدات و ما لا يحل
المسألة 72:

ما يحل أكله من الأشياء الجامدة غير الحيوان كثير جدا، لا يمكن حصره و لا ضبط عدده، فالغلات جميعا، و جميع أجناس الحبوب و الأبزرة و أنواع الفواكه، و فصائل البطيخ و ما يشبهه، و أنواع الخضر و أصنافها، و أجناس النباتات و المزروعات مما يؤكل نفسه و ما يؤكل ثمره، و ما يتجدد مع الزمان و مع التجربة و مع التركيب و التهجين من أنواع و أصناف و فصائل جديدة، و ما تنتجه الصناعات المختلفة من أدقة و مجففات و تجميد للمائع و تمويع للجامد، و من مربيات و مركبات و معمولات و مستحضرات، و أمثال ذلك من الطيبات التي يحل أكلها إذا خلا تركيبها عما يمنع الشرع من تناوله، و نقى عملها و تحضيرها مما يوجب التلوث و التنجس.

فالمهم بيان ما يحظر من المآكل و ما يوجب المنع من الأكل إذا دخل في تركيب المطعوم أو عرض في عمله و تحضيره.

المسألة 73:

يحرم أكل أعيان النجاسات جميعا، و قد سبق في كتاب الطهارة ذكرها و ذكر عددها و بيان أحكامها، و مر في الفصل الأول من هذا الكتاب بعض الأحكام التي تتعلق بأكل الميتة، و البول و العذرة و الدم من النجاسات.

و يحرم أكل المتنجسات و هي الأشياء التي طرأت لها النجاسة بالعرض و التلوث، و يحرم أكل كل طعام يدخل أحد أعيان النجاسات في تركيبه، فلا يحل أكل الجبن مثلا إذا أدخل بعض شحوم الحيوان غير المذكى في تركيبه و لا يحل أكل أي شي ء يكون فيه لحم ذلك الحيوان أو شي ء من أجزائه التي تحلها الحياة في حال حياة الحيوان، و يحرم أكل كل طعام يدخل في تركيبه شي ء متنجس أو تعرض

له النجاسة في أثناء عمله، و من ذلك ان يباشره كافر برطوبة مسرية، أو تباشره يد معلومة التلوث بالنجاسة بمثل تلك الرطوبة، أو يطبخ في إناء نجس أو يطبخ بماء متنجس أو بدهن متنجس.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 355

المسألة 74:

إذا عجن الطحين بماء متنجس أو خلط بدهن متنجس وجب اجتناب أكله، و لا يطهر بالنار إذا خبز أو عمل منه شي ء آخر، و كذلك سائر الفطائر و المعجنات التي تعمل منها المخبوزات و المطعومات الأخرى فلا يحل أكلها إذا تنجست الفطائر بالمباشرة أو تنجس ماؤها أو دهنها.

المسألة 75:

يحرم أكل أي طعام يدخل في تركيبه بعض الأشياء المحرمة بالأصل أو المحرمة بالعارض، و ان كان ذلك الشي ء طاهرا غير نجس، كما إذا طبخ معه لحم حيوان لا يحل أكله أو شحمه أو أدخل في تركيبه عظم من حيوان لا يحل أكله و ان كان الحيوان طاهرا مذكى.

المسألة 76:

إذا أخذ الجلاتين من عظم حيوان مذكى، و هو محلل الأكل، كالبقر و الغنم، جاز استعماله و حل أكل الطعام الذي يعمل منه أو يدخل في تركيبه.

المسألة 77:

إذا وجد الجلاتين في يد مسلم أو في سوق المسلمين، و وجد المسلم الذي هو بيده يتصرف فيه تصرفا يدل على التذكية كما قدمنا نظيره في اللحوم و الجلود، حكم بذكاته و حل أكل الطعام المستحضر منه إذا لم تكن يد المسلم مسبوقة بيد كافر، أو علم بأنه غير طاهر، و لا يحل أكله إذا وجد بيد كافر أو كان من عمله.

المسألة 78:

إذا استحضر الجلاتين من مادة صناعية تنوب عن المادة التي تؤخذ من عظم الحيوان جاز استعماله و حل أكل الطعام الذي يعمل منه أو يدخل في تركيبه، إذا لم يعلم بحرمته من ناحية أخرى.

المسألة 79:

ذكرنا في المسألة الثالثة و الستين: ان العظم أحد الأجزاء التي لا تحلها الحياة في حال حياة الحيوان، فإذا أخذ من حيوان ميت غير مذكى،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 356

و كان الحيوان طاهر العين في حال حياته، فالعظم المأخوذ منه بعد الموت محكوم بالطهارة و لا ينجس بنجاسة الحيوان بالموت، و ذكرنا في المسألة الحادية و الستين ان العظم مما يحل أكله من الذبيحة إذا كانت محللة الأكل.

و نتيجة لذلك فقد يتوهم أن العظم إذا أخذ من ميتة نجسة غير مذكاة، و كانت ميتة حيوان يحل أكله، ثم طهر عن نجاسته العرضية بملاقاته لحم الميتة، أمكن ان تؤخذ منه مادة الجلاتين و تدخل في تركيب بعض الأطعمة، و يحل الطعام الذي تدخل في تركيبه.

و هذا التوهم فاسد لا يمكن الاعتماد عليه، فالعظم جزء من الميتة فيحرم كما يحرم أكل الميتة، و الأدلة إنما دلت على طهارته لأنه جزء لا تحله الحياة، و لم تدل على إباحة أكله، كما دلت على اباحة شرب اللبن المأخوذ من ضرع الميتة و أكل البيضة و الأنفحة المأخوذتين منها، فيحرم أكل العظم على الأقوى سواء أخذه الإنسان من الميتة مباشرة أم وجده بيد مسلم أو بيد كافر، و مع التنازل عن ذلك، فلا أقل من لزوم الاحتياط بتركه.

المسألة 80:

إذا قطعت من الحيوان قطعة و هو حي قبل أن يذكى بالذبح أو النحر أو الصيد، كما ضربه الإنسان بسلاح فأبان القطعة منه أو عضه سبع فأبانها، لم يحل أكل القطعة المبانة و كانت ميتة نجسة، و كذلك إذا ضرب السمكة فقطع منها قطعة قبل أن يخرج السمكة من الماء حية أو يأخذها و هي حية في خارج الماء، فلا يحل أكل

تلك القطعة لأنها ميتة و ان كانت غير نجسة.

و إذا أخرج السمكة من الماء و هي حية أو أخذها و هي حية في خارج الماء تمت ذكاتها بذلك، فإذا قطع منها قطعة بعد ذكاتها و هي لا تزال حية، حل أكل القطعة، و حل أكل السمكة، و كذلك إذا أخذ الجراد و هو حي تمت تذكيته، فإذا قطع من الجرادة قطعة قبل أن تموت حل أكل القطعة و أكل بقية الجرادة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 357

المسألة 81:

يحرم أكل المتنجس ما دام متنجسا، فإذا زالت النجاسة عنه و طهر منها على الوجه المطلوب حل أكله بعد ما كان محرما، فإذا طهر اللحم أو الشحم الذي عرضت له النجاسة فغسل بالماء على الوجه المعتبر جاز أكله و حل كل طعام يوضع بعد ذلك معه، و كذلك سائر المتنجسات، و قد فصلنا أقسام النجاسات و كيفية سرايتها إلى الأشياء، و أنواع المطهرات و كيفيات التطهير بها و جميع ما يتعلق بذلك في كتاب الطهارة.

المسألة 82:

يحرم أكل كل طعام مزج بخمر أو فقاع أو أي مسكر آخر أو أي مخدر من المخدرات، سواء كان المسكر مائعا بالأصالة أم جامدا، فإذا مزج الطعام بخمر أو بمسكر مائع بالأصالة كان الطعام نجسا و حراما و إذا مزج بمسكر أو مخدر جامد بالأصالة، و ظهر أثر الإسكار أو التخدير في الطعام كان الطعام محرما و طاهرا و ان كان الأثر قليلا يسيرا.

المسألة 83:

المدار في نجاسة الطعام و طهارته في المسألة السابقة على كون المسكر الذي مزج به مائعا بالأصالة كما ذكرنا فيكون الطعام نجسا، و ان جففته الصناعة فجعلته حبوبا أو دقيقا، و إذا كان جامدا بالأصالة، فالطعام الممتزج به طاهر و محرم و ان إذابته الصناعة فجعلته مائعا.

المسألة 84:

الأطعمة و المأكولات التي يتولى الكافر عملها و تجهيزها ان كانت مصنوعة من لحم الحيوان أو شحمه أو بقية أجزائه، فهي نجسة و محرمة لا يحل أكلها، سواء كان عمل الكافر لها بمباشرة يده أم بغيرها من المعامل و المصانع الحديثة، و ان كانت مصنوعة من غير الحيوان كالنباتات و المخضرات و الفواكه و المجهزات الأخرى و قد علم بأن الكافر قد باشرها بيده برطوبة مسرية، فهي كذلك نجسة و محرمة، و ان كان تجهيز تلك المعلبات غير الحيوانية بالمعامل و المصانع الحديثة و لم يباشرها الكافر بيده برطوبة فهي طاهرة يحل أكلها ما لم يعلم بمزجها بمحرم أو بنجس،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 358

و كذلك إذا شك في أن الكافر باشرها بيده أم جهزها بالمعامل من غير مباشرة فهي طاهرة محللة.

و كذلك التفصيل و الحكم في الأشربة و المعتصرات و السوائل التي يعملها الكافر أو يجهزها للشرب، و في الأدوية التي يحضرها للعلاج أو للتغذية أو التقوية من الجامدات و المائعات.

المسألة 85:

لا يحل للإنسان أكل السموم القاتلة، سواء كانت متخذة من الحيوان أم من النبات أم من أي شي ء يوجب الهلاك و العطب للإنسان، و لا يحل أكل أي طعام أو مأكول يورث للإنسان مرضا قاتلا، أو مرضا عسر الزوال، أو يهيج له مرضا ساكنا عسر الزوال، أو يوجب له شللا في بعض أعضائه، أو تعطيلا في بعض أجهزته أو بعض قواه، أو يسبب له حدوث أي ضرر لا يتحمل عادة.

المسألة 86:

لا يجوز للمرأة أن تأكل أو تشرب ما يوجب إجهاض حملها أو يوجب قتل الجنين في بطنها، أو يسبب له تشويها في خلقه، أو فقدا لبعض قواه أو نقصا فيها.

المسألة 87:

لا فرق في التحريم بين ما يعلم ضرره و ما يظن به و ما يحتمل، إذا كان الاحتمال مما يعتد به العقلاء و يخشون من وقوعه، فيحرم أكل ما يؤدي إليه، سواء كان الضرر المعلوم أو المظنون أو المخوف وقوعه عاجلا أم بعد مدة.

المسألة 88:

المدار في الضرر الذي يحرم معه تناول المأكول أو المشروب الذي يوجبه أن يكون مما لا يتحمل بحسب العادة كما ذكرنا، فأكل الطعام و شرب الشراب الذي يسبب العمى و فقد البصر مثلا، أو يسبب حدوث الجنون و فقد العقل أو نقصانه يكون محرما بلا ريب، و المأكول أو المشروب الذي يسبب تناوله فقد حاسة الشم و نقصانه لا يكون له ذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 359

الحكم، فلعله من الضرر الذي لا يعتد به الناس، فلا يكون محرما، و المأكول أو المشروب الذي يوجب فقد قوة الباه يكون من الضرر المعتد به فيحرم أكله و شربه، و خصوصا للمتزوج و في أدوار شبابه، و مثله المأكول أو المشروب الذي تصبح به المرأة عقيما لا تلد، و المأكول أو المشروب الذي يوجب فقد حاسة السمع يكون الحكم فيه مشكلا، و الأحوط لزوما تركه و اجتنابه.

المسألة 89:

يحرم أكل و شرب ما يكون مضرا بالفعل أو مؤديا إلى وقوع الضرر في ما يأتي، إذا كان الضرر لا يتحمل عادة كما ذكرنا، و منه تعاطي المخدرات.

فيحرم تعاطي ذلك بالأكل، و الشرب، و التدخين، و بأي نحو من أنحاء الاستعمال المعروفة عند أهلها و التي يفعل المخدر فيها فعله و يؤثر أثره، و ان كان نافعا قليلا، إذا كان ضرره أكبر من نفعه، سواء كان ضرره آتيا من جهة أصل استعماله و لو قليلا كالمسكرات و المخدرات، من الحشيشة و غيرها، أم كان من جهة زيادة مقدار ما يستعمل منه، أم من جهة إدمانه و المواظبة عليه كالأفيون.

المسألة 90:

يجوز للإنسان أن يأكل أو يشرب أو يستعمل العقاقير و الأدوية و المستحضرات الطبية لمعالجة بعض الأمراض أو لتخفيفها، إذا كان الانتفاع بها غالبيا أو أثبتته التجربة الصحيحة، أو ذكره الحذاق أو الموثوقون من الأطباء و أهل الخبرة بعد تعيين المرض، و ان كان الدواء الذي يستعمله مضرا من بعض النواحي الا أن نفعه أكبر أو أمكن تدارك الضرر باستعمال ما يزيله أو يهون أمره.

المسألة 91:

يجوز للمريض أن يرجع الى الأطباء الحذاق و ذوي الخبرة الموثوقين في علاج مرضه و يتناول الأدوية و العلاج بإرشادهم و فعلهم، و ان كانت الأدوية أو الطريقة التي يتخذونها في علاجه محتملة الخطر أو هي قد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 360

تؤدي الى الوقوع فيه في بعض الحالات، إذا كان الانتفاع بها غالبيا بحسب معرفتهم و تجاربهم، و خصوصا مع الاطمئنان بالنجاح.

و يجوز له المعالجة عندهم بما هو مضر قطعا، تفاديا عن حدوث ما هو أشد ضررا، و بما هو خطر بالفعل دفعا لما هو أعظم خطرا، فيقطع العضو المتلوث بالداء الخبيث لئلا يسري التلوث الى غيره، و يجري العملية في الأمعاء أو في الدماغ أو في القلب، تحديدا للداء و بتا للخطر المهلك.

و لا بد في مثل هذه الأمور من الاعتماد على الأكفاء الذين يطمئن إليهم و الى طبهم، و يمنع الرجوع الى المدعين الذين لم تثبت كفاءتهم للأمر و مهارتهم فيه، أو المتسرعين المتسامحين في تحصيل النتائج، أو غير المبالين بما يحدث.

المسألة 92:

قد اتضح مما تقدم أن الشي ء الذي يكون تحريمه آتيا من جهة ضرره، يكون المدار في الحكم بالتحريم هو المقدار أو المورد الذي يتحقق معه الضرر، فالشي ء الذي يحصل الضرر بتناول قليله و كثيره يكون تناوله محرما على الإطلاق من غير فرق بين القليل و الكثير، و إذا كانت الكثرة فيه تضاعف وجود الضرر بحسب مراتب الكثرة، فتناول أي بعض من أبعاض ذلك الشي ء يسبب ضررا مستقلا عن غيره، أو توجب شدة الضرر و قوة أثره، تكون الكثرة فيه موجبة كذلك لتضاعف الحكم بالتحريم بحسب مراتب الكثرة و العقاب على كل مرتبة منها، أو تكون موجبة لشدة التحريم بحسب شدة

الضرر فيه و شدة العقاب عليها.

و إذا كان المضر هو تناول الكثير من الشي ء، و لا ضرر في أخذ القليل منه، فالمحرم هو الكثير المضر و لا حرمة في أخذ القليل، و إذا كان المضر هو إدمانه و المواظبة عليه كان ذلك هو المحرم و لا تحريم مع التناول من غير إدمان أو اعتياد، و إذا كان المضر هو الجمع بين طعامين مخصوصين أو بين طعام و شراب كذلك كما يدعى في بعض الأطعمة، فالمحرم هو الجمع بين الطعامين المعينين و لا حرمة في تناولهما على الانفراد.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 361

و إذا كان الطعام مضرا في حالة دون حالة أو في وقت دون وقت حرم في الحالة و الوقت اللذين يكون فيهما مضرا، و لا يحرم في وقت آخر و لا في حالة اخرى، و هكذا.

المسألة 93:

يحرم أكل الطين، و هو التراب و الماء يختلطان حتى يستولي كل منهما على الآخر و يكونا شيئا واحدا هو الطين، و المرجع فيه الى الصدق العرفي كما هو المرجع في غيره من الموضوعات، و بذلك يفترق عن التراب المبتل بالماء، و عن الماء الملقى فيه مقدار من التراب.

و يحرم أكل الطين سواء زادت فيه نسبة التراب فكان طينا جافا، أم زادت نسبة الماء فكان وحلا، و يحرم أكل المدر و هو الطين اليابس، و يلحق بهما التراب على الأحوط لزوما، فيحرم أكله سواء كان مبتلا أم يابسا.

المسألة 94:

إذا امتزج مع الحنطة أو الشعير أو الحبوب الأخرى بعض التراب وعد مستهلكا فيها في نظر أهل العرف جاز أكله معها، و كذلك إذا اختلط معها بعض المدر الصغار و استهلك بعد الطحن و الخبز فيجوز أكله، و إذا لم يستهلك لكثرته لم يجز أكله.

و كذلك الحكم في ما يوجد على الرطب و التمر و الفواكه و الثمرات و المخضرات من الغبار و التراب، إذا عد مستهلكا عرفا فيجوز للإنسان ان يأكل الفاكهة أو الغلة أو الخضرة أو البقل و ان لم يغسلها عما علق بها و لا يصدق عليه انه أكل الغبار و التراب، إلا إذا كثر و تراكم فكان له وجود مستقل غير مستهلك، فيحرم أكله حين ذلك.

و كذلك الحكم في الطين الذي يمتزج مع الماء في أيام زيادة الماء مثلا و قوة دفعه و لا يخرجه عن الإطلاق فيجوز للإنسان شرب الماء الممزوج به لأنه مستهلك فيه عرفا، و لا يصدق على من شربه انه قد شرب الطين إلا إذا كثر الطين و تراكم فكان له وجود مستقل غير مستهلك، فيحرم شربه كما تقدم

في نظيره.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 362

المسألة 95:

كما يجوز شرب الماء الممتزج بالطين إذا كان مستهلكا فيه عرفا، فكذلك يجوز أكل الطعام المطبوخ به و أكل الخبز المعجون به، و لا يحرم أكل المطبوخ أو المخبوز به الا إذا استبان وجود الطين فيه بعد الطبخ و الخبز، و لا يخفى ان ذلك يتوقف على خلطه بمقدار من الطين أكثر من المقدار الذي يستبين وجوده في ماء الشرب و لا يستهلك فيه.

المسألة 96:

الأحوط لزوما اجتناب أكل الرمل و الجص و النورة و الإسمنت و الأحجار و فتاتها، و الاحتياط في اجتناب الآجر و فتاته أشد و ألزم و لعل التحريم فيه أقوى فهو طين مطبوخ، و يجوز أكل سائر المعادن الأخرى إذا لم تكن مضرة، فإذا أضرت كانت محرمة الأكل.

المسألة 97:

يستثنى من الحكم بحرمة أكل الطين أكل يسير من طين تربة الحسين (ع) للاستشفاء به من الأمراض مع مراعاة الشرطين الآتي ذكرهما:

الشرط الأول أن يكون المأخوذ من طين التربة بمقدار الحمصة المتوسطة الحجم أو أقل من ذلك، فلا يحل أكل ما يزيد على ذلك في المرة الواحدة.

الشرط الثاني: أن يكون أكل ذلك بقصد الاستشفاء به من مرض معين أو أمراض معينة أو من مطلق الأمراض التي يعانيها و ان لم يعينها، فلا يحل الأكل إذا كان بغير قصد الاستشفاء، و ان قصد به التبرك مثلا، و لا يحل أكلها بغير قصد.

المسألة 98:

تكثر في الأدلة من أحاديث أهل البيت (ع): ان في تربة الحسين (ع) شفاء من كل داء و أمنا من كل خوف، و انها من الأدوية المفردة، و انها لا تمر بداء الا هضمته، و أمثال ذلك من المضامين.

و قد ذكرت في الأحاديث آداب و أدعية و أعمال مخصوصة لأخذ تربة الشفاء، و هي متعددة و متنوعة، و الظاهر من مجموع الأدلة ان المذكورات

كلمة التقوى، ج 6، ص: 363

فيها انما هي آداب مخصوصة لكمال العمل و تحقق النتيجة من الشفاء المقصود بتناول التربة الشريفة، و ليست شروطا في إباحة أكل المقدار المذكور من التربة.

و لذلك فيجوز أكلها مع وجود الشرطين الآنف ذكرهما، و ان لم تحصل الأعمال التي ذكرتها الروايات و لم تقرأ الأدعية الواردة فيها.

المسألة 99:

يجوز أكل المقدار المذكور من التربة الشريفة كلما وجدت الحاجة الى الاستشفاء، كما إذا أكلها للاستشفاء من مرض معين، فشفاه اللّه منه، فأراد أكلها ثانيا للشفاء من مرض آخر يعانيه أيضا، و كما إذا تجدد له مرض آخر بعد ذلك و أراد الشفاء منه، و كما إذا أكلها بقصد الشفاء من مرض فلم يشف منه و أراد التكرار مع زيادة في التوسل الى اللّه و إخلاص في التوجه اليه أن يعجل له الشفاء من داية.

المسألة 100:

يختص ذلك بتربة الحسين (ع) دون سائر المعصومين من آبائه و أبنائه (ع) فلا يحل أكل شي ء من طين تربهم (صلوات اللّه عليهم) بقصد الاستشفاء به من الأمراض، و إذا أراد الإنسان ذلك أمكن له أن يأخذ قليلا من تربة المعصوم الذي أراد الاستشفاء به فيمزجه بماء أو شراب آخر بحيث يعد الطين مستهلكا بهما ثم يشربه بقصد الاستشفاء أو التبرك بذلك الشراب، و كذلك إذا أراد التبرك بتربة الحسين (ع).

المسألة 101:

الظاهر أن الاستشفاء انما يتحقق إذا قصد الإنسان بأكله من التربة الشفاء من مرض موجود بالفعل، سواء عينه بالقصد، أم قصد الشفاء من جميع أمراضه التي يجدها، و لا يشمل الاستشفاء من مرض غير موجود بالفعل و لكنه يخشى حدوثه عليه، فلا يحل له أن يأكل من التربة للاستشفاء منه.

المسألة 102:

تربة الشفاء التي ذكرناها و بينا بعض أحكامها في المسائل المتقدمة هي ما تؤخذ من القبر الشريف أو مما حوله على ما سنذكره في ما يأتي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 364

بقصد أن تكون شفاء للأمراض، و ليس منها- على الظاهر- التربة المعروفة، التي تؤخذ للسجود عليها في الصلاة أو للتسبيح بها، فلا يعمها حكم تربة الشفاء و لا يحل أكلها على الأحوط إذا لم يكن ذلك هو الأقوى.

نعم يمكن أن يؤخذ منها شي ء فيمزج بماء أو بشراب آخر حتى يستهلك فيه، ثم يشرب بقصد الاستشفاء أو التبرك به.

المسألة 103:

المتيقن من المواضع التي تؤخذ منها تربة الشفاء، هو القبر الشريف و ما حوله من المواضع القريبة التي تلحق به عرفا، فإذا أخذت التربة من هذه المواضع جرت عليها الأحكام المتقدمة بلا ريب و صح الأكل منها و الاستشفاء بها.

و قد ورد في بعض الروايات عنهم (ع): يؤخذ طين قبر الحسين (ع) من عند القبر على سبعين ذراعا، و في رواية أخرى: على سبعين باعا، و في بعض الأحاديث عنهم (ع): طين قبر الحسين (ع) فيه شفاء و ان أخذ على رأس ميل، و في بعضها على عشرة أميال، و روى السيد ابن طاوس عنهم (ع) أنه فرسخ في فرسخ، و روي أكثر من ذلك.

و الروايات المذكورة منزلة على مراتب الفضل، فكلما قرب من القبر الشريف كان أفضل، و ما بعد عنه فهو أقل فضلا، و لا يترك الاحتياط في ما خرج عن القبر الشريف و المواضع التي تلحق به عرفا، فإذا أخذت التربة من المواضع التي تخرج عن ذلك، فالأحوط لزوما مزج المقدار الذي يراد الاستشفاء به بالماء أو بشراب آخر حتى يستهلك فيه، ثم

يشرب بقصد الشفاء، فيحصل المراد بذلك ان شاء اللّه و العمدة في الباب هو اليقين بلطف اللّه و فضله و التعلق الكامل بعظيم رحمته و الإخلاص في التوجه اليه بصاحب التربة و كبير منزلته أن يجعلها شفاء من كل داء و أمنا من كل خوف.

المسألة 104:

إذا أخذ الإنسان التربة الشريفة من مواضعها المذكورة، بقصد الاستشفاء بها لنفسه و لغيره من المؤمنين صح أخذه لها و ثبت أنها تربة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 365

شفاء و ثبتت لها أحكامها الآنف ذكرها، سواء عمل الأعمال و الآداب التي وردت في الأخبار عند أخذها أم لم يعمل ذلك، فيجوز أكلها و الاستشفاء بها، و كذلك إذا علم أن الطين المعين قد أخذه صاحبه من المواضع الخاصة بقصد الاستشفاء به، فيثبت بذلك و تترتب عليه أحكامه، و كذلك إذا شهدت به البينة العادلة أو أخبر به صاحب اليد المالك للتربة، فيصدق خبره و تثبت به الأحكام.

و إذا أخبر بذلك عدل واحد، فان حصل للإنسان الاطمئنان بصدق قوله صح له ان يرتب الآثار عليه، و يأكل من التربة، و ان لم يحصل له الاطمئنان لم يجز له الأكل، و إذا أخذ منها قليلا و مزجه بماء أو بشراب حتى استهلك الطين جاز له شربه و الاستشفاء به رجاء، و الأحوط استحبابا أن يفعل كذلك في غير موارد حصول العلم و شهادة البينة.

الفصل الثالث في ما يحل شربه من المائعات و ما يحرم
المسألة 105:

يحرم شرب الخمر بجميع أقسامها و أنواعها التي تتخذ منها، و الحكم بتحريم الخمر ضروري من ضروريات الدين، فمن استحل شربها، و هو ملتفت الى كون تحريمه من الضروريات كان كافرا، لأنه مكذب لرسالة الرسول (ص).

و عن الرسول (ص) ان الخمر رأس كل اثم.

و عن أبي عبد اللّه (ع): الشراب مفتاح كل شر، و مدمن الخمر كعابد الوثن، و ان الخمر رأس كل اثم، و شاربها مكذب بكتاب اللّه، لو صدق كتاب اللّه حرم حرامه.

و عن الإمام أبي جعفر (ع): انها أكبر الكبائر.

و عن الإمام أبي عبد اللّه (ع): انها أم الخبائث، و

رأس كل شر، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه فلا يعرف ربه، و لا يترك معصية

كلمة التقوى، ج 6، ص: 366

الا ركبها و لا حرمة إلا انتهكها و لا رحما ماسة إلا قطعها، و لا فاحشة إلا أتاها، و السكران زمامه بيد الشيطان، ان أمره أن يسجد للأوثان سجد، و ينقاد حيثما قاده.

المسألة 106:

يحرم شرب كل مسكر، سواء أسكر قليله أم كثيره، و ما أسكر الكثير منه حرم شرب الكثير منه و القليل، حتى الجرعة الواحدة منه، بل حتى القطرة الواحدة، و قد تقدم في كتاب الطهارة ان المسكر المائع بالأصالة أحد أعيان النجاسة، فإذا وقعت القطرة الواحدة منه في إناء أو حب أو حوض، تنجس ما فيه من الماء إذا كان أقل من الكر و لم يجز شربه لنجاسته.

و يحرم شرب الفقاع و هو شراب خاص يتخذ من الشعير، و قد ذكرناه و ذكرنا نجاسته في المسألة المائة و الثالثة و العشرين من كتاب الطهارة، و في بعض الأحاديث عنهم (ع): هي خمرة استصغرها الناس.

المسألة 107:

يحرم كل مسكر من غير فرق بين أن يكون مائعا بالأصالة أو جامدا، و سواء كان جامدا بالأصالة فأذيب و عمل شرابا أم كان مائعا فجفف و جعل حبوبا أو دقيقا أو غيرهما، و المسكر المائع بالأصالة نجس و محرم و ان جفف صناعيا، و المسكر الجامد بالأصالة محرم و لكنه طاهر و ان اذيب صناعيا.

المسألة 108:

إذا أدخلت الصناعة بعض المسكرات المائعة بالأصالة في تركيب بعض الأشربة أو استعملته وسيلة في اذابة بعض الجامدات من أجزائه كان الشراب المعمول محرما و نجسا، سواء ظهرت فيه صفة الإسكار بالفعل أم لم تظهر. و إذا أدخلت فيه بعض المسكرات الجامدة بالأصالة كان الشراب المعمول طاهرا، فان ظهرت فيه صفة الإسكار بالفعل كان شربه محرما، و ان لم يكن مسكرا بالفعل حل شربه.

المسألة 109:

يثبت الفرض الذي تقدم ذكره بالعلم به، و بشهادة البينة العادلة بحصوله،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 367

و بقول الموثوقين من أهل الخبرة بأن ذلك الشراب أو العصير يحتوي تركيبه على الكحول المسكر، فيثبت بذلك تحريم شربه على الوجه الذي بيناه. و لا عبرة بمجرد قول البعض إذا لم يكن عن خبرة أو شهادة تعتمد على الحس و التجربة، و لا يثبت التحريم بذلك.

المسألة 110:

إذا كان الكحول مسكرا بالفعل، فهو نجس، و هو محرم: لإسكاره و لنجاسته، و كذلك الحكم فيه إذا كان مأخوذا من المسكر بالفعل، و كان أخذه منه بغير التصعيد، فيكون نجسا و محرما و ان لم يكن هو مسكرا بالفعل.

و إذا أخذ من المسكر بالفعل بنحو التصعيد و لم يكن المأخوذ مسكرا بالفعل فهو محكوم بالطهارة، و يحرم شربه إذا كان مضرا أو قاتلا كما هو المعروف.

و نتيجة لما ذكرناه، فما علم بعدم اسكاره بالفعل من أفراد الكحول و لم يكن مأخوذا من كحول غيره، فهو محكوم بالطهارة، و كذلك ما علم بأنه غير مسكر بالفعل، و قد أخذ من كحول غير مسكر، فهو محكوم بالطهارة، و كذلك ما شك في أنه منهما أو من غيرهما، و ما علم بأنه مأخوذ من المسكر بالفعل و كان أخذه منه بنحو التصعيد، فيكون طاهرا إذا لم يكن مسكرا بالفعل، فهو طاهر في جميع هذه الفروض، و يحرم شربه إذا كان مضرا أو قاتلا، و هذا هو المعروف عنه بين الناس.

المسألة 111:

إذا انقلبت الخمر خلا فذهب إسكارها و لم يبق منه أثر، و تغير طعمها الى طعم الخل، وعدها الموثوقون من أهل الخبرة خلا بعد أن كانت خمرا، طهرت بعد النجاسة، و حل أكلها و شربها بعد الحرمة، سواء كان انقلابها الى الخل بسبب تغير في صفات نفس المادة أم كان بسبب تغير بعض الحالات المحيطة بها، أم كان الانقلاب بسبب مؤثرات أخرى أدخلها الإنسان في المادة.

المسألة 112:

إذا أضاف الإنسان إلى الخمر خليطا آخر لتنقلب بسببه خلا، كما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 368

إذا مزجها بمقدار من الخل أو بمؤثر آخر، فان كان الخليط الذي مزجه مع الخمر مستهلكا فيها بحيث عد الجميع خمرا و ليس للخليط وجود مستقل فيها، ثم انقلب الجميع بعد ذلك خلا، طهر الجميع بسبب الانقلاب من النجاسة و حل شربه بعد التحريم. و إذا كان للخليط الذي أضافه الى الخمر وجود مستقل و لم يستهلك فيها، ثم انقلب الجميع بعد ذلك خلا، أشكل الحكم بطهارته و اباحته، و الأحوط الاجتناب عنه و ان كان الأقوى طهارته بذلك و إباحته.

المسألة 113:

انقلاب الخمر بنفسها خلا من غير علاج و مزاولة عمل من الأمور المعروفة و المتعارفة في صناعة الخمر القديمة، فتترتب عليه أحكامه التي ذكرناها، و اما في المصنوعات الحديثة المعمولة في المصانع الحديثة و المبنية على قواعد الكيمياء الجديدة، فقد يكون من العسر أو من الممتنع تحقق هذا الفرض فيها.

و من الممكن أن يتحقق الفرض الثاني فيها، فتنقلب الخمر خلا بالمعالجة و بإضافة بعض العناصر المؤثرة إليها، فإذا كان الخليط الذي يضم إليها مستهلكا فيها و ليس له وجود مستقل قبل الانقلاب، حكم على الجميع بالطهارة و الإباحة إذا انقلب خلا، و إذا كان الخليط غير مستهلك ثم انقلب الجميع خلا فالأحوط الاجتناب عنه و ان كان الأقوى الطهارة و الإباحة كما قلنا في المسألة السابقة.

المسألة 114:

إذا وقعت في الخمر نجاسة أخرى و ان كانت قليلة مستهلكة كقطرات من البول أو الدم، بل و ان لم تكن للنجاسة عين و مثال ذلك أن يباشر الخمر كافر بيده أو يلاقيها بعض أجزاء الميتة أو يشرب منها كلب أو خنزير، ثم انقلبت الخمر خلا، لم تطهر الخمر بذلك على الأحوط، بل و ان لقيت شيئا متنجسا، كما إذا وضعت في إناء قد تنجس بنجاسة أخرى فلا تطهر بعد ذلك بانقلابها خلا.

المسألة 115:

إذا اعتصر الإنسان العنب و غلى عصيره بالنار حرم شربه و لا يكون

كلمة التقوى، ج 6، ص: 369

بذلك نجسا، فإذا ذهب ثلثاه بالغليان بالنار، حل شربه بعد ذلك، سواء استمر بالغليان الأول حتى ذهب الثلثان أم تعدد غليانه مرة بعد مرة حتى ذهب ثلثاه، فيحل شربه و ان غلى بعد ذلك أو ذهب أكثر من ثلثيه.

المسألة 116:

إذا نش العصير العنبي بنفسه أو بسبب آخر غير النار، أو غلى كذلك، فالأحوط لزوما الحكم بنجاسته، و لا يطهر من النجاسة إلا بانقلابه خلا، على الوجه الذي تقدم ذكره في انقلاب الخمر خلا و إذا طهر بذلك حل شربه و ان لم يذهب ثلثاه.

المسألة 117:

إذا غلى العصير العنبي بالنار و لم يذهب ثلثاه، ثم نش بعد ذلك أو غلى بغير النار حكم بنجاسته على الأحوط، و لم يطهر من النجاسة و لم يحل شربه بذهاب ثلثيه، فإذا انقلب خلا طهر و حل شربه و ان لم يذهب ثلثاه، و الأحوط استحبابا اجتناب شربه حتى يذهب ثلثاه بالغليان بالنار.

المسألة 118:

إذا غلى عصير الزبيب بالنار لم ينجس بذلك و لم يحرم على الأقوى، و ان لم يذهب ثلثاه، و إذا نش أو غلى بغير النار، فالأحوط لزوما الحكم بنجاسته، و لم يطهر الا بانقلابه خلا، فإذا انقلب خلا، طهر من النجاسة و حل شربه و ان لم يذهب ثلثاه.

المسألة 119:

لا يحرم و لا ينجس عصير التمر و ان غلى، سواء كان غليانه بنفسه أم بالشمس أم بالنار أم بسبب آخر فيجوز أكله و ان لم يذهب ثلثاه.

المسألة 120:

لا يحرم و لا ينجس ما في جوف حبة العنب من الماء إذا غلى بالنار أو بغيرها، و كذلك ما في حبه الزبيب و الكشمش إذا اتفق ذلك فيها، على أن حصول العلم بغليان ما في جوف الحبة متعذر غالبا و خصوصا في الزبيب.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 370

المسألة 121:

الزبيب هو العنب بعد أن يجف ماؤه، و من المعلوم أنه إذا اعتصر بعد جفافه لم تخرج منه عصارة كما هو المعروف من معنى العصير، فالمراد من العصير الزبيبي أن ينقع الزبيب في الماء حتى يكتسب الماء حلاوة الزبيب، ثم يعتصر الزبيب و الماء، و تؤخذ العصارة، أو يدق الزبيب وحده أو يمرس باليد أو الآلة، ثم يغمر بالماء و تستخرج العصارة من الجميع، و على أي حال فحكمه هو ما ذكرناه في المسألة المائة و الثامنة عشرة.

المسألة 122:

إذا جعل الزبيب أو الكشمش في المرق ثم طبخ الجميع لم ينجس الزبيب و الكشمش و لا المرق و لم يحرم أكلهما كما ذكرنا في المسألة المائة و العشرين، و ان انتفخ الحب بسبب البخار، و كذلك إذا وضع في المأكولات الأخرى كالمحشى و الكبة و غيرهما فلا حرمة و لا نجاسة على الأقوى.

المسألة 123:

إذا غلى العصير العنبي بالنار حرم أكله و شربه كما ذكرنا في المسألة المائة و الخامسة عشرة و لا يكون حلالا الا بذهاب ثلثيه بالغليان بالنار، و لا يكفي أن يذهب ثلثاه بغير غليان، و لا يكفي أن يذهب ثلثاه بالغليان بغير النار.

و لا يكفي- على الأحوط- أن يذهب بعض الثلثين بنفس غليانه بالنار، ثم يذهب بقية الثلثين بالحرارة الباقية فيه بعد سكون الغليان و رفعه عن النار.

المسألة 124:

إذا أضيف إلى العصير مقدار من الماء ثم غلي بالنار فلا يحل أكله أو شربه حتى يذهب ثلثا العصير نفسه، و لا يكفي أن يذهب ثلثا المجموع من العصير و الماء، فإذا كان العصير عشرة أرطال و أضيف إليه عشرون رطلا من الماء لم يكف في حله أن يذهب منه بالغليان عشرون

كلمة التقوى، ج 6، ص: 371

رطلا و تبقى عشرة أرطال، بل لا يحل حتى يكون الباقي منه ثلث العشرة، و هي مقدار نفس العصير.

المسألة 125:

إذا غلى العصير بالنار فأصبح دبسا غليظا قبل أن يذهب ثلثاه، لم يحل أكله بذلك حتى يذهب بقية ثلثيه بالغليان، فإذا أضيف إليه مقدار من الماء ليغلي معه فلا بد و أن يغلي حتى يبقى ثلث العصير وحده، و لا يكفي أن يذهب ثلثا المجموع منه و من الماء كما قلنا.

المسألة 126:

إذا طبخ العصير العنبي بالنار و لم يذهب ثلثاه بالغليان، ثم أضاف إليه مقدارا آخر من العصير غير المغلي، لم يحل أكله و لا شربه حتى يغلي الجميع بالنار الى أن يذهب الثلثان من مجموع ما بقي من العصير الأول و ما أضافه اليه من العصير الثاني، و لا يحتسب المقدار الذي ذهب بالغليان قبل اضافة الثاني.

فإذا كان العصير الأول عشرة أرطال، و ذهب بالغليان منه رطل واحد، ثم أضاف إليه تسعة أرطال أخرى، فقد أصبح المجموع ثمانية عشر رطلا، و لا يحل أكله و شربه حتى يطبخ بالنار و يذهب منه اثنا عشر رطلا، و يبقى منه ستة أرطال، و لا يحسب الرطل الواحد الذي ذهب بالغليان الأول.

و أحوط من ذلك أن يغلي كل واحد من العصيرين مستقلا عن الآخر، فيغلي الأول حتى يتم ذهاب ثلثيه و لا يضيف اليه العصير الآخر، و يغلي الثاني منفردا عن الأول حتى يذهب ثلثاه، ثم يجمع بينهما إذا شاء.

المسألة 127:

إذا غلى عصير العنب بنفسه أو بوسيلة أخرى غير النار كالشمس أو حرارة الهواء و شبههما أو نش كذلك فقد تقدم أن الأحوط لزوما الحكم بنجاسته و حرمته، و لا يحكم بطهارته و اباحته حتى ينقلب خلا و هذا هو حكمه في هذا الحال سواء أضيف إليه ماء أو عصير آخر مطبوخ أو غير مطبوخ أم لم يضف إليه شي ء فإذا انقلب الجميع خلا طهر الجميع

كلمة التقوى، ج 6، ص: 372

و حل شربه، و يطهر معه ما يكون فيه بحسب العادة من حبات عنب أو طين قليل أو ثفل أو رواسب يتعارف وجودها فيه و لا ينفك عنها غالبا.

و هذا هو الحكم أيضا في عصير الزبيب إذا

نش أو غلى بغير النار و قد ذكرناه في المسألة المائة و الثامنة عشرة.

المسألة 128:

الظاهر انه لا فرق في الحكم بين النار التي تتولد من طاقة الكهرباء و سواها، فإذا طبخ العصير على آلة كهربائية تولد النار كان له الحكم الذي ذكرناه للمغلي على النار فلا يحل أكله و شربه حتى يذهب ثلثاه بالغليان بالنار و لا يجري فيه حكم المغلي بغير النار، و كذلك في عصير الزبيب.

المسألة 129:

إذا جعلت في عصير العنب بعض قطع الفاكهة كالسفرجل و التفاح و شبه ذلك ثم طبخ العصير و ما معه بالنار حرم شربه و أكل ما فيه، فإذا غلى الجميع حتى ذهب ثلثا العصير بالغليان حل شربه و أكله و أكل ما فيه، و المراد ان يذهب الثلثان من العصير حتى ما في جوف قطع الفاكهة منه.

و إذا نش العصير أو غلى بغير النار حكم عليه و على ما فيه بالنجاسة و الحرمة على الأحوط، و إذا انقلب العصير خلا لم يطهر ما فيه من قطع الفاكهة، فلا يطهر العصير نفسه أيضا لملاقاته المتنجس.

و إذا أخرجت القطع المتنجسة جميعا عن العصير قبل انقلابه ثم انقلب العصير وحده بعد ذلك خلا حكم عليه بالطهارة و الإباحة.

المسألة 130:

إذا غلى عصير العنب بالنار حرم شربه و أكله حتى يذهب ثلثاه بالغليان كما ذكرناه أكثر من مرة، و يثبت ذهاب الثلثين منه بالعلم بذلك، و بشهادة البينة العادلة به، فإذا علم الرجل بأن العصير قد ذهب منه ثلثاه بالغليان أو شهدت به البينة جاز له شربه و أكله و إطعامه للآخرين و ترتيب الآثار الأخرى على حله.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 373

و كذلك إذا أخبره صاحب اليد على العصير بذلك، و كان المخبر مسلما و لا يستحل العصير المطبوخ قبل ذهاب ثلثيه، فيقبل قوله و يصح له ان يرتب الآثار على صدقه.

و يشكل الاكتفاء بمجرد كونه صاحب يد إذا هو لم يخبر بذهاب الثلثين، فلا يصح له أخذ العصير منه و ترتيب آثار الحل عليه على الأحوط، و ان كان مسلما و ممن يعتقد بحرمة العصير المطبوخ قبل ذهاب ثلثيه.

و يشكل الاعتماد على قوله إذا أخبر بحلية العصير المطبوخ

أو بذهاب ثلثيه إذا كان ممن يختلف معه في الاجتهاد أو التقليد فهو يكتفي في حل العصير بصيرورته دبسا عن ذهاب الثلثين، فالأحوط الاجتناب في هذه الصورة و خصوصا مع التهمة، فلا يعتمد على قوله.

المسألة 131:

إذا علم الرجل بإسكار العصير أو شهدت له البينة بذلك أو ثبت بقول أهل الخبرة حكم بنجاسته و حرمته، و لم يطهر و لم يحل شربه حتى ينقلب خلا، و لا فرق في هذا الحكم بين عصير العنب و الزبيب و التمر و غيرها من أقسام العصير، و لا فرق بين أن يكون ذلك قبل الطبخ أو بعده.

المسألة 132:

يحل شرب عصير العنب إذا لم تحدث فيه حالة النشيش أو الغليان، و لم يك مسكرا و لا ممزوجا بمسكر أو بمحرم آخر، و كذلك في عصير الزبيب، و قد ذكرنا الحكم في عصير التمر في المسألة المائة و التاسعة عشرة.

المسألة 133:

يجوز شرب جميع ما يعتصر من الفواكه الأخرى و المخضرات و النباتات و جميع الأشربة التي تستحضر منها أو من غيرها أو تصعد منها أو من غيرها، إذا لم تكن مسكرة أو ممزوجة بمسكر أو بمحرم آخر أو مأخوذة من مسكر أو محرم بغير التصعيد و لم تكن مضرة، و كذلك الحكم في المياه الغازية المتداولة في هذه الأزمان.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 374

المسألة 134:

يحل شرب المياه المعدنية التي تنفجر بها بعض العيون و تعلق بها رائحة بعض المعادن أو بعض طعومها كماء الكبريت و نحوه، و إذا كانت مضرة حرمت للضرر.

المسألة 135:

يجوز أكل ربوب الثمار و الفواكه، و هي ما يخثر من عصيرها مثل رب الرمان و رب التفاح و التوت و غيرها، و يجوز أكل المربيات، و هي ما يطبخ من قطع الفواكه و الثمار مع السكر، مثل مربى السفرجل و مربى الخوخ و التين و غيرها، و لا يمنع من أكلها أن يشم منها رائحة المسكر، ما لم تكن مسكرة بالفعل أو تمزج به أو بمحرم آخر.

المسألة 136:

قد يعلق بالماء من رواسب قاع النهر أو قاع الهور و الآجام، من طين متغير الرائحة أو نبات متعفن، أو تجمع في السمك و بيوضه و صغاره من محلل و محرم، و من بعض الحشرات، فلا يحرم بذلك شرب الماء و ان تغيرت بسبب ذلك رائحته أو لونه، و إذا كان مضرا حرم شربه لضرره.

المسألة 137:

لا يجوز للإنسان أن يأكل أو يشرب من طعام الغير و شرابه إلا بإذنه أو رضاه، من غير فرق بين المسلم و الكافر إذا كان ممن يحترم الإسلام ماله كالذمي و المعاهد.

المسألة 138:

يجوز للإنسان إذا مر في طريقه بنخل مثمر أو بشجر مثمر للغير ان يأكل من الثمر بمقدار شبعه، من غير فارق بين ان يأكل من النخلة أو الشجرة نفسها أو مما تساقط منها، و سواء كان مضطرا إلى الأكل منه أم لا، شريطة ان لا يفسد الثمر أو الأغصان أو الأرض، أو يفسد شيئا من ممتلكات صاحب المال، و لا يجوز له ان يحمل معه شيئا من الثمرة و ان كان قليلا.

و يختص هذا الحكم بثمرة النخيل و الشجر، فلا يجوز ذلك في الخضر و المزروعات الأخرى على الأحوط لزوما، و لا يتعدى الحكم بالجواز الى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 375

النخيل و الشجر النادر الذي يعتز المالك بثمرته، فلا يحل التناول منه على الأحوط بل على الأقوى. و قد ذكرنا تفصيل ذلك و الأحكام التي تتعلق به في المسألة الأربعمائة و الحادية و الأربعين من كتاب التجارة و ما بعدها فلتراجع.

المسألة 139:

يجوز للإنسان أن يأكل من البيوت الخاصة التي ذكرتها الآية الحادية و الستون من سورة النور من غير حاجة الى الاذن من أهل هذه البيوت و إحراز الرضا منهم، و الآية الكريمة المشار إليها، هي قوله تعالى:

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمىٰ حَرَجٌ، ..، وَ لٰا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ آبٰائِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ أُمَّهٰاتِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ إِخْوٰانِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ أَخَوٰاتِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ أَعْمٰامِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ عَمّٰاتِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ أَخْوٰالِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ خٰالٰاتِكُمْ، أَوْ مٰا مَلَكْتُمْ مَفٰاتِحَهُ، أَوْ صَدِيقِكُمْ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتٰاتاً.).

فيجوز للإنسان أن يأكل من هذه البيوت المذكورة و يجوز له أن يشرب منها و لا يتوقف حل أكله و شربه منها على إذن أربابها و إحراز

رضاهم، بل يحل له ذلك في حال الاختيار منه و ان لم يك مضطرا، و في حال الشك في رضاهم و عدمه، الا أن يعلم بعدم الرضا منهم أو يظن بذلك، فلا يجوز له الأكل حين ذلك.

و المراد بما ملكتم مفاتحه بيت موكل الإنسان الذي فوض إليه أمر بيته و ادارة شؤون البيت و حفظه، و في عطف هذه البيوت في الآية الكريمة على بيت الإنسان نفسه دلالة عميقة على قوة الصلة و شدة الارتباط بين الإنسان و أرحامه الذين ذكرتهم الآية، و بينه و بين صديقه حين تكون صداقتهما صادقة قائمة على الحب في اللّٰه و الولاية فيه، و هذا هو الذي يريده الإسلام للأصدقاء في المجتمع المسلم، و بينه و بين من ملكه مفاتح بيته و ائتمنه على حفظه و إدارته و هي صداقة و معاملة تقومان على الصدق و الولاية في اللّه. و كذلك في قوله تعالى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتٰاتاً، فيصح له أن يأكل من البيت مع صاحب البيت أو منفردا عنه أو مع عدم حضوره بلا حرج و لا جناح

كلمة التقوى، ج 6، ص: 376

و في ذلك من الدلالة على عمق الصلة التي ينطبع عليها المجتمع المسلم.

نعم لا يتناول الإذن بالأكل أو الشرب من هذه البيوت: أن يأكل الإنسان ما يعتز به صاحب البيت أو يحتفظ به لبعض الخاصة من الضيوف مثلا و ذوي المنزلة الذين يعتني بتكريمهم، فلا يجوز له أن يأكل منه الا بإذن صاحب البيت و رضاه، و لا يتعدى الاذن الى غير البيوت كالمحلات و الدكاكين و البساتين، فلا يأكل منها الا بإذن صاحبها و لا يجوز له أن يشتري من

السوق مثلا بعض الأشياء ليأكلها في البيت و يدفع صاحب البيت ثمنها، أو يؤخذ الثمن من البيت، فلا يحل ذلك بغير اذن، و لا يتجاوز الاذن نفس الإنسان، فلا يجوز له ان يطعم ضيوفه الخاصين به مثلا من تلك البيوت بغير إذن.

المسألة 140:

يجوز للزوجة أن تأكل من بيت زوجها من غير اذنه، و لعلها داخلة في قوله تعالى أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ، فان بيت الزوج هو بيت الزوجة، فيجوز لها أن تأكل منه و تشرب كما تقدم و يجوز لها أن تتصدق منه و في ذلك فروض و تفصيل يتعرض لها في فصل النفقات من كتاب النكاح، و إذا كان للزوج بيتان أو أكثر و كانت الزوجة في أحد بيوته جاز لها الأكل و الشرب منه كما تقدم، و هل لها أن تأكل و تشرب من بيوته الأخرى بغير اذنه؟

فيه تأمل و لا بد من مراعاة الاحتياط.

و يجوز للأب و الأم أن يأكلا من بيت ولدهما على النهج الذي ذكرناه في بقية الأرحام، و الأكل و الشرب من البيوت التي ذكرتها الآية الكريمة انما هو حق شرعي أنساني للشخص في هذه البيوت و ليس من النفقة و لذلك فلم يختص بمن تلزم نفقته و لم يشترط بشروطها، فيجوز للإنسان و ان كان غنيا أن يأكل من هذه البيوت و ان كان صاحب البيت فقيرا، و لعل ذلك يكون أبلغ في أحكام الصلة و توثيقها حين تنقى الضمائر.

المسألة 141:

إذا اضطر الإنسان إلى أكل أي محرم من المحرمات أو الى شربه، جاز

كلمة التقوى، ج 6، ص: 377

له تناول ذلك المحرم للضرورة إذا لم يكن الإنسان باغيا و لا عاديا، و لا اثم عليه في تناوله، و سيأتي توضيح جميع مقاطع المسألة.

المسألة 142:

الاضطرار للمحرم ان يتوقف على أكله أو على شربه حفظ نفس الإنسان من التلف و الهلاك المتيقن، أو المظنون أو المحتمل، احتمالا يعتد به الناس العقلاء و يحذرونه و يتفادون عن وقوعه، أو يكون عدم أكل ذلك المحرم أو شربه سببا لحدوث مرض مهلك أو شديد لا يتحمل عادة، و يكون حدوث المرض متيقنا أو مظنونا أو محتملا احتمالا يحذر العقلاء من وقوعه، و يسعون للتخلص و النجاة منه.

أو يكون ترك أكل المحرم أو ترك شربه سببا لطروء ضعف شديد يؤدي الى التلف أو الى مرض لا يتحمل عادة أما قطعا أو ظنا أو احتمالا يخاف منه على نحو ما تقدم، أو يكون الضعف المذكور موجبا للتخلف في السفر عن رفقته فيكون موجبا للعطب المقطوع به أو المخوف وقوعه.

المسألة 143:

من الاضطرار المبيح لتناول المحرم: أن تخاف المرأة الحامل إذا هي لم تأكل الشي ء المحرم أو لم تشربه على جنينها من الموت أو السقوط، يقينا أو ظنا أو احتمالا يخشى وقوعه، و من الاضطرار: أن تخاف المرأة المرضعة إذا هي تركت أكل المحرم أو شربه ان ينقطع لبنها فيكون ذلك سببا لهلاك طفلها.

و من الضرورة المبيحة للمحرم: أن يخشى المريض إذا هو ترك أكل المحرم أو شربه ان تطول مدة مرضه الذي لا يتحمل عادة أو يعسر علاجه على النحو المتقدم في نظائره، فيباح للإنسان أن يتناول المحرم في الصور المفروضة في هذه المسألة و في سابقتها.

المسألة 144:

من الضرورة: أن يكره ظالم إنسانا على أكل المحرم أو على شربه و يتوعده إذا هو خالف و لم يفعل أن يوقعه في المحذور في نفسه أو في نفس محترمة أخرى، أو في عرضه أو في عرض محترم، أو في ماله

كلمة التقوى، ج 6، ص: 378

أو في مال محترم يكون فوته موجبا للوقوع في الحرج، و من الضرورة:

أن يتقي الرجل من أحد تقية تسبب له نظير ما تقدم ذكره في الإكراه، فيباح له تناول المحرم.

المسألة 145:

إذا توقف حفظ نفس الإنسان أو سلامة حياته عن التلف أو عن القتل على أكل محرم أو على شربه، وجب عليه أكله و شربه و لم يجز له التنزه عنه في هذه الصورة، و لا فرق في هذا الحكم بين الخمر و غيرها من المشروبات المحرمة، و لا بين الطين و غيره من المأكولات المحرمة، فإذا عطش الرجل و خاف الهلاك من العطش و لم يجد غير الخمر، وجب عليه شربه، و إذا جاع حتى خشي الموت من شدة الجوع و لم يجد ما يأكله غير الطين وجب عليه أكله و لم يجز له التنزه عنهما.

المسألة 146:

يشترط في إباحة أكل المحرم للإنسان و شربه عند الاضطرار اليه أن لا يكون باغيا و لا عاديا، و الباغي هو الذي يخرج على الإمام الحق العادل، و من يخرج الى الصيد بطرا و لهوا، و العادي هو قاطع الطريق، و قد يلحق به السارق، فإذا اضطر الرجل الى تناول المحرم و كان باغيا أو عاديا لم يجز له التناول منه و يكون آثما عاصيا في تناوله، و ان أجاز له العقل أن يتناول منه تقديما لأخف المحذورين على أشدهما، و لكن العقاب الشرعي لا يسقط عنه بذلك، على اشكال في الخارج عن طاعة الإمام في ذلك فهو ممن يباح قتله، فلا يجوز حفظ نفسه عقلا.

المسألة 147:

إذا اضطر الإنسان إلى أكل محرم أو الى شربه وجب عليه أن يتناول المقدار الذي ترتفع به الضرورة خاصة و لا يحل له أن يزيد على ذلك، فإذا عطش حتى خشي الهلاك من العطش جاز له أن يشرب من المحرم ما ترتفع به شدة عطشه عنه و ينجيه من الهلاك و لا تباح له الزيادة عليه، و إذا جاع حتى خاف الموت من الجوع حل له أن يأكل من المحرم الذي يجده ما يسد به رمقه و يحفظه من الموت جوعا، و لا يزد على ذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 379

و إذا اضطر الى أكثر من ذلك جازت له الزيادة بمقدار ما تحتمه الضرورة، و لا يتجاوز أقل ما تتأدى به الضرورة.

المسألة 148:

لا يجوز للمريض أن يتداوى بالمأكولات أو المشروبات المحرمة أو الممزوجة بالمحرم إذا وجد الدواء المحلل و لم ينحصر علاج مرضه بالمحرم، و إذا انحصر علاجه بشرب المحرم أو أكله و لم يوجد له دواء محلل التناول جاز للمريض تناول المحرم و التداوي به، و المدار في الانحصار و عدم الانحصار هو حكم الأطباء الحذاق الثقات، و قول أهل الخبرة الموثوقين بعد تعيين المرض، و المدار أيضا هو الانحصار و عدم الانحصار في ما يوجد بأيدي الناس من العلاجات و الأدوية، فقد لا يوجد للمرض دواء آخر في بلد و يوجد له في بلد آخر، فإذا لم يمكن جلب الدواء من بلده الى بلد المريض كان دواؤه منحصرا في المحرم.

المسألة 149:

الظاهر انه يجوز للمريض الشديد المرض ان يتداوى عنه بتناول الخمر أو المسكر، إذا علم بأن مرضه و ان كان شديدا أو مهلكا، الا أنه قابل للعلاج، فهو مهلك أو شديد إذا لم يعالج، و قابل للبرء إذا عولج، و علم كذلك بأن علاجه من المرض ينحصر بتناول المسكر و لا دواء له غيره، فإذا علم المريض بذلك من قول حذاق الأطباء أو أهل الخبرة الموثوقين، جاز له التداوي به.

غير أن هذا الفرض بعيد التحقق جدا في هذه الأزمنة، فإن انحصار العلاج بالمسكر وحده بعد تقدم الطب و توفر وسائل العلاج في غاية البعد إذا لم يكن ممتنعا، فيجب التثبت و الفحص و التوقي بما يستطاع، و إذا ثبت انحصار الدواء به جاز تناوله.

المسألة 150:

إذا اضطر الإنسان إلى الأكل أو الشرب من مال غيره لسد رمقه بحيث لم يجد ما يأكل أو يشرب غير ذلك المال، و الصور التي يحتمل فرضها في المسألة ثلاثة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 380

الصورة الأولى: أن يكون صاحب المال حاضرا، و أن يكون مضطرا أيضا الى أكل ذلك المال أو الى شربه، و مثال ذلك أن يكون الرجلان معا في مفازة و لا يجدان فيها ما يأكلان أو يشربان غير ذلك المال الذي يملكه أحدهما.

و الظاهر في هذه الصورة انه يجب على مالك المال أن يختص به لنفسه و لسد ضرورته، و لا يجوز له بذله للمضطر الآخر بعد ان كان و هو مالك المال مضطرا كاضطراره، و لا يكون هذا من موارد الإيثار على نفسه، و لا يحق للمضطر الآخر أن يقهره و يأخذ المال منه، و إذا قهره و أخذ المال منه كان آثما و ضامنا، و ان

كان مضطرا.

المسألة 151:

الصورة الثانية: أن يكون صاحب المال حاضرا و غير مضطر إلى أكل المال أو شربه، و الأحوط لزوما في هذا الفرض أن يبذل المالك ماله للمضطر، و لا يتعين عليه أن يكون البذل مجانا من غير عوض بل يصح له أن يشترط عليه دفع العوض.

و إذا امتنع المالك عن بذل المال للمضطر بعوض و بغير عوض جاز له قهره على البذل، و لا يجوز له ان يقهره على البذل بدون عوض.

و إذا بذل المالك للمضطر المال و اشترط عليه دفع العوض و قدره له صح له ذلك، سواء كان العوض الذي قدره أقل من ثمن المثل أم مساويا له أم زائدا عليه، إذا لم تكن الزيادة موجبة للحرج على المضطر، و إذا بذل المالك المال للمضطر و اشترط عليه العوض و لم يقدره بمقدار، أخذ المضطر المال و وجب عليه دفع قيمة المال إذا كان قيميا و دفع مثله إذا كان مثليا.

و إذا اشترط العوض و تعين القدر بأحد الوجوه المتقدمة و طالب المالك المضطر و كان قادرا على دفعه وجب عليه الدفع، و إذا كان غير قادر بقي في الذمة و توقع حصول الميسرة، و إذا كان المال مثليا و كانت له قيمة في حال الاضطرار كالماء في المفازة ثم سقطت قيمته عند وجود المثل كالماء بعد الوصول الى النهر و مجاري العيون، كان الحكم في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 381

الفرض هو ما بيناه في المسألة الثانية و الأربعين من كتاب الغصب فليرجع الى ما فصلناه فيها.

المسألة 152:

الصورة الثالثة: أن يكون صاحب المال غائبا حال اضطرار المضطر إلى الأكل من ماله، و الحكم في هذه الصورة انه يجوز للمضطر أن يأكل أو يشرب

من المال ما يسد به رمقه لا أكثر، و يجب عليه ان يقدر العوض تقديرا صحيحا و يجعله في ذمته بدلا عما تناول من المال، و لا يجوز له أن يجعل العوض أقل من ثمن المثل.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 381

و لا يترك الاحتياط بأن يراجع الحاكم الشرعي في ذلك مع الإمكان، و إذا لم يمكنه ذلك رجع به الى عدول المؤمنين.

المسألة 153:

يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها الخمر أو يشرب عليها شي ء من المسكرات أو الفقاع، بل الأحوط لزوما عدم الجلوس على المائدة و ان لم يأكل منها شيئا.

المسألة 154:

يحرم الأكل و الجلوس على مائدة يرتكب عليها شي ء من معاصي اللّه إذا كان في ترك الأكل و في ترك الجلوس عليها نهي عن المنكر، و يحرم الأكل و الجلوس عليها إذا كان في الجلوس مع أصحابها و في الأكل من مائدتهم تشجيع لهم على ارتكاب المآثم أو تهوين لأمر المنكر عندهم أو إغراء لآخرين بالاقتداء بهم.

الفصل الرابع في خصائص بعض المطعومات و المشروبات
المسألة 155:

ينبغي إكرام الخبز سواء كان من الحنطة أم الشعير، ففي الحديث عن الإمام أبي عبد اللّه (ع) قال قال النبي (ص): أكرموا الخبز، فإنه قد عمل فيه ما بين العرش إلى الأرض و الأرض و ما فيها من كثير من خلقها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 382

و عنه (ص): انه قال: أكرموا الخبز، قيل يا رسول اللّٰه و ما إكرامه؟

قال: إذا وضع لا ينتظر به غيره، الى ان قال: و من كرامته أن لا يوطأ، و لا يقطع، و المراد أن لا يقطع بالسكين، و قد تكرر في الروايات النهي عن ذلك و هي دالة على كراهة ذلك.

و يكره وضع الرغيف تحت القصعة، و تحرم اهانة الخبز و دوسه بالأرجل بقصدها، بل تحرم اهانة غيره مما أنعم اللّٰه به على الناس من المطعومات و الأحاديث به كثيرة و دلالتها عليه واضحة.

المسألة 156:

عن أبي عبد اللّه (ع) انه قال: في التمرة و الكسرة تكون في الأرض مطروحة فيأخذها إنسان و يأكلها لا تستقر في جوفه حتى تجب له الجنة، و عنه (ع): قال رسول اللّه (ص): من وجد تمرة أو كسرة ملقاة فأكلها لم تستقر في جوفه حتى يغفر اللّٰه له، و عنه (ع): قال دخل رسول اللّه (ص) على بعض أزواجه فرأى كسرة كاد أن يطأها، فأخذها و أكلها و قال: يا فلانة أكرمي جوار نعم اللّٰه عليك فإنها لم تنفر عن قوم فكادت تعود إليهم.

المسألة 157:

في الرواية: كان علي بن الحسين (ع) يحب أن يرى الرجل تمريا، لحب رسول اللّه (ص) التمر، و عن أبي عبد اللّه (ع): ما قدم الى رسول (ص) طعام فيه تمر الا بدأ بالتمر.

و عنه (ص): انه قال لعلي (ع): انه ليعجبني الرجل أن يكون تمريا.

و في المرفوعة: من أكل التمر على شهوة رسول اللّه (ص) إياه لم يضره.

و عن علي (ع) قال: خالفوا أصحاب المسكر و كلوا التمر فان فيه شفاء من الأدواء.

المسألة 158:

في بعض الأحاديث عن أبي عبد اللّه (ع) قال: خمسة من فاكهة الجنة في الدنيا: الرمان الملاسي، و التفاح الشيقان، و السفرجل، و العنب الرازقي، و الرطب المشان.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 383

و عن أبي جعفر (ع): قال: أربعة نزلت من الجنة، العنب الرازقي، و الرطب المشان، و الرمان الملاسي، و التفاح الشيقان.

و عن أبي عبد اللّه (ع) قال: يا أهل الكوفة لقد فضلتم الناس في المطعم بثلاث: سمككم هذا البناني، و عنبكم هذا الرازقي، و رطبكم هذا المشان.

المسألة 159:

ورد عن الامام جعفر بن محمد (ع) قال: شكا نبي من الأنبياء الى اللّه عز و جل الغم، فأمره عز و جل بأكل العنب. و قال (ع): ان نوحا شكا الى اللّه الغم، فأوحى اللّه اليه: كل العنب فإنه يذهب بالغم.

المسألة 160:

عنه (ع) قال: الزبيب يشد العصب و يذهب بالنصب و يطيب النفس.

و عن الإمام أبي الحسن الرضا (ع) عن آبائه عن النبي (ص) عليكم بالزبيب فإنه يكشف المرة و يذهب بالبلغم و يشد العصب و يذهب بالإعياء، و يحسن الخلق و يطيب النفس و يذهب بالغم.

المسألة 161:

عن أبي عبد اللّه (ع): عليكم بالرمان فإنه لم يأكله جائع إلا أجزأه و لا شبعان الا امرأه.

و عنه (ع): من أكل الرمان طرد عنه شيطان الوسوسة.

و عن النبي (ص): الرمان سيد الفاكهة.

و عن أبي عبد اللّه (ع) قال: كلوا الرمان بشحمه فإنه يدبغ المعدة و يزيد في الذهن.

المسألة 162:

عن أحدهم (ع): كل التفاح فإنه يطفئ الحرارة، و يبرد الجوف، و يذهب بالحمى.

و عن الامام الصادق (ع): لو يعلم الناس ما في التفاح ما داووا مرضاهم الا به. و عنه (ع): أطعموا محموميكم التفاح، فما من شي ء أنفع من التفاح.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 384

المسألة 163:

عن أبي إبراهيم (ع): ان رسول اللّه (ص) قال لجعفر، يا جعفر، كل السفرجل فإنه يقوي القلب و يشجع الجبان، و في الخصال: أكل السفرجل قوة للقلب الضعيف و يطيب المعدة و يزيد في قوة الفؤاد و يشجع الجبان و يحسن الجلد.

و عن أبي عبد اللّه (ع): السفرجل يذهب بهم الحزين كما تذهب اليد بعرق الجبين.

و عن الرسول (ص): عليكم بالسفرجل فإنه يجلو القلب و يذهب بطخاء الصدر.

و عن أحدهم (ع): عليكم بالسفرجل فكلوه فإنه يزيد في العقل و المروة.

المسألة 164:

عن أبي الحسن الرضا (ع): التين يذهب بالبخر و يشد العظم، و ينبت الشعر و يذهب بالداء و لا يحتاج معه الى دواء، و قال (ع):

التين أشبه شي ء بنبات الجنة.

المسألة 165:

عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) قال: كان في ما أوصى به آدم ولده هبة اللّٰه ان قال له: كل الزيتون فإنه من شجرة مباركة.

و عن أبي عبد اللّه (ع): أنه ذكر عنده الزيتون فقال رجل: انه يجلب الرياح، فقال: لا و لكن يطرد الرياح، و عنه (ع): الزيتون يزيد في الماء.

المسألة 166:

عن أبي عبد اللّه (ع): كلوا الكمثرى فإنه يجلو القلب و يسكن أوجاع الجوف باذن اللّه.

و عنه (ع) الكمثرى يدبغ المعدة و يقويها، و هو و السفرجل سواء، و هو على الشبع أنفع منه على الريق.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 385

المسألة 167:

عن إبراهيم بن عمر اليماني، قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): انهم يزعمون ان الأترج على الريق أجود ما يكون، فقال أبو عبد اللّه (ع):

ان كان قبل الطعام خيرا، فبعد الطعام خير و خير.

و عنه (ع): كلوا الأترج بعد الطعام، فان آل محمد يفعلون ذلك.

و عن أبي الحسن الرضا (ع): ان رسول اللّه (ص) كان يعجبه النظر إلى الأترج الأخضر و التفاح الأحمر.

المسألة 168:

ورد عن الإمام أبي عبد اللّه (ع): كلوا البطيخ فان فيه عشر خصال مجتمعة، هو شحمة الأرض لاداء فيه و لا غائلة، و هو طعام و شراب، و هو فاكهة، و هو ريحان، و هو أشنان، و هو أدام، و يزيد في الباه، و يغسل المثانة و يدر البول.

و عن أبي الحسن الأول (ع): قال أكل رسول اللّه (ص) البطيخ بالسكر، و أكل البطيخ بالرطب.

و عن أبي عبد اللّه (ع): كان النبي (ص) يعجبه الرطب بالخربز.

(و هو البطيخ، أو هو نوع منه).

و في العيون عن الرضا (ع) قال: أتي النبي (ص) ببطيخ و رطب فأكل منهما و قال: هذان الأطيبان.

المسألة 169:

تولد مع الزمان مئات الأجناس و الأنواع و الأصناف من الفواكه، مختلفة الطعوم و الاشكال و العطور و المنافع، و متشابهاتها، و قد عرفها الإنسان و جربها، و أفاد منها، و دله الطب الحديث و بعض العلوم الأخرى على الكثير الجم من فوائدها و منافعها، و كلها من الحلال الطيب الذي خلقه اللّه للناس من هذه الأرض، و الطيبات من الرزق التي أخرجها لعباده.

و الإنسان في هذه الأبواب و أمثالها لا يبتغي تعريفا بالنعمة، بقدر ما يبتغي تنبيها على حق المنعم، و التفاتا واعيا الى وجوب شكره و أداء

كلمة التقوى، ج 6، ص: 386

حقه، فالإنسان لربه جحود كنود، و منه سبحانه الدلالة لمعرفة النعمة و الهداية لعرفان الحق، و العون و التمكين من أداء الواجب.

المسألة 170:

في الحديث عن حنان، قال: كنت مع أبي عبد اللّه (ع) على المائدة، فمال على البقل، و امتنعت انا منه لعلة كانت بي، فالتفت الي فقال:

يا حنان اما علمت ان أمير المؤمنين (ع) لم يؤت بطبق الا و عليه بقل؟، قلت: و لم؟، قال: لأن قلوب المؤمنين خضرة فهي تحن الى شكلها.

و قد ورد عن أبي عبد اللّه (ع): الهندباء سيد البقول.

و عنه (ع) قال: بقلة رسول اللّه (ص) الهندباء، و بقلة أمير المؤمنين (ع) الباذروج (و هي الريحان) و بقلة فاطمة الفرفخ، و عنه (ع) عن الرسول (ص): عليكم بالفرفخ و هي المكيسة فإذا كان شي ء يزيد في العقل فهي.

و عنه (ع) قال: ذكر البقول عند رسول اللّه (ص) فقال: سنام البقول و رأسها الكراث و فضله على البقول كفضل الخبز على سائر الأشياء، و هي بقلتي و بقلة الأنبياء قبلي و انا أحبه.

و عنه (ع) عن رسول

اللّه (ص): عليكم بالكرفس فإنه طعام الياس و اليسع و يوشع بن نون.

و عنه (ع) قال: عليكم بالخس فإنه يصفي الدم.

و عنه (ع): الفجل أصوله تقطع البلغم و لبه يهضم، و ورقه يحدر البول حدرا.

و عنه (ع): البصل يذهب بالنصب و يشد العصب و يزيد في الخطى و يزيد في الماء و يذهب بالحمى، و في رواية أخرى انه ذكر البصل فقال (ع): يطيب النكهة و يذهب بالبلغم و يزيد في الجماع.

المسألة 171:

عن أبي عبد اللّه (ع) عن آبائه (ع): كان النبي (ص) يحب من الشراب اللبن. و عنه (ع) قال: اللبن طعام المرسلين. و عنه (ع): كان النبي (ص) إذا شرب اللبن قال: اللهم بارك لنا فيه و زدنا منه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 387

و عنه (ع): ان رجلا قال له: اني أجد الضعف في بدني فقال: عليك باللبن فإنه ينبت اللحم و يشد العظم.

و عن الإمام أبي جعفر (ع): لم يكن رسول اللّه (ص) يأكل طعاما و لا يشرب شرابا الا قال: اللهم بارك لنا فيه و أبدلنا به خيرا منه، الا اللبن، فإنه كان يقول: اللهم بارك لنا فيه، و زدنا منه، و الحديث الشريف واضح الدلالة على أن اللبن غذاء كامل كما يقول العلم الحديث، و لذلك فهو (ص) يطلب من اللّه المزيد منه، و لا يطلب غذاءا خيرا منه، و عن أبي عبد اللّه (ع): اللبن الحليب لمن تغير عليه ماء الظهر، و عن أبي الحسن (ع): من تغير له ماء الظهر، فإنه ينفع له اللبن الحليب و العسل.

المسألة 172:

روي عن الرسول (ص): كلوا الزيت و ادهنوا به فإنه من شجرة مباركة، و عن أمير المؤمنين (ع): ادهنوا بالزيت و ائتدموا به فإنه دهنة الأخيار و أدام المصطفين، سبحت بالقدس مرتين، بوركت مقبلة و بوركت مدبرة، لا يضر معها داء، و عن أبي عبد اللّه (ع) قال: الزيت طعام الأتقياء.

المسألة 173:

ورد عن أبي عبد اللّه (ع): كان رسول اللّه (ص) يعجبه العسل، و ورد عنه (ع) ما استشفى الناس بمثل العسل، و عن أمير المؤمنين: لعق العسل شفاء من كل داء، قال اللّه عز و جل يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهٰا شَرٰابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰانُهُ فِيهِ شِفٰاءٌ لِلنّٰاسِ، و هو مع قراءة القرآن و مضغ اللبان يذهب البلغم.

المسألة 174:

الحسو، و هو يتخذ عادة من دقيق بعض الحبوب، من جنس واحد منها أو أكثر، مع الدهن و التوابل، يطبخ بالماء حتى يكون طعاما رقيقا، و قد يحلى بالسكر أو بالعسل و نحوهما، و قد يطبخ باللبن أو يجعل فيه، و يسمى التلبين و التلبينية، ثم يحتسى.

و قد ورد عن النبي (ص): لو أغنى من الموت شي ء لأغنت التلبينة،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 388

فقيل: يا رسول اللّه (ص) و ما التلبينة؟ قال: الحسو باللبن، الحسو باللبن كررها ثلاثا. و عن أبي عبد اللّه (ع): ان التلبين يجلو القلب الحزين كما تجلو الأصابع العرق من الجبين.

المسألة 175:

قد يستعمل في المصانع الحديثة بعض الكحول في اذابة بعض الجوامد و يتخذ منه شراب معين و يعلم ذلك بقول الخبراء من أهل التحليل أو بقول الأطباء الموثوقين من أهل المعرفة بذلك، و قد يعترف به أصحاب المعامل و الشركات أنفسهم عند ما يريدون ان يذكروا للناس بعض المعلومات عن مصنوعاتهم للدعاية أو لغير ذلك.

فإذا كان النوع المستعمل في اذابة ذلك الشي ء الجامد من الكحول المسكر بالفعل، كان الشراب المستحضر منه نجسا و محرما، و إذا كان من الكحول غير المسكر، فالشراب المتخذ منه لا يكون نجسا و لا محرما، فان الكحول غير المسكر انما يكون محرما إذا كان ساما أو مضرا، و من الواضح أن المقدار الذي تستعمله الشركات و المصانع في اذابة الشي ء الجامد لتجعله شرابا مرغوبا للناس لا يكون ساما و لا مضرا، و لذلك فلا يكون الشراب المتخذ منه محرما، إلا إذا تولدت فيه صفة الإسكار بالفعل بسبب وجود تلك النسبة من الكحول فيه، فإذا أسكر كان محرما و نجسا.

و كذلك الحكم إذا لم يعلم ان

الكحول المستعمل في صناعته من أي النوعين، فلا يكون الشراب نجسا و لا محرما إلا إذا أسكر بالفعل، و إذا لم يثبت استعمال الكحول في صناعته، فالشراب طاهر و محلل ظاهرا حتى يثبت اسكاره بالفعل.

المسألة 176:

يستحب أن تغسل الفاكهة و الثمرة قبل أن تؤكل، ففي الرواية عن أبي عبد اللّه (ع): ان لكل ثمرة سما، فإذا أتيتم بها فأمسوها الماء و أغمسوها في الماء، يعني اغسلوها، و عنه (ع) انه كان يكره تقشير الثمرة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 389

و الروايتان المذكورتان علمان من أعلام الإمامة، و الخلافة الحقة للنبوة، فالإمام الصادق (ع) في الرواية الأولى يعني بالسم في الثمرة ما يعلق بها من جراثيم الهواء و الحشرات المختلفة التي تقع على الثمرة قبل ان تقطف، و لذلك فيستحب غسلها و تنقيتها من هذه السموم، و هذه حقيقة كشف عنها العلم الحديث بعد عدة قرون من حياته (ع) و لم تكن معلومة قبل ذلك.

و هو (ع): في الرواية الثانية يكره تقشير الثمرة كالتفاح و التين و الخوخ و السفرجل، لأن القشر هو الموضع الذي تتركز و تكثر فيه العناصر النافعة في الثمرة، و التي تستفيدها من أشعة الشمس و غيرها من مصادر الفيتامين و غيره من عناصر الغذاء، و هذه حقيقة ثانية دل عليها العلم بعد أن تقدمت كشوفه و نظرياته و لم تكن معروفة كذلك.

الفصل الخامس في آداب الأكل و آداب المائدة
المسألة 177:

يستحب غسل اليدين معا قبل الابتداء بالأكل، سواء كان الأكل بواحدة منهما كما هو الغالب أم كان باليدين معا، كما في بعض المآكل التي يحتاج فيه الى مباشرتهما معا، بل و ان كان الأكل بغير اليد كالملعقة و الشوكة، و سواء كان الطعام جامدا أم مائعا، كالحسو و الأمراق و شبهها.

و إذا كان الآكلون جماعة على مائدة واحدة، استحب أن يبدأ بصاحب الطعام فيغسل يديه أولا، ثم يغسل من بعده من يكون على يمينه ثم من يليه مرتبا حتى يختتم الدور بمن يكون على يسار

صاحب الطعام.

و إذا لم يكن الطعام من واحد معين كما إذا كانوا مشتركين في الطعام بينهم، أو لم يكن صاحب الطعام حاضرا أو كان صائما مثلا بدئ بالغسل بمن يكون على يمين الباب، و الأمر سهل بعد أن كان ذلك من الآداب المستحبة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 390

و يستحب ان لا يمسح الغاسل يده بالمنديل بعد غسلها قبل الطعام، فعن أبي عبد اللّه (ع): إذا غسلت يدك للطعام فلا تمسح يدك بالمنديل، فلا تزال البركة في الطعام ما دامت النداوة في اليد.

المسألة 178:

تستحب التسمية عند الشروع في الأكل، ففي الحديث عن الصادق (ع) ان الرجل المسلم إذا أراد أن يطعم الطعام فأهوى بيده و قال:

بسم اللّه و الحمد للّه رب العالمين، غفر اللّٰه عز و جل له من قبل أن تصير اللقمة الى فيه، و عن أمير المؤمنين (ع): من ذكر اسم اللّه على الطعام لم يسأل عن نعيم ذلك أبدا.

المسألة 179:

يستحب التحميد لهّٰة عند الفراغ من الأكل، و في الحديث عن الإمام أبي الحسن (ع) انه قال و قد أتي بالطعام: الحمد للّه الذي جعل لكل شي ء حدا، فقيل له ما حد هذا الطعام؟ فقال (ع) حده إذا وضع ان تسمي عليه و إذا رفع ان تحمد اللّه عليه، و الأحاديث في ذلك كثيرة جدا.

و عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث التسمية على الطعام، قال: قلت له: فان نسيت أن أسمي قال (ع): تقول بسم اللّٰه على أوله و آخره، و عنه (ع): إذا حضرت المائدة فسمى رجل منهم أجزأ عنهم أجمعين، بل ورد استحباب التسمية على كل إناء و على كل لون، و عن علي (ع) انه قال: ما أتخمت قط، لأني ما رفعت لقمة إلى فمي إلا سميت.

المسألة 180:

يستحب أن يكون الأكل و الشرب باليمين، فان اليمين هي المجعولة لمهمات الأمور و الأعمال، و عن سماعة ابن مهران عن أبي عبد اللّه (ع) قال: سألته عن الرجل يأكل بشماله و يشرب بها؟، فقال (ع): لا يأكل بشماله و لا يشرب بشماله، و لا يتناول بها شيئا، و عنه (ع) قال: لا تأكل باليسرى و أنت تستطيع.

المسألة 181:

يستحب أن يكون صاحب الطعام أول من يبدأ بالأكل و آخر من يرفع

كلمة التقوى، ج 6، ص: 391

يده عنه، ففي الحديث كان رسول اللّه (ص) إذا أكل مع القوم طعاما، كان أول من يضع يده و آخر من يرفعها، ليأكل القوم.

المسألة 182:

يستحب أن يبدأ الآكل بأكل الملح قبل الطعام و يختم به، ففي الحديث، قال رسول اللّه (ص) لعلي (ع): افتتح طعامك بالملح و اختم به، فان من افتتح طعامه بالملح و ختم به عوفي من اثنين و سبعين نوعا من أنواع البلاء، و عن أمير المؤمنين (ع): ابدؤوا بالملح في أول طعامكم فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الدرياق المجرب.

المسألة 183:

يستحب للإنسان أن يأكل بثلاث أصابع أو بأكثر من ذلك، و لا يأكل بإصبعين فقد روي عن أبي عبد اللّه (ع) أنه كان يجلس جلسة العبد و يضع يده على الأرض، و يأكل بثلاث أصابع و كان رسول اللّه (ص) يأكل هكذا، ليس كما يفعل الجبارون يأكل أحدهم بإصبعيه، و في كتاب مكارم الأخلاق عنه (ص): ان الأكل بإصبعين هو أكل الشيطان.

و في المرفوعة كان أمير المؤمنين (ع) يستاك عرضا و يأكل هرثا، و الهرث أن يأكل بأصابعه جميعا.

المسألة 184:

يستحب للإنسان حين يكون مع غيره على مائدة أن يأكل مما يليه من الطعام و لا يأخذ مما يلي غيره، فعن الرسول (ص): إذا أكل أحدكم فليأكل مما يليه، و في حديث أبي عبد اللّه (ع): و يأكل كل انسان مما يليه و لا يتناول من قدام الآخر شيئا.

المسألة 185:

يستحب للآكل تصغير اللقمة، و إجادة المضغ، ففي وصية النبي (ص) لعلي (ع) قال: يا علي اثنتا عشرة خصلة ينبغي للرجل المسلم أن يتعلمها على المائدة، الى ان قال (ص): و اما السنة فالجلوس على الرجل اليسرى و الأكل بثلاث أصابع و أن يأكل مما يليه، و مص الأصابع، و اما الأدب فتصغير اللقمة و المضغ الشديد، و قلة النظر في وجوه الناس و غسل اليدين، و قريب من ذلك ما روي عن الامام الحسن بن علي السبط (ع).

كلمة التقوى، ج 6، ص: 392

المسألة 186:

تستحب اطالة الجلوس على المائدة و إطالة مدة الأكل، ففي الرواية عن أبي عبد اللّه (ع): ما عذب اللّه عز و جل قوما و هم يأكلون، ان اللّه عز و جل أكرم من أن يرزقهم شيئا ثم يعذبهم عليه حتى يفرغوا منه، و في وصية علي لكميل بن زياد: يا كميل إذا أنت أكلت فطول أكلك يستوف من معك و ترزق منه غيرك، يا كميل إذا استويت على طعامك فاحمد اللّه على ما رزقك، و ارفع بذلك صوتك ليحمده سواك فيعظم بذلك أجرك، يا كميل لا توقر معدتك طعاما، و دع فيها للماء موضعا و للريح مجالا.

المسألة 187:

يستحب لعق الأصابع و مصها و غسل اليدين بعد الفراغ من الأكل، فقد ورد عن النبي (ص) انه كان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه في فيه و مصها، و ورد ذلك أيضا عن خلفائه المعصومين (ع)، و ورد عن أمير المؤمنين (ع): غسل اليدين قبل الطعام و بعده زيادة في العمر و إماطة للغمر عن الثياب، و يجلو البصر، و عن أبي عبد اللّه (ع):

اغسلوا أيديكم قبل الطعام و بعده فإنه ينفي الفقر و يزيد في العمر.

المسألة 188:

و من الآداب المستحبة مسح اليدين بالمنديل بعد غسلهما من الطعام، و الخلال من الطعام و أن يلتقط الإنسان ما يسقط من الخوان و الطبق و يأكله، فقد ورد: انه شفاء من كل داء باذن اللّه لمن أراد ان يستشفي به، و ورد: انه ينفي الفقر و يكثر الولد.

و إذا كانت المائدة في صحراء أو شبهها استحب أن يترك ما يسقط من الخوان ليأكله الطير و غيره من الحيوان.

المسألة 189:

روي عن الرسول (ص) أنه قال: تخللوا فإنه ينقي الفم و مصلحة للثة، و في حديثه (ص) لجعفر بن أبي طالب: تخلل فان الخلال يجلب الرزق.

و كان (ص) يتخلل بكل ما أصاب ما خلا الخوص و القصب، و نهى (ص) عن التخلل بالرمان و الآس و القصب و عن الصادق (ع): لا تخللوا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 393

بعود الريحان و لا بقضيب الرمان، و عن علي (ع): التخلل بالطرفاء يورث الفقر.

المسألة 190:

يستحب للإنسان أن يجيد الأكل في منزل أخيه، و ينبسط معه حتى ترتفع الحشمة بينهما، و الروايات الآمرة بذلك كثيرة، منها ما روي عن هشام بن سالم قال: دخلنا مع ابن أبي يعفور على أبي عبد اللّه (ع) و نحن جماعة، فدعا بالغداء فتغدينا و تغدى معنا، و كنت أحدث القوم سنا، فجعلت أحصر (يعني أضيق من الحياء لأكلي معهم) و انا آكل، فقال (ع) لي: كل، اما علمت أنه يعرف مودة الرجل لأخيه بأكله من طعامه.

و منها: ما روي عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: أكلنا مع أبي عبد اللّه (ع) فأتينا بقصعة من أرز، فجعلنا نعذر (اي نقلل الأكل)، فقال (ع): ما صنعتم شيئا، ان أشدكم حبا لنا أحسنكم أكلا عندنا، قال عبد الرحمن فرفعت كفيحة منه (هكذا في بعض النسخ، و لعل فيها تحريفا، و المراد انه رفع جانبا من الأرز ليأكله من باب المطايبة و الانبساط) فقال (ع): الآن، ثم قال: ان رسول اللّه (ص) اهدي له قصعة أرز من ناحية الأنصار، فدعا سلمان و المقداد و أبا ذر رحمهم اللّه فجعلوا يعذرون في الأكل فقال: ما صنعتم شيئا، أشدكم حبا لنا أحسنكم أكلا عندنا، فجعلوا يأكلون أكلا جيدا.

المسألة 191:

روي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الامام الرضا (ع) انه قال: إذا أكلت فاستلق على قفاك وضع رجلك اليمنى على اليسرى، و روي عنه (ع) أنه إذا تغدى فعل كذلك.

المسألة 192:

يكره أكل الطعام الحار فيترك حتى يمكن أكله، فعن أبي عبد اللّه (ع): الطعام الحار غير ذي بركة، و عنه (ع) قال: أتي النبي (ص) بطعام حار، فقال: ان اللّه لم يطعمنا النار، نحوه حتى يبرد، فترك حتى برد. و عنه (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): أقروا الحار حتى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 394

يبرد فان رسول اللّه (ص) قرب اليه طعام حار فقال أقروه حتى يمكن، ما كان اللّه ليطعمنا نارا، و البركة في البارد.

المسألة 193:

يكره النفخ في الطعام و الشراب، فعن النبي (ص) انه نهى ان ينفخ في طعام أو شراب و أن ينفخ في موضع السجود، و عن أبي عبد اللّه (ع):

انما يكره ذلك إذا كان معه غيره كراهية ان يعافه.

المسألة 194:

يكره أنهاك العظم و هو ان يؤكل جميع ما عليه من لحم حتى لا يبقى عليه شي ء، فعن الامام علي بن الحسين (ع): لا تنهكوا العظام فان للجن فيها نصيبا، فان فعلتم ذهب من البيت ما هو خير من ذلك.

و يكره ان يقطع اللحم على المائدة بالسكين، فان الرسول (ص) نهى عن ذلك، و يكره قطع الخبز بالسكين كما تقدم.

المسألة 195:

يكره الأكل على الشبع، فقد ورد أنه يورث البرص، و انه من الأشياء التي تذهب ضياعا.

و يكره التملي من الطعام، و كثرة الأكل، و النواهي عن ذلك كثيرة، و عن الإمام أبي الحسن (ع): ان اللّه يبغض البطن الذي لا يشبع، و يقول (ع) في حديث آخر: لو أن الناس قصدوا في المطعم لاستقامت أبدانهم.

المسألة 196:

يكره أن ترمى الفاكهة قبل أن يستقصى أكلها، ففي الرواية عن ياسر خادم الامام أبي الحسن موسى (ع): قال: أكل الغلمان يوما فاكهة، فلم يستقصوا أكلها و رموا بها، فقال أبو الحسن (ع):

سبحان اللّه ان كنتم استغنيتم فان ناسا لم يستغنوا أطعموه من يحتاج إليه.

المسألة 197:

يستحب أن يكون شرب الإنسان للماء مصا و لا يعبه عبا، فعن أبي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 395

عبد اللّه (ع) قال: قال رسول اللّه (ص) مصوا الماء مصا و لا تعبوه عبا، فإنه يوجد منه الكباد، (و الكباد بضم الكاف داء الكبد).

المسألة 198:

يستحب أن يكون شرب الماء بثلاثة أنفاس و يكره أن يكون بنفس واحد، ففي الحديث عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول:

ثلاثة أنفاس أفضل في الشرب من نفس واحد، و كان يكره أن يتشبه بالهيم، و قال: الهيم النيب، و روي مثله عن الحلبي.

المسألة 199:

يستحب للإنسان أن يشرب الماء قائما إذا أراد شربه في النهار، و يكره ذلك في الليل، ففي الرواية عن أبي عبد اللّه (ع): شرب الماء من قيام بالنهار أقوى و أصح للبدن، و في المرفوعة عنه (ع): شرب الماء من قيام بالنهار يمرئ الطعام و شرب الماء بالليل من قيام يورث الماء الأصفر.

المسألة 200:

ينبغي الإقلال من شرب الماء الا عند الحاجة فعن أبي عبد اللّه (ع):

من أقل شرب الماء صح بدنه، و عنه (ع): لا يشرب أحدكم الماء حتى يشتهيه فإذا اشتهاه فليقل منه، و عنه (ع): لا تكثر من شرب الماء فإنه مادة كل داء، و عن أحدهم (ع): لو ان الناس أقلوا من شرب الماء لاستقامت أبدانهم، و قال (ع): شرب الماء على أثر الدسم يهيج الداء.

المسألة 201:

يستحب التسمية في أول الشرب و التحميد في آخره، فعن أمير المؤمنين (ع): من ذكر اسم اللّه على طعام أو شراب في أوله و حمد اللّه في آخره لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام أبدا، و عن أبي عبد اللّه (ع) قال: إذا شرب أحدكم الماء فقال بسم اللّه، ثم قطعه فقال: الحمد للّه، ثم شرب فقال:

بسم اللّه، ثم قطعه فقال: الحمد للّه، ثم شرب فقال: بسم اللّه، ثم قطعه فقال الحمد للّه، سبح ذلك الماء له ما دام في بطنه الى ان يخرج.

المسألة 202:

يستحب للإنسان بعد شربه الماء، أن يذكر الحسين (ع) و يلعن

كلمة التقوى، ج 6، ص: 396

قاتله، و الروايات الدالة على استحباب ذلك و التأكيد عليه كثيرة معروفة، و الثواب عليه عظيم كبير.

المسألة 203:

يستحب سقي المؤمنين الماء حيث يوجد الماء و حيث لا يوجد، فعن الرسول (ص): من سقى مؤمنا شربة من الماء من حيث يقدر على الماء أعطاه اللّٰه بكل شربة سبعين ألف حسنة، و ان سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل، و عن علي بن الحسين (ع): من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنة، و من سقى مؤمنا من ظمأ سقاه اللّٰه من الرحيق المختوم.

المسألة 204:

من المستحبات التي تكثر الحث و التأكيد عليها إطعام الطعام، ففي الرواية عن معمر بن خلاد قال: رأيت أبا الحسن الرضا (ع) يأكل، فتلا هذه الآية: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَ مٰا أَدْرٰاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ، إلى آخرها ثم قال: علم اللّٰه ان ليس كل أحد يقدر على عتق رقبة، فجعل لهم سبيلا إلى الجنة بإطعام الطعام، و عن أبي عبد اللّه (ع) قال: من الايمان حسن الخلق، و إطعام الطعام، و عن أبي جعفر (ع) ان اللّه يحب إطعام الطعام و إفشاء السلام، و عن الرسول (ص) قال: خيركم من أطعم الطعام و أفشى السلام و صلى و الناس نيام، و عن أبي عبد اللّه (ع) قال: جمع رسول اللّه (ص) بني عبد المطلب، فقال يا بني عبد المطلب: أطعموا الطعام و أطيبوا الكلام و أفشوا السلام و صلوا الأرحام و تهجدوا و الناس نيام تدخلوا الجنة بسلام، و عن علي بن الحسين (ع): من أطعم مؤمنا أطعمه اللّه من ثمار الجنة، و عن أبي جعفر (ع): لئن أطعم ثلاثة من المسلمين أحب الي من عتق نسمة و نسمة حتى بلغ سبعا، و إطعام مسلم يعدل نسمة.

و عن حسين

بن نعيم الصحاف، قال: قال أبو عبد اللّه (ع): أ تحب إخوانك يا حسين؟ قلت: نعم، قال: و تنفع فقراءهم؟ قلت نعم، قال:

أما انه يحق عليك أن تحب من أحب اللّه، أما انك لا تنفع منهم أحدا حتى تحبه، أ تدعوهم الى منزلك؟ قلت: ما آكل الا و معي منهم الرجلان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 397

و الثلاثة و الأقل و الأكثر، فقال أبو عبد اللّه (ع): أما أن فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم، فقلت: جعلت فداك أطعمهم طعامي و أوطئهم رحلي و يكون فضلهم علي أعظم؟، قال: نعم، انهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك و مغفرة عيالك، و إذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك و ذنوب عيالك.

المسألة 205:

يستحب للمؤمن أن يجيب دعوة أخيه المؤمن إذا دعاه الى منزله، و أن يأكل عنده، فعن أبي عبد اللّه (ع): ان من حق المسلم على المسلم ان يجيبه إذا دعاه، و عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): أوصي الشاهد من أمتي و الغائب أن يجيب دعوة المسلم و لو على خمسة أميال، فإن ذلك من الدين، و عن أبي الحسن الرضا (ع): السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه، و البخيل لا يأكل من طعام الناس لئلا يأكلوا من طعامه، و عن أبي جعفر (ع) كان رسول اللّه (ص) يجيب الدعوة.

المسألة 206:

يستحب إكرام الضيف، ففي الحديث عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

مما علم رسول اللّه (ص) فاطمة (ع) ان قال: من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليكرم ضيفه، و عنه (ص): ان من حق الضيف أن يكرم و أن يعد له الخلال، و عنه (ص) انه قال: من أفضل الأعمال عند اللّه إبراد الاكباد الحارة و إشباع الاكباد الجائعة، و الذي نفس محمد بيده لا يؤمن بي عبد يبيت شبعان و أخوه- أو قال: جاره- المسلم جائع، و عنه (ص): إطعام إذا جمع اربع خصال فقد تم، إذا كان من حلال، و كثرت الأيدي عليه، و سمي في أوله، و حمد اللّه في آخره.

المسألة 207:

من آداب الضيافة انه تستحب اعانة الضيف في نزوله عند الإنسان و تكره إعانته على ارتحاله عنه ففي الحديث عن ميسرة عن أبي جعفر (ع) انه قال: من التضعيف ترك المكافاة، و من الجفاء استخدام الضيف،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 398

فإذا نزل بكم الضيف فأعينوه، و إذا ارتحل فلا تعينوه فإنه من النذالة، و زودوه و طيبوا زاده فإنه من السخاء.

و روي عن ابن أبي يعفور، قال: رأيت لأبي عبد اللّه (ع) ضيفا، فقام يوما في بعض الحوائج، فنهاه عن ذلك و قام (ع) بنفسه الى تلك الحاجة، و قال: نهى رسول اللّه (ص) ان يستخدم الضيف، و عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): إذا دخل الرجل بلدة فهو ضيف على من بها من اخوانه و أهل دينه حتى يرحل عنهم.

المسألة 208:

يستحب للإنسان أن يجتمع مع أهله و عياله على أكل الطعام إذا لم ينزل به ضيف ففي الحديث عن أبي عبد اللّه (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): ما من رجل يجمع عياله و يضع مائدته بين يديه و يسمى و يسمون في أول طعامهم و يحمدون في آخره فترفع المائدة حتى يغفر لهم، و في مكارم الأخلاق: كان النبي (ص) يأكل كل الأصناف من الطعام، و كان يأكل ما أحل اللّه له مع أهله و خدمه إذا أكلوا، و مع من يدعوه من المسلمين على الأرض و على ما أكلوا عليه و ما أكلوا، الا أن ينزل بهم ضيف فيأكل مع ضيفه.

المسألة 209:

يستحب للإنسان أن يشرب من سؤر أخيه المؤمن، ففي الرواية عن عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه (ع): في سؤر المؤمن شفاء من سبعين داء، و في الخصال عن علي (ع) قال: سؤر المؤمن شفاء، و في مرفوعة محمد بن إسماعيل: من شرب سؤر المؤمن تبركا به خلق اللّه بينهما ملكا يستغفر لهما حتى تقوم الساعة.

المسألة 210:

يكره للشخص أن يشرب من الإناء أو القدح من موضع كسره أو ثلمة إذا كان مكسورا أو مثلوما و من موضع عروته إذا كانت له عروة، ففي رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): لا تشربوا الماء من ثلمة الإناء و لا من عروته، و عن أبي عبد اللّه (ع) قال قال أبي (ع): و لا تشرب من اذن الكوز، و لا من كسر ان كان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 399

فيه فإنه مشرب الشياطين، و عن النبي (ص): و لا يشربن أحدكم الماء من عند عروة الإناء فإنه مجتمع الوسخ.

المسألة 211:

يكره لمن يأكل الثوم أو البصل أو الكراث أن يدخل الى المسجد و في فمه رائحتها، ففي الحديث عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال:

سألته عن أكل الثوم، فقال: انما نهى عنه رسول اللّه (ص) لريحه، فقال: من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقرب مسجدنا، و اما من أكله و لم يأت المسجد فلا بأس، و عن أبي عبد اللّه (ع): انه سئل عن أكل الثوم و البصل و الكراث، فقال: لا بأس بأكله نيا و في القدور، و لا بأس بأن يتداوى بالثوم، و لكن من أكل ذلك فلا يخرج الى المسجد، و عن الحسن الزيات قال: لما قضيت نسكي مررت بالمدينة فسألت عن أبي جعفر (ع) فقالوا: هو بينبع، فأتيت ينبع فقال لي: يا حسن أتيتني إلى ها هنا؟ قلت: نعم، كرهت أن أخرج و لا أراك، فقال: اني أكلت من هذه البقلة- يعني الثوم- فأردت أن أتنحى عن مسجد رسول اللّه (ص)، و عن أبي عبد اللّه (ع): انه كان يعجبه الكراث

و كان إذا أراد أن يأكله خرج من المدينة إلى العريض.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 401

كتاب اليمين و النذر و العهد

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 403

كتاب اليمين و النذر و العهد و فيه عدة فصول:

الفصل الأول في الأيمان
المسألة الأولى:

الأيمان جمع يمين، و يطلق عليه الحلف و القسم أيضا، و اليمين مؤنثة سماعا، و الحلف و القسم مذكران، و اليمين تقع على عدة وجوه:

فمنها يمين اللغو، و هي ما يجرى على الألسنة من صورة القسم لمجرد الاعتياد من غير أن يقصد المتكلم بها يمينا، فإذا سأله أحد مثلا: هل جاء ولدك من السفر؟، قال له: اي و اللّه انه قدم ليلة أمس، أو قال:

لا و اللّٰه انه لم يجي ء بعد، و إذا سأله: هل رأيت زيدا في هذا اليوم؟

قال: اي و اللّه لقد خرجت صباحا فصادفته، أو قال: لا و اللّٰه اني لم أره.

و لا حكم لهذه اليمين و لا مؤاخذة على مخالفتها و لا كفارة، كما يقول (سبحانه) (لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ) و قد فسرت في أحاديث أهل البيت (ع) بأنها قول لا و اللّه، و بلى و اللّه و لا يعقد على شي ء، بل و منها كل يمين يقولها القائل بلسانه بغير قصد و لا نية، فلا تكون شيئا و لا تكون عليها مؤاخذة.

المسألة الثانية:

و منها يمين المناشدة، و هي يمين تقترن بالطلب من الغير يبعثه المناشد بها أن يستجيب لطلبه ليفعل شيئا أو يترك فعله، فيقول له أقسم باللّه عليك، أو أنشدك اللّه أن تعطيني- مثلا- مائة دينار قرضا إلى مدة شهر، أو أن تزوجني ابنتك فلانة، أو أن لا تطالبني بدينك إلى مدة شهرين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 404

و لا ريب في أن هذه اليمين لا تنعقد، لأنها تتعلق بفعل الغير لا بفعل المناشد نفسه، فلا تجب على ذلك الغير الاستجابة لطلبه، و لا كفارة عليه إذا خالف و لم يستجب له، و لا اثم على القائل بإحلافه

الغير على اجابة طلبه و إنجاح مقصده و هذا النوع من اليمين كثير الورود و الاستعمال في الأدعية المأثورة و غير المأثورة، فهي توسل و استشفاع الى اللّه سبحانه أن يجيب دعوة الداعي بحرمة الشي ء الذي أقسم به عليه، فيقول الداعي: الهي أسألك بكتابك الكريم و بنبيك العظيم ان تستجيب لي دعوتي.

المسألة الثالثة:

و منها اليمين التي يوقعها الحالف لتأكيد خبره عن حدوث شي ء ماض، أو أمر حاضر، أو شي ء يأتي في ما بعد، أو لتأكيد خبره بعدم حدوثه، فيقول: و اللّٰه ان زيدا قد قدم من سفره بالأمس، أو انه وصل الآن، أو أنه يأتي غدا، أو يقول: و اللّه انه لم يأت، أو أنه لا يأتي.

و أثر هذه اليمين هو اثم الحالف إذا كان كاذبا في خبره، سواء كان اخباره عن أمر ماض أو أمر حاضر أو مستقبل، و لا كفارة عليه في مخالفة يمينه للواقع، بل و لا كفارة عليه في المخالفة و ان كان ما أخبر به مستحيل الوقوع، و لا اثر له سوى الإثم كما في الصور المتقدمة، فيكون في جميع الصور مأثوما من حيث الكذب و مأثوما من حيث اليمين على الكذب.

المسألة الرابعة:

اليمين الكاذبة أو اليمين الفاجرة محرمة شديدة التحريم، و هي- كما ذكرنا- أن يكذب الرجل و يحلف باللّه على الكذب في جميع الصور المتقدم ذكرها، و هي إحدى كبائر المعاصي و سريعة العقوبة و قد ورد في الحديث عن الرسول (ص): إياكم و اليمين الفاجرة فإنها تدع الديار من أهلها بلاقع (يعني خالية مقفرة)، و عن أئمة الهدى (ع): ان اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها و تثقلان الرحم، و ان ثقل الرحم انقطاع النسل.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 405

و هي اليمين الغموس، و فسرت اليمين الغموس أيضا في أحاديث المعصومين (ع) بأن يحلف الرجل على حق امرئ مسلم على حبس ماله، و قال في بعضها: هي أن يحلف الرجل على مال امرئ مسلم أو على حقه ظلما، و لا منافاة بين التفسيرين، فاليمين الغموس شاملة

لكل منهما.

المسألة الخامسة:

لا حرمة و لا اثم على الشخص في أن يحلف باللّٰه لتأكيد خبره إذا كان صادقا فيه سواء كان خبره عن الماضي أو عن الحاضر أو عن الآتي، نعم يكره له ذلك، و قد تكرر النهي في النصوص عن ان يحلف الإنسان باللّه لا صادقا و لا كاذبا، و فسر به قوله تعالى وَ لٰا تَجْعَلُوا اللّٰهَ عُرْضَةً لِأَيْمٰانِكُمْ.

المسألة السادسة:

يحرم الاستخفاف باليمين و ان كان الحالف صادقا في ما حلف عليه فالحرمة فيها من حيث الاستخفاف بها لا من حيث الصدق و الكذب في القول، و الاستخفاف هو ان لا يبالي بيمينه في أي موضع أتى بها، فيأثم لأنه استخف بيمينه و يستحق العقوبة على ذلك.

المسألة السابعة:

يحرم على الإنسان أن يقول: اللّه يعلم كذا و يعني أن اللّٰه يعلم صحة ما يقول، إذا كان كاذبا في اخباره، ففي الحديث عن أبي عبد اللّه (ع):

من قال: اللّه يعلم في ما لا يعلم اهتز لذلك عرشه إعظاما له، و عنه (ع):

إذا قال العبد: علم اللّه و كان كاذبا، قال اللّه عز و جل: أما وجدت أحدا تكذب عليه غيري.

المسألة الثامنة:

و منها يمين العقد، و هي أن يحلف الإنسان يمينا ليعقد بها على نفسه التزاما بفعل شي ء من الأشياء أو بتركه، فيقول و اللّه لأصومن غدا، أو لأتصدقن بخمسة دنانير، أو يقول: و اللّه لا أدخن التتن مدة شهر أو لا أدخن ما حييت، فإذا اجتمعت الشروط الآتي بيانها في المسائل المقبلة، انعقدت يمينه و وجب عليه الوفاء بها و حرم عليه أن يخالف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 406

التزامه، و إذا حنث في يمينه فخالفها وجبت عليه كفارة اليمين، و سيأتي ذكرها.

المسألة التاسعة:

يشترط في انعقاد اليمين أن ينشئها بالتلفظ بها، فلا تنعقد بالإشارة مع التمكن من النطق بها، و لا يبعد عدم انعقادها بالكتابة مع القدرة على التكلم أيضا، و لا يشترط في انعقادها أن ينشئها باللغة العربية، فإذا أنشأ الحالف يمينه بلغة أخرى ترادف صيغة اليمين في اللغة العربية صحت يمينه إذا كانت بقية الشرائط مجتمعة و وجب عليه الوفاء بها و لزمته أحكامها، و خصوصا إذا كانت الترجمة في متعلقات اليمين.

المسألة العاشرة:

تكفي الإشارة المفهمة في إنشاء اليمين إذا كان الحالف ممن يتعذر عليه النطق بها كالأخرس و شبهه، و تكفيه الكتابة كذلك إذا كتب صيغة اليمين بقصد إنشاء الحلف بكتابته، فتنعقد يمينه بالإشارة و الكتابة و يجب عليه البر بها و تلزمه الكفارة بمخالفتها.

المسألة 11:

تنعقد اليمين إذا حلف الإنسان بالذات المقدسة، فذكر الاسم العلم المختص به سبحانه، فقال: و اللّه، أو عينه بذكر الأوصاف و الأفعال التي تختص به و لا يشاركه فيها غيره، فقال مثلا: و الذي بيده أزمة الأمور، أو من بيده مقادير الأشياء أو قال: و الذي خلق الموت و الحياة، أو و رب العالمين، أو ذكر بعض أسمائه التي لا تطلق على غيره، فقال:

و الرحمن، أو و الحي الذي لا يموت، أو الأول ليس قبله شي ء و أمثال ذلك.

المسألة 12:

تنعقد اليمين على الأقوى بذكر الأوصاف و الأفعال التي تنصرف اليه سبحانه عند إطلاقها و ان كانت في أصلها مشتركة بينه و بين غيره، كالرب، و البارئ و الخالق، و الرازق و الرحيم و القاهر، و المدرك، و المنتقم، بل و تنعقد اليمين بالصفات المشتركة بينه و بين غيره إذا قصد بها الحلف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 407

باللّه سبحانه، و ان كانت مما لا ينصرف إطلاقها إليه، كالموجود و القادر، و الهادي و السميع و البصير، و الطالب و الغالب، و الحكيم و الحليم، فالمدار في انعقاد اليمين على أن تكون الصفة المحلوف بها من صفاته سبحانه، و أن يقصد الحالف بها القسم باللّه سبحانه.

المسألة 13:

تنعقد اليمين بكل ما يصدق عليه عرفا أنه يقسم باللّه لا بغيره، كما إذا قال الحالف: و حق اللّٰه أو و جلال اللّه، أو و عظمته، أو و كبريائه، و تنعقد كذلك إذا قال: و قدرة اللّه أو و علم اللّه إذا كان المراد أنه يقسم باللّٰه القادر العالم.

المسألة 14:

تنعقد اليمين إذا أنشأ الحالف يمينه بحروف القسم المعروفة، و هي الواو و الباء و التاء فقال: و اللّه، أو قال: باللّه أو تاللّه لأتصدقن بكذا، و تنعقد اليمين أيضا إذا قال: أقسمت باللّه أو حلفت باللّه أو أقسم أو أحلف باللّه، و من الواضح أن الباء في هذه الأمثلة للتعدية أو الاستعانة، لا للقسم، و لا تنعقد اليمين بقول: أقسمت أو حلفت أو أقسم أو أحلف و لا يذكر المحلوف به، و تنعقد اليمين إذا قال: أشهد باللّه و قصد بذلك الحلف به تعالى.

المسألة 15:

لا تنعقد اليمين بغير اللّه سبحانه، كما إذا حلف بالنبي (ص)، أو بالأئمة (ع)، أو بالكعبة، أو بالقرآن، أو بالأنبياء، أو المرسلين، أو بكتب اللّه المنزلة، أو بالملائكة، فلا تجب على الحالف الكفارة إذا حنث في يمينه بأحد المذكورات و أمثالها.

المسألة 16:

يجوز على الأقوى للإنسان أن يحلف بغير اللّٰه من الأمور المعظمة ليؤكد بها قوله إذا كان صادقا، فيحلف بالإسلام أو بالرسول أو بأحد المذكورات في المسألة المتقدمة ليصدق بها قوله، و ان لم تجب عليه الكفارة إذا حنث في يمينه كما ذكرنا، و لا يجوز له أن يحلف بها كاذبا، فيأثم بذلك إذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 408

كان المحلوف به من الأمور التي يجب تعظيمها في الإسلام، أو التي تحرم الاستهانة بها، و يكون آثما للكذب و آثما للحلف بها على الكذب.

المسألة 17:

لا تنعقد اليمين بالطلاق أو بالعتق أو بالصدقة بما يملك إذا فعل أمرا معينا، أو إذا هو لم يفعله، فإذا قال: زوجتي طالق أو قال:

زوجاتي طوالق ان فعلت هذا الشي ء، أو ان لم أفعله، لم يترتب على حلفه هذا أي أثر، فلا تبين منه زوجته أو زوجاته إذا قال ذلك، أو حنث في يمينه، و لا تلزمه كفارة بالمخالفة، و لا اثم عليه في هذا القول، و مثله ما إذا حلف بتحريم زوجته عليه أو بالمظاهرة منها إذا هو فعل شيئا أو ترك فعله، فلا تنعقد يمينه و لا يكون لها أثر.

و كذلك الحكم إذا قال: عبدي حر أو عبيدي أحرار إن فعلت الشي ء أو ان لم أفعله، أو قال: مالي المعين صدقة أو جميع ما أملكه صدقة، أو هدي لبيت اللّه ان فعلت الشي ء أو ان لم أفعله، فلا يكون لقوله هذا أي أثر كما ذكرنا في الحلف بالطلاق.

المسألة 18:

يحرم على الشخص أن يحلف بالبراءة من اللّه، أو بالبراءة من رسوله (ص)، أو من دين الإسلام، أو من الأئمة الطاهرين (ع)، فيقول في يمينه: برئت من اللّٰه ان أنا فعلت هذا الشي ء أو ان أنا لم أفعله، أو يقول: برئت من محمد (ص) أو من دينه أو من الأئمة المعصومين (ع) ان كان مني ذلك، و يأثم الحالف بذلك، سواء كان صادقا في خبره الذي حلف عليه أم كاذبا، و سواء حنث في يمينه أم لا، ففي الفقيه عن الرسول (ص): من بري ء من اللّٰه صادقا كان أو كاذبا فقد بري ء من اللّه. و روى المشايخ الثلاثة عنه (ص) انه سمع رجلا يقول: أنا بري ء من دين محمد (ص)، فقال له: ويلك إذا برئت

من دين محمد فعلى دين من تكون؟ قال: فما كلمه رسول اللّه (ص) حتى مات، و في رواية يونس بن ظبيان: يا يونس لا تحلف بالبراءة منا، فان من حلف بالبراءة منا صادقا كان أو كاذبا، فقد بري ء منا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 409

و كذلك الحكم إذا قال في يمينه: هو يهودي أو نصراني ان فعل كذا أو ان لم يفعله، فيأثم في يمينه و ليس له أثر غير ذلك، و لا ينعقد حلفه و ان كان صادقا في ما حلف عليه، و لا تلزمه الكفارة إذا حنث به.

المسألة 19:

إذا حلف الإنسان بالبراءة من اللّه أو من رسوله أو من دينه أو من الأئمة ثم حنث في يمينه، فلا يترك الاحتياط بأن يكفر عن ذلك بإطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مد من الطعام و يستغفر اللّه سبحانه.

المسألة 20:

إذا قال الرجل في يمينه: و اللّٰه لأصومن غدا أو لأتصدقن بمبلغ كذا ان شاء اللّه، و قصد بذلك تعليق يمينه على مشيئة اللّه سبحانه، لم تنعقد يمينه، فلا يجب عليه الوفاء بها و لا تجب عليه كفارة إذا حنث بها، سواء كان ما حلف عليه فعل واجب أو ترك حرام أو غيرهما من الأفعال و التروك.

و إذا قصد بقوله: (ان شاء اللّه) مجرد التبرك بالكلمة و لم يرد تعليق اليمين على المشيئة صحت يمينه و انعقدت إذا كانت شروط انعقاد اليمين مجتمعة و لزمته الكفارة إذا خالفها.

المسألة 21:

إذا علق الحالف يمينه على مشيئة أحد من الناس، فقال: و اللّه لأصومن غدا أو لأتصدقن بكذا إذا شاء لي أخي زيد ذلك، كان انعقاد يمينه منوطا بمشيئة أخيه، فإذا علم ان أخاه قد شاء له ذلك انعقدت يمينه و لزمه البر بها و وجبت عليه الكفارة إذا خالفها، و إذا قال أخوه: لم أشأ ذلك أو قال: قد شئت ان لا تفعل لم تنعقد يمينه. و كذلك إذا لم يعلم حال أخيه أنه شاء له ذلك أو لم يشأ، فلا تنعقد يمينه.

و مثله في الحكم: ما إذا علق يمينه على وجود شي ء آخر غير المشيئة، فقال: و اللّٰه لأفعلن كذا ان رجع ولدي من سفره مثلا، كان انعقاد يمينه منوطا بحصول الأمر الذي علق اليمين عليه، فإذا رجع ولده من سفره

كلمة التقوى، ج 6، ص: 410

في المثال انعقدت يمينه و لزمه الوفاء بها، و ان لم يرجع لم تنعقد و لم يجب الوفاء بها.

المسألة 22:

يشترط في انعقاد اليمين: أن يكون الحالف مكلفا، و لذلك فلا بد من أن يكون بالغا فلا تنعقد يمينه إذا كان صغيرا و ان كان مميزا أو كان مراهقا، و لا بد فيه من أن يكون عاقلا، فلا تنعقد يمينه إذا كان مجنونا مطبقا أو كان جنونه أدوارا و قد أوقع الحلف في دور جنونه، و إذا كان جنونه أدوارا و أوقع حلفه في دور إفاقته انعقدت يمينه و لزم الوفاء بها إذا كان وقت الوفاء في دور الإفاقة أيضا، فإذا قال المجنون الأدواري في دور إفاقته: و اللّٰه لأصومن غدا، فان كان في اليوم الذي عينه للصوم مفيقا أيضا، وجب عليه صومه و إذا لم يصمه لزمته كفارة

اليمين، و ان اتفق اليوم المعين في دور جنونه سقط عنه وجوب صومه و لم تجب عليه الكفارة.

المسألة 23:

يشترط في انعقاد اليمين: أن يكون الحالف مختارا، فلا تنعقد يمينه إذا أوقع اليمين مكرها عليها أو مجبرا من أحد، و أن يكون قاصدا، فلا تنعقد يمينه إذا أوقعها هازلا غير جاد في حلفه أو أوقعها سكران أو غاضبا غضبا يسلبه القصد.

المسألة 24:

تصح اليمين من الكافر كما تصح من المسلم و تنعقد منه و تترتب عليها آثارها، فإذا كان منكرا في الدعوى و استحلف لإنكاره قبلت يمينه و حكم الحاكم الشرعي بموجبها، و لا فرق بين الدعوى و غيرها في صحة يمينه و انعقادها، و لا فرق كذلك بين أصناف الكفار في الحكم المذكور.

المسألة 25:

لا تنعقد يمين الولد إذا منعه أبوه عن الحلف و كان منع أبيه سابقا على إيقاع يمينه، و لا تنعقد يمين الزوجة إذا منعها زوجها عن الحلف، و كان منعه سابقا على يمينها كذلك، حتى إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام، فلا تنعقد يمينهما مع سبق المنع، حتى في هذه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 411

الصورة، و لا يسقط عن الولد و لا عن الزوجة فعل الواجب و ترك الحرام بذلك و ان لم تنعقد يمينهما.

و إذا حلف الولد أو حلفت الزوجة مع عدم سبق المنع، انعقدت يمينهما على الأقوى، و جاز للأب أن يحل يمين الولد، و جاز للزوج أن يحل يمين الزوجة، و يرتفع بذلك أثر اليمين، فلا يجب على الولد و لا على الزوجة الوفاء بيمينهما بعد حلها و لا تجب عليهما الكفارة بالمخالفة.

المسألة 26:

يشكل الحكم بإلحاق الأم بالأب في الحكم المتقدم ذكره في المسألة الخامسة و العشرين، نعم إذا كان الشي ء مباحا متساوي الطرفين و نهت الأم ولدها عن اليمين على فعله أو على تركه قبل ان يحلف عليه، فالظاهر عدم انعقاد يمين الولد إذا حلف بعد نهي أمه عنه، فإنه يصبح مرجوحا، و كذلك إذا نهته عن الفعل أو الترك بعد ان أقسم عليه، فينحل يمينه أيضا، فإن متعلق يمينه يصبح مرجوحا بعد نهي الأم عنه، و سيأتي بيان هذا في المسألة الثلاثين و ما بعدها.

المسألة 27:

لا تنعقد يمين العبد المملوك إلا بإذن مالكه، و ان لم يمنعه المالك عن الحلف قبل ذلك فلا تصح يمينه إذا حلف بغير اذنه و ان كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام، و يجب على المملوك فعل الواجب و ترك الحرام و ان لم يأذن له مولاه بذلك و لم ينعقد يمينه عليهما.

المسألة 28:

إذا حلف الإنسان على فعل واجب أو على ترك محرم، انعقدت يمينه بلا ريب، و وجب عليه امتثال الواجب من حيث الوفاء باليمين، و وجب عليه امتثاله من حيث انه واجب في أصل الشرع، و إذا تركه استحق العقوبة على تركه من الناحيتين، و لزمته الكفارة لحنثه باليمين، و كذلك الحكم في ترك المحرم.

و إذا حلف على فعل شي ء مستحب أو على ترك شي ء مكروه في الشريعة، انعقدت يمينه كذلك، و وجب عليه فعل المستحب وفاء باليمين، و إذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 412

تركه أثم لمخالفة اليمين و لزمته الكفارة للحنث، و كذلك في ترك المكروه.

المسألة 29:

إذا حلف الإنسان على ترك واجب أو على فعل محرم لم تنعقد يمينه بلا ريب، و كذلك إذا حلف على ترك مستحب أو على فعل أمر مكروه في الشريعة، فلا تنعقد يمينه، فإنه حلف على أمر مرجوح في الإسلام.

المسألة 30:

إذا حلف على فعل أمر مباح فعله في الإسلام، بحيث لا رجحان لفعله على تركه و لا لتركه على فعله في حكم الشريعة، و لكن فعل ذلك الأمر المباح كان راجحا لبعض الغايات و المنافع الدنيوية التي تتطلبها مقاصد الإنسان في هذه الحياة، انعقدت يمينه على فعل ذلك المباح للرجحان الدنيوي المذكور، و كذلك إذا حلف على ترك المباح و كان تركه راجحا لبعض الغايات و المرجحات الدنيوية التي يقصدها العقلاء كما تقدم في نظيره، فتنعقد يمين الحالف على تركه للرجحان المذكور، و لا تنعقد اليمين إذا تعلقت بالطرف المرجوح في كلا الفرضين.

المسألة 31:

إذا حلف الإنسان على فعل شي ء مباح في الإسلام لا رجحان في الشريعة لفعله و لا لتركه- كما ذكرناه في المسألة المتقدمة- أو حلف على تركه، و كان فعل ذلك الشي ء و تركه متساويين في الغايات و المنافع الدنيوية أيضا فلا رجحان لفعله و لا لتركه، انعقدت يمينه على الأحوط، بل لا يخلو ذلك عن قوة، فيلزمه العمل بها إذا حلف على الفعل أو على الترك و تلزمه الكفارة إذا خالف اليمين.

المسألة 32:

إذا حلف الرجل على فعل شي ء مباح في الشريعة و كان راجحا بحسب المنافع و الموازين العقلائية في الدنيا انعقد الحلف كما ذكرنا في المسألة الثلاثين، فإذا تغيرت الوجوه المرجحة لفعل ذلك الشي ء فأصبح مرجوحا بعد ذلك، انحلت يمين الحالف فلا يجب عليه الوفاء بها و لا تجب عليه كفارة اليمين إذا خالفها، و إذا تغيرت الوجوه مرة أخرى و عاد الى الرجحان لم تعد اليمين بعد ان انحلت.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 413

المسألة 33:

يشترط في انعقاد اليمين: أن يكون الحالف قادرا على الشي ء المحلوف عليه، فإذا حلف على فعل الشي ء في وقت معين وجب أن يكون مقدورا عليه في ذلك الوقت و لا تنعقد اليمين بغير ذلك و إذا حلف على فعل الشي ء من غير تعيين للوقت وجب أن يكون مقدورا عليه في الجملة، و لا تنعقد اليمين إذا كان الشي ء غير مقدور عليه مطلقا.

المسألة 34:

إذا حلف الرجل على فعل شي ء، و كان الشي ء مقدورا عليه حين الحلف، ثم عجز الحالف عنه بعد اليمين انحلت اليمين إذا كان العجز مستمرا الى انقضاء الوقت المحلوف عليه، و إذا كان مستمرا أبدا في ما لم يكن له وقت معين.

المسألة 35:

لا تنعقد اليمين إذا كان الفعل أو الترك المحلوف عليه مما يوجب العسر أو الحرج على الحالف، و إذا كان الشي ء ميسورا حين الحلف، ثم لزم منه العسر أو الحرج بعد اليمين انحلت يمين الحالف إذا كان العسر و الحرج مستمرا في جميع الوقت، أو أبدا على حسب ما بيناه في اشتراط القدرة.

المسألة 36:

إذا اجتمعت الشروط التي ذكرناها و التي أشرنا إليها في المسائل المتقدمة لانعقاد اليمين، و حلف الحالف على الفعل أو على الترك، انعقدت يمينه و وجب عليه البر باليمين و لم تجز له مخالفتها، و إذا خالفها وجبت عليه الكفارة الآتي ذكرها.

المسألة 37:

الحنث في اليمين هو مخالفتها عامدا، فلا حنث و لا كفارة إذا خالف اليمين جاهلا بالموضوع أو ناسيا له، كما إذا حلف أن يصوم يوما معينا، و اعتقد مخطئا انه حلف أن يصوم يوما غير معين و بعد مضي الوقت المعين علم أنه حلف على صومه، و كما إذا نسي صوم ذلك اليوم أو نسي يمينه حتى مضى الوقت و تذكر بعد ذلك، فلا كفارة عليه. و لا حنث و لا كفارة إذا خالف يمينه مضطرا أو مكرها على المخالفة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 414

و أما إذا خالف اليمين جاهلا بالحكم أو ناسيا له فيشكل الحكم في الصورتين، و لا بد فيهما من مراعاة الاحتياط.

المسألة 38:

إذا حلف الرجل أن يأتي بفعل معين- كصلاة جعفر مثلا- كان معنى ذلك: ان يوجد طبيعة هذه الصلاة المخصوصة و لو مرة واحدة، فإذا حلف على فعلها في وقت معين، فقال: و اللّه لأصلين صلاة جعفر في يوم الجمعة، وجب عليه أن يأتي بالصلاة المخصوصة في اليوم المعين، فإذا صلاها كذلك مرة واحدة فقد و في بيمينه و لم يجب عليه تكرارها و ان وسع الوقت، و إذا تركها عامدا حتى انقضى يوم الجمعة حنث بيمينه و لزمته الكفارة.

و إذا قال: و اللّٰه لأصلين صلاة جعفر في شهر رجب، وجب عليه أن يأتي بها في الشهر المعين و لو مرة واحدة، فإذا صلاها كذلك فقد وفى بيمينه و لم يجب عليه التكرار، و إذا تركها في جميع الشهر حتى انقضى حنث بيمينه و لزمته الكفارة، و لا يكفيه ان يصليها في غير يوم الجمعة في المثال الأول، و في غير شهر رجب في المثال الثاني.

و إذا قال: و اللّٰه لأصلين

صلاة جعفر، و لم يعين لها وقتا مخصوصا، وجب عليه ان يأتي بالصلاة مرة واحدة في أي وقت شاء، و إذا صلاها كذلك فقد وفى بيمينه، و لم يجب عليه التكرار، و لا تجب عليه المبادرة إلى الإتيان بها، بل يجوز له تأخيرها حتى يظن حصول العجز عن الوفاء، أو يظن عروض الموت فتلزمه المبادرة حين ذلك، و لا يحصل الحنث في هذه الصورة حتى يترك الصلاة المحلوف عليها أبدا فلا يأتي بها، فإذا تركها حتى عجز عن الوفاء، أو حتى عرض له أحد الموانع من الامتثال وجبت عليه الكفارة.

المسألة 39:

إذا حلف الرجل أن يترك فعل شي ء معين- كأكل الثوم و التدخين-، كان معنى ذلك أن يترك إيجاد طبيعة ذلك الفعل المحلوف على تركه، فإذا قال: و اللّه لا آكل الثوم في يوم الجمعة، وجب عليه ان يترك أكله في جميع ذلك اليوم، فإذا تركه كذلك فقد وفى بيمينه، و إذا تركه في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 415

عامة اليوم و أكله في بعضه و لو مرة واحدة، فقد حنث بيمينه، و لزمته الكفارة، و كذلك إذا قال: و اللّه لا آكل الثوم في شهر رمضان، وجب عليه ان يدع أكله في جميع الشهر، و لا يحصل البر باليمين الا بذلك، و إذا أكله في أثناء الشهر و لو مرة واحدة حصل الحنث بذلك و لزمته الكفارة.

و إذا قال: و اللّٰه لا آكل الثوم و لم يذكر وقتا معينا، وجب عليه ترك أكله أبدا ما دام حيا، و لا يفي بيمينه الا بذلك، و إذا أكله في عمره و لو مرة واحدة حصل منه الحنث و لزمته الكفارة.

المسألة 40:

إذا حلف الرجل أن يأتي بالفعل المعين على الوجه الذي ذكرناه في المسألة الثامنة و الثلاثين كان وفاؤه باليمين أن يوجد ذلك الفعل و لو مرة واحدة كما ذكرنا، و كان حنثه باليمين ان يترك ذلك الفعل فلا يوجده حتى مرة واحدة، و نتيجة لذلك فلا يكون لليمين الا وفاء واحد، و لا يكون لها الا حنث واحد، و لا تجب إلا كفارة واحدة، سواء كان الفعل المحلوف عليه مقيدا بوقت معين أم كان مطلقا ليس له وقت معلوم، فلا يحنث بترك الفعل في أول الوقت إذا أتى به في آخره أو في وسطه، و لا يحنث

بترك الفعل في أول حياته إذا أتى به في آخرها أو في وسطها، و هكذا.

و إذا حلف أن يترك الفعل المعين على الوجه الذي بيناه في المسألة التاسعة و الثلاثين، كان وفاؤه باليمين بأن يترك الفعل في جميع الوقت إذا كان الحلف مؤقتا، و في جميع العمر إذا كان غير مؤقت، فلا يوجده حتى مرة واحدة. و كان حنثه باليمين: أن يوجد الفعل و لو مرة واحدة، و نتيجة لذلك: فلا يكون لليمين الا وفاء واحد، و لا يكون لها الا حنث واحد و لا تجب عليه الا كفارة واحدة في جميع صور المسألة، فإذا أتى بالفعل أول مرة حصل الحنث باليمين و وجبت الكفارة و سقطت اليمين بذلك، فإذا أتى بالفعل بعد ذلك مرة ثانية أو ثالثة أو أكثر لم يكن حنثا و لم تجب الكفارة مرة أخرى لسقوط اليمين، و ذلك واضح و انما نذكره للتنبيه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 416

المسألة 41:

إذا حلف الإنسان أن يصلي صلاة جعفر في كل يوم جمعة مثلا أو أن يصوم في كل يوم خميس، أو أن يصلي النافلة اليومية في كل يوم من شهر رجب، أو أن يصليها في كل يوم ما دام حيا، كانت يمينه بمنزلة أيمان متعددة بعدد الافعال و الأيام المحلوف عليها، و لكل واحدة من هذه الأيمان وفاء و حنث خاص بها، فيجب على ذلك الإنسان أن يأتي بالفعل المحلوف عليه في كل يوم من الأيام المعينة أو المطلقة و يحرم عليه ترك الفعل فيه، و يكون إتيانه بالفعل في يوم وفاء لليمين في ذلك اليوم، و يكون ترك الفعل في يوم حنثا باليمين في ذلك اليوم.

و نتيجة لذلك فيتعدد الوفاء بعدد ما

يأتي بالفعل فيه من الأيام أو المرات، و يتعدد الحنث و المخالفة بعدد ما يترك الفعل فيه من الأيام أو المرات، و تتعدد الكفارة بعدد مرات الحنث و المخالفة.

و إذا حلف أن يترك أكل الثوم في كل يوم جمعة، أو يترك أكله في كل ليلة من ليالي شهر رمضان، أو يترك التدخين في جميع أيام حياته ما دام موجودا، كانت يمينه بمنزلة ايمان متعددة بعدد الأيام و الأوقات التي حلف على ترك الفعل فيها، و يكون ترك الشي ء المحلوف عليه في أي يوم أو وقت، وفاء باليمين المتعلقة بالترك في ذلك اليوم أو الوقت، و يكون الإتيان بالفعل في يوم أو وقت منها حنثا باليمين في ذلك اليوم أو الوقت، و تتعدد الكفارة بعدد ما حنث فيه من المرات.

المسألة 42:

إذا حنث الحالف بيمينه فخالف ما حلف عليه عامدا تخير بين أن يعتق رقبة أو يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم، فان لم يتمكن من الإتيان بواحدة من هذه الخصال الثلاث وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام متتابعة، و لا فرق في الحكم بين ان يكون الحالف ذكرا أم أنثى أم خنثى، و قد تقدم لزوم الاحتياط بالتكفير مع المخالفة إذا كان جاهلا بالحكم أو ناسيا له، ذكرنا هذا في المسألة السابعة و الثلاثين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 417

المسألة 43:

يجب ان يكون المملوك الذي يعتق رقبته في الكفارة مسلما، فلا يكفيه عتق الكافر، و لا يكفيه عتق الناصب و الغالي و الخارجي، و الأحوط أن يكون مؤمنا بالمعنى الأخص، و سيأتي ان شاء اللّه تعالى بيان بقية الشروط في الكفارة و سائر أحكامها في كتاب الكفارات.

المسألة 44:

لا تجب الكفارة على الحالف قبل أن يتحقق منه الحنث و المخالفة بالفعل و ان كان عازما على ذلك و جازما به، فلا يجزيه دفع الكفارة قبل الحنث، و إذا دفعها كذلك ثم حنث بيمينه وجب عليه أن يعيدها، و إذا اعتقد أنه حنث بيمينه فأتى بالكفارة، ثم تذكر أنه لم يحنث بعد لم تكفه الكفارة التي دفعها فإذا حنث وجب عليه التكفير.

المسألة 45:

إذا شك الحالف بعد انتهاء الوقت المعين: انه أتى بالفعل المحلوف عليه في الوقت أم لم يأت به، بنى على الصحة و لم يجب عليه التكفير، و إذا تذكر أنه لم يأت بالفعل في الوقت حتى خرج، فان كان عامدا وجبت عليه الكفارة، و ان كان ناسيا لم تجب عليه، و إذا طالت به المدة فنسي هل كان عامدا بتركه أم ناسيا لم يجب عليه شي ء.

المسألة 46:

إذا كان الحلف غير موقت بوقت معين، ثم شك الحالف في انه أتى بالفعل المحلوف عليه فوفى بيمينه أم لم يف بها، وجب عليه أن يأتي بالفعل و يفي بيمينه، و إذا ترك الفعل و لم يأت به كان حانثا بيمينه، و وجبت عليه الكفارة.

المسألة 47:

يحصل الحنث بالمخالفة عامدا، سواء كانت بفعله أم بفعل غيره إذا كان مختارا في ذلك، فإذا حلف لبعض الجهات المرجحة ان لا يدخل بلدا معينا، ثم ركب سفينة أو سيارة باختياره فحملته الى البلد الذي حلف على عدم دخوله، حصل الحنث بذلك و لزمته الكفارة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 418

المسألة 48:

يجوز للإنسان أن يحلف يمينا يدفع بها مظلمة ظالم عن نفسه أو عن غيره من المؤمنين، سواء كان صادقا في يمينه أم كاذبا، إذا توقف دفع المظلمة على الحلف، و هذا إذا لم تمكنه التورية أو لم يكن ملتفتا إليها أو كان لا يحسنها.

و إذا توقفت نجاة الإنسان من الهلاك و شبهه في نفسه أو في عرضه أو نجاة مؤمن آخر في نفسه أو في عرضه، على ان يحلف يمينا وجب عليه الحلف و ان كان كاذبا مع عدم إمكان التورية كما ذكرنا.

المسألة 49:

إذا كان الشخص ممن يلتفت الى التورية و يحسنها و يمكنه التخلص من المحذور بها، فالأحوط له لزوما أن يوري بلفظه و لا يرتكب الكذب مع الإمكان، إذا لم يكن ذلك هو الأقوى.

و التورية هي: أن يأتي بلفظ له معنى ظاهر يحمل عليه في العرف، و له معنى آخر بعيد لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة، فيقصد المعنى البعيد من غير أن ينصب القرينة المفهمة.

المسألة 50:

إذا حلف الإنسان أن يفعل شيئا أو أن لا يفعله، فمقتضى ظاهر القول أن يتولى الحالف بنفسه فعل الشي ء أو ترك فعله، فإذا قال:

و اللّٰه لأصومن أو لأصلين أو لأعطين زيدا عشرة دنانير، وجب عليه أن يتولى الصوم أو الصلاة أو الإعطاء بنفسه، و لا تكفيه الاستنابة أو الإجارة أو التوكيل في الوفاء باليمين، و إذا استناب في الفعل المحلوف عليه أو وكل غيره في الإتيان به و لم يقم به بنفسه كان حانثا بيمينه و لزمته الكفارة و كذلك إذا قال: و اللّه لا أفعل وجب عليه أن يترك الفعل بنفسه و لا يكفيه ترك نائبه أو وكيله أو أجيره، إلا إذا دلت القرائن العامة أو الخاصة على أن المراد ما يعم فعل النائب و الوكيل، كما إذا قال: و اللّه لأبيعن داري أو لأزوجن ولدي فيكفيه بيع الوكيل للدار، و تزويجه للولد، أو قال: و اللّه لا أبيع الدار أو لا أقفها، فيحنث

كلمة التقوى، ج 6، ص: 419

إذا أمر وكيله ببيع الدار أو وقفها، إلا إذا قصد في يمينه أن يفعل ذلك أو لا يفعله بنحو المباشرة، فيتبع قصده.

المسألة 51:

لا تنعقد يمين في معصية من معاصي اللّه كبيرة أو صغيرة، كما إذا حلف الرجل على أن يحرم على نفسه شيئا أحله اللّٰه له، أو يحلل لنفسه شيئا حرمه اللّه عليه، أو حلف على أن يقطع رحما أو ذا قرابة، أو أخا مؤمنا، فلا يكلمه أو لا يدخل داره، أو لا يجيب دعوته، أو لا يؤاكله، أو لا يجتمع معه في بيت، و شبه ذلك من معاصي اللّه و محرماته، فلا تنعقد يمين الحالف، و لا حكم لها و لا كفارة على الحنث

فيها، بل هي من خطوات الشيطان فيجب تركها و التوبة منها و عدم العودة إليها، و قد تكرر في النصوص و تكثر فيها قول الرسول (ص): لا يمين في قطيعة.

و عن أبي عبد اللّٰه (ع): لا تجوز يمين في تحليل حرام و لا تحريم حلال و لا قطيعة رحم.

و عن سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل جعل عليه أيمانا أن يمشي إلى الكعبة أو صدقة أو عتقا أو نذرا أو هديا ان هو كلم أباه أو أمه أو أخاه، أو ذا رحم، أو قطع قرابة، أو مأثم يقيم عليه، أو أمر لا يصلح له فعله، فقال (ع): كتاب اللّٰه قبل اليمين، و لا يمين في معصية.

و عن محمد بن مسلم: أن امرأة من آل المختار حلفت على أختها أو ذات قرابة لها و قالت: ادني يا فلانة فكلي معي، فقالت لا، فحلفت و جعلت عليها المشي إلى بيت اللّه الحرام و عتق ما تملك، و ان لا يظلها و إياها سقف بيت أبدا و لا تأكل معها على خوان أبدا، فقالت الأخرى مثل ذلك، فحمل عمر بن حنظلة الى أبي جعفر (ع) مقالتهما، فقال (ع): أنا قاض في ذا: قل لها: فلتأكل و ليظلها و إياها سقف بيت و لا تمشي و لا تعتق، و لتتق اللّه ربها و لا تعد الى ذلك، فان هذا من خطوات الشيطان.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 420

الفصل الثاني في النذر
المسألة 52:

قالوا: النذر هو أن يلتزم الإنسان للّه سبحانه بفعل شي ء أو بتركه على وجه يكون التزامه منشأ بالصيغة المعينة، و هي قوله: للّه علي أو ما بمعناها، لا بمجرد النية القلبية.

و الظاهر: أن النذر هو أن يملك

اللّه سبحانه على نفسه أن يفعل له ذلك الفعل أو يتركه على الوجه المذكور، و التمليك الذي ذكرناه هو مفاد لام الملك في قول الناذر في صيغة النذر: للّٰه علي أن أصوم أو أن أصلي أو أن أتصدق، أو للّٰه علي أن لا أفعل كذا، فالنذر تمليك اللّه الفعل أو الترك على نفسه، و ليس هو مطلق الالتزام له بذلك و ان اشترطوا فيه أن يكون إنشاؤه بالصيغة.

المسألة 53:

قد استبان مما تقدم أنه لا بد في النذر من الصيغة المعينة الدالة على إنشاء تمليك اللّه للفعل أو الترك المنذور، و الظاهر أن صيغة النذر لا تختص بكلمة للّه علي، فيكفي الناذر أن يأتي بأي صفة أو اسم يدل على الذات المقدسة و يكون مفاد الصيغة إنشاء التمليك له سبحانه، فيقول مثلا: للرحمن الرحيم أو للحي القيوم علي أن أفعل أو أن لا أفعل.

المسألة 54:

لا يكفي في الصيغة أن يقول الناذر: علي أن أصوم غدا مثلا، أو أصلي صلاة جعفر أو صلاة النافلة فلا ينعقد نذره إذا قال ذلك، و ان قصد في قلبه معنى (للّه) أو (للرحمن الرحيم) أو غير ذلك مما يدل على الذات المقدسة.

المسألة 55:

يشكل الحكم بانعقاد النذر إذا أتى بما يرادف كلمة (للّه علي) أو ما بمعناها في لغة أخرى غير العربية، و ان كان الناذر لا يحسن العربية،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 421

و يشكل الحكم إذا قال: نذرت للّه ان أصوم كذا، أو قال: للّه علي نذر صوم، فيكون المجعول للّه سبحانه على نفسه هو نذر الصوم لا تمليك الصوم.

المسألة 56:

يشترط في صحة النذر أن يكون الناذر بالغا، فلا ينعقد نذر الصبي و ان كان مميزا أو بلغ عشر سنين، أو كان مراهقا على الأقوى، و يشترط فيه أن يكون عاقلا، فلا ينعقد نذر المجنون إذا كان جنونه مطبقا، أو كان جنونه أدوارا و كان نذره في حال جنونه، و ينعقد نذره إذا نذر في حال إفاقته و كان الوفاء بالفعل المنذور في دور إفاقته أيضا، و إذا كان الفعل المنذور موقتا و اتفق وقته في حال جنون الناذر سقط عنه الوجوب، و قد سبق نظيره في اليمين.

المسألة 57:

يشترط في الناذر أن يكون مختارا، فلا يصح نذره إذا كان مجبرا من أحد أو مكرها على نذره، و يشترط أن يكون قاصدا، فلا ينعقد نذر الهازل و الساهي و لا السكران و لا الغضبان إذا كان غضبه شديدا يرتفع معه القصد.

المسألة 58:

يشترط في صحة النذر أن يكون الناذر غير محجور في متعلق نذره، فلا يصح نذر السفيه إذا نذر مالا أو فعلا يتعلق به سفهه، سواء كان المال المنذور عينا أو في ذمته، و لا ينعقد نذر المفلس إذا تعلق النذر بأمواله المحجورة و التي تعلق بها حق الغرماء.

المسألة 59:

لا يصح نذر العبد المملوك إلا بإذن سيده، سواء تعلق نذره بفعل من أفعاله أم بشي ء من أمواله و سواء كان المالك قد منعه من النذر قبل أن ينذر أم لا، و ان كان المنذور فعل واجب أو ترك حرام، فلا ينعقد نذره في جميع ذلك إلا بالاذن، و يجب عليه فعل الواجب و ترك المحرم و ان لم يأذن له مولاه بهما و لم ينعقد نذره فيهما، بل و ان نهاه عنهما.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 422

المسألة 60:

يشترط في صحة نذر المرأة إذن زوجها، فلا ينعقد نذرها بغير اذنه، و ان تعلق النذر بمالها أو بفعلها، سواء سبقها الزوج فمنعها من النذر قبل أن تنذر أم لا، و سواء كان النذر الذي تنذره مما يمنع الزوج عن الاستمتاع بها كالصوم و الحج و العمرة و الاعتكاف أم لا.

المسألة 61:

إذا أذن الزوج لزوجته فنذرت، صح نذرها و وجب عليها الوفاء به و لم يجز للزوج الرجوع بالإذن أو حل النذر، و ليس له أن يمنعها عن الوفاء به و ان كان مما يمنعه عن الاستمتاع بزوجته.

المسألة 62:

لا يشترط في صحة نذر الولد اذن أبيه، فإذا نذر بغير اذنه انعقد نذره و لم يجز للأب ان يحل نذره أو يمنعه من الوفاء به.

و إذا نهاه الأب عن إيقاع النذر قبل أن ينذر لم يجز للولد النذر، فإذا نذر بعد النهي لم ينعقد و لم يجب عليه الوفاء به، و إذا نهاه عن النذر بعد أن نذر، ففي صحته اشكال، و كذلك الأم على الأحوط.

المسألة 63:

لا يجوز النذر لغير اللّٰه سبحانه من رسول أو نبي أو ولي أو ملك أو عبد صالح، و لا يجوز للكعبة و المشاهد و المساجد و المعابد و سائر الأمكنة المحترمة في الإسلام، و قد تقدم ان النذر هو تمليك للّه سبحانه ينشئه الإنسان على نفسه بصيغة النذر كما هو المختار في معنى النذر، أو هو التزام له سبحانه يعقده الإنسان على نفسه بالصيغة المعينة كما هو القول المشهور.

و النذر نحو من أنحاء العبادة، و من أجل ذلك فلا بد فيه من القربة كما سنذكره ان شاء اللّه و نوضح المعنى المراد منه، و لذلك كله فلا يجوز النذر لغير اللّه تعالى.

و الأنبياء و الأولياء و الصلحاء و المعابد و المشاهد و المساجد و سائر المخلوقات المكرمة انما هي وجوه من القربات التي يتقرب بتكريمها الى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 423

اللّه، فيصح للعبد أن ينذر شيئا للّه و يملكه على نفسه، على أن يصرف المنذور في بعض هذه الوجوه المقربة إليه تعالى على وجه الخصوص، فينذر النذر للّه على أن يصرف في شؤون الكعبة المكرمة أو شؤون النبي أو الولي أو المشهد أو المسجد.

و الفارق كبير و واضح جدا بين أن ينذر الإنسان للّه وحده متقربا اليه

و يعين في نذره صرف ما نذره للّه في بعض هذه الوجوه المقربة الى اللّه فيصلي الركعات المنذورة للّه أو يصوم الأيام المنذورة له و يجعلها هدية أو يجعل ثوابها للرسول أو للإمام أو للولي الصالح أو الشهيد الكريم، و يصرف المال المنذور لله في بعض شؤونهم أو في شؤون الأمكنة المحترمة في الإسلام، و هذا هو ما يفعله خاصة الشيعة و عامتهم حتى الجهلة منهم بالأحكام، و هذا ما يقصدونه في نذورهم حتى من يغلط منهم في التعبير، و بين أن ينذرها للنبي أو الولي أو المعبد أو المشهد أنفسها، فلا ينعقد النذر و لا يجوز لأنه لغير اللّه، و هذا ما تصرح كتب علماء الشيعة بعدم جوازه.

المسألة 64:

ما ينذره الشخص للّٰه على نفسه قد يجعل وجوبه عليه معلقا على حصول نعمة أو شي ء يرغب في حصوله، فيقصد في صيغته أن يكون النذر شكرا للّه على إيتائه تلك النعمة، و مثال ذلك أن يقول: ان رزقني اللّه ولدا ذكرا، أو ان وفقني لحج بيته الحرام في هذا العام: ان أصوم كذا يوما، أو أن أتصدق بكذا دينارا شكرا له على تفضله.

و قد يجعل وجوب الفعل أو الترك المنذور عليه معلقا على نجاته من أمر يخشى حلوله عليه، فيقصد أن يكون النذر شكرا للّه على دفعه تلك البلية عنه أو توسلا اليه بذلك أن يكشف ذلك الضر عنه، و مثال ذلك ان يقول: ان كشف اللّه هذه الكربة أو شفاني من هذا المرض أو أنجاني من هذه البلية فلله علي أن اعتمر في شهر رجب أو أن أزور الحسين في عرفة.

و قد يجد الإنسان نفسه مدفوعا بدافع أو أكثر إلى ارتكاب أمر و هو لا

يرغب في حصوله منه، فيجعل على نفسه نذرا ان هو عمل ذلك العمل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 424

أو ركبه، ليكون ترتب هذا الجزاء زاجرا له عن الوقوع فيه أو زاجرا له عن تركه، فيقول مثلا: ان شربت الدخان أو ان ارتكبت الغيبة، فلله علي ان أتصدق بمائة دينار أو أن أصوم شهرا متتابعا، أو يقول:

ان تركت صلاة الجماعة أو ان تركت الصلاة في أول وقتها فلله علي أن أحج أو أن اعتمر أو أن أزور ماشيا، و يسمى القسم الأول و القسم الثاني نذر شكر، و نذر بر، و يسمى القسم الثالث نذر زجر.

و قد يجعل الإنسان وجوب الفعل أو الترك المنذور عليه مطلقا غير معلق على حصول شي ء أو على عدم حصوله، فيقول: للّه علي أن أتصدق بعشرة دنانير، أو أن أصلي النافلة اليومية أو ان أصوم كل أربعاء من رجب و كل خميس من شعبان، و يسمى هذا القسم الرابع نذر التبرع.

المسألة 65:

يشترط في صحة نذر الشكر أن يكون الأمر الذي علق الناذر عليه وجوب الفعل على نفسه مما تصح مقابلته بالشكر، فإذا كان من فعل اللّه سبحانه فلا بد و أن يكون مما يصح سؤاله من اللّٰه و تمنى وقوعه منه، كما ذكرناه في مثال ذلك، و كما إذا قال: ان أهلك اللّٰه عدوي الجائر، أو ان بسط اللّٰه الأمن و الدعة في البلاد، أو ان شفى اللّه مريضي، أو أن عافى أخي المؤمن فلانا من بليته و أنجاه من كربته فلله علي أن أصوم أو أتصدق بكذا، فينعقد نذره و يلزمه الوفاء به، و لا يجوز أن يعلق نذره و شكره على حدوث أمر لا يصح طلبه من اللّٰه و

لا يتمنى وقوعه منه، فيقول: إن أهلك اللّه فلانا و يقصد بذلك مؤمنا صالحا، أو ان وقعت النكبة على أهل بلد مؤمنين أو على أسره مسلمة، أو ان نصر اللّه عدو المسلمين أو ان شفاه من مرضه فلله علي أن أصوم أو أن أتصدق، و يقصد بذلك الشكر على ذلك، فلا يجوز له ذلك و لا ينعقد نذره.

و إذا كان الأمر الذي علق الناذر عليه نذره و شكره من فعل نفسه، وجب أن يكون من الطاعات التي يشكر اللّه لتوفيقه إياه لفعلها، أو من المعاصي أو المكروهات التي يشكر اللّه لإعانته على تركها و هجرها، فيقول مثلا: ان حججت في هذا العام أو إن زرت قبر الرسول (ص)، أو ان صمت شهر رمضان، فلله علي أن أختم القرآن كذا مرة، شكرا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 425

للّه على ذلك، أو يقول: ان تركت المعصية المعينة أو المكروهات المعينة، فلله علي أن أتقرب اليه بإطعام عشرين مسكينا شكرا له على عونه.

و لا يصح أن يجعل نذره شكرا للّه على ترك طاعة واجبة أو مستحبة أو على فعل محرم كبير أو صغير أو على مكروه فلا ينعقد نذره إذا قصد ذلك.

و إذا كان الأمر الذي علق عليه النذر من فعل ناس آخرين وجب أن يكون مما ينتفع به الناذر في دينه أو في دنياه و لو على نحو العموم و أن يكون مما يصح أن يشكر اللّه عليه، فيقول مثلا: ان قدم ولدي من السفر، أو ان صلح عمله و ترك الموبقات، أو ان أقبل الناس على الطاعة و تركوا المعصية، أو ان أصلح فلان أمر عياله و كان ذلك مما يهمه، فلله علي ان أتصدق بكذا

شكرا للّه على ذلك، فيصح نذره بذلك و ينعقد.

و لا يصح نذره و شكره إذا قال مثلا: ان واظب زيد على منكراته و استمر على معصيته فلله علي أن أتقرب الى اللّه بكذا فلا ينعقد نذره.

المسألة 66:

لا يتصور أن يكون النذر نذر زجر إلا إذا كان الأمر الذي علق عليه النذر أمرا اختياريا للناذر سواء كان فعلا أم تركا، فان زجر الإنسان نفسه عن شي ء انما يصح إذا كان الإنسان مختارا في فعل ذلك الشي ء و تركه، و يشترط في صحة هذا القسم من النذر أن يكون الفعل أو الترك الذي علق النذر عليه مما يصح المنع عنه شرعا، فيقول مثلا:

ان عملت الخطيئة المعينة، أو ان ارتكبت حراما، أو ان فعلت مكروها في يوم الجمعة أو في شهر رمضان، فلله علي ان أعتق رقبة، بقصد زجر نفسه عن ارتكاب ذلك. أو يقول: ان تركت الصلاة، أو ان تركت الصيام في شهر رمضان، أو تركت واجبا فلله علي أن أحج أو أن اعتمر ماشيا، أو يقول: ان تركت النافلة اليومية، أو ان تركت صلاة جعفر في يوم الجمعة فلله علي أن أتصدق بمائة دينار بقصد منع نفسه عن ترك هذه الطاعات، فيصح نذره و يجب عليه الوفاء به.

و لا يصح له ان يزجر نفسه عن فعل واجب أو مستحب أو عن ترك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 426

محرم أو مكروه، فإذا نذر بهذا القصد لم ينعقد نذره، و لم يجب عليه الوفاء به.

المسألة 67:

يصح نذر التبرع على الأحوط بل على الأقوى، و نذر التبرع كما ذكرنا في المسألة الرابعة و الستين هو النذر الذي يوجبه الإنسان على نفسه مطلقا غير معلق على حصول شي ء، فيقول: للّه علي أن أصلي النافلة اليومية في شهر رمضان أو يقول: للّه علي أن أصلي صلاة جعفر في كل جمعة، فيجب عليه الوفاء به إذا اجتمعت فيه شروط الانعقاد.

المسألة 68:

إذا كان النذر معلقا على حصول شي ء و كان الشي ء الذي علق عليه النذر عملا اختياريا للناذر، أمكن أن يكون النذر نذر شكر، و ان يكون نذر زجر، و الفارق بينهما هو قصد الناذر، فإذا قال القائل: ان صمت شهر رمضان في هذا العام، فلله علي أن أتصدق بمائتي دينار، و قصد بذلك أن دفع الصدقة المنذورة شكر للّه على توفيقه للصيام في الشهر كان نذر شكر فينعقد و يلزم الوفاء به، و إذا قال ذلك، و قصد به أن تكون الصدقة المذكورة غرامة تزجره عن الإتيان بالصوم كان نذر زجر فلا ينعقد و لا يجب البر به.

و كذلك إذا قال: ان عملت محرما في يومي هذا أو في شهري هذا فلله علي أن أدفع لأخي زيد مائة دينار، فإن أراد بذلك زجر نفسه عن الوقوع في العمل المحرم في المدة المعينة صح نذره و انعقد، و ان قصد به الشكر لتهيئة أسباب العمل المحرم له حتى عمله كان نذر شكر و لم ينعقد.

المسألة 69:

يشترط في انعقاد النذر أن يكون الفعل أو الترك المنذور مقدورا للناذر، فلا ينعقد النذر إذا كان متعلقة غير مقدور له، من غير فرق بين أن يكون نذر شكر أو نذر زجر أو يكون مطلقا غير معلق على حصول شي ء، و المدار أن يكون المتعلق مقدورا له حين الوفاء به لا حين إنشاء صيغة النذر، فإذا نذر أن يتصدق بمن من العنب إذا نمت مزرعته

كلمة التقوى، ج 6، ص: 427

فأنتجت عنبا في وقت حاصلها صح نذره و انعقد و ان كان غير قادر على دفع الصدقة المنذورة حين النذر لعدم وجود العنب في ذلك الحين.

المسألة 70:

إذا نذر المكلف نذرا و عين له وقتا، و كان قادرا على فعل الشي ء حين النذر ثم عجز عنه عند حضور وقت الوفاء به انحل نذره و سقط عنه الوجوب و لم تجب عليه الكفارة، و مثال ذلك ان يقول: للّه علي أن أتصدق بمائة دينار في أول شهر رمضان و هو قادر على ذلك في حال النذر، ثم أعسر في هلال الشهر و لم يتمكن من دفع الصدقة في وقتها، فينحل النذر لعدم القدرة و يسقط عن الناذر وجوب التصدق. و كذلك الحكم إذا نذر نذرا مطلقا لم يعين له وقتا ثم عجز عن أدائه عجزا مطلقا فينحل نذره و يسقط وجوب الوفاء به.

و يستثنى من ذلك ما إذا نذر صوما و عجز عنه، فالأحوط لزوما ان يتصدق عن كل يوم من الأيام المنذور صومها بمد من الحنطة، و في بعض النصوص أن يعطي من يصوم عنه كل يوم مدين.

المسألة 71:

انما ينحل النذر و يسقط وجوب الفعل المنذور عن الناذر إذا عجز عن الفعل و استمر به العجز، فإذا عجز عنه أولا ثم تجددت له القدرة على فعله وجب عليه الوفاء به إذا كان الوقت باقيا أو كان النذر مطلقا.

المسألة 72:

يشترط في الشي ء المنذور فعله أو تركه أن يكون طاعة يتقرب بها الى اللّه سبحانه من الواجبات أو المندوبات، كالصلاة و الصيام و الحج و الاعتمار و الاعتكاف و الزيارة و الصدقة و العتق، أو من الأمور المحبوبة له سبحانه، و التي أمر بها أو حثت الشريعة على فعلها كعيادة المرضى و صلة الأرحام و البر بالإخوان و زيارتهم و اعانة المحتاجين و تجهيز الموتى و تشييع الجنائز و ترك المحرمات و المكروهات.

المسألة 73:

ينعقد نذر الفعل المباح إذا طرأ عليه عنوان أوجب رجحانه شرعا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 428

كأكل الفاكهة إذا أوجب أكلها سرعة شفاء المريض من مرضه أو تقدم صحته في أدوار نقاهته أو قوته في أدوار ضعفه، و كتناول الطعام المباح حين تكون فيه اجابة لدعوة مؤمن أو صلة لرحم أو بر بأبوين، أو قصد به الآكل أن يتقوى به على طاعة.

و ينعقد نذر تركه حين يكون تركه راجحا على فعله كما إذا كان أكل الشي ء المباح سببا للضرر أو كان مظنة لذلك، و كما إذا نهاه أحد الأبوين عن الشي ء المباح لبعض الدواعي التي تبعثه على الشفقة فقال له: لا تدخل دار فلان أو لا تأكل طعامه. فيحرم عليه فعل ما نهاه عنه، فإذا نذر تركه انعقد النذر و وجب عليه الترك من كلتا الناحيتين.

و لا ينعقد نذر فعله إذا كان الفعل مرجوحا لبعض الجهات المذكورة أو غيرها، و لا ينعقد نذر تركه إذا كان الترك مرجوحا كذلك، و لا ينعقد نذر فعله و لا تركه إذا كانا متساويين، فلا رجحان لفعله و لا لتركه.

المسألة 74:

إذا نذر المكلف صلاة أو صياما أو صدقة و حدد لها في نذره وقتا معينا وجب عليه أن يأتي بالفعل المنذور في الوقت المعين، و لم يجزه أن يأتي بالفعل في غير ذلك الوقت.

فإذا قال: للّه علي أن أصلي ركعتين قبل طلوع الشمس من يوم الخميس، أو قال: للّه علي أن أصوم يوم الخميس لم يكفه في الوفاء بنذره أن يصلي الركعتين في غير الوقت المحدد من يوم الخميس، أو يصوم غير الخميس من الأيام، و إذا لم يأت بالصلاة و الصوم في الوقت الذي عينه عامدا حنث في

نذره و وجبت عليه الكفارة، و ان أتى بالفعل في وقت آخر قبل الوقت المعين أو بعده.

المسألة 75:

إذا نذر المكلف أن يصلي ركعتين أو أكثر، أو أن يصلي صلاة جعفر في مكان ترجح الصلاة فيه على غيره، انعقد نذره و وجب عليه أن يأتي بالصلاة المنذورة في المكان الذي عينه، و لم يكفه أن يصليها في غير ذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 429

المكان و ان كان مساويا له في الرجحان أو أفضل.

فإذا نذر الصلاة في مسجد سوق أو في مسجد قبيلة مثلا وجب عليه أن يأتي بالصلاة المنذورة فيه، و إذا تركها عامدا و لم يصلها فيه حنث في نذره و لزمته الكفارة، و ان صلاها في مسجد جامع أو في أحد المساجد المعظمة أو أحد المشاهد المشرفة.

المسألة 76:

إذا نذر الرجل الصلاة في موضع ليس فيه أي رجحان على غيره من الأمكنة كالصلاة في البلد، أو في المأتم أو في المجلس أو في بيت فلان، أشكل الحكم بانعقاد نذره، و الأحوط انعقاد نذره إذا تعلق بمجموع القيد و المقيد، فكان المنذور هي الصلاة في المكان المعين، فيلزم الوفاء به على الأحوط في هذه الصورة.

المسألة 77:

إذا نذر الإنسان أن يوقع صلاته المفروضة أو صيامه الواجب في بلده أو في مجلسه أو في بيته مثلا، فلم ينذر الصلاة و لا الصيام و لكنه نذر ان يكون إتيانه بهما في الموضع الخاص الذي لا رجحان فيه و لا مرجوحية، فالظاهر عدم انعقاد النذر و عدم وجوب الوفاء به، و كذلك الحكم إذا نذر أن يوقع نوافله المندوبة من الصلاة و الصيام في ذلك الموضع الذي لا رجحان فيه فلا ينعقد نذره.

و إذا طرأ للموضع ما يوجب رجحانه ككونه أبعد عن الشك أو أقرب لحصول الاطمئنان أو اضمن لتحصيل التوجه و الإخلاص في العبادة انعقد النذر و لزم الوفاء به.

المسألة 78:

إذا نذر المكلف أن يصوم و لم يعين عددا، أجزأه في الوفاء بنذره أن يصوم يوما واحدا من الأيام التي يصح صومها، و لم يجز أن يأتي ببعض الأفراد التي حرمها الإسلام كصوم الصمت و صوم الوصال و صوم بعض اليوم، و الصوم عن بعض المفطرات دون بعض.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 430

و إذا نذر أن يصلي و لم يعين عددا من الركعات و لا كيفية معينة، كفاه أن يصلي ركعتين على الكيفية الثابتة في الشريعة، بل و يكفيه أن يأتي بمفردة الوتر، و لا يكفيه أن يصلي ركعة واحدة بغير كيفية صلاة الوتر، و لا يكفيه و لا يصح له أن يأتي بصلاة على كيفية غير ثابتة في الشرع كصلاة بغير تكبيرة إحرام أو بغير ركوع أو بسجدة واحدة أو بغير سجود.

و إذا نذر صدقة مطلقة أجزأه أن يدفع للفقير أدنى ما يقال له صدقة في نظر أهل العرف.

و إذا نذر قربة أو عبادة كفاه أن يصوم يوما أو يصلي أو يتصدق

على بعض الوجوه الصحيحة التي تقدم ذكرها أو يأتي بأي قربة أو عبادة صحيحة أخرى.

المسألة 79:

إذا نذر أن يصلي عشر ركعات أو عشرين ركعة أو أكثر وجب أن يفرد كل ركعتين منها بتسليم، على النحو الثابت في صلوات النوافل الا أن ينذر كيفية شرعية خاصة كما إذا نذر صلاة الأعرابي، و قد ذكرنا هذا في فصل أعداد الصلاة من الجزء الثاني من الرسالة.

المسألة 80:

إذا نذر أن يصوم خمسة أيام أو عشرة أيام أو أكثر متتابعة وجب أن يأتي بها متتابعة كما عين، فلا يجزيه أن يصومها متفرقة أو يفرق بعضها، و إذا نذر أن يصومها متفرقة وجب أن يصومها متفرقة كما عين كذلك و إذا نذر أن يصوم الأيام و لم يشترط ان يكون صومها متتابعا أو متفرقا تخير في الوفاء بين الأمرين.

و كذلك الحكم إذا نذر أن يصوم سنة مطلقة و لم يشترط التتابع أو التفريق، فيكفيه أن يصوم اثني عشر شهرا متتابعة أو متفرقة الشهور أو الأيام، و لا يدخل فيها شهر رمضان إذا كان المراد أن يصوم سنة تامة فلا بد من أن يصوم اثني عشر شهرا غيره و غير العيدين و أيام التشريق إذا كان بمنى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 431

المسألة 81:

إذا نذر أن يصوم شهرا هلاليا، وجب عليه أن يصوم ما بين الهلالين و أن يأتي بالصوم متتابعا حتى يهل الهلال الثاني، و يكفيه صوم ما بين الهلالين و ان كان ناقصا، و كذلك إذا نذر أن يصوم شهرا معينا من الأشهر القمرية المعروفة كشهر رجب أو شهر شعبان مثلا.

و إذا نذر أن يصوم شهرا مطلقا و لم يقيده بالهلالي، لم يجب عليه أن يتابع في صومه، و إذا ابتدأ بصوم الشهر المنذور من الهلال كفاه ان يتم صومه الى الهلال الثاني و ان كان ناقصا في العدد، و إذا شرع في صومه في أثناء الشهر وجب عليه أن يكمله ثلاثين يوما على الأقوى، و كذلك إذا فرق الأيام و لم يتابع صومه فلا بد من ان يكمله ثلاثين يوما و ان شرع في صومه من الهلال.

المسألة 82:

إذا نذر الرجل ان يصوم سنة متتابعة من السنين المتعارفة في الدوران لم يدخل فيها صوم العيدين، فيجب عليه الإفطار فيهما، و لا يضر إفطاره فيهما بالتتابع المنذور و يجب عليه قضاؤهما على الأحوط.

و إذا عرض له في أثناء السنة مرض أو طرأ للمرأة حيض أو نفاس، وجب الإفطار و لم يضر إفطاره بالتتابع، و يجب عليه قضاء ما أفطره على الأقوى، و كذلك إذا اضطر الى السفر في أثناء السنة و كان اضطراره بنحو القهر الذي يخرج به عن كونه مختارا، فيجب عليه الإفطار و القضاء و لم يضر إفطاره في هذا السفر بتتابع النذر، و مثال هذا الاضطرار ان يسافر به ظالم متغلب فيقطع به المسافة مقسورا على أمره و يجب عليه الإفطار لذلك.

و إذا لم يبلغ اضطراره الى السفر هذه المرتبة أشكل الحكم بأن إفطاره

فيه لا يقطع التتابع.

و إذا سافر في أثناء سنته مختارا و أفطر انقطع تتابع صومه بلا ريب، بل يشكل الحكم بجواز السفر له إذا كان موجبا للإفطار و قطع التتابع.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 432

المسألة 83:

إذا نذر الرجل ان يصوم سنة متتابعة كما هو الفرض المتقدم دخل شهر رمضان في نذره، فيكون صومه واجبا بالأصل و واجبا بالنذر فلا ينقطع به التتابع، فإذا أفطر فيه عامدا لزمته كفارة الحنث بالنذر و كفارة الإفطار في شهر رمضان و انقطع بذلك تتابع صوم النذر، و إذا نذر صوم سنة متتابعة غير شهر رمضان لم ينقطع تتابعه بصيام شهر رمضان في الأثناء.

المسألة 84:

إذا نذر الرجل أن يصوم سنة معينة فقال: للّه علي أن أصوم هذه السنة مثلا، أو قال: للّه علي أن أصوم سنة ألف و أربعمائة و عشر من الهجرة، انعقد نذره و وجب عليه صوم السنة المعينة كلها، و لم يدخل فيها صوم يومي العيدين منها، فلا يجوز له صومهما، و الأحوط قضاؤهما، و لا يدخل فيها صوم أيام التشريق الثلاثة إذا كان بمنى سواء كان ناسكا أم غير ناسك، فلا يجوز له صومها، و الأحوط له قضاؤها بعد السنة، و أيام التشريق هي الأيام الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر من شهر ذي الحجة، و يجب عليه صومها إذا كان بغير منى. و يدخل في نذره شهر رمضان فيكون صومه واجبا من الناحيتين فإذا أفطر فيه لزمته كفارة الإفطار و كفارة خلف النذر.

و إذا أفطر من السنة المنذورة أياما عامدا غير الأيام التي تقدم ذكرها و لم يكن قد اشترط التتابع في صومه بنى على الصوم و أتم السنة ثم قضى الأيام التي أفطرها و وجبت عليه الكفارة بعدد الأيام.

و إذا كان قد اشترط التتابع في صوم السنة المعينة بطل التتابع و أشكل الحكم، و الأحوط أن يتابع في صوم ما بقي من أيام السنة الى ان تتم،

و يصل بها قضاء الأيام التي أفطرها و قضاء ما بطل تتابعه من الأيام التي صامها قبل ذلك و أبطل تتابعها بإفطاره، و يأتي بالجميع متتابعا، و عليه الكفارة لإخلاله بالتتابع.

المسألة 85:

إذا نذر المكلف صوم يوم معين من الشهر أو من الأسبوع، و أفطر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 433

ذلك اليوم وجب عليه قضاء صومه و إذا كان عامدا من غير عذر وجبت عليه الكفارة.

المسألة 86:

إذا نذر المكلف صوم يوم معين لم يحرم عليه السفر فيه و ان كان السفر غير ضروري له، فإذا سافر فيه أفطر و وجب عليه قضاء صومه و لم تجب عليه الكفارة.

المسألة 87:

إذا نذر المكلف ان يصوم كل يوم خميس في سنته أو ما دام حيا، و اتفق يوم الخميس مع أحد العيدين وجب عليه إفطار ذلك اليوم و لزمه قضاؤه على الأحوط، و إذا مرض الناذر في يوم الخميس أو سافر، أو حاضت المرأة أو تنفست فيه لزم الإفطار كذلك، و وجب عليه قضاء اليوم على الأقوى و لا كفارة عليه في الجميع.

المسألة 88:

إذا نذر الإنسان أن يصوم كل يوم خميس، ثم وجب عليه أن يصوم صوما يجب فيه التتابع كما إذا نذر صوما متتابعا عشرة أيام أو شهرا أو شهرين، أو وجبت عليه كفارة فيها صوم متتابع، فإذا أراد أن يأتي بالصوم المتتابع وجب عليه أن يصوم كل خميس من تلك الأيام وفاء بنذره السابق المتعلق به، و لا يكون ذلك مخلا بتتابع صومه الذي وجب عليه للكفارة أو للنذر اللاحق.

المسألة 89:

إذا نذر الإنسان صوما و اشترط في صيغة النذر أن يأتي بالصوم في السفر و الحضر، صح نذره و شرطه، فيصح منه الصوم و ان كان مسافرا، و يتعين عليه إذا كان مؤقتا و اتفق سفره في الوقت فيجب عليه الصوم و يجزيه، سواء كان الصوم المنذور متتابعا أم لا.

المسألة 90:

إذا نذر الإنسان أن يزور الرسول (ص) أو يزور أحد الأئمة المعصومين (ع) انعقد نذره و وجب عليه البر به، و يكفي في الوفاء

كلمة التقوى، ج 6، ص: 434

بنذره مع الإطلاق أن يحضر عند المزور و يسلم عليه، و لا يجب عليه أن يأتي بشي ء من الآداب و المستحبات المأثورة في الزيارة كالغسل و الصلاة و غيرهما، و إذا ذكر ذلك في صيغة النذر أو ذكر شيئا منه لزمه الإتيان به.

و إذا نذر أن يزور اماما معينا، تعينت عليه زيارة ذلك الامام و لم تجزه عنها زيارة غيره من الأئمة (ع) فإذا ترك زيارته عامدا مع القدرة حنث في نذره و وجبت عليه كفارة النذر، و إذا نذر زيارته في وقت معين، وجبت عليه زيارته في ذلك الوقت، فإذا تركها عامدا مع القدرة حنث في نذره و وجبت عليه الكفارة، و لم يجزه أن يزور ذلك الإمام في وقت آخر، و يشكل الحكم بوجوب القضاء و ان كان أحوط.

المسألة 91:

إذا نذر الإنسان أن يزور اماما معينا ثم عجز عن زيارته انحل نذره و سقط عنه الوجوب، و لم تجب عليه الكفارة، و لم تجب عليه زيارة إمام آخر بدلا عنه.

المسألة 92:

إذا نذر الرجل أن يحج ماشيا و كان قادرا على ذلك و آمنا من الضرر بفعله، انعقد نذره و وجب عليه، فإذا تركه، أو حج راكبا أو مشى في بعض الطريق و ركب في بعضه، و كان وقت الحج المنذور معينا و فات الوقت بذلك، حنث بنذره و وجبت عليه الكفارة، بل و لا يترك الاحتياط بالقضاء، فيحج ماشيا بعد الوقت.

و كذلك إذا كان النذر مطلقا لم يعين له وقت، و ترك المشي في ذلك العام مع قدرته عليه ثم عجز عن المشي في بقية السنين، فيحنث بنذره و تلزمه الكفارة، و إذا كان النذر مطلقا و هو قادر على المشي في بقية السنين وجب عليه أن يفي بنذره فيحج ماشيا.

و كذلك الحكم إذا نذر أن يزور الرسول (ص) ماشيا، أو نذر أن يزور أحد الأئمة (ع) ماشيا، فينعقد نذره و يلزمه الوفاء مع القدرة و الأمن من الضرر، و يجري فيه التفصيل المذكور في الحج.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 435

المسألة 93:

إذا نذر المكلف الحج أو الزيارة ماشيا و هو قادر على ذلك، ثم عجز عن الإتيان بما نذره عجزا تاما انحل نذره و سقط عنه الوجوب، و إذا عجز عن المشي في بعض الطريق دون بعض، و كان نذره مؤقتا، مشى من الطريق ما يستطيع مشيه و ركب في الباقي على الأحوط، إذا لم يكن ذلك هو الأقوى، و كذلك الحكم إذا كان نذره مطلقا غير مؤقت بسنة معينة و كان عجزه بعد الشروع في الذهاب فيمشي من الطريق ما أمكنه و يركب في الباقي.

و إذا كان نذره مطلقا و كان عجزه قبل الشروع في الذهاب صنع كذلك على الأحوط ثم أعاد الحج ماشيا

إذا تمكن منه بعد ذلك في السنين الآتية.

و إذا كان نذره مطلقا فعجز كذلك و لم يحج في تلك السنة ثم تجددت له القدرة على المشي في السنين الأخرى وجب عليه الوفاء بنذره.

المسألة 94:

إذا نذر أن يتصدق بشي ء معين خارجي، وجب عليه أن يتصدق بعين ذلك الشي ء الذي تعلق به النذر إذا كان موجودا، و مثال ذلك أن يقول:

للّه علي أن أتصدق بهذه الوزنة المعينة من الحنطة أو بهذا الثوب المعين أو بهذه القطعة المعلومة من الفراش، فيلزمه أن يدفع للمستحق نفس العين المنذورة و لا يجزيه أن يدفع وزنة أخرى من الحنطة بدلا عنها أو يتصدق بقيمة الثوب أو الفراش المعين من الدراهم أو الدنانير.

و إذا تلفت العين التي نذر التصدق بها و لم يكن الناذر هو المتلف لها انحل نذره و لم يجب عليه دفع بدلها و لا دفع الكفارة، و إذا كان الناذر هو الذي أتلف العين المنذورة كان ضامنا لها، فتجب عليه الصدقة بمثلها إذا كانت مثلية، و بقيمتها إذا كانت قيمية على الأحوط، و يلزمه دفع الكفارة على الأقوى.

المسألة 95:

إذا نذر الرجل أن يتصدق على شخص معين، فقال: للّه علي ان أتصدق على زيد مثلا بمائة دينار، وجب على الناذر ذلك، فلا تكفيه الصدقة على غير الشخص الذي عينه و ان كان قريبا له، أو كان أفقر منه أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 436

كانت الصدقة عليه أفضل، و لا يتعين على الشخص المنذور له أن يقبل الصدقة المنذورة و يجوز له أن يمتنع من قبولها، و إذا هو امتنع و لم يقبلها انحل نذر الناذر لتعذر حصول الفعل المنذور عليه، و سقط عنه وجوبه، و هذا إذا استمر المنذور له على امتناعه من قبول الصدقة كما سيأتي بيانه في المسألة السابعة و التسعين.

المسألة 96:

إذا قبل الفقير المنذور له تصدق الناذر عليه، ثم أبرأ ذمته من الصدقة قبل أن يقبضها منه لم تبرأ ذمة الناذر من الصدقة و لم يسقط عنه الوجوب بإبرائه.

و إذا دفع الناذر الصدقة إلى المستحق و قبضها منه ملكها بالقبض و برئت ذمة الناذر و جاز للمستحق أن يهبها له أو يدفعها له مكافأة على عمل، و نحوه و ان كره للناذر أن يأخذها منه.

المسألة 97:

إذا نذر الناذر أن يتصدق على شخص معين، و امتنع المنذور له عن قبولها، ثم عاد فقبلها بعد امتناعه، فالظاهر وجوب التصدق عليه إذا كان النذر مطلقا و لم يكن للصدقة المنذورة وقت معين، أو كانت مؤقتة و كان الوقت لا يزال باقيا.

و إذا كانت الصدقة المنذورة مؤقتة و قد انقضى وقتها قبل أن يعود الفقير فيقبل التصدق، انحل النذر و لم يجب على الناذر التصدق بها عليه.

المسألة 98:

إذا كانت الصدقة المنذورة عينا شخصية و امتنع المنذور له عن قبولها، جاز للناذر أن يتلف العين بعد امتناع الفقير عنها، و لا يكون على الناذر ضمان بإتلافها و لا تجب عليه كفارة، و ان قبل المنذور له بعد التلف.

المسألة 99:

إذا نذر المكلف أن يتصدق بعين مشخصة أو بمبلغ من المال في ذمته، ثم مات قبل أن يفي بنذره وجب أن تخرج الصدقة المنذورة من أصل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 437

تركته، و كذلك الحكم في كل نذر يتعلق بالمال، كما إذا نذر أن يفي دين زيد من ماله، أو نذر أن يدفع له مبلغا من المال يحج به أو يعتمر أو يزور، أو نذر أن يصل أباه أو أخاه أو أحد أرحامه بمقدار من المال، فإذا مات الناذر قبل أن يفي بالنذر اخرج المال المنذور من أصل تركته لا من الثلث.

المسألة 100:

إذا نذر المكلف أن يتصدق على زيد بمبلغ من المال أو بعين مخصوصة ثم مات الشخص المنذور له قبل أن يتصدق الناذر عليه بالعين أو المبلغ المنذور، أشكل الحكم فيه، فلا يترك الاحتياط بقيام وارثه مقامه إذا كان مستحقا، و إذا لم يكن له وارث أو كان لا يستحق الصدقة أو امتنع من قبولها فالظاهر سقوط النذر بالصدقة لتعذر الوفاء بها.

المسألة 101:

إذا نذر أن يهب أو يهدي الى فلان شيئا معينا أو مبلغا من المال ثم مات المنذور له قبل أن يفي الناذر له بنذره سقط النذر و لم يجب الوفاء به. و إذا مات الناذر قبل أن يهب، فالأحوط ان يتولى وصيه أو وارثه ذلك، فيهب المال للمنذور له و يخرجه من أصل تركة الميت.

المسألة 102:

ما ينذر لأحد المشاهد الشريفة يختص به و لا يجوز صرفه في غيره من المشاهد و ان كان أعظم قدرا منه أو أكثر حاجة، فيصرف في مصالح المشهد المنذور له، كتعميره إذا احتاج الى التعمير و إصلاح بنائه إذا احتاج الى الإصلاح و انارته، و تجهيزه بوسائل التهوية و التبريد و التدفئة و تبريد الماء، و تعمير أماكن التطهير و الوضوء في المشهد و ترميمها، و اعانة خدام المشهد الصالحين و القائمين بشؤونه، و ما يشبه ذلك أو يتصل به من الحاجات و المقاصد اللائقة به.

المسألة 103:

ما ينذر للرسول (ص) أو لأمير المؤمنين (ع) أو لأحد المعصومين (ع) أو للعباس (ع) أو لغيرهم من الذرية الطيبة و الذوات الطاهرة، يصرف في سبل الخير و القربات، فيعان به المحتاجون من أهل العلم على تحصيل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 438

غاياتهم من طلب العلم و نشر الإسلام، و ينفق على المحتاجين من ذرية الرسول (ص)، و يتصدق به على الفقراء من المؤمنين، و يعان به المحتاجون من الزوار، و يصح صرفه في بناء المساجد و مساكن الفقراء و الأيتام و نحو ذلك، و يقصد بجميع ذلك عود ثواب الخيرات و المبرات الى المنذور له منهم (ع).

و الأحوط استحبابا تخصيصه بالمحتاجين من المجاورين من أهل العلم و من الذرية و الفقراء و خدمة المشهد.

المسألة 104:

إذا نذر الناذر لأحدهم (ع) و قصد بنذره ان يصرف المال المنذور في إقامة مآتمهم (ع)، و عزائهم أو ذكري وفياتهم، أو في الإطعام فيها و القيام ببعض شؤونها وجب صرفه في الجهة المذكورة و لا يصرف في النواحي الأخرى، و إذا عينه لمأتم امام خاص أو شهيد أو ولي معين تعين للجهة التي حددها الناذر، و كذلك إذا كان نذره لجهة خاصة أخرى كالمواليد و الإطعام أو الإنفاق في أيام الزيارات المخصوصة لهم فيختص بالجهة المعينة.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 438

المسألة 105:

إذا نذر الرجل الصدقة بشاة معينة أو بشاة مطلقة ثم عينها للوفاء بنذره تبعها نماؤها المتصل من سمن جثتها و كبرها و صوفها، و كذلك إذا نذر الصدقة ببقرة أو ماعز و عينها، و لا يترك الاحتياط في النتاج و اللبن إذا لم يكن للناذر قصد معين و لم يكن عرف متبع أو قرينة دالة، و يتبع قصده إذا علم، ثم يرجع الى العرف أو القرينة إذا دلا على شي ء، و كذلك إذا نذر الشاة أو البقرة أو الماعز لمشهد أو مأتم و شبههما.

المسألة 106:

إذا نذر الرجل أن يتصدق بجميع ما يملك وجب عليه ذلك و لزمه الخروج منه و الصدقة به، فإذا ضاق الأمر عليه لكثرة عياله أو لضعفه عن الكسب أو لعدم توفر أسبابه، قوم جميع ما يملك على نفسه تقويما صحيحا عادلا، و ضبطه و ضبط قيمته ضبطا كاملا، و جعل قيمة جميع ذلك دينا في ذمته و دونه في دفاتر تثبت الحق، و أشهد عليه من يوثق

كلمة التقوى، ج 6، ص: 439

به و يعتمد عليه، ثم تصرف في أعيان المال و الممتلكات الموجودة كيفما أراد من أنحاء التكسب بها و الصرف على نفسه و على عياله و شؤونه، و بدأ بإخراج الصدقة المقدرة و الثابتة في ذمته شيئا فشيئا و أولا فأولا، و أحصى ما يدفعه من ذلك للفقراء و المساكين و اليتامى و ذوي الحاجة من أرحامه و غيرهم في دفاتر تبين ذلك و تحصيه، و يسقطه من دينه حتى يفي جميع ما في ذمته.

و إذا مرض و ظن الموت و قد بقي من دينه شي ء وجب عليه أن يوصي الى من يعتمد عليه بإخراجه من أصل تركته و

اشهد على ذلك.

و إذا نذر أن يجعل جميع ما يملكه في سبيل اللّه أو في سبيل الخير و ضاق الأمر عليه كذلك، فعل كما تقدم ثم وفى الديون شيئا فشيئا كما وصفنا و أنفقها في مطلق سبيل اللّه و ما يقرب اليه، و يدخل في ذلك بناء المساجد و القناطر و الملاجئ و غيرها من القربات حتى يتم الوفاء، و لا يختص بالتصدق كما في الفرض السابق.

المسألة 107:

إذا نذر الإنسان الفعل و جعل له وقتا مخصوصا، فقال: للّه علي ان أصوم أول أربعاء من شهر رجب مثلا، أو قال: للّه علي أن أتصدق بعشرين دينارا في أول جمعة من شهر شعبان، وجب عليه أن يأتي بالصوم أو بالصدقة في وقتهما الذي عينه، و إذا ترك الفعل عامدا حتى انقضى الوقت حنث بنذره و لزمته كفارة خلف النذر، و كذلك إذا نذر ترك الفعل و جعل له وقتا معينا، فالوفاء بالنذر هو أن يترك الفعل في جميع الوقت، و الحنث بالنذر هو أن يأتي بالفعل عامدا و لو مرة واحدة، فيكون للنذر في كلتا الحالتين وفاء واحد في البر به و يكون له حنث واحد في مخالفته، لأن النذر قد تعلق بصرف وجود الفعل في الحالة الأولى، و بصرف تركه في الحالة الثانية، فلا يتكرر، و قد مر نظيره في اليمين كما ذكرناه في المسألة الثامنة و الثلاثين و المسألة التاسعة و الثلاثين.

المسألة 108:

إذا نذر الإنسان ان يأتي بالفعل و لم يجعل له وقتا مخصوصا، فقال

كلمة التقوى، ج 6، ص: 440

للّه علي أن أصوم يوما، أو أن أتصدق بمبلغ كذا، وجب عليه أن يأتي بالفعل في مدة حياته و لو مرة واحدة و يتحقق بذلك وفاؤه بالنذر و إذا ترك الفعل عامدا فلم يأت به في مدة عمره حتى مرة واحدة تحقق الحنث و سقط النذر و لزمته الكفارة. و إذا نذر أن يترك الفعل و لم يجعل له وقتا معينا، فقال: للّه علي أن لا أنطق بالباطل أو قال: للّه علي أن لا أتفوه بالكذب، وجب عليه ان يترك ذلك مدة حياته و لا يحصل الوفاء بالنذر الا بذلك، فإذا أتى

بالفعل المنذور تركه و لو مرة واحدة تحقق الحنث و سقط النذر و لزمته الكفارة فيكون للنذر كما في المسألة المتقدمة وفاء واحد و حنث واحد في كلتا الحالتين نظير ما تقدم في اليمين في المسألتين الآنف ذكرهما.

المسألة 109:

إذا نذر الإنسان الفعل و كان مقصده في نذره أن يأتي بالفعل المنذور في طبيعته السارية في أفراده، فقال: للّه علي أن أصلي النافلة اليومية في كل يوم، أو قال: للّٰه علي أن أصلي صلاة جعفر في كل يوم جمعة، انعقد نذره كما أراد، و انحل نذره الى نذور متعددة، فتكون صلاة النافلة اليومية في كل يوم من أيام حياة الناذر متعلقا لنذر مستقل يجب الوفاء به، و تجب الكفارة بمخالفته و الحنث به، و تكون صلاة جعفر في كل يوم جمعة في المثال الثاني متعلقا لنذر مستقل كذلك، فلكل فرد من أفراد الفعل المنذور نذر يختص به، و يكون الإتيان بالفعل في أي وقت من الأوقات المعينة برا بنذره الخاص به، و يكون تركه في ذلك الوقت حنثا بنذره و موجبا للكفارة لمخالفته، و موجبا للقضاء على الأقوى إذا كان الفعل المنذور صوما، و على الأحوط لزوما إذا كان المنذور صلاة أو غيرها.

و كذلك الحكم إذا نذر ترك الفعل، و كان المقصود ترك الفعل في كل وقت من الأوقات على نحو الانحلال و الاستقلال فقال: للّٰه علي ان لا أكذب أبدا، فإذا كذب في الساعة الأولى عامدا حنث بنذره فيها و وجبت عليه الكفارة، و ان أطاع و لم يكذب في الساعة الثانية، و كذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 441

العكس، فلكل فرد نذره الخاص به و لكل نذر بره و حنثه، كما تقدم في اليمين.

المسألة 110:

يشترط في صحة النذر نية القربة، و المراد بها أن ينشئ الناذر تمليك الفعل أو الترك على نفسه للّه وحده، كما هو المختار و قد سبق منا بيان ذلك مفصلا في أول الفصل، أو أن ينشئ التزامه و

تعهده بالفعل أو الترك له وحده، كما هو القول المشهور، و نتيجة لذلك فلا بد و ان يكون الوفاء بالنذر هو الإتيان بالفعل أو الترك مبنيا على ذلك.

المسألة 111:

إذا نذر الرجل أن يوجد الفعل نذرا مطلقا و لم يعين له وقتا كما ذكرنا في المسألة المائة و الثامنة و لم يكن على نحو الانحلال، جاز له أن يؤخر الفعل الى أن يظن الوفاة، أو يظن فوت الواجب، أو يلزم من التأخير التهاون بأمر اللّه، فيتضيق وقته حين ذلك و يجب الإتيان به، و إذا نذر ترك الفعل كذلك وجب عليه الترك من حين انعقاد النذر الى آخر الحياة، و إذا أتى بالفعل المنذور تركه و لو مرة واحدة تحقق الحنث و سقط بذلك النذر كما ذكرنا في المسألة المائة و الثامنة.

و انما يسقط النذر بالحنث إذا كان المقصود بالنذر إيجاد صرف الفعل، و لا يسقط النذر إذا كان على نحو الانحلال كما ذكرنا في المسألة المائة و التاسعة.

المسألة 112:

الحنث بالنذر كالحنث باليمين سواء بسواء، فلا يحصل الا بتعمد المخالفة كما ذكرناه في المسألة السابعة و الثلاثين، فلا يحنث الناذر إذا خالف النذر جاهلا بالموضوع أو ناسيا له، و مثال ذلك: ان ينذر الرجل أن يصوم يوما معينا، ثم يعتقد انه نذر صوم غير معين، فيؤخر الصوم حتى يمضي الوقت المعين فيتذكر انه نذر صوم اليوم المعلوم و قد أخره خطأ، أو ينسى صوم ذلك اليوم، أو ينسى انه نذر صومه ثم يتذكر بعد أن ينقضي الوقت، فلا تجب عليه كفارة الحنث، و لا تجب عليه الكفارة إذا خالف نذره مضطرا أو مجبرا أو مكرها على المخالفة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 442

و إذا خالف النذر جاهلا بالحكم أو ناسيا له، فلا بد من الاحتياط، و قد سبق ذكر جميع ذلك في اليمين.

المسألة 113:

إذا خالف النذر جاهلا بالموضوع أو ناسيا له أو مضطرا، أو مجبرا أو مكرها على المخالفة لم يسقط بذلك نذره، فإذا كان النذر مؤقتا و قد بقي مقدار من الوقت، أو كان مطلقا ليس له وقت معين وجب عليه الوفاء بالنذر في بقية الوقت في الأول و في بقية العمر في الثاني.

المسألة 114:

إذا حنث بنذره فترك الفعل المنذور عامدا حتى انقضى الوقت وجب عليه القضاء إذا كان الفعل المنذور صوما على الأقوى، و وجب القضاء على الأحوط لزوما إذا كان الفعل صلاة أو صدقة أو غيرهما من القربات، و قد أشرنا الى هذا في المسألة المائة و التاسعة، و كذلك إذا كان جاهلا بالحكم أو ناسيا له.

و إذا خالف نذره ناسيا للموضوع أو جاهلا به فالأحوط القضاء في الجميع، و لا تجب الكفارة كما سبق بيانه.

المسألة 115:

إذا علق الإنسان نذره على حصول شي ء، فقال: للّه علي أن أصوم أو أن أتصدق إن رزقني اللّٰه ولدا ذكرا، ثم استبان له ان اللّٰه قد رزقه ولدا قبل نذره، لم يجب عليه الوفاء بنذره، و كذلك إذا نذر ان شفى اللّه زيدا أو ان قدم من سفره سالما، فاستبان له ان الشرط قد حصل قبل النذر، فلا يجب عليه البر به، و كذلك إذا شك في ان الشرط حصل قبل إنشاء النذر أو بعده، فلا يجب عليه الوفاء به.

المسألة 116:

الأقوى ان الكفارة في مخالفة النذر هي الكفارة في مخالفة اليمين، فيتخير الناذر إذا حنث بنذره عامدا بين أن يعتق رقبة أو يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم، فان لم يقدر على أن يأتي بإحدى هذه الخصال الثلاث وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام متتابعة، و يأتي ان شاء اللّٰه في كتاب الكفارات بيانها و بيان أحكامها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 443

الفصل الثالث في العهد
المسألة 117:

الظاهر أن المراد بالعهد ها هنا ميثاق يقطعه الإنسان على نفسه للّه على فعل شي ء أو على تركه، و ينشئه بصيغة مخصوصة، فهو ليس من اليمين و ليس من النذر و ان أشبههما في بعض الآثار و بعض الأحكام.

المسألة 118:

لا ينعقد العهد حتى ينشئه الإنسان بقوله: عاهدت اللّه على أن أفعل كذا أو على أن لا أفعل، أو يقول: علي عهد اللّٰه أن أفعله أو ان لا أفعله، و هو من هذه الجهة يشبه النذر في الحاجة الى إنشائه بصيغة مخصوصة.

فلا يجب الوفاء بالعهد إذا لم ينشئه بالقول المذكور و ان قصد في ضميره العهد على الفعل أو على الترك و لا تحرم عليه المخالفة و ان كان عامدا و لا تلزمه الكفارة، و ان كان الأحوط له استحبابا أن لا يخالف ما نواه.

المسألة 119:

العهد كالنذر، فقد ينشئه الإنسان معلقا على حصول شرط معين، فيقول: عاهدت اللّٰه ان رزقني ولدا ذكرا، أو ان شفاني من هذا المرض أن أتصدق بمائة دينار، أو أن أذبح شاة أو بقرة و أطعمها للفقراء أو للمؤمنين، أو يقول: علي عهد اللّٰه أن دفع عني هذه البلية أن أصلي نافلة شهر رمضان أو أن أصوم شهر رجب، فينعقد عهده كما اشترط، فإذا حصل الأمر الذي علق عليه وجوب الفعل وجب عليه أن يفي بالعهد و حرمت عليه مخالفته و لزمته الكفارة إذا حنث فخالف عامدا.

و قد ينشئ العهد مطلقا غير مشروط بشي ء، فينعقد كذلك و يجب عليه البر به مطلقا، و هو أيضا قد يجعله موقتا بوقت خاص فيلزمه الوفاء به في ذلك الوقت، و قد يجعله مطلقا غير موقت فيجب عليه البر به

كلمة التقوى، ج 6، ص: 444

كذلك، و هو في جميع ذلك كالنذر في الفروض و الأحكام و لا موجب للإطالة بالتكرار.

المسألة 120:

يشترط في المعاهد أن تجتمع فيه جميع الشروط التي ثبت اشتراطها في الناذر أو كان الاحتياط باشتراطها لزوميا، فلا بد و أن يكون مكلفا، و لا بد و أن يكون قاصدا و لا بد و ان يكون مختارا و لا بد و أن يكون نافذ التصرف غير محجور في متعلق عهده الى غير ذلك مما تقدم اشتراطه في الناذر.

المسألة 121:

يشترط في الأمر الذي يعلق عليه العهد جميع ما اشترطناه في الأمر الذي يعلق عليه النذر و تراجع المسائل المتعلقة بذلك من فصل النذر لتطبيق أحكامها في شروط العهد.

المسألة 122:

لا يختص العهد بالموارد التي يكون متعلقة فيها فعلا أو تركا، بل يجري كذلك إذا كان متعلقة صفة يستطيع الإنسان أن يكتسبها بإرادته و اختياره و لو بطول المران، فإذا قال الرجل: عاهدت اللّٰه على أن أكون عادلا، أو على أن أكون صادقا في جميع أقوالي و أفعالي، أو قال: علي عهد اللّٰه أن لا أكون خائنا، أو أن لا أكون فاسقا، انعقد عهده و وجب عليه الوفاء به، و حرم عليه الحنث، و إذا حنث بعهده لزمته الكفارة، و الظاهر أن ذلك يجري في النذر و اليمين أيضا.

المسألة 123:

ينعقد العهد إذا تعلق بفعل واجب أو بترك محرم، و ينعقد إذا تعلق بفعل مندوب أو بترك مكروه، و ينعقد إذا تعلق بفعل مباح و كان فعله راجحا على تركه لجهة شرعية أو لجهة دنيوية أوجبت رجحانه، و ينعقد إذا تعلق بترك شي ء مباح، و كان تركه راجحا على فعله لجهة شرعية أو لجهة دنيوية أوجبت رجحانه، و ينعقد على الأحوط إذا تعلق بفعل مباح أو بتركه و كان متساوي الطرفين في الدين و الدنيا فلا رجحان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 445

للفعل و لا للترك و قد تقدم تفصيل ذلك في متعلق اليمين، فليراجع ما حررناه هناك.

المسألة 124:

لا ينعقد العهد إذا تعلق بترك واجب أو مستحب أو بفعل محرم أو مكروه، و لا ينعقد إذا تعلق بفعل شي ء مرجوح يرجح تركه على فعله لأمر ديني أو دنيوي، و لا ينعقد إذا تعلق بترك شي ء يرجح فعله على تركه لأمر ديني أو دنيوي كذلك.

المسألة 125:

إذا تعلق العهد بأمر مباح لا رجحان لفعله و لا لتركه، أو تعلق بأمر راجح لبعض الجهات، فانعقد العهد كما تقدم، ثم تغيرت الحال قبل الوفاء بالعهد فأصبح فعله مرجوحا لبعض النواحي الطارئة انحل العهد و لم يجب الوفاء به و قد سبق جميع ذلك في فصل اليمين.

المسألة 126:

إذا انعقد عهد الرجل في المسألة المتقدمة، و لكنه تسامح في الوفاء بعهده حتى تغيرت الحال و أصبح متعلق العهد مرجوحا، لم ينحل عهده في هذه الصورة على الأحوط و خصوصا إذا طالت المدة و هو يتسامح في الوفاء، فلا ينحل عهده و يلزمه الوفاء به على الأحوط ان لم يكن ذلك هو الأقوى.

المسألة 127:

إذا خالف الإنسان عهده عامدا كما تقدم في فصل النذر و فصل اليمين، حنث في عهده و وجبت عليه الكفارة، و كفارة الحنث بالعهد نظير كفارة الإفطار في شهر رمضان على الأقوى، فيجب على الحانث أن يعتق رقبة أو يطعم ستين مسكينا أو يصوم شهرين متتابعين، و سيأتي ان شاء اللّه تعالى ذكرها و ذكر تفاصيل أحكامها في كتاب الكفارات.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 447

كتاب الكفارات

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 449

كتاب الكفارات و فيه فصلان:

الفصل الأول في أقسام الكفارات
المسألة الأولى:

لم يتعرض الفقهاء قدس اللّه أرواحهم الطيبة في هذا الكتاب لذكر كفارات الإحرام بالحج أو بالعمرة، و هم يذكرونها مفصلة في كتاب الحج، و يكتفون بذلك عن ذكرها هنا مرة أخرى، و لهم بذلك وجهة نظرهم، و لعل الوجه ان كفارات الإحرام كثيرة و مفصلة، و لها أحكام خاصة بها كثيرة، و لا بد من ذكرها جميعا في كتاب الحج لأنه مورد الحاجة فيكون ذلك مغنيا عن إعادتها في كتاب الكفارات، و قد ذكر الكثير منها و من غيرها في كتاب الصوم، و الأمر في التوجيه سهل.

المسألة الثانية:

الكفارات واجبات خاصة تجب على المكلف عند حدوث بعض الطواري ذنب أو غيره، و ليس المراد من هذا القول تعريف الكفارة بذلك، بل المراد الإشارة إلى معناها على وجه إجمالي مقدمة لذكر الأقسام و الأحكام، و هي على أقسام أربعة نذكرها في المسائل الآتية:

المسألة الثالثة:

القسم الأول من الكفارات: ما تكون فيه خصال الكفارة مترتبة، فلا يجزي الإتيان بالخصلة اللاحقة إلا بعد العجز عن الإتيان بالخصلة السابقة عليها، و هي ثلاث كفارات:

(الأولى) كفارة الظهار (و الثانية) كفارة القتل خطأ، فإذا ظاهر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 450

الرجل من زوجته ثم أراد العود الى مقاربتها و إذا قتل مؤمنا خطأ، وجب عليه دفع الكفارة.

و الكفارة في كل واحد من الموردين: أن يعتق رقبة مؤمنة، فإذا هو عجز عن تحرير الرقبة و لم يقدر وجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين، فإذا عجز عن صيامهما و لم يستطع وجب عليه أن يطعم ستين مسكينا.

(الثالثة): كفارة من أفطر في قضاء صوم شهر رمضان بعد الزوال، فإذا صام المكلف قضاء عما فاته من شهر رمضان و أفطر بعد زوال الشمس من يومه عامدا، وجب عليه أن يطعم عشرة مساكين، فإذا عجز عن إطعامهم وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام، و لا يجب التتابع فيها على الأقوى و ان كان ذلك أحوط استحبابا.

المسألة الرابعة:

إذا اشترك رجلان أو أكثر في قتل رجل واحد أو امرأة خطأ، وجب على كل واحد منهم ان يدفع كفارة تامة عن نفسه، و لا يجزيهم دفع كفارة واحدة مشتركة، و لا ينوي كل واحد منهم التكفير عن الجميع.

المسألة الخامسة:

القسم الثاني من الكفارات: ما يكون المكلف فيه مخيرا بين الخصال الواجبة، فأي الخصال أتى بها أجزأته و أبرأت ذمته من الواجب، و هي أربع كفارات.

(الأولى): كفارة من أفطر في صوم شهر رمضان، فتناول أحد المفطرات المحللة عامدا من غير عذر مسوغ لذلك.

(الثانية): كفارة من حنث بعهده و تعمد مخالفته كما ذكرناه في آخر فصل العهد.

(الثالثة): كفارة المرأة إذا جزت شعرها في المصاب.

(الرابعة): كفارة من جامع و هو معتكف فأفسد اعتكافه بذلك.

و الكفارة في كل واحدة من هذه الأربع أن يتخير المكلف بين أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، فتكفيه آية

كلمة التقوى، ج 6، ص: 451

واحدة أتى بها من هذه الخصال الثلاثة و تبرأ بها ذمته من الكفارة الواجبة عليه.

المسألة السادسة:

جز المرأة شعر رأسها أن تقصه و تقطعه، سواء استأصلته أم لم تستأصله، و سواء جزت جميع الشعر أم جزت بعضه بحيث يصدق عند أهل العرف أنها قد جزت شعرها، و المراد هنا: أن تجزه في المصاب حزنا، فتجب عليها الكفارة لذلك، و لا تجب الكفارة إذا قصت شعرها لغير ذلك من الغايات كما إذا قصته للعلاج أو للتجميل.

و يلحق بجز شعرها في الحكم حلقه، فإذا حلقته في المصاب حزنا وجبت عليها الكفارة الآنف ذكرها، و الأحوط لزوم الكفارة أيضا إذا أحرقته لذلك.

المسألة السابعة:

لا فرق في الحكم بالتحريم و وجوب الكفارة الآنف ذكرها إذا جزت المرأة شعرها في المصاب بين مصاب زوجها و أبيها و ولدها و غيرهم و لا بين القريب منها في النسب و البعيد.

المسألة الثامنة:

تجب الكفارة على من جامع و هو معتكف فأفسد اعتكافه بذلك، سواء كان جماعه ليلا أم نهارا، و إذا جامع نهارا فان كان معتكفا في شهر رمضان لزمته كفارة الإفطار في شهر رمضان مضافا الى كفارة الاعتكاف الآنف ذكرها، و ان كان معتكفا و هو صائم قضاء شهر رمضان لزمته مع كفارة الاعتكاف كفارة الإفطار في قضاء شهر رمضان و قد ذكرناها في المسألة الثالثة، و ان كان معتكفا في صوم منذور، فعليه كفارة الاعتكاف و كفارة مخالفة الصوم المنذور، و إذا نذر الاعتكاف في أيام معينة و جامع في أثناء اعتكافه وجبت عليه كفارة الاعتكاف و كفارة خلف النذر سواء كان جماعه ليلا أم نهارا و ان كان صائما في نهاره صوما مندوبا أو مستأجرا عليه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 452

المسألة التاسعة:

لا فرق في الحكم بوجوب كفارة الاعتكاف بين أن يكون الجماع الذي أفسد به اعتكافه محللا أو محرما، كما إذا جامع زوجته في حيضها أو زنى بغيرها أو لاط، و إذا كان في شهر رمضان و أفطر على محرم لزمته كفارة الجمع لذلك كما سنذكره، مضافا الى كفارة الاعتكاف، و بعض الفروض المذكورة نادرة و غريبة، و لكن مداخل الشيطان كثيرة و قريبة، بل و واقعة. و لا حول و لا قوة إلا باللّه.

المسألة العاشرة:

إذا أفسد المكلف اعتكافه بارتكاب بعض محرمات الاعتكاف غير الجماع، فلا يترك الاحتياط بالإتيان بكفارة الاعتكاف و ان كان اعتكافه مندوبا، كما إذا أفسده في اليومين الأولين، و يراجع ما علقناه على الاعتكاف من كتاب العروة الوثقى.

المسألة 11:

إذا جامع المرأة زوجها و هي معتكفة باذنه و كانت مختارة في الجماع فسد اعتكافها و وجبت عليها كفارة الاعتكاف سواء كان الجماع ليلا أم نهارا، و أمكن أن تجري فيها جميع الفروض التي ذكرناها في المسألة الثامنة و تلحقها أحكامها، و إذا كان الرجل معتكفا أيضا لزمت كل واحد منهما كفارته و أحكامه.

المسألة 12:

إذا أكره المرأة زوجها على الجماع و هي معتكفة لم تجب عليها كفارة إفساد الاعتكاف سواء كان الزوج معتكفا أيضا أم لا، و سواء كان الجماع ليلا أم نهارا، و في فساد اعتكافها بذلك اشكال، و لا يترك الاحتياط بأن تتم الاعتكاف إذا كان واجبا، و لا يترك الاحتياط بقضائه إذا كان مما يقضى كما إذا كان منذورا أو مستأجرا عليه، و كان النذر أو الاستيجار عليه باذن الزوج.

المسألة 13:

إذا أكره المرأة زوجها فجامعها و هما معتكفان صائمان في شهر رمضان وجبت على الزوج كفارة إفطاره في شهر رمضان، و وجبت عليه كفارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 453

أخرى لإفساده اعتكافه، و وجبت عليه كفارة ثالثة يدفعها عن زوجته لاكراهها على الإفطار، و لا يجب عليه أن يدفع عنها كفارة اعتكافها، و لا تجب على المرأة كفارة الاعتكاف لأنها مكرهة كما تقدم، و لا يتحمل كفارة الاعتكاف عنها كذلك إذا جامعها مكرها لها و هي معتكفة و هو غير معتكف.

و إذا أكرهها على الجماع و هما معتكفان في غير شهر رمضان لم يتحمل عن المرأة شيئا من كفارة الصوم و لا كفارة الاعتكاف، و تلزمه كفارة اعتكافه، و تلزمه كفارة صومه إذا كان مما تجب فيه الكفارة، و الظاهر عدم الفرق في جميع الأحكام الآنف ذكرها للزوجة بين الدائمة و المتمتع بها.

المسألة 14:

القسم الثالث من الكفارات: ما يجتمع فيه الأمران المتقدم ذكرهما، فالكفارة مخيرة في بعض الخصال و مترتبة في بعضها و هي خمس كفارات.

(الأولى): كفارة خلف اليمين، و منها كفارة الإيلاء من الزوجة.

(الثانية): كفارة خلف النذر على الأقوى.

(الثالثة): كفارة نتف المرأة شعر رأسها في المصاب.

(الرابعة): كفارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتى تدميه.

(الخامسة): كفارة شق الرجل ثوبه لموت ولده أو زوجته.

فيتخير المكلف في كل واحدة من هذه الكفارات بين أن يعتق رقبة و أن يطعم عشرة مساكين و أن يكسوهم، فإذا عجز عن هذه الخصال الثلاث و لم يقدر على الإتيان بواحدة منها وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام متتابعة. فلا يكفيه أن يصوم الأيام الثلاثة إذا قدر على واحدة من الخصال الأولى.

المسألة 15:

يلاحظ في اليمين و النذر ما فصلناه فيهما و في شرائط انعقادهما و الحنث بهما في فصل اليمين و فصل النذر من الكتاب السابق، و قد

كلمة التقوى، ج 6، ص: 454

ذكر بعض الفقهاء (قدس سرهم) ان الكفارة في مخالفة النذر نظير الكفارة في إفطار شهر رمضان، فالمكلف بها يتخير بين ان يعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستين مسكينا، و ما ذكرناه هو الأقوى.

المسألة 16:

الإيلاء من الزوجة أن يحلف الرجل يمينا أن لا يطأها أبدا، أو أن لا يطأها مدة تزيد على أربعة أشهر و يقصد بذلك الإضرار بها، فإذا هي لم تصبر و رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي أجله أربعة أشهر لينظر في أمر نفسه فلعله يرتدع و يكفر عن حلفه و يؤدي حق زوجته، فان هو لم يفعل ذلك أجبره الحاكم و ضيق عليه حتى يختار أحد الأمرين، فأما أن يكفر عن يمينه و يرجع فيؤدي حق زوجته الذي حلف على تركه و اما أن يطلقها و يخلي سبيلها، فالكفارة في الإيلاء هي كفارة اليمين و ان اختلف الإيلاء عن اليمين في جهات تذكر في مبحث الإيلاء.

المسألة 17:

نتف المرأة شعرها هو أن تقلعه من أصوله، و المراد هنا أن تقلع شعر رأسها بكفها أو بأصابعها حزنا من شدة وقع المصيبة عليها، سواء قلعت جميع شعر رأسها أو بعضه بحيث يصدق أنها نتفت شعرها في المصاب كما تقدم في جز الشعر، فتجب عليها الكفارة بذلك، و لا تجب الكفارة إذا نتفت شعرها في غير مصاب، من غضب و نحوه.

و خدش الوجه هو أن تخمش وجهها بيديها أو بأظفارها حتى تؤثر فيه جرحا أو ندبا، و يكفي في وجوب الكفارة على المرأة أن تخدش بعض الوجه في المصيبة بحيث يصدق عليها انها خدشت وجهها حتى أدمته، و لا تجب الكفارة عليها إذا خدشت بعض أعضائها غير الوجه و ان أدمته في المصاب أو خدشت وجهها في غير المصاب.

المسألة 18:

تجب الكفارة على الرجل إذا شق ثوبه لموت زوجته أو لموت ولده، سواء شق جميع الثوب أو شق بعضه بحيث يصدق عليه أنه قد شق ثوبه، و لا تجب عليه الكفارة إذا شق ثوبه لموت أبيه أو أخيه أو غيرهما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 455

من أرحامه و غيرهم، و لا تجب عليه إذا خدش وجهه في مصاب أحد، أو جز شعره، أو نتفه، و ان أثم إذا كان ذلك من الجزع و عدم الرضا بالقضاء.

و لا تجب الكفارة على المرأة إذا شقت ثوبها لفقد زوجها أو ولدها أو أحد سواهما من الأقارب و الأباعد عنها و لا تجب على الرجل و لا على المرأة إذا شقا لغير مصاب من غضب و نحوه.

المسألة 19:

تجب الكفارة على الرجل إذا شق ثوبه لموت ولده لصلبه سواء كان ذكرا أم أنثى، و تجب عليه إذا شق ثوبه على ولد ولده على الأحوط بل على الأقوى، و لا يترك الاحتياط في ولد البنت.

المسألة 20:

القسم الرابع من الكفارات: كفارة الجمع، و هي ما يجب فيها على المكلف أن يأتي بجميع الخصال التي عينها الشارع في المورد و لا يكفيه أن يأتي ببعض الخصال، و هي كفارتان:

(الأولى): كفارة من قتل مؤمنا عامدا ظالما.

(و الثانية): كفارة من أفطر في صيام شهر رمضان عامدا و كان إفطاره على محرم.

فإذا ارتكب المكلف أحد الأمرين، وجب عليه أن يعتق رقبة مؤمنة، و أن يصوم شهرين متتابعين، و ان يطعم ستين مسكينا على الأقوى في الكفارة الأولى، و على الأحوط لزوما في الكفارة الثانية.

المسألة 21:

تجب كفارة الجمع في قتل المسلم إذا كان القاتل عامدا ظالما، سواء كان المقتول ذكرا أم أنثى، و حرا أم عبدا، و كبيرا أم صغيرا، بل و ان كان جنينا قد ولجته الروح، و سواء كان القاتل أمه أم أباه أم أجنبيا.

المسألة 22:

إذا اشترك جماعة في قتل المسلم و كانوا جميعا عامدين ظالمين وجبت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 456

كفارة الجمع على كل واحد منهم، و إذا كان بعضهم عامدا في قتله و بعضهم مخطئا، وجبت كفارة الجمع على العامد منهم و وجبت كفارة قتل الخطأ على المخطئ، و قد ذكرناها في المسألة الثالثة.

و إذا كفر أحد القتلة عن نفسه لم تسقط الكفارة عن الآخرين منهم، و إذا دفع أحدهم الكفارة و قصد بها التكفير عن نفسه و عن الآخرين على وجه التشريك لم تجزه كفارته عن نفسه و لا عن الآخرين.

المسألة 23:

إذا أفطر الصائم في نهار شهر رمضان عامدا على محرم، لزمته كفارة الجمع على الأحوط كما ذكرنا، سواء كان المحرم الذي أفطر عليه محرما بالأصالة كالخمر و اللحم غير المذكى و الطعام المغصوب، و كالزنا و اللواط أم كان محرما بالعارض كجماع الزوجة في حيضها أو نفاسها، و أكل لحم الحيوان الجلال و شرب لبنه، بل و أكل ما يضره ضررا لا يتحمل عادة.

المسألة 24:

إذا حلف المكلف بالبراءة من اللّه أو من الإسلام أو من الرسول (ص) أو من الأئمة المعصومين أو من أحدهم (ع) ثم حنث بيمينه، فالأحوط له لزوما أن يطعم عشرة مساكين، يدفع لكل مسكين منهم مدا من الطعام، و يستغفر اللّه سبحانه مما فعل، و قد تقدم هذا في المسألة التاسعة عشرة من كتاب الأيمان.

المسألة 25:

إذا نام الرجل عن صلاة العشاء فلم يصلها، و لم ينتبه من نومه حتى تجاوز نصف الليل، أتي بالصلاة قبل أن يصبح، و عليه أن يصوم ذلك اليوم على الأحوط احتياطا لا يترك، و الظاهر عدم الفرق بين ان ينام عن صلاة العشاء وحدها، و أن ينام عن صلاتي المغرب و العشاء معا، و قد ذكرنا في فصل الأوقات من كتاب الصلاة أن منتصف الليل هو آخر وقت صلاتي العشاءين للمختارين و أن طلوع الفجر آخر وقتهما للمعذورين فليراجع.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 457

المسألة 26:

لا يترك الاحتياط بقضاء صوم اليوم في الفرض المتقدم إذا كان المكلف فيه مريضا أو مسافرا سفرا لا يصح فيه الصوم، أو اتفق ذلك للمرأة و حاضت أو تنفست في ذلك اليوم، أو كان يوم عيد و نحوه مما لا يجوز فيه الصوم، فيقضي يوما بدلا عنه على الأحوط.

المسألة 27:

من تزوج امرأة ذات زوج، أو تزوجها و هي في عدة من رجل وجب عليه أن يفارقها، و إذا دخل بها فهما زانيان يجب عليهما الحد و إذا كانا محصنين أو كان أحدهما محصنا فعلى المحصن الرجم و الأحوط للرجل أن يكفر بخمسة أصوع من الدقيق يدفعها لمسكين واحد أو أكثر، و الأقوى عدم وجوب ذلك، و لا فرق في ذات الزوج بين أن يكون نكاحهما دائما أو منقطعا.

المسألة 28:

إذا وطأ الرجل زوجته في أيام حيضها و هو عامد و عالم بتحريم ذلك أثم و استحب له أن يتصدق بدينار إذا كان وطؤه إياها في أول حيضها، و بنصف دينار إذا كان في وسطه، و بربع دينار إذا كان في آخره، و قيل بوجوب ذلك عليه و هو المشهور بين المتقدمين، و الأقوى الاستحباب و قد ذكرنا هذا في فصل أحكام الحيض من كتاب الطهارة.

المسألة 29:

إذا وطأ الرجل أمته و هي حائض تصدق بثلاثة أمداد من الطعام على ثلاثة مساكين و قد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك، و الأقوى عدم وجوبه، و لا بأس بأن يؤتى به برجاء المطلوبية.

المسألة 30:

إذا نذر المكلف صوم يوم أو أيام معينة أو غير معينة ثم عجز عن الصيام في الوقت المعين أو عجز عن الصيام مطلقا في النذر المطلق فلم يقدر على الوفاء كان عليه على الأحوط لزوما أن يتصدق عن كل يوم من الأيام التي نذر صيامها بمد من الحنطة، و ورد في بعض النصوص

كلمة التقوى، ج 6، ص: 458

أن يعطي من يصوم عنه كل يوم من الأيام المنذورة مدين، و قد ذكرنا هذا في المسألة السبعين من فصل النذر.

الفصل الثاني في أحكام الكفارات
المسألة 31:

يشترط في الرقبة التي تعتق في الكفارة- أي كفارة كانت- أن تكون مسلمة، فلا يجزي في الكفارة عتق المملوك الكافر أو المرتد، و لا يجزي عتق ناصب أو غال أو خارجي، بل الأحوط استحبابا أن تكون الرقبة مؤمنة بالمعنى الخاص.

و لا فرق في المملوك الذي يجزي عتقه بين الذكر و الأنثى و الكبير و الصغير إذا كان أحد أبويه مسلما، فإنه بحكم المسلم، و يستثنى من ذلك كفارة القتل عمدا أو خطأ فالأحوط لزوما فيهما أن يعتق البالغ المؤمن و لا يكتفي بغير البالغ أو غير المؤمن.

المسألة 32:

يشترط في الرقبة التي يراد عتقها في الكفارة- أي كفارة كانت- أن تكون سليمة من العيوب التي يكون حدوثها سببا لانعتاق المملوك قهرا على المالك، كالعمى و الإقعاد و الجذام، و أن لا تكون قد نكل بها المالك أو مثل فقطع بعض أعضاء العبد مثلا أو جدع أنفه فإن العبد ينعتق بذلك قهرا على المالك، فلا يتحقق بعد ذلك عتقه عن الكفارة بل و لا يصح و ان كان تنكيله به بقصد عتقه بذلك للكفارة، فإن العمل المحرم لا يمكن أن يكون مقربا.

و إذا حدث في العبد أحد العيوب التي لا توجب الانعتاق كالصمم و الخرس و العرج و العور و فقد بعض القوى و لم يكن حدوث ذلك بفعل المالك و تنكيله بل حدث بعروض بعض الأمراض أو الطواري لم يخرج العبد بذلك عن ملك سيده فيصح له عتقه في الكفارة، و كذلك إذا نكل به غير مولاه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 459

المسألة 33:

يجزي في الكفارة أن يعتق المكلف عبده الآبق منه و ان لم يعلم موضع العبد في أي بلد من البلدان أو أي قطر من الأقطار، و يعتبر على الأحوط في اجزاء عتقه في الكفارة أن تقوم عند مالكه بعض القرائن و الامارات على أن العبد لا يزال حيا كما إذا أخبره أحد برؤيته أو حصل له ظن بوجوده من بعض الملابسات و القرائن.

المسألة 34:

العبد المدبر هو المملوك يقول له سيده أنت حر بعد موتي، أو أنت حر إذا حدث علي حادث الموت و أمثال ذلك، فيتشبث من أجل ذلك بالحرية، و لا يجزيه عتقه في الكفارة، لأن ملك سيده له غير تام بعد هذا الإيقاع إلا إذا نقض السيد تدبيره و أرجعه إلى ملكه، فيكفيه عتقه في الكفارة حين ذلك.

المسألة 35:

العبد المكاتب هو الذي يكاتبه سيده و يوقع المعاملة معه على أن يدفع للسيد عوضا معينا إلى أجل معين، و يكون حرا إذا وفى لسيده بذلك.

و المكاتبة تقع على نحوين: مطلقة و مشروطة، فالمكاتبة المطلقة هي التي تكون سببا لتحرير العبد بنسبة ما يؤديه من مال الكتابة لسيده، فإذا أدى خمس المال مثلا انعتق خمس العبد، و إذا أدى الربع انعتق منه الربع، و إذا أدى النصف أو الثلثين من المال انعتق نصف العبد كذلك أو ثلثاه من العبودية، و إذا أدى جميع العوض انعتق جميعه.

و المكاتبة المشروطة هي المعاملة التي يشترط السيد فيها على العبد أن يؤدي جميع المال بحيث لا يتحرر من العبد شي ء حتى يؤدي العوض كله و ان أدى بعضه أو أكثره.

و نتيجة لذلك، فإذا كان المكاتب مطلقا ثم أدى بعض المال انعتق منه جزء بنسبة ما أداه إلى مجموع العوض، و لذلك فلا يجزيه إذا أعتقه في الكفارة، لأن السيد لا يملك رقبته كلها و لا يكون عتقه عتق رقبة تامة، و إذا كان المكاتب مطلقا و لم يؤد من مال الكتابة شيئا، أو كانت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 460

المكاتبة مشروطة بأداء جميع العوض، فالعبد لا يزال كله مملوكا لسيده، فإذا أعتقه فقد أعتق رقبة تامة و كفاه ذلك عن الكفارة، أي

كفارة كانت.

المسألة 36:

الأمة المستولدة هي المملوكة التي تحمل من سيدها بوطئه إياها بالملك، فيكون حملها منه سببا لتعلق أحكام خاصة بها، و لكنها لا تخرج بالاستيلاد عن ملك سيدها، و لذلك فيجوز له عتقها، و يكفيه عتقها عن الكفارة.

المسألة 37:

الكفارة عبادة من العبادات، سواء كانت مترتبة في الخصال أم مخيرة ما بينها، أم مخيرة مرتبة، أم كفارة جمع، فإذا وجبت على المكلف احدى الكفارات و أراد امتثالها فلا بد في صحة امتثاله من النية حين يدفع الخصلة المعينة أو المخيرة، فيعتبر فيها أن يقصد العمل الذي يأتي به عتقا مثلا أو صياما، أو إطعاما، و أن يقصد القربة بفعله امتثالا لأمر اللّه به و أن يقصد أن ما يأتي به هو الكفارة الخاصة التي وجبت عليه.

المسألة 38:

إذا وجبت على المكلف كفارات متعددة، فإن كانت من أنواع متعددة وجب عليه في النية أن يعين النوع الخاص الذي يؤدي الكفارة عنه، و مثال ذلك أن تكون على الرجل كفارة يمين، و كفارة مخالفة نذر، و كفارة ظهار، فإذا أراد عتق رقبة للوفاء بإحدى الكفارات التي وجبت عليه أو أراد إطعاما وجب عليه أن يعين الكفارة التي يؤدي عنها، و إذا هو أعتق الرقبة أو أطعم المساكين و لم يعين الكفارة التي أدى عنها لم يجزه عمله عن شي ء منها.

و ان كانت الكفارات التي وجبت على المكلف كلها من نوع واحد، كفاه أن يدفع الكفارة وفاء عن النوع الذي في ذمته، و لم يجب عليه أن يعين الفرد الخاص، و مثال ذلك أن تكون عليه عدة كفارات لافطار أيام من شهر رمضان من سنة واحدة أو أكثر، فإذا أعتق رقبة أو أطعم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 461

ستين مسكينا كفاه في صحة عمله أن يقصد أن ما يأتي به كفارة عن الإفطار، و لا يجب عليه أن يقصد انها كفارة عن الإفطار في أي يوم و من أي سنة مثلا.

المسألة 39:

إذا وجبت على المكلف كفارة واحدة و نسي انها من أي نوع من أنواع الكفارات، فإذا كانت الأنواع التي يحتمل وجوبها عليه متحدة في الخصال كفاه في الامتثال أن يأتي بالخصلة وفاء عما في ذمته، و مثال ذلك ان يعلم بوجوب كفارة عليه و لا يدري انها كفارة إفطار يوم من شهر رمضان أو كفارة اعتكاف أو كفارة مخالفة عهد فيجزيه أن يأتي ببعض الخصال المخيرة بقصد الأداء عما في ذمته.

و كذلك إذا تردد في الكفارة التي في ذمته هل هي كفارة ظهار أو

كفارة إفطار يوم من شهر رمضان، و أراد العتق فيكفيه أن يعتق الرقبة للوفاء عما في ذمته من الكفارة.

و إذا اختلفت الأنواع التي يحتمل وجوبها عليه في الخصال وجب عليه الاحتياط فيجمع بين الخصال التي يحتمل وجوبها عليه و مثال ذلك أن يتردد في الكفارة التي وجبت عليه بين أن تكون كفارة ظهار أو كفارة إفطار في قضاء شهر رمضان فيجب عليه أن يعتق رقبة لاحتمال كونها كفارة مظاهرة، و أن يطعم عشرة مساكين لاحتمال كونها كفارة إفطار في قضاء الشهر، و إذا عجز عن عتق الرقبة وجب عليه ان يصوم شهرين متتابعين لاحتمال الأولى و ان يطعم عشرة مساكين لاحتمال الثانية.

المسألة 40:

يتعين على الرجل إذا وجبت عليه كفارة ظهار أو كفارة قتل خطأ، أن يعتق رقبة مؤمنة، على ما تقدم بيانه في الكفارة المرتبة الخصال في المسألة الثالثة، و لا يجزي عنه أن يأتي بغير العتق من خصال الكفارة، فإذا عجز عن عتق الرقبة، وجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين، و تعين عليه ذلك، فلا يجزي عنه في الوفاء بتكليفه أن يطعم المساكين، فإذا عجز عن الصوم تعين عليه ان يطعم ستين مسكينا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 462

و يتحقق عجز المكلف عن عتق الرقبة بعدم وجود رقبة مؤمنة لتعتق، أو لتشتري ثم تعتق، و يتحقق كذلك بعدم وجود ثمنها عند المكلف، و بعدم قدرته على شرائها و ان كان ثمنها موجودا لديه، و يتحقق عجزه كذلك عن عتق الرقبة مع وجودها عنده بحاجة المكلف الى خدمتها لعلو شأن و رفعة مقام عن مباشرة الأشياء بنفسه فلا بد له من مملوك يباشر خدمته و يقوم بشؤونه، أو لضرورة أخرى من كبر سن أو مرض أو

شلل أو زمانة أو غير ذلك مما يضطره الى وجود مملوك يدبر أمره و يقوم بخدمته.

و المدار في جميع ذلك أن يكون عتق الرقبة الموجودة عنده موجبا للحرج و العسر عليه.

و يتحقق العجز عن العتق مع وجود ثمن الرقبة عند المكلف إذا كان بحاجة إلى الثمن لنفقته أو نفقة من تجب عليه نفقته أو لأداء ديونه، أو للوفاء ببعض الواجبات التي يجب عليه صرف المال فيها، بحيث يكون صرف المال في شراء الرقبة و عتقها موجبا للعسر و الحرج عليه.

المسألة 41:

لا تصرف في شراء الرقبة و عتقها مستثنيات الدين، و هي الأشياء التي يكون بيعها في وفاء الدين أو في شراء المملوك و عتقه في الكفارة موجبا لوقوع المكلف في العسر و الحرج و قد ذكرناها مفصلة في كتاب الدين في المسألة الثامنة عشرة و في مواضع كثيرة أخرى فليراجعها من أراد.

المسألة 42:

إذا وجدت الرقبة المملوكة للبيع و كان المكلف ممن يجد ثمنها و يتمكن من شرائها وجب عليه ان يشتري الرقبة و يعتقها في الكفارة و ان كان الثمن الذي تباع به أكثر من ثمن المثل، إلا إذا كان بذل ذلك الثمن موجبا للعسر و الحرج عليه فيسقط عنه الوجوب لذلك.

المسألة 43:

إذا وجدت الرقبة المملوكة للبيع و كان للمكلف مال غائب يرجو وصوله اليه وجب عليه ان ينتظر و لا يكون بذلك عاجزا عن العتق

كلمة التقوى، ج 6، ص: 463

لينتقل حكمه الى الصوم، حتى ييأس من وصول المال اليه أو من شراء العبد، و كذلك الحكم إذا وجد لديه الثمن و لم توجد الرقبة بالفعل و لكنه يتوقع وجودها و التمكن من شرائها فيجب عليه الانتظار و لا يكون بذلك عاجزا عن عتق الرقبة حتى يحصل له اليأس أو تطول المدة جدا بحيث يعد التأخير تسويفا بالواجب أو يكون التأخير موجبا للحرج على المكلف، و مثال ذلك ما إذا كان المظاهر شديد الشبق بحيث يكون تأخير التكفير و الجماع موجبا للعسر عليه و الوقوع في الضيق، و لا يمكنه سد حاجته بطريق محلل آخر، فلا يجب عليه الانتظار و ينتقل حكمه الى التكفير بصوم شهرين متتابعين و ان عسر عليه ذلك انتقل إلى الإطعام و كذلك في الفرض السابق.

المسألة 44:

إذا عجز المكلف عن صيام شهرين متتابعين في الكفارة المرتبة و لم يستطع ذلك وجب عليه أن يطعم ستين مسكينا، و تعين عليه ذلك، و يتحقق عجزه عن الصيام إذا كان مريضا مرضا يمنعه من الصوم، و إذا خاف مع الصوم من حدوث مرض مانع منه، أو خاف زيادة مرضه أو طول مدته أو عسر علاجه، و قد ذكرنا تفصيل ذلك في كتاب الصوم فليرجع إليه في فصل شرائط صحة الصوم و شرائط وجوبه.

المسألة 45:

لا يكفي في تحقق العجز وجود المرض المانع من الصوم في الحال أو خوف حدوثه أو خوف زيادته أو طول مدته أو عسر علاجه كذلك إذا كان يرجو البرء و تغير الحال و تجدد القدرة على الصوم في ما يأتي من الوقت، فلا بد مع وجود ذلك في الحال من اليأس من زوال العذر.

و إذا يئس من البرء أو ظن عدم البرء من المرض و استمرار العذر فأطعم ستين مسكينا، ثم زال العذر و أمكنه الصوم وجب عليه صيام شهرين متتابعين و لم يكفه الإطعام الذي أتى به.

المسألة 46:

إذا كان صوم الشهرين المتتابعين يوجب العسر و الحرج على المكلف

كلمة التقوى، ج 6، ص: 464

و الوقوع في المشقة الشديدة التي لا تتحمل عادة، سقط عنه وجوب الصوم و تحقق العجز عنه و انتقل فرضه إلى إطعام المساكين.

المسألة 47:

إذا حاضت المرأة أو تنفست وجب عليها الإفطار إذا كانت صائمة، و كان لها ذلك عذرا شرعيا، فلا ينقطع بإفطارها تتابع الصوم إذا كان مما يجب فيه التتابع، و قد ذكرنا هذا في كتاب الصوم و في كتاب النذر و في مواقع أخرى، و لذلك فلا يكون طروء الحيض أو النفاس على المرأة موجبا لعجزها عن صوم الكفارة، و انتقال حكمها إلى الإطعام، بل يجب عليها أن تصوم بعد ارتفاع الحدث عنها و تبني على صيامها المتقدم الى أن تتم الشهرين المتتابعين، و كذلك إذا أفطر المريض لعروض مرض يوجب له الإفطار كان له ذلك عذرا شرعيا فلا ينقطع بإفطاره تتابع الصوم و قد ذكرنا ذلك في المسألة المائتين و الثالثة و العشرين من كتاب الصوم. و كذلك السفر الذي يسلب من المكلف اختياره و يكون فيه مقسورا على قطع المسافة كما ذكرناه في المسألة الثانية و الثمانين من فصل النذر، فلا يكون إفطاره في هذا السفر موجبا لقطع التتابع في صوم الكفارة، بل يبني على صومه بعد ارتفاع العذر الى أن يتم الشهرين، و لا يكون عروض مثل هذا السفر موجبا للعجز عن الصيام المتتابع و انتقال حكمه الى الإطعام كما إذا فرض عروض ذلك له في كل شهر.

المسألة 48:

انما يكون الحيض أو النفاس عذرا شرعيا لا ينقطع به التتابع في الصوم إذا لم يكن حدوثهما بفعل المرأة نفسها، فإذا تناولت المرأة بعض الحبوب أو المستحضرات فأنزلت الحيض أو النفاس عليها باختيارها و أفطرت من صومها لذلك انقطع تتابع صومها بذلك على الظاهر، و كذلك المريض إذا أمرض نفسه بفعل نفسه، فيكون إفطاره بسبب هذا المرض الطاري عليه بفعله موجبا لانقطاع تتابع الصوم.

المسألة 49:

إذا سافر المكلف في أثناء صومه فأفطر انقطع بإفطاره تتابع صومه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 465

سواء كان مختارا في سفره أم مضطرا اليه، الا إذا كان اضطراره بنحو القسر الذي يسلبه الاختيار فيه، كما ذكرناه في المسألة السابعة و الأربعين هنا، و في المسألة الثانية و الثمانين من فصل النذر.

المسألة 50:

المدار في القدرة و العجز في الكفارة المرتبة، عليهما في وقت أداء الكفارة لا في وقت وجوبها على المكلف، فإذا وجبت عليه كفارة الظهار مثلا و كان في وقت وجوبها عليه قادرا على ان يعتق رقبة لتيسر وجود الرقبة و وجود ثمنها، فتأخر في أداء الكفارة حتى فقدت الرقبة أو انعدم ثمنها لديه و أصبح غير قادر على العتق، وجب عليه صيام الشهرين و سقط عنه وجوب العتق.

و إذا كان عند وجوب الكفارة عليه عاجزا عن العتق، فلم يبادر بالصوم ثم وجدت الرقبة و أصبح قادرا على عتقها، لزمه العتق، و لم يكفه الصوم.

المسألة 51:

إذا عجز المكلف عن عتق الرقبة في الكفارة المرتبة و أصبح غير قادر عليه في نظر أهل العرف، و ابتدأ بصوم الشهرين المتتابعين، فصام أياما أو ساعات من يوم، ثم وجد الرقبة و أصبح قادرا على عتقها كفاه أن يتم الصوم و لم يجب عليه عتق الرقبة على الأقوى، و يجوز له رفع اليد عن الصوم و اختيار العتق، بل الظاهر أن ذلك هو الأفضل، و إذا انقطع تتابع الصوم لبعض الطواري، وجب عليه العتق إذا كان لا يزال قادرا عليه و لم يكفه أن يعيد الصيام.

و إذا عجز عن صوم الشهرين المتتابعين لبعض الأعذار الآنف ذكرها، فشرع في إطعام المساكين ثم زال العذر و أصبح قادرا على الصوم، فلا بد له من صوم الشهرين و لم يكفه الإطعام كما مر ذكره في المسألة الخامسة و الأربعين.

المسألة 52:

إذا أفطر الصائم في قضاء شهر رمضان عامدا بعد الزوال، وجبت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 466

عليه الكفارة التي ذكرناها في المسألة الثالثة، و هي كما تقدم مرتبة من خصلتين، فيتعين عليه أن يطعم عشرة مساكين، و لا يجزيه أن يصوم ثلاثة أيام إلا بعد العجز عن الإطعام و يجري الترتيب بين الخصلتين على نحو ما ذكرناه في الكفارة المرتبة قبلها و تجري فيه أحكامها.

المسألة 53:

إذا وجبت على الرجل كفارة حنث اليمين أو ما هو بحكمه كالإيلاء من الزوجة و مخالفة النذر، جرى فيها حكمها المتقدم بيانه في المسألة الرابعة عشرة، و قد مر أن هذه الكفارة مخيرة مرتبة، فيتخير فيها بين أن يعتق رقبة مؤمنة و أن يطعم عشرة مساكين و أن يكسوهم، و لا يتعين عليه العتق إذا كان قادرا عليه، و لا يتقدم بعض هذه الخصال الثلاثة على بعض، فإذا عجز عن هذه الخصال جميعا و لم يتمكن من الإتيان بأي واحدة منها تعين عليه أن يصوم ثلاثة أيام، و يجري الترتب بين مجموع الخصال المتقدمة و الصيام على نحو ما تقدم في الكفارة المرتبة و تنطبق أحكامها.

المسألة 54:

يجب التتابع في صوم الشهرين في كفارة الظهار من الزوجة، و في كفارة القتل خطأ، و في الكفارة المخيرة و في كفارة الجمع، و يجب التتابع في صوم الشهر في كفارة العبد المملوك إذا ظاهر من زوجته، و في صوم الأيام الثلاثة في كفارة اليمين و ما بحكمه، و في صوم الأيام الثلاثة التي يجب صومها على المتمتع بالحج إذا لم يجد الهدي الواجب عليه في حجه، عدا ما استثني، و قد ذكرناها و ذكرنا مورد الاستثناء فيها في كتاب الصوم و في كتاب الحج. و لا يجب التتابع على الأقوى في صوم باقي الكفارات، و ان كان الأحوط استحبابا للمكلف أن يتابع الصوم في جميعها.

المسألة 55:

التتابع في الصوم هو أن يوالي المكلف بين أيام الصوم، فلا يتخلل ما بينها إفطار لا يعذر فيه شرعا، و لا يتخلل ما بينها صوم آخر لا يعذر فيه كذلك، فإذا أخل بالتتابع في الموارد التي يجب التتابع فيها، وجب

كلمة التقوى، ج 6، ص: 467

عليه أن يستأنف الصوم متتابعا، فإذا ابتدأ في صوم ثلاثة أيام لكفارة اليمين مثلا و أفطر في أثنائها لا لعذر أو صام في أثنائها صوما آخر معينا أو غير معين بطل صوم تلك الكفارة و وجب عليه استئنافها و ان كان الصوم الذي أتى به في أثنائها صوم شهر رمضان أو صوم كفارة غيرها أو صوم نذر معين أو غير معين.

و قد ذكرنا بعض الموارد التي يعذر المكلف فيها بتخلل الإفطار في صومه في المسألة السابعة و الأربعين و الثامنة و الأربعين و ما بعدهما، فلا يكون إفطاره فيها مخلا بالتتابع، و ذكرنا أيضا بعض الموارد التي يعذر المكلف فيها بتخلل الصوم الآخر في

المسألة الثامنة و الثمانين من فصل النذر، فلا يكون مخلا بالتتابع، فليلاحظ ذلك، و لعلنا نذكره قريبا على نحو الاجمال.

المسألة 56:

إذا وجب على الإنسان صوم متتابع، كفارة أو غيرها، فلا يجوز له أن يجعل صيامه في زمان يعلم بأنه لا يقدر على الإتيان بالصوم فيه متتابعا، فإذا وجب عليه صوم شهرين متتابعين لم يجز له أن يبتدئ صومه في أول شهر شعبان، لدخول شهر رمضان عليه قبل أن يحصل له شرط التتابع في صومه، و لم يجز له ان يبتدئ صومه في شهر قد نذر صوم يوم منه أو أكثر، و لم يجز له أن يبتدئ صومه في شهر يكون فيه أحد العيدين و أيام التشريق إذا كان بمنى ناسكا أو غير ناسك.

المسألة 57:

لا تخل المنافيات بتتابع الصوم إذا وقعت من المكلف على سبيل الالتجاء و عدم الاختيار كما إذا قسره المتغلب على أمره فأوقعه في الإفطار مجبرا من غير اختيار له في ذلك، فلا ينقطع بذلك تتابع صومه، و قد تقدم حكم السفر مع الاضطرار القاسر، و حكم المرض و عروض الحيض أو النفاس إذا لم يكن حدوثها بفعل المكلف نفسه و لا يضر بتتابع الصوم ما إذا نسي المكلف نية الصوم في بعض الأيام المتتابعة حتى فات وقت النية فلم يتذكرها الا بعد الزوال، فيبطل بذلك صوم اليوم و لا ينقطع به تتابع الصوم، و لا يضر بالتتابع أن ينسى فينوي صوما آخر و لا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 468

يتذكر الا بعد الزوال، و قد تقدم أيضا حكم من نذر أن يصوم كل خميس ما دام حيا، ثم وجب عليه صوم الشهرين المتتابعين للكفارة أو النذر أو ما هو أقل من الشهرين أو أكثر، فيصوم كفارته متتابعة، و يصوم أيام الخميس منها لنذره السابق و لا يكون صومها مخلا بالتتابع، و لكنه

يخل بصوم الأيام الثلاثة و نحوها إذا كانت متتابعة فيجب عليه أن يصومها متتابعة في غير الخميس بأن يجعل آخرها يوم الأربعاء مثلا.

المسألة 58:

يحصل التتابع الشرعي في صيام الشهرين للكفارة بأن يصوم المكلف منها شهرا و يوما متتابعا، فإذا أتم ذلك و تابع فيه جاز له تفريق الصوم في بقية الشهر الثاني، و لا يضره ذلك و ان حصل منه اختيارا من غير عذر سواء كانت الكفارة مرتبة أم مخيرة.

و إذا وجب على المكلف صوم شهرين متتابعين بالنذر أو الحلف أو العهد، و قصد بنذره أو يمينه التتابع الشرعي جاز أن يفعل كذلك، فيصوم شهرا و يوما متتابعا، ثم يفرق الصوم في بقية الشهر الثاني، و إذا قصد بنذره التتابع في جميع الأيام أو كان ذلك هو الذي ينصرف اليه لفظ النذر كما إذا نذر التتابع العرفي أو نذر أن يصوم شهرين هلاليين متصلين وجب عليه ان يصوم جميع أيام الشهرين متتابعة و لم يجز له التفريق مطلقا.

و كذلك إذا نذر أن يصوم شهرا متتابعا جرى فيه التفصيل المتقدم فان قصد التتابع الشرعي جاز له أن يصوم منه خمسة عشر يوما متتابعة، ثم يفرق صوم الباقي من الشهر، و ان قصد التتابع في جميع الأيام أو كان ذلك هو المنصرف اليه من لفظ النذر كما إذا نذر صوم شهر هلالي وجب عليه التتابع في الجميع و لم يجز له التفريق، و حكم اليمين و العهد هو حكم النذر.

و لا يجري الحكم المذكور في بقية أفراد الصوم المتتابع فلا يجوز له أن يصوم أكثر من نصفه متتابعا و يفرق بقية أيامه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 469

المسألة 59:

إذا وجب على الإنسان صوم شهرين متتابعين للكفارة، و ابتدأ بصومهما في أول الشهر القمري أجزأه أن يصوم شهرين هلاليين سواء كانا تامين أم ناقصين، و إذا شرع في صومهما في أثناء الشهر

فالأحوط له لزوما أن يتم كل واحد من الشهرين ثلاثين يوما و لم يجزه إتمام الشهر الهلالي إذا كان ناقصا.

المسألة 60:

إذا نذر الإنسان أو حلف أن يصوم شهرين متتابعين اتبع قصده الخاص، فان قصد صوم ما يسمى شهرا عند أهل العرف سواء كان عدديا أم هلاليا، جرى فيها الحكم الآنف ذكره في الكفارة فإذا ابتدأ بالصوم في أول الشهر القمري كفاه أن يصوم شهرين هلاليين و ان كانا ناقصين، و إذا شرع فيه في أثناء الشهر لزمه على الأحوط أن يصوم كل واحد من الشهرين ثلاثين يوما، و ان قصد الشهر العددي وجب ان يتم كل شهر منهما ثلاثين يوما و ان شرع في صومه في يوم الهلال، و إذا أطلق نذره أو حلفه و لم يعين شيئا انصرف الى الأول و جرى عليه حكمه، و ان كان الأحوط له استحبابا ان يتم كل شهر منهما ثلاثين يوما.

المسألة 61:

إذا وجب على الشخص صوم شهرين متتابعين، أمكن له أن يبدأ صوم الشهرين قبل أن يهل شعبان بيومين، فإذا صام كذلك فقد أحرز أنه صام قبل شهر رمضان شهرا و يوما و حصل له التتابع الشرعي في صومه فلا يضره دخول شهر رمضان بعد ذلك، فإذا أتم صوم شهر رمضان صام بعد العيد بقية الشهرين متتابعة إذا شاء أو متفرقة، و لا يكفيه أن يبدأ بصوم الشهرين في أول شهر شعبان فان تتابع صومه ينقطع بدخول شهر رمضان سواء كان شهر شعبان تاما أم ناقصا لعدم حصول التتابع الشرعي، و لا يكفيه أن يبدأ بصوم الشهرين قبل شهر شعبان بيوم واحد، فقد ذكرنا في المسألة التاسعة و الخمسين ان المكلف إذا ابتدأ بالصوم في أثناء الشهر، فلا بد له من إكمال الشهر ثلاثين يوما و لا يكفيه الشهر الهلالي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 470

و نتيجة لذلك،

فلا بد للمكلف بالشهرين المتتابعين من أن يبتدئ بصومهما قبل أول شعبان بيومين، و هذا إذا لم يحصل له التفريق بعروض مرض أو حيض أو نفاس في هذه المدة، و إذا اتفق له ذلك فأفطر أياما بسبب أحد هذه الأعذار لم يكفه ذلك بلا ريب، و على وجه الاجمال فلا يصح له الصوم المتتابع حتى يكمل صوم واحد و ثلاثين يوما تامة غير الأيام التي يفطرها لهذه الأعذار.

و يجوز له أن يبدأ بصوم الشهرين قبل عيد الأضحى بواحد و ثلاثين يوما ليحصل له بذلك التتابع الشرعي كما تقدم، و لا يكفيه أن يصوم قبل العيد بثلاثين يوما و ان كان شهر ذي القعدة ناقصا، و الكلام في هذا الفرض هو الكلام في نظيره السابق.

المسألة 62:

يتضح مما تقدم أن المكلف متى ابتدأ بصوم الشهرين المتتابعين في أثناء الشهر وجب عليه ان يتم صوم الشهرين ستين يوما تامة، سواء أتى بالجميع متتابعة، أم تابع في الواحد و الثلاثين يوما الأولى منها، و فرق الصوم في الباقي، و سواء عرض له بعض الأعذار المسوغة فأفطر في الأثناء أم لا.

المسألة 63:

إذا وجب الإطعام في الكفارة على المكلف معينا أو مخيرا بينه و بين غيره، تخير المكلف بين أن يشبع المسكين و أن يدفع اليه المقدار المحدد عليه شرعا من الطعام، و أن يشبع بعض العدد الذي يجب عليه أن يطعمه من المساكين، و يسلم الطعام الى البعض الآخر، فإذا وجب عليه إطعام عشرة مساكين في كفارة اليمين مثلا، جاز له أن يشبع جميع العشرة، و أن يدفع إليهم القدر المعين من الطعام، و أن يشبع خمسة مساكين منهم، و يسلم المقدار الواجب من الطعام إلى الخمسة الآخرين، و كذلك إذا وجب عليه إطعام ستين مسكينا في كفارة إفطاره في شهر رمضان، فيصح له أن يدعو الرجال الى بيته مثلا فيشبعهم، و يسلم الى النساء ما يجب دفعه إليهن حتى يتم إطعام الستين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 471

المسألة 64:

ليس للإشباع في الكفارة أو في غيرها قدر محدد، بل المدار أن يبذل المكلف طعامه للمسكين، و يأكل المسكين من الطعام حتى يكتفي، سواء قل ما يأكله أم كثر، و ما زاد من الطعام على أكل المساكين فهو لا يزال ملكا لصاحب الطعام يصنع به ما يشاء.

و إذا اختار المكلف أن يسلم الطعام الى المساكين وجب عليه أن يدفع الى كل مسكين منهم مدا من الطعام و لا يجزيه أن يدفع إليه أقل من ذلك و هذا هو المقدار المحدد للمسكين الواحد في جميع الكفارات غير كفارة الظهار، فإن الأحوط فيها أن يدفع لكل مسكين مدين من الطعام و لا يترك فيها هذا الاحتياط، و الأحوط استحبابا أن يدفع للمسكين مدين في جميع الكفارات.

المسألة 65:

المد الذي يجب على المكلف دفعه الى المسكين في الكفارة يبلغ مائة و ثلاثة و خمسين مثقالا صيرفيا و ثلاثة عشر حمصة و نصفا، و الحمصة هي جزء واحد من أربعة و عشرين جزءا من المثقال الصيرفي الواحد، و هو ربع الصاع الشرعي الذي يجب دفعه في زكاة الفطرة.

و المدان اللذان يلزمه دفعهما الى المسكين الواحد في كفارة الظهار على الأحوط يبلغان ثلاثمائة و سبعة مثاقيل صيرفية و ثلاث حمصات، و هما نصف الصاع، و إذا دفع المكلف الى المسكين في كفارة الظهار كيلو غرام و نصفا، فقد زاد على المدين بضعة عشر مثقالا صيرفيا، و إذا دفع إليه ثلاثة أرباع الكيلو في الكفارات الأخرى فقد زاد على المد الواجب بضعة مثاقيل، و لتراجع المسألة المائة و الخامسة و الثلاثين من كتاب الصوم.

المسألة 66:

يجب في الإطعام في الكفارة أن يتم عدد المساكين الذين يطعمهم المكلف في كفارته من غير فرق بين الإشباع و التسليم، فإذا أشبع المكلف المسكين الواحد مرتين أو دفع اليه مدين لم يكفه ذلك عن إطعام مسكينين في حال الاختيار و وجود العدد، و إذا أطعم في كفارة اليمين و شبهها أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 472

في كفارة الإفطار في قضاء شهر رمضان، وجب عليه أن يتم عدد المساكين عشرة، و لا يكفيه أن يشبع خمسة مساكين مرتين أو يدفع لكل واحد من الخمسة مدين.

و كذلك إذا أطعم في كفارة الإفطار في شهر رمضان أو كفارة الظهار أو القتل، فلا يجزيه إطعام المسكين الواحد عن أكثر من مسكين واحد و ان كرر له الإشباع أو ضاعف له الأمداد.

المسألة 67:

لا يجب أن يكون إطعام المساكين في الكفارة الواحدة في وقت واحد أو في مكان واحد أو أن يكون طعامهم من جنس واحد، أو أن يكونوا من أهل بلد واحد، فإذا فرق كفارته في عدة قرى أو عدة بلاد و أوقات أجزأه ذلك و أبرأ ذمته.

المسألة 68:

يكفي المكلف أن يشبع المسكين مرة واحدة، فإذا أطعمه غداءا أو عشاء أو فطورا أو سحورا، و أشبعه كفاه ذلك عن إطعام مسكين، و أفضل من ذلك أن يشبعه في يومه و ليلته.

المسألة 69:

يجزيه في إطعام المسكين أن يشبعه بما يتعارف عند الغالب من الناس في أطعمتهم و أقواتهم و ما اعتادوا أن يأكلوه و يقتاتوا به و يطعموه أهليهم من أجناس المأكولات و أنواعها: مطبوخات و مشويات و مخبوزات و غيرها، و يكفيه أن يشبعه من خبز الحنطة وحده و من خبز غيرها كالشعير و الذرة و الدخن و أشباهها، إذا كان متعارفا و قوتا لغالب الناس، و الأفضل أن يضيف إليه إداما يأكله معه، و قد ورد في النصوص أن أدنى الإدام الملح و أوسطه الخل و أرفعه اللحم، و الروايات المذكورة واردة في ما كان متعارفا في زمان صدورها.

المسألة 70:

لا يترك الاحتياط في كفارة اليمين و ما بحكمها من كفارة الإيلاء و نحوها، بأن يكون المد الذي يدفعه الى المسكين من الحنطة أو دقيقها

كلمة التقوى، ج 6، ص: 473

أو خبزها أو من التمر، و يجزي في غيرها من الكفارات أن يدفع للمسكين ما يسمى طعاما كالحنطة و الشعير و دقيقهما و خبزهما و الأرز و التمر و الزبيب و الماش و العدس، بل و الأقط و الذرة و الدخن إذا كان ذلك قوتا معتادا.

المسألة 71:

يجوز للمكلف أن يطعم الأطفال المساكين في الكفارة، فإذا كان إطعامه إياهم بنحو الإشباع احتسب كل اثنين من الصغار بواحد على الأحوط لزوما، من غير فرق بين أن يشبعهم مختلطين مع الكبار أم منفردين عنهم، و من غير فرق بين الإناث و الذكور، و اما الطفل الرضيع و شبهه الذي قد يأكل القليل من الطعام، فلا يحتسب بشي ء.

و إذا كان إطعامه إياهم بدفع الطعام إليهم، وجب عليه أن يدفع للمسكين الصغير بقدر ما يدفع للكبير، فيدفع اليه مدين في كفارة الظهار و مدا واحدا في سائر الكفارات، و يحتسبه مسكينا واحدا كما يحتسب الكبير، و لا فرق كذلك بين الإناث و الذكور، و لا يدفع للرضيع و شبهه شيئا، و لا يحتسبه مسكينا إذا دفع إليه.

المسألة 72:

يجوز للمكلف أن يطعم المجنون من الكفارة إذا كان مسكينا، فيشبعه كما يشبع المساكين الآخرين، و يدفع له المد أو المدين كما يدفع للآخرين، و يحتسبه من عدد المساكين.

المسألة 73:

يجب أن يكون دفع المد أو المدين إلى ولي الصغير و ولي المجنون، و لا يجزيه ما يدفعه الى الصغير نفسه أو الى المجنون بغير اذن وليه، و لا يشترط في اشباعهما أن يستأذن الولي بذلك على الأقوى.

المسألة 74:

إذا سلم المكلف المد أو المدين في الكفارة إلى المسكين ملكه بالقبض، و جاز له أن يتصرف فيه بما يريد، فيجوز له أن يأكله و أن يطعمه لعياله أو لغيرهم و أن يبيعه أو يهبه أو يتصدق به و لا يتعين عليه الأكل.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 474

المسألة 75:

إذا وجبت على الشخص عدة كفارات متفقة أو مختلفة، جاز له أن يطعم المسكين الواحد مرة واحدة في كل واحدة من الكفارات الواجبة عليه، فإذا كانت عليه عشر كفارات يمين أو عشر كفارات إفطار من شهر رمضان، صح له أن يدفع للمسكين عشرة أمداد، من كل كفارة مد، و صح له أن يشبعه عشر مرات، كل إشباعه من كفارة، فإذا وجد في البلد ستون مسكينا و كان الشخص مكلفا بثلاثين كفارة للإفطار في رمضان، كفاه أن يطعم الستين مسكينا ثلاثين مرة، اما بالإشباع أو بالتسليم، و يجوز له أن يدفع الأمداد للمسكين في الفروض الآنف ذكرها في وقت واحد.

المسألة 76:

المسكين الذي يجب إطعامه في الكفارة- أي كفارة كانت- هو الذي لا يملك قوت سنته لنفسه و لمن يعوله، لا بالفعل و لا بالقوة، و هو الفقير الذي يستحق الزكاة و يستحق زكاة الفطرة و قد تعرضنا لذكره مفصلا في المسألة المائة و الخامسة و العشرين و ما بعدها من كتاب الزكاة في فصل مصارف الزكاة، فليرجع إليها من أراد التفصيل.

و يشترط فيه أن يكون مسلما بل و يعتبر فيه أن يكون مؤمنا بالمعنى الأخص، نعم يجوز إعطاء المستضعفين و من لا يعرف بالنصب لأهل البيت (ع).

المسألة 77:

لا يشترط في مستحق الكفارة أن يكون عادلا، بل و لا يعتبر فيه أن يكون غير فاسق، و يمنع منها إذا كان متجاهرا بالفسق و بارتكاب المنكرات أو بترك الواجبات، و لا تدفع إليه إذا كان ممن يستعين بها و بأمثالها على فعل المعاصي، و ممن يكون الدفع إليه اعانة له على الإثم أو إغراء له بالقبيح.

المسألة 78:

لا يجوز للمكلف أن يدفع كفارته أو يصرفها على من تجب نفقته عليه، و هم الأب و الأم و الجد و ان علا بأكثر من واسطة، و الأولاد و ان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 475

كانوا بواسطة أو أكثر، ذكورا و إناثا، و المملوك، و الزوجة التي يكون نكاحها دائما.

و يجوز له دفع الكفارة لزوجته إذا كان نكاحها منقطعا و لسائر أرحامه و أقاربه الذين لا تجب عليه نفقتهم كالإخوة و الأخوات و أبنائهم و الأعمام و الأخوال و أبنائهم.

المسألة 79:

يجوز إعطاء الكفارة للهاشمي على الأقوى و ان كان الدافع لها غير هاشمي و ان كان الأحوط استحبابا الترك من الدافع و الاجتناب من المدفوع اليه الا عند الضرورة.

المسألة 80:

إذا لم يجد المكلف مسكينا مستحقا للكفارة في بلده نقلها الى بلد آخر يوجد فيه المسكين، و إذا وجد بعض عدد المساكين الذين يجب عليه إطعامهم في الكفارة و لم يجد الباقي نقلها الى بلد آخر ليتم العدد و يجوز له تفريق الكفارة اختيارا، فيطعم عشرين مسكينا في النجف مثلا و يطعم عشرين آخرين في كربلاء و عشرين في الكاظمية، في وقت واحد أو أوقات متعددة.

المسألة 81:

إذا وجد بعض العدد الذي يجب إطعامه و تعذر وجود الباقي و لم يمكنه الإطعام في بلد آخر حتى بنحو الاستنابة و التوكيل، جاز للمكلف أن يكرر الإطعام على الموجودين من المساكين حتى يتم العدد الواجب، و يجب عليه أن يقتصر في التكرار على المقدار المتعذر من العدد، فإذا وجب عليه إطعام ستين مسكينا و وجد ثلاثين مسكينا فحسب، أطعم الثلاثين مرتين، و لم يصح له أن يطعم خمسة عشر مسكينا منهم أربع مرات، أو يطعم عشرين منهم ثلاث مرات، و إذا وجد أربعين مسكينا أطعمهم جميعا ثم كرر إطعام عشرين منهم، و لا يكرر إطعام عشرة منهم مرتين و هكذا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 476

المسألة 82:

إذا اضطر المكلف الى التكرار في الإطعام ليتم العدد، فالأحوط له لزوما أن يكون التكرار في أيام متعددة، فإذا وجب عليه إطعام عشرة مساكين و لم يجد غير خمسة مساكين، أطعم الخمسة في يوم السبت مثلا ثم كرر إطعام الخمسة في يوم الأحد أو أيام أخر.

المسألة 83:

الكسوة للمساكين احدى الخصال الثلاث التي يتخير المكلف بينها في كفارة اليمين و ما بحكمها من الكفارات المخيرة المرتبة، و قد ذكرناها في المسألة الرابعة عشرة، و الخصال المخيرة فيها هي أن يعتق رقبة مؤمنة، أو يطعم عشرة مساكين، أو يكسوهم، فان لم يقدر أن يأتي بواحدة من هذه الخصال وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام.

و المعتبر في كسوة المسكين أن يدفع المكلف اليه ما يعد لباسا في نظر أهل العرف، سواء كان اللباس جديدا أم غسيلا، إذا لم يكن مخرقا أو مرقعا أو قديما باليا يهلكه الاستعمال القليل.

و يكفي في أداء الواجب من الكسوة أن يدفع اليه ثوبا واحدا إذا كان يكسو الظهر و يواري العورة، فإذا لم يكن ساترا للعورة لرقته أو لقصره لم يجزه إذا دفعه وحده، و الأحوط عدم الاكتفاء بالسراويل وحدها و ان كانت طويلة و لا بالقميص القصير وحده و ان كان ساترا، و يكفيه ان يجمع بينهما.

المسألة 84:

يكفي في كسوة المسكين أن يدفع له جبة وحدها أو قباء، أو رداء، و يكفي أن يدفع اليه الفرو الكبير الشامل، و اللبادة المصنوعة كذلك، و الجلباب و ما يشبه ذلك مما يعد لباسا، و هي مختلفة في الشكل و الزي من قطر الى قطر.

المسألة 85:

لا يكفي المئزر وحده على الأحوط و ان ستر العورة، و يكفي إذا ضم اليه غيره بحيث يعد المجموع لباسا، و لا تكفي العمامة و الكوفية

كلمة التقوى، ج 6، ص: 477

و القلنسوة، و المنطقة، و الحزام، و لا يكفي الجورب و القفاز و الحذاء و شبه ذلك مما لا يعد لباسا، بل الأحوط عدم الاكتفاء بقميص قصير جدا مع سروال قصير جدا.

المسألة 86:

تكفي في أداء الواجب كسوة المسكين، سواء كان ذكرا أم أنثى، و كبيرا أم صغيرا، و لا يكتفى على الأحوط بكسوة الصغير جدا لاحتمال انصراف الأدلة عنه في الإطعام و الكسوة.

المسألة 87:

تكفي الكسوة سواء كانت من الصوف أم من الوبر، أم من القطن أم الكتان، أم الحرير أو الجلود التي يحل لبسها، أم من الأجناس الجديدة التي تصنع منها الأقمشة و الألبسة في الأزمنة الحاضرة.

و يعتبر في ما جرت العادة بخياطته من الألبسة أن يكون مخيطا، فإذا دفع اليه قماشا غير مخيط لم يكفه في أداء الواجب الا أن يدفع له أجرة الخياط و يوكله في خياطة الثوب ليلبسه، فإذا فعل ذلك و قبض الثوب بعد خياطته أجزأ، و أما الألبسة التي لا تحتاج إلى الخياطة كبعض الألبسة التي تنتجها المعامل جاهزة على هيئة المخيط، فالظاهر كفايتها إذا كانت مما يعد لباسا كما هو المفروض.

المسألة 88:

انما يتحقق إطعام المسكين بإشباعه من الطعام الذي يبذله له المكلف، أو بتسليم القدر المعين له من الطعام ليأكله إذا شاء كما تقدم بيانه، و لا يتحقق بدفع قيمة الطعام اليه من المكلف، و لذلك فلا يجزي دفع القيمة إلى المسكين في أداء الواجب عن المكلف و إبراء ذمته من الكفارة الواجبة عليه.

و كذلك القول في الكسوة، فالاكساء انما يحصل بدفع نفس الثوب أو اللباس الى المسكين ليلبسه إذا شاء، و لا يتحقق بدفع قيمة الكسوة إليه، فلا تبرأ ذمة المكلف إذا دفع القيمة إلى المسكين.

نعم يمكن للمكلف أن يدفع القيمة للمستحق أو لصاحب العائلة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 478

الفقيرة أو لولي المسكين و يجعله وكيلا عنه في شراء الطعام المقدر بالقيمة التي دفعها اليه ثم يأكله هو أو يصرفه على عائلته أو على المسكين المولى عليه، فإذا تولى العمل بالوكالة عنه و أنجزه كما أراد برئت ذمة المكلف من الواجب، و كذلك القول في الكسوة فيشتريها بالوكالة عن المكلف

ثم يقبضها لنفسه أو لعائلته أو للمسكين المولى عليه، و لا تبرأ ذمة المكلف بدفع القيمة إذا لم ينجز الوكيل العمل.

المسألة 89:

إذا دفع المكلف الكسوة إلى المسكين و قبضها منه ملكها المسكين، و صح له التصرف فيها، فيجوز له أن يلبسها و يجوز له أن يكسوها أو يهبها لغيره، و أن يبيعها أو يفعل بها ما شاء، كما تقدم في الطعام، و إذا مات بعد قبضها انتقلت الى وارثه و ان كان غنيا.

المسألة 90:

لا تؤدى الكفارة بنصفين من خصلتين، فإذا وجبت على الإنسان كفارة مخيرة لافطار يوم من شهر رمضان مثلا، فلا يكفيه أن يكفر بصيام شهر واحد متتابع و إطعام ثلاثين مسكينا، و إذا وجبت عليه كفارة يمين، لم يصح له أن يطعم خمسة مساكين و يكسو خمسة مساكين، و إذا لزمته كفارة مرتبة لظهار أو قتل نفس خطأ، و استطاع أن يصوم شهرا متتابعا فحسب، لم يكفه أن يصوم الشهر الذي استطاع صومه و يطعم ثلاثين مسكينا، بل يكون عاجزا عن الصوم، و يتعين عليه أن يطعم ستين مسكينا.

المسألة 91:

إشباع المساكين من أكل الطعام، و تسليم الأمداد إليهم ليسا خصلتين مختلفتين من خصال الكفارة و انما هما فردان من خصلة واحدة، و هي إطعام المساكين، فإذا وجب على المكلف إطعام ستين مسكينا، فأشبع ثلاثين منهم و دفع أمداد الطعام الى ثلاثين، كفاه ذلك في أداء الواجب، و لا يكون ذلك من أداء الكفارة بنصفين من خصلتين، بل هو أداء بفردين من خصلة واحدة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 479

المسألة 92:

لا تجب المبادرة في أداء الكفارة، سواء كانت مالية كالعتق و إطعام المساكين و كسوتهم، و كالذبح في كفارات الإحرام و الصدقة، أم كانت بدنية كالصوم، فيجوز للمكلف التأخير في أدائها ما لم يتضيق وقتها بظن عروض الموت أو ظن فوت الواجب لبعض الطواري و ما لم يؤد التأخير إلى التهاون بأمر اللّه و التسامح في أداء الواجب.

المسألة 93:

لا تصح النيابة و الوكالة في أداء الكفارة عن الحي إذا كانت بدنية كالصوم، فيجب على المكلف أن يباشر أداءها بنفسه، و لا يصح التبرع بأدائها من الآخرين، و تصح الاستنابة فيها و الإجارة على أدائها عن المكلف بعد موته، و يصح التبرع بأدائها عنه.

و يجوز للمكلف أن يوكل غيره في إخراج الكفارات المالية من ماله و أدائها عنه، كعتق الرقبة و الإطعام و الصدقة و الذبح في كفارات الإحرام، و يجوز له أن يوكل الغير في الاستقراض له من ماله أو مال الآخرين ثم دفعه الى الفقراء كفارة عنه.

المسألة 94:

إذا استناب المكلف غيره في إخراج الكفارة من ماله و تأديتها عنه أو وكله في ذلك، كما إذا وكله في عتق عبده عنه في الكفارة أو وكله في ذبح الشاة، فالمتولي للنية في الإخراج و الأداء هو الوكيل، و الأحوط لزوما أن ينوي المالك أيضا ذلك حين ما يجري الوكيل العمل مع الإمكان و حين ما يدفع الوكيل الحصة إلى الفقير.

و إذا أخرج المكلف الكفارة بنفسه ثم وكل غيره في إيصالها إلى الفقير، فالمتولي للنية هو المالك، فينوي الإيصال إلى الفقير بدفع حصته الى الوكيل.

المسألة 95:

لا يصح التبرع من الآخرين بالكفارة المالية عن المكلف إذا كان حيا، بأن يخرجوها عنه من أموالهم سواء كانت عتقا أم إطعاما أم غير ذلك،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 480

و لا تبرأ ذمة المكلف بأدائهم عنه و ان غرم لهم ما أدوا عنه، و يجوز لهم أن يملكوه شيئا من أموالهم فإذا تملكه منهم صرفه هو في كفارته عتقا أو إطعاما أو ما شاء.

المسألة 96:

الظاهر أن الكفارة المخيرة لا تكون من الديون التي تشتغل بها ذمة المكلف، و التي يجب إخراجها من أصل تركته إذا مات قبل أدائها، بل هي من سنخ الواجبات غير المالية، و ان كان بعض خصالها ماليا، فإذا أوصى بها المكلف قبل موته وجب على الوصي و الورثة إخراجها من ثلثه، و إذا هو لم يوص بها لم يجب عليهم إخراجها، سواء كانت لافطار شهر رمضان أم لاعتكاف أم لغيرهما من الأسباب التي فصلناها في المسألة الخامسة، و كذلك الحكم في كفارة اليمين و كفارة النذر و ما بحكمها بل و كفارة الجمع.

و يشكل الحكم في الكفارة المرتبة، إذا تعين على المكلف المال، و في الكفارات المالية الأخرى، فهل تخرج من الأصل أو من الثلث؟ و لا يترك الاحتياط.

المسألة 97:

إذا مات المكلف و قد تعين عليه الصوم في الكفارة المخيرة أو المرتبة لعجزه عن غير الصوم من الخصال فالأقوى وجوب قضاء الصوم على وليه من بعده، و قد ذكرنا المراد من الولي في فصل قضاء الصلاة و في فصل قضاء الصوم عن الميت فليرجع إليهما.

و إذا كان المكلف قبل موته قادرا على كل من الصيام و الإطعام في الكفارة المخيرة، أشكل الحكم بوجوب الصوم على الولي بعد موت المكلف، و لا يترك الاحتياط بأن يقضي الصوم عنه في هذه الصورة إذا لم يقبل الورثة بإخراج الإطعام من التركة، و إذا مات المكلف و قد تعين عليه العتق أو الإطعام لعجزه عن الصوم، لم يجب على الولي قضاء الصوم.

المسألة 98:

إذا عجز المكلف عن جميع الخصال في كفارة الإفطار في شهر رمضان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 481

فلم يستطع أن يأتي بواحدة منها، وجب عليه أن يتصدق بما يمكنه، فإذا عجز عن الإتيان بأي صدقة وجب عليه أن يستغفر اللّه و لو مرة.

و إذا عجز عن الإتيان بجميع الخصال في غيرها من الكفارات، تعين عليه أن يصوم ثمانية عشر يوما، و الأحوط ان تكون متتابعة، فإذا لم يستطع ذلك وجب عليه الاستغفار و لو مرة، و إذا تجددت له القدرة بعد ذلك و تمكن من أداء الكفارة وجب عليه أن يأتي بها على الأحوط في الصورتين.

المسألة 99:

إذا عجز الإنسان عن عتق الرقبة في كفارة الجمع وجب عليه أن يأتي ببقية الخصال فيها و لزمه الاستغفار بدلا عن الخصلة التي عجز عنها على الأحوط، و كذلك الحكم إذا عجز عن غير العتق من الخصال، فيأتي بالخصال التي يقدر عليها و يستغفر اللّه بدلا عن الخصلة غير المقدورة على الأحوط.

المسألة 100:

في الحديث عن أبي عبد اللّه (ع) قال: سئل رسول اللّه (ص) ما كفارة الاغتياب؟ قال (ص) تستغفر لمن اغتبته كما ذكرته.

و عن الامام الصادق (ع) انه قال: كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان.

و عنه (ع) انه قال: كفارة الضحك، اللهم لا تمقتني.

و عنه (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): كفارة الطيرة التوكل.

و عن الرسول (ص): من ختم مجلسه بهؤلاء الكلمات ان كان مسيئا كن كفارات لإساءته، و ان كان محسنا، ازداد حسنا، و هي سبحانك اللهم و بحمدك اشهد ان لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.

و عن الصادق (ع): كفارات المجالس أن تقول عند قيامك منها:

سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد للّه رب العالمين.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 483

كتاب الوكالة

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 485

كتاب الوكالة و فيه فصلان:

الفصل الأول في الوكالة و شرائطها
المسألة الأولى:

الوكالة هي أن يستنيب الشخص غيره في التصرف في أمر أو في إنشاء التصرف في أمر، أو في إمضائه و ترتيب الآثار عليه، بحيث يكون تصرف النائب في حياة الشخص المنوب عنه، و يكون الأمر قابلا للاستنابة فيه، فإذا كانت الاستنابة في التصرف بعد حياة المنوب عنه كانت وصاية لا وكالة، و إذا كان الأمر غير قابل للنيابة فيه لم تصح الوكالة فيه و سيأتي بيان ذلك ان شاء اللّه تعالى.

المسألة الثانية:

الوكالة عقد من العقود، و لذلك فلا بد فيها من الإيجاب من الموكل و القبول من الوكيل، و يصح أن يقع الإيجاب فيها بأي لفظ يدل على تولية الوكيل في التصرف المقصود، و على استنابته فيه، فيقول الموكل للوكيل: أنت وكيلي في بيع داري المعينة بألف دينار، أو يقول له:

وكلتك في ذلك، أو أنبتك، أو استنبتك فيه أو فوضته إليك، أو خولتك أمره، بل يصح أن يقول له: بع الدار المعينة على زيد بكذا، و يصح أن تقول المرأة: زوجني من فلان على ألفي دينار، إذا هي قصدت بقولها جعله وكيلا عنها على إنشاء صيغة الزواج و دلت القرائن على ذلك لا على مجرد موافقتها على الزواج و المهر، و كذلك في قوله: بع الدار.

و يقع القبول بأي لفظ يدل على رضا النائب بإيجاب الموجب، فيقول: قبلت الوكالة أو رضيت، و يصح ان يكون القبول بالفعل،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 486

فإذا قال المالك: أنت وكيلي على بيع داري من زيد بألف دينار، فقال الوكيل لزيد: بعتك دار موكلي فلان بألف صحت الوكالة و وقع قبولها بذلك مع إيجاب البيع، فإذا قبل المشتري صح البيع و تم أيضا.

و إذا قالت سعاد للرجل: وكلتك على تزويجي

من علي بألفي دينار، فقال الوكيل لعلي: زوجتك موكلتي سعاد بألفي دينار، تم القبول و وقع إيجاب التزويج بهذه الصيغة، فإذا قبل الزوج عقد الزواج تم النكاح أيضا.

المسألة الثالثة:

تصح الوكالة بالمعاطاة كما تصح بالعقد اللفظي، و من أمثلة ذلك أن يدفع المالك للدلال سلعة أو متاعا بقصد توكيله في بيعهما و يقبضهما الدلال منه بقصد قبول الوكالة منه، أو يسلمه داره أو دكانه، بقصد جعله وكيلا في إجارتهما و يتسلمهما الدلال بقصد القبول، و قد جرت سيرة المتشرعة و العقلاء على إجراء أمثال هذه المعاملات و العمل بها.

و الظاهر أن الوكالة تتحقق أيضا بالمراسلة، فإذا أرسل الإنسان الى أحد كتابا يوكله فيه على إنفاذ شي ء أو إجراء معاملة و رضي المرسل اليه بذلك كان وكيلا عنه و نفذ تصرفه في ما وكله فيه، و كذلك إذا جعله وكيلا عنه بمكالمة هاتفية أو لاسلكية و نحوهما من وسائل الإبلاغ مع القطع بالصدق، و مثله ما إذا بلغه الوكالة و الاعتماد عليه على لسان رسول يوثق بصدقه و يطمأن بقوله، فتصح الوكالة و ينفذ تصرف الوكيل في جميع هذه الفروض.

المسألة الرابعة:

إذا قال الرجل للمالك: هل توكلني على بيع دارك من زيد بألف دينار مثلا؟ فقال له المالك: نعم، و قصد بقوله: نعم، إنشاء الوكالة له بهذا الجواب، فالظاهر صحة إنشائه، و الأحوط لزوما ان يقول الوكيل: قبلت أو نحوها بعد قول المالك: نعم، ليحصل القبول بعد الإيجاب.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 487

و كذلك الحكم إذا قال الرجل للمرأة، هل توكلينني في أن أزوجك من فلان على ألفي دينار فقالت: نعم، فيصح منها إيجاب الوكالة له بهذا القول، فإذا قبل الوكيل بعد قولها صحت الوكالة و نفذ تصرف الوكيل، نعم، لا بد في صحة ذلك من العلم بأن قولها: نعم بقصد إنشاء الوكالة، و ليس للدلالة على الرضا بالزواج وحده و إذا شك في ذلك لم

تصح الوكالة و كذلك في الفرض السابق.

المسألة الخامسة:

الظاهر انه لا تشترط الموالاة بين الإيجاب و القبول في صحة عقد الوكالة، فإذا تأخر القبول عن الإيجاب مدة لم يبطل العقد بذلك، كما إذا أرسل الرجل الى صاحبه رسالة يوكله فيها على إيقاع معاملة و لم تصله الرسالة إلا بعد مدة، فإذا وصلت الرسالة، و قبل صاحبه وكالته صحت الوكالة و نفذ تصرف الوكيل و ان تأخر قبوله عن الإيجاب كل هذه المدة.

نعم، يعتبر في الصحة وحدة العقد عرفا، فإذا قال المالك لصاحبه و هما في مجلس واحد: أنت وكيل عني في بيع داري فسكت الوكيل و لم يجب الا بعد شهر مثلا، فقال: قبلت الوكالة منك على بيع الدار، أشكل الحكم بالصحة و خصوصا إذا كانت الوكالة في أمر الفروج، بل الظاهر عدم الصحة إذا لم يكن للتأخير سبب عقلائي، و إذا كان له سبب فلا يترك الاحتياط.

المسألة السادسة:

يشترط في صحة الوكالة على الأحوط أن يكون إنشاء العقد فيها منجزا، فلا تصح إذا علق الموكل وكالته على وجود شي ء مشكوك، أو على حدوث أمر مرتقب، و مثال ذلك أن يقول الموكل لصاحبه: ان كانت هذه الليلة هي ليلة الفطر، فأنت وكيل عني في إخراج زكاة الفطرة من مالي عني و عن أهل بيتي، أو يقول له: إذا ملكني زيد هذه الدار فأنت وكيل على إجارتها أو على وقفها.

و يصح له أن يقول لصاحبه: أنت وكيل عني، فإذا كانت هذه الليلة هي ليلة الفطر أخرجت من مالي زكاة الفطرة، و ان يقول له: أنت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 488

وكيلي فإذا ملكني زيد هذه الدار توليت عني إجارتها، و الفارق واضح بين المقصدين، فإن إنشاء الوكالة في المثالين الأولين معلق على وجود الشرط، فان

كانت الليلة هي ليلة الفطر فالوكالة محققة و ثابتة، و ان لم تكن فلا وكالة، و ان ملكه زيد الدار فصاحبه وكيل على إجارتها، و ان لم يملكه فلا وكالة، فتبطل الوكالة لأن إنشاءها مشكوك، و لا تعليق في الوكالة في المثالين الأخيرين، فصاحبه وكيل على كل تقدير و وكالته منجزة، سواء كانت الليلة هي ليلة الفطر أم لم تكن، و سواء ملكه زيد الدار أم لم يملكه، و التعليق انما هو للعمل الذي وكله فيه، فهو وكيل على إخراج الزكاة إذا كانت الليلة هي الليلة المعينة، و هو وكيل على الإجارة إذا ملكه زيد الدار المعينة.

المسألة السابعة:

يشترط في الموكل أن يكون بالغا، فلا يصح توكيل الصبي في كل ما يشترط فيه البلوغ من المعاملات و التصرفات كالبيع و النكاح و سائر الأمور التي لا تنفذ فيها معاملة الصبي بغير اذن وليه، و قد تقدم ذكر اشتراط البلوغ في البيع و الصلح و الهبة، و الإجارة و المضاربة و الشركة، و الرهن و الوقف و كثير من المعاملات الأخرى فإذا لم تصح المعاملة من الصبي قبل بلوغه و لم ينفذ تصرفه فيها بغير اذن وليه، لم يصح له أن يجعل فيها وكيلا عن نفسه.

المسألة الثامنة:

تقدم منا في كتاب البيع و في كتاب الحجر ان الصبي المميز غير مسلوب العبارة في المعاملة، فإذا نظر ولي الطفل في المعاملة على مال الطفل، و وجد المصلحة في البيع أو في الشراء له، و عين الثمن و المثمن مع المشتري أو مع البائع، أمكن للولي أن يوكل إجراء الصيغة إلى الصبي نفسه إذا كان ممن يحسن ذلك، فيجري الصبي صيغة البيع على مال نفسه بالثمن المعين، أو يجري قبول الشراء لنفسه للمثمن المعين، و يكون إجراؤه للصيغة على ماله بالوكالة عن الولي.

و تصح المعاملة من الصبي المميز كذلك على مال الغير إذا أذن مالك المال للصبي في المعاملة على ماله، و وكله في إجراء المعاملة كلها لا في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 489

إيقاع الصيغة فحسب، و ان لم يأذن ولي الصبي له بتولي ذلك.

المسألة التاسعة:

يشترط في الموكل ان يكون عاقلا على التفصيل الذي ذكرناه في كتاب البيع و في كتاب الحجر و اشترطناه في سائر المعاملات المتقدم ذكرها، فلا يصح توكيل المجنون في جميع معاملاته في ماله و غير ماله.

و يشترط في الموكل ان يكون قاصدا للمعنى الذي ينشئه في صيغة الوكالة، فلا يصح توكيله إذا كان غافلا، أو هازلا أو سكران أو غاضبا غضبا يسلبه القصد، و أن يكون مختارا في فعله، فلا يصح توكيله إذا كان مكرها لا خيرة له في ما يفعل.

المسألة العاشرة:

يشترط في الموكل أن يكون نافذ التصرف في العمل الذي يوكل فيه، فلا يصح توكيل إذا كان محجورا عليه لسفه أو فلس أو غيرهما، فإذا كان سفيها قد حجر عليه عن التصرف في الأموال خاصة لم يصح توكيله في كل معاملة تتعلق بالمال و يجوز له التوكيل في المعاملات الأخرى التي لا تتعلق به كالطلاق و دعاوي الجنايات التي تستوجب القصاص و مطلق الدعاوي التي لا تتعلق بالمال، و إذا كان سفيها قد حجر عليه في ماله و في نفسه كما فصلناه في كتاب الحجر لم يصح له التوكيل في كل أولئك.

و إذا كان مفلسا قد حجر عليه عن التصرف في أمواله الموجودة فليس له التوكيل في ما يتعلق بها خاصة و يصح له التوكيل في غيرها من المعاملات التي تتعلق بذمته و بنفسه.

و لا يصح له إذا كان محرما أن يوكل أحدا ان يجري له عقد نكاح أو أن يبتاع له صيدا أو يمسكه له، سواء كان الوكيل محلا أم محرما.

المسألة 11:

لا يشترط على الأقوى في الوكيل أن يكون بالغا، فيصح أن يوكل الصبي المميز في إيقاع صيغ المعاملات إذا كان ممن يحسن القيام بها و يراعي الشرائط المعتبرة فيها، و قد تقدم في المسألة الثامنة انه يصح لمالك المال أن يعتمد على الصبي المميز و يوكله في إجراء المعاملة على ماله

كلمة التقوى، ج 6، ص: 490

إذا كان الصبي ممن يحسن ذلك و لا يختص بإجراء الصيغة و لا تتوقف صحة الوكالة و لا نفوذ المعاملة التي يجريها على اذن الولي له بذلك، و الظاهر ان ذلك لا يختص بالمعاملة على المال فيصح توكيله في غيرها من المعاملات إذا كان الصبي يحسن القيام

بها على الوجه الصحيح.

و قد تقدم أيضا: انه يصح لولي الصبي المميز أن يوكله في إجراء صيغة المعاملة على مال الصبي نفسه بعد ان يتم الولي المعاملة و يقوم بإحراز شروطها، كما تقتضيه ولايته، ما عدا إجراء الصيغة.

نعم، يمنع الصبي من أن يجري المعاملة مستقلا على ماله نفسه بغير اذن وليه و ان كانت معاملته موافقة للمصلحة، و يمنع من إجراء الصيغة في المعاملة على ماله أو على نفسه إذا لم يوكله الولي في إجرائها، و يمنع من أن يجعل وكيلا للولي أو لغيره إذا لم يكن مميزا تام التمييز.

المسألة 12:

يشترط في الوكيل أن يكون عاقلا و أن يكون قاصدا للمعنى حين يتولى قبول الوكالة، و ان يكون مختارا غير مكره و لا مجبر، و أن يكون نافذ التصرف في العمل الذي وكل فيه، فلا تصح الوكالة له إذا كان سفيها محجورا عليه في تصرفه في نفسه، و إذا كان محرما فلا يجوز لأحد أن يوكله في إجراء عقد نكاح أو أن يبتاع له صيدا أو أن يمسكه له سواء كان الموكل له محلا أم محرما.

المسألة 13:

يجوز للمسلم أن يوكل كافرا أو مرتدا مليا أو فطريا في تولي بعض معاملاته أو في القيام ببعض أعماله، أو في استيفاء بعض حقوقه أو في بعض مخاصماته مع الناس، و ان كان الأحوط استحبابا عدم توكيله إذا كانت المخاصمة أو استيفاء الحق من مسلم، و يجوز توكيله في شراء مصحف للمسلم أو شراء عبد مسلم له و خصوصا إذا تسلمهما الموكل المسلم نفسه، و لم تثبت للوكيل الكافر عليهما يد.

المسألة 14:

يجوز للمسلم أن يكون وكيلا لكافر أو مرتد في بعض شؤونه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 491

و معاملاته و أعماله، إلا إذا وكله على أمر لا يجوز في الإسلام، و مثال ذلك: أن يوكله في إجراء معاملة ربوية، أو في استيجار أمكنة لبيع بعض المحرمات أو عملها، أو خزنها، أو القيام بأعمال محرمة أخرى، أو وكله في بيع خمر أو خنزير أو شرائهما، و كما إذا وكله في شراء مصحف له على الأحوط لزوما، أو في شراء عبد مسلم له، فلا يتولى المسلم الوكالة عن الكافر أو المرتد في ذلك.

المسألة 15:

لا يحجر على المفلس أن يتصرف في مال غيره إذا أذن له صاحب المال و كان التصرف طبقا للموازين الصحيحة، و لذلك فيصح له أن يكون وكيلا عن الغير في معاملاته و أعماله سواء تعلقت وكالته بالمال أم بغيره.

و كذلك القول في السفيه فإذا كان محجورا عن التصرف في ماله، فهو غير محجور عن التصرف في مال غيره مع الاذن، فيصح له أن يتولى الوكالة عن الغير في أمواله و شؤونه، إلا إذا كان سفهه موجبا للحجر عليه في التصرف في نفسه أيضا، فلا يصح له أن يتولى الوكالة عن الغير في هذه الصورة.

المسألة 16:

سيأتي ان شاء اللّه تعالى في كتاب الوصية: ان الصبي المميز لا يحجر عن الوصية بماله إذا بلغ من العمر عشر سنين، و كانت وصيته في البر و المعروف و في وجوه الخير، سواء كانت لأرحامه أم لسواهم، فتنفذ وصيته بذلك على الأقوى، و لذلك فيصح له أن يوكل غيره في إنشاء الوصية المذكورة، سواء كان الغير الذي يوكله في ذلك كبيرا بالغا أم كان صبيا مميزا قد بلغ عشر سنين.

المسألة 17:

كل شرط من الشروط التي ذكرناها في الموكل أو في الوكيل، كما يجب تحققه في ابتداء الوكالة، فإذا لم يوجد الشرط لم تصح الوكالة، فهو كذلك شرط يجب تحققه على الأحوط في بقائها، فإذا ارتفع أي شرط منها حكم ببطلان الوكالة على الأحوط احتياطا لا يترك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 492

فإذا جن الموكل بعد أن أتم الوكالة، أو جن الوكيل كذلك كانت الوكالة باطلة، سواء كان الجنون الذي طرأ عليه مطبقا أم أدوارا، و سواء كان عروضه قبل ان يبدأ الوكيل بالعمل الذي وكل فيه أم كان في أثنائه و قبل إتمامه، و كذلك إذا عرض لأحدهما الإغماء، أو طرأ على الموكل سفه أو فلس فحجر عليه عن التصرف في ماله، فيبطل توكيله السابق للوكيل إذا كان متعلقا بالمال و كان الحجر على الموكل قبل ان يتم الوكيل العمل.

و مثله ما إذا حجر الوكيل عن التصرف في نفسه، فتبطل الوكالة في هذه الفروض على الأحوط كما ذكرنا، و إذا زال العارض فأفاق المجنون أو المغمى عليه و ارتفع الحجر عن المحجور لم تعد الوكالة الأولى و يجوز لهما ان يجددا وكالة أخرى إذا أرادا.

المسألة 18:

يشترط في العمل أو الأمر الذي تتعلق به الوكالة أن يكون مباحا، فلا يصح التوكيل في أمر محرم شرعا. و مثال ذلك أن يوكله في غصب مال أحد أو في ضربه أو شتمه من غير حق، أو يوكله في معاملة محرمة أو مخاصمة بغير حق أو في استيجار محل ليكون مبغى أو معملا يعمل فيه الخمر أو يخزن فيه أو يباع، أو في استيجار سيارات و عمال لحمله و نقله و شبه ذلك.

و لا يصح التوكيل في أمر لا سلطان للموكل

على إيقاعه، و مثال ذلك أن يوكل أحدا في بيع مال الغير بغير وكالة و لا ولاية له على المال أو على مالكه.

المسألة 19:

يجوز للإنسان أن يوكل أحدا على أخذ ماله من يد الغاصب بالقوة أو بوسيلة أخرى يستطيعها الوكيل، و ان كان صاحب المال نفسه غير قادر على أخذ ماله منه و التصرف فيه.

المسألة 20:

إذا كان الفعل غير مقدور للشخص عقلا أو غير مقدور له شرعا،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 493

و لكنه يصبح مقدورا له بالفعل بعد حصول أمر معين من الأمور، و من أمثلة ذلك عتق عبد لا يملكه فعلا، فإنه غير مقدور له شرعا فإذا اشترى العبد من مالكه أصبح العتق مقدورا له بالفعل و جاز له شرعا، و من أمثلة ذلك بيع دار لا يملكها بالفعل أو وقفها فان ذلك غير مقدور له شرعا، فإذا اشترى الدار من مالكها صح له بيعها أو وقفها، و من أمثلته تزويج الرجل بامرأة ذات بعل أو ذات عدة، فإنه لا يقدر على ذلك شرعا و لا يصح له الا إذا فارق المرأة زوجها فطلقها أو مات عنها، و خرجت ذات العدة من عدتها، فيجوز له الزواج بها، و من أمثلة ذلك طلاق امرأة أجنبية عنه، فإنه لا يقدر على ذلك شرعا إلا إذا تزوج الرجل المرأة، فإذا تزوجها أمكن له طلاقها.

و الظاهر انه لا يجوز للشخص أن يوكل أحدا على فعل ذلك الأمر غير المقدور له بالفعل، فلا يصح له أن يوكله في المرأة المعتدة فعلا ليزوجه إياها بعد انقضاء عدتها، و في المرأة ذات الزوج ليزوجه إياها بعد أن يطلقها زوجها أو بعد أن يموت عنها، و لا يصح له أن يوكله في طلاق امرأة سيتزوجها، و في عتق عبد سيملكه و في وقف دار سيشتريها.

المسألة 21:

يصح للرجل في الفروض الآنف ذكرها أن يوكل أحدا في الأمرين معا، إذا كان الأمر الأول مقدورا له بالفعل، فيجوز له أن يوكل أحدا في شراء العبد المملوك ثم عتقه بعد تملكه، و يوكله في شراء المتاع، و بيعه بعد شرائه و

يوكله في شراء الدار و وقفها بعد ملكها، و يوكله في زواجه بالمرأة و طلاقها بعد التزويج إذا وجدها لا تليق به.

المسألة 22:

إذا وكل الرجل غيره وكالة عامة على أن يتولى عنه جميع أموره و أن يتصرف في جميع ما يملك التصرف فيه مما هو موجود تحت قدرته بالفعل و ما يتجدد بعد ذلك، صح للوكيل أن يتولى العمل في جميع الفروض المتقدم ذكرها، فإذا اتفق ان خرجت المرأة ذات العدة من عدتها أو فارق ذات الزوج زوجها جاز للوكيل ان يزوج موكله إياهما،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 494

و إذا اتفق أن ملك الرجل العبد جاز للوكيل عتقه و بيعه، و إذا ملك الدار جاز للوكيل وقفها و إجارتها، و هكذا.

المسألة 23:

الوكالة كما ذكرنا من قبل استنابة للوكيل في أن يوجد الشخص العمل أو الشي ء الذي يوكله فيه، و لذلك فيشترط في صحة الوكالة أن يكون العمل أو الشي ء الذي يوكل الإنسان غيره في إيجاده مما يقبل النيابة.

و توضيح ذلك: أن الأعمال و الأشياء التي لاحظها الشارع الأعظم و رتب عليها أحكامها و آثارها قد يكون الشارع قد اعتبر فيها أن تصدر من الإنسان بنحو المباشرة بنفسه، فلا تكون وافية بالغاية التي أرادها و جعل الأحكام من أجلها إلا إذا صدرت من الإنسان كذلك، و من أمثلة ذلك الصلاة و الصيام، المفروض منهما و المندوب في الغالب، و الحج و العمرة و الطهارات الثلاث: الوضوء و الغسل و التيمم في الأكثر، فإن الشارع قد اعتبر في هذه الأعمال أن يوجدها المكلف بنفسه بنحو المباشرة عدا ما استثني منها و هو ما يأتي التنبيه عليه ان شاء اللّه تعالى، فيكون هذا النوع من الأعمال و الأشياء مما لا يقبل النيابة.

و قد تكون مما لم يعتبر الشارع فيها ان تصدر من الإنسان بنحو المباشرة، بل لاحظ انه يكفي في

صحتها و حصول الغاية المقصودة منها و ترتب الأحكام و الآثار عليها مجرد صدورها من الإنسان و لو بنحو التسبيب، كما هو الحال في أكثر المعاملات و الأعمال و في بعض العبادات، و يكون هذا النوع مما يقبل النيابة.

المسألة 24:

المتبع في تمييز أحد هذين النوعين من الأعمال و الأشياء عن الآخر هو ما دلت عليه ظواهر الأدلة الشرعية المثبتة لأحكام تلك الأشياء و آثارها و ما تدل عليه إطلاقاتها المقامية و القرائن العامة الحافة بها، من الاعتماد في ذلك على فهم المتشرعة و أهل العرف من تلك الأدلة فيمتاز بذلك ما يقبل النيابة و ما لا يقبلها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 495

المسألة 25:

لا ريب في ان الصلاة و الصيام فرائضهما و نوافلهما مما تجب فيها المباشرة و لا تقبل النيابة و التوكيل عن الحي، إلا صلاة الطواف في بعض الموارد الخاصة، و من أمثلة ذلك الشخص الذي يستطيع حج البيت استطاعة مالية، و يعجز عن الإتيان به لكبر سن أو مرض أو نحوهما، فيجب عليه أن يستنيب من يحج، و يجب على النائب أن يأتي بجميع أفعال الحج و عمرة التمتع إذا كان ممن فرضه التمتع، و منها طواف العمرة و طواف الحج و طواف النساء، و صلاة الطواف لكل واحد منها.

و منها فروض أخرى في من نسي الطواف أو نسي صلاة الطواف حتى خرج من مكة و لم يمكنه الرجوع و يرجع في بيان جميع ذلك الى ما كتبناه في مناسك الحج من أحكام ذلك، و قد ذكرنا في مبحث صلاة الاستئجار أن الأقوى صحة النيابة عن الحي في بعض الصلوات المستحبة.

و لا ريب في ان الطهارات الثلاث: الوضوء و الغسل و التيمم مما تجب فيه المباشرة و لا يقبل النيابة و التوكيل إذا كان المكلف قادرا على مباشرة أعمالها بنفسه، و اما العاجز فإنه تصح له الاستنابة فيها، فيستنيب من يجري الغسلات و المسحات على أعضائه، و يجب عليه ذلك و يستنيب

من يعجز عن التيمم من يضرب بيدي المكلف أو بيديه على التراب و يمسح بها على أعضائه و تفصيل أحكام ذلك قد سبق ذكره في مباحث الوضوء و الغسل و التيمم في كتاب الطهارة.

المسألة 26:

تجوز النيابة و التوكيل في إيتاء الزكاة، فيصح لمالك المال الذي تعلقت به الزكاة أن يوكل غيره إذا كان الوكيل ثقة في أن يخرج الزكاة من مال المالك و يدفعها للمستحق، و ينوي الوكيل إيتاء الزكاة عن مالك المال حينما يدفعها للمستحق، و الأحوط ان ينوي المالك إيتاء الزكاة أيضا في ذلك الوقت مع الإمكان.

و يجوز للمالك أن يعين زكاة ماله في شي ء مخصوص ثم يوكل ثقة في إيصال ذلك الشي ء إلى المستحق، و ينوي المالك إيصال الزكاة إلى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 496

الفقير بدفعها الى الوكيل، و الأحوط أن تبقى نية المالك مستمرة حتى يدفع الوكيل المال الى الفقير.

و كذلك الحكم في إيتاء الخمس، فيجوز للمالك أن يوكل الثقة في إخراج الخمس من المال و دفعه الى مستحقه و يجوز له أن يوكله في الإيصال على الوجه الذي ذكرناه في الزكاة و أمر النية في الموردين على السواء و كذلك الحكم في الكفارات المالية، و قد ذكرناه في كتاب الكفارات، و أما الكفارات البدنية فهي مما لا تقبل النيابة و التوكيل فيها.

المسألة 27:

تصح الاستنابة و الوكالة في إجراء صيغ العقود جميعا من البيع بجميع أقسامه، و الإجارة، و الصلح و الهبة و المضاربة و الشركة و المزارعة و المساقاة، و القرض و الرهن و الضمان و أخواته و النكاح و غير ذلك من العقود اللازمة و الجائزة، و حتى في عقد الوكالة نفسه، فيصح للشخص أن يوكل من ينشئ صيغة العقد عنه إيجابا و من يتولى عنه قبول الإيجاب و من يجري المعاملة عنه بنحو المعاطاة إذا كان العقد مما تجري فيه المعاطاة.

المسألة 28:

تجوز الاستنابة و التوكيل في إنشاء الوقف و الوصية، و في الطلاق و العتق، و في إبراء ذمة المدين من الدين، و في إسقاط الحق و الأخذ به في موارد ثبوته، و في فسخ العقد عند ثبوت الخيار و أخذ الأرش في مواضع ثبوت الأرش، و يجوز التوكيل في المخاصمات و الدعاوي و إثبات الحقوق عند القضاة و الحكام و رفع الظلامات.

المسألة 29:

الظاهر أنه يصح للرجل ان يوكل أحدا في الرجوع بمطلقته الرجعية، فيقول له مثلا: أنت وكيل عني أن ترجع فلانة إلى زوجيتها إذا رأيت شدتها الأولى قد تبدلت الى ما هو أحسن، أو يقول له: أنت وكيلي في أمر فلانة، فمتى وافقت على السكنى مع عائلتي في الدار فأرجعها إلى زوجيتها، و مثل ذلك ما إذا كانت المرأة مطلقة بالخلع، فيقول الزوج

كلمة التقوى، ج 6، ص: 497

للرجل: أنت وكيل عني في أمر فلانة، فإن رجعت هي بما بذلت فأرجعها إلى نكاحها.

نعم قد يكون التوكيل في الرجوع بها بنفسه تمسكا بزوجيتها كما إذا قال للرجل: أنت وكيل عني ان تقول لها: اني قد رجعت بزوجيتها، فيكون قوله هذا بنفسه رجوعا بها لا وكالة بالرجوع، و هذا انما يكون بحسب القرائن الدالة على المقصود.

المسألة 30:

إذا قال الرجل لغيره: أنت وكيل عني أن تقر لزيد بأن له في ذمتي مائة دينار مثلا، كان قوله هذا بنفسه إقرارا لزيد بالمبلغ المعين و ليس توكيلا في الإقرار، و الرجل انما هو شاهد عليه بالإقرار.

المسألة 31:

إذا قال الرجل لغيره: أنت وكيل أن تشهد بالوكالة عني بأن هذه الدار ملك لزيد مثلا، فيمكن أن يقال بأن قوله هذا شهادة منه بأن الدار لزيد، و الوكيل انما هو شاهد على شهادته بذلك و ليست توكيلا في أن يشهد عنه، و لذلك فيشكل الحكم بصحة هذه الوكالة، فإذا كان الأمر المشهود به مما لا تقبل فيه شهادة الفرع، أو كانت شهادة الفرع غير تامة الشرائط من العدد و العدالة لم تثبت بها شهادة الأصل.

المسألة 32:

يشكل الحكم بصحة الاستنابة و التوكيل في أن يحلف الوكيل عن موكله يمينا، بحيث تلزم الموكل أحكام حلفه، فيجب عليه الوفاء به و تحرم عليه مخالفته و تلزمه الكفارة إذا حنث به، و يشكل كذلك أن يوكله في ان ينذر بالوكالة عنه نذرا أو يعاهد اللّه عنه عهدا، أو يوكله في أن يظاهر بالوكالة عنه من زوجته، أو يولي منها بالوكالة عنه إيلاء، أو يلاعنها، بحيث تلزم الزوج الموكل أحكام الظهار و الإيلاء و اللعان.

المسألة 33:

تصح الاستنابة و التوكيل في التسليم و القبض الذي تقتضيه المعاملات،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 498

سواء توقفت عليهما أو على أحدهما صحة المعاملة أم توقف عليه لزومها، أم لم يتوقف عليه شي ء منهما، و انما هو أمر يقتضيه الجري على المعاملة و الترتيب لآثارها، فيجوز لكل واحد من المتعاقدين أن يوكل أحدا في قبض الشي ء الذي استحقه بالمعاملة بينهما، و في تسليم الشي ء الذي استحقه صاحبه بموجبها، كالثمن و المثمن في عقد البيع، و العين المستأجرة و بدل الإجارة في عقد الإجارة، و العين الموقوفة في الوقف، و العين الموهوبة و عوضها في الهبة المعوضة، و العين الموهوبة خاصة في الهبة غير المعوضة، و العين المرهونة في الرهن، و المهر في عقد النكاح، و بدل الخلع أو المبارأة في طلاق الخلع أو المبارأة، فإذا دفع أحد المتعاملين العوض أو الشي ء الذي جرت عليه المعاملة إلى وكيل الآخر و قبضه الوكيل منه برئت ذمته.

و يجوز للدائن أن يوكل غيره في استيفاء ما يستحقه في ذمم الآخرين من الديون، و يجوز للمدين أن يوكل غيره في وفاء ما في ذمته من المال، فإذا دفع وكيله المال الى مالكه أو الى وكيله المفوض

و قبضه منه برئت ذمته، و إذا كان على الدين المدفوع رهن، و قبض وكيله العين المرهونة برئت ذمة المرتهن منه.

المسألة 34:

يجوز للفقير المستحق أن يوكل أحدا في قبض ما يستحقه من الزكاة أو من الكفارات أو من الصدقات أو من الخمس، و ينوي مالك المال إيتاء الزكاة أو إيتاء الخمس، أو الكفارة، أو الصدقة عند دفعه المال الى وكيل الفقير المستحق، و تبرأ ذمة المالك بقبضه المال.

المسألة 35:

حق قسم الليالي بين الزوجات خاص بالزوج و خاص بالزوجات، فلا يجوز للزوج أن يوكل أحدا في تولي قسمة الليالي بين زوجاته، و لا يجوز للزوجة أن توكل غيرها في أخذ قسمتها من ليالي زوجها إذا لم تكن الوكيلة من زوجاته، و يجوز لها أن تهب ليلتها لغيرها من زوجاته أو توكلها في أخذ قسمتها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 499

المسألة 36:

يصح للرجل أن يوكل أحدا في أن يطلق زوجته منه، و يصح للزوج ان يوكل غيره في ان يوكل من يطلقها، من غير فرق بين أن يكون الزوج حاضرا وقت الطلاق أو غائبا، و من غير فرق بين أن يكون الوكيل على إجراء صيغة الطلاق عنه رجلا أو امرأة إذا كانت تحسن إنشاء الصيغة و تراعي الشروط المعتبرة في الطلاق.

المسألة 37:

الأحوط ان لا يوكل الرجل زوجته في أن تطلق نفسها بنفسها، و لا يوكلها في أن توكل عنه من يطلقها، و ان كان الأقرب صحة توكيلها في الصورتين، و يرجع الى ما نبينه ان شاء اللّه تعالى في مبحث الصيغة من كتاب الطلاق.

المسألة 38:

يجوز للإنسان أن يوكل شخصا في أن يجوز له بعض المباحات العامة كالحطب و الكلاء و الماء و الرمل و الحجر و الحصى و الجص و السمك و الطير من مواضعها المباحة، فإذا حازه الوكيل بالنيابة عن موكله كانت الحيازة للموكل، و كان الشي ء الذي حازه الوكيل ملكا للموكل كذلك، و تراجع المسألة المائة و السابعة و التسعين من كتاب الإجارة.

المسألة 39:

لا بد في صحة الوكالة من أن يكون الشي ء الموكل فيه معينا، شخصيا، أو عاما أو مطلقا، و لا تصح إذا كان الأمر الذي وكله فيه مجهولا غير معلوم، و مثال ذلك ان يقول له: أنت وكيل عني و لا يذكر شيئا تتعلق به الوكالة، و لا تصح الوكالة كذلك إذا وكله على أمر مبهم و مثال ذلك ان يقول له: وكلتك على بعض أعمالي أو على اجراء بعض العقود التي تكون لي، أو وكلتك في بعض ما أملك و لم يعين ذلك البعض الذي وكله فيه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 500

الفصل الثاني في بعض أحكام الوكالة
المسألة 40:

الوكالة التي يوقعها الإنسان لغيره قد تكون وكالة خاصة في أمر مشخص معين، فيقول له مثلا: أنت وكيل عني في أن تبيع هذه الدار المعينة على زيد بألف دينار، أو يقول له: وكلتك على أن تقبض عني ديني الذي أملكه في ذمة عبد اللّه و هو مائة دينار، أو تقول المرأة لأحد:

وكلتك أن تزوجني من إبراهيم على ألفي دينار معجلة، و لا ريب في صحة الوكالة إذا أنشئت كذلك، و تم قبولها.

المسألة 41:

يصح أن يوكل الإنسان غيره وكالة عامة في موضوع خاص معين، فالأمر الموكل فيه عام من حيث التصرف و خاص من حيث موضوعه و مثال ذلك أن تكون للمالك أرض معينة، فيقول لأخيه: وكلتك في أمر هذه الأرض وكالة عامة أن تتصرف فيها كيفما تشاء، فإن شئت ان تبيعها أو تؤجرها أو توقفها أو تغرسها بستانا أو تبنيها عمارة أو ما شئت من وجوه التصرف التي تراها، فإذا تم القبول جاز للوكيل أن يتصرف في الأرض المعينة أي تصرف يريد.

و اما احتمال ان تكون الوكالة بهذه الصورة أو الصور الآتية من الوكالة العامة أو المطلقة موجبة للضرر على الموكل فيكون ذلك موجبا لبطلانها، فهو مدفوع بأنه يشترط في الوكالة ان يراعي الوكيل المصلحة في ما يقوم به من العمل للموكل، و نتيجة لذلك فلا تشمل الوكالة و ان كانت عامة أو مطلقة أي تصرف يوجب ضرر الموكل، بل و لا التصرفات التي لا مصلحة فيها و لا ضرر، و لا تنفذ من الوكيل مثل هذه التصرفات، و سيأتي ذكر هذا الشرط ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 42:

يجوز للإنسان أن يوكل غيره في أن يتصرف تصرفا خاصا في جميع ما يملك، فيكون الأمر الموكل فيه خاصا من حيث التصرف و عاما من

كلمة التقوى، ج 6، ص: 501

حيث موضوعه بعكس ما فرض في المسألة المتقدمة، و مثال ذلك ان تكون للرجل عدة ممتلكات من الأشياء و الأنواع المختلفة، و يحتاج الى بيعها جميعا، فيقول للدلال: وكلتك على أن تبيع لي كل ما أملكه من أرضين و بساتين و دور، و عمارات و محلات، و فرش، و أثاث، و أمتعة و أجهزة و غير ذلك، فإذا قبل الوكيل

صحت وكالته و جاز له بيع جميع ما وكله في بيعه.

المسألة 43:

يصح للإنسان أن يوكل غيره وكالة عامة في جميع التصرفات الممكنة، و في جميع مملوكاته و معاملاته و أعماله و شؤونه العامة و الخاصة، فيقول لمن يعتمد عليه في ذلك: أنت وكيل عني في جميع ما أملكه من أشياء، و ما أملك التصرف فيه من معاملة و عمل و من شؤون، على أن تتصرف في جميع ذلك بأي تصرف تريد، فيكون الأمر الموكل فيه عاما من كلتا الجهتين الآنف ذكرهما، فإذا قبل الوكيل هذه الوكالة، جاز له أي تصرف في الجهات المذكورة كلها، فله أن يبيع و ان يهب و أن يصالح و أن يقف و أن يتصدق و أن يعتق و أن يطعم و أن ينفق، و له أن يتولى تزويجه و تطليق زوجاته، و أن يوقع جميع ما يجوز للموكل إيقاعه من الأعمال التي تقبل النيابة و التوكيل.

المسألة 44:

يصح للشخص أن يوكل غيره وكالة مطلقة، و يراد بكونها مطلقة انها مرسلة غير مقيدة، و تجري في الوكالة المطلقة نظائر الفروض التي ذكرناها في الوكالة العامة، فإن المالك قد يجعل غيره وكيلا عنه في شي ء معين من أملاكه و يجعل وكالته فيه مطلقة من حيث التصرف، فيوكله في أن يتصرف في أرضه المعينة بأي تصرف يريده الوكيل، فيجوز للوكيل أن يبيع الأرض و أن يهبها، و أن يغرسها، و أن يبنيها عمارة أو دارا أو حوانيت، أو ما شاء من وجوه التصرف.

و قد يجعله وكيلا على أن يتصرف تصرفا معينا في شي ء من الأشياء التي يملكها، فيوكله على أن يبيع إحدى دوره أو محلاته أو بساتينه،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 502

و يترك تعيين المبيع لإرادة الوكيل، و يكون الأمر الموكل فيه هو التصرف المعين

و هو البيع في مطلق الأشياء التي يملكها الموكل لا على التعيين.

و قد يجعله وكيلا في أن يتصرف أي تصرف يريده في أي شي ء أو ناحية من الأشياء و النواحي التي يقدر الموكل على التصرف فيها، فتكون الوكالة مطلقة من كلتا الناحيتين.

المسألة 45:

إذا وكل المالك شخصا في أن يقوم له بأحد أعمال معينة على وجه التخيير بينها، ففي صحة الوكالة كذلك اشكال، و الأظهر الصحة، و مثال ذلك أن يقول له: أنت وكيل في أن تبيع لي هذه الدار، أو تؤجر لي هذا المحل، أو تقف لي هذا البستان، فلك ان تختار أي عمل تأتي به من الأعمال المذكورة، فتصح الوكالة على الأظهر، و ينفذ العمل الذي يأتي به من الأعمال الثلاثة التي وكله فيها و خيره بينها.

المسألة 46:

يشترط في صحة عمل الوكيل و نفوذه أن يراعي الوكيل مصلحة المالك الموكل، فإذا كانت الوكالة عامة أو مطلقة، فلا يجوز للوكيل أن يقوم بتصرف يوجب ضرر المالك أو يوجب عدم المصلحة له، و ان كان ما عمله موافقا لإطلاق الوكالة أو عمومها، و لا ينفذ منه ذلك التصرف الموجب للضرر أو المنافي للمصلحة، الا أن تقوم قرينة على رضى المالك بالتصرف و ان أوجب الضرر عليه أو خالف المصلحة، و مثال ذلك ان يعلم ان المالك يريد بيع الدار عاجلا أو خفية و ان كان بأقل من ثمن المثل أو بأقل من ثمن شرائها.

المسألة 47:

يجب على الوكيل في تصرفه عن الموكل أن يلاحظ ما تحتوي عليه عبارة عقد الوكالة من إطلاق أو تقييد أو عموم أو تخصيص، و ما تدل عليه العبارة بصراحتها أو ظهورها أو بسبب القرائن الخاصة أو العامة الكاشفة عن مراد الموكل فيقتصر عليه و لا يتجاوزه، فقد يوكله المالك على بيع الدار مثلا، و تدل القرائن على أن مقصود الموكل هو إنشاء صيغة البيع فحسب، فيقتصر الوكيل على ذلك، و يكون المرجع في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 503

تقدير الثمن، و في تعجيله أو تأجيله، و في تسليم الدار و قبض الثمن و غير ذلك الى الموكل نفسه، و قد تدل القرائن على ان المراد أن يتولى الوكيل معاملة البيع كلها أو بعضها، فيكون الوكيل هو المعتمد في كل أولئك أو في بعضه.

المسألة 48:

إذا وكل الرجل شخصا ليشتري له سلعة خاصة، و علم أن ثمن السلعة في السوق عشرة دنانير مثلا فدفع الى الوكيل المبلغ ليشتري به السلعة، و لما ساوم الوكيل على السلعة قبل البائع منه بثمانية دنانير جاز له شراؤها للموكل بالثمانية، فإن عقد وكالته شامل لمثل ذلك عرفا، فيدفع الى البائع ثمانية دنانير مما في يده و يرجع باقي العشرة إلى الموكل.

المسألة 49:

إذا دفع المالك الى الرجل سلعة ليبيعها له كان الرجل وكيلا عنه في بيع السلعة، و في تسليمها للمشتري، بل و في قبض ثمنها منه إذا كان مالك السلعة غائبا، أو كان حاضرا و لكنه يكره أن يعرف بأنه مالك السلعة مثلا، و على وجه الاجمال، فالمدار في إطلاق الوكالة في ذلك و تقييدها على ما يدل عليه ظهور الحال أو ظهور القول.

المسألة 50:

إذا تعدى الوكيل في تصرفه عما حدد له المالك في عقد الوكالة، و عما دلت القرائن على دخوله فيها لم ينفذ منه ذلك التصرف، فإذا كان عقدا من العقود أو كان من الأمور الأخرى التي يجري فيها حكم الفضولي، شملها حكمه، فإن أجاز المالك ذلك التصرف نفذ، و ان لم يجزه كان باطلا.

و من أمثلة ذلك أن يوكل المالك وكيله في ان يبيع داره أو دكانه، فيؤجر الدار أو الدكان بدلا من بيعه، أو يوكله في أن يصالح على الشي ء، فيهبه بدلا من الصلح، و من أمثلة ذلك أن يوكله في بيع الأرض من زيد فيبيعه البستان بدلا عنها، أو يوكله في بيع الشي ء نقدا فيبيعه نسيئة، أو يوكله في أن يبيع الدار بشرط الخيار إلى مدة فيبيعها بغير

كلمة التقوى، ج 6، ص: 504

خيار و من أمثلة ذلك أن يوكله في بيع الدار على زيد فيبيعها على عمرو، فلا يصح تصرفه في جميع ذلك و يكون من الفضولي كما ذكرنا.

و إذا كان تصرفه مما لا يجري فيه حكم الفضولي، كالطلاق و العتق، وقع باطلا و لم تصححه اجازة الموكل، و قد تعرضنا لذكر المواضع التي يجري فيها حكم الفضولي و المواضع التي لا يجري فيها في عدة مسائل من أبواب المعاملات.

________________________________________

بصرى

بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص: 504

المسألة 51:

إذا عين الموكل للوكيل أن يبيع السلعة في سوق مخصوصة أو بثمن معين أو على مشتر معين، فان دلت القرائن العامة أو الخاصة على أن وكالته عامة شاملة و ان مراد الموكل تحصيل الفائدة و انما ذكر السوق المخصوصة و عين المشتري و عين الثمن لأنها أحد الأفراد أو لمجرد حصول الفائدة، و الرغبة عند عرض السلعة للبيع، لا لخصوصية فيها جاز للوكيل ان يبيع في غير السوق المخصوصة، أو بأكثر من الثمن المعين أو على غير المشتري المعين إذا حصل على الفائدة المقصودة.

و ان كان للموكل غرض خاص من تحديد السوق أو الثمن أو المشتري وجب على الوكيل الاقتصار عليه و لم يجز له التعدي عن المحدود، و إذا تعدى عنه كان فضوليا، فلا يصح تصرفه إلا بإجازة المالك، و كذلك إذا احتمل ان له غرضا خاصا من التحديد و كان الاحتمال مما يعتد به العقلاء، فلا يصح للوكيل التعدي عنه.

المسألة 52:

يصح للولي الشرعي على القاصر، كالأب و الجد للأب، و الوصي من أحدهما و الحاكم الشرعي و القيم المنصوب منه، ان يوكل غيره في إجراء بعض المعاملات أو بعض الأعمال التي تقتضيها ولايته على أموال القاصر و على شؤونه، فيبيع الوكيل بعض أموال القاصر أو يستدين له بعض المال أو يبني له داره، و هو يفعل ذلك بالوكالة عن الولي لا عن القاصر، و يصح للأب أو الجد للأب أن يوكل أحدا فيجري للصبي أو الصبية عقد النكاح و يراجع فصل أولياء العقد في ما يتعلق بولاية الأب و الجد في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 505

نكاح المجنون، و في ما يتعلق بولاية غير الأب و الجد في نكاح الصبي و الصبية.

المسألة 53:

إذا وكل الإنسان شخصا في أن يفعل شيئا بالنيابة عنه، فظاهر الوكالة أن يتولى الوكيل مباشرة الفعل بنفسه، فإذا قال له: أنت وكيل عني أن تبيع لي داري، كان عليه أن يبيع الدار بنفسه، و لا يصح له أن يوكل في البيع شخصا آخر، لا عن نفسه و لا عن مالك الدار، إلا إذا كانت وكالة المالك له شاملة لذلك، فيقول له مثلا: أنت وكيل عني في أن تبيع داري بنفسك، أو بأن توكل من يبيعها عنك، أو يقول له: أن تبيعها أنت أو توكل من يبيعها عني، أو يقول له: أن تبيعها أو توكل من يبيعها عني أو عنك.

فإذا وكله بالعبارة الأولى كان عليه أن يبيع الدار هو أو يوكل عن نفسه من يبيعها، و إذا وكله بالعبارة الثانية كان عليه أن يتولى البيع بنفسه أو يوكل عن الموكل من يبيعها عنه، و إذا وكله بالعبارة الأخيرة جاز له أن يبيع الدار

بنفسه و أن يوكل عنه أو عن المالك من يتولى البيع، و ليس له أن يتعدى ذلك، فان هو تعدى فوكل في بيع الدار من غير وكالة من المالك كان البيع فضوليا.

المسألة 54:

إذا أذن المالك للوكيل في ان يوكل غيره أشكل الحكم بجواز التوكيل له بمجرد الاذن فيه، فلا بد من ان يوكله في التوكيل كما ذكرنا، و إذا اذن له فوكل، فلا يترك الاحتياط بإجراء حكم الفضولي على الوكالة الثانية أو على فعل الوكيل الثاني.

المسألة 55:

إذا جاز للوكيل أن يوكل غيره، فوكله عن المالك، كان الوكيل الأول و الوكيل الثاني في عرض واحد، فلا يحق للوكيل الأول أن يعزل الثاني، و يجوز للمالك أن يعزل أيهما شاء عن الوكالة و يبقى الآخر، و لا ينعزل الوكيل الثاني بعزل الأول و لا بموته إذا مات، و سيأتي بيان جواز استقلال أحدهما بالتصرف من غير مراجعة الآخر و عدم جوازه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 506

المسألة 56:

إذا جاز للوكيل أن يوكل غيره في الفعل، فوكله عن نفسه كان الثاني فرعا عليه و لذلك فيصح للوكيل الأول أن يعزل الثاني عن الوكالة، و إذا مات الوكيل الأول أو انعزل عن وكالته انعزل الثاني، و يجوز للمالك أن يعزل الوكيل الثاني و يبقى الأول، و إذا أتى الأول بالفعل الموكل فيه نفذ تصرفه، و سقطت وكالة الوكيل الثاني بحصول موضوعها، و كذلك إذا أتى الوكيل الثاني بالفعل صح تصرفه و سقطت وكالة الأول و الثاني بحصول متعلقهما.

المسألة 57:

يجوز للإنسان أن يوكل وكيلين أو أكثر في شي ء واحد، فان صرح في وكالته لهما بأن كل واحد منهما وكيل مستقل عن صاحبه ثبتت لهما الوكالة مستقلين كذلك، فيجوز لكل واحد منهما أن ينفرد بالتصرف فيأتي بالفعل من غير مراجعة للآخر، و كذلك إذا كان لكلامه ظهور يعتمد عليه أهل اللسان في ذلك، و ان كان بمعونة القرائن، فيجوز لكل منهما أن يستقل بالتصرف.

و ان لم يصرح بالاستقلال و لم يكن لقوله ظهور متبع يدل عليه لم يجز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف عن الآخر، سواء كان صاحبه حاضرا أم غائبا، بل و ان كان عاجزا عن التصرف، و سواء اشترط الموكل عليهما أن يجتمعا في التصرف أم أطلق وكالته لهما و لم يشترط شيئا.

المسألة 58:

إذا وكل الشخص وكيلين في شي ء واحد، و اشترط عليهما أن يجتمعا في التصرف، أو أطلق الوكالة لهما و لم يشترط عليهما شيئا كما تقدم، و مات أحد الوكيلين بطلت الوكالة، فلا يجوز للحي الباقي منهما أن يتصرف إلا بوكالة جديدة، و إذا وكلهما و صرح لهما بالاستقلال أو كان لكلامه ظهور يدل على ذلك ثم مات أحد الوكيلين بطلت وكالة الميت و بقيت وكالة الموجود.

المسألة 59:

إذا وكل الشخص وكيلا في شي ء، ثم وكل وكيلا آخر في نفس ذلك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 507

الشي ء، فالظاهر من الوكالتين ان كل واحد من الوكيلين مستقل عن صاحبه، فيجوز له أن يتصرف و يأتي بالفعل الموكل فيه من غير مراجعة الآخر، الا ان يشترط عليهما أو على أحدهما الانضمام أو تدل القرينة على ذلك فيتبع الشرط.

المسألة 60:

إذا وكل الرجل وكيلا في بيع سلعة أو متاع و أطلق وكالته، انصرف إطلاق وكالته الى أن يبيع الوكيل السلعة نقدا، فلا يصح له أن يبيعها بثمن مؤجل، و أن يكون البيع بثمن المثل أو أكثر منه، فلا يصح له أن يبيعها بأقل منه، و ان يكون البيع بالعملة المتداولة في البلد، فلا يصح له البيع بغيرها.

و إذا وكله في شراء سلعة أو شي ء، انصرف إطلاق الوكالة إلى اشتراط أن يكون الشي ء الذي يشتريه صحيحا، فلا يصح له أن يتعمد شراء المعيب و ان كان أقل ثمنا، و إذا اشترى الشي ء فوجده معيبا جاز للوكيل رده بالعيب، و إذا وكله في البيع و أطلق وكالته صح له بمقتضى وكالته تسليم المبيع، و إذا وكله في الشراء جاز له تسليم الثمن.

المسألة 61:

الوكالة من العقود الجائزة، فلا يجب الالتزام بها من الموكل و لا من الوكيل، فيصح للوكيل ان يفسخ الوكالة و يعزل نفسه منها، و يجوز للموكل أن يفسخ الوكالة كذلك و يعزل الوكيل، و لا تبطل وكالة الوكيل بمجرد عزل الموكل إياه حتى يبلغه خبر العزل و لو بإخبار ثقة واحد، فتسقط وكالته حين ذلك، فإذا تصرف و باع أو اشترى أو أجرى صيغة العقد قبل ان يبلغه خبر العزل كان تصرفه نافذا.

المسألة 62:

إذا وكل الرجل وكيلا في بيع داره مثلا ثم عزله، و باع الوكيل الدار أو أجرى صيغة البيع قبل أن يبلغه خبر العزل كان بيعه نافذا على الموكل كما قلنا، فلا يصح بيع الموكل بعده، و إذا سبق الموكل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 508

فباع الدار أو أجرى الصيغة قبل أن يتصرف الوكيل صح بيع الموكل، و بطلت وكالة الوكيل بعد حصول متعلقها.

و كذلك الحكم إذا وكلت المرأة أحدا في تزويجها ثم عزلته عن الوكالة، و أجرى الوكيل عقد النكاح عليها قبل أن يبلغه خبر عزله، فيصح عقده و ينفذ، و لا يصح عقدها بعده على زوج آخر، و إذا سبقت هي فزوجت نفسها قبل ان يعقد الوكيل المعزول عليها، صح عقدها، و سقطت وكالته بحصول الفعل الموكل فيه.

المسألة 63:

يبطل عقد الوكالة إذا مات الوكيل، أو مات الموكل، سواء علم الوكيل بموته أم لم يعلم، فإذا تصرف فباع الدار التي قد وكل في بيعها مثلا، ثم علم ان الموكل مات قبل البيع كان بيعه باطلا.

و يبطل عقد الوكالة إذا جن الوكيل أو جن الموكل جنونا إطباقيا و ان لم يعلم الوكيل بجنونه، و كذلك في الجنون الأدواري و في الإغماء، فتبطل الوكالة إذا عرضا للوكيل أو للموكل على الأحوط في المسألتين.

و تبطل الوكالة إذا تلف الشي ء الذي تعلقت به الوكالة، و مثال ذلك أن يوكله في بيع سلعة أو دابة، فتتلف السلعة أو تموت الدابة، أو يكون الرجل وكيلا على تزويج امرأة، فيموت أحد الزوجين، و تبطل الوكالة، إذا فعل الموكل الفعل الذي تعلقت به الوكالة، كما إذا وكله على بيع الدار أو بيع السلعة، فباعهما المالك و كذلك إذا فعل المالك فعلا يرتفع به

موضوع الوكالة، كما إذا وكل أحدا في بيع مملوك فأعتقه المالك، أو وكله في بيع دار فوقفها المالك أو بالعكس.

و لا تبطل الوكالة على الفعل إذا وكل وكيلا آخر على الفعل نفسه، كما إذا وكل الأول على بيع الدار ثم وكل الثاني على بيعها أيضا، فلا تبطل وكالة الأول الا إذا سبق الوكيل الثاني فباع الدار قبل الأول فتبطل وكالة الأول بحصول متعلقها كما تقدم.

المسألة 64:

يجوز للإنسان أن يوكل غيره في منازعاته و مخاصماته عند القضاة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 509

و الحكام إذا لم يكن ظالما في خصومته و مرافعته، و يجوز له أن يكون وكيلا عن غيره في خصومته و مرافعته إذا علم أن موكله غير ظالم في خصومته، سواء كان الموكل مدعيا أم مدعى عليه، و سواء رضي خصمه بتوكيله أم لم يرض، فلا يحق للخصم أن يمتنع عن مرافعة الوكيل و يطلب مرافعة الموكل نفسه.

و مما يحسن بل يستحب أن يتنزه أهل الشرف و المقامات الرفيعة عن أن يتنزلوا الى المرافعات و المنازعات بأنفسهم و يوكلوا أمرها إلى الوكلاء و النواب عنهم.

المسألة 65:

يتولى الوكيل في الخصومة ما يتولاه موكله فيها، فان كان وكيلا عن المدعي: فعليه أن يقوم بنشر الدعوى عند الحاكم، فإذا كانت للمدعي بينة على دعواه ذكرها الوكيل، و إذا طلب الحاكم منه إقامتها أحضرها و أقامها، و إذا طلب منه تزكية الشهود زكاهم و اقام الأدلة على زكاتهم و عدالتهم، و ذكر القرائن و الوسائل المثبتة للدعوى ثم طلب الحكم من الحاكم.

و إذا لم تكن للمدعي بينة على مدعاه طلب من الحاكم إحلاف المنكر، فإذا لم يحلف طلب من الحاكم رد اليمين أو القضاء بالنكول. و إذا كان وكيلا للمدعى عليه، أنكر دعوى المدعي، فإذا أقام المدعي بينة طعن وكيل المدعى عليه بالشهود و أقام بينته على جرحهم، و ذكر الثغرات و النقائص الموجودة في شهادتهم، و سعى ما أمكنه في نقض دعوى المدعي.

و إذا كانت وكالة الوكيل خاصة بالقيام ببعض الجهات اختص عمله بتلك الجهات و لم يتعد ما حدد له في الوكالة و ترك باقي الجهات لموكله يقوم بها إذا شاء.

المسألة 66:

قد تنقلب الدعوى في أثناء المرافعة، فيصبح المنكر مدعيا، و يكون المدعي منكرا، و من أمثلة ذلك أن يدعي زيد على عمرو دينا في ذمته،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 510

فيقر له عمرو بالدين و يدعي أنه وفاة، أو يدعي أن زيدا قد أبرأ ذمته من الدين فيكون عمرو مدعيا للوفاء أو للإبراء، و يصبح زيدا منكرا لذلك، فعلى وكيل عمرو أن يقوم بأدوار وكيل المدعي التي تقدم ذكرها، و على وكيل زيد أن يقوم بدور وكيل المنكر.

المسألة 67:

إذا أقر وكيل المدعي في أثناء مرافعته للمدعى عليه بأمر ينافي دعوى موكله، لم ينفذ إقراره على الموكل، و لم تنقلب به الدعوى، فإذا كان الموكل المدعي يدعي على صاحبه دينا في ذمته، و اعترف وكيله على الموكل بأنه قد قبض الدين من المدعى عليه، أو بأنه قد أبرأ ذمته من الدين أو بأن بينته كاذبة في شهادتها لم ينفذ إقراره و لم تسقط به دعوى المدعي، و بطلت بذلك وكالة الوكيل، فليس له أن يتولى المرافعة في الدعوى نفسها، عند الحاكم و لا عند حاكم آخر، سواء كان اعترافه في مجلس القضاء أم في غيره، و ليس للوكيل و الموكل أن يجددا وكالة أخرى.

و كذلك الحكم في وكيل المدعى عليه إذا اعترف بما ينافي قول موكله، فلا ينفذ إقراره و لا يسقط بذلك قول موكله و تبطل به وكالة الوكيل فلا يحق له الاستمرار في المدافعة أو يجدد الوكالة، فإن الوكيل يعترف بأنه ظالم.

المسألة 68:

إطلاق وكالة الوكيل في المخاصمة مع الغير لا يجعل للوكيل حق المصالحة مع الخصم في الدعوى، أو أن يبرئ ذمته من الحق، و يصح له أن يتولى ذلك إذا وكله الموكل فيهما على الخصوص كما وكله في المخاصمة، أو كانت وكالته الأولى عامة شاملة للجميع تصريحا، أو بسبب القرائن الدالة على الشمول لذلك.

المسألة 69:

إذا وكل وكيلين في مخاصمة واحدة، فإن صرح في توكيله لهما بأن لكل واحد منهما ان يستقل عن الآخر في الخصومة و الدفاع، جاز لهما ذلك، و كذلك إذا كان لعبارته في توكيلهما ظهور يعتد به بأنهما

كلمة التقوى، ج 6، ص: 511

مستقلان و إذا أطلق لهما الوكالة و لم يصرح بأنهما مستقلان أو غير مستقلين، أو شرط عليهما الانضمام و الاجتماع في المخاصمة لم يستقل أحدهما عن الآخر فيها، و كان عليهما التشاور و التعاضد بينهما و المراجعة في الفعل الموكل فيه بينهما.

المسألة 70:

إذا وكل الشخص وكيلا معينا و هو في حضور الحاكم أو القاضي على ان يتولى عنه جميع مخاصماته و محاكماته أو اعترف الموكل في حضورهما بأنه وكل فلانا في جميع ذلك، ثم احضر الوكيل خصما للموكل و أقام عليه الدعوى عن موكله، سمع الحاكم منه دعواه و رتب الآثار على قوله.

و كذلك إذا وكله الموكل عند الحاكم في مخاصمته مع شخص معين أو اعترف له بالوكالة فيها، ثم أحضر الوكيل خصما و أقام عليه الدعوى عن موكله، و دلت القرائن أنه هو الشخص الذي وكله الموكل في محاكمته فيسمع الحاكم دعوى الوكيل عليه.

المسألة 71:

إذا ادعى الرجل عند الحاكم أن زيدا قد وكله في جميع مخاصماته مع الناس و استيفاء حقوقه منهم، و اقام بينة شرعية على ذلك، أو ادعى أن زيدا وكله في مخاصمة معينة و أثبتها بالبينة ثم نشر الدعوى على الخصم المعين، سمع الحاكم دعواه و رتب الآثار على قوله.

المسألة 72:

إذا ادعى الرجل الوكالة عن زيد و لم يقم البينة على قوله، و أحضر الخصم عند الحاكم و لم يصدقه الخصم في دعوى الوكالة، لم يسمع الحاكم منه دعواه إذا نشرها حتى يثبت صحة وكالته بحجة معتبرة شرعا.

و إذا أحضر الخصم عند الحاكم فصدقه الخصم في دعوى الوكالة لم تثبت بذلك وكالته عن الموكل، و إذا نشر الدعوى عند الحاكم على الخصم الذي صدقه سمع الحاكم دعواه عليه، فإذا تمت الدعوى و ثبت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 512

الحق على الخصم ألزم به لاعترافه بصحة الوكالة، و إذا ثبت الحق على الموكل كان الغائب على حجته فلا يلزم بشي ء الا ان تثبت وكالة الوكيل عنه بحجة معتبرة شرعا.

المسألة 73:

توكيل الوكيل في إقامة الدعوى على الخصم و إثبات الحق عليه عند الحاكم لا يعني توكيله في قبض الحق من الخصم إذا ثبت الحق عليه، فإذا أقام الوكيل الدعوى و أثبت الحق و ألزم الحاكم به الخصم جاز للخصم أن يمتنع عن تسليمه للوكيل، و جاز للموكل أن لا يرضى بتسليم الحق له الا أن يصرح الموكل بتوكيل الوكيل في قبض الحق إذا ثبت.

المسألة 74:

إذا وكل الرجل وكيلا في قبض حقه من أحد فأنكر المدين الحق لم يصح للوكيل ان يقيم عليه الدعوى و يخاصمه إلا إذا وكله صاحب الحق في إقامة الدعوى و إثبات الحق.

المسألة 75:

يمكن للوكيل و الموكل أن يتفقا على التوكيل بغير جعل، و يصح للموكل ان يشترط للوكيل على نفسه جعالة للعمل الذي يوكله فيه، فيوكله في بيع الدار أو الأرض أو البستان، و يجعل له جعلا معينا إذا هو أنجز العمل الموكل فيه، أو يوكله في محاكمة بعض الخصوم و مرافعته، و يجعل له مبلغا محددا من المال إذا هو أقام الدعوى و أتم المرافعة مع الخصم، و يصح للوكيل أن يشترط لنفسه الجعل على العمل الذي ينوب فيه عن الموكل.

المسألة 76:

إذا اشترط الوكيل أو الموكل الجعل للوكيل، استحقه إذا أتم العمل الموكل فيه، فإذا وكله في بيع أو شراء و شرط له الجعل، استحق الوكيل ما شرط له إذا هو أكمل المعاملة الموكل فيها و ان لم يقبض الثمن أو المثمن إلا إذا اشترط عليه أن يتم المعاملة من جميع جهاتها، و إذا وكله في مرافعة و منازعة بينه و بين خصم و اشترط له الجعل استحقه الوكيل إذا أتم الدعوى و أنجز العمل، و ان لم يقبض الحق المحكوم به، بل و ان

كلمة التقوى، ج 6، ص: 513

لم يثبت له الحق إذا كان العمل الموكل فيه و المشروط له الجعالة هو اقامة الدعوى و بذل الجهد في إثبات الحق سواء نجح فيه أم لم ينجح.

المسألة 77:

إذا وكل الرجل الوكيل في أن يقوم له بعمل و لم يشترط له الجعالة، فقام الوكيل بانجاز العمل الموكل فيه كما أراد الموكل، فان كان الوكيل قد قصد التبرع في عمله للموكل، أو دلت القرائن العامة أو الخاصة على أن الموكل قد قصد المجانية لما وكله في العمل لم يستحق الوكيل على عمله شيئا في كلتا الصورتين.

و إذا لم يقصد الوكيل التبرع في عمله الذي أتى به، و لم تدل قرائن خاصة و لا عامة على أن الموكل قد قصد المجانية لما وكله في العمل، استحق الوكيل أجرة المثل على العمل الذي أوقعه للموكل، و تراجع المسألة المائتان و السابعة من كتاب الإجارة فإن لها صلة بالمقام.

المسألة 78:

إذا وكل الدائن وكيلا في أن يقبض دينه من مدينة، فقال له وكلتك في أن تقبض ديني من زيد، و مات المدين قبل أن يأخذ الحق منه، لم يملك الوكيل بوكالته تلك أن يطالب ورثة المدين بدين أبيهم، إلا إذا كان وكيلا بأخذ الحق مطلقا، كما إذا قال له الدائن أنت وكيل في أن تقبض الدين الذي استحقه على فلان، فتجوز له مطالبة الوارث لإطلاق وكالته في أخذ الحق.

المسألة 79:

إذا وكل الدائن زيدا في استيفاء حقه من فلان، و دفع المدين نفسه الى زيد مبلغا من المال و وكله في وفاء دينه من المبلغ، أصبح زيد وكيلا عن الدائن في استيفاء دينه، و وكيلا عن المدين في وفاء ذلك الدين الذي في ذمته، و كانت الدراهم المدفوعة إلى الوكيل امانة للمدين في يده، حتى يقبضها الدائن عن دينه فتبرأ ذمة المدين، أو يقبضها الوكيل عن الدائن إذا كان وكيلا عنه في قبض الدين كما هو وكيل عنه في استيفائه، و إذا قبضها الوكيل كذلك برئت ذمة المدين أيضا، أو يستردها المدين من يد الوكيل قبل ان يقبضها الدائن أو وكيله

كلمة التقوى، ج 6، ص: 514

فتبقى ذمة المدين مشغولة لدائنه، و إذا تلفت الدراهم في يد الوكيل لم يضمنها، لأنه أمين إلا إذا تعدى أو فرط في أمانته.

المسألة 80:

إذا وكل الدائن الوكيل في أن يستوفي دينه من فلان، و دفع المدين اليه المبلغ بقصد وفاء دين موكله، فإذا قبضه الوكيل منه بهذا القصد كان وفاء للدين و ملكا للدائن، و برئت بقبضه ذمة المدين، و لا يجوز للمدين أن يسترد المبلغ بعد قبضه.

المسألة 81:

إذا دفع المالك الى الرجل شيئا و وكله في بيعه أو في هبته أو الصلح عليه، أو قبض عينا وكله المالك في شرائها أو قبضها، أو مالا وكله في قبضه أو في إيصاله الى أحد، فالوكيل أمين لا يضمن ما في يده إذا تلف أو حدث فيه عيب أو طرأ عليه نقص من سرقة و غيرها، إلا إذا فرط في الأمانة أو تعدى فاستعملها في ما لا يحل له فيكون له ضامنا كما هو الحكم في كل أمين.

المسألة 82:

إذا تعدى الوكيل أو فرط في حفظ ما في يده من العين التي وكل فيها كان ضامنا لها إذا تلفت كما قلنا، و لكن تعديه و تفريطه لا يسقط وكالته في التصرف، فإذا دفع المالك اليه سيارة مثلا وكله في بيعها، فركبها الوكيل أو استعملها من غير حق اثم بذلك و ضمن، و إذا سلمت السيارة فلم تتلف و لم تعطب جاز له بيعها بمقتضى وكالته، و إذا باعها الوكيل و سلمها إلى المشتري بري ء من الضمان، و لزمه للمالك ضمان المنافع التي استوفاها من العين قبل البيع، فعليه أن يدفع له أجرة مثلها.

المسألة 83:

إذا دفع المالك لرجل مبلغا من المال، و وكله في أن يودعه عند شخص معين، فأودع الوكيل المال عند ذلك الشخص و لم يشهد عليه أحدا عند الإيداع، و جحد الشخص المال الذي استودعه الوكيل إياه، فإن كان المالك وكل الوكيل في أن يودع المال عند الشخص و يشهد عليه عند

كلمة التقوى، ج 6، ص: 515

إيداعه فقصر الوكيل و لم يشهد كان الوكيل ضامنا للمال لتقصيره و مخالفته للوكالة.

و كذلك إذا كانت العادة المتبعة بين أهل العرف أن يشهدوا على الودعي عند إيداعه، فيكون بحكم الاشتراط على الوكيل و يضمن المال بمخالفته، و مثله ما إذا كان عدم الاشهاد عند الإيداع مما يعد تفريطا في الأمانة بنظر أهل العرف، فيكون الوكيل ضامنا للمال في هذه الصور الثلاث و لا ضمان عليه في غيرها. و كذلك الحكم إذا دفع المالك اليه مبلغا و وكله في أن يوصله إلى دائنه فلان و يقضي به دينه فدفع الوكيل المال إلى الدائن و لم يشهد عليه في قبض المال، و أنكر الدائن دفع المال

إليه، فيجري فيه التفصيل الآنف ذكره في فرض الوديعة و تنطبق أحكامه عليه.

المسألة 84:

إذا وكل الرجل وكيلا في بيع شي ء أو في شرائه للموكل، فالظاهر انه يصح للوكيل أن يشتري ذلك الشي ء لنفسه من مال الموكل، و أن يبتاع الشي ء للموكل من ماله إذا كان الشي ء موجودا لديه مع مراعاة مصلحة الموكل، و ان كان الأحوط له استحبابا أن يجتنب ذلك و خصوصا مع التهمة، و إذا صرح له الموكل في وكالته بأن يبيع الشي ء الموكل فيه و لو على نفسه، و أن يشتريه و لو من ماله فلا ريب في الصحة.

المسألة 85:

إذا ادعى زيد ان المالك قد وكله في بيع الأرض المعينة أو الدار المعلومة، و أنكر المالك وقوع الوكالة، أو ادعى المالك أنه قد وكل زيدا في البيع و أنكر زيد الوكالة، فالقول قول من أنكر الوكالة منهما مع يمينه.

المسألة 86:

إذا ادعى الوكيل ان العين التي دفعها المالك اليه و وكله في بيعها قد تلفت في يده، أو ادعى انه باع العين و تلف ثمنها في يده، أو أن الدين الذي وكله في قبضه من المدين قد تلف في يده بعد قبضه منه، و أنكر

كلمة التقوى، ج 6، ص: 516

المالك التلف، فالقول قول الوكيل لأنه أمين، إلا إذا كان متهما فيطالب بالبينة.

المسألة 87:

إذا تلفت العين أو المال في يد الوكيل و ادعى المالك أن الوكيل قد تعدى أو فرط في الأمانة، فيكون ضامنا لتلفها، و أنكر الوكيل أنه تعدى أو فرط، فلا ضمان عليه، فالقول قول الوكيل مع يمينه لأنه منكر، الا أن يكون متهما، فيطالب بالبينة.

المسألة 88:

إذا ادعى الوكيل أنه دفع المال الذي قبضه بالوكالة إلى مالكه، و أنكر المالك دفع المال اليه فالقول قول المالك مع يمينه لأنه منكر.

المسألة 89:

إذا ادعى الوكيل أنه أوقع التصرف الذي وكله المالك فيه، و قال:

قد بعت السلعة التي وكلتني في بيعها و تلف ثمنها في يدي بعد البيع، فلا شي ء علي، و أنكر الموكل ان الوكيل باع السلعة فتكون عليه غرامة المبيع أو عوضه، فالقول في ذلك قول الوكيل.

المسألة 90:

إذا تصرف الوكيل فباع أو اشترى للمالك بمقتضى وكالته عنه، فادعى المالك ان التصرف باطل لأنه قد عزل الوكيل، و بلغه الخبر، و أنكر الوكيل العزل، أو ادعى عدم العلم بالعزل، فيكون التصرف ماضيا، فالقول قول الوكيل مع يمينه.

المسألة 91:

إذا وكل الرجل وكيلا في البيع و الشراء عنه، فاشترى الوكيل سلعة أو أرضا أو غيرهما فقال الموكل انك اشتريتها لي بوكالتك عني، و قال الوكيل اني اشتريتها لنفسي، فالقول قول الوكيل لأنه أبصر بنيته، و كذلك إذا اشترى الوكيل السلعة أو الأرض و أراد الثمن من الموكل، فقال الموكل: انك اشتريتها لنفسك فعليك ثمنها و قال الوكيل: اني اشتريتها لك بمقتضى وكالتك لي فالثمن عليك، فالقول قول الوكيل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 517

كما في الفرض السابق لأنه أبصر بنيته، و الأحوط اليمين عليه في الصورتين.

المسألة 92:

إذا اشترى الوكيل للمالك أرضا مثلا أو دارا، و جعل ثمنها نخيلا معينة للمالك أو عينا مشخصة أخرى، و ادعى أن المالك قد أذن له بالشراء بهذا الثمن المعين، و أنكر الموكل انه اذن له في ذلك، فالقول قول الموكل مع يمينه، فتستعاد عين الثمن إذا كانت موجودة، و يسترد عوضها- مثلها أو قيمتها- إذا كانت مفقودة.

المسألة 93:

إذا زوجه الوكيل امرأة و عين لها صداقا، و أنكر الرجل انه وكله في تزويجه، و لم تكن للوكيل بينة تثبت وكالته في ذلك، فالقول قول منكر الوكالة مع يمينه، و يكون للمرأة المزوجة نصف الصداق على الوكيل، و يجب على الرجل أن يطلق المرأة إذا كان يعلم بصحة الوكالة و صحة التزويج.

المسألة 94:

إذا ادعى الأب أو الجد للأب أنه قد دفع مال الصبي أو القاصر اليه بعد بلوغه و رشده، و أنكر المولى عليه ذلك، فالقول قول المنكر مع يمينه، و كذلك الحكم في غير الأب و الجد من الأولياء على الصبي أو على المجنون أو السفيه و الأبله إذا ادعى الولي أنه قد دفع الى المولى عليه ماله بعد ان ارتفع الحجر عنه و زال حكم الولاية عليه، و أنكر المولى عليه دفع المال اليه فالقول قول المنكر مع يمينه.

المسألة 95:

إذا ادعى الولي الشرعي أبا كان أم جدا، أم وصيا، أم غيرهما من الأولياء أنه قد أنفق على القاصر من ماله أو على دوابه أو على بقية شؤونه التي يلزمه الإنفاق عليها، في أيام ولايته على القاصر، و أنكر القاصر الإنفاق فالقول قول الولي لأنه أمين، و كذلك إذا ادعى القاصر ان الولي قد أسرف أو بذر في النفقة عليه فيكون ضامنا و أنكر الولي ذلك فالقول قول الولي.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 518

المسألة 96:

إذا كان في يد الوكيل مال للموكل و طالبه الموكل به و كان قادرا على تسليمه، وجب عليه تسليمه اليه أو الى وكيله في القبض عنه، فإذا أخر التسليم من غير عذر كان ضامنا للمال إذا تلف أو نقص أو حدث فيه عيب، و إذا كان التأخير لعذر، فلا ضمان عليه، كما إذا أخره لانشغاله بواجب شرعي كالحج أو العمرة الواجبين و نحوهما أو لمرض أو لسفر يضطر اليه، أو انشغال في أمر لا يمكنه تأجيله أولا ينبغي لمثله تأجيله كحضور أضياف لا يمكنه التساهل في أمرهم أو لسقوط مطر غزير، و نحو ذلك، فإذا زال العذر المانع وجب عليه التسليم، فإذا أخره بعد زوال العذر كان ضامنا.

المسألة 97:

إذا وكل المالك وكيلا و فوض إليه الأمر في المعاملة كلها بجميع جهاتها و توابعها، كان الوكيل بحكم المالك فيها، فإذا باع عينا بثمن، و وجد المشتري العين مستحقة للغير أو نحو ذلك مما يوجب الرجوع على المالك في عين المبيع، فيجوز للمشتري أن يرجع بذلك على الوكيل، و إذا اشترى شيئا بثمن، و وجد البائع في الثمن ما يوجب رده أو ما يوجب الخيار فيه فيجوز للبائع أن يرجع في ذلك على الوكيل المفوض، و ترد عليه العين المعيبة و يؤخذ منه التفاوت مع الغبن، و الأرش مع العيب، و غير ذلك من توابع المعاملة مع المالك.

المسألة 98:

إذا اختلف المالك و الوكيل في اشتراط الجعالة على العمل الموكل فيه و عدمه، فقال الوكيل: اني اشترطت الجعل على ذلك في عقد الوكالة، و أنكر الموكل اشتراط ذلك، فالقول قول المنكر مع يمينه، و كذلك إذا تسالما على اشتراط الجعل و اختلفا في مقداره فقال الوكيل: هو مائة دينار، و قال الموكل: بل هو ثمانون دينارا، فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه، و إذا ادعى الموكل انه قد دفع الجعالة إلى الوكيل، و أنكر الوكيل ذلك فالقول قوله مع يمينه.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 519

المسألة 99:

يجوز لصاحب الدين أن يوكل وكيلا في أن يبرئ ذمة الشخص المدين له، و ان لم يعلم الوكيل بل و لا الدائن بمقدار الدين.

المسألة 100:

لا يحق للرجل أن يوكل شخصا غير أمين في التصرف في مال غيره، و مثال ذلك: ان يوكله الولي على التصرف في مال القاصر المولى عليه، أو يوكله على التصرف في مال الوقف، أو يوكله الوصي على التصرف في ثلث الميت، أو يوكله الرجل في دفع مال الزكاة أو الخمس الى مستحقه، فلا بد و أن يكون الوكيل الذي يوكله في ذلك أمينا، و إذا وكل فيه غير الأمين كان ضامنا، و يجوز له أن يوكل من يشاء على التصرف في ماله و ان كان غير أمين.

المسألة 101:

إذا وجد المشتري مال المالك في يد شخص و ادعى الشخص انه وكيل عن المالك في بيع ماله جاز له قبول قوله، و صح له أن يشتري المال منه و يرتب الأثر على وكالته، لأنه صاحب يد على المال فيقبل قوله، و إذا ادعى الوكالة عن المالك و لم يكن المال في يده لم يقبل قوله، و لم يرتب الأثر عليه، فلا يصح له ان يشتري منه شيئا في ذمة المالك حتى تثبت صحة وكالته عنه بحجة شرعية معتبرة.

المسألة 102:

إذا بطلت وكالة الوكيل بعزله أو بعروض أحد الأمور التي تبطل بها الوكالة- و قد تقدم ذكر بعضها في المسألة الثالثة و الستين و ما قبلها- و كان للمالك الموكل مال أو عين باقية بيد الوكيل، فهي في يده امانة لا يضمنها إذا تلفت أو حدث فيها عيب أو نقص إلا إذا تعدى أو فرط فيها، و يجب عليه تسليم الأمانة إلى الموكل إذا كان موجودا و الى وارثه إذا كان ميتا، و إذا أخر تسليمها من غير عذر كان ضامنا.

المسألة 103:

إذا وكل الرجل وكيلا في شراء شي ء، و بطلت الوكالة بعروض

كلمة التقوى، ج 6، ص: 520

أحد المبطلات، و اشترى الوكيل الشي ء بعد بطلان وكالته، فالمبيع لا يزال باقيا على ملك بائعه و ان استلمه الوكيل منه، و كذلك إذا وكله في أن يستقرض له مالا من أحد، فاستقرضه بعد ان بطلت الوكالة، فهو لا يزال ملكا للمقرض، و إذا وكله في قبض دين على أحد فقبضه بعد بطلان الوكالة، فالمال المقبوض ملك لدافعة و هو المدين، و لا يدخل شي ء منها في ملك الموكل، و إذا تلف المال في يد القابض كان ضامنا لمالك المال.

المسألة 104:

إذا وكل الإنسان غيره في عقد نكاح أو إيقاع طلاق أو وفاء دين، أو تطهير ثوب أو إناء أو دفع زكاة أو خمس الى مستحقها، فأخبر الوكيل بأنه قد أنجز العمل، فان كان الوكيل ثقة و حصل الاطمئنان بصدقه في خبره فالظاهر صحة ترتيب الأثر على قوله، فتجوز له مقاربة المرأة التي وكله في عقد تزويجها، و يرتب اثر الطلاق على المرأة التي وكله في طلاقها، و يحكم بفراغ ذمته من الدين و من الزكاة و الخمس، و يحكم بطهارة الثوب أو الإناء، و إذا لم يكن الوكيل ثقة أو لم يحصل الاطمئنان بصدق قوله لم يرتب الأثر عليه على الأحوط بل هو الأقوى.

و إذا علم ان الوكيل أتى بالفعل و شك في صحة فعله و عدمها بنى على الصحة.

المسألة 105:

إذا شرط الوكيل على الموكل في ضمن عقد لازم أن يجعله وكيلا عنه مطلقا أو في تصرف معين، و قبل الموكل الشرط وجب على الموكل الوفاء بالشرط، فلا بد له من توكيله. و إذا اشترط عليه أن يوكله ثم لا يعزله عن الوكالة لم يجز له عزله بعد التوكيل، و من أمثلة ذلك: أن يشرط المرتهن على المدين الراهن أن يجعله وكيلا عنه في بيع العين المرهونة إذا حل أجل الدين و لا يعزله عن وكالته، فيجب عليه الوفاء بالشرط، و كذلك الحكم إذا شرط الموكل على الوكيل أن يقبل وكالته مطلقا أو في أمر معين و ان لا يعزل نفسه عن الوكالة، فيجب على الوكيل الوفاء بالشرط.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 521

المسألة 106:

الظاهر أن الوكالة تتحقق إذا شرطها الوكيل على الموكل بنحو شرط النتيجة في عقد لازم أو شرطها الموكل على الوكيل كذلك، و إذا شرط أن يكون وكيلا لا يملك عزله ثبتت وكالته و لم يصح عزله كما اشترط، و ان كنا لا نقول بصحة الشرط إذا كان بنحو شرط النتيجة في سائر العقود، و لكن الظاهر صحة ذلك في الوكالة و نحوها من العقود التي يكفي في صحتها إنشاؤها بأي لفظ يدل عليها، فيكون اشتراطها في العقد اللازم إنشاء لها فتصح و تلزم، و قد نبهنا على ذلك في بعض المباحث من كتب المعاملات.

المسألة 107:

إذا شرط عليه في عقد لازم ان يجعله وكيلا عنه، ثم شرط عليه في ضمن عقد لازم آخر ان لا يعزله من التوكيل، وجب عليه الوفاء بالشرطين معا.

و الحمد للّه رب العالمين

كلمة التقوى، ج 6، ص: 523

كتاب الوصية

اشارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 525

كتاب الوصية و فيه خمسة فصول:

الفصل الأول في الوصية و شروط الموصى
المسألة الأولى:

الوصية على الظاهر اسم مصدر بمعنى العهد، من قولهم: وصاه يوصيه توصية، إذا عهد اليه، أو من قولهم: أوصاه يوصيه إيصاء، و موارد استعمال الكلمة في الكتاب الكريم و في السنة المطهرة، و في الأدب العربي على الأكثر تشهد بذلك و لا تخرج عنه، و اما احتمال أن تكون مصدرا من قولهم: وصى الشي ء إذا اتصل، أو قولهم وصى الشي ء بالشي ء إذا وصله به، فلا يخرج عن كونه مناسبة لفظية خالصة باعتبار ان الرجل بوصيته يصل تصرفه في حال حياته بتصرفه بعد موته، و لا دلالة في موارد استعمال الوصية الآنف ذكرها على ارادة ذلك.

المسألة الثانية:

الوصية قد تكون تمليك عين لأحد، كما إذا أوصى الرجل لزيد أن يعطى مبلغا من المال، أو يعطى داره المعينة، و قد تكون تمليك منفعة، كما إذا أوصى له بأن توجر الدار مدة سنة أو سنتين و تدفع له إجارتها، أو بأن يسكنها كذلك، أو بأن تكون منفعة الدار له سواء استوفاها بالسكنى أم بالتأجير، و قد تكون تحريرا من الملك كما إذا أوصى بعتق عبده، و قد تكون وصية بوقف دار أو أرض، و قد تكون وصية بنقل حق الى غيره، أو بإسقاط حق أو بإبراء ذمة من دين، و قد تكون عهدا الى أحد بتجهيز الموصى بعد موته أو بدفنه، أو بقضاء واجبات أو بأعمال مستحبة أو بأداء أمانات أو ديون، و قد تكون جعلا لوصاية أو ولاية على مال أو على قاصرين، و غير ذلك، فهي على ضروب كثيرة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 526

المسألة الثالثة:

يجب على المكلف أن يبادر في امتثال الواجبات المضيقة، و لا يجوز له تأخيرها عن أوقاتها المحددة لها شرعا، سواء كانت من الواجبات للّه سبحانه، أم كانت من الواجبات للناس، كالأثمان و الأعواض و الأمانات و الحقوق التي اشترط على الإنسان في عقد لازم أن يفي بها في أول الأوقات الممكنة، و الأثمان و الأعواض و الأمانات و الحقوق التي اشترط لها وقت محدد لا سعة فيه، و الودائع و الأموال التي ضربت لها مدة معينة، و انقضت مدتها، فيجب على المكلف ردها إلى أهلها و لا يسوغ له تأخيرها عن أوقاتها المضبوطة بعد حضورها.

المسألة الرابعة:

تتضيق الواجبات الموسعة على الإنسان إذا ظهرت له أمارات الموت، لكبر السن و ضعف القوى، و ترادف الأمراض الدالة بحسب العادة على دنو الأجل و قربه، فيجب على المكلف ان يبادر إلى الإتيان بما عليه من واجبات و فرائض اشتغلت بها ذمته، كصلوات أو صيام أو واجبات أخرى تركها، أو أتى بها باطلة، و أداء أخماس أو زكوات وجبت عليه و لم يمتثل أمرها، و وفاء نذور مطلقة أو كفارات أو مظالم وجبت عليه و لم يأت بها أو أتى بها على غير وجهها الصحيح، و غير ذلك من المفروضات التي تساهل فيها أو عصى أمرها و لزمه قضاؤها.

و تتضيق الواجبات الموسعة كذلك إذا اطمأن المكلف بأنه إذا أخر الإتيان بها لم يتمكن بعد ذلك من الوفاء بها و امتثال أوامرها لكثرة الشواغل أو لتزايد الضعف عليه و ان لم تظهر له أمارات الموت، فتجب عليه المبادرة إلى امتثالها مع الإمكان و القدرة.

المسألة الخامسة:

يجب على الإنسان رد أموال الناس و ودائعهم الموجودة لديه و ديونهم التي حل وقتها إذا طالبه أهل الأموال و الودائع و الديون بها، فتجب عليه المبادرة بردها إليهم، و يجب الرد كذلك إذا انقضت مدة الاستيداع أو العارية و المضاربة و حلت مواعيد الديون كما تقدم ذكره.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 527

و إذا لم يطالب أهل الأموال و الودائع الموجودة بتسليمها أو لم تنقض مدتها لم تجب عليه المبادرة بالرد، إلا إذا خاف ضياع أموالهم، أو خاف عدم أداء ورثته بعد موته، فيجب عليه ردها إلى أهلها عند ذلك.

المسألة السادسة:

إذا لم يتمكن المكلف من امتثال ما وجب عليه من الواجبات المضيقة أو الموسعة في حياته و كانت مما يجب قضاؤه، وجب عليه أن يوصي بقضائها عنه بعد موته، و كذلك الفوائت من الواجبات التي وجب عليه قضاؤها و لم يقضها، فيجب عليه أن يوصي بقضائها بعد موته، سواء كان فوتها لعذر أم لغير عذر، كالصوم و الصلاة التي تركها عامدا أو أتى بها باطلة.

و هذه الواجبات و ان كانت مما لا تقبل النيابة فيها حال حياة المكلف، الا ان النيابة فيها صحيحة بعد الموت، فتجب الوصية بها و الاشهاد عليها و الاستيثاق منها إذا علم ان ورثته لا تنفذ الوصية إلا بذلك، و كذلك الواجبات المالية التي وجبت عليه و لم يؤدها كالزكاة و الخمس و الكفارات و النذور و المظالم و شبهها.

المسألة السابعة:

إذا كانت لديه أعيان موجودة من أموال الناس و ودائعهم، لم يطالبوه بها في حياته أو لم تحل أوقات تسليمها إلى أهلها، أو طالبه أهلها بتسليمها و لم يدفعها إليهم لعذر أو لغير عذر، وجب عليه أن يوصي بأدائها إلى أهلها، إذا علم أن الوارث لا يردها إلا بالوصية، و يجب عليه أن يشهد على الوصية و يستوثق منها. إذا توقف إنفاذ الوصية على ذلك، و كذلك الديون و الأموال و الحقوق التي تكون في ذمته، سواء كانت مؤجلة في حال حياته أم غير مؤجلة، فتجب الوصية بها و الاعلام بها و الاشهاد و الاستيثاق إذا توقف الأداء على ذلك، و منها الضمانات و الجنايات و الديات التي وجبت عليه.

و إذا كانت ودائع الناس و أموالهم و ديونهم عليه مثبتة موثقة، و علم بأن ورثته من بعده يقومون بأدائها و وفائها

لم تجب عليه الوصية بها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 528

المسألة الثامنة:

قد مر في ما تقدم أن الوصية تقع على ضروب كثيرة، أشرنا إلى بعضها في المسألة الثانية، و لم نذكر الباقي لأن مقاصد الموصى و أنحاء الإيصاء يعسر ضبطها في عدد معين، فهي تعم كل ناحية مباحة تتعلق بالموصي في نفسه أو ماله، أو حقوقه و جميع شؤونه التي يمكن له التصرف فيها، و هي على وجه العموم تكون على قسمين: تمليكية و عهدية.

و يراد بالوصية التمليكية: أن يجعل الموصى شيئا من تركته أو من منافع أمواله أو من حقوقه القابلة للنقل، ملكا لشخص معين أو لأشخاص معينين، أو لعنوان معين ذي أفراد كالفقراء و طلاب العلم، أو لجهة معينة كمسجد أو مشهد أو حسينية، أو مستشفى أو ميتم أو مدرسة أو ملجأ، و شبه ذلك، فهي وصية بالملك أو بالاختصاص.

و يراد بالوصية العهدية: أن يلزم الموصى وصيه أو وارثه أو غيرهما بفعل أو بشي ء يتعلق به أو بماله أو بشي ء من شؤونه، فيأمر بتجهيزه بعد الموت على وجه يريده مثلا، أو يأمر بدفنه في مكان خاص أو عام، أو يعهد بأن يستناب عنه من بعده من يقوم له ببعض الواجبات عليه، أو ببعض الأعمال المندوبة، أو بأن يعتق عبده أو توقف داره أو تباع أرضه، أو يعين شخصا يوكل اليه التصرف في ثلثه و تطبيق وصاياه، أو يجعله وليا على يتاماه، و ما يشبه ذلك من التصرفات التي تهمة.

المسألة التاسعة:

الأقوى أنه لا يعتبر القبول في صحة الوصية سواء كانت عهدية أم تمليكية، و سواء كانت تمليكا لشخص أو أشخاص معينين، أم تمليكا لنوع ذي أفراد، كما إذا أوصى بداره للفقراء أو لطلاب العلم أو لذرية الرسول (ص)، فإذا أنشأ الموصى وصيته على الوجه المطلوب

صحت و نفذت، و ان لم يحصل القبول من الشخص أو الأشخاص الذين أوصى لهم بالملك أو بالاختصاص، أو من ولي النوع الموصى له، فالوصية من الإيقاعات لا من العقود على الأقوى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 529

نعم، يشكل الحكم بصحة الوصية التمليكية أو بعدم صحتها إذا رد الموصى له الوصية، و لذلك فلا بد من مراعاة الاحتياط في تطبيق آثار الوصية و عدم تطبيقها بعد رد الموصى له إياها، و سيأتي التعرض لتفصيل ذلك في ما يأتي ان شاء اللّه تعالى.

المسألة العاشرة:

لا يشترط القبول في صحة الوصية العهدية كما لا يشترط في الوصية التمليكية، سواء أريد به القبول من الموصى إليه، أم القبول من الموصى له، كما إذا عهد الموصى الى وصيه أن يعطي زيدا بعد موته مقدارا من المال، فلا يعتبر في صحة هذه الوصية أن يقبل الموصى له و هو زيد، فإذا مات الموصى استحق زيد المال الموصى به و ان لم يحصل منه القبول، كما لا يعتبر في صحة الوصية أن يقبل الموصى إليه ذلك.

نعم، يشكل الحكم بالصحة أو بعدمها إذا رد الموصى له الوصية، فلا بد مع رده إياها من مراعاة الاحتياط كما تقدم.

المسألة 11:

تتحقق الوصية بأن تنشأ بأي لفظ يكون ظاهرا في المراد، فلا يشترط في صحتها أن تنشأ بلفظ خاص، أو بلغة خاصة، و يكفي في تحققها ان تنشأ بأي فعل يكون ظاهرا في إنشائها أيضا، من إشارة مفهمة، أو كتابة و نحو ذلك حتى في حال الاختيار و القدرة على النطق، فإذا كتب كتابا بخطه و توقيعه، و علم بأنه انما كتبه وصية ليعمل بها بعد موته، كان ذلك وصية يجب تنفيذها، و كذلك إذا كتب غيره الكتاب و قرأه عليه قراءة تامة أو قرأه الموصى نفسه و رضي بما فيه و أقره إقرارا كاملا و أمضاه بتوقيعه في الكتاب و تصديقه له أو وضع خاتمه فيه، أو أشار إشارة مفهمة، تدل على قبوله و الرضا بجميع ما يحتويه.

المسألة 12:

إذا شهدت بينة عادلة بأن زيدا قد أوصى بكذا، و أخبر زيد نفسه بأنه لم يوص، فان كان ذلك عن نسيان لطول المدة مثلا، أو لخشية منه من بعض النواحي التي يحذرها، صدقت البينة و وجب العمل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 530

بالوصية التي شهدت بها، و لم يلتفت الى قوله، و ان كان ذلك عدولا منه عن الوصية التي شهدت بها البينة سقطت وصيته الأولى، و إذا شهد العادلان بأنه لم يوص، و قال هو: اني قد أوصيت، فإن كان قوله هذا إنشاء لوصية جديدة أو كان إقرارا بوصية لم يطلع عليها الشاهدان عمل على قوله، و ان كان لمجرد أمر توهمه لم يلتفت الى قوله.

المسألة 13:

لا تتحقق الوصية العهدية الا بوجود شخص معين يقع منه إنشاء العهد، و هو الموصى، و أمر خاص يعهد به الموصى لينفذ بعد موته، و هو الموصى به، و قد يعين الموصى شخصا خاصا يعهد إليه بأن يكون هو المنفذ من بعده للوصية، و هو الموصى اليه، و يقال له الوصي في الأكثر.

و لا تتحقق الوصية التمليكية الا بوجود شخص ينشئ التمليك بعد موته، و هو الموصى، و شي ء تتعلق به الوصية و التمليك و هو الشي ء الموصى به، و شخص أو أشخاص يكون التمليك لهم بعد موت الموصى، و هم الموصى لهم.

المسألة 14:

يجوز للوصي أن يرد الوصية في حال حياة الموصى، سواء كانت الوصية عهدية أم تملكية و إذا ردها كذلك و بلغ الموصى رده في وقت يمكن للموصي أن يجعل له وصيا غيره، سقطت وصايته اليه و لم يجب عليه العمل بها.

و إذا كان رده للوصية بعد موت الموصى، لم يؤثر رده شيئا و لزم عليه العمل بالوصية، و كذلك الحكم إذا ردها قبل أن يموت الموصى، و لم يبلغه أن الوصي رد وصيته حتى مات، فلا تسقط الوصاية بذلك، بل و كذلك إذا أوصى اليه و لم يبلغ الوصي بأن زيدا قد أوصى اليه الا بعد موت زيد الموصى، فيجب عليه العمل بالوصية، و لا يصح له ردها.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 531

المسألة 15:

الأحوط للوصي لزوما أن لا يرد الوصية في حال حياة الموصى إذا علم ان الموصى لا يتمكن من الوصية إلى شخص غيره، سواء كان عدم تمكنه من ذلك لعدم وجود من يوصي اليه، أم كان لعجز الموصى عن الوصية و لو بالإشارة.

المسألة 16:

إذا سقطت وصاية الوصي في الفرض الأول من المسألة الرابعة عشرة و لم يجب عليه العمل بها فلا يعني ذلك سقوط الوصية من أصلها إذا لم يعدل الموصى عنها فيجب على الورثة إنفاذ ما فيها عدا وصاية الوصي المذكور.

المسألة 17:

الأقوى كما سبق ذكره في المسألة التاسعة أن الوصية من الإيقاعات لا من العقود حتى إذا كانت الوصية تمليكية، فلا يشترط في صحتها قبول الموصى له، فإذا أنشأ الموصى وصيته و ملك الشخص الموصى له شيئا من تركته، ثم مات الموصى و لم يصدر من الموصى له قبول و لا رد للوصية، ملك الشي ء الموصى به بالموت على الأقوى.

المسألة 18:

إذا رد الموصى له وصية الرجل بتمليكه شيئا من ماله، فللمسألة صور تجب ملاحظتها.

الصورة الأولى: أن يرد الشخص الموصى له الوصية في حال حياة الموصى، و الظاهر أنه لا أثر لهذا الرد وحده، فإذا مات الموصى، و لم يصدر من الموصى له قبول و لا رد بعد الموت ملك الشي ء الموصى به كما تقدم.

الصورة الثانية: أن يقبل الموصى له الوصية في حال حياة الموصى ثم يرد الوصية بعد موته، و لا أثر لهذا الرد أيضا فلا تبطل الوصية به و يكون الشي ء الموصى به ملكا للموصى له.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 532

الصورة الثالثة: أن يقبل الموصى له الوصية بعد أن يموت الموصى ثم يردها بعد ذلك و لا أثر لهذا الرد المسبوق بالقبول كذلك فلا تبطل به الوصية.

الصورة الرابعة: ان لا يقع من الموصى له قبول للوصية في حال حياة الموصى و لا بعد موته، ثم يرد الوصية بعد ذلك، و الحكم في هذه الصورة بصحة الوصية أو ببطلانها مشكل، فلا بد فيها من الاحتياط برجوع الورثة إلى المصالحة مع الموصى له بعد رده للتخلص من الإشكال.

المسألة 19:

لا يشترط في صحة الوصية التمليكية أن يقبض الشخص الموصى له المال الموصى به، فإذا أنشأ الموصى وصيته ثم مات، صحت وصيته، و ملك الموصى له المال و ان لم يقبضه بعد، و إذا رد الوصية بعد موت الموصى و قبل القبول و القبض، توجه الاشكال المتقدم، و احتاج الورثة في التخلص منه الى الاحتياط بالمصالحة.

المسألة 20:

إذا أوصى صاحب المال للرجل بشيئين من ماله في وصية واحدة، فقبل الموصى له ملك أحد الشيئين و رد الوصية في الآخر، صحت الوصية و نفذت في تملك الشي ء الذي قبله الموصى له، سواء كان قبوله في حال حياة الموصى أم بعد موته، و أشكل الحكم في الشي ء الآخر الذي رد الوصية به، إذا كان رده بعد موت الموصى و لم يسبقه قبول لذلك الشي ء، و احتاج ورثة الموصى فيه الى المصالحة مع الموصى له، كما تقدم.

و كذلك الحكم إذا أوصى له بشي ء واحد، فقبل الموصى له بعضه و رد الوصية في البعض الآخر، فتصح الوصية في البعض الذي قبل الوصية به و يشكل الحكم في البعض الذي رده، و يحتاج فيه الى الاحتياط.

و إذا علم من القرائن أن الموصى إنما قصد في إنشاء وصيته تمليك المجموع على نحو وحدة المراد و المطلوب، لم يصح التبعيض المتقدم و أشكل الحكم في الجميع و احتيج فيه الى الاحتياط.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 533

المسألة 21:

لا يصح لورثة الموصى إذا مات مورثهم أن يتصرفوا في العين التي أوصى بها، بل يجب عليهم الانتظار فإذا قبل الموصى له المال الموصى به ملكه بالوصية، و إذا رده بعد موت الموصى و لم يقبله احتاجوا الى التخلص من الاشكال فيه بالتراضي و المصالحة معه.

المسألة 22:

إذا مات الشخص الموصى له قبل وفاة الموصى، كانت الوصية لورثة الموصى له، كما دلت عليه معتبرة محمد بن قيس، إلا إذا رجع الموصى فعدل عن وصيته لمورثهم، و إذا هو لم يرجع في وصيته حتى مات، ملك ورثة الموصى له الشي ء الموصى به بعد موته و لم يتوقف ملكهم لذلك الشي ء على قبولهم، و إذا رد هؤلاء الورثة وصية الموصى بعد موت مورثهم الموصى له أو ردوها بعد موت الموصى وقع التردد و الاشكال المتقدم و احتيج إلى المصالحة، و التراضي للتخلص من الإشكال.

المسألة 23:

إذا مات الموصى في الفرض المتقدم، انتقل المال الموصى به الى ورثة الموصى له، و ظاهر النصوص ان انتقال المال إليهم يكون من الموصى نفسه لا من مورثهم الموصى له، و لكن قسمة المال بينهم يكون على حسب ميراثهم من مورثهم.

المسألة 24:

الظاهر من النصوص أن المال الموصى به في الفرض المتقدم ينتقل من الموصى إلى ورثة الموصى له الموجودين حين موت مورثهم الموصى له، لا الى وارثه حين موت الموصى، فالحكم به هو المتعين.

المسألة 25:

إذا مات الموصى له قبل أن يموت الموصى كما هو الفرض في المسائل المتقدمة و انتقلت الوصية إلى ورثة الموصى له على حسب مواريثهم من مورثهم كما ذكرنا في المسألة الثالثة و العشرين، فإذا كانت العين الموصى بها أرضا أو كان فيها أرض و كانت للموصى له زوجة لم ترث زوجته من الأرض و ورثت من النخيل و الشجر و البناء و غيرها غير الأرض.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 534

المسألة 26:

إذا قبل بعض ورثة الموصى له بالوصية و ردها بعضهم صحة الوصية في نصيب من قبل منهم، و أشكل الحكم في نصيب من رد الوصية منهم، فيحتاج إلى المصالحة معه للتخلص من الاشكال، و إذا علم من القرائن أن وصية الموصى كانت بالمجموع على نحو وحدة المطلوب أشكل الحكم بالصحة في الجميع، و احتيج إلى المصالحة معهم كافة.

المسألة 27:

إذا كان المال الموصى به من الأشياء التي تكون من الحبوة، كالسيف و المصحف و الخاتم، و مات الشخص الموصى له قبل وفاة الموصى، فالظاهر عدم انطباق الحبوة عليه، فلا يختص به الولد الأكبر للموصى له.

المسألة 28:

إذا أوصى الموصى بشي ء من تركته للفقراء أو للعلماء أو للسادة أو غير ذلك من العناوين ذات الأفراد، لم تتوقف صحة الوصية على قبول الأفراد أو قبول وليهم كما تقدم، و لا يكون رد الموصى له مانعا من صحة الوصية، فإذا رد الوصية بعض الفقراء أو بعض العلماء في المثال المتقدم بعد وفاة الموصى لم تبطل الوصية و لم يجر الاشكال السابق في الموصى له إذا رد الوصية بعد موت الموصى، و حتى إذا انحصر الفقراء أو العلماء في أفراد معينين، فردوا الوصية بعد موت الموصى لم تبطل الوصية و لم يجر الاشكال، و لم يحتج الى الاحتياط بالمصالحة.

المسألة 29:

يشترط في صحة الوصية أن يكون الموصى بالغا، فلا تصح وصية الصبي غير البالغ، و يستثنى من ذلك ما إذا كان الصبي قد بلغ عشر سنين تامة و كان عاقلا، و كانت وصيته في وجوه البر و المعروف، كما إذا أوصى ببناء مسجد أو عمارته، أو بالإنفاق على الفقراء أو الأيتام أو معالجة المرضى المحتاجين، أو بصلة أرحامه و ذوي قرباه و تمليكهم بعض أمواله أو بشي ء من سائر الخيرات و المبرات العامة أو الخاصة،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 535

فالأقوى صحة وصيته و وجوب تنفيذها، و لا يختص الحكم بالصحة بوصيته لأرحامه. و لا تصح وصيته إذا لم يكمل عشر سنين، أو كانت وصيته في غير الوجوه المذكورة.

المسألة 30:

يشترط في صحة الوصية أن يكون الموصى عاقلا، فلا تصح وصية المجنون سواء كان جنونه مطبقا أم كان أدوارا، إذا أوصى في دور جنونه، و تصح وصيته إذا أوقعها في دور إفاقته، و لا تصح وصية السكران و هو في حالة سكره.

و لا تبطل وصية الشخص إذا أوصى و هو عاقل ثم طرأ له الجنون أو عرض له السكر أو الإغماء و ان استمر به الجنون أو السكر أو الإغماء حتى مات.

المسألة 31:

يشترط في صحة الوصية أن يكون الموصى مختارا، فلا تصح وصيته إذا كان مكرها عليها، و يلاحظ في معنى الإكراه و ما يتعلق به، ما فصلناه في المسائل المتعلقة بذلك من فصل شرائط المتعاقدين في كتاب التجارة و غيره من كتب المعاملات.

المسألة 32:

لعل الراجح صحة الوصية من السفيه و ان كان محجورا عليه إذا كانت وصيته في وجوه المعروف و الخير و لم يخرج فيها عن الموازين التي يتبعها العقلاء في وصاياهم، و إذا كانت خارجة عن موازينهم المتعارفة في ما بينهم فالظاهر عدم صحة وصيته و ان كانت في سبل الخير و المعروف.

المسألة 33:

تصح وصية المفلس و ان كانت وصيته بعد أن حجر الحاكم على أمواله و ذلك لأن الدين يخرج من التركة قبل الوصية، فلا تكون وصيته مضرة بحقوق الغرماء و ديونهم، و لكن أثر وصيته لا يظهر إلا إذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 536

ارتفع الفلس عنه قبل موته، أو قلت ديونه عن تركته بسبب إبراء ذمته من بعض الغرماء أو لتبرع بعض الناس بوفاء بعض ديونه.

المسألة 34:

يشترط في صحة الوصية أن لا يكون الموصى قاتلا لنفسه، و المراد بقاتل نفسه هنا من يفعل في نفسه فعلا يؤدي الى هلاكه و موته، فيرمي نفسه بطلقة نارية في موضع قاتل مثلا، أو يضرب نفسه ضربة قاتلة بسيف أو خنجر أو غيرهما، أو يشرب سما، أو يلقي بنفسه من موضع شاهق أو يحدث في نفسه شيئا غير ذلك يقطع أو يظن معه بالموت، فإذا فعل ذلك بنفسه متعمدا، ثم أوصى قبل أن يموت لم تصح وصاياه التي تتعلق بالمال.

المسألة 35:

إذا فعل شيئا من ذلك بنفسه مخطئا أو ساهيا غير عامد لم تبطل وصيته، و كذلك إذا فعل ذلك و هو يظن السلامة من الموت، أو فعل ذلك لا بقصد قتل النفس، بل بقصد أمر آخر، أو كان الفعل لا يؤدي الى الموت غالبا فاتفق ذلك معه على خلاف المتعارف، فلا تبطل وصيته في هذه الفروض.

المسألة 36:

إذا أحدث في نفسه بعض هذه الأمور القاتلة بحسب العادة، ثم عافاه اللّه منها، و لم يمت لم تبطل وصيته إذا كان قد أوصى بعد أن ارتكب ذلك من نفسه، سواء كانت وصيته بعد المعافاة أم قبلها، بل و ان كان قاصدا قتل نفسه حين ما ارتكب الفعل.

المسألة 37:

إذا ارتكب أحد هذه الأفعال ليقتل نفسه، ثم عوفي و لم يمت، و أوصى وصيته بعد المعافاة منه ثم انتكس في مرضه الأول و مات في السبب الأول عرفا، بطلت وصيته و لم تصح.

المسألة 38:

لا تصح وصية قاتل نفسه إذا كانت الوصية تتعلق بالمال كما ذكرنا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 537

في المسألة الرابعة و الثلاثين و تصح وصاياه التي تتعلق بتجهيزه و دفنه و صلاته و صومه و أموره الأخرى التي لا تتعلق بالمال.

المسألة 39:

لا تلحق منجزات قاتل نفسه بوصيته في البطلان، فإذا وقف شيئا من ماله منجزا أو وهبه أو باعه على وجه المحاباة أو فعل فعلا آخر من أنواع المنجزات قبل الموت لم يبطل ذلك التصرف في ماله و اخرج من أصل تركته.

المسألة 40:

إذا أوصى الرجل أولا ثم قتل نفسه بعد الوصية لم تبطل وصيته بقتل نفسه بعدها، و ان كان مصمما على قتل نفسه بعد إنشاء الوصية.

المسألة 41:

يصح للأب أن يوصى إلى أحد بأن يكون وليا من بعد موته على أولاده الأطفال غير البالغين إذا لم يكن لهم جد للأب، و يصح للجد أبى الأب أن يوصى إلى أحد بأن يكون وليا من بعد موته على أطفال ولده غير البالغين كذلك إذا لم يكن لهم أب، و إذا كان لهم جد فلا يصح للأب أن يجعل لهم من بعده وليا غير الجد، و إذا كان لهم أب فلا يصح للجد أن يجعل لهم وليا من بعده غير الأب، سواء كان الجد بواسطة واحدة أم بأكثر، و إذا لم يكن للأطفال أب و لا جد و لا وصي منصوب من أحدهما فالولاية عليهم في أموالهم و معاملاتهم للحاكم الشرعي، و لا يصح للحاكم الشرعي أن يوصى الى أحد من بعد موته بأن يكون وليا على الأطفال، بل تكون الولاية عليهم من بعده للحاكم الشرعي الآخر.

المسألة 42:

لا ولاية للأم على أولادها الصغار و لا على أموالهم و ان كانت رشيدة مأمونة، فلا يصح لها التصرف في أموالهم و معاملاتهم، إلا إذا جعلها الأب أو الجد قيمة بعد موته على ذلك، أو نصبها الحاكم الشرعي ولية على أمورهم، و حيث لا ولاية للأم بنفسها على أولادها فلا يصح لها ان تنصب من بعدها وصيا عليهم و على أموالهم.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 538

المسألة 43:

إذا أوصى رجل ببعض ماله لأطفال زيد القاصرين و جعل على المال الموصى به وليا من قبله يتولى التصرف في المال عنهم و الصرف في شؤونهم، صحت وصيته لهم بالمال و لم تصح وصيته على المال بالولاية و القيمومة بل يكون أمر المال الموصى به لأبيهم أو لجدهم لأبيهم إذا كان أحدهما موجودا، و للوصي المجعول على الأطفال من قبل أحدهما إذا كانا معا غير موجودين، و للحاكم الشرعي إذا فقدوا جميعا.

المسألة 44:

يجوز للرجل أن يوصي ببعض ماله لأطفال زيد القاصرين، و يشترط في وصيته أن يكون المال بيد الوصي الذي يرتضيه ما دام الأطفال صغارا حتى يبلغوا سن الرشد، فيملكهم وصيه المال بعد بلوغهم، فتصح الوصية و الشرط، فإذا بلغ الأطفال الحلم و رشدوا ملكهم وصيه الأمين المال الموصى به، سواء كان أبوهم و جدهم موجودين أم ميتين.

و إذا اشترط الموصى أن يكون المال بيد وصيه و هو يتولى صرفه على الأطفال من غير تمليك لهم، ففي صحة هذا الشرط إشكال إذا كان المراد ان الوصي يتولى الصرف على الأطفال من غير مراجعة للأب أو الجد أو للحاكم إذا كانا غير موجودين.

الفصل الثاني في المال الموصى به
المسألة 45:

يشترط في الوصية التمليكية أن يكون الشي ء الذي يوصى به الموصى مما له نفع مقصود يعتد به العقلاء، و تتعلق به أغراضهم، و يعد الشي ء بسبب ذلك مالا في أنظارهم، و يصح أن يكون عينا مشخصة خارجية، فيوصي الرجل لغيره بداره المعينة أو ببستانه المعين، و يصح أن يكون كليا في الذمة أو كليا في المعين، فيوصي له بعشرة أمنان من الحنطة مما تنتجه المزرعة أو تشتري له من التركة، أو يوصي له بإحدى الآلات أو الأجهزة المتماثلة من صنع معمل واحد الموجودة في مخزنة أو التي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 539

تشترى له من السوق، و يصح أن يكون دينا، فيوصي له بدينه الحال أو المؤجل الذي يستحقه في ذمة زيد، و يصح أن يكون منفعة معينة فيوصي له بسكنى داره المعلومة مدة محددة، و يصح أن يكون منفعة كلية فيوصي له بمنفعة احدى المبردات أو إحدى المدفئات الموجودة لديه، و يصح أن يكون حقا معلوما قابلا للنقل فيوصي له بحق التحجير الثابت

له في الأرض المعينة أو بحق الاختصاص الموجود له في الشي ء المعين، و يصح أن تكون العين الموصى بها موجودة بالفعل، و أن تكون معدومة بالفعل و لكنها متوقعة الوجود في ما يأتي، فيوصي له بالجارية الموجودة أو بالدابة أو بالشجرة المعينة، أو يوصي له بما تحمله الجارية أو بما تحمله الدابة أو بما تثمر الشجرة إذا كان الحمل و الاثمار فيها مرجوا، و يصح ان يوصي له بسيارته المسروقة إذا كان استرجاعها متوقعا.

المسألة 46:

لا يشترط في الأمر الموصى به أن يكون مما يصح تملكه، و لذلك فتصح الوصية بكلب الزرع و كلب الحائط و كلب الماشية، و ان قيل بعدم ملكيتها، و يكفي في صحة الوصية وجود منفعة محللة في الشي ء يرغب فيها العقلاء و يعدونه بسبب وجود تلك المنفعة فيه مالا، و لا تصح الوصية بالحشرات لعدم الفائدة المقصودة فيها، و لا بكلب الهراش كما عليه المشهور، و تصح الوصية به إذا وجدت له منفعة محللة، و تصح الوصية بالخمر و الخنزير و ان كانا غير مملوكين إذا وجدت لهما منفعة محللة كالتخليل في الخمر، و قد وجدنا من يربي الخنزير في اصطبلات الخيل، و ظاهره ان لوجود الخنزير معها جدوى ملحوظة في تنشئة الخيل أو في تنقية الإصطبل، و كالتسميد و شبهه في الحيوانات الميتة و لا تصح الوصية بالشي ء إذا لم تكن له فائدة، أو انحصرت فائدته بالمنفعة المحرمة.

المسألة 47:

لا تصح الوصية بالمنفعة المحرمة، و ان كانت للعين منافع أخرى محللة إذا لم تكن تلك المنافع هي المقصودة بالوصية، و مثال ذلك: ان يوصي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 540

لأحد بمنفعة الجارية المغنية، ليستمع الى غنائها أو لينتفع بإجارتها لذلك، فلا تصح الوصية بها، و ان كانت للجارية منافع محللة، و لكنه أوصى بالمنفعة المحرمة، أو يوصي له ببعض آلات اللهو أو المقامرة، لينتفع باستعمالها في النواحي المحرمة أو بإجارتها لذلك، و إذا أوصى له بمنافعها مطلقا و كانت لها منافع محللة صحت الوصية و انصرفت الى المنافع المحللة خاصة، و إذا أوصى بمنافعها المحلل منها و المحرم صحت الوصية بالمحلل و بطلت في المحرم، و إذا انحصرت منافع العين بالمحرمة بطلت الوصية.

المسألة 48:

لا تصح الوصية بالحقوق غير القابلة للنقل الى غير صاحبها التي جعلت له شرعا، كحق القذف، و حق الشفعة لغير الشريك، و حق الاستمتاع بالزوجة لغير زوجها، و حق القسم لغير الزوجة، و أمثالها من الحقوق.

و لا يصح أن يوصي الإنسان عن نفسه بمال لغيره، و مثال ذلك:

أن يوصي الرجل لزيد بدار مملوكة لعمرو إذا مات الموصى نفسه، و إذا أوصى الرجل عن عمرو مالك الدار وصية فضولية، فملك زيدا دار عمرو إذا مات مالكها، و أجاز عمرو وصيته، لم يبعد الحكم بالصحة فيملك الموصى له الدار إذا مات مالكها.

المسألة 49:

لا تصح الوصية العهدية بعمل ثبت تحريمه في الإسلام، سواء كان تحريمه لمنافاته للعقيدة الثابتة في الدين و لوازمها المعلومة، أم كان لمباينته للأخلاق الزكية التي يدعو إليها الإسلام، أم كان لمخالفته للأحكام الثابتة في الشريعة، فإذا أوصى الموصى بشي ء من ذلك أو بصرف ماله في شي ء منه كانت الوصية باطلة لا يجب تنفيذها بل يحرم على الوصي و الورثة العمل بها، و من أمثلة ذلك ان يوصي بإعانة ظالم على ظلمه، أو يوصي بإعانة فاسق على فسقه، أو بصرف شي ء من ماله في ذلك.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 541

المسألة 50:

لا تصح الوصية بأعمال لا تتعلق بها الأغراض الصحيحة من الناس، و مثال ذلك: أن يوصي بأفعال سفهية، أو عابثة لا تجدي فائدة و لا منفعة في أنظار العقلاء، أو يوصي بصرف ماله فيها.

المسألة 51:

إذا أوصى الرجل بعمل من الأعمال و هو يرى أنه عمل سائغ بحسب اجتهاده أو تقليده، و كان العمل غير جائز في رأي الوصي بحسب اجتهاده أو تقليده، لم يجب على الوصي تنفيذ الوصية، بل لا يجوز له تنفيذها.

و إذا اتفق الأمر بعكس ذلك، فأوصى الموصى بأمر لا يسوغ بحسب اجتهاده أو تقليده، و كان ذلك العمل سائغا عند الوصي بحسب اجتهاده أو تقليده نفذت الوصية، و لزم الوصي العمل بها.

المسألة 52:

إذا أوصى الإنسان الى غير وليه بأن يباشر تجهيزه بعد موته، فيغسله بنفسه و يكفنه و يصلى عليه، أو أوصى اليه ببعض ذلك، و قبل الشخص منه هذه الوصية، صحت وصيته اليه، و وجب عليه أن يقوم بالعمل الذي أوصاه به و لم يحتج الى أن يستأذن من الولي عند ما يقوم بالعمل، و الولي هنا هو الوارث الشرعي لذلك الموصى، سواء انفرد بميراثه أم اشترك معه غيره، و سواء كان نصيبه في الميراث كثيرا أم قليلا.

و إذا أوصى الرجل الى ذلك الغير بأن يكون وليا له في أمر التجهيز أو في بعضه، جاز للوصي أن يرد الوصية ما دام الموصى حيا، فإذا رد الوصية في حياته و بلغه رده لم تثبت الوصية، و إذا هو لم يرد الوصية حتى مات الموصى، أو ردها و لم يبلغ الموصى رده حتى مات، وجب على الوصي تنفيذ الوصية و لزم الاستيذان منه في التجهيز إذا أراد أحد القيام به و لا يستأذن من الولي، و الأحوط أن يستأذن من كليهما، و تراجع المسألة الستمائة و الخمسون و ما قبلها من كتاب الطهارة، فقد أوردنا هذه الأحكام فيها مع بعض التفصيل.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 542

المسألة 53:

تخرج الديون التي تكون على الإنسان من أصل تركته بعد موته، سواء أوصى بوفائها عنه أم لم يوص، و المراد بالدين المال الذي تشتغل به الذمة اشتغالا وضعيا، سواء كان للّه أم للناس.

فمن الدين الزكاة و الخمس عند استقرارهما في الذمة، و منه رد المظالم، و الكفارات المالية و النذور المالية بعد استقرارها في الذمة كذلك، و منه حجة الإسلام و الحج الواجب بالنذر على الأقوى.

و من ديون الناس الأموال التي يقترضها

الرجل و تشتغل ذمته بأعواضها، و أثمان الأشياء التي يشتريها نسيئة و تبقى في ذمته مؤجلة أو غير مؤجلة، و المبيعات الكلية التي يبيعها سلفا، و الأعواض في المعاملات التي يجريها مع الناس و تبقى الأعواض في ذمته إلى أمد أو الى غير أمد، و ما يضمنه لغيره من دين أو بدل متلف أو أرش معيب، أو دية جناية و غير ذلك، فتخرج جميع هذه الديون من أصل تركة الميت و ان استوعبتها جميعا.

و ليس من هذه الديون التي ذكرنا أنها تخرج من الأصل: ما يلزم الإنسان من الكفارات المخيرة، و النذور غير المالية، و الواجبات الأخرى غير المالية، كالصلاة و الصوم إذا اشتغلت ذمة الإنسان بقضائها، فلا تخرج من أصل تركته إذا مات، بل تخرج من ثلثه إذا أوصى بها.

المسألة 54:

انما تنفذ الوصايا من ثلث تركة الميت خاصة، سواء كانت الوصية تمليكية أم عهدية تبرعية، و لذلك فيشترط في صحة الوصية أن لا يزيد المال الموصى به على ثلث التركة، و إذا زاد ما أوصى به على الثلث توقفت صحة الوصية بالزائد على اجازة الوارث، فإذا أجازها صحت الوصية به جميعا و نفذت و إذا لم يجزها صحت الوصية بمقدار الثلث منه و بطلت في الزائد.

و يراد بالعهدية التبرعية أن يعهد الإنسان إلى وارثه أو وصيه بأن يتبرع بعده بشي ء من ماله لأحد أو لنوع أو لجهة معينة، فيقول

كلمة التقوى، ج 6، ص: 543

ادفعوا لزيد بعد موتي مائة دينار مثلا، أو يقول ادفعوها للفقراء، أو للمسجد أو المشهد المعين، أو أنفقوها في إقامة العزاء، أو في إطعام المساكين، أو في الزيارة، فيعتبر فيها كما يعتبر في الوصية التمليكية ان لا يزيد المال الموصى

به على ثلث التركة، و إذا زاد عليه جرى فيه الكلام السابق، و لا فرق في الحكم المذكور بين الوصية في حال الصحة أو في حال المرض.

و الوصية العهدية التبرعية قسم من الوصية التبرعية و سيأتي ذكرها في المسألة الثامنة و السبعين و ما بعدها ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 55:

قد يوصي الموصى بكسر مشاع من تركته، فيقول: ملكت أخي عليا ربع ما أتركه بعد وفاتي من المال، أو يقول: ملكته ثلثه، أو نصفه، و تطبيق الحكم الآنف بيانه في المسألة المتقدمة واضح جدا، فان كان الكسر الذي أوصى به لأخيه هو الثلث أو أقل منه، صحت الوصية و ملك الموصى له المال الموصى به عبد الموت، و وجب على الوصي و على الورثة تنفيذها، و ان كان الكسر الموصى به أكثر من الثلث، صحت الوصية بمقدار الثلث، و بطلت في ما يزيد عليه و هو السدس في المثال الأخير المتقدم إذا لم يمض الورثة الوصية به.

و قد يوصي بعين خاصة من التركة، فيقول: ملكت أخي عليا بعد موتي داري المعلومة أو بستاني المعين، و تطبيق الحكم: أن تقدر قيمة مجموع التركة، و تقدر قيمة العين الخاصة التي أوصى لأخيه بها، و تنسب قيمة العين إلى قيمة المجموع، فإذا كانت بمقدار ثلثها أو أقل، نفذت الوصية في جميع العين، و إذا زادت قيمتها على ذلك صحت في مقدار الثلث من قيمة المجموع و أخذت من نفس العين، و توقفت صحتها في الزائد عن الثلث على اجازة الورثة، فتصح إذا أجازوها، و تبطل إذا ردوها.

و قد يوصي الموصى بمقدار معلوم من المال، فيقول: ملكت أخي عليا ألفي دينار من تركتي بعد موتي، أو يقول: ملكته مائتي وزنة

من الحنطة، و تطبيق الحكم أن تقدر قيمة مجموع التركة، و ينسب

كلمة التقوى، ج 6، ص: 544

مقدار المال الموصى به في المثال الأول و مقدار قيمته في المثال الثاني، إلى قيمة مجموع التركة، فتنفذ الوصية في مقدار الثلث و في ما هو أقل منه، و تتوقف صحتها على إمضاء الورثة في ما يزيد عليه.

المسألة 56:

التركة التي يكون بلوغ مقدار ثلثها هو المدار في صحة الوصية و عدم صحتها- فإذا كان المال الموصى به بمقداره أو أقل منه كانت الوصية به صحيحة، و إذا زاد عليه لم تصح الوصية في الزائد منه الا بإجازة الورثة- هي ما يخلفه الموصى من الأموال و غيرها بعد موته، لا ما يوجد لديه منها حين وصيته، فإن أموال الموصى قد تزيد بعد حال الوصية و قد تنقص، و المدار على مقدارها حال الموت، بل على ما يلحق بها بعد الموت في بعض الحالات و يعد من التركة شرعا، و ان كان قبضه بعد الموت، و هي ديته إذا قتل أو جرح، و سيأتي ذكرها ان شاء اللّه تعالى في المسألة الثانية و الستين، فالتركة هي المجموع منها و مما يتركه الموصى حين موته.

فإذا أوصى الموصى لأخيه علي- كما ذكرنا- بنصف تركته، و كان نصف تركته يوم الوصية يبلغ ألفي دينار، ثم كثرت أمواله بعد ذلك، فأصبح المال الذي أوصى به و هو الألفان بمقدار الثلث أو أقل منه حين ما مات، نفذت الوصية و صحت بالمال الموصى به و لم تحتج إلى إجازة الوارث، و ان كانت زائدة على ثلثه حين الوصية.

و إذا أوصى له بثلث تركته، و كان في يوم وصيته يبلغ ألفي دينار، ثم نقصت أمواله بعد

الوصية فكانت الألفان بمقدار نصف التركة حين الموت، صحت الوصية بمقدار الثلث منها فحسب، و توقفت صحتها في ما زاد على الثلث و هو السدس على اجازة الوارث فيه.

و إذا أوصى الموصى لأخيه بداره المعينة، و كانت قيمة الدار في يوم الوصية تبلغ قيمة نصف التركة، ثم زادت أموال الموصى أو نقصت قيمة الدار، فأصبحت تساوي مقدار ثلث تركته يوم موته أو أقل، صحت الوصية بالدار و لم تفتقر إلى إجازة الوارث، و ان كانت زائدة على الثلث يوم وصيته.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 545

و إذا أوصى له بالدار و كانت قيمتها في حال الوصية بمقدار الثلث من أمواله الموجودة عنده حين الوصية أو أقل، ثم نقصت أمواله أو زادت قيمة الدار، فأصبحت قيمتها بمقدار نصف التركة حين الوفاة، صحت الوصية بمقدار ثلثه في وقت الوفاة و تدفع الى الموصى له من الدار الموصى بها نفسها، و لم تصح الوصية في ما زاد على الثلث إلا إذا أجازها الوارث.

و إذا أوصى لأخيه بمبلغ ألفي دينار، و كان ذلك بمقدار النصف من التركة في يوم الوصية، ثم كثرت أموال الموصى، فأصبح الألفان الموصى بهما بمقدار الثلث من التركة حال الموت أو أقل منه نفذت الوصية و صحت، و إذا نقصت الأموال فأصبح الألفان الموصى بهما بمقدار نصف المال الموجود لديه حين الموت صحت الوصية بالثلث، و توقفت في الباقي على الإجازة.

و إذا دلت القرائن على تخصيص الوصية بأعيان مخصوصة، اختصت الوصية بها و لم تشمل الأعيان و الأموال التي تتجدد للموصي بعد الوصية، و اختصت بمقدار الثلث من تلك الأعيان المخصوصة، و توقفت في ما زاد عن ثلثها على اجازة الوارث.

و إذا تبدلت تلك الأعيان الخاصة

التي اختصت بها الوصية، سقطت الوصية و لم يجب تنفيذها.

و إذا حفت الوصية بأمور تصلح للقرينية و توجب الإجمال في مراد الموصى منها فلم يعلم انها تختص بالأعيان الموجودة حين الوصية، أو تعم الأموال و الأعيان التي تدخل في ملك الموصى بعد الوصية و قبل الموت، كان الحكم أيضا كما تقدم، فلا تشمل الوصية الأموال المتجددة و تختص بالأعيان الخاصة التي يعلم بتعلق الوصية بها قطعا. و تجري الأحكام السابقة، فتكون الوصية بمقدار الثلث من تلك الأعيان و تتوقف في ما زاد على الإجازة و تسقط الوصية إذا تبدلت الأعيان.

المسألة 57:

إذا أوصى الرجل بما يزيد على ثلث تركته، توقفت صحة الوصية

كلمة التقوى، ج 6، ص: 546

في المقدار الزائد على اجازة وارث الموصى- كما ذكرنا ذلك مرارا- فإذا أجاز الوارث الوصية بعد موت مورثه الموصى، صحت الوصية بلا ريب و وجب تنفيذها، و كذلك الحكم إذا أجازها في حال حياة الموصى و استمر على إجازتها حتى مات فتصح الوصية في الصورتين.

و إذا أجاز الوصية في حال حياة الموصى ثم ردها في حال حياته، فالأقوى أيضا صحة الوصية و لا حكم لرده و ان استمر عليه حتى مات مورثه الموصى، و كذلك إذا أجاز الوصية في حياة الموصى ثم ردها بعد موته.

و على وجه الاجمال فلا أثر لرد الوارث للوصية إذا سبقت منه الإجازة لها، سواء كانت الإجازة السابقة و الرد اللاحق لها في حال حياة الموصى أم بعد موته، و لا أثر كذلك للرد السابق في حال حياة الموصى إذا لحقته الإجازة في حال حياته أو بعدها.

و إذا رد الوارث الوصية بعد موت الموصى و لم تسبقه اجازة منه قبل الموت و لا بعده، بطلت

الوصية و لم تنفذ، و كذلك إذا رد الوصية في حال الحياة و استمر على ردها الى ما بعد الموت، فلا تصح الوصية أيضا إذا لم تسبق رده اجازة، و كذلك إذا لم تصدر من الوارث اجازة و لا رد للوصية في حياة الموصى و لا بعد موته، فلا تصح الوصية.

و إذا رد الوارث الوصية بعد موت الموصى ثم أجازها بعد ذلك ففي صحة الوصية في هذه الصورة إشكال، و لا تترك مراعاة الاحتياط فيها.

المسألة 58:

إجازة الوارث لوصية الموصى بما يزيد على ثلثه، هي أن يمضي الوارث الوصية و ينفذها، و لذلك فلا بد و أن ينشئ إمضاءه و تنفيذه بقول أو فعل يدل عليه، فيقول: أجزت الوصية أو أنفذتها مثلا أو يدفع الزيادة للموصى له، و لا يكفي في الإجازة أن يرضى بالوصية في قلبه و تطيب نفسه بملك الموصى له للمال.

المسألة 59:

تصح الوصية في الزائد على الثلث بمقدار ما يحصل من اجازة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 547

الوارث و تنفيذه، فإذا أجاز الوصية بجميع الزيادة صحت في الجميع كذلك، و إذا أجازها في البعض صحت بمقدار ذلك البعض و بطلت في الباقي.

و مثال ذلك: أن يوصي الموصى لأحد بألف و خمسمائة دينار مثلا، و يكون مقدار ثلثه من التركة ألف دينار فقط، فإن أجاز الوارث الوصية بجميع الخمسمائة الزائدة صحت كذلك، و ان أجازها في مائة دينار أو مائتين صحت في ما أجاز، و بطلت في الباقي.

المسألة 60:

إذا تعدد وارث الموصى، و أجاز بعضهم الوصية و لم يجزها الآخر، صحت الوصية في نصيب الوارث المجيز من الزيادة على الثلث، و بطلت في نصيب الوارث غير المجيز منها، و مثال ذلك: أن يوصي الموصى لأحد بألف و ستمائة دينار، و يكون ثلث الموصى من تركته ألف دينار فحسب، و يكون له ولدان، فإذا أجاز أحد الولدين و لم يجز الآخر صحت الوصية في نصيب الولد الذي أجاز الوصية و هو نصف الستمائة، و بطلت في نصيب الثاني منها، و إذا كان له ولد و بنت، فإن أجاز الولد و لم تجز البنت صحت الوصية في أربعمائة دينار و هي نصيب الولد المجيز، و بطلت في مائتين، و هي نصيب البنت، و ان أجازت البنت و لم يجز الولد صحت الوصية في مائتين و هي نصيب البنت، و بطلت في الباقي و هو نصيب الولد.

المسألة 61:

إذا أجاز الوارث وصية مورثه الموصى في ما زاد على الثلث، صحت الوصية و ان كانت الإجازة متأخرة عن الوصية مدة طويلة أشهرا أو سنين، كما إذا أوصى الموصى، و لم يجز الوارث حتى مات الموصى بعد سنين من إنشاء الوصية، فتصح الوصية بذلك، فلا يعتبر في الإجازة أن تكون على الفور، على الأقوى.

المسألة 62:

إذا قتل الرجل خطأ أو عمدا شبيها بالخطإ، فالدية التي تؤخذ له من القاتل أو من قبيلته، تحتسب من تركته بعد الموت، فتضاف إلى

كلمة التقوى، ج 6، ص: 548

سائر أمواله الموجودة، و يخرج من مجموع ذلك ثلثه الذي تخرج منه وصاياه، و كذلك إذا قتل عمدا، و صالح أولياؤه القاتل عن حقهم على الدية فإن الدية المدفوعة تكون من التركة.

المسألة 63:

إذا نصب الرجل شبكة للصيد في حياته، و وقع السمك أو الطير فيها بعد وفاته، أشكل الحكم باحتساب ما تصيده الشبكة من تركة الميت كما تحتسب الدية، لتوفى منها ديونه و وصاياه، فلا بد فيه من الاحتياط بالمصالحة و التراضي.

المسألة 64:

إذا تميزت أموال الميت من أموال غيره و لو على سبيل الاجمال و علم ما يدخل في عنوان التركة مما لا يدخل، أخرجت من هذه التركة أولا:

الديون و الواجبات التي اشتغلت بها ذمة الميت اشتغالا وضعيا حسب ما فصلناه في المسألة الثالثة و الخمسين، ثم احتسب الثلث مما يبقى من التركة بعد ذلك، فيكون هذا هو المورد التي تخرج منه وصايا الميت التمليكية و العهدية.

و ليس المراد من قولنا: أخرجت الديون و الواجبات من التركة أولا، أنه يجب إخراجها بالفعل، بحيث لا يصح اعتبار الثلث الا بعد إخراج الدين، بل المراد ان اعتبار الثلث يكون بعد استثناء مقدار ما يفي بالديون و الواجبات من التركة، سواء أخرجت بالفعل أم تأخر إخراجها، و نتيجة لذلك فيمكن ان توفي الديون، و تنفذ الوصايا في وقت واحد إذا علمت المقادير، و علم مقدار الثلث.

المسألة 65:

إذا أبرأ الدائن ذمة الميت من دينه بعد موته، لم يجب وفاؤه من التركة، فلا يستثنى منها مقدار ذلك الدين عند اعتبار الثلث، و كذلك إذا تبرع أحد بأداء دين عن الميت، فلا يستثنى مقدار ذلك الدين من التركة عند اعتبار الثلث، و نتيجة لذلك فإذا أبرئت ذمة الميت من جميع ديونه، أو تبرع عنه المتبرعون بوفاء ديونه جميعا، أخرج الثلث من جميع التركة.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 549

المسألة 66:

يجوز للموصي أن يعين ثلث تركته في عين مخصوصة منها، فيقول:

هذا البستان أو هذه العمارة ثلثي من جميع ما أملكه، فإذا عينه كذلك تعين، و لم يجز للورثة تبديله بعد موته، و إذا عينه ثم ظهر بعد الموت انه أكثر من ثلث التركة، فإن أجاز الورثة وصيته في الزائد نفذت في جميع العين، و ان لم يجيزوها، قومت العين و اختص الثلث منها بمقدار قيمة ثلث التركة واقعا، و رجع الباقي من العين ميراثا.

و إذا ظهر أن ما عينه أقل من ثلث التركة، فإن كان ذلك في حياة الموصى جاز له أن يمضي وصيته، فيختص حقه بالعين و ان كانت أقل من الثلث، و يصح له أن يبدل الوصية، و أن يضيف الى العين ما يكمل له مقدار الثلث من عين أخرى، و إذا ظهر أنه أقل من ثلث التركة بعد موت الموصى، أشكل الحكم في إضافة غير العين المخصوصة إليها، الا أن يرضى الورثة بذلك، أو تكون وصايا الميت أكثر من العين التي عينها للثلث، فيجب إنفاذ الوصايا حتى يتم الثلث أو يعلم ان مقصود الموصى هو الوصية بمقدار الثلث واقعا أو تدل نفس وصيته على ذلك.

و كذلك الحكم إذا فوض الموصى تعيين ثلثه إلى

الوصي، فإذا عينه بعد الموت بحسب وصيته تعين و لم يتوقف على ان يرضى الورثة بتعيينه.

و إذا استبان بعد ذلك ان العين التي عينها الوصي للثلث أكثر من ثلث التركة، جرى فيه التفصيل المتقدم ذكره في هذه الصورة من تعيين الموصى، و إذا استبان ان العين أقل قيمة من ثلث التركة، فالظاهر انه يجوز للوصي تبديل تعيينه، بل يجب عليه ذلك إذا كان التفاوت بمقدار لا تشمله وصية الموصى بتفويض التعيين إليه.

المسألة 67:

إذا أوصى الموصى بثلثه من التركة و لم يعينه في عين مخصوصة، و لم يفوض أمر تعيينه إلى الوصي من بعده كانت التركة مشتركة بينه و بين الورثة على وجه الإشاعة، و لا يتعين الثلث في عين مخصوصة من التركة إلا برضى الوصي و الورثة جميعا.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 550

المسألة 68:

تصح الوصية من الموصى و ان لم يقصد بها أنها من ثلثه الذي يخصه من التركة، من غير فرق بين الوصية التمليكية و العهدية، فإذا أوصى لأحد من الناس أو لجهة من الجهات بمبلغ من المال أو بشي ء من الأشياء التي يملكها أو عهد الى وصيه أن يتبرع من بعده لذلك الشخص أو لتلك الجهة بشي ء و لم يلاحظ أن ما أوصى به يكون من ثلثه أو لم يلتفت الى ذلك- و لعل هذا هو الغالب في وصايا عامة الناس- صحت منه وصيته إذا كانت بقدر الثلث أو أقل منه، و إذا كانت أكثر من الثلث صحت في مقداره و توقفت في ما زاد عليه، على اجازة الوارث، فإن أجاز الوصية به صحت و ان لم يجزها بطلت، كما هو الحكم في كل وصية.

المسألة 69:

إذا أوصى الموصى لأحد أو لجهة بشي ء من التركة على النحو الذي ذكرناه في المسألة السابقة، و قصد في وصيته أن المال الذي أوصى به يخرج من ثلثي الورثة، بحيث يبقى ثلثه الذي يختص به من التركة سليما من النقص، توقفت صحة هذه الوصية على اجازة الورثة، فإن أجازوها صحت و ان لم يجيزوها بطلت، و لا فرق في هذا الحكم بين أن يكون قد أوصى بثلثه أيضا قبل تلك الوصية أو بعدها أو لم يوص بالثلث.

المسألة 70:

إذا أوصى الموصى بشي ء من التركة على الوجه المتقدم ذكره، و قصد في وصيته ان المال الموصى به يخرج من جميع التركة لا من الثلث وحده، فللمسألة صورتان:

الصورة الأولى: أن يوصي بهذه الوصية وحدها، و لا يوصي بثلثه أصلا لا قبل هذه الوصية و لا بعدها، فيقول: أوصيت لعبد اللّه بداري المعلومة بحيث تعطى له من أصل تركتي لا من الثلث وحده، و الظاهر صحة الوصية في هذه الصورة إذا كان المال الموصى به بمقدار الثلث أو أقل منه، و إذا زاد على مقدار الثلث، صحت الوصية بمقدار الثلث

كلمة التقوى، ج 6، ص: 551

منه و توقفت الصحة في الزائد على اجازة الورثة كما في نظائره التي تكرر ذكرها.

الصورة الثانية: أن يوصي بالوصية الآنف ذكرها، و يوصي معها بثلثه من التركة، فيقول: أوصيت لعبد اللّه بداري المعينة بحيث تخرج من جميع التركة لا من الثلث وحده، و أوصيت بثلثي من التركة لزيد.

و الظاهر في هذه الصورة بطلان الوصية بثلثي الدار إلا إذا أجازها الورثة فتصح بذلك من الأصل، و تبطل وصيته بثلثه لزيد بمقدار ثلث الدار فيكون هذا المقدار لعبد اللّه تنفيذا لوصيته الأولى له بالدار إلا إذا

أجاز الورثة أن يخرج ذلك من الأصل أيضا، فتصح الوصيتان حين ذلك.

المسألة 71:

ذكرنا في المسألة الثالثة و الخمسين ان الديون و الواجبات المالية تخرج من أصل تركة الإنسان، سواء أوصى بها أم لم يوص، و نتيجة لذلك فإذا أوصى بها الموصى ثم تلف من التركة شي ء بعد موته، أو تلف الثلث كله لم يسقط وجوب أداء الديون و الواجبات المالية بذلك، بل يجب إخراجها من الباقي و ان استوعب جميع التركة، و كذلك الحكم إذا غصب بعض التركة غاصب أو سرقة سارق، فيجب إخراج الديون و الواجبات المالية من الباقي.

المسألة 72:

إذا امتنع بعض الورثة عن وفاء ما ينوب حصته من ديون للّه أو للناس لم يسقط وجوب أداء الديون عن غيره من الورثة و لا عنه، فيجب الوفاء عليهم جميعا، و إذا أدى الوارث الآخر ما ينوب حصة الوارث الممتنع من الدين و كان أداؤه بإذن الحاكم الشرعي له في ذلك جاز له الرجوع على الممتنع بما أدى عنه، و إذا أداه بغير اذن الحاكم له، أشكل الحكم بجواز الرجوع عليه.

المسألة 73:

إذا عين الموصى ثلثه في عين مخصوصة من التركة أو عينه وصيه

كلمة التقوى، ج 6، ص: 552

الذي فوض اليه ذلك كما تقدم في المسألة السادسة و الستين، ثم تلف الثلث بعد موت الموصى سقط وجوب العمل بالوصايا المالية التمليكية أو العهدية، و إذا تلف بعض الثلث و لم يف الباقي منه بتنفيذ الوصايا، سقط وجوب العمل بالوصية في الجملة، و لوحظ في تقديم بعض الوصايا، على بعض أو توزيع باقي الثلث عليها ما سيأتي بيانه في المسائل الآتية ان شاء اللّه تعالى، و كذلك الحكم إذا كان الثلث مشاعا في التركة، ثم تلف بعض التركة بعد موت الموصى، فيؤخذ ثلث بقية التركة و تطبق فيه الأحكام المتقدم ذكرها.

المسألة 74:

إذا علم بأن الرجل أوصى بما يزيد على مقدار ثلثه أو انه أوصى بجميع تركته في أمور عينها في وصيته ثم مات بعد الوصية، و شك الوصي أو الوارث في أن الأمور التي أوصى بها، هل هي واجبات مالية اشتغلت بها ذمته، من نذور أو كفارات مالية، فتكون ديونا عليه تخرج من أصل التركة و تكون وصية نافذة، و ان زادت على الثلث و لا تحتاج إلى اجازة من الوارث، أو هي وصايا بغير ذلك، فلا تصح في ما زاد على الثلث حتى يجيزها الوارث، فالأظهر كونها من الثاني، فلا تصح بما يزيد منها على الثلث إلا بإجازة الوارث.

المسألة 75:

إذا أوصى الرجل بأن تدفع عنه مائة دينار مثلا زكاة، أو قال:

ادفعوها عني خمسا، أو نذرا للفقراء أو لطلاب العلم، ثم شك بعد موته في أنها واجبات اشتغلت بها ذمته اشتغالا وضعيا فتخرج من أصل تركته، أو أنه انما أوصى بها احتياطا استحبابيا لنفسه، فتخرج من ثلثه، فالظاهر من عبارته كونها من الأول، فيكون تنفيذ الوصية من الأصل.

المسألة 76:

إذا أوصى الإنسان بوصية، ثم أوصى بوصية أخرى تضاد الأولى و تنافيها، فقال: أوصيت بداري المعينة بعد موتي لزيد، ثم قال بعد ذلك. أوصيت بالدار المعينة لعمرو، كان ذلك عدولا عن الوصية

كلمة التقوى، ج 6، ص: 553

الأولى الى الثانية، فيجب العمل على اللاحقة، و كذلك إذا قال: ادفعوا بعد وفاتي هذا الصندوق و ما فيه من المال و هو ألف دينار الى زيد، ثم قال: أعطوا الصندوق و الألف الذي فيه بعد موتي لعمرو، فيجب دفع الصندوق و المال الى عمرو، و هكذا إذا تعددت الوصايا أكثر من ذلك و كانت اللاحقة منافية لسابقتها، فيكون العمل على الوصية المتأخرة.

و إذا قال: ادفعوا داري المعينة لزيد، ثم قال: ادفعوا نصف الدار لعمرو، كانت وصيته الثانية عدولا عن الوصية الأولى بنصف الدار فقط، فيكون لعمرو نصف الدار عملا بالوصية الثانية، و يكون لزيد نصفها الثاني عملا بالوصية الأولى.

و إذا قال: أوصيت بثلث تركتي لزيد، ثم قال: أعطوا ثلث التركة لعمرو، فان علم ان مراده بالوصيتين الثلث الذي يختص به الموصى من التركة بعد موته، كانت وصيته الثانية عدولا عن الوصية الأولى، فيلزم العمل بالثانية كما سبق في نظيره، و ان علم من القرائن أو احتمل احتمالا يعتد به أهل العرف انه يريد بالوصية الثانية ثلثا آخر من التركة

غير ثلثه المختص به كانت الوصية الأولى هي النافذة، و رجع الأمر في الوصية الثانية إلى الورثة فإن أجازوها صحت، و ان لم يجيزوها ألغيت.

المسألة 77:

ما ذكرناه من الحكم في الوصايا المتضادة، لا يختص بالوصايا المتعلقة بالمال، بل يعم الوصايا العهدية المتعلقة بغير المال، فإذا أوصى الرجل بأن يدفن في مقبرة خاصة من بلده مثلا، ثم أوصى بدفنه في موضع آخر أو بنقله الى أحد المشاهد المشرفة، فالعمل على الوصية المتأخرة، و كذلك إذا أوصى إلى أحد ان يباشر تجهيزه بعد موته، فيغسله و يكفنه و يصلي عليه، ثم أوصى الى غير ذلك الشخص أن يكون هو المباشر لذلك، فتكون الوصية الثانية ناسخة للأولى.

المسألة 78:

إذا ذكرت كلمة الوصية التبرعية فالمقصود منها: أن يوصي الإنسان بأمر لم يجب عليه و لم تشتغل به ذمته، و منها الوصية التمليكية التي

كلمة التقوى، ج 6، ص: 554

سبق ذكرها في أول كتاب الوصية، و منها العهدية التبرعية و قد سبق ذكرها في المسألة الرابعة و الخمسين، و سيأتي بعض الأحكام التي تتعلق بها.

المسألة 79:

إذا أوصى الإنسان بوصايا متعددة، و كانت وصاياه كلها بواجبات مالية قد اشتغلت بها ذمته اشتغالا وضعيا، و أصبحت ديونا عليه للّه، كالزكاة و الخمس و المظالم و غيرها مما تقدم ذكره في الوصية بالديون أو كانت ديونا للناس مما تقدم ذكره هناك أيضا، وجب تنفيذ جميعها من أصل التركة، و ان زادت على الثلث، أو استوعبت التركة، و لا يتوقف وجوب تنفيذها على اجازة الورثة و قد تكرر منا ذكر ذلك.

المسألة 80:

إذا أوصى الإنسان بوصايا متعددة، و كانت وصاياه جميعا واجبات غير مالية كالصلاة و الصوم، أو واجبات مالية قبل أن تشتغل بها ذمة الموصى اشتغالا وضعيا تكون بسببه من الديون، كالزكاة إذا كانت لا تزال حقا متعلقا بالعين الزكوية ثم مات المكلف قبل أن يؤديها، و قبل أن يتصرف في العين الزكوية تصرفا ينقل الزكاة إلى ذمته، فإذا مات كذلك كانت كسائر الواجبات فإذا أوصى بها أخرجت من ثلثه، و كالخمس إذا كان بهذه الصفة، و كالمظالم و النذور المالية إذا كانت متعلقة بالعين و لم تنتقل إلى الذمة و نحو ذلك.

و مخرج هذا النوع من الوصايا هو الثلث، فإن وفى الثلث بجميع الوصايا وجب إخراجها منه، و إذا قصر الثلث عن الوفاء بها و أجاز الورثة أن يؤخذ الزائد من أصل التركة وجب إخراجه من الأصل، و إذا قصر الثلث عن الوفاء بالوصايا و لم يرض الورثة بإخراج الزائد من أصل التركة، فإن كان الموصى قد أتى بالوصايا مترتبة في ذكرها عند الوصية، واحدة بعد واحدة، فقال في وصيته مثلا: أخرجوا عني مائة دينار لقضاء صلوات سنة تامة، و مائة دينار لقضاء صوم شهر رمضان، و مائة دينار لإطعام ستين مسكينا كفارة

لافطار يوم من شهر رمضان، فإذا قصر الثلث و لم يجز الورثة كما فرضنا، بدئ بتنفيذ

كلمة التقوى، ج 6، ص: 555

الوصية السابقة من الوصايا فالسابقة بعدها حتى ينتهي الثلث، و يسقط وجوب العمل ببقية الوصايا بعد انتهاء الثلث، و يكفي الترتيب الذكري للوصايا و ان لم يكن بالحروف الدالة على الترتيب.

و ان كان الموصى قد ذكر الوصايا مجتمعة من غير ترتيب، فقال في وصيته مثلا: على قضاء صلوات سنة تامة، و صيام شهر رمضان، و إطعام ستين مسكينا لكفارة الإفطار في شهر رمضان، فاخرجوا عني لكل واحدة منها مائة دينار مائة دينار، فإذا قصر الثلث عن الوفاء بها كافة، و لم يجز الورثة ان يؤخذ الزائد من الأصل، وزع الثلث على الوصايا بالنسبة، فيدفع لكل واحدة من الوصايا الثلاث المذكورة في المثال ثلث من الثلث و إذا اختلفت مقادير الوصايا في نسبتها الى المجموع، اختلف المقدار المدفوع من الثلث، و الأمثلة على ذلك غير خفية على الملتفت، و أمر التطبيق فيها جلي.

المسألة 81:

إذا أوصى الرجل بعدة من الوصايا و كانت جميع وصاياه تبرعية غير واجبة عليه، سواء كانت تمليكية أم عهدية، فمخرجها جميعا هو الثلث، كما هو الحال في فروض المسألة السابقة، و تجري فيها الأحكام التي ذكرناها لتلك الفروض، فإذا كان الثلث وافيا بالوصايا كلها، أخرجت منه جميعا و وجب تنفيذها، و إذا زادت الوصايا عن الثلث، و أجاز الورثة أن يؤخذ الزائد على الثلث من أصل التركة وجب تنفيذها كذلك.

و إذا زادت الوصايا التبرعية عن الثلث، و لم يرض الورثة بإخراج الزائد عليه من الأصل، لوحظت الوصايا فان جاءت مترتبة في ذكرها بالوصية فتذكر الوصية اللاحقة بعد إتمام الوصية السابقة عليها، وجب

أن يبدأ بتنفيذ الأولى من الوصايا ثم الأولى بعدها حتى يستوعب الثلث كله، و تسقط الوصايا التي تبقى بعد ذلك عن التنفيذ.

و إذا لم يف الثلث بالوصايا، و لم يجز الورثة أن ينفذ الزائد من الأصل، و كانت الوصايا غير مترتبة في ذكرها بالوصية، وزع الثلث على الوصايا بالنسبة على الوجه الذي مر ذكره، و الأمثلة للفروض

كلمة التقوى، ج 6، ص: 556

التي تقع في المسألة و تطبيق الأحكام عليها، يعرف جليا مما سبق في نظيرها.

المسألة 82:

إذا أوصى الرجل بعدة من الوصايا، و كان بعض ما أوصى به واجبا ماليا يعد من الديون التي تخرج من أصل التركة و كان بعض ما أوصى به واجبا غير مالي يخرج من الثلث، و لم يعين الموصى في وصيته أن تخرج وصاياه من الأصل أو من الثلث، وجب أن يخرج القسم الأول من وصاياه من أصل تركته كما هو الحكم فيه، ثم يعين ثلثه بعد ذلك من بقية تركته و يخرج منه القسم الثاني من الوصايا، فإذا قصر الثلث عن الوفاء به و رضي الوارث بإخراج الزائد من الأصل وجب تنفيذه كذلك، و إذا لم يجز الورثة ذلك سقط باقي الوصايا و لم يجب تنفيذه.

و مثال ذلك أن يقول الموصى: أخرجوا عني مائة دينار قد اشتغلت بها ذمتي من الزكاة، و أخرجوا عني مائتي دينار لقضاء صلاة سنتين، و مائتي دينار لقضاء صوم شهرين تركت صومهما في شهر رمضان من عامين، و كان مجموع تركته ألف دينار، فإذا أخرج الوصي مائة دينار للزكاة من أصل تركته، بقي منها تسعمائة دينار و ثلثها ثلاثمائة، و هي تقصر عن الوفاء بالصلاة و الصيام، بحسب الوصية، فتخرج منه مائتا دينار لقضاء

الصلاة، و مائة دينار لقضاء شهر واحد من الصوم، و تسقط الوصية بصيام الشهر الثاني لقصور الثلث عنها، الا أن يرضى الورثة بإخراجها من الأصل، فتخرج منه.

و إذا عين الموصى أن يخرج جميع وصاياه المذكورة من الثلث، و كان ثلثه وافيا بجميعها، وجب أن يخرج الجميع منه كما عين، و إذا قصر الثلث عن الوفاء بها و لم يجز الورثة أن يخرج الزائد من الأصل، لوحظت الوصايا، فإذا كان الموصى قد رتب بعضها على بعض في الذكر عند الوصية بها، على النحو الذي بيناه في المسألة الثمانين، قدم الأولى منها فالأولى بعدها حتى ينتهي الثلث.

و إذا بقي من الوصايا شي ء بعد انتهاء الثلث و كان الباقي من الواجبات المالية التي تعد ديونا، وجب ان يخرج من الأصل كما هو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 557

الحكم فيه، و يجب كذلك تتميمه من الأصل إذا و في الثلث ببعضه و قصر عن بعضه، و إذا كان الباقي من الوصايا بعد انتهاء الثلث من الواجبات التي لا تعد ديونا، سقطت الوصية به.

و إذا كان الموصى قد ذكر الوصايا جميعا و لم يرتب ما بينها في الذكر وجب أن يوزع الثلث عليها بالنسبة، ثم يتمم كل واجب مالي منها من أصل التركة.

المسألة 83:

إذا أوصى الرجل بواجبات حكمها الأصلي أن تخرج من أصل التركة، و بوصايا أخرى تبرعية حكمها أن تخرج من الثلث، و لم يبين في وصيته أن تخرج هذه الوصايا من الأصل أو من الثلث، بدأ بالقسم الأول منها فأخرجه من الأصل كما هو حكمه، ثم أخرج ثلث ما بقي من التركة و أخرج القسم الثاني منه، و إذا قصر الثلث عن الوفاء به أخذ الزائد عن الثلث

من أصل التركة إذا أجاز الورثة ذلك، و إذا لم يجيزوه طبقت الأحكام السابقة فإذا كانت الوصايا مترتبة في ذكرها بالوصية بدئ بإخراج الوصية الأولى من الثلث ثم الأولى بعدها حتى ينتهي الثلث، فإذا انتهى الثلث سقط باقي الوصايا عن التنفيذ، و إذا كانت الوصايا غير مترتبة وزع الثلث عليها بالنسبة كما سبق في نظائر ذلك.

و إذا ذكر الموصى أن وصاياه تخرج من الثلث، وجب تقديم الواجب على غيره بالتنفيذ من الثلث على النحو المتقدم من الترتيب أو التوزيع، و إذا بقي من الثلث شي ء بعد إخراج الواجبات صرف الباقي منه في الوصايا التبرعية الأولى منها فالأولى و إذا كانت غير مترتبة قسط الباقي عليها بالنسبة، و إذا قصر الثلث عن الوفاء بالواجب أو عن إتمامه وجب أخذه أو تتميمه من أصل التركة.

المسألة 84:

إذا أوصى الرجل بواجبات لا تخرج من أصل التركة، و بوصايا تبرعية، وجب إخراج جميعها من الثلث، و وجب تقديم الواجبات على غيرها من الوصايا، و يكون تنفيذها على النهج المتقدم من الترتيب إذا كانت مترتبة في الذكر و التوزيع إذا كانت غير مترتبة، فإذا بقي من

كلمة التقوى، ج 6، ص: 558

الثلث شي ء بعد إخراج الواجبات صرف في تنفيذ الوصايا التبرعية على النهج المتقدم أيضا من الترتيب ما بينها أو التوزيع و لا يؤخذ للواجبات أو لغيرها شي ء من الأصل إذا قصر الثلث عن إتمامه إلا إذا أجاز الورثة أخذه منه.

المسألة 85:

إذا أوصى الموصى بواجبات تخرج من الأصل، و بواجبات غيرها تخرج من الثلث، و بوصايا تبرعية تخرج من الثلث كذلك، فان لم يبين في وصيته أن الوصايا تخرج من الأصل أو من الثلث، وجب أن يبدأ بالواجبات التي تخرج من الأصل، فإذا نفذت جميعا من الأصل، عين ثلث الباقي من التركة، و أخرجت منه الواجبات الأخرى، الأول منها فالأول، بحسب ترتيبها في الوصية، و إذا كانت غير مترتبة في ذكرها بالوصية، وزع الثلث عليها بالنسبة، و إذا بقي من الثلث شي ء بعد إخراج الواجبات، صرف في الوصايا التبرعية، على نهج ما تقدم من ترتيب إذا كانت مترتبة و توزيع عليها بالنسبة إذا كانت غير مترتبة.

و إذا أوصى أن تخرج وصاياه كلها من الثلث، قدمت الواجبات على الوصايا التبرعية، و لا خصوصية للواجب المالي هنا على غيره من الواجبات، فإذا كانت الواجبات مترتبة في ذكرها بالوصية، بدئ بالأول منها فالأول سواء كان ماليا أم غير مالي، فإذا انتهى الثلث و بقي بعض الواجبات المالية وجب إخراجه من الأصل و إذا قصر عن إتمامه وجب

إتمامه من الأصل، و إذا بقي من الواجبات الأخرى أو من الوصايا التبرعية شي ء بعد انتهاء الثلث سقطت الوصية به.

و إذا كانت الوصايا بالواجبات مذكورة في الوصية بغير ترتيب في الذكر، و لم يف الثلث بها جميعا وجب توزيعه عليها بالنسبة على النهج الذي تقدم، و إذا دخل على بعض الواجبات المالية نقص بسبب ذلك تمم من الأصل.

و إذا زاد الثلث على الواجبات صرف الباقي منه في تنفيذ الوصايا التبرعية على النهج المتقدم من ترتيب أو توزيع.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 559

المسألة 86:

إذا أوصى الموصى لأحد وصية تمليكية بثلث تركته على وجه الإشاعة أو بربعها، صحت الوصية كما تقدم، فإذا مات الموصى ملك الشخص الموصى له الحصة الموصى بها ملكا مستقرا، و أصبح شريكا مع الورثة في التركة بمقدار الثلث أو الربع المجعول له، فيكون له من كل عين من أعيان التركة و من كل شي ء من اشيائها ثلثه أو ربعه على وجه الإشاعة، فإذا نمت التركة أو أنتجت نماءا متصلا أو منفصلا كان النماء الحاصل مشتركا بين الموصى له و الورثة بتلك النسبة، و إذا تلف من التركة شي ء أو جزء كان التلف منهم جميعا بتلك النسبة أيضا، و تبقى الشركة بينه و بين الورثة حتى تحصل القسمة المميزة لماله عن مالهم، و كذلك الحكم إذا أوصى الموصى للرجل بكسر مشاع غير ذلك كالخمس أو السدس أو العشر من التركة، فيحصل الملك بموت الموصى و تقع الشركة بينه و بين الورثة بنسبة ذلك الكسر.

و يجري هذا الحكم في الوصية العهدية أيضا، فإذا أوصى بأن يدفع ثلث تركته أو ربعها أو خمسها للفقراء أو السادة أو اليتامى، وقعت الشركة بين الورثة و العنوان الذي أوصى

بتمليكه بالنسبة التي حددها في وصيته، و إذا أوصى بصرف ثلث تركته أو ربعها في مصلحته الخاصة من طاعات و قربات كانت الحصة الموصى بها باقية على ملك الميت فيكون شريكا للورثة بتلك النسبة من التركة و يكون له من نمائها إذا نمت و يدخل عليه من التلف إذا تلفت بتلك النسبة أيضا.

المسألة 87:

ذكرنا في المسألة السادسة و الستين انه يجوز للموصي أن يعين ثلث تركته في عين مخصوصة من التركة، فإذا عينه كذلك اختصت العين بالموصي، و لم يجز للورثة تبديله، و هذا الحكم عام يشمل ما إذا كانت وصيته بالثلث ليصرف في الخيرات و القربات، فيكون الثلث لمصلحة الموصى نفسه، و تكون العين التي عين الثلث فيها باقية على ملك الميت نفسه، و يشمل ما إذا كانت الوصية تمليكية، فيملك العين المخصوصة لشخص من الأشخاص أو يخصصها لجهة من الجهات، و قد ذكرنا هذا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 560

في المسألة الخامسة و الخمسين، فتكون العين المخصوصة ملكا للموصى له في الصورة الثانية، و تبقى في ملك الميت في الصورة الأولى.

و لا ريب في استقرار ملكهما للعين إذا كانت أموال التركة كلها حاضرة، بحيث يكون الثلثان الآخران منها بأيدي الورثة بالفعل، فالعين المخصوصة ملك مستقر للموصى له في الصورة الأولى يصح له التصرف فيها و يملك نماءها إذا نمت، و يختص هو بتلفها منه إذا تلفت، و هي كذلك ملك مستقر للميت في الصورة الثانية بيد وصيه يتصرف فيها كما خوله الموصى، و يصرفها في الجهات التي عينها من وجوه القربات و يتبع ذلك نماؤها و تلفها.

و إذا كان بعض الأموال من التركة غائبا ليس في أيدي الورثة، أشكل الحكم باستقرار ملك الموصى

له أو ملك الميت لجميع العين ما دام ذلك المال غائبا و يحتمل تلفه قبل أن يقبضه الوراث.

نعم لا ينبغي الريب في استقرار الملك للعين بمقدار نصف ما بأيدي الورثة بالفعل من أموال التركة، فيصح للموصى له أن يتصرف في ذلك المقدار من العين، المجعولة له و كذلك في ثلث بقية العين فيصح له التصرف فيه. و يجوز ذلك للوصي في الصورة الثانية، و يبقى ملك الموصى له و ملك الميت في بقية العين و هو مقدار ثلث المال الغائب من التركة مراعى بحصوله للورثة و عدم تلفه عليهم، و هذا على ما يراه المشهور، و المسألة شديدة الإشكال فلا يترك فيها الاحتياط.

المسألة 88:

إذا أوصى الرجل لأحد بعين مخصوصة من تركته، ثم أوصى بتلك العين لشخص آخر بطلت الوصية الأولى و وجب العمل بالثانية و قد ذكرنا هذا في المسألة السادسة و السبعين، فإذا جهل الموصى له السابق من اللاحق و تردد الأمر بينهما رجع في التعيين إلى القرعة و عمل عليها.

المسألة 89:

إذا أوصى الرجل لأحد بمبلغ من المال و تردد الأمر في مقدار المبلغ الموصى به بين الأقل و الأكثر: أ هو مائة دينار مثلا أو مائة و خمسون، بني على الأقل، و كذلك إذا أوصى له بأرض أو بعدد من النخيل أو

كلمة التقوى، ج 6، ص: 561

بشي ء آخر و تردد الأمر فيه بين الأقل و الأكثر، فيبني على الأقل، و إذا أوصى له بدار أو بدكان ثم تردد في ان الموصى به أي الدارين، أو أي الدكانين، أو أي النخلتين مثلا، رجع في تعيين الموصى به الى القرعة، فيدفع الى الموصى له العين التي تقع عليها القرعة.

المسألة 90:

إذا قصر ثلث الميت عن تنفيذ وصاياه كلها و لم يرض الورثة بإخراج الزائد من الأصل، قدمت الوصية السابقة على اللاحقة في التنفيذ إذا كانت مترتبة و قد ذكرنا ذلك في عدة من المسائل، فإذا شك في السابقة و اللاحقة من الوصيتين رجع الى القرعة في تعيينها، فتقدم الوصية التي عينتها القرعة منهما.

المسألة 91:

إذا أعطى الإنسان غيره مبلغا من المال، و أوصى اليه أن يصرفه عنه بعد موته في وجوه البر، أو في صلة الرحم مثلا، فان علم الوصي و لو على الإجمال ان المال المدفوع اليه لا يزيد على ثلث تركته الموجودة عند وارثه، و قبل منه وصيته، وجب عليه العمل بها و ان لم يعلم الورثة بذلك، و إذا لم يعلم الوصي بنسبة المال المدفوع إليه إلى التركة هل يبلغ مقدار الثلث منها أو يزيد عليه أشكل الحكم بوجوب العمل بها إلا إذا علم الورثة به و أجازوا.

الفصل الثالث في الموصى له
المسألة 92:

يشترط في صحة الوصية إذا كانت تمليكية أن يكون الشخص الموصى له موجودا بالفعل حين الوصية فلا تصح الوصية لمن كان ميتا حين الوصية، سواء كان الموصى عالما بموته أم جاهلا به، فإذا أوصى لأحد يتوهم أو يظن انه لا يزال موجودا، فظهر بعد ذلك انه كان ميتا في وقت الوصية، كانت الوصية باطلة، بل و ان قطع بوجوده فأوصى له بالمال، و استبان بعد ذلك انه ميت حال الوصية، فالوصية باطلة، و لا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 562

يشترط أن يكون موجودا حين موت الموصى، فيكفي في صحة الوصية له أن يكون موجودا حال الوصية، و قد تقدم في المسألة الثانية و العشرين ان الموصى له إذا مات في حياة الموصى انتقلت الوصية إلى وارثه.

المسألة 93:

لا تصح الوصية للمعدوم الذي يحتمل أن يوجد بعد الوصية، و مثال ذلك أن يوصي الرجل للحمل الذي تحمل به فلانة في المستقبل، أو يوصي لمن يوجد له بعد هذا من أولاد، أو لمن يوجد لفلان في المستقبل من أبناء.

و تصح الوصية للحمل في بطن أمه إذا كانت حاملا به في حال الوصية و ان لم تلجه الروح بعد، و يشترط في استقرار الوصية له أن تلده أمه حيا، فإذا مات في بطنها بعد الوصية أو ولدته ميتا كانت الوصية باطلة، و إذا انفصل عنها حيا صحت الوصية و إذا مات بعد انفصاله عنها انتقل المال الموصى به الى ورثته.

المسألة 94:

يصح للإنسان أن يوصي للمعدوم إذا كانت الوصية عهدية، و مثال ذلك ان يعهد الرجل الى وصيه فيقول مثلا: إذا ولد لي من فلانة ولد أو أولاد فادفع لها في كل عام مائة دينار لتنفقها في تربيتهم، أو يقول:

ادفعوا لأولاد أخي الذين يولدون له بعد وصيتي أو بعد موتي مبلغ كذا، أو اصرفوا عليهم بدل الإجارة من داري المعينة، فتصح وصيته لهم إذا وجدوا، و ان كانوا غير موجودين حين الوصية أو حين موت الموصى.

المسألة 95:

لا يشترط في صحة الوصية أن يكون الموصى له مسلما، فتصح الوصية للذمي و للمرتد الملي إذا كان الشي ء الذي يوصى به لهما مما يصح تمليكه للكافر، و لا تصح الوصية للكافر الحربي و لا للمرتد الفطري على الأحوط لزوما فيهما.

المسألة 96:

يشترط في الموصى له الحرية في الجملة، فلا تصح الوصية لمملوك

كلمة التقوى، ج 6، ص: 563

يملكه شخص آخر غير الموصى و ان أجاز سيده أن يوصى له، و إذا كان مكاتبا مطلقا و قد أدى بعض مال الكتابة و تحرر منه بعضه صحت الوصية له بمقدار ما فيه من الحرية، فإذا تحرر منه نصفه صح نصف الوصية له، و إذا تحرر ثلثه أو ربعه صح من الوصية له بذلك المقدار، و أما مملوك الموصى نفسه، فالظاهر صحة الوصية له، و في المسألة أحكام و فروض لا نتعرض لذكرها لعدم الفائدة بها في هذه العصور.

المسألة 97:

لا يمنع من صحة الوصية للشخص أن يكون وارثا للموصي، فيصح للإنسان أن يوصي وصية تمليكية لأبيه أو أمه أو ولده أو غيرهم من ورثته، سواء كان الشخص الموصى له صغيرا أم كبيرا و غنيا أم فقيرا، و سواء كان نصيبه في الميراث قليلا أم كثيرا، فتصح الوصية له في جميع الصور و ان انحصر الميراث به.

و يجوز أن يخصص الرجل بعض أولاده بالوصية له دون غيره إذا كانت للموصى له مزية تفضله عليهم من علم أو تقوى أو غيرهما من موجبات التفضيل، و ينبغي الترك في ما سوى ذلك.

و إذا كانت الوصية للبعض دون غيره توجب اثارة الحقد و الضغينة بين الأخوة فالأحوط لزوما اجتنابها.

المسألة 98:

إذا أوصى الرجل بشي ء من ماله لجهة معدومة في حال الوصية، و لكنها متوقعة الوجود في الزمان الآتي، فإن كانت وصيته عهدية، كما إذا قال لوصيه: ادفع مائة دينار في كل عام من مالي للمسجد الذي ينشئه فلان في البلد بعد مدة، لتصرف في مصالح المسجد بعد وجوده، فتصح الوصية و يجب العمل بها إذا وجد المسجد المعين، و إذا كانت الوصية تمليكية، فقال: خصصت للمسجد الذي سيقيمه فلان في القرية من مالي مبلغ كذا، أو عينت له داري أو دكاني المعين، أشكل الحكم بالصحة.

المسألة 99:

إذا أوصى الإنسان بشي ء من ماله لقرابته، أو لذوي قرباه، شملت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 564

وصيته كل من يعرف بنسبه و من يتصل به عرفا، سواء تقرب إليه بالأب أم بالأم، و شملت الوارث منهم و غير الوارث، و الذكور و الإناث و الأغنياء و الفقراء و الكبار و الصغار، الا أن تقوم قرينة أو عرف على خلاف ذلك، فيدل على الانصراف عن بعضهم و عدم الشمول له، و لا تشمل الوصية من يتصل به بالمصاهرة.

المسألة 100:

إذا أوصى الإنسان بالمال لجماعة محصورة العدد، و كانوا ذكورا، أو كانوا إناثا، أو كانوا ذكورا و إناثا شملتهم الوصية جميعا، و يقسم المال الموصى به بينهم على السواء، فالأنثى بقدر الذكر و الصغير بقدر الكبير، الا أن يصرح الموصى بتفضيل بعضهم على بعض في الحصة، أو بخروج بعض أفرادهم من الوصية، أو تدل القرائن الظاهرة الدلالة على شي ء من ذلك، فيكون ذلك هو المتبع، و كذلك الحكم إذا أوصى بالمال لأبنائه و بناته، أو لإخوانه و أخواته، أو لأعمامه و عماته، أو لأخواله و خالاته أو لأعمامه و أخواله، فيكون الذكر و الأنثى منهم، و الصغير و الكبير، و العم و الخال، و العم و الخالة، و الخال و العمة، سواء في مقادير حصصهم من المال، إلا إذا نص على التفضيل.

المسألة 101:

إذا أوصى الرجل لجماعة غير محصورة العدد، فقال: ثلثي من التركة لطلاب العلم في النجف مثلا، أو للسادة من أهل البلد، و كانوا غير محصورين في عددهم، فالظاهر من الوصية ان المراد صرف المال في الجماعة الموصى لها، فلا يجب البسط على الأفراد و لا التسوية بين من يعطيه منهم في المقدار، فيكفي دفع المال الموصى به إليهم كيف اتفق.

المسألة 102:

يستحب و يتأكد الاستحباب ان يوصي الرجل بشي ء من ماله لأرحامه و أقربائه الذين لا يصلهم ميراثه، ففي الحديث عن جعفر ابن محمد عن أبيه (ع): من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصيته، و في خبر سالمة مولاة أبي عبد اللّه (ع) كنت عند أبي عبد اللّه (ع) حين حضرته الوفاة فأغمي عليه فلما أفاق قال أعطوا الحسن بن

كلمة التقوى، ج 6، ص: 565

علي بن الحسين و هو الأفطس سبعين دينارا و أعطوا فلانا كذا و كذا و فلانا كذا و كذا فقلت أ تعطي رجلا حمل عليك بالشفرة يريد ان يقتلك فقال تريدين ان لا أكون من الذين قال اللّه عز و جل الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، نعم يا سالمة ان اللّه تبارك و تعالى خلق الجنة و طيبها و طيب ريحها و ان ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام و لا يجد ريحها عاق و لا قاطع رحم.

الفصل الرابع في الوصي
المسألة 103:

يصح للإنسان أن يعين أحدا لتنفيذ وصاياه التمليكية أو العهدية من بعده و يجعل له الولاية على ذلك. و يختار لذلك من يشاء من ورثته أو من غيرهم من الأقارب و الأباعد عنه، و يسمى الشخص الذي يعينه:

الوصي، و الموصى اليه، و يشترط في صحة الوصاية أن تجتمع في الوصي عدة أمور.

المسألة 104:

الشرط الأول: أن يكون الوصي بالغا على الأحوط لزوما، إذا لم يكن اعتبار ذلك فيه هو الأقوى فيشكل الحكم بصحة الوصاية إليه إذا كان صبيا لم يبلغ الحلم، و كان المقصود من الوصية اليه أن يقوم بتنفيذ الوصايا في حال صباه قبل بلوغه على وجه الانفراد و الاستقلال، بل لا تصح في هذه الصورة على الأحوط كما ذكرنا.

و كذلك يشكل الحكم بالصحة إذا أوصى الى الصبي، و كان المقصود أن يقوم بتنفيذ الوصايا في حال صباه باذن وليه الشرعي له في التنفيذ، و الأحوط الترك، و إذا أوصى اليه و كان المقصود أن يقوم بتنفيذ الوصايا بعد بلوغه و رشده، فالأقوى الصحة، و خصوصا إذا بلغ الحلم و الرشد قبل موت الموصى أو مقارنا معه.

المسألة 105:

تصح الوصية إلى الصبي مع انضمامه الى الكامل، و لهذا الفرض

كلمة التقوى، ج 6، ص: 566

صورتان: إحداهما: أن يشترط الموصى أن لا يقوم الكامل بتنفيذ شي ء من الوصايا حتى يبلغ الصبي، فإذا بلغ الصبي و رشد قام مع الوصي الكامل بتنفيذ الوصايا منضمين، الصورة الثانية: أن يقصد الموصى أن يتصرف الكامل قبل بلوغ الصبي تصرفا مستقلا، فإذا بلغ الصبي و رشد قاما بالتصرف و التنفيذ منضمين، و الظاهر الصحة في كلتا الصورتين.

المسألة 106:

إذا قصد الموصى الصورة الأولى فمنع الكامل من التصرف قبل أن يبلغ الصبي، و اتفق وجود تصرفات لا يمكن تأخيرها إلى حين بلوغ الصبي كوفاء الديون و إيصال بعض الحقوق و الودائع، رجع فيها الى الحاكم الشرعي.

المسألة 107:

إذا تصرف الكامل في الصورة الثانية فنفذ بعض الوصايا قبل بلوغ الصبي، ثم بلغ الصبي فليس له أن يرد ما نفذه الكامل من الوصايا، إلا إذا أجرى الكامل شيئا يخالف فيه وصية الموصى، فيجوز له رده الى الوصية.

المسألة 108:

إذا مات الوصي الصغير قبل أن يبلغ مبلغ الحلم استمر الكامل بوصايته و جاز له الانفراد بتنفيذ الوصايا للموصي، و كذلك إذا بلغ الصبي و هو فاسد العقل فيستمر الكامل وحده بالوصاية و التنفيذ، و الأحوط استحبابا ان يرجع الى الحاكم الشرعي فيضم اليه وصيا آخر في الصورتين.

و إذا بلغ الوصي الصغير الحلم و رشد، ثم مات بعد ذلك أشكل الحكم باستمرار الكامل على وصايته وحده فلا بد في هذا الفرض من مراعاة الاحتياط سواء باشر بتنفيذ بعض الوصايا مع الصغير بعد بلوغه أم لم يباشر، فيضم الحاكم الشرعي اليه شخصا آخر.

المسألة 109:

الشرط الثاني مما يعتبر في الوصي أن يكون عاقلا، فلا تصح

كلمة التقوى، ج 6، ص: 567

الوصية إليه إذا كان مجنونا، سواء كان جنونه مطبقا أم كان أدوارا.

المسألة 110:

المراد من اشتراط العقل في الوصي: أن يكون عاقلا في الحال الذي يكون فيه موضعا لحكم الشارع بتحقق الوصاية اليه و اتصافه بها، و هو ما بعد الوصية و وفاة الموصى، فلا يحكم الشارع بوصايته إذا كان مجنونا في هذا الحال، مطبقا أو أدواريا، و تثبت له الوصاية إذا كان عاقلا في هذا الحال، و ان كان مجنونا حين إنشاء الوصية، فإذا أنشأ الموصى وصيته الى الرجل المجنون و هو لا يعلم بجنونه، ثم عافاه اللّه و أفاق من جنونه في حال موت الموصى كفى ذلك في وجود الشرط و صحت الوصية اليه، و كذلك إذا أنشأ الموصى وصيته اليه ان هو أفاق من عارضه و عوفي من جنونه، ثم اتفق له ذلك حال موت الموصى فتصح الوصاية لوجود الشرط.

و كذلك الحكم في شرط البلوغ المتقدم ذكره، و في بقية الشروط الآتي بيانها، فالمعتبر ان تتحقق في ما بعد الوصية و وفاة الموصى.

المسألة 111:

إذا مات الموصى بعد الوصية و كان الوصي عاقلا في ذلك الحال ثبتت الوصية إليه كما بيناه، فإذا عرض له الجنون بعد ذلك بطلت وصايته، و إذا ارتفع العارض عنه و أفاق من جنونه أشكل الحكم بعودة الوصية اليه و إذا كان الموصى قد صرح في وصيته بعودة الوصاية إليه إذا هو أفاق بعد الجنون عمل بحسب وصيته.

المسألة 112:

الشرط الثالث مما يعتبر في الوصي: أن يكون مسلما على الأحوط إذا كان الموصى مسلما، فلا تصح الوصاية من المسلم الى كافر على الأحوط كما قلنا، و ان كان ذميا أو مرتدا مليا، أو كان قريبا في النسب، أو كان معروفا بالصدق و الأمانة في معاملاته، و إذا أوصى الكافر الى كافر، ثم أسلم الموصى بطلت وصيته الى الكافر إلا إذ أسلم الوصي قبل أن يموت الموصى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 568

المسألة 113:

لا يشترط في الوصي أن يكون عادلا، و يكفي في صحة الوصية اليه أن يكون أمينا موثوقا و ان كانت وصايته على أداء حقوق اللّه أو حقوق الناس أو جعلت له الولاية على قاصرين أو يتامى، أو جعل له التصرف في أموالهم، و معاملاتهم، و أولى من ذلك بكفاية الأمانة و الوثوق ما إذا كانت الوصية إليه تتعلق بإنفاق الثلث في الخير و الأمور المقربة مما يعود نفعه الى الموصى نفسه لا الى غيره.

المسألة 114:

إذا أوصى المسلم الى مسلم، فارتد الوصي عن الإسلام بطلت الوصية إليه، سواء كان ارتداده عن فطرة أم عن ملة، و إذا تاب و رجع الى الإسلام أشكل الحكم بعود وصيته اليه، الا بوصية جديدة إذا كان الموصى لا يزال حيا، أو يكون الموصى قد نص في وصيته الأولى على عوده إلى الوصية إذا هو ارتد ثم عاد إلى الإسلام.

المسألة 115:

إذا أوصى الرجل إلى وصي عادل، ففسق الوصي، فإن كان الموصى قد قيد وصيته اليه بوجود العدالة فيه، أو علم من القرائن الحافة ان ذلك هو المقصود من الوصية اليه، أو كانت القرائن ظاهرة في الدلالة على ذلك ظهورا يعتمد عليه أهل المحاورة، كانت الوصية إليه باطلة في جميع هذه الفروض، و ان لم يعلم تقييد الوصية بوجود العدالة، و لم يثبت ذلك بوجه معتبر لم تبطل الوصية بعروض الفسق، و كذلك الحكم إذا أوصى الى موثوق، فذهبت وثاقته فيجري فيه التفصيل المذكور.

المسألة 116:

لا يتعين على الموصى اليه أن يقبل الوصية، فإذا أوصى اليه الموصى جاز له أن يرد وصيته بشرط أن يكون الموصى لا يزال حيا، و بشرط أن يبلغه الرد و هو حي، فإذا ردها كذلك لم تلزمه الوصاية و لم يجب عليه القيام بها، و قد ذكرنا هذا الحكم و بينا فروضه في المسألة الرابعة عشرة و الخامسة عشرة فليرجع إليهما.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 569

المسألة 117:

يجوز للإنسان أن يوصي الى وارثه، و يجوز له أن يوصي إلى امرأة إذا اجتمعت فيها شرائط الوصية و ان كان مكروها، و يجوز له أن يوصي الى أعمى.

المسألة 118:

الأحوط لزوما أن لا يرد الولد وصية أبيه اليه، و إذا كان في رد وصيته عقوق للأب لم يجز للولد ذلك، و كذلك إذا أمره الأب بقبول الوصية وجب عليه قبولها و لم يجز له الرد، و للأم في ذلك حكم الأب.

المسألة 119:

إذا رد الولد وصية أبيه أو وصية أمه في حياتهما و أبلغهما رده حتى ماتا، لم تثبت وصايته و لم يجب عليه العمل بها و ان كان آثما و عاقا برده للوصية.

المسألة 120:

يجوز للإنسان أن يعين له شخصين أو أكثر لتنفيذ وصاياه، و إذا جعلهما كذلك فقد يصرح في وصيته أن كل واحد منهما وصي مستقل عن صاحبه، له ان ينفرد عنه بالتصرف و التنفيذ حسب ما يراه، فإذا صرح في وصيته بذلك، صح لكل واحد منهما أن يستقل بالتنفيذ عن الآخر، و إذا تصرف فليس لصاحبه أن يعترض على فعله أو ينقض شيئا مما أبرمه إلا إذا كان مخالفا لوصية الموصى، و مثله ما إذا دلت قرينة أو امارة على استقلال كل منهما في وصيته. و إذا لم يصرح الموصى في وصيته، و لم تدل القرائن على شي ء من ذلك لم يجز لأحدهما أن يستقل بالتصرف عن الآخر في شي ء من الوصايا، و ليس لهما أن يقتسما الوصايا، أو يقتسما الثلث بينهما، فيختص كل واحد منهما بقسم من الوصايا أو بقسم من الثلث، بل يشتركان في تنفيذ الوصايا معا و يتآزران على ذلك.

المسألة 121:

إذا تشاح الوصيان فلم يجتمعا في تنفيذ الوصايا، تدخل الحاكم الشرعي في أمرهما، فأجبر الممتنع إذا كان الممتنع أحدهما بعينه،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 570

فيجبره على الانضمام الى صاحبه، و إذا امتنع الطرفان نظر الحاكم في السبب المانع لهما من الاجتماع فإذا لم يجد لهما مانعا من أن ينضما أجبرهما معا على الانضمام، و إذا وجد أن لأحدهما المعين مانعا دون الآخر أجبر الشخص الذي لا مانع له فيضمه الى صاحبه، و إذا وجد أن لكل منهما مانعا، انضم الحاكم نفسه الى أحد الطرفين، فينفذ تصرفه، و تسقط وصية الآخر.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 6، ص:

570

المسألة 122:

إذا أوصى الرجل الى شخصين و نص على انهما وصيان على نحو الاستقلال، أو دلت على ذلك بعض القرائن الحافة كما ذكرنا، فإذا سبق أحدهما في شي ء كان تصرفه فيه هو النافذ، و لا يبقى بعده مجال لتصرف الثاني في ذلك الأمر، و إذا تقارنا في التصرف و كان تصرف أحدهما ينافي تصرف الآخر كانا باطلين. و مثال ذلك: أن يوصي الموصى ببيع داره و إنفاق ثمنها في بعض الوجوه فيبيعها أحدهما على رجل و يبيعها الثاني على آخر في وقت واحد، فيبطل البيعان، و يجوز لهما ان يقتسما الأعمال الموصى بها بينهما، فيختص كل واحد منهما بشي ء منها، و يجوز لهما أن يقتسما الثلث، فيختص كل واحد منهما بالتصرف في حصته من الثلث.

و إذا مات أحد الوصيين في هذه الصورة، أو عرض له ما يوجب سقوط الوصاية إليه، انفرد الآخر بالوصاية و قام بتنفيذها جميعا.

المسألة 123:

إذا أوصى الرجل الى اثنين و نص في وصيته إليهما على انهما وصيان على وجه الانضمام، أو أطلق الوصية إليهما و لم يصرح باستقلال أو انضمام، لم يجز لأحدهما الاستقلال عن صاحبه كما ذكرنا في المسألة المائة و العشرين، و إذا مات أحد الوصيين أو عرض له ما يوجب سقوطه عن الوصاية، لم يجز للباقي أن يستقل بالوصاية بل يضم الحاكم الشرعي اليه شخصا آخر يشترك معه في التصرف و التنفيذ، إلا إذا نص الموصى على غير ذلك فقال مثلا: هما وصيان بعدي على نحو الانضمام ما داما حيين، و إذا مات أحدهما استقل الآخر بالوصية.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 571

المسألة 124:

يجوز للرجل أن يوصي الى أحد يتولى تنفيذ وصيته ما دام ولده فلان صغيرا، فإذا بلغ ولده الحلم و رشد كان الولد هو الوصي، و سقطت وصاية الأول، و يجوز له أن يجعل من بعده وصيين أو عدة أوصياء مترتبين، فيقول: جعلت وصيي من بعدي على ثلثي و تنفيذ وصاياي أخي سعدا، فإذا مات سعد، أو عرض له ما يوجب سقوط وصايته فوصيي من بعده أخي سليم، و إذا عرض له بعض ذلك فوصيي ابن أخي علي، فيكون أوصياؤه مترتبين كما ذكر، و إذا اتفق ان مات الوصي الثاني قبل الأول ثم مات الأول فالوصي من بعده هو الثالث.

المسألة 125:

يجوز للموصي أن يقسم وصيته أقساما يميز بعضها عن بعض، و يعين لكل قسم منها وصيا خاصا يتولى تنفيذه، و لا يشترك بعض الأوصياء مع بعض في أعمالهم، فوصيه على تنفيذ وصاياه التمليكية ولده زيد، و وصيه على الإنفاق في وجوه الخير و البر ولده سعد، و وصيه على شؤون القاصرين من أولاده و تولي معاملاتهم و أموالهم ولده سليم، أو يقسم ثلثه قسمين أو أكثر و يجعل على كل قسم وصيا يتولى تنفيذ الوصية فيه.

المسألة 126:

إذا اشترط الموصى في وصيته الى الرجل أن يواظب على عمل من الأعمال المحبوبة، أو يتصف بصفة من الصفات لزم ذلك، فإذا هو ترك ذلك العمل أو ذهبت منه تلك الصفة بطلت الوصية، و مثال ذلك: ان يشترط في وصيته ان يكون الوصي عدلا أو أن يواظب على الصلاة في أول وقتها، فإذا ذهبت منه العدالة أو انصرف عن الصلاة في أول الوقت كان الوصية إليه باطلة، و رجع الى الحاكم الشرعي في تنفيذ الوصية.

المسألة 127:

إذا عجز الوصي عن تنفيذ الوصية لمرض أو كبر سن أو غيرهما من الأعذار، ضم الحاكم الشرعي اليه شخصا يساعده على تنفيذها، و إذا بلغ به الأمر حتى عجز عن الوصية عجزا تاما لا يرجى زواله، انعزل

كلمة التقوى، ج 6، ص: 572

عن الوصية بذلك فعلى الحاكم الشرعي أن ينصب وصيا غيره.

المسألة 128:

إذا ثبتت خيانة الوصي، فعلى الحاكم الشرعي أن يضم اليه وصيا أمينا يمنعه عن الخيانة، فان لم يمكن ذلك، فالظاهر أن الوصي ينعزل بذلك عن الوصية من غير حاجة الى عزل، فيجب على الحاكم الشرعي ان ينصب وصيا غيره.

المسألة 129:

ليس للوصي أن ينصب من بعده وصيا على تنفيذ ما أوصى به اليه، الا إذا جعل الموصى الأول له الحق في أن يوصي الى غيره، فإذا مات الوصي و قد بقي من الوصية شي ء لم ينجزه، أو مات قبل أن ينجز شيئا من الوصية كان على الحاكم الشرعي أن ينصب وصيا لذلك.

و كذلك الحكم في كل مورد تبقى فيه الوصية بعد موت الوصي من غير تنفيذ، كما إذا مات الوصي قبل الموصى و لم يعلم الموصى بذلك الى أن مات، و كما إذا مات الوصي و علم الموصى بموته و لم يعدل عن أصل وصيته و لم يوص الى شخص آخر فينصب الحاكم الشرعي في هذه الموارد وصيا لتنفيذ الوصية.

المسألة 130:

الوصي أمين على ما بيده من الأموال و الأعيان التي تتعلق بها وصيته، فلا يضمن ما يتلف أو ينقص أو يعيب منها في يده، إلا إذا تعدى في تصرفه أو فرط، و يحصل ذلك بأن يخالف الوصية فيكون به ضامنا، و إذا تعدى أو فرط أو خان كان ضامنا لمورد التعدي و التفريط و الخيانة إذا حدث فيه تلف أو نقص أو عيب، و ان كان حدوثه بغير اختياره، و الظاهر انه لا ضمان عليه في الموارد الأخرى التي لم يقع منه فيها تعد و لا تفريط و لا خيانة، فلا يضمن ما يتلف أو يعيب فيها.

المسألة 131:

إذا أوصى الرجل الى وصيين على نحو الانضمام أو على نحو الاستقلال كما ذكرنا في المسألة المائة و الثالثة و العشرين، ثم مات الوصيان معا

كلمة التقوى، ج 6، ص: 573

قبل أن ينفذا جميع الوصية، وجب أن ينصب الحاكم الشرعي من قبله أحدا على التنفيذ بعدهما و يجزي على الأقوى أن ينصب وصيا واحدا يقدر على تنفيذها، و الأحوط استحبابا أن ينصب وصيين.

المسألة 132:

قد يعين الموصى لوصيه منهجا خاصا في وصيته يريد منه تطبيقه و السير على وفقه، فيعين له أعمالا معينة يريد منه القيام بها، و يحدد مقادير خاصة من الأموال يريد منه إنفاقها أو تمليكها، و يذكر له وجوها مخصوصة أو كيفيات محدودة يطلب منه اتباعها في التنفيذ، فيجب على الوصي اتباع ما حدد له و عين، و لا يحق له أن يتجاوز شيئا من ذلك، فإذا تجاوزه كان ذلك خيانة توجب الإثم، و توجب عدم صحة التصرف كما توجب الضمان.

المسألة 133:

إذا أوصى الرجل الى أحد و أطلق الأمر في الوصية، فلم يعين له عملا من الأعمال و لا وجها من الوجوه، و لا كيفية من الكيفيات، بل قال له مثلا: أنت وصيي على ان تخرج ثلثي من تركتي و تضعه في مواضعه، كان على الوصي ان يعمل في الوصية بما يراه من من وجوه المصلحة التي تعود الى الميت الموصى، و إذا دار الأمر بين وجوه من المصلحة وجب عليه أن يقدم ما هو الأصلح منها للموصي، و لذلك فلا بد للوصي من النظر في الوجوه الممكنة منها و بذل الجهد في معرفة ما هو صالح و ما هو أصلح، و ما هو أكثر صلاحا و أكبر جدوى منه، و ما يحتاج اليه الميت الموصى و ما هو أحوج اليه، و ما هو أشد حاجة إليه من ذلك.

و لا ريب في اختلاف ذلك بحسب اختلاف أحوال الموتى، و اختلاف حاجاتهم الى بعض الأعمال دون بعض، فمن الناس من يحتاج الى الاحتياط عنه بأداء حقوق مالية، أو تكون حاجته إليها أشد لكثرة تقصيره فيها، و من الناس من يفتقر الى الاحتياط عنه بأداء عبادات أخرى من

صلاة و صوم و غيرهما، أو يكون افتقاره إليه أكثر لكثرة تقصيره فيها، الى غير ذلك مما تكون عليه أحوال الناس المختلفة في التقصير في الواجبات و عدم التقصير.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 574

و قد يحتاج الوصي في تمييز مراتب الحاجة و استبانة ما هو الأصلح و الأجدى نفعا إلى الاستعانة بالآخرين ليقدم ما يجب تقديمه، و الإنسان إنما يكلف بمقدار ما يعلم و ما يستطيع، و لكن لا بد من النظر و بذل الجهد المستطاع.

و إذا دلت القرائن أو العرف العام بين الناس على إرادة شي ء معين من الوجوه كان العمل عليه.

المسألة 134:

قد يقول بعض الناس: وصيي فلان، و لا يوضح ما يعني من الوصية، أ هي وصية بتجهيزه بعد الموت أم بدفنه في موضع خاص يريده، أم بقضاء ديون للناس عليه، أم باستيفاء حقوق له على الآخرين، أم بإخراج ثلث له من تركته، و في أي وجه ينفق الثلث إذا أخرج، بأداء واجبات شرعية عليه أم بغير ذلك من الوجوه المحتملة، و لا تدل القرائن الخاصة و لا العامة على تعيين شي ء فتكون الوصية لغوا لا أثر لها.

و قد يستعمل هذا النوع من الوصايا عند بعض القبائل، و يكون المتعارف بين تلك القبائل انها وصية تامة، فالوصي الذي عينه الشخص الموصى يقوم بتقسيم تركته على ورثته على الوجه المطلوب، و يخرج منها ثلثه، و يبقى الثلث بيد الوصي، و يقوم الوصي قبل ذلك برد أمانات الناس و ودائعهم إليهم، و استرجاع أمانات الموصى و ودائعه التي له عند الناس، و يقوم أيضا بوفاء ما على الميت من الديون إذا كانت عليه ديون، أو يوقع التراضي ما بين الديان و الورثة على بعض الوجوه،

و يستوفي ما له على الناس من حقوق إذا كانت له عليهم حقوق، و يقوم مع الورثة بنقل جنازته الى بعض المشاهد بما يفي بذلك من الثلث، و يقوم بفاتحته و توفية شؤونها من الثلث أيضا، و مما يتبرع به المتبرعون لذلك، و ينفق الباقي من الثلث في وجوه الخير، و رد المظالم بالرجوع الى أهل المعرفة بذلك أو الرجوع الى الحاكم الشرعي، فإذا دل التعارف العام على قصد ذلك في الوصية، صحت و وجب إنفاذها فيه.

و يشكل الأمر في ثبوت ولاية هذا الوصي على القاصرين من أولاد الموصى، فلا بد من الاحتياط بأن يستأذن في تصرفه في أموالهم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 575

و معاملاتهم و شؤونهم من الحاكم الشرعي، و أن يقيمه الحاكم وليا عليهم إذا ثبتت كفاءته لذلك، و يوضح له ما تلزم مراعاته في ذلك ليقيم تصرفه على الوجه الصحيح، و ان لا ينصب الحاكم قيما غيره الا بإذنه.

المسألة 135:

إذا جعل الرجل لوصيه الحق في أن يوصي من بعده الى أحد لينفذ الوصايا التي لم ينفذها، جاز للوصي ذلك، و يكون الوصي الجديد وصيا عن الوصي الأول لا عن الموصى الأول.

و نتيجة لذلك، فإذا أوصى اليه جاز لهذا الوصي أن يرد وصيته ما دام الموصى اليه حيا بشرط أن يبلغه الرد قبل ان يموت كما هو الحكم في كل وصية، و جاز للموصي أن يعدل عن وصيته اليه قبل الموت أيضا.

و إذا كان الموصى الأول قد خول وصيه في أن ينصب وصيا آخر عن الموصى نفسه، فلا يبعد الحكم بصحة ذلك أيضا، و يكون الوصي الجديد وصيا عن الموصى الأول، فلا يجوز للوصي الأول عزله أو الرجوع في وصيته، و يشكل

الحكم بجواز رد الوصي الثاني للوصية و عدم قبولها، لأن المفروض موت الموصى الأول.

المسألة 136:

لا يجوز للوصي أن يعزل نفسه عن الوصاية بعد أن مات الموصى و لم يردها في حياته، أو ردها و لم يبلغه خبر الرد حتى مات كما تكرر ذكره، و لا يجوز له أن ينقل الوصية من نفسه الى غيره، بعد أن لزمته و وجب عليه العمل بها ما دام حيا، و تلاحظ المسألة المائة و التاسعة و العشرون، و المسألة المائة و الخامسة و الثلاثون في ما يتعلق بالوصية بعد موته.

المسألة 137:

إذا أوصى اليه الموصى و ثبت من صيغة الوصية أو من القرائن الحافة بها أن الموصى لا يعتبر ان يقوم الوصي بمباشرة تنفيذ الوصية بنفسه، بل ظهر أن المقصود أن ينجز الوصي ذلك بعمل نفسه أو بعمل غيره تحت إشرافه و رعايته، جاز للوصي في هذه الصورة أن يفوض تنفيذ

كلمة التقوى، ج 6، ص: 576

الوصية كلها أو تنفيذ بعضها الى غيره، و يجعله وكيلا مفوضا في التصرف و الإنجاز عنه، و خصوصا إذا كان الشخص الذي يوكل الأمر إليه أبصر منه بطرق التنفيذ و بموارد التطبيق و أدق في ملاحظة الأمور، و مراعاة المصلحة للموصي و ما هو الأصلح، و يكون عمل هذا الوكيل المفوض عملا للوصي الذي اعتمد عليه بالواسطة و قياما منه بالوصية التي وجب عليه إنجازها، و يجوز له ان يفوض ذلك الى شخص واحد كما يصح له أن يوكله إلى أشخاص متعددين، فوجد مثلا ان العمل في الوصية متعدد الجوانب و كل جانب منه يقتضي الإيكال إلى خبير يقوم بانجازه على الوجه الأتم أو الأقرب.

المسألة 138:

إذا أوصى الرجل الى أحد و عين له مصارف المال الموصى به، و الجهات أو الأشخاص التي يصرف المال فيها، و نسي الوصي المصارف المعينة للمال، فقد يتردد بين جهات غير محصورة، فلم يدر انه أوصى بصرف المال في الفقراء أو في السادات أو في اليتامى أو في طلاب العلم أو في مصالح المساجد و هكذا، و حكمه في هذه الصورة أن يصرف المال الموصى به في وجوه البر التي يحتمل أن الموصى قد عينها له في الوصية، و لا يكفي صرفه في الوجوه غير المحتملة من وجوه البر، و كذلك إذا تردد بين أشخاص

غير محصورين، فينفق المال في وجوه البر على الأشخاص الذين يحتمل شمول الوصية لهم.

و قد يتردد الوصي بين جهات محصورة العدد أو بين أشخاص محصوري العدد، و لا يبعد أن يكون الحكم في ذلك هو الرجوع الى القرعة، فيصرف المال في الجهة التي تعينها القرعة من تلك الجهات، و على الشخص الذي تعينه القرعة من أولئك الأشخاص.

المسألة 139:

قد يوصي الإنسان الى أحد و يجعل على وصيه ناظرا يشترط على الوصي أن يكون ذلك الناظر مشرفا على عمله بالوصية و على تنفيذه لها، فإذا قبل الوصي الوصية و الشرط، أو علم بالوصية المشروطة و لم يردها حتى مات الموصى، أو ردها و لم يبلغه خبر الرد حتى مات،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 577

لزم الوصي أن يعمل بالوصية و ان يطلع الناظر على عمله حتى يكون عالما بتنفيذ الوصية، و لا يصح له أن يعمل بها بغير علم الناظر و اطلاعه، و إذا فعل كذلك كان مخالفا للوصية المشروطة، و كان عمله بغير اذن الموصى.

و الغرض من نصب هذا الناظر هو أن يحصل الوثوق بأن الوصي قد أنجز الوصية حسب ما قرر الموصى، فإذا خالف الوصي الوصية اعترض عليه.

المسألة 140:

لا موضوعية لرأي هذا الناظر نفسه، فلا يجب على الموصى أن يتبع رأيه في التنفيذ، بل المدار أن يعلم بأنه نفذ و لم يخالف، فإذا كان من بنود الوصية أن يدفع الوصي مبلغا من المال الى فقير مثلا، و أراد الوصي دفع المبلغ إلى إبراهيم، و كان الناظر يرى أن دفعه الى خالد أولى أو أرجح، لم يجب على الوصي أن يعمل برأي الناظر، فإذا دفع المبلغ إلى إبراهيم كما رأى صح تصرفه و ليس للناظر أن يعترض عليه في ذلك، إلا إذا كان الدفع إلى إبراهيم يخالف الوصية فيلزم الناظر الاعتراض في ذلك، و لا يصح للوصي فعله لمخالفته الوصية لا لمخالفة رأي الناظر.

المسألة 141:

و قد يوصي الإنسان و يجعل على وصيه ناظرا، و يشترط على الوصي أن يكون عمله بالوصية موافقا لرأي الناظر و ما يرجحه من الأمور و المصالح و الجهات، فيجب على الوصي العمل بالوصية المشروطة كذلك فإذا رأى الناظر رأيا أو رجح أمرا وجب على الوصي الأخذ به و العمل على وفقه، فإذا رآى الناظر أن دفع المبلغ الى خالد أرجح في المثال الآنف ذكره لزم على الوصي ان يدفع المبلغ اليه، و إذا عمل بغير رأي الناظر كان مخالفا للوصية المشروطة و لما أذن به الموصى.

المسألة 142:

جعل الناظر على الوصي وصية خاصة اليه بذلك، فإذا ردها الناظر في حياة الموصى و بلغه الرد قبل موته لم يجب على الناظر القيام بالنظارة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 578

التي أوصى اليه بها، و إذا مات الموصى و لم يرد الناظر وصيته، أو ردها في حياته و لم يبلغه الخبر حتى مات لزمه القيام بالنظارة كما هو الحكم في الوصية، سواء كان الناظر من القسم الأول أم من القسم الثاني الآنف ذكرهما، و لا وظيفة له غير ذلك الا أن يضيف الموصى إليه وظيفة أخرى تتعلق بوصيته.

المسألة 143:

لا تجب على الناظر ممانعة الوصي عن ان يخون وصيته أو يخالفها أو يفرط فيها، نعم يجب عليه تنبيهه على المخالفة و الاعتراض عليه إذا كان ذلك مما تقتضيه نظارته عرفا، فإذا خان الوصي بعد التنبيه و خالف الوصية لم يكن الناظر ضامنا و لا آثما.

و إذا لزمه التنبيه و لم ينبه و لم يعترض كان آثما و لا ضمان عليه، و كذلك إذا كان من القسم الثاني و لم يبد رأيه الذي يراه صحيحا كان آثما.

المسألة 144:

إذا جعل الموصى على وصيه ناظرا بأحد الوجهين المتقدم ذكرهما ثم مات الناظر وجب على الوصي الرجوع الى الحاكم الشرعي ليجعل عليه ناظرا أو ليقوم له بنفسه بالنظارة.

المسألة 145:

تقدم في المسألة الحادية و الأربعين انه يجوز للأب و الجد أبى الأب أن يجعل قيما على أولاده أو أولاد ولده القاصرين، و لا يصح للأب أن يجعل قيما على أولاده إذا كان الجد موجودا، و لا يصح للجد أن ينصب قيما على أولاد ولده مع وجود أبيهم، و لا يصح للأم أن تجعل قيما على أطفالها حيث لا ولاية لها عليهم.

المسألة 146:

يشترط في الشخص الذي يجعل قيما على القاصرين أن توجد فيه جميع الشرائط التي ذكرناها للوصي، و لا يعتبر فيه أن يكون عادلا بل يكفي فيه أن يكون أمينا موثوقا كما ذكرنا في المسألة المائة و الثالثة

كلمة التقوى، ج 6، ص: 579

عشرة، و يشترط في صحة تصرفه وجود المصلحة فيه فلا يكفي في الصحة عدم المفسدة كما هو في ولاية الأب و الجد.

المسألة 147:

يصح للأب أو الجد أن ينصب قيمين أو أكثر على أولادهما القاصرين على الوجه الذي بيناه في الوصية الى أكثر من واحد، فيجعلهما قيمين على نحو الانضمام أو الاستقلال و تراجع المسألة المائة و العشرون و ما يلحق بها، فان تفاصيل الفروض المذكورة فيها تشمل المقام، و يصح له أن يجعل كلا منهما قيما في جهة غير جهة الآخر، أو يجعل أحدهما قيما على بعض الأطفال و ثانيهما قيما على الآخرين.

المسألة 148:

يجوز لمن ينصب قيما على القاصرين، أن يجعل على القيم ناظرا يجب ان يطلعه على تصرفه في أمور المولى عليهم و أموالهم، أو ناظرا يجب عليه أن يعمل برأيه في تصرفاته كما هو الحال في الناظر على الوصي.

المسألة 149:

إذا جعل الموصى قيما على أطفاله القاصرين و أطلق له الولاية عليهم، و لم يقيدها بجهة معينة، فقال له: جعلتك قيما بعد موتي على القاصرين من أولادي، جاز للقيم بعد موت الموصى أن يتولى جميع الشؤون التي تتعلق بالمولى عليهم و التي كانت في ولاية الموصى أيام حياته، فيقوم بتربيتهم و حفظهم و صيانتهم عما يريب و يشين و يوجههم الى ما يحسن و يحمد، و يتولى حفظ أموالهم و اجراء المعاملات عليها عند الحاجة من بيع و اجارة و مزارعة و استيداع و تعمير و غير ذلك مما يوجب حفظ المال و صيانته و نماءه و زيادته، و يتولى الإنفاق عليهم و على من يعولون به ممن تلزمهم نفقته و يستوفي ديونهم و حقوقهم من الناس، و يفي ما يلزمهم من ديون و حقوق و ضمانات و أروش، و يجوز له أن يؤجرهم لبعض الأعمال التي يحسنون القيام بها مما يليق بهم، و يعالجهم إذا احتاجوا الى العلاج، و يسافر بهم إذا رجح أو جاز لهم السفر، و غير ذلك مما يجوز لأبيهم أو جدهم أن يتولاه من أمورهم، و يراجع مبحث أولياء العقد من كتاب النكاح في ما يتعلق بتزويجهم.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 580

المسألة 150:

إذا جعل الموصى قيما على القاصرين، و عين له جهة أو جهات خاصة يتولاها من أمورهم و ترك الباقي من الجهات صح للقيم بعد موت الموصى ان يتولى الجهة الخاصة أو الجهات التي حددها له الموصى من شؤون القاصرين و لم يجز له التعدي عنها و عما حدد له فيها، و وجب الرجوع في بقية شؤونهم الى الحاكم الشرعي يتولاها هو أو من ينصبه لذلك أو يوكله فيه،

و يصح للحاكم الشرعي أن يجعل القيم نفسه وليا على بقية الجهات إذا ثبتت لديه كفاءته لذلك.

المسألة 151:

يتحدد إنفاق القيم على الصبي بعادة أمثاله في شرفه و منزلته الاجتماعية في البلد، في كل من المأكل و المشرب و الملبس و المسكن، فإذا زاد القيم في الإنفاق من مال الطفل على ذلك كان ضامنا للزائد، و إذا قتر ففاضل النفقة الذي يحصل من التقتير ملك الصبي. و قد تحدده الضرورة بأقل من ذلك فتجب على القيم مراعاتها، و مثال ذلك أن يفتقر الغني الشريف ذو المنزلة، فإذا أطعم الصبي أو ألبس كما تقتضيه عادته و عادة نظرائه لم يتسع لذلك ماله الموجود، و إذا اتسعت أموال الصبي الفقير، فإن أوجب ذلك تحولا في منزلته و مكانته في نظر العقلاء جاز للقيم أن يوسع في الإنفاق عليه و ان لم يوجب له شيئا مضى معه على سيرته الأولى.

المسألة 152:

قد تقتضي مصلحة القاصر ان يشتري القيم له شيئا بأكثر من ثمن المثل، فإذا اشترى له متاعا معينا بمائتي دينار مثلا، و كان المتاع عزيز الوجود في السوق و قيمته لو وجد مائة و خمسون دينارا، ثم انقطع وجوده في الأيام اللاحقة، و باعه القيم للطفل بثلاثمائة دينار، فربح مائة دينار صحت المعاملات عليه في شرائه و بيعه. و إذا احتاج الطفل الى دار يسكنها و هي عزيزة الوجود كذلك، و وجدها القيم بعد الفحص فاشتراها للطفل بألفي دينار مثلا، لندرتها و شدة الحاجة إليها، و قيمتها في ذلك اليوم لولا هذه الناحية ألف و ثمانمائة دينار،

كلمة التقوى، ج 6، ص: 581

ثم أصبحت بعد ذلك تساوي ثلاثة آلاف دينار أو أكثر، فالأقوى صحة المعاملة في مثل هذه الفروض، و المدار في الصحة على وجود المصلحة في نظر العقلاء لا على وجود المصلحة في معتقد القيم نفسه،

و قد ذكرنا هذا في المسألة المائة و العاشرة من كتاب التجارة في فصل شرائط المتعاقدين.

الفصل الخامس في بعض أحكام الوصية
المسألة 153:

إذا بلغ الصبي المولى عليه الحلم و رشد، فطالب القيم بماله الذي كان في يده، و ادعى القيم أنه أنفق بعض المال عليه في أيام صغره، أو أنه أنفق الجميع عليه في تلك الأيام، و أنكر المولى عليه انه أنفق عليه شيئا منها، فالقول قول الولي مع يمينه، الا ان يقيم الصبي بينة على صحة ما يدعيه، و كذلك الحكم إذا ادعى المولى عليه أن القيم قد أسرف في الإنفاق عليه، فيكون ضامنا للزيادة في الإنفاق، و أنكر القيم انه أسرف، فالقول قول القيم مع يمينه الا أن يثبت الصبي صحة مدعاه، و يجري مثل ذلك في غير الوصي من الأولياء كالأب و الجد إذا اختلف مع المولى عليه بعد بلوغه في أصل الإنفاق أو في الإسراف، و قد مر هذا في المسألة الخامسة و التسعين من كتاب الوكالة.

المسألة 154:

إذا ادعى المولى عليه بعد بلوغه و رشده ان القيم قد باع داره أو بعض أمواله من غير ضرورة أو مصلحة تعود إليه في بيعها فيكون مفرطا ضامنا أو تكون معاملته غير صحيحة و أنكر القيم قوله، فالقول قول القيم مع يمينه، لأنه أمين.

المسألة 155:

إذا طالب المولى عليه القيم بالمال بعد بلوغه و رشده، فادعى القيم انه قد دفع المال اليه بعد بلوغه و أنكر المولى عليه ذلك، فالقول قول المولى عليه المنكر مع يمينه، الا ان يثبت القيم صحة ما يدعيه، و يجري

كلمة التقوى، ج 6، ص: 582

هذا الحكم في غير القيم من الأولياء إذا اختلف مع المولى عليه في ذلك، و قد مر هذا في المسألة الرابعة و التسعين من كتاب الوكالة.

المسألة 156:

يجوز للقيم على اليتيم إذا تولى أموره و التصرف في أمواله أن يأخذ من مال اليتيم مقدار أجرة المثل لعمله، و هذا إذا كان القيم فقيرا و كان عمله مما له أجرة في نظر أهل العرف، و يشكل الحكم بجواز أخذه إذا كان غنيا، و الأحوط له اجتناب ذلك، و إذا كان العمل مما ليس له أجرة في المتعارف بين الناس لم يجز للقيم أن يأخذ عليه شيئا سواء كان فقيرا أم غنيا.

المسألة 157:

إذا عين الموصى للقيم أجرة على عمله في مال اليتيم ثبتت له سواء كان فقيرا أم غنيا، و سواء كانت بمقدار أجرة المثل أم أقل منها أم أكثر، و أخرجت من ثلث الموصى، و إذا كانت أكثر من الثلث لم تنفذ في ما زاد عليه الا بإجازة الوارث.

المسألة 158:

إذا كانت الأجرة التي عينها الموصى للقيم أقل من أجرة المثل لعمله و كان فقيرا، فان كان قد قبل بذلك بعد اطلاعه على مقدار الأجرة، فليس له أن يطالب بأكثر منها، و ان هو لم يطلع على مقدار الأجرة أو اطلع عليه و لم يقبل و لم يرد قبل موت الموصى أشكل الحكم في ذلك، و الاستعفاف له أحوط.

المسألة 159:

إذا جعل الإنسان أحدا وصيا من بعده على تنفيذ وصاياه، فقد يصرح في وصيته أن الوصي يتولى العمل بالوصية مجانا من غير أجرة، فإذا علم الوصي بالوصية كذلك، و لم يرد الوصية، أو ردها بعد موت الموصى أو ردها في حياته و لم يبلغه الخبر حتى مات، لزمه العمل بالوصية و لم يستحق على عمله أجرة، على اشكال في بعض الصور.

و كذلك الحكم إذا دلت القرينة الحافة على ذلك دلالة ظاهرة عند العقلاء، كما إذا أوصى الرجل بجميع ثلثه أو أوصى بتقسيمه في

كلمة التقوى، ج 6، ص: 583

وجوه عينها تمليكا أو تبرعا، و لم يبق من الثلث شي ء ليعطى أجرة للوصي، فيجري فيه الحكم المتقدم.

و إذا أوصى اليه و لم يصرح بأن يكون عمله بالوصية مجانا، و لم تدل القرينة على ذلك، و كان عمله مما له أجرة عرفا، استحق عليه أجرة المثل، و جاز له ان يأخذها من الثلث.

المسألة 160:

إذا أوصى الرجل الى أحد أن يصلي عنه مثلا أو يصوم، لم يجب على الوصي قبول الوصية، و ان لم يعلم بها الا بعد موت الموصى، فلا يجب عليه العمل بالوصية سواء جعل له على العمل أجرة معينة أم لم يجعل له شيئا.

و إذا أوصى اليه أن يصلي عنه أو يصوم أو يحج مجانا، و قبل الوصية بذلك في حياة الموصى وجب عليه العمل بالوصية و يشكل جواز ردها بعد الوفاة إذا قبلها في حياة الموصى.

المسألة 161:

إذا أوصى الرجل الى أحد أن يصلي عنه بعد موته مدة معينة، أو أن يصوم عنه شهرا مثلا أو أن يحج عنه، و عين له أجرة معينة، فقال له: صل عني مدة سنة بمائة دينار، و قبل منه ذلك في حياته صح ذلك اجارة و لزمه الوفاء بها، فإذا أتى بالعمل استحق عليه الأجرة المعينة، و كذلك إذا قال له: حج عني بمائتي دينار و قبل ذلك عنه، و إذا لم يحصل القبول في حياة الموصى، لم تلزمه الإجارة، و كذلك إذا كانت الأجرة غير معلومة.

المسألة 162:

يجوز للموصي أن يلغي وصيته التي أوصى بها عن الاعتبار فيسقط وجوب العمل بها و لا يستبدل مكانها وصية أخرى، و يجوز له أن يعدل عنها الى غيرها ما دام موجودا، فيبدل جميع بنودها التي أوصى بها ببنود جديدة أخرى أو يبدل بعضها و يبقى بعضا، أو يسقط بعضها و يبقى بعضا، فتلغى وصيته الأولى و تصح وصيته الثانية إذا كان جامعا للشرائط المعتبرة في الموصى.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 584

فيصح له أن يبدل الوصي بوصي غيره أو يضمه اليه، و أن يبدل الأشياء أو الأعيان أو المقادير التي أوصى بها من المال بأشياء أو أعيان أو مقادير أخرى، و أن يغير الشخص أو الأشخاص أو الجهات التي أوصى لها إلى أشخاص و جهات غيرها، و يجوز له أن يجعلها تمليكية بعد أن كانت عهدية أو بالعكس، و أن يدخل على الوصية أو على بعضها تعديلات أو اضافات جديدة يرتضيها.

و إذا عدل عن بعضها بقيت الوصية صحيحة يجب تنفيذها في البعض الآخر الذي لم يعدل عنه، و يجري في الوصية الجديدة التي عدل إليها كلا أو بعضا أو أجرى

التعديل فيها جميع ما ذكرناه من الأحكام و الآثار للوصية الأولى.

المسألة 163:

يجوز للموصي أن يعدل عن وصيته بالولاية على القاصرين، فيبدل القيم بقيم آخر، أو يضمه اليه أو يجعل عليه ناظرا، أو يجعل له منهجا آخر في تصرفه في أموال الطفل، أو يقيد ولايته عليه بقيود، أو يطلقها من بعض القيود المذكورة في الوصية الأولى.

المسألة 164:

إذا كان الوصي أو القيم قد رد الوصية الأولى للموصي فلا يعني هذا انه رد الوصية الثانية التي عدل إليها فإذا هو لم يرد الثانية حتى مات الموصى وجب عليه العمل بها و ان كان قد رد وصيته الأولى.

المسألة 165:

يحصل الرجوع عن الوصية إذا قال الموصى: رجعت عن وصيتي، أو عدلت عنها أو اسقطتها، أو لا يعمل بتلك الوصية بعد موتي، و أمثال ذلك من الألفاظ الدالة عليه في متفاهم أهل المحاورة.

و قد يحصل الرجوع عنها بالفعل، كما إذا فعل الموصى فعلا أو أجرى معاملة تضاد الفعل الذي أوصى به، فباع العين التي أوصى بوقفها، أو بتمليكها لأخيه زيد، أو وكل أحدا في بيعها، و كما إذا أوصى بتمليك ثلثه لزيد بعد وفاته بعد أن كان قد أوصى بصرفه في الخيرات، أو بالعكس.

كلمة التقوى، ج 6، ص: 585

المسألة 166:

لا يحدد وجوب العمل بالوصية بمضي مدة معينة قصيرة أو طويلة، فإذا أوصى الموصى ثم مات بعد ذلك بمدة قليلة وجب تنفيذ وصيته، و إذا بقي بعد الوصية سنين متطاولة ثم مات، وجب العمل بها بعد موته إذا هو لم يرجع عنها، و مثله ما إذا لم يعلم برجوعه عنها، فإذا شك في انه رجع عن وصيته أم لا، بني على عدم الرجوع، و نفذت الوصية.

المسألة 167:

إذا مات الرجل و هو يملي وصاياه أو و هو يكتبها، و كان تام الشعور في ذلك الحال، وجب تنفيذ كل وصية قد أتم بيانها و انعقد ظهورها في المعنى المقصود منها، و سقطت الوصية التي لم تتم و لم يتضح جميع المراد منها، الا أن يكون قد ذكرها أولا تامة للشهود، ثم انقطع عن ذكرها عند الكتابة أو الإملاء، فينفذ ما تشهد به الشهود.

المسألة 168:

قد تعرض للشخص بعض الأسفار المخيفة أو بعض الأمراض الخطرة فيوصي ببعض ما يهمه من الأمور، و يقيد وصيته بالموت في ذلك السفر أو بسبب ذلك المرض، فيقول: إذا أنا مت في هذا السفر أو في هذا المرض فوصيي من بعدي فلان، و عليه أن يفعل كذا، فإذا مات الموصى في سفره أو في مرضه وجب العمل بوصيته، و إذا لم يمت في السفر أو المرض الذي قيد به وصيته، سقطت الوصية و لم يجب العمل بها.

و إذا لم يقيد الوصية بالموت في ذلك السفر أو بسبب ذلك المرض، بل كان خوف الموت فيهما داعيا له إلى الوصية بما يهمه، كما هو الظاهر من حال الذين يسافرون الى الحج أو الى أماكن أخرى بعيدة و في طرق غير مأمونة، أو يقعون في أمراض شديدة، فالأقرب وجوب العمل بالوصية و ان لم يمت في سفره أو في مرضه المعين، بل و ان بقي بعد ذلك مدة طويلة، إلا إذا عدل عن وصيته تلك.

المسألة 169:

تثبت الوصية بالقيمومة على القاصرين أو على أموالهم بشهادة رجلين

كلمة التقوى، ج 6، ص: 586

عادلين، و تثبت كذلك بإقرار الموصى نفسه بأنه قد جعل زيدا قيما على أولاده الصغار أو على أولاد ولده، و لا تثبت بغير ذلك من المثبتات للوصايا المالية الآتي ذكرها، و كذلك الحكم في الوصية إليه بأن يقوم بتنفيذ وصيته المالية أو العهدية فلا تثبت إلا بالبينة العادلة أو بإقرار الموصى، و مثلهما نفس الوصية العهدية التي لا تتعلق بالمال.

المسألة 170:

تثبت الوصية بالمال سواء كانت تمليكية أم تبرعية بشهادة مسلمين عادلين، و تثبت بشهادة مسلم واحد عادل مع امرأتين مسلمتين عادلتين، و بشهادة مسلم واحد عادل مع يمين الموصى له، و هي بهذه المثبتات تشترك مع سائر الدعاوي المالية المعروفة.

المسألة 171:

تختص الوصية بالمال بأنها تثبت أيضا بشهادة النساء منفردات عن الرجال، فإذا شهدت بالوصية المالية المرأة مسلمة عادلة ثبت بشهادتها ربع المال الموصى به، و إذا شهدت بها امرأتان مسلمتان عادلتان ثبت بشهادتهما نصف المال، و إذا شهدت بها ثلاث نساء مسلمات عادلات ثبت بشهادتهن ثلاثة أرباع المال، و إذا شهدت بها أربع نساء مسلمات عادلات ثبت بشهادتهن جميع المال الموصى به.

و تختص الوصية بالمال بأنها تثبت بشهادة رجلين من أهل الذمة عادلين كذلك في دينهما، و هذا انما يكون عند الاضطرار و عدم وجود العدول المسلمين من الرجال و النساء لسفر أو غيره.

المسألة 172:

إذا أقر الورثة كلهم بأن مورثهم قد أوصى بثلثه أو ببعضه وصية تمليكية لشخص أو لأشخاص معلومين أو أوصى بصرف ثلثه في جهة أو جهات معينة أو غير معينة و كان الورثة المقرون بالغين راشدين، ثبتت الوصية بإقرارهم و وجب تنفيذها و العمل بها.

و إذا أقر بالوصية بعض الورثة دون بعض و كان في المقر منهم شخصان عادلان أو أكثر، ثبتت الوصية كذلك سواء كانت تمليكية أم

كلمة التقوى، ج 6، ص: 587

تبرعية أم عهدية غير مالية، و وجب تنفيذ المالية في حصص المقرين و غيرهم حتى حصص القاصرين منهم.

و إذا أقر بالوصية بعض الورثة دون بعض، نفذت الوصية في حصص المقرين منهم، و إذا كان في المقرين منهم رجل عادل و كانت الوصية تمليكية، أمكن أن يضم يمين الشخص الموصى له إلى شهادة ذلك العادل و تثبت بهما الوصية له حتى في حصص الآخرين و القاصرين، و إذا تعدد الموصى لهم و حلف بعضهم و لم يحلف الآخر ثبتت الوصية لمن حلف و لم يثبت الوصية للآخر، و إذا أقرت

بالوصية المالية من الورثة امرأة مسلمة عادلة نفذت الوصية في حصتها، و نفذت في الربع من حصص الباقين، و إذا أقرت بالوصية منهم امرأتان مسلمتان عادلتان، نفذت الوصية في حصتيهما و في النصف من حصص الآخرين، و إذا أقرت منهن ثلاث نساء عادلات، نفذت الوصية في حصصهن و في ثلاثة الأرباع من حصص غيرهن، و إذا أقرت بها من الورثة أربع نساء عادلات نفذت الوصية في الجميع.

المسألة 173:

ليس من الوصية أن ينشئ إيقاعا أو عقدا و يعلقه على موته، فيقول: داري هذه وقف على الفقراء بعد موتي، أو يقول: وقفت عمارتي هذه بعد موتي مدرسة لطلاب العلم، أو يقول للمدين: أنت بري ء الذمة بعد وفاتي من ديني الذي استحقه عليك، أو يقول: بعت هذا البستان على زيد بعد موتي بألف دينار، أو ينشئ غير ذلك من الإنشاءات المعلقة على الوفاة، فتكون باطلة للتعليق، و لا تكون من الوصية، ليجب على الورثة تنفيذها بعد الموت.

و الوصية الصحيحة أن يعهد لوصيه أو لوارثه أن يتولى وقف الدار أو العمارة بعد موته، أو أن يبرئ ذمة المدين أو يبيع البستان بعد وفاته، فتصح و يجب تنفيذها إذا توفرت شروط الوصية.

المسألة 174:

يعتاد كثير من الفقهاء قدس اللّه أرواحهم أن يلحقوا في كتاب الوصية أحكام التصرفات التي يقوم المريض بتنجيزها في مرضه الذي يموت

كلمة التقوى، ج 6، ص: 588

فيه و يسمونها بمنجزات المريض، و يلحقوا بها أحكام إقراره بالدين أو ببعض الأمور الأخرى، و قد تعرضنا لتفصيل ذلك و تبيين أحكامه في الفصل الرابع من كتاب الحجر، فليرجع اليه من يريد.

و الحمد للّه رب العالمين و أفضل صلواته و تسليماته و رحماته و بركاته على سيد المرسلين و آله المطهرين.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

الجزء السابع

المعاملات

كتاب النكاح و فيه عدة فصول:

الفصل الأول في مقدمات التزويج و أحكام الخلوة بالزوجة
المسألة الأولى:

النكاح من المستحبات المؤكدة في الإسلام، و هذا الحكم فيه غني عن البيان، و قد ورد عن الرسول (ص): ما بني بناء في الإسلام أحب الى اللّه عز و جل من التزويج، و عنه (ص) انه قال: (النكاح من سنتي فمن رغب عن سنتي فليس منى)، و عنه (ص): (من تزوج أحرز نصف دينه، فليتق اللّه في النصف الآخر)، و عنه (ص): (من أحب أن يلقى اللّه طاهرا مطهرا فليلقه بزوجة).

بل يستفاد من كثير من النصوص كراهة العزوبة، و قد ورد عن أبي عبد اللّه (ع): (ركعتان يصلّيهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب)، و عنه (ص): (رذال موتاكم العزاب)، و عن أبي عبد اللّه (ع):

(ما أفاد عبد فائدة خيرا من زوجة صالحة إذا رآها سرته، و إذا غاب عنها حفظته في نفسها و ماله)، و عنه (ص): (من ترك التزويج مخافة العيلة فقد ساء ظنه باللّه (عز و جل)، ان اللّه (عز و جل) يقول إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ).

و استحباب النكاح شامل

لمن اشتاقت نفسه للنكاح و من لم تشتق نفسه اليه، و هو كذلك ثابت لمن لم يتزوج و لمن تزوج الواحدة و لمن تزوج الأكثر، و الظاهر ان الاستحباب فيه لا يختص بالنكاح الدائم، بل هو شامل له و للنكاح المنقطع و للتسري بالإماء المملوكة.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 6

المسألة الثانية:

مما يهتم به في هذا السبيل أن ينظر الرجل في صفات المرأة التي يطلب الزواج بها، فقد ورد عن الرسول (ص) انه قال: (اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجيعين)، و قد روي عنه (ص): (تخيروا لنطفكم فإن الأبناء تشبه الأخوال)، و الظاهر ان هذا الخبر نقل بالمعنى لرواية منقولة في كتاب كنز العمال.

و عن الإمام أبي عبد اللّه (ع): (إنما المرأة قلادة، فانظر ما تتقلد)، و عنه (ص): (إياكم و خضراء الدمن، قيل يا رسول اللّه (ص) و ما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء).

و عن أبي جعفر (ع) عنه (ص): (من تزوج امرأة لا يتزوجها الا لجمالها لم ير فيها ما يحب، و من تزوجها لمالها لا يتزوجها الا له و كله اللّه اليه، فعليكم بذات الدين).

و أن تنظر المرأة و أولياؤها في صفات الرجل الذي يريد الزواج بها فعن الرسول (ص): (النكاح رق فإذا أنكح أحدكم وليدته فقد أرقها، فلينظر أحدكم لمن يرق كريمته).

و أهم الصفات التي ينبغي أن يدور حولها الاختيار في كل من المرأة و الرجل على السواء: الخلق و الدين، فإنهما جماع الخصال الحميدة و السلوك الرضي، و أوثق ما تضمن به السعادة للأسرة، و أحفظ ما تصان به صلة الزواج المقدسة في الإسلام، و عنه (ص): (إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوجوه، الا تفعلوه تكن

فتنة في الأرض و فساد كبير)، و مما يستحب من صفات المرأة أن تكون بكرا، ولودا، و دودا، عفيفة، كريمة الأصل، عزيزة في أهلها، ذليلة مع بعلها، إن أنفقت أنفقت بمعروف، و ان أمسكت أمسكت بمعروف، و مما يطلب فيها أن تكون جميلة، ضحوكا، حسناء الوجه، طويلة الشعر، كما نطقت بذلك كله أحاديث الرسول و أهل بيته الهداة (ع).

المسألة الثالثة:

يكره للرجل أن يتزوج بالمرأة العاقر، و ان كانت جميلة حسناء ذات

كلمة التقوى، ج 7، ص: 7

رحم منه و ذات دين، و يكره له أن يتزوج بقابلته و هي المرأة التي تولت أمر أمه عند ولادته و التي تولت تربيته و أن يتزوج بنتها، و ان يتزوج بامرأة كانت ضرة أمه عند غير أبيه، و بالمجنونة و الحمقاء.

و يكره له التزوج بالمرأة المتولدة من الزنا، و يكره التزوج بالمرأة الزانية للرجل الزاني بها و لغيره، و لا يترك الاحتياط باجتناب التزوج بالمرأة المشهورة بالزنا، للزاني بها و لغيره، إلا إذا أظهرت توبتها، و يعلم ذلك كما في الخبر بأن تدعى إلى الفجور، فإن أبت عنه ظهرت بذلك توبتها.

و يكره ان يزوج سي ء الخلق من الرجال، و المخنث، و الفاسق و شارب الخمر، و الأعرابي، و يراد به من أبعدته بداوته و عدم تحضره عن الدين و أخلاق الإسلام.

المسألة الرابعة:

يستحب للرجل إذا هم بالتزويج و قبل أن يعين المرأة أن يصلي ركعتين و يحمد اللّه، ثم يقول: (اللهم اني أريد أن أتزوج، اللهم فأقدر لي من النساء أعفهن فرجا و أحفظهن لي في نفسها و مالي و أوسعهن رزقا، و أعظمهن بركة و اقدر لي منها ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي و بعد موتي). و يستحب أن يقول: (أقررت بالميثاق الذي أخذ اللّه، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).

المسألة الخامسة:

تستحب الخطبة أمام العقد، و يكفي فيها: (الحمد للّه و الصلاة على محمد و آله)، و أكملها ما اشتمل على الحمد و الصلاة و الشهادتين و الوصية بالتقوى و الدعاء للزوجين. و يستحب إعلان النكاح و الاشهاد عليه و إيقاعه ليلا، و يستحب أن يكون الزفاف ليلا كذلك.

و تستحب الوليمة للتزويج يوما أو يومين، و يكره أكثر من ذلك، و يستحب ان يدعى لها المؤمنون و أن يعم بها الفقراء و الأغنياء من اخوانه و قرابته، و تستحب لهم إجابة الدعوة و الأكل منها، و ينبغي ان لا يخص بها الأغنياء ففي الحديث عن الرسول (ص): (شر الولائم ما يدعى لها الأغنياء و يترك الفقراء).

كلمة التقوى، ج 7، ص: 8

المسألة السادسة:

يكره إيقاع العقد و القمر في برج العقرب، و إيقاعه يوم الأربعاء و في محاق الشهر، و ينبغي التوقي من الأيام السبعة المعروفة بالكوامل، و هي اليوم الثالث من الشهر القمري، و الخامس منه، و الثالث عشر و السادس عشر، و الحادي و العشرون، و الرابع و العشرون، و الخامس و العشرون.

المسألة السابعة:

يستحب عند الدخول أن يكون كل من الرجل و المرأة على طهر، و أن يصلي الرجل ركعتين و تصلي المرأة كذلك، و أن يدعو الرجل بعد الصلاة و يبدأ بالحمد للّه و التمجيد له، و الصلاة على محمد و آله، ثم يقول: (اللهم ارزقني الفها و ودها و رضاها بي، و أرضني بها و اجمع بيننا بأحسن اجتماع و آنس ائتلاف، فإنك تحب الحلال و تكره الحرام).

و يأمر من معها أن يؤمنوا على دعائه.

و يستحب أن يضع يده على ناصيتها، و يقول: (اللهم على كتابك تزوجتها و في أمانتك أخذتها و بكلماتك استحللت فرجها، فان قضيت في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا و لا تجعله شرك شيطان).

المسألة الثامنة:

يجوز أن يؤكل ما ينثر في الأعراس و المواليد و غيرهما من مناسبات الأفراح و مواسمها، بل و ما ينثر في المشاهد المشرفة مع الاذن من المالك، و تكفي في ذلك دلالة القرائن و شاهد الحال عليه، و يجوز للملتقط تملكه إذا أعرض عنه صاحبه بعد بذله كما هو الغالب، أو قصد صاحبه ببذله التمليك للآخذين.

و إذا أعرض عنه صاحبه فأخذه الملتقط، فهل يجوز لصاحبه الرجوع به؟ فيه اشكال، و لا يترك الاحتياط لكل منهما.

المسألة التاسعة:

من آداب خلوة الرجل بزوجته، و لو في غير ليلة الزفاف: التسمية عند ارادة الجماع، و الاستعاذة باللّه من الشيطان الرجيم، و أن يقول

كلمة التقوى، ج 7، ص: 9

(بسم اللّه و باللّه، اللهم جنبني الشيطان و جنب الشيطان ما رزقتني)، أو يقول: (بسم اللّه الرحمن الرحيم الذي لا إله الا هو بديع السماوات و الأرض، اللهم ان قضيت مني في هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان فيه شركا و لا نصيبا و لا حظا، و اجعله مؤمنا مخلصا مصفى من الشيطان و رجزه، جل ثناؤك)، أو يقرأ غير ذلك مما هو مأثور عن المعصومين (ع) و من الآداب أن يداعب الرجل المرأة قبل جماعها، و أن يمكث فيه و لا يتعجل، ففي الحديث: (إذا جامع أحدكم أهله فلا يأتيهن كما يأتي الطير، ليمكث و ليلبث). و في خبر آخر: (فلا يعجلها فان للنساء حوائج).

و يجوز له أن يقبل أي جزء أراد من جسد الزوجة، و ان تمس هي أي جزء من بدنه أرادت بأي جزء من بدنها، و مما يندب اليه على وجه العموم أن يكون الزوج على طهر عند الجماع، و يستحب ذلك إذا كانت المرأة حاملا. و

يستحب الجماع في ليالي الاثنين و الثلاثاء و الخميس و الجمعة، و في يوم الخميس عند الزوال و يوم الجمعة بعد العصر.

المسألة العاشرة:

يكره الجماع في يوم تنكسف فيه الشمس و في ليلة ينخسف فيها القمر، و في يوم أو ليلة تحدث فيها الزلزلة أو الريح السوداء، أو الريح الحمراء أو الصفراء، أو تحدث فيها آية سماوية أو أرضية أخرى توجب الخوف.

و يكره الجماع ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس، و من مغيب الشمس الى أن يذهب الشفق، و عند زوال النهار إلا في يوم الخميس، و في أولى ليلة من الشهر القمري الأشهر رمضان، و في النصف من كل شهر و في المحاق منه، و في ليلة الفطر و ليلة الأضحى، و يكره الجماع في السفر إذا لم يجد ماءا للغسل، و في أي ليلة يريد السفر فيها، و يكره الجماع في السفينة، و على ظهر الطريق، و تحت السماء، و تحت الشجرة المثمرة، و على الامتلاء من الطعام، و يكره و هو مستقبل القبلة و مستدبرها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 10

و يكره الجماع و أحد الزوجين أو كلاهما مختضب، و يكره للرجل أن يجامع بعد أن يحتلم قبل أن يغتسل من احتلامه، و تتكرر الكراهة إذا كرر الجماع قبل أن يغتسل من الاحتلام، و يكره له ان يجامع و هو عريان، و أن يجامع و عنده من ينظر اليه و ان كان طفلا غير مميز، و ان يتكلم في حال الجماع بغير ذكر اللّه، و ان ينظر عند الجماع الى فرج المرأة، و أن يكون معه خاتم فيه ذكر اللّه أو شي ء من القرآن.

و مما يندب اليه: أن تكون خرقة الرجل غير خرقة

المرأة فلا يمسحا بخرقة واحدة، ففي الخبر أن وقوع الشهوة على الشهوة تعقب العداوة بينهما.

المسألة 11:

يجوز للرجل أن يعود للجماع قبل أن يغتسل من جماعه الأول و لا كراهة عليه في ذلك و ان جامع مرارا، نعم، يستحب له غسل الفرج و الوضوء في كل مرة، سواء كان جماعه لامرأة واحدة أم لأكثر، و ربما كان التأكيد على غسل الفرج و الوضوء مع تعدد المرأة أكثر، فلا ينبغي تركه بل الأحوط عدم تركه.

المسألة 12:

يستحب تخفيف مئونة الزواج و تقليل المهر، ففي الحديث عن رسول اللّه (ص): (أفضل نساء أمتي أصبحهن وجها و أقلهن مهرا)، و يستحب التعجيل في تحصين البنت بتزويجها عند بلوغها، فقد ورد عن الامام الصادق (ع): (من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته).

و يستحب السعي في التزويج بين المؤمنين و الشفاعة فيه، ففي الحديث عن أمير المؤمنين (ع): (أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع اللّه بينهما).

و مما يندب للرجل إذا خشي العنت من العزوبة و لم يتمكن من الزواج أن يوفر شعر بدنه و أن يكثر من الصيام، ففي الرواية:

(أن رجلا جاء إلى النبي (ص) فقال يا رسول اللّه (ص) ليس عندي طول فأنكح النساء، فإليك أشكو العزوبة، فقال (ص) له و فر شعر جسدك و أدم الصيام، ففعل فذهب ما به).

كلمة التقوى، ج 7، ص: 11

المسألة 13:

المشهور بين فقهائنا قدس اللّه أرواحهم انه يجوز للرجل أن يطأ زوجته و مملوكته دبرا، و ان كان ذلك على كراهة شديدة، و هو الأقوى، و ان كان الأحوط تركه و يتأكد الاحتياط بالترك مع عدم رضا المرأة به، و لا فرق في هذا الحكم بين المرأة الطاهرة و الحائض، فإن الظاهر من تحريم وطء الحائض انما هو حرمة وطئها قبلا، فليس إلا الكراهة الشديدة في وطئها دبرا و الاحتياط المذكور.

المسألة 14:

إذا منعت المرأة زوجها فلم تمكنه من وطئها دبرا لم تكن بذلك ناشزا على الأقوى إذا مكنته من غيره، و ان قلنا بجوازه كما تقدم.

المسألة 15:

وطء المرأة في دبرها كوطئها في قبلها، فتترتب عليه جميع الأحكام التي تترتب على دخول الرجل بالمرأة عدا ما سيأتي التنبيه عليه في المسألة اللاحقة، فإذا وطأ الرجل زوجته المعقودة عليه دبرا استقر بذلك جميع مهرها كما يستقر في وطئها قبلا، و إذا طلقها بعده وجبت عليها العدة، و إذا دخل بها كذلك و هي صائمة أو و هو صائم بطل الصوم و ان لم ينزل، و تثبت به كذلك أحكام المصاهرة المشروطة بالدخول كحرمة الربيبة المشروطة بالدخول بأمها، و إذا وطأ امرأة أجنبية كذلك ثبت به حد الزنا، و إذا كان الوطء شبهة ثبت به مهر المثل للمرأة و وجبت عليها العدة، و إذا وطأ كذلك و أنزل وجب عليه الغسل، و إذا وطأها دبرا و لم ينزل ففيه تفصيل ذكرناه في مبحث الجماع من فصل غسل الجنابة فلتراجع المسألة الأربعمائة و السابعة و الثلاثون من كتاب الطهارة و ما بعدها.

المسألة 16:

يشكل الاكتفاء بوطء المرأة الشابة دبرا في حصول ما يجب لها من الوطء مرة في كل أربعة أشهر و لعل الأقوى عدم الاكتفاء بذلك، و سيأتي ذكر هذا الحكم قريبا (ان شاء اللّه تعالى). و يشكل الحكم بحصول الفئة بعد الإيلاء من الزوجة بوطئها دبرا، و يشكل الاكتفاء به في تحليل

كلمة التقوى، ج 7، ص: 12

المرأة المطلقة ثلاثا إذا نكحها زوج آخر فوطأها دبرا و لم تذق عسيلته، و لا يترك الاحتياط في المسألتين.

المسألة 17:

عزل الرجل عن المرأة هو أن يخرج ذكره منها عند الانزال فيفرغ ماءه في الخارج، و بحكمه ما يستعمل لذلك من كيس و نحوه، يلبسه الرجل ذكره، فينزل فيه عند الجماع ثم يخرجه مع الذكر خارج الفرج بعد الفراغ.

و العزل جائز عن الأمة سواء كانت زوجة للواطي أم مملوكة له أم محللة، و هو جائز عن الحرة المتمتع بها سواء أذنت للزوج بذلك أم لم تأذن به، و جائز كذلك عن الزوجة الحرة الدائمة إذا أذنت للزوج بذلك أو كان الزوج قد اشترط ذلك عليها في عقد التزويج بها، بل الأقوى جواز ذلك مطلقا و ان لم تأذن به و لم يشترط عليها في العقد و لكنه مكروه.

و تزول الكراهة أو تخف في المرأة التي لا تلد، و في المرأة التي لا ترضع ولدها، و في المرأة المسنة من النساء، و في السليطة و البذية منهن، و السليطة هي طويلة اللسان كثيرة الصخب، و البذية هي التي تتكلم بالفحش و الكلام القبيح.

و لا تجب على الرجل دية النطفة إذا عزل عن زوجته فأفرغ ماءه في الخارج حتى على تقدير القول بحرمة ذلك.

و لا يحل للزوجة أن تعزل نفسها عن الرجل

عند الانزال حتى يفرغ ماءه في الخارج فان ذلك ينافي وجوب تمكين الزوج من نفسها.

المسألة 18:

لا يجوز للرجل أن يترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر، سواء كانت الزوجة حرة أم أمة، و سواء كانت دائمة أم منقطعة، بل حتى المرأة الموطوءة بالملك أو بالتحليل على الأحوط، و سواء طالبت الرجل بالوطء أم لا، و في شمول الحكم للمرأة غير الشابة تأمل بل منع، و ان كان الشمول لها أحوط، و الظاهر أن الحكم المذكور يختص بالرجل الحاضر،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 13

فلا يعم من كان مسافرا، سواء كان سفره واجبا لحج أو عمرة أو غير ذلك من الأسفار الواجبة أم لتجارة أو زيارة أو عمل أو تحصيل علم أو استشفاء و نحو ذلك من الأسفار المباحة أو المستحبة و خصوصا إذا كان السفر برضا الزوجة، و يشكل إذا كان السفر للأنس و التفرج فلا يترك فيه الاحتياط.

و يسقط وجوب الوطء هذا إذا رضيت المرأة بترك الوطء و ان طالت المدة، و إذا كان تركه مشروطا عليها في عقد النكاح، و مثال ذلك: أن يشترط الزوج عليها في العقد أن يكون الجماع تابعا لرغبة الزوج و ان طالت المدة، و يسقط وجوب الوطء إذا كانت الزوجة غائبة عن الزوج باختيارها، أو كان الزوج معذورا في تركه لمرض أو سجن، أو لعدم انتشار العضو، أو لخوف الضرر على نفسه أو عليها بذلك.

و يشكل الحكم بسقوط وجوب الوطء عن الزوج إذا كانت المرأة ناشزا، فلا يترك الاحتياط فيه.

و لا يكفي في حصول الواجب أن يطأها الزوج دبرا كما تقدم في المسألة السادسة عشرة، و لا يكفي أن يطأها قبلا بدون إنزال، و يكفي الدخول مع الانزال و

ان تجرد عن سائر الاستمتاعات الأخرى.

المسألة 19:

المراد من الحكم المذكور في المسألة المتقدمة ان لا يكون ما بين الوطء السابق للزوجة و الوطء اللاحق لها أكثر من أربعة أشهر، و ليس المعنى أن يطأها الزوج في كل أربعة أشهر مرة كيفما اتفقت، فلا يكفي مثلا أن يطأها في ابتداء الأربعة الأولى مرة و في آخر الأربعة الثانية مرة.

المسألة 20:

لا يجب على الرجل قضاء هذا الحق للزوجة إذا فات، فإذا ترك مواقعتها ثمانية أشهر أو سنة مثلا، لم يجب عليه ان يطأها مرتين أو ثلاثا قضاء لحقها الفائت، و ان كان عاصيا في ذلك إذا كان تركه لغير عذر، و الأحوط مصالحة الزوجة عن حقها الفائت و ارضاؤها عنه بمال أو غيره، و إذا ترك مواقعة زوجته أربعة أشهر أو أكثر لم يسقط عنه

كلمة التقوى، ج 7، ص: 14

وجوب الوطء، بل يجب عليه فورا ففورا، و ان لم يكن قضاء، و يأثم بالتأخير لا لعذر.

المسألة 21:

يحرم على الرجل وطء الزوجة قبل ان تكمل لها تسع سنين، و لا فرق في هذا الحكم بين أن تكون حرة أو أمة و أن يكون الزواج بها دائما أو منقطعا، و كذلك في الأمة المملوكة له أو المحللة على الأحوط فيهما، فإذا وطأ الأنثى قبل أن تبلغ السن المذكورة كان آثما، سواء دخل بها أم لم يدخل، كما إذا وطأها ببعض الحشفة و يجوز له الاستمتاع بما سوى ذلك منها كالتقبيل و الشم و الضم و التفخيذ و غير ذلك.

المسألة 22:

إذا وطأ الرجل زوجته الدائمة أو المنقطعة قبل أن تكمل لها تسع سنين، فأفضاها- و سيأتي بيان المراد منه- فالمشهور بين الأصحاب أن وطأها بعد ذلك يكون محرما عليه أبدا، و قيل: انها تخرج بذلك عن زوجيته، و الأقوى أنها لا تخرج بذلك عن الزوجية، و لا يحرم على الزوج وطؤها بسبب ذلك و خصوصا إذا اندمل جرحها و برئت منه، سواء طلقها ثم جدد العقد عليها أم بقيا على نكاحهما الأول.

و يجب على الرجل أن يدفع لها دية الإفضاء، و هي دية النفس، فإذا كانت المرأة حرة كان لها نصف دية الرجل الحر، و إذا كانت أمة كان لها أقل الأمرين من قيمتها و دية الحرة، و تثبت لها الدية المذكورة و ان استمسك بنكاحها و لم يطلقها على الأحوط، و تجب على الرجل نفقتها ما دامت في الحياة و ان طلقها و لم يمسك بزوجيتها و لعل الأقوى وجوب نفقتها عليه و ان تزوجت بغيره بعد الطلاق.

و الإفضاء الذي تناط به هذه الأحكام هو أن يخلط الرجل بجماعة مسلكي المرأة، فيصير مسلكي الحيض و البول فيها مسلكا واحدا، قيل:

أو يصير مسلكي الحيض

و الغائط مسلكا واحدا، أو يخلط المسالك الثلاثة جميعا فيصيرها مسلكا واحدا، و في إمكان تحقق الإفضاء بالمعنى الثاني في الخارج تأمل فضلا عنه بالمعنى الأخير.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 15

المسألة 23:

إذا وطأ الرجل زوجته الحرة أو الأمة و الدائمة أو المنقطعة بعد أن كملت لها تسع سنين أو تجاوزت عنها فأفضاها بوطئه إياها على الوجه الآنف ذكره لم تحرم عليه بذلك، و لم تجب لها الدية، و وجبت عليه نفقتها ما دامت موجودة على نهج ما تقدم بيانه في الزوجة الصغيرة.

و إذا زنى بامرأة باكرة فأفضاها بوطئه إياها، لم يحرم عليه ان يتزوجها بعد ذلك و لم تجب عليه نفقتها سواء كانت كبيرة أم صغيرة لم تبلغ التسع، و وجبت لها الدية و قد تقدم ذكرها، و كذلك الحكم إذا وطأ المرأة شبهة فأفضاها، فتجب لها الدية و لا تجب عليه نفقتها و لا يحرم عليه التزويج بها إذا لم تحرم عليه من جهة أخرى، و كذلك إذا وطأ الأمة التي حللها له مالكها فأفضاها بالوطء.

المسألة 24:

إذا وطأ الرجل أمته المملوكة له فأفضاها بالوطء، على الوجه الذي تقدم ذكره لم تحرم عليه بذلك و لم تجب عليه ديتها و لم يجب عليه الإنفاق عليها إذا أخرجها عن ملكه.

المسألة 25:

لا تجري الأحكام الآنف ذكرها إذا أفضى المرأة بغير الوطء كما إذا أفضاها بإصبعه أو بشي ء آخر نعم تجب الدية على المفضي و ان كان امرأة مثلا.

المسألة 26:

إذا وجبت على الرجل نفقة الزوجة بإفضائها بالوطء قبل أن تبلغ التسع أو بعدها على ما مر بيانه وجبت عليه ما دامت في الحياة و لا يسقط وجوبها عن الزوج إذا طلق الزوجة و ان كان الطلاق برضا الزوجة أو بطلب منها، أو تزوجت بغيره بعد الطلاق، و لا تسقط النفقة بنشوز المرأة و خروجها من بيت الرجل بغير اذنه، و لا تسقط بإعسار الرجل و عدم تمكنه من الإنفاق عليها، فتكون دينا في ذمته، و كذلك إذا امتنع عن الإنفاق عليها مع قدرته، و تسقط بموت الزوجة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 16

أو موت الزوج، و لا يسقط منها ما استقر في ذمته بإعساره أو امتناعه عن دفع النفقة فيجب إخراجه من أصل تركته إذا مات.

المسألة 27:

إذا وطأ الرجل زوجته الصغيرة قبل أن تبلغ تسع سنين كاملة و دخل بها و لم يفضها أثم بفعله كما ذكرنا في المسألة الحادية و العشرين، و لم يترتب عليه شي ء من الأحكام الأخرى المتقدم ذكرها، فإنها منوطة بالإفضاء، و كذلك إذا وطأ أمته المملوكة له أو أمة غيره المحللة له من مالكها فدخل بها قبل ان تبلغ تسعا، فلا يترتب عليه شي ء من الأحكام المتقدمة غير الإثم.

المسألة 28:

إذا وطأ الرجل الأنثى قبل أن تبلغ تسع سنين، فأوجب وطؤه لها عيبا غير الإفضاء جرحا أو كسرا أو تمزقا في بعض العضلات أو غير ذلك كان ضامنا لأرش ذلك العيب، و لديته إذا كان مما فيه الدية، و إذا أفضاها و أحدث فيها مع الإفضاء عيبا آخر لزمته أحكام الإفضاء و وجب لها مع الإفضاء أرش العيب أو ديته.

المسألة 29:

إذا شك الرجل في أن زوجته المعقودة له قد بلغت تسع سنين كاملة أم لم تبلغ، لم يجز له ان يطأها حتى يعلم بأنها قد أكملت ذلك أو يحصل له الاطمئنان ببلوغها من قول الثقات من أهلها أو غير ذلك من الأمور المفيدة للاطمئنان، و كذلك الأمة المملوكة له أو التي حللها له مالكها.

الفصل الثاني في أحكام النظر
المسألة 30:

يجوز للزوج أن ينظر الى جسد زوجته المعقودة له ظاهره و باطنه حتى العورة، و يجوز له أن يمس أي عضو أراد من أعضائها بأي عضو شاء من أعضائه بتلذذ و بغير تلذذ، و يجوز للزوجة كذلك أن تنظر الى

كلمة التقوى، ج 7، ص: 17

جسد زوجها حتى العورة و ان تمس جميع أعضائه بأي عضو تشاء من أعضائها بتلذذ و بغير تلذذ.

المسألة 31:

يجوز للمالك أن ينظر الى جسد أمته المملوكة له، ظاهره و باطنه حتى العورة، و ان يمس جميع أجزاء بدنها بأي جزء يريد من بدنه، كما يجوز ذلك للأمة من السيد، و يستثنى من ذلك ما إذا كانت الأمة مزوجة من الغير أو محللة له، فلا يباح للسيد و لا للأمة ذلك، و كذلك إذا كانت الأمة معتدة من وطء التزويج للغير أو من وطء التحليل له، فلا يباح النظر و اللمس للسيد و لا للأمة على الأحوط فيهما.

و يستثنى من ذلك ما إذا كانت الأمة مشتركة في الملك بين الرجل و غيره، أو كانت مكاتبة، أو كانت مشركة أو وثنية أو مرتدة فلا يباح للسيد و لا للأمة النظر و اللمس على الأحوط في جميع ذلك.

المسألة 32:

المطلقة الرجعية بحكم الزوجة للرجل المطلق، فيجوز له النظر إليها و هي في العدة و ان لم يقصد بنظره الرجوع بها، و يجوز لها ان تنظر اليه، و يجوز للرجل أن ينظر الى زوجته أو أمته، و هي معتدة من وطء شبهة مع غيره، و ان حرم على الزوج وطؤها في أيام عدتها.

المسألة 33:

لا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة الأجنبية عنه و الى شعرها و الى شي ء من جسدها، سواء كان نظره إليها بريبة أو تلذذ أم لا، و المراد بالأجنبية غير الزوجة و المملوكة فقد بينا حكمهما في المسائل المتقدمة و غير المحارم و سيأتي ذكر أحكامها في المسألة الثامنة و الثلاثين.

قيل: و يستثنى من حرمة النظر إلى الأجنبية وجه المرأة و كفاها، فيجوز النظر إليها إذا كان بغير ريبة و لا تلذذ، و هذا القول لا يخلو عن قوة و ان كان الأحوط الاجتناب.

و يحرم على المرأة أن تنظر الى الرجل الأجنبي عنها ما عدا الوجه و الكفين كذلك و ان كان الرجل اعمى لا يبصر، و يحرم على كل من

كلمة التقوى، ج 7، ص: 18

الرجل و المرأة الأجنبيين أن يمس أي جزء من أجزاء الآخر، بأي عضو من أعضائه حتى السن و الظفر و الشعر مما لا تحله الحياة، فلا يجوز للرجل أن يصافح المرأة الأجنبية الا من وراء الثياب، و إذا صافحها كذلك، فلا يغمز كفها على الأحوط.

المسألة 34:

يجوز للرجل أن يسمع صوت المرأة الأجنبية عنه، و أن يتكلم معها، إذا لم يكن في ذلك تلذذ و لا ريبة، و يجوز لها أن تسمع الرجال الأجانب عنها صوتها إذا لم يكن في ذلك خوف فتنة، نعم، يحرم عليها ان تتكلم مع الأجنبي بصورة تطمع الذي في قلبه مرض كما في (الكتاب الكريم).

المسألة 35:

المراد من الريبة خوف الوقوع في الحرام مع الشخص المنظور اليه، أو الميل النفساني للوقوع في محرم معه و ان لم يخف الوقوع فيه، و التلذذ أن يحس في قلبه بوجود لذة محرمة في النظر الى الشخص أو في سماع صوته و نحوهما، فهو يتشهاها و يطلب المزيد منها، و هي مختلفة المراتب، و المدار في الحكم: أن تكون اللذة التي يجدها محرمة فلا تشمل مثل الالتذاذ بالنظر الى وجه ولده الذي يحبه أو صديقه الذي يأنس به، أو أخيه الذي يسكن اليه و يرغب في النظر الى وجهه و الاستماع الى صوته أو الى حديثه.

المسألة 36:

يحرم على الرجل أن ينظر الى العضو المقطوع من جسد المرأة الأجنبية، و يحرم على المرأة أن تنظر الى العضو المقطوع من الرجل الأجنبي عنها، كالذراع و الرجل و القدم و أصابع القدم، و لا يحرم النظر الى السن أو الظفر المقلوع.

اما الشعر المقطوع من جسد المرأة فالظاهر حرمة نظر الرجل الأجنبي اليه، فإذا وصلت المرأة شعرها بشعر امرأة أخرى لم يجز لزوجها النظر اليه، و قد ذكرنا هذا في فصل الستر و الساتر من كتاب الصلاة.

المسألة 37:

يستثنى من حرمة نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية عنه و نظر المرأة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 19

الى الرجل الأجنبي عنها موارد:

(1): إذا توقف علاج المرأة من مرض أصابها أو كسر أو جرح أو شبه ذلك على مباشرة رجل أجنبي بحيث لم توجد المرأة المماثلة أو وجدت و لم تغن شيئا، جاز للرجل النظر إليها إذا توقف عليه العلاج، و جاز له لمسها إذا لم يمكن ذلك الا باللمس، و كذلك الحكم في الرجل إذا توقف علاجه على مباشرة المرأة، و إذا أمكن العلاج بالنظر وحده أو باللمس وحده اقتصر عليه و لم يجز الآخر.

(2): إذا استدعت الضرورة نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية أو لمسها، و مثال ذلك: أن يتوقف على النظر أو اللمس انقاذها من الحرق أو الغرق أو غيرهما من المهالك جاز له ذلك، و مثله العكس، و يجب أن تقدر الضرورة بمقدارها في كلتا الصورتين، فلا يجوز النظر أو اللمس أكثر مما يستدعي الإنقاذ، و كذلك في المورد الأول.

(3): إذا توقفت الشهادة لاحقاق الحق أو لإبطال الباطل على نظر الشاهد للمرأة، لمعرفة المشهود عليها و تعيينها، سواء كان ذلك في تحمل الشهادة أم عند أدائها،

فيجوز للشاهد ذلك، و قد يتفق مثل ذلك إذا كانت الشاهدة امرأة و المشهود عليه رجلا.

(4): القواعد من النساء، و هن المسنات اللاتي لا يرجون نكاحا، فيباح للرجل النظر الى رؤسهن و أيديهن، بل و الى رقابهن و أعالي صدورهن على الأقوى.

المسألة 38:

يجوز للرجل أن ينظر الى محارمه و الى شعورهن و أجسادهن ما عدا العورة بشرط ان لا يكون النظر إليهن بتلذذ أو ريبة، و يجوز لهن النظر اليه و الى جسده ما عدا العورة كذلك مع الشرط المذكور، و قد تقدم بيان المراد من الريبة و التلذذ في المسألة الخامسة و الثلاثين، و المراد من العورة: القبل و الدبر و البيضتان و العجان و هو ما بين القبل و الدبر، و الشعر النابت في أطراف العورة على الأحوط في الأخيرين.

و المحارم هن النساء اللاتي يحرم نكاحهن على الرجل من حيث النسب أو المصاهرة أو الرضاع، و سيأتي ذكر ذلك في فصل أسباب التحريم.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 20

المسألة 39:

يختص الحكم الآنف ذكره من محارم المصاهرة بالنساء اللاتي نشأت الحرمة فيهن من جهة الزوجية كأم الزوجة و زوجة الولد و منكوحة الأب، فلا يعم النساء التي نشأت الحرمة فيهن من جهة الزنا أو اللواط، أو نكاح الشبهة كابنة المرأة المزني بها و أمها بالنسبة إلى الزاني، و ابنة المفعول به و أخته و أمه بالنسبة إلى اللائط، على أن المحرمات من النساء بسبب الزنا أو بسبب اللواط أو بسبب نكاح الشبهة ليست من محرمات المصاهرة، و انما أتبعها الفقهاء بها في مورد البحث لبعض الملاحظات، و على ما ذكرنا فلا يحل نظر الرجل إليهن و لا نظرهن اليه.

و يختص الحكم من محارم الرضاع، بالنساء التي نزلت في التحريم بسبب الرضاع بمنزلة محارم النسب، فلا يعم النساء التي ثبت تحريمها بقاعدة (يحرم على أبي المرتضع أن ينكح في أولاد صاحب اللبن أو أولاد المرضعة)، فلا يجوز للرجل أن ينظر الى هذه المحرمات و لا يجوز لهن أن

ينظرن إليه.

المسألة 40:

يباح النظر الى وجوه نساء الكفار و أهل الذمة و الى شعورهن و أيديهن ما لم يكن النظر بتلذذ أو ريبة على ما سبق في معناهما في المسألة الخامسة و الثلاثين، و يقتصر- على الأحوط لزوما- على ما جرت عادتهن في ابدائه و عدم ستره في أيام الرسول (ص) و الأئمة (ع) لا في الأزمنة الحاضرة.

المسألة 41:

قيل: و يلحق بنساء أهل الذمة في جواز النظر إليهن و الى شعورهن نساء سكان البوادي و القرى من الاعراب و غيرهم ممن لا ينتهين إذا نهين، و هو مشكل، نعم، يجوز التردد في الأسواق و الطرق و المجامع العامة التي تحتويهن مع العلم بوقوع النظر عليهن، و لا يجب غض البصر عنهن إذا لم تكن ريبة أو تلذذ على ما سبق من معناهما.

المسألة 42:

يباح للرجل أن ينظر الى جسد الإنسان الذكر مثله، ما عدا العورة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 21

على ما سبق في بيان معناها في المسألة الثامنة و الثلاثين، سواء كان المنظور اليه شيخا أم شابا، و حسن الصورة أم قبيحا، ما لم يكن النظر اليه بتلذذ أو ريبة، فيحرم.

و يباح للمرأة أن تنظر الى جسد الأنثى مثلها ما عدا العورة، ما لم يكن النظر إليها بتلذذ أو ريبة، فيحرم كذلك و اما العورة فيحرم النظر إليها في الرجال و النساء على السواء.

المسألة 43:

يباح للرجل ان ينظر إلى الصبية الأجنبية قبل البلوغ إذا لم يكن النظر إليها بتلذذ أو ريبة أو تبلغ مبلغا يكون النظر إليها مثيرا للشهوة، و الأحوط لزوما أن لا ينظر منها إلى الأعضاء التي تستر عادة بالألبسة المتعارفة كالفخذين و الثديين و البطن و الصدر، و خصوصا إذا بلغت ست سنين، و يجوز له تقبيل الطفلة قبل أن تبلغ ست سنين و أن يضعها في حجره ما لم يكن بتلذذ.

و يباح للمرأة أن تنظر إلى الصبي قبل بلوغه ما لم يكن نظرها اليه بتلذذ أو ريبة كما في نظائره، أو يبلغ مبلغا يكون النظر اليه مثيرا، و يجب التستر منه إذا كان النظر منه الى المرأة أو النظر منها اليه مثيرا للشهوة.

المسألة 44:

لا يجوز للمملوك أن ينظر الى مالكته، و لا يجوز للخصي و لا للعنين و المجبوب أن ينظر للمرأة الأجنبية عنه و لا للمسن الكبير من الرجال الذي يشبه القواعد من النساء على الأحوط فيه.

المسألة 45:

يجب على المرأة ان تتستر عن الرجال كما يحرم على الرجال أن ينظروا إليها، و لا يجب على الرجل أن يستر غير العورة من بدنه، و ان علم بأن النساء يتعمدن النظر اليه، و لا يصدق عليه- بمجرد عدم تستره عن نظرهن إليه- أنه أعانهن على الإثم، إلا إذا قصد بعدم تستره عنهن اغراءهن أو ايقاعهن في الحرام.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 22

المسألة 46:

يحرم على الرجل أن ينظر إلى المرأة على البعد و ان كان لا يميزها، أ هي فاطمة مثلا أم هند، أولا يميز أعضاءها بعضها عن بعض، و لا يحرم عليه النظر إذا كان بعده عنها بدرجة لا يميزها أ هي رجل أم امرأة، أو هي انسان أم حيوان.

المسألة 47:

لا يجوز للولد أن يدخل على أبيه إذا كانت مع الأب زوجته، بل مطلقا على الأحوط الا بعد الاستيذان، قالوا: و يجوز للأب أن يدخل على ولده و ان كانت معه زوجته بغير اذنه، و في إطلاق هذا الحكم تأمل.

المسألة 48:

يكره للرجل أن يجلس في مجلس المرأة إذا قامت عنه حتى يبرد موضع جلوسها، و يكره أن تزاحم النساء الرجال في الأسواق و المجتمعات و المواسم، و يكره لهن أن يخرجن إلى الجمعة و العيدين إلا العجائز.

المسألة 49:

ينبغي أن يفرق بين الأطفال في مضاجعهم إذا بلغوا عشر سنين، و روي لست سنين، و يكفي في استحباب التفريق بينهم على الظاهر أن يبلغ بعضهم هذه السن و ان كان الآخر دونها.

المسألة 50:

يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة التي يريد الزواج بها بثلاثة شروط:

الأول: أن لا يقصد الرجل التلذذ بالنظر إليها، و ان كان يعلم أن التلذذ يحصل له بالنظر.

الثاني: أن لا يكون عارفا بأوصاف المرأة قبل نظره إليها، بحيث لا يزيده النظر معرفة بصفاتها.

الثالث: أن يحتمل الرجل أنه يختارها للتزويج بها بعد رؤيتها.

فلا يجوز له أن ينظر إلى المرأة مع انتفاء بعض هذه الشروط الثلاثة، و إذا توفرت الشروط كلها، جاز له النظر الى وجه المرأة و كفيها و الى

كلمة التقوى، ج 7، ص: 23

شعرها و معاصمها و محاسنها، و إليها من وراء الثياب مقبلة و مدبرة، فيباح له أن ينظر إليها كذلك و ان أمكن له أن يتعرف على حالها و أوصافها من امرأة أو من رجل خبير بأمرها، سواء أذنت له بالنظر إليها أم لم تأذن، و يجوز له أن ينظرها أكثر من مرة إذا لم يحصل الغرض المطلوب بالنظر الأول أو الثاني.

و لا يختص جواز النظر بمن يريد التزويج بها بالخصوص، فإذا قصد التزويج و كان بصدد البحث عن امرأة توافق رغبته، و أراد النظر الى هذه المرأة لعله يختارها لذلك جاز له النظر إليها.

و يجوز له النظر الى أمة يريد شراءها، و ان كان نظره إليها بغير اذن سيدها، و لا يجوز للوكيل أو الولي أن ينظر المرأة أو الأمة التي يريد عقدها أو شراءها لموكله أو للمولى عليه. و لا يجوز للمرأة أن تنظر الى الرجل الذي

تريد الزواج منه.

الفصل الثالث في عقد النكاح و أحكامه
المسألة 51:

النكاح سواء كان دائما أم منقطعا عقد من العقود، و لذلك فلا بد فيه من الصيغة المشتملة على الإيجاب و القبول، و لا بد و أن يكون إنشاء الإيجاب و القبول فيه باللفظ الدال على المعنى المقصود دلالة يعتبرها أهل اللسان، فلا يكتفى فيه بالتراضي القلبي بين المتعاقدين، و لا تصح فيه المعاطاة فينشأ العقد بإيجاب و قبول فعليين، و لا يكتفى بإنشاء العقد بالكتابة أو بالإشارة المفهمة للمعنى لغير الأخرس.

و الأحوط أن يكون إنشاء العقد باللغة العربية مع التمكن من ذلك و لو بالتوكيل، و لا ينبغي تركه، و ان كان الظاهر صحة نكاح كل قوم إذا أنشئ بلسانهم، و إذا أجريت الصيغة بلغة غير العربية فلا بد و أن تكون ترجمة مطابقة للفظ العربي.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 24

المسألة 52:

الأحوط أن يكون الإيجاب في النكاح الدائم بلفظ النكاح أو التزويج، فيقول الوكيل للرجل: أنكحتك أو زوجتك موكلتي سعاد على المهر المعلوم، و ان كان الأقرب صحة الإيجاب أيضا إذا أنشئ بلفظ المتعة و أتى معه بما يدل على دوام النكاح، فقال الموجب للزوج: متعتك موكلتي سعاد متعة دائمة، أو ما دمتما حيين، و الأحوط كذلك أن يكون الإيجاب بلفظ الماضي، فيقول الموجب للزوج: زوجتك أو أنكحتك فلانة كما تقدم، و ان صح أن ينشأ بلفظ المستقبل، فيقول له: أزوجك فلانة، و بالجملة الخبرية فيقول له: أنا مزوجك إياها.

و الأحوط أن يكون القبول من الزوج أو وكيله بلفظ قبلت أو رضيت، و يصح أن يكون من الزوج بلفظ تزوجت أو نكحت.

المسألة 53:

الأحوط أن يتقدم الإيجاب على القبول كما هو المتعارف، و ان كان العكس صحيحا أيضا، فيقول الزوج مثلا: نكحت أو تزوجت، و الأحوط أن يذكر معه متعلقات العقد، ثم يقول الموجب بعده زوجتك فلانة على المهر المعلوم، و لا يصح تقديم القبول على الإيجاب إذا كان بلفظ قبلت أو رضيت.

المسألة 54:

الأحوط أن يكون الإيجاب في عقد النكاح من الزوجة أو وكيلها أو وليها إذا كانت قاصرة، و ان يكون القبول من الزوج أو وكيله أو وليه، و ان كان العكس صحيحا أيضا على الأظهر.

المسألة 55:

إذا كان إيجاب العقد من الزوج أو من وكيله فلا بد و أن يكون مفاد إيجابه إنشاء الزوجية له بضم الزوجة اليه و تبعيتها له، فيقول مثلا:

تزوجت فلانة أو نكحتها على الصداق المعلوم، و لا يصح إنشاؤه بمثل:

زوجت فلانة نفسي أو أنكحتها نفسي مما يدل على تبعيته للزوجة، فإذا تم الإيجاب من الزوج أو وكيله على الوجه المتقدم ذكره، قبلت

كلمة التقوى، ج 7، ص: 25

الزوجة أو وكيلها، فقالت: قبلت أو رضيت، أو قالت: زوجتك نفسي.

المسألة 56:

لا يعتبر في القبول حين يأتي بعد الإيجاب أن تذكر فيه المتعلقات التي ذكرت في الإيجاب، فإذا قال الموجب للزوج: زوجتك موكلتي فاطمة على عشرة دنانير مثلا، فقال الزوج: قبلت، صح و لم يفتقر الى أن يقول: قبلت تزويج موكلتك فاطمة لنفسي على المهر المعلوم، و قد تقدم في المسألة الثالثة و الخمسين أن الأحوط أن تذكر متعلقات العقد مع القبول إذا قدم على الإيجاب.

المسألة 57:

إذا أريد إنشاء عقد النكاح بين الزوجين مباشرة بعد التفاهم و التراضي بينهما و تعيين المهر، قالت المرأة للرجل: زوجتك نفسي على مائة دينار مثلا، أو قالت له: زوجت نفسي منك، أو زوجت نفسي بك على المهر المعلوم، و قال الرجل بعد أن يتم الإيجاب من المرأة، قبلت التزويج لنفسي على المهر المعلوم.

أو قالت المرأة في الإيجاب: أنكحتك نفسي، أو أنكحت نفسي منك على الصداق المعين، فيقول الرجل بعدها: قبلت النكاح لنفسي على ذلك.

و إذا كان العقد بين وكيل المرأة و نفس الرجل، قال وكيلها للرجل:

زوجتك موكلتي ليلى مثلا، أو قال له: زوجت موكلتي ليلى منك، أو زوجت موكلتي بك على الصداق المعين، فيقول الرجل: قبلت التزويج لنفسي على ذلك.

أو قال الوكيل للرجل: أنكحتك موكلتي ليلى، أو أنكحت موكلتي ليلى منك على المهر المعلوم، فيقول الرجل قبلت النكاح لنفسي.

و إذا كان العقد بين الزوجة و وكيل الزوج، قالت المرأة للوكيل:

زوجت موكلك سعدا نفسي على مهر كذا، أو قالت له: زوجت نفسي من موكلك سعد، أو زوجت نفسي، بموكلك سعد على المهر المعلوم، فيقول وكيل الزوج: قبلت التزويج لموكلي سعد على المهر المعلوم.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 26

أو قالت المرأة: أنكحت سعدا موكلك نفسي على مهر كذا، أو قالت:

أنكحت نفسي من

موكلك سعد على مهر كذا، فيقبل وكيل الزوج له على نهج ما تقدم.

و إذا كان العقد بين الوكيلين، قال وكيل الزوجة لصاحبه: زوجت موكلك سعدا موكلتي ليلى على مائة دينار معجلة، أو قال له: زوجت موكلتي ليلى من موكلك سعد على الصداق المعين، أو زوجت موكلتي ليلى بموكلك سعد على الصداق المعلوم، فيقول وكيل الزوج: قبلت التزويج لموكلي سعد على الصداق المعلوم.

أو قال وكيل الزوجة لصاحبه أنكحت موكلك سعدا موكلتي ليلى على مهر كذا، أو أنكحت موكلتي ليلى من موكلك سعد على الصداق المعلوم، فيقول وكيل الزوج: قبلت النكاح لموكلي سعد على المهر المعلوم، و يصح ان يقع القبول مجردا عن ذكر المتعلقات في جميع الصور، و قد ذكرنا هذا في المسألة السادسة و الخمسين.

و هكذا تجري الصيغة إذا كان العقد بين الوليين للقاصرين أو بين الولي لأحدهما و نفس الآخر أو وكيله. فيأتي الموجب بلفظ زوجت أو بلفظ أنكحت مخيرا بينهما، و يصح له أن يأتي باللفظ الذي يختاره منهما متعديا بنفسه الى المفعولين، و عليه في هذه الصورة أن يقدم ذكر الزوج على الزوجة، لأنه المفعول الأول، فيقول زوجت أو أنكحت سعدا ليلى، و يصح له أن يعدي لفظ زوجت أو أنكحت إلى الزوج بمن، و إذا صنع كذلك قدم الزوجة عليه بالذكر، فيقول زوجت ليلى من سعد أو أنكحت ليلى من سعد، و يصح له أن يعدي كلمة زوجت بالباء أيضا فيدخلها على الزوج و يقدم الزوجة بالذكر كذلك، فيقول: زوجت ليلى بسعد، و لا يصح في لفظ أنكحت أن يعديه بالباء، فلا يقال أنكحت فلانة بفلان.

المسألة 58:

يشترط في صحة عقد النكاح أن يكون كل واحد من الموجب و القابل قاصدا لإنشاء

مضمون العقد الذي يجريه مع صاحبه، فيقصد الموجب بقوله: زوجت مثلا- أنه ينشئ علاقة الزوجية بين الزوجين، و يقصد

كلمة التقوى، ج 7، ص: 27

القابل بقوله: قبلت، انه ينشئ قبول هذه العلاقة التي ينشئها الموجب، و هذا يتوقف على أن يكون الشخصان عارفين بمعنى الصيغة حتى يقصداه، و يكفي في الصحة ان يعلم الموجب و القابل بالمعنى على وجه الاجمال، و ان لم يعلما بتفاصيل معاني الألفاظ و خصوصياتها التي تدل عليها، فإذا قصد الموجب بقوله: زوجت أو أنكحت أنه يوجد بذلك الرابطة المعلومة في الدين، و المعروفة بين الناس، و التي يسمونها بالزوجية، و أنه ينشئ وجودها بين الزوجين بعد ما لم تكن، طبقا لموازين الإسلام المقررة فيه، كفى ذلك و صح منه إيجابه، و إذا قصد القابل بقوله: قبلت أو رضيت انه ينشئ به قبول ما فعله الموجب، كفى منه و صح قبوله، و بتطابق كل من الإيجاب و القبول كذلك يتم العقد و تترتب عليه آثاره.

المسألة 59:

يشترط في صحة العقد أن تحصل الموالاة العرفية بين الإيجاب و القبول بحيث يعد الثاني قبولا لذلك الإيجاب في نظر أهل العرف، فلا يخل بالموالاة و بصحة العقد أن يتأخر القبول قليلا إذا كان مرتبطا به عرفا، و لا يخل بالموالاة بينهما أن تذكر المتعلقات الكثيرة في الإيجاب و ان طال ذكرها، و مثال ذلك: أن يكون المهر منه المعجل و المؤجل و يكون المؤجل مقسما على أقساط كثيرة، و تكون بين الزوجين شروط كثيرة كذلك، فإذا عدد الموجب جميع ذلك في إيجابه ثم وقع بعده القبول لم يكن ذلك من الفصل المضر بالموالاة و المخل بصحة العقد.

المسألة 60:

المعتبر في القبول أن يكون دالا على إنشاء الرضا بما أوجبه الموجب من المضمون المقصود كما تقدم بيانه و هذا المقدار هو المعتبر من التطابق بين الإيجاب و القبول، و لا يشترط فيه أن يتطابق مع الإيجاب في اللفظ، فإذا قال الموجب للرجل: زوجتك فلانة، فقال الرجل: قبلت النكاح صح، و كذا إذا قال الموجب له: أنكحتك زينب على المهر المعلوم، فقال: رضيت بزواجها على الصداق المعين أو المقرر أو المذكور.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 28

المسألة 61:

إذا قال الرجل لوكيل المرأة أو لولي أمرها: هل زوجتني فلانة بمائة دينار، فقال له: نعم، و قصد بقوله: نعم: إيجاب النكاح، و قال الزوج: قبلت، لم يكتف بذلك على الأحوط، بل لا يخلو من قوة.

المسألة 62:

إذا لحن الرجل في إجراء الصيغة لحنا يغير معناها كانت باطلة، كما إذا قال وكيل الزوجة: نكحت فلانة بدل أنكحت، أو قال: تزوجتها بدل زوجتها، فتكون باطلة، و كذلك إذا أتى بها على غير الوجه الصحيح، و ان لم يكن لحنا، و مثال ذلك: ان يقول الموجب للزوج: زوجت فلانة منك نفسها، على أن تكون فلانة هي فاعل زوجت و هي التي أوقعت التزويج، فلا يصح ذلك لأنها لم تزوج نفسها و انما زوجها الموجب بالوكالة عنها.

و إذا لحن في الصيغة لحنا لا يغير المعنى، فان كان اللحن في لفظ زوجت أو أنكحت أو في لفظ قبلت ففتح التاء من الكلمات بدل ضمها، أو فتح الباء من كلمة قبلت بدل كسرها، فالأحوط عدم الاكتفاء بها أيضا، فتعاد الصيغة على الوجه الصحيح، و كذلك إذا قال: جوزت بدل زوجت. و ان كان اللحن في المتعلقات و هو لا يغير المعنى فالظاهر الصحة.

المسألة 63:

لا يشترط في صحة العقد أن يكون الموجب و القابل في مجلس واحد، فإذا كانا في مجلسين و أمكن توجه الخطاب من الموجب للقابل لتقارب مجلسيهما بحيث يسمع كل منهما قول الآخر، أو أمكن التخاطب بينهما بواسطة الآلات الحديثة الموصلة للصوت كالهاتف و نحوه، فتتحقق المعاقدة بينهما و يرتبط الإيجاب بالقبول و بالعكس من غير فصل يخل بالموالاة و يصح العقد.

المسألة 64:

يشترط في صحة عقد النكاح أن يوقعه المتعاقدان منجزا غير معلق، فلا يصح العقد إذا أنشأ الموجب إيجابه معلقا على وجود شرط أو على

كلمة التقوى، ج 7، ص: 29

مجي ء زمان، و لا يصح إذا أنشأ القابل قبوله معلقا كذلك. و إذا علق الإيجاب أو القبول على وجود شي ء و هو حاصل بالفعل و كان كل من الموجب و القابل عالمين بحصول ذلك الشي ء، فالظاهر صحة العقد، و مثال ذلك أن يقول الموجب للرجل: زوجتك فلانة إذا كان هذا اليوم هو يوم الجمعة، و كان الموجب و القابل عالمين بأنه يوم الجمعة، و مثاله أيضا أن تقول المرأة للرجل: زوجتك نفسي ان لم أكن أختا لك من الرضاعة، و كانا معا يعلمان بأنها ليست أخته، و إذا كانا جاهلين بوجود الشرط أو كان أحدهما جاهلا به فالصحة مشكلة في كلا الفرضين.

المسألة 65:

يصح للأخرس أن يتولى عقد النكاح لنفسه، و يكون إيجابه أو قبوله بالإشارة المفهمة للمعنى المقصود، و يصح عقده إذا قصد الإنشاء بإشارته و ان أمكن له أن يوكل من يتولى الإيجاب أو القبول اللفظي عنه. فإذا كانت المرأة هي الخرساء، و أنشأت إيجاب العقد على نفسها بالإشارة، و كان القابل قادرا على النطق، فالأحوط له أن يجمع بين النطق بالقبول، و الإشارة المفهمة به، إذا كانت المرأة الخرساء لا تسمع نطقه أو تسمعه و لا تفهم معناه، و إذا كانت تسمع قوله و تفهم معناه، اكتفى بالنطق في قبوله و لم يفتقر إلى إنشائه بالإشارة.

و إذا كان الأخرس هو الزوج القابل، و كان الموجب قادرا على النطق بالصيغة، جمع الموجب على الأحوط بين إنشاء إيجابه بالنطق و إنشائه بالإشارة المفهمة، فإذا حصل الإيجاب

منه كذلك قبل الأخرس من بعده بالإشارة.

المسألة 66:

الأحوط أن لا يتولى الأخرس إجراء عقد النكاح لغيره بالوكالة عنه، و إذا كان وليا و أراد تزويج طفله أو طفلته مثلا، فالأحوط له أن يوكل عنه من يجري صيغة العقد اللفظي لهما.

المسألة 67:

لا ريب في بطلان عقد الصبي إذا كان غير كامل التمييز، أو كان غير قاصد للمعنى أو كان القصد فيه مشكوك التحقق، سواء عقد لنفسه

كلمة التقوى، ج 7، ص: 30

أم لغيره، و سواء أجاز وليه عقده أم أجاز هو بعد بلوغه أم لا.

و إذا كان الصبي كامل التمييز و عارفا بالصيغة و قاصدا للمعنى، و عقد النكاح لغيره بالوكالة عنه أو عقد لنفسه مع اذن وليه له بإجراء الصيغة أو اجازة وليه لفعله بعد العقد، أو أجاز الصبي نفسه بعد بلوغه، ففي بطلان عقده في هذه الصور تأمل، و لكن لا يترك الاحتياط بتجديد العقد من غيره إذا أريد الإمساك، و اجراء الطلاق إذا أريد الفراق، و كذلك إذا عقد لغيره فضولا و حصلت الإجازة من المعقود له بعد ذلك.

المسألة 68:

لا ريب في بطلان عقد المجنون و ان كان جنونه أدوارا إذا أوقعه في حال جنونه، سواء عقد لنفسه أم لغيره و سواء أجاز الولي عقده أو أجازه هو بعد إفاقته أم لا، و يصح عقده في دور إفاقته، لنفسه و لغيره بالوكالة عنه، أو الولاية عليه، كما إذا اتفق عروض ذلك للأب أو للجد أبى الأب فعقد لولده الصغير أو لولد ولده في دور إفاقته من الجنون مع وجود الشرائط المعتبرة.

المسألة 69:

لا يصح عقد السكران لنفسه و لا لغيره و ان أجاز العقد بعد أن أفاق و كذلك الحكم في المرأة السكرى، و هذا مع السكر الذي لا يعي فيه السكران أو السكرى ما يقول.

و إذا زوجت المرأة السكرى نفسها و هي ملتفتة الى ما تقول، ثم رضيت بالعقد بعد إفاقتها فالظاهر صحة العقد، سواء كان تزويجها بتوكيل أحد على عقدها أم بإجرائها صيغة العقد بنفسها، و الظاهر ان الرجل السكران مثلها في ذلك إذا كان في حال سكره و عقده ملتفتا يعي ما يقول.

المسألة 70:

لا يمنع السفيه المحجور عليه في التصرف في الماليات من أن يتولى اجراء عقد النكاح لغيره بالوكالة عنه، و يصح له أن يجري عقد النكاح لنفسه

كلمة التقوى، ج 7، ص: 31

إذا أذن له وليه قبل إجراء الصيغة أو أجازه بعد العقد، و سنتعرض له ان شاء اللّه تعالى في فصل أولياء العقد بصورة أكثر تفصيلا.

و يشكل الحكم بصحة عقده لنفسه أو لغيره بل يمنع إذا كان سفهه عاما يوجب حجره في الماليات و غيرها، أو كان سفهه خاصا في التصرف في نفسه كما ذكرناه في كتاب الحجر، فإذا أريد تزويجه فلا بد من الرجوع الى وليه.

المسألة 71:

يصح عقد المكره إذا أكرهه أحد على اجراء عقد النكاح لغيره بالوكالة عنه، و لا يبطله كونه مكرها عليه إذا كان جامعا لشرائط الصحة فيه من قصد الإنشاء و غيره.

و إذا أكره على اجراء عقد النكاح لنفسه، فأوقعه مكرها عليه لم يصح، و إذا زال الإكراه عنه و أجاز العقد بعد ارتفاعه صح العقد و ترتبت عليه آثاره، سواء كان المكره هو الزوج أم الزوجة.

المسألة 72:

لا يشترط في صحة العقد أن يكون العاقد ذكرا، فيصح للمرأة أن تتولى عقد النكاح لغيرها بالوكالة عنه إيجابا و قبولا، كما يصح لها أن تتولى عقد نفسها بالأصالة.

المسألة 73:

إذا أوقع الموجب الإيجاب في عقد التزويج، ثم جن أو أغمي عليه أو نام قبل أن ينطق صاحبه بالقبول بطل العقد، و كذلك الحكم إذا قدم القبول على الإيجاب بناء على صحة ذلك كما اخترناه في المسألة الثالثة و الخمسين فإذا اعترض القابل الجنون أو الإغماء أو النوم قبل أن يؤتى بالإيجاب بطل العقد.

و أولى من ذلك ببطلان العقد ما إذا عرض مثل ذلك للقابل في أثناء الإيجاب، و الوجه في بطلان العقد في هذه الفروض هو عدم صدق المعاقدة بين الطرفين إذا انتفت الأهلية من أحدهما قبل أن يتم العقد، و عدم شمول الأدلة لمثل هذا ان سمي عقدا.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 32

المسألة 74:

يشترط في صحة عقد النكاح أن يعين فيه الرجل و المرأة اللذين يقع لهما العقد، بحيث يتميز الرجل المعقود له عن غيره من الرجال، و تتميز المرأة المعقودة عمن سواها من النساء، اما بذكر الاسم الخاص بالشخص، و اما بوصفه توصيفا يعين شخصه و يميزه عما عداه، أو بالإشارة إليه إشارة مشخصة، و إذا كان الاسم مشتركا بينه و بين غيره، فلا بد من ذكر ما يدل على الفرد المقصود من اسم أبيه أو لقبه أو أحد مشخصاته. فيبطل العقد إذا قال الموجب لصاحبه: زوجتك إحدى بناتي، أو قال له: زوجتك ابنة زيد و كانت لزيد أكثر من بنت واحدة و لم يعين المقصودة منهن، أو قال له: زوجت ابنتي مريم من أحد بنيك، أو زوجت احدى موكلاتي من أحد موكليك، أو عين الموجب زوجة أو زوجا، و عين القابل غير ذلك.

المسألة 75:

إذا عين العاقدان بينهما المرأة المقصودة و الرجل المقصود قبل اجراء العقد، و لكنهما حين إجراء الصيغة ذكرا أحد الزوجين أو كليهما بلفظ مشترك لا يدل على التعيين، لم يبعد القول بالصحة، و مثال ذلك أن يخطب الرجل من زيد ابنته الكبرى، و يتفقا على تزويجها منه، ثم يقول له عند العقد: زوجتك ابنتي مع ان له أكثر من بنت واحدة، أو يقول له: زوجتك ابنتي سعاد مع ان هذا اسم لبنتين عنده، فلا يبعد الحكم بالصحة و الأحوط لهما ان يجددا العقد على الزوجة المقصودة.

المسألة 76:

هل يكفي في صحة العقد أن تكون المرأة المعقود عليها معينة في الواقع و هي غير متميزة عند العاقدين أو عند أحدهما في حال إجراء الصيغة، ثم يحصل العلم بها بعد العقد، و مثال ذلك أن يقول الأب الموجب للرجل: زوجتك ابنتي الكبرى، و هما لا يعلمان في حال العقد ان الكبرى هي زينب أو فاطمة، و لكنهما سيعلمان بها تفصيلا بعد العقد إذا رجعا الى سجل موجود يضبط فيه ولادة البنتين؟. لا يبعد القول بصحة العقد، و كفاية التعين في الواقع، لتحقق القصد التزويج المرأة المعينة مع رضا

كلمة التقوى، ج 7، ص: 33

الزوج بزواجها و ان لم يميزها في حال العقد، فإذا رجعا الى السجل الموجود تميزت المرأة المعقودة و ارتفع اللبس الذي أوجبه الجهل بالتأريخ، و الأحوط استحبابا تجديد العقد إذا أرادا الإمساك، و لا بد من الطلاق إذا أرادا الفراق.

و كذلك الحكم إذا كان الرجل المعقود له معينا في الواقع و هو غير متميز عند العاقدين على النحو الذي ذكرناه في المرآة فيجري فيه الحكم الآنف ذكره.

المسألة 77:

يصح التوكيل في عقد النكاح، فتوكل المرأة الرشيدة من يتولى إيجاب العقد بالنيابة عنها، و يوكل الرجل الرشيد من يتولى قبول الزواج عنه، و يصح للولي على الصبي الصغير أو على الصبية الصغيرة أن يوكل من يتولى إجراء الصيغة للطفل أو للطفلة بالنيابة عن الولي.

المسألة 78:

يجب على الوكيل أن يتبع في تصرفه ما عين له موكله في توكيله، فإذا وكلته المرأة على عقدها من رجل معين لم يصح له أن يعقدها على غيره، و إذا ذكرت لها صداقا لم يجز له أن يعقدها على صداق غيره، و إذا حددت شروطا لم يجز له التعدي عنها فيعقدها بغير شرط أو بشروط أخرى غيرها، فان تعدى شيئا من ذلك كان فضوليا و توقفت صحة عقده على اجازة موكلته للعقد، و كذلك الحكم في وكيل الرجل في قبول العقد عنه.

و إذا وكلته المرأة أو وكله الرجل و أطلق الموكل له التوكيل في اختيار الزوج أو الزوجة مثلا و في تحديد المهر و الخصوصيات وجبت على الوكيل مراعاة المصلحة في الاختيار لموكله، فإذا تعدى في فعله ما تقتضيه المصلحة لم ينفذ عقده و كان فضوليا، فلا يصح عقده إلا بالإجازة من موكله، فإذا اختلف الموكل معه في بعض الخصوصيات و لم يجز العقد كما حصل بطل العقد و جددا الوكالة و العقد إذا شاءا على خصوصية أخرى، و إذا أريد تجديد العقد وفق رأي الموكل لم يحتج إلى وكالة أخرى.

المسألة 79:

إذا ذكرت المرأة لوكيلها شروطا و خصوصيات تشترطها على الزوج

كلمة التقوى، ج 7، ص: 34

و وكلت الوكيل على اجراء عقدها وفقا لتلك الشروط، و ذكر الرجل لوكيله شروطا و خصوصيات، و وكله على قبول العقد وفقا لما يطلب، صح للوكيلين أن يجريا صيغة العقد مع الاتفاق في الحدود المشترطة.

و إذا اختلفا في ذلك لم يصح لهما العقد، و إذا أجرى وكيل الزوجة صيغة العقد طبقا للشروط التي عينتها الزوجة، و قبل وكيل الزوج العقد عنه مع مخالفته لشروط موكله كان وكيل الزوج فضوليا

في قبوله، فان أجازه موكله صح العقد و لم يحتج إلى إجازة الزوجة عقد وكيلها أو إجازتها فعل وكيل زوجها. و إذا انعكس الفرض فأجري العقد وفقا للشروط التي عينها الزوج لوكيله انعكس الحكم، فكان وكيل الزوجة هو الفضولي فيصح العقد إذا أجازته الزوجة و يبطل إذا لم تجزه.

المسألة 80:

إذا وكلت المرأة وكيلا على إجراء صيغة عقدها من فلان، فظاهر هذا التوكيل أن يتولى وكيلها إيجاب العقد عليها سواء قدمه على قبول الزوج أم أخره عنه، فلا تتناول وكالته ان يتولى القبول عنها، و ان قلنا بصحة عقد النكاح إذا كان الإيجاب فيه من الزوج أو من وكيله و كان القبول من الزوجة أو من وكيلها، فلا يصح منه ذلك، و إذا وكل الرجل وكيلا على قبول عقد النكاح له بفلانة، فظاهر هذه الوكالة أن يتولى القبول عنه، سواء أخره عن الإيجاب أم قدمه عليه، و لا يصح له أن يتولى إيجاب العقد عن الزوج، لعدم توكيله في ذلك، و إذا وكل الرجل و المرأة وكيليهما وكالة مطلقة في إجراء العقد بينهما حسبما يختاران من صور العقد، صح لكل من الوكيلين أن يتولى الإيجاب عن صاحبه أو القبول، و ان يقدم الإيجاب على القبول أو يؤخره عنه كما يختاران.

المسألة 81

إذا وكلت المرأة رجلا على تزويجها لم يصح له أن يعقدها من نفسه، و ان صرحت له بالتعميم في وكالته، فقالت له: وكلتك على أن تزوجني و تتولى عقد زواجي من اي شخص تريد.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 35

المسألة 82:

الأحوط أن لا يتولى شخص واحد طرفي العقد، فيتولى إنشاء الإيجاب بالوكالة عن الزوجة أو عن وليها مثلا، و يتولى القبول لنفسه أو بالوكالة عن الزوج أو عن وليه، بل المنع لا يخلو من قوة في توكيل المرأة للرجل في زواجها منه.

المسألة 83:

إذا وكل الزوجان وكيلين في إجراء عقد النكاح بينهما، و اتفقا معهما على إجرائه في وقت معين و مضى ذلك الوقت، لم تجز للزوجين المقاربة حتى يعلما بأن الوكيلين قد أجريا صيغة العقد أو يخبرهما العاقد بأنه قد أجراها، و لا يكفي حصول الظن بذلك و ان أخبرهما به ثقة، بل و ان حصل العلم به لأحدهما دون الآخر.

المسألة 84:

لا يجوز أن يشترط خيار الفسخ في عقد النكاح، سواء اشترط للزوج أم للزوجة أم لكليهما، أم لشخص ثالث، و سواء كان النكاح دائما أم منقطعا. و إذا شرطه أحد الزوجين أو كلاهما كان الشرط باطلا، و المشهور بين الفقهاء بطلان العقد بذلك، و هو مشكل، فلا بد من الاحتياط إذا اشترط ذلك، بتجديد العقد من غير شرط إذا أريد الإمساك، و بإيقاع الطلاق إذا أريد الفراق.

المسألة 85:

يصح لأحد الزوجين أن يشترط لنفسه الخيار في الصداق الذي جرى عليه العقد بينهما، بأن يفسخ الصداق المسمى وحده من غير ان يفسخ العقد، و هذا إذا كان النكاح دائما، و كانت للخيار المشترط مدة معلومة فإذا شرط ذلك لنفسه أو شرطه لكليهما ثبت الحق للمشروط له، و إذا فسخ صاحب الخيار في المدة المعينة سقط المهر المسمى في العقد و كانت المرأة بحكم مفوضة البضع، فإذا دخل الزوج بها ثبت لها مهر أمثالها من النساء، و إذا طلقها قبل دخوله بها وجبت لها المتعة، و سيأتي تفصيل ذلك في أحكام مفوضة البضع من فصل المهر (ان شاء اللّه تعالى).

كلمة التقوى، ج 7، ص: 36

و لا يصح اشتراط الخيار في الصداق إذا كان عقد النكاح منقطعا، و إذا شرطه أحد الزوجين أو كلاهما بطل الشرط و لزمت مراعاة الاحتياط الآنف ذكره، فيجددان العقد من غير شرط إذا أرادا بقاء النكاح، و يهبها المدة إذا أرادا الفراق.

المسألة 86:

إذا تصادق الرجل و المرأة على زوجية أحدهما للآخر ثبتت الزوجية بينهما في الظاهر و ترتبت عليها جميع أحكامها و لوازمها من جواز وطء و ثبوت مهر و نفقة و ميراث و غير ذلك، إذا لم يعلما أو يعلم أحدهما بكذب قولهما.

و إذا ادعى أحدهما الزوجية و أنكرها الثاني، فإن أقام المدعي بينة على صدق قوله ثبتت الزوجية ظاهرا، و كان على الطرفين ترتيب آثارها المحللة كالإنفاق من جانب الزوج، و كعدم الخروج من البيت إلا بإذن الزوج من جانب الزوجة، و اما في واقع الأمر فيجب عليهما العمل بالتكليف الذي يعلمان به في الحقيقة، و كذلك الحكم إذا لم تكن للمدعي بينة و لكن المنكر رد عليه اليمين

فحلف المدعي على صدق مدعاه، فتجري الأحكام الظاهرية المذكورة، و الواقع كما هو لا يتغير و لا تتبدل أحكامه.

و إذا لم تكن لمدعي الزوجية بينة تثبت قوله توجه اليمين على منكرها، فإذا أحلف حكم ظاهرا بعدم الزوجية. و يلزم مدعي الزوجية- و هو الطرف الثاني من الدعوى- بلوازم إقراره بالزوجية، فإن كان هو الرجل، وجب عليه أن يوصل المهر إليها، و لم يحل له أن يتزوج بأمها و لا ببنتها إذا كان قد دخل بالأم أو لم يطلقها، و لا يجوز له التزويج بأختها ما دامت المرأة في حباله، و لا يتزوج بنت أخيها و لا بنت أختها إلا برضاها ما دامت في حباله كذلك، و لا يتزوج خامسة إذا كانت عنده ثلاث زوجات غيرها.

و إذا كان مدعي الزوجية هي المرأة لم يجز لها الزواج بغيره إلا إذا فارقها بموت أو طلاق و نحوه.

المسألة 87:

إذا أنكر أحدهما الزوجية في المسألة السابقة ثم رجع بعد إنكاره

كلمة التقوى، ج 7، ص: 37

فاعترف بها و أبدى العذر عن إنكاره الأول و كان غير متهم في ذلك سمع منه إقراره، و ثبتت الزوجية، و ان كان ذلك بعد حلفه على عدم الزوجية.

المسألة 88:

إذا ادعت المرأة أنها خلية لا زوج لها، و كان الرجل لا يعلم حالها و يحتمل صدقها في قولها، حكم بصدقها و جاز له أن يتزوجها أو يزوجها من يريد، من غير أن يفحص عن أمرها، سواء حصل له العلم أو الوثوق من قولها أم لم يحصل.

و كذلك إذا دعاها هو أو غيره الى الزواج منها فأجابت، أو ابتدأت هي فدعت أحدا إلى الزواج منها، سواء كان المدعو هو أم غيره، فيصح الاعتماد على قولها في جميع ذلك. و مثله ما إذا علم الرجل بأنها كانت ذات بعل في السابق، فادعت ان بعلها قد مات أو طلقها.

و يستثنى من ذلك ما إذا كانت متهمة في دعواها، فيستحب للرجل أن يسأل عن حالها إذا أراد الزواج بها بل هو الأحوط.

و إذا كانت ذات بعل فغاب زوجها عنها غيبة انقطع فيها خبره، ثم ادعت أنها علمت بموته و اعتدت منه صدقت في قولها و جاز للرجل أن يتزوجها، و إذا وكلت أحدا على إجراء صيغة العقد عليها صح له أن يقبل الوكالة منها و يتولى عقد نكاحها إلا إذا علم بكذبها، و ان كان الأحوط استحبابا الترك.

المسألة 89:

إذا ادعت المرأة أنها خلية ليس لها زوج، فصدقها الرجل و تزوجها، ثم ادعت بعد زواجه بها أنها ذات بعل غيره، لم تسمع منها هذه الدعوى الثانية، فلا يفرق الحاكم بينها و بين الرجل الذي تزوجها و لا يجب على الرجل الاجتناب عنها، إلا إذا أقامت بينة على صدق دعواها، فإذا شهدت البينة بذلك، وجب التفريق بينها و بين الزوج الثاني.

و لا تستحق عليه شيئا إذا كانت حين زواجها به عالمة بأنها ذات بعل، لأنها بغي، و إذا كانت تجهل

ذلك، كما إذا اعتقدت بأن بعلها قد مات

كلمة التقوى، ج 7، ص: 38

فاعتدت منه و تزوجت، ثم تبين لها خطأها في الاعتقاد، كان نكاحها شبهة، فإذا كان الرجل الثاني قد دخل بها استحقت عليه مهر المثل.

و يكفي في جريان هذه الأحكام أن تشهد البينة بأن المرأة ذات بعل حين ما تزوجها الثاني، و ان لم تعين من هو البعل الأول، و لم تشهد بأنه مات بعد ذلك أم لا يزال حيا.

الفصل الرابع في أولياء العقد
المسألة 90:

تثبت للأب و للجد أبى الأب و ان علا بأكثر من واسطة واحدة، ولاية شرعية على ولده و ولد ولده الصغيرين و على ابنته و بنت ابنه الصغيرتين و على المجنون و المجنونة من أولادهما إذا اتصل جنونهما بصغرهما و ان كانا بالغين بالفعل فيصح للأب و للجد أبى الأب ان يتوليا عقد الزواج عليهم، إذا لم تكن في ذلك مفسدة على القاصرين المولى عليهم.

و يشكل الحكم بثبوت ولاية لهما على المجنون و المجنونة اللذين يتأخر عروض الجنون عليهما عن البلوغ، فإذا اقتضت الضرورة تزويج أحدهما، فلا يترك الاحتياط بالاستيذان من الأب أو الجد و من الحاكم الشرعي معا.

المسألة 91:

لا تثبت الولاية للأم على القاصرين من أبنائها و بناتها و لا على ذريتهم و لا للجد أبي الأم، حتى أم الأب و أبيها سواء كانوا بواسطة أم أكثر، لا في عقد نكاح و لا في تصرف في مال أو إجراء معاملة أو في شي ء من شؤونهم، و لا تثبت الولاية للأخ و ان كان شقيقا كبيرا على أخيه الصغير و لا للعم أو الخال و لا لسائر الأرحام.

المسألة 92:

لا ولاية للأب و لا للجد أبى الأب على الولد في عقد النكاح بعد بلوغه و رشده، و لا ولاية لهما في عقد النكاح على البالغة الرشيدة إذا كانت

كلمة التقوى، ج 7، ص: 39

ثيبا. و اما البكر البالغة الرشيدة، فالأقوى استقلال كل منها و من أبيها بأمر تزويجها، فإذا زوجت هي نفسها، صح عقدها و نفذ، و ان لم تستأذن أباها في إجراء العقد، سواء أجرت الصيغة بنفسها أم وكلت أحدا سواها في ذلك، و إذا زوجها أبوها نفذ تزويجه و صح و ان لم يستأذن منها في إجراء العقد، و الأفضل بل الأحوط لكل منهما أن يستأذن الآخر إذا أراد العقد عليها. بل يجوز للأب أن ينقض عقد البنت إذا زوجت نفسها من غير اذنه، و ان كان عقدها صحيحا في نفسه كما ذكرنا، و كل هذا مع مراعاة الشروط في ولاية الأب عليها و سيأتي بيان ذلك.

المسألة 93:

لا أمر و لا ولاية للجد أبى الأب و لا لغيره من الأولياء على البنت الباكر في عقدها بعد بلوغها و رشدها فلا يجري للجد الحكم الذي تقدم ذكره في ولاية الأب.

المسألة 94:

إذا منع الأب بنته البكر البالغة الرشيدة من التزويج بالكفؤ مع رغبتها بالزواج منه، سقطت ولايته عليها، فإذا زوجت نفسها منه بغير إذن الأب و قد منعها من ذلك، صح زواجها منه، و ليس للأب أن ينقض عقدها الذي أوقعته أو أوقعه وكيلها.

و سقوط ولاية الأب في هذا المورد لا يعني سقوط ولايته في غيره، فإذا لم تتزوج البنت من ذلك الرجل ثم زوجت نفسها من رجل آخر ليس بكفؤ، صح للأب أن ينقض عقدها.

المسألة 95:

لا يسقط اعتبار إذن الأب إذا منعها من الزواج بغير الكفؤ شرعا، و مثال ذلك ان يمنعها من الزواج بكافر أو بمرتد أو بغير مؤمن، و لا يسقط اعتبار إذنه إذا منعها من الزواج بغير الكفؤ عرفا ممن يكون في تزويجه غضاضة أو منقصة عليهم، و لا يسقط اعتبار إذنه إذا منعها من الزواج بكفؤ معين مع وجود كفؤ آخر يطلب الزواج بها، فإذا عقدت نفسها على أحد هؤلاء بغير إذن الأب جاز له ان ينقض عقدها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 40

و يسقط اعتبار إذن الأب إذا كان غائبا لا يمكن للبنت أن تستأذن منه، لسفر أو سجن مع حاجة البنت الى الزواج.

المسألة 96:

البنت التي تذهب بكارتها بغير الوطء لها حكم البكر، و حكم الولاية عليها قد تقدم بيانه في الولاية على البكر البالغة الرشيدة في المسألة الثانية و التسعين، و كذلك إذا ذهبت بكارتها بالزنا أو بوطء الشبهة على الأقوى.

المسألة 97:

لا يشترط في ولاية الجد على القاصر أو القاصرة أن يكون الأب حيا كما يراه جماعة من الأصحاب و لا يعتبر فيها أن يكون الأب ميتا كما يراه البعض من غيرهم، بل هو ولي مستقل في الولاية في حال وجود الأب و في حال موته، و إذا كان الأب و الجد كلاهما موجودين، كان كل واحد منهما مستقلا في ولايته، فلا تتوقف صحة عمله على أن يشترك فيه مع الآخر أو يستأذن منه، بل و يصح تصرفه مع مراعاة شروط الولاية و ان خالفه الثاني في الرأي إذا لم يؤد ذلك الى تشاح بينهما أو تعارض في التصرف، و تلاحظ المسائل الآتية في ما يتعلق بذلك.

المسألة 98:

يشترط في ولاية الأب و الجد أبى الأب أن لا تكون في تصرفه في شؤون القاصر أو أمواله مفسدة للمولى عليه، كما ذكرناه أكثر من مرة، فإذا زوج أحدهما الصبي أو الصبية، أو المجنون الذي اتصل جنونه بصغره مع وجود المفسدة في التزويج لم يصح و كان العقد فضوليا، لا ينفذ إلا بإجازة الطفل أو الطفلة المعقود لهما بعد أن يبلغا و يرشدا، و اجازة المجنون بعد أن يفيق من جنونه و يصحو.

و إذا تم عقد الأب أو الجد وفقا للشروط المعتبرة في ولايتهما على القاصر، صح العقد و لزم، و لم يكن للصبية المعقودة خيار فيه بعد بلوغها و رشدها، و لا خيار للصبي المعقود له في العقد بعد بلوغه و رشده، و لا للمجنون المعقود له بعد إفاقته و برئه.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 41

المسألة 99:

إذا زوج الصبية القاصرة أبوها أو جدها بأقل من مهر أمثالها أو بشخص لا يقدر على الإنفاق عليها، فان كان ذلك لوجود مصلحة في التزويج تغلب على المفسدة الموجودة فيه، صح العقد و المهر و لزم، و ان لم توجد فيه مصلحة أو كانت فيه مصلحة عادية غير غالبة على المفسدة كان العقد فضوليا، يتوقف نفوذه على اجازة البنت بعد بلوغها و رشدها، فلا يصح إذا لم تجزه، و كذلك الحال في الصبي إذا زوجه أحدهما بأكثر من مهر المثل.

المسألة 100:

إذا زوج الصبية القاصرة أبوها أو جدها مع وجود المفسدة في تزويجها لم ينفذ العقد كما ذكرناه، في ما تقدم و كان فضوليا لا يصح الا بإجازة المعقودة بعد بلوغها، فإذا تغيرت الحال فارتفعت المفسدة الموجودة في التزويج، أو تجددت فيه مصلحة تغلب على المفسدة، أمكن للولي الثاني منهما غير العاقد أن يجيز العقد فيكون صحيحا بإجازته، و يشكل الحكم بالصحة إذا أجازه الولي العاقد نفسه.

المسألة 101:

إذا تشاح الأب و الجد في أمر تزويج القاصر أو القاصرة، فاختار كل واحد منهما للصبي زوجة أو اختار للصبية زوجا مثلا، قدم اختيار الجد، و إذا بادر الأب في هذا الفرض فعقد على الطفلة للزوج الذي الذي اختاره لها قبل الجد، فلا يترك الاحتياط اما باسترضاء الجد و تجديد العقد عليها لمن اختاره الأب، و اما بطلاق الزوج لها.

المسألة 102:

إذا زوج الأب بنته الصغيرة من رجل، و زوجها جدها من رجل آخر، فللمسألة صور، و لكل صورة منها حكمها الخاص بها:

(الصورة الأولى): أن يسبق الأب أو الجد في تزويجه للبنت على تزويج الآخر لها، و يعلم السابق منهما على نحو التعيين فيعلم أن الأب قد عقد على البنت قبل جدها، أو أن الجد قد أجرى عقده قبل أبيها،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 42

فيكون عقد الولي السابق منهما هو الثابت، و يبطل عقد اللاحق، سواء كان السابق هو الأب أم الجد.

(الصورة الثانية): أن يقترن عقد الأب على البنت مع عقد الجد عليها في الزمان، فيتفق إجراؤهما للصيغة في وقت واحد و يعلم التقارن بينهما، و الحكم في هذه الصورة ان تثبت الولاية للجد على الخصوص، فيكون عقده على البنت هو الثابت، و يبطل عقد الأب عليها.

(الصورة الثالثة): أن يعلم الوقت الذي أجرى فيه الجد عقده على البنت فيعلم بأنه أوقع الصيغة في الساعة الأولى من يوم الخميس مثلا، و يجهل وقت عقد الأب، فهل أوقعه قبل ذلك الوقت أم بعده أم وقع العقدان متقارنين في زمان واحد، و الحكم في هذه الصورة أيضا هو صحة عقد الجد و نفوذه و بطلان عقد الأب.

(الصورة الرابعة): أن يعلم الوقت الذي أوقع الأب فيه عقده على بنته كما

تقدم، و يجهل زمان عقد الجد، فهل أوقعه في وقت عقد الأب أيضا أم قبله أم بعده، فيحكم بصحة عقد الأب و نفوذه و بطلان عقد الجد.

(الصورة الخامسة): أن يجهل وقت كل من عقد الأب و عقد الجد، فلا يعلم في أي ساعة حدثا؟ و هل سبق أحدهما على الآخر أم اقترنا في الوقت؟ و الحكم في هذه الصورة أن المرأة تكون معلومة الزوجية لأحد الرجلين المعقود لهما على وجه الإجمال فإذا كان في الصبر عسر و حرج، فلا بد من الرجوع الى القرعة في تعيين الزوج الذي ثبتت له الزوجية منهما، فأيهما عينته القرعة حكم بأنه هو الزوج، أو طلاق الزوجين كليهما للمرأة، و تجديد العقد بعد ذلك لمن تشاء أو طلاق أحد الزوجين ثم يتزوجها الثاني بعقد جديد.

و المسألة في جميع صورها الخمس الآنف ذكرها انما تفرض في غير حالة التشاح بين الأب و الجد في تعيين الزوج، و إذا فرض وقوع تشاح بينهما في ذلك رجع الى حكمها الذي بيناه في المسألة المائة و الواحدة.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 43

المسألة 103:

إذا تحقق سفه الرجل أو المرأة في الأمور المالية و حكم عليه بالحجر شرعا، لم يصح له أن يتولى عقد النكاح لنفسه إلا إذا أذن له وليه بذلك، فيكون الولي هو الذي يعين له المهر و يعين له الزوجة إذا كان رجلا، و يكون الولي هو المشرف على الإنفاق على الزوجة من مال السفيه بعد التزوج بها، و يكون الولي هو الذي يعين الزوج و يقدر الصداق إذا كان السفيه المولى عليه هو المرأة، و إذا زوج السفيه نفسه أو زوجت المرأة السفيهة نفسها بغير اذن الولي كان العقد فضوليا، فلا ينفذ

إلا بإجازة الولي، فإذا أجازه صح و لم يفتقر الى تجديد العقد.

و كذلك الحكم إذا كان سفهه عاما في الماليات و غيرها، أو كان خاصا في الشؤون غير المالية كما إذا كان سفيها في التزويج أو في التصرف في نفسه، بناء على ما اخترناه من اجراء حكم السفه في جميع ذلك، و قد ذكرناه في كتاب الحجر- فيكون محجورا عن أن يتولى عقد النكاح لنفسه إلا بإذن الولي.

المسألة 104:

ولي السفيه هو الأب أو الجد أبو الأب إذا كان قد اتصل سفهه بصغره، فان لم يكن له أب و لا جد، فوليه هو القيم الذي ينصبه الأب أو الجد لذلك، و ان لم يكن لهما وصي منصوب فالولي على السفيه هو الحاكم الشرعي، و إذا طرأ له السفه بعد أن بلغ الحلم و رشد، فالولاية عليه للحاكم الشرعي و ان كان أبوه وجده موجودين.

المسألة 105:

السفيه غير مسلوب العبارة، فإذا كان ممن يحسن إجراء الصيغة في عقد التزويج صح له أن يتولى عقد النكاح لغيره بالوكالة عنه، و يصح له ان يتولى اجراء العقد لنفسه أيضا إذا قام وليه بأصل المعاملة حتى أتمها فعين الزوجة و قدر المهر و حدد الشروط ثم أذن للمولى عليه أو وكله في إجراء الصيغة على ما عينه، و إذا أجرى السفيه عقد النكاح لنفسه بنفسه ثم أجاز وليه عقده بعد ذلك، صح و لم يفتقر الى تجديد، و قد تقدم ذكر هذا قبل مسألتين.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 44

المسألة 106:

يجوز للوصي المنصوب من قبل الأب أو الجد أبى الأب أن يزوج الطفل الصغير و الطفلة الصغيرة إذا نص أبوهما أو جدهما الموصى على ولايته في التزويج، سواء عين الزوج و الزوجة لهما أم لم يعين، فيجوز للوصي ان يتولى العقد لهما بنفسه و أن يوكل غيره في إنشائه، إلا إذا عين له الموصى أن يباشر بنفسه أو يوكل فيتبع ما حدد له. و يجوز للوصي القيم كذلك أن يزوج ابنهما المجنون أو بنتهما المجنونة اللذين اتصل جنونهما بصغرهما مع نص الأب أو الجد على ذلك في وصيته كما ذكرنا في الصغير، و يجوز لهذا الوصي القيم أن يزوج السفيه الذي اتصل سفهه بصغره إذا نص الموصى على أن يتولى أمر تزويجه كذلك.

المسألة 107:

إذا لم يكن للطفل الصغير أو الطفلة الصغيرة أب و لا جد يتولى أمرهما، و لا وصي منصوب من أبيهما أو جدهما و اقتضت المصلحة الملزمة تزويجهما أو دعت الى ذلك ضرورة ملحة بحيث تترتب على تركه مفسدة شديدة يجب الاحتراز عنها، فللحاكم الشرعي أن يتولى تزويجهما، و كذلك الحكم في المجنون و المجنونة اللذين لا ولي لهما إذا اقتضت الضرورة تزويجهما. و قد تقدم في المجنون الذي عرض له الجنون بعد البلوغ و كان له أب أو جد أو وصي من أحدهما، أن الأحوط لزوما في صحة تزويجه إذا اقتضت ذلك ضرورة ملزمة أن يستأذن منهم و من الحاكم الشرعي.

المسألة 108:

الولاية على العبد المملوك في التزويج و غيره لسيده، سواء كان عبدا أم أمة و كبيرا أم صغيرا، و عاقلا أم مجنونا، و إذا تزوج أو زوجه أحد بغير اذن سيده كان العقد فضوليا، فان أجازه السيد صح و ان لم يجزه بطل.

المسألة 109:

يشترط في ولاية الولي ان تتوفر فيه عدة أمور:

الأول: أن يكون بالغا، فلا ولاية للصبي الصغير أو الصبية الصغيرة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 45

على أحد، فإذا كان لأحدهما عبد مملوك أو أمة مملوكة فالولاية عليه للولي على السيد الصغير.

الثاني: أن يكون عاقلا، فلا ولاية للمجنون على غيره، و ان كان أبا أو جدا أو مالكا.

الثالث: أن يكون حرا، فلا ولاية للمملوك على ولده و لا على عبده، بل الولاية لمالك الولد، و إذا كان الولد حرا فالولاية عليه للجد إذا كان حرا و لوصيه القيم من بعده، و الا فالولاية للحاكم الشرعي، و تكون الولاية على عبده، لمالك العبد المالك.

الرابع: أن يكون مسلما إذا كانت الولاية على مسلم، فلا ولاية للكافر و لا للمرتد على ولده و لا على ولد ولده إذا كان مسلما، و تثبت ولاية الكافر على ولده إذا كان كافرا على الأقوى.

المسألة 110:

لا يصح للولي أن يتولى عقد التزويج للمولى عليه إذا كانا محرمين بحج أو بعمرة، واجبين أو مندوبين، أو مختلفين، أو كان أحدهما محرما كذلك و لا يصح له أن يوكل في تزويجه في هذه الفروض و ان كان الوكيل محلا، و يصح له أن يوكل في حال الإحرام من يتولى العقد للمولى عليه بعد أن يحل الولي و المولى عليه من إحرامهما.

المسألة 111:

العقد الفضولي هو العقد الذي يصدر من شخص غير مخول شرعا في أن يجري ذلك العقد للشخص المعقود له، سواء كان الشخص الذي أجرى العقد قريبا للشخص المعقود له أم أجنبيا عنه، و قد يطلق الفقهاء كلمة الفضولي و يجعلونها وصفا لنفس العقد الصادر كما ذكرنا، و هذا هو الأكثر، و قد يجعلونها وصفا للشخص الذي أجرى العقد، فيقولون: عقد الفضولي، و يقولون إذا تعدى الوكيل ما حدد له الموكل كان فضوليا.

و من الفضولي عقد الولي و الوكيل إذا وقع على غير الوجه الذي يصح لهما إيقاعه عليه، و مثال ذلك أن يعقد الأب أو الجد مع وجود

كلمة التقوى، ج 7، ص: 46

مفسدة للمولى عليه، أو يعقد غيرهما من الأولياء على غير مصلحة له، و أن يتجاوز الوكيل ما عين له موكله في وكالته، فيعقد له على غير الزوجة المعينة أو على غير المهر المحدد، و من الفضولي أن يعقد العبد لنفسه أو تعقد الأمة نفسها بغير اذن سيدهما.

و الأقوى صحة العقد الفضولي إذا لحقته الإجازة ممن بيده أمر العقد، سواء كان المعقود له كبيرا أم صغيرا و حرا أم مملوكا، و رجلا أم امرأة، و سواء كان العقد فضوليا من جانب الزوج و الزوجة كليهما أم من أحد الجانبين، فإذا

أجاز الأصيل أو الولي و هما يملكان الأمر في العقد صح و نفذ.

المسألة 112:

إذا كان الشخص المعقود له بالعقد الفضولي ممن يصح له أن يتولى العقد لنفسه- و هو البالغ الحر العاقل- سواء كان رجلا أم امرأة، فلا يصح العقد الفضولي له الا بإجازته بنفسه، و إذا كان ممن لا يصح له أن يتولى ذلك، و هم الصغير و المجنون و السفيه و المملوك، فيصح العقد الفضولي لأحدهم بإجازة ولي أمره ما دام قاصرا، فإذا أجازه الولي كذلك نفذ مع اجتماع شروط ذلك، و لم يكن للمولى عليه رده بعد ذلك، و إذا رده الولي كان باطلا و لا تصححه اجازة المولى عليه بعد كماله و ارتفاع الولاية عنه، و إذا لم يجز الولي العقد الفضولي و لم يرده حتى كمل المولى عليه و ارتفع الحجر عنه، فبلغ الصغير مثلا و أفاق المجنون و رشد السفيه و أعتق العبد كان له أن يجيز العقد الفضولي، فإذا أجازه نفذ.

المسألة 113:

ليس للأب و لا للجد أبى الأب أن يجيز العقد الفضولي للطفل أو الطفلة أو غيرهما ممن تثبت ولايتهما عليه، إذا كانت فيه مفسدة للمولى عليه، كما لا يصح لهما تزويجه مع المفسدة، و ليس لغيرهما من الأولياء أن يجيز العقد الفضولي للمولي عليه إذا لم تكن فيه مصلحة له، كما لا يصح لهم تزويجه حيث لا مصلحة، فإذا لم يجز الولي العقد في الفرضين الآنف ذكرهما و لم يرده حتى كمل المولى عليه و ارتفع عنه

كلمة التقوى، ج 7، ص: 47

الحجر، كان له أن يجيز العقد كما ذكرناه قريبا، فإذا أجازه نفذ.

المسألة 114:

لا يبطل العقد الفضولي بتأخر الإجازة عنه و ان تأخرت زمنا طويلا، لبعض الأسباب الطارئة، فإذا لم يجزه الأصيل أو الولي لجهله بحصول العقد، أو لجهله بأن الإجازة توجب صحته و نفوذه، أو للتروي و الاستشارة لأحد في الإجازة و الرد، أو للنسيان، أو لرغبة الصبي في إخفاء ذلك على الولي خوفا من رده فيبطل العقد، فإذا لم يجز الأصيل أو الولي العقد لبعض هذه الأسباب أو غيرها، ثم أجازه بعد ذلك صح و نفذ.

المسألة 115:

إذا رد الأصيل العقد الفضولي أو رده الولي لغى العقد، فلا تصححه الإجازة إذا لحقته بعد الرد على الأحوط ان لم يكن ذلك هو الأقوى، سواء كانت الإجازة اللاحقة من الولي أم من الأصيل، و إذا أجازه الأصيل أو الولي صح العقد و نفذ كما تقدم و لم يبطله الرد اللاحق بعد ذلك سواء كان الرد من الولي أم من الأصيل.

المسألة 116:

يكفي في إجازة العقد الفضولي أي لفظ يكون دالا على إنشاء الرضا بالعقد في متفاهم أهل العرف و اللسان، و ان كان ظهوره في ذلك بمعونة القرائن، و يكفي فيها الفعل الدال على ذلك أيضا.

المسألة 117:

إذا أوقع الفضولي العقد عن الزوج و كان الزوج راضيا في نفسه بالتزويج حين اجراء العقد له و لم يظهر منه قول أو فعل يدل على رضاه بالعقد، فالعقد فضولي لا ينفذ إلا بالإجازة و كذلك إذا أوقعه فضولا عن المرأة و هي راضية به في نفسها و لم تدل على رضاها بقول أو بفعل، فالعقد فضولي لا يصح الا بالإجازة.

المسألة 118:

إذا أوقع الفضولي العقد عن الزوج و كان الزوج كارها في نفسه

كلمة التقوى، ج 7، ص: 48

لذلك حين العقد و لم يقع منه فعل أو لفظ يدل على الرد، فالظاهر صحة العقد إذا لحقته الإجازة بعد ذلك، و كذلك إذا استأذنه في العقد له فنهاه و لم يأذن له، فإذا أجرى له العقد مع نهيه فهو من الفضولي فإذا لحقته الإجازة صح و نفذ، و لا يكون نهيه المتقدم بمنزلة الرد، و كذلك الحكم في الزوجة في كلا الفرضين.

المسألة 119:

الفضولي- كما ذكرناه سابقا- هو العقد الصادر عن شخص غير مخول شرعا في إجراء ذلك العقد للإنسان المعقود له سواء كان الشخص العاقد يعلم بذلك حين إجرائه للعقد أم كان يتخيل خلافه، فإذا أجرى العقد بعنوان الفضولية ثم اتضح بعد ذلك انه ولي للشخص المعقود له أو وكيل عنه، صح عقده و نفذ و لم يفتقر إلى إجازة، إلا إذا تعدى الوجه المحدد له شرعا. و إذا أجرى العقد و هو يعتقد انه ولي للمعقود له أو وكيل عنه، ثم استبان له انه مخطئ في اعتقاده، فهو فضولي لا ينفذ عقده إلا بالإجازة.

المسألة 120:

إذا زوج الصبية الصغيرة بالصبي الصغير غير ولييهما فضولا، توقفت صحة العقد على الإجازة من كلا الجانبين، سواء حصلت من وليي الصغيرين قبل أن يدركا و يرشدا أم من الصغيرين بعد البلوغ و الرشد، أم من ولي أحدهما قبل بلوغه و من الآخر بعد كماله، و يكفي في بطلان العقد ان يحصل الرد من أحد الجانبين قبل الإجازة، سواء حصل من ولي أحدهما قبل بلوغه أم من أحدهما بعد كماله، و يبطل العقد كذلك إذا مات الصبيان المعقود لهما قبل ان تحصل الإجازة منهما أو من ولييهما، أو مات أحدهما قبل الإجازة منه.

المسألة 121:

إذا بلغ أحد الصغيرين المعقود لهما بالعقد الفضولي، فأجاز العقد ثم مات قبل أن يجيز الآخر عزل للآخر نصيبه من الميراث لو كان وارثا، فإذا بلغ و أجاز العقد أحلف أنه لم يدعه إلى أخذ الميراث الا الرضا بالزواج، فإذا حلف كذلك دفع اليه نصيبه من الميراث، و إذا كانت هي

كلمة التقوى، ج 7، ص: 49

الزوجة دفع إليها نصف المهر المسمى، و إذا لم يجز العقد، أو لم يحلف اليمين المذكورة لم يدفع إليه شي ء ورد المال إلى الورثة، و كذلك الحكم إذا مات قبل ان يجيز، أو مات بعد الإجازة و قبل الحلف، و إذا كان الشخص الباقي منهما غير متهم بالطمع في المال لم يتوجه عليه اليمين و ثبت له الميراث بعد أجازته.

و إذا أجاز العقد و حلف اليمين المذكورة ترتبت جميع الأحكام الأخرى للزوجية أيضا، فإذا كان هو الزوج حرمت عليه أم المعقودة، و إذا كانت هي الزوجة حرمت على أبي الزوج و ابنه، بل الأحوط ترتيب هذه الآثار بمجرد الإجازة منه، و ان لم يحلف، و ان

كان متهما.

المسألة 122:

الظاهر جريان الحكم الآنف ذكره في الكبيرين إذا زوجهما أحد بالعقد الفضولي، فأجاز أحدهما العقد ثم مات بعد أجازته و قبل أن يجيز الآخر، و يجزي الحكم أيضا في ما إذا وقع العقد بين أحد الكبيرين و الفضولي عن الآخر ثم مات الأصيل قبل أن يجيز صاحبه عقد الفضولي عنه، و يجري كذلك في ما إذا وقع العقد بين ولي أحد الصغيرين و الفضولي عن الآخر و مات الصغير الذي عقد له الولي قبل أن يجيز الآخر أو وليه، أو عقد الفضولي للمجنونين أو لأحدهما مع ولي الآخر، و سائر نظائر المقام.

فإذا لزم العقد في هذه الموارد من أحد الجانبين لأنه أصيل، أو لأن العقد جرى له من وليه، أو لأنه أجاز العقد لنفسه بعد ارتفاع الحجر عنه أو أجازه وليه، ثم مات قبل أن يجيز صاحبه العقد، جرى فيه الحكم المتقدم، فيعزل مقدار نصيب الزوج الآخر الموجود من تركة الزوج الميت لو كان وارثا منه، و ينتظر، فإذا رد هذا الزوج المعقود له عقد الفضولي، بطل العقد ورد المال إلى ورثة الزوج الميت، و إذا أجاز العقد ترتبت أحكام الزوجية على نهج ما تقدم بيانه، و الأحوط في الجميع مع اتهام الزوج الموجود في إجازته ان لا يدفع له نصيبه من الميراث الا بعد الحلف، و إذا كانت الباقية هي الزوجة فلا تعطى نصف

كلمة التقوى، ج 7، ص: 50

المهر كذلك الا بعد الحلف.

المسألة 123:

لا تثبت في العقد الفضولي أحكام الزوجية و لا أحكام المصاهرة قبل أن تحصل الإجازة، و ان كان العقد لازما من أحد الجانبين، لأنه أصيل كما قلنا في المسألة السابقة، أو لأن العقد قد جرى له من وليه أو لأنه

أجاز العقد لنفسه بعد أن ارتفع عنه الحجر أو أجازه وليه، فإذا كان هو الزوج فلا يحرم عليه قبل حصول الإجازة نكاح أم المعقودة و بنتها و أختها، و لا يحرم عليه التزويج بالخامسة إذا كانت المعقودة فضولا هي الرابعة، و إذا كانت هي الزوجة فلا يحرم عليها أن تتزوج بغيره حتى مع العلم بأن الإجازة تحصل بعد ذلك، و هذا بناء على ان الإجازة كاشفة كشفا انقلابيا كما هو المختار في المسألة، و نتيجة لذلك فإذا تزوج الرجل أم المرأة المعقودة عليه فضولا أو تزوج بنتها أو أختها أو الخامسة، ثم حصلت الإجازة من الزوج الآخر بعد ذلك كشفت الإجازة عن بطلان تزويجه بهن. و كذلك إذا تزوجت المرأة بغيره ثم حصلت الإجازة منه كشفت أجازته عن بطلان تزويج المرأة بغيره. و إذا حصل الرد من أحد الجانبين بطل العقد كما تقدم ذكره، و لم تترتب أحكام المصاهرة و ان كان الجانب الآخر أصيلا أو مجيزا.

المسألة 124:

إذا عقد الفضولي امرأة على رجل من غير أن تعلم المعقودة بذلك، و زوجت المرأة نفسها من رجل آخر صح عقد الثاني عليها و بطل العقد الفضولي فليس لها أن تجيزه إذا علمت به بعد ذلك، و كذلك إذا كانت تعلم بعقد الفضولي لها فان تزويجها بالثاني يكون ردا له فيبطل، إلا إذا إجازته قبل ذلك فيكون هو الصحيح و يبطل عقدها على الثاني.

و إذا عقد الفضولي امرأة على رجل من غير أن يعلما بعقده، ثم تزوج الرجل المعقود له بنت المرأة المعقودة أو أمها صح زواجه كذلك و ثبت و بطل العقد الفضولي، فلا يجوز للرجل أن يجيزه إذا علم به بعد ذلك.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 51

المسألة 125:

إذا زوج فضولي امرأة معينة برجل، ثم زوجها فضولي آخر برجل آخر، تخيرت المرأة في العقدين فان شاءت ردتهما معا فيبطلان، و ان شاءت أجازت أحدهما وردت الآخر، من غير فرق بين ان يسبق أحد العقدين على الآخر أو يقترنا في الوقت.

المسألة 126:

إذا زوج فضولي رجلا بالمرأة معينة، ثم زوجه فضولي آخر ببنت تلك المرأة المعقودة له أو بأختها، أمكن للرجل المعقود له أن يختار اي العقدين فيجيزه و يرد الآخر سواء سبق أحد العقدين على الآخر في الوقت أم تقارنا في الحدوث، و أمكن له أن يرد العقدين كليهما.

المسألة 127:

إذا زوج الفضولي امرأة برجل على مهر عينه في العقد، فلا يصح للمرأة أو الرجل في إجازة العقد أن يسقط المهر فيكون التزويج من غير مهر، و لا يصح أن يبدل المهر المعين بمهر آخر أقل منه أو أكثر أو يخالفه في الجنس، أو يذكر في الإجازة شرطا أو شروطا لم يذكرها الفضولي في العقد أو يسقط شرطا ذكره في العقد فإذا اختلفت الإجازة عن العقد ببعض ذلك لم تصح، فإذا أريد ذلك فلا بد من رد العقد الفضولي و تجديد عقد آخر بين الرجل و المرأة حسب ما يتفقان عليه من المهر و الشروط.

المسألة 128:

إذا عقد الفضولي المرأة للرجل، و اعتقدت المرأة المعقودة ان النكاح قد لزمها بعقد الفضولي لها و ان لم توكل، فرضيت به لذلك، أشكل الحكم بصحة هذه الإجازة و صحة العقد بها، فلا يترك الاحتياط بتجديد العقد عليها إذا أريد بقاء الزواج، و بإجراء الطلاق إذا أريد الفراق.

و كذلك الإشكال إذا فرض مثل ذلك في الزوج، فاعتقد ان النكاح قد تم بعقد الفضولي و لزمه و ان لم يوكله في القبول، فرضي به و اجازه لذلك، فلا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 52

الفصل الخامس في أسباب التحريم
اشارة

سبب التحريم هو الأمر الذي إذا تحقق وجوده بين الرجل و المرأة حرم عليه الزواج بها و لم يصح له العقد عليها، و أسباب تحريم النكاح عدة أمور:

السبب الأول: النسب.
المسألة 129:

يحرم على الرجل من النسب نكاح سبعة أصناف من النساء:

الصنف الأول: الأم، و هي كل امرأة ينتمي إليها الإنسان بالولادة، سواء كانت بلا واسطة أم بواسطة واحدة أم بوسائط متعددة، و سواء كانت الوسائط بين الإنسان و بينها ذكورا أم إناثا، أم ذكورا و إناثا، فالأم هي الأنثى التي ولدت الإنسان، أو ولدت أباه أو ولدت أمه، أو ولدت أحد آبائه من قبل الأب أو من قبل الأم، أو ولدت احدى أمهاته من قبل الأب أو من قبل الأم و ان تعددت الوسائط ما بينه و بينها.

الصنف الثاني: البنت، و هي كل أنثى تنتمي إلى الإنسان بالولادة، سواء كانت بلا واسطة أم بواسطة واحدة، أم بوسائط متعددة، و سواء كانت الوسائط ذكورا أم إناثا، أم ذكورا و إناثا.

فالبنت هي الأنثى التي ولدها الإنسان أو ولدها أحد أبنائه، أو إحدى بناته، أو أحد أحفاده، أو أحد أسباطه و ان تعددت الوسائط و اختلفت في الذكورة و الأنوثة، و يراد بالحفيد: ابن الابن و ان نزل، و السبط ابن البنت كذلك.

الصنف الثالث: الأخت، و هي كل أنثى ولدها أحد أبوي الإنسان بلا واسطة، أو ولدها كلاهما كذلك، فأخت الإنسان هي بنت أبيه، أو بنت أمه، أو بنت أبيه و أمه معا.

الصنف الرابع: بنت الأخ، و هي كل أنثى تنتمي الى أخي الإنسان

كلمة التقوى، ج 7، ص: 53

بالولادة، سواء كان أخاه لأبيه و أمه معا، أم لأحدهما، و سواء كانت الأنثى بنت الأخ بلا واسطة أم بواسطة واحدة، أم

بوسائط متعددة، و سواء كانت الوسائط ذكورا أم إناثا، أم ذكورا و إناثا.

فبنت الأخ هي الأنثى التي ولدها أخو الإنسان أو ولدها أحد أبناء أخيه، أو ولدتها احدى بنات أخيه، أو ولدها أحد أحفاد الأخ أو أحد أسباطه، و ان تعددت الوسائط و اختلفت كما ذكرنا في البنت.

الصنف الخامس: بنت الأخت، و هي كل أنثى تنتمي بالولادة الى أخت الإنسان لأبيه، أو لأمه، أو لكليهما، على ما تقدم بيانه في بنت الأخ سواء بسواء.

الصنف السادس: العمة، و هي كل أنثى تكون أختا لرجل ينتمي الإنسان إليه بالولادة بلا واسطة أم بواسطة واحدة، أم بوسائط متعددة، و ان اختلفت الوسائط في الذكورة و الأنوثة.

فالعمة هي أخت أبي الإنسان و أخت جده لأبيه، أو جده لأمه، و أخت أحد أجداده من قبل أبيه أو من قبل أمه و ان اختلفت الوسائط كما ذكرنا، و على ما بيناه في معنى الأخت، و بعبارة ثانية، المحرمة في النكاح هي عمة الرجل و عمة أبيه، و عمة أمه، و عمة أحد من أجداده أو جداته من قبل الأب أو من قبل الأم.

الصنف السابع: الخالة، و هي كل أنثى تكون أختا لامرأة ينتمي الإنسان إليها بالولادة و ان كانت بالواسطة كما تقدم في العمة.

فالخالة هي أخت أم الإنسان و أخت جدته لأبيه، و أخت جدته لأمه، و أخت إحدى جداته من قبل أبيه أو من قبل أمه، و ان تعددت الواسطة و اختلفت في الذكورة و الأنوثة، و بتعبير آخر، المحرمة في النكاح هي خالة الإنسان و خالة أبيه و خالة أمه و خالة أحد من أجداده أو جداته من قبل أبيه أو من قبل أمه.

تنبيه: ليست من المحارم أخت أخيك

و لا أخت أختك، و هي أن تكون لزوجة أبيك بنت من زوج آخر، أو تكون لزوج أمك بنت من زوجة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 54

أخرى غير أمك، فتكون هذه البنت في كلا الفرضين أختا لأخيك أو أختك، و ليست من محارمك.

و ليست من المحارم أخت العمة، و هي أن تكون لزوجة جدك من قبل أبيك بنت من زوج آخر غير جدك فتكون هذه الأنثى أختا لعمتك و ليست من محارمك. و ليست من المحارم عمة العمة، و هي أن تكون لزوجة جدك الأعلى من قبل الأب بنت من زوج آخر غير جدك، فتكون هذه الأنثى عمة لعمتك و ليست من محارمك.

و ليست من المحارم أخت الخالة، و هي أن تكون لزوجة جدك من قبل أمك بنت من زوج آخر، فتكون أختا لخالتك و ليست من محارمك، و هكذا في خالة الخالة، و لبعض ما ذكر فروض أخرى لا تخفى على المتفطن.

المسألة 130:

النسب الشرعي هو ما كانت الولادة فيه حاصلة من وطء صحيح، بسبب نكاح دائم أو منقطع، أو ملك يمين أو تحليل أمة، و يلحق به في الحكم وطء الشبهة، و على النسب الشرعي و ما يلحق به تدور عامة الأحكام الشرعية في المواريث و المصاهرات و غيرها.

و لكن الحكم بتحريم النكاح لا يختص بذلك، بل يعم ما حصل بالسفاح أيضا، فتحرم على الرجل أمه التي ولدته من الزنا و تحرم عليه بنته من الزنا، و تحرم عليه أخته و عمته و خالته و بأنه أخيه و ابنة أخته و ان كان النسب بينه و بينهن من السفاح، و تحرم بنته من الزنا على أولاده من النكاح الصحيح أو من وطء الشبهة أو

من الزنا بتلك المرأة أو بامرأة أخرى، و يعم الحكم بالتحريم جميع طبقات النسب كما في النسب الشرعي سواء بسواء.

المسألة 131:

وطء المرأة شبهة هو الوطء الذي لا يستحقه الواطئ في حكم الشرع، إذا فعله و هو يعتقد انه يستحق ذلك، لجهله بالحكم أو لجهله بالموضوع، سواء كان معذورا في ذلك أم غير معذور، فإذا وطأ المرأة الأجنبية و هو

كلمة التقوى، ج 7، ص: 55

يعتقد صحة فعله، و علقت منه لحق به الولد و ثبت به نسبه اليه و ان كان مأثوما بفعله في صورة عدم العذر.

و يلحق بوطء الشبهة وطء النائم و المجنون و نحوهما من فاقد العقل عند العمل، ما عدا السكران إذا شرب الخمر عامدا عاصيا فإن الأقوى أن فعله كفعل العامد، فلا تسقط عنه أحكام الزنا و لا يثبت به النسب.

السبب الثاني من أسباب تحريم النكاح: الرضاع
المسألة 132:

لا يكون الرضا سببا لتحريم نكاح المرأة إلا إذا استجمع شروطا:

الشرط الأول: أن يتكون اللبن الذي يرتضعه الرضيع عن وطء صحيح و الوطء الصحيح ما كان بعقد نكاح دائم أو بعقد نكاح مؤقت، أو بملك يمين، أو بتحليل الأمة من مالكها، أو بشبهة لكل من الرجل و المرأة.

المسألة 133:

لا ينشر الرضاع الحرمة إذا كان اللبن ناشئا عن الوطء بالزنا، و لا ينشر الحرمة رضاع ما يدر من ثدي الرجل إذا اتفق حدوث ذلك، و لا من الخنثى المشكل الذي لا يتضح حاله أذكر هو أم أنثى، و لا ينشر الحرمة رضاع ما يدر من ثدي المرأة إذا تكون اللبن فيه من غير وطء.

المسألة 134:

إذا سبق ماء الزوج إلى المرأة في المداعبة من غير دخول، فحملت منه و ولدت و تكون اللبن بسبب ذلك، فالظاهر أن رضاع لبنها ينشر الحرمة إذا اجتمعت فيه بقية الشروط، و كذلك الأمة إذا سبق إليها ماء مالكها أو الشخص الذي حللت له، فحملت منه و تكون اللبن فيها، و مثلها المرأة الموطوءة بالشبهة إذا كانت الشبهة من الطرفين.

المسألة 135:

انما ينتسب اللبن الى الوطء إذا تكون في المرأة بعد علوقها و حملها من وطء الرجل أو بسبب سبق ماء الرجل إليها كما ذكرنا، و قد يلحق بذلك في وجه قوي ما يتكون في ثدي المرأة بعد حملها من التلقيح الصناعي

كلمة التقوى، ج 7، ص: 56

بنطفة زوجها، فما يتكون من اللبن في ثدي المرأة قبل أن تحمل لا يكون رضاعه سببا لتحريم النكاح و ان كانت المرأة موطوءة، و المتيقن نشره للحرمة هو الرضاع بعد ولادة المرأة لحملها، و اما ما يكون حال الحمل و قبل ولادة الجنين فالحكم فيه مشكل و لا يترك الاحتياط فيه.

المسألة 136:

يشكل الحكم بنشر الحرمة برضاع اللبن المتكون من وطء الشبهة إذا كانت الشبهة من أحد الطرفين، و كان الطرف الآخر عالما بتحريم الوطء، و خصوصا إذا كان العالم بالتحريم هو الرجل، و لا يترك الاحتياط.

المسألة 137:

الشرط الثاني من شرائط نشر الحرمة بالرضاع، أن يكون شرب الطفل للبن بامتصاصه من ثدي المرأة، فإن ذلك هو الذي يتحقق به مسمى الرضاع منها، فإذا حلب لبنها و وضع في إناء ثم سقي الطفل لم يكن ذلك رضاعا و لم ينشر حرمة، و ان شرب الطفل بالامتصاص منه كما في القوارير التي أعدت لتغذية الرضيع، و كذلك إذا صير اللبن جبنا أو مخيضا ثم أطعم الطفل منه أو سقي، أو دفع في عروق الطفل و أوردته ببعض آلات التغذية الحديثة التي تستعمل للمغذيات الأخرى، فلا يكون اللبن سببا للتحريم.

المسألة 138:

إذا وضعت على رأس ثدي المرأة آلة تجذب ما في باطنه من اللبن أو تنقيه من بعض الرواسب، ثم تدفعه في فم الطفل، فالظاهر صدق الرضاع على الشرب منها و نشر الحرمة به كشرب الطفل من ثدي المرأة مباشرة.

و إذا كانت الآلة تجمع اللبن فيها، بحيث يكون شرب الطفل مما يجتمع فيها لم يكن ذلك رضاعا محرما و كان من أفراد المسألة السابقة.

المسألة 139:

الشرط الثالث أن تكون المرأة التي يرتضع الطفل من لبنها حية غير

كلمة التقوى، ج 7، ص: 57

ميتة، فإذا ارتضع الطفل من ثدي امرأة ميتة خمس عشرة رضعة تامة- و ذلك هو العدد الذي يوجب تحريم النكاح إذا كان الرضاع من امرأة حية- لم ينشر هذا الرضاع حرمة، فلا يحرم على هذا الرضيع ان يتزوج من بناتها إذا كان ذكرا، و لا يحرم عليه ان يتزوج من أولادها إذا كان أنثى.

و كذلك الحكم إذا ارتضع الطفل من المرأة بعض العدد و هي حية ثم أتمه بعد موتها فلا يكون سببا للتحريم. نعم إذا ماتت المرأة و قد بقي من عدد الرضعات المعتبرة في الحكم بالحرمة رضعة واحدة أو بعض رضعة، فأتمها الطفل بعد موت المرضعة ففي ثبوت التحريم اشكال و لا يترك الاحتياط بالاجتناب في هذا الفرض.

المسألة 140:

الشرط الرابع أن يكون الرضاع في أثناء الحولين للطفل المرتضع من حين ولادته، و الحولان هما المدة التي حددت في شريعة الإسلام لرضاع الطفل و بانتهائها يحق فطامه، أو يكون الرضاع في آخر المدة بحيث ينتهي عدد الرضعات المعتبرة بانتهاء الحولين.

المسألة 141:

إذا كان رضاع الطفل من لبن المرأة بعد انتهاء مدة الحولين من حين ولادته لم ينشر رضاعه حرمة بينه و بين المرأة التي أرضعته، و لا بينه و بين زوجها صاحب اللبن، و لا بينه و بين فروعهما و أقاربهما من بنين و بنات، و اخوان و أخوات و آباء و أمهات، و كذلك الحكم إذا رضع الطفل بعض العدد الآنف ذكره في أثناء الحولين و أتم العدد بعد انتهاء الحولين، فلا يكون هذا الرضاع موجبا للتحريم.

المسألة 142:

لا أثر للفطام قبل أن يحل وقته المحدد له في الشريعة، و هو أن يتم للطفل حولان منذ ولادته، فإذا فطم الطفل قبل وقت فطامه، ثم عاد فارتضع و هو في أثناء الحولين من لبن امرأة خمس عشرة رضعة كاملة الشروط كان رضاعه موجبا للتحريم.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 58

المسألة 143:

الحولان الكاملان اللذان جعلا في الإسلام مدة للرضاع هما أربعة و عشرون شهرا هلاليا، و الشهر الهلالي هو ما بين الهلالين، سواء كان ناقصا أم تاما، و إذا كانت ولادة الطفل في أثناء الشهر، اعتبرت الثلاثة و العشرون شهرا بعد الشهر الأول المنكسر أشهرا هلالية، ثم يتم من الشهر الخامس و العشرين ما نقص من أيام الشهر الأول الذي تولد الطفل فيه فيتم ثلاثين يوما على الأحوط بل على الأقوى.

المسألة 144:

إذا ارتضع الطفل من لبن امرأة العدد الكامل من الرضعات و كان عمر الطفل المرتضع دون الحولين منذ يوم ولادته، و كان لبن المرضعة قد تجاوزت أيامه الحولين منذ ولادتها التي يتبعها ذلك اللبن، فهل يكون رضاع الطفل من ذلك اللبن سببا لتحريم النكاح؟ فيه اشكال، و لا يترك الاحتياط بالاجتناب.

المسألة 145:

الشرط الخامس ان لا يمتزج اللبن الذي يرتضعه الطفل من ثدي المرأة بشي ء آخر يخرج به عن اسم اللبن المعروف بين الناس، فإذا وضع في فم الطفل شي ء جامد أو مائع يختلط باللبن حال امتصاصه بحيث لا يسمى اللبن بعد امتزاجه بذلك الخليط لبنا في متفاهم أهل العرف، أو يكون اختلاطه به موجبا للشك في تسميته عندهم لبنا، لم يسبب ذلك الرضاع حرمة، و إذا كان الخليط لا يوجب تغيرا في مسمى اللبن كقليل من السكر، كان رضاعه موجبا للتحريم.

المسألة 146:

الشرط السادس و السابع ان يكون جميع عدد الرضعات المعتبرة من امرأة واحدة و من لبن فحل واحد، فإذا رضع الطفل بعض الرضعات من امرأة، ثم أتم العدد من امرأة أخرى لم يوجب ذلك تحريما و ان كان لبن المرأتين لرجل واحد.

و كذلك إذا رضع من امرأة واحدة و كان بعض الرضعات من لبن فحل و بقية العدد من لبن فحل آخر كما قد يتفق ذلك و سنذكره في

كلمة التقوى، ج 7، ص: 59

المسألة اللاحقة ان شاء للّه تعالى، فلا يكون هذا الرضاع موجبا للتحريم حتى للمرضعة نفسها.

المسألة 147:

إذا طلق الرجل زوجته و هي حامل منه ثم وضعت حملها كان اللبن لذلك الزوج و ان بانت المرأة منه بالطلاق و انتهت عدتها منه بالوضع، فإذا تزوجت بعد ذلك و حملت من زوجها الثاني فاللبن لا يزال للزوج الأول حتى تضع، فإذا وضعت حملها من زوجها الثاني و اللبن لا يزال مستمرا، فالمعروف بين الفقهاء ان اللبن بعد الولادة يكون للزوج الثاني.

و على هذا القول، فإذا أرضعت هذه المرأة طفلا أجنبيا بعض الرضعات قبل أن تلد، و أتمت عدد رضعاته بعد الولادة كانت رضاعتها لذلك الطفل من لبن فحلين، فلا تكون موجبة للتحريم بين الطفل و المرضعة و لا بين الطفل و الفحلين كما ذكرناه في المسألة المتقدمة.

و لكن المسألة موضع تأمل ما دام اللبن مستمرا منذ ولادتها الأولى، و خصوصا إذا كانت مدة رضاع طفلها من زوجها الأول لم تنته بعد، لاحتمال أن يكون اللبن للفحلين معا، و لا مانع من ذلك، و على هذا فيكون رضاعها للطفل الأجنبي محرما بالإضافة إلى المرأة المرضعة و بالإضافة إلى زوجها الأول و لا يكون محرما بالإضافة

إلى الزوج الثاني، و الحكم في المسألة مشكل فلا بد من الاحتياط.

و قد يتحقق نظير الفرض الآنف ذكره في المرأة إذا توفي عنها زوجها و هي حامل منه، و إذا حملت من وطء الشبهة، فإذا وضعت حملها من الزوج المتوفى أو من واطئ الشبهة كان لبنها يتبع ذلك النكاح فإذا استمر لبنها حتى تزوجت بعد العدة و حملت من الزوج الثاني ثم وضعت جرى فيها الكلام المتقدم، و الحكم في الجميع سواء و الاحتياط لازم في الجميع.

المسألة 148:

الشرط الثامن أن يرتضع الطفل من اللبن الذي توفرت فيه الشروط

كلمة التقوى، ج 7، ص: 60

المتقدمة مقدارا ينبت به لحم الرضيع و يشد عظمه، أو يستمر رضاعه بحسب الزمان يوما و ليلة، أو يبلغ بحسب العدد خمس عشرة رضعة كاملة فلا ينشر الحرمة رضاع لا يبلغ أحد هذه التقديرات الثلاثة، و سنتعرض لتفصيلها في ما يأتي ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 149:

التقدير الأول هو تقدير الرضاع بحسب ما يؤثره في نمو الطفل، و الميزان فيه أن يحصل العلم بأن الرضاع قد أنبت اللحم في الطفل و شد عظمه أو يثبت ذلك بقول أهل الخبرة الموثوقين بأنه قد أوجب حصول الأثر المذكور، و لا يشترط في هذا التقدير أن تكون كل واحدة من الرضعات كاملة يرتوي الطفل منها حتى يصدر بنفسه أو ينام، و لا يشترط فيه ان تكون الرضعات متوالية بأن لا يفصل ما بينها رضاع من امرأة أخرى.

المسألة 150:

إذا رضع الطفل من لبن المرأة حتى علم بأن رضاعه منها قد أنبت له اللحم في بدنه و شد العظم، أو شهد الثقات من أهل الخبرة بذلك، أوجب الرضاع التحريم و ترتبت عليه الآثار، و ان كان بعض رضعاته من المرأة أو جميعها ناقصا لم يرتو فيه الطفل، الا أن مجموع الرضاع كان كاملا و مؤثرا في نموه، و لا يضر كذلك بثبوت أحكام الرضاع له أن تكون الرضعات غير متوالية بل كانت مفصولة برضاع الطفل من امرأة أخرى أو بتناول بعض المأكول و المشروب، إذا حصل العلم أو شهد أهل الخبرة بأن الرضاع قد أوجب الأثر المذكور.

و إذا كان لهذا الخليط الذي يفصل بين الرضعات دخل في حصول الأثر و النمو في نظر أهل الخبرة، بحيث كان نبات اللحم و اشتداد العظم في الطفل أثرا للجميع، لم ينشر الرضاع الحرمة، فإن معنى ذلك ان الرضاع بمفرده لم يكن هو الموجب لحصول الأثر في رأي أهل الخبرة، و كذلك إذا كان وجود الخليط موجبا للشك في ذلك عندهم.

المسألة 151:

الظاهر الاكتفاء بحصول أحد الأثرين المذكورين من النمو بسبب

كلمة التقوى، ج 7، ص: 61

الرضاع، فإذا رضع الطفل من المرأة حتى نبت لحمه بالرضاع حكم بالتحريم و ان لم يعلم بأنه قد شد العظم أيضا، أو علم بأنه لم يشد العظم، كما إذا كان الطفل مبتلى ببعض العوارض التي تمنع من ذلك، و كذا إذا رضع حتى اشتد عظمه و لم يعلم أن الرضاع أنبت لحمه أم لا و ان كان هذا الفرض نادرا.

المسألة 152:

التقدير الثاني للرضاع الموجب لتحريم النكاح هو تقديره بحسب الزمان، بأن يبلغ الوقت الذي يرتضع الطفل فيه من لبن المرأة مدة يوم و ليلة، و المراد أن يرتضع الطفل من هذه المرأة كل ما احتاج الى الرضاع في الفترة المذكورة فلا يعتبر استيعاب جميع الوقت بالرضاع.

و يشترط في هذا التقدير ان تتوالى رضعات الطفل من المرأة المعينة في المدة المذكورة، فلا يفصل ما بينها رضاع من امرأة أخرى و ان كان قليلا، و لا يضر بتوالي الرضعات أن يفصل ما بينها بتناول بعض المأكول و المشروب غير الرضاع.

و لا يشترط في هذا التقدير أن تكون كل واحدة من الرضعات في هذه المدة كاملة يرتوي فيها الطفل من الرضاع حتى يصدر بنفسه، بل يكفي أن يكون مجموع ما يرضعه من المرأة في المدة المذكورة كافيا له و وافيا بحاجته الى الغذاء في جميع الوقت بحيث لا يكون محتاجا إليه في أثناء المدة.

المسألة 153:

إذا أكمل الطفل رضاع يوم و ليلة من لبن امرأة على الوجه الآنف ذكره كان رضاعه سببا للتحريم و ان كان بعض رضعاته غير كاملة كما بيناه.

المسألة 154:

يكفي التلفيق في اليوم أو الليلة، فإذا بدأت المرأة في إرضاع الطفل أثناء النهار أتمت من اليوم الثاني ما نقص من ساعات اليوم الأول، و إذا ابتدأت في إرضاعه في أثناء الليل أتمت من الليلة الثانية ما نقص من ساعات الليلة الأولى، و صدق بذلك انها أرضعت الطفل يوما و ليلة.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 62

المسألة 155:

التقدير الثالث للرضاع الموجب للتحريم هو تقديره بحسب العدد:

بأن يبلغ عدد رضعات الطفل من لبن المرأة خمس عشرة رضعة، و يشترط في هذا التقدير:

أولا: أن تكون كل واحدة من رضعات الطفل كاملة، و المراد بكمال الرضعة أن يرتوي الطفل فيها ارتواء تاما من اللبن، و علامة ارتوائه أن يكف بنفسه عن الرضاع، أو ينام بعد الرضعة اكتفاء، و هذا هو كمال الرضعة في نظر أهل العرف.

و ثانيا: أن تكون الرضعات التي يتناولها من ثدي المرأة متوالية، لا يفصل ما بينها رضاع من امرأة أخرى.

المسألة 156:

إذا ارتضع الطفل من لبن المرأة خمس عشرة رضعة كاملة متوالية و كان الرضاع جامعا للشروط المتقدم ذكرها كان سببا لتحريم النكاح.

المسألة 157:

إذا كان بعض الرضعات الخمس عشرة ناقصا لا يكتفى به الطفل، كما إذا منع عن استكمال الرضعة، أو نام مقسورا قبل أن يرتوي لم يوجب ذلك الرضاع حرمة.

المسألة 158:

لا تدخل الرضعة الناقصة في العدد كما ذكرنا في ما تقدم، و لا تكون مخلة بالتوالي بين الرضعات، فإذا أتم الطفل خمس عشرة رضعة كاملة كان رضاعه موجبا للحرمة و ان تخلل في أثنائه بعض الرضعات الناقصة من تلك المرأة نفسها.

المسألة 159:

لا يخل بوحدة الرضعة و بكمالها أن يعرض الطفل في أثنائها عن الثدي قليلا لسبب من الأسباب، أو لينتقل من ثدي إلى آخر، فإذا عاد الى رضاعه حتى اكتفى كانت الرضعة واحدة و كاملة، و نتيجة لهذا، فإذا ارتضع الطفل رضعة ناقصة أمكن إعادته إلى الرضاع قبل أن يتحقق

كلمة التقوى، ج 7، ص: 63

الفاصل العرفي من الزمان ما بين الرضعات، فإذا عاد و أكمل رضاعه حتى ارتوى عدت رضعة كاملة، و دخلت في العدد.

المسألة 160:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 7، ص: 63

إذا كانت الرضعات الخمس عشرة غير متوالية- و هي أن يفصل ما بينها رضاع من امرأة ثانية- لم تنشر حرمة، و ان كان الفصل برضعة غير كاملة على الأحوط، أو كان الرضاع الفاصل بلبن ذلك الفحل من زوجة أخرى أو مملوكة مثلا.

المسألة 161:

لا يضر بالتوالي الذي اشترطناه في الرضعات أن يتناول الطفل ما بينها بعض المأكولات أو بعض المغذيات فإذا أكمل العدد من الرضعات نشر الحرمة.

المسألة 162:

يشترط في ثبوت الأخوة الرضاعية بين الطفلين إذا لم يكن أحدهما ولدا نسبيا للمرأة المرضعة أن يكون اللبن الذي يرتضعان منه لفحل واحد، فإذا ارتضع طفلان أحدهما أجنبي عن الآخر من ثدي امرأة واحدة و كان رضاع أحدهما بلبن فحل و رضاع الثاني بلبن فحل آخر لم تتحقق بين الطفلين أخوة بسبب الرضاع و ان كانت الأم المرضعة لهما واحدة، و لا يكون أحدهما عما لولد الآخر و لا عمة و لا خالا و لا خالة، فيجوز للذكر من أحد الجانبين أن يتزوج الأنثى من الجانب الآخر.

و إذا كان أحد الطفلين ولدا نسبيا للمرضعة تحققت الأخوة بين الطفلين و تحققت توابعها و ثبتت أحكامها و ان كان صاحب اللبن الذي استقى منه الرضيع ليس أبا للطفل الآخر.

المسألة 163:

المدار في ثبوت الأخوة من الرضاع بين الطفلين أن يكون اللبن الذي ارتضعا منه لفحل واحد كما ذكرنا، سواء كانت المرأة التي أرضعتهما واحدة أيضا أم متعددة، فإذا كانت للرجل زوجتان، فأرضعت إحداهما بلبن ذلك الرجل طفلا رضاعا تاما، و أرضعت الثانية بلبن الرجل أيضا

كلمة التقوى، ج 7، ص: 64

طفلا آخر رضاعا تاما، ثبتت الأخوة بين الرضيعين، فإذا كانت إحداهما أنثى حرم نكاحها على الطفل الآخر لأنها أخته، و حرم نكاحها على أولاده لأنها عمتهم، و حرم على بناتها أن يتزوجن به، لأنه خالهن، و هكذا إذا كانت للرجل عدة زوجات أو عدة إماء ذوات لبن منه و أرضعت كل واحدة منهن بلبنه طفلا أو طفلة أو أكثر نشأت الأخوة بين المرتضعين كلهم لوحدة صاحب اللبن.

المسألة 164:

إذا كمل رضاع الرضيع من المرأة على الوجه الذي ذكرناه، و توفرت فيه جميع الشروط التي فصلناها كانت المرأة المرضعة أما للرضيع، و كان الرجل صاحب اللبن أبا رضاعيا له، و كان الطفل الرضيع ابنا لهما، فيحرم عليه أن يتزوج المرضعة إذا كان ذكرا، و يحرم على صاحب اللبن أن يتزوجها إذا كانت أنثى.

و كان آباء المرضعة و صاحب اللبن للرضيع أجدادا و جدات، و كان أبناؤهما له إخوانا و أخوات، سواء كان أبناء المرضعة من الرجل صاحب اللبن أم من غيره، و سواء كان أبناء صاحب اللبن من المرضعة أم من غيرها، و من غير فرق في أبنائهما بين من قارنت ولادته رضاع الرضيع في الوقت و من تقدمت ولادته عليه أو تأخرت عنه.

و كان أحفاد المرضعة و أحفاد صاحب اللبن أبناء أخ للرضيع و أبناء أخت.

و كان أخوة صاحب اللبن له أعماما و عمات، و كان

اخوة المرضعة أخوالا له و خالات، و كان أخوة أجداده أعماما و عمات كذلك في الدرجة الثانية سواء كان الأجداد من قبل صاحب اللبن أم من قبل المرضعة، و كان اخوة الجدات أخوالا له و خالات كذلك في الدرجة الثانية، سواء كانت الجدات من قبل أبيه الرضاعي أم من قبيل أمه الرضاعية كما هو الحال في النسب على السواء.

و كان أبناء الرضيع أحفادا للمرضعة و لصاحب اللبن و لآبائهما الرجال و النساء، و سواء كان الأجداد من قبل الأب أم من قبل الأم.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 65

و كان أبناء الرضيع أبناء أخ أو أبناء أخت لأولاد المرضعة و لأولاد صاحب اللبن و لاخوانهما و أعمامهما و أخوالهما في الدرجة الأولى أو الثانية، فيجوز في الجميع أن ينظر بعضهم الى بعض مع اختلاف الجنس و يحرم النكاح كما هو الحكم في محارم النسب على السواء.

المسألة 165:

يحرم على الرضيع إذا تم رضاعه على الوجه الآنف ذكره نكاح جميع أولاد صاحب اللبن من الرضاع و ان اختلفت المرضعات بينه و بينهم، و يحرم عليه من أولاد صاحبة اللبن الرضاعيين من يتحد معه في الفحل و لا يحرم عليه أولادها الآخرون من الرضاعة الذين يختلفون معه في الفحل كما ذكرناه في المسألة المائة و الثانية و الستين و ما بعدها.

و يحرم على الرضيع آباء الفحل من الرضاعة و ان علوا سواء كانوا رجالا أم نساء، و يحرم عليه آباء المرضعة من الرضاعة كذلك، و يحرم عليه اخوانهما و أخواتهما من الرضاعة، و أعمامهما و عماتهما، و أخوالهما و خالاتهما من الرضاعة كذلك.

و إذا كانت الأخوة الرضاعية في الأخوة و في الأعمام و الأخوال ناشئة من قبل الأم المرضعة

فلا تنشر الحرمة إلا مع اتحاد الفحل بين الرضيعين على ما ذكرناه في المسألة التي أشرنا إليها. فلا يكون أخو الأب الرضاعي و لا أخو الجد عما، و لا يكون أخو المرأة المرضعة و لا أخو الجدة خالا إذا اختلف الفحل بينهما و هما أجنبيان عن مرضعتهما.

المسألة 166:

يحرم على الرجل أن ينكح حليلة ابنه من الرضاع كما يحرم عليه أن ينكح حليلة ابنه في النسب، و يحرم عليه أن يطأ المملوكة التي وطأها ولده الرضاعي بالملك أو بالتحليل كما هو الحكم في النسب أيضا.

و يحرم على الولد أن ينكح زوجة أبيه من الرضاع و الأمة التي وطأها أبوه الرضاعي بالملك أو بالتحليل، كما يحرم عليه أن ينكح ما نكح أبوه في النسب من النساء.

و يحرم على الرجل أن ينكح أم زوجته من الرضاع كما يحرم عليه

كلمة التقوى، ج 7، ص: 66

أن ينكح أم زوجته في النسب، و يحرم عليه أن يتزوج مرضعة الأمة التي وطأها بالملك أو بالتحليل.

و يحرم على الرجل أن يتزوج ربيبته من الرضاع، و هي البنت التي أرضعتها زوجته بلبن غيره رضاعا محرما إذا كان قد دخل بالزوجة كما يحرم عليه أن يتزوج بنت زوجته في النسب مع الدخول بالزوجة، و كذلك البنت الرضاعية للأمة التي وطأها بالملك أو بالتحليل. و يحرم على الرجل أن يجمع بين الأختين من الرضاعة في التزويج أو في الوطء بالملك أو بالتحليل، كما يحرم عليه أن يجمع بين الأختين في النسب.

و لا يجوز أن يدخل المرأة على عمتها أو خالتها الرضاعيتين في التزويج إلا بإذن العمة و الخالة كما هو الحكم في العمة و الخالة النسبتين.

و إذا لاط أحد غلاما فأوقبه، حرم على الواطئ أن

يتزوج أم الموطوء من الرضاع و كذلك أخته و بنته من الرضاع كما يحرم عليه أن يتزوج أم الموطوء و أخته و بنته في النسب.

المسألة 167:

لا يحل لأبي المرتضع أن يتزوج من أولاد صاحب اللبن الذي ارتضع منه ولده أو بنته، من غير فرق بين أولاد صاحب اللبن في النسب و أولاده من الرضاع، و سواء كن من أولاد المرضعة التي أرضعت ولده أم من أولاد امرأة أخرى دائمة أو متمتع بها أو مملوكة، و سواء أراد التزويج بهن دواما أم متعة فلا يحل له جميع ذلك، و إذا كانت بنات صاحب اللبن اماءا فلا يحل له وطؤهن بملك و لا بتحليل، و يحرم عليه نكاح أحفاد صاحب اللبن من بناته و بنات أبنائه، و يشمل التحريم من كانت زوجته أو أمته قبل الرضاع، فإذا تم رضاع الولد، حرمت زوجة أبيه و أمته عليه إذا كانت من ذرية صاحب اللبن من غير فرق بين أم المرتضع و غيرها.

و بحكم أبي المرتضع في جميع ما فصلناه أجداد المرتضع لأبيه أو لأمه، و أبوه وجده من الرضاعة، فلا يحل لأحد منهم أن ينكح في أولاد صاحب اللبن و لا في أحفاده على المنهج المتقدم بيانه.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 67

و لا يحل لأبي المرتضع و لا لجده كذلك من النسب أو من الرضاعة أن ينكح في أولاد مرضعة الطفل إذا كانوا من النسب و اما أولادها من الرضاعة، فتحرم عليهم منهن من أرضعتها بلبن الفحل الذي شرب منه ولدهم المرتضع، و لا تحرم عليهم الأخريات اللاتي يختلفن معه في الفحل.

و نتيجة لما تقدم فإذا ارتضع الطفل من لبن جده لأمه رضاعا كملت فيه شروط التحريم حرمت أم

الطفل المرتضع على أبيه، سواء كانت المرضعة له جدته أم زوجة أخرى لجدة أم مملوكة موطوءة لجده بالملك أو بالتحليل، أو موطوءة له بالشبهة.

و تحرم أم الطفل المرتضع على أبيه كذلك إذا أرضعت الطفل جدته لأمه بلبن فحل آخر غير جده، كما إذا تزوجت بعده رجلا غيره أو وطئت بالملك أو بالتحليل أو بالشبهة.

المسألة 168:

الأحوط لزوما إلحاق أم المرتضع بابي المرتضع في الأحكام المذكورة، فلا تتزوج أم المرتضع و لا جدته في النسب و لا في الرضاع من أولاد صاحب اللبن و لا من أحفاده نسبا و لا رضاعا، و لا من أولاد المرضعة أو أحفادها نسبا لا رضاعا، على نهج ما تقدم بيانه في أبي المرتضع على الأحوط في جميع ذلك.

المسألة 169:

لا يحرم على اخوة المرتضع ان يتزوجوا من أولاد صاحب اللبن الذي ارتضع منه أخوهم سواء كانوا أخوته لأبيه و أمه أم لأحدهما، الذكور منهم و الإناث، و لا يحرم عليهم كذلك أن يتزوجوا من أولاد المرضعة التي أرضعت أخاهم، بل يجوز لبعض أخوته الذكور أن يتزوج مرضعة أخيه إذا فارقها زوجها، و يجوز لصاحب اللبن أن يتزوج بعض أخوات المرتضع.

المسألة 170:

إذا تم الرضاع على الوجه الذي تقدم بيانه و توفرت فيه الشروط المعتبرة في تحريم النكاح منع من وقوع النكاح بعده إذا كان الرضاع

كلمة التقوى، ج 7، ص: 68

سابقا عليه، و أبطل النكاح إذا كان لاحقا له من غير فرق بين أن يكون سبب النكاح عقدا أو ملكا أو تحليلا، فإذا كانت للرجل زوجة في الحولين من عمرها، فأرضعتها أمه أو جدته أو أخته أو بنته، أو أرضعت بلبن أخيه أو أبيه مثلا حرمت تلك المرتضعة عليه و بطل عقدها السابق و لم يفتقر في فراقها الى طلاق أو فسخ.

المسألة 171:

إذا أرضعت زوجة الرجل الكبيرة زوجة له صغيرة في الحولين من عمرها رضاعا تاما انفسخ نكاح الزوجتين معا، و حرم عليه نكاح الكبيرة منهما، و إذا كان رضاع الزوجة الصغيرة بلبنه حرم عليه نكاحها لأنها بنته و إذا كان رضاعها بلبن غيره و كانت الزوجة الكبيرة مدخولا بها حرمت عليه الصغيرة أيضا لأنها ربيبته من زوجته المدخول بها، و إذا كان رضاع الصغيرة بلبن غيره و كانت زوجته الكبيرة غير مدخول بها لم يحرم عليه نكاح الصغيرة، فيجوز له أن يجدد العقد عليها إذا شاء.

و كذلك الحكم إذا أرضعت أمته الكبيرة زوجته الصغيرة، فيحرم عليه نكاح الأمة لأنها أم زوجته، و تحرم عليه زوجته الصغيرة إذا كان الرضاع بلبنه، و تحرم عليه أيضا إذا كان الرضاع بلبن غيره و كانت الأمة المرضعة مدخولا بها، و إذا كان رضاع الصغيرة بلبن غيره و كانت الأمة المرضعة غير مدخول بها لم يحرم عليه نكاح الصغيرة.

المسألة 172:

إذا أرضعت زوجة الرجل الكبيرة أمة له صغيرة في الحولين من عمرها، لم تحرم الزوجة المرضعة على الرجل، و حرم عليه نكاح الأمة الصغيرة إذا كان رضاعها بلبنة أو كان رضاعها بلبن غيره و كانت الزوجة المرضعة لها مدخولا بها، و لا تحرم الأمة المرتضعة عليه إذا كان الرضاع بلبن غيره و كانت الزوجة المرضعة غير مدخول بها، فإذا هو استمر على نكاح المرضعة و دخل بها حرمت المرتضعة الصغيرة عليه.

المسألة 173:

إذا أرضعت أمة الرجل الكبيرة الموطوءة له بالملك أمته الصغيرة، حرم عليه نكاح الأمة الصغيرة و لم يحرم عليه نكاح الكبيرة، و إذا كانت

كلمة التقوى، ج 7، ص: 69

الأمة الكبيرة غير موطوءة له في حال الرضاع لم تحرم عليه كلتاهما، فإذا دخل بإحداهما حرمت عليه الثانية منهما.

المسألة 174:

إذا كانت للرجل زوجتان كبيرتان و زوجة صغيرة في الحولين من عمرها فأرضعتها إحدى زوجتيه الكبيرتين رضاعا تام الشرائط انفسخ نكاح كل من الزوجة المرضعة و الزوجة الصغيرة، و حرم عليه نكاح الزوجة الكبيرة المرضعة لأنها أصبحت أم زوجته، فإذا أرضعتها الزوجة الكبيرة الثانية بعد ذلك لم تحرم عليه الكبيرة الثانية و لم ينفسخ نكاحها.

و إذا كان رضاع الزوجة الصغيرة بلبن الزوج نفسه، و لو من احدى المرضعتين حرم عليه نكاحها لأنها تكون بنته، و كذلك إذا كان رضاعها من كلتا الزوجتين بلبن غير الزوج، و كان قد دخل بالزوجتين أو بإحداهما فيحرم عليه نكاحها فإنها ربيبته من زوجة مدخول بها.

و لا تحرم عليه الصغيرة إذا كان رضاعها من الزوجتين بلبن غير الزوج مع عدم الدخول بهما معا، فيجوز له أن يجدد العقد على الصغيرة إذا شاء، و متى جدد العقد عليها حرمت عليه المرضعة الثانية بعد العقد فإنها تصبح أم زوجته، و كذلك إذا كانت له أمتان كبيرتان و زوجة صغيرة فأرضعت الأمتان زوجته فتجري الفروض المتقدمة و تترتب أحكامها.

المسألة 175:

إذا كانت للرجل زوجتان كبيرتان و أمة صغيرة، فأرضعت الزوجتان الأمة، لم تحرم على الرجل زوجتاه، و حرم عليه نكاح الأمة إذا كان رضاعها بلبنة، أو كان الرضاع بلبن غيره مع الدخول بإحدى الزوجتين المرضعتين، و لا تحرم عليه الأمة إذا كان الرضاع بلبن غيره و لم يدخل بكلتا الزوجتين.

و إذا هو استبقى نكاح الزوجتين حتى وطأهما أو وطأ إحداهما حرمت عليه الأمة و كذلك إذا أبقى نكاح واحدة منهما حتى وطأها فتحرم عليه الأمة، و إذا هو لم يدخل بالزوجتين و استبقى ملك الأمة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 70

حتى كبرت فوطأها بالملك

حرمت عليه الزوجتان معا.

إيضاح المدار في التحريم بسبب الرضاع أن يتحقق به أحد العناوين الخاصة التي حكم الشارع فيها بالتحريم إذا كانت من النسب، كعنوان الأم و البنت و الأخت و سائر محرمات النسب، و كعنوان أم الزوجة و حليلة الابن و منكوحة الأب و باقي محرمات المصاهرة، فتحرم الأم و البنت و الأخت كذلك إذا كانت من الرضاع، و تحرم الأم الرضاعية للزوجة، و حليلة الابن الرضاعي و منكوحة الأب الرضاعي، كما حرم ذلك في النسب.

و إذا لم يتحقق أحد هذه العناوين الخاصة المحكومة بالتحريم في النسب لم تثبت الحرمة بالرضاع و ان استلزم ذلك استلزاما، و سنذكر له بعض الأمثلة في ما يأتي، فالقول بعموم المنزلة ضعيف.

المسألة 176:

يجوز للمرأة أن ترضع أخاها، و لا تحرم برضاعه على زوجها، و ان أصبحت أختا لولده من الرضاعة، فان أخت الولد لا تحرم في الشريعة على الرجل إلا إذا كان بنتا، أو ربيبة قد دخل بأمها.

و يجوز للمرأة أن ترضع ابن أخيها، و لا تحرم بذلك على زوجها، و ان أصبحت بعد الرضاع عمة ولده من الرضاعة فإن عمة الولد انما تكون محرمة على الرجل إذا كانت أختا له من النسب أو الرضاع.

و يجوز للمرأة أن ترضع ابن أختها، و لا تحرم بالرضاع على زوجها و ان كانت خالة ولده فإن خاله الولد لا تكون محرمة إلا إذا جمع بينها و بين أختها و هي زوجته.

و يجوز للمرأة أن ترضع ابن ابنها، و لا يضر بزوجيتها لصاحب اللبن انها تكون جدة لولده من الرضاعة، فان جدة الولد انما تحرم على الرجل لأنها أم للأب أو أم للزوجة.

و يجوز للمرأة أن ترضع أخا زوجها أو أخته، و

لا يحرمها على الزوج أنها أصبحت بالرضاع أما لأخيه أو أخته فإن أم الأخ و الأخت المحرمة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 71

في الإسلام، انما هي الأم أو زوجة الأب. و يجوز للمرأة أن ترضع ابن ابن زوجها و لا يحرمها على الزوج أنها أصبحت أما لولد ولده فإن أم الحفيد المحرمة في الإسلام انما هي البنت أو حليلة الابن.

و يجوز لها أن ترضع عم زوجها و خاله و لا يضر بالنكاح انها تكون بعد الرضاع أما لعم زوجها أو خالة، فإن أم العم و أم الخال المحرمتين في الإسلام انما هما الجدة من قبل الأب أو من قبل الأم أو زوجة أحد الجدين. الى كثير من هذه النظائر و الفروض التي قال فيها بعضهم بالتحريم لعموم المنزلة، و الأصح ان الرضاع لا يكون سببا لتحريم النكاح في جميع ذلك.

المسألة 177:

إذا علم بتحقق الرضاع، و علم بتوفر جميع الشروط المعتبرة فيه ثبت التحريم المؤبد في النكاح بين الرجل و المرأة و أصبحت المرأة من محارم الرجل و ترتبت جميع أحكام ذلك و آثاره، و تترتب جميع أحكامه و آثاره كذلك إذا شهد بثبوته و تحقق شروطه شاهدان عادلان من الرجال أو أربع شاهدات عادلات من النساء، و لا تكفي شهادة الأربع إذا كانت المرضعة إحداهن.

السبب الثالث من أسباب التحريم المؤبد في النكاح: المصاهرة و توابعها
المسألة 178:

المصاهرة علاقة تحدث بسبب الزوجية بين أحد الزوجين و أقرباء الزوج الآخر، و هي قد توجب التحريم عينا، و قد توجب التحريم جمعا، و قد لا توجب شيئا، لعدم قابلية المورد للتحريم كما في العلاقة بين الزوج و أبي الزوجة و أخيها.

و اما العلاقة التي تحدث بسبب وطء الأمة بالملك أو بالتحليل، و بسبب الوطء للشبهة، و الزنا و اللواط بين الواطئ و أقرباء الموطوء و بالعكس، فهي ليست من المصاهرة، و ان شاركتها في بعض الأحكام كما سيأتي بيانه ان شاء اللّه تعالى.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 72

المسألة 179:

إذا عقد للرجل عقد النكاح على امرأة حرمت المعقودة على ولده تحريما مؤبدا سواء دخل بها الأب أم لم يدخل، و سواء كان عقد النكاح عليها دائما أم مؤقتا، و سواء كان الولد للنسب أم للرضاع، و سواء كان ولده بلا واسطة أم بواسطة واحدة أم أكثر، و سواء كانت الوسائط ذكورا أم إناثا، و تحرم كذلك معقودة الابن على أبيه تحريما مؤبدا في جميع ما ذكرناه من الفروض.

المسألة 180:

إذا ملك الرجل أمة و وطأها بالملك أو لمسها بشهوة أو نظر إليها كذلك حرمت على ولده تحريما مؤبدا فلا يحل له وطؤها بالملك و لا بالتحليل و لا بالتزويج و لا يحل له غير ذلك من التقبيل و اللمس و النظر بشهوة، و كذلك الحكم في الأمة التي حللها مالكها للرجل فوطأها أو لمسها بشهوة أو نظر إليها كذلك فإنها تحرم على ولده تحريما مؤبدا في كل ما تقدم.

و لا تحرم على الولد مملوكة أبيه و لا الأمة المحللة له إذا لم يدخل بهما الأب و لم يلمسهما أو ينظر إليهما بشهوة.

و تحرم على الأب مملوكة ابنه و الأمة المحللة له إذا دخل بهما الولد أو نظر إليهما أو لمسهما بشهوة كما تقدم، و لا تحرمان على الأب إذا لم يوجد الشرط المذكور.

و تجري الأحكام المذكورة في كل من الابن و الأب النسبيين و الرضاعيين، و سواء كانا بلا واسطة أم مع الواسطة ذكورا و إناثا.

المسألة 181:

إذا عقد للرجل على امرأة صغيرة أو كبيرة حرم عليه الزواج بأم زوجته سواء كانت أمها بلا واسطة أم بواسطة واحدة أم أكثر و سواء كانت الوسائط متفقة في الذكورة و الأنوثة أم مختلفة و سواء كانت أمها نسبا أم رضاعا، و سواء كان زواجه بالمرأة دائما أم موقتا، و سواء دخل بالزوجة أم لم يدخل بها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 73

و تحرم على الزوج بنت زوجته في جميع الفروض التي ذكرناها، إذا كان الرجل قد دخل بالزوجة، و لو دبرا، و لا تحرم عليه بنت زوجته إذا لم يدخل بأمها، فإذا فارق الزوجة بموت أو بطلاق أو بفسخ و لم يكن دخل بها جاز له أن يتزوج

بنتها.

و لا فرق في بنت الزوجة في أحكامها المذكورة بين البنت الموجودة في حال الزواج بأمها و المولودة بعد ذلك، فإذا طلق المرأة أو فسخها و تزوجت بغيره و ولدت منه جرت في بنتها الأحكام المتقدمة.

و إذا وطأ الرجل أمة بالملك أو بالتحليل حرمت عليه أمها و بنتها كذلك نسبا و رضاعا مع الواسطة و بدونها.

المسألة 182:

يكفي في تحريم بنت الزوجة على الرجل أن يدخل بأمها قبلا أو دبرا، و لو بالحشفة، و ان كان مكرها على ذلك منها أو من غيرها، و لا يكفي في تحريم البنت عليه أن يداعب الزوجة الأم أو يتفخذها أو ينزل على فرجها من غير دخول، و ان حملت منه بسبب ذلك.

المسألة 183:

إذا وطأ الرجل امرأة بالشبهة، فالأحوط لزوما ان لا يتزوج الواطئ بعد الوطء أم المرأة الموطوءة و لا احدى جداتها و ان علت، و ان لا يتزوج بنتها و لا بنت ولدها أو بنت بنتها و ان تعددت الواسطة بينهما، و الأحوط لزوما كذلك حرمة نكاح المرأة الموطوءة بالشبهة على أبي الواطئ وجده و ان علا، و على ولده و ان نزل، و هذا كله إذا كان الوطء بالشبهة سابقا على التزويج بالنساء المذكورات أو الرجال المذكورين.

و لا تثبت الحرمة في الجميع إذا كان التزويج و الدخول سابقا، ثم حدث الوطء بالشبهة للمرأة بعد ذلك، فلا تحرم الزوجة المدخول بها إذا وطأ الرجل بنتها شبهة بعد ذلك أو وطأ أمها شبهة كذلك، و لا تحرم الزوجة المدخول بها على زوجها إذا وطأها أبوه أو ولده شبهة بعد ذلك.

و إذا حدث وطء الشبهة بعد العقد في الفروض المذكورة و قبل الدخول

كلمة التقوى، ج 7، ص: 74

بالمرأة المعقودة فلا يترك الاحتياط بالاجتناب في جميع الفروض في هذه الحالة.

المسألة 184:

تجري الأحكام المذكورة كلها في وطء الشبهة إذا تحقق حدوثه سواء كان قبلا أم دبرا فتجري الفروض و التفصيلات المتقدمة و تنطبق أحكامها.

المسألة 185:

يجري في الزنا جميع ما ذكرناه في وطء الشبهة، فإذا زنى الرجل بامرأة حرم الزواج بالمرأة المزني بها على الأحوط لزوما على أبي الرجل الزاني و على جده و ان علا، و على ولده و ان نزل إذا كان زنى الرجل بالمرأة سابقا على زواج المذكورين بها، و حرم على الزاني على الأحوط كذلك أن يتزوج بأم المرأة التي زنى بها و بابنتها إذا كان الزنا سابقا على العقد كما تقدم أيضا، و لا يحرم النكاح في الجميع إذا حدث الزنا بعد العقد و الدخول فلا تحرم على الرجل زوجته المدخول بها إذا زنى بها أبوه أو ولده بعد العقد و الدخول، و لا تحرم عليه الزوجة المدخول بها إذا زنى هو بعد ذلك بأمها أو ببنتها، و إذا كان الزنا في الفروض المذكورة طارئا بعد العقد و قبل الدخول بالمعقودة فلا يترك الاحتياط بالاجتناب كما هو الحكم في وطء الشبهة من غير فرق بين أن يكون الزنا بالمرأة قبلا أو دبرا.

المسألة 186:

الأقوى أن لمس الرجل للمرأة الأجنبية بشهوة لا يوجب تحريما، و كذلك نظره إليها بشهوة، فلا تحرم المرأة المنظورة أو الملموسة بشهوة على أبي الناظر و اللامس أن يتزوجها و لا على ابنه، و لا يحرم على الناظر أو اللامس بشهوة أن يتزوج أم المنظور إليها أو الملموسة و لا بنتها، سواء كان النظر و اللمس سابقا على العقد أم لا حقا له و ان كان اللمس و النظر إلى أعضاء خفية.

و يستثنى من ذلك ما قدمنا ذكره في المسألة المائة و الثمانين في الأمة المملوكة للأب و الأمة المملوكة للولد فتحرم الأمة المملوكة للأب على

كلمة التقوى، ج 7، ص: 75

الولد أن

يتزوجها أو يطأها بالملك أو بالتحليل إذا كان الأب قد نظر إليها أو لمسها بشهوة و ان لم يطأها و تحرم الأمة المملوكة للولد على أبيه ان يتزوجها أو يطأها بالملك أو بالتحليل إذا كان الولد قد نظر إليها أو لمسها بشهوة و ان لم يطأها، و كذلك الأمة المحللة لأحدهما إذا نظرها أو لمسها بشهوة و ان لم يطأها تكون محرمة على الآخر منهما حتى اللمس للوجه و الكفين إذا كان بمثل الشم و التقبيل من أنواع الاستمتاع فتحرم المملوكة و المحللة به على الآخر.

و لا تثبت الحرمة إذا كان النظر و اللمس إليها بغير شهوة و ان كان لغير الوجه و الكفين، كما إذا نظرها أو لمسها للعلاج من بعض الأمراض، فلا تحرم به على الآخر، و إذا نظر الأب أو الولد إلى الأمة لا بقصد التلذذ أو الشهوة فحصل ذلك من غير قصد فالأحوط الاجتناب.

المسألة 187:

لا يجوز للرجل أن يتزوج ابنة الأخ و هو متزوج بعمتها، أو يتزوج ابنة الأخت و هو متزوج بخالتها إلا بإذن العمة أو الخالة الموجودة عنده من غير فرق بين أن تكون العمة أو الخالة زوجة له بالعقد الدائم أو العقد المنقطع، و أن يتزوج ابنة الأخ أو ابنة الأخت عليها بالعقد الدائم أو المنقطع، و سواء كان قد دخل بالعمة و الخالة أم لم يدخل بها، و سواء كانت الداخلة و المدخول عليها كبيرتين أم صغيرتين أم مختلفتين، و سواء علمت العمة أو الخالة بذلك في حال العقد أم لم تعلم، بل و ان لم تطلعا على تزويج ابنة الأخ أو ابنة الأخت أبدا، أو كانتا في بلد آخر.

فلا يصح العقد على ابنة الأخ إلا مع

اذن العمة و لا يصح عقد ابنة الأخت إلا مع اذن الخالة في جميع الحالات المذكورة، و إذا تزوج البنت من غير اذن منهما كانت صحة عقد البنت موقوفة على إجازتهما فإذا أجازت العمة عقد ابنة أخيها صح و الا بطل، و كذلك الخالة مع ابنة أختها.

المسألة 188:

إذا تزوج الرجل العمة و هي صغيرة فعقدها له وليها، ثم أراد أن

كلمة التقوى، ج 7، ص: 76

يتزوج ابنة أخيها، أشكل الأمر في عقدها، فان العمة غير قابلة للاذن لصغرها، و لا يكفي إذن ولي العمة في عقد ابنة الأخ، و لذلك فالأحوط ترك العقد على ابنة الأخ في هذه الصورة حتى تكبر العمة و ترشد، و كذلك الحال إذا تزوج الخالة و هي صغيرة و أراد أن يتزوج ابنة أختها، فالأحوط ترك العقد عليها للسبب المذكور حتى تكبر الخالة و ترشد.

المسألة 189:

يجوز للشخص أن يتزوج العمة و هو متزوج قبلها بابنة أخيها، و لا يشترط في صحة العقد ان تأذن العمة بزواجها على ابنة أخيها، أو تجيز العقد بعد وقوعه، سواء كانت عالمة بذلك أم جاهلة، و لا يثبت لها خيار في عقدها و لا في عقد ابنة أخيها، و يجوز له أن يتزوج الخالة و هو متزوج قبلها بابنة أختها، و لا يعتبر إذن الخالة في صحة العقد و ان كانت جاهلة بأنها تدخل على ابنة أختها، و لا خيار لها في العقدين.

المسألة 190:

يجري الحكم الآنف ذكره في العمة القريبة و هي أخت الأب، و في عمة الأب و هي أخت الجد، و عمة الأم و هي أخت الجد للأم و في سائر طبقات العمات التي ذكرناها في مبحث النسب في المسألة المائة و التاسعة و العشرين و يجري الحكم في الخالة القريبة و هي أخت الأم، و في خالة الأب و خالة الأم و في جميع طبقات الخالات الدانية منها و العالية، و يجري الحكم في العمة و الخالة للنسب و للرضاع.

المسألة 191:

لا يكفي الرضا القلبي بالعقد من العمة أو الخالة على الأحوط حتى تظهر ذلك بالإذن في العقد قولا أو فعلا.

المسألة 192:

إذا أذنت العمة أو الخالة فعقد على البنت ثم رجعت العمة أو الخالة عن اذنها لم يبطل الاذن و صح العقد و نفذ، و إذا أذنت بالعقد ثم رجعت عن أذنها قبل ان يحصل العقد بطل الاذن، فإذا عقدت البنت كانت صحة العقد موقوفة على إجازة العمة أو الخالة فإن أجازت صح و الا بطل.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 77

المسألة 193:

اعتبار إذن العمة أو الخالة في صحة عقد ابنة أخيها أو ابنة أختها انما هو حكم شرعي و ليس حقا من حقوق العمة أو الخالة، و لذلك فلا يسقط بإسقاطهما، حتى إذا اشترط الاسقاط عليهما في ضمن عقدهما أو في عقد لازم آخر.

المسألة 194:

إذا اشترط الرجل على العمة في عقد النكاح بينهما أن تأذن له بالزواج من ابنة أخيها، وجب عليها ان تفي له بالشرط و كذلك الخالة، فإذا هي لم تأذن به كانت عاصية آثمة، و لم يصح عقد البنت، و إذا أجبرها هو أو أجبرها الحاكم الشرعي على الاذن عملا بالشرط فأذنت لم يكف ذلك في صحة العقد، لأن الاذن مع الجبر لا يكون كاشفا عن الرضا.

المسألة 195:

إذا تزوج الرجل العمة و ابنة أخيها، أو تزوج الخالة و ابنة أختها، و شك بعد ذلك في ان السابق أي العقدين، فالظاهر صحة العقدين، إلا إذا علم بأنه كان في غفلة عن ذلك في حال العقد فيكون الحكم بالصحة مشكلا و لا بد فيه من مراعاة الاحتياط.

و كذلك الحكم إذا تزوج ابنة الأخ و كانت عنده عمتها، أو تزوج ابنة الأخت و كان متزوجا قبلها بخالتها، و شك بعد ذلك في أن تزوجه كان بإذن العمة أو الخالة فيصح أم كان بغير اذن فلا يصح، فالظاهر الصحة، إلا إذا علم بغفلته عن ذلك في حال العقد فيشكل الحكم بالصحة و لا بد من الاحتياط.

المسألة 196:

إذا كانت للرجل زوجة كبيرة و لها أخت مرضعة، ثم عقد له زوجة صغيرة في الحولين من عمرها فأرضعت أخت زوجته الكبيرة تلك الطفلة رضاعا تاما، لم يضر ذلك بنكاح زوجته الصغيرة و لم تتوقف صحته على اجازة زوجته الكبيرة لعقدها من حيث أن الصغيرة أصبحت بنت أختها من الرضاع.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 78

و كذلك إذا أرضعت الصغيرة بلبن أخي الزوجة الكبيرة من زوجته أو مملوكته، فلا تكون صحة نكاح الصغيرة متوقفة على إجازة الكبيرة لأنها أصبحت بنت أخيها من الرضاع.

المسألة 197:

إذا كانت عند الرجل جارية قد وطأها بملك اليمين أو بالتحليل من مالكها، ثم أراد أن يطأ ابنة أخيها أو ابنة أختها بالملك أو بالتحليل أو بالزواج، جاز له ذلك و لم تتوقف صحة الوطء على إذن العمة أو الخالة، و كذلك إذا كانت له زوجة ثم أراد وطء بنت أختها أو بنت أخيها بالملك أو بالتحليل من مالكها.

المسألة 198:

المطلقة الرجعية بحكم الزوجة، فإذا طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا و أراد أن يتزوج ابنة أخيها أو ابنة أختها، فلا يجوز أن يتزوجهما إلا بإذن زوجته المطلقة ما دامت في العدة منه.

و إذا طلق زوجته طلاقا بائنا جاز له العقد على ابنة أخيها و ابنة أختها من حين الطلاق، و لا يتوقف على الاذن، حتى إذا كانت مباراة أو مختلعة، فإذا عقد على البنت صح العقد و جاز له الدخول، و لا يبطل العقد إذا رجعت عمتها أو خالتها بالبذل و ان انقلب الطلاق رجعيا، فإذا أراد الرجل الرجوع بالمرأة بعد رجوعها بالبذل فالأحوط له أن يستأذنها في عقد البنت، و إذا لم يكن الرجل قد عقد على البنت حتى رجعت عمتها أو خالتها بالبذل، فالأحوط ان لم يكن هو الأقوى لزوم الاستيذان منها.

المسألة 199:

لا يجوز للرجل أن يجمع في الزواج بين الأختين في النسب و لا بين الأختين من الرضاع، بل و ان كانتا أختين من الزنا، بأن كانتا بنتين لزان واحد أو لزانية واحدة أو لزان و زانية، و سواء كانت كلتاهما للزنا أو كانت إحداهما من النسب، فلا يجوز له أن يجمع بينهما في نكاح دائم و لا في نكاح منقطع و لا يتزوج إحداهما دواما و الأخرى متعة، و إذا تزوج إحداهما ثم تزوج الثانية بعدها بطل العقد اللاحق منهما

كلمة التقوى، ج 7، ص: 79

سواء دخل بالأولى أم لم يدخل.

المسألة 200:

إذا تزوج الأختين بصيغة واحدة، تخير أي الأختين أرادها فأمسك بعقدها و خلى سبيل الأخرى منهما، كما دلت عليه صحيحة جميل، و لا موجب لحمل هذه الصحيحة على ما يخالف ظاهرها، كما عليه أكثر المتأخرين على ما قيل، و إذا تزوج الأختين بعقدين مقترنين في وقت واحد، فلا يترك الاحتياط بأن يطلق واحدة منهما يعينها و يجدد العقد على الثانية، أو يطلقهما معا ثم يعقد على من يختارها، و إذا كان قد دخل بالمرأة التي طلقها منهما، لم يجز له أن يعقد على الأخرى حتى تخرج تلك من عدتها، و كذلك الحال إذا شك في سبق أحد العقدين على الآخر و اقترانهما في زمان واحد، فلا يترك الاحتياط بذلك.

المسألة 201:

إذا تزوج إحدى الأختين، ثم تزوج بالثانية بعدها بطل العقد الثاني كما تقدم، و لم يحرم عليه وطء زوجته الأولى، و ان دخل بالثانية، و إذا دخل بالثانية و هو جاهل بأنها أخت زوجته بحيث كان وطؤها شبهة فالأحوط له ان لا يطأ الأولى حتى تخرج أختها من عدة وطء الشبهة، و كذلك إذا دخل بالثانية و هو يعتقد مخطئا جواز ذلك فيكون الوطء شبهة و ان كان آثما بفعله، فالأحوط له ترك وطء الأولى في مدة العدة، و في لزوم الاحتياط تأمل في كلا الفرضين بل الظاهر عدم لزومه.

المسألة 202:

يجوز للرجل أن يجمع بين الأختين الأمتين في ملك اليمين إذا كان لا يطأهما معا، و لا يستمتع بهما بما دون الوطء من الاستمتاعات، و لا يحل له أن يجمع بينهما في الملك و الوطء معا، و الأحوط له أن لا يجمع بينهما في الملك لهما مع وطء إحداهما و الاستمتاع بالأخرى بما دون الوطء، أو مع الاستمتاع بكلتيهما بما دون الوطء.

المسألة 203:

إذا تزوج الرجل إحدى الأختين بالنكاح الدائم أو المؤقت، ثم ملك

كلمة التقوى، ج 7، ص: 80

الأخت الثانية لم يجز له وطء الجارية المملوكة إلا بعد أن يطلق أختها، و بعد أن تخرج عن عدته إذا كان طلاقها رجعيا، و لا فرق في الحكم المذكور بين أن يكون قد دخل بالزوجة أم لم يدخل، و إذا وطأ الأخت المملوكة من غير أن يطلق أختها عصى و آثم بفعله و وجب تعزيره و لم تحرم عليه زوجته بذلك سواء كان قد دخل بها قبل ذلك أم لم يدخل.

المسألة 204:

إذا وطأ الرجل جاريته بملك اليمين ثم تزوج بأختها بعد وطء الأولى لم تحرم المملوكة عليه بزواج أختها و حرم عليه الاستمتاع بالزوجة، و في بطلان تزويجها اشكال، فلا يترك الاحتياط بطلاق الزوجة.

المسألة 205:

إذا جمع الرجل بين الأمتين الأختين في ملكه، و وطأ إحداهما لم يجز له أن يطأ أختها حتى تموت الأولى أو يخرجها عن ملكه ببيع أو هبة أو غيرهما من المملكات، و الأحوط ان يكون لازما لا خيار فيه، و لا يكفي في حل الجارية الثانية أن يزوج الأولى لغيره أو يرهنها أو يكاتبها و هي في ملكه.

و إذا وطأ الجارية الثانية بعد أن وطأ الأولى منهما و هو يعلم بأنهما أختان و ان الحكم في الأختين هو حرمة الجمع بينهما حرمتا عليه معا، و يحل له وطء الثانية منهما في هذه الصورة إذا أخرج الأولى عن ملكه، و أما الأولى فلا تحل له حتى يخرج الثانية عن ملكه بشرط ان لا يقصد بذلك الرجوع الى الأولى، فإذا هو أخرج الثانية عن ملكه بقصد ان يرجع الى وطء الأولى لم تحل له الأولى بذلك.

و إذا وطأ الجارية الثانية بعد أن وطأ الأولى و هو يجهل أنهما أختان أو يجهل ان الحكم هو حرمة الجمع بينهما لم تحرم عليه الأولى بذلك.

المسألة 206:

إذا طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا، لم يجز له أن يتزوج أختها ما دامت أختها المطلقة في العدة، و إذا طلقها طلاقا بائنا، أو فارقها بفسخ و نحوه جاز له أن يتزوج أختها بعد الفراق و ان كانت في العدة،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 81

و إذا بذلت الزوجة للرجل فطلقها خلعا أو مبارأة ثم تزوج أختها لم يصح للزوجة ان ترجع ببذلها.

المسألة 207:

إذا تزوج الرجل امرأة بالعقد المنقطع و دخل بها ثم فارقها لم يجز له ان يتزوج أختها و هي في العدة منه و ان كانت بائنة منه، سواء كانت العدة بعد انتهاء مدة النكاح أم بعد هبة المدة.

المسألة 208:

الأقوى جواز الجمع بين الفاطميتين على كراهة، سواء كان الرجل فاطميا أم لا، و لا كراهة في الجمع بين امرأتين تنتسبان إلى فاطمة (ع) بالأم.

المسألة 209:

لا يجوز للرجل الحر أن يتزوج أمة بالنكاح الدائم و لا بالنكاح المنقطع على الأقوى إلا مع وجود شرطين.

الأول: عدم الطول، و المقصود به أن لا تكون للرجل استطاعة مالية لدفع مهر الحرة.

الشرط الثاني: خشية العنت في ترك التزويج، و العنت هو المشقة الشديدة، و خشية العنت هي الخوف من وطأه ذلك بما يجلبه على النفس من ضغط و كبت و بما قد تتبعه من آثار و محاذير شرعية أو عرفية، و لا تختص محاذيره بخوف الوقوع في الزنا أو المحرمات الأخرى، فقد تكون المحاذير أمراضا بدنية أو نفسانية لا تتحمل عادة أو ارتكابات فكرية تجر الى ما لا يسعد أولا يحمد.

و إذا اجتمع الشرطان الآنف ذكرهما للرجل الحر، جاز له أن يتزوج بالأمة دواما و أن يتزوج بها متعة. و يجوز للرجل الحر أن يطأ الإماء بملك اليمين و بالتحليل من مالكهن، و لا يعتبر في جواز ذلك وجود الشرطين المذكورين.

و إذا تزوج الحر أمة مملوكة مع عدم وجود الشرطين المذكورين، فالظاهر بطلان تزويجه، و ان كان الأحوط استحبابا له ان يطلق الأمة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 82

إذا كان النكاح دائما، و ان يهبها المدة إذا كان الزواج منقطعا، و إذا اجتمع له الشرطان فتزوج الأمة ثم زال الشرطان بعد ذلك كلاهما أو زال أحدهما لم يبطل عقده للأمة و لم يجب عليه طلاقها.

المسألة 210:

لا يجوز للرجل الحر أن يتزوج بالأمة عند وجود الشرطين المتقدم ذكرهما إذا كان من المستطاع له أن يسد حاجته الجنسية و يدفع خشية العنت بالوطء بملك اليمين أو بالتحليل.

المسألة 211:

لا يجوز للرجل الحر أو العبد أن يتزوج أمة على حرة إلا بإذن الحرة بزواج الأمة عليها، و إذا كان الزوج حرا فلا بد مع اذن الحرة من وجود الشرطين الآنف ذكرهما في المسألة المائتين و التاسعة.

و إذا عقد الرجل على الأمة بغير إذن الحرة كانت صحة عقد الأمة موقوفة على إجازة الحرة و رضاها بالعقد، فإذا أجازته صح و نفذ و إذا لم تجزه كان باطلا، سواء كان نكاح الحرة دائما أم مؤقتا، و سواء كان نكاح الأمة كذلك دائما أم مؤقتا، و سواء كانت الحرة قابلة للوطء أم غير قابلة له، لمرض أو قرن أو رتق أو غيرها فلا يصح عقد الأمة إلا بإذنها في جميع الحالات، و حتى إذا كانت الحرة مطلقة رجعية و هي لا تزال في عدتها.

المسألة 212:

يجوز للرجل أن يتزوج حرة على أمة، سواء كانت الحرة تعلم بأنها تتزوج على أمة أم تجهل ذلك و إذا كانت تجهل ذلك ثم علمت به بعد العقد كان لها الخيار في أن تفسخ عقد نفسها أو تبقية و لا خيار لها في عقد الأمة، و يجوز للزوج أن يخفي الأمر عليها و لا يخبرها به.

المسألة 213:

إذا تزوج الرجل أمة على حرة و لم يستأذنها، و ماتت الحرة قبل أن تجيز عقد الأمة لم يصح عقد الأمة بموت الحرة، فإذا أراد الزوج بقاء نكاحها فلا بد له من تجديد العقد عليها، و إذا أراد فراقها احتاط

كلمة التقوى، ج 7، ص: 83

بطلاقها، و كذلك الحكم إذا طلق الحرة طلاقا بائنا قبل أن تجيز عقد الأمة، أو انقضى أجلها في عقد المتعة، أو وهبها المدة، و أما المطلقة الرجعية فهي بحكم الزوجة فلا بد من اذنها إذا كانت في العدة كما تقدم، و إذا انقضت عدة المطلقة الرجعية و لم تجز عقد الأمة جرى الحكم المتقدم في المطلقة البائن.

المسألة 214:

إذا كانت عند الرجل الحر زوجة حرة لا يتمكن من مقاربتها لأنها غائبة أو لأنها مريضة أو لوجود ما يمنع الجماع من رتق أو قرن أو غيرهما من الموانع، فإذا خشي الرجل العنت لذلك و لم يجد الطول أن يدفع مهر حرة غيرها جاز له أن يتزوج أمة، و لا بد من اذن الحرة الموجودة عنده مع الإمكان.

المسألة 215:

إذا أذنت الزوجة الحرة لزوجها في أن يتزوج الأمة عليها، فعقد على الأمة صح العقد، فإذا رجعت الحرة عن اذنها بعد ذلك لم يبطل العقد و لم يؤثر رجوعها شيئا، و إذا هي رجعت عن الاذن قبل أن يجري العقد على الأمة بطل الاذن السابق و لم يصح العقد حتى تأذن به قبل وقوعه أو تجيزه بعد أن يقع.

المسألة 216:

لا يصح للرجل أن يتزوج امرأة ذات عدة من رجل غيره، لا زواجا دائما و لا منقطعا، و لا فرق بين ان تكون عدة المرأة عدة طلاق رجعي أو طلاق بائن أو عدة وفاة أو عدة وطء شبهة.

فإذا عقد على المرأة في أيام عدتها و كان الرجل و المرأة يعلمان معا بأنها ذات عدة، و يعلمان بأن الزواج بذات العدة محرم في الإسلام بطل نكاحهما و حرمت المرأة على الرجل تحريما مؤبدا، و كذلك الحكم إذا كان الرجل وحده أو كانت المرأة وحدها تعلم بالأمرين كليهما، سواء دخل الرجل بالمرأة المعتدة بعد العقد أم لم يدخل بها في الفروض الثلاثة كلها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 84

و إذا عقد عليها في أيام عدتها و هما معا يجهلان بأن المرأة صاحبة عدة، أو يجهلان الحكم عليهما بالتحريم، فان دخل بالمرأة بعد العقد عليها حرمت عليه كذلك تحريما مؤبدا، سواء كان الدخول قبلا أم دبرا، و ان لم يدخل بها لم تحرم عليه، فيجوز له أن يجدد العقد عليها بعد انقضاء العدة.

المسألة 217:

إذا عقد الرجل على المرأة و هي في العدة، و كان الرجل و المرأة كلاهما يجهلان بأنها صاحبة عدة، أو يجهلان بأن الحكم في ذات العدة حرمة الزواج بها ثم دخل بالمرأة بعد انقضاء العدة، فالظاهر أن المرأة لا تحرم على الرجل بذلك، و لكن لا يترك الاحتياط، و كذلك الحكم إذا علم الرجل بأنه عقد على المرأة في عدتها، و شك في أنه دخل بها أم لم يدخل فلا تحرم المرأة عليه إذا كانا جاهلين بالحكم أو الموضوع فإذا أراد التزويج جدد العقد بعد العدة في كلتا المسألتين.

المسألة 218:

إذا عقد للرجل وكيله أو وليه على امرأة ذات عدة، و كان الرجل المعقود له لا يعلم بحالها لم تحرم المرأة عليه بذلك، و ان كان الوكيل أو الولي العاقد يعلم بأنها صاحبة عدة يحرم زواجها، فلا تحرم المرأة المعقودة على الرجل إلا إذا دخل بها بعد العقد أن تكون المرأة عالمة بعدتها و تحريمها فتحرم كما تقدم.

و إذا عقد له وكيله عليها و كان المعقود له يعلم بحال المرأة و بأن التزويج بها محرم، حرمت عليه و ان كان وكيله أو وليه العاقد يجهل ذلك.

المسألة 219:

إذا وطأ الرجل المرأة صاحبة عدة وطء شبهة من غير عقد لم يحرم عليه التزويج بها بعد انقضاء عدتها، و كذلك إذا زنا بها في أيام عدتها، فلا تحرم عليه بذلك حرمة مؤبدة، و يستثنى من ذلك ما إذا كانت عدتها من طلاق رجعي، فان المطلقة الرجعية ذات بعل فإذا زنا بها حرمت عليه مؤبدا، كما سيأتي بيانه ان شاء اللّه تعالى.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 85

المسألة 220:

إذا شك الرجل في المرأة انها ذات عدة أم لا، بنى على عدم ذلك و جاز له أن يتزوج بها و لم يجب عليه ان يفحص عن أمرها، و إذا كانت في عدة و أخبرت بانقضاء عدتها صدقها إذا كانت غير متهمة.

المسألة 221:

إذا تيقن الرجل بأنه قد عقد على فلانة في أيام عدتها و كانا معا جاهلين بالعدة أو بالتحريم و شك في أنه هل دخل بها في العدة فتكون محرمة عليه أم لم يدخل بها فلا تحرم، بنى على عدم الدخول بها، فلا تكون محرمة.

المسألة 222:

إذا مات زوج المرأة لم تدخل المرأة في العدة الى أن يبلغها خبر وفاته، فالمدة التي تقع بين وفاة الرجل و بلوغ الخبر لزوجته لا تكون من العدة، و لا تكون المرأة فيها ذات بعل و لا ذات عدة، و لا يصح العقد عليها لأحد في تلك المدة، و إذا عقد عليها رجل في هذه المدة فالظاهر ان هذا العقد لا يوجب تحريم المرأة عليه إذا كان عالما بالوفاة، و إذا أراد الزواج بها فلا بد من تجديد العقد عليها بعد انقضاء العدة، و ان كان الأحوط استحبابا اجتناب التزويج بها.

المسألة 223:

يجوز للرجل أن يتزوج المرأة و هي ذات عدة منه بنفسه، فإذا طلق زوجته طلاق خلع أو مبارأة فاعتدت منه، جاز له أن يتزوجها في أثناء عدتها، و لا يجب عليه التربص إلى نهاية العدة، و إذا وطأ امرأة خلية من الزوج وطء شبهة فاعتدت منه، جاز له أن يعقد عليها عقدا دائما أو منقطعا قبل أن تنقضي عدتها منه، و إذا تزوج امرأة بالمتعة و انتهى أجلها، جاز له أن يتزوجها زواجا دائما أو يعقد عليها بالمتعة مرة أخرى في أثناء عدتها من زواجها الأول، و لا يجب عليه الصبر حتى تنتهي العدة.

و يستثنى من ذلك مطلقة الإنسان الرجعية فإنها بمنزلة الزوجة له، فلا يجوز له أن يعقد عليها، فإنه من عقد الزوج على زوجته و هو باطل،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 86

و يستثنى من ذلك ما إذا كانت لديه زوجة بالعقد الدائم، و رغب و رغبت هي معه في أن يكون زواجهما بالعقد المنقطع، فإذا طلقها طلاقا رجعيا، لم يصح له أن يعقد عليها بالعقد المنقطع، حتى تنقضي جميع عدتها، و إذا

طلقها طلاقا بائنا، جاز له ذلك لأنها ليست بزوجة، و يستثنى من ذلك مطلقته بالطلاق الثالث فلا يجوز له نكاحها حتى تنكح زوجا غيره، و مطلقته بالطلاق التاسع إذا كان للعدة فإنها تحرم عليه مؤبدا و سيأتي بيانه.

المسألة 224:

إذا عقد الرجل على امرأة ذات بعل، و هما معا يعلمان بأنها ذات بعل، حرمت المرأة على الرجل حرمة مؤبدة، سواء دخل الرجل بالمرأة بعد العقد عليها أم لم يدخل، و كذلك الحكم إذا كان الرجل خاصة أو المرأة خاصة تعلم بأنها ذات بعل، فلا يجوز للرجل أن يتزوج المرأة بعد ان يفارقها بعلها في جميع الفروض الثلاثة.

و إذا عقد عليها و هما يجهلان بأن المرأة ذات بعل، فان دخل بها بعد العقد عليها قبلا أو دبرا حرم عليه نكاحها كذلك تحريما مؤبدا، و ان لم يدخل بها بعد العقد لم تحرم، و لا فرق بين أن تكون المرأة حرة أو أمة، و سواء كان تزويجها الأول بالبعل و تزويجها الثاني بالرجل الآخر متعة أم دائما أم مختلفين.

المسألة 225:

لا يحرم على الرجل أن يتزوج بالمرأة الزانية إذا لم تكن ذات بعل أو ذات عدة، و الأحوط لزوما أن يكون الزواج بها إذا أراد ذلك بعد أن يستبرئ رحمها من ماء الزنا بحيضة، حتى إذا كان الزوج هو الزاني.

المسألة 226:

لا يترك الاحتياط بعدم التزويج بالمرأة المشهورة بالزنا، من غير فرق بين الزاني بها و غيره الا بعد ظهور توبتها، و قد ذكر في النصوص أن ذلك يعرف بأن تدعى إلى الزنا فإذا امتنعت عن ذلك ظهرت توبتها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 87

المسألة 227:

لا تحرم المرأة على زوجها إذا زنت و هي في حباله، و ان أصرت على فعلها، إلا إذا أصبحت مشهورة بالزنا، فيجري فيها الاحتياط الذي قدمناه في المسألة السابقة.

المسألة 228:

إذا زنى الرجل بامرأة ذات بعل، حرمت المرأة على الرجل الزاني حرمة مؤبدة، فإذا فارقها بعلها بموت أو طلاق أو فسخ لم يجز لذلك الرجل أن يتزوجها أو يطأها بملك أو بتحليل إذا كانت أمة، و لا فرق في ثبوت هذا الحكم و عمومه بين أن يكون الرجل الزاني يعلم بأنها ذات بعل و أن يجهل ذلك و لا بين ان تكون المرأة حرة و أن تكون أمة، و لا بين أن تكون مسلمة و كافرة، و أن تكون زوجة دائمة لبعلها و منقطعة، و مدخولا بها و غيرها، و سواء كان بعلها صغيرا أم كبيرا، حتى إذا كان طفلا عقد المرأة له وليه، و حتى إذا كانت زوجة كافر و قد زنى بها مسلم، و حتى إذا كانت المرأة مشتبهة أو مكرهة و كان الرجل هو الزاني خاصة، و حتى إذا خادعها فأجرى عليها صورة العقد فتحرم عليه حرمة مؤبدة في جميع الصور.

المسألة 229:

إذا زنى الرجل بامرأة ذات عدة من طلاق رجعي حرمت على الزاني حرمة مؤبدة، و لا يعم الحكم بالتحريم من زنى بذات العدة من طلاق بائن أو من فسخ أو من وطء شبهة أو من وفاة، فإذا زنى بواحدة منهن لم يحرم عليه أن يتزوج بها بعد انقضاء العدة.

المسألة 230:

إذا لاط الفاعل بذكر فأوقبه و لو ببعض الحشفة على الأحوط، حرم على الفاعل تحريما مؤبدا ان يتزوج بأم الموطوء و بجدته و ان علت، و ببنته و لو بالواسطة و ان تعددت، و أخته، و هذا إذا كان الواطئ كبيرا سواء كان الموطوء صغيرا أم كبيرا، و يعم الحكم بالتحريم أم الموطوء و بنته و أخته من الرضاع فيحرم نكاحهن جميعا على الواطئ إذا سبق اللواط على العقد، و لا يحرم النكاح على الواطئ إذا سبق

كلمة التقوى، ج 7، ص: 88

العقد على إحداهن و الدخول بها على اللواط، و إذا حصل اللواط بعد العقد و قبل الدخول بالمعقودة، فالأحوط لزوم الاجتناب.

و لا تحرم على الموطوء أم الواطئ و لا بنته و لا أخته و لا محارمه الأخرى لا من النسب و لا من الرضاع.

المسألة 231:

إذا شك في حصول الإيقاب بهذا الفعل الفاحش بنى على عدم حصوله، فلا تحرم المذكورات على الواطئ.

السبب الرابع من أسباب التحريم في التزويج استيفاء عدد الزوجات، و استيفاء عدد الطلقات
المسألة 232:

لا يجوز للرجل الحر أن يتزوج من النساء بالعقد الدائم أكثر من أربع حرائر، و لا أكثر من اثنتين من الإماء، و إذا تزوج بالعقد الدائم أمتين، جاز له أن ينكح معهما حرتين بالعقد الدائم أيضا، فنصاب الحر من النساء في العقد الدائم أربع، أما أربع حرائر، و أما ثلاث حرائر و أمة واحدة، و أما حرتان و أمتان، و لا يجوز له أن يتزوج ثلاث إماء و حرة، فقد ذكرنا انه لا يباح للحر أن يتزوج أكثر من أمتين.

و يجب على الحر أن يراعي ما ذكرناه في المسألة المائتين و التاسعة، فلا يجوز له الزواج بالأمة إلا مع تحقق الشرطين المذكورين في تلك المسألة، و لا يباح له أن يتزوج أمة على حرة إلا بإذن الحرة، فزواج الحر بحرتين و أمتين أو بأمة و ثلاث حرائر انما يصح له مع وجود الشروط المشار إليها.

المسألة 233:

لا يجوز للعبد المملوك أن يتزوج بالعقد الدائم من النساء أكثر من أربع إماء، و لا أكثر من حرتين، و الحرتان هما تمام نصاب العبد من النساء في العقد الدائم فلا يجوز له أن يزيد عليهما حرة و لا أمة فان

كلمة التقوى، ج 7، ص: 89

الحرة للعبد بمنزلة أمتين، و يجوز له أن يتزوج حرة واحدة و أمتين، و لا يحل له أن يتزوج حرتين و أمة أو أكثر، أو يتزوج حرة و ثلاث إماء.

المسألة 234:

ليس للحر و لا للعبد في العقد المنقطع و لا في الوطء بملك اليمين أو بالتحليل نصاب محدد من النساء، فيجوز له أن يتزوج بالمتعة و أن ينكح بملك اليمين و بالتحليل اي عدد شاء، بل يجوز ذلك و ان كان عند الحر أربع حرائر بالعقد الدائم و عند العبد أربع إماء فلهما أن يزيدا على ذلك بالمتعة و بملك اليمين ما يريدان.

المسألة 235:

إذا طلق الرجل الحر احدى زوجاته الأربع طلاقا رجعيا، فلا يحل له ان يتزوج امرأة أخرى بالعقد الدائم ما دامت مطلقته في العدة حتى تخرج منها، و كذلك إذا طلق إحداهن طلاقا بائنا على الأحوط، ان لم يكن ذلك هو الأقوى، و إذا ماتت زوجته الرابعة أو فارقها بفسخ أو بطلاق لا عدة فيه، كما إذا كانت يائسة أو غير مدخول بها، جاز له أن يتزوج امرأة أخرى بعد فراق زوجته من غير انتظار، و كذلك الحكم في العبد المملوك.

المسألة 236:

إذا طلق الرجل زوجته الحرة، ثم رجع بها في العدة أو تزوجها بعد انتهاء العدة بعقد جديد ثم طلقها مرة ثانية، و رجع بها في العدة بعد الطلاق الثاني أو تزوجها ثالثا بعد انتهاء العدة بعقد جديد ثم طلقها مرة ثالثة، حرم عليه ان يتزوجها أو يرجع بها بعد ذلك حتى تنكح زوجا غيره على ما سيأتي من الشروط.

و كذلك الحكم إذا طلق الحرة قبل أن يدخل بها ثم عقد عليها، و طلقها مرة ثانية قبل ان يدخل بها ثم تزوجها ثالثا، و طلقها مرة ثالثة، أو كانت بعض الطلقات قبل الدخول بالمرأة و بعضها بعد الدخول، فإنه لا يحل للمطلق نكاحها بعد الطلاق الثالث حتى تنكح زوجا غيره، و لا فرق في الحكم بين أن يكون الزوج الأول المطلق، أو الثاني المحلل حرا أو عبدا مملوكا أو مبعضا.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 90

المسألة 237:

يشترط في الزوج الثاني المحلل للمرأة المطلقة ثلاثا أن يكون زواجه بها زواجا دائما، فلا تحل المرأة لزوجها الأول إذا تزوجها الثاني زواجا منقطعا، و يشترط كذلك أن يدخل الزوج الثاني بها قبلا فلا تحل المرأة للزوج الأول إذا وطأها الثاني في غير القبل أو وطأها و لم ينزل و لذلك يشترط أن يكون بالغا.

المسألة 238:

إذا طلق الرجل زوجته الحرة طلاقا للعدة تسع مرات، يتزوجها بينها رجل غيره مرة بعد التطليقة الثالثة و مرة ثانية بعد التطليقة السادسة، حرمت الزوجة عليه بعد التطليقة التاسعة حرمة مؤبدة.

المسألة 239:

تفصيل الطلاق المذكور الذي يستتبع الحرمة المؤبدة بين الرجل و المرأة إذا وقع بينهما هو أن يطلق الرجل زوجته الحرة- بعد أن يدخل بها- طلاقا رجعيا كامل الشرائط، ثم يرجع بالمرأة و هي في العدة، و يدخل بها بعد رجوعه بنكاحها، ثم يطلقها مرة ثانية طلاقا تام الشرائط كما تقدم، ثم يرجع بها في العدة، و يواقعها بعد الرجوع، ثم يطلقها مرة ثالثة طلاقا جامعا للشروط، و تتربص المرأة بعد الطلاق الثالث حتى تخرج من عدته، ثم تنكح بعد انتهاء العدة منه زوجا غير الزوج الأول، على الشروط التي بيناها في المسألة المائتين و السابعة و الثلاثين، فإذا فارقها الزوج الثاني بموت أو طلاق، و تزوجها زوجها الأول بعد أن تنتهي عدتها من الثاني، فيصنع زوجها الأول معها كما صنع في المرة السابقة، فيدخل بها بعد التزويج، و يطلقها بعد الدخول و بعد أن تحيض بعد الدخول و تطهر من الحيض، ثم يرجع بها في العدة، و يطلقها بعد أن يدخل بها ثم تحيض و تطهر، و هكذا حتى المرأة السادسة، فإذا تربصت بعد الطلاق السادس حتى خرجت من عدته، نكحت زوجا غيره على المنهج الذي تقدم بيانه، ثم فارقها الزوج الآخر بعد الدخول بها فإذا انتهت عدتها من فراق هذا الزوج، يتزوجها الأول و يصنع معها كما صنع في المرتين السابقتين، فيطلقها بعد أن يدخل بها و بعد أن

كلمة التقوى، ج 7، ص: 91

تحيض من بعد الدخول و تطهر من الحيض، و

يرجع بها بعد الطلاق، و يطلقها بعد الدخول في طهر غير طهر المواقعة فإذا استكملت المرأة تسع تطليقات على الوصف المذكور حرمت على زوجها المطلق حرمة مؤبدة.

المسألة 240:

إذا تزوج الرجل أمة مملوكة بالعقد الدائم سواء كان الرجل حرا أم عبدا أم مبعضا، ثم طلقها ثم رجع بها أو تزوجها بعد العدة بعقد جديد ثم طلقها مرة ثانية، حرمت على الرجل المطلق حتى تنكح زوجا غيره حرا أو عبدا أو مبعضا، فإذا نكحت الزوج الثاني على ما ذكرنا في طلاق الحرة، و فارقها هذا الزوج و انقضت أيام عدته حلت لزوجها الأول فإذا تزوجها و طلقها مرتين بعد الرجوع بينهما حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، فإذا نكحها الزوج الأول بعد أن تفارق الثاني و تعتد منه، ثم طلقها مرتين على التفصيل الذي مر في طلاق الحرة، حرمت على الزوج المطلق تحريما مؤبدا على القول المشهور إذا كان الطلاق للعدة كذلك، و لكن الحكم فيها مشكل فلا يترك الاحتياط.

السبب الخامس من أسباب التحريم المؤبد في النكاح اختلاف الدين بين الزوجين
المسألة 241:

لا يصح للمرأة المسلمة أن تتزوج رجلا كافرا كتابيا و لا غير كتابي، لا زواجا دائما و لا موقتا، و لا يصح لها أن تتزوج مرتدا عن الإسلام فطريا و لا مليا، و سنذكر في ما يأتي حكم الزوجة إذا ارتد الرجل عن الإسلام بعد زواجه بها.

و لا يصح للرجل المسلم أن ينكح امرأة كافرة غير كتابية، و لا مرتدة عن الإسلام و ان انتسبت في ارتدادها الى دين كتابي لا زواجا دائما و لا منقطعا، و لا بملك يمين، و يجوز للمسلم أن يتزوج امرأة كتابية، يهودية أو مسيحية، زواجا دائما، و منقطعا، على كراهة في النكاح الدائم بل و في المنقطع أيضا، و تتأكد الكراهة في نكاحها إذا كان الرجل غير مضطر اليه و إذا كانت له زوجة مسلمة.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 92

و يجوز للمسلم أن ينكح أمة كتابية بملك اليمين

و بالتحليل من مالكها، و لا يجوز للمسلم أن يتزوج امرأة مجوسية نكاحا دائما على الأقوى و لا نكاحا منقطعا على الأحوط، فلا تلحق باليهودية و المسيحية في جواز التزويج بهما و ان كان المجوس من الكتابيين على الظاهر، و يجوز نكاح المجوسية إذا كانت أمة بملك اليمين.

و أما الصابئون فيجري فيهم حكم الكفار غير الكتابيين، فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج رجلا صابئيا، و لا يجوز للرجل المسلم أن ينكح امرأة صابئية نكاحا دائما و لا نكاح متعة و لا يحل له أن يطأها بملك اليمين إذا كانت أمة.

المسألة 242:

إذا ارتد أحد الزوجين المسلمين عن دينه قبل أن يدخل الزوج بالمرأة حكم على نكاحهما بالبطلان حين حصول الارتداد، سواء كان المرتد منهما هو الزوج أم الزوجة، و سواء كان ارتداده عن فطرة أم عن ملة، و ينفسخ نكاحهما كذلك إذا هما ارتدا معا في وقت واحد، و إذا كانت المرتدة هي الزوجة سقط مهرها.

المسألة 243:

إذا ارتد الزوج عن الإسلام بعد أن دخل بالزوجة و كان ارتداده عن فطرة بطل النكاح بينه و بين الزوجة من حين ارتداده، و اعتدت المرأة منه عدة وفاة، و وجب عليه ان يدفع إليها مهرها المسمى لها في العقد إذا لم يكن قد دفعه إليها، و هذا إذا كانت تسمية المهر في العقد صحيحة، و إذا كانت التسمية فاسدة وجب عليه أن يدفع إليها مهر مثلها، و إذا كان قد عقدها و لم يسم لها في العقد شيئا وجب عليه أن يدفع إليها المتعة، و سيأتي بيانها في فصل المهر ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 244:

إذا ارتد الزوج عن الإسلام بعد أن دخل بالزوجة و كان ارتداده عن ملة، أو ارتدت الزوجة عن الإسلام بعد دخول الزوج بها سواء كان ارتدادها عن ملة أم عن فطرة، فالقول المشهور بين الفقهاء في كلا الفرضين المذكورين أن النكاح بينهما لا ينفسخ حتى تنقضي العدة،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 93

فإذا رجع المرتد منهما إلى الإسلام و تاب قبل أن تنقضي العدة، فالنكاح باق، و إذا لم يتب المرتد حتى انقضت العدة بطل نكاحهما، و لكن الاحتياط في ذلك لا يترك، فإذا رجع المرتد إلى الإسلام في أثناء العدة، و أراد الزوجان بقاء النكاح جددا العقد بينهما، و إذا أرادا الفراق، أوقع الزوج أو وكيله صيغة الطلاق، و لا يتزوج الرجل المسلم أخت الزوجة المرتدة و لا بخامسة ما لم يطلقها أو ينفسخ النكاح بينهما بانقضاء العدة و عدم رجوعها إلى الإسلام، و يلزمه مهرها على ما مر ذكره، و ان كانت هي المرتدة، و يجب على المرأة ان تعتد من الرجل المرتد عدة الوفاة إذا كان ارتداده عن

فطرة، و تعتد منه عدة الطلاق إذا كان ارتداده عن ملة.

المسألة 245:

المرتد الفطري هو الذي يخرج عن دين الإسلام و قد انعقدت نطفته و أبواه كلاهما مسلمان أو انعقدت و أحدهما مسلم و ولد على الإسلام و أقام عليه الى أن خرج عنه بعد البلوغ، و المرتد الملي هو الذي يخرج عن الإسلام و قد انعقدت نطفته و أبواه كافران، و هو يشمل من حكم بإسلامه تبعا لإسلام أبويه في صغره ثم ارتد بعد ذلك و يشمل من دخل في الإسلام مميزا أو مراهقا أو كبيرا ثم ارتد.

المسألة 246:

إذا أسلم الكافر و له زوجة يهودية أو مسيحية و بقيت هي على دينها، استمرت الزوجية بينهما و لم تنفسخ سواء كان الرجل قد دخل بالزوجة قبل إسلامه أم لم يدخل، و سواء كان قبل إسلامه كتابيا أم مشركا أم ملحدا، و كذلك إذا أسلم و له أكثر من زوجة من اليهود أو النصارى فلا ينفسخ نكاحهن إذا بقين على دينهن و سيأتي حكم ما يزيد منهن على أربع، و يأتي حكم الزوجة المجوسية إذا أسلم عنها الزوج و بقيت على دينها.

المسألة 247:

إذا أسلم الرجل الكافر و له زوجة مشركة أو ملحدة أو على دين آخر من الكفار غير الكتابيين، و بقيت زوجته على دينها، فإن أسلم الرجل قبل أن يدخل بالزوجة المذكورة بطل النكاح بينهما بمجرد دخوله في

كلمة التقوى، ج 7، ص: 94

الإسلام، و ان كان إسلامه بعد دخوله بالزوجة، فرق ما بينهما، ثم انتظر فإن أسلمت الزوجة بعده و قبل أن تنتهي عدتها منه، ثبتت الزوجية بينهما بنكاحهما الأول و لم تفتقر الى تجديد عقد، و ان بقيت الزوجة على دينها و لم تسلم حتى انقضت العدة كان ذلك كاشفا عن بطلان النكاح بينهما من حين إسلام الزوج، و كذلك الحكم في الزوجات المتعددة إذا لم يزدن على أربع، و العدة الملحوظة في المسألة هي عدة الطلاق، و مبدأها من حين إسلام الزوج.

و كذلك الحكم في الزوجة أو الزوجات من المجوس إذا أسلم الزوج قبل ان يدخل بهن أو بعد ما دخل و بقين على دينهن على الأحوط ان لم يكن ذلك هو الأقوى.

المسألة 248:

إذا أسلمت المرأة الكافرة و بقي زوجها على كفره، و كان إسلامها قبل أن يدخل الزوج بها بطل النكاح بينهما بمجرد دخول المرأة في الإسلام، و لا مهر لها على الزوج، و لا فرق في الحكم بين أن يكون الزوج كتابيا أو مشركا أو ملحدا أو غير ذلك من أصناف الكفار، و سواء كانت المرأة قبل إسلامها كتابية أم غير كتابية.

و إذا أسلمت و كان إسلامها بعد دخول الزوج بها، فرق ما بينهما و اعتدت من الزوج عدة الطلاق فإن أسلم الرجل قبل ان تنتهي العدة ثبتت الزوجية ما بينهما من حين إسلام الزوجة، و ان لم يسلم الزوج حتى

انقضت عدة الزوجة منه حكم بأنها بائنة منه من حين إسلامها، و يثبت لها المهر عليه في كلتا الصورتين.

المسألة 249:

إذا أسلم الرجل الكافر و عنده أكثر من أربع زوجات كافرات، فإن أسلمن معه كلهن تخير منهن أربعا، فإذا اختارهن ثبتت له زوجيتهن و انفسخ عقد الباقي، من غير فرق بين من دخل بها منهن و غيرها، و كذلك إذا لم تسلم الزوجات معه و كان جميعهن يهوديات أو مسيحيات، أو أسلم بعضهن معه و بقي بعضهن على دينهن و كان البعض الذي بقي منهن على دينه من اليهود أو النصارى، فيختار الزوج منهن أربعا ممن

كلمة التقوى، ج 7، ص: 95

أسلم معه و ممن لم يسلم أو من هؤلاء و هؤلاء فيثبت له نكاح الأربع التي اختارها و ينفسخ عقد الباقي من غير فرق بين من دخل بها منهن و من لم يدخل.

المسألة 250:

إذا أسلم الكافر و عنده أكثر من أربع زوجات كافرات غير كتابيات أو مجوسيات و لم يسلمن معه، بطل نكاح كل امرأة منهن لم يدخل بها قبل أن يسلم، و اعتدت الأخريات التي دخل بهن عدة الطلاق، و انتظر بهن، فمن أسلمت منهن قبل أن تنقضي العدة بقيت على زواجه و لم تنفسخ، و من لم تسلم بعده حتى انقضت عدتها بطل نكاحها، فإذا كانت المسلمات منهن في العدة أكثر من أربع تخير منهن أربعا فأمسك بهن و انفسخ نكاح ما زاد على الأربع.

المسألة 251:

إذا أسلم الكافر و عنده أكثر من أربع زوجات، و اختلفن في الحالات الآنف ذكرها، و التي تختلف أحكام المرأة باختلافها، فقد كان الرجل دخل ببعضهن قبل أن يسلم، و قد أسلم بعضهن معه أو أسلم في العدة، و بقي بعضهن على دينه، و اختلفت الباقيات في الدين فبعضهن كتابي و بعضهن غير كتابي، ثبت لكل واحدة منهن حكمها الخاص كما قدمناه فتثبت زوجية من حكمها ثبوت الزوجية، و ينفسخ نكاح من يكون حكمها الانفساخ فإذا زادت اللاتي تثبت زوجيتهن على أربع تخير منهن أربعا و انفسخ عقد الباقي.

السبب السادس من أسباب تحريم النكاح التزويج حال الإحرام
المسألة 252:

لا يجوز للرجل المحرم أن يجري عقد النكاح لنفسه، و لا لغيره بالوكالة عنه أو الولاية عليه و لا فضولا كما سيأتي بيانه ان شاء اللّه تعالى، سواء كان الشخص المعقود له محرما أيضا أم محلا، و سواء كانت المرأة المعقودة محرمة أم محلة، و لا يجوز العقد للرجل المحرم و لا للصبي

كلمة التقوى، ج 7، ص: 96

المحرم و لا على المرأة أو الصبية المحرمتين و ان كان الوكيل أو الولي العاقد محلا، و إذا أوقع عقد النكاح في جميع الصور المذكورة كان العقد باطلا سواء كان النكاح الذي أوقعه دائما أم منقطعا.

المسألة 253:

إذا تزوج الرجل المحرم و هو يعلم بحرمة التزويج في حال الإحرام، حرمت عليه المرأة المعقودة، تحريما مؤبدا سواء كانت محرمة في حال عقدها عليه أم محلة، و سواء دخل بها أم لم يدخل، و سواء كانت كبيرة أم صغيرة، حتى الطفلة إذا عقدها له وليها، و سواء كان العاقد له محرما أم محلا، فتحرم عليه الزوجة في جميع الصور المذكورة، و إذا عقدها لنفسه أو عقدت له في حال إحرامه و هو جاهل بحرمة ذلك عليه لم تحرم المرأة عليه سواء دخل بها أم لم يدخل، فيجوز له أن يجدد العقد عليها بعد أن يحل من إحرامه إذا أراد الزواج بها.

المسألة 254:

يحرم عقد المرأة في حال إحرامها و ان كان الزوج محلا و كان العاقد محلا أيضا، فيبطل العقد بذلك كما ذكرنا، و إذا عقدت المرأة المحرمة و هي عالمة بحرمة التزويج في حال الإحرام، فالأحوط لزوما انها تحرم على الزوج المعقود له تحريما مؤبدا بل لا يخلو من قوة و ان كان الزوج محلا أو كان جاهلا بالحرمة، و لا تحرم عليه إذا كانت جاهلة بالحكم كما هو الحكم في الزوج.

المسألة 255:

تثبت جميع الأحكام الآنف ذكرها مع انعقاد الإحرام سواء كان للحج أم لعمرة واجبين أم مندوبين، و سواء كان الحج أو العمرة للمحرم نفسه أم بالنيابة عن غيره، و سواء كان عقد النكاح لنفسه أم لغيره.

المسألة 256:

إذا تزوج الرجل المحرم امرأة بعقد باطل، فالأقوى عدم تحريم المرأة عليه و كذلك إذا تزوجت المرأة رجلا في حال إحرامها و كان العقد باطلا، فلا تحرم على الرجل بذلك العقد، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه، و يتأكد في ما إذا كان الرجل و المرأة جاهلين ببطلان العقد حين إيقاعه، و لكنه غير لازم المراعاة على اي حال.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 97

المسألة 257:

إذا تزوج الرجل في حال إحرامه ثم استبان له فساد إحرامه من أصله لم يبطل العقد و لم يثبت التحريم بينه و بين المرأة المعقودة، و كذلك إذا تزوجت المرأة رجلا في حال إحرامها ثم تبين لها بطلان إحرامها، فلا تحرم على الرجل و لا يبطل عقدهما.

و ليس من ذلك ما إذا كان الإحرام صحيحا فأفسده المحرم عامدا، ثم أجرى بعد ذلك عقد النكاح، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب في هذه الصورة.

المسألة 258:

إذا غفل الرجل عن كونه محرما أو نسي ذلك فأجرى لنفسه عقد الزواج على امرأة في حال إحرامه و هو يعلم بحرمة ذلك على المحرم، بطل العقد، و الأحوط له اجتناب التزويج بتلك المرأة أبدا، و كذلك المرأة المحرمة إذا غفلت عن إحرامها أو نسيته و زوجت نفسها من رجل و هي تعلم بحرمة ذلك على المحرم فالأحوط لها اجتناب التزويج بذلك الرجل.

المسألة 259:

يجوز للرجل المحرم أن يرجع بزوجته المطلقة في عدتها الرجعية، و أن يرجع بزوجته المختلعة و المبارأة إذا هما رجعتا ببذلهما، و يجوز له أن يملك الإماء، و لا يمنعه الإحرام من ذلك.

المسألة 260:

يجوز للرجل المحرم أن يوكل أحدا محلا في أن يزوجه بعد أن يحل من إحرامه، و يجوز له ان يوكل محرما في أن يزوجه بعد أن يحل الموكل و الوكيل من إحرامهما، و يصح للمرأة المحرمة أن توكل في تزويجها كذلك في الصورتين.

المسألة 261:

إذا عقد الفضولي و هو محرم بطل عقده و ان كان الرجل المعقود له أو المرأة المعقود عليها محلين غير محرمين، فلا يكون عقده قابلا للإجازة،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 98

و إذا عقد لمحرم و هو محل لم يكن للمحرم أن يجيزه في حال إحرامه، و الأحوط لزوما عدم أجازته حتى بعد الإحلال.

المسألة 262:

لا يبطل زواج الرجل إذا وطأ زوجته في حال إحرامه و ان كان عالما بأنه محرم و بأن الوطء محرم عليه في حال إحرامه، و لا يبطل عقد المرأة إذا وطأها الزوج و هي محرمة و تعلم بالإحرام و بحكمه، و يرجع الى فصل كفارات الإحرام من كتاب الحج لمعرفة الأحكام و الآثار التي تلزم الزوجين بسبب ذلك.

السبب السابع من أسباب تحريم النكاح اللعان بين الزوج و المرأة
المسألة 263:

إذا قذف الرجل زوجته بالزنا، و ادعى انه شاهد ذلك، و لم تكن له بينة شرعية تثبت مدعاه، و كانت الزوجة دائمة و مدخولا بها، و غير مشهورة بالزنا، و لم تكن خرساء، وجبت على الزوجين الملاعنة بحضور الحاكم الشرعي و سيأتي تفصيل الملاعنة في كتاب اللعان (ان شاء اللّه تعالى)، فإذا تم التلاعن بينهما، سقط عن الرجل حد القذف، و درئ عن المرأة حد الزنا و حرمت المرأة على الرجل تحريما مؤبدا.

المسألة 264:

إذا قذف الرجل زوجته بالزنا و هي خرساء لا تستطيع النطق لتقابله في شهادات الملاعنة، سقطت الملاعنة بينهما و حرمت المرأة على الرجل كذلك تحريما مؤبدا.

المسألة 265:

إذا علم الرجل بأن الولد الذي ولدته زوجته ليس منه وجب عليه أن ينفي الولد عن نفسه، و لم يجز له استلحاقه به، فإذا كان الولد ممن يلحق به في النسب بحسب موازين النسب الشرعية الظاهرية، افتقر الرجل في نفي الولد عنه إلى ملاعنة الزوجة، و هذا هو السبب الثاني من أسباب اللعان بين الزوجين.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 99

المسألة 266:

إذا تم اللعان بينهما فان كانت دعوى الرجل تشتمل على قذف المرأة بالزنا و نفي الولد عنه، و لا عن المرأة على كل من الأمرين، سقط بذلك حد القذف عنه، و سقط حد الزنا عن المرأة، و انتفى الولد عن الرجل، فلا قربى بينهما و لا نسب و لا توارث، و حرمت المرأة على الرجل تحريما مؤبدا.

و ان كانت دعوى الرجل هي نفي الولد فحسب، و لا تشتمل على قذف المرأة بالزنا، و تم اللعان بينهما على ذلك انتفى الولد عنه، و هل يكون هذا اللعان موجبا لتحريم المرأة على الرجل؟ فيه اشكال، و لا يترك الاحتياط فيه، بل الحكم بالتحريم لا يخلو من قوة.

مسائل متفرقة
المسألة 267:

لا يحل للمرأة المؤمنة أن تتزوج معاديا لأهل البيت (ع) و لو لأحد من الأئمة المعصومين (ع) و ان لم يكن معلنا بذلك بين الناس و لا متدينا به، و ان كان منتسبا إلى إحدى فرق الشيعة، إذا علم منه النصب لأحد المعصومين الذين لا يقول بإمامتهم، و لا يحل للمؤمنة أن تتزوج مغاليا بالرسول (ص) أو بعلي (ع) أو بأحد أبنائه (ع) أو بغيرهم، يرجع غلوه الى الشرك باللّه أو الى إنكار ذاته سبحانه، أو الى إنكار شي ء ضروري من ضروريات الإسلام، مع الالتفات الى كونه ضروريا، و لا يجوز للرجل المؤمن أن ينكح امرأة معادية أو مغالية بالمعنى الذي ذكرناه من النصب. و الغلو.

المسألة 268:

يجوز للمؤمن أن ينكح من فرق المسلمين الذين يخالفونه في المذهب غير المعادين و المغالين الذين ذكرناهم ما لم يكونوا منكرين لبعض ضروريات الإسلام مع الالتفات الى كونه ضروريا في الدين، و يجوز للمرأة المؤمنة أن تتزوج من فرق المسلمين كذلك غير المعادين و المغالين و منكري بعض الضروريات في الدين.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 100

المسألة 269:

إذا علم المؤمن أن زواجه من اليهودية أو المسيحية أو من بعض فرق المسلمين يوجب وقوعه أو وقوع ذريته في الضلال و مخالفة الحق أو خشي من ذلك حرم عليه التزويج و كذلك الحكم في المؤمنة.

المسألة 270:

يحرم نكاح الشغار، و هو أن يجعل نكاح امرأة معينة صداقا لامرأة أخرى، سواء لوحظ ذلك في كل من المرأتين، و مثال ذلك أن ينشئ الوليان نكاح المرأتين و يجعلا في عقديهما تزويج كل واحدة من المعقودتين مهرا للثانية، فيقول أحدهما للآخر: زوجتك ابنتي صفية على أن تزوجني ابنتك سعاد و يكون زواج كل من البنتين صداقا للأخرى، فيقول صاحبه قبلت زواج ابنتك و زوجتك ابنتي على ما ذكرت، فيبطل نكاح المرأتين معا، أم يلاحظ ذلك في جانب امرأة واحدة منهما، فيزوجها وليها من صاحبه على أن يزوجه صاحبه بنته مثلا و يكون تزويج الثانية صداقا للأولى، فيقول الأول للثاني زوجتك ابنتي صفية على أن تزوجني بنتك سعاد فيكون تزويج سعاد صداقا لصفية، فيقول الثاني قبلت زواج صفية على الصداق المعين و هو تزويج سعاد، و زوجتك ابنتي على ألف دينار مثلا، فيبطل نكاح الأولى لأنه شغار و يصح نكاح الثانية بما ذكر لها من المهر و إذا لم يذكر لها مهر معين ثبت لها مهر المثل.

المسألة 271:

المؤمن كفو المؤمنة في النكاح و ان اختلفا في القبيلة أو في الشعب و الدم، أو في الصناعة و الحرفة، إذا توفرت بينهما الشرائط التي تتوقف عليها صحة النكاح، فيجوز ان تتزوج العربية بالأعجمي و الهاشمية بغير الهاشمي و الحرة بالعبد و ذات الشرف الكبير بالرجل الدني الأصل، و ذات الصنعة الرفيعة بصاحب الحرفة الوضيعة، و بالعكس.

المسألة 272:

لا يشترط في صحة النكاح أن يكون الزوج قادرا على نفقة الزوجة، فيصح نكاح العاجز عن النفقة سواء كان عجزه عن النفقة سابقا على

كلمة التقوى، ج 7، ص: 101

العقد أم كان متجددا بعده، و لا يثبت للزوجة بذلك خيار الفسخ، لا بنفسها و لا بمراجعة الحاكم الشرعي.

نعم إذا زوج الصبية الصغيرة أبوها أو جدها، و كان الزوج غير قادر على الإنفاق عليها كان هذا العقد فضوليا، لوجود المفسدة في تزويجها كذلك، فلا تثبت له الولاية عليه، و تكون صحة العقد موقوفة على اختيار البنت المعقودة بعد بلوغها و كمالها، فإذا أجازته صح و نفذ و إذا ردته بطل، إلا إذا كان الولي قد لاحظ في تزويج البنت من ذلك الرجل المعين وجود مصلحة مهمة تغلب على تلك المفسدة، فيصح العقد لذلك و لا يكون للصبية رده بعد كمالها.

المسألة 273:

إذا عقد الإنسان لنفسه على امرأة و هو مريض، مرضا كان سببا لموته في ما بعد، كانت صحة عقده هذا مشروطة بدخوله في الزوجة المعقودة، فإذا هو دخل بها قبل موته كان ذلك كاشفا عن صحة العقد فتترتب عليه جميع آثار التزويج الصحيح، فيثبت لها المهر الذي سماه لها بالعقد، و تجب لها النفقة منذ يوم تمكين المرأة له من الدخول و ترثه إذا مات بعد ذلك، و يرثها هو إذا ماتت قبله، و إذا هو لم يدخل بها بعد العقد حتى مات كشف ذلك عن بطلان العقد من أصله، فلا مهر لها و لا نفقة و لا ميراث، و إذا ماتت المرأة في مرضه قبل أن يدخل بها، فلا ميراث للزوج منها، و لا مهر، و لا أثر للاستمتاعات الأخرى بها إذا استمتع بها في

مرضه من تقبيل و ملامسة بشهوة من غير دخول.

المسألة 274:

إذا عقد له على المرأة و هو مريض، ثم بري ء من ذلك المرض، ثم مات قبل أن يدخل بالمرأة بمرض آخر أو بقتل و نحوه ثبت النكاح و الميراث، و استحقت نصف المهر على الأقوى، و كذلك الحكم إذا ماتت الزوجة قبل الزوج في هذا الفرض و قبل الدخول، فيرثها الزوج و يثبت لها نصف المهر.

المسألة 275:

يشكل الحكم الذي ذكرناه في المسألة المائتين و الثالثة و السبعين إذا

كلمة التقوى، ج 7، ص: 102

كان مرض الزوج الذي عقد فيه المرأة من الأمراض الطويلة التي تستمر سنين، فإذا مات الزوج و لم يدخل بها أو ماتت هي قبله و قبل الدخول فلا يترك الاحتياط بالتصالح بين الورثة و بين الطرف الباقي منهما من حيث المهر و من حيث الميراث و خصوصا في الأمراض التي يكون الابتلاء بها أدوارا.

المسألة 276:

يجوز للمرأة الخلية من الزوج و من العدة أن تزوج نفسها و ان كانت مريضة و في مرض الموت، و إذا عقدت نفسها في مرض الموت، صح نكاحها و ثبت التوارث بينها و بين الزوج إذا ماتت هي أو مات الزوج، سواء كان ذلك قبل الدخول بها أم بعده، و إذا كان موتها أو موت زوجها قبل الدخول استحقت عليه نصف المهر على الأقوى.

المسألة 277:

يجوز للرجل أن يعرض بالخطبة للمرأة صاحبة العدة من غيره، إذا كانت ممن يجوز له أن يتزوج بها بعد العدة كالمعتدة للوفاة و المعتدة من الطلاق البائن، إذا قال في تعريضه بها قولا معروفا، ليس فيه إشارة الى ما يقبح أو يخالف الأدب الذي من أجله شرعت العدة للمرأة، و لم يعزم عقدة النكاح حتى تنقضي العدة و يبلغ الكتاب أجله.

و أما المعتدة البائنة من الرجل نفسه، فيجوز له التعريض بل و التصريح بخطبتها لنفسه ليتزوجها بعد العدة أو فيها الا أن تكون محرمة عليه أبدا، أو تكون محرمة عليه حتى تنكح زوجا غيره، أو يكون قد تزوج بعد طلاقها بائنا بأختها، فلا يجوز له ذلك على الأقوى في بعض الصور المذكورة و على الأحوط في بعضها. و اما ذات العدة الرجعية فهي بالإضافة إلى المطلق نفسه بحكم الزوجة فلا يمنع من التعريض و لا التصريح بخطبتها ليتزوج بها بعد العدة كما لا يمنع من الرجعة بها في أثناء العدة، و هي بالإضافة إلى الرجال الآخرين بحكم ذات البعل، فلا يجوز لأحد منهم التعريض على الأحوط و لا يجوز له التصريح بخطبتها و ان لم يعزم عقد النكاح في أثناء العدة.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 103

الفصل السادس في النكاح المنقطع
المسألة 278:

النكاح المنقطع كالنكاح الدائم لا ينعقد الا بعقد لفظي يشتمل على إيجاب و قبول لفظيين، و لا يكفي فيه التراضي بين الزوجين بغير عقد، و لا ينعقد بالمعاطاة، و لا بكتابة الصيغة بقصد إنشائها، و لا بالإشارة المفهمة إلا في الأخرس العاجز عن النطق، و يعتبر أن يكون الإيجاب بلفظ النكاح أو بلفظ التزويج أو بلفظ المتعة، و الأحوط أن يكون العقد باللغة العربية مع الإمكان، و ان كان

الظاهر صحة نكاح كل قوم إذا أنشئ العقد بلسانهم، و أتى فيه بالترجمة المطابقة للفظ العربي كما قلنا في العقد الدائم.

و الأحوط أن يوقع العقد بلفظ الماضي، فتقول المرأة للرجل:

زوجتك أو أنكحتك أو متعتك نفسي كذا يوما، بكذا دينارا، أو يقول وكيل المرأة للرجل: زوجتك موكلتي فلانة، و ان صح أيضا ان ينشأ بلفظ المستقبل و بالجملة الخبرية على الأقوى كما ذكرنا في العقد الدائم، فتقول المرأة للرجل أزوجك نفسي أو أنا مزوجتك نفسي بكذا، و أن يكون القبول بلفظ قبلت أو رضيت، أو نكحت، أو تمتعت.

المسألة 279:

يصح أن يقدم القبول في العقد على الإيجاب، إذا أنشئ لفظه بمثل تزوجت و نكحت و تمتعت، لا بلفظ قبلت و رضيت كما قلنا في النكاح الدائم و ان كان الأحوط تقديم الإيجاب.

و يصح أن يكون الإيجاب من الزوج و ان كان الأحوط أن يقع من الزوجة أو من وكيلها، و إذا حصل الإيجاب من الزوج فلا بد و أن يكون إنشاء الزوجية بما يفيد ضم الزوجة اليه و تبعيتها له بأن يقول للمرأة تزوجتك أو نكحتك أو تمتعتك، لا بمثل زوجتك أو أنكحتك أو متعتك نفسي، فإن مفاد هذه الصيغ تبعيته هو للزوجة و قد قلنا نظير هذا في العقد الدائم.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 104

المسألة 280:

إذا تم الإيجاب من الزوجة أو من وكيلها، و ذكرت فيه الصيغة و الأجل و المهر، فيكفي في القبول ان يقول الزوج أو وكيله قبلت أو رضيت، و ان لم يذكر فيه المتعلقات التي ذكرت في الإيجاب، فلا يشترط فيه أن يقول قبلت الزواج أو المتعة لنفسي أو لموكلي في جميع المدة المعينة بالمهر المعلوم، و كذلك إذا وقع الإيجاب من الزوج و كان القبول من الزوجة أم من وكيلها، نعم إذا تقدم القبول على الإيجاب سواء كان من الزوج أم من الزوجة أم من وكيليهما فلا بد من ذكر المتعلقات في القبول في هذه الصورة على الأحوط بل الأقوى.

المسألة 281:

لا يحل أن تتزوج المؤمنة بالمتعة رجلا كافرا كتابيا أو غير كتابي، و لا مرتدا عن الإسلام فطريا أو مليا، و لا معاديا و لا مغاليا، و لا بمن ينكر إباحة المتعة و ان كان ينتسب إلى إحدى فرق الشيعة، و لا يجوز للرجل المؤمن أن يتزوج بالمتعة بغير الكتابية اليهودية أو النصرانية من أصناف الكفار و لا بالمجوسية على الأحوط و لا بالمرتدة فطرية كانت أم ملية، و لا بالمعادية و المغالية و لا بمن تنكر إباحة المتعة و ان كانت من احدى فرق الشيعة.

المسألة 282:

يحرم التمتع بالمرأة إذا تحقق لها بسبب من الأسباب التي تحرم نكاحها على الرجل من نسب أو رضاع أو مصاهرة أو توابع المصاهرة أو لعان أو استيفاء عدد الطلقات أو النكاح في حال الإحرام، أو غير ذلك مما تقدم تفصيله في فصل أسباب التحريم، و لا يحل للرجل أن يتمتع بالمرأة و عنده أختها، سواء كانت أختها زوجة بالعقد الدائم أم بالمتعة أم كانت أمة موطوءة بملك اليمين، و لا يحل له أن يتمتع بابنة الأخ و هو متزوج بعمتها، و لا بابنة الأخت و هو متزوج بخالتها إلا بإذنهما، سواء كانت العمة أو الخالة زوجة له بالعقد الدائم أم بالمتعة، و إذا تمتع بالبنت بغير اذن عمتها أو خالتها قبل العقد توقفت صحة النكاح على إجازتهما بعد العقد، و لا يمنع من التمتع بالبنت إذا كانت

كلمة التقوى، ج 7، ص: 105

العمة أو الخالة أمة له موطوءة بملك اليمين. و لا يحل له أن يتمتع بالأمة و عنده زوجة حرة إلا بإذنها، سواء كانت الحرة زوجة له بالعقد الدائم أم بالمتعة، و إذا تمتع بالأمة بغير إذن الحرة

قبل العقد توقفت صحة المتعة على إجازة الحرة بعد العقد.

المسألة 283:

يكره التمتع بالمرأة الزانية من غير فرق بين الزاني بها و غيره، و لا يترك الاحتياط باجتناب التمتع بالمرأة إذا كانت مشهورة بالزنا ما لم تظهر توبتها، كما قلنا في العقد الدائم في المسألة المائتين و السادسة و العشرين، و يكره التمتع بالمرأة الباكر بدون اذن وليها، و الكراهة مع افتضاضها أشد.

المسألة 284:

يستحب للرجل أن يختار المؤمنة على غيرها، و يستحب أن يختارها عفيفة مأمونة، فإذا كانت متهمة بما يخالف ذلك استحب له أن يسأل عن حالها قبل أن يتمتع بها، فإذا هو تزوجها كره له الفحص و السؤال عنها بعد ذلك.

المسألة 285:

يشترط في صحة التزويج بالمتعة أن يذكر المهر في العقد، فإذا لم يذكر فيه كان العقد باطلا سواء ترك ذكره عامدا أم ساهيا أم ناسيا.

المسألة 286:

يصح أن يكون المهر في التزويج بالمتعة عينا من الأعيان المملوكة و أن يكون دينا في ذمة المرأة أو في ذمة أحد سواها، و ان يكون منفعة، أو عملا من الأعمال التي تصلح أن تكون عوضا، و يصح على الأقوى أن يكون حقا من الحقوق المالية التي تقبل الانتقال كحق التحجير، و يشكل بل يمنع أن يجعل المهر إسقاط حق من الحقوق الثابتة، و مثال ذلك أن تزوج المرأة نفسها للرجل و تجعل صداقها إسقاط حق خيار كان ثابتا للزوج في بيع سابق، أو إسقاط حق شفعة له في معاملة على دار أو على بستان أو أرض.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 106

المسألة 287:

يشترط في المهر أن يكون مما يصح أن يتملكه المسلم سواء كان عينا أم دينا، فلا يجوز أن يجعل المهر شيئا لا يصح تملكه، أو شيئا لا يملكه المسلم كالخمر و الخنزير و ان كانت المرأة المتمتع بها ذمية، و يشترط أن يكون معلوما في الجملة و لو بالمشاهدة، و مثال ذلك ان تزوجه نفسها مدة معينة بهذا الثوب، أو بهذه القطعة من الذهب، أو بهذه الصبرة من الطعام، و ان لم يعلم مقدار كيلها أو وزنها، و يكفي الوصف الموجب للعلم به في الجملة، كما إذا قال المهر الذي أدفعه لك كساء يشبه هذا الكساء، أو هو سوار من الذهب يحكي سوار فلأنه إذا كان الوصف معلوما عند المرأة، و لا حد للمهر في القلة و الكثرة، و المدار أن يكون المقدار مما تراضى عليه الطرفان مما يصلح أن يكون عوضا و لا يصح إذا سقط عن المالية في نظر أهل العرف لقلته.

المسألة 288:

تملك المرأة المتمتع بها جميع المهر الذي سماه الزوج لها بمجرد عقده عليها، و ان كان ملكها جميع المهر لا يكون مستقرا الا بالدخول بها، و بأن تفي للزوج بشرطه، فتمكنه من الاستمتاع بوطئها متى شاء في جميع المدة المعينة.

و نتيجة لذلك فإذا وهبها الزوج جميع المدة بعد العقد و قبل الدخول بها كان لها نصف المهر، و كذلك إذا انقضى بعض المدة و لم يدخل بها ثم وهبها باقي المدة من غير دخول فيكون لها نصف المهر.

و إذا لم تف للزوج بشرطه، فلم تمكنه من الاستمتاع بوطئها في بعض المدة كان للزوج أن يقطع من مهرها بمقدار ما أخلفته من المدة، فان لم تف له بنصف المدة أو بربعها مثلا

جاز له أن يقطع من المهر بتلك النسبة.

و يستثنى من ذلك أيام الحيض و نحوها مما يحرم فيه الوطء شرعا كأيام شهر رمضان إذا اتفقت في أثناء أجل المتعة، فلا يجوز للزوج أن يقطع من مهر المرأة شيئا بسبب امتناعها من التمكين فيها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 107

المسألة 289:

إذا طرأت للمرأة المتمتع بها اعذار أخرى من مرض و اشتغال ببعض الأعمال أو بمباشرة ضيوف أو مرضى فامتنعت عن تمكين الزوج في بعض الأيام جاز له أن يقطع من المهر بحساب تلك الأيام على الأقوى، و إذا مكنت زوجها من الوطء في المدة و منعته من الاستمتاعات الأخرى لم يكن له أن يقطع من المهر شيئا، و إذا لم تحضر عند الزوج في بعض الأيام لعجزه هو عن الوطء ففي جواز الاقتطاع من المهر بحساب تلك الأيام، إشكال، و الأحوط له ان لا يقطع.

المسألة 290:

إذا دخل الرجل بالمرأة المتمتع بها ثم وهبها المدة كان لها جميع المهر سواء كان ذلك في أول المدة أم بعد انقضاء قسط منها، الا إذا كانت ممتنعة منه في بعض المدة فيقطع منها بالنسبة، و كذلك إذا مات الزوج أو ماتت الزوجة في أثناء الأجل كان لها جميع المهر و ان كان ذلك قبل الدخول بها، إلا إذا كانت ممتنعة عن تمكينه قبل الموت فيقطع من المهر بالنسبة.

المسألة 291:

إذا مكنت المرأة زوجها من الوطء و لم يدخل بها حتى انقضى الأجل استحقت عليه جميع المهر، و إذا قسط المدة فوهب المرأة بعض المدة و أبقى له بعضها، فكان الأجل شهرين مثلا فوهبها شهرا و أبقى له شهرا ثم لم يدخل بها حتى انقضى الأجل، ففي ثبوت جميع المهر للمرأة أو نصفه اشكال، و لا يبعد ثبوت جميع المهر لها و الأحوط المصالحة.

المسألة 292:

إذا تبين فساد عقد المتعة لفقدان بعض شرائط الصحة في العقد أو في المعقودة، كما إذا ظهر أن المرأة محرمة على الرجل بأحد أسباب التحريم، وجب على الرجل الامتناع عن المرأة، و لم تستحق عليه مهرا إذا لم يدخل بها، و لا مهر لها كذلك مع الدخول بها إذا كانت حين وطئها تعلم بفساد العقد لأنها بغي، و إذا كان قد دفع المهر إليها فله استعادته منها في هذه الصورة، بل و عليها ضمانه مع التلف، و إذا كانت جاهلة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 108

بفساد العقد كان الوطء شبهة و استحقت على الواطئ مهر مثلها متعة لا دواما.

المسألة 293:

يشترط في صحة النكاح المنقطع أن يذكر فيه أجل معين، فان لم يذكر فيه أجل بطل العقد متعة، و انعقد دائما على الأقوى، سواء كان عامدا في ترك ذكره أم ساهيا أم ناسيا.

المسألة 294:

الأجل في النكاح المنقطع هو ما تراضى عليه الزوجان من الأمد، سواء كان قصيرا أم طويلا، و لا يمنع طول الزمان من صحة اشتراطه بينهما إذا كان من المحتمل بقاؤهما اليه، و إذا كان الأجل طويلا يعلم بعدم بقاء الزوجين إليه، ففي صحة اشتراطه فينعقد النكاح بينهما متعة، أو عدم صحته فينعقد النكاح دائما، إشكال، و لا يترك الاحتياط.

المسألة 295:

يشترط ان يكون الأجل في النكاح المنقطع معلوما عند الزوج و الزوجة محدود البداية و النهاية بما لا يقبل الزيادة و النقصان، و إذا أطلق المتعاقدان أجلا معينا كالشهر و الأسبوع و العشرة أيام، و لم يذكرا أوله كان ابتداؤه من حين العقد، و كان عليهما أن يحددا آخره بغاية معلومة، بأن يقولا إلى نهاية الساعة العاشرة مثلا من يوم كذا، أو الى الزوال من ذلك اليوم أو الى الغروب منه، و هكذا الساعة و اليوم و غيرهما من الآماد القصيرة أو الطويلة.

المسألة 296:

يجوز أن يكون الأجل في المتعة متأخرا عن العقد إذا كان معينا محدودا بما لا يقبل الزيادة و النقصان، و مثال ذلك أن تزوج المرأة نفسها للرجل من غروب الشمس لأول ليلة من شهر رمضان الى غروبها في آخر يوم من أيامه من هذا العام، و هما في شهر رجب أو قبله من الشهور، و إذا زوجت المرأة نفسها للرجل كذلك فالأحوط لها ان لا تزوج نفسها متعة لغير ذلك الرجل في ما بين العقد و أول الأجل، و ان كان الوقت يتسع

كلمة التقوى، ج 7، ص: 109

لمدة هذا التزويج، و للاعتداد منه، و الأحوط للرجل المعقود له ان لا يتمتع أخت المعقودة قبل حضور أجلها و ان كان الوقت يتسع لمدة التزويج بالأخت و لعدتها، و أحوط من ذلك كله ان لا تعقد المتمتع بها نفسها على رجل آخر قبل أن تنقضي مدة الأول و العدة منه، و ان كان أجل العقد الثاني متأخرا عن ذلك.

المسألة 297:

لا يصح أن يجعل الأجل في عقد المتعة مقدرا بالوطء، مرة واحدة أو مرتين مثلا، فإنه أمد غير محدود فإذا جعل الزوجان ذلك أجلا لنكاحهما بطل عقدهما متعة و انعقد دائما على الأقوى، و إذا عقد الرجل على المرأة إلى أجل معين و اشترطا في العقد أن يطأها في الأمد كله مرة واحدة أو مرتين مثلا، صح عقدهما و وجب عليهما الوفاء بالشرط، فلا يجوز له أن يطأها أكثر من ذلك و ان كان الأجل باقيا، و إذا أذنت به جاز له ذلك.

المسألة 298:

يجوز للمرأة أن تشترط في العقد لنفسها ما تشاء إذا كان الشرط سائغا و لا ينافي مقتضى العقد و يصح للرجل ذلك أيضا فإذا وقع عليه الإيجاب و القبول وجب الوفاء به، فإذا اشترط أحدهما على صاحبه أن يكون الإتيان ليلا فحسب أو أن يكون نهارا وجب على صاحبه الوفاء بالشرط، فلا يجوز له الإتيان في غير ما شرط، و إذا اذن المشروط له فأسقط حقه جاز الإتيان مطلقا، و سيأتي مزيد بيان للشروط التي تقع في عقد النكاح في فصل المهر و الشروط ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 299:

إذا حملت المرأة المتمتع بها لحق الولد شرعا بالرجل المتمتع، و ان عزل ماءه عن المرأة عند جماعها، فان الماء قد يسبق من غير تنبه، و لا يجوز للرجل أن ينفي الولد عن نفسه الا مع القطع بانتفائه عنه، و إذا نفاه عن نفسه انتفى عنه في الظاهر من غير حاجة الى لعان مع المرأة كما في الزوجة في العقد الدائم، الا أن يعلم أنه قد نفى الولد عن نفسه و هو يحتمل أنه ولده، فيلحق به الولد و لا يلتفت الى نفيه.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 110

المسألة 300:

إذا انقضى الأجل المسمى في النكاح المنقطع بانت المرأة من زوجها بذلك، و لزمها الاعتداد منه إذا كان قد دخل بها، و كذلك إذا وهبها الزوج المدة فتبين منه و يجب عليها الاعتداد مع الدخول، و ليس للزوج أن يرجع بها في العدة، و يصح له أن يتزوجها بعقد جديد و ان كانت في العدة سواء أرادا نكاحا دائما أم منقطعا بأجل مسمى آخر، و قد تقدم أن العدة لا تمنع من نكاح صاحب العدة نفسه للمرأة و انما تمنع من نكاح غيره و تلاحظ المسألة المائتان و الثالثة و العشرون.

المسألة 301:

إذا انقضى الأجل المعين في عقد المتعة أو وهب الرجل المدة للمرأة و لم يدخل بها فلا عدة عليها، و كذلك إذا دخل بها و هي غير بالغة، أو كانت يائسة من المحيض، و إذا دخل بالمرأة و كانت بالغة و غير يائسة من المحيض وجب عليها أن تعتد كما يأتي.

المسألة 302:

لا يقع في عقد المتعة طلاق بين الزوجين و لا خلع و لا مباراة بل تبين المرأة من زوجها بانتهاء الأجل المضروب بينهما في العقد، و بهبة المدة كما تقدم، و لا يقع في المرأة المتمتع بها لعان و لا إيلاء، و يقع بها الظهار على الأقوى و تترتب أحكامه كما يأتي في كتاب الظهار.

المسألة 303:

إذا مات الزوج في أثناء مدة النكاح المؤقت لم ترث المرأة المتمتع بها من تركته شيئا، و إذا ماتت الزوجة في أثناء المدة لم يرث الزوج منها شيئا إلا مع الشرط، فإذا شرط الرجل على المرأة في عقد النكاح بينهما أن يرث منها إذا ماتت قبله، و قبلت بالشرط، أو شرطت هي ذلك على الزوج و قبل به، نفذ الشرط و وجب العمل به فيرث المشروط له من صاحبه إذا مات قبله، و إذا شرط الطرفان ذلك و قبلا به، ثبت التوارث بين الطرفين، و كان ارثهما وفقا لما يرثه الزوجان في العقد الدائم.

المسألة 304:

عدة المرأة المتمتع بها إذا دخل بها الزوج و انتهى الأجل أو وهبها

كلمة التقوى، ج 7، ص: 111

المدة حيضتان كاملتان على الأقوى، فلا يكفي المسمى في الحيضتين أو في إحداهما، فإذا انقضى الأجل و هي في أثناء الحيض لم تعد تلك الحيضة من العدة، بل يجب عليها أن تعتد بحيضتين كاملتين بعدها، و إذا كانت لا تحيض و هي في سن من تحيض، اعتدت بخمسة و أربعين يوما بلياليهن على الأحوط، و إذا كانت حاملا اعتدت على الأحوط بأبعد الأجلين من المدة المذكورة و وضع الحمل.

و إذا مات الرجل في أثناء مدة المتعة، اعتدت المرأة بأربعة أشهر و عشرة أيام، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، أم يائسة، و مدخولا بها أم لا، بل و سواء كانت حرة أم أمة على الأحوط ان لم يكن هو الأقوى، و إذا كانت حاملا منه اعتدت الى آخر الأجلين، المدة المذكورة و وضع الحمل.

الفصل السابع في العيوب و التدليس
المسألة 305:

عيوب الرجل التي توجب تسلط الزوجة على فسخ النكاح بينها و بينه أربعة.

الأول: الجنون الذي يطرأ على الرجل بعد العقد على المرأة سواء كان طروءه عليه قبل دخوله بالمرأة أم بعده و سواء كان الجنون مطبقا أم أدوارا، و سواء كان الرجل يعقل معه أوقات الصلاة أم لا يعقلها، إذا كان الجنون بدرجة يسقط معه التكليف عن الرجل، فيجوز للمرأة أن تفسخ عقد النكاح منه متى علمت بجنونه.

و كذلك إذا كان جنون الرجل سابقا على العقد أو مقارنا له و لم تكن المرأة عالمة به، و قد استمر جنونه الى ما بعد العقد، فيجوز لها الفسخ متى علمت به سواء كان الجنون مطبقا أم أدوارا، و سواء حصل العلم لها بجنونه قبل وطئه لها

أم بعده.

المسألة 306:

إذا كان جنون الرجل سابقا على العقد أو مقارنا له، ثم بري ء منه بعد

كلمة التقوى، ج 7، ص: 112

العقد، ففي جواز فسخ المرأة للعقد بسببه اشكال، سواء بري ء من الجنون قبل أن تعلم المرأة به أم بعد ذلك، و لعل الأقرب عدم جواز الفسخ، و إذا علمت المرأة بجنون الرجل، و رضيت به مع وجود العيب لم يكن لها الفسخ بعد ذلك سواء كان الجنون سابقا على العقد أم طارئا بعده.

المسألة 307:

الثاني من عيوب الرجل الخصاء، و هو سل الأنثيين، و انما يكون هذا العيب موجبا لتسلط المرأة على فسخ النكاح إذا كان حدوثه سابقا على العقد، و لم تعلم به المرأة، فلا فسخ لها إذا كان بعد العقد أو حدث مقارنا له، و لا فسخ لها إذا كانت عالمة به قبل العقد، و لا فسخ لها إذا علمت بالعيب بعد العقد فرضيت بالإقامة معه، و يجوز لها الفسخ في الصورة الأولى سواء علمت به قبل الدخول أم بعده.

المسألة 308:

قال جماعة من الأصحاب، و موجوء الخصيتين بحكم الخصي أو هو بعض أفراده، فيجوز للمرأة أن تفسخ النكاح إذا كان الرجل موجوءا قبل العقد عليها و لم تكن المرأة تعلم بذلك، و ما ذكروه مشكل فلا يترك الاحتياط في الفرض المذكور، و الوجاء هو رض الأنثيين حتى يبطل عملهما.

المسألة 309:

الثالث من عيوب الرجل الجب، و هو قطع ذكره إذا كان سابقا على العقد و لم تعلم المرأة به، و كذلك إذا حدث بعد العقد و قبل الدخول على الأقوى، فيجوز للمرأة أن تفسخ عقد النكاح في كلتا الصورتين، و انما يكون الجب موجبا لتسلط المرأة على الفسخ إذا لم يبق من العضو مقدار الحشفة، فإذا بقي منه بقدرها أو أكثر مما يمكن معه حصول الوطء من الرجل لم يثبت للمرأة حق الفسخ. و إذا علمت المرأة بالعيب في الرجل قبل إنشاء العقد أو بعده و رضيت به لم يجز لها فسخ النكاح بعد ذلك، و إذا حدث الجب بعد العقد، و حصول الدخول بالمرأة و لو مرة واحدة، أشكل الحكم بجواز الفسخ.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 113

المسألة 310:

الرابع من عيوب الرجل العنن، و هو سبب عارض يعجز معه عضو الرجل عن الانتشار و يضعف عن مباشرة المرأة، و لا يكون هذا العيب موجبا لجواز فسخ النكاح حتى يكون عنة كاملة عن هذه المرأة و عن غيرها، فإذا عن الرجل عن هذه المرأة دون غيرها، أو عن قبل المرأة دون دبرها أو في بعض الحالات دون بعض أو في بعض فصول السنة دون بعض، لم يكن للمرأة معه حق الفسخ.

المسألة 311:

لا يكون العنن موجبا لجواز فسخ النكاح إذا عرض للرجل بعد أن وطأ المرأة و لو مرة واحدة، فيجب عليها الصبر فإنها مبتلاة كما في النصوص.

المسألة 312:

إذا كان العنن في الرجل سابقا على العقد على المرأة أو طرأ له بعد العقد عليها و قبل الوطء، فان رضيت المرأة بذلك كان العقد لازما و لم يجز لها أن تفسخ العقد بعد ذلك، و ان لم ترض به رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي، فيؤجل الحاكم الرجل سنة كاملة من يوم المرافعة يتركه معها، فإذا هو لم يستطع وطأها في هذه المدة و لا وطء غيرها جاز للمرأة فسخ النكاح.

المسألة 313:

إذا حصل العنن في الزوج و انقضت المدة التي أجله الحاكم الشرعي إليها و لم يستطع في المدة المعينة وطء الزوجة و لا وطء غيرها جاز للمرأة ان تتولى بنفسها فسخ العقد و لم تفتقر فيه الى مباشرة الحاكم الشرعي، نعم لا بد و أن يكون تأجيل الرجل إلى السنة بأمر الحاكم، فان ذلك من وظائفه فلا يقوم بها غيره، و إذا تعذر على المرأة أو على وكيلها الوصول الى الحاكم الشرعي ليضرب الأجل، أو امتنع الرجل من الحضور عند الحاكم و لم يمكن إجباره جرى عليه حكم التأجيل، فإذا انقضت السنة من ذلك الوقت و لم يمكن للرجل الوطء جاز للمرأة فسخ النكاح.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 114

المسألة 314:

يجوز أن تتولى المرأة بنفسها فسخ النكاح في عيوب الرجل الثلاثة المتقدمة: الجنون و الخصاء و الجب، إذا ثبت العيب و تمت الشروط المعتبرة فيه كما مر ذكره، و لم تفتقر في الفسخ إلى مباشرة الحاكم، نعم لا بد من الرجوع الى فتوى الفقيه المقلد، في ان العارض الذي حدث في الرجل من العيوب المجوزة للفسخ أم لا، و لا بد من الرجوع الى الحاكم الشرعي في إثبات وجود العيب في الرجل إذا كان موضعا للنزاع، و بعد ثبوت العيب تفسخ المرأة إذا شاءت.

المسألة 315:

إذا فسخت المرأة عقدها بعد ثبوت العنن في الرجل و انقضاء المدة التي ضربها الحاكم و توفر الشروط التي بينها فيه، انفسخ نكاحها، و كان لها نصف المهر المسمى لها في العقد. و لا عدة عليها لعدم الدخول و إذا فسخت العقد في أحد العيوب الأخرى المذكورة فإن كان الفسخ قبل الدخول بها لم تستحق من المهر شيئا و لا عدة عليها، و ان كان بعد الدخول بها استحقت المهر المسمى كله و لزمتها العدة.

المسألة 316:

لا يثبت للمرأة حق الفسخ في غير هذه العيوب الأربعة، كما إذا كان الرجل مجذوما أو أبرص أو أعمى، أو مبتلى بغيرها من العيوب، الا ان يشترط في العقد للمرأة أو لولي أمرها سلامة الرجل من ذلك العيب أو يوصف الرجل له في العقد بخلوه من ذلك العيب، أو يذكر ذلك قبل العقد بحيث يكون اجراء العقد بين المتعاقدين مبنيا عليه، فإذا كان العيب موجودا فيه كان ذلك من التدليس و جاز للمرأة فسخ العقد لذلك.

المسألة 317:

عيوب المرأة التي توجب تسلط الزوج على فسخ النكاح سبعة:

و هي (1) الجنون، (2) الجذام، (3) البرص، (4) العمى، (5) الإفضاء، (6) القرن، (7) الإقعاد، و منه العرج البين.

و الجنون هو فساد العقل سواء كان مطبقا أم أدوارا، و سواء عقلت

كلمة التقوى، ج 7، ص: 115

المرأة معه أوقات الصلاة أم لم تعقل، إذا بلغ جنونها درجة يسقط معها التكليف عنها كما ذكرنا في عيوب الرجل، و ليس منه الإغماء الذي يعرض في بعض الأوقات و ليس منه مرض الصرع الذي قد يصيب بعض الناس.

و الجذام و البرص مرضان معروفان، و إذا اشتبه أمرهما رجع في تشخيصهما إلى أصحاب الخبرة من الأطباء الثقات و غيرهم و إذا استقرت الشبهة في المرض الموجود أنه منهما أم لا و لم تتضح الحال لم يجز الفسخ.

و العمى هو ذهاب البصر من العينين و ان كانتا مفتوحتين. و القرن و يقال له العفل أيضا، هو شي ء ينبت في فرج المرأة، لحم أو غدة أو عظم يمنع الزوج من الوطء، أو يوجب تنفره و انقباضه عند جماع المرأة، و كذلك الرتق، و هو التحام الفرج، و الأحوط الاقتصار على صورة العجز عن علاجه، و

ان كان ذلك بسبب امتناع المرأة عنه، و الإفضاء هو تصيير مسلكي الحيض و البول مسلكا واحدا، و قد تعرضنا لذكره و بيان المراد منه في المسألة الثانية و العشرين.

المسألة 318:

إذا وجد الرجل بالمرأة أحد العيوب الآنف ذكرها و كان العيب فيها سابقا على العقد جاز له أن يفسخ النكاح بينه و بين المرأة، و ان كان قد وطأ المرأة قبل أن يعلم بالعيب. و إذا علم بالعيب ثم جامعها بعد علمه به لم يكن له الفسخ بعد ذلك، و إذا علم بعيب المرأة و رضي بها بعد علمه بعيبها لم يكن له فسخ العقد و ان لم يجامعها بعد.

المسألة 319:

إذا تزوج الرجل المرأة و هي صحيحة، ثم حدث فيها أحد العيوب السبعة بعد الدخول بها، لم يكن له فسخ النكاح بسبب ذلك العيب، كما إذا عميت المرأة أو جنت أو برصت أو جذمت أو أقعدت بعد عقدها و الدخول بها.

و إذا تزوجها الرجل و هي صحيحة ثم حدث فيها أحد العيوب قبل الدخول بها أشكل الحكم بجواز الفسخ و عدمه بهذا العيب، فلا بد فيه من مراعاة الاحتياط بأن يطلق المرأة إذا أراد فراقها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 116

المسألة 320:

إذا فسخ الرجل نكاح المرأة بسبب أحد العيوب، فان كان الفسخ قبل الدخول بالمرأة فلا مهر لها و لا عدة عليها، و إذا كان الفسخ بعد الدخول بها و لو مرة واحدة استحقت المرأة المهر كله و وجب على الرجل دفعه إليها إذا لم تكن هي دلست العيب الموجود فيها، كما إذا كانت جاهلة بوجود العيب أو كانت جاهلة بكونه عيبا يوجب الفسخ، و إذا كانت هي التي دلست العيب على الزوج لم تستحق من المهر شيئا، فإذا كان الزوج قد دفعه إليها رجع عليها به.

المسألة 321:

إذا استحقت المرأة مهرها على الزوج لأنه فسخ بعد الوطء و هي جاهلة بالعيب كما ذكرنا و كان الذي تولى تزويجها من الرجل هو الذي دلس عليه عيبها رجع الزوج عليه بما دفعه لها من المهر، سواء كان وليا شرعيا للمرأة أم وليا عرفيا، و سواء كان قريبا لها أم بعيدا أجنبيا عنها، و إذا كان الشخص الذي تولى تزويجها لا يعلم بوجود العيب فيها لم يرجع الزوج عليه بشي ء.

المسألة 322:

يتحقق التدليس بكتمان العيب على الزوج إذا كان من عيوب المرأة، و بكتمانه على الزوجة إذا كان من عيوب الرجل، فإذا كان من بيده أمر المرأة و تولى تزويجها عالما بوجود العيب في المرأة و عالما كذلك بأنه عيب، و أخفى أمر العيب على الزوج و لم يعرفه به، فقد دلس، فإذا فسخ الزوج بعد أن علم بالعيب و كان فسخه بعد الدخول بالمرأة، رجع بالمهر الذي يدفعه للمرأة على ذلك الشخص الذي دلس العيب عليه، و إذا كان الشخص جاهلا بالعيب، و كانت المرأة هي التي كتمت العيب و أخفته لم تستحق من المهر شيئا، فإذا كان الزوج قد دفعه إليها استرجعه منها، و إذا كانت المرأة جاهلة أيضا استحقت المهر بالوطء كما ذكرنا و لم يرجع الزوج على أحد.

المسألة 323:

إذا ثبت في المرأة أحد العيوب الآنف ذكرها، صح للرجل أن يباشر

كلمة التقوى، ج 7، ص: 117

الفسخ بنفسه من غير أن يراجع الحاكم الشرعي أن يستأذنه في الفسخ، و لا بد من الرجوع الى فتوى الفقيه المقلد في أن العارض الذي حدث في المرأة من العيوب أم ليس منها، و لا بد من الرجوع الى الحاكم الشرعي في إثبات وجود العيب فيها إذا كان موضعا للنزاع، فإذا ثبت وجود العيب جاز للزوج أن يتولى الفسخ بنفسه، و قد تقدم مثل ذلك في المرأة.

المسألة 324:

فسخ النكاح ليس بطلاق، سواء وقع من قبل الزوج أم من قبل الزوجة، فلا تشترط فيه شروط الطلاق و لا تترتب عليه أحكامه، فلا يشترط فيه أن تكون المرأة طاهرة من الحيض و النفاس أو في غير طهر المواقعة و لا يعتبر فيه حضور شاهدين عادلين، و لا يعد من الطلقات الثلاث التي توجب تحريم المرأة على الرجل حتى تنكح زوجا غيره.

نعم يجب على المرأة أن تعتد بعد الفسخ عدة المطلقة إذا كان الفسخ بعد الدخول و كانت المرأة ممن تثبت عليها العدة في الطلاق، و هذا ليس من الأحكام المختصة بالطلاق.

المسألة 325:

لا يختص الحكم بجواز الفسخ عند حدوث أحد العيوب المتقدم ذكرها بالنكاح الدائم بل يجري في النكاح المنقطع أيضا، فإذا حدث في أحد الزوجين بعض العيوب صح للآخر فسخ النكاح إذا توفرت الشروط التي تقدم بيانها.

المسألة 326:

الأقوى أن حق الفسخ الذي يثبت للزوج أو للزوجة عند حدوث أحد العيوب، ليس على الفور، و لذلك فلا يسقط بالتأخير إلا إذا كان ذلك عن رضا ببقاء النكاح، من غير فرق بين الرجل و المرأة، و ان كان الأحوط اعمال الخيار على الفور بل لا يترك ذلك ما أمكن.

المسألة 327:

يثبت وجود العيب في الرجل و المرأة بشهادة البينة العادلة المطلقة على وجوده، حتى العنن في الرجل على الأقوى، إذا اتفق علم الشاهدين

كلمة التقوى، ج 7، ص: 118

بذلك من الامارات الطبية و غيرها المفيدة للعلم، و يثبت بإقرار صاحبه و بالبينة على إقراره، و إذا لم تكن بينة على إثبات العيب كان القول قول منكر العيب مع يمينه، و إذا رد المنكر اليمين على المدعي حلف هذا على مدعاه و ثبت العيب.

و تثبت العيوب الباطنة للنساء بشهادة أربع نسوة عادلات.

المسألة 328:

لا يثبت حق الفسخ للرجل في العيوب الأخرى التي توجد في المرأة كالعور و العقم و نحوهما، إلا إذا شرط الرجل في ضمن العقد أن تكون سالمة من ذلك العيب، أو وصفت له في العقد بأنها سليمة منه، أو ذكر له ذلك قبل العقد ثم أجري العقد مبنيا عليه، فإذا كان كذلك ثم تبين بعد ذلك وجود العيب في المرأة كان ذلك من التدليس و جاز للرجل الفسخ، و سيأتي بيانه في المسائل اللاحقة ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 329:

من التدليس الموجب لخيار الفسخ أن تذكر للمرأة صفة جمال أو صفة كمال تبعث على الرغبة في التزويج بها، و تكون المرأة خالية عن تلك الصفة، فإذا اشترط الرجل وجود تلك الصفة في المرأة في عقد النكاح، أو وصفت المرأة بتلك الصفة في العقد و ان لم يكن ذلك على نحو الشرط، ثم تبين خلو المرأة من تلك الصفة كان ذلك من التدليس، و جاز للرجل بسببه فسخ العقد، و كذلك إذا وصفت المرأة بتلك الصفة في أثناء الخطبة و قبل العقد بحيث تسالم عليها الطرفان و بني عليها عقد النكاح.

و مثله العيوب الأخرى غير العيوب السبعة التي توجب الفسخ، فإذا اشترطت في العقد سلامة المرأة من بعض العيوب أو وصفت في العقد بذلك أو ذكرت قبل العقد بحيث بني العقد عليها، ثم تبين خلاف ذلك كان تدليسا و جاز للرجل بسببه فسخ النكاح.

و كذلك الحال في اتصاف الرجل ببعض الصفات أو براءته من بعض العيوب، فإذا اشترط ذلك في العقد أو بني عليه العقد على السبيل

كلمة التقوى، ج 7، ص: 119

المتقدم ذكره ثم ظهر خلاف ذلك كان من التدليس و جاز للمرأة بسببه فسخ النكاح.

المسألة 330:

لا تستحق المرأة من المهر شيئا إذا وقع الفسخ بسبب التدليس قبل الدخول بها، سواء كان الفسخ من قبل الزوج بسبب تدليس المرأة أو من تولى أمر تزويجها، أم كان من قبل الزوجة بسبب تدليس الزوج أو من تولى زواجه بالمرأة، و تستحق المهر المسمى كله إذا كان الفسخ بعد الدخول بها، سواء كانت هي الفاسخة للنكاح أم هو الزوج. فإذا كان الفاسخ هو الزوج و كان الفسخ بعد الدخول رجع الزوج بالمهر الذي يدفعه إلى الزوجة على

من تولى تزويجها منه إذا كان هو الذي دلس على الزوج، فاشترط له وجود الصفة المفقودة أو عدم النقص الموجود، و إذا كانت المرأة ذاتها هي التي دلست ذلك لم تستحق من المهر شيئا، و يأخذه الزوج منها إذا كان قد دفعه إليها.

المسألة 331:

إذا تزوج الرجل امرأة و شرط له في عقد النكاح عليها أنها حرة غير مملوكة، أو وصفت له في العقد بهذا الوصف، أو ذكرت صفة الحرية لها قبل العقد حتى تسالم عليها الجانبان و بني العقد على ذلك ثم ظهر انها أمة مملوكة، فالصور المحتملة في هذا التزويج ثلاث.

الصورة الأولى أن يكون العقد عليها بغير اذن سابق على العقد من السيد المالك لها و لا اجازة لاحقة منه، و لا ريب في بطلان العقد في هذه الصورة.

المسألة 332:

الصورة الثانية أن يكون الزوج ممن لا يباح له الزواج بالأمة، فقد تقدم ان جواز نكاح الحر للأمة مشروط بعدم الاستطاعة لدفع مهر الحرة و نكاحها، و بخشية العنت و المشقة في عدم التزويج، فإذا فرض ان الرجل ممن لا يتحقق له كلا الشرطين أو أحدهما لم يجز له نكاح الأمة فيكون نكاحه باطلا.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 120

المسألة 333:

الصورة الثالثة أن يكون نكاح الرجل للمرأة بإذن مولاها أو بإجازته بعد العقد، و أن يكون ممن يباح له الزواج بالأمة لوجود الشرطين المذكورين، فيكون النكاح صحيحا و ان ثبت للزوج خيار الفسخ من حيث التدليس.

فإذا فسخ الزوج العقد قبل دخوله بالمرأة لم تستحق من المهر شيئا، و لا عدة عليها، و إذا فسخ العقد بعد دخوله بها دفع الزوج المهر و يكون لمولاها، ثم يرجع الزوج بالمهر الذي دفعه على من دلسها إذا كان هو غيرها و غير مولاها.

و إذا كانت هي التي دلست نفسها رجع الزوج بالمهر عليها و اتبعت به بعد عتقها، و إذا كان المدلس هو مولاها لم يستحق من المهر شيئا، بل قد يحكم بحرية الأمة أخذا له بإقراره بحريتها، و إذا حكم بحريتها لذلك لا يكون للزوج خيار الفسخ لثبوت كونها حرة، و تكون هي المستحقة للمهر، و المسألة في هذا الفرض لا تخلو من اشكال.

المسألة 334:

إذا تزوجت المرأة رجلا و شرط لها في عقد النكاح أنه حر غير مملوك، أو وصف لها في العقد بذلك، أو ذكرت له صفة الحرية قبل العقد حتى تسالم عليها الجانبان و بني عليها العقد، ثم ظهر بعد ذلك انه عبد مملوك، فان كان تزويجه بالمرأة بغير اذن سابق على العقد من مولاه و لا اجازة لاحقة كان العقد باطلا، و لا مهر للمرأة إذا تبين ذلك قبل الدخول بها، و يثبت لها مهر المثل إذا تبين ذلك بعد الدخول بها، و يتبع به بعد العتق، و إذا كان تزويجه بالمرأة بإذن مولاه أو بإجازته كان التزويج صحيحا، و ثبت للمرأة خيار الفسخ، فإذا فسخت العقد قبل الدخول فلا مهر لها، و إذا

فسخته بعد الدخول كان لها المهر المسمى، و قد تعرضنا في تعليقنا على المسألة الثالثة من فصل نكاح العبيد و الإماء من كتاب العروة الوثقى لبيان أن المهر يكون في ذمة العبد أو في ذمة مولاه فليرجع اليه من يطلب بيان ذلك.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 121

المسألة 335:

إذا تزوج الرجل امرأة و شرط في عقد النكاح أن تكون باكرة فوجدها ثيبا، لم يكن للزوج فسخ النكاح بذلك، فإن البكارة قد تزول بالنزوة و شبهها، فلا يكون زوالها دليلا على عدم وجودها حين العقد ليكون ذلك تدليسا يوجب حق الفسخ، نعم ينتقص مهرها بنسبة التفاوت ما بين مهر الباكرة و الثيب، و سنذكره في المسألة الآتية ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 336:

إذا تزوج الرجل امرأة و شرط عليها في عقد النكاح انها باكرة، أو وصفت في العقد بذلك أو كان العقد مبنيا على ذلك بين المتعاقدين، ثم وجدها ثيبا، و ثبت بالبينة أو بإقرار المرأة أو بالقرائن المفيدة للعلم انها كانت ثيبا قبل العقد عليها، كان ذلك من التدليس و جاز للزوج فسخ النكاح.

فإذا فسخ العقد قبل الدخول بها فلا مهر لها كما لا عدة عليها، و إذا فسخها بعد الدخول بها كان لها المهر المسمى كله، و رجع به الزوج على المدلس، و إذا كانت المرأة ذاتها هي المدلسة لم تستحق من المهر شيئا.

و إذا اختار البقاء على نكاحها جاز له أن ينقص من مهرها بمقدار النسبة في التفاوت ما بين مهر مثلها و هي باكرة، و مهر مثلها و هي ثيب، فإذا كان مهر مثلها و هي بكر خمسمائة دينار، و كان مهر مثلها و هي ثيب أربعمائة دينار، كان التفاوت بينهما مائة دينار، و هي خمس مهر البكر، فينقص منها خمس المهر المسمى لها بالعقد، فإذا كان مهرها المسمى ألف دينار مثلا نقص منه مائتا دينار.

و إذا تزوج الرجل المرأة باعتقاد انها بكر من غير شرط في العقد و لا تدليس فظهرت ثيبا، لم يكن له فسخ العقد، و ان ثبت

بإقرار المرأة نفسها أو بشهادة البينة العادلة المطلعة كونها ثيبا قبل العقد عليها، و نقص من مهرها بالنسبة المذكورة.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 122

الفصل الثامن في المهر و الشروط
المسألة 337:

المهر هو ما تراضى به الزوجان بينهما، سواء كان عينا مشخصة في الخارج أم كلية، أم دينا، بشرط أن لا يسقط لقلته أو لتفاهته عن المالية المقصودة بين العقلاء و في نظر أهل العرف، و يصح أن يكون منفعة لشي ء مملوك من دار أو عقار أو بستان، أو عبد، أو غيرها من الأشياء ذات المنافع، و يصح أن يكون منفعة حر كتعليم قراءة أو كتابة أو صناعة أو لغة أو أي عمل من الأعمال، و يصح أن يكون حقا من الحقوق المالية التي تقبل الانتقال كحق التحجير، و تلاحظ المسألة المائتان و السادسة و الثمانون في صداق النكاح المنقطع.

المسألة 338:

إذا كان الزوج مسلما اشترط في المهر أن يكون مما يملكه المسلم، فإذا تزوج المسلم يهودية أو نصرانية و جعل صداقها خمرا أو خنزيرا أو غيرهما مما لا يصح للمسلم أن يتملكه، صح العقد و بطل المهر، فإذا دخل بالمرأة وجب لها مهر المثل بالدخول، و إذا طلقها قبل الدخول بها لم يكن لها شي ء، و كذلك إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول.

و إذا تزوج الرجل المسلم بامرأة مسلمة و جعل صداقها خمرا أو خنزيرا أو شيئا آخر لا يملكه المسلم جرى فيه الحكم المذكور فيصح النكاح و يبطل المهر و يثبت للزوجة مهر المثل بالدخول و لا تستحق عليه من المهر شيئا إذا طلقها قبل أن يدخل بها أو مات أحد الزوجين كذلك، و يرث الباقي من الزوجين صاحبه إذا مات قبله.

المسألة 339:

إذا تزوج الرجل الذمي امرأة ذمية و جعل صداقها ما لا يملكه المسلم صح العقد و صح المهر المجعول فإذا أسلم الزوجان جميعا قبل أن تقبض المرأة صداقها المعين لها من الزوج دفع لها قيمة الخمر أو الخنزير أو غيرهما عند من يستحله، و كذلك إذا أسلمت الزوجة وحدها قبل أن

كلمة التقوى، ج 7، ص: 123

تقبض المهر فيدفع لها قيمة الشي ء عند من يستحله، و إذا أسلم الزوج وحده قبل أن تقبض الزوجة مهرها، ففيه اشكال، و لا يترك الاحتياط، و ان كان دفع القيمة عند من يستحله كذلك لا يخلو من قوة.

المسألة 340:

إذا ذكر المهر في عقد النكاح بين الزوجين و لم يفوض تقديره الى أحد، فيكفي أن يكون متعينا في الجملة بين المتعاقدين و ان لم يعلما به على وجه التفصيل، و مثال ذلك أن يتزوج الرجل المرأة على صبرة مشاهدة من الطعام أو على قطعة معينة من الذهب أو طاقة حاضرة من الحرير و ان لم يعلم الزوج و الزوجة مقدار ذلك الشي ء المعين بحسب الكيل أو الوزن أو الذرع، و يكفي أن يصفه لها بما يعينه في الجملة عندها كما ذكرنا في مهر المتعة، فإذا حصل التراضي بينهما على ذلك و أجريت صيغة العقد صح النكاح و المهر، فإذا لم يعلم مقداره بعد ذلك على التفصيل و تلف قبل أن تقبضه المرأة، أو طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها رجع الى المصالحة بينهما.

المسألة 341:

إذا تزوج الرجل امرأة و جعل صداقها شيئا مبهما غير معين، فأمهرها أحد هذين العبدين أو إحدى هاتين الدارين لا على التعيين، صح عقده و بطل المهر لعدم التعيين، فإذا دخل بالمرأة ثبت لها مهر المثل، و إذا طلقها أو مات أحد الزوجين قبل الدخول بها لم تستحق شيئا من المهر، و يأخذ الباقي منهما ميراثه من تركة الميت، و إذا أمهرها خادما أو دارا أو بيتا على وجه الإطلاق صح العقد و المهر، و كان لها وسط من ذلك.

المسألة 342:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 7، ص: 123

إذا عقد الرجل على المرأة و سمى لها ألف دينار مثلا، و سمى لأبي الزوجة أو لأخيها أو لغيرها مبلغا آخر من المال، ثبت للمرأة المبلغ الذي سماه لها، و سقط المبلغ الذي سماه لغيرها، إلا إذا كان ذلك جعالة للشخص على عمل محلل قد قام به، فيثبت المبلغ لذلك الغير، و لا يكون من مهر المرأة و لا تجري عليه أحكام المهر فإذا طلق الرجل المرأة قبل

كلمة التقوى، ج 7، ص: 124

الدخول بها لم ينتصف المبلغ المذكور كما ينتصف المهر، أو يكون دفع المبلغ المعين الى ذلك الغير شرطا للمرأة على الزوج تشترطه عليه في العقد بحيث يكون حقا لها لا لغيرها تطالب به أو تسقطه إذا شاءت فيثبت المبلغ لذلك الشخص بسبب اشتراط المرأة، و يعد من المهر و تجري عليه أحكامه، فإذا طلقها الزوج قبل الدخول رجع بنصف ذلك المبلغ إذا كان قد دفعه كما يرجع بنصف ما سماه للمرأة.

المسألة 343:

يصح أن يجعل صداق المرأة كله حالا، و يصح أن يجعل كله مؤجلا، و أن يجعل بعضه حالا و بعضه مؤجلا حسب ما يتراضى عليه الزوجان، و يجوز للمرأة أن تطالب الزوج بالمهر المعجل إذا لم يدفعه إليها.

و المعروف بين الفقهاء قدس اللّه أرواحهم أنه يجوز للزوجة أن تمتنع من تمكين الزوج من نفسها حتى يدفع إليها مهرها المعجل، و نقل بعضهم الاتفاق على ذلك، و قال بعضهم: يجب على الزوج دفع المهر المعجل و يجب على المرأة تمكين الزوج و وجوب أحدهما لا يسقط حق الآخر،

و لا يترك الاحتياط في المسألة.

المسألة 344:

إذا كان بعض الصداق أو جميعه مؤجلا لزم تعيين الأجل، و يكفي التعيين في الجملة كما إذا أجله إلى رجوع زيد من الحج أو الى أن تضع هند حملها أو الى جذاذ ثمرة النخيل في هذا العام، و إذا أجله إلى أجل مبهم ليس فيه تعيين صح العقد و المهر و بطل التأجيل.

المسألة 345:

لا يشترط في صحة العقد الدائم أن يذكر فيه مهر للمرأة المعقودة، فإذا عقدها و لم يذكر لها مهرا صح العقد، و يصح العقد كذلك إذا صرحت المرأة أو صرح وكيلها بذلك فقال للزوج: زوجتك موكلتي فلأنه بلا مهر، و تسمى هذه مفوضة البضع، فإذا دخل الزوج بها بعد العقد ثبت لها مهر المثل، و إذا طلقها قبل أن يدخل بها فلا مهر لها، و ثبتت لها المتعة، على الموسع قدره و على المقتر قدره، و سيأتي بيانه ان شاء اللّه تعالى.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 125

و إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول بالمرأة ورثه صاحبه، و لا مهر للمرأة و لا متعة.

المسألة 346:

مهر المثل هو ما يتعارف دفعه بين الناس لمثل هذه المرأة المعينة في أوصافها التي هي عليها من السن و الجمال، و البكارة، و الشرف، و النجابة، و الأدب، و حسن السلوك، و الثقافة، و الثروة، و حسن التدبير في المنزل، و الصناعة و أضداد هذه الصفات و تلاحظ كذلك أقارب المرأة و عشيرتها و بلدها، و يلاحظ كل ما من شأنه أن يزيد في الرغبة في تزويجها أو يحط منها، و لا يعتبر في مهر المثل أن لا يزيد على مهر السنة على الأقوى، من غير فرق بين المرأة التي تعقد و لا يسمى لها مهر و غيرها ممن يثبت لها مهر المثل.

المسألة 347:

تثبت المتعة للمرأة التي تعقد و لا يسمى لها مهر إذا طلقها زوجها قبل الدخول بها، و المتعة هي أن يدفع إليها الزوج شيئا من المال بحسب حاله من السعة و الإقتار، و قد ذكر في النصوص ان الموسع يمتع مطلقته بالعبد أو الأمة أو الدار، و أن المقتر يمتعها بمقدار من الحنطة أو الزبيب أو بالثوب أو الدراهم أو الخاتم أو الخمار، و ذكر هذه الأمور انما هو من باب المثال، و المراد أن الرجل يعطيها شيئا يناسب مقدرته المالية، و الأحوط في ذلك ان يراعي حالها و شرفها أيضا.

و لا يجب دفع المتعة لغير مفوضة البضع إذا طلقت قبل الدخول.

المسألة 348:

يجوز أن تعقد المرأة و يفوض في العقد تعيين صداقها الى حكم الزوج أو الى حكم الزوجة، فتقول المرأة أو يقول وكيلها للزوج: زوجتك موكلتي فلانة على ما تحكم به أنت من المهر، أو على ما تحكم به هي، فيقول الزوج قبلت، فإذا جعل الحكم في تقدير الصداق الى الزوج، نفذ حكمه في كل ما يعينه من قليل أو كثير، ما لم يسقط لقلته عن المالية، و إذا جعل الحكم في تقديره إلى الزوجة، نفذ حكمها في جانب

كلمة التقوى، ج 7، ص: 126

القلة بما شاءت ما لم يخرج عن كونه مالا، و نفذ حكمها في طرف الكثرة ما لم تتجاوز به عن مهر السنة و هو خمسمائة درهم من الفضة.

و إذا طلقها الزوج قبل الدخول بها و قبل أن يعين من له الحكم مقدار الصداق، الزم بالحكم و التعيين و يكون للمرأة نصف ما يعين، و إذا كان الحكم للمرأة لم ينفذ حكمها في ما تجاوز مهر السنة كما تقدم.

و إذا مات

من له الحكم منهما قبل أن يعين مقدار الصداق كان للمرأة مهر المثل إذا كان موته بعد الدخول، و ثبتت لها المتعة التي تقدم بيانها إذا كان الموت قبل الدخول، و ورث الباقي من الزوجين صاحبه.

المسألة 349:

إذا تم عقد المرأة على الرجل ملكت المهر كله عاجلة و آجله، و جاز لها أن تتصرف فيه بما شاءت و لا تستقر ملكيتها لجميع المهر الا بالدخول بها، فإذا طلقها الزوج قبل أن يدخل بها عاد اليه نصف الصداق، و كذلك إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول عاد الى الزوج نصف الصداق على الأقوى.

و تستقر ملكية المرأة لجميع المهر بالدخول بها مطلقا، سواء أدخل قبلا أو دبرا و سواء أنزل أم لم ينزل، و لا تكفي الخلوة بينهما و إرخاء الستر.

المسألة 350:

تملك المرأة نماء صداقها كله بمجرد العقد عليها كما تملك الأصل سواء كان النماء متصلا أم منفصلا فإذا كان الصداق دارا أو عقارا كانت منفعتهما للمرأة خاصة و إذا آجرتهما قبل الدخول كان بدل الإجارة ملكا لها، و إذا كان الصداق نخيلا أو شجرا، ملكت ما يتجدد بعد العقد من ثمرة و نمائه، و إذا كان حيوانا أو عبدا مملوكا ملكت ما يتجدد من نتاجه كالولد و اللبن و الكسب و الخدمة، فإذا طلقها الزوج قبل الدخول رجع بنصف الأصل و لم يرجع بشي ء من النماء، نعم، إذا أصدقها حيوانا حاملا أو شجرا مثمرا بحيث كان حمل الحيوان و ثمر الشجر بعضا من الصداق المسمى ثم طلقها و لم يدخل بها رجع عليها بنصف الجميع من الأصل و النماء المذكور.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 127

و إذا أصدقها حيوانا فسمن الحيوان عندها أو عبدا صغيرا فكبر ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمة الحيوان أو العبد يوم دفعه إليها صداقا، و كانت الزيادة المتجددة فيها ملكا للمرأة خاصة.

المسألة 351:

إذا كان صداق المرأة دينا على الزوج فأبرأت ذمته منه أو كان عينا فوهبته إياها، ثم طلقها قبل الدخول رجع الزوج عليها بنصف المهر، فيجب عليها أن تدفع اليه نصف مثله إذا كان مثليا و نصف قيمته إذا كان قيميا.

المسألة 352:

إذا سمى الرجل للمرأة في العقد مهرا معينا و دفع إليها شيئا آخر عوضا عنه كما إذا أصدقها ألف دينار، و دفع إليها نخيلا أو أرضا بدلا عنه، ثم طلق المرأة قبل الدخول كان له نصف ما سماه لها في العقد، و لم يسترجع من العوض شيئا.

المسألة 353:

إذا طلق الرجل المرأة، فادعت هي أنه جامعها قبل الطلاق و نتيجة دعواها أن يكون طلاقه لها بعد الدخول و انها تستحق المهر كله، و أنكر هو الجماع و لذلك فيكون الطلاق قبل الدخول فليس لها الا نصف المهر، فالقول قول الرجل مع يمينه. و يمكن له في بعض الحالات أن يقيم بينة على كذب دعواها، كما إذا ادعت أنه واقعها قبلا، و كانت باكرة، فإذا أقام البينة على انها لا تزال باكرة، ثبت قوله من غير يمين، و كذلك إذا شهدت البينة بأنهما لم يتلاقيا بعد العقد لأنه كان مسافرا أو مسجونا أو مريضا مثلا.

المسألة 354:

إذا جعل الرجل صداق زوجته عينا مشخصة، دارا أو عقارا أو شبههما فملكت المرأة تلك العين شخصا آخر بأحد المملكات الشرعية ثم طلقها الزوج قبل الدخول بها، فإذا كان تمليكها العين بناقل لازم كالبيع و الصلح و الهبة اللازمة كان ذلك بمنزلة تلف العين، فيسترد الزوج منها نصف مثل العين إذا كانت مثلية و نصف قيمتها إذا كانت

كلمة التقوى، ج 7، ص: 128

قيمية، و إذا كان تمليكها بعقد جائز كالهبة غير اللازمة و البيع بخيار، فلا يترك الاحتياط بأن تفسخ المرأة العقد على العين و تدفع الى الزوج نصفها إذا طالبها به.

المسألة 355:

إذا اختلف الرجل و المرأة في مقدار المهر فقالت الزوجة: هو مائة دينار مثلا، و قال الزوج: هو خمسون دينارا، فالقول قول الزوج مع يمينه الا أن تثبت الزوجة صحة ما تقول، و كذلك إذا ادعت دارا أو عقارا أو عينا أخرى أن الزوج قد جعلها مهرا لها في عقد نكاحهما و أنكر الزوج ذلك، فالقول قول الزوج مع يمينه إذا لم تثبت المرأة صحة دعواها.

المسألة 356:

إذا اختلفا في تعجيل المهر و تأجيله فقالت المرأة: انه حال معجل، و قال الزوج: أنه مؤجل، فالقول قول المرأة في نفي الأجل مع يمينها، الا أن يثبت الرجل صحة ما يدعيه، و كذلك الحكم إذا اتفقا على التأجيل و اختلفا في مقدار الأجل، فقالت المرأة: أنه مؤجل إلى سنة، و قال الزوج: هو مؤجل إلى سنتين، فالقول قول المرأة مع يمينها، الا أن يثبت الزوج صحة مدعاه.

المسألة 357:

إذا ادعى الرجل أنه قد دفع الى المرأة مهرها و أنكرت المرأة أنه دفع إليها شيئا منه، أحلفت على عدم التسليم، فإذا حلفت حكم على الزوج بوجوب دفع المهر الا أن يثبت بالموازين الشرعية صحة قوله و كذلك الحكم إذا ادعى أنه دفع إليها المهر كله و هو مائة دينار مثلا، فأقرت له بأنه قد دفع إليها خمسين دينارا و أنكرت أنه دفع الباقي، فيقدم قولها مع يمينها على عدم دفع الباقي.

المسألة 358:

إذا دفع الرجل إلى المرأة مبلغا معينا من المال، ثم اختلفا، فقالت المرأة: انك دفعت لي المبلغ المعين هبة، و قال الرجل: بل دفعته لك صداقا، فإذا كان اختلافهما في ما قصده الزوج حين ما دفع إليها المال،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 129

كان القول في ذلك قول الزوج مع يمينه، فيحلف لها يمينا، و يحكم بكون المبلغ المدفوع لها صداقا، و إذا ادعت المرأة أنه حين ما دفع إليها المبلغ تلفظ بصيغة الهبة، و ادعى الرجل انه قال لها: هو وفاء ما في ذمته من الصداق كان ذلك من التداعي بينهما، فيحلف كل واحد منهما على نفي ما يدعيه الآخر و تسقط الدعويان كلتاهما.

المسألة 359:

إذا زوج الأب أو الجد للأب ولده الصغير على مهر معين، فالمهر في مال الولد إذا كان له مال، و في ذمته إذا كان المهر مؤجلا و اقتضت مصلحة الطفل ذلك أو لم تكن فيه مفسدة على الطفل، و إذا زوجه و كان في اشغال ذمة الطفل بالمهر المؤجل مفسدة أو كان المهر معجلا و لم يكن للطفل مال كان المهر على الولي، فإذا مات أخرج من تركته.

المسألة 360:

إذا تبرع أحد عن الزوج بمهر زوجته فدفعه إليها، ثم طلق الرجل زوجته قبل أن يدخل بها استرجع الزوج نصف المهر من الزوجة و لم يرجع الى المتبرع، و كذلك إذا تبرع الولي فدفع المهر عن ولده الصغير أو كان المهر على الولي كما في بعض فروض المسألة السابقة، فإذا بلغ الطفل و طلق زوجته و لم يدخل بها كان نصف المهر للولد لا للولي.

المسألة 361:

يجوز لكل من الرجل و المرأة أن يشترط على الآخر في عقد النكاح بينهما ما يشاء من الشروط المباحة، و التي لا تخالف مقتضى العقد، فإذا تراضى الطرفان على ذلك و تم عليه الإيجاب و القبول لزم الشرط على المشروط عليه و وجب الوفاء به، و إذا لم يف بالشرط كان آثما، الا ان يأذن المشروط له فيسقط حقه برضاه.

و إذا تخلف الشرط أو تعذر وجوده لم يكن للمشترط خيار فسخ النكاح، إلا إذا اشترط وجود بعض الصفات في الزوج أو في الزوجة كما تقدم في فصل العيوب و التدليس، و هذا أحد الفوارق بين النكاح و سائر العقود الأخرى.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 130

المسألة 362:

لا يصح أن يشترط الرجل أو المرأة في عقد النكاح ما يخالف الكتاب و السنة كما إذا اشترطت المرأة على الرجل أن يجعل الطلاق بيدها إذا شاءت، أو ان لا يمنعها من أن تخرج من بيته متى شاءت، أو أن لا يمنعها من صحبة من تريد من رجال و نساء، أو أن لا يجعل لزوجته الأخرى حظا في قسمة الليالي و المضاجعة أو لا يجعل للضمرة نصيبا في النفقة أو ما يشبه ذلك، فإذا اشترطت المرأة أو الرجل في عقد النكاح شيئا من ذلك بطل الشرط و صح العقد و المهر. و إذا اشترطت المرأة عليه أن لا يتزوج عليها زوجة أو لا يتسرى بأمة مملوكة ففي صحة هذا الشرط اشكال، و لا يترك الاحتياط.

المسألة 363:

إذا شرطت المرأة على الرجل في عقد النكاح أن لا يفتضها، صح الشرط و لزم الزوج الوفاء به فلا يجوز له افتضاض بكارتها، و يجوز له ما سوى ذلك من الاستمتاعات، و إذا أذنت له بعد ذلك به جاز له سواء كان زواجهما دائما أم منقطعا.

المسألة 364:

لا يجوز لأحد الزوجين أن يشترط خيار فسخ النكاح لنفسه أو لغيره سواء كان النكاح دائما أم منقطعا، و إذا شرط ذلك بطل الشرط و المشهور بطلان العقد بذلك، و لا يترك الاحتياط بتجديد العقد إذا أراد الإمساك، و بإيقاع الطلاق أو هبة المدة إذا أراد الفراق.

المسألة 365:

يجوز لكل من الزوجين أن يشترط لنفسه الخيار في المهر إذا كان العقد دائما و لا بد و ان تعين للخيار مدة معلومة، فإذا فسخ المهر المسمى بينهما و دخل الزوج بالمرأة قبل ذلك أو بعده وجب عليه أن يدفع للمرأة مهر المثل سواء كان أكثر من المسمى أم أقل، فإذا دخل بها و قد دفع إليها المهر المسمى استرد الزائد منه إذا كان أكثر من مهر المثل و أتمه إذا كان أقل. و إذا طلق الزوجة قبل الدخول بها وجبت لها المتعة،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 131

و قد تقدم بيانها في المسألة الثلاثمائة و السابعة و الأربعين، و يسترد المهر المسمى إذا كان قد دفعه إليها.

و لا يجوز اشتراط الخيار في المهر إذا كان العقد منقطعا، و إذا شرطه أحدهما فلا بد من مراعاة الاحتياط الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة.

المسألة 366:

إذا شرطت المرأة على الرجل ان لا يخرجها من بلدها أو من أهلها، أو أن تكون إقامتها في بلد خاص أو في منزل معين أو مع جماعة مخصوصين تقيم معهم حيث أقاموا، صح ذلك و لزم على الزوج العمل به.

الفصل التاسع في القسم و المضاجعة
المسألة 367:

الظاهر أنه يثبت للزوجة حق القسم في الليالي للمضاجعة و ان كانت واحدة كما هو القول المشهور و انما يثبت هذا الحق للزوجة الدائمة فلا يجب القسم في الليالي للمتمتع بها و ان كانت طويلة الأجل، و لا للأمة الموطوءة بالملك أو بالتحليل.

المسألة 368:

إذا كانت للرجل زوجة واحدة وجب على الزوج أن يبات معها ليلة واحدة من كل أربع ليال، و تبقى للزوج ثلاث ليال من الأربع يجوز له أن يضعها حيث يشاء، و إذا كانت له زوجتان كانت لهما ليلتان من الأربع لكل واحدة منهما ليلة يضاجعها فيها، و للزوج الليلتان الباقيتان، و إذا كانت له ثلاث زوجات اختصت كل زوجة منهن بليلة، و بقيت له الليلة الرابعة، و يجوز له في هذه الصور أن يفضل بعض زوجاته بالليالي التي يختص بها أو ببعضها فيبات في الليلة أو الليلتين اللتين يختص بهما عند أيهن أراد، و الأفضل التسوية بينهن، فإذا فضل إحداهن في الدور الأول بليلة فضل الثانية في الدور الثاني بليلة ثم الثالثة حتى

كلمة التقوى، ج 7، ص: 132

يتساوين في التفصيل كما تساوين في القسم، و إذا كن أربع زوجات، اختصت كل واحدة منهن بليلة و لم يبق للزوج شي ء، ثم يبتدئ الدور الثاني و يصنع فيه كما صنع في الدور الأول، و هكذا، و لا يجب للزوجة في ليلتها التي تختص بها أكثر من المضاجعة، و اما الجماع فهو الى اختيار الزوج. نعم يجب للمرأة الشابة في كل أربعة أشهر مرة واحدة و هو الأحوط استحبابا لغير الشابة، و قد تقدم ذلك في المسألة الثامنة عشرة.

المسألة 369:

يثبت للزوجة حق القسم في الليالي سواء كان الزوج حرا أم عبدا بل و ان كان خصيا أو عنينا إذا رضيت به المرأة و لم تفسخ عقد النكاح، و سواء كانت الزوجة أو الزوجات حرائر أم مملوكات أم ذميات أم مختلفات، و إذا كان بعض الزوجات حرائر و بعضهن مملوكات أو ذميات كان الدور بينهن من ثمان ليال،

و تكون للحرة المسلمة ليلتان منها، و للمملوكة المسلمة أو الحرة الذمية ليلة واحدة، و يكون باقي الليالي الثمان للزوج يضعها حيث يشاء.

المسألة 370:

يجوز للزوجة أن تسقط حقها من قسمة الليالي، و أن تهبه للزوج ليصرف ليلتها في ما يريد، و يجوز لها ان تهب حقها لبعض ضراتها إذا رضي الزوج بذلك فتكون ليلتها حقا لتلك الضرة، و يجوز لها أن ترجع بهبتها، فيعود الحق لها في ما يأتي من أدوار القسمة، و لا يقضى لها ما مضى من الليالي.

و يجوز للرجل أن يصالح المرأة عن حقها من قسمة الليالي بمبلغ من المال، فتكون ليلتها له خاصة، و يجوز كذلك لبعض ضراتها أن تصالحها عنه إذا رضي الزوج بمصالحتها فيكون الحق لتلك الضرة.

المسألة 371:

إذا تزوج الرجل امرأة باكرة، فله أن يخصها في أول زواجه بها بسبع ليال، و الأحوط أن لا تكون أقل من ثلاث ليال، و إذا تزوج امرأة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 133

ثيبا خصصها بثلاث ليال، ثم عاد الى القسم بين نسائه، و لا يقضى تلك الليالي لزوجاته الأولى.

المسألة 372:

لا يجب القسم من الليالي للزوجة إذا كانت صغيرة لا يجوز وطؤها، أو كانت ناشزة أو مجنونة مطبقة، و لا ذات أدوار في دور جنونها، و يجوز للزوج أن يسافر وحده و لا يصحب معه أحدا من زوجاته، ثم لا يقضي لهن ما فاتهن في أثناء السفر، و إذا صحب بعضهن فلا يقضي للمتخلفات.

الفصل العاشر في النشوز و الشقاق
المسألة 373:

نشوز المرأة هو خروجها عما يجب للرجل عليها من حقوق الزوجية، فإذا منعت زوجها من الاستمتاع بها و لم تمكنه من نفسها و لا عذر لها في ذلك فقد نشزت، و إذا خرجت من بيته بغير اذنه و لو الى بيت أبيها أو قريبها، و لا عذر لها في ذلك فقد نشزت، و إذا عصت أمره أو نهيه في غير معصية اللّه و لا عذر لها في مخالفته فقد نشزت و الأحوط أن لا تجري أحكام النشوز عليها، حتى يتكرر ذلك منها، و يخشى أن يكون عادة لها و دأبا، و لعل ذلك هو المراد في الآية الكريمة و اللاتي تخافون نشوزهن.

المسألة 374:

الزوج المؤمن و الزوجة المؤمنة هما الخلية الموحدة التي تتكون منها الأسرة السعيدة في ظل الإسلام، و ترتكز الوحدة بينهما على الايمان باللّه و بدينه، و السعي الدائب في تطبيق أحكامه، و على الصلة العميقة الحية الواعية التي أنشأها دين اللّه بينهما و أفهمهما روحها و لقنهما تعاليمها و أطعمهما غذاءها و لذذهما و أسعدهما بعطائها.

و من أجل ذلك حث الإسلام الزوج حين ما يختار له زوجة تشاركه الحياة، و حث الزوجة و ولي أمرها حين ما يطلبان لها زوجا يسعدها

كلمة التقوى، ج 7، ص: 134

في البقاء، حثهما أن يكون الدين و الايمان الحي و الخلق الرضي أول ما يفكر الزوج أن يكون موجودا في زوجته، و أول ما تطلبه الزوجة أن يكون مضمونا في زوجها، و ان يكون الجمال و المال و الملذات الأخرى هي آخر ما يبتغيان وجوده أو يفكران فيه، فالدين و الايمان و الخلق الزكي هي الأمور الثابتة التي لا تتحول، و إذا تحولت فالى ما هو أكثر

رقيا و أكثر سعادة، و المال و الجمال و شبههما هي الأمور التي تحول و تتغير، و إذا تغيرت فالى ما هو أكثر تحولا و أشد تغيرا.

و الدين و الايمان و الخلق الرضي حين ما تكون هي الركيزة التي توحد الزوجين و تغمر حياتهما تجعل من العسير أو من المستحيل أن تفكر المرأة أو الرجل في نشوز أو شقاق أو تنكر أو فراق، و كل ما يكون في هذا المجال من ذلك فإنما يكون من أضداد تلك الأمور، من عدم الدين، أو الدين غير الثابت، و من عدم الايمان أو الإيمان غير الواعي، و من عدم الخلق أو الخلق غير الزكي، فتتجاوز المرأة حدودها لبعض الانفعالات الطارئة من غضب و شبهه، أو لدالة منها على الرجل بمال أو بجمال أو لحب غير معتدل من الزوج، و هو على الأكثر يكون لجهل بالحدود الشرعية و ضعف في الخلق الزكي، فتمنع الزوج بعض حقوقه الواجبة عليها و تصر على ذلك فيكون النشوز منها ثم يكون الشقاق.

و يتعالى الرجل برجولته أو بشي ء مما خوله اللّه و أنعم به عليه فيتعدى حدوده مع زوجته الضعيفة، و يغمط حقوقها الواجبة عليه، و يصر على ذلك فيكون النشوز منه ثم يكون الشقاق، و هو في الأكثر أيضا ينشأ من جهل الرجل بحدوده و جهله بحقوق المرأة و جهله بأحكام اللّه التي وضعها لتعيين هذه الحدود و الحقوق أو لضعف ايمانه باللّه الذي شرع هذه الأحكام، و لو لا الجهل و ضعف الايمان و ضعف الخلق ما احتاج الرجل المسلم و لا المرأة المسلمة إلى جعل أحكام للنشوز و لا لنصب حكام للشقاق بين الزوجين.

المسألة 375:

يحسن بالرجل المؤمن حين يتزوج بالمرأة المؤمنة

و يختارها شريكة له في الحياة لأنها مؤمنة، كما أرشده الى ذلك دين اللّه العظيم، ففي الحديث

كلمة التقوى، ج 7، ص: 135

عن أبي جعفر (ع) قال: أتى رجل رسول اللّه (ص) يستأمره في النكاح، فقال (ص): نعم، انكح و عليك بذوات الدين تربت يداك، و قوله (ص) للرجل: تربت يداك كلمة تستعمل العرب أمثالها للحث على الفحص و البحث عن الشي ء قدر ما يستطاع، فهو (ص) يوصي الرجل بالزواج بذوات الدين و بذل المزيد من الجهد في الفحص عنهن للتزويج.

يحسن بالرجل المؤمن حين يقترن بالمرأة المؤمنة أن يغتنم وجودها لديه فرصة يستعرض فيها مع زوجته مقويان العقيدة و مرسخات الايمان و مزكيات الخلق، ليثبت الغرس فيهما معا و يكثر و يطيب النماء و يزداد العطاء، و يستعرضان أحكام الشريعة التي تخص العلاقة الزوجية ليتعرفا ما لكل منهما على صاحبه من الحقوق و ما عليه من الواجبات، فان ذلك أضمن لصلتهما من الوهن، و آمن لحياتهما من الانزلاق و اللّه هو المعين الكافي.

المسألة 376:

إذا تحقق النشوز من المرأة على ما تقدم بيانه في المسألة الثلاثمائة و الثالثة و السبعين، وعظها الزوج و حذرها مغبة ذلك و ذكرها نهي اللّه عنه و تحريمه إياه، و لو بذكر بعض الأحاديث الواردة في هذا الشأن، أو بالاستعانة بغيره ممن يحسن القيام به، و الأحوط له أن يتدرج في الوعظ من اللين الى الشدة بحسب مراتب النهي عن المنكر، فإذا لم يؤثر ذلك في ردعها، هجرها في المضجع، فيوليها ظهره في المنام و يبدي عدم الاهتمام بها، أو يعتزل فراشها، متدرجا كذلك من الأخف إلى الأشد، فإذا لم ترجع عن نشوزها جاز له ضربها متدرجا في ذلك، و لا

يضربها الضرب المبرح، و هو الذي يدمي اللحم أو يلون الجسد، و لا يضربها بقصد التشفي و الانتقام منها، بل بقصد الردع و التأديب، فان ذلك هو مقتضى القوامة للزوج و الإصلاح لخطأ الزوجة.

المسألة 377:

إذا ظهرت من المرأة علامات النشوز، و لم يتحقق بالفعل خروجها عن الطاعة الواجبة عليها، كما إذا غيرت آدابها المعتادة مع الزوج، أو أبدت العبوس و التقطيب أمامه، أو أظهرت التثاقل و التبرم في

كلمة التقوى، ج 7، ص: 136

حوائجه بعد ما كانت على خلاف ذلك، وعظها و حذرها عقبى هذا السلوك كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، فإذا لم يجد ذلك في إصلاحها جاز له هجرها، و لم يجز له ضربها حتى يتحقق النشوز على ما سبق بيانه.

المسألة 378:

إذا حصلت بالضرب جناية على المرأة أو إتلاف لبعض أموالها وجب على الزوج الغرم فيضمن أرش الجناية و بدل المال التالف، و إذا كانت الجناية عن عمد ثبت لها أو لوليها حق القصاص.

المسألة 379:

لا يتحقق النشوز من المرأة إذا خرجت عن الطاعة في شي ء لا يجب عليها القيام به و مثال ذلك ان تمتنع عن الطبخ أو عن كنس المنزل أو عن تمهيد الفراش أو عن غسل الثياب، أو من بعض حوائج الرجل التي لا تجب عليها و ان كان ذلك على خلاف عادتها معه.

المسألة 380:

إذا تحقق النشوز من الرجل فمنع الزوجة بعض حقوقها الواجبة عليه من قسمتها في الليالي أو من النفقة أو غير ذلك مما يجب عليه القيام به، جاز للمرأة أن تطالبه بحقها الممنوع و تحذره نتائج ذلك و عقباه و تخوفه عقوبة اللّه سبحانه في مخالفة أمره و نهيه و يمكنها أن تستعين بغيرها في وعظه و تحذيره و تذكيره، فإذا لم يؤثر ذلك شيئا رفعت الأمر إلى الحاكم الشرعي، فإذا أثبتت نشوز الرجل عند الحاكم زجره عن تعديه و مخالفته لما يجب عليه، فان لم ينفع ذلك عزره بما يراه، و ألزمه القيام بالحقوق، و إذا امتنع عن الإنفاق على المرأة تولى الحاكم الإنفاق عليها من مال الزوج و لو ببيع بعض ممتلكاته.

المسألة 381:

إذا كره الرجل صحبة المرأة لكبر سنها مثلا فهم بطلاقها أو أراد التزويج عليها، أو هم بشي ء آخر يباح له و لكنه يضايقها كابعادها عن أهلها، أو إسكانها في موضع لا ترغب السكنى فيه، فللزوجة أن تبذل له بعض المال أو تترك له بعض حقوقها الواجبة عليه كالقسمة من

كلمة التقوى، ج 7، ص: 137

الليالي و النفقة، لئلا يطلقها، أو لئلا يتزوج عليها، أو لا يفعل الأمر الذي يضايقها فيه، و يجوز للزوج أن يقبل ذلك منها.

و إذا أساء الرجل معاشرة المرأة و ترك بعض حقوقها الواجبة عليه أو آذاها بالضرب و الشتم و الإهانة، فبذلت له بعض المال أو تركت له بعض الحقوق ليمسك عن أذاها أو لتتخلص بذلك من سوء معاشرتها، أو ليقوم بما ترك من الحق الواجب لها لم يحل للزوج أخذ شي ء من ذلك، و إذا أخذه كان غاصبا آثما.

المسألة 382:

إذا كره كل من الزوجين صاحبه و خيف وقوع الشقاق بينهما، و رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي، أنفذ الحاكم حكما من أهل الزوج و حكما من أهل الزوجة ممن يعتمد عليه في حل مثل هذه المشكلات و عدم التحيز بغير حق لينظرا في أمر المتنازعين و يحلا مشكلتهما، و إذا تعذر وجود الحكمين من أهليهما أنفذ حكمين أجنبيين على الأحوط، و إذا تعذر الحكم من أهل أحدهما أنفذ عنه حكما أجنبيا.

و يجب على الحكمين أن يبذلا وسعهما في استيضاح سبب المنافرة بين الزوجين، فينفرد حكم الزوج بالزوج و يستقصي بالسؤال منه عن الأشياء التي تدور في نفسه حول المشكلة، و ينفرد حكم الزوجة بالزوجة كذلك، ثم يجتمع الحكمان ليتفاهما و لا يخفي أحدهما من معلوماته شيئا عن صاحبه، و يتفاهمان في

الأمر مبلغ طاقتهما، فإذا استقر رأيهما على الصلح بين الزوجين، و حكما به نفذ حكمهما على الزوجين و لزمهما الرضا بكل شرط يشترطه الحكمان عليهما أو على أحدهما إذا كان سائغا، كما إذا شرطا على الرجل أن يسكن المرأة في بلد معين أو في منزل مخصوص أو مع أناس معينين، أو شرطا عليه أن لا يسكن المرأة مع ضرتها أو مع بعض أقاربه في منزل واحد، أو أن يدفع لها مبلغا من المال، مع قدرته على إنفاذ شرطهما، و كما إذا شرطا على المرأة ان تؤجل بعض ديونها الحالة على الرجل من صداق أو غيره، أو أن تمتنع من صحبة من يتهمهم الزوج بأنهم يفسدون أمرها، أو أن تترك بعض الخصال التي يمقتها الزوج فيها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 138

و لا ينفذ قولهما إذا شرطا أمرا غير سائغ في الشريعة، و مثال ذلك أن يشترطا على الزوج أن لا يقسم لزوجته الأخرى من الليالي أو أن لا ينفق عليها، أو أن تخرج المرأة من بيته بغير اذنه متى أرادت و اين أرادت.

المسألة 383:

إذا استقر رأي الحكمين على أن يفرقا بين الزوجين لم يصح ذلك و لم ينفذ الا بعد أن يستأمراهما في ذلك، و يرضى الزوج بالطلاق و ترضى الزوجة بالبذل إذا كان خلعا أو مباراة.

و يمكن للحكمين ان يشترطا ذلك على الزوجين في أول التحكيم، فيقولا لهما مثلا: نحن حكمان شرعيان في أمركما، و قولنا نافذ في شأنكما إن شئنا جمعنا بينكما و ان شئنا فرقنا، فإذا رضي الزوجان بشرطهما صح و يمكن لهما أن يستأمرا الزوجين في هذه الصورة أيضا بعد أن يتفقا على الفرقة.

و التفريق الذي يوقعه الحكمان بين الزوجين انما هو

طلاق أو خلع، و لذلك فلا بد من اجتماع شرائط الطلاق أو الخلع، فلا بد من أن تكون المرأة في طهر لم يواقعها الزوج فيه، و لا بد من صيغة الطلاق أو الخلع من حكم الزوج و حضور شاهدين عادلين يسمعان الصيغة، و هكذا في بقية الشرائط المعتبرة، و لا يصح التفريق من الحكمين إذا هما اختلفا في ذلك، بل و لا حكم لهما في غير التفريق أيضا مع اختلافهما.

المسألة 384:

من أهم ما يوجب النجح للحكمين في سعيهما أن يخلصا نيتهما في إرادة الإصلاح في عملهما كما يرشد اليه قوله تعالى في آية التحكيم (إِنْ يُرِيدٰا إِصْلٰاحاً يُوَفِّقِ اللّٰهُ بَيْنَهُمٰا إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً خَبِيراً).

كلمة التقوى، ج 7، ص: 139

الفصل الحادي عشر في أحكام الأولاد
المسألة 385:

يلحق الولد شرعا بالزوج إذا اجتمعت ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يدخل الرجل بالأم بحيث يعلم أنه أنزل فيها أو يحتمل ذلك، أو ينزل ماءه على فرج المرأة أو حواليه بحيث يحتمل تسرب الماء داخل الفرج، و يلحق بذلك ان تستدخل نطفة الزوج في المرأة بإبرة أو أنبوب صناعي و نحوهما من الوسائل التي تعد لذلك.

الشرط الثاني: أن تمضي مدة ستة أشهر أو أكثر من حين وطء الزوج الآنف بيانه أو ما هو بحكمه الى وقت ولادة الطفل.

الشرط الثالث: أن لا يتجاوز ما بينهما أقصى مدة الحمل، و هو سنة على الأقوى، و القول المشهور بين الفقهاء أن أقصى مدته تسعة أشهر، و قيل هو عشرة أشهر.

فلا يلحق الولد بالزوج إذا انتفى واحد من الشروط المذكورة، فلا يكون الولد ولدا له شرعا إذا انتفى الوطء على الوجه المتقدم ذكره أو ما هو بحكم الوطء، و لا يكون ولده شرعا إذا تولد طفلا حيا كاملا قبل أن تمضي على حمله ستة أشهر من حين الدخول بأم الولد أو ما هو بحكم الدخول، و لا يكون ولده شرعا إذا ولد الطفل بعد ما تجاوز سنة من حين دخول الزوج بأم الطفل أو ما هو بحكم دخوله بها، كما إذا اعتزل الرجل عنها أكثر من سنة أو غاب عنها أو سجن كذلك ثم ولدت الطفل بعد ذلك.

المسألة 386:

إذا اجتمعت الشروط الثلاثة المذكورة لحق الولد بالرجل شرعا و لم يجز للرجل ان ينفيه عن نفسه و ان علم بأن المرأة قد فجرت أو وطئت بشبهة في ذلك الوقت أو اتهمها بالفجور، أو كان قد عزل عنها في جماعة لها من غير فرق بين أن يكون نكاحهما دائما أو بالمتعة فيكون

آثما في جميع ذلك.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 140

المسألة 387:

إذا نفى الرجل الولد عن نفسه مع اجتماع الشرائط الآنف ذكرها و كان نكاحه للزوجة دائما لم ينتف الولد عنه الا باللعان، ما بينه و بين الزوجة، و إذا نفاه مع اجتماع الشرائط و كان النكاح منقطعا انتفى الولد عنه بحسب الظاهر من غير لعان، نعم إذا ادعت الأم المتمتع بها صحة نسبة الولد اليه، كان على الرجل اليمين في نفي دعواها إذا لم تكن لها بينة على الإثبات، و كذلك إذا ادعى الولد بعد كماله صحة نسبه الى الرجل و أنكر الرجل ذلك كان عليه اليمين، و يلاحظ ما سيجي ء من التفصيل في كل من الزوجة الدائمة و المنقطعة في كتاب اللعان.

المسألة 388:

إذا نفى الرجل ولد الزوجة المتمتع بها عن نفسه و علم من القرائن أو من تصريحه أو بشهادة بينة على قوله انه يحتمل ان الولد ولده ألحق الولد به شرعا و كان نفيه ملغى و قد تقدم هذا في المسألة المائتين و التاسعة و التسعين.

المسألة 389:

الوطء مع الشبهة كالوطء في النكاح الصحيح يلحق معه الولد بالواطي المشتبه إذا ولد بعد مضي ستة أشهر أو أكثر من حين الوطء و لم يتجاوز أقصى مدة الحمل و هو سنة كما تقدم بيانه.

المسألة 390:

إذا كانت المرأة زوجة شرعية لرجل و وطأها رجل آخر مع الشبهة ثم ولدت طفلا، و توفرت شروط الإلحاق بكل من الرجلين، أقرع بينهما و ألحق الولد بمن تعينه القرعة منهما.

المسألة 391:

إذا كانت المرأة ذات عدة رجعية و وطأها رجل آخر مع الشبهة ثم ولدت طفلا و توفرت شروط الإلحاق بكل من الزوج المطلق لها و الرجل الذي وطأها شبهة أقرع بينهما كما في ذات البعل و الحق الولد بمن تعينه القرعة، و كذلك الحكم في المرأة إذا وطأها رجلان مع الشبهة، و توفرت

كلمة التقوى، ج 7، ص: 141

شرائط الإلحاق بكلا الرجلين، فيقرع بين الرجلين، فمن أخرجته القرعة لحق به الولد.

المسألة 392:

إذا عقد الرجل على امرأة فحملت المرأة بعد العقد، أو ولدت طفلا بعد مدة، فادعت المرأة أن الرجل قد دخل بها لتلحق به الولد، و أنكر الرجل انه قد دخل بها، فالقول قول الرجل مع يمينه، و كذلك إذا أتته زوجته المدخول بها بولد و ادعت أنها ولدت الطفل منه، و أنكر الزوج أنها ولدت الطفل و انما هو ولد آخرين قد تبنته، فليس الولد لهما، فالقول قول الزوج مع يمينه الا أن تثبت صحة ما تدعيه.

المسألة 393:

إذا ولدت زوجة الرجل طفلا و اعترف الرجل بأنه قد دخل بالمرأة، و ادعى أنها ولدت الطفل قبل أن تمضي على دخوله بها ستة أشهر، أو ادعى أنها ولدته بعد أن تجاوزت أقصى مدة الحمل من حين جماعه إياها، و أنكرت المرأة ذلك، فالقول قول المرأة مع يمينها، فإذا حلفت لحق به الولد و لم ينتف عنه الا باللعان.

المسألة 394:

إذا طلق الرجل زوجته و اعتدت منه ثم تزوجت رجلا غيره، و أتت بولد حي كامل، و تردد الأمر في إلحاق الولد بأي الرجلين، فالصور المحتملة في ذلك أربع، و لكل صورة منها حكمها.

الصورة الأولى: أن تكون المدة ما بين وطء الزوج الأول للمرأة آخر مرة و ولادة الطفل قد تجاوزت أقصى مدة الحمل و هو سنة، و تكون المدة ما بين وطء الزوج الثاني و ولادة الطفل تبلغ ستة أشهر أو أكثر، و الولد في هذه الصورة يلحق شرعا بالزوج الثاني.

الصورة الثانية: أن تكون المدة ما بين وطء الزوج الأول في آخر مرة و ولادة الطفل لا تتجاوز أقصى مدة الحمل، و تكون المدة ما بين وطء الزوج الثاني إياها و ولادة الطفل ستة أشهر أو أكثر، و الولد في هذه الصورة يلحق شرعا بالزوج الثاني كذلك.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 142

الصورة الثالثة: أن تكون المدة ما بين وطء الزوج الأول و ولادة الطفل لا تتجاوز أقصى مدة الحمل، و تكون المدة ما بين وطء الزوج الثاني و ولادة الطفل دون ستة أشهر، و الولد في هذه الصورة للزوج الأول، و يعلم من ذلك أن عقد الرجل الثاني و وطأه المرأة قد وقعا في أثناء العدة من الأول، و لذلك فتحرم المرأة على الثاني تحريما

مؤبدا.

الصورة الرابعة: أن تكون المدة ما بين وطؤ الزوج الأول و ولادة الطفل تتجاوز أقصى مدة الحمل، و تكون المدة ما بين وطء الزوج الثاني و ولادة الطفل أقل من ستة أشهر، و الولد في هذه الصورة لا يلحق شرعا بالزوج الأول و لا بالزوج الثاني.

المسألة 395:

إذا وطأ المالك أمته أو زوجها فوطأها الزوج، ثم باعها المالك فوطأها المشتري أو زوجها المشتري من أحد فوطأها زوجها الجديد، فأتت بولد و تردد الأمر في إلحاق الولد بأي الواطئين، فتجري فيه الصور الأربع التي تقدم تفصيلها و تثبت لكل صورة منها حكمها، و نظير ذلك ما إذا طلق الرجل زوجته ثم وطأها بعد الطلاق رجل آخر وطء شبهة، و أتت بولد تردد الحاقه بأيهما، فتجري فيها الصور الأربع و أحكامها.

المسألة 396:

لا يجوز للرجل أن يلحق ولد الزنا بنفسه و ان كان هو الزاني، كما إذا أحبل المرأة من الزنا ثم تزوجها، أو أحبل الأمة من الزنا ثم اشتراها.

المسألة 397:

إذا وطأ السيد أمته بملك اليمين لحق به الولد شرعا و لا يجوز له نفيه عنه، و إذا نفاه عن نفسه قبل نفيه من غير لعان، و إذا كان قد اعترف بالولد لم يقبل منه نفيه بعد ذلك.

المسألة 398:

إذا وطأ السيد أمته و حملت و تمت شروط إلحاق الولد بالمولى لحق به الولد شرعا و ان كانت الأمة قد زنت قبل ذلك أو بعده.

المسألة 399:

إذا وطأ رجل أمة غيره مع الشبهة فحملت منه لحق الولد شرعا

كلمة التقوى، ج 7، ص: 143

بالواطي، و يجب على الأمة أن تعتد من وطئه، و إذا كانت ذات زوج وجب على زوجها أن يعتزلها ما دامت في العدة فإذا انقضت عدتها ردت الى الزوج.

المسألة 400:

لا يجوز للمرأة أن تلقح نفسها تلقيحا صناعيا بمني غير زوجها، بأن تستدخله فيها بتوسط إبرة حاقنة أو أنبوب صناعي و نحوهما، و تأثم إذا فعلت ذلك، فإذا حملت منه لحق الولد بها و بصاحب المني، فلا يصح النكاح بين الولد و بينهما، و لا بينه و بين أولادهما أو اخوانهما أو أخواتهما، و هكذا في بقية المحارم، و إذا كان التلقيح بمني زوجها المعقودة عليه لحق الولد بالزوج و الزوجة و لا اثم عليها في ما فعلت.

المسألة 401:

إذا ولدت امرأتان ولدين في موضع واحد كما قد يتفق ذلك في مستشفيات الولادة أو مواضع التوليد الأخرى، و اشتبه طفل احدى المرأتين بالآخر و لم يمكن التمييز، رجع الى القرعة في التعيين، فيدفع لكل امرأة منهما من تعينه القرعة لها من الطفلين، سواء كانت المرأتان زوجتين لرجل واحد أم كان لكل واحدة زوج.

الفصل الثاني عشر في الولادة و ما يتبعها
المسألة 402:

يجب أن تتولى النساء خاصة شؤون المرأة عند ولادتها، و لا يجوز أن يتولى ذلك غير الزوج من الرجال إذا لازم ذلك اطلاعهم على ما يحرم اطلاعهم عليه، أو اقتضى المباشرة له بلمس و نحوه، إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك كحضور طبيب أو موظف صحي خاص، فيباح ذلك للضرورة و يقدر الجواز بقدرها.

المسألة 403:

يستحب غسل المولود بعد ولادته إذا أمن من ضرر ذلك، و يستحب أن يؤذن في أذنه اليمنى و يقام في أذنه اليسرى، ففي الحديث انه عصمة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 144

له من الشيطان الرجيم، و يستحب تحنيكه بماء الفرات و تربة الحسين (ع) فيخلط الماء بشي ء من التربة و يدخل الى حنكه و هو أعلى داخل فمه.

المسألة 404:

ينبغي أن يسمى الطفل الذكر عند ولادته محمدا إلى مدة سبعة أيام، ثم ان شاء الأب أو غيره أن يغير اسمه بعد ذلك و ان شاء أبقاه، و يستحب أن يختار له بعض الأسماء الحسنة و قد ورد عنهم (ع) ان ذلك من حقوق الولد على والده، و يستحب أن يختار له كنية، و إذا كان اسم الطفل محمدا فلا يكنه بأبي القاسم، و يستحب أن يحلق رأس الطفل في اليوم السابع من ولادته و ان يتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، و يستحب ختانه فيه.

المسألة 405:

تستحب الوليمة عند ولادة المولود، و يجوز له أن يؤخر الوليمة عن يوم ولادته بأيام، و تستحب الوليمة أيضا عند الختان، و إذا ختن المولود في اليوم السابع أو قبله و أو لم عند الختان بقصد امتثال الاستحباب للولادة و للختان معا فقد حصل الامتثال لهما.

المسألة 406:

يجب ختان الولد الذكر، و إذا لم يختن حتى بلغ وجب عليه أن يختن نفسه، بل و يجب على الأحوط ان لا يترك الولي ختان الصبي الى ما بعد بلوغه، فإن أخره من غير عذر حتى بلغ الصبي عصى الولي بذلك على الأحوط، و وجب على الولد أن يختتن كما ذكرنا.

المسألة 407:

إذا أسلم الكافر و هو غير مختون وجب عليه أن يختن نفسه مهما بلغ من العمر و ان كان شيخا كبيرا و إذا أدركته المنية قبل ختانه سقط وجوب الختان بالموت، و أثم بالتأخير إذا كان عامدا بتركه في حياته.

المسألة 408:

الختان واجب نفسي كما تقدمت الإشارة إليه، فيأثم المكلف الذكر إذا ترك نفسه غير مختون، و هو شرط في صحة الطواف، سواء كان

كلمة التقوى، ج 7، ص: 145

في حج أم في عمرة، واجبين أم مندوبين، فإذا طاف الرجل و هو غير مختون بطل طوافه، و لا تبطل صلاة الرجل و لا سائر عباداته إذا أتى بها و هو غير مختون، إلا إذا أوجب ذلك خللا في طهارته من النجاسة أو في غسله من الجنابة فتبطل صلاته من هذه الناحية.

المسألة 409:

الحد اللازم في الختان على الأحوط ان تقطع الجلدة الساترة للحشفة حتى تبدو الحشفة كلها نعم لا يقدح بقاء بعض الجلدة إذا كانت الحشفة ظاهرة، و إذا ولد الطفل و لا غلفة له كفى ذلك في ختانه، و يستحب إمرار الموسى على الموضع لإصابة السنة كما جاء في الحديث.

المسألة 410:

يستحب خفض الجواري، بل ورد أنه فيهن من المكرمات، و الخفض في الإناث كالختان في الذكور، و ينبغي للمرأة الخافضة أن لا تستأصل.

و أن يكون لسبع سنين من عمر الفتاة.

المسألة 411:

يستحب العقيقة عن المولود استحبابا مؤكدا، و أن تكون في اليوم السابع من ولادته، و لا يسقط استحباب العقيقة إذا تأخرت عن اليوم السابع لعذر أو لغير عذر من غير فرق بين المولود الذكر و الأنثى، و إذا لم يعق عنه في صغره حتى كبر استحب له أن يعق عن نفسه مهما بلغ من العمر، بل تستحب العقيقة عنه بعد موته إذا لم يعق عنه في حياته.

المسألة 412:

يستحب أن يعق عن المولود الذكر بذكر، و عن المولودة الأنثى بأنثى، و أن تكون العقيقة سمينة سالمة من العيوب، و لا بد و أن تكون من الأنعام الثلاثة: الإبل و البقر و الغنم، و في النصوص هي شاة لحم يجزي فيها كل شي ء، و ان خيرها أسمنها، و يستحب أن يقطعها جداول و ان لا تكسر العظام، و لا يكره ذلك.

و الأفضل أن تطبخ و أن يدعى عليها جماعة من المؤمنين، و أن يكون عدد المدعوين عشرة فما زاد، و الأفضل أن يكون طبخها بماء و ملح،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 146

و يجوز له أن يفرقها لحما، و الأفضل في هذه الصورة أن يعطي القابلة الربع من العقيقة و في بعض النصوص أنها تعطي الرجل و الورك، و إذا أعطاها الربع الذي فيه الرجل و الورك فقد عمل بالاستحبابين و يقسم الباقي من لحمها على المحتاجين من المؤمنين.

المسألة 413:

يكره للأب أن يأكل من عقيقة ولده، بل و يكره أن يأكل منها أحد من عيال الأب، و الأحوط أن لا تأكل منها أم الطفل، بل لا يترك هذا الاحتياط.

المسألة 414:

لا يجزي عن العقيقة أن يتصدق على الفقراء بثمنها، فإذا عجز عن تحصيلها أخرها حتى يتمكن، و في الحديث: الولد مرتهن بعقيقته فكه أبواه أو تركاه، و فيه أيضا: إذا ضحي عنه أو ضحى الولد عن نفسه فقد أجزأه عن عقيقته.

المسألة 415:

لا يجب على أم الطفل أن ترضع ولدها إذا لم ينحصر قوته برضاعها، كما إذا وجدت له مرضعة غيرها أو أمكن سقيه اللبن و ان كان صناعيا أو مستحضرا طبيا آخر يقومان بالحاجة، أو أمكن سقيه غير اللبن مما يتقوت به الطفل، فيجوز لها ان تمتنع عن إرضاعه في هذه الحالات و لها أن تطلب الأجرة عليه.

و إذا انحصر قوت الطفل بإرضاع أمه و لم يكن له قوت غيره، وجب عليها إرضاعه و لكن تجوز لها المطالبة بالأجرة كذلك، فتدفع لها من مال الطفل إذا كان له مال، و إذا لم يكن للطفل مال دفعت الأجرة لها من مال الأب إذا كان موسرا، و إذا لم يكن له أب أو كان الأب معسرا دفعت من مال جدة للأب، الأقرب فالأقرب إذا كان موسرا.

المسألة 416:

إذا انحصر قوت الطفل بإرضاع أمه و لم يكن للطفل مال، و لم يكن له أب و لا جد، أو كانا غير موسرين وجب على الأم إرضاعه مجانا،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 147

و تتخير بين إرضاعه بنفسها و استيجار مرضعة له أخرى، أو تحصيل أية وسيلة أخرى لقوته، و يكون ذلك من مال الأم فإن الطفل يكون واجب النفقة عليها في هذه الحال.

المسألة 417:

إذا تبرعت الأم بإرضاع ولدها أو طلبت من الأجرة عليه مثل ما يطلبه غيرها من المرضعات أو أقل منه كانت الأم أحق بإرضاعه فلا يجوز لأبي الطفل أن يسترضع له سواها، و ان كانت المرضعة الأخرى و الأم كلتاهما متبرعتين.

و إذا تبرعت غير الأم بإرضاع الطفل و طلبت الأم عليه الأجرة، أو طلبت من الأجرة ما يزيد على المرضعة الأخرى صح للأب أن يأخذ الطفل من أمه و يدفعه الى تلك المرضعة، و الظاهر سقوط حق حضانة الأم أيضا بذلك كما سقط حق الرضاع، و ان كان الأحوط مراعاة حق الأم في الحضانة مع الإمكان فيدفع الطفل إليها لتحضنه في غير أوقات الرضاع.

المسألة 418:

لبن الأم أفضل ما يرتضعه الطفل و أعظمه بركة عليه فلا ينبغي أن يقدم عليه غيره، الا إذا كانت المرضعة الثانية أشرف نسبا أو أحسن دينا أو أزكى خلقا.

المسألة 419:

حد الرضاعة حولان كاملان أربعة و عشرون شهرا، و تجوز الزيادة على ذلك، و يجوز أن ينقص عنه فيفصل الطفل و له أحد و عشرون شهرا، و لا يفطم قبل ذلك لغير ضرورة تقتضيه فإنه من الجور على الصبي كما ورد في الحديث.

المسألة 420:

أم الطفل أحق بحضانة ولدها و تربيته و القيام بشؤونه و صيانته و حفظه إذا شاءت ذلك من غير فرق بين أن يكون الطفل ذكرا أو أنثى.

و انما يثبت لها حق الحضانة بشرط أن تكون حرة مسلمة عاقلة، و الأحوط أن تكون مأمونة، فلا تثبت الحضانة لها إذا كانت أمة مملوكة،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 148

أو كانت كافرة و الولد لمسلم، أو كانت مجنونة، أو غير مأمونة، و يسقط حقها من الحضانة إذا شاءت إسقاط حقها منها.

المسألة 421:

إذا توفرت الشروط المذكورة في الأم ثبت لها حق الحضانة، و لم يجز للأب أن ينتزع الطفل منها إلى نهاية مدة رضاعه سنتين كاملتين، ثم الى أن يبلغ الطفل سبع سنين على الأحوط، و خصوصا في الأنثى، بل لا يترك الاحتياط بالتصالح مع المرأة عن حقها إذا أراد الأب أن يأخذ الطفل منها قبل ذلك.

نعم إذا طلبت الأم أجرة على رضاع الولد مع وجود مرضعة أخرى متبرعة أو أقل منها في الأجرة سقط حقها من الرضاع و حقها من الحضانة كما ذكرناه في المسألة الأربعمائة و السابعة عشرة، و قد قلنا ان الأحوط مراعاة هذا الحق مع الإمكان.

المسألة 422:

إذا فسخ الرجل نكاح الزوجة أو طلقها طلاقا رجعيا أو بائنا و كانت الزوجة ذات طفل منه، لم يسقط بذلك حق المرأة من حضانة ولدها، إلا إذا تزوجت غيره بعد ذلك، فإذا تزوجت غيره سقط حقها من حضانة ولد الأول، ثم لا تعود الحضانة إليها إذا فارقها الزوج الثاني، و الأحوط المصالحة.

المسألة 423:

لا يسقط حق المرأة في حضانة ولدها إذا هي زنت سواء كانت باقية في عصمة الزوج أبي الطفل أم فارقته بطلاق أو فسخ.

المسألة 424:

الأب أحق بولده بعد أن تنتهي مدة حضانة الأم الى أن يبلغ الولد و يرشد، فإذا بلغ و رشد كان له الحق أن يلتحق بمن يشاء الالتحاق به من الأبوين أو غيرهما أو يختار الاستقلال و لا فرق في ذلك بين الذكر و الأنثى.

و الأب أحق بولده كذلك إذا لم تتوفر في الأم شروط الحضانة في مدة الحضانة، و إذا تركت حضانته باختيارها، و إذا سقطت حضانتها بأحد

كلمة التقوى، ج 7، ص: 149

الأمور المسقطة لهذا الحق، و قد ذكرناها في المسائل المتقدمة، و الأب أحق بولده كذلك إذا ماتت الأم في أيام حضانتها.

المسألة 425:

الظاهر أن حق الأب في هذه الموارد الآنف ذكرها حكم شرعي، فلا يسقط بإسقاطه.

المسألة 426:

انما ينتقل حق الحضانة إلى الأب في الموارد المذكورة إذا كان حرا مسلما عاقلا، فلا ينتقل حق الحضانة إليه إذا كان مملوكا أو كان كافرا و الولد مسلم، أو كان الأب مجنونا، و تكون الأم أولى بالولد الى أن يبلغ و ان تزوجت.

المسألة 427:

إذا مات الأب في أيام حضانته للولد، فالأم أولى به من الجد أبى الأب و من وصي الأب و أقاربه جميعا.

المسألة 428:

إذا فقد الأب و الأم معا، ففي ثبوت حق حضانة الطفل للجد أبى الأب إشكال، و كذا في وصي الأب و وصي الجد، و الأقرب من الأقارب.

الفصل الثالث عشر في نفقة الزوجة
اشارة

النفقات التي تجب على الإنسان ثلاثة أنواع (1): نفقة الزوجة، (2): نفقة الأقارب، (3): نفقة المماليك و البهائم.

المسألة 429:

يجب على الرجل القيام بنفقة زوجته إذا كان الزواج بينهما دائما، سواء كانت الزوجة مسلمة أم ذمية و سواء كانت حرة أم أمة، و لا تجب عليه نفقة الزوجة إذا كان النكاح منقطعا، و لا نفقة للزوجة في المدة التي تكون بين العقد و الزفاف على الزوج، و خصوصا إذا كانت الزوجة صغيرة لا يبلغ عمرها تسع سنين.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 150

المسألة 430:

القول المشهور بين الفقهاء قدس سرهم انه لا نفقة للزوجة إذا نشزت عن طاعة الزوج، و هذا الحكم على إطلاقه محل اشكال، نعم يسقط وجوب نفقتها عن الرجل إذا خرجت عن منزله من غير اذنه و دون مسوغ شرعي ما دامت خارجة عنه فإذا استمر خروجها مدة فلا نفقة لها في تلك المدة و ان طالت، سواء كانت في سفر أم حضر، و سواء سكنت مع أهلها أو غيرهم في منزل آخر أم لا، فإذا رجعت الى زوجها وجبت النفقة عليه.

المسألة 431:

تجب نفقة الزوجة على الرجل إذا زفت اليه و ان كانت مراهقة، بل و ان كانت محرمة الوطء لصغر سنها، أو كان فيها أحد العيوب الموجبة لجواز الفسخ إذا رضي الزوج بها و لم يفسخ العقد و لم يدخل.

و لا يبعد عدم وجوب النفقة على الزوج إذا كان صغيرا غير قابل للاستمتاع بالمرأة، و ان زفت الزوجة اليه و كانت مراهقة أو كبيرة، و إذا كان مراهقا قابلا للاستمتاع بالمرأة و زفت اليه زوجته و هي مراهقة أو كبيرة فلا يترك الاحتياط بالإنفاق عليها.

المسألة 432:

لا تسقط نفقة الزوجة إذا سافرت و كان سفرها باذن زوجها، سواء كان السفر واجبا أم مندوبا أم مباحا، و لا تسقط نفقتها كذلك إذا سافرت بغير اذنه في سفر واجب مضيق كالسفر لحجة الإسلام و السفر للحج المنذور المعين، إذا كان نذرها للحج باذن زوجها.

و إذا سافرت في واجب موسع كالحج المنذور مطلقا و الزيارة أو العمرة المنذورين مطلقا و كان سفرها بغير اذن الزوج، فالظاهر سقوط نفقتها بذلك.

المسألة 433:

يحرم على المرأة أن تخرج من بيت زوجها بغير اذنه و دون عذر شرعي لخروجها كذلك، سواء كان الخروج منافيا لحق استمتاع الزوج بها أم

كلمة التقوى، ج 7، ص: 151

لا، و يثبت بذلك نشوزها و تسقط به نفقتها كما تقدم، و لا يجب عليها أن تستأذن من الزوج في سائر الأفعال الأخرى، و إذا فعلت شيئا من ذلك بغير اذنه لم يكن محرما إذا لم يناف حق الاستمتاع.

المسألة 434:

تجب على الرجل نفقة مطلقته الرجعية الى أن تنقضي عدتها منه سواء كانت حاملا أم حائلا، إلا إذا كانت ممن لا نفقة لها كما إذا خرجت من بيت زوجها بغير اذنه فسقطت نفقتها بسبب ذلك ثم طلقت قبل أن تعود و تتوب من نشوزها، فلا تكون لها نفقة في هذه الحالة، و إذا رجعت و تابت ثبتت لها النفقة، و ان كانت توبتها و رجوعها بعد الطلاق، كما هو الحكم في غير المطلقة.

المسألة 435:

يجب الإنفاق على المطلقة البائنة إذا كانت حاملا من المطلق، فينفق عليها حتى تضع حملها، و لا تجب النفقة للمطلقة البائنة غير الحامل منه، و لا للبائنة بغير الطلاق، سواء كانت حاملا أم حائلا، و لا لذات العدة من النكاح المنقطع و ان كانت حاملا، و لا للمعتدة عدة الوفاة و ان كانت حاملا كذلك، فلا نفقة لها في تركة زوجها و لا في نصيب الجنين الذي في بطنها من الميراث.

المسألة 436:

إذا ادعت المطلقة البائنة انها حامل من المطلق لوجود بعض الأمارات التي تدل على الحمل بحسب العادة، و صدقها بعض النساء الثقات الخبيرات في دعواها، دفعت إليها النفقة يوما بعد يوم حتى ينكشف أمرها، فإن استبان انها حامل أتمت لها النفقة حتى تضع، و إذا تبين عدم حملها استعيد منها ما أخذت من النفقة، و مع الشك تؤخر النفقة حتى تنكشف الحال.

المسألة 437:

الإنفاق على الزوجة هو القيام بما تحتاج اليه من طعام و أدام و كسوة و مسكن، و فراش للمنزل و أثاث، و وسائل إنارة، و فراش للنوم و دثار، و وسائل طبخ و أدوات، و أواني أكل و شرب، و آلات تنظيف

كلمة التقوى، ج 7، ص: 152

و تزين، و سائر ما تحتاج اليه بحسب حالها و شأنها و مكانها و زمانها من صيف أو شتاء و يراعي في جنس كل شي ء من أولئك و في مقداره ما تعارف اعتياده لأمثال تلك المرأة بحسب شرفها و مكانتها.

و من الإنفاق دفع أجرة الحمام إذا كان ذلك هو المعتاد لأمثالها في البلد، و أجرة الطبيب و قيمة الدواء إذا احتاجت إليهما، و مصاريف الولادة، و ما تحتاج إليه في الشتاء من وسائل الاصطلاء و التدفئة و في الصيف من وسائل التهوية و التبريد، و منه الاخدام إذا كانت من ذوات الحشمة و الإخدام، أو كانت مريضة محتاجة إلى الخدمة في أيام مرضها، و يراعى في جميع ما ذكر و في كيفيته و مقداره ما هو المتعارف لأمثالها كما تقدم.

المسألة 438:

يجوز للمرأة أن تطالب زوجها في بداية اليوم بنفقة ذلك اليوم إذا لم يكن قد دفع النفقة إليها، و لم يحدث لها ما يوجب سقوط نفقتها، و يجوز لها أن تجتزي عن ذلك بالأكل و الشرب مع الزوج من طعامه و شرابه، و تقضي سائر احتياجاتها بما يعده في منزله لنفسه و لعياله من أدوات و وسائل، و ليس للزوج أن يجبرها على ذلك.

المسألة 439:

إذا انقضى اليوم و لم يدفع الرجل نفقة الزوجة فيه و لم تجتز بما يبذله في بيته من نفقات، و استقرت نفقة الزوجة لذلك اليوم في ذمته و وجب عليه قضاؤها و هكذا في سائر الأيام، من غير فرق بين أن يكون الزوج موسرا أو معسرا، نعم ليس للزوجة أن تطالب الزوج بهذا الدين في حال إعساره.

المسألة 440:

إذا دفع الرجل الى زوجته نفقة يوم أو أيام و انقضت تلك المدة و لم يحدث في أثنائها ما يوجب سقوط وجوب النفقة عن الرجل، ملكت الزوجة النفقة التي دفعها إليها، فإذا فضل منها شي ء أو بقي جميعها، كما إذا قترت على نفسها أو أنفقت من غيرها كان ذلك ملكا لها، سواء كان ما دفعه الرجل إليها من أعيان النفقة نفسها أم من قيمتها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 153

المسألة 441:

إذا مات الزوج و قد استقرت في ذمته نفقة بعض الأيام لزوجته وجب على الوارث أن يفي ذلك من أصل تركة الميت كما هو الحكم في سائر الديون، و إذا ماتت الزوجة انتقل الدين الى ملك ورثتها، فيرث الزوج حصته منه و يجب عليه أداء حصص الباقين من الورثة.

المسألة 442:

يجوز للرجل أن يدفع للزوجة أعيان المأكول و المشروب جاهزة كاملة كالخبز و الأرز المطبوخ و اللحم المطبوخ و الكسوة المخيطة و سائر أعيان النفقة مما هو جاهز بالفعل و لا يحتاج الى طبخ و مزاولة و اعداد، و يجوز له أن يدفع لها أعيان النفقة، مما يحتاج إلى اعداد و كلفة كالأرز و الدقيق و اللحم غير المطبوخة، و الأقمشة غير المخيطة، و إذا دفع لها النفقة من القسم الثاني و احتاجت في أعدادها الى مئونة و أجرة، كان ذلك على الزوج كالحطب أو النفط، أو الغاز للطبخ، و الأجرة للخياطة.

و يجوز لهما أن يتراضيا بينهما على دفع القيمة، فتشتري هي أو وكيلها ما تحتاج اليه، فإذا قبضت الزوجة القيمة أجزأت الزوج عن الواجب.

المسألة 443:

النفقات التي تحتاج إليها المرأة في حياتها و في إقامة شؤونها تكون على قسمين، القسم الأول ما لا ينتفع به الا بذهاب عينه، كالمأكول و المشروب و الصابون و دهن الرأس و زيوت الزينة و العطور، و لا ريب في أن الزوجة تملك هذا القسم على الزوج، فيصح لها أن تطالب الزوج بأن يملكها أعيان تلك الأشياء لتصرفها في حاجاتها، و لها أن تجتزئ عن تملكها بالانتفاع بما يعده الزوج منها لنفسه و لعياله في المنزل كما تقدم في المسألة الأربعمائة و الثامنة و الثلاثين، و لعل الكسوة من هذا القسم أيضا و ان كانت مما ينتفع به مع بقاء عينه، فتملك الكسوة على الأقرب و تملك مطالبة الزوج بتمليكها، و لها ان تجتزئ بما يبذله منها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 154

القسم الثاني ما ينتفع به مع بقاء عينه، كالمنزل و الخادم و فراش البيت و فراش النوم، و الدثار

و الأدوات و الأواني و الوسائل، و الظاهر أن الأشياء من هذا القسم انما تستحقها الزوجة على سبيل الإمتاع لا التمليك فلا يجب عليه أن يملكها المنزل أو الخادم أو المبردة أو المدفئة، بل يجوز له أن يمتع زوجته و يسد حاجتها بما يملكه هو أو بما يملكه غيره بالإجارة أو الاستعارة و نحوهما، و يجوز له ان يملكها إياه.

المسألة 444:

ما تملكه المرأة من أعيان النفقة- و هو القسم الأول في المسألة المتقدمة- يجوز لها أن تتصرف فيه بما تشاء، و ان تهبه أو تتصدق به أو تبيعه، و إذا ملكته غيرها فليس لها بدله على الزوج، و انما تجب عليه نفقتها للأيام الأخرى.

فإذا ملك الرجل زوجته كسوة لتلبسها مدة معينة، و باعت المرأة الكسوة أو وهبتها أو تصدقت بها في أثناء المدة لم يجب على الرجل أن يدفع لها بدل الكسوة قبل أن تنتهي المدة المعينة لها، و انما تجب عليه الكسوة لما بعد ذلك من الأيام، إذا لم يحدث للمرأة ما يسقط وجوب نفقتها.

و ما يمتعها به الرجل من أعيان النفقة التي ينتفع بها مع بقاء عينها- و هو القسم الثاني في المسألة السابقة- فلا يجوز لها أن تتصرف فيه على غير الوجه المتعارف من الانتفاع إلا بإذن زوجها و اذن مالك الشي ء إذا كان مالكه غير زوجها.

المسألة 445:

لا يسقط وجوب النفقة عن الزوج بفقره و إعساره، فيجب عليه الكسب لذلك إذا كان قادرا عليه، و إذا عجز عن الكسب أو كان غير لائق بشأنه بقيت النفقة دينا في ذمته، و تجب عليه الاستدانة لها، إلا إذا علم بعدم قدرته على الوفاء، أو احتمل ذلك احتمالا قويا يعتد به.

المسألة 446:

لا يسقط عن الرجل وجوب الإنفاق على زوجته إذا سافرت و كان

كلمة التقوى، ج 7، ص: 155

سفرها باذن الزوج أو كان واجبا شرعيا عليها و قد تقدم بيان هذا قريبا، فتجب على الزوج نفقة الزوجة في السفر كما تجب في الحضر، و تجب عليه أيضا نفقة السفر نفسه من أجور و مصاريف أخرى إذا كان السفر لشؤون حياة الزوجة و مثال ذلك أن تكون مريضة و تسافر باذن زوجها للعلاج في بعض البلاد، أو كان السفر لشؤون الزوج نفسه، كما إذا سافر هو لعلاج نفسه، و سافرت المرأة معه لمداراته و تمريضه و رعايته، و لا تجب عليه نفقات سفرها إذا كان لاداء واجب مثلا كحج الإسلام، أو الحج و العمرة و الزيارة المنذورات.

المسألة 447:

إذا كان الزوج قادرا على النفقة على زوجته و امتنع عن القيام بها، جاز للمرأة أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فإذا ثبت لديه امتناع الزوج، ألزمه بالإنفاق عليها أو الطلاق، فإذا امتنع عن الأمرين، أنفق الحاكم على المرأة من مال الزوج، و ان كان ذلك ببيع بعض ممتلكاته، فإذا لم يمكن ذلك صح للحاكم الشرعي ان يطلق المرأة، سواء كان الزوج حاضرا أم غائبا.

المسألة 448:

إذا كان لدى الرجل ما يكفيه لنفقة نفسه خاصة من غير زيادة وجب صرفه على نفسه، و كان الحكم في نفقة زوجته ما تقدم في المسألة الأربعمائة و الخامسة و الأربعين، فإذا فضل اللّه من المال شي ء وجب عليه ان يصرفه في نفقة الزوجة و لم يدخر لنفسه في اليوم الآتي مثلا، فإذا فضل منه شي ء وجب عليه أن يصرفه في نفقة الآخرين ممن تجب عليه نفقتهم، و لم يدخر لنفسه أو لزوجته في اليوم الآتي.

المسألة 449:

لا يشترط في وجوب نفقة المرأة على زوجها أن تكون فقيرة، بل تلزمه نفقتها و ان كانت غنية موسرة.

المسألة 450:

نفقة الزوجة ليومها الحاضر حق من حقوقها على الزوج، و لذلك فيصح للمرأة إسقاطه عن الزوج قبل أن تقبضه، فإذا أسقطته سقط

كلمة التقوى، ج 7، ص: 156

وجوب نفقة ذلك اليوم عن الزوج و لم يصح لها أن تطالبه بالنفقة بعد ذلك، و إذا انقضى اليوم و لم يدفع الرجل نفقته أصبحت دينا ثابتا للمرأة في ذمة الرجل، فيصح لها ان تبرئ ذمة الرجل منه و كذلك نفقتها في الأيام الماضية التي لم يدفعها لعذر أو لغير عذر فهي ديون يصح فيها الإبراء.

و اما نفقتها للأيام المقبلة، و نفقتها بقول مطلق، فيشكل الحكم بصحة إسقاطها عن الرجل، فتقول له أسقطت عنك نفقتي في أيامي المقبلة، أو تقول أسقطت عنك جميع نفقتي الحاضرة و المقبلة ما عشت معك.

الفصل الرابع عشر في نفقة الأقارب و المماليك
المسألة 451:

تجب على الولد مع وجود الشرائط الآتي بيانها نفقة أبيه و أمه، و نفقة جده لأبيه وجده لأمه، و نفقة جدته لأبيه وجدته لأمه، و ان كانوا أجداده و جداته بواسطة أو أكثر، و تجب على الأب كذلك نفقة ولده و بنته و نفقة أبنائهما و بناتهما و ان تعددت الواسطة ما بينه و بينهم، سواء كانت الواسطة ذكورا أم إناثا أم مختلفين، و سواء كانوا مسلمين أم كفارا غير حربيين.

المسألة 452:

يشترط في وجوب النفقة أن يكون الشخص المكلف قادرا على الإنفاق، أما لكونه واجدا للنفقة بالفعل، أو لكونه قادرا على الاكتساب اللائق بشأنه، و الذي يكفي بسد الحاجة الموجودة، و ان يكون المعال به ممن لا يجد ما يكفيه لتسديد نفقته بالفعل، مع عجزه عن التكسب اللائق بحاله.

فلا تجب نفقته إذا كان ممن يجب كفايته لسد العوز، أو كان قادرا على اكتساب ذلك بما يناسب شأنه، و إذا وجد بعض ما يكفيه بالفعل و عجز عن التكسب للوفاء بالباقي، كان واجب النفقة على أبيه أو ولده

كلمة التقوى، ج 7، ص: 157

القادرين، و ان أمكنه أن يسد نفقته بالاقتراض أو الاستجداء و السؤال، أو أخذ الزكاة أو الخمس و نحوهما، و إذا بذلت له الزكاة أو الخمس بالفعل و اكتفى بها لحاجته، لم يجب على قريبه الإنفاق عليه.

و تجب نفقته على قريبه إذا كان التكسب مما يشق تحمله عليه لضعف بدنه، أو كان التكسب مما لا يناسب شرفه و مكانته في المجتمع، أو اشتغل عنه بطلب علم واجب، و نحو ذلك من الأمور المهمة في الدين أو الدنيا.

المسألة 453:

المدار في وجوب نفقة الشخص على قريبه على حاجته و عجزه عن الكسب بالفعل، فإذا كان قادرا على الاكتساب و لكنه تركه في وقته باختياره و أصبح محتاجا بالفعل و غير قادر على تسديد حاجته، وجبت نفقته على قريبه، و ان كان هو آثما بترك الكسب، و إذا كان قادرا على تعلم صناعة أو أمر يكفيه ناتجه لمعاشه، فلم يتعلم ذلك و أصبح محتاجا بالفعل، وجبت نفقته على قريبه كذلك.

المسألة 454:

لا يجب الإنفاق على غير الآباء و الأمهات و الأولاد من الأقارب، نعم يستحب ذلك، و يتأكد الاستحباب في الإنفاق على الوارث منهم.

المسألة 455:

ليس من الكسب أن تتزوج المرأة بمن يليق بها من الرجال فيقوم بنفقاتها، فلا تعد المرأة التي تستطيع ذلك قادرة على الكسب، و إذا تركت هذا التزويج مع تيسره لها لم تسقط بذلك نفقتها عن أبيها أو عن ولدها.

المسألة 456:

إذا لم يجد المكلف ما ينفقه على زوجته أو على قريبه الواجب النفقة، و كان قادرا على الاكتساب لذلك وجب عليه الاكتساب اللائق بحاله، و إذا ضاق به الكسب في وقت و أمكن له أن يستدين للنفقة أو يشتري نسيئة، و هو يستطيع أن يقضي الدين من كسبه في وقت آخر وجبت

كلمة التقوى، ج 7، ص: 158

عليه الاستدانة أو الشراء للنفقة نسيئة، من غير فرق بين نفقة الزوجة و نفقة القريب.

المسألة 457:

إذا كان المكلف مما يشق عليه التكسب لضعف بدنه أو مرضه أو كان مما لا يليق به لشرفه، و مكانته الاجتماعية أو كان مشغولا عنه بما هو أهم منه كطلب العلم الواجب، سقطت عنه نفقة أقاربه، و كانت نفقة زوجته دينا في ذمته، و لا يجب عليه التوسل للوفاء بها بالاستعطاء و السؤال أو أخذ الزكاة مثلا، و يجب عليه ذلك في نفقة نفسه إذا ضاق عنها كسبه و ما يجد من مال.

المسألة 458:

الواجب في الإنفاق على القريب: أن يقوم المكلف بما يحتاج قريبه من طعام و أدام و كسوة، و مسكن و أثاث، و يراعى في ذلك حال المعال به و ما يناسبه بحسب شرفه وضعته، و يلاحظ كذلك ما يناسبه في بلده و زمانه من صيف أو شتاء كما ذكرنا في نفقة الزوجة سواء بسواء.

المسألة 459:

ليس من النفقة الواجبة للقريب اعفافه بتزويج أو إعطاء مهر أو تمليك أمة أو تحليلها من غير فرق بين الأب و الولد، فلا يجب ذلك على المكلف و ان كان القريب محتاجا اليه، و الأحوط مراعاة ذلك و خصوصا مع الحاجة اليه، و خصوصا في الأب.

المسألة 460:

لا تجب على المكلف نفقة من يعول به ذلك القريب، إلا إذا كان واجب النفقة على المكلف نفسه فإذا أنفق الولد على أبيه لم تجب عليه نفقة زوجة الأب إلا إذا كانت أم الولد نفسه، و لا نفقة أولاد أبيه و ان كانوا اشقاءه، و تجب عليه نفقة أبى الأب و أمه فإنهما أبوان للولد بالواسطة، و إذا أنفق الأب على ولده لم تجب عليه نفقة زوجة الولد، و وجبت عليه نفقة أولاد ولده، فإنهم أولاد الأب بالواسطة.

المسألة 461:

إذا عجز الإنسان الذكر أو الأنثى عن نفقة نفسه، و كان له أب قادر

كلمة التقوى، ج 7، ص: 159

على الإنفاق وجبت نفقته على أبيه مع الانفراد، و كذلك إذا كان له ولد قادر على الإنفاق عليه سواء كان الولد ذكرا أم أنثى، فتجب على الولد نفقة أبيه مع أبيه.

و إذا كان له أب و ولد موسران اشتركا في الإنفاق عليه، و كذلك إذا كان له أبناء متعددون موسرون، فإنهم يشتركون في وجوب الإنفاق عليه، سواء كانوا ذكورا أم إناثا أم مختلفين. و يجوز لأحدهم أن ينفرد بنفقته مع التراضي.

المسألة 462:

لا تجب نفقة الإنسان العاجز عن نفقة نفسه على جده لأبيه مع وجود أبيه أو ابنه الذكر أو الأنثى إذا كانوا موسرين، و إذا لم يكن له أب و لا ولد، أو كانا غير قادرين على الإنفاق عليه وجبت نفقته على جده لأبيه مع القدرة، و يكون مقدما على جد الأب لأبيه.

المسألة 463:

قال المشهور من الفقهاء قدس اللّه أرواحهم: و هكذا يتصاعد الحكم بوجوب الإنفاق على المعسر إلى الأقرب من الأجداد فالأقرب، و الى الأقرب من الأحفاد فالأقرب، فإذا كان للمعسر ابن ابن موسر اشترك مع الجد للأب في النفقة، و اختص بها مع الانفراد، و قدم على جد الأب، و يقدم الحفيد الذي يتقرب الى المعسر بواسطتين على الحفيد و الجد اللذين يتقربان اليه بثلاث وسائط أو أكثر، و يشترك مع الحفيد و الجد اللذين يتقربان مثله بواسطتين، و كذلك يقدم الجد الذي يتقرب بواسطتين على الحفيد و الجد اللذين يتقربان بثلاث وسائط أو أكثر، و على هذا النهج يجري في بقية المراتب و الطبقات إذا اتفق وجود ذلك.

و قالوا أيضا: إذا كان للمعسر أب أو ولد ذكر أو أنثى أو جد لأب و ان علا، لم تجب نفقته على أمه و ان كانت موسرة، و إذا فقد كل أولئك أو كانوا غير قادرين على الإنفاق وجبت النفقة على أمه إذا كانت قادرة. و إذا فقدت الأم أو كانت غير قادرة كانت نفقته على أبي الأم و أمها إذا كانا موجودين و قادرين على الإنفاق و تشترك معهما أم الأب و يشترك معهم ولد الولد إذا كان موسرا، و إذا كان القادر على

كلمة التقوى، ج 7، ص: 160

الإنفاق أحدهم خاصة انفرد بوجوب النفقة،

فإذا فقدوا جميعا أو كانوا معسرين كانت النفقة على الأقرب فالأقرب من الأحفاد و آباء الأم و أمهاتها و آباء أمهات آبائه، و إذا وجد متعددون منهم في مرتبة واحدة اشتركوا في النفقة.

هكذا ذكروا رحمهم اللّه في ترتيب طبقات المنفقين، و في كثير مما ذكروه في وجوه التقديم اشكال و تأمل، فلا يترك الاحتياط بالتراضي و المصالحة في فروض التقديم.

المسألة 464:

يجب على المكلف القادر على الإنفاق أن يقوم بنفقة غير القادر من آبائه و أبنائه على ما تقدم بيانه سواء كان المعسر واحدا أم أكثر و سواء كانوا من مرتبة واحدة أم أكثر، فيجب عليه الإنفاق على الجميع ما دام مستطيعا لذلك.

و إذا أمكنه الإنفاق على البعض خاصة وجب عليه الإنفاق على الأقرب إليه فالأقرب منهم حسب قدرته و لم يجب عليه الإنفاق على من بعد، فإذا استطاع الإنفاق على واحد و كان له أب وجد معسران أو ولد وجد كذلك أنفق على أبيه في الفرض الأول و على ولده في الفرض الثاني و لم تجب عليه نفقة جده، و إذا استطاع أن ينفق على اثنين أنفق على أبويه إذا كانا معسرين و لم ينفق على جده و كذلك إذا كان ولده و أحد أبويه معسرين أو كان له ابنان معسران فلا تجب عليه نفقة جده في الفرضين فإن الأب و الولد أقرب إليه من الجد.

المسألة 465:

إذا استطاع المكلف الإنفاق على واحد و كان له أبوان معسران أو ولدان كذلك أو ولد و أب، فإن أمكن له أن يقسم ما يجده بينهما و يكون مجديا، قسمه بينهما، و ان لم يمكن تقسيم الشي ء الموجود أو كان مع التقسيم لا يجدي شيئا، أنفق على من تعينه القرعة منهما على الأحوط، و هكذا كلما كان المحتاجون أكثر مما يستطيع و كانوا متساوين في القرب إليه.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 161

المسألة 466:

لا يجوز ترك الإنفاق على الأقارب مع القدرة على النفقة و يأثم المكلف بها إذا تركها عامدا دون عذر يسوغ له ذلك، و لا يجب قضاء النفقة عليهم إذا فاتت لعذر أو لغير عذر إلا في الصورة الآتي ذكرها.

المسألة 467:

إذا وجبت نفقة القريب على المكلف و امتنع عن الإنفاق الواجب، و علم الحاكم الشرعي بامتناعه، أجبره على الإنفاق، و إذا أصر على امتناعه تولى الحاكم الإنفاق على القريب من بعض أموال المكلف و لو بأن يبيع بعض ممتلكاته، و يصح للحاكم الشرعي ان يأمر القريب المعسر بأن يستدين لنفقته على ذلك المكلف إذا كان ممتنعا أو غائبا، أو يأمره بالشراء للنفقة نسيئة، و يجب على المكلف قضاء هذا الدين.

المسألة 468:

وجوب نفقة الأقارب على المكلف بها حكم شرعي محض و ليس حقا من الحقوق و لذلك فهو لا يقبل الإسقاط إذا أسقطه القريب المعسر.

المسألة 469:

إذا أعسر العبد المملوك و لم يستطع الإنفاق على نفسه لم تجب نفقته على قريبه الحر، بل تجب نفقته على مالكه و يجبر المالك عليها إذا امتنع عن أدائها و سيأتي بيان ذلك ان شاء اللّه تعالى، و إذا أعسر الكافر الحربي أو المرتد الفطري لم تجب نفقته على قريبه المسلم.

المسألة 470:

تجب نفقة المملوك على سيده من غير فرق بين العبد و الأمة و لا بين الصغير و الكبير و من غير فرق في الأمة بين الموطوءة لسيدها بالملك و غيرها، و الواجب من نفقة المملوك ما يقوم بكفايته و سد حاجته من الطعام و الإدام و الشرب و الكسوة و المسكن و غير ذلك مما يحتاج اليه، و يراعى في جنس ذلك ما يتعارف لمماليك أمثال سيده في ذلك البلد.

المسألة 471:

إذا كان المملوك قابلا للاكتساب تخير مولاه بين أن ينفق عليه من

كلمة التقوى، ج 7، ص: 162

ماله، و ان يأذن له في الكسب و الإنفاق على نفسه من حاصل كسبه، فإذا فضل منه شي ء دفعه الى مولاه، و إذا قصر كسبه عن النفقة أتمها المولى من ماله.

المسألة 472:

إذا امتنع مولى العبد عن الإنفاق على مملوكه بأحد الوجهين الآنف ذكرهما، أجبره، الحاكم على بيع المملوك أو غير البيع مما يزيل ملكه عنه أو الإنفاق عليه.

المسألة 473:

تجب نفقة البهيمة المملوكة على مالكها بما يقوم بكفايتها من أكل و سقي و مكان و جل إذا كانت مما تحتاج الى ذلك، و يراعى فيه جنس ما تقتات به تلك البهيمة فالحيوانات التي تقتات الكلاء و الحشائش و القت و أمثالها يجب على مالكها أن يهيئ لها ما يقوم بحاجتها منه، و دود القز الذي يقتات ورق التوت مثلا على المالك أن يوفره له و نحل العسل الذي يقتات من ازهار الشجر على المالك أن يوفره له و هكذا.

و يكفي أن يطلق البهيمة تسوم في الأرض و ترعى من خصبها فان لم يكفها ذلك علفها بمقدار كفايتها.

و إذا امتنع المالك عن الإنفاق على البهيمة أجبر على بيعها أو الإنفاق عليها، أو ذبحها إذا كانت مما ينتفع به بالتذكية عادة.

و الحمد للّه رب العالمين

كلمة التقوى، ج 7، ص: 163

كتاب الطلاق

اشارة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 165

كتاب الطلاق

المسألة الأولى:

تكثرت الأحاديث الواردة عن الرسول (ص) و عن أهل بيته المعصومين (ع) الدالة على كراهة طلاق الزوجة و خصوصا مع ملائمة الأخلاق بين الزوجين، ففي الصحيح عن أبي عبد اللّه (ع) قال قال رسول اللّه (ص):

ما من شي ء أحب الى اللّه عز و جل من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح، و ما من شي ء أبغض الى اللّه عز و جل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة يعني الطلاق، و عن أبي عبد اللّه (ع): ما من شي ء مما أحله اللّه أبغض إليه من الطلاق، و ان اللّه يبغض المطلاق الذواق، و تخف الكراهة و قد تزول إذا كانت الأخلاق بين الزوجين متنافرة و غير متلائمة، و قد يؤدي البقاء الى ما لا يحمد، فيكون الطلاق علاجا لمشكلة لا تحل الا به، و تخلصا من خطر أكبر منه، و كتاب الطلاق يشتمل على عدة فصول:

الفصل الأول في شروط الطلاق
المسألة الثانية:

يشترط في صحة الطلاق أن يكون الزوج المطلق بالغا، فلا يصح الطلاق إذا كان صبيا صغيرا و ان كان مميزا، فليس له أن يطلق زوجته بنفسه أو يوكل أحدا غيره في طلاقها، و إذا بلغ عمره عشر سنين و كان مميزا فلا يترك الاحتياط فيه، فلا يتولى طلاق زوجته بالمباشرة أو بالتوكيل، و ان هو أوقع الطلاق أو أوقعه وكيله فلا يترك الاحتياط بأن يجدد له عقد النكاح إذا أراد إمساك الزوجة، و ان يجدد الطلاق بعد بلوغه و رشده إذا أراد فراقها، و لا يصح لوليه أن يتولى اجراء الطلاق عنه حتى الأب و الجد للأب.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 166

المسألة الثالثة:

يشترط في الزوج المطلق أن يكون عاقلا، فلا يصح طلاقه إذا كان مجنونا مطبقا لا بالمباشرة و لا بالتوكيل، و لا يصح طلاقه كذلك إذا كان جنونه أدوارا و قد أوقعه أو أوقعه وكيله عنه في حال جنونه، و كذلك الحكم في السكران الذي زال عقله لسكره فلا يصح طلاقه و لا توكيله في الطلاق.

المسألة الرابعة:

إذا بلغ الصبي و هو مجنون فاسد العقل فاتصل جنونه بصغره، و كان الجنون مطبقا، و اقتضت المصلحة تطليق زوجته منه صح لأبيه أو جده لأبيه أن يتولى طلاق زوجته و الأحوط لزوما أن يشترك معهما الحاكم الشرعي في إجراء الطلاق عنه و إذا لم يكن له أب و لا جد، و اقتضت المصلحة تطليق الزوجة تولى الحاكم الشرعي ذلك، و كذلك الحكم إذا طرأ له الجنون المطبق بعد البلوغ، فيطلق عنه الأب أو الجد مع الحاكم في الصورة المذكورة، و يطلق عنه الحاكم إذا لم يوجد له أب و لا جد.

المسألة الخامسة:

لا يطلق الأب و لا الجد مع الحاكم و لا بدونه و لا غيرهما من الأولياء عن المجنون الأدواري سواء اتصل جنونه بصغره أم طرأ عليه بعد البلوغ، و لا يطلق الولي عن السكران و لا عن الصبي.

و يصح للمجنون أدوارا أن يطلق زوجته في دور إفاقته، و ان يوكل أحدا في طلاقها كذلك بشرط أن يوقع الوكيل طلاق الزوجة في حال إفاقة الزوج أيضا، و إذا جن الزوج قبل الطلاق بطلت الوكالة و لم يصح للوكيل أن يوقع الطلاق بعد إفاقة الزوج إلا بوكالة جديدة منه بعد إفاقته.

المسألة السادسة:

يشكل الحكم بصحة الطلاق إذا كان الزوج مغمى عليه في حال الطلاق، فإذا و كل الإنسان أحدا أن يطلق عنه زوجته ثم أغمي عليه، فالأحوط لزوما ان لا يوقع الوكيل طلاق الزوجة في حال الإغماء على الزوج،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 167

و إذا أفاق الزوج من إغمائه فالأحوط كذلك أن لا يوقع الوكيل الطلاق إلا بوكالة جديدة بعد الإفاقة، و تراجع المسألة السابعة عشرة من كتاب الوكالة، و يجري مثل هذا الاحتياط في السكران، فإذا وكل الرجل أحدا في طلاق زوجته ثم سكر سكرا أزال عقله لم يوقع الوكيل الطلاق عنه في حال سكره، و لا بعد إفاقته من السكر الا بوكالة جديدة، على تأمل في الصورة الثانية و لكنه احتياط لا يترك و خصوصا في الفروج.

المسألة السابعة:

يشترط في الزوج المطلق أن يكون قاصدا لمعنى الصيغة التي يوقعها و أن يكون مختارا في فعله فلا يصح الطلاق إذا أوقع صيغته و هو نائم أو ساه أو غالط أو هازل، لا يريد معنى الطلاق من لفظه، و لا يصح الطلاق إذا أوقعه مكرها أو مجبرا عليه اكراها أو جبرا أزال منه اختياره في الفعل، أو وكل أحدا على الطلاق و هو مكره أو مجبر، و أوقعه الوكيل عنه معتمدا على هذه الوكالة.

المسألة الثامنة:

إنما يمنع النوم و السهو و أخواتهما من صحة الطلاق إذا وقعت صيغة الطلاق من الزوج كما ذكرنا لعدم القصد المعتبر في الإنشاء، و لا يمنع من إطلاق الوكيل إذا وكله الزوج في الطلاق و هو قاصد مختار للتوكيل في الطلاق ثم أوقع الوكيل صيغة الطلاق و الموكل نائم أو ساه أو غافل في تلك الحال إذا كان تام العقل تام الاختيار.

المسألة التاسعة:

الإكراه هو أن يرغم أحد شخصا غيره على أن يفعل أمرا يكره فعله، و يتوعده إذا هو لم يفعل ذلك الشي ء أن ينزل به أو بعرضه أو بماله أو ببعض شؤونه أو متعلقيه ضررا يخشى وطأته، و هو كذلك يخشى من وقوع هذا الوعيد إذا هو خالف و لم يفعل، و يلحق بذلك ما إذا أمره المتنفذ بفعل ذلك الشي ء على وجه الإلزام، و هو يخاف الضرر منه إذا خالف و لم يمتثل و ان لم يتوعده بشي ء، و تلاحظ المسألة السابعة و السبعون من كتاب التجارة و ما بعدها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 168

المسألة العاشرة:

ليس من الإكراه ما إذا توقع الإنسان أن يحل عليه ضرر يخشاه من المتنفذ إذا هو لم يفعل شيئا معينا، ففعل ذلك الشي ء ليتخلص من ذلك الضرر المتوقع أو المتخيل، و لم يحصل من المتنفذ اكراه و لا إلزام بالفعل و من أمثلة ذلك أن يتزوج الرجل امرأة ثم يعلم أن بعض أرحام المرأة العتاة يمنع من زواجها بغيره و خاف من ضرره إذا علم بأنه قد تزوج المرأة، فطلقها خوفا من ضرره، فلا يكون الطلاق باطلا لعدم الإكراه.

و من أمثلته ما إذا كانت للرجل زوجة ثم تزوج عليها زوجة ثانية، و خاف بعد الزواج بها من سطوة الأولى أو من ضرر يحل به من بعض أرحامها فطلق الثانية خوفا منه، فلا يكون الطلاق باطلا و ان كان الضرر معلوما.

المسألة 11:

إذا أكره المتنفذ الزوج على طلاق زوجته و توعده بالضرر إذا هو لم يطلقها و كان الزوج قادرا على التخلص منه و من ضرره بالاستعانة ببعض الأقوياء، أو بالخروج الى مكان لا يصل اليه ضرره، فطلق زوجته و لم يفعل شيئا يتخلص به، فالظاهر صحة الطلاق و عدم تحقق الإكراه، إلا إذا أوجب له الوعيد شدة الخوف فأدهشته عن الفكر في ذلك و طلق الزوجة و لم يلتفت.

و أما التورية و هي أن يتكلم بصيغة الطلاق و يقصد معنى آخر غير إنشاء الطلاق بها، فهي أمر لا يلتفت إليه العامة من الناس و لا تعد ميسورة لهم، فإذا أوقع الرجل صيغة الطلاق و لم يقصد التورية فهو مكره لا يصح طلاقه.

و إذا كان الرجل ممن يلتفت الى التورية و لم يذهله الخوف عن استعمالها، و أجرى الصيغة و لم يقصد التورية فلا يترك الاحتياط فيه،

فيرجع بالمرأة أو يجدد العقد عليها إذا أراد الإمساك بزوجيتها، و يجدد صيغة الطلاق بعد ارتفاع الإكراه إذا أراد فراقها.

المسألة 12:

لا يصح طلاق المكره و ان رضي به بعد زوال الإكراه عنه، فلا تصححه

كلمة التقوى، ج 7، ص: 169

الإجازة اللاحقة كما هو الحكم في عقد النكاح أو عقد البيع أو غيرهما من العقود التي تصح إذا لحقتها الإجازة.

المسألة 13:

يصح طلاق الرجل لزوجته مع اجتماع الشرائط المعتبرة فيه و ان لم تعلم الزوجة بطلاقها و لم ترض به.

المسألة 14:

انما يقع الطلاق على المرأة المزوجة بالنكاح الدائم و لا يقع على الزوجة المتمتع بها، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثلاثمائة و الاثنتين من كتاب النكاح و في مواضع غيرها من الكتاب، و لا يقع الطلاق على الأمة الموطوءة بملك اليمين أو بالتحليل.

المسألة 15:

يشترط في صحة الطلاق أن تكون المرأة طاهرة من الحيض و النفاس، فلا يصح طلاقها إذا كانت غير نقية من أحد الدمين، و إذا نقت من الدم و لم تغتسل من الحدث صح طلاقها، و قد ذكرنا هذا في المسألة الخمسمائة و الثالثة و الستين من كتاب الطهارة.

و لا يترك الاحتياط لزوما إذا طلقها في فترة النقاء الذي يتخلل في أثناء الدم الواحد من الحيض أو النفاس، فلا بد من الطلاق مرة أخرى بعد الطهر من جميع الدم إذا أراد الزوج فراق المرأة، و لا يمسكها إذا أراد إمساكها الا برجعة إذا كان الطلاق رجعيا، و الا بعقد جديد إذا كان غير رجعي.

المسألة 16:

ما ذكرناه في المسألة السابقة من اشتراط خلو المرأة من دم الحيض و دم النفاس انما يشترط في المرأة المدخول بها، فلا يعتبر ذلك في المرأة التي يطلقها الزوج قبل الدخول، فيصح طلاقها و ان كانت حائضا أو كانت نفساء، كما إذا وطأ المرأة المعقودة غير زوجها بالشبهة فحملت منه و وضعت، و طلقها الزوج قبل دخوله بها و هي نفساء بولادتها من الشبهة، فيصح طلاقها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 170

و انما يشترط خلو المرأة من الحيض إذا كانت حائلا، فلا يعتبر ذلك في المرأة إذا كانت حاملا مستبينة الحمل، فيصح طلاقها متى استبان حملها و ان كانت حائضا بناء على ما هو الأقوى من أن الحامل قد تحيض، و انما يشترط ذلك في المرأة إذا كان زوجها حاضرا يمكنه معرفة حالها في حال الطلاق، فإذا كان غائبا يجهل أمرها و لا يمكنه العلم به سقط اعتبار هذا الشرط و صح طلاقها و ان كانت حائضا أو نفساء بالفعل، و سنذكر تفصيل

ذلك في ما يأتي ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 17:

يشترط في صحة طلاق المرأة أن تكون حال طلاقها في طهر لم يجامعها زوجها فيه، فلا يصح الطلاق إذا وقع في طهر المواقعة، إلا إذا كانت صغيرة لم تبلغ تسع سنين و ان حرم الدخول بها، أو كانت كبيرة قد أيئست من المحيض، أو كانت حاملة قد استبان حملها، فيصح طلاقها في هذه الفروض و ان كانت في طهر المواقعة، و يسقط اعتبار هذا الشرط في المرأة إذا كان الزوج المطلق غائبا لا يمكنه استعلام حالها إذا تمت الأحوال و الشروط التي يأتي بيانها.

المسألة 18:

إذا جامع الرجل زوجته و كانت مسترابة، و أراد طلاقها بعد الوطء وجب عليه أن يعتزلها ثلاثة أشهر من حين جماعه إياها، فإذا اعتزلها و لم يجامعها حتى تمت المدة صح له طلاقها و ان لم تنتقل الى طهر آخر، و لا يصح له طلاقها قبل ذلك، إلا إذا حملت و استبان حملها، و المسترابة هي المرأة التي لا تحيض و لم تبلغ سن اليأس من المحيض سواء كان عدم حيضها لأمر اتفاقي حدث لها أم لكونها في أول البلوغ أم لكونها مرضعة ذات لبن.

المسألة 19:

يجب على الزوج تربص ثلاثة أشهر في طلاق المسترابة سواء كان الزوج حاضرا أم غائبا و لا يكفي في صحة طلاق الغائب أن يتربص أقل من هذه المدة إذا كانت المرأة مسترابة، و يكفي في ذلك ان يترك الرجل

كلمة التقوى، ج 7، ص: 171

وطء المرأة في المدة المذكورة و ان حصل ذلك اتفاقا أو لسبب من الأسباب و لم يكن بقصد التربص للطلاق.

المسألة 20:

إذا وطأ الرجل زوجته في أيام حيضها عامدا أو مخطئا، لم يكف في صحة طلاقها أن تطهر من الحيض الذي واقعها فيه على الأحوط، بل لا يخلو ذلك من قوة، فلا بد من أن تحيض بعد ذلك ثم تطهر من الحيض.

المسألة 21:

إذا كان الرجل غائبا عن زوجته و أراد طلاقها و هو يجهل حالها من حيض أو نفاس أو طهر و لا يمكنه أن يستعلم عن ذلك منها أو من أحد مطلع على أمرها جاز له أن يطلقها، و إذا طلقها صح طلاقه و نفذ، و ان استبان بعد ذلك انها كانت حائضا في حين الطلاق أو نفساء، سواء تولى طلاقها بنفسه أم طلقها وكيله، إذا كان الوكيل أيضا جاهلا بأمر المرأة و لا تمكنه معرفة حالها.

المسألة 22:

إذا غاب الرجل عن زوجته و كانت المرأة حائضا في وقت خروجه و أراد طلاقها وجب عليه أن يصبر حتى يعلم بأن حيضها قد انتهى، و إذا علم أنها ذات عادة في الحيض كفاه أن يصبر حتى يعلم بأن عادتها قد انتهت ثم يصح له أن يطلقها إذا شاء، فإذا تربص كذلك ثم طلقها صح طلاقها و ان علم بعد ذلك بأن الطلاق وقع في حال الحيض، و كذلك الحكم إذا كانت المرأة نفساء في وقت خروج الزوج، فيجب عليه الصبر حتى يقطع بانتهاء النفاس في الفرض الأول، و يكفيه العلم بانتهاء العادة في الفرض الثاني.

المسألة 23:

إذا غاب الرجل عن زوجته و هي في طهر كان قد جامعها فيه، و أراد طلاقها، فان كانت المرأة ذات عادة يعلم بها الزوج وجب عليه أن يصبر حتى يحصل له العلم بأن المرأة بحسب عادتها قد انتقلت من طهرها الذي جامعها فيه الى طهر آخر، و إذا لم تكن لها عادة أو كان الرجل جاهلا بها، كفاه أن يتربص شهرا واحدا من حين مواقعته إياها، و أولى من

كلمة التقوى، ج 7، ص: 172

ذلك أن يتربص ثلاثة أشهر ثم يطلقها إذا شاء، فيصح طلاقها في هذه الفروض و ان ظهر بعد ذلك ان طلاقه في طهر المواقعة.

المسألة 24:

إذا غاب الرجل عن الزوجة و هي في طهر لم يواقعها فيه صح له ان يطلقها متى شاء بملاحظة هذا الشرط و عليه أن يراعي ما تقدم من حيث الحيض و الطهر.

المسألة 25:

لا تختص الأحكام التي بيناها في المسائل السابقة بالزوج الغائب عن المرأة، بل تعم الزوج الحاضر مع زوجته في البلد إذا كان كما اشترطنا في الغائب جاهلا بأمر المرأة و يتعذر عليه أو يتعسر استعلام حالها في الحيض و النفاس و كونها في طهر المواقعة و عدمه، فتجري فيه جميع الفروض المتقدمة و تنطبق عليه أحكامها، فيصح له الطلاق في الموارد التي يصح الطلاق فيها للغائب، و يجب التربص عليه في الفروض التي يجب التربص فيها على الغائب من غير فرق بينهما، و لا تجري الأحكام في الغائب إذا كان ممن يمكنه أن يتعرف حال المرأة و لا يتعسر عليه، فلا يصح له الطلاق في حال الحيض أو النفاس و لا في طهر المواقعة.

المسألة 26:

إذا كان الزوج الغائب ممن يجب عليه التربص كما بينا في المسألة الثالثة و العشرين، فطلق زوجته قبل أن تمضي المدة المعينة، فإذا استبان بعد ذلك أن طلاقه قد كان في طهر المواقعة للمرأة أو في حال الحيض كان باطلا، و كذلك إذا لم يستبن له شي ء من أمرها فيكون الطلاق باطلا أيضا، و إذا ظهر بعد ذلك ان الطلاق وقع في طهر لم يجامعها فيه صح الطلاق و نفذ.

المسألة 27:

إذا طلق الرجل امرأته و هو يجهل حالها و لم يستعلم عن أمرها مع تمكنه من الاستعلام، ثم علم أنها كانت حاملا في حين الطلاق، أشكل الحكم بصحة طلاقه لعدم استبانة الحمل، و لذلك فلا بد من مراعاة الاحتياط بإعادة الطلاق إذا أراد الفراق، و الرجوع بالزوجة إذا كان

كلمة التقوى، ج 7، ص: 173

الطلاق رجعيا و أراد الإمساك و تجديد العقد إذا كان الطلاق بائنا.

المسألة 28:

تصدق المرأة إذا أخبرت عن نفسها بأنها حائض أو نفساء أو في طهر منهما، و انها في طهر المواقعة أو في طهر آخر، و تترتب الأحكام على قولها، فتطلق إذا أخبرت بأنها في طهر، و في طهر غير المواقعة. و يؤجل طلاقها إذا قالت انها في حيض أو نفاس، أو في طهر المواقعة، و يشكل الحكم بقبول خبرها إذا كانت متهمة.

المسألة 29:

إذا أخبرت المرأة بأنها طاهرة من الحيض و النفاس، أو أنها في طهر غير طهر المواقعة فصدقها الزوج أو وكيله، و أوقع صيغة الطلاق، و أخبرت بعد ذلك بأنها كانت حائضا أو نفساء في حال الطلاق أو انها كانت في طهر المواقعة، لم يقبل خبرها الثاني، و عمل على قولها الأول الا أن تقوم البينة أو القرينة القطعية على صحة قولها الثاني فيكون هو المتبع.

المسألة 30:

إذا علم الرجل بأن زوجته كانت طاهرة من الحيض أو من النفاس صباح هذا اليوم مثلا، و شك بعد ساعة أو أكثر في نزول الحيض عليها فحكم بأنها لا تزال طاهرة للاستصحاب، و طلقها، بنى على صحة طلاقها إذا لم ينكشف له خلاف ذلك، فإذا علم أنها كانت حائضا في وقت طلاقها كان الطلاق باطلا، و كذا إذا علم بأنها طاهر، و شك في انه واقعها في هذا الطهر أم لا، و استصحب عدم المواقعة و أجرى صيغة الطلاق فإنه يبني على صحة هذا الطلاق ما لم ينكشف له الخلاف، فإذا تذكر أنه قد جامع المرأة في هذا الطهر كان الطلاق باطلا.

المسألة 31:

يشترط في صحة الطلاق أن تكون المرأة المطلقة متعينة، فإذا كانت للرجل زوجة واحدة، فقال: زوجتي طالق صح طلاقها و نفذ، و ان لم يذكر اسمها و لم يعينها بذكر صفة أو إشارة، لأنها متعينة في الواقع، و كذلك إذا عينتها القرائن القطعية، و مثال ذلك: أن تكون للرجل

كلمة التقوى، ج 7، ص: 174

زوجتان أو أكثر ثم يقع بينه و بين واحدة معينة منهن نفور شديد و خلاف فيقول: زوجتي طالق، فان النفور و عدم الموافقة في الطباع يكون قرينة على تعيين المطلقة من زوجاته.

و إذا كانت له زوجتان أو أكثر، و قال: زوجتي طالق و لم يذكر لها اسما و لا وصفا، و لم تعين القرائن واحدة منهن فان لم ينو في نفسه واحدة بعينها كان الطلاق باطلا، و إذا نوى في نفسه طلاق واحدة معينة منهن كان الطلاق صحيحا عند جماعة من الأكابر، و الأحوط أن يذكر في الصيغة ما يدل على تعيين المرأة المقصودة بالطلاق، و لا يكتفي بالنية

وحدها، فعليه أن يعيد الطلاق مع التعيين.

الفصل الثاني في صيغة الطلاق
المسألة 32:

لا يصح إيقاع الطلاق الا باللفظ مع القدرة، و لا يصح إيقاعه إلا بالصيغة العربية المخصوصة، و هي أن يقول الرجل لامرأته: أنت طالق، أو يقول: زوجتي زينب طالق، أو يقول- و هو يشير إليها هذه المرأة- طالق أو هي طالق، أو يقول وكيل الزوج: زينب زوجة موكلي علي طالق، و يقصد إنشاء الطلاق بالصيغة المذكورة و لا يقع بأن يقول الزوج أو وكيله: فلانة مطلقة، أو يقول: طلقت فلانة، أو يأتي بغير ذلك من الألفاظ المشتقة من مادة الطلاق غير لفظ طالق.

و لا يصح إنشاء الطلاق بالكنايات التي قد تستعمل لذلك، فيقول للمرأة: فارقتك، أو هذا فراق بيني و بينك، أو يقول لها: الحقي بأهلك، أو حبلك على غاربك، أو أنت بائن أو مبانة مني، أو أنت خلية أو أنت برية، أو يقول لها: اعتدي، فلا يصح أن ينشئ الطلاق بذلك و يقصد ابانة المرأة من نكاحه.

المسألة 33:

إذا قيل للزوج أو لوكيل الزوج في الطلاق: هل طلقت فلانة؟ فقال:

نعم، و هو يقصد إنشاء الطلاق، بقوله نعم، لم يكن قوله هذا طلاقا على الأقوى.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 175

المسألة 34:

لا يصح إيقاع الطلاق بالكتابة و لا بالإشارة إذا كان المطلق ممن يقدر على النطق بالصيغة، فإذا عجز عن النطق بها كالأخرس و شبهه، صح له ذلك، و الأحوط أن يقدم الكتابة على الإشارة إذا كان ممن يحسنها، و الأحوط استحبابا أن لا يوقع العاجز الطلاق بالكتابة أو الإشارة إلا مع العجز عن التوكيل في إجراء الصيغة لمن يحسن النطق بها.

المسألة 35:

لا يقع الطلاق بترجمة الصيغة المذكورة في لغة غير عربية و ان كانت الترجمة مطابقة لها في المعنى، إذا كان المطلق قادرا على النطق بالصيغة العربية أو قادرا على التوكيل في إجراء الصيغة، و إذا عجز عن النطق بها و عجز عن التوكيل في إجرائها، كفته الترجمة المطابقة في أي لغة كانت، فإذا أتى بما يرادف الصيغة المعينة و قصد بها إنشاء الطلاق صح و نفذ.

المسألة 36:

يجوز للرجل أن يوكل أحدا غيره في أن يطلق عنه زوجته إذا كان الوكيل ممن يحسن اجراء الطلاق و لو بالتعلم، و يجوز له أن يوكل أحدا في أن يوكل ثالثا على إيقاع الطلاق، و يجوز له أن يوكل أحدا وكالة مطلقة في أن يتولى عنه طلاق الزوجة ان شاء بمباشرته بنفسه و ان شاء بتوكيل غيره، فيصح الطلاق إذا أجراه الوكيل أو أجراه وكيل الوكيل على الوجه الصحيح، و لا فرق في الفروض المذكورة بين أن يكون الزوج حاضرا أو غائبا.

المسألة 37:

يجوز للزوج أن يوكل زوجته بنفسها في أن تجري صيغة طلاقها بنفسها إذا كانت تحسن ذلك، و يجوز له أن يوكلها في أن توكل أحدا غيرها على اجراء طلاقها، و ان كان الأحوط استحبابا عدم توكيلها في كلتا الصورتين، بل لا يترك الاحتياط بالاجتناب في طلاق الخلع و المبارأة.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 176

المسألة 38:

إذا وكل الرجل المرأة في طلاق نفسها، و فوض ذلك إليها ان شاءت الطلاق أو شاءت البقاء، فإنما يصح الطلاق إذا أنشأت صيغة الطلاق المعينة بالوكالة عن الزوج كما ذكرنا، و إذا خير الرجل زوجته في ذلك، بقصد تفويض الأمر إليها، فقالت: قد اخترت نفسي، بقصد إنشاء الفراق بينهما بذلك، لم يصح ذلك و لم تطلق منه.

المسألة 39:

يشترط في صحة الطلاق أن ينشأ الطلاق منجزا بالفعل غير معلق، لا على شي ء يحتمل حدوثه و عدم حدوثه، و لا شي ء غير موجود بالفعل و يعلم بوجوده في ما يأتي، و مثال الأول أن يقول: إذا وصل عبد اللّه الى البلد فزوجتي هند طالق، و مثال الثاني أن يقول قبل الهلال: إذا هل هلال الشهر فهي طالق، و قد جرى اصطلاح الفقهاء ان يسموا الأول تعليقا على شرط، و يسموا الثاني تعليقا على صفة، فلا يصح الطلاق إذا أنشئ معلقا في كلتا الصورتين.

و يستثنى من ذلك ما إذا كان الشرط الذي علق عليه إنشاء الطلاق مقوما لصحة الطلاق، و مثال ذلك أن يشك الرجل في عقد المرأة عليه أو يشك في صحة العقد لبعض الجهات التي أوجبت له الشك، فيقول:

ان كانت زينب زوجتي فهي طالق، فيصح التعليق في هذا المورد، فان الطلاق لا يحصل إذا لم يكن نكاح، و يصح طلاق المرأة إذا كانت زوجة.

و يستثنى من ذلك أيضا: ما إذا كانت الصفة التي علق عليها الطلاق موجودة حين إنشاء الصيغة، و كان المطلق عالما بوجودها، و مثال ذلك:

أن يقول الزوج: إذا كان هذا اليوم هو يوم الجمعة فأنت طالق، و كان اليوم الذي عناه هو يوم الجمعة، و المطلق يعلم بذلك، فيصح الطلاق لعدم التعليق في

الحقيقة.

المسألة 40:

إذا قال الرجل لامرأته: أنت وكيلة عني في أن تطلقي نفسك منى، إذا تأخرت النفقة عنك مدة شهرين أو أكثر، فإن قصد بقوله أن توكيله إياها في طلاق نفسها مشروط بتأخر النفقة عنها تلك المدة كانت الوكالة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 177

باطلة، لأن إنشاءها معلق على حصول الشرط المذكور، و ان أراد ان المرأة وكيلة عنه بالفعل على إيقاع الطلاق إذا تأخرت النفقة، كانت الوكالة صحيحة و جاز لها إيقاع الطلاق إذا تأخرت النفقة، و دلالة قوله على أحد المقصودين تتوقف على وجود القرينة عليه، و لا يبعد أن العبارة المتقدمة ظاهرة في المعنى الثاني.

المسألة 41:

يشترط في صحة الطلاق أن يكون إيقاعه بحضور شاهدين ذوي عدل من الرجال يسمعان الصيغة فلا يصح الطلاق من غير إشهاد أو بإشهاد غير عدول أو بإشهاد عدل واحد، و لا يكفي أن ينشئ صيغة الطلاق من غير حضور بينة، ثم يقر بالطلاق عند حضورها، و لا يكفي أن يطلق بحضور شاهد عادل و يقر بالطلاق بحضور الشاهد الثاني، و لا يكفي أن ينشئ الصيغة بحضور شاهد واحد ثم يكررها بحضور شاهد آخر، و إذا أنشأ الصيغة بحضور أحد الشاهدين ثم حضر الآخر فأنشأ الصيغة بحضور الشاهدين مرة ثانية، صح الثاني لوجود الشرط دون الأول.

و يعتبر سماع الشاهدين للصيغة، فإذا حضر الشاهدان في المجلس و أنشأ الرجل صيغة الطلاق فسمعها أحدهما و لم يسمعها الآخر، لأنه أصم لا يسمع أو لأنه ذاهل غير ملتفت، لم يقع الطلاق، و إذا سمع الصيغة أحدهما و لم يسمعها الآخر لأنه أصم، و لكنه علم من الإشارة و من حركات الشفتين و اللسان أن الرجل أوقع صيغة طلاق فلانة، أشكل الحكم بصحة الطلاق

و ان كان غير بعيد، و الأحوط إعادة الطلاق بحضور شاهدين و سماعهما.

المسألة 42:

الظاهر انه يكفي في صحة الطلاق أن يسمع الشاهدان إنشاء الطلاق و ان لم يكونا مجتمعين في مجلس واحد، كما إذا كان الشاهدان في موضعين متقاربين في المكان و أنشأ الرجل صيغة الطلاق و قصد اسماعهما فالتفتا و سمعا طلاقه، و كما إذا أنشأ الطلاق بحضور أحد الشاهدين و الآخر يسمع طلاقه بجهاز الهاتف، فالظاهر صحة الطلاق مع عدم الشك بالزوج المطلق و بالمرأة المقصودة بالطلاق.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 178

المسألة 43:

يشترط أن يكون الشاهدان في الطلاق رجالا، فلا تكفي في ذلك شهادة النساء منفردات و لا منضمات الى الرجال.

المسألة 44:

إذا وكل الزوج أحدا في طلاق زوجته لم يصح للوكيل أن يجعل الزوج أحد الشاهدين في طلاق زوجته، و ان كان ثابت العدالة، و لا يصح أن يجعل الوكيل نفسه شاهدا في الطلاق و ان كان ثابت العدالة كذلك، و إذا وكل الزوج أحدا على أن يوكل ثالثا عن الزوج في طلاق امرأته، فأنشأ هذا الثالث الطلاق بوكالته عن الزوج صح له ان يجعل الوكيل على التوكيل شاهدا في الطلاق.

المسألة 45:

الشاهد العادل هو الذي ثبتت له العدالة و هي الاستقامة على الشريعة، و كانت استقامته عليها صفة ثابتة في نفسه و ليست حالة عارضة لا قرار لها و لا ثبات، و الاستقامة على الشريعة هي الالتزام الكامل بإتيان ما فيها من واجبات، و اجتناب ما فيها من محرمات كبائر و الإصرار على الصغائر، و قد أوضحنا ذلك في المسألة الألف و الثامنة و الثمانين و عدة مسائل تليها من كتاب الصلاة، فلتراجع ففيها بيان المراد في المقام.

المسألة 46:

الاشهاد المعتبر في الطلاق هو أن يكون الشاهدان حاضرين ملتفتين، يسمعان الصيغة و يعرفان المراد منها، و ان لم يدعهما المطلق للحضور أو الى تحمل الشهادة، فلا يكفي أن يحضرا و هما غافلان، أو مشغولان بأمر آخر غير ملتفتين، أو يسمعان اللفظ و لا يفقهان المراد كما إذا كانا غير عربيين لا يفهمان معنى الصيغة المنشئة.

المسألة 47:

لا يكفي في صحة الطلاق أن يكون الشاهدان عدلين في اعتقاد المطلق، و هما فاسقان في واقع الأمر، فلا تترتب على الطلاق بشهادتهما آثار الطلاق الصحيح، و لا يصح الطلاق كذلك إذا كان الشاهدان غير عادلين

كلمة التقوى، ج 7، ص: 179

في اعتقاد الزوج و ان كانا عدلين مرضيين في اعتقاد الوكيل الذي أوقع الطلاق.

المسألة 48:

لا يتعدد الطلاق بتكرر الصيغة إذا لم يتخلل بين الصيغتين رجوع بنكاح المرأة المطلقة، فإذا قال الزوج أو قال وكيل الزوج: هند طالق، هي طالق، هي طالق، وقع الطلاق مرة واحدة، سواء أراد بتكراره التأكيد و الاحتياط، أم أراد إيقاع ثلاث طلقات، و إذا قصد بها إيقاع ثلاث طلقات وقعت واحدة و ألغيت الأخريان.

و إذا تخلل ما بين الصيغتين رجوع بالمرأة تعدد الطلاق، و مثال ذلك أن يقول الرجل: زوجتي هند طالق، ثم يقول: رجعت بمطلقتي هند أو بزوجيتها، ثم يقول ثانيا، هند طالق، ثم يقول: رجعت بهند، ثم يقول ثالثا هي طالق، فإذا أتمها كذلك كان الطلاق ثلاثا و حرمت المرأة المطلقة عليه حتى تنكح زوجا غيره.

المسألة 49:

إذا قال الزوج: زوجتي هند طالق ثلاثا، و أراد بقوله: إنشاء الطلاق ثلاثا بهذه الصيغة الواحدة، وقع الطلاق باطلا، و إذا قصد بالصيغة إيقاع الطلاق في الجملة على حسب ما ورد في الشريعة، وقع الطلاق واحدا و ألغي قوله ثلاثا.

المسألة 50:

إذا كان الرجل من أتباع أحد مذاهب الجمهور الذين يرون صحة الطلاق ثلاثا، فطلق زوجته بالثلاث مرسلة أو مكررة وفقا لمذهبه، ألزم بالعمل بذلك، سواء كانت زوجته من أتباع تلك المذاهب أيضا، أم كانت شيعية، فلا يصح منه الرجوع بها أو العقد عليها حتى تنكح زوجا غيره، و إذا هو رجع بها في العدة أو عقد عليها بعد العدة كان ذلك باطلا، إلزاما له برأي مذهبه، و جاز التزويج بالمرأة بعد انقضاء عدتها من الطلاق، و إذا كانت الزوجة شيعية جاز لها أن تتزوج بغيره بعد انقضاء عدتها منه.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 180

و كذلك إذا حلف بطلاقها، أو طلقها و هي في طهر المواقعة أو في أيام الحيض أو النفاس، أو طلقها طلاقا معلقا، أو بغير شاهدين عدلين مما يرى مذهبه صحة ذلك و نفوذه، فإذا أجراه ألزم بالعمل وفق مذهبه، فتطلق منه زوجته بذلك، و يصح للشيعي التزويج بها بعد انقضاء عدتها منه، سواء كانت الزوجة موافقة للمطلق في المذهب أم مخالفة له، و ان كان المذهب الشيعي لا يرى صحة ذلك الطلاق.

المسألة 51:

ما ذكرناه من إلزام أهل كل مذهب بما يقوله مذهبهم يجري في غير المسلمين أيضا، فإذا طلق الرجل الذمي زوجته الذمية طلاقا يوافق به دينه، و انقطعت بذلك صلته الزوجية بالمرأة بعدة أو بغير عدة، كما يراها ذلك الدين، جاز التزويج بتلك المطلقة بعد أن أصبحت خلية ليس لها زوج بمقتضى تعاليم دينهم.

المسألة 52:

إذا كان الرجل من اتباع أحد المذاهب غير الشيعة، و طلق زوجته طلاقا يوافق فيه مذهبه و يخالف مذهب الشيعة في بعض الشروط، كالطلاق في أيام الحيض و في طهر المواقعة و كالحلف بالطلاق و غير ذلك من موارد الخلاف بين المذهبين، ثم انتقل الرجل الى مذهب الشيعة، جرت عليه أحكام الشيعة، فإذا كان طلاقه فاقدا لبعض الشرائط كان باطلا، و حكم ببقاء النكاح بينه و بين زوجته.

الفصل الثالث في أقسام الطلاق
المسألة 53:

ما يوقعه الرجل على زوجته من الطلاق يكون على نحوين:

أحدهما ما يكون الطلاق مستجمعا لجميع الشرائط التي قدمنا ذكرها في الفصلين السابقين، و بينا أنها أمور تعتبر في صحة الطلاق، فلا ينفذ الطلاق و لا تترتب عليه آثاره إذا فقد واحد منها، و يسمى الطلاق الجامع للشروط المشار إليها: طلاق سنة.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 181

و ثانيهما ما يفقد فيه جميع الشروط المبينة، أو يفقد فيه بعضها و ان كان المفقود شرطا واحدا منها، و يسمى هذا: طلاق بدعة، و قد اتضح مما سبق أن طلاق البدعة يشمل عدة أنواع، فمنه طلاق غير البالغ، و طلاق غير العاقل، و غير المختار، و غير القاصد، و منه طلاق المرأة الحائض في أيام حيضها و طلاق النفساء في أيام نفاسها حسب ما فصلنا ذكره و منه طلاق المرأة و هي في طهر جماعها، و طلاق المسترابة قبل أن تنتهي مدة التربص، و الطلاق المعلق و طلاق الثلاث، و الطلاق بغير شهود، و غيرها مما تقدم توضيحه أو تقدمت الإشارة إليه.

المسألة 54:

ينقسم طلاق السنة إلى قسمين: (1) رجعي، و (2) بائن.

و الرجعي هو الطلاق الذي يجوز للرجل بعده أن يرجع بنكاح المرأة المطلقة ما دامت في العدة، و البائن هو الطلاق الذي ليس للرجل بعده أن يرجع بالمطلقة، و الطلاق البائن يكون على ستة أنواع:

(الأول): طلاق المرأة غير المدخول بها، سواء كانت صغيرة أم كبيرة.

(الثاني): طلاق الزوجة الصغيرة و هي التي لم يبلغ عمرها تسع سنين، و ان كان الزوج قد دخل بها، و قد تقدم الحكم بحرمة الدخول بها في كتاب النكاح، فإذا دخل الزوج بها كان آثما بدخوله، و إذا طلقها بعد ذلك كان طلاقها بائنا

لا رجوع فيه.

(الثالث): طلاق المرأة بعد أن تبلغ سن اليأس من المحيض، سواء دخل بها أم لم يدخل، و هذه الأقسام الثلاثة من النساء لا تجب عليهن عدة بعد الطلاق.

(الرابع): طلاق الخلع إذا كرهت المرأة زوجها فبذلت له مقدارا من المال، و طلقها الزوج على ذلك و لم ترجع في ما بذلت له من الفدية، فيكون الطلاق بائنا، و إذا رجعت ببذلها بعد الطلاق، جاز للزوج أن يرجع بها في العدة، فيكون الطلاق رجعيا، و إذا لم تكن المرأة ذات عدة كاليائسة و غير المدخول بها، فلا يجوز لها أن ترجع بالبذل بعد الطلاق.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 182

(الخامس): طلاق المبارأة إذا بذلت المرأة للزوج فطلقها كذلك و لم ترجع بالبذل، فيكون طلاقها بائنا لا رجعة فيه و تجري فيه الفروض و الأحكام التي ذكرناها في طلاق الخلع.

(السادس): الطلاق الثالث الذي يأتي بعد طلاقين قبله، متصلين به بحيث تكون بعد كل طلاق رجعة للزوج بالمرأة و ان كان الرجوع إليها بعقد جديد و لم تتزوج بينها بزوج آخر، فتبين المرأة بالطلاق الثالث.

المسألة 55:

إذا طلق الرجل زوجته الحرة طلاقا رجعيا، ثم رجع بها في العدة، ثم طلقها مرة ثانية كذلك، ثم رجع بها في العدة، ثم طلقها مرة ثالثة حرمت عليه المطلقة فلم يجز له الرجوع بها في العدة، و لا تزويجها بعد العدة بعقد جديد و لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، سواء دخل بالمرأة بعد رجوعه بها في المرة الأولى أو الثانية أو فيهما معا أم لم يدخل بها، و حتى إذا وقعت الطلاقات الثلاثة في طهر واحد على النهج المذكور أو في مجلس واحد.

و كذلك إذا تزوج مطلقته بعد انتهاء العدة الرجعية

أو بعد الطلاق البائن، ثم طلقها و تزوجها أو رجع بها حتى استكملت ثلاث طلقات كذلك فتحرم عليه المطلقة بعد الطلاق الثالث حتى تنكح زوجا غيره، و هذا كله في المرأة الحرة و ان كان الزوج المطلق عبدا.

المسألة 56:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 7، ص: 182

الطلاق العدي هو أن يطلق الرجل امرأته الحرة طلاقا رجعيا جامعا للشرائط المعتبرة في صحة الطلاق، ثم يرجع بها في أثناء عدتها و يواقعها بعد الرجوع، و يمهلها حتى تحيض بعد المواقعة و تطهر من الحيض، ثم يطلقها مرة ثانية كذلك، و يرجع بها في عدتها و يواقعها بعد الرجعة، فإذا حاضت بعد الجماع و طهرت، طلقها مرة ثالثة، فتحرم عليه المرأة بذلك حتى تنكح زوجا غيره، فإذا تزوجت رجلا، و وطأها الرجل على الشروط الآتي بيانها ثم فارقها بموت أو طلاق، حل للرجل الأول أن يتزوجها، فإذا تزوجها و صنع معها مثل صنعه السابق، فطلقها ثم

كلمة التقوى، ج 7، ص: 183

رجع بها في العدة و واقعها ثم طلقها في طهر غير طهر المواقعة، حتى أكمل ثلاث تطليقات على التفصيل المذكور حرمت عليه في الثالثة و هو الطلاق السادس حتى تنكح زوجا غيره، فإذا نكحت على الوجه السابق بيانه و فارقت الزوج الآخر حلت للزوج الأول، فإذا تزوجها و جامعها ثم طلقها طلاقا تام الشروط و رجع بها على نهج ما سبق، حتى أكمل ثلاث تطليقات بينها رجعتان و بعد كل رجعة جماع، حرمت المرأة عليه بعد الطلاق الثالث، و يكون هو التاسع من مجموع ما أوقعه على المرأة من الطلاق و

تكون حرمتها مؤبدة، و قد ذكرنا هذا في السبب الرابع من أسباب التحريم في النكاح، و هذا إذا كانت المطلقة حرة سواء كان الزوج المطلق حرا أم عبدا مملوكا أم مبعضا.

المسألة 57:

إذا طلق الرجل زوجته الأمة، ثم رجع بها في العدة أو تزوجها بعقد مستأنف بعد العدة أو بعد الطلاق البائن، ثم طلقها مرة ثانية، حرم عليه نكاحها حتى تنكح زوجا غيره، سواء دخل بها قبل أحد الطلاقين أم لم يدخل بها أصلا، أم دخل بها قبل كل واحد منهما، و سواء كان الزوج المطلق حرا أم عبدا أم مبعضا.

المسألة 58:

إذا طلق الرجل زوجته المملوكة بعد الدخول بها طلاقا رجعيا تام الشروط، ثم رجع بها في أثناء العدة و واقعها بعد الرجوع، و طلقها مرة ثانية بعد أن حاضت و طهرت، حرمت على المطلق حتى تنكح زوجا غيره، كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، فإذا نكحت زوجا آخر حرا أو عبدا أو مبعضا و دخل بها الزوج الثاني، ثم فارقها بموت أو طلاق حلت بعد العدة منه للزوج الأول، فإذا تزوجها و دخل بها، و طلقها مرتين و بينهما رجوع في العدة و دخول، حرمت عليه مرة ثانية حتى تنكح زوجا غيره كما سبق، فإذا نكحت و دخل بها الزوج الثاني ثم فارقها حلت بعد العدة منه للزوج الأول، فإذا تزوج بها و دخل و طلقها مرتين على نهج ما تقدم حرمت عليه حرمة مؤبدة على القول المشهور بين الفقهاء، و القول به مشكل، و لكن الاحتياط بالاجتناب لا يترك

كلمة التقوى، ج 7، ص: 184

و قد ذكرنا هذا في المسألة المائتين و الأربعين من كتاب النكاح.

المسألة 59:

لا تثبت الحرمة المؤبدة للزوجة الحرة في طلاقها تسعا إذا فقد منه بعض الشروط التي ذكرناها للحرمة فلا تحرم على الرجل إذا طلقها في جميع المرات التسع أو في بعضها من غير دخول قبل كل طلاق، و لا تحرم عليه إذا لم تكن عودته الى نكاح المرأة برجعة إليها في العدة، بل كانت عودته بعقد مستأنف في جميع المرات أو في بعضها، و ان حرم نكاحها على الرجل بعد كل ثلاث طلقات يوقعها عليها حتى تنكح زوجا غيره من غير فرق بين أنحاء الطلاق الصحيح و الرجوع قبله أو بعده، و كذلك الحكم في الأمة إذا طلقها الزوج مرتين

على أي نحو من أنحاء الطلاق و الرجوع، فإذا نكحت زوجا آخر، و فارقها بعد الوطء و اعتدت منه حلت للأول مهما بلغ عدد الطلاق إذا لم تجتمع شروط الطلاق العدي الذي يثبت بعده التحريم المؤبد، و ان كان الأحوط استحبابا اجتناب نكاح الحرة إذا بلغ طلاقها تسعا على أي نحو وقع من الأنحاء و اجتناب نكاح الأمة إذا بلغ طلاقها ستا غير جامع لشرائط التحريم.

المسألة 60:

إذا حرمت المرأة على الرجل بعد أن يطلقها ثلاث مرات، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره كما نطقت به الآية الكريمة، و يشترط في الزوج الذي تحل بنكاحه المرأة على المطلق ثلاثا: أن يكون رجلا بالغا، و ان يكون زواجه المرأة بالنكاح الدائم، و أن يجامعها قبلا حتى ينزل، فلا تحل المرأة لزوجها الأول بنكاح الثاني إذا كان صبيا أو مراهقا على الأقوى، و ان جامعها بعد العقد عليها، و لا تحل بنكاحه إذا تزوجها بعقد المتعة أو وطأها بملك اليمين أو بالتحليل إذا كانت أمة مملوكة، و لا تحل بنكاحه إذا عقد عليها و لم يجامعها، أو جامعها دبرا أو جامعها قبلا و لم ينزل.

المسألة 61:

نكاح الزوج الآخر للمطلقة على الوجه الآنف ذكره يهدم الطلقات الثلاث كما بيناه، فتحل به المرأة للرجل الأول بعد ما حرمت عليه،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 185

و يهدم ما دون الثلاث من الطلاق، فإذا تزوج الرجل امرأة و طلقها مرة أو مرتين ثم تزوجت رجلا غيره، ثم تزوجها الأول لم تحرم عليه الا بثلاث طلقات جديدة، و لا يعد الطلاق الأول و الثاني السابقان منها.

المسألة 62:

إذا طلق الرجل المرأة ثلاثا و حرمت عليه، ثم سألها عن حالها بعد فترة، فقالت له: انها قد تزوجت من بعده رجلا غيره، و قد فارقها ذلك الزوج و اعتدت منه، كان له أن يصدق قولها و يتزوجها إذا كان صدقها محتملا، و لم يجب عليه أن يفحص و يسأل إذا كانت موثوقة غير متهمة.

المسألة 63:

إذا عقد الزوج الثاني على المطلقة ثلاثا، و خلا بها ثم طلقها، فادعت ان الزوج قد أصاب منها و لم ينكر الرجل ذلك، صدق قولها و جاز للأول أن يتزوجها، و إذا أنكر الزوج الثاني أنه دخل بها و لم يصدق قولها، أشكل الحكم بحلها للزوج الأول، فلا بد من الاحتياط.

المسألة 64:

إذا تزوجت المطلقة ثلاثا زوجا ثانيا فوطأها وطأ محرما، فجامعها في أيام حيضها مثلا أو في الصيام الواجب أو في أثناء الإحرام بحج أو بعمرة، كفى ذلك في تحليلها للزوج الأول و ان كان ما فعلاه محرما عليهما. و إذا تزوجها الثاني و وطأها، ثم ظهر بعد ذلك فساد عقدهما لم يصح ذلك و لم تحل به للأول، و كذلك إذا وطأها الثاني لشبهة في غير هذه الصورة.

المسألة 65:

ذكرنا في المسألة الثالثة و الخمسين طلاق السنة، و هو ما اجتمعت فيه شروط الصحة في الطلاق، و يقابله طلاق البدعة، و هو ما لم تتوفر فيه الشروط، سواء فقد بعض الشروط أم فقد جميعها، كما أوضحناه في المسألة المذكورة، و يقال للأول طلاق السنة بالمعنى الأعم.

و قد يقول الفقهاء: طلاق السنة، و يعنون به ما يقابل العدي، فالطلاق العدي هو ما يرجع به الرجل بزوجته في أثناء عدتها ثم يجامعها

كلمة التقوى، ج 7، ص: 186

بعد الرجعة و يطلقها بعد ذلك في طهر غير طهر المواقعة، و طلاق السنة هو ما يرجع فيه الرجل بالمرأة في أثناء العدة و يطلقها من غير جماع، و قد يقولون: طلاق السنة بالمعنى الأخص و يريدون به أن يطلق الرجل زوجته و لا يرجع بها حتى تنقضي عدتها و يتزوجها بعد العدة و هكذا.

المسألة 66:

إذا شك الرجل في أنه طلق زوجته أو لم يطلقها، بنى على انه لم يطلقها و أن صلة النكاح بينه و بين المرأة لا تزال باقية، فيجوز له وطؤها و تجب عليه نفقتها و يلزمه ترتيب آثار الزوجية لها.

المسألة 67:

إذا طلق امرأته و رجع بها، و شك في عدد مرات الطلاق، هل طلقها مرتين، فيجوز له الرجوع بها، أو طلقها ثلاثا، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، بنى على الأقل، و هكذا إذا تعدد الطلاق العدي، و شك في أنه طلقها ثماني مرات، فيحل له الرجوع بالزوجة، أو أنه طلقها تسعا، فتحرم عليه مؤبدا فيبني على الأقل.

الفصل الرابع في عدة الفراق
المسألة 68:

تجب العدة على المرأة إذا فارقها الزوج بطلاق أو بفسخ عقد لأحد الأمور الموجبة لجواز الفسخ من عيب أو تدليس، أو بانفساخ النكاح لعروض أمر يوجب ذلك كالرضاع و الارتداد و نحوهما و بانقضاء الأجل أو هبة المدة في عقد المتعة، مع مراعاة الشروط الآتي ذكرها، و هذا ما نذكره في هذا الفصل. و تجب عليها العدة لموت الزوج، و لوطء الرجل للمرأة شبهة، و هذا ما نذكره في الفصلين الآتيين ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 69:

دخول الرجل بالمرأة الذي تترتب عليه الأحكام من الغسل و المهر

كلمة التقوى، ج 7، ص: 187

و العدة في الطلاق و أخواته هو إيلاج الحشفة فيها في القبل أو الدبر سواء أنزل أم لم ينزل، بل و ان لم ينتشر العضو و لم ينعظ لمرض أو شبهه، و سواء كان فعله حلالا أم حراما، كما إذا وطأها في حال الحيض أو في صوم واجب.

المسألة 70:

إذا أمنى الزوج على فرج زوجته فسبق الماء اليه من غير دخول، أو أدخل الماء فيه بمساحقة أو بتوسط أنبوب أو إبرة حاقنة، ثم طلقها الزوج أو فسخها أو وهبها مدة المتعة، فالظاهر وجوب العدة على المرأة من فراقه و ان لم يدخل بها، و عدتها كعدة غيرها، وضع الحمل إذا كانت حاملا، و تربص ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إذا كانت غير حامل و كان العقد دائما، و تربص حيضتين كاملتين أو خمسة و أربعين يوما إذا كانت غير حامل و كان العقد منقطعا.

و إذا استبرأت من الماء المذكور، ثم طلقها الزوج بعد الاستبراء من غير دخول فالظاهر عدم وجوب العدة عليها.

المسألة 71:

يحكم بتحقق اليأس من المحيض في المرأة إذا بلغت من العمر ستين سنة تامة و كانت قرشية، أو بلغت خمسين سنة تامة و كانت غير قرشية، و يحكم ببلوغ الصبية و خروجها عن حد الصغر إذا بلغت من العمر تسع سنين كاملة.

المسألة 72:

إذا شك في المرأة هل هي قرشية أو غير قرشية كان لها حكم غير القرشية فيحكم بيأسها إذا بلغت خمسين سنة، و إذا شك في المرأة هل بلغت سن اليأس أو لم تبلغ ثبت لها حكم غير اليائسة، فإذا طلقت وجبت عليها العدة، و إذا شك في الصبية هل أكملت تسع سنين أو لم تكمل لحقها حكم غير البالغة فلا تجب عليها العدة في الطلاق و ان دخل بها الزوج.

المسألة 73:

إذا طلق المرأة زوجها قبل أن تيأس، فرأت دم الحيض مرة واحدة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 188

أو مرتين ثم بلغت سن اليأس، وجب عليها أن تكمل عدتها بالأشهر، فإذا كانت قد اعتدت بطهرين بعد الطلاق و قبل اليأس، أكملت العدة بشهر واحد و إذا رأت طهرا واحدا أكملت العدة بشهرين، و إذا كانت قبل اليأس ممن تعتد بالأشهر، فاعتدت بشهر واحد أو بشهرين ثم يئست أكملت عدتها ثلاثة أشهر.

المسألة 74:

إذا فارق الزوج امرأته بطلاق أو فسخ أو بانقضاء أمد نكاحها إذا كان منقطعا أو هبة المدة، و كانت المرأة حاملا من الزوج، فعدتها الى أن تضع حملها سواء طالت مدته أم قصرت، و ان وضعته بعد الطلاق بفترة وجيزة، و ان كان سقطا غير تام الخلقة مضغة أو علقة إذا تحقق كونه حملا.

المسألة 75:

إذا طلقها الزوج أو فسخها أو انقضت مدتها من نكاحه و كانت حاملا من غيره اعتدت منه بالأقراء أو بالمشهور كما يأتي تفصيله ان شاء اللّه تعالى، و لا صلة لعدتها منه بالحمل، فان كان الحمل من الزنا اعتدت المرأة بالأقراء أو بالمشهور لطلاق الزوج و لم يكن للحمل أثر للزاني و لا للزوج المطلق، و ان كان بوطء شبهة اعتدت بمدة الحمل لوطء الشبهة و اعتدت بالأقراء أو الشهور للطلاق و سيأتي الكلام في ما إذا كانت حاملا من الزوج ثم وطئت شبهة و في تقدم الطلاق على وطء الشبهة و سبق الوطء على الطلاق إذا كانت حائلا.

المسألة 76:

إذا طلقها الزوج و كانت حاملا منه بأكثر من واحد، فالظاهر ان المرأة لا تبين من الزوج حتى تضع الجنين الأخير مما في بطنها سواء كان الحمل باثنين أم بأكثر، فإذا وضعت واحدا و لم تضع الآخر بعد، جاز للزوج أن يرجع بها فإنها لا تزال في العدة منه، و ان كان الأحوط أن لا يرجع الزوج بالمرأة بعد وضع الأول و أن لا تنكح المرأة زوجا غيره حتى تضع الأخير.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 189

المسألة 77:

إذا طلقت المرأة أو فسخ نكاحها أو انفسخ و كان النكاح دائما و هي غير حامل من الزوج كانت عدتها بالأقراء أو بالشهور، فإذا كانت حرة مستقيمة الحيض، فعدتها ثلاثة قروء، و إذا كانت أمة مستقيمة الحيض اعتدت بقرئين، و يراد بمستقيمة الحيض من تكون مواعيد حيضها متعارفة بين النساء، و المتعارف بين النساء أن تحيض المرأة في كل شهر مرة و قد تحيض في الشهر مرتين، و تلحق بها في الحكم من تحيض في الشهرين مرة و من تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة، فتعتد الحرة المطلقة في هذه الفروض كلها بثلاثة قروء و تعتد الأمة بقرءين.

المسألة 78:

إذا كانت المطلقة ممن لا يأتيها الحيض و هي في السن التي تحيض فيه أمثالها، فعدتها بالشهور فإذا كانت حرة اعتدت بثلاثة أشهر، و إذا كانت أمة اعتدت بخمسة و أربعين يوما، سواء كان انقطاع الحيض عنها لسبب أصلي في خلقتها، أم لعارض من مرض أو رضاع أو لكونها في أوائل البلوغ، و تلحق بها من كانت غير مستقيمة الحيض، و هي من يفصل بين الحيضتين فيها ثلاثة أشهر أو أكثر، فتعتد من الطلاق بثلاثة أشهر إذا كانت حرة، و بخمسة و أربعين يوما إذا كانت أمة.

المسألة 79:

الأقراء التي تعتد بها المرأة إذا كانت مستقيمة الحيض هي الأطهار، و يكفي في الطهر الأول من أطهار العدة ما يتحقق به مسمى الطهر، فإذا طلق الرجل امرأته و هي طاهر، و بقيت بعد الطلاق على طهرها فترة و ان كانت قليلة جدا، ثم طرقها الحيض عدت تلك الفترة القليلة قرءا من أقراء العدة، فإذا كانت حرة أكملت عدتها بقرءين آخرين، و القرء هنا هو النقاء الكامل بين الحيضتين سواء طالت مدته أم قصرت، فإذا رأت أول الدم الثالث انتهت عدتها، و إذا كانت أمة أكملت عدتها بقرء آخر، فإذا رأت أول الدم الثاني انتهت عدتها.

المسألة 80:

إذا أوقع المطلق صيغة الطلاق في آخر طهر المرأة، فاتفق آخر صيغة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 190

الطلاق مع آخر طهر المرأة، و لم يتخلل بين آخر الطلاق و أول الحيض شي ء من الطهر حتى لحظة، صح الطلاق لوقوعه في حال الطهر و وجب على المرأة إذا كانت حرة أن تعتد بثلاثة أطهار تامة فلا تنقضي عدتها حتى ترى أول الحيض الرابع، و وجب على الأمة أن تعتد بطهرين كاملين، فلا تنتهي عدتها حتى ترى أول الحيض الثالث.

المسألة 81:

إذا انقضى أجل المرأة المتمتع بها أو وهبها زوجها بقية المدة بعد الدخول بها، و كانت حاملا من الزوج، وجب عليها أن تعتد منه مدة حملها، فإذا وضعت حملها انقضت عدتها، سواء طالت المدة أم قصرت، و سواء وضعت حملها تاما أم ناقصا على ما مر في بيان ذلك، و إذا كانت حائلا و مستقيمة الدم، فعدتها حيضتان كاملتان، على الأقوى، فلا تنتهي الثانية من الحيضتين الا بالنقاء الكامل منها، و لا تعد الأولى إذا نقص من أولها بعض الأيام أو الساعات، فإذا انقضت مدة المتعة في أثناء الحيض أو وهبها الزوج بقية المدة في أثنائه لم تعد تلك الحيضة الناقصة من العدة، و لا بد من حيضتين كاملتين بعدها، و إذا كانت المرأة حائلا و غير مستقيمة الدم أو كانت ممن لا تحيض و هي لا تزال في سن من تحيض وجب عليها أن تعتد بخمسة و أربعين يوما و قد ذكرنا هذا في فصل النكاح المنقطع من كتاب النكاح و لا فرق في هذه الأحكام بين أن تكون المرأة المتمتع بها حرة أو أمة مملوكة.

المسألة 82:

إذا فسخ النكاح بين الزوجين لعيب أو تدليس و كان الفسخ بعد الدخول بالمرأة، فعدتها منه كعدة الطلاق على ما بيناه في الحامل و غير الحامل و في الحرة الدائمة و المتمتع بها، و كذلك: إذا انفسخ نكاحهما بأحد موجبات الانفساخ كالرضاع و الارتداد و إسلام الزوجة مع بقاء الزوج على كفره، فعدتها في كل ذلك كعدة الطلاق، و إذا ارتد الزوج و كان ارتداده عن فطرة بانت منه زوجته و اعتدت منه عدة الوفاة، و الأمة بحكم الحرة في جميع ذلك على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 191

المسألة 83:

إذا كانت المطلقة و من هي في حكمها ممن تعتد بالأشهر، فالمعتبر في عدتها هو الشهر الهلالي، سواء كان ناقصا أم تاما، فإذا طلقها زوجها أو فسخ نكاحها في مطلع هلال الشهر، أتمت الشهور الثلاثة هلالية، و إذا طلقها في أثناء الشهر اعتدت بقية الشهر الأول، و جعلت الشهر الثاني و الثالث هلاليين، ثم أخذت من أيام الشهر الرابع ما يتم به الشهر الأول ثلاثين يوما على الأحوط.

المسألة 84:

إذا طلقت المرأة الأمة أو فسخت و هي ممن يعتد بالأيام لا بالقروء وجب عليها أن تعتد بخمسة و أربعين يوما و ان وقع طلاقها في هلال الشهر، فلا تكتفي بشهر هلالي و نصف إذا كان ناقصا، و كذلك الحكم في المرأة المتمتع بها إذا انقضى أجلها أو وهبت لها مدتها بعد الدخول بها و كانت ممن يعتد بالأيام لا بالقروء، فيجب عليها أن تتم خمسة و أربعين يوما.

المسألة 85:

إذا وطأ السيد أمته بملك اليمين ثم أعتقها، وجب عليها أن تعتد منه عدة الحرة في الطلاق فإذا كانت حاملا منه اعتدت حتى تضع حملها، و إذا كانت حائلا اعتدت بثلاثة قروء أو بثلاثة أشهر حسب ما ذكرناه في عدة الحرة.

المسألة 86:

تبدأ عدة الطلاق من حين إيقاع الطلاق على المرأة سواء علمت به أم لم تعلم، و سواء كان الزوج حاضرا أم غائبا و سواء كانت المرأة صغيرة أم كبيرة، و كذلك العدة في الفسخ و الانفساخ، فإذا لم تعلم المرأة بوقوع الطلاق أو الفسخ حتى انقضت العدة لم تجب عليها عدة أخرى.

المسألة 87:

إذا سئلت المرأة عن حالها، فادعت أنها حائض، صدق قولها فلا يجوز للزوج ان يطلقها في تلك الحال و إذا طلقها كان طلاقه باطلا.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 192

و إذا أوقع الرجل طلاق الزوجة، و ادعت الزوجة بعد ذلك أن الطلاق باطل لأنه وقع في حال الحيض و أنكر الزوج ذلك كان القول قول الزوج مع يمينه لأنه يدعي الصحة.

المسألة 88:

يقدم قول المرأة في انقضاء العدة و في عدم انقضاءها، فإذا ادعت هي ان عدتها قد انقضت و لا رجوع للرجل بها و أنكر الزوج انقضائها فالقول قولها مع يمينها، و إذا ادعت هي أن العدة لم تنقض بعد و ادعى الزوج ان العدة قد انقضت فلا حق لها في النفقة، قدم قولها أيضا مع يمينها، سواء كانت عدتها بمدة الحمل أم بالاقراء أم بالشهور.

المسألة 89:

إذا قال الرجل: انه قد طلق المرأة قبل قوله و أخذ بإقراره، حتى إذا ادعى انه طلقها قبل مدة بحيث أن المرأة قد خرجت من العدة، فلا يكون له حق على المرأة من حقوق الزوجية، و لا تسقط بذلك حقوق المرأة من النفقة في المدة السابقة على اخباره لها بالطلاق، فتجوز لها مطالبته بذلك.

المسألة 90:

مطلقة الإنسان بالطلاق الرجعي بمنزلة الزوجة له ما دامت في عدته، و لذلك فيحل لكل واحد منهما النظر الى الآخر، و يجوز للرجل أن يدخل عليها بغير اذن، و يستحب لها أن تظهر له زينتها، و تلزمه نفقتها من الطعام و الإدام و الكسوة و السكنى، إذا لم تكن ناشزة، و تجب عليها طاعته، و يحرم عليها أن تخرج من بيته بغير اذنه كما هو الحكم في الزوجة، و يحرم عليه أن يتزوج بأختها ما دامت هي في العدة، و إذا كانت لديه ثلاث زوجات، دائمات و هي رابعتهن لم يجز له أن يتزوج الخامسة ما دامت في العدة، و يجب عليه دفع فطرتها إذا اتفق يوم الفطر في عدتها، و إذا ماتت وجب عليه كفنها و تجهيزها، و إذا مات أحدهما في أثناء العدة ورثة الآخر كما يتوارث الزوجان.

المسألة 91:

إذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا، بانت منه المرأة و ان كانت ذات

كلمة التقوى، ج 7، ص: 193

عدة، كالمختلعة، و المبارأة المدخول بهما، و المطلقة ثلاثا بعد الدخول، فلا يترتب لها شي ء من آثار الزوجية، فلا توارث بينهما إذا مات أحدهما في العدة، و لا يحرم على الرجل أن يتزوج أخت المرأة و هي في العدة، و لا يحرم عليه أن يتزوج بخامسة، و لا تستحق عليه نفقة إلا إذا كانت حاملا منه فتستحق النفقة حتى تضع حملها و قد ذكرنا هذا في فصل النفقات من كتاب النكاح.

المسألة 92:

لا يجوز للرجل أن يخرج مطلقته الرجعية من بيتها الذي عينه لسكناها في أيام العدة، إلا إذا أتت بفاحشة مبينة، كما إذا ارتكبت ما يوجب الحد، أو فعلت ما يوجب النشوز، أو كانت بذيئة اللسان أو كانت تتردد الى من لا يحل لها الاجتماع بهم أو يترددون عليها.

و لا يجوز لها أن تخرج من البيت إلا بإذن زوجها إلا لضرورة تستدعي ذلك، أو لأداء واجب قد ضاق وقته فيجوز لها الخروج بمقدار ما تتأدى به الضرورة.

المسألة 93:

رجوع الرجل بمطلقته الرجعية: إيقاع من الإيقاعات، و لذلك فلا يعتبر في صحته قبول المرأة و لا رضاها به، فيصح الرجوع من الزوج و ان كرهت الزوجة ذلك وردته، و رجوع الرجل بالمرأة يعني ارتجاعه لصلة النكاح بينه و بينها على ما كانت قبل الطلاق، و لذلك فيصح إنشاؤه بأي لفظ يدل على هذا المقصود، فيقول: رجعت بمطلقتي فلانة، أو أرجعتها الى زوجيتي، أو ارتجعتها الى نكاحي، أو رددتها الي أو إلى نكاحي، أو أمسكت بالزوج ما بيننا، و غير هذا من الألفاظ الدالة على المقصود و ان كان ظهورها فيه بمعونة القرائن، و يصح إنشاؤه بالفعل، كما إذا ضم المطلقة اليه أو قبلها بشهوة، أو لمس بعض المواضع منها أو فعل شبه ذلك مما لا يحل فعله لغير الزوج، و كان قاصدا به الرجوع، فلا عبرة بفعل الساهي أو الناسي أو النائم أو الغالط، و لا عبرة بالفعل إذا قصد به غير المطلقة، كما إذا ظن أو

كلمة التقوى، ج 7، ص: 194

اعتقد أنها امرأة أخرى فقبل أو لمس، بل و حتى إذا وطأها بذلك الاعتقاد.

المسألة 94:

إذا وطأ الرجل مطلقته الرجعية و هي في أثناء عدتها منه كان ذلك رجوعا بالمرأة و ان لم يقصد بفعله الرجوع بها، و إذا فعل معها ما دون الوطء كالتقبيل و الضم و اللمس و شبه ذلك فلا يكون ذلك رجوعا بها إلا إذا قصد بفعله الرجوع بها.

المسألة 95:

إذا طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا، ثم أنكر الطلاق بعد ذلك و هي لا تزال في عدتها منه، كان إنكاره رجوعا بالمرأة، و ان علم انه طلق زوجته و أشهد على الطلاق.

المسألة 96:

لا يشترط في صحة الرجوع بالمطلقة أن يكون بحضور شاهدين، و ان كان الاشهاد عليه أفضل و أحوط و لا يعتبر في صحته أن تعلم المرأة به حال الرجوع، فإذا رجع الرجل بها و لم يشهد على رجعته أحدا و لم تعلم به المرأة صح رجوعه و رجعت المرأة إلى زوجيته، فإذا ادعى الرجعة و العدة باقية، قبل قوله و لزم المرأة أن ترجع الى زوجيته، و إذا ادعى بعد العدة انه قد رجع بها في أثناء العدة احتاج في دعواه الى ما يثبتها، و من أجل ذلك كان الاشهاد على الرجعة أفضل و أحوط.

المسألة 97:

يصح للرجل أن يوكل أحدا في إنشاء الرجعة بمطلقته، فيقول الوكيل للمرأة: ارجعتك الى نكاح موكلي فلان، أو رجعت بك الى نكاحه أو يقول: أرجعت مطلقة موكلي فلان الى زواجه.

المسألة 98:

إذا طلق الرجل زوجته ثم رجع بها بعد الطلاق، و ادعى ان الطلاق بعد الدخول فتكون المطلقة ذات عدة و يجوز له الرجوع بها، و أنكرت الزوجة الدخول و لذلك فلا تكون لها عدة و لا تكون له رجعة، فالقول قول المرأة مع يمينها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 195

المسألة 99:

جواز رجوع الرجل بمطلقته الرجعية في أيام عدتها انما هو حكم من الأحكام الشرعية المجعولة و ليس حقا من الحقوق ليكون قابلا للإسقاط، و لذلك فلا يسقط إذا أسقطه الرجل باختياره أو صالحته المرأة عنه بعوض أو بغير عوض، فيصح له الرجوع ما دامت في العدة.

المسألة 100:

إذا طلق الرجل زوجته بعد الدخول بها طلاقا رجعيا، ثم رجع بها في أثناء العدة، ثم طلقها من قبل أن يدخل بها بعد الرجوع، جرى عليها حكم الطلاق بعد الدخول، فيجب عليها استيناف العدة تامة بعد الطلاق الثاني، و لا تسقط العدة عنها، بتوهم انه طلاق قبل الدخول، سواء كان الطلاق الثاني رجعيا أم بائنا.

و كذلك الحكم على الأحوط لزوما في ما إذا طلق الرجل زوجته بعد الدخول بها طلاقا بائنا، ثم تزوجها في أثناء العدة بعقد جديد، و طلقها قبل أن يدخل بها، فلا تسقط عنها العدة بذلك، على الأحوط لزوما، و خصوصا في أمر الفروج، و يلزمها استيناف العدة من أولها.

و قد يحتال بذلك بعض الناس ليتخلص من عدة المرأة، فينكحها شخص آخر في يوم طلاقها الأول، و هو من التلاعب في أمر الفروج، و لا حول و لا قوة إلا باللّه.

و بحكم ذلك أن يتمتع المرأة رجل و يواقعها ثم يهبها المدة و يعقد عليها في أثناء العدة بالعقد الدائم، ثم يطلقها قبل الدخول أو يعقد عليها بالعقد المنقطع مرة ثانية و يهبها المدة قبل الدخول أيضا، ليتخلص من العدة، و يتزوج المرأة رجل آخر في يومها، و الاحتياط في جميع ذلك لازم كما ذكرنا.

المسألة 101:

يجوز للرجل الذي يطلق زوجته و هي حامل منه طلاقا رجعيا أن يرجع بها قبل أن تضع حملها، و يجوز له بعد الرجوع بها أن يطلقها مرة ثانية قبل أن تضع حملها أيضا، من غير فرق بين ان يواقعها بعد

كلمة التقوى، ج 7، ص: 196

الرجعة أم لا و يجوز له أن يتكرر منه الطلاق و الرجوع قبل وضع الحمل، فإذا طلقها كذلك ثلاثا، لم يحل له

نكاحها حتى تنكح زوجا غيره بعد أن تخرج من عدتها بوضع الحمل. و إذا وطأها بعد كل رجعة و قبل الطلاق منها كان ذلك من الطلاق العدي، فإذا نكحت بعد الوضع زوجا ثم تزوجها و أكمل تسع طلقات على الوجه المعتبر في الطلاق العدي حرمت المرأة عليه مؤبدا كما تقدم تفصيله.

و يستحب له إذا وطأها بعد الرجعة أن لا يطلقها الا بعد مضي شهر من مواقعته إياها، من غير فرق بين الطلاق الثاني و الثالث.

المسألة 102:

إذا طلق الرجل زوجته و هي حائل ثم رجع بها، فإن وطأها بعد الرجعة لم يصح له طلاقها مرة ثانية إلا في طهر آخر، أو بعد استبانة الحمل فيها، أو بعد مضي ثلاثة أشهر إذا أصبحت مسترابة، و إذا لم يطأها بعد رجوعه بها، صح له طلاقها مرة ثانية و ان كانت في الطهر الأول، و كذلك الحكم إذا أراد تطليقها مرة ثالثة، و لكن الأحوط استحبابا تفريق الطلقات على الأطهار.

المسألة 103:

يكره للرجل المريض أن يطلق زوجته، و إذا طلقها كان طلاقه صحيحا، فإذا انقضت عدتها أو كانت ممن لا عدة لها جاز لها أن تتزوج غيره.

المسألة 104:

إذا طلق المريض زوجته و مات في ذلك المرض نفسه ورثته المرأة المطلقة و ان كان موته بعد طلاقها بسنة، سواء كان الطلاق رجعيا أم بائنا، و سواء كانت المرأة من ذوات العدة أم لا، كاليائسة و غير المدخول بها.

و انما ترثه بشروط أربعة:

الأول: أن يكون موت الرجل في المرض الذي طلقها فيه، فإذا بري ء من ذلك المرض ثم مات، لم ترثه المرأة و ان كان موته بمرض يشابه

كلمة التقوى، ج 7، ص: 197

مرضه الأول، الا إذا كان موته في أثناء عدتها الرجعية فترثه لذلك لا للسبب الأول.

الثاني: أن لا تتزوج المرأة غير الرجل بعد طلاقها منه، فإذا انقضت عدتها من طلاقه أو كانت ممن لا عدة لها، فتزوجت بآخر لم ترث من مطلقها إذا مات قبلها.

الثالث: أن يكون موت الرجل ما بين طلاقه المرأة و بين سنة، فإذا مات بعد الطلاق بأكثر من سنة و لو بيوم واحد و نحوه لم ترثه المرأة.

الرابع: ان لا يكون طلاقها خلعا أو مبارأة، أو يكون الطلاق بطلب منها، فلا ترث الرجل إذا كان طلاقها كذلك.

المسألة 105:

إذا لم يقصد المريض بطلاقه إضرارا بالمرأة، كما إذا طلقها ليخلصها من مشكلة يتوقع حدوثها عليها و كما إذا خاف طول مرضه، فطلقها للتزوج بمن تشاء، ففي إرثها منه إذا مات في غير العدة الرجعية إشكال، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة بينها و بين الورثة.

المسألة 106:

لا فرق بين المريض و الصحيح في حكم ميراثه هو من مطلقته إذا ماتت هي قبله، فلا يرثها إذا كان الطلاق بائنا سواء كان موتها في أثناء العدة أم بعدها أم كانت ممن لا عدة لها، و لا يرثها إذا ماتت بعد انقضاء العدة و ان كان الطلاق رجعيا، و يرثها إذا ماتت قبله و هي في عدتها الرجعية منه.

المسألة 107:

لا يلحق بالطلاق غيره من أسباب الفراق كالفسخ بالعيوب أو التدليس و حصول الرضاع المحرم و اللعان و نحو ذلك، فإذا حصل أحد هذه الأسباب في مرض الرجل فحرمت عليه المرأة، لم ترثه و ان كان حصول السبب من جهته.

و لا يلحق بالمرض غيره من الأحوال المخوفة كالأسر الذي لا يأمن معه الأسير على نفسه، و الأخذ لقصاص أو لحد، فإذا طلق الرجل زوجته

كلمة التقوى، ج 7، ص: 198

في تلك الحال لم ترثه، إلا إذا كان الطلاق رجعيا و كان الموت في العدة.

المسألة 108:

إذا طلق الرجل زوجته ثم مات، فادعت المرأة أنه طلقها في حال مرضه، و قال الوارث ان الميت طلقها في حال صحته، لم يثبت لها الميراث إلا إذا أقامت البينة على صدق قولها، أو أقامت البينة على انه طلقها في تأريخ معين و كان من المعلوم أو من الثابت انه كان مريضا في ذلك الحين.

الفصل الخامس في عدة الوفاة
المسألة 109:

تجب العدة على الزوجة إذا مات عنها زوجها، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، و حرة أم مملوكة و دائمة أم متمتعا بها، و مدخولا بها أم غير مدخول بها، و حتى إذا كانت ذمية قد تزوجها مسلم، أو كانت طفلة قد تولى وليها عقدها على الزوج. و سواء كان الزوج المتوفى كبيرا أم صغيرا، و حرا أم عبدا، و عاقلا أم مجنونا، و حتى إذا كان طفلا قد تولى وليه عقد الزوجة عليه.

المسألة 110:

تعتد الزوجة الحرة من جميع الأقسام الآنف ذكرها من النساء إذا مات الزوج و كانت حائلا بأربعة أشهر و عشرة أيام، و ان كانت من ذوات الأقراء، أو كانت يائسة من المحيض أو كان الزوج المتوفى عبدا مملوكا، و تعتد إذا كانت حاملا من الزوج المتوفى بأبعد الأجلين من مدة الحمل، و المدة المتقدم ذكرها، فأيهما كان أطول أمدا وجب عليها أن تأخذ به.

المسألة 111:

الأحوط لزوما أن تعتد الأمة المملوكة بما يساوي عدة الحرة في جميع الفروض، فإذا كانت حائلا غير حامل اعتدت بأربعة أشهر و عشرة أيام، و إذا كانت حاملا اعتدت بأبعد الأجلين من المدة المذكورة و مدة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 199

الحمل سواء كان الزوج عبدا أم حرا أم مبعضا، و كذلك إذا اعتدت من وفاة سيدها و كان يطأها بالملك سواء كانت ذات ولد من السيد أم لا.

المسألة 112:

الشهور التي تعتدها المرأة المتوفى عنها زوجها هي الأشهر الهلالية على الأظهر، فإذا اتفق موته في هلال الشهر، اعتدت زوجته أربعة أشهر هلالية سواء كانت تامة أم ناقصة، ثم أتمتها بعشرة أيام من الشهر الخامس و إذا مات في أثناء الشهر، اعتدت بقية ذلك الشهر، ثم اعتدت الأشهر الهلالية الثلاثة التي تأتي بعدها سواء كانت تامة أم ناقصة، ثم اعتدت من الشهر الخامس ما يكمل الشهر الأول ثلاثين يوما على الأحوط، و أتمت العدة بعدها بعشرة أيام، و الأحوط استحبابا أن تجعل العدة كلها شهورا عددية في جميع الفروض، فتعتد بمائة و ثلاثين يوما.

المسألة 113:

إذا طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا، ثم مات الرجل في أثناء عدة المرأة وجب عليها أن تستأنف عدة الوفاة من حين موت الزوج، فإذا كانت غير حامل اعتدت أربعة أشهر و عشرة أيام، و ان كانت حاملا اعتدت بأبعد الأجلين، كما هو الحكم في الزوجة، و سقطت عنها عدة الطلاق. و إذا طلق الرجل زوجته طلاقا بائنا ثم مات في أثناء عدتها، وجب عليها أن تكمل عدة الطلاق بالقروء أو بالشهور أو بمدة الحمل و لم تجب عليها عدة بسبب الوفاة.

المسألة 114:

يجب الحداد على المرأة المعتدة لوفاة زوجها ما دامت في العدة، و يراد بالحداد ان تترك كل ما يعد استعماله زينة لها في نظر أهل العرف، في وجهها و شعرها و رقبتها و جسدها و ثيابها من خضاب، و أصباغ و عطور و كحل و حلي و ألبسه و غيرها، و المرجع في تعيين ذلك كله و تحديده الى العرف كما ذكرنا، فقد تكون ألوان الثياب و الملابس زينة، و قد يكون تطريزها بالعلم و الألوان المختلفة زينة، و قد تكون أزياؤها في الخياطة و التفصيل زينة، و لا يمنع من دخول الحمام و تنظيف الجسد و الثياب

كلمة التقوى، ج 7، ص: 200

و تقليم الأظفار و شبه ذلك إذا لم يعد في العرف تزينا، كتنظيف الوجه و الرقبة و الأطراف بالحلاقة أو حف الشعر الخفيف، و تنظيف الثياب بإعطائها ألوانا زاهية تجلب النظر، و تقليم الأظفار و تنظيم الشعر بطرائق يستعملها أهل التزين و التجميل.

المسألة 115:

لا يختلف الحكم في وجوب الحداد على الزوجة المعتدة لوفاة زوجها بين أن تكون مسلمة و ذمية، و دائمة، و متمتعا بها، و لا بين أن يكون الزوج صغيرا و كبيرا، و لا يترك الاحتياط في الصغيرة و المجنونة، فعلى الولي أن يجنبهما ما يعد زينة من اللباس و غيره ما دامتا في العدة.

المسألة 116:

لا يجب الحداد على الأمة المملوكة في عدة وفاة زوجها إذا كانت متزوجة، و لا في وفاة مالكها إذا كانت موطوءة له بالملك.

المسألة 117:

لا يترك الاحتياط للمرأة المعتدة لوفاة زوجها بأن لا تخرج من بيتها إلا لضرورة أو لقضاء حاجة أو لفعل طاعة، من حج أو زيارة و نحوهما، أو لأداء بعض الحقوق، و المراد بالضرورة الضرورة العرفية.

المسألة 118:

يجب على المرأة أن تبتدئ في عدة الوفاة من حين بلوغ خبر الوفاة إليها، كما إذا كان الزوج غائبا عنها في سفر أو سجن و لم يصل خبر موته إليها إلا بعد مدة، و كذلك إذا كان حاضرا و لم تعلم بوفاته الا بعد مدة لسبب من الأسباب، و المعيار أن يصلها الخبر على وجه يعتمد عليه العقلاء، و يحصل لهم الاطمئنان بوقوع الوفاة فإذا بلغها الخبر كذلك وجب عليها الاعتداد و لم تحتج الى قيام بينة أو شهادة عدل.

المسألة 119:

إذا غاب الرجل عن زوجته و بلده غيبة طويلة و انقطعت اخباره و لم يعلم بموضعه من البلاد و علمت المرأة بحياته وجب عليها الصبر الى أن تعلم بموته أو بطلاقه إياها و ان طالت المدة.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 201

المسألة 120:

إذا فقد الرجل و انقطعت اخباره عن أهله و زوجته، و لم يعلم أ هو حي أم ميت، و كان له ولي يتولى الإنفاق على الزوجة من مال الرجل، أو كان له ولي أو قريب أو متبرع ينفق عليها من مال نفسه في غيبة الرجل، وجب على المرأة أن تصبر و تنتظر حتى يأتي اللّه لها بالفرج، أو تعلم بوفاة الزوج أو بطلاقه إياها، و إذا لم يكن للرجل مال و لم تجد وليا أو متبرعا ينفق عليها، كان لها الخيار بين أن تصبر و تنتظر، و أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي و تخبره بحالها، فإذا رفعت الأمر إليه، ضرب لها أجلا من ذلك اليوم إلى مدة أربع سنين، و فحص عن الرجل في المدة المذكورة في الجهات التي فقد فيها و التي يحتمل وجوده بها، فان تبين له ان الرجل لا يزال حيا وجب عليها الصبر كما تقدم حتى يحصل لها العلم بالموت أو الطلاق، و ان تبين موت الرجل اعتدت المرأة عدة الوفاة، ثم تزوجت ان شاءت، و ان لم يتبين للحاكم الشرعي موت الرجل و لا حياته، فان كان للرجل ولي قد فوض اليه أن يتولى عنه أموره أو يتصرف في شؤونه بالوكالة عنه، أمر الحاكم ذلك الولي المفوض بأن يطلق المرأة عن زوجها، و إذا امتنع عن الطلاق أجبره عليه، و إذا لم يمكن جبره أو لم يكن للرجل

الغائب ولي مفوض كذلك، تولى الحاكم الشرعي طلاق المرأة، فإذا طلقها الولي أو الحاكم اعتدت من الرجل عدة الوفاة، فإذا تم الطلاق على الوجه الآنف ذكره و انقضت العدة جاز لها أن تتزوج من تشاء.

المسألة 121:

الطلاق الذي يوقعه ولي المفقود أو الحاكم الشرعي على زوجة المفقود بعد أن يتم الأجل و الفحص، طلاق رجعي، و المطلقة في أيام عدتها مطلقة رجعية، و ان كانت العدة بقدر عدة الوفاة، و لذلك فلا يجب على المرأة الحداد في أيام العدة، و تستحق المرأة النفقة من مال الرجل ما دامت في العدة كما تستحقها المطلقة الرجعية، و إذا ماتت المرأة في غضون العدة، و علم أن الرجل كان حيا وقت موتها، ورث من مالها نصيب الزوج، و إذا مات الرجل و علم أن موته كان في أيام العدة ورثت

كلمة التقوى، ج 7، ص: 202

المرأة من تركته نصيب الزوجة كما هو الحكم في توارث الزوجين إذا مات أحدهما في العدة الرجعية.

المسألة 122:

إذا قدم المفقود إلى أهله بعد انقضاء الأجل الذي ضربه الحاكم الشرعي للزوجة و بعد أن تم الفحص في المدة عن المفقود، و قبل إيقاع الطلاق من الولي أو من الحاكم الشرعي، فالزوجة لا تزال زوجته، و ليس لها الامتناع منه، و لا يقع الطلاق عليها الا برضاه، و إذا قدم بعد اجراء الطلاق و في أثناء العدة، كان له الرجوع بالمطلقة ما دامت في العدة، و جاز له إبقاء الطلاق حتى تنتهي العدة و تبين المطلقة، و إذا قدم بعد الطلاق و انتهاء العدة فلا سبيل له على المرأة سواء تزوجت غيره أم لا، و إذا لم تتزوج بعد العدة جاز لهما استئناف النكاح بعقد جديد.

المسألة 123:

إذا بلغ الزوجة خبر وفاة الزوج المفقود و هي في أثناء المدة التي ضربها الحاكم الشرعي للفحص، و هي الأربع سنين، وجب على المرأة ان تعتد له عدة الوفاة، و كذلك إذا بلغها خبر وفاته بعد انقضاء المدة و قبل اجراء الطلاق، و يجب عليها الحداد في كلا الفرضين. و إذا بلغها خبر وفاته و هي في أثناء العدة منه و بعد الطلاق فالأحوط لها أن تستأنف عدة الوفاة من حين وصول الخبر إليها، بل لعل ذلك هو الأقوى.

و إذا بلغها خبر وفاته بعد أن انقضت عدتها منه و كان موته بعد العدة أيضا لم يجب عليها الاعتداد لوفاته، سواء كان بلوغ الخبر لها بعد أن تزوجت أم قبله، و إذا بلغها الخبر بعد انقضاء العدة و كان موته قبل العدة أو في أثنائها، أشكل الحكم بسقوط عدة الوفاة عنها و لا يترك الاحتياط.

المسألة 124:

إذا كان للرجل المفقود عدة زوجات و رفعت إحداهن أمرها إلى الحاكم الشرعي فأجلها أربع سنين، و بحث عن الرجل في المدة المذكورة و لم يستبن من أمره شي ء، و طلق المرأة، ثم طلب باقي الزوجات أو

كلمة التقوى، ج 7، ص: 203

بعضهن من الحاكم أن يطلقهن من الرجل، أشكل الحكم بكفاية التأجيل و الفحص المتقدمين في صحة طلاق الباقي.

و إذا رفع الزوجات جميعا أمرهن إلى الحاكم، أجلهن أربع سنين و فحص عن المفقود في المدة، و اكتفى بذلك في إجراء الحكم عليهن جميعا، فيصح له طلاقهن جميعا.

المسألة 125:

الأحوط لزوما أن يكون تأجيل المدة و الفحص عن الرجل المفقود فيها بأمر من الحاكم كما ذكرناه فلا يكتفى في إجراء الحكم بأن تمر على فقد الرجل أربع سنين كاملة و يحصل الفحص عن الرجل في جميع المدة من المرأة أو من بعض أهلها فلا يعثر له على خبر، إذا لم يكن التأجيل و الفحص بأمر من الحاكم و تحت إشرافه، فلا تطلق المرأة اعتمادا على ذلك، و تشكل جدا صحة هذا الطلاق و ترتيب آثاره المقصودة عليه.

المسألة 126:

الفحص و الطلب للرجل المفقود من الأمور العرفية، و طرائقة بين الناس معلومة معروفة، و ليس للشرع في ذلك طريقة خاصة غيرها، فقد يكون الفحص بإرسال شخص أو أشخاص معتمدين ممن يعرفون الرجل المفقود و يحيطون علما بمشخصاته و معرفاته، و ممن يهتمون بالأمر و يجدون في الطلب و السؤال في البلاد و الأطراف التي يحتمل وجود الرجل فيها، و يدأبون في التنقل و الفحص، و الاجتماع بالناس الذين تذكر أو تحتمل لهم الخبرة بمعرفة الرجل و يعرفونهم بخطر مهمتهم و مقصدهم، و يذكرون لهم صفة الرجل و اسمه و نسبه و ملامحه و مشخصاته ليساعدوهم في الوصول إلى الغاية بنشر الخبر و كثرة السؤال و البحث عنه في الأطراف و النواحي و الأماكن المحتملة، و تسجيل ما يحتاج الى التسجيل، و قد يكون بالمراسلات إلى جماعة ممن يعتمد عليهم في أمثال ذلك ليتحققوا، و يبحثوا عن الرجل في الأماكن و الجهات التي تكون قبلهم ثم يعرفوا الحاكم الشرعي أو وكيله بالنتائج، و قد يكون بالمكالمات الهاتفية أو اللاسلكية و أمثالها، و قد يكون بنشر اعلانات و استفهامات يذكر فيها اسم الرجل و معرفاته و سماته، و

قد يكون

كلمة التقوى، ج 7، ص: 204

بنشر صوره، و قد يكون بالسؤال الدائب من أهل حرفة الرجل و صنعته و الأشخاص الذين يحتمل تعامله معهم في البلاد.

المسألة 127:

يمكن للحاكم الشرعي بعد أن يضرب الأجل أن يوكل الأمر في البحث و التحري عن الرجل الى شخص غيره أو الى أشخاص ممن يعتمد عليهم في ذلك و يقومون به على الوجه المطلوب، كبعض أرحام الرجل أو بعض أقارب المرأة أو المرأة نفسها، و المدار أن يكون الطلب بأمر الحاكم و أن يقع على الوجه المطلوب، و أن يكون الحاكم على معرفة من النتائج.

المسألة 128:

يعتبر في الشخص أو الأشخاص الذين يوكل إليهم أمر التحري بالسؤال منهم أو المراسلة إليهم أن يكونوا من أهل الثقة و الاطمئنان إلى أقوالهم و أن يكونوا ممن يهتمون بالأمر لتترتب على أفعالهم و أقوالهم النتائج الشرعية و لا تشترط فيهم العدالة.

المسألة 129:

يجب الفحص و التحري في البلاد و الجهات و الأماكن التي يظن وجود المفقود فيها، أو التي يحتمل وجوده فيها احتمالا يعتنى به عند العقلاء، و لا يكتفى بالفحص في بلد خاص أو في أمكنة و جهات خاصة منها عن الفحص و التحري في بلاد و جهات و أماكن أخرى إذا كان احتمال وجود الرجل فيها قريبا معتدا به، و لا يجب الفحص في بلاد أو جهات أو أماكن يكون احتمال وجوده فيها ضعيفا لا يعتنى به بين الناس.

و إذا فقد الرجل في بلد معين أو في أماكن معينة، و علم أو ظهر من القرائن انه لم ينتقل منها الى غيرها، وجب الفحص في ذلك البلد و في تلك الأماكن خاصة، و لم يجب الفحص في غيرها.

المسألة 130:

يجب الفحص عن الرجل مدة أربع سنين، و هي المدة التي يضربها الحاكم الشرعي للمرأة حين ترفع أمرها اليه، و لا يجب استيعاب المدة كلها بالفحص المتصل فيها، بل يكفي أن يقع الفحص على فترات غير

كلمة التقوى، ج 7، ص: 205

متباعدة ما بينها، طوال المدة المذكورة، بحيث يصدق أن الفحص عن الرجل قد استمر في جميع المدة.

المسألة 131:

يجب الفحص و التحري في المدة المعينة ما دام احتمال العثور على الرجل موجودا، و كان الاحتمال مما يعتد به عند العقلاء، فإذا حصل الفحص التام، بحيث أصبح احتمال وجدانه ضعيفا لا يعتد به أو أصبح متيقن العدم لم يجب الفحص بعد ذلك، و لا يقع الطلاق و لا غيره من النتائج حتى تتم المدة كلها، و إذا تجدد احتمال العثور عليه و كان معتدا به، و المدة باقية وجب الفحص.

المسألة 132:

تجري الأحكام الآنف ذكرها إذا فقد الزوج، سواء كان حرا أم عبدا أم مبعضا، و سواء كانت الزوجة التي ترفع أمرها إلى الحاكم حرة أم أمة أم مبعضة، و تختص في ما إذا كان النكاح بين الزوجين نكاحا دائما و لا تجري في ما إذا كان منقطعا.

المسألة 133:

لا يتعين على المرأة أن تختار الطلاق من الزوج المفقود، و ان كانت قد رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي، و تم الأجل و الفحص في أربعة أعوام، فيصح لها بعد ذلك أن تختار البقاء على الزوجية، و إذا اختارت البقاء على الزوجية، فيجوز لها أن تعدل عن ذلك و تطلب الطلاق من الحاكم، و إذا طلبت الطلاق منه طلقها و لم يفتقر الى ضرب أجل مرة ثانية و تجديد فحص.

المسألة 134:

إذا فقد الرجل، و حصل لزوجته علم بموته لبعض القرائن، و اعتدت منه عدة الوفاة، جاز لها بعد العدة أن تتزوج اعتمادا على علمها، و ان لم ترتفع أمرها إلى الحاكم و لم يؤجلها و لم يفحص و لم يطلق.

و يشكل الحكم في من يعلم بفقد الزوج، و انها لم تجر على الطريقة الشرعية للمفقود زوجها من التأجيل و الفحص و الطلاق، فالأحوط له

كلمة التقوى، ج 7، ص: 206

ان لا يتزوجها و لا يتولى عقدها لغيره بالوكالة عنها، فإذا أرادت الزواج تزوجت من لا يعلم بالأمر، و إذا أرادت التوكيل في العقد وكلت مثله.

المسألة 135:

وجوب الحداد على الزوجة في عدة وفاة زوجها وجوب تكليفي عليها و ليس شرطا في صحة العدة، فإذا تعمدت تركه في جميع العدة أو في بعضها كانت عاصية آثمة، و لم يجب عليها أن تستأنف العدة مع الحداد أو تستأنف الأيام التي تركته فيها، و كذلك إذا تركته ناسية أو جاهلة لم تبطل عدتها بتركه فإذا هي أكملت أيام العدة جاز لها أن تتزوج.

الفصل السادس في عدة وطء الشبهة
المسألة 136:

وطء الشبهة هو أن يطأ الرجل امرأة أجنبية عنه و هو يعتقد أن وطأها يحل له، لشبهة في الموضوع أو لشبهة في الحكم، و مثال الأول أن يطأ المرأة الأجنبية، و هو يتوهم أنها زوجته أو أنها مملوكته أو أنها أمة حللها له مالكها، و مثال الثاني أن يعقد الرجل على المرأة و يطأها، ثم يعلم بفساد العقد لوجود سبب يحرم عليه نكاحها من رضاع أو مصاهرة أو كونها ذات بعل أو ذات عدة، أو لفقد شرط من شروط الصحة، و تراجع المسألة المائة و الحادية و الثلاثون من كتاب النكاح.

المسألة 137:

تجب العدة على المرأة الموطوءة بالشبهة، سواء كانت ذات بعل أم ذات عدة أم لم تكن كذلك، و سواء كانت الشبهة في الموضوع أم في الحكم كما بينا، و سواء كانت الشبهة من الرجل و المرأة كليهما أم من الرجل خاصة، و لا تجب العدة على المرأة الموطوءة إذا كانت الشبهة منها خاصة و كان الرجل عالما بالتحريم، فإنه يكون زانيا.

المسألة 138:

لا تجب العدة على المرأة المزني بها، سواء كانت ذات بعل أم لا، و سواء حملت من الزنا أم لم تحمل، فلا يحرم وطؤها على زوجها إذا

كلمة التقوى، ج 7، ص: 207

كانت ذات بعل، و لا تحرم على سيدها إذا كانت موطوءة له بالملك، و لا يحرم التزويج بها إذا كانت خلية لا زوج لها، و الأحوط لزوما أن يستبرأ رحمها من ماء الزنا بحيضة قبل الزواج بها و ان كان الذي يريد الزواج بها هو الزاني نفسه، و تلاحظ المسألة المائتان و الثامنة و العشرون و ما بعدها و ما يليهما من كتاب النكاح.

المسألة 139:

تعتد المرأة من وطء الشبهة كعدة الطلاق، فإذا حملت من وطء الشبهة فعدتها وضع الحمل و ان وضعته ناقصا، و ان لم تحمل فعدتها ثلاثة قروء إذا كانت مستقيمة الحيض، و إذا كانت غير مستقيمة الحيض أو كانت ممن لا يطرقها الحيض و هي في سن من تحيض فعدتها ثلاثة أشهر على نهج ما أوضحناه في عدة الطلاق.

المسألة 140:

لا عدة على الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين إذا وطأها رجل بالشبهة، و لا على الكبيرة اليائسة من المحيض كذلك كما لا عدة لهما في الطلاق.

المسألة 141:

لا يترك الاحتياط لزوما في أن تبدأ المرأة في عدة وطء الشبهة من حين ارتفاع الشبهة لا من حين حصول الوطء.

المسألة 142:

لا يجوز لزوج المرأة أن يطأ زوجته و هي في عدة وطء الشبهة من رجل غيره، و الظاهر من دليل العدة تحريم جميع الاستمتاعات على الزوج ما دامت العدة لا خصوص الوطء.

المسألة 143:

إذا كانت المرأة ذات عدة من وطء الشبهة و كانت خلية من الزوج لم يجز لأحد الزواج بها ما دامت في العدة، و لا يمنع صاحب العدة نفسه من ذلك، فيجوز له ان يتزوجها و هي معتدة من وطئه و قد ذكرنا هذا في المسألة المائتين و الثالثة و العشرين من كتاب النكاح.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 208

المسألة 144:

إذا تحقق للمرأة سببان لوجوب عدتين عليها، فالأحوط لزوما ان لم يكن ذلك هو الأقوى ان تعتد لكل سبب منهما عدة مستقلة، و لا تتداخل العدتان، و مثال ذلك أن يطلق الرجل زوجته المدخول بها، ثم يطأها رجل آخر وطء شبهة، و من أمثلة ذلك أن يموت الزوج فتعتد المرأة له عدة الوفاة، ثم يطأها رجل وطء شبهة في أثناء عدتها، و من أمثلة ذلك أن يطأ المرأة رجل وطء شبهة فتعتد منه لوطء الشبهة، ثم يطلقها الزوج أو يموت عنها فتجب عليها عدة الطلاق أو عدة الوفاة، و من أمثلة ذلك أن يطأ المرأة رجل وطء شبهة ثم يطأها رجل آخر كذلك، فيجب على المرأة أن تعتد عدتين مستقلتين في الأمثلة المذكورة على الأحوط.

فإذا كانت حاملا من أحد الرجلين جعلت مدة الحمل عدة للرجل الذي ينسب له الحمل سواء كان هو الزوج المطلق أم كان هو الرجل الواطئ بالشبهة، و سواء كان وجوب الاعتداد له سابقا على صاحبه أم كان متأخرا عنه، فإذا وضعت الحمل انتهت عدته، و ابتدأت عدة الآخر، و إذا تأخر النفاس فترة عن وضع الحمل عدت هذه الفترة قرءا من أقراء العدة الأخرى.

و إذا كانت المرأة حاملا من الزوج و قد مات اعتدت عنه بأبعد الأجلين، فإذا أتمت ذلك بدأت عدتها للآخر.

و إذا لم تكن المرأة حاملا من الرجلين اعتدت للسابق منهما في إيجاب العدة عليها، فإذا أتمت عدته بدأت عدة اللاحق.

المسألة 145:

إذا طلق الرجل زوجته و اعتدت منه قرءا واحدا أو قرءين، ثم وطأها رجل آخر بالشبهة و حملت منه، قطعت عدتها الأولى و جعلت مدة الحمل عدة للواطي بالشبهة كما ذكرنا، فإذا وضعت الحمل انقضت عدته، ثم أكملت عدة الطلاق التي قطعتها، و كذلك الحكم إذا وطأ المرأة أحد بالشبهة و اعتدت منه قرءا أو قرءين، ثم طلقها الزوج أو

كلمة التقوى، ج 7، ص: 209

مات عنها و قد حملت منه، جعلت مدة الحمل عدة للطلاق أو الوفاة، و إذا أتمت ذلك أكملت عدة الوطء بالشبهة.

المسألة 146:

لا فرق في لزوم الاحتياط الذي ذكرناه في المسألة المائة و الرابعة و الأربعين بين ان تكون العدتان اللتان وجبتا على المرأة لرجل واحد و ان تكونا لرجلين، فيلزمها ان تعتد بعدتين مستقلتين إذا تحقق لكل واحدة منهما سبب مستقل، و ان كانت العدتان لرجل واحد، و مثال ذلك أن يطأ المرأة رجل وطء شبهة فتجب العدة عليها بسبب ذلك، ثم يطأها الرجل نفسه كذلك مرة أخرى فتلزمها لذلك عدة ثانية، و من أمثلة ذلك أن يطلق الرجل زوجته طلاقا بائنا، فتجب عليها عدة الطلاق، ثم يطأها المطلق نفسه بالشبهة فتلزمها له عدة أخرى، فعليها الاحتياط في المثالين، و يجري فيهما التفصيل الذي ذكرناه في المسألتين السابقتين.

المسألة 147:

إذا أمنى الرجل على فرج المرأة و هو يتوهم انها زوجته و سبق ماؤه إليها من غير وطء أو أدخل ماؤه إليها بأنبوب أو إبرة حاقنة بمثل تلك الشبهة، فلا يترك الاحتياط بأن تعتد المرأة من ذلك عدة وطء الشبهة، بوضع الحمل إذا حملت منه، و بتربص ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إذا لم تحمل، و تراجع المسألة السبعون.

الفصل السابع في الخلع و المبارأة
المسألة 148:

الخلع و المبارأة قسمان من أقسام الطلاق، و لذلك فيشترط في صحتهما أن تتوفر فيهما جميع الشروط التي اعتبرت في صحة الطلاق، و إذا خلع الرجل زوجته أو بارأها ثلاث مرات حرمت عليها حتى تنكح زوجا غيره و كذلك إذا انضم خلع أو مبارأة الى تطليقتين للمرأة أو انضم طلاق الى خلعين أو مباراتين لها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 210

المسألة 149:

قد يقع الطلاق من غير كراهة من أحد الزوجين للآخر، و هو أشد أقسام الطلاق كراهة في الإسلام، و قد يقع مع كراهة الزوج للمرأة، و الطلاق في هاتين الصورتين طلاق رجعي تصح فيه رجعة الزوج بنكاح زوجته إذا كانت ذات عدة، و قد مر ذكره مفصلا، و قد يقع مع كراهة الزوجة خاصة لزوجها، فإذا كرهته، و بذلت له الفدية ليطلقها كان ذلك خلعا، و قد يقع الطلاق مع كراهة كل من الزوجين للآخر، فإذا تكارها و بذلت المرأة للزوج فطلقها على ما بذلت كان الطلاق مباراة.

المسألة 150:

قد تكره المرأة زوجها و لا يكون هو كارها لها، ثم يطلقها من غير أن تبذل له شيئا، صونا لكرامته مثلا و قد تحصل الكراهة من الزوجين معا، و يطلق الرجل المرأة من غير بذل كذلك، فيكون الطلاق رجعيا في الصورتين فالفارق مع وجود الكراهة من الزوجة في الخلع و مع وجود الكراهة من الطرفين في المبارأة هو أن تؤدي الكراهة الى أن تبذل الزوجة للرجل ما لا ليطلقها على ما بذلت.

المسألة 151:

يشترط في الخلع كما ذكرنا أن تكون الزوجة كارهة للزوج من غير أن يكون الزوج كارها لها، و الأحوط اشتراط أن تكون كراهتها له شديدة يخشى لأجلها من وقوع المرأة في أمر محرم، كالجرأة على بعض الأقوال أو الأفعال المحرمة، من الخروج عن الطاعة أو ارتكاب المعصية.

المسألة 152:

لا فرق في كراهة المرأة لزوجها التي تعتبر في صحة الخلع بين أن تكون لأمور ثابتة في الرجل، كقبح منظر، أو بخل، أو خشونة طباع، أو لوجود صفات أخرى فيه لا ترغب المرأة في معاشرته لأجلها، أو لوجود ضرة تغار منها، فإذا كرهت الرجل أو كرهت معاشرته لذلك و بذلت له الفدية و توفرت بقية الشروط المعتبرة صح الخلع.

المسألة 153:

إذا أساء الرجل معاملة زوجته و تعمد أذاها بالإذلال و الشتم و الضرب

كلمة التقوى، ج 7، ص: 211

و شبه ذلك، أو ترك بعض ما يجب لها من نفقة أو حقوق واجبة، فبذلت له بعض المال ليخلعها و تستريح من سوء معاملته حرم عليه أن يأخذ شيئا من ذلك المال، و إذا خلعها على ما بذلت لم يصح الخلع، و يصح طلاقا رجعيا إذا أوقعه بلفظ الطلاق، أو أوقعه بلفظ الخلع و اتبعه بالطلاق كما سيأتي بيانه، و تراجع المسألة الثلاثمائة و الحادية و الثمانون من كتاب النكاح.

المسألة 154:

يشترط في الخلع أن تبذل الزوجة للرجل عن نفسها فدية ليطلقها على ما بذلت، و يشترط في الفدية أن تكون مالا، و أن تكون مما يصح تملكه، و ليس لها حد معين، فيصح أن تكون بمقدار صداق المرأة الذي سمي لها في عقد النكاح و أقل منه و أكثر، و يصح أن تكون عينا خارجية مشخصة، فتقول المرأة للرجل: بذلت لك هذا الألف المعين لتطلقني، و يصح أن تكون كليا في ذمة الزوجة، فتقول له: بذلت لك ألف دينار في ذمتي أدفعه إليك حالا أو بعد شهر، و ان تكون كليا في المعين، فتقول له: بذلت لك ألف دينار مما في الصندوق، و يصح أن تكون دينا في ذمة الزوج أو في ذمة شخص غيره، فتقول له: بذلت لك ما في ذمتك من صداقي و هو كذا دينارا، أو مالي في ذمة زيد، و هو كذا، و يصح أن تكون منفعة معينة، فتقول له: بذلت لك منفعة بستاني أو منفعة داري سنة تامة.

المسألة 155:

يكفي في الفدية أن تكون معلومة على نحو الاجمال إذا تراضى الطرفان بذلك، و مثاله أن تقول للرجل: بذلت لك هذه السيارة، أو هذه الصبرة المشاهدة من الطعام، و يصح أن تكون مما يؤول إلى العلم و ان كانت مجهولة بالفعل، فتقول له: بذلت لك ما يحتويه هذا الصندوق إذا كان الزوج و الزوجة يعلمان بأن في الصندوق مالا، أو تقول له: بذلت لك مالي في ذمتك من صداق أو من دين، و ان جهل الطرفان بالفعل مقدار ما في الصندوق و ما في الذمة أو جهلا جنسه أو وصفه.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 212

المسألة 156:

إذا بذلت المرأة للرجل كليا في ذمتها، فلا بد من تعيين قدره و جنسه و وصفه، فلا يكفي ان تقول له: بذلت لك ألفا في ذمتي من غير تعيين للمراد، و كذلك إذا بذلت له عينا غائبة فلا بد من ذكر قدرها و جنسها و وصفها، و إذا خلعها الرجل على هذا البذل لم يصح خلعا، و يصح طلاقا رجعيا إذا أوقع الخلع بلفظ الطلاق، أو أوقعه بلفظ الخلع و أتبعه بالطلاق، و إذا جعلت الفدية دينا في ذمتها فلا بد من تعيين كون الدين حالا أو مؤجلا، و لا بد من تعيين مدة الأجل إذا جعلته مؤجلا.

المسألة 157:

يشترط في صحة الخلع أن تكون المرأة مختارة في بذل الفدية، فلا يصح إذا كانت مكرهة على البذل من الزوج أو من غيره.

المسألة 158:

انما يصح بذل الفدية إذا كانت من مال الزوجة أو كانت دينا في ذمتها، تبذلها الزوجة نفسها، أو يبذلها وكيل مفوض عنها في ذلك، و لا يصح بذل الفدية من مال شخص آخر، فتقول للزوج: بذلت لك ألف دينار من مال أخي فلان لتطلقني، و ان رضي أخوها ببذل ماله، و كذلك إذا وكلت أخاها، فقال للزوج: بذلت لك عن أختي و موكلتي فلانة ألف دينار من مالي لتطلقها، فإذا طلقها الزوج لم يكن ذلك خلعا.

المسألة 159:

إذا قال أبو المرأة لزوجها: طلق ابنتي فلانة و لك ما في ذمتك من صداقها عوضا لطلاقها، لم ينفذ قول الأب على ابنته إذا كانت بالغة رشيدة، فلا يصح البذل و لا يصح الخلع إذا طلقها الزوج على ذلك، و لا تبرأ ذمة الزوج من الصداق، و لا يكون الأب ضامنا.

المسألة 160:

إذا فقد أحد القيود أو الشروط التي ذكرناها لصحة الخلع أو للفدية، كما إذا بذلت المرأة للرجل ما لا يصح تملكه كالخمر و الخنزير، أو بذلت له مال غيرها، أو بذل عنها غيرها تبرعا من ماله، أو بذل من مالها بغير وكالة منها، أو بذلت المرأة من مالها و هي لا تكره زوجها،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 213

أو فقد غير ذلك من القيود أو الشروط المعتبرة لم تصح الفدية، و إذا طلقها الزوج على ذلك لم يقع خلعا، و يصح طلاقا رجعيا إذا كان في موارد الطلاق الرجعي و كان الإيقاع بلفظ الطلاق، أو كان بلفظ الخلع ثم اتبع بلفظ الطلاق، و قد ذكرنا هذا في بعض الموارد المتقدمة، و يكون طلاقا بائنا في موارد الطلاق البائن، كما إذا كان هو الطلاق الثالث فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، أو كانت المرأة يائسة من المحيض، أو غير مدخول بها، أو صغيرة بدون التسع.

المسألة 161:

إذا ملك المرأة بعض أرحامها- مثلا- شيئا لتبذله فدية عنها، صح لها أن تبذله للزوج بعد ما ملكته، و إذا بذلته و خلعها الزوج عليه صح الخلع، سواء تولت بذله بنفسها أم بذله غيرها بالوكالة عنها، و مثله ما إذا ضمن أحد للزوج مال الفدية عن الزوجة، و كان ضمانه باذنها، و طلقها الزوج على ذلك فيصح البذل و الخلع.

المسألة 162:

يشترط في صحة الخلع أن يكون الزوج بالغا و عاقلا، فلا يصح خلعه إذا كان صبيا أو كان مجنونا، و لا يتولى الخلع عنه وليه كما لا يصح طلاقه عنه، و يشترط أن يكون مختارا و قاصدا، على النحو الذي ذكرنا تفصيله في مبحث شروط الطلاق، و يصح أن تكون المرأة المختلعة صغيرة و ان تكون مجنونة، إذا تولى وليهما بذل الفدية عنهما مع تحقق شرط الولاية.

المسألة 163:

لا يصح خلع المرأة إذا كانت حائضا أو نفساء و كان الزوج قد دخل بها، و لا يصح خلعها إذا كانت في طهر قد جامعها الزوج فيه الا إذا كانت يائسة من المحيض أو صغيرة السن لم تبلغ التسع، أو كانت حاملا قد استبان حملها، أو كان زوجها غائبا عنها أو حاضرا لا يمكنه استعلام حالها في الحيض و الطهر، و تلاحظ مسائل الفصل الأول، فقد بينا فيه تفاصيل ذلك، و شروط الطلاق بذاتها هي الشروط المعتبرة في الخلع، و هي الشروط المعتبرة في المبارأة أيضا و لا موجب للتكرار.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 214

المسألة 164:

يصح للرجل أن يتولى أمر الخلع بنفسه في جميع ما يتعلق به من شؤون الخلع إذا كان ممن يحسن القيام به، فإذا كرهت المرأة زوجها على الوجه الآنف بيانه، صح له أن يطلب منها بذلك الفدية ليطلقها، و إذا ابتدأت هي فطلبت من الزوج الطلاق، صح له أن يجيبها اليه و يشترط عليها بذل الفدية، و يذكر المقدار الذي يريده من العوض، و يتفاهم معها على تعيينه، و يقبضه منها إذا رضيت و سلمته اليه، و يوقع صيغة الخلع على ما بذلت له، و يجوز له أن يوكل غيره في جميع ذلك و في بعضه.

و يجوز للمرأة أن تتولى بنفسها جميع الشؤون التي تتعلق بها من الخلع، فتطلب الطلاق من الزوج إذا كرهته، و تجيبه الى دفع الفدية إذا اشترط ذلك عليها، و تتولى تقدير ذلك معه أو مع وكيله، و تتولى بذله و تسليمه إياه أو تدفعه الى وكيله، و يصح لها أن توكل أحدا غيرها في جميع ذلك أو في بعضه.

المسألة 165:

اللفظ الصريح في بذل الفدية عن المرأة هو أن تقول للرجل: بذلت لك، أو أعطيتك كذا دينارا، أو بذلت لك ما استحقه في ذمتك من المهر لتطلقني أو على أن تطلقني، أو يقول وكيلها للرجل: بذلت لك عن موكلتي فلانة كذا دينارا لتطلقها، و يصح لها ان تقول للزوج:

طلقني أو اخلعني على مائة دينار مثلا، أو يقول وكيلها له: طلق موكلتي فلانة على مبلغ كذا دينارا.

و الصيغة الصريحة في الخلع: أن يقول الزوج للمرأة: أنت طالق على ما بذلت من الفدية، أو يقول لها: أنت مختلعة على ما بذلت، أو يقول خلعتك على كذا، أو يقول هند مختلعة على كذا، أو يقول

وكيل الزوج مثل ذلك، و لا ينبغي ترك الاحتياط إذا أتى بلفظ مختلعة، أو خلعتك، أو خلعتها: ان يلحقه بلفظ أنت طالق أو هي طالق.

المسألة 166:

إذا تحقق مورد الخلع و توفر جميع ما يعتبر فيه من القيود و الشروط،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 215

و أراد الزوج و الزوجة بنفسيهما أن يوقعا الخلع ما بينهما، فالأحوط أن تبدأ المرأة أولا، فتقول للرجل: بذلت لك ألف دينار- مثلا-، أو بذلت ما في ذمتك من صداقي، لتطلقني، أو على أن تطلقني، و يقول الرجل بعدها على نحو الفور: أنت مختلعة على ما بذلت أنت طالق، و يكفي أن يقول على الفور: أنت طالق على ما بذلت، أو يقول كذلك: أنت مختلعة على ما بذلت و ان كان الأول أحوط كما ذكرنا.

و يصح للمرأة أن تقول للزوج: طلقني على ألف دينار، فيقول الزوج بعدها فورا على الأحوط لزوما: أنت طالق على ألف دينار أو على ما بذلت، أو يقول لها: أنت مختلعة على ذلك، و الأحوط في الصورتين ان تتبع المرأة ذلك بالقبول فتقول: قبلت أو رضيت.

و يصح ان يبدأ الرجل أولا، فيقول للمرأة: أنت طالق على ألف دينار، أو يقول لها أنت مختلعة على مبلغ كذا، و تقول المرأة بعده فورا: قبلت أو رضيت.

و إذا كان الإيقاع بين وكيل الزوج و وكيل الزوجة: قال وكيل الزوجة لصاحبه: بذلت لموكلك عن زوجته موكلتي فلانة ألف دينار ليطلقها، و قال وكيل الزوج بعده على الفور: فلانة زوجة موكلي فلان طالق على ما بذلت، أو يقول هي مختلعة على ما بذلت، أو يقول: بحسب وكالتي عن فلان خلعت موكلتك فلانة على ما بذلت. و على نهج ذلك يتم الخلع إذا وقع

بين الزوج و وكيل الزوجة، أو بين الزوجة و وكيل الزوج.

المسألة 167:

الأحوط لزوما عدم الفصل عرفا بين إنشاء البذل من الزوجة أو من وكيلها، و إيقاع الخلع من الزوج أو من وكيله كما ذكرنا، سواء كان البذل بلفظ بذلت و أعطيت و نحوهما أم كان بلفظ طلقني على مبلغ كذا، و مثله ما إذا ابتدأ الزوج، فأوقع الطلاق أو الخلع على مبلغ كذا، ثم أتبعته الزوجة فانشأت البذل بقولها قبلت أو بذلت.

المسألة 168:

يشترط أن يكون إيقاع الخلع بحضور شاهدين عادلين كما هو

كلمة التقوى، ج 7، ص: 216

الحكم في إيقاع الطلاق، فلا يصح الخلع إذا أوقعه الزوج أو وكيله بغير إشهاد، و لا يصح إذا أوقعه بحضور شاهدين غير عادلين، و قد ذكرنا هذا في المسألة الحادية و الأربعين.

المسألة 169:

يجب أن يكون إنشاء الخلع منجزا غير معلق على شرط يمكن حصوله و عدم حصوله، أو على أمر مرتقب يعلم بحصوله في المستقبل و ليس موجودا بالفعل، كما هو الشرط في الطلاق، و تراجع المسألة التاسعة و الثلاثون.

المسألة 170:

الخلع طلاق بائن، فليس للرجل أن يرجع بالمرأة المختلعة، إلا إذا رجعت بما بذلت في أثناء عدتها، و لا توارث بين الزوجين إذا مات أحدهما في أيام العدة و بقي الآخر، و يصح للزوج أن يتزوج أخت المرأة المختلعة و هي في العدة، و يجوز له أن يتزوج في عدة المختلعة امرأة بالنكاح الدائم و عنده ثلاث زوجات غيرها فتكون هي الخامسة، و ليست كالمطلقة الرجعية في هذه الأحكام.

المسألة 171:

يجوز للمرأة المختلعة أن ترجع و هي في أثناء العدة بجميع ما بذلته للزوج من الفدية، و يجوز لها أن ترجع ببعضه، و إذا رجعت بجميع البذل أو ببعضه جاز للزوج أن يرجع بنكاحها، و نتيجة لذلك فلا يحل له بعد ان ترجع المرأة بالبذل أو ببعضه أن يتزوج بأختها أو بخامسة، فان المختلعة إذا رجعت بالبذل تكون بمنزلة الزوجة. و انما يصح لها أن ترجع بما بذلت إذا لم يكن للزوج ما يمنعه من الرجعة بالمرأة، فلا يصح لها الرجوع بالبذل إذا تزوج الرجل بأختها بعد ما خلعها و قبل أن ترجع هي ببذلها، فإنه لا يحل للرجل أن يرجع بالمرأة بعد زواجه بأختها، و لا يصح لها أن ترجع بالبذل إذا تزوج الرجل بعد ما خلعها بامرأة خامسة، فإنه لا يحل له الرجوع بها في هذه الحالة، و لا يصح لها ان ترجع بالبذل إذا كان طلاقها هو الطلاق الثالث فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، و لا يصح لها أن ترجع بالبذل إذا لم تكن ذات

كلمة التقوى، ج 7، ص: 217

عدة كالمختلعة اليائسة من المحيض و غير المدخول بها أو كان رجوعها ببذلها بعد انقضاء العدة فإنه لا يمكن له

الرجوع بالمرأة في هذه الفروض، و لا فرق في جميع ذلك بين الرجوع بجميع البذل أو ببعضه.

المسألة 172:

يجوز للمرأة أن تبذل للرجل إرضاع ولده و تجعل ذلك فدية عنها ليطلقها، و الأحوط أن تعين مدة الإرضاع تعيينا يرفع الجهالة، و لا فرق بين أن يكون الولد من المرأة نفسها و من زوجة أخرى، بل الظاهر الصحة إذا كان المرتضع ولد أخيه أو ولد أخته مثلا مما يعد عرفا من شؤون الرجل، و يكون إرضاع الطفل بذلا له، و كذلك إذا بذلت له حضانة الطفل و تربيته مدة معلومة.

المسألة 173:

إذا بذلت المرأة للرجل فدية و دفعتها اليه، ثم ظهر أن الشي ء الذي دفعته له مملوك لغيرها، فان كانت قد بذلت له أمرا كليا و دفعت له فردا منه، و ظهر أن الفرد المدفوع له ملك غير المرأة، وجب عليها أن تدفع اليه فردا آخر مما تملكه بدلا عنه، و ان كانت قد بذلت له ذلك الفرد المعين بطل البذل و الخلع، و كان الطلاق رجعيا إذا أوقعه بصيغة الطلاق أو أوقعه بلفظ الخلع و اتبعه بلفظ الطلاق.

المسألة 174:

إذا بذلت المرأة للرجل شيئا و دفعته اليه فظهر معيبا، فإن رضي بالمعين صح البذل و الخلع، سواء كان المبذول له أمرا كليا أم كان هو الفرد المعين المدفوع اليه، و ان لم يرض بالمعيب، فان كانت المرأة قد بذلت له أمرا كليا و دفعت له فردا منه، وجب عليها ان تبدله بفرد آخر لا عيب فيه، و ان كانت قد بذلت له الفرد المعين بطل البذل و بطل الخلع، و كان الطلاق رجعيا إذا كان إنشاء الخلع بصيغة الطلاق أو أتبع به كما تقدم في نظائره.

المسألة 175:

إذا كرهت المرأة زوجها و لم تصل كراهتها الى حد يخشى معه أن ترتكب ما يحرم عليها من قول أو فعل، و لم يكرهها الزوج، فالأحوط

كلمة التقوى، ج 7، ص: 218

للزوجين معا أن يدأبا لإصلاح الأمور بينهما بتحمل المصاعب و تخفيف المتاعب، و أن ينظرا الى مستقبل الأسرة و مستقبل الأطفال، فيتحمل الرجل مصاعب زوجته ما وجد الى ذلك سبيلا، و يلين لها ما تنكره من خشونة طبع أو سرعة غضب، أو غير ذلك مما تنكره من صفاته، ليسعد بذلك بيته، و يحسن مستقبلة و مستقبل أطفاله. و تتحمل المرأة ما تجده من صفات الرجل منافرا لها أو غير ملائم، و يسعيا لإصلاح الأمور جهدهما، لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا.

فإذا أعيى الرجل أمر المرأة و لم تجد محاولاته نفعا طلقها من غير بذل طلاقا رجعيا، و إذا أعيى المرأة أمر الرجل و لم يثمر تحملها شيئا، صالحته بإسقاط بعض ديونها أو حقوقها عنه، لا بعنوان الفدية، و طلقها من غير بذل، و اللّه هو الحسيب الرقيب.

المسألة 176:

المبارأة قسم من أقسام الطلاق كما قلنا في أول هذا الفصل، و لذلك فيشترط في صحته كل أمر اشترطناه في صحة الطلاق، و قد ذكرناها جميعا في الفصل الأول و الثاني من كتاب الطلاق، و أشرنا إليها في هذا الفصل أيضا، و المبارأة قسم يتحد مع الخلع في أكثر الأحكام و القيود و الشروط التي تعتبر فيه، و لذلك أغنانا ذكر هذه الأمور في الخلع عن اعادة ذكرها في المبارأة، فيكون المهم هنا ذكر ما تختلف به المبارأة عن الخلع من الأمور و ما تنفرد به من الآثار.

المسألة 177:

مورد طلاق المبارأة هو ان يكره كل واحد من الزوجين صاحبه، و لا يعتبر فيه أن تصل الكراهة من الزوج أو من الزوجة إلى حد يخاف معه الوقوع في محرم، بل يكفي أن لا يسعدا في البقاء، و أن يتمنى أحدهما فراق الآخر، فإذا تكارها كذلك و بذلت المرأة للرجل فدية ليطلقها، صح له طلاقها على ما بذلت و كان طلاقها مباراة.

المسألة 178:

لا يجوز في المبارأة أن تكون الفدية المبذولة من المرأة أكثر من مهرها المسمى لها، فلا يحل للرجل أخذ ما زاد عليه. و يصح ان تكون مساوية

كلمة التقوى، ج 7، ص: 219

له أو أقل منه، بل الأحوط استحبابا أن تكون أقل.

المسألة 179:

إذا اتفق الرجل و المرأة على تعيين مقدار الفدية التي تبذلها المرأة ليطلقها، و وجدت الشروط المعتبرة في كل من الرجل و المرأة و في نفس المبارأة، قالت المرأة للرجل بحضور الشاهدين العادلين: بذلت لك ما استحقه في ذمتك من مهر، أو مبلغ كذا دينارا لتطلقني أو على أن تطلقني، و قال الرجل بعدها على الفور: أنت طالق على ما بذلت، أو قال لها: بارأتك على ما بذلت، فأنت طالق، و لا يكتفى بأن يقول لها:

بارأتك على ما بذلت إذا لم يتبعه بقوله أنت طالق.

و يصح أن تقول المرأة له: طلقني على مبلغ كذا، فيقول الرجل بعدها: أنت طالق على ما بذلت، أو يقول بارأتك على ما بذلت فأنت طالق، و إذا كان الإيقاع من الوكيلين، قال وكيل الزوجة لوكيل الزوج: بذلت لموكلك فلان مبلغ كذا عن زوجته موكلتي فلانة ليطلقها أو على أن يطلقها، فيقول وكيل الزوج بعده: هي أن فلانة طالق على ما بذلت، أو يقول: بارأت فلانة على ما بذلت فهي طالق. و إذا كان الإيقاع من أحد الزوجين مع وكيل الآخر أوقعا البذل و الطلاق على نهج ما بينا من قول الأصيل و الوكيل.

المسألة 180:

المبارأة طلاق بائن فلا يصح للرجل فيه أن يرجع بالمرأة إلا إذا رجعت المرأة بما بذلت، فيصح للرجل بعد ذلك أن يرجع بها إذا كانت العدة باقية، و يصح له كذلك أن يتزوج بأخت المرأة المبارأة و هي في العدة فإذا رجعت بالبذل لم يحل له بعد ذلك التزويج بأختها، و مثله العقد على خامسة كما تقدم في المختلعة.

المسألة 181:

لا توارث بين الزوج و الزوجة إذا طلقها طلاق مباراة، و مات أحد الزوجين في أثناء العدة و بقي الآخر حيا، و إذا رجعت بالبذل في أثناء العدة ثم مات أحدهما و العدة باقية أشكل الحكم بالتوارث و عدمه و لا يترك الاحتياط، و كذلك الأمر في المختلعة إذا رجعت بالبذل في العدة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 220

ثم مات أحد الزوجين و العدة باقية فيشكل الحكم بثبوت التوارث و نفيه.

المسألة 182:

يتفق طلاق المبارأة مع الخلع كما ذكرنا آنفا في الشروط و القيود المعتبرة فيهما، و في الأحكام و الآثار التي تجري عليهما، و يختلف طلاق المبارأة عن الخلع في أمور ثلاثة:

(الأول): انه يشترط في الخلع ان تكون الكراهة من الزوجة خاصة من غير أن يكرهها الرجل، و يعتبر في المبارأة أن تكون الكراهة من الجانبين.

(الثاني): أنه يشترط في المبارأة أن لا تزيد الفدية على مهر الزوجة المسمى لها في عقد تزويجها، و لا يشترط ذلك في الخلع فيجوز فيه أن تكون الفدية بمقدار المهر المسمى للمرأة، و أن تكون أكثر منه و أقل.

(الثالث): أنه يعتبر في إنشاء المبارأة أن يكون بلفظ الطلاق، فإذا قال الزوج: بارأت فلانة على ما بذلت، لم يكف ذلك حتى يتبعه بقوله:

فهي طالق، و لا يعتبر ذلك في الخلع، فإذا قال للزوجة أنت مختلعة على ما بذلت صح الخلع و ان لم يتبعه بلفظ الطلاق.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 221

كتاب الظهار و توابعه

اشارة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 223

كتاب الظهار و توابعه و هو يحتوي على ثلاثة فصول:

الفصل الأول في الظهار
المسألة الأولى:

الظهار هو أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، و يقصد بقوله إنشاء تحريم زوجته على نفسه كما تحرم عليه أمه، و قد كان في الجاهلية احدى الصيغ المعروفة بينهم لتحريم الزوجة، فإذا قال الرجل لزوجته هذا القول حرمت عليه في عرفهم تحريما مؤبدا، و قد حرم اللّه سبحانه هذا القول في الإسلام، فلا يجوز للرجل أن يقوله بقصد تحريم الزوجة، و جعل له أحكاما تخصه، و سنتعرض لذكرها في هذا الفصل ان شاء اللّه تعالى.

و لا يختص الظهار بالقول المذكور، فمنه أن يسمي المرأة فيقول:

هند مثلا علي كظهر أمي، أو يشير إليها فيقول: هذه أو هي علي كظهر أمي، أو يقول: هي مني، أو هي عندي أو هي لدي، أو هي كظهر أمي إذا قصد بالقول ذلك.

المسألة الثانية:

إذا شبه الرجل زوجته بغير الظهر من أجزاء أمه، فقال: هي علي كبطن أمي أو كفخذها أو كرجلها أو أي جزء من أجزاء بدنها، و قصد بذلك تحريم الزوجة على نفسه كما يحرم عليه ذلك الجزء من أمه، كان ذلك من الظهار و شملته الأحكام الآتية، و كذلك على الأحوط إذا قال لها: أنت كأمي، أو أنت أمي بقصد إنشاء التحريم، بل لا يخلو من قوة، و لا يقع الظهار بهذا القول إذا قصد بقوله: أنت أمي أو

كلمة التقوى، ج 7، ص: 224

كأمي، أنها بمنزلة أمه في المنزلة عنده، أو أنها كأمه في السن، أو شك في المقصود من قوله.

المسألة الثالثة:

إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أختي أو كظهر عمتي أو خالتي، و نحوهن من المحرمات عليه في النسب، كان ذلك من الظهار و ثبتت له أحكامه على الأقوى، و كذلك على الأحوط لزوما إذا شبه الزوجة بأحد أجزائهن غير الظهر و قصد به إنشاء تحريمها على نفسه، فلا يترك الاحتياط بترتيب أحكام الظهار عليه، و لعل الأقرب إلحاق محرمات المصاهرة بالمحرمات من النسب في الحكم المذكور، فإذا قال: هي علي كظهر زوجة أبي، أو كظهر أم زوجتي، أو كظهر فلانة و يعني زوجة ولده كان ذلك من الظهار، و إذا شبه الزوجة ببعض اجزائهن غير الظهر و قصد به إنشاء التحريم فلا يترك الاحتياط بإجراء أحكامه.

المسألة الرابعة:

لا يتحقق الظهار إذا شبهت الزوجة زوجها مثل هذا التشبيه، فقالت له: أنت علي كظهر أبي أو كظهر أخي أو كظهر ولدي و لا يكون له أثر، و ان قصدت بذلك إنشاء تحريم الرجل على نفسها.

المسألة الخامسة:

يشترط في وقوع الظهار أن يكون الزوج المظاهر بالغا، فلا تقع مظاهرته إذا كان صبيا، و أن يكون عاقلا فلا أثر لقوله إذا كان مجنونا، و ان يكون مختارا و قاصدا، فلا يقع الظهار بقوله إذا كان مكرها أو كان غافلا أو هازلا أو سكران، أو غاضبا غضبا يسلب منه القصد، و إذا ظاهر من زوجته و هو غاضب غضبا لا يسلب منه القصد أشكل الحكم فيه و لا يترك الاحتياط.

المسألة السادسة:

يشترط في تحقق الظهار أن تكون المرأة في حال المظاهرة منها طاهرة من الحيض و النفاس و أن تكون في طهر لم يواقعها الرجل فيه على التفاصيل التي ذكرناها في الفصل الأول من كتاب الطلاق، فلا يقع الظهار إذا كانت المرأة في حال إيقاعه حائضا أو نفساء أو كانت في

كلمة التقوى، ج 7، ص: 225

طهر المواقعة، و كان الرجل حاضرا أو غائبا يمكنه استعلام حالها من الحيض و الطهر و لا يشترط ذلك إذا كان الزوج لا يمكنه معرفة حالها كما هو الحكم في الطلاق أو كانت المرأة يائسة أو مسترابة بعد تربص ثلاثة أشهر و قد تقدم بيان ذلك، و يشترط فيه أن يكون الرجل قد دخل بالمرأة، فلا يصح الظهار من المرأة غير المدخول بها و يكفي فيه الدخول دبرا.

المسألة السابعة:

لا يختص الظهار بالمرأة المزوجة بالعقد الدائم، بل يقع كذلك في المرأة المتمتع بها إذا ظاهر منها زوجها على الأقوى و تجري عليه أحكام الظهار.

المسألة الثامنة:

لا يقع الظهار في يمين، و معنى ذلك ان ينشئ الرجل الظهار من زوجته ليجعل ذلك ملزما له بفعل شي ء أو بتركه، فيقول: زوجتي فلانة علي كظهر أمي إن أنا تركت زيارة أخي في كل جمعة، أو يقول زوجتي علي كظهر أمي إن أنا دخلت دار زيد الفاسق بعد اليوم.

المسألة التاسعة:

يقع الظهار بالأمة الموطوءة بملك اليمين كما يقع بالزوجة الحرة، فإذا قال السيد لجاريته: أنت علي كظهر أمي و تمت الشروط المعتبرة كان ذلك ظهارا و تعلقت به أحكامه على الأقوى.

المسألة العاشرة:

يشترط في تحقق الظهار أن يوقعه الرجل بحضور شاهدين عادلين يسمعان قوله، فلا اعتبار به إذا أوقعه بغير إشهاد أو كان الشاهدان غير عادلين.

المسألة 11:

ليس من الظهار أن يقول الزوج لامرأته: أنت علي كظهر أبي أو كظهر أخي أو أحد من أرحامه الذكور، و ان قصد به تحريم المرأة على نفسه، فيكون قوله لغوا و لا تتعلق به كفارة و لا يجري عليه حكم من أحكام الظهار.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 226

المسألة 12:

إذا ظاهر الرجل من امرأته على الوجه الذي بيناه، و اجتمعت في ظهاره جميع الشروط و القيود التي ذكرناها، حرم على الرجل أن يطأ المرأة التي ظاهر منها، و ان لم تخرج بذلك عن زوجيته، و لا يحل له وطؤها حتى يأتي بكفارة الظهار قبل الوطء، فإذا هو أراد العود الى وطء زوجته بعد المظاهرة منها وجب عليه أن يأتي بالكفارة قبل أن يتماسا، و إذا أتى بالكفارة انحل ظهاره و حل له وطء المرأة ما أراد و لم تجب عليه كفارة أخرى بفعله. و إذا وطأ المرأة قبل أن يكفر لإرادة عوده و حل ظهاره، وجبت عليه كفارة بوطئه للمرأة، و وجبت عليه كفارة أخرى لعوده و لحل ظهاره، و إذا وطأها أكثر من مرة قبل التكفير للعود وجبت عليه الكفارة لكل وطء و وجبت عليه كفارة لعوده، و لم تتداخل الكفارات.

المسألة 13:

إذا ظاهر الرجل من امرأته حرم عليه وطؤها على الوجه الذي ذكرناه، و لم تحرم عليه بقية الاستمتاعات الأخرى بالمرأة من الضم و المس و التقبيل و نحوها على الأقرب.

المسألة 14:

إذا ظاهر الرجل من امرأته حرم عليه وطؤها قبل أن يكفر، و إذا وطأها كذلك وجبت عليه كفارة أخرى بالوطء كما ذكرنا في المسألة الثانية عشرة، و انما تلزمه الكفارة بالوطء إذا كان عامدا بفعله، و لا تجب عليه إذا كان جاهلا أو ناسيا حين الفعل.

المسألة 15:

إذا ظاهر الرجل من زوجته ثم طلقها بعد الظهار طلاقا رجعيا، فهي لا تزال بحكم الزوجة ما دامت في العدة، و حكم الظهار منها لا يزال باقيا، فإذا رجع بها في العدة لم يحل له وطؤها حتى يكفر من ظهاره، و إذا انقضت العدة ثم تزوجها بعد العدة بعقد جديد سقط حكم الظهار و جاز له وطء المرأة و لم يجب عليه التكفير إذا وطأها، و كذلك إذا طلقها طلاقا بائنا و تزوجها بعده بعقد مستأنف بعد العدة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 227

أو في أثنائها، فيسقط حكم الظهار لتبدل النكاح، و مثله ما إذا ظاهر من زوجته المتمتع بها ثم انقضت مدة العقد أو وهبها المدة، و تزوجها بعقد جديد دواما أو متعة، سقط حكم الظهار و لم تجب عليه الكفارة إذا وطأ المرأة.

المسألة 16:

إذا ظاهر الرجل من امرأته ثم أراد العود الى جماعها لم يستقر عليه وجوب الكفارة حتى يعود بالفعل فيجامعها بعد التكفير أو قبله، و إذا جامعها قبل التكفير لزمته كفارتان كما قلنا في المسألة الثانية عشرة.

و نتيجة لذلك فإذا ظاهر و أراد العود إلى مواقعة المرأة، و لم يعد بالفعل ثم طلقها حتى انقضت عدتها أو طلقها طلاقا بائنا، سقط حكم الظهار و لم تجب عليه الكفارة بإرادة العود السابقة، و كذلك إذا أراد العود إليها و لم يعد بالفعل ثم مات أحد الزوجين، فلا كفارة على الزوج بإرادته المتقدمة.

المسألة 17:

إذا ظاهر الرجل من أكثر من امرأة واحدة بلفظ واحد، وقع الظهار منه على كل واحدة من النساء المقصودات بالإيقاع، و لزم الزوج حكم الظهار المستقل فيها، و مثال ذلك: أن تكون له عدة زوجات فيقول لاثنتين منهن معينتين: أنتما علي كظهر أمي، أو يقول: فلانة و فلانة علي كظهر أمي، أو يقول مثل ذلك لأكثر من اثنتين مع التعيين أو للجميع، فيصح الظهار من المعينات مع اجتماع الشرائط، و تجب عليه الكفارة إذا أراد العود في كل واحدة منهن، و له أن يفرق بينهن فيكفر و يعود في بعضهن، و يطلق بعضهن، و كذلك إذا ظاهر منهن على التفريق.

المسألة 18:

إذا ظاهر الرجل من زوجة واحدة مرتين أو مرارا متعددة، وقع الظهار منها في كل مرة مع وجود الشروط، و وجبت عليه الكفارة بعدد المرات، سواء تباعدت فترات الزمان التي أوقع فيها المظاهرات أم تقاربت، الا أن يعلم أو تدل القرائن على أن اللاحق من المظاهرات انما هو اعادة للظهار السابق للتأكيد، لا لإنشاء ظهار جديد فيكون الأثر

كلمة التقوى، ج 7، ص: 228

للأول، و لا تتعدد الكفارة، و يشكل الحكم في ما إذا شك في أن الظهار اللاحق مؤكد للأول أو هو ظهار جديد، و لا يترك الاحتياط في هذه الصورة.

المسألة 19:

الكفارة التي تجب على الرجل إذا ظاهر من زوجته ثم أراد العود إلى وطئها و مخالفة ظهاره، أو جامعها قبل أن يكفر عن الظهار على ما ذكرناه في المسألة الثانية عشرة، هي: أن يعتق رقبة مؤمنة، و يتعين عليه ذلك مع القدرة، فإذا عجز عن عتق الرقبة و لم يقدر عليه، وجب عليه أن يصوم شهرين متتابعين، و يتعين عليه ذلك أيضا، فإذا عجز عن الصيام و لم يمكنه، وجب عليه أن يطعم ستين مسكينا، و إذا تعين عليه إطعام المساكين و أراد الدفع إليهم دفع لكل مسكين منهم مدين من الطعام على الأحوط لزوما.

المسألة 20:

يرجع الى ما ذكرناه مفصلا في كتاب الكفارات في بيان ما يتحقق به العجز عن عتق الرقبة، و ما يحصل به العجز عن صيام الشهرين المتتابعين، و ما يعتبر في إطعام المساكين في اشباعهم أو دفع الأمداد إليهم، و ما يتعلق بالكفارة و بخصالها عند القدرة و عند العجز من أحكام، و غير ذلك مما يتعلق بكفارة الظهار، فذكرها هناك يغني عن الإعادة هنا.

المسألة 21:

إذا ظاهر الرجل من زوجته حرم عليه وطؤها حتى يأتي بالكفارة عن ظهاره و قد ذكرنا هذا أكثر من مرة، و لا يكفي في إباحة الوطء له أن يشرع بمقدمات التكفير، أو يأتي ببعض الكفارة قبل أن يتمها، فإذا اشترى الرقبة المؤمنة ليعتقها، أو وكل غيره في شرائها أو في عتقها عنه لم يجز له أن يجامع الزوجة قبل ان يجري صيغة العتق على الرقبة بالفعل، و إذا ابتدأ بصوم الشهرين المتتابعين للكفارة أو صام منها أياما، لم يجز له أن يطأ المرأة قبل ان يتم الصيام كله، و إذا وطأها في أثناء الصوم وجبت عليه كفارتان، إحداهما للوطء قبل التكفير،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 229

و الثانية لإرادة العود، و لا يكفيه- على الأحوط ان لم يكن على الأقوى- أن يتم صومه السابق عن احدى الكفارتين، و ان صام الشهر الأول و ابتدأ بالشهر الثاني، أو كان الوطء ليلا لا نهارا، و كذلك إذا كان فرض الرجل أن يطعم ستين مسكينا لعجزه عن الصيام، فأطعم بعض المساكين و وطأ المرأة المظاهر منها قبل أن يتم إطعام بقية العدد، فتجب عليه الكفارتان، و يلزمه أن يستأنف الكفارة التي حصل الوطء في أثنائها على الأحوط ان لم يكن الاستيناف هو الأقوى.

المسألة 22:

تقدم في المسألة الثامنة عشرة من كتاب النكاح انه لا يجوز للرجل أن يترك جماع زوجته أكثر من أربعة أشهر، و ان ذلك حق من حقوقها الواجبة لها شرعا، و نتيجة لذلك: فإذا ظاهر الرجل من الزوجة و ترك وطأها أربعة أشهر أو أكثر، و لم يكفر عن ظهاره و لم يطلقها، جاز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي فيحضره و يخيره بين ان يكفر

عن ظهاره و يفي بما يجب عليه لزوجته، و أن يطلقها، فإذا امتنع ضيق عليه حتى يختار أحد الأمرين، و لا يجبره على أحدهما.

المسألة 23:

أفتى جماعة من العلماء (قدس اللّه أرواحهم) بأن الرجل إذا ظاهر من زوجته جاز لها أن ترفع الأمر إلى الحاكم الشرعي فيحضره و يخيره بين أن يكفر و يرجع الى زوجته، و أن يطلقها و يؤجله ثلاثة أشهر للنظر في أمره، فإذا انقضت المدة و لم يختر أحد الأمرين حبسه و ضيق عليه في المطعم و المشرب حتى يختار أحدهما و لا يجبره على شي ء منهما، و ادعى بعضهم الإجماع على ذلك، و ظاهرهم ثبوت هذا الحكم و ان لم تنقض على المرأة مدة بعد المظاهرة منها، و قد وردت في المسألة رواية موثقة و هي غير وافية الدلالة على جميع ما ذكروه، فليس فيها حبس و لا تضييق، و فيها أنه يوقف بعد ثلاثة أشهر و يسأل أ لك حاجة في امرأتك أو تطلقها، و الحكم من أجل ذلك مشكل.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 230

الفصل الثاني في الإيلاء
المسألة 24:

الإيلاء من الزوجة هو أن يحلف الرجل أن لا يطأ زوجته أبدا، أو يحلف أن لا يطأها مدة تزيد على أربعة أشهر، و هو يريد بذلك اغضاب المرأة أو الإضرار بها، فالإيلاء يمين خاص يختلف عن سائر الأيمان في القيود و الشروط المعتبرة فيه، و في بعض الأحكام التي تجري عليه و سنوضح ذلك في ما يأتي ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 25:

يختص الإيلاء بالزوجة المعقودة بالعقد الدائم، فلا يجري في الزوجة المعقودة بالعقد المنقطع و لا يجري في الأمة الموطوءة بملك اليمين أو بالتحليل، و يختص بالمرأة المدخول بها، فلا يجري في الزوجة الدائمة إذا لم يدخل بها الزوج، و لا يكون من الإيلاء إذا حلف الرجل ان لا يطأ الزوجة مدة أربعة أشهر فقط أو أقل منها كالشهر و الشهرين و الثلاثة، و لا يكون من الإيلاء إذا حلف على ترك وطء الزوجة لبعض مصالح تعود إليها، كما إذا كانت مريضة يضر بها الوطء أو كانت مرضعة يؤثر الوطء على صحتها أو على لبنها، أو كان الزوج و الزوجة يرغبان في ترك الوطء لغاية معينة من تحديد النسل و شبه ذلك.

المسألة 26:

إذا حلف الرجل أن لا يطأ المرأة في الفروض التي ذكرناها في المسألة المتقدمة و كانت شروط انعقاد اليمين موجودة من رجحان متعلق اليمين لمصلحة دينية أو دنيوية تترتب عليه، و غيره من الأمور التي ذكرناها في الفصل الأول من كتاب الايمان، انعقد حلف الرجل و لزمه الوفاء به، و حرم عليه الحنث بيمينه و وجبت عليه الكفارة إذا خالف، و إذا لم تتوفر الشروط كان الحلف باطلا.

المسألة 27:

ينعقد الإيلاء بالحلف باسم اللّه العلم المختص به سبحانه، و بالذات

كلمة التقوى، ج 7، ص: 231

المقدسة، كما إذا ذكر الأوصاف أو الأفعال التي لا يشاركه فيها غيره، فقال: و الذي نفسي بيده، أو الذي بيده مقاليد الأشياء، أو و الذي لا تأخذه سنة و لا نوم، أو و فالق الإصباح، و ينعقد بالحلف بالأسماء التي لا تطلق على غيره، كالرحمن و الأول ليس قبله شي ء، و تراجع المسألة الحادية عشرة و الثانية عشرة و الثالثة عشرة من كتاب الأيمان.

المسألة 28:

يكفي في تحقق الإيلاء أن يأتي باللفظ الدال عرفا على ترك العمل الخاص بين الرجل و المرأة، و ان لم يكن صريحا في ذلك، فإذا قال:

و اللّه لا جامعت فلانة، أو لا مسستها، أو لا وطأتها، كفى ذلك في تحقق الإيلاء، و يصح ذلك و ان لم يكن النطق باللغة العربية.

المسألة 29:

يعتبر في الرجل المولى أن يكون بالغا و عاقلا و مختارا و قاصدا، فلا ينعقد الإيلاء من غير البالغ و لا من غير العاقل، و لا من المكره غير المختار، و لا من الهازل أو الساهي أو السكران غير القاصد.

المسألة 30:

إذا انعقد إيلاء الرجل من زوجته و امتنع بسبب ذلك عن وطئها، جاز للمرأة أن تصبر على ذلك و تنتظر، و لا تطالب الرجل بشي ء، و جاز لها أن تطالبه فترفع الأمر إلى الحاكم الشرعي، فيحضر الرجل و ينظره أربعة أشهر من حين رفع الشكوى اليه، ليختار في هذه المدة أما التكفير عن إيلائه و الرجوع الى زوجته، و أما الطلاق فإذا انقضت مدة التربص و لم يختر شيئا، أجبره الحاكم الشرعي على اختيار أحدهما، و إذا امتنع حبسه و ضيق عليه في المطعم و المشرب ليكفر و يفي ء إلى زوجته، أو يطلقها، أو يسجن أبدا، و لا يجبر على أحدهما معينا.

المسألة 31:

إذا طلق الرجل زوجته بعد الإيلاء منها، فان كان الطلاق بائنا سقط حكم الإيلاء كله، فليس للمرأة مطالبة الرجل بالوطء و لا المرافعة معه الى الحاكم الشرعي بعد ان أصبح أجنبيا عنها، و إذا تزوجها بعقد جديد في العدة أو بعدها، جاز له وطؤها و لم يجب عليه التكفير.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 232

و إذا طلقها طلاقا رجعيا سقط حكم الإيلاء في الجملة، و لم يسقط كله، فليس للمرأة أن تطالبه بالوطء أو ترافعه الى الحاكم الشرعي بعد الطلاق إذا هو لم يرجع بها في العدة، و لا تزول أحكام الإيلاء كلها حتى تنقضي العدة، فإذا رجع بها في أثناء العدة لم يجز له وطؤها حتى يكفر، و جاز للمرأة أن تطالبه بالوطء و ان ترافعه الى الحاكم الشرعي، و إذا لم يرجع بها حتى انقضت العدة ثم تزوجها بعقد مستأنف سقطت جميع أحكام الإيلاء.

المسألة 32:

إذا وطأ الرجل زوجته بعد الإيلاء منها، وجبت عليه الكفارة لحنثه باليمين، سواء كان الوطء قبل مدة التربص أم في أثنائها أم بعدها، و سواء كان بعد مطالبة المرأة به و أمر الحاكم الشرعي به على التخيير أم قبل ذلك.

المسألة 33:

كفارة الوطء بعد الإيلاء من الزوجة هي كفارة مخالفة اليمين، و هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو عتق رقبة مؤمنة، مخيرا بين هذه الخصال الثلاث، فان لم يجد واحدة منها صام ثلاثة أيام متتابعة.

المسألة 34:

يفترق الإيلاء عن سائر الأيمان بالقيود التي تعتبر فيه دونها، و قد ذكرنا هذه القيود في أول هذا الفصل، و بأنه لا يشترط فيه أن يكون متعلق الحلف راجحا لأمر ديني أو دنيوي، أو مباحا متساوي الطرفين كما في الايمان الأخرى، و لذلك فالإيلاء ينعقد مع تعلقه بترك وطء الزوجة لا غضابها و الإضرار بها، و لا ريب في مرجوحيته، و يفترق عنها بأن مخالفة اليمين فيها محرمة، و الحنث بالإيلاء جائز، و يكون واجبا إذا انقضت مدة التربص، و طالبت المرأة بحقها الواجب من الوطء، و خصوصا بعد أمر الحاكم الشرعي به على نحو التخيير.

المسألة 35:

إذا آلى الرجل من زوجته أن لا يطأها مدة، و دافع المرأة أو دافع

كلمة التقوى، ج 7، ص: 233

الحاكم نفسه حتى انقضت مدة الإيلاء، جاز له الوطء بعدها و لم تجب عليه الكفارة، و ان كان آثما بترك وطء الزوجة بعد أن استحقت ذلك شرعا بمضي أربعة أشهر من الوطء السابق.

المسألة 36:

فئة الرجل من إيلائه بالزوجة إذا كان قادرا على الوطء هو أن يطأها قبلا مع الانزال، و لا يكفي الوطء دبرا، و لا غير ذلك من الاستمتاعات الأخرى، و فئته إذا كان عاجزا عن الوطء لمرض أو ضعف أن يظهر عزمه على وطئها متى حصلت له القدرة عليه، و لا تجب عليه الكفارة حتى يطأها بالفعل.

الفصل الثالث في اللعان
المسألة 37:

اللعان- كما يقول بعض العلماء- مباهلة بين الزوج و الزوجة تقع في أحد موضعين، أحدهما أن يرمي الرجل زوجته بالزنا، و ليس له من الشهداء على ذلك الا نفسه، فيلا عنها ليثبت بذلك صحة قوله، و يدرأ عن نفسه حد القذف، ثم تلاعنه المرأة لتبرئ نفسها من الجريمة و تدرأ عن نفسها حد الزنا، و الثاني: ان تلد المرأة طفلا، و يعتقد الرجل أن الولد ليس منه، و ليس له من الشهود من يثبت له ذلك، فيلاعن الزوجة لينفي الولد عنه، ثم تلاعنه الزوجة لتثبت بذلك براءتها و براءة طفلها مما يقول، و لا يشرع اللعان في غير الموردين المذكورين مع الشروط الآتي ذكرها.

المسألة 38:

يحرم على الرجل رمي زوجته بالزنا حرمة شديدة، و قد صرح الكتاب الكريم بحرمة رمي المحصنات من الأزواج و غيرهن و جعله سببا موجبا لإقامة حد القذف على القاذف، و الحكم بفسقه و عدم قبول شهادته ما لم يتب.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 234

و جعل رمي المحصنات المؤمنات الغافلات موجبا للعنة في الدنيا و الآخرة، و استحقاق العذاب العظيم، و شدد الوعيد لمن يرتكب ذلك في عدة من آياته الكريمة، و قد جعل في السنة المطهرة احدى الموبقات السبع، و هي الشرك باللّه و قتل النفس التي حرم اللّه، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و السحر، و التولي يوم الزحف، و قذف المحصنات.

و لا يجوز للرجل قذف زوجته بالزنا، لاتيانها بعض الأمور التي أوجبت له الريب فيها، أو أوجبت له غلبة الظن بذلك، و حتى إذا شاع ذلك أو أخبره به ثقة، فلا يجوز له القذف. نعم، يحسن منه الحذر و التوقي جهده المستطاع، و التخلص من ذلك بالطلاق

و شبهه، و لا يؤثر المال أو الجمال على شرفه و سمعته.

المسألة 39:

يجوز للرجل أن يقذف زوجته بالزنا إذا علم بذلك حق العلم، و إذا قذفها كذلك لم يصدق بمجرد قوله، بل تجب اقامة حد القذف عليه فيجلد ثمانين جلدة إذا طالبت الزوجة بذلك، إلا إذا أقام البينة التي تثبت هذا الأمر و هي أربعة شهود عدول، أو لا عن المرأة لعانا جامعا للشرائط و سيأتي تفصيله ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 40:

يشترط في ثبوت اللعان ان يكون الزوج القاذف لزوجته بالغا عاقلا، فلا يثبت اللعان إذا كان صبيا غير بالغ أو كان مجنونا.

و يشترط في ثبوته أن تكون المرأة المقذوفة بالغة عاقلة، فلا يثبت اللعان إذا كانت صغيرة أو كانت مجنونة. و يشترط فيه أن تكون المرأة سالمة من الخرس، فلا يثبت اللعان بقذف الخرساء، و يشكل الحكم باشتراط كونها سالمة من الصمم.

المسألة 41:

يشترط في ثبوت اللعان أن يدعي الرجل القاذف لزوجته أنه شاهدها بعينه، فلا يثبت اللعان إذا قذفها و لم يدع المشاهدة، أو كان أعمى لا يبصر، فيجب عليهما إقامة البينة على ما يقولان، و إذا لم تكن لهما بينة عادلة تثبت صحة مدعاهما أقيم عليهما حد القذف.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 235

المسألة 42:

إذا كانت للرجل الذي قذف زوجته بينة تامة تثبت صحة ما يقول، وجبت عليه إقامة البينة و لم يصح منه اللعان.

المسألة 43:

لا يثبت اللعان مع غير الزوجة، فإذا قذف الرجل امرأة أجنبية عنه بالزنا، وجب عليه أن يقيم البينة على ما يقول، و إذا لم تكن له بينة أقيم عليه حد القذف و ان كانت المرأة المقذوفة زوجة له سابقا، و لا يثبت اللعان إذا قذف الرجل زوجته المتمتع بها على الأقوى، فإذا قذفها و لم تكن له بينة أقيم عليه حد القذف، و لا يثبت اللعان في الزوجة المعقودة بالعقد الدائم إذا كانت غير مدخول بها، فإذا قذفها بالزنا و لم يقم البينة كان عليه الحد.

المسألة 44:

لا يثبت اللعان بقذف الزوجة إذا كانت مشهورة بالزنا، و لا يثبت الحد على الرجل بقذفها ليدفع الحد عن نفسه باللعان، و إذا قذفها و هي مشهورة بالزنا و لكنها لا تتجاهر به كان عليه التعزير مع عدم البينة، و إذا أقام البينة أو كانت المرأة متجاهرة بالإثم فلا تعزير على الرجل بقذفها.

المسألة 45:

يشترط لإلحاق الولد بالرجل الذي يولد الطفل على فراشه من زوجته الدائمة أو المتمتع بها أن توجد ثلاثة أمور:

الأول: أن يطأ الزوج المرأة بحيث يعلم أنه أنزل ماءه فيها أو يحتمل ذلك، و بحكم ذلك أن ينزل ماءه على فرجها أو حواليه بحيث يحتمل دخول الماء و تسربه الى الرحم، و يلحق به كذلك أن تستدخل نطفة الرجل في جهاز المرأة بتوسط أنبوب أو إبرة حاقنة أو شبهه ذلك من الوسائل التي تعد للتلقيح الصناعي.

الثاني: أن تبلغ المدة ما بين الوطء أو ما هو بحكمه من الأمور الآنف ذكرها، و ولادة الطفل ستة أشهر أو أكثر، و لا تكون أقل من ذلك.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 236

الثالث: ان لا تتجاوز المدة ما بينهما عن أقصى مدة الحمل، و هو سنة كاملة على الأصح، و قيل تسعة أشهر و قيل عشرة و قد ذكرنا هذا في المسألة الثلاثمائة و الخامسة و الثمانين من كتاب النكاح.

فإذا وجدت هذه الشروط الثلاثة لحق الولد شرعا بالرجل و وجب عليه أن يعترف به، و حرم عليه إنكاره و نفيه عن نفسه و ان علم ان أمه قد ركبت الفجور، فان ذلك لا يجوز للرجل نفي الطفل مع تحقق شرائط الإلحاق، إلا إذا علم بانتفائه عنه.

المسألة 46:

إذا علم الرجل حق العلم ان الولد المولود على فراشه ليس ولده لبعض الأمور التي أوجبت له العلم بذلك، كما إذا ترك الرجل جماع امرأته مدة طويلة لغيبة أو مرض أو غيرهما، ثم وجد الزوجة حاملا على وجه لا يمكن أن يكون الحمل منه، فإذا حصل له العلم كذلك، وجب على الأحوط أن ينفي الولد عن نفسه باللعان أو بغيره، لئلا يدخل في نسبه من

ليس منه و تختل بذلك أحكام المواريث فيأخذ الميراث من لا يستحقه، و يحجب عنه من يستحق، و يختلط الأمر في النكاح و النظر الى المحارم بين ما يحل منه و ما يحرم، و في ولايات أولي الأرحام في موارد الولايات و غير ذلك من الآثار و الأحكام التي تترتب على النسب الثابت.

المسألة 47:

إذا علم الرجل بأن الولد ليس منه، صح له نفي الولد عنه بلعان أو بغير لعان، بل وجب عليه ذلك على الأحوط، كما قدمنا، و من الواضح ان انتفاء الولد عن نسب الرجل لا يعني ان الولد قد تكون من الزنا، و لذلك فلا يحل للرجل أن يقذف المرأة بالزنا، أو يقذف الولد بأنه ولد من الزنا، إلا إذا حصل له العلم بذلك، فيكون لعانه مع المرأة لكلتا الجهتين، و إذا قذفها بالزنا من غير ان يعلم كان عليه حد القذف.

المسألة 48:

إذا دخل الرجل بزوجته الدائمة، و أحرز وجود الشروط المتقدمة التي يلحق معها الولد بالرجل شرعا، حكم بلحوق الولد به، و لم يسمع منه نفيه إذا نفاه عن نفسه، و لم ينتف الولد عنه شرعا باللعان،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 237

و كذلك الحكم إذا أقر الرجل بأنه قد دخل بالمرأة و بأن الشروط الشرعية لإلحاق الطفل به قد تحقق جميعا، فلا يسمع منه النفي بعد إقراره بذلك، و لا أثر للعانه إذا لا عن المرأة.

و إذا لم يحرز تحقق الشروط الشرعية في الواقع، و لم يقر الرجل بأنه قد دخل بالزوجة، و بأن شروط الإلحاق به قد تحققت، ثم نفى الولد عن نفسه لم ينتف الولد عنه الا باللعان، و هذا إذا كانت الزوجة دائمة.

و إذا أنكر الرجل دخوله بالزوجة أصلا، أشكل الحكم بثبوت اللعان، فقد ذكرنا في المسألة الثالثة و الأربعين: انه يعتبر في ثبوت اللعان أن يكون الرجل قد دخل بالمرأة، فلا يثبت اللعان إذا قذف زوجته الدائمة من غير أن يدخل بها، و نتيجة لهذا، فإذا زعم أنه لم يدخل بالمرأة أصلا، فقد نفى وجود شرط اللعان.

المسألة 49:

إذا دخل الرجل بزوجته المتمتع بها، و أحرز معه تحقق بقية الشروط كما ذكرنا في الزوجة الدائمة، لحق الولد به شرعا، و لا يسمع منه نفي الولد إذا نفاه عن نفسه بعد ذلك، و مثله ما إذا أقر بالدخول بها و بوجود الشرائط الشرعية لإلحاق الولد، فلا يسمع منه النفي بعد إقراره و لا يكون لنفيه أثر شرعي.

و إذا لم يحرز وجود الشرائط في الواقع، و لم يقر الرجل بتحققها ثم نفى الولد عنه، انتفى الولد عنه في الظاهر بمجرد نفيه و جحوده و لا

يفتقر الى اللعان و لا يشرع له، و تلاحظ المسألة الثلاثمائة و السابعة و الثمانون و ما بعدها من كتاب النكاح.

المسألة 50:

يشرع اللعان لنفي الولد من الزوجة الدائمة في الصور الآنف ذكرها، سواء كان الولد لا يزال حملا في بطن أمه أم كان بعد ولادته و انفصاله، بل و ان تأخر اللعان عن الولادة ما لم يعترف الزوج بالطفل كما إذا كان غائبا حين ولادته أو كان مريضا أو كان الحاكم الشرعي بعيدا عنه أو لغير ذلك من الأعذار التي توجب التأخير.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 238

المسألة 51:

إذا أقر الرجل بالولد لم يسمع منه إنكاره إذا أنكره بعد ذلك، سواء كان إقراره بنسبه صريحا كما إذا قال لبعض اخوانه: لقد رزقني اللّه في هذا اليوم من فلانة مولودا جديدا، أو قال: و هبني اللّه من فلانة ولدا و قد سميته محمدا، أم كان إقراره بالكناية، كما إذا بشره أحد بولادته أو هنأه به فقال له: سرك اللّه كما سرني، أو قال: وفقني اللّه لشكر هذه النعمة، أو أتم اللّه علي نعمة وجوده بصلاحه، و نحو ذلك من العبارات الدالة على الرضا.

و لا يكفي أن يكون الرجل حاضرا عند ولادة الطفل فيسكت و لا ينكر نسبته إليه في تلك الحال، فلا يسقط بذلك حقه من نفي الولد إذا كان يعلم انه ليس منه.

المسألة 52:

يتعين على الأحوط أن يكون إيقاع اللعان بين الزوجين عند الحاكم الشرعي خاصة، و لا يكفي إيقاعه عند من ينصبه الحاكم الشرعي لذلك، و أن يكون إتيان كل من الزوج و الزوجة بشهادات اللعان و ألفاظه بعد إلقاء الحاكم ذلك عليه و أمره بقولها، فلا يقع اللعان إذا أسرع الزوج فنطق باللعان قبل أن يأمره الحاكم بالقول، أو بادرت المرأة فلاعنت قبل أن يلقي الحاكم عليها كلمات اللعان و يأمرها بقولها، فلا يعتد بقولهما، و عليهما اعادة الإيقاع بعد أمر الحاكم لهما على الترتيب.

المسألة 53:

يجب على الأحوط أن يكون الرجل و المرأة قائمين عند إيقاعهما اللعان و نطقهما بألفاظه، بل يلزم على الأحوط أن يكونا معا قائمين من أول لعان الزوج الى آخر لعان الزوجة، و لا يكفي ان يقوم الزوج وحده عند لعانه، ثم تقوم الزوجة وحدها عند لعانها.

المسألة 54:

إذا قذف الرجل زوجته بالزنا، أو نفى ولدها عن نفسه، و حضر الزوجان عند الحاكم الشرعي للملاعنة و علم بوجود جميع الشروط

كلمة التقوى، ج 7، ص: 239

المعتبرة، أمر الحاكم الزوج أن يبدأ- فيقول: أشهد باللّه اني لمن الصادقين في ما قلته من رمي هذه المرأة بالزنا، أو من نفي ولدها عني، و يكرر هذه الشهادة بأمر الحاكم أربع مرات، ثم أمره بعدها أن يقول في المرة الخامسة: أن لعنة اللّه علي ان كنت من الكاذبين، فيقولها مرة واحدة.

فإذا أتم الرجل لعانه، أمر الحاكم المرأة أن تقول: أشهد باللّه انه لمن الكاذبين في قوله من القذف بالزنا، أو من نفي الولد عن نفسه، و تكرر هذا القول أربع مرات، ثم أمرها فقالت في المرة الخامسة: ان غضب اللّه علي ان كان من الصادقين في قوله، و قالت ذلك مرة واحدة.

المسألة 55:

يجب ان يكون التلفظ بشهادات اللعان و كلماته من الرجل و المرأة على الوجه المتقدم، فلا يصح إذا أبدلت منه بعض كلماته أو غيرت بما يرادف أو بما يشبه في المعنى أو في الاشتقاق، و لا يصح إذا قدم بعض الألفاظ على بعض أو حذف بعضها و ان كان المحذوف لام التوكيد من قول الرجل: اني لمن الصادقين، أو من قول المرأة: انه لمن الكاذبين، أو ما يشبه ذلك.

المسألة 56:

تجب مراعاة الترتيب في اللعان، فيبدأ الرجل قبل المرأة، و يبدأ الرجل- أولا- بالشهادات الأربع باللّه انه لمن الصادقين، ثم يدعو على نفسه بلعنة اللّه بعدها ان كان من الكاذبين، و تبدأ المرأة بالشهادات الأربع كذلك، ثم تدعو على نفسها بغضب اللّه بعدها ان كان من الصادقين.

المسألة 57:

يجب أن يكون التلفظ في اللعان باللغة العربية، إذا كان الرجل و المرأة قادرين على التكلم بها، فإذا كانا عاجزين و لم يمكن لهما النطق بها صح لهما إيقاعه بغيرها من اللغات.

المسألة 58:

يشكل الحكم بصحة التوكيل في اللعان، بأن يوكل الرجل غيره في أن

كلمة التقوى، ج 7، ص: 240

يجري اللعان عنه مع زوجته حتى تترتب أحكام اللعان على الموكل بلعان الوكيل، أو توكل المرأة أحدا في أن يلاعن الرجل عنها كذلك، و قد سبق هذا التردد منا في كتاب الوكالة.

المسألة 59:

إذا حصل اللعان بين الرجل و المرأة و اجتمعت شروطه و قيوده وقعت الفرقة بين الزوجين سواء كان اللعان بسبب القذف أم كان بسبب نفي الولد، و الفرقة الحاصلة من ذلك انفساخ عقد لإطلاق، و كذلك فلا يشترط في اللعان ما يشترط في صحة الطلاق، و يجب على المرأة ان تعتد من الزوج بعده، و قد تقدم في مبحث العدد ان عدة المرأة في الفسخ و الانفساخ هي عدة الطلاق، و الفرقة بين الزوجين على الوجه المذكور هي الأثر الأول الذي يتحقق و يحكم به بعد اللعان.

المسألة 60:

إذا وقع اللعان بين الزوجين على الوجه التام في الشروط و القيود، حرمت المرأة على الرجل حرمة مؤبدة فلا يحل له الزواج بها أبدا حتى بعقد جديد، و حتى بعد انقضاء عدتها منه، و حتى إذا أكذب نفسه في قذفها بالزنا أو كذبت هي نفسها في لعانها، و كذلك إذا كان اللعان بسبب القذف و نفي الولد معا، فتحرم عليه حرمة مؤبدة. و إذا كان اللعان بسبب نفي الولد خاصة و لا يشتمل على قذف المرأة بالزنا، ففي ثبوت التحريم المؤبد بذلك اشكال فلا يترك الاحتياط فيه، و ان كان القول بالحرمة الأبدية لا يخلو من قوة، و قد تقدم ذكر هذا في المسألة المائتين و السادسة و الستين من كتاب النكاح، و هذا هو الحكم الثاني من أحكام اللعان.

المسألة 61:

إذا رمى الزوج امرأته بالزنا و لاعنها عند الحاكم الشرعي لعانا تام الشروط و القيود، سقط باللعان عنه حد القذف و ثبت على المرأة حد الزنا و هو هنا الرجم لأنها محصنة، فإذا لاعنته أيضا و أتمت لعانها على الوجه المطلوب، سقط عنها حد الزنا، و درئ عنها الرجم، و إذا

كلمة التقوى، ج 7، ص: 241

نكلت و لم تلاعن الرجل أو أتت ببعض شهادات اللعان و نكلت عن إتمامه لزمها الحد، و هذا هو الحكم الثالث من أحكام اللعان.

المسألة 62:

إذا نفى الرجل الولد عن نفسه فقال: انه ليس ولدي، و ادعت المرأة أن الولد منه، و تلاعنا لذلك عند الحاكم الشرعي كما ذكرنا، انتفى الولد عن الرجل فلا ينسب اليه، فلا يكون الرجل الملاعن له أبا، و لا يكون الطفل للرجل ابنا، و لا يرث أحدهما من الآخر إذا مات قبله، و انتفى النسب بين الولد و من يتصل به بالأب، فلا يكون أبو الرجل له جدا و لا تكون أمه له جدة، و لا أخوه للطفل عما، و لا أخته عمة، و لا ولد الرجل له أخا و لا أختا، و لا يرث منهم إذا ماتوا قبله و لا يرثون منه إذا مات قبلهم.

و ثبت النسب و التوارث بين الولد و الأم و من يتقرب بها، فأبوها جده و أمها جدته و أخوانها أخواله و خالاته، و أولاد المرأة من غير ذلك الرجل أخوانه لأمه و أخواته، و كذلك أولادها من ذلك الرجل فهم اخوانه لأمه و أخواته لها، و ليسوا أخوانه لأبيه و أمه و يثبت التوارث بينه و بينهم على هذا النهج، و سيأتي تفصيل ذلك ان شاء اللّه تعالى في

فصل ميراث ولد الملاعنة من كتاب الميراث، و هذا هو الحكم الرابع من أحكام اللعان.

المسألة 63:

إذا لا عن الرجل المرأة لنفي الولد عن نفسه، ثم كذب لعانه و اعترف بالولد أخذ بإقراره، فإذا مات قبل الولد ورث الولد من تركته، و لا يرث هو من الولد إذا مات قبله، و لا يرث الولد من أقرباء الأب شيئا إذا مات أحدهم قبله و لا يرثون منه إذا مات قبلهم، و إذا كذب الرجل نفسه قبل أن يتم اللعان لم ينتف الولد منه و لم يكن للعان أثر.

المسألة 64:

إذا لا عن الرجل امرأته لقذفها بالزنا ثم كذب نفسه بعد اللعان، لم يحد للقذف و لم يحل له أن يتزوج بالمرأة أبدا، و إذا كذب نفسه قبل أن يتم اللعان لزمه حد القذف و لم تحرم عليه المرأة، بل و لم ينفسخ نكاحها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 242

المسألة 65:

يستحب أن يجلس الحاكم الشرعي للعان مستدبرا للقبلة، و أن يوقف الرجل عن يمينه و هو مستقبل القبلة، و أن يوقف المرأة و الصبي معها عن يساره و هما مستقبلان أيضا، فيكونان عن يمين الرجل، و أن يحضر من يسمع اللعان، فإذا أمر الحاكم الرجل بإلقاء الشهادات الأربع واحدة بعد واحدة حتى أتمها، أمره بالسكوت و شرع الحاكم بوعظه و تحذيره مغبة ذلك، و ذكره شدة لعنة اللّه و أليم أخذه و طرده عن رحمته، فإذا أتم وعظه، أمره أن يدعو على نفسه بلعنة اللّه ان كان من الكاذبين في قوله، ثم توجه بعده إلى المرأة، فأمرها بإلقاء شهادات اللعان واحدة بعد واحدة كما تقدم، فإذا أتمت ابتدأ الحاكم فوعظها و خوفها عظيم غضب اللّه و شدة نقمته، فإذا أتم وعظها و تذكيرها أمرها ان تدعو في الخامسة على نفسها بغضب اللّه ان كان الرجل من الصادقين في ما قال.

المسألة 66:

إذا قذف الرجل امرأته أكثر من مرة واحدة بأنها قد زنت، لم يجب عليه بذلك القذف المتكرر أكثر من حد واحد، و لم يوجب عليه غير لعان واحد، و إذا قذفها بالزنا فحد لقذفه إياها، أو لا عن المرأة فأسقط عن نفسه الحد باللعان، ثم قذفها بعد ذلك مرة أخرى أو أكثر، فلا يبعد وجوب الحد عليه بهذا القذف و ثبوت اللعان مرة ثانية على تأمل.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 243

كتاب الميراث

اشارة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 245

كتاب الميراث و فيه عدة فصول:

الفصل الأول في مقدمات يتوقف عليها تبيين الأبحاث و المقاصد الآتية
المسألة الأولى:

موجبات الإرث للوارث أما نسب يصله بالميت، و أما زوجية تعقده به، و أما ولاء يكون بينهما، و ليس له موجب غير ذلك على الأصح، و طبقات النسب الموجبة لإرث الحي من الميت ثلاثة:

الطبقة الأولى: الأب و الأم بلا واسطة، و الأولاد: الذكور منهم و الإناث، و أبناؤهم الذكور و الإناث أيضا و ان تعددت الواسطة بينهم و بين المورث، و الأب و الأم هما الصنف الأول من هذه الطبقة، و الأولاد و ذريتهم هم الصنف الثاني منها.

الطبقة الثانية من النسب الموجب للإرث هم الأجداد و الجدات للأب أو للأم، سواء كانوا أجدادا للميت بلا واسطة أم كانوا أجداد أبيه أو أمه أم أجداد جدة للأب أو للأم إذا اتفق وجودهم، و الأخوة و الأخوات، و هم أولاد أبويه معا، أو أولاد أبيه خاصة أو أولاد أمه خاصة، و أولاد إخوته المذكورين أو أخواته، و أولاد أولاد الاخوة و الأخوات و ان تعددت الواسطة، إذا اتفق وجودهم، و الأجداد و الجدات هم الصنف الأول من هذه الطبقة، و الأخوة و الأخوات و ذريتهم هم الصنف الثاني منها.

الطبقة الثالثة من النسب هم أعمام الميت و عماته و أخواله و خالاته و أعمام أبيه و أمه و عماتهما و أخوالهما و خالاتهما، و أعمام جده وجدته للأب أو للأم و عماتهما و أخوالهما و خالاتهما و هكذا، إذا اتفق وجودهم، و أولاد الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات المذكورين و ذريتهم إذا

كلمة التقوى، ج 7، ص: 246

تعددت الواسطة، و عدوا من القرابة في نظر أهل العرف، و جميع أهل هذه الطبقة صنف واحد، و

سنذكر الأثر الذي يختص به أهل الصنف الواحد من الطبقة عن أهل الصنفين المختلفين.

المسألة الثانية:

الثاني من موجبات ارث الحي من الميت هي الزوجية، فإذا تم عقد النكاح الدائم بين الرجل و المرأة ورث أحدهما الآخر إذا مات قبله و لم يكن له ما يمنعه عن الإرث من كفر أو قتل أو رق أو لعان، و تراجع المسألة الثلاثمائة و الثالثة من كتاب النكاح في ما يتعلق بميراث الزوج و الزوجة إذا كان نكاحهما منقطعا.

المسألة الثالثة:

الثالث من موجبات ارث الحي من الميت: الولاء، و ينحصر في ولاء العتق، و ولاء ضمان الجريرة، و ولاء الإمامة، فإذا مات العتيق و لم يكن له رحم وارث، ورث ماله سيده الذي أعتق رقبته، و إذا مات السائبة و لا رحم له و لا معتق ورثه ضامن جريرته، و إذا مات من لا وارث له من جميع أولئك ورثه امام المسلمين على ما سنفصله في ما يأتي ان شاء اللّه تعالى.

المسألة الرابعة:

الفروض و هي السهام التي قدرها اللّه سبحانه في كتابه الكريم لبعض الوارثين ستة: و هي الثلثان و النصف، و الثلث، و الرابع، و السدس، و الثمن.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 7، ص: 246

فالثلثان هما فرض للبنتين أو البنات للميت حين لا يكون معهن ولد ذكر للميت أيضا، و حين يكون معهن ابن له و لكنه يكون ممنوعا من الإرث لأنه كافر فلا يرث من المسلم، أو لأنه قاتل لأبيه فلا يرثه، أو لأنه عبد مملوك، فلا يكون في هذه الصور وارثا و لا حاجبا لأخواته بنات الميت عن فرضهن و هو الثلثان، و هما أيضا فرض للأختين أو الأخوات للميت، لأبويه معا أو لأبيه خاصة، حين لا يكون معهن أخ ذكر للميت، أو كان معهن أخ ذكر و لكنه لا يساويهن في المرتبة، و مثال ذلك أن تكون للميت أختان شقيقتان لأمه و أبيه، و يكون له معهما أخ

كلمة التقوى، ج 7، ص: 247

للأب خاصة فلا يكون وارثا للميت معهما و لا حاجبا لهما عن الثلثين، و كذلك إذا كان له أخ ممنوع عن

الإرث لأنه كافر أو قاتل أو عبد مملوك، فلا يكون وارثا و لا حاجبا لهن عن الثلثين، و ان كان مساويا لهن في المرتبة أو أسبق منهن، و مثال ذلك أن يكون الجميع للأبوين، أو يكون الجميع للأب خاصة أو تكون الأخوات الوارثات للأب خاصة و يكون الأخ الممنوع من الإرث للأبوين.

و النصف فرض للبنت الواحدة إذا تركها الميت و لم يكن معها ابن ذكر للميت، أو كان معها ولد ذكر و هو ممنوع من الإرث لما ذكرنا، فلا يرث مع البنت الوارثة و لا يحجبها عن فرضها و هو النصف، و النصف أيضا فرض للأخت الواحدة للميت لأبويه معا أو لأبيه خاصة إذا تركها و ليس معها أخ أصلا، أو كان معها أخ للميت و لكنه ممنوع من الإرث لأن الأخت أسبق منه في المرتبة، أو لأنه كافر أو قاتل كما تقدم فلا يكون وارثا و لا حاجبا لها عن النصف، و ان كان أخا للأبوين و كانت هي أختا للأب خاصة، و النصف أيضا فرض للزوج إذا لم يكن للزوجة ولد منه و لا من غيره، أو كان لها ولد ممنوع من الإرث، فلا يحجب الزوج عن النصف كما سبق في نظائره.

و الثلث فرض للأم إذا لم يكن للميت ولد أو ولد ولد و ان نزل، أو كان للميت ولد و لكنه ممنوع من الإرث على نهج ما تقدم، و لم تكن للميت أخوة يحجبونها عما زاد عن السدس على تفصيل سنذكره في مبحث ميراث الأبوين ان شاء اللّه تعالى، فإذا كان للميت ولد ممنوع من الإرث لم يحجب الأم عن الثلث، و كذلك إذا كان له أخوة لا تجتمع معهم الشروط الآتي

بيانها، فلا يحجبون الأم عن الثلث، و الثلث أيضا فرض الاخوة من الأم ذكورا أو إناثا أو ذكورا و إناثا، إذا كانوا أكثر من واحد يشتركون فيه على السواء.

و الرابع فرض للزوج إذا كان للزوجة الميتة ولد أو ولد ولد غير ممنوع من الإرث، فإذا كان لها ولد أو حفيد ممنوع من الإرث لم يكن حاجبا للزوج عن النصف كما تقدم، و الربع فرض للزوجة أو الزوجات إذا لم يكن للزوج الميت ولد أو حفيد أو كان له و لكنه ممنوع من الإرث،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 248

فإذا كان له ولد أو حفيد غير ممنوع من الإرث ففرض الزوجة الواحدة أو الزوجات المتعددة هو الثمن يقتسمنه بالسوية.

و السدس فرض للأب و للأم إذا كان لابنهما الميت ولد أو حفيد غير ممنوع من الإرث، و السدس فرض الأم أيضا إذا كان لابنها الميت اخوة لأبويه أو لأبيه خاصة مع وجود شرائط الحجب و سيأتي ذكرها كما أشرنا إليه آنفا.

و السدس أيضا فرض الأخ الواحد للميت من أمه ليس معه من كلالة الأم غيره، و الأخت الواحدة من أمه ليس معها غيرها كذلك.

المسألة الخامسة:

قد لا يعين الشارع للوارث سهما معينا يدفع اليه من تركة الميت في جميع الأحوال أو في بعض الحالات دون بعض، فالشارع لا يحدد للأب سهما معينا عند انفراده بميراث ولده، و لا يحدد له نصيبا إذا انفرد هو و الأم بتركة ولدهما و لم يكن له وارث سواهما، و الشارع لا يحدد فرضا خاصا للولد الذكر حين ما ينفرد بميراث أبيه و حين ما يشترك معه ولد آخر أو أولاد آخرون ذكور أو إناث، و الشارع لا يحدد للأخ الذكر الواحد أو المتعدد

فرضا معينا، و لا يحدد للجد و لا للعم و لا للخال و لا لابن العم و لا لابن الخال مقدرا عند الانفراد بالميراث أو عند الاشتراك، و نتيجة ذلك ان هذا القريب يرث من تركة الميت بسبب قرابته منه نصيبا، و هذا النصيب الذي يستحقه من التركة يختلف باختلاف الموارد، فالأب يستحق جميع تركة ولده الميت حين ما ينفرد بميراثه، و هو يأخذ الثلثين منها إذا انفرد هو و الأم بالتركة و لم يكن للأم حاجب عن الثلث و الحاجب لها هم الأخوة عند ما توجد شروط الحجب، و هو يستحق خمسة أسداس التركة في هذا الفرض إذا كان للميت اخوة يحجبون الأم عما زاد عن السدس، و الأب في جميع هذه الفروض يرث من ولده بالقرابة، و مثله القول في الورثة الآخرين.

فالولد يستحق جميع التركة عند انفراده بها، و يستحق نصيبه منها حسب ما تقتضيه القسمة حين ما يشترك معه ولد آخر أو أكثر، ذكر أو أنثى، أو يشترك معه الأبوان أو أحدهما، و هو في جميع الفروض

كلمة التقوى، ج 7، ص: 249

يرث بالقرابة، و كذلك القول في الورثة الآخرين من الاخوة و الأجداد و الأعمام و غيرهم من الذين يرثون بالقرابة، و نظيرهم في ذلك من يرث الميت بسبب الولاء.

المسألة السادسة:

قد تزيد التركة على مقدار السهام المعينة فيها للورثة، فيستحق بعض الورثة أن يرد عليه شي ء من بقية التركة زائدا على نصيبه، وفقا لما يأتي بيانه من الحكم في ذلك، و مثاله ان يموت رجل و له بنت واحدة و زوجة فيكون للبنت نصف التركة و للزوجة ثمنها، و تكون التركة زائدة على السهام المقدرة بثلاثة أثمان التركة، و الحكم في

هذا الفرض أن يرد جميع ما زاد على البنت خاصة و تستحقه زائدا على نصيبها، و مثال ذلك أيضا أن يموت رجل و له بنت واحدة و أم، فيكون للأم سدس التركة، و للبنت نصفها، و تكون التركة زائدة على السهام المقدرة بسدسي التركة، و الحكم في الفرض أن يقسم الزائد على البنت و الأم بنسبة سهميهما فيكون للأم الربع من الزائد، و للبنت ثلاثة أرباعه و سيجي ء تفصيل الحكم فيه.

المسألة السابعة:

من الورثة من يكون إرثه بالفرض دائما، فلا يرث بالقرابة و لا بالرد في جميع الحالات، و هي الزوجة الواحدة و الزوجات المتعددة، و فرضها هو الربع إذا لم يكن للزوج الميت ولد أو حفيد وارث، و إذا كان له ولد أو حفيد ففرضها هو الثمن، و لا تخرج عن ذلك إلا إذا كانت قريبة للزوج في النسب فترثه بالقرابة أيضا غير ميراث الزوجة، و مثال ذلك أن تكون ابنة عمه أو ابنة خاله مثلا و زوجته، و لا وارث له أقرب منها، و هذا هو القسم الأول من أقسام الوارث.

المسألة الثامنة:

و من الورثة من يكون إرثه بالفرض دائما، و قد يرث بالفرض و بالرد أيضا في بعض الحالات، و من هذا القسم: الأم، فإنها ترث السدس دائما من تركة ولدها إذا كان له ولد أو كان لها حاجب و هم الأخوة مع وجود شرائط الحجب، و ترث الثلث دائما إذا لم يكن للميت

كلمة التقوى، ج 7، ص: 250

ولد و لم يكن لها حاجب، و قد ترث مع الفرض بالرد إذا زادت التركة على السهام، و قد ذكرنا بعض الأمثلة لذلك في المسألة السادسة.

و من هذا النوع: الزوج، فإنه يرث من زوجته نصف تركتها إذا لم يكن لها ولد أو حفيد وارث، و يرث منها ربع التركة إذا كان لها ولد وارث أو حفيد وارث، و يرث منها بالرد إذا لم يكن للزوجة وارث غير الامام على الأقوى، و لا يخرج الزوج عن هذا الحكم إلا إذا كان قريبا لزوجته في النسب، فهو ابن عم لها مثلا أو ابن خال و زوج، و لا وارث لها أقرب منه و لذلك فيرث منها بالقرابة كما

يرث بالزوجية، و قد سبق نظيره في الزوجة، و هذا هو القسم الثاني من أقسام الوارث.

المسألة التاسعة:

و من الورثة من يكون إرثه بالفرض في بعض الحالات و يكون إرثه بالقرابة في بعضها، و قد يرث بالرد عليه في بعض الحالات أيضا، و من هذا القسم الأب، فإنه يرث بالفرض إذا كان للميت ولد أو حفيد وارث و فرضه في هذا الحال هو السدس، و هو يرث بالقرابة إذا لم يكن للميت ولد و لا حفيد أو كان له و لكنه كان ممنوعا من الإرث لأنه كافر أو قاتل للميت أو رق مملوك، و هو يرث كذلك بالرد عليه في بعض الحالات، و مثال ذلك أن يموت زيد و يخلف من بعده أبا و بنتا واحدة، فيرث الأب فرضه و هو السدس كما ذكرناه و ترث البنت فرضها و هو النصف، و تزيد التركة على السهام بسدسين و الحكم في ذلك أن يقسم الزائد على الأب و البنت الوارثين بنسبة سهميهما من التركة، فيأخذ الأب ربع الزائد و تأخذ البنت ثلاثة أرباعه، و مثاله أيضا أن يموت الشخص و يخلف من بعده أبا و بنتين، فيرث الأب السدس كما تقدم و ترث البنتان فرضهما و هو الثلثان، و تزيد التركة على السهام بسدس واحد، و الحكم فيه أن يقسم الزائد على الأب و البنتين بنسبة سهميهما كما سبق، فيكون للأب خمس الزائد و للبنتين أربعة أخماسه.

و من هذا القسم البنت الواحدة للميت، فإنها ترث من أبيها بالفرض و هو نصف التركة إذا لم يكن معها ولد ذكر وارث، و ترث منه بالقرابة إذا كان معها ولد ذكر، و يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، و إذا لم

يكن

كلمة التقوى، ج 7، ص: 251

معها ولد ذكر ورثت النصف بالفرض كما قلنا و ورثت الباقي بالرد، و كذلك البنتان، فإنهما ترثان بالفرض إذا لم يكن معهما ولد وارث، و فرضهما هو الثلثان و يرد عليهما الباقي يقتسمانه بالسوية، و إذا كان معهما ولد ورثتا بالقرابة و قسمت التركة عليهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

و من هذا القسم أيضا الأخت الواحدة للميت لأبويه معا أو لأبيه خاصة، و الحكم فيها هو الحكم في البنت الواحدة فترث من أخيها بالفرض إذا لم يكن معها أخ وارث و فرضها هو نصف التركة و يرد عليها الباقي، و ترث منه بالقرابة إذا كان معها أخ وارث و تقسم التركة عليهما للذكر مثل حظ الأنثيين، و كذلك الأخوات فالحال فيهن حال البنات، و هذا هو القسم الثالث من أقسام الوارث.

المسألة العاشرة:

و من الورثة من يكون إرثه بالقرابة دائما و في جميع الحالات، فليس له فرض محدد، و لا تزيد التركة معه على السهام فيأخذ منها بالرد، و من هذا القسم الولد الذكر، و الأولاد المجتمعون ذكورا، أو ذكورا و إناثا، و الأخ الواحد إذا كان للأبوين أو للأب خاصة، و الاخوة المجتمعون إذا كانوا كذلك و كانوا ذكورا، أو ذكورا و إناثا، و الجد و الأجداد المجتمعون، و الأعمام و الأخوال على ما يأتي بيانه في مواضعه ان شاء اللّه تعالى و هذا هو القسم الرابع من الوارث.

المسألة 11:

و من الورثة من يكون إرثه بالولاء خاصة، فليس له فرض محدد يرث به و لا قرابة يرث بها و لا رد، و الوارث في هذا القسم هم المعتق، و ضامن الجريرة، و الامام، و إذا اتفق لأحدهم وجود قرابة يرث بها من الميت كما إذا كان المعتق أخا للميت أو عما أو ابن عم، ورثه بالقرابة و لا موضع معها للإرث بالولاء.

المسألة 12:

لا يرث أهل الطبقة من النسب إذا وجد واحد من أهل الطبقة السابقة عليهم، فلا يرث أحد من الأجداد القريبين أو البعيدين، و لا أحد من

كلمة التقوى، ج 7، ص: 252

2 الاخوة الأشقاء و غيرهم و أولادهم إذا وجد أب للميت أو أم، أو وجد ولد له أو بنت، أو وجد أحد من أولاد ولده أو بنته، و ان تعددت الواسطة بين الميت و بينهم، و لا يرث أحد من الأعمام و الأخوال القريبين أو البعيدين و لا أحد من أولادهم و ذريتهم، إذا وجد جد للميت أو جدة أو أخ أو أخت، أو ابن أخ أو ابن أخت و هكذا، و لا يرث احد ممن يرث من الميت بالولاء إذا وجد احد ممن يرث منه بالقرابة.

المسألة 12:

لا يمنع الزوج و لا الزوجة عن ميراثهما إذا اجتمع مع أي طبقة من طبقات الوارثين و أصنافهم سواء كان ممن يرث بالفرض أم بالقرابة أم بالولاء، عدا ما تقدم ذكره من وجود الولد أو البنت للميت فيرث الزوج مع عدمه النصف و مع وجوده الربع، و ترث الزوجة مع عدمه الربع و مع وجوده الثمن.

المسألة 14:

لا يمنع القريب البعيد عن الإرث إذا كانوا من أهل طبقة واحدة و كانوا من صنفين، فإذا اجتمع الأب أو الأم مع ولد الولد أو ولد البنت و ان كان بأكثر من واسطة لم يمنع الأب و لا الأم ذلك الحفيد أو السبط عن الإرث و ان كان أقرب الى الميت، لأنهما من صنفين، و كذلك إذا اجتمع الجد القريب أو الجدة مع ولد الأخ أو ولد الأخت لم يمنع الجد أو الجدة ولد الأخ و لا ولد الأخت عن الإرث و ان كانا بأكثر من واسطة أو اجتمع الأخ أو الأخت مع الجد الأعلى بأكثر من واسطة فلا يمنعه من الميراث لأنهما من صنفين.

و يمنع القريب من هو أبعد منه عن الميراث إذا كانا من طبقة واحدة و صنف واحد، فولد الميت و بنته يمنعان ولد ولده و ولد بنته عن الإرث، و ولد الولد بواسطة واحدة يمنع ولد ولده و ولد بنته بواسطتين، و هكذا.

و الأخ و الأخت للميت يمنعان ولد أخيه و ولد أخته، و ولدهما بلا واسطة يمنع ولدهما مع الواسطة لأنهما من صنف واحد، كما ذكرناه في المسألة الأولى، و كذلك في طبقة الأعمام و الأخوال، فالعم و العمة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 253

يمنعان ابن العم و ابن العمة و ابن الخال و

ابن الخالة عن إرثه، و الخال و الخالة يمنعان ابن العم و ابن العمة أيضا و ابن الخال و ابن الخالة عن الإرث، و ما كان من أولادهم بلا واسطة يمنع من كان منهم بواسطة و هكذا، لأن الجميع من صنف واحد كما تقدم في المسألة الأولى، و تلاحظ المسائل المتعلقة بذلك من الفصل الثالث الآتية ان شاء اللّه تعالى.

الفصل الثاني في موانع الإرث
المسألة 15:

ذكر جماعة من العلماء للإرث موانع كثيرة حتى أنهاها الشهيد الأول قدس سره في كتاب الدروس الى عشرين مانعا، و في بعض ما أفاده في ذلك تكلف، و بعض ما ذكره انما هو مانع عن بعض الإرث، و ليس مانعا عن أصل الإرث، كالولد يمنع الأب و الأم حين يجتمع معهما أو مع أحدهما عما زاد عن السدس، و كالولد يحجب الزوج حين يجتمع معه عن النصف، و يمنع الزوجة حين يكون معها عن الربع، و كالاخوة يحجبون الأم عما زاد عن السدس مع وجود شروط الحجب، و نظائر ذلك.

و موانع الإرث المشهورة ثلاثة، و هي الكفر و القتل و الرق، و قد تقدم في الكتاب السابق حكم اللعان، و سنتعرض له هنا ان شاء اللّه على وجه الاجمال، و نتعرض لبعض أحكام الغائب و أحكام الحمل و ميراث ابن الزنا في ما يأتي.

المسألة 16:

لا يرث الكافر من المسلم إذا مات و ان كان أقرب الناس إليه في النسب، من غير فرق بين أصناف الكفار و مللهم، حتى الذمي و المعاهد، و حتى المرتد سواء كان فطريا أم مليا، فإذا مات المسلم انتقلت تركته الى وارثه المسلم و ان كان بعيدا عنه في النسب، و كان له ولد كافر، أو كان له أب و أم كافران، أو كان له أقرباء آخرون من الكفرة أو المرتدين، و إذا لم يكن له رحم أو قريب مسلم يرثه ورثه معتقه أو

كلمة التقوى، ج 7، ص: 254

ضامن جريرته إذا وجدا و كانا مسلمين، فان لم يكن له وارث مسلم من جميع أولئك ورثه امام المسلمين (ع).

المسألة 17:

لا يرث الكافر من قريبه المسلم إذا مات قبله من غير فرق بين أن يكون المسلم شيعيا و غيره من فرق المسلمين.

المسألة 18:

لا يمنع كفر الكافر أحدا يتقرب بواسطته الى الميت عن الإرث منه إذا كان مسلما، و مثال ذلك أن يموت رجل مسلم و يعقب ولدا كافرا، و يكون ولد ولده الكافر مسلما، فيرث الميت المسلم حفيده المسلم و ان كان يتقرب اليه بأب كافر، و مثاله أيضا أن يموت المسلم و له أب كافر، و يكون للميت أخ أو عم مسلم، فيرثه أخوه أو عمه المسلم، و ان كان يتقرب الى الميت بأبيه الكافر.

المسألة 19:

إذا مات رجل كافر و له وارث مسلم اختص هذا الوارث بإرثه إذا كان واحدا أو كان أقرب من الورثة الآخرين و اشترك مع ورثة الميت المسلمين إذا كانوا من أهل طبقته على حسب موازين الميراث، و لم يرث معه أرحام الميت الكفار شيئا و ان كانوا أقرب إليه من الوارث المسلم، فيرث الميت الكافر أخوه المسلم أو عمه أو ابن عمه إذا كان مسلما، و يختص بميراثه و ان كان له ولد أو أب أو أم من الكفار، و نتيجة لذلك فيكون المسلم وارثا للكافر، و مانعا لأرحامه الكفار عن الإرث، و إذا لم يكن للكافر رحم وارث من المسلمين و كان له معتق مسلم أو ضامن جريرة، اختص بميراثه أيضا و لم يرثه أرحامه من الكفار سواء كانوا مع الميت من أهل ملة واحدة أم من ملل متعددة، و إذا لم يكن للميت الكافر وارث من المسلمين غير الامام كانت تركته للوارثين الكفار.

المسألة 20:

إذا مات المرتد الفطري أو الملي و كان له وارث مسلم اختص المسلم بإرثه وحده سواء كان متحدا أم متعددا كما تقدم و منع الوارث

كلمة التقوى، ج 7، ص: 255

المسلم و ان كان واحدا ورثة الميت الكفار عن إرثه و ان كانوا أقرب إليه رحما على نهج ما ذكرناه في الكافر الأصلي سواء بسواء و كذلك إذا كان المسلم وارثا له بالولاء فيختص بإرثه دون أرحامه الكفرة و إذا لم يكن له وارث من المسلمين سوى الامام (ع)، فالقول المشهور بين الأصحاب ان ميراثه يرجع الى الامام كما هو الحكم في المسلمين، و لم أقف لهذا القول على دليل يعتمد عليه، و ظواهر الأدلة تقتضي أن للمرتد في ذلك

حكم الكافر الأصلي سواء كان فطريا أم مليا، فيكون ميراثه في هذه الصورة لورثته من الكفار.

المسألة 21:

إذا مات مسلم و خلف بعده وارثا مسلما و وارثا كافرا، ثم أسلم الوارث الكافر بعد موت المورث فهنا صور تختلف أحكامها.

(الصورة الأولى): أن يكون الوارث المسلم الذي خلفه الميت واحدا، و هو غير الامام، و غير الزوجة، و الحكم في هذه الصورة أن التركة بمجرد موت الميت تنتقل الى الوارث المسلم الواحد، فإذا أسلم الوارث الكافر بعد موت المورث لم يستحق من التركة نصيبا.

(الصورة الثانية): أن يكون الوارث المسلم الباقي بعد موت الميت هو امام المسلمين، فإذا أسلم الوارث الكافر بعد موت مورثه ورث المال بعد إسلامه و لم ينتقل الى الامام (ع).

(الصورة الثالثة): أن تكون وارثة الميت المسلمة هي زوجته وحدها، فإذا أسلم الكافر بعد موت الرجل و كان إسلامه قبل قسمة المال بين الزوجة و الامام، ورثت الزوجة نصيبها من التركة فإذا كان الوارث الذي أسلم ولدا أخذت الزوجة الثمن و ان لم يكن ولدا أخذت الربع، و ورث المسلم الجديد بقية المال و لم تنتقل الى الامام، و إذا كان إسلامه بعد قسمة المال أو مقارنا لها نفذت القسمة و لم يستحق من التركة شيئا.

(الصورة الرابعة): أن يكون الوارث المسلم الذي خلفه الميت متعددا، فإذا أسلم الوارث الكافر بعد قسمة المال بين الوراث المسلمين نفذت القسمة بينهم و استحق كل واحد منهم نصيبه، و لم يستحق المسلم

كلمة التقوى، ج 7، ص: 256

الجديد من التركة شيئا، و كذلك إذا كان إسلامه مقارنا لقسمة المال بين الورثة فلا يستحق منه نصيبا.

و إذا أسلم قبل ان يقسم المال، شارك الورثة في الميراث إذا كان من أهل طبقتهم،

و لم يرث معهم شيئا إذا كانوا أسبق منه في طبقة الميراث، و ورث المال كله دونهم إذا كان هو أسبق منهم فيها.

المسألة 22:

إذا مات كافر و ترك بعده وارثا مسلما و وارثا كافرا، ثم أسلم الوارث الكافر بعد موت المورث كما في الفرض الآنف ذكره في المسألة الماضية، جرت فيه الصور الأربع التي فصلناها و انطبقت عليه أحكامها.

المسألة 23:

إذا تعدد الوراث المسلمون للميت المسلم أو للميت الكافر كما في الصورة الرابعة الآنف ذكرها، و قسم بعض التركة على الوراث و لم يقسم بعضها، ثم أسلم الوارث الكافر بعد ذلك، جرى في التركة حكمها المتقدم، فلا يرث المسلم الجديد شيئا من البعض الذي جرت قسمته من التركة، و ورث من البعض الآخر الذي لم يقسم، و إذا كان من أهل الطبقة السابقة في الميراث اختص بارث هذا البعض الذي لم يقسم و لم يرث منه الآخرون.

المسألة 24:

إذا مات المسلم و كان جميع ورثته حين موته كفارا، لم يرث أحد منهم شيئا من تركته، و كان وارثه هو امام المسلمين (ع)، و إذا أسلم بعض الورثة بعد موت المورث كان ميراثه لذلك البعض خاصة، و ان كان غيره أقرب منه في النسب و أسبق طبقة في الميراث، و لم يرجع ميراثه الى امام المسلمين، و كذلك الحكم، إذا مات المرتد و كان جميع ورثته كفارا، ثم أسلم بعضهم بعد موته، فيكون البعض الذي أسلم هو الوارث خاصة و لا يرجع إرثه الى الامام.

المسألة 25:

إذا مات الكافر و كان جميع ورثته كفارا كان ميراثه لهم، و إذا أسلم

كلمة التقوى، ج 7، ص: 257

بعضهم بعد موت مورثه لم يتغير حكم الميراث بسبب ذلك، فيشارك هذا الوارث المسلم بقية الورثة الكفار إذا كان مساويا لهم في الطبقة، و يختص هو بالإرث دونهم إذا كان سابقا عليهم في الطبقة، و يحرم من الميراث إذا كان متأخرا عنهم فيها.

المسألة 26:

يرث المسلم من المسلم إذا تحقق بينهما أحد موجبات الإرث و ان اختلف الوارث و المورث في المذهب و المسلك سواء كانت النظرة بينهما متقاربة أم متباعدة، فلا يمنع هذا الاختلاف المذهبي من أن يرث بعض المسلمين بعضا وفقا لأحكام الميراث في الإسلام، و قد تقدم الكلام في مباحث النجاسات من كتاب الطهارة عما يتعلق ببعض الفرق، و من ينكر بعض ضروريات الدين، و ذكرنا فيها ميزان الكفر و الحكم بالنجاسة، و يكون المدار في التوارث عليه.

المسألة 27:

يتوارث الكفار في ما بينهم و ان كان الوارث و المورث مختلفين في الدين و في الملة، إذا وجد ما بينهما بعض موجبات الإرث من قرابة أو زوجية أو ولاء فيرث اليهودي من المسيحي و من الصابي و المجوسي و الوثني و الملحد و غيرهم، و يرثون منه إذا مات قبلهم، فإذا رجعوا الى المسلمين في حكم ميراثهم ورثناهم كذلك حسب ما فرض اللّه في المواريث، و لهم أن يجروا في المواريث بينهم على ما يقتضيه دينهم.

المسألة 28:

يراد بالمسلم في كتاب الميراث ما يعم المسلم بالأصالة، و هو الكامل المقر بالشهادتين من أي الفرق التي يحكم بإسلامها كما تقدم، سواء كان ملتزما بالعمل وفق مذهبه أم غير ملتزم، و المسلم بالتبعية، كالطفل الذي تنعقد نطفته و يولد و كلا أبويه أو أحدهما مسلم، و كالطفل الذي يسلم أبواه أو أحدهما بعد ولادته و قبل بلوغه، فيكون تابعا للمسلم منهما، و كالمجنون يتبع أبويه أو أحدهما في الإسلام، فتجري على الطفل و على المجنون و ان كانا غير مميزين أحكام المسلم بالأصالة، فيرث المسلم و الكافر، و يرثه المسلم دون الكافر، و يحجب المسلم و الكافر، و يحجبه

كلمة التقوى، ج 7، ص: 258

المسلم دون الكافر، و قد سبق تفصيل هذه الأحكام في المسائل الماضية و قد يأتي لها مزيد من البيان.

المسألة 29:

و يراد بالكافر في هذا الباب أيضا ما يعم الكافر بالأصالة و الكافر بالتبع، و الكافر بالأصالة كما ذكرنا في المسألة المائة و الرابعة عشرة من كتاب الطهارة، هو الذي لم يعترف بالألوهية أو بالتوحيد أو بالرسالة أو بالمعاد و ان لم ينكر ذلك، و من أنكر أمرا علم ثبوته بالضرورة من الإسلام و هو يعلم بأنه ضروري كذلك و انما يحكم بكفر هذا المنكر لأن إنكاره مع علمه بأنه ضروري يرجع الى تكذيب الرسالة، و قد ألحقنا به في الحكم بعض الأهواء الزائغة فليلاحظ المبحث المشار اليه، و الكافر بالتبعية كالطفل الذي تنعقد نطفته و يولد و كلا أبويه كافران، و المجنون كذلك، فيجري عليهما حكم الكافر بالأصالة، فيرثهما المسلم إذا وجد له ما يوجب الإرث و لا يرثانه و يحجبهما المسلم و لا يحجبانه.

المسألة 30:

تقدم منا في المسألة المائتين و الخامسة و الأربعين من كتاب النكاح بيان المراد من المرتد عن فطرة و المرتد عن ملة و الفارق بينهما، و لا موجب لتكرار ما سبق، فليرجع إليها من أراد.

المسألة 31:

إذا ارتد الرجل عن الإسلام و كان ارتداده عن فطرة، وجب قتله، و انفسخ منه نكاح زوجته و بانت منه سواء كان قد دخل بها أم لم يدخل و وجب عليها أن تعتد منه عدة الوفاة و ان لم يقم عليه الحد بالقتل، و قسمت أمواله الموجودة في حال حدوث ارتداده على ورثته، و ان كان حيا.

المسألة 32:

إذا تاب المرتد الفطري عن ارتداده و رجع الى الإسلام، لم تسقط عنه الأحكام المتقدم ذكرها، فلا يسقط عنه الحد و هو القتل بتوبته، و لا ترجع اليه زوجته، و لا تعود أمواله إلى ملكه، و لا يسقط وجوب

كلمة التقوى، ج 7، ص: 259

الاعتداد عن زوجته، و تقبل توبته بالإضافة إلى سائر الأحكام، فيحكم عليه بالإسلام و طهارة البدن، و تصح منه العبادات إذا أداها، و يجوز له أن يتزوج بامرأة مسلمة، حتى بزوجته السابقة إذا اتفق معها على تجديد النكاح بعقد مستأنف و ان كانت لا تزال في عدتها منه، و تنطبق عليه أحكام المسلم في الميراث و الحجب.

المسألة 33:

إذا ارتد الرجل عن الإسلام ارتدادا مليا، لم يقتل، بل يستتاب، و لم تنتقل أمواله عن ملكه إلى الورثة إلا إذا مات أو قتل، و قد تقدم بيان أحكامه في نكاحه و بينونة زوجته منه بالارتداد أو بعد الاعتداد في المبحث المشار اليه و تقبل توبته منه إذا رجع الى الإسلام و تنطبق عليه أحكامه.

المسألة 34:

إذا ارتدت المرأة عن الإسلام لم يجب عليها القتل و لم تخرج أموالها عن ملكها بالارتداد و ان كان عن فطرة و لم تنتقل الى ورثتها الا بالموت، و إذا ارتدت انفسخ نكاحها من زوجها فان كان الزوج لم يدخل بها بانت منه حين ارتدادها، و ان كان قد دخل بها وجب عليها أن تعتد منه عدة الطلاق، فإذا هي لم تتب حتى انقضت العدة بانت من الزوج، و من أحكامها انها تحبس و يضيق عليها و تضرب في أوقات الصلاة حتى تتوب و إذا هي تابت و رجعت الى الإسلام قبلت توبتها، و جاز لزوجها أن يتزوجها بعقد جديد، و الأحوط لزوما إذا تابت و أراد الزوج نكاحها و هي في أثناء العدة ان يكون الزواج بعقد جديد كذلك، و قد تقدم هذا في المبحث المذكور سابقا من كتاب النكاح.

المسألة 35:

لا يترتب الأثر على ارتداد الشخص حتى يكون بالغا و عاقلا و مختارا و قاصدا، فلا حكم لارتداد الصبي قبل بلوغه، و لا أثر لارتداد الشخص إذا كان مجنونا و ان كان جنونه أدوارا و حدث ارتداده في دور جنونه، و لا حكم له إذا كان مكرها عليه، و لا حكم له إذا كان هازلا غير جاد أو

كلمة التقوى، ج 7، ص: 260

غافلا غير ملتفت أو غاضبا غضبا يخرج به عن القصد، أو جاهلا لا يعلم معنى الكلمة التي قالها، أو سبقه لسانه بما لا يريد.

المسألة 36:

الثاني من موانع الإرث القتل، فإذا قتل الإنسان أحدا و كان عامدا في فعله و ظالما له، منع القاتل من ارث المقتول، سواء كان ميراثه منه بالفرض أم بالقرابة أم بالولاء، فلا يرث من تركته و لا من ديته إذا صالح أولياء القتيل عن حقهم بالدية.

و إذا قتله عامدا و هو غير ظالم له، لم يمنع ذلك من الإرث، و مثال ذلك أن يقتله قصاصا أو يقتله بحد شرعي يقيمه عليه، أو يقتله دفاعا عن نفسه أو عن عرضه أو عن ماله، فلا يسقط حقه من الميراث، سواء ورث التركة كلها أم بعضها.

المسألة 37:

إذا قتل الإنسان أحدا و كان مخطئا في قتله غير عامد لم يمنعه ذلك عن إرثه إذا كان من طبقات وارثيه، سواء كان القتل خطأ محضا، كما إذا حرك البندقية أو المسدس بيده من غير قصد للرمي فانطلقت الرصاصة و أصابت الرجل و قتلته، و كما إذا سدد الآلة و رمى بها طائرا أو حيوانا فأصابت رميته الشخص من غير عمد و قتلته، أم كان خطأ يشبه العمد، كما إذا ضرب الشخص بشي ء لا يوجب القتل بحسب العادة و لم يقصد بضربه قتله، فأصابه و قتله على خلاف العادة و خلاف القصد فلا يمنعه ذلك من إرثه من التركة، و يشكل الحكم بإرثه من الدية التي تدفع للقتيل في كلا الفرضين، و لا يترك الاحتياط بالرجوع إلى المصالحة فيها.

المسألة 38:

لا يرث القاتل من القتيل شيئا إذا كان عامدا ظالما، سواء باشر قتله بنفسه، فرماه بآلة قاتلة أو ضربه بسيف أو خنجر، أم سبب قتله، فألقاه من جدار أو جبل شاهق أو رماه في بئر عميقة، أو ألقاه إلى سبع مفترس لا يقدر على التخلص منه، أو أمر مجنونا أو طفلا غير مميز بإطلاق النار عليه، أو سلط عليه سلكا كهربائيا مميتا أو غير ذلك

كلمة التقوى، ج 7، ص: 261

من الأفعال التي يعد بها المسبب قاتلا عامدا في نظر العقلاء.

المسألة 39:

إذا أمر الإنسان غيره بقتل أحد و كان المأمور عاقلا و مختارا، فقتله عامدا، فالقاتل هو المباشر للقتل لا الآمر به، و ان كان هذا عاصيا آثما و يحبس حتى يموت، و لكن ذلك لا يمنعه من ارث القتيل إذا كان له ما يوجب الإرث منه.

المسألة 40:

إذا اشترك شخصان في قتل ثالث فقتلاه عامدين ظالمين منعا من ميراثه إذا كان لهما ما يوجب الإرث منه، و يرجع الى كتاب القصاص في حكم قصاص الولي منهما إذا أراد القصاص منهما أو من أحدهما.

المسألة 41:

القتل مانع من الإرث و ان كان القاتل أبا أو أما للمقتول أو ولدا، فإذا قتل الولد أباه أو أمه عامدا ظالما لم يرث منهما شيئا، و إذا قتل الأب ولده أو قتلت الأم ولدها كذلك لم يرث القاتل شيئا، و كذلك الزوجان فإذا قتل الزوج زوجته أو قتلت هي زوجها لم يرث القاتل من المقتول، و إذا كان القتل خطأ محضا أو خطأ يشبه العمد ورث القاتل من تركة المقتول و رجع الى المصالحة في ديته كما ذكرنا في غيرهم من الورثة إذا قتلوا المورث خطأ في كلتا الصورتين.

المسألة 42:

لا يحجب القاتل غيره من الوراث الذين يكونون أبعد منه في الطبقة أو في المرتبة، فإذا قتل الأب ولده و لم يكن للمقتول ولد و لا أم و لا حفيد ورثه اخوانه و أخواته و أجداده و ان كان الأب القاتل موجودا و هو أقرب منهم في طبقة الميراث، و إذا قتل الولد أباه و لم يكن للمقتول أب و لا أم و لا ولد ورثه أولاد ولده و ان كان القاتل أسبق منهم في المرتبة، و لا يمنع القاتل من يتقرب به من الإرث فإذا قتل الولد أباه ورث ولد القاتل جده المقتول إذا لم يكن له وارث أقرب منه و لم تمنعه جريمة أبيه عن إرثه.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 262

و إذا قتل الولد أباه لم يحجب زوجة أبيه عن ربع التركة إذا لم يكن للأب المقتول ولد غيره، و لم يحجب أبا المقتول عما زاد عن السدس و لم يحجب أم المقتول عن ذلك إذا لم يكن لها حاجب آخر و هم الاخوة، و قد سبقت الإشارة منا الى هذه الفروض في

أوائل الكتاب.

المسألة 43:

الدية التي تدفع لأولياء القتيل يكون لها حكم تركته، فتقضي منها ديونه إذا كان مدينا، و تؤدى منها وصاياه و يكون الباقي منها و من التركة ميراثا للوارثين بعده، من غير فرق بين أن يكون قتله خطأ محضا أو خطأ يشبه العمد و قد دفعت الدية من أجل ذلك، و أن يكون قتله عمدا ثم صالح القاتل أولياء المقتول عن القصاص بالدية أو أخذت الدية لتعذر القصاص من الجاني بسبب موته أو هربه، و قد ذكرنا الحكم في المسألة الثانية و الستين من كتاب الوصية.

المسألة 44:

الدية بحكم مال المقتول كما قلنا، فيرثها ورثته جميعا غير الممنوعين من الإرث، و قد سبق التردد منا في إرث القاتل منها إذا كان القتل خطأ محضا أو خطأ يشبه العمد، و ان الأحوط الرجوع الى المصالحة فيها.

و الحكم المذكور شامل للزوج و الزوجة، فيرث الباقي منهما من دية صاحبه المقتول، و يمنع من الإرث إذا كان قاتلا أو مشتركا في القتل و كان القتل عمدا و ظلما، و يرجع الى المصالحة إذا كان القتل خطأ أو يشبه العمد.

المسألة 45:

يستثنى من الحكم بميراث الدية من يتقرب بالأم على القول المشهور، فلا يرث منها على هذا القول الاخوة و لا الأخوات من الأم و لا أولادهم، و لا الجد و الجدة للأم، و لا الأخوال و الخالات، و لكن الظاهر اختصاص المنع من ذلك بالاخوة و الأخوات من الأم كما هو ظاهر النصوص فلا يعم جميع من يتقرب بالأم.

المسألة 46:

إذا قتل الشخص عمدا كان للورثة حق القصاص من القاتل، و لا

كلمة التقوى، ج 7، ص: 263

يرث الزوج و لا الزوجة من حق القصاص شيئا، و إذا وقع التراضي و الصلح بين الورثة و القاتل عن القصاص منه بدفع الدية، ورث الزوجان نصيبهما من الدية كما تقدم.

المسألة 47:

إذا أسقطت الأم جنينها عامدة وجب عليها أن تدفع دية الجنين إلى أبيه، و إذا كان أبوه ميتا وجب عليها أن تدفع الدية إلى وارث الجنين من اخوته و أجداده أو أعمامه أو غيرهم، و لا ترث الأم شيئا من ماله إذا كان له مال و لا من ديته، لأنها قاتلة، و إذا كان مسقط الجنين هو أبوه وجب عليه أن يدفع الدية لأم الجنين، و لا يرث هو من مال الجنين و لا من ديته شيئا لأنه قاتل.

و دية الجنين هي عشرون دينارا من الذهب إذا كان نطفة، و أربعون دينارا إذا كان علقة، و ستون دينارا إذا كان مضغة، و ثمانون دينارا إذا كان عظاما، و مائة دينار إذا كان تام الخلقة و قبل ان تلجه الروح، فإذا تمت خلقته و ولجته الروح كانت ديته دية الإنسان الحي، و الدينار مثقال شرعي من الذهب، و هو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي كما بيناه في كتاب الزكاة.

المسألة 48:

إذا جنى أحد على ميت بعد موته، فقطع رأسه أو يده أو بعض أعضائه، وجب على الجاني أن يدفع الدية المقررة لتلك الجناية على الميت، و تفصيلها مذكور في كتاب الديات، و لا يستحق ورثة الميت من هذه الدية شيئا، بل تصرف في وجوه الخير و البر للميت نفسه.

المسألة 49:

الثالث من موانع الإرث: الرق، فلا يرث العبد المملوك و لا يورث، لا بالفرض و لا بالقرابة و لا بسبب آخر من موجبات الإرث، فلا يرث قريبه الحر إذا مات و ان اتصل به نسبه اتصالا مباشرا، كما إذا كان أبا للميت أو ولدا، فضلا عما إذا كان جدا له أو حفيد أو أخا أو عما أو خالا من الرجال أو النساء أو أولادهم، و لا يرث الزوج العبد زوجته الحرة، و لا الزوجة المملوكة زوجها الحر، و لا ينتقل ميراث

كلمة التقوى، ج 7، ص: 264

العبد الى أحد من أقربائه الأحرار و غير أقربائه و ان قلنا بأن العبد يملك ما بيده من المال، فإذا مات كان جميع ماله لسيده.

و إذا مات قريبه الحر أو ماتت زوجته الحرة أو مات الزوج الحر للأمة المملوكة، انتقل ميراث الميت الى ورثته الأحرار و ان كان العبد أقرب منهم الى الميت في النسب أو السبب، و لا يحجبهم العبد عن الميراث بسبب قرابته.

المسألة 50:

لا يحجب العبد وارثا حرا يتقرب الى الميت بالعبد نفسه، فإذا مات حر و له ولد مملوك و كان لولده المملوك ولد حر، ورث الميت حفيده الحر إذا لم يكن له وارث حر أقرب من حفيده و لم يمنعه رق أبيه عن إرث جده، و إذا مات حر و له أم مملوكة و لأمه المملوكة ولد حر ورث الميت أخوه لأمه و ان تقرب الى الميت بأمه المملوكة.

المسألة 51:

إذا مات الشخص و له وارث حر و وارث مملوك، ثم أعتق الوارث المملوك بعد موت المورث، فللمسألة صور، و لكل صورة منها حكمها.

(الصورة الأولى): ان يكون الوارث الحر الذي خلفه الميت من بعده واحدا لا أكثر، و هو غير الزوجة و غير الامام (ع) فإذا مات المورث انتقل ماله الى وارثه الحر بمجرد موته لعدم الشريك للوارث، فلا يرث العبد من المال شيئا إذا أعتق بعد ذلك.

(الصورة الثانية): أن يكون الوارث الحر الذي تركه الميت هي زوجته، فإذا أعتق العبد الوارث بعد موت المورث و قبل قسمة المال بين الزوجة و الامام (ع) ورثت الزوجة نصيبها و هو الربع إذا لم يكن العبد الذي أعتق ولدا للميت، و هو الثمن إذا كان العبد ولدا، و ورث العبد المعتق بقيمة المال و لم يرجع الميراث الى الامام، و إذا أعتق العبد بعد قسمة المال أو مقارنا معها أخذت الزوجة حصتها و هي الربع سواء كان العبد ولدا أم لم يكن و كان الباقي للإمام و لم يرث العبد المعتق منه شيئا.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 265

(الصورة الثالثة): أن يكون وارث الميت هو الامام وحده، فإذا أعتق العبد كان هو الوارث و انتقل اليه المال و لم يرجع

الى الامام (ع).

(الصورة الرابعة): ان يكون الوارث الحر الذي خلفه الميت من بعده متعددا، فإذا أعتق العبد بعد قسمة المال بين الورثة الأحرار أو مقارنا معها نفذت القسمة و أخذ كل وارث منهم حصته التي عينتها له القسمة و لم يرث العبد المعتق شيئا و إذا أعتق قبل القسمة اشترك معهم في الإرث إذا كان مساويا لهم في الطبقة و المرتبة، و اختص هو بالتركة إذا كان سابقا عليهم فلا يرثون معه شيئا.

المسألة 52:

إذا مات أحد و لم يكن له أي وارث في جميع الطبقات سوى عبد مملوك اشتري ذلك المملوك الوارث من مال الميت، و أعتق بعد الشراء على الأحوط، و إذا زاد من التركة شي ء على ثمنه دفع اليه بعد العتق ميراثا، و لا فرق في وجوب الشراء بين أن يكون العبد الذي انحصر الوارث به واحدا أو متعددا، و لا يجوز للمالك العبد أن يمتنع عن بيعه و إذا امتنع عن بيعه قهر على ذلك فيقوم عليه قيمة عادلة و تدفع له القيمة و يؤخذ منه المملوك و يعتق، و يتولى الحاكم الشرعي ذلك.

المسألة 53:

يشكل الحكم بوجوب شراء العبد و عتقه إذا كان للميت ضامن جريرة و لم يكن له وارث آخر غير العبد المملوك و ان كان الأظهر شمول الحكم لذلك أيضا فيشترى العبد من تركة الميت و يعتق.

المسألة 54:

لا يختص الحكم بوجوب شراء العبد و عتقه و توريثه بقية المال في الصورة الآنف ذكرها في المسألتين، بما إذا كان العبد أبا للميت أو أما، فيشمل كل قريب من أقرباء الميت ينحصر به ميراثه إذا كان مملوكا، فيشترى من التركة و يعتق، ثم يدفع له باقي التركة ميراثا.

المسألة 55:

إذا قصرت تركة الميت فلم تف بقيمة العبد لو أريد شراؤه في الصورة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 266

المذكورة لم يجب شراء بعضه و سعيه في الباقي، بل يكون المال ميراثا للإمام (ع)، و لضامن الجريرة في الصورة التي ألحقناها في المسألة الثالثة و الخمسين.

و كذلك إذا كان العبد الوارث متعددا، و قصر نصيب كل واحد منهم من التركة عن قيمته، فلا يجب الشراء، و يرجع جميع التركة ميراثا للإمام (ع)، و إذا و في نصيب بعضهم بقيمته، و قصر نصيب الآخر فلم يف بثمنه، جرى في كل واحد منهما حكمه، فيشترى الأول بنصيبه من التركة و يعتق، و يرجع نصيب الثاني ميراثا للإمام (ع).

المسألة 56:

إذا تحرر بعض العبد المملوك فأعتق منه نصفه مثلا أو ربعه ثم مات أحد أرحامه ورث من تركة الميت بمقدار ما فيه من الحرية، فإذا أعتق نصفه ورث نصف ما يصيبه من المال لو كان جميعه حرا، و إذا أعتق ربعه ورث ربع نصيبه، و إذا مات و ترك مالا، كان لوارثه الحر من المال بمقدار حريته نصفا أو ربعا، و كان للمالك منه بمقدار رقيته.

المسألة 57:

إذا قذف الرجل زوجته بالزنا و لا عنها لينفي عن نفسه حد القذف لعانا جامعا للشرائط انفسخ النكاح بينه و بين الزوجة و حرمت عليه حرمة مؤبدة، فلا ترثه إذا مات قبلها و لا يرثها إذا ماتت هي قبله، و ان كان الموت قبل انتهاء عدة الانفساخ.

المسألة 58:

إذا نفى الرجل الولد عنه، و لا عن امرأته أم الولد لذلك لعانا تام الشرائط انتفى الولد عن نسبه فلا يرث الرجل الولد و لا يرث الولد الرجل، و لا يرث أقرباء الرجل و لا يرثونه، و قد مر ذكر هذا و ما يتعلق به مفصلا في كتاب اللعان، و يأتي التعرض له أيضا في ميراث ولد الملاعنة.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 267

الفصل الثالث في الحجب
المسألة 59:

الحجب هو أن يمنع الوارث عن جميع نصيبه من الميراث أو عن بعضه بسبب وجود آخر، و الشخص الآخر الذي يحجب الأول قد يكون وارثا بالفعل للميت، و قد يكون غير وارث، و لكنه من طبقات الوارثين، و قد يكون واحدا و قد يكون متعددا، فإذا كان المنع عن جميع النصيب من الميراث سماه العلماء حجب حرمان، و إذا كان عن بعض النصيب سموه حجب نقصان، فمن أمثلة ذلك منع الأخ و الجد أن يرثا من تركة الميت شيئا إذا وجد له أب أو أم أو ولد، سواء كان الحاجب أو المحجوب واحدا أم متعددا، و يكون ذلك من حجب الحرمان، و يكون الحاجب وارثا بالفعل للميت، و الأخ و الجد المحجوبان غير وارثين بالفعل، و لكنهما من طبقات الوارثين، و من أمثلة ذلك منع الأب أو الأم أو منع كليهما عن أن يرثا من تركة ولدهما ما زاد عن السدس إذا وجد للميت ولد أو بنت أو أكثر، و لا يمنعان عن جميع الميراث فيكون ذلك من حجب النقصان، و الولد و البنت الحاجبان و الأب و الأم المحجوبان كلاهما وارثان بالفعل، و من أمثلة ذلك حجب الأم عما زاد عن السدس من تركة ولدها إذا كان له اخوة و اجتمعت

شروط الحجب الآتي ذكرها و يكون الباقي للأب و يكون ذلك من حجب النقصان، و الأم المحجوبة وارثة بالفعل، و الاخوة الحاجبون لها غير وارثين بالفعل، و لكنهم من طبقات الوارثين.

المسألة 60:

ذكرنا في المسألة الأولى من الكتاب أن طبقات الوارثين من النسب ثلاث، فالطبقة الأولى هي أبو الميت و أمه و أولاده الذكور و الإناث و ذريتهم، و الأب و الأم هما الصنف الأول من هذه الطبقة، و هما مرتبة واحدة كذلك فإن أبا الأب أو أبا الأم انما هو جد و ليس أبا، و أم الأب أو أم الأم إنما هي جدة و ليست أما، و هم من الطبقة الثانية و ليسوا من الطبقة الأولى، و أولاد الميت الذكور و الإناث و ذريتهم هم الصنف الثاني

كلمة التقوى، ج 7، ص: 268

من الطبقة الأولى، و لهذا الصنف مراتب متعددة، فأولاد الميت بغير واسطة هم المرتبة الأولى من الصنف، و أولاد أولاده من الذكور و الإناث هم المرتبة الثانية منه، و هم أبعد من المرتبة الأولى، و كلما تعددت الواسطة بينهم و بين الميت تعددت المرتبة و ازدادت بعدا على المرتبة السابقة عليها.

و الطبقة الثانية من النسب هم الأجداد و الجدات للميت من قبل أبيه و من قبل أمه، و هؤلاء هم الصنف الأول من هذه الطبقة، و للصنف مراتب متعددة فأجداد الميت نفسه و جداته بلا واسطة هم المرتبة الأولى، و أجداد أبيه و أجداد أمه و جداتهما هم المرتبة الثانية من الصنف، و هم أبعد من المرتبة الأولى في النسب، و هكذا كلما زادت الوسائط كثرت المراتب و كانت اللاحقة من المراتب أبعد من سابقتها.

و الصنف الثاني من هذه الطبقة هم أخوة الميت

و أخواته لأحد أبويه أو لكليهما و أولادهم و ذرياتهم، و لهذا الصنف مراتب متعددة، فالإخوة هم المرتبة الأولى، و أولاد الإخوة بلا واسطة هم المرتبة الثانية، و أولاد أولادهم هم المرتبة الثالثة، و تتكثر المراتب بتكثر الوسائط و يكون اللاحق أبعد من السابق.

و الطبقة الثالثة من النسب هم الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و أولادهم و ذريتهم، و هذه الطبقة كلها صنف واحد بحكم الشارع، و لهذا الصنف مراتب متعددة، فأعمام الميت نفسه و عماته و أخواله و خالاته مرتبة واحدة، و أعمام أبي الميت و أمه و عماتهما و أخوالهما و خالاتهما هي المرتبة الثانية، و هي أبعد من الأولى، و أعمام جده أو جدته للأب أو للأم و عماتهم، و أخوالهم و خالاتهم هي المرتبة الثالثة و هي أبعد من الثانية، و هكذا إذا اتفق وجودهم.

و لأولاد الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات في كل مرتبة من المراتب المتصاعدة الآنف ذكرها مراتب متعددة متنازلة على النحو المتقدم في الواسطة و عدمها و في القرب و البعد.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 269

المسألة 61:

لا يرث أحد من الطبقة الثانية في النسب مع وجود واحد من الطبقة الأولى من أي صنف كان منها و في أي مرتبة من مراتب الصنف، و يحجبون مع وجوده عن أصل الإرث حجب حرمان، فلا يرث الأجداد و الجدات قربوا أم بعدوا، و لا الأخوة و الأخوات، و لا أولادهم قربوا أم بعدوا، إذا وجد أب للميت أو أم، أو ولد أو بنت، أو ولد ابن أو ولد بنت، و ان بعدت مرتبته و تعددت الواسطة بين الميت و بينه، و لا يرث معه من بعدهم من

طبقات النسب أو الولاء، و يحجبون به كذلك حجب حرمان.

و لا يرث أحد من الطبقة الثالثة في النسب و لا من طبقات الولاء، إذا وجد واحد من الطبقة الثانية، فلا يرث الأعمام و الأخوال بجميع مراتبهم المتصاعدة، و لا أولاد الأعمام و الأخوال من أي مرتبة كانوا منهم، إذا وجد معهم جد أو جدة قريبة أو بعيدة، أو وجد أخ أو أخت أو أحد من أولاد الاخوة و الأخوات و ان تعددت واسطته، و لا يرث معه أحد من طبقات الوارثين بالولاء، و يحجبون جميعا معه حجب حرمان.

و لا يرث ضامن الجريرة مع وجود المعتق، و لا يرث الامام (ع) مع وجود ضامن الجريرة.

المسألة 62:

إذا كان للميت وارثان من طبقة واحدة في النسب و من صنف واحد في الطبقة و كان أحد الوارثين أقرب الى الميت في المرتبة من الآخر، منع القريب البعيد من الميراث و حجبه حجب حرمان، و لذلك فلا يرث حفيد الميت- و هو ابن ابنه- و لا سبطه- و هو ابن بنته- من التركة شيئا، إذا وجد معهما ابن للميت أو بنت له، و لا يرث حفيده و لا سبطه بواسطتين أو بأكثر، إذا وجد له حفيد أو سبط بواسطة واحدة، و هكذا، فيمنع القريب في المرتبة من كان بعيدا فيها، و يحجبه عن الإرث حجب حرمان.

و لا يرث الجد الأعلى للميت إذا وجد جده أبو أبيه، و لا يرث جد الجد مع وجود جد الأب، و لا يرث ابن أخي الميت إذا وجد أخ له أو

كلمة التقوى، ج 7، ص: 270

أخت، و لا يرث ابن أخ له بواسطة واحدة أو أكثر مع وجود ابن أخ أو ابن أخت بلا

واسطة، فيمنع الأقرب من هو أبعد منه.

و لا يرث عم أبي الميت و لا عم أمه و لا عمتهما، و لا خالهما و لا خالتهما إذا وجد عم الميت نفسه أو عمته أو خاله أو خالته، و لا يرث عم جد الميت أو جدته و لا خالهما مع وجود عم أبيه أو أمه أو خالهما، لاختلافهم في المرتبة، فالأقرب فيها يمنع الأبعد.

المسألة 63:

ذكرنا في المسألة الأولى و في المسألة التاسعة و الخمسين ان الأعمام و الأخوال و أولادهم و ذريتهم صنف واحد كما هم طبقة واحدة، و لذلك فلا يرث ابن العم و لا ابن العمة و لا ابن الخال أو الخالة إذا وجد عم للميت أو عمة، أو وجد له خال أو خالة، و لا يرث حفيد عمه أو عمته و لا حفيد خاله أو خالته إذا وجد له ابن عم أو ابن عمة أو ابن خال أو ابن خالة، و هكذا، فيكون القريب في المرتبة حاجبا للبعيد عن الميراث.

المسألة 64:

و ذكرنا أن الأعمام و الأخوال و ان كانوا صنفا واحدا فان لهذا الصنف الواحد مراتب متعددة متصاعدة بعضها أدنى الى الميت من بعض، و قد بيناها في المسألة التاسعة و الخمسين، و من أجل ذلك حجب عم الميت عم أبيه و خاله عن الميراث إذا وجد معه، و حجب عم أبيه عم جده و خاله إذا اجتمع معه.

و من النتائج البينة لذلك أن يكون أولاد عم الميت نفسه و أولاد خاله و ذريتهم المتنازلة في الترتيب تابعين لمرتبة العم أو الخال نفسه، و من أجل كون ذريتهم مترتبين حجب القريب منهم البعيد كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، و من أجل كونهم تابعين للعم أو الخال في مرتبته يكون أبناء عم الميت و أبناء خاله و ان تعددت وسائطهم مقدمين على أعمام أبي الميت و أعمام أمه و أخوالهما فيحجبونهم عن الميراث إذا وجدوا معهم، و يكون أولاد أعمام أبي الميت و أمه و أخوالهما أيضا تابعين لآبائهم في المرتبة كما قلنا في أولاد عم الميت و خاله، فيمنع عم

كلمة التقوى، ج 7، ص: 271

أبي

الميت و خاله و عم أم الميت و خالها أولادهم من الميراث إذا وجدوا معهم، و يمنع القريب من ذريتهم البعيد لتعدد الواسطة، و تكون هذه الذرية مقدمة على عم جد الميت و خاله و على عم جدته و خالها و ذريتهم و حاجبة لهم عن الإرث، و تكون ذرية عم الجد أو الجدة و ذرية خالهما تابعة لهذا العم أو الخال الذي تناسلت منه و مقدمة في الرتبة على من بعدهم، و هكذا.

المسألة 65:

يرث الزوج و الزوجة نصيبهما مع جميع طبقات النسب و مع جميع طبقات الولاء، و لا يحجبهما وجود أي وارث عن الإرث حجب حرمان، و يحجبهما الولد عن النصيب الأعلى إذا كان للميت منهما ولد حجب نقصان، فإذا ماتت الزوجة و لم يكن لها ولد ورث زوجها نصف التركة، و ان كان لها ولد ورث الربع منها، و إذا مات الزوج و لم يكن له ولد ورثت زوجته ربع تركته، و ان كان له ولد ورثت الثمن، و قد ذكرنا هذا الحكم مرارا.

المسألة 66:

إذا اجتمع وارثان من طبقة واحدة و كانا من صنفين متعددين لم يمنع الأقرب منهما البعيد عن الإرث فلا يحجب الأب و لا الأم ولد الولد و لا بنته عن الإرث إذا وجدا معهما و ان تعددت الواسطة بينهما و بين الميت، لأنهما من صنفين، و لا يحجب الأب و لا الأم ولد بنت الميت و لا بنتها إذا اجتمعا معهما، و لا يحجب الجد القريب للميت ولد أخي الميت و لا ولد أخته إذا اجتمع معهما و ان تعددت وسائطه و بعدت مرتبته، و لا يحجب الأخ الجد الأعلى و ان بعدت مرتبته كذلك لأنهما من صنفين.

المسألة 67:

إذا اجتمع وارثان من طبقة واحدة في النسب، و من صنف واحد و مرتبة واحدة، و كان أحد الوارثين يتقرب الى الميت بكلا الأبوين و الثاني يتقرب إليه بالأب وحده كان المتقرب بالأبوين حاجبا للمتقرب بالأب عن ميراثه، فإذا ترك الميت أخا أو أختا لأبيه خاصة أو ترك اخوة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 272

متعددين كذلك، و وجد له أخ شقيق أو أخت شقيقة أو اخوة اشقاء متعددون كان الميراث للاشقاء خاصة و لم يرث الاخوة الآخرون شيئا و حجبوا عن الميراث حجب حرمان، و لا يحجب المتقرب للميت بالأبوين أخاه الذي يتقرب إليه بالأم وحدها عن ميراثه، و إذا كان للميت ابن أخ أو ابن أخت لأبيه خاصة واحدا أو متعددا، و وجد معهم ابن أخ شقيق أو ابن أخت شقيقة أو أكثر من ذلك اختص المتقربون بالأبوين بالإرث و منع الآخرون منه، و إذا كان للميت أخ أو اخوة لأب و ابن أخ شقيق كان الميراث للاخوة من الأب لأنهم أقرب الى الميت مرتبة و

لم يرث ابن الأخ الشقيق شيئا.

المسألة 68:

إذا كان للميت عم أو عمة أو أكثر يتقربون إليه بالأب فهم اخوان أبي الميت لأبيه خاصة، و وجد معهم عم للميت يتصل به بالأب و الأم معا، فميراثه لعمه شقيق أبيه و لا يرث معه أعمام الميت و عماته الآخرون، و كذلك الحكم إذا كانت شقيقة أبيه أنثى أو كان العم الشقيق متعددا ذكورا و إناثا فيحجبون أعمامه غير الأشقاء، و لا يحجب بهم أعمامه اخوة أبيه للأم خاصة، فيرثون نصيبهم من التركة.

و إذا كان للميت خال أو خالة أو أخوال يتقربون إليه بالأب، فهم إخوة أم الميت لأبيها، و وجد معهم خال أو أكثر أشقاء لأمه من الذكور أو الإناث فميراثه لأخواله أشقاء أمه و يمنع الآخرون، و لا يحجب بهم اخوان الأم لأمها.

المسألة 69:

إذا كان للميت ابن عم شقيق لأبيه أو ابن عمة شقيقة لأبيه و وجد معه ابن عم يتقرب إليه بالأب خاصة فميراثه كله لابن العم الذي يتصل به بالأبوين سواء كان واحدا أم أكثر و ذكرا أم أنثى، و يحجب به أولاد عمه الذين يتصلون به بالأب خاصة.

و إذا كان له ابن خال شقيق لأمه أو ابن خالة شقيقة لها، و كان معه ابن خال أخ لأمه من أبيها فالميراث كله لابن الخال أو الخالة الذي يتصل

كلمة التقوى، ج 7، ص: 273

به بالأبوين سواء كان واحدا أم متعددا و ذكرا أم أنثى و يحجب به الآخرون.

و لا يحجب أولاد العم شقيق الأب الخال غير الشقيق للأم عن الميراث و لا يحجبون ابن الخال غير الشقيق، و لا يحجب أولاد الخال شقيق الأم العم غير الشقيق للأب و لا ابن العم غير الشقيق كذلك، بل يكون الخال هو الحاجب

لولد العم عن الميراث في الفرض الأول لأنه أقرب منه في المرتبة، و يكون العم هو الحاجب لولد الخال في الفرض الثاني لأنه أقرب منه.

المسألة 70:

تقدم منا أن أبا الميت و أمه متى اجتمعا مع ابن للميت أو بنت أو أكثر من ولد واحد حجبهما ولد الميت أن يرثا من التركة أزيد من السدس لكل واحد منهما، و تستثنى من عموم هذا الحكم خمسة موارد.

الأول: أن يموت الإنسان و يترك من بعده أبا و بنتا واحدة، فيكون للأب سدس التركة بالفرض، و يكون للبنت الواحدة نصف التركة كذلك، فتكون التركة زائدة على سهمي الأب و البنت بسدسين، و الحكم في هذا الزائد أن يقسم على الأب و البنت أرباعا، و نتيجة ذلك أن يرث الأب بالفرض و الرد ربع التركة و ترث البنت ثلاثة أرباعها و لا يكون الأب محجوبا عما زاد على السدس في هذا المورد.

الثاني: أن يجري نظير ذلك مع الأم، فيترك الميت أما و بنتا واحدة، و يكون التوريث في هذا المورد على نهج ما سبق في المورد الأول، فترث الأم ربع التركة بالفرض و الرد و ترث البنت ثلاثة أرباعها و لا تكون الأم محجوبة بالبنت كما سبق في الأب.

الثالث: أن يموت الشخص و يترك من بعده أبا و أما و بنتا واحدة فيكون لكل واحد من الأبوين سدس التركة، و للبنت نصفها و هو ثلاثة أسداس، و تزيد التركة على السهام بسدس واحد، و الحكم في الزائد أن يقسم على الأبوين و البنت أخماسا، و نتيجة ذلك ان ترث البنت ثلاثة أخماس التركة، و أن يرث كل واحد من الأبوين خمسا منها و لا يكونا محجوبين عما زاد على السدس.

كلمة

التقوى، ج 7، ص: 274

الرابع: ان يموت الميت و يخلف من بعده أبا و بنتين أو عدة بنات، فيكون نصيب الأب سدس التركة بالفرض و يكون نصيب البنتين أو البنات ثلثي التركة، و تزيد التركة على الفرضين بسدس، و الحكم أن يقسم السدس الزائد على الأب و البنات أخماسا، و يكون ميراث الأب خمس التركة و يكون للبنات أربعة أخماسها، و لا تكون البنات حاجبات للأب عما زاد على السدس.

الخامس: أن يجري مثل ذلك مع الأم، فيخلف الميت أما و بنتين أو بنات، و تكون قسمة الميراث بينهن هي القسمة في المورد السابق، فإذا رد السدس الزائد على الأم و البنات أخماسا ورثت الأم الخمس من التركة و ورثت البنات أربعة أخماسها و لا تكون الأم محجوبة بالبنات عما زاد على السدس.

المسألة 71:

إذا مات الولد و خلف من بعده أبا و أما، و كان له اخوة، ورثت الأم من ولدها الميت سدس تركته، و حجبها اخوة الميت أن ترث ما زاد على السدس منها، و ورث الأب باقي التركة و هو خمسة أسداسها، و لا يحجب الاخوة أم الميت عن ذلك حتى تجتمع خمسة شروط:

الأول: أن يكونوا أخوين ذكرين فصاعدا، أو يكونوا أخا واحدا ذكرا و أختين، أو أربع أخوات فأكثر، فلا يحجب الأم أخ ذكر واحد، أو أخ و أخت، أو ثلاث أخوات، و لا يمنعهم من الحجب أن يكونوا أطفالا صغارا أو يكونوا منفصلين عن عائلة أبيهم في حال التوريث.

الثاني: أن يكونوا اخوة للميت لأبيه و أمه أو لأبيه، فلا يحجبون الأم إذا كانوا اخوته من أمه أو كان بعضهم لأبيه و بعضهم لأمه بحيث لا يبلغ الإخوة للأبوين أو للأب خاصة العدد

المعتبر في الحجب.

الثالث: ان يكونوا مسلمين أو بحكم المسلمين و أن يكونوا أحرارا، فلا يحجبون الأم إذا كانوا كفارا أو مرتدين أو كانوا مملوكين، أو كان بعضهم كذلك بحيث كان المسلمون الأحرار منهم لا يبلغون العدد المعتبر في الحجب، و يشكل الحكم باشتراط كونهم غير قاتلين للميت الموروث.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 275

الرابع: أن يكون الأب موجودا حال التوريث، فلا يحجبون الأم إذا كان الأب ميتا في تلك الحال و لا يضر بالحجب ان يموت بعد ذلك، و يشترط أيضا ان يكون الأب وارثا فلا تحجب الأم إذا كان الأب غير وارث لولده لكفر أو قتل أو عبودية.

الخامس: أن يكون الاخوة مولودين في حال التوريث فلا يحجبون الأم إذا كانوا حملا لم يولدوا أو كان بعضهم حملا لم يولد.

الفصل الرابع إذا زادت التركة على الفريضة أو زادت الفريضة على التركة
المسألة 72:

التركة هي كل ما يخلفه الإنسان بعد موته من أموال مملوكة له، منقولة و غير منقولة و أعيان و منافع و حقوق قابلة للانتقال، و منها الأعيان التي ملكها في حياته و ان تأخر قبضها الى ما بعد موته، سواء كانت مشخصة أم كلية، و الديون التي تكون له في ذمم الآخرين، و ديته إذا قتل خطأ أو عمدا يشبه الخطأ، و دية الجنايات عليه إذا لم يدفعها الجاني إلا بعد موته، و دية قتله عمدا إذا صالح أولياؤه قاتله عن حقهم بدفع الدية، و قد ذكرنا هذا في المسألة السادسة و الخمسين و المسألة الثانية و الستين من كتاب الوصية، و فصلنا القول في الدية و ما يتعلق بتوريثها في المسألة الثالثة و الأربعين و ما بعدها من مسائل كتاب الميراث فلتلاحظ.

و كلمة الفريضة حين ما يطلقها الفقهاء في هذا الباب يراد منها السهم المقدر

في كتاب اللّه للوارث الواحد حين ينفرد بالميراث أو مجموعة السهام المقدرة في الكتاب للورثة حين يجتمعون في الإرث.

فإذا مات الميت و ترك من بعده بنتا واحدة أو أختا واحدة لأبويه كليهما أو لأبيه وحده، فالنصف المقدر للبنت أو الأخت هو الفريضة في التركة، و إذا مات الميت و ترك من بعده أبوين و بنتين، فالسدس الواحد للأب، و السدس الآخر للأم، و الثلثان للبنتين، و مجموعة هذه

كلمة التقوى، ج 7، ص: 276

السهام المقدرة لهم في الكتاب الكريم هي الفريضة المعينة في المورد، و هكذا في ما يشابههما من الفروض.

المسألة 73:

إذا كان الوارث المنفرد أو الورثة المجتمعون للميت ذوي سهام مقدرة في الكتاب، فقد تكون السهام المقدرة لهم مساوية للتركة التي خلفها الميت، فلا تزيد الفريضة على التركة و لا تزيد التركة على السهام و من أمثلة ذلك الفرض الأخير الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة، فإذا ترك الميت أبوين و بنتين، ورث كل واحد من الأبوين سدسا من التركة، و ورثت البنتان الثلثين، و مجموعة سهامهم تحيط بالتركة، فلا تزيد التركة و لا تزيد الفريضة، فيأخذ كل وارث منهم حقه و لا خلاف في ذلك.

و قد تزيد التركة على الفريضة، و من أمثلة ذلك الفرض الأول الذي ذكرناه في المسألة السابقة، فإذا ترك الميت بنتا واحدة و لم يخلف سواها من الوارثين في الطبقة الأولى من النسب، أو ترك أختا واحدة و لم يخلف سواها من الوارثين في الطبقة الثانية، ورثت البنت أو الأخت نصف التركة، و زادت التركة على الفريضة بنصفها الآخر، و هذه هي مسألة التعصيب، و الخلاف فيها معروف بين الإمامية و غيرهم و سيأتي بيان الحكم فيها عندنا ان شاء

اللّه تعالى.

و قد تزيد الفريضة على التركة، و من أمثلة ذلك أن تموت امرأة و تخلف من بعدها زوجا و أختين للأبوين أو للأب خاصة، فيكون للزوج نصف التركة، و للأختين الثلثان، و التركة لا تفي بذلك، و من أمثلته أن تموت الزوجة، و تخلف من بعدها أبوين و زوجا و بنتين، فيكون لكل واحد من الأبوين سدس التركة و للبنتين الثلثان و للزوج الربع، و التركة لا تفي بذلك، و هذه هي مسألة العول، و الخلاف فيها معلوم كذلك بين الإمامية و غيرهم، و سنذكر تفصيل الحكم عندنا.

المسألة 74:

لا يرث القريب مع وجود من هو أقرب الى الميت منه في طبقات النسب، و لا يرث القريب مع وجود من هو أقرب الى الميت منه في المرتبة إذا كانا

كلمة التقوى، ج 7، ص: 277

من صنف واحد و طبقة واحدة، و لا يرث المتقرب بالأب وحده مع وجود من يتقرب الى الميت بالأبوين كليهما، و ان كان صنفهما واحدا و مرتبتهما في الصنف واحدة، و قد ثبت جميع هذا بالقواعد المعلومة من المذهب و بالأدلة المقطوع بثبوتها من الكتاب الكريم و السنة المطهرة، و قد ذكرنا هذا في الفصول المتقدمة، و نتيجة لذلك فيكون ذلك القريب ممنوعا و محجوبا بالوارث الأقرب منه عن الإرث من التركة و ما زاد منها على السهام، من غير فرق بين الذكر و الأنثى و المتقرب الى الميت بالرجال أو بالنساء، و يختص ميراث جميع التركة بالأقرب، سواء انفرد أم تعدد، فإذا كان واحدا أخذ مقدار سهمه من التركة بالفرض، و أخذ الزائد عن سهمه من التركة بالرد لانحصار الميراث به، و إذا كان متعددا أخذ كل وارث منهم فرضه

المعين له في الميراث، ثم قسم الزائد من التركة على الوارثين بنسبة سهم الوارث منهم الى مجموع السهام، فإذا كان سهمه ربع مجموعة السهام أخذ ربع الزائد و إذا كان خمسها أخذ خمس الزائد و إذا كان أكثر من ذلك أخذ بنسبته، و سيتضح ذلك بذكر بعض أمثلته.

المسألة 75:

إذا ترك الميت بنتا واحدة و لم يترك غيرها من أفراد الطبقة الأولى الذين يشتركون معها في الميراث، استحقت نصف التركة بالفرض كما ذكرنا ذلك مرارا، ثم رد النصف الآخر من التركة عليها، لاختصاص الإرث بها، و لا ينتقل الى غيرها، و ان كان للميت أولاد ولد، أو اخوة أو أجداد أو أعمام أو غيرهم من الذكور أو ممن يتقرب الى الميت بالذكور، و كذلك الحكم إذا خلف الميت أختا واحدة للأبوين أو للأب، و لم يترك سواها ممن يشترك معها في الميراث فترث الأخت النصف بالفرض و ترث النصف الآخر بالرد، و لا يستحق أقرباء الميت الآخرون من الزائد شيئا لأنهم محجوبون بالأخت و هي الوارث الأقرب.

و إذا ترك الميت بنتين فصاعدا أو ترك أختين للأبوين أو للأب فصاعدا، كان للبنات أو الأخوات الثلثان بالفرض ثم رد الثلث الباقي

كلمة التقوى، ج 7، ص: 278

عليهن كما تقدم و لم ينتقل إلى العصبة منه شي ء لأنهم محجوبون بالبنات أو الأخوات.

المسألة 76:

إذا ترك الشخص بعد موته أبا و بنتا واحدة و لا غيرهما، أخذ الأب سدس التركة و أخذت البنت نصف التركة، ثم قسم الزائد من التركة و هو السدسان على الأب و البنت بنسبة سهامهما و مجموع السهام هو أربعة أسداس فيكون للأب ربع الزائد لأن سهمه و هو السدس ربع السهام و للبنت ثلاثة أرباعه.

و كذلك الحكم إذا مات الشخص و له أم و بنت، فيكون التقسيم هو التقسيم في الفرض السابق و النسبة هي النسبة فتأخذ الأم ربع التركة و تأخذ البنت ثلاثة أرباعها.

المسألة 77:

إذا مات الميت و خلف بعده بنتين و أحد الأبوين استحق الأب الموجود منهما سدسا، و استحقت البنتان الثلثين فيكون مجموع سهامهم خمسة أسداس و يقسم الزائد و هو سدس التركة على الأب و البنتين بنسبة سهامهم أخماسا.

المسألة 78:

دلت بعض الصحاح و الحسان بفحواها على أن الاخوة أو الأخوات من الأم لا يزادون في الميراث و لا ينقصون و المقصود من ذلك ان الاخوة من الأم لا يرد عليهم من التركة إذا زادت على الفريضة ليكون ذلك زيادة لهم في ميراثهم و لا يدخل عليهم النقص إذا قصرت التركة فلم تف بالسهام المفروضة بل يأخذون سهمهم كاملا، و قد عمل الأصحاب بذلك و ادعي عليه الإجماع و لم يخالف فيه الا قليل من القدماء، و يستثنى من ذلك ما إذا انفرد الاخوة من الأم بالميراث فإنهم يرثون جميع المال بالفرض و الرد و سيأتي ذكره ان شاء اللّه.

و نتيجة لما ذكرناه فإذا مات الميت و ترك من بعده أختا للأبوين، و أخا واحدا أو أختا من الأم، كان لأخته من أبويه نصف المال بالفرض،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 279

و كان لأخيه أو أخته من أمه السدس بالفرض، ورد الزائد من التركة عن السهمين، و هو السدسان على الأخت من الأبوين وحدها، و لا يرد على الأخ أو الأخت من الأم شي ء.

و كذلك إذا ترك الميت أختا واحدة لأبيه و أخا واحدا أو أختا واحدة لأمه، فيجري الحكم المذكور بعينه و تختص الأخت للأب بالرد.

و نظيره ما إذا خلف الميت أختا واحدة للأبوين أو للأب وحده و خلف معها اثنين أو أكثر من الاخوة أو الأخوات للأم، فترث الأخت الواحدة للأبوين أو الأب نصف التركة و

يرث الاخوة من الأم الثلث يشتركون فيه على السواء، و يرد ما زاد من التركة و هو السدس على الأخت للأبوين أو الأب وحدها، و نظيره أيضا ما إذا خلف أختين لأبويه أو أختين لأبيه وحده و خلف معهما أختا واحدة أو أخا واحدا لأمه، فيكون لأختيه الشقيقتين أو أختيه لأبيه الثلثان من المال، و يكون للأخت أو للأخ من الأم السدس و يرد السدس الباقي من التركة على الأختين الأوليين خاصة.

المسألة 79:

إذا مات الرجل و له ابن أخت شقيقة، و ابن أخ أو أخت لأمه، و لا وارث له سواهما، ورث ابن أخته الشقيقة نصيب أمه من التركة لو كانت هي الوارثة، و نصيبها هو النصف، و ورث ابن أخيه أو أخته للأم نصيب من يتقرب به و هو السدس، ثم رد الباقي من التركة و هو السدسان على ابن الأخت الشقيقة وحده، و لا يرد على ابن الأخ أو الأخت من الأم شي ء، و كذلك الحكم إذا كان الوارث الأول ابن أخته لأبيه فيكون الرد عليه خاصة.

المسألة 80:

لا يرد على الزوج و لا على الزوجة شي ء من فاضل التركة إذا زادت على السهام، فإذا ماتت الزوجة و خلفت زوجا و بنتا واحدة، استحق الزوج ربع التركة، و أخت البنت نصفها، ورد الزائد من التركة و هو الربع على البنت وحدها و لم يستحق الزوج منه شيئا، و إذا ماتت الزوجة و تركت زوجا و أبا أو أما، و بنتا واحدة، أخذ الزوج ربع المال و أخذ الأب أو الأم سدسه، و أخذت البنت النصف، ثم رد الزائد

كلمة التقوى، ج 7، ص: 280

من المال و هو نصف السدس على الأب الموجود و البنت أرباعا، فيكون للأب أو الأم الربع منه، و للبنت ثلاثة أرباعه و لا يرد على الزوج.

المسألة 81:

إذا مات الرجل و خلف من بعده أختا واحدة لأبويه أو لأبيه خاصة و زوجة، أخذت الأخت نصف التركة بالفرض، و أخذت الزوجة الربع، ورد الربع الفاضل من المال على الأخت وحدها دون الزوجة، و إذا مات و ترك بنتا و زوجة، أخذت الزوجة ثمنها خاصة، و ورثت البنت نصف التركة بالفرض، و أخذت الزائد عليه بالرد، و إذا مات و ترك بعده زوجة و ابنتين، أخذت الزوجة ثمن التركة و ورثت البنتان ثلثي التركة بالفرض و أخذتا الباقي بالرد.

المسألة 82:

إذا مات الزوج و ترك زوجته و لا وارث له سواها غير امام المسلمين (ع) ورثت الزوجة ربع التركة خاصة و كان الباقي ميراثا للإمام على الأقوى.

المسألة 83:

إذا ماتت المرأة و كان وارثها هو زوجها وحده، استحق الزوج نصف المال بالفرض، ثم رد الباقي عليه و لم يرث امام المسلمين منه شيئا.

المسألة 84:

العول هو أن تزيد الفروض المقدرة في الكتاب الكريم للورثة الموجودين للميت على التركة فلا تكون وافية بها في ظاهر الأمر.

فلا تعول الفريضة إذا كان الوارث واحدا، فإنه يأخذ جميع المال بالقرابة أو بالولاء إذا لم يكن له فرض معين، و هو يأخذ السهم المعين له إذا كان صاحب فرض ثم يأخذ بقية المال بالقرابة، لانحصار الإرث به، و لا ينظر الى من هو أبعد منه لأنه محجوب عن الإرث لوجود من هو أقرب.

و لا تعول الفريضة إذا كان الورثة متعددين و كانوا جميعا ممن يرث بالقرابة، فإن لكل واحد منهم قسطه الذي تحدده له الشريعة بمقتضى

كلمة التقوى، ج 7، ص: 281

قرابته و هم يقتسمون المال الموجود بينهم حسب ما تحدده الشريعة من النصب و كيفية الاقتسام و سيأتي تفصيله.

و لا تعول الفريضة إذا كان الورثة متعددين و كان بعضهم ممن يرث بالفرض و بعضهم ممن يرث بالقرابة، فصاحب الفرض يأخذ فرضه المعين له من غير نقص و يرث من لا فرض له بقية المال حسب ما يأتي بيانه.

المسألة 85:

إذا تعدد ورثة الميت و كان جميعهم من أصحاب الفروض، و زادت فروضهم المقدرة لهم في كتاب اللّه على التركة عالت الفريضة بحسب ظاهر الأمر، و قد تواترت النصوص عن أئمة الهدى من أهل البيت (ع) بأن وقوع ذلك من المحال، فاللّه العليم العظيم الذي أحصى كل شي ء عددا و جعل لكل شي ء قدرا، لا يمكن مطلقا أن يشرع حكما يجتمع فيه نصف و ثلثان من تركة واحدة، كما إذا ماتت المرأة و تركت زوجا و أختين للأبوين أو للأب وحده، أو يجتمع فيه نصف و ثلثان و ثلث من تركة، كما إذا تركت المرأة

الميتة زوجا و أختين للأبوين، و اخوة متعددين لأم، أو يجتمع فيه ربع و ثلثان و سدسان من مال واحد، كما إذا ماتت المرأة و خلفت زوجا و بنتين و أبوين، أو غير ذلك من النتائج الممتنعة على العليم الحكيم ليحتاج المسلم الى أن يدخل النقص في الأمثلة المذكورة و شبهها على جميع الورثة.

و قول أهل البيت (ع) في ذلك هو أن القرائن المقطوع بثبوتها في الآيات الكريمة دالة على تعيين من قدم من الورثة و من أخر منهم، فقد نصت الآية على أن للزوج مثلا فرضين مقدرين، فله نصف التركة إذا ماتت زوجته و لم يكن لها ولد و له الربع إذا ماتت و كان لها ولد، و المعنى الصريح لذلك ان الزوج لا يقل نصيبه أبدا عن النصف في المورد الأول، و لا ينقص عن الربع في المورد الثاني، فلا يدخل عليه نقص في الموارد التي يتوهم فيها عول الفريضة، و كذلك القرينة في ميراث الزوجة، فلها الربع كاملا إذا مات عنها الزوج و ليس له ولد، و لها الثمن تاما إذا مات الزوج و له ولد، فلا ينقص نصيبها عن ذلك أبدا.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 282

و دلت الآية كذلك على أن للأم فرضين معينين، فلها الثلث من تركة ابنها إذا مات عنها و ليس له ولد و لم يكن لها حاجب من الاخوة، و لها السدس من التركة إذا مات عنها و له ولد أو كان له اخوة يحجبونها، و معنى ذلك ان الأم لا يقل نصيبها عن الثلث في مورده و لا عن السدس في مورده، حتى إذا زادت السهام عن التركة و توهم العول فيها.

و دلت الآية أيضا على

أن الأب يرث ابنه بالقرابة إذا مات و لم يكن له ولد، فليس له فرض محدد في هذه الصورة، و إذا مات ابنه و كان له ولد فللأب سدس تركته، و المعنى الصريح كما في نظائره التي ذكرناها أن الأب لا ينقص عن السدس أبدا في هذا المورد و لا يؤثر على نصيبه عول الفريضة.

و دلت الآية على أن للأخ أو الأخت من الأم إذا كان واحدا سدس تركة الميت فَإِنْ كٰانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكٰاءُ فِي الثُّلُثِ، و المعنى الصريح من ذلك ان الاخوة من الأم لا ينقصون عن ذلك في جميع الموارد، و هذه هي الفروض التي قدمها اللّه في كتابه فيجب تقديمها في الميراث إذا زادت السهام على التركة، و بقيت الفروض الأخرى التي ذكرت في الكتاب الكريم و لم تدل القرائن على عدم نقصها في مورد، و هي النصف للبنت الواحدة أو الأخت الواحدة للأب أو الأبوين و الثلثان للبنتين أو البنات، و الأختين أو الأخوات إذا كن للأبوين أو للأب خاصة، فهي وحدها التي يدخل على أهلها النقص إذا زادت السهام.

المسألة 86:

إذا ماتت المرأة و تركت بعد موتها أبا و أما و زوجا و ابنتين، و السهام المقدرة في هذا الفرض هي السدسان، و الربع و الثلثان، فللأب سدس التركة، و للأم سدسها الآخر و للزوج ربعها، و للبنتين أو البنات ثلثاها، و التركة لا تفي بذلك، و النقص لا يدخل على الأب و لا على الأم، و لا على الزوج لما تقدم بيانه في المسألة الماضية، فيأخذ هؤلاء سهامهم من التركة كاملة و يكون النقص على البنات خاصة فيرثن ما بقي من التركة.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 283

و

نظيره ما إذا ماتت المرأة و تركت أحد الأبوين و زوجا و ابنتين أو أكثر، فإن للأب أو الأم سدس التركة، و للزوج ربعها و للبنات ثلثيها، و التركة لا تفي بذلك، بل تزيد السهام عليها بنصف سدس، و يكون النقص على البنات فيرثن الباقي من التركة.

و مثله ما إذا ماتت المرأة و تركت أبا و أما و زوجا و بنتا واحدة، فإن التركة لا تفي بأن يؤخذ منها الثلث و هو نصيب أبوي المرأة الميتة و الربع و هو فرض زوجها و النصف و هو حصة بنتها، و تزيد سهام الورثة على التركة بنصف سدس، فيدخل النقص على البنت وحدها لما تقدم ذكره.

المسألة 87:

إذا ماتت المرأة و خلفت زوجا و أختين للأبوين أو للأب خاصة، فللزوج النصف، و للأخوات الثلثان فتزيد السهام على الفريضة بسدس، و يدخل النقص على الأخوات فيرثن ما بقي من التركة بعد نصف الزوج.

المسألة 88:

إذا ماتت المرأة و تركت بعدها زوجا، و أخوة لأمها و أخوات لأبويها فيرث الزوج نصف التركة كاملا و يرث كلالة الأم نصيبهم كاملا أيضا، فإن كان لها أخ واحد للأم أو أخت واحدة فله السدس و ان كان الاخوة من الأم أكثر من واحد ورثوا الثلث يقتسمونه بينهم بالسوية و كان الباقي للأخوات من أبويها، و كذلك إذا مات الرجل و ترك زوجة و اخوة لأمه و أخوات لأبويه، فتأخذ الزوجة ربعها و يرث الاخوة من الأم ثلثهم و يكون النقص على الأخوات للأبوين فيرثن ما بقي.

الفصل الخامس في ميراث الآباء و الأولاد
المسألة 89:

يراد بالآباء هنا: أبا الميت و أمه بلا واسطة فلا تعم أبا الأب و أبا الأم، و لا أم الأب و أم الأم، فإنهم أجداد و هم من الطبقة الثانية في النسب، و يراد بالأولاد: أبناء الميت لصلبه من الذكور و الإناث، ثم

كلمة التقوى، ج 7، ص: 284

أولاد ولده من الذكور و الإناث مرتبة بعد مرتبة مهما تناسلوا و تعددت وسائطهم، و جميعهم من الطبقة الأولى في النسب، و قد تقدم ذكر ذلك.

المسألة 90:

إذا مات شخص و ترك أباه وحده و لم يخلف معه أحدا يشترك معه في الميراث ورث الأب جميع مال الميت بالقرابة، و إذا مات و ترك أمه وحدها و لم يخلف معها سواها، ورثت الأم ثلث تركة الميت بالفرض، و ورثت بقية ماله بالقرابة، لانحصار الوارث بها، و لا يستحق العصبة المتأخرون عنها في الطبقة شيئا فإن الأقرب يمنع الأبعد.

المسألة 91:

إذا مات الابن أو البنت و ترك أباه و أمه و لا وارث له غيرهما، فان لم يكن للميت اخوة يحجبون الأم ورثت الأم الثلث من تركة الميت بالفرض، و ورث الأب بقية المال بالقرابة، و ان كان للميت اخوة و اجتمعت شروط الحجب، ورثت الأم سدس التركة فحسب و حجبت عن الزائد، و كان الباقي كله للأب و لم يرث الإخوة منه شيئا، و قد ذكرنا شروط الحجب في المسألة الحادية و السبعين.

المسألة 92:

إذا ماتت امرأة و تركت أباها و زوجها ورث الزوج نصف تركتها بالفرض، و ورث الأب بقية المال بالقرابة، و كذلك الحكم إذا تركت الميتة أمها و زوجها، فللزوج نصف المال بالفرض، و للأم ثلث المال بالفرض، و يرد الزائد من التركة عليها بالقرابة.

المسألة 93:

إذا ماتت امرأة و تركت أباها و أمها و زوجها، أخذ الزوج نصف المال، و أخذت الأم ثلث المال إذا لم يكن للميت اخوة، و أخذت السدس فحسب إذا كان له اخوة حاجبون، و ورث الأب الباقي من المال في كلتا الصورتين.

المسألة 94:

إذا مات الرجل و خلف أباه و زوجته و لا غيرهما، ورثت الزوجة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 285

ربع التركة بالفرض و كان الباقي للأب بالقرابة، و كذلك الحكم إذا خلف الرجل أمه و زوجته، فترث الزوجة الربع و ترث الأم الثلث بالفرض و يرد عليها الباقي بالقرابة.

المسألة 95:

إذا مات الزوج و ترك أبا و أما و زوجة، كان ربع المال للزوجة، و ورثت الأم ثلث المال إذا لم يكن لها حاجب من الأخوة و ورثت السدس خاصة إذا وجد الحاجب، و ورث الأب بقية المال في الصورتين.

المسألة 96:

إذا مات رجل أو امرأة و خلف الميت ولدا ذكرا لصلبه و لا وارث له غيره، ورث الولد جميع التركة بالقرابة، و إذا مات و خلف بنتا واحدة كذلك، ورثت البنت نصف المال بالفرض، ورد باقي المال عليها بالقرابة و لم يستحق العصبة شيئا، و إذا خلف بنتين أو أكثر و ليس له معهن ولد و لا وارث آخر، ورثت البنات ثلثي المال بالفرض ثم رد الثلث الزائد عليهن بالقرابة و اقتسمن الجميع بينهن بالسواء.

المسألة 97:

إذا مات الميت و ترك بعده ولدين ذكرين أو أولادا ذكورا لصلبه و ليس معهم سواهم كانت التركة جميعا لهم و اقتسموها بينهم بالسواء، و إذا خلف بنين ذكورا و بنات ورثوا جميع التركة بالقرابة و اقتسموها بينهم بالتفاضل فللذكر مثل حظ الأنثيين.

المسألة 98:

إذا مات أحد و خلف أبا أو أما و ولدا ذكرا واحدا لصلبه، كان للأب أو الأم سدس التركة، و كان للولد باقي التركة و هو خمسة أسداسها، و إذا مات و ترك أبا أو أما و بنتا واحدة لصلبه، ورث الأب أو الأم سدس التركة بالفرض، و كان للبنت الواحدة نصف التركة بالفرض كذلك، ثم قسم الباقي من التركة و هو السدسان على البنت و الأب الوارث أرباعا، فله الربع منه و للبنت ثلاثة أرباعه، و إذا مات و ترك أبويه كليهما و بنتا واحدة كان لكل واحد من أبيه و أمه سدس من المال بالفرض، و كان للبنت النصف بالفرض كذلك و قسم الباقي و هو السدس

كلمة التقوى، ج 7، ص: 286

على البنت و الأبوين أخماسا فلكل من الأبوين خمس واحد منه و للبنت ثلاثة أخماسه.

المسألة 99:

إذا مات أحد و خلف من بعده أبا أو أما، و بنتين أو عدة بنات فللأب الموجود منهما السدس بالفرض و للبنات الثلثان أربعة أسداس، و قسم الباقي على الأب و البنات أخماسا فللأب خمسه و للبنات أربعة أخماسه، و إذا خلف الميت أبوين و بنتين أو عدة بنات، فللأبوين السدسان بينهما و للبنات الثلثان، و قد تقدم ذكر بعض هذه المسائل في الفصل السابق.

المسألة 100:

إذا اجتمع مع الولد زوج أو زوجة للميت، كان للزوج نصيبه الأدنى، فيكون للزوج ربع التركة بالفرض و يكون للزوجة ثمنها بالفرض أيضا، و ورث الولد بقية المال، فان كان الولد ذكرا واحدا أخذ بقية التركة كلها جميعا بالقرابة، و كذلك إذا كانا ولدين ذكرين أو أولادا ذكورا، فيأخذون بقية المال و يقتسمونها بالتساوي بينهم، و إذا كانوا بنين و بنات فللذكر مثل حظ الأنثيين.

و إذا كان الولد الوارث مع الزوج بنتا واحدة ورثت نصف التركة بالفرض كما تقدم و أخذت الباقي بالقرابة، و إذا كان الولد الوارث مع الزوج بنتين أو بنات فلهن الثلثان و يرد عليهن ما بقي و يقتسمن نصيبهن بالسواء بينهن.

المسألة 101:

إذا ماتت امرأة و تركت من بعدها أبا أو أما، و زوجا، و ولدا ذكرا أو أولادا ذكورا، ورث الأب أو الأم السدس، و أخذ الزوج فرضه الأدنى و هو الربع، و كان للولد أو الأولاد بقية المال يرثونها بالقرابة، و اقتسموها بالتساوي بينهم، و إذا تركت الميتة زوجا و أبوين و ولدا ذكرا أو أولادا ذكورا ورث الزوج ربع التركة، و ورث كل واحد من الأبوين سدسا، و ورث الولد أو الأولاد بقية التركة على نهج ما سبق.

المسألة 102:

إذا مات رجل و ترك من بعده أبا أو أما، و زوجة و ولدا ذكرا أو

كلمة التقوى، ج 7، ص: 287

أولادا ذكورا كان لأبيه أو أمه سدس المال، و كان لزوجته الثمن، و كان لولده أو أولاده بقية المال بالقرابة و اقتسموا نصيبهم على نهج ما تقدم. و إذا ترك الرجل أبويه كليهما و زوجته و ترك ولدا أو أولادا ذكورا، فللأبوين السدسان، و للزوجة الثمن، و للولد أو الأولاد بقية المال.

المسألة 103:

إذا ماتت امرأة و تركت أباها أو أمها، و زوجها و بنتا واحدة، كان للوارث من الأبوين سدس التركة، و كان للزوج الربع بالفرض، و ورثت البنت نصف التركة بالفرض أيضا، و بقي من التركة نصف السدس زائدا على السهام فيقسم على الأب الوارث و البنت أرباعا، للأب الربع منه و للبنت ثلاثة أرباعه و لا يرد على الزوج منه شي ء.

المسألة 104:

إذا ماتت المرأة و خلفت بعد موتها أبا و أما، و زوجا و بنتا، ورث كل واحد من أبيها و أمها سدسا من التركة، و ورث زوجها ربع التركة، و دخل النقص على البنت خاصة و لم يدخل على الأبوين و لا على الزوج منه شي ء فترث البنت بقية المال، و هو أقل من نصيبها بنصف سدس. و إذا خلفت المرأة الميتة من بعدها أبوين و زوجا و بنتين أو بنات، ورث الأبوان السدسين و ورث الزوج الربع و لم يدخل عليهم نقص في سهامهم و دخل النقص على البنتين أو البنات فيرثن بقية المال و هي أقل من الثلثين.

المسألة 105:

إذا مات امرؤ و ترك بعده أبوين و زوجة و بنتين أو عدة بنات، أخذ الأبوان سدسي تركة الميت كاملين و أخذت الزوجة ثمنها تاما و دخل النقص على البنات خاصة فيأخذن بقية المال و هي أقل من الثلثين.

المسألة 106:

الأب و الأم للميت وحدهما صنف واحد من الطبقة الأولى في النسب، و أولاد الميت و أولاد أولاده و ذريتهم المتعاقبة من بعدهم صنف واحد آخر من هذه الطبقة، و لذلك فلا يحجب الأبوان أولاد الميت و لا أولاد

كلمة التقوى، ج 7، ص: 288

أولاده و لا ذريتهم عن الميراث إذا اجتمعا معهم، و ان كانوا في المرتبة الثالثة أو الرابعة من البطون أو أكثر من ذلك، سواء كانوا من أولاده أو ذريته الذكور أم الإناث.

و أولاد الميت و بناته لصلبه هم المرتبة الأولى من صنفهم، و أولاد أولاده و بناته من الذكور و الإناث هم المرتبة الثانية من الصنف و أولادهم مع الواسطة كذلك هم المرتبة الثالثة، و هكذا تتعدد المراتب مع تناول البطون مرتبة بعد مرتبة، كلما وجد بطن بعد بطن من الذكور أو من الإناث.

و لذلك فلا يرث أولاد الأولاد مع وجود ولد للميت و ان كان واحدا و لا مع وجود بنت و ان كانت واحدة لأنهما أقرب منهم في المرتبة، و لا يرث أهل المرتبة الثالثة من أولاد الأولاد إذا وجد ولد واحد أو بنت واحدة من المرتبة الثانية قبلهم، و هكذا، و قد ذكرنا هذا أكثر من مرة و لكنا نعيد ذكره لصلته بالمقام.

المسألة 107:

يقوم أولاد الأولاد مقام آبائهم إذا فقد آباؤهم جميعا عند موت الجد و لم يوجد منهم أحد، فيرث كل فريق منهم نصيب أبيه أو أمه الذي يتقرب به الى الميت، فإذا مات الرجل و له أولاد ولد ذكر و أولاد بنت، كان لأولاد الولد ثلثا تركة الميت، و اقتسموا النصيب بينهم حسب مواريث الأولاد المتقدم ذكرها، فإذا كان الجميع ذكورا أو إناثا، اقتسموا النصيب بالسواء

بينهم، و إذا كانوا ذكورا و إناثا، فللذكر مثل حظ الأنثيين، و إذا كان الموجود ولد ذكر واحد ورث جميع نصيب أبيه بالقرابة، و إذا كان أنثى واحدة ورثت نصف النصيب بالفرض و الباقي بالرد.

و كان لأولاد البنت نصيب أمهم و هو الثلث من التركة و ورثوه أيضا على التفصيل الذي تقدم بيانه في ميراث أولاد الولد.

المسألة 108:

إذا مات أحد و ترك من بعده أبا أو أما و ولد ولد ذكر، كان لأبي

كلمة التقوى، ج 7، ص: 289

الميت أو أمه سدس التركة، و كان لولد ولده جميع ما بقي منها، و إذا ترك أبوين و ولد ذكر كان لأبويه السدسان، و لولد ولده الباقي.

و إذا مات الميت و خلف أبا أو أما ولد بنت، ورث أبو الميت أو أمه سدس التركة بالفرض، و أخذ ولد بنته نصيب البنت و هو النصف، ثم رد ربع الباقي على الأب أو الأم، ورد ثلاثة أرباعه على ولد البنت كما هو الحكم في ميراث أمه، و إذا خلف الميت أبوين و ولد بنت، أخذ الأبوان السدسين، و أخذ ولد البنت النصف ثم رد السدس الباقي من التركة على كل واحد من الأبوين و ولد البنت أخماسا، فللأبوين الخمسان منه، و لولد البنت ثلاثة أخماسه كما هو حكم أمه لو كانت هي الوارثة، و كذلك إذا ترك الميت أحد أبويه أو كليهما، و ترك معهما أولاد بنته، فيكون للأب الوارث سدس التركة في الفرض الأول، و لأولاد بنته النصف و يرد الباقي عليهم أرباعا، و يرث كل واحد من الأبوين سدسا في الفرض الثاني، و يرث أولاد البنت النصف و يرد باقي التركة عليهم أخماسا.

المسألة 109:

إذا ورث أولاد البنت نصيب أمهم من الفرض و الرد، و كان جميعهم ذكورا أو إناثا اقتسموه بينهم بالتساوي، و إذا كانوا ذكورا و إناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين.

المسألة 110:

إذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع ولد الولد أو ولد البنت، ورث الزوج نصيبه الأدنى من التركة و هو الربع، و أخذت الزوجة كذلك نصيبها الأدنى و هو الثمن، سواء كان الولد ذكرا أم أنثى، و واحدا أم متعددا.

المسألة 111:

إذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع الأبوين كليهما أو مع أحدهما، و كان للميت ولد ولد أو أولاد ولد، ورث الزوج أو الزوجة و الأبوان فرضهم الآنف ذكره كاملا غير منقوص، و ورث ولد الولد أو أولاد الولد الباقي. و إذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع الأبوين أو أحدهما، و كان

كلمة التقوى، ج 7، ص: 290

معهم ولد بنت أو أولاد بنت منفردة، أخذ الزوجان و الأبوان نصيبهم تاما، و دخل النقص على ولد البنت أو أولادها خاصة، كما هو حكم أمهم لو كانت هي الوارثة، و كذلك الحكم إذا اجتمعوا مع أولاد البنتين أو البنات منفردات.

المسألة 112:

يختص الولد الأكبر من الأولاد الذكور للميت بالحبوة من تركة أبيه، و الحبوة هي سيف الميت و مصحفه و خاتمه و ثياب بدنه، و إذا كان أكبر أولاد الميت أنثى اختص بها الذكر الأكبر منهم، و إذا كان الذكر واحدا اختص بها و ان كان منفردا أو كان أصغر الجميع، و إذا كان أولاد الميت جميعهن إناثا فلا حبوة و لا اختصاص، و لا حق لسائر الورثة مع وجود الولد الذكر الأكبر في أعيان الحبوة و لا في قيمتها على الأقوى، و يجب دفعها للمحبو من غير عوض، زيادة على نصيبه الذي يناله من ميراث أبيه.

و ليست الحبوة عوضا عن قضاء ما فات الأب الميت من صلاة و صيام فكل واحد من الحكمين المذكورين حكم مستقل بنفسه على الأقوى و لا صلة له بالآخر.

المسألة 113:

لا تدخل في الحبوة راحلة الميت و لا رحله، و الراحلة هي الناقة التي يتخذها الرجل وسيلة للسفر عليها و التنقل من بلد الى بلد، و الرحل هو ما يشد على ظهر الراحلة للركوب عليها كالسرج للفرس و قد تطلق الراحلة على بعض الدواب الأخرى التي تتخذ لقطع المسافات من حمير و بغال و غيرها، و يطلق الرحل على ما يعد للركوب عليها، و على أي حال فلا تشمله الحبوة فضلا عن أن تعم غير الدواب من سيارة و غيرها، و لا يدخل فيها غير المصحف من الكتب، نعم لا يترك الاحتياط بإيقاع المصالحة بين الولد المحبو و سائر الورثة عن غير المصحف من الكتب إذا كانت قليلة و لم تكن لها مالية مهمة فتدفع للمحبو أعيانها بدلا عن مقدار من المال يدفع للورثة احتياطا، و إذا كانت الكتب كثيرة أو

كانت ذات مالية مهمة فلا تجب فيها مراعاة الاحتياط و لا يدخل في الحبوة الدرع

كلمة التقوى، ج 7، ص: 291

و نحوه من معدات الحرب كالطاس و الترس، و الأحوط إيقاع المصالحة كما تقدم في مثل الخنجر و البندقية و المسدس و نحوها من آلات السلاح التي يتخذها الأب لنفسه في حياته.

المسألة 114:

يدخل في حبوة الولد جميع ثياب أبيه الميت، المتحد منها و المتعدد، و ما أعده ليلبسه أعدادا تاما أو اشتراه جاهزا و ان لم يلبسه بالفعل، و يدخل فيها كسوته في الصيف و كسوته في الشتاء و المتوسطة بينهما، و ما كانت من قطن أو صوف أو وبر أو كتان أو جلد أو فرو أو لبد أو غيرها مما يلبس، و يدخل فيها أنواع الألبسة من صغيرة و كبيرة حتى العمامة و الكوفية و القلنسوة و الجورب و القفاز.

و يشكل الحكم بدخول النعل و أنواع الأحذية و الحزام و خصوصا ما كان مصنوعا من الجلد و شبهه، و يشكل الحكم بدخول ما يحرم لبسه كالخاتم من الذهب و ثوب الحرير.

و لا يدخل في الكسوة ما اشتراه أو ملكه الرجل في حياته من الأقمشة و نحوها و لم يفصله أو فصله و لم يكمل إعداده بخياطة أو غيرها، و لا يدخل فيها ما أعده للتجارة أو لكسوة غيره من أهل بيته أو سواهم و لا تدخل فيها الساعة و أمثالها.

المسألة 115:

لا يبعد أن حلية المصحف الشريف و غلافه و حمائله و بيته تكون تابعة له، فتدخل في حبوة الولد، و كذلك حلية السيف و قبضته و غمده و حمائله فلا يبعد شمول الحبوة لها فيستحقها الولد المحبو مع السيف.

المسألة 116:

الظاهر أن الحبوة تشمل ما اتحد و ما تعدد من الأعيان المتقدم ذكرها، فإذا كان للميت مصحفان أو سيفان أو خاتمان أو أكثر من ذلك، وجب دفع جميعها للولد المحبو، و قد تقدم ذكر الثياب المتعددة.

المسألة 117:

الذي يظهر من أدلة الحبوة ان المراد بالسيف الذي يحبى به الولد

كلمة التقوى، ج 7، ص: 292

هو السيف الذي أعده أبوه لنفسه، ليقاتل به و يدافع عدوه عند الحاجة الى ذلك، فلا تشمل السيف الذي يتخذه لمحض الاقتناء و الادخار أو التزين مثلا، و ان المراد بالمصحف هو القرآن الذي أعده الأب لنفسه للتلاوة فيه، فلا يعم المصاحف التي يتخذها للبركة أو لأنها أثر نفيس مثلا، و ان المراد بالخاتم هو الذي يقتنيه ليتختم به للسنة أو للزينة، فلا يشمل الخواتيم التي يقتنيها للاختزان و الادخار أو لغايات أخرى سواها، فلا تدخل مثل هذه الأشياء في حبوة الولد بعد موت أبيه.

و نتيجة لما بيناه فإذا كان الأب في حياته غير قابل للانتفاع ببعض المذكورات لم يدخل ذلك الشي ء في حبوة ولده بعد موته فإذا كان الأب في حياته مشلول اليدين غير قابل لحمل السيف و المقاتلة به، أو كان أعمى غير قابل للتلاوة في المصحف، أو كان مقطوع الكفين غير قابل للبس الخاتم، لم تدخل هذه الأعيان إذا كانت موجودة في حبوة ولده بعد وفاته.

و إذا اتخذ الأب السيف أو المصحف أو الخاتم في حياته و كان سويا قادرا على الانتفاع بها ثم عرضت له هذه الطواري فمنعته عن الانتفاع و الاستعمال لم يمنع عروضها عن دخول هذه الأعيان في حبوة الولد، و كذلك إذا أعد الأعمى المصحف ليتلو فيه غيره و يتابع هو في القراءة، أو أعد

مقطوع اليدين السيف ليدافع به عنه حين يحتاج الى الدفاع و كان من الميسور لهما ذلك لم يكن العمى و قطع اليدين مانعين من دخول المصحف و السيف في الحبوة.

المسألة 118:

إذا كان الولد المحبو غير قابل للانتفاع بالسيف أو المصحف أو الخاتم، فالظاهر ان ذلك لا يمنع من دخول تلك الأعيان في الحبوة، و لا يترك الاحتياط في أن يصالح المحبو سائر الورثة أو يصالحوه عنها في هذا الفرض.

المسألة 119:

إذا ولد للرجل ولدان توأمان، فالأكبر منهما هو أسبقهما في الولادة فهو الذي تكون له الحبوة، و كذلك إذا ولد له ولدان ذكران من زوجتين،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 293

فالأكبر من سبقت ولادته على أخيه، و ان كان الثاني أسبق منه علوقا، كما إذا ولد الأول لستة أشهر من الحمل به و كان الثاني قبله في الحمل و بعده في الولادة.

و إذا تعدد الولد الأكبر للميت- كما إذا ولد له ولدان من زوجتين و اتفقا في آن الولادة- اشتركا في الحبوة على الظاهر.

المسألة 120:

يعتبر في الولد الذي تكون له الحبوة أن يكون ولد الميت لصلبه، فلا يحبى ولد الولد على الظاهر، و ان لم يكن له ولد لصلبه.

المسألة 121:

لا يشترط في استحقاق الولد الحبوة من تركة أبيه أن يكون بالغا في وقت وفاة أبيه، بل و لا يشترط ان يكون مولودا في حال موته فيستحق الحبوة و ان كان جنينا في بطن أمه مضغة أو علقة إذا ولد حيا كما في الميراث، فإذا ولد حيا كذلك استحق الميراث و استحق الحبوة و ان مات بعد ذلك.

المسألة 122:

يختص الولد المحبو بأعيان الحبوة، سواء كان معه شريك في ميراثه من أبيه أم لم يكن، فإذا انفرد في الميراث و لم يكن معه وارث آخر كانت الأعيان الآنف ذكرها حقا له بالحبوة و كان باقي التركة ملكا له بالميراث.

المسألة 123:

لا يشترط في استحقاق الحبوة أن يكون الولد رشيدا، فهو يستحقها و ان كان سفيها محجورا عليه على الأقوى و قد اشترط بعض الأصحاب رحمهم اللّه في استحقاق الحبوة أن يترك الميت مالا زائدا على أعيان الحبوة، و في اشتراط ذلك تردد و اشكال و لا بد من مراعاة الاحتياط.

المسألة 124:

كل ما يمنع من الميراث يكون مانعا من استحقاق الحبوة، فلا يحبى الولد الأكبر إذا كان كافرا أو مرتدا أو قاتلا للموروث أو عبدا مملوكا أو ولد ملاعنة.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 294

المسألة 125:

إذا كان الولد الأكبر من اتباع المذاهب التي لا تقول بالحبوة لم تثبت له الحبوة إلزاما له بما يقتضيه قول مذهبه الذي يدين به.

المسألة 126:

إذا كان على الأب الميت دين، نسبت قيمة أعيان الحبوة إلى قيمة مجموع التركة، و أصاب الحبوة من الدين مثل تلك النسبة و كان على الولد المحبو أن يفكها بدفع تلك النسبة من الدين، سواء كان الدين مستغرقا للتركة، أم غير مستغرق، فإذا كان الدين مائة دينار مثلا، و كانت قيمة أعيان الحبوة خمس مجموع قيمة التركة فكها المحبو بعشرين دينارا و هي خمس المائة، و إذا كان الدين ثمانين دينارا، و كانت الحبوة سدس التركة فكها المحبو بثلاثة عشر دينارا و ثلث دينار و هي سدس الثمانين، و كذلك الحكم في كل ما يخرج من أصل التركة كالكفن و مؤنة التجهيز.

المسألة 127:

إذا ملك الأب أعيان حبوته كلها أو بعضها شخصا آخر في حياته ثم مات نفذ تمليكه فيها و حرم منها ولده الأكبر، و كذلك إذا أوصى الميت بأعيان الحبوة أو ببعضها لشخص آخر فلا يكون للولد فيها حق الا إذا زادت على ثلثه، فلا تنفذ الوصية في الزائد إلا بالإجازة.

و إذا أوصى بثلث ماله أو بمقدار معين من المال يسعه الثلث، نفذت الوصية من مجموع التركة و أصاب الحبوة من ذلك بنسبة قيمتها إلى قيمة مجموع التركة كما تقدم في المسألة السابقة.

المسألة 128:

إذا رهن الأب أعيان حبوته أو بعضها في حياته على دين في ذمته ثم مات قبل أن يفي الدين و يفك الرهن وجب وفاء الدين من مجموع التركة، و لحق الحبوة من الدين بنسبة قيمتها الى مجموع التركة كما تقدم، و لا يجوز للولد المحبو أن يأخذ حبوته قبل فكها بأداء ما لحقها من الدين لأن حق الرهن مقدم على الحباء.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 295

المسألة 129:

إذا باع الأب أعيان الحبوة في حياته أو باع بعضها و اشترط لنفسه خيار الفسخ إذا رد الثمن على المشتري ثم مات، لم يجب على الورثة من بعده رد الثمن و فسخ البيع، و جاز لهم ذلك، و لا يجوز للولد الأكبر أخذ أعيان الحبوة و التصرف فيها إلا إذا رد الثمن على المشتري و فسخ البيع.

المسألة 130:

إذا اشتبه الولد الأكبر الذي تكون له الحبوة من تركة أبيه بين ولدين أو أكثر و لم يعلم من هو على التعيين، رجع في تعيينه إلى القرعة، فأيهم عينته القرعة أنه الأكبر دفعت إليه أعيان الحبوة.

الفصل السادس في ميراث الاخوة و الأجداد
المسألة 131:

و هذه هي الطبقة الثانية من طبقات الوارثين في النسب، و لا يرث أحد من أهل هذه الطبقة إذا وجد أحد من الطبقة السابقة عليهم، فلا يرث جد و لا جدة و لا أخ و لا أخت و لا أحد من أولاد الاخوة إذا كان للميت أب أو أم أو ابن أو بنت أو أحد من أولادهم و ان تعددت وسائطه، إلا إذا كان الموجود من الطبقة الأولى ممنوعا من الميراث لكفر أو قتل أو عبودية أو لعان.

المسألة 132:

الأخ هو ابن الأبوين بلا واسطة، و ابن الأب وحده و ابن الأم وحدها، و كذلك الأخت، و يطلق على الإخوة كلالة، و يتبع الاخوة و الأخوات أولادهم ثم ذريتهم بطنا بعد بطن و مرتبة بعد مرتبة من الذكور و الإناث، و يراد بالجد أبو الأب، و أبو الأم بلا واسطة أو بواسطة واحدة أو بأكثر، و قد تقدم ان الاخوة و الأخوات و ذريتهم صنف من هذه الطبقة، و الأجداد و الجدات صنف آخر منها.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 296

المسألة 133:

إذا مات رجل أو امرأة و ترك أخا واحدا لأبيه و أمه معا و لم يكن للميت وارثا غيره ورث الأخ التركة كلها بالقرابة، و كذلك الحكم إذا ترك أخا لأبيه خاصة، فيرث المال كله بالقرابة.

و إذا مات و خلف من بعده أختا واحدة لأبيه و أمه و لا غيرها، و ورثت الأخت نصف التركة بالفرض ورد النصف الآخر عليها بالقرابة لانحصار الوارث بها، و مثله ما إذا خلف بعده أختا واحدة لأبيه و لا غيرها فترث التركة كلها بالفرض و الرد و إذا مات الميت و خلف أخا أو أختا لأمه و لا وارث له سواهما، ورث الوارث منهما سدس التركة بالفرض ورد عليه الباقي بالقرابة.

المسألة 134:

إذا مات رجل أو امرأة و ترك من بعده أخوين أو أكثر و كلهم لأبيه و أمه و لا وارث له غيرهم كان المال كله لهم بالقرابة و اقتسموه بينهم بالمساواة إذا كان جميعهم ذكورا، و إذا كانوا مختلفين ذكورا و إناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين، و كذلك إذا ترك أخوين أو اخوة لأبيه خاصة و ليس معهم غيرهم، فيأخذون المال و يقتسمونه بالتساوي أو التفاضل على نهج ما تقدم.

و إذا مات و ترك أختين أو أخوات للأبوين و لا غيرهن كان لهن ثلثا تركته بالفرض ورد الباقي عليهن بالقرابة و اقتسمن المال بالمساواة و مثله ما إذا خلف أختين أو أخوات لأبيه، فيكون ميراثهن على نهج ذلك.

و إذا خلف أخوه لأمه ذكورا أو إناثا أو مختلفين كان لهم ثلث التركة بالفرض ورد الباقي عليهم و قسم الجميع عليهم بالتساوي.

المسألة 135:

لا يرث أخ و لا أخت من الأب شيئا من المال إذا كان للميت أخ أو أخت أو أكثر للأبوين معا، فيكونون محجوبين بهم عن الإرث حجب حرمان، فإذا فقد من يتقرب بالأبوين من الاخوة جميعا، أخذ الإخوة المتقربون بالأب وحده ميراثهم و قاموا مقامهم، و قد تقدمت أمثلة من ذلك.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 297

و لا يحجب الاخوة المتقربون بالأبوين أحدا من الاخوة للأم، فإذا ترك الميت أخا أو اخوة من الأبوين و أخا واحدا أو أختا من الأم كان للواحد من الأم سدس التركة، و ورث الأخ أو الاخوة للأبوين بقية المال، فيختص بها إذا كان واحدا، و يقتسمونها بالسوية إذا كانوا متعددين و كانوا ذكورا، و للذكر مثل حظ الأنثيين إذا كانوا ذكورا و إناثا.

و إذا ترك الميت أخا أو اخوة من

الأبوين و اخوة من الأم، أخذ الاخوة من الأم ثلث التركة و اقتسموه بالتساوي و ان كانوا مختلفين ذكورا و إناثا، و ورث الأخ أو الاخوة من الأبوين بقية المال على سبيل ما تقدم بيانه.

و إذا خلف الميت أخا أو اخوة للأب وحده، و أخا أو اخوة للأم وحدها، ورث الأخ أو الاخوة للأم نصيبهم الآنف ذكره من السدس أو الثلث، و ورث الإخوة للأب باقي المال على سبيل ما ذكرناه في ميراث الأخ و الاخوة من الأبوين.

المسألة 136:

إذا مات رجل أو امرأة و ترك بعده أختا للأبوين، و أخا أو أختا للأم، كان لأخيه أو أخته من أمه سدس التركة، و كان لأخته من أبويه نصف التركة بالفرض و يرد الباقي و هو ثلث التركة عليها بالقرابة، و كذلك إذا ترك أختا للأب و أخا أو أختا للأم، فإن الأخت للأب تقوم مقام الأخت للأبوين عند فقدها في الميراث بالفرض و الرد، و يرث الأخ أو الأخت من الأم سدس التركة خاصة و لا يستحق من الرد شيئا.

و إذا ترك أختا للأبوين أو أختا للأب وحده مع فقد الشقيقة كما قلنا، و ترك معها إخوة للأم، كان لإخوته من أمه ثلث التركة يقتسمونه بينهم بالسوية و ان كانوا مختلفين ذكورا و إناثا، و كان الباقي من المال بالفرض و الرد للأخت من الأبوين وحدها إذا كانت موجودة، و للأخت من الأب وحدها إذا لم تكن له أخت شقيقة.

و إذا مات الميت و خلف أختين أو أخوات للأبوين أو للأب خاصة عند فقد الأشقاء على سبيل ما تقدم، و كان له اخوة للأم، ورث اخوته من

كلمة التقوى، ج 7، ص: 298

أمه ثلث التركة بينهم

بالتساوي و كان للأختين أو الأخوات من الأبوين أو الأب الثلثان بالتساوي أيضا.

و إذا ترك أخوات كذلك للأبوين أو للأب، و أخا أو أختا واحدة للأم، كان للواحد من الاخوة للأم سدس التركة و كان الباقي للأخوات من الأبوين بالفرض و الرد و إذا لم تكن له أخوات شقيقات فالباقي للأخوات من الأب على سبيل ما تقدم بيانه، و قد ذكرنا بعض هذه المسائل في الفصل الرابع.

المسألة 137:

إذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع الاخوة أو الأخوات أخذا نصيبهما الأعلى من التركة فيأخذ الزوج النصف و تأخذ الزوجة الربع و لا يرد عليهما شي ء إذا زادت التركة على السهام و لا ينقص من فرضهما شي ء إذا زادت السهام على التركة و كذلك الحكم إذا اجتمعا مع الأجداد أو مع أولاد الاخوة أو مع الاخوة و الأجداد أو معهم و مع أولاد الاخوة.

المسألة 138:

إذا ماتت امرأة و كان لها زوج و أخ لأبويها، أو أخ لأبيها وحده، ورث زوجها نصف التركة بالفرض، و أخذ أخوها الباقي بالقرابة، و إذا ماتت المرأة و لها زوج و أخت واحدة شقيقة أو أخت لأبيها خاصة، ورث الزوج النصف بالفرض، و ورثت الأخت النصف الآخر بالفرض أيضا.

المسألة 139:

إذا ماتت المرأة و تركت زوجا، و تركت معه أخا واحدا أو أختا واحدة لأمها، ورث الزوج نصف التركة بالفرض، و ورث الأخ أو الأخت من الأم سدس التركة بالفرض و كان له الثلث الباقي بالرد، و إذا تركت زوجا و اخوة أو أخوات لأمها، ورث الزوج النصف بالفرض كما تقدم و أخذ الاخوة من الأم ثلث المال بالفرض ورد السدس الباقي عليهم بالقرابة و اقتسموا نصيبهم بالسواء، و لا يرد على الزوج شي ء.

المسألة 140:

إذا ماتت المرأة و لها زوج و أختان أو أخوات للأبوين أو للأب وحده،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 299

ورث الزوج نصف التركة و أخذه تاما لا نقص فيه، و ورث الأخوات الثلثين، و ما بقي من التركة و هو النصف لا يفي بذلك، فيأخذن ما بقي من التركة و يدخل النقص عليهن خاصة، و يقتسمن ما حصل لهن بالسوية بينهن.

المسألة 141:

إذا ماتت المرأة و لها زوج و اخوة للأبوين أو للأب وحده، ورث الزوج نصف التركة بالفرض و أخذ الإخوة بقية المال بالقرابة و اقتسموها بينهم بالتساوي، و إذا كانوا ذكرانا و أناثا، فللذكر مثل حظ الأنثيين.

المسألة 142:

إذا ماتت الزوجة، و خلفت بعدها زوجا، و أخا واحدا أو اخوة لأبويها، و أخا أو اخوة لأمها، ورث الزوج نصيبه و هو نصف التركة و أخذه تاما لا نقص فيه، و ورث الأخ من أمها إذا كان واحدا نصيبه و هو السدس و أخذه كذلك تاما لا نقص فيه و كان الباقي من التركة و هو الثلث للأخ الشقيق، فيختص به إذا كان واحدا، و يقتسمه مع أشقائه بالسوية إذا كان متعددا و كان جميعهم ذكورا، و يقتسمونه بالتفاضل إذا كانوا ذكورا و إناثا، و يأخذ الاخوة من الأم إذا كانوا متعددين نصيبهم و هو الثلث تاما، و يقتسمونه بينهم بالتساوي، و يكون الباقي من التركة و هو السدس للأخ أو للاخوة الأشقاء على سبيل ما تقدم.

و كذلك الحكم إذا تركت الميتة مع الزوج أخا أو أخوة لأبيها، و أخا أو اخوة لأمها، فيكون الميراث و الاختصاص و التقسيم كما سبق بيانه، فإن الإخوة للأب يقومون مقام الاخوة الأشقاء في كل ما ذكر.

المسألة 143:

إذا ماتت الزوجة و تركت من بعدها زوجا و أختا واحدة لأبويها، أو أختا لأبيها وحده مع فقد الشقيقة، و تركت معهما أخا أو اخوة لأمها، ورث الزوج النصف، و ورث الأخ من الأم نصيبه و هو السدس إذا كان واحدا، و الثلث إذا كان متعددا، و دخل النقص على نصيب

كلمة التقوى، ج 7، ص: 300

الأخت الشقيقة أو الأخت للأب، فتأخذ الباقي من التركة و هو الثلث أو السدس بدلا عن النصف.

المسألة 144:

إذا ماتت الزوجة و لها زوج و اختان شقيقتان أو أكثر و أخ واحد أو اخوة متعددون لأمها، ورث الزوج النصف، و أخذ الأخ أو الاخوة من الأم نصيبهم و هو السدس للواحد و الثلث للمتعدد منهم، و دخل النقص على الأخوات الشقيقات، فيأخذن الباقي و يقتسمنه بالسواء، و كذلك إذا كان الأخوات للأب بدلا عن الأخوات الشقيقات كما تكرر ذكره.

المسألة 145:

إذا مات الرجل و ترك زوجة و أخا واحدا شقيقا، فربع تركته للزوجة، و باقي المال كله للأخ الشقيق، و إذا لم يكن له أخ شقيق، و له أخ واحد لأبيه ورث ميراث الأخ الشقيق، و إذا مات الميت و ترك زوجة و اخوة أشقاء، ورثت الزوجة ربعها، و اقتسم الاخوة الأشقاء بقية التركة بينهم على التساوي إذا كان الجميع ذكورا، و على التفاضل إذا كانوا ذكورا و إناثا، فإذا لم يكن له اخوة أشقاء و كان له اخوة لأبيه قاموا مقام الأشقاء و ورثوا ميراثهم.

و إذا ترك زوجة و أخا لأم ورثت الزوجة ربع التركة و ورث الأخ من الأم سدس التركة بالفرض و أخذ باقي التركة بالرد، و إذا كان اخوته من الأم أكثر من واحد كان لهم ثلث التركة بالفرض و البقية بالرد و اقتسموا ميراثهم بالتساوي.

المسألة 146:

إذا مات الميت و ترك زوجة و أختا شقيقة كان للزوجة الربع، و ورثت الأخت نصف المال بالفرض، و الباقي بالرد، و إذا لم تكن له أخت شقيقة و كانت له أخت للأب ورثت ميراثها.

المسألة 147:

إذا خلف الرجل من بعده زوجة و أخا واحدا أو اخوة لأبويه، و أخا

كلمة التقوى، ج 7، ص: 301

أو اخوة لأمه، ورثت الزوجة ربعها و كان للأخ من الأم سدسه إذا كان واحدا و ثلثه إذا كان متعددا، و ورث الأخ الشقيق بقية المال و اختص بها إذا كان واحدا و اشترك فيها مع أشقائه إذا كانوا متعددين، و إذا كانوا ذكورا و إناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين، و إذا فقد الاخوة الأشقاء و كان للميت إخوة لأبيه قاموا مقامهم و ورثوا ميراثهم.

المسألة 148:

إذا خلف الرجل زوجة و أختين شقيقتين أو أكثر، فللزوجة الربع و للأخوات الثلثان بالفرض و ترد عليهن بقية التركة و هي نصف السدس و لا تستحق الزوجة منها شيئا، و تقوم الأخوات من الأب مقام الأخوات الشقيقات في الميراث إذا فقدن.

المسألة 149:

إذا مات أحد و ترك من بعده زوجة و أختا لأبويه، و ترك معهما أخا أو أخوة لأمه، ورثت الزوجة الربع، و ورث الواحد من كلالة الأم السدس، و أخت الأخت من الأبوين نصف المال بالفرض و أخذت الباقي من التركة و هو نصف السدس بالقرابة، و هذا إذا كان الأخ من الأم واحدا، و إذا كان الاخوة من الأم متعددين ورثوا الثلث من التركة و اقتسموه بينهم بالسوية و أخذت الزوجة ربعها، و نقص فرض الأخت من الأبوين، فتأخذ الباقي من التركة و هو أقل من نصيبها بنصف سدس.

و إذا لم تكن للميت أخت للأبوين و كانت له أخت للأب قامت مقامها في الميراث المذكور و استحقت نصيبها.

المسألة 150:

إذا مات أحد و كانت له زوجة و أختان شقيقتان أو أكثر، و له أخ واحد من الأم أو أكثر من واحد، ورثت زوجة الميت ربع تركته تاما، و أخذ الواحد من كلالة أمه سدس التركة تاما، و استحق الأخوات الشقيقات باقي المال و هو أقل من نصيبهن بنصف سدس، و إذا كان الاخوة من الأم أكثر من واحد ورثوا ثلث التركة و ورثت الزوجة ربعها، و كان نصيب الأخوات الشقيقات أقل من فرضهن و هو الثلثان بسدس

كلمة التقوى، ج 7، ص: 302

و نصف، و تقوم الأخوات من الأب مقام الأخوات الشقيقات إذا فقدن فيرثن الباقي من التركة و يدخل عليهن النقص في كلا الفرضين أيضا.

المسألة 151:

إذا ترك الميت جده لأبيه و ليس له وارث آخر، ورث الجد جميع التركة من غير فرق بين الجد القريب و الجد مع الواسطة كجد الأب وجد الجد إذا اتفق وجوده، و مثله في الحكم ما إذا ترك جده لأمه بواسطة أو بغير واسطة فيرث الجد المال كله إذا لم يكن للميت وارث غيره، و كذلك الجدة للأب و الجدة للأم، فترث التركة عند انفرادها و انحصار الإرث بها.

المسألة 152:

إذا مات الشخص و ترك جده أبا أبيه وجدته أم أبيه و لا غيرهما ورث الجد ثلثي التركة و ورثت الجدة ثلثها، و كذلك إذا خلف الميت جد أبيه و جدة أبيه بلا واسطة أو مع الواسطة فيكون للجدة الثلث و للجد الثلثان إذا كانا يتقربان الى الميت بالأب كما ذكرنا و كانا في مرتبة واحدة، و إذا اختلف الجد و الجدة في المرتبة فكان أحدهما بلا واسطة و الآخر مع الواسطة أو كان أحدهما بواسطة و الثاني بواسطتين منع الأقرب الأبعد من الميراث.

المسألة 153:

إذا مات الشخص و ترك جده أبا أمه وجدته أم أمه، و ليس له وارث غيرهما ورثا جميع التركة و اقتسماها بينهما بالتساوي، و كذلك إذا خلف جد أمه وجدتها بلا واسطة أو مع الواسطة فيرثان جميع المال و يقتسمانه بالسوية إذا كان الجد و الجدة في مرتبة واحدة و كانا يتقربان الى الميت بالأم، و إذا اختلفا في المرتبة كما ذكرنا في المسألة المتقدمة منع الأقرب الأبعد من الميراث.

المسألة 154:

إذا خلف الميت من بعده جده أبا أبيه وجده أبا أمه و انحصر الوارث بهما، ورث الجد أبو الأب ثلثي التركة و هو نصيب الأب، لأنه يتقرب الى الميت به، و ورث الجد أبو الأم ثلث التركة و هو نصيب الأم، لأنه

كلمة التقوى، ج 7، ص: 303

يتقرب الى الميت بها، و كذلك إذا ترك الميت جدته أم أبيه، و جده أبا أمه أو جدته أم أمه، فيكون للجدة أم الأب الثلثان نصيب الأب، و للجد أبي الأم أو الجدة أم الأم ثلث التركة و هو نصيب الأم.

المسألة 155:

إذا ترك الميت من بعده جده أبا أبيه وجدته أم أبيه، و ترك معهما جده أبا أمه وجدته أم أمه، ورث جده وجدته لأبيه ثلثي التركة كما بينا في ما تقدم و اقتسما النصيب بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، و ورث جده وجدته لأمه ثلث التركة، و اقتسماه بينهما بالتساوي فللذكر مثل حظ الأنثى.

المسألة 156:

الأجداد و الجدات صنف واحد من طبقتهما في النسب، فإذا اختلفوا في المرتبة منع القريب البعيد، فيمنع الجد أو الجدة بلا واسطة الجد و الجدة بواسطة، و يمنع من يتقرب منهم الى الميت بواسطة واحدة من يتقرب اليه بواسطتين سواء كان المانع القريب و الممنوع البعيد كلاهما ممن يتقرب الى الميت بالأب أم ممن يتقرب بالأم، أم كان أحدهما ممن يتصل بالأب و الثاني ممن يتصل بالأم.

المسألة 157:

إذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع الجد أبى الأب أو مع الجدة أم الأب، أو مع الجد أبي الأم أو الجدة أم الأم، ورث الزوج أو الزوجة نصيبه الأعلى فيأخذ الزوج النصف و تأخذ الزوجة الربع، و كانت البقية من التركة للجد الوارث أو الجدة الوارثة.

و إذا اجتمع الزوج مع جد امرأته الميتة وجدتها و كلاهما لأبيها ورث زوجها نصف التركة و كان الباقي لجدها وجدتها و اقتسما نصيبهما للذكر مثل حظ الأنثيين، و كذلك إذا مات الزوج و ترك زوجته وجده وجدته لأبيه فتأخذ الزوجة الربع، و يقسم الباقي بين جد الميت وجدته بالتفاضل.

المسألة 158:

إذا ماتت المرأة و تركت زوجا و جدا و جدة من قبل أمها، ورث

كلمة التقوى، ج 7، ص: 304

الزوج النصف و اقتسم جد الميتة وجدتها بقية المال بالسواء ما بينهما، و كذلك إذا مات الرجل و ترك زوجته وجده وجدته لأمه، فتأخذ الزوجة الربع و يقسم الباقي بين جد الميت وجدته للأم بالتساوي.

المسألة 159:

إذا ماتت المرأة و تركت بعدها زوجا وجدا لأب وجدا لأم، ورث زوجها نصف التركة و أخذ جدها أبو أمها ثلث التركة و دخل النقص على نصيب جدها لأبيها فيكون له الباقي و هو سدس التركة، و مثله ما إذا تركت الميتة زوجا و جدا لأب، و تركت معهما جدا و جدة لأم، فيرث الزوج النصف، و يرث جدها وجدتها أبوا أمها ثلث التركة يقتسمانه بالسوية و يكون الباقي و هو السدس للجد أبى الأب، و كذلك إذا تركت زوجا و جدا و جدة لأب، و تركت معهم جدا لأم، أو جدة لأم أو تركت كليهما، فللزوج النصف، و لجدها أو جدتها لأمها أو لكليهما ثلث التركة بالسوية و الباقي و هو السدس لجدها وجدتها لأبيها للذكر مثل حظ الأنثيين.

المسألة 160:

و على النهج السابق بيانه يجري الحكم في الزوجة إذا اجتمعت مع الأجداد في نظير الفروض المتقدمة، فتأخذ الزوجة ربع التركة في جميع الحالات، و يأخذ الجد الموجود أو الجدة الموجودة أو كلاهما بقية التركة عند الانفراد، و يأخذ المتقرب بالأم جدا أو جدة أو كلاهما ثلث التركة تاما، ثم يكون الباقي للمتقرب بالأب عند الاجتماع.

المسألة 161:

الجد و الجدة يقاسمان الاخوة الميراث إذا اجتمعا معهم على التفاصيل الآتي بيانها، من غير فرق بين أن يكون الجد و الجدة قريبين في المرتبة إلى الميت أو بعيدين عنه بواسطة أو أكثر، فلا يحجب الأخ الجد عن الميراث و ان تعددت واسطته كجد الأب وجد الجد، و يقاسمان أولاد الاخوة في الميراث إذا اجتمعا بهم عند فقد الاخوة، فلا يحجب الجد و ان كان قريبا ابن الأخ أو الأخت عن الميراث و ان تعددت واسطته.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 305

المسألة 162:

إذا اجتمع الأجداد مع الاخوة في الميراث و اتحدت جهة النسب بينهما كان الجد بمنزلة الأخ، فالجد للأب بمنزلة الأخ للأبوين أو الأب فيرث كميراثه و يقاسمه في الحصة، و الجدة من قبل الأب بمنزلة الأخت للأبوين أو الأب ترث ميراثها و تقاسمها في الحصة، و الجد من قبل الأم بمنزلة الأخ للأم يرث ميراثه و يقاسمه نصيبه، و لا ينزل الجد منزلة الأخ إذا لم يتحد معه في جهة النسب و ان اجتمع معه في الميراث.

و مثال ذلك أن يموت شخص و له أخ أو اخوة لأبيه وجد لأمه، فلا يكون هذا الجد بمنزلة الأخ للأم لعدم وجود أخ لأم للميت، و لا بمنزلة الأخ للأب لعدم اتحاده معه في جهة النسب، فلا يرث ميراث الأخ، بل يرث ميراث الجد للأم و هو ثلث التركة كما ذكرناه في المسألة المائة و الرابعة و الخمسين. و مثال ذلك أيضا أن يموت انسان و له جد لأبيه و اخوة لأمه، فلا يكون هذا الجد بمنزلة الأخ للأب لعدم وجوده و لا بمنزلة الأخ للأم لعدم اتحاده معه في جهة النسب، بل يرث نصيب الجد للأب

و هو الثلثان، و سنوضح تفاصيل ذلك ان شاء اللّه تعالى.

المسألة 163:

إذا مات أحد و ترك جدا أو جدة أو أكثر من ذلك و كانوا جميعا من قبل أبيه، و خلف معهم أخا أو أختا أو أكثر من ذلك و كلهم لأبويه أو لأبيه خاصة، كان الجد بمنزلة الأخ، و كانت الجدة بمنزلة الأخت، لاتحاد جهة النسب ما بينهم، فكلهم يتقرب الى الميت من جهة أبيه، فيقسم المال بينهم كما يقسم بين الإخوة للأب، فإن كان الجميع ذكورا أو كان الجميع إناثا اقتسموا المال بالسواء، و ان كانوا مختلفين ذكورا و إناثا اقتسموه بالتفاضل بينهم فللذكر مثل حظ الأنثيين.

المسألة 164:

إذا مات الميت و ترك جدا أو جدة أو أكثر من ذلك و كانوا جميعا من قبل امه، و خلف معهم أخا واحدا أو أختا أو أكثر من ذلك و كلهم من قبل أمه أيضا، ورث الأجداد و الاخوة كلهم ميراث الأخوة للأم،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 306

فيقسمون التركة ما بينهم بالتساوي و ان كان بعضهم ذكورا و بعضهم إناثا.

المسألة 165:

إذا خلف الإنسان بعد موته جدا أو أجدادا من قبل أبيه و معهم اخوة من قبل أبيه أيضا، و ترك كذلك جدا أو أجدادا من قبل أمه، و معهم اخوة من قبل أمه أيضا ورث المتقربون بالأم من الأجداد و الاخوة ثلث التركة، و اقتسموه ما بينهم بالتساوي سواء كانوا ذكورا أم إناثا أم مختلفين كما هو الحكم في ميراث الاخوة من الأم، و ورث الفريق الآخر المتقرب بالأب من الأجداد و الاخوة ثلثي التركة، و اقتسموه بالتساوي إذا كان جميعهم ذكورا، أو إناثا، و إذا كانوا متفرقين ذكورا و إناثا اقتسموه بالتفاضل فللذكر ضعف نصيب الأنثى.

المسألة 166:

إذا ترك الإنسان بعد موته جدا واحدا أو أجدادا متعددين و كلهم من قبل أبيه خاصة، و خلف معهم أخا أو اخوة من قبل أمه خاصة، ورث الأخ أو الأخت من الأم إذا كان واحدا سدس التركة، و إذا كان الاخوة من الأم أكثر من واحد ورثوا ثلث التركة، و اقتسموه بينهم بالمساواة، و ورث الجد أو الأجداد من قبل الأب بقية المال فيكون لهم خمسة أسداس التركة في الصورة الأولى، و يكون لهم الثلثان في الصورة الثانية، فيختص به الجد أو الجدة إذا كان الوارث منهم متحدا، و يقتسمونه بالتساوي إذا كانوا متعددين و كان الجميع ذكورا أو كان الجميع إناثا، و إذا كانوا مختلفين ذكورا و إناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين.

المسألة 167:

إذا مات أحد و ترك من بعده جدا واحدا أو أجدادا متعددين من قبل أمه، و ترك معهم أخا أو اخوة متعددين من قبل أبيه ورث الجد المتقرب بالأم إذا كان واحدا ثلث التركة و اختص به، و كذلك إذا كان جدة منفردة، و اقتسموا الثلث بالمساواة إذا كانوا متعددين كما هو الحكم في ميراث من يتقرب بالأم، و ورث الأخ من الأب ثلثي التركة، و يختص

كلمة التقوى، ج 7، ص: 307

به إذا كان واحدا و يقتسمه بالتساوي مع إخوته إذا كانوا متعددين و كان الجميع ذكورا، و بالتفاضل إذا كانوا ذكورا و إناثا.

المسألة 168:

إذا مات الميت و ترك من بعده جدا واحدا أو أجدادا لأمه، و ترك معهم أختين أو أكثر لأبويه أو لأبيه خاصة، ورث الجد أو الأجداد من قبل أمه ثلث التركة على سبيل ما تقدم بيانه في ميراث الأجداد من الأم، و ورثت الأختان للأبوين أو الأب ثلثي التركة.

المسألة 169:

إذا ترك الميت من بعده جدا واحدا أو أجدادا من قبل أمه كما في الفرض المتقدم و ترك معهم أختا واحدة لأبويه أو لأبيه خاصة، كان ميراث الجد الواحد أو الأجداد المتعددين لأمه كما تقدم، و ورثت الأخت نصف التركة، و لا يترك الاحتياط بالمصالحة بين الأخت و الأجداد في السدس الباقي من التركة زائدا عن الفريضة.

المسألة 170:

إذا مات الشخص و ترك جدا واحدا أو أجدادا و كلهم من قبل أبيه، وجدا أو أجدادا من قبل أمه، و ترك معهم أخا أو أخوة لأبيه، ورث الفريق المتقرب بالأم ثلث التركة، فيختص به إذا كان جدا واحدا أو جدة و يقتسمه الفريق بالسوية إذا كان أجدادا متعددين، و ورث الفريض المتقرب بالأب من اخوة و أجداد ثلثي التركة فيقتسمونه بالمساواة إذا كان جميعهم ذكورا و بالتفاضل إذا كانوا ذكورا و إناثا، فللذكر مثل حظ الأنثيين.

المسألة 171:

إذا مات الميت و ترك من بعده جدا أو أجدادا من قبل أبيه، وجدا أو أجدادا من قبل أمه كما في الفرض المتقدم و ترك معهم أخا أو اخوة لأمه، ورث الفريق المتقرب بالأم من اخوة و أجداد ثلث التركة و تقاسموه بينهم بالسوية، و ورث الأجداد المتقربون بالأب ثلثي التركة، و اقتسموه بالتساوي إذا كانوا ذكورا أو إناثا و بالتفاضل إذا كانوا مختلفين ذكورا و إناثا، و اختص به إذا كان جدا واحدا أو جدة واحدة.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 308

المسألة 172:

إذا مات الميت و ترك من بعده جدا أو أجدادا متعددين لأبيه و ترك معهم اخوة لأبيه أيضا و اخوة لأمه، ورث المتقرب بالأم إذا كان أخا واحدا أو أختا واحدة سدس التركة، و ورث ثلث التركة إذا كان اخوة أو أخوات متعددة و اقتسموه بالسوية، و ورث الاخوة و الأجداد من قبل أبيه بقية المال في كلتا الصورتين فلهم خمسة أسداس التركة إذا كان الأخ للأم واحدا و لهم الثلثان إذا كان متعددا، و اقتسموا النصيب بالتساوي إذا اتحدوا في الذكورة و الأنوثة، و اقتسموه بالتفاضل إذا اختلفوا فيهما.

المسألة 173:

إذا ترك الميت جدا أو أجدادا من قبل أمه خاصة، و ترك معهم اخوة من قبل أبيه و اخوة من قبل أمه، ورث من يتقرب بالأم من الاخوة و الأجداد ثلث التركة و اقتسموه بالسوية، و كان الباقي للأخ أو الاخوة من الأب على نهج ما تقدم بيانه مرارا.

المسألة 174:

قد تجتمع للإنسان في الوجود و لو نادرا أجداد متعددون من قبل أبيه أو من قبل أمه من الذكور أو من الإناث أو من كليهما في الطبقات العليا من الأجداد و الجدات كأجداد الأب و أجداد الجد، فأجداد الإنسان القريبون إليه أربعة، جد و جدة لأبيه، و جد و جدة لأمه، و أجداد أبيه أربعة و أجداد أمه أربعة، و هكذا كلما بعدت المرتبة تضاعف العدد و من أجل ذلك ذكرنا الأمثلة لاجتماع الأجداد في المسائل المتقدمة، فليتنبه لذلك.

المسألة 175:

الأجداد و الجدات صنف واحد، و لذلك فيمنع الأقرب الى الميت منهم من هو أبعد منه من الميراث إذا اجتمع به، فلا يرث جد الأب و لا جد الأم، إذا وجد جد للميت نفسه من قبل أبيه أو أمه، و لا يرث جد جده إذا وجد له جد أب أو جد أم، و قد استثنى بعض الأكابر من ذلك ما إذا

كلمة التقوى، ج 7، ص: 309

لم يزاحم الجد البعيد الجد القريب في ميراثه، و قد ذكر موردين لا تحصل فيهما المزاحمة.

أحدهما: أن يترك الميت من بعده أخوه لأمه وجدا قريبا من قبل أبيه، و يترك معهما جدا بعيدا من قبل أمه، فان اخوة الميت لأمه يستحقون ثلث التركة، و الجد البعيد من قبل الأم إذا ورث فإنما يرث من هذا الثلث و يشارك الاخوة فيه، و لا يزاحم الجد للأب في نصيبه و هو الثلثان الباقيان، و لذلك فلا يكون الجد القريب مانعا للجد البعيد ان يشارك الاخوة في الثلث.

الثاني: أن يترك الميت من بعده إخوة لأبيه وجدا قريبا من قبل أمه، و يترك معهما جدا بعيدا من قبل أبيه، فإن الجد القريب من جهة

الأم يأخذ ثلث التركة تاما من غير مزاحمة، و الجد البعيد من قبل الأب إنما يشارك الإخوة للأب في الثلثين الآخرين من التركة، فلا يمنعه الجد للأم من ذلك لعدم المزاحمة.

و ما أفاده في ذلك له وجه قوي من حيث الاعتبار الموجب لانصراف الأدلة عن المنع في الموردين، و لكن الأحوط إيقاع المصالحة بين الجد البعيد و من يشاركه من الاخوة في الميراث في كلا الموردين بل لا يترك هذا الاحتياط.

المسألة 176:

لا يرث أولاد إخوة الميت مع وجود أحد من اخوته، و ان اختلفوا في جهة النسب، فلا يرث أولاد أخي الميت لأبيه و أمه، و لا أولاد أخته كذلك، إذا وجد أخ أو أخت من أبيه، و لا يرث أولاد أخيه أو أخته لأبويه أو لأبيه خاصة، إذا وجد أخ له من أم أو أخت له من أم، فقد تبين أن الأقرب يمنع الأبعد من الميراث إذا كانا من صنف واحد، و تلاحظ المسألة الآتية و ما فيها من الاحتياط في بعض فروض هذه المسألة.

المسألة 177:

استثنى بعض الأساتذة من الحكم المذكور في المسألة السابقة ما إذا

كلمة التقوى، ج 7، ص: 310

كان ابن أخي الميت لا يزاحم أخا الميت في ميراثه، فلا يكون الأخ في هذه الصورة مانعا عن ميراث ابن الأخ نظير ما تقدم في المسألة المائة و الخامسة و السبعين، و ذكر لذلك موردا واحدا، و هو أن يترك الميت من بعده أخا له من أبيه وجدا من قبل أمه، و يترك معهما ابن أخ من قبل أمه أيضا، فإن الجد من قبل الأم يستحق ثلث التركة و يكون الباقي من التركة و هو الثلثان ميراثا للأخ من قبل الأب لا يزاحمه فيه أحد، و ابن الأخ من قبل الأم إذا ورث فإنما يشارك الجد أبا الأم في الثلث، فلا يكون الأخ للأب مانعا عن ميراث ابن الأخ للأم في هذه الصورة، و هذا الاستثناء غير بعيد من حيث الاعتبار الموجب للانصراف كما ذكرنا في نظيره قبل مسألتين، و لكن الاحتياط بالمصالحة بين ابن الأخ للأم و الجد للأم في مشاركته ميراثه لا يترك.

المسألة 178:

إذا فقد الاخوة و الأخوات من الأبوين و من الأب خاصة و من الأم خاصة، أو كان الموجود منهم ممنوعا من الإرث لكفر أو قتل أو رق أو لعان، ورث الميت أبناء أخيه إذا وجدوا، و قاموا مقام آبائهم في الميراث، و في مقاسمة الأجداد إذا كانوا موجودين، و في منع المراتب و الطبقات المتأخرة عنهم من الوارثين، فلا يرث العم و لا الخال و لا أحد من طبقتهما مع ابن الأخ أو ابن الأخت إذا وجد، و لا يرث ولد ولد الأخ أو ولد ولد الأخت مع وجود ولد أخيه لصلبه أو وجود

ولد أخته بلا واسطة و هكذا مع تنازل المراتب فيمنع الأقرب الأبعد منهم.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 7، ص: 310

المسألة 179:

يرث ولد الأخ نصيب أبيه إذا فقد أو منع من الميراث لبعض الموانع الشرعية منه، سواء كان الولد واحدا أم متعددا، و ذكرا أم أنثى، و يرث ولد الأخت نصيب أمه كذلك على النحو المذكور، فيقدر الأخ أبو الولد موجودا و وارثا عند وفاة أخيه الميت و ان لم يكن موجودا أو وارثا بالفعل، فما يستحقه من تركة أخيه شرعا يكون ميراثا لولده الموجود بالفعل، و تقدر الأخت أم الولد موجودة و وارثة عند وفاة أخيها الميت، فما تستحقه من تركته يكون ميراثا لولدها الموجود بالفعل.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 311

المسألة 180:

إذا مات الشخص و ترك من بعده ولد أخ لأبويه أو لأبيه خاصة، ورث جميع المال بالقرابة لعمه الميت، فان ذلك هو نصيب أبيه لو كان هو الوارث، فإذا كان الولد واحدا، أخذ المال كله بالقرابة إذا كان ذكرا، و أخذته بالفرض و الرد إذا كانت أنثى، و إذا كانوا أولادا متعددين اقتسموا المال بينهم بالسواء إذا كانوا ذكورا أو كانوا إناثا، و اقتسموه بالتفاضل إذا اختلفوا ذكورا و إناثا.

المسألة 181:

إذا مات الشخص و ترك من بعده أولاد أخوين أو أولاد إخوة لأبويه أو لأبيه خاصة، كان لكل فريق من الأولاد نصيب أبيه من التركة، فإذا كانوا أولاد أخوين كان لكل فريق نصف التركة و إذا كانوا أولاد ثلاثة اخوة كان لكل فريق ثلث التركة، و هكذا، ثم اقتسم كل فريق نصيبه الذي استحقه على سبيل ما تقدم بيانه في المسألة السابقة، فيختص به إذا كان ولدا واحدا، و يقتسمه بالسواء إذا كان أولادا متعددين و متحدين في الذكورة أو الأنوثة، و يقتسمونه بالتفاضل إذا تعددوا ذكورا و إناثا.

المسألة 182:

إذا ترك الميت من بعده أولاد اخوة و أخوات لأبويه أو لأبيه خاصة، قسم المال على اخوة الميت و أخواته آباء الأولاد الوارثين للذكر مثل حظ الأنثيين، و ورث الفريق من الأولاد نصيب أبيهم إذا كانوا أولاد أخ ذكر، و نصيب أمهم إذا كانوا أولاد أخت، و اقتسم كل فريق نصيبه على النحو المتقدم ذكره.

المسألة 183:

إذا ترك الميت من بعده أولاد أخت واحدة لأبويه أو لأبيه خاصة ورث أولادها جميع التركة بالفرض و الرد كما هو الحكم في ميراث أمهم، و اقتسموا المال على سبيل ما تقدم، و كذلك إذا ترك الميت من بعده أولاد أختين أو أولاد أخوات لأبويه أو لأبيه خاصة، فيرث الأولاد المال

كلمة التقوى، ج 7، ص: 312

كله بالفرض و الرد كما هو الحكم في ميراث أمهاتهم و اقتسموه بينهم كما سبق تفصيله.

المسألة 184:

إذا خلف الميت من بعده أولاد أخ أو أخت من قبل أمه، و لم يخلف وارثا سواهم استحق أولاد الأخ أو الأخت سدس التركة بالفرض و ورثوا بقية التركة بالقرابة، و اقتسموا الجميع ما بينهم بالسواء و ان كانوا ذكورا و إناثا، و إذا كان ولد الأخ أو الأخت للأم واحدا اختص بالتركة كلها.

و إذا خلف الميت أولاد اخوة أو أخوات متعددة من قبل أمه، قسم المال على عدد الاخوة و الأخوات الآباء بالسوية، و كان لكل فريق من أولادهم نصيب أبيه أو نصيب أمه يقتسمه بالسواء ما بين أفراده كذلك.

المسألة 185:

إذا خلف الميت من بعده أولاد أخ لأمه و أولاد أخ لأبويه أو لأبيه خاصة، كان لأولاد الأخ أو الأخت من أمه سدس التركة و اقتسموه بالسواء، و كان بقية المال لأولاد الأخ من الأبوين أو من الأب خاصة، و اقتسموه بالسواء أو بالتفاضل بينهم على نهج ما سبق تفصيله.

المسألة 186:

إذا ترك الميت من بعده أولاد إخوة متعددين من قبل أمه، و أولاد أخ واحد أو أخوة متعددين لأبويه أو لأبيه خاصة كان لأولاد الاخوة من الأم ثلث التركة، فيقسم الثلث على عدد الإخوة آبائهم بالسواء و يختص كل فريق من أولادهم بحصة أبيه من الثلث و تقسم الحصة بين أفرادهم بالسواء، و كان الباقي من التركة و هو الثلثان لأولاد الأخ للأبوين أو الأب فيقتسمونه بالتساوي أو التفاضل كما سبق، و إذا تعدد الإخوة آباؤهم قسم باقي التركة بين الاخوة أنفسهم على نهج ما مضى و كان نصيب كل واحد من الاخوة لأولاده يقسم بينهم كذلك.

المسألة 187:

إذا كان للميت ولد أخ للأبوين أو أولاد أخ أو اخوة للأبوين و وجد

كلمة التقوى، ج 7، ص: 313

معهم ولد أو أولاد لإخوة من أبيه خاصة لم يرث أولاد أخيه من أبيه من التركة شيئا و حجبهم أولاد الأخ الشقيق عن الميراث حجب حرمان، و ان كان الوارث الموجود بنت أخ شقيق أو ولد أخت شقيقة أو بنت أخت شقيقة، و قد ذكرنا هذا الحكم في المسألة السابعة و الستين.

المسألة 188:

إذا فقد اخوة الميت جميعا و فقد أولادهم لأصلابهم، ورث الميت أولاد ولد أخيه على التفاصيل التي تقدم ذكرها في أولادهم بلا واسطة، و كذلك إذا وجد بعضهم و كان الموجود ممنوعا من الإرث، و هكذا إذا تعددت المراتب و الوسائط، و الأقرب منهم يمنع الأبعد.

المسألة 189:

إذا اجتمع الزوج مع أولاد الأخ أو الأخت ورث نصيبه الأعلى و هو النصف، و إذا اجتمعت الزوجة معهم ورثت الربع، و جرت التفاصيل التي تقدم بيانها في اجتماع الزوجين مع اخوة الميت أنفسهم، و لا ضرورة لإعادتها.

الفصل السابع في ميراث الأعمام و الأخوال
المسألة 190:

هذه هي الطبقة الثالثة من الوارثين من النسب، و انما يرث أفراد هذه الطبقة إذا فقد من قبلهم من طبقة الآباء و الأولاد، و من الأجداد و الأخوة و أبنائهم، أو كان الموجود منهم ممنوعا من الإرث شرعا، هنالك فقط يستحق أفراد هذه الطبقة ميراث قريبهم الميت، و يكونون أولى به في كتاب اللّه، و تتناولهم الآية الكريمة في الحكم درجة بعد درجة متصاعدة في كل من الأعمام و الأخوال، و مرتبة بعد مرتبة متنازلة في أبناء كل درجة منهم.

المسألة 191:

العم هو أخو رجل ينتمي إليه الإنسان بالولادة، سواء كان الرجل أباه بلا واسطة أم مع الواسطة، و العمة هي أخت ذلك الرجل، و الخال

كلمة التقوى، ج 7، ص: 314

هو أخو امرأة ينتمي إليها الإنسان بالولادة كذلك، سواء كانت أمه بلا واسطة أم مع الواسطة، و الخالة هي أخت تلك المرأة، و لذلك فتكون للعمومة و الخؤولة درجات متصاعدة.

فالعم هو أخو أبي الميت لأبيه و أمه، أو لأبيه خاصة، أو لأمه خاصة، و العمة هي أخت أبي الميت للأبوين كليهما أو لأحدهما خاصة، و الخال هو أخو أم الميت لأبيها و أمها، أو لأبيها خاصة أو لأمها خاصة، و الخالة هي أخت أمه لأبويها أو لأحد أبويها خاصة، و هؤلاء هم الدرجة الأولى من الأعمام و الأخوال.

و العم أيضا أخو جد الميت القريب، و العمة أخت جده و الخال أخو جدته القريبة و الخالة أخت جدته على نهج ما ذكرناه في نسبتهم من كلا الأبوين أو من أحدهما، و هؤلاء هم الدرجة الثانية من الطبقة، و العم أيضا أخو جد أبي الميت و العمة أخت جد أبيه، و الخال أخو جدة أمه و الخالة

أخت جدة أمه للأبوين أو للأب أو للأم خاصة، و هذه هي الدرجة الثالثة منهم، و هكذا كلما ارتفع النسب درجة ارتفعت العمومة و الخؤولة معها درجة.

و لكل واحدة من هذه الدرجات أبناء أعمام و أبناء عمات و أبناء أخوال و أبناء خالات يتنازلون مع توالد الأبناء مرتبة بعد مرتبة، و قد ذكرنا هذا من قبل.

و من هذه الطبقة أيضا أعمام الأم و عماتها و أخوالها و خالاتها و أعمام أم الأب و أخوالها درجة بعد درجة و أبناؤهم مرتبة بعد مرتبة ما دامت صلتهم بالميت تعد في نظر أهل العرف قرابة و رحما، حتى تتناهى في البعد و تسقط الرحم لكثرة البعد في نظر العقلاء. و الأعمام و الأخوال و درجاتهم و أبناؤهم بحكم صنف واحد، فيحجب الأقرب في الدرجة أو في المرتبة منهم الأبعد.

المسألة 192:

إذا مات الميت و ترك من بعده عما و لم يترك معه وارثا آخر، ورث العم المال كله، سواء كان أخا أبيه، أم أخا جده القريب أم أخا أحد

كلمة التقوى، ج 7، ص: 315

أجداده الآخرين من قبل أبي الميت أو من قبل أمه، و سواء كانت أخوته لأبي الميت أو لجده للأبوين أم للأب خاصة أم للأم خاصة، فيستحق المال بالقرابة لانحصار الوارث به. و كذلك إذا مات الميت و ترك عمة واحدة على الوصف الذي بيناه في العم و لم يترك سواها، فيكون لها ميراث الميت كله بالقرابة.

المسألة 193:

إذا مات الشخص و ترك من بعده عمين أو أعماما ذكورا متساوين في الدرجة و متحدين في جهة النسب، فكلهم اخوة أبي الميت مثلا أو اخوة أبي أبيه أو اخوة أحد أجداده الآخرين، و كلهم اخوة ذلك الأب أو الجد لأبويه أو لأبيه خاصة أو لأمه خاصة، و لم يترك سواهم من الوارثين، ورث الأعمام المذكورون جميع المال و اقتسموه بالمساواة بينهم، و كذلك إذا مات الميت و ترك عمتين أو عمات على الوصف الذي ذكرناه، متساويات في الدرجة و متحدات في جهة النسب و لم يترك وارثا سواهن ورثت العمات المال و اقتسمنه بالسواء بينهن.

المسألة 194:

إذا مات الشخص و ترك من بعده عما أو أعماما متعددين و ترك معهم عمة أو عمات، و كان جميعهم متساوين في الدرجة و متحدين في جهة النسب على الوصف الذي ذكرناه، ورثوا المال كله كما تقدم في نظيره لانحصار الوارث بهم و اقتسموا المال بينهم بالتفاضل، فللذكر مثل حظ الأنثيين، من غير فرق بين ان يكونوا اخوة أبي الميت أو اخوة جده من قبل أمه أو من قبل أبيه أو من قبل أبويه كليهما على الأقوى.

المسألة 195:

إذا مات الميت و ترك أعماما و عمات وارثين من درجة واحدة و لكنهم مختلفون في جهة النسب فبعضهم اخوة أبي الميت من أبويه كليهما و بعضهم اخوته من أبيه و بعضهم اخوته من أمه، لم يرث الميت أعمامه من قبل الأب خاصة و كان الميراث للأعمام من الأبوين و من الأم خاصة، و أشكل الحكم في تقسيم التركة عليهم.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 316

و قد أفتى المشهور من العلماء بأن المتقرب بالأم يجري فيه حكم كلالة الأم، فإذا كان عما واحدا أو عمة واحدة ورث السدس وحده، و إذا كان متعددا ورث ثلث التركة و اقتسموه بالتساوي فللذكر مثل حظ الأنثى، و ان ما زاد من التركة على السدس في الفرض الأول و على الثلث في الفرض الثاني يكون للأعمام المتقربين بالأبوين و يتقاسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، فإذا فقد المتقربون بالأبوين قام الأعمام المتقربون بالأب وحده مقامهم في ميراثهم على النحو المذكور.

و لا يبعد أن يكون الأعمام المتقربون بالأم كالأعمام المتقربين بالأبوين في الإرث من جميع المال لا من السدس و الثلث على الخصوص و أن ميراثهم جميعا بالتفاضل، فإذا فقد المتقربون بالأبوين قام المتقربون

بالأب وحده مقامهم، و لكن الأحوط إيقاع المصالحة بينهم في ذلك بل لا يترك الاحتياط فيه.

المسألة 196:

إذا ترك الميت من بعده خالا و لم يترك وارثا غيره، ورث الخال التركة كلها سواء كان أخا أم الميت أم أخا جدته لأمه أم أخا احدى جداته الأخرى القريبة أو البعيدة، و سواء كانت اخوته لأم الميت أو لجدته من قبل كلا الأبوين أم للأب خاصة أم للأب خاصة، فيستحق المال كله لانحصار الوارث به، و مثله في الحكم ما إذا ترك الميت خالة كذلك و انفردت بالميراث فترث المال كله.

المسألة 197:

إذا خلف الميت من بعده خالين أو أخوالا ذكورا متساوين في الدرجة و متحدين في جهة النسب على الوجه الذي ذكرنا في العم في المسألة المائة و الثالثة و التسعين، و لم يكن له وارث سواهم ورث الأخوال المال كله و اقتسموه بالمساواة بينهم، و مثله في الحكم ما إذا ترك خالتين أو خالات متعددة على الوصف المذكور فهن متساويات في الدرجة و متحدات في نسبتهن إلى أم الميت أو الى جدته فيرثن التركة و يقتسمنها على السواء بينهن.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 317

المسألة 198:

إذا مات أحد و ترك من بعده خالا واحدا أو أكثر و ترك معه خالة واحدة أو أكثر، و هم من أهل درجة واحدة، و متحدون في جهة النسب للميت، فكلهم اشقاء أمه مثلا لأبويها أو كلهم اخوانها لأبيها فقط، أو لأمها فقط، ورثوا المال جميعا، و المشهور أنهم يقتسمون المال بينهم بالسواء فللذكر مثل حظ الأنثى، و الأحوط الرجوع الى المصالحة بينهم في ذلك.

المسألة 199:

إذا مات أحد و ترك أخوالا متفرقين في جهة نسبهم الى الميت فبعضهم اخوان أمه من قبل أبويها، و بعضهم اخوانها لأبيها خاصة و بعضهم اخوانها لأمها، اختص الميراث بالأخوال المتقربين بالأبوين و الأخوال المتقربين بالأم، و لم يرث المتقربون بالأب خاصة، و إذا فقد المتقربون بالأبوين قام المتقربون بالأب مقامهم و أخذوا ميراثهم.

و قد أفتى المشهور بأن للخال المتقرب بالأم سدس التركة إذا كان واحدا، سواء كان ذكرا أم أنثى، و أن له ثلث التركة إذا كان أكثر من واحد، و اقتسمه بالمساواة بين أفراده الذكور و الإناث، و أن الباقي من التركة بعد السدس و الثلث للأخوال المتقربين بالأبوين، و يقتسمونه بالمساواة أيضا، و إذا لم يوجد المتقربون بالأبوين فالباقي للمتقربين بالأب خاصة يرثونه على السواء. و المسألة مشكلة لخلوها عن النصوص فلا يترك الاحتياط بالمصالحة.

المسألة 200:

إذا ترك الميت من بعده عما واحدا أو أعماما، و خالا واحدا أو أخوالا، ورث الأخوال ثلث التركة و اقتسموا النصيب بينهم على النحو الذي تقدم تفصيله إذا كانوا متعددين، و إذا كان الوارث منهم خالا واحدا أو خالة واحدة انفرد بميراث الثلث كله. و ورث الأعمام ثلثي التركة، و اقتسموا النصيب بينهم بالتساوي إذا كان الجميع ذكورا أو إناثا، و بالتفاضل إذا كان مختلفين في ذلك، و الأحوط المصالحة

كلمة التقوى، ج 7، ص: 318

في صورة التفرق كما ذكرنا في المسألة المائة و الخامسة و التسعين. و إذا كان الموجود منهم عما واحدا أو عمة واحدة ورث جميع الثلثين.

المسألة 201:

إذا خلفت المرأة الميتة زوجا و عما أو عمة، كان للزوج نصيبه و هو نصف التركة و كان الباقي منها للعم أو العمة، سواء كانت قرابتهما لأبي الميتة من كلا الأبوين أم لأحدهما خاصة، و إذا تركت زوجا مع أعمام و عمات، أخذ الزوج نصف التركة، و اقتسم الأعمام أو العمات النصف الآخر بينهم بالسواء، و إذا كانوا ذكورا و إناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين، و رجعوا إلى المصالحة مع تفرقهم في جهة النسب و إذا خلف الرجل الميت زوجة مع عم له أو عمة، أو أعمام متعددين، ورثت الزوجة ربع التركة، و ورث العم أو العمة أو الأعمام بقية المال على نهج ما بيناه في الفرضين السابقين.

المسألة 202:

إذا تركت المرأة بعد موتها زوجا و خالا أو خالة على نهج ما ذكرناه في العم و العمة، أخذ الزوج النصف و الباقي من التركة يكون للخال أو الخالة، و إذا خلفت مع الزوج أخوالا أو خالات، ورث الزوج النصف و ورث الأخوال أو الخالات الباقي بالتساوي إذا كانوا متحدين في جهة النسب و متفقين في الذكورة و الأنوثة كما هو ظاهر الفرض، و إذا اختلفوا في الذكورة و الأنوثة روعي الاحتياط المتقدم في المسألة المائة و الثامنة و التسعين و ما بعدها، و كذلك إذا كانوا مختلفين في جهة النسب، فبعضهم للأبوين أو الأب و بعضهم للأم فيراعى الاحتياط المتقدم في المسألة المائة و التاسعة و التسعين.

و إذا ترك الميت زوجة مع خال أو خالة أو مع أخوال ورثت الزوجة ربعها، و ورث الخال أو الخالة الباقي إذا كان منفردا، و اقتسمه على نهج ما ذكرناه إذا كان متعددا من التساوي أو الاحتياط بالمصالحة في مواردها.

المسألة 203:

إذا كان للمرأة الميتة زوج و عم و خال، كان للزوج نصف التركة،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 319

و ورث الخال ثلث التركة و أخذ العم بقية المال، و كذلك الحكم إذا تركت مع الزوج عمة و خالة فيكون الميراث كذلك، و إذا تعدد العم و تعدد الخال، أخذ الزوج النصف و أخذ الأخوال الثلث و اقتسموه بالتساوي إذا كان جميعهم ذكورا أو إناثا، و إذا كانوا مختلفين ذكورا و إناثا روعي الاحتياط المتقدم، و ورث الأعمام بقية المال على نهج ما سبق بيانه من التساوي و التفاضل أو المصالحة إذا اختلفوا في جهة النسب.

المسألة 204:

تقدم منا أن الأعمام و الأخوال و أولادهم بحكم الصنف الواحد شرعا، و نتيجة لذلك، فيمنع الأقرب منهم الأبعد في الدرجة و في المرتبة، فلا يرث الميت عم أبيه و لا عمة أبيه و لا عم أمه، و لا عمة أمه و لا احد من أخوالهما و لا خالاتهما إذا وجد أحد من الدرجة الأولى، و هم عم الميت نفسه أو عمته أو خاله أو خالته أو أولادهم، و لا يرث عم جد الميت أو عمته من قبل أبيه أو من قبل أمه و لا أخوالهم و لا خالاتهم إذا وجد أحد من الدرجة الثانية و هم عم أبي الميت و عمته و خاله و خالته و من يتبعهم من أبنائهم، و هكذا.

المسألة 205:

و لا يرث ابن عم و لا ابنة عم و لا ابن عمة و لا ابنة عمة و لا ابن خال أو ابنة خال و لا ابن خالة أو ابنة خالة مع وجود عم أو عمة أو خال أو خالة، و يكون الميراث لمن في المرتبة الأولى و ان كان واحدا، و لا يرث أبناء أي درجة مع وجود أحد من أهل الدرجة نفسها.

المسألة 206:

إذا فقد الأعمام و الأخوال جميعا أو منعوا عن الميراث لبعض الموانع الشرعية من كفر أو ارتداد أو قتل أو رق قام أولاد الأعمام و الأخوال مقامهم في الميراث، و ورث الولد نصيب من يتقرب به الى الميت من الأب أو الأم. فإذا كان للميت ابن عم واحد و لم يكن معه وارث غيره، ورث ابن العم المال كله، كما هو الحكم في ميراث العم نفسه إذا

كلمة التقوى، ج 7، ص: 320

كان موجودا، و كذلك الحكم في بنت العم و ابن العمة و ابنة العمة، إذا وجد واحد منهم و انفرد بالإرث كما هو حكم آبائهم.

و إذا كان للميت أبناء عم واحد أو بنات عم واحد، ورثوا المال كله و اقتسموه بالسواء بينهم إذا اتفقوا في الذكورة و الأنوثة، و اقتسموه بالتفاضل حين يختلفون فيهما.

و إذا كان للميت أولاد أعمام متعددين، فرض الأعمام الآباء موجودين حين موت الميت و قسمت تركته عليهم بالتساوي إذا كانوا متحدين في الذكورة و الأنوثة، و بالتفاضل إذا كانوا مختلفين فيهما، و رجعوا الى الصلح مع تعدد جهة النسب فما أصاب أي فرد منهم من التركة كان نصيبا لأولاده سواء كان هو ذكرا أم أنثى، و قسم النصيب على الأولاد على النهج الآنف ذكره من

التساوي أو التفاضل.

المسألة 207:

إذا كان للميت ابن خال واحد أو بنت خال أو ابن خالة أو بنت خالة كذلك، و انفرد بالميراث، ورث المال كله، كما هو الحكم في ميراث الخال و الخالة حين ينفردان، و إذا كان للميت أبناء خال واحد أو بنات خال واحد ورثوا المال كما يرثه أبوهم إذا انفرد، و اقتسموه بالمساواة، و إذا اختلفوا في الذكورة و الأنوثة رجعوا إلى المصالحة بينهم على الأحوط، و كذلك الحكم في أولاد الخالة الواحدة.

و إذا كان للميت أولاد أخوال متعددين، فرض الأخوال آباؤهم موجودين حين موت الميت، و قسمت التركة عليهم على نهج ما تقدم في ميراث الأخوال، فما استحقه الواحد منهم من التركة قسم على أولاده مع مراعاة الاحتياط الذي ذكرناه في ذلك المبحث.

المسألة 208:

إذا مات الميت و له ولد عم أو عمة، و ولد خال أو خالة، كان لولد عمه نصيب العم من التركة و هو الثلثان و كان لولد خاله نصيب الخال منها و هو الثلث، فإذا انفرد ابن العم أو ابنة العم، أو ابن العمة أو بنتها و لم يشاركه من بني العم وارث غيره آخذ جميع الثلثين، و إذا تعدد أولاد العم الواحد أو العمة الواحدة اقتسموا الثلثين على سبيل

كلمة التقوى، ج 7، ص: 321

ما فصلناه من التساوي إذا اتفقوا في الذكورة و الأنوثة، و التفاضل إذا اختلفوا فيهما، و الرجوع الى المصالحة إذا تعددت جهة النسب. و إذا انفرد ابن الخال أو بنت الخال أو ابن الخالة أو بنتها و لم يشاركه غيره من بني الخال في الميراث، ورث جميع الثلث، و إذا تعدد أولاد الخال الواحد أو الخالة الواحدة اقتسموا الثلث في ما بينهم مع الاحتياط الذي تقدم

ذكره.

المسألة 209:

إذا ترك الميت من بعده أولاد أعمام متعددين، و أولاد أخوال متعددين، كان الثلثان نصيبا للأعمام فيقسم عليهم على نهج ما تقدم و ما أصاب العم الواحد من الثلثين يكون ميراثا لأولاده، يقسم عليهم بالتساوي أو التفاضل، و ما أصاب العمة من ذلك يقسم على أولادها كذلك، و كان الثلث نصيبا للأخوال فيقسم عليهم حسب ما تقدم بيانه في ميراث الأخوال، و ما أصاب أي فرد منهم يكون ميراثا لأولاده يقسم عليهم حسب ما تقدم من مراعاة الاحتياط.

المسألة 210:

ذكرنا أن الأقرب من الأعمام و الأخوال و أبنائهم يمنع الأبعد و يحجبه عن الميراث حجب حرمان، و قد استثني من ذلك مورد واحد ثبت استثناؤه بالأدلة المعتبرة، و هو ما إذا ترك الميت ابن عم شقيق لأبيه، و ترك معه عما له من قبل الأب خاصة، فإن ابن العم الشقيق أحق بميراثه من العم غير الشقيق، فيختص بالتركة و يمنع العم من الإرث، و الظاهر عدم الفرق بين أن يكون ابن العم الشقيق واحدا أو متعددا، و لا بين أن يكون العم الممنوع من الإرث واحدا أو متعددا كذلك و لا بين أن يكون معهما زوج أو زوجة أو لا يكون، فيكون ابن العم أحق بالميراث من العم في جميع ذلك.

نعم، يشكل الحكم إذا اجتمع معهما خال أو خالة أو أكثر، و لا تترك مراعاة الاحتياط في هذا الفرض و نحوه.

المسألة 211:

إذا مات الشخص و خلف من بعده عم أبيه و عمة أبيه و لم يترك

كلمة التقوى، ج 7، ص: 322

سواهما كان المال لهما و اقتسماه بينهما للذكر ضعف الأنثى فللعم الثلثان و للعمة الثلث، و إذا ترك خال أبيه و خالته و لا غيرهما، ورثا المال و الأحوط المصالحة بينهما في قسمته، و إذا ترك عم أمه و عمتها لا غيرهما، ورثا التركة و اقتسماها بالتساوي، و كذلك إذا خلف خال أمه و خالتها.

و إذا خلف الميت عم أبيه و عمته، و خال أبيه و خالته، و ترك معهم أيضا عم أمه و عمتها و خالها و خالتها ورث المتقربون بالأم ثلث التركة و اقتسموه بالسواء، و ورث المتقربون بالأب ثلثي التركة و لا يترك الاحتياط أن يكون الاقتسام بينهم بالمصالحة.

المسألة 212:

قد يتحقق للشخص سببان من الأسباب الموجبة للإرث، و من أمثلة ذلك أن يتزوج الرجل ابنة عمه أو ابنة خاله فيتحقق له بذلك سبب الزوجية و سبب القربى، و من الأمثلة أن يزوج الرجل بنت ابنه من ولد ولده الآخر، فإذا ولد منهما ولد، كان الرجل جدا لهذا الولد من قبل أبيه وجدا له من قبل أمه، و كان الولد ابن ابن الرجل و ابن بنته، و من أمثلة ذلك أن يزوج الرجل أخاه من أبيه بأخته لأمه، فإذا ولد منهما ولد كان الرجل عما للولد من قبل الأب، و خالا له من قبل الأم، و كان ولد الرجل ابن عم لذلك الولد و ابن خال، و من أمثلة ذلك أن تتزوج امرأة رجلا فتلد منه ولدا ثم يتزوجها أخوه من بعده فتلد له ولدا، فيكون ولدها من زوجها الثاني أخا لولدها الأول

من أمه و ابن عم له من قبل أبيه.

فإذا اتفق للوارث مثل ذلك ورث الميت بكلا السببين إذا لم يحجب أحدهما الآخر و لم يمنع من الإرث بمانع غيره. فإذا ماتت المرأة في المثال الأول و ليس لها وارث غير زوجها و هو ابن عمها، ورث النصف لأنه زوجها، و ورث الباقي لأنه ابن عمها، و إذا كان لها وارث آخر أقرب من ابن العم ورث منها نصيب الزوج و منع من الإرث الآخر.

و إذا مات الولد في المثال الثاني و لا وارث له أقرب من جده، ورث الجد منه نصيب جده لأبيه و نصيب جده لأمه، و إذا مات الجد و بقي

كلمة التقوى، ج 7، ص: 323

الولد و لا وارث للجد أقرب منه ورث الولد منه نصيب ابن ابنه و نصيب ابن بنته.

و إذا مات أحد الولدين في المثال الأخير و لا وارث له أقرب من الولد الآخر، ورثه لأنه أخوه لأمه و لم يرث منه ميراث ابن عمه.

المسألة 213:

إذا اجتمع للميت وارثان أحدهما يستحق الإرث منه بسبب واحد و الثاني يستحق الإرث منه بسببين، ورث الأول نصيبه الواحد الذي استحقه من التركة، و ورث الثاني النصيبين اللذين استحقهما، و لم يحجب الثاني الأول، من حيث انه يرث بسببين، فإذا ماتت المرأة و تركت زوجها و هو ابن عمها و تركت معه ابن عم آخر أو أبناء عم آخرين، ورث الزوج النصف لأنه زوج، و قاسمه أبناء العم الآخرون بقية التركة فأخذ الزوج حصته منها، و أخذ الآخرون حصصهم، و كذا الحال في الأمثلة الأخرى.

المسألة 214:

إذا زوج الرجل أخاه من أبيه بأخته من قبل أمه، و ولد لأخيه منها ولد كان الرجل عما للولد من قبل أبيه، و خالا له من قبل أمه، كما ذكرنا في المسألة المائتين و الثانية عشرة، فإذا مات الولد و ليس له وارث أقرب من ذلك الرجل ورث من تركته نصيب العمومة من قبل الأب و نصيب الخؤولة من قبل الأم، فإذا كان للولد عم أو عمة للأبوين، لم يرث الرجل منه نصيب العمومة للأب، فإنه يكون محجوبا عنه بوجود العمومة للأبوين، و يرث منه نصيب الخؤولة للأم.

الفصل الثامن في ميراث الأزواج
المسألة 215:

يثبت التوارث بين الرجل و المرأة إذا حصل عقد النكاح بينهما و كان النكاح بينهما دائما، و ان لم يدخل الرجل بالمرأة، فإذا مات الرجل بعد العقد و قبل الدخول، أو ماتت المرأة كذلك ورث الحي منهما

كلمة التقوى، ج 7، ص: 324

الميت، و كذلك إذا عقد على الطفلة الصغيرة وليها الشرعي أو عقد على الطفل الصغير وليه مع اجتماع شروط الولاية في الوليين، ثم مات أحد الطفلين بعد العقد و قبل البلوغ أو بعد البلوغ و قبل الدخول ورث الموجود منهما من تركة الميت نصيب الزوجية.

المسألة 216:

لا يرث الرجل من تركة المرأة إذا ماتت قبله، و لا ترث المرأة من تركة الرجل إذا مات قبلها، و كان العقد بينهما منقطعا غير دائم، و ان كانت المدة في النكاح طويلة، إلا إذا شرط أحدهما لنفسه في عقد النكاح بينهما ان يرث صاحبه إذا مات قبله، أو شرط الرجل و المرأة التوارث بينهما من كلا الجانبين، فيثبت الميراث لمن اشترط له ذلك، و لا يثبت للآخر الذي لم يشترط له، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثلاثمائة و الثالثة من كتاب النكاح.

المسألة 217:

المرأة المطلقة طلاقا رجعيا من زوجها بحكم الزوجة ما دامت في أيام عدتها منه، فإذا ماتت الزوجة أو مات الزوج في أثناء العدة ورث الحي منهما الميت و ان كان الموت قبل انتهاء العدة بلحظات، و إذا انقضت العدة ثم مات أحدهما لم يرثه الآخر و ان كان الموت بعد العدة بلحظات، و إذا كان الطلاق بائنا انقطعت العصمة بين الزوجين فلا يرث أحدهما صاحبه و ان كان موته في أثناء العدة أو بعد الطلاق بفترة وجيزة، و لا فرق في الحكم المذكور في المسألة بين أن يكون الزوج المطلق صحيحا أو مريضا إذا كان في غير مرضه الذي مات فيه.

المسألة 218:

إذا طلق الرجل امرأته و هو مريض و استمر به ذلك المرض الى أن مات فيه، ورثته الزوجة التي طلقها إذا كان موته قبل أن تنقضي سنة من يوم طلاقها، و لا فرق في الحكم بين أن يكون الطلاق رجعيا أو بائنا، و لا بين أن تكون المرأة ذات عدة من الزوج و أن تكون ممن لا عدة لها كالمطلقة الصغيرة و غير المدخول بها و اليائسة من المحيض.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 325

و يشترط في إرثها من الرجل أن يموت في مرضه الذي طلقها فيه، فلا ترثه إذا بري ء من مرضه و مات بعد البرء بسبب آخر، أو بمرض يشبه ذلك المرض، إلا إذا كان موته و هي في العدة الرجعية منه.

و يشترط في ثبوت الإرث لها أن لا تتزوج بعد الطلاق منه برجل آخر، فإذا تزوجت غيره لم ترث من المطلق إذا مات.

و يشترط فيه أن يكون موت المطلق قبل أن تنقضي السنة من حين الطلاق، فإذا مات بعد انقضاء السنة و

لو بيوم و نحوه لم ترث منه.

و يشترط أن لا يكون طلاق الرجل لها بطلب منها أن يكون خلعا أو مبارأة، فلا ارث لها منه بعد الطلاق إذا كان طلاقها كذلك، و قد ذكرنا هذا الحكم في المسألة المائة و الرابعة من كتاب الطلاق.

المسألة 219:

إذا طلق الرجل المرأة في مرض موته و لم يقصد الإضرار بها في طلاقه إياها أو حرمانها من الميراث، بل أراد مصلحة تعود إلى المرأة في اعتقاده، كما إذا كانت شابة و هو كبير السن، فطلقها للتزوج بغيره إذا شاءت، و كما إذا خشي عليها العدوي من مرضه فطلقها لذلك، ففي جريان الحكم الذي ذكرناه في المسألة السابقة إشكال، فلا يترك الاحتياط بالمصالحة بين الورثة و بينها إذا مات الرجل بعد الطلاق و قبل انتهاء السنة.

المسألة 220:

إذا ماتت المرأة و تركت من بعدها زوجا كان للزوج نصف تركتها إذا لم يكن للمرأة ولد ذكر أو أنثى، فإذا كان لها ولد كان للزوج ربع التركة، سواء كان الولد من الرجل نفسه أم من زوج آخر، و كذلك إذا كان لها ولد و ان تعددت الواسطة ما بينه و بين المرأة من الذكور أو الإناث.

و إذا مات الرجل و ترك من بعده زوجة كان للزوجة ربع تركته إذا لم يكن للرجل ولد ذكر أو أنثى، فإذا كان له ولد كان للزوجة ثمن التركة، سواء كان الولد من الزوجة نفسها أم من امرأة أخرى و ان

كلمة التقوى، ج 7، ص: 326

كانت أمة، و كذلك إذا كان له ولد ولد من الذكور أو الإناث، و ان تعددت الواسطة ما بينه و بين الرجل.

المسألة 221:

إذا مات الرجل و ترك أكثر من زوجة واحدة اشتركن في نصيب الزوجية، فان لم يكن للرجل ولد أو ولد ولد اشتركت زوجاته في ربع التركة، و إذا كان له ولد اشتركن في الثمن، و اقتسمن النصيب بينهن بالتساوي.

المسألة 222:

تقدم في المسألة المائتين و الثامنة عشرة حكم المريض إذا طلق امرأته في مرض الموت، فإذا طلق أربع زوجات في مرض موته، ثم تزوج أربعا أخرى و دخل بهن، ثم مات قبل ان تنقضي السنة من طلاق زوجاته الأولى كان ربع التركة أو ثمنها نصيبا للزوجات الثمان فيقتسمنه بينهن على السواء.

المسألة 223:

إذا ماتت المرأة و لم يوجد لها وارث غير زوجها و غير امام المسلمين (ع) كان جميع ميراثها للزوج على الأقوى، فيرث نصف التركة بالفرض و يأخذ نصفها الآخر بالرد، و لا يرد على الزوج شي ء من التركة في غير هذا الفرض، و إذا مات الرجل و لم يكن له وارث غير زوجته و امام المسلمين، ورثت الزوجة منه ربع التركة و كان الباقي للإمام (ع) و لا يرد على الزوجة شي ء من التركة في هذا الفرض و لا في غيره.

المسألة 224:

يجتمع الزوج و الزوجة مع طبقات الوارث الأخرى في جميع درجاتهم و مراتبهم، و لا يحجبهما وجود أي وارث منهم عن الميراث حجب حرمان، و إذا اجتمعا مع ولد للميت منهما حجبهما حجب نقصان كما ذكرنا، و قد تقدمت في الفصول المتقدمة أمثلة كثيرة لاجتماع الزوج و الزوجة مع سائر الورثة و سنذكر اجتماعهما مع المعتق و ضامن الجريرة.

المسألة 225:

إذا عقد الرجل لنفسه عقد النكاح على امرأة في أثناء مرضه الذي

كلمة التقوى، ج 7، ص: 327

كان سببا لموته في ما بعد، كانت صحة العقد مشروطة بدخوله بالمرأة التي عقد عليها كما ذكرناه في المسألة المائتين و الثالثة و السبعين من كتاب النكاح، فإذا دخل بالمرأة بعد العقد عليها كشف ذلك عن صحة العقد و ترتبت عليه أحكامه، و إذا هو لم يدخل بها حتى مات هو أو ماتت هي قبله، كشف ذلك عن بطلان العقد، فلا يثبت لها مهر و لا نفقة، و لا ترثه المرأة إذا مات قبلها، و لا يرثها هو إذا ماتت قبله، و هذا الحكم مختص بالفرض المذكور و لا يعم غيره، فإذا عقد على المرأة و هو صحيح ثم مرض مرضا كان سببا لموته صح عقده و ان لم يدخل بها، و ورثته المرأة إذا مات قبلها و ورثها إذا ماتت قبله، و كذلك الحكم إذا عقد على المرأة و هو مريض ثم بري ء من مرضه، ثم مات قبل الدخول بها بسبب آخر فترثه المرأة و يرثها إذا كانت هي الميتة.

المسألة 226:

إذا كانت للرجل أربع زوجات دائمات، فطلق واحدة منهن، و تزوج بعد طلاقها بامرأة أخرى، ثم مات الرجل، و لم يعلم بعد موته أي الزوجات الأربع الأول هي المطلقة، أخذت الزوجة الأخيرة نصيبها تاما، فان كان للرجل ولد أخذت ربع الثمن، و ان لم يكن له ولد أخذت ربع الربع، ثم قسم الباقي من الثمن أو الربع و هو ثلاثة أرباعه على الزوجات الأربع الأول جميعهن و اقتسمنه بالسواء.

و لا يتعدى هذا الحكم عن الفرض المذكور، فإذا كانت الزوجات الأول أقل من أربع، أو كانت المطلقة منهن

أكثر من واحدة أو اشتبهت المطلقة بين اثنتين منهن أو بين ثلاث، أو كان الفراق بفسخ أو حصل غير ذلك من الفروض لم يجر الحكم المذكور بل تستخرج المطلقة أو المفسوخة منهن بالقرعة، و يدفع الثمن أو الربع للباقي من الزوجات مع الزوجة الأخيرة و يقسم بينهن على السواء.

المسألة 227:

لا فرق بين الزوج و غيره من سائر الورثة، فهو يرث النصف أو الربع من جميع ما تتركه الزوجة إذا ماتت قبله من الأموال و الأعيان المنقولة و غير المنقولة و من الأراضي و البساتين و الدور و العمارات

كلمة التقوى، ج 7، ص: 328

و العقارات و الشجر و النخيل و المياه و العيون و المنافع و الديون و غيرها من المملوكات، حتى الصداق الذي تملكه في ذمته أو في ذمة غيره.

المسألة 228:

ترث الزوجة نصيبها و هو الربع أو الثمن مما ترك الزوج بعد موته من الأموال و الأعيان المنقولة كالنقود و الأمتعة و الأثاث و الفرش و الأدوات و الأجهزة و الحيوان و السفن و وسائل النقل و غيرها مما ينقل و يحول و يتخذ للاستعمال أو للاقتناء أو للتجارة و الاسترباح، و لا ترث من الأراضي التي يملكها خالية أو مشغولة بالبناء أو بالغرس أو الزرع، كأراضي العمارات و الدور و المساكن و المحلات، و أراضي الضياع و البساتين و المزارع و غيرها، فلا ترث من الأرض في جميع ذلك لا من عينها و لا من قيمتها، و ترث من قيمة الأبنية المقامة على الأرض من عمارات و دور و مساكن و محلات و حوانيت و من قيمة الأشجار و النخيل و الأشياء و الآلات الثابتة في أراضي الضياع و البساتين و المزارع و المنازل و أشباهها، و لا ترث من أعيان تلك الأشياء الثابتة في الأرض، و لا فرق في الأحكام المذكورة بين الزوجة ذات الولد من الزوج و غيرها.

و على وجه الإجمال، فهي لا ترث من الأرض شيئا، لا من عينها و لا من قيمتها سواء كانت فارغة أم مشغولة ببناء

أم بزرع أم بغرس، أم بغيرها من الأمور التي تشغل بها الأرض، و لا ترث من أعيان الأشياء و الأبنية و الأبواب و الأخشاب و الأشجار و النخيل و الآلات الثابتة في الأرض و ترث من قيمتها خاصة، و ترث من غير ذلك من الأشياء و المملوكات المنقولة في شتى أنواعها و أجناسها.

المسألة 229:

يعتبر في تقويم الأبنية و الأشجار و النخيل و الأشياء الثابتة في الأرض أن يفرض جميع ذلك ثابتا في مواضعه من الأرض و قائما عليها من غير استحقاق أجرة على ثباته في الأرض، ثم يقومه الموثوقون من أهل الخبرة كذلك، فيكون للزوجة ربع هذه القيمة إذا لم يكن للميت ولد، و يكون لها ثمنها إذا كان له ولد.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 329

المسألة 230:

يجوز للمرأة ان تطالب الوارث بدفع حصتها من القيمة، و يجوز له أن يتفق معها فيؤخر دفع نصيبها من القيمة، و يدفع لها حصتها من أجرة البناء و من أجرة الشجر و النخيل و الأشياء الثابتة مدة معينة فتكون له منافعها في تلك المدة، و إذا لم يدفع لها القيمة و لم يدفع لها منافع حصتها مدة، جاز لها ان تطالبه بالأجرة في تلك المدة.

المسألة 231:

إذا مات الرجل و كانت النخيل و الأشجار مثمرة في ذلك الحين استحقت الزوجة حصتها من عين الثمرة الموجودة، فيجب على الوارث دفع حصتها من العين إليها إذا لم ترض بالقيمة، و إذا أخر الوارث دفع حصتها من قيمة النخيل و الشجر سنة أو أكثر و تجددت لها ثمار في تلك الفترة استحقت المرأة حصتها من عين الثمار المتجددة، و جاز لها أن تطالب الوارث بها، و كذلك الحكم في جميع المنافع و النماءات التي تتجدد للعين في تلك المدة الى ان يدفع الوارث لها حصتها من قيمة الأصول.

المسألة 232:

الظاهر أنه يجوز للوارث ان يدفع للمرأة حصتها من نفس العين من الشجر و البناء إذا هو اختار ذلك و لا يحق للمرأة ان تجبره على دفع القيمة، و إذا بذل لها الحصة من نفس العين، ثم أراد أن يعدل الى بذل القيمة، أشكل الحكم بوجوب قبول القيمة بعد ذلك.

المسألة 233:

إذا قلع من الضيعة أو البستان بعض النخيل أو الأشجار بعد ان كان ثابتا جاز للمرأة أن تطالب الوارث بحصتها من نفس النخيل و الشجر المقلوع و لم تجبر على قبول القيمة و يجري عليها حكم الأعيان المنقولة، و كذلك إذا انهدم البناء الثابت، فلها المطالبة بالحصة من الأنقاض و الأخشاب و الأجزاء المنهدمة، و لم تجبر على قبول القيمة.

المسألة 234:

إذا كان البناء مشرفا على الانهدام و لم ينهدم بعد، أو كان الشجر أو النخيل متهيئا للانكسار أو الانقلاع و لم ينكسر و لم ينقلع بالفعل، جاز

كلمة التقوى، ج 7، ص: 330

للوارث أن يدفع قيمته كما في البناء و الشجر الثابت، و لا يجبر على دفع العين الى أن ينهدم البناء أو ينكسر الشجر بالفعل، و كذلك فسيل النخيل و ودي الشجر المستعد للقلع، فيجري عليه حكم الثابت و يدفع الوارث للمرأة حصتها من قيمته و لا يجبر على دفع العين ما لم يقلع بالفعل.

و كذلك الدولاب الذي ينصب في البستان للسقي، و العرائش أو الأخشاب و الجذوع التي تنبت في الأرض لتلقى عليها أغصان الكرم و الأشجار المتسلقة، و البيوت التي تتخذ في البساتين و الضياع من القصب أو السعف و نحوها، فإنما تستحق الزوجة حصتها من القيمة لا من العين ما لم تقلع و تكون من الأعيان المنقولة.

المسألة 235:

ترث الزوجة حصتها من قيمة الآلات و وسائل السقي و الري في العيون و الأنهار و الآبار و القنوات التي تكون في الضياع و البساتين و في بعض الدور و المساكن و غيرها، و تملك الحصة من الماء الموجود فيها حال موت الزوج و الذي تعلق به ملكه، فترث الربع أو الثمن من الماء نفسه و لا يجبرها الوارث على أخذ قيمته.

المسألة 236:

ما يحفر في أرض بعض الدور و الضياع من السراديب، و الإنفاق لبعض المنافع و الأغراض، ترث الزوجة ربعها أو ثمنها من قيمته كالأبنية التي تكون على وجه الأرض، و مثله ما إذا كان الرجل قد حفر في المنزل أو في البستان بئرا و لم يصل بعد الى الماء، فتستحق حصتها من قيمته كالأبنية، إلا إذا أهمل بعد حفره لعدم الفائدة فيه و أصبح مما لا قيمة له.

الفصل التاسع في الميراث بالولاء
المسألة 237:

يثبت الميراث بالولاء في ثلاثة أقسام منه مترتبة ما بينها، و هي ولاء العتق، ثم ولاء ضمان الجريرة، ثم ولاء الإمامة، فلا يرث المتأخر

كلمة التقوى، ج 7، ص: 331

منها إذا وجد من هو أسبق منه في المرتبة، على الوجوه و الشروط التي سيأتي بيانها.

القسم الأول: ولاء العتق
المسألة 238:

إذا أعتق السيد مملوكه أو مملوكته ثبت للسيد الولاء عليه بسبب عتقه و كان له ميراثه بعد موته مع وجود ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون السيد متبرعا بعتق المملوك لوجه اللّه تعالى، فلا يثبت له الولاء على العتيق و لا يستحق ميراثه إذا كان عتق المملوك واجبا عليه لكفارة، أو لنذر أو عهد أو يمين، و متى أعتقه لبعض هذه الأسباب و لم يكن للعتيق وارث من أرحامه كان سائبة، فان تولى أحدا من الناس و ضمن الولي جريرته كما سيأتي كان هذا الضامن عاقلته في حياته و وارثه بعد موته، و ان لم يتول أحدا و لم يضمن جريرته ضامن، فعاقلته في حياته و وارثه بعد موته هو امام المسلمين (ع).

و كذلك إذا نكل المالك بالعبد أو مثل به فقطع بعض أعضائه أو عطل بعض جوارحه أو أوقع به بعض أنواع التنكيل الأخرى، فإن العبد ينعتق بسبب ذلك قهرا عليه و يكون سائبة و لا سبيل للمالك عليه و لا حق له في ميراثه.

المسألة 239:

إذا ملك الإنسان أحد آبائه أو أمهاته من الرضاع أو ملك أحد أولاده من الرضاع، أو ملك الرجل احدى محارمه النساء من الرضاع كذلك انعتق ذلك المملوك قهرا عليه و لم يستقر ملكه له و قد ذكرنا هذا في المسألة الأربعمائة و الخمسين من كتاب التجارة، فإذا مات ذلك العتيق و ليس له وارث قريب من أرحامه كان سائبة، و لم يثبت للرجل الذي انعتق عليه حق الولاء، لأنه غير متبرع بعتقه، و لا يقع مثل هذا الفرض في من ينعتق عليه من حيث النسب لوجود الوارث من النسب، و هو المعتق نفسه إذا لم يكن وارث أقرب منه.

المسألة 240:

قد يوجب الرجل على نفسه عتق رقبة بنذر أو عهد أو يمين، و لا

كلمة التقوى، ج 7، ص: 332

يقصد عبدا معينا، ثم يختار عبدا خاصا فيعتقه وفاء لما أوجب على نفسه، و قد ينذر أو يعاهد اللّه أو يقسم به على أن يعتق العبد المعين، ثم يعتق العبد الذي عينه في صيغة نذره أو عهده أو يمينه، و هو في كلتا الحالين وفاء لما أوجب اللّه عليه من العتق، و لا يكون متبرعا به، و يكون العبد بعد عتقه سائبة كما سبق، و لا يكون للرجل ولاء في عتقه و لا حق له في ميراثه.

المسألة 241:

إذا وجب العتق على زيد مثلا لكفارة أو نذر أو غيرهما فتبرع عمرو بالعتق عنه، كان العبد العتيق سائبة كما في الموارد المتقدمة، و لم يكن لمعتقه عليه ولاء و لا حق في الميراث، سواء كان قريبا لمن تبرع عنه أم بعيدا عنه.

المسألة 242:

الشرط الثاني: من شروط ولاء العتق، ان لا يتبرأ المعتق من ضمان جريرة العتيق إذا هو جنى جناية على أحد من الناس، فإذا أعتق العبد و تبرأ من جريرته كذلك سقط عنه ضمان الجريرة و لم يثبت له ولاء العتق و لم يكن له حق في ميراثه، و لا يشترط في التبرؤ من الجريرة أن يشهد على ذلك فإذا تبرأ منها سقط عنه ضمانها و ان لم يشهد عليه.

المسألة 243:

الشرط الثالث: ان لا يوجد للعتيق ذو رحم يدخل في طبقات النسب من الوارثين، فإذا وجد له ذلك، كان هو الوارث و ان كان رحما بعيدا و لم يرث المعتق منه شيئا.

المسألة 244:

لا يمنع المعتق عن الإرث أن تكون للرجل العتيق زوجة أو يكون للعتيقة زوج، فإذا وجد أحدهما كان للزوج النصف و للزوجة الربع و كان الباقي للمعتق، فان المفروض أن لا يكون للعتيق وارث آخر ولد أو غيره.

المسألة 245:

إذا كان العبد مشتركا بين جماعة في ملكه، فاشتركوا كذلك في

كلمة التقوى، ج 7، ص: 333

عتقه، كان ولاؤه مشتركا بينهم بمقدار حصصهم، فإذا مات العتيق كان ميراثهم من تركته بتلك النسبة، فمن أعتق نصفه كان له نصف الولاء و أخذ نصف التركة، و من أعتق ربعه كان له ربع الولاء و ورث ربع التركة و هكذا، من غير فرق بين ان يكون الجميع ذكورا أو إناثا، أو مختلفين ذكورا و إناثا.

المسألة 246:

إذا أعتق المالك عبده على الوجه الآنف ذكره اختص بولاء عتيقه في حياته، و انفرد بميراثه إذا مات و المنعم لا يزال حيا، و إذا مات المنعم و العتيق لا يزال موجودا، فان كان المنعم رجلا انتقل الولاء بعد موته إلى أبيه و أولاده الذكور خاصة، و لا ينتقل الى ورثته من النساء كالأم و البنات و الزوجة، فإذا لم يكن له أب و لا ولد أو كان أولاده إناثا انتقل الولاء الى عصبته من الرجال، و إذا كان له أولاد ذكور قاموا مقام آبائهم فورثوا الولاء و انتقل الى كل منهم نصيب من يتقرب به و لم ينتقل الولاء معهم إلى العصبة من الاخوة و غيرهم.

المسألة 247:

إذا مات المنعم الرجل و لم يكن له أب و لا ولد و لا أولاد أولاد ذكور و ان تعددت واسطتهم انتقل الولاء إلى إخوته من قبل أبيه و أجداده من قبل أبيه كذلك و لا ينتقل إلى أخواته أو جداته و لا إلى أجداده أو اخوانه من قبل أمه، فإذا فقد أولئك انتقل الولاء إلى الأعمام من قبل الأب و لم ينتقل الى العمات و لا الأخوال و لا الخالات.

المسألة 248:

إذا كانت المنعمة امرأة و ماتت و عتيقها لا يزال موجودا، انتقل الولاء بعد موتها إلى العصبة بني أبيها، و لم ينتقل إلى أولادها الذكور أو الإناث أو أولادهم، و يشكل الحكم في الأب إذا كان موجودا، هل يعد من العصبة أم لا.

المسألة 249:

إذا مات المنعم و ليس له وارث من ذوي قرابته، فان كان له منعم قد أعتق رقبته على الوجه المتقدم ذكره كان وارثا له، و كذلك إذا كان

كلمة التقوى، ج 7، ص: 334

له ضامن جريرة، فان لم يكن له وارث، فميراثه لإمام المسلمين، و لا يستحق عتيقه من ميراثه شيئا.

المسألة 250:

لا يصح للمنعم أن يبيع الولاء على شخص آخر أو يهبه إياه، و لا يصح لمن باعه العبد ان يشترط عليه في البيع ان يكون الولاء له إذا أعتقه.

المسألة 251:

إذا مات الرجل المنعم قبل ان يموت العتيق، و كان للمنعم ولدان انتقل ميراث الولاء إليهما بالمناصفة، فإذا مات أحد الولدين و له أولاد ثم مات العتيق بعد ذلك كان نصف تركته للولد الباقي للمنعم، و النصف الثاني لأولاد ولده الميت.

القسم الثاني: ولاء ضامن الجريرة
المسألة 252:

السائبة هو الشخص الذي لا قرابة له و لا أولياء يكونون له عاقلة، و يتحملون عنه الدية إذا جنى على أحد جناية أو حدث حدثا يستوجب الأرش، سواء كان في أصله عبدا مملوكا أعتقه سيده في أمر واجب عليه أم انعتق قهرا على سيده لتنكيله به كما ذكرنا، أم لبراءة معتقه من جريرته، أم كان في أصله حرا و لا وارث له و لا عاقلة.

و الجريرة هي الجناية و الذنب، و قد سميت بذلك لما تجره على فاعلها من العقوبة في الدنيا أو في الآخرة أو في كلتيهما، و يراد بها هاهنا: ما يجنيه الإنسان على غيره من أمر يستوجب دية أو أرشا، و ضمان الجريرة هو الشخص الذي يتعاقد معه السائبة على ان يكون عاقلة له و وليا، يضمن عنه ما يجنيه من جناية توجب الدية عليه.

المسألة 253:

التولي في ضمان الجريرة عقد يكون بين الضامن و المضمون، و لذلك فلا بد فيه من الإيجاب و القبول، و لا بد في كل من الموجب و القابل و أن يكونا جامعين للشروط المعتبرة في العقود، من البلوغ و العقل و الاختيار

كلمة التقوى، ج 7، ص: 335

و القصد، فلا يصح العقد و لا تترتب عليه آثاره إذا فقد بعض الشروط المذكورة في الموجب أو في القابل.

و لا يشترط في صحة العقد أن يكون إنشاؤه بصيغة مخصوصة، فيكفي في صحته أن ينشأ الإيجاب و القبول منهما بأي لفظ يكون دالا على المعنى المقصود عرفا، و يصح أن يكون الإيجاب من الشخص المضمون و هو السائبة، فيقول للشخص الآخر الذي يريده أن يتولاه و يضمن عنه جريرته: عاقدتك أو واليتك على أن تعقل عني إذا أنا جنيت جناية

في حياتي و ترثني بعد موتي، فيقول الضامن: قبلت معاقدتك على ذلك، أو قبلت ولاءك، أو رضيت بذلك، و يصح أن يكون الإيجاب من ضامن الجريرة، فيقول للسائبة المضمون: عاقدتك على أن أعقل عنك و أدفع الدية عنك ان أنت جنيت في حياتك أو أحدثت ما يوجب ذلك، و أرثك بعد موتك، فيقول المضمون: قبلت المعاقدة على ذلك، أو رضيت بها، أو قبلت ولاءك، و العقل هنا بمعنى الدية، فمعنى قوله أعقل عنك: أدفع الدية عنك.

فإذا تم الإيجاب و القبول بينهما كذلك، صح العقد و ترتبت عليه آثاره، فيكون الضامن عاقلة للمضمون في حياته و يكون ميراثه له بعد موته.

المسألة 254:

الظاهر أنه يكفي في ضمان الجريرة أن ينشئ الموجب المعاقدة بينه و بين صاحبه على أن يعقل الضامن عن المضمون منهما و يدفع عنه الدية إذا حدثت منه جناية من غير أن يذكر الإرث بعد الموت، فيقول الضامن مثل: عاقدتك على أن أكون عاقلة لك أؤدي عنك الدية إذا أنت جنيت في حياتك، و يقول السائبة المضمون: قبلت المعاقدة منك على ذلك، أو يقول المضمون للضامن: عاقدتك على أن تعقل عني إذا أنا جنيت على أحد، و يقول الضامن: قبلت المعاقدة منك على ذلك، أو يقول المضمون للضامن: عاقدتك على أن تعقل عني إذا أنا جنيت على أحد، و يقول الضامن: قبلت المعاقدة، فيصح العقد المذكور و يترتب عليه أن الضامن يرثه بعد الموت، و إذا تعاقد الشخصان بينهما على الإرث وحده، فقال

كلمة التقوى، ج 7، ص: 336

المضمون مثلا للضامن: عاقدتك على أن ترثني بعد موتي و لم يذكرا ضمان الدية، أشكل الحكم بالصحة، و خصوصا إذا أريد منه ترتب ثبوت الإرث و ضمان

الدية كليهما، بل عدم الصحة لا يخلو من قوة.

المسألة 255:

لا يقع عقد التولي في ضمان الجريرة إلا مع سائبة لا عاقلة له و لا وارث كما ذكرنا، فإذا كان للشخص أحد يعقل عنه من أقاربه أو ولي عتقه، لم يصح عقد الولاء معه، و لم يترتب على العقد معه أثر شرعي، فعاقلته و وارثه هو قريبه أو ولي عتقه، و إذا فقد القريب و ولي العتق بعد ذلك و أصبح الرجل سائبة احتاج في الولاء الى تجديد العقد مع الضامن إذا شاء و لم يكف العقد الأول، و نتيجة لذلك، فلا ميراث لضامن الجريرة إلا إذا فقد كل وارث للمضمون من أرحامه و أولياء عتقه.

المسألة 256:

إذا كان كل واحد من الضامن و المضمون سائبة لا عاقلة له و لا وارث من أقاربه و أولياء عتقه، أمكن أن يتولى كل واحد منهما صاحبه و يكون عاقلة له و وارثا، فيقول أحدهما للآخر: عاقدتك على أن تعقل عني في حياتي إذا أنا جنيت على أحد من الناس و أعقل عنك إذا أنت جنيت و على ان ترثني إذا أنا مت قبلك و أرثك إذا مت قبلي، و يقول الآخر قبلت المعاقدة على ذلك، فإذا تم العقد بينهما كذلك صح، و لزم ترتيب الأثر من العقل و الإرث.

المسألة 257:

الظاهر انه يصح ان يشترك اثنان أو أكثر في ضمان جريرة شخص واحد بعقد واحد، فيصبحون شركاء في العقل عنه إذا جنى، و شركاء في ميراث تركته إذا مات، و يصح ان يضمن رجل واحد جريرة شخصين أو أشخاص متعددين فيجب عليه أن يؤدي عن كل واحد منهم ديته إذا جنى، و يكون له ميراثه إذا مات.

المسألة 258:

إذا انفرد ضامن الجريرة ورث تركة الميت كلها، و إذا اجتمع معه زوج ورث الزوج النصف و كان للضامن النصف الآخر، و إذا اجتمعت

كلمة التقوى، ج 7، ص: 337

معه زوجة أو زوجات كان لها الربع و ورث الضامن الباقي.

المسألة 259:

إذا مات ضامن الجريرة قبل الشخص المضمون سقط الولاء بموته و لم ينتقل الولاء إلى الورثة من بعده، فلا يعقلون عن المضمون إذا جنى و لا يرثونه إذا مات.

و إذا كان ضمان الجريرة مشتركا كما ذكرناه في المسألة المائتين و السابعة و الخمسين فمات أحد الشركاء سقط ولاؤه خاصة و بقي ولاء الشركاء الآخرين بمقدار حصصهم من الولاء، فيضمنون عن الرجل من الدية بمقدار تلك الحصص و يرثون من التركة بمقدارها كذلك، فإذا كانوا ثلاثة و مات أحدهم كان لكل واحد من الشريكين الباقيين ثلث الولاء فيضمن ثلث الدية و يرث ثلث المال.

القسم الثالث: ولاء الإمامة
المسألة 260:

إذا مات الميت و لم يكن له وارث من ذوي قرابته و لا معتق و لا ضامن جريرة فميراثه لإمام المسلمين عليه و على آبائه أفضل الصلاة و السلام، و قد ذكرنا هذا في المسألة المائة و السابعة و الستين من كتاب الخمس، و في عدة مواضع من هذا الكتاب.

المسألة 261:

إذا ماتت امرأة و تركت من بعدها زوجا، و لا وارث لها معه غير امام المسلمين (ع)، ورث الزوج نصف التركة بالفرض، و أخذ النصف الثاني من التركة بالرد على القول الأصح، و لم يكن لإمام المسلمين شي ء من التركة، سواء كان الزوج قد دخل بالمرأة أم لا، بل و ان كانت صغيرة دون البلوغ.

و إذا مات رجل و ترك له زوجة صغيرة أو كبيرة و لا وارث له غيرها امام المسلمين (ع) ورثت الزوجة ربع التركة، و ورث الإمام ثلاثة أرباعها و قد ذكرنا هذا في عدة مسائل، و كذلك إذا ترك الميت زوجتين

كلمة التقوى، ج 7، ص: 338

أو أكثر مع امام المسلمين، و لا فرق في الحكم بين أن تكون الزوجة أو الزوجات مدخولا بهن أولا.

المسألة 262:

الأحوط لزوما في أيام غيبة الإمام (ع) أن يصرف ميراث من لا وارث له على الفقراء من المؤمنين بل في فقراء بلد الميت خاصة، و أن يكون ذلك بمراجعة الفقيه الجامع للشرائط.

الفصل العاشر في اللواحق و هو يحتوي على عدة مباحث:
المبحث الأول في ميراث الحمل
المسألة 263:

الحمل في بطن أمه يرث غيره إذا مات، و كان الحمل من طبقات الوارثين له، و يرثه غيره، بشرط أن ينفصل الحمل من بطن أمه حيا حين ولادته، فإذا انفصل منها بالولادة و عرفت حياته بعد الانفصال ببكاء أو بصوت أو بحركة تدل على وجود الحياة فيه استحق نصيبه من تركة مورثه الميت، و إذا عرفت حياته كذلك ثم مات بعدها ورثه أقرب الموجودين إليه.

المسألة 264:

لا يشترط في ميراث الحمل و توريثه أن تكون قد ولجته الروح حال موت مورثه أو يكون قد مضت على الحمل به فترة طويلة، بل يكفي في ذلك أن يكون قد انعقدت نطفته حملا في بطن أمه حين موت المورث، و لا يشترط ان يستتم حين ولادته مدة الحمل، بل يكفي كما ذكرناه أن ينفصل انفصالا تاما من بطن أمه ثم يتحرك بعد الانفصال حركة تدل على وجود الحياة فيه و ان لم تتم له مدة الحمل أو لم يستكمل بعض الأطوار التي يمر بها الجنين بعد ولوج الروح فيه.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 339

المسألة 265:

لا يكفي في ثبوت الميراث أن يخرج بعضه أو أكثره من بطن أمه في حال الولادة و يستهل صائحا إذا كان ذلك قبل الانفصال أو انفصل ميتا أو تحرك بعد انفصاله حركة لا تدل على الحياة فلا يرث و لا يورث في هذه الحالات.

المسألة 266:

تقبل شهادة النساء و ان كن منفردات إذا شهدن بتحقق الشروط المذكورة و تمت فيهن شروط البينة.

المسألة 267:

لا يختص الحكم في ميراث الحمل بأن يكون الجنين ولدا للميت أو ولد ولده كما قد يتوهم، بل يعم غيره من طبقات الوارثين، فقد يكون الحمل أخا وارثا للميت أو ابن أخ، أو عما أو ابن عم، أو خالا أو ابن خال، أو غير ذلك، فإذا وجدت الشروط ثبت التوارث، و هو واضح، و نحن نذكره للتنبيه خشية الالتباس.

المسألة 268:

إذا مات الرجل و ترك من بعده اخوة أو أجدادا أو بني اخوة و ترك زوجته حاملا، لم يرث اخوته أو أجداده أو بنو اخوته من تركته شيئا حتى تستبين حال الحمل، فإذا انفصل الجنين حيا كما اشترطنا في ما تقدم ورث المال كله، و حجب الأجداد و الاخوة و أبناءهم عن الميراث، فإنهم لا يرثون مع الولد، و إذا انفصل ميتا كان الميراث لهم على المناهج التي تقدم بيانها في ميراث أهل الطبقة الثانية، و كذلك الحكم إذا مات الرجل و ترك أعماما أو أخوالا أو أولادهم من أهل الطبقة الثالثة و ترك زوجته حاملا، فيمنعون عن الميراث حتى تتبين حال الحمل فيختص بالإرث إذا ولد حيا، و يكون الميراث لهم إذا انفصل ميتا، و كذلك إذا مات الميت و ترك من بعده أولاد ولد، و ترك زوجته حاملا، فلا يرث الأحفاد شيئا حتى يستبين أمر الجنين في ولادته فيكون المال له دونهم في الفرض الأول، و تكون التركة لهم دونه في الفرض الثاني.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 340

المسألة 269:

إذا مات الميت و ترك من بعده أبا و أما، أو أحدهما، و ترك زوجته حاملا، و لا وارث غيرهم، أخذ الأب سدسا من التركة، و أخذت الأم سدسا، و أخذت الزوجة ثمنا، و انتظر في الباقي حتى يستبين أمر الجنين، فان ولدته أمه حيا، كان الباقي من التركة ميراثا له خاصة، و ان وضعته ميتا، أخذت الزوجة ثمن التركة حتى يكمل لها الربع و أخذت الأم سدسا آخر إذا لم يكن لها حاجب من الاخوة فيتم لها الثلث و كان الباقي للأب في كلا الفرضين.

المسألة 270:

إذا مات الرجل و ترك بعده ولدا أو أولادا و ترك زوجته حاملا، أخذت الزوجة فرضها و هو الثمن، فان فرضها لا يتغير بسبب الحمل لوجود ولد غيره، و كذلك إذا كان للميت معهم أب أو أم أو كلاهما فان فرض كل منهما و هو السدس لا يتغير بسبب الحمل لوجود ولد غيره، و كان الباقي من التركة للأولاد الموجودين مع الحمل.

فإن رضي الأولاد الموجودون بتأخير القسمة حتى تضع المرأة حملها و يستبين أمره، انتظر كذلك و قسم باقي التركة حسب ما يتبين من الحال، و إذا لم يقبل الموجودون بتأخير حصصهم، عزل للحمل نصيب ولدين ذكرين و وزع الباقي منه على الموجودين منهم.

فإذا وضعت المرأة حملها و كان حيا دفع اليه نصيبه حسب ما ظهر من أمره، فإذا وضعت ذكرين ورثا ما عزل لهما، و إذا وضعت ذكرا و أنثى، أو وضعت أنثيين، أو ذكرا واحدا، أو أنثى واحدة، أخذ المولود نصيبه كما أخذ اخوته و قسم الزائد على جميع الأولاد كما فرض اللّه لهم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، و إذا وضعته ميتا لم يرث شيئا و قسم

ما عزل له على اخوته كما فرض لهم.

و كذلك الحال إذا كان الورثة من المراتب الأخرى في الميراث أو من أهل الطبقات الأخرى و كان الحمل منهم، فيعزل له نصيب ذكرين و يتم الأمر على المنهج المذكور.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 341

المسألة 271:

عزل نصيب ذكرين للحمل في الفروض المتقدم ذكرها و شبهها انما هو احتياط لحفظ ما يحتمل أن يكون نصيبا للجنين بعد أن تضعه أمه حيا، و لا يختص به الحمل قبل أن ينفصل، و نتيجة لذلك، فلا يختص بالحمل نماء ذلك المال إذا نما في مدة عزله، و لا يكون تلفه منه خاصة إذا تلف في تلك المدة، فإذا ولد الحمل حيا قسم المال كله حسب ما تبين من الحال، فيدفع لكل من الجنين المولود و من بقية الورثة حصصهم من مجموع المال و من نمائه، و إذا تلف من المال شي ء في تلك المدة كان تلفه من الجميع.

المسألة 272:

لا فرق في الحكم بين ان يسقط الجنين من بطن أمه بنفسه أو بجناية جان آخر، فإذا كان حيا بعد ان انفصل من بطن أمه كما تقدم ورث، و ان سقط ميتا لم يرث و ان كان حيا قبل ان ينفصل.

المسألة 273:

تقدم في المسألة الحادية و السبعين انه يشترط في حجب الاخوة للأم عما زاد على السدس أن يكونوا مولودين بالفعل حين الإرث، فلا يحجبونها إذا كانوا حملا لم يولدوا، أو كان بعضهم حملا في بطن أمه لم يولد و ان ولدوا بعد ذلك و كانوا أحياء.

المسألة 274:

إذا مات الرجل و ترك ولدا ذكرا، و خلف زوجته حاملا، ورثت الزوجة ثمن التركة، و أخذ الولد الموجود ثلث الباقي من التركة، و عزل الثلثان منه للحمل الى أن يتضح امره حين ولادته، و إذا مات الميت و ترك بنتا واحدة و زوجة حاملا، أخذت الزوجة الثمن، و أخذت البنت الموجودة خمس باقي التركة، و عزلت أربعة أخماسه للحمل الى أن تتبين حاله في الولادة، و إذا مات الميت و ترك بعده ولدا و بنتا، أخذت الزوجة ثمنها، و قسم الباقي أسباعا فكان للولد الموجود سبعان منه و للبنت سبع واحد، و عزل للحمل أربعة أسباعه، و هي نصيب ذكرين حتى يظهر أمر الحمل، و هكذا.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 342

و يجري مثل ذلك إذا ترك الميت بعده اخوة أو أخوات متفقين في جهة النسب و كان بعضهم حملا في بطن أمه، أو ترك أعماما أو عمات متفقين في جهة النسب و كان بعضهم حملا كذلك، فيعزل للحمل نصيب ذكرين الى ان تستبين الحال بالولادة.

المسألة 275:

إذا وضعت الأم حملها حتى انفصل من بطنها و تحرك الجنين بعد انفصاله عنها حركة تدل على وجود الحياة فيه، فحرك يده مثلا أو رجله أو شخص ببصره، أو صدر منه ما يشبه ذلك، ورث نصيبه من تركة الميت كما بيناه، و ان لم يظهر منه صياح أو بكاء، فإذا مات بعد ذلك، انتقل المال الذي ورثه إلى وارثه من بعده، و ان كان غير مستقر الحياة في هذه المدة.

المسألة 276:

يجب على الجاني دفع دية الجنين إذا أسقطه أو قتله عامدا أو مخطئا، و يرثها كل وارث يرث دية القتيل، و قد ذكرنا من يرث الدية و من يمنع منها في المسألة الرابعة و الأربعين و ما بعدها، و ذكرنا تفصيل دية الجنين في المسألة السابعة و الأربعين فليلاحظ ذلك.

المبحث الثاني في ميراث المفقود
المسألة 277:

لا يثبت الميراث و لا تجري أحكامه و آثاره حتى يعلم بموت المورث، أو يثبت ذلك ببينة شرعية أو بوجه شرعي آخر، فإذا غاب الشخص غيبة طويلة و انقطع خبره و لم يعلم أ هو حي أم ميت، لم تنتقل أمواله إلى ورثته بمجرد ذلك، و لم يجز لهم التصرف في حصصهم منها، و ان طالت المدة حتى يثبت موته بأحد المثبتات أو تمر مدة لا يعيش المفقود الى مثلها، و مثال ذلك أن يغيب الرجل و هو ابن ثمانين سنة، و تستمر غيبته عشرين عاما، فيكون قد بلغ منذ ولادته مائة عام، و مثله لا يعيش أكثر منها بحسب العادة، فيقطع بسبب ذلك أو يطمأن اطمئنانا كاملا بموته.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 343

و الحكم المذكور هو ما تقتضيه القواعد الثابتة في الشريعة، و تدل عليه النصوص الآمرة بحفظ مال المفقود الذي لا يدري من عليه الحق أين يطلبه، و لا يدري أ حي هو أم ميت، و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا، و الدالة على وجوب طلبه مهما طالت المدة، و النصوص الأخرى الدالة على ذلك، و على لزوم الوصية به إذا خاف من بيده المال من حدوث حدث عليه، و النصوص الواردة في رجل يموت و يبقى له مال عند أحد، و لم تعرف له ورثة و لا

قرابة حيث دلت على أن المال يحفظ و يترك على حاله حتى يجي ء له طالب، و حتى الروايات الدالة على أن مال الرجل المفقود إذا كان له ورثة ملاء بماله اقتسموه بينهم، فإذا هو جاء ردوا المال عليه، فان ظاهر هذه الروايات ان ذلك نوع من الايتمان على المال لصاحبه و الحفظ له حتى يعلم حاله و ليس من قسمة المواريث المألوفة.

المسألة 278:

إذا فقد الشخص لبعض الطواري التي أوجبت فقده، كغيبة في سفر طويل، أو حدوث حادثة غرق أو غزوة، أو قتال أو ما يشبه ذلك، حتى انقطع خبره فلم يعلم انه حي بعدها أم ميت، وجب التربص و الانتظار في تركته مدة أربع سنين كاملة يفحص فيها عن المفقود في الأطراف و النواحي التي يحتمل وجوده فيها على النحو الذي تقدم تفصيله في المسألة المائة و العشرين من كتاب الطلاق في حكم زوجة المفقود، فإذا انقضت مدة التربص كلها و تم الطلب و الفحص فيها عن المفقود على الوجه الذي بيناه هناك و لم يستبن له خبر و لم تعلم له حال حكم بموته شرعا، و قسمت تركته على وارثيه الموجودين في ذلك الحين، و لا يستحق الوارث الذي مات في أيام فقد الرجل قبل مدة التربص أو مات في أثناء المدة و قبل تمام الفحص، فلا يرث من تركة المفقود شيئا.

المسألة 279:

إذا انتهت المدة المضروبة للتربص، و تم الفحص في جميع المدة على الوجه المطلوب، ثم مات بعض أقارب المفقود بعد ذلك لم يرث المفقود من تركته شيئا، و إذا مات قريبه في أثناء المدة و قبل أن يتم الفحص ورث المفقود نصيبه من تركة ذلك القريب.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 344

المبحث الثالث: في ميراث ولد الملاعنة و ولد الزنا
المسألة 280:

إذا نفى الرجل نسب الولد الذي ولدته زوجته عن نفسه، أو نفى الحمل الذي في بطنها عن نفسه على الوجه الذي تقدم بيانه في فصل اللعان، و جرى اللعان بين الرجل و المرأة على ذلك انقطعت نسبة الولد الى الرجل شرعا، فلا يعود الرجل أبا للولد، و لا يكون الولد ابنا شرعيا للرجل، و انقطع النسب بين الولد و أقرباء الرجل، فلا يكونون بعد اللعان للولد أرحاما، و لا يكون هو لهم قريبا، فلا يرث الولد من الرجل إذا مات قبله و لا يرث أبناء الولد من الرجل إذا مات قبلهم، و لا يرث الرجل من الولد و لا من أبنائه إذا مات بعضهم قبله، و لا يرث الولد و لا أبناؤه من أقرباء الرجل و لا يرثون منه، لانقطاع النسب الشرعي بينهم بسبب اللعان، فلا يكون أولاد الرجل له اخوة لأبيه، و لا يكون آباء الرجل و أمهاته للولد أجدادا و جدات، و لا يكون اخوة الرجل و لا أخواته للولد أعماما و لا عمات، و هكذا في طبقات النسب التي تتصل به من قبل الأب.

المسألة 281:

يثبت النسب الشرعي بين ولد الملاعنة و بين أمه، و لا تجوز نسبته الى الزنا، فإذا قذفه أحد بعد اللعان بنسبته الى الزنا استوجب حد القذف بذلك، و يثبت نسب الولد مع الأرحام الذين يتصلون به من قبل أمه، فأولادها اخوة شرعيون له من قبل أمه، حتى أولادها من ذلك الرجل نفسه، فهم اخوة له من قبل أمه خاصة، و ليسوا اخوة اشقاء، و آباء الأم و أمهاتها أجداد له و جدات، و اخوانها و أخواتها أخوال له و خالات، فيصح نسبه إليهم و يثبت التوارث بينه و

بينهم، سواء كذب الرجل نفسه، فاعترف بالولد بعد اللعان، أم لم يكذب نفسه و لم يعترف بالنسب.

المسألة 282:

إذا نفى الرجل نسب الجنين في بطن زوجته الحامل عن نفسه، و لا عن الزوجة، انتفى نسب الحمل عنه، سواء ولدت واحدا أم اثنين أم أكثر، فلا نسب بينه و بينهم و لا توارث لهم معه و لا مع أقاربه.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 345

المسألة 283:

إذا نفى الرجل الولد أو الجنين عن نفسه و تم اللعان على ذلك، ثم كذب الرجل نفسه بعد اللعان، فاعترف بأن الولد أو الجنين منه و انه كاذب في لعانه، نفذ إقراره في حقه خاصة فإذا مات الرجل ورثه الولد إذا كان موجودا، و إذا مات الولد قبله لم يرث الرجل منه شيئا، و لا يترتب على إقراره أثر من آثار النسب غير ذلك فلا يحل للولد النظر الى محارمه من قبل الأب مثلا، و لا يرث من أقرباء الأب إذا ماتوا قبله كما لا يرثون منه إذا مات قبلهم و ان اعترفوا بنسبه و أنكروا اللعان على الرجل.

المسألة 284:

إذا أنكر الرجل نسبة الحمل اليه و نفاه عن نفسه، و لا عن الزوجة، لعانا تاما فوضعت ولدين، ثبت النسب بينهما من حيث الأم خاصة، و لم يثبت بينهما نسب الأب، فهما أخوان لأم و ليسا أخوين لأب، فإذا مات أحدهما قبل الآخر و ليس له وارث أقرب منه، فللموجود منهما من تركة الميت ميراث الأخ للأم.

المسألة 285:

لا فرق بين ولد الملاعنة و غيره في النصيب إذا ورث من أمه أو من أحد أقاربها، فإذا ماتت الأم و ليس لها وارث غيره، ورث التركة كلها سواء كان ذكرا أم أنثى على التفاصيل التي بيناها في ميراث الولد الذكر أو الأنثى، و إذا تركت عدة أولاد و هو أحدهم جرى فيهم حكم ميراث الأولاد المتعددين من حيث مقدار النصيب، و من حيث الإرث بالرد في بعض الفروض، و من حيث الاقتسام بالتساوي أو بالتفاضل، و إذا مات بعض قرابة الأم قسم المال بين ورثته و استحق ولد الملاعنة نصيبه من التركة بحسب الموازين الشرعية في الميراث و في كيفية الاقتسام.

المسألة 286:

إذا مات ولد الملاعنة ورثته أمه و أولاده الذكور و الإناث من أهل الطبقة الأولى، فإذا لم يكن له أولاد قام مقامهم أولادهم، و كان ميراثهم على الموازين التي تقدم بيانها في ميراث الأم و الأولاد.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 346

فإذا ترك أمه وحدها، ورثت ثلث المال بالفرض و استحقت الباقي بالرد، و إذا ترك ولدا ذكرا و لم يترك معه غيره، ورث المال كله بالقرابة، و إذا خلف ولدين ذكرين أو أولادا ذكورا، ورثوا جميع التركة و اقتسموها بالسواء.

و إذا خلف بعده بنتا واحدة ورثت نصف المال بالفرض و الباقي بالرد، و إذا خلف بعده بنتين أو أكثر، ورثن ثلثي التركة بالفرض و الباقي بالرد و اقتسمن الجميع بينهن بالسواء، و إذا خلف بعده أولادا و بنات اقتسموا المال لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.

و إذا ترك أما و ولدا ذكرا أو أولادا ذكورا، كان للأم سدس التركة و كان الباقي للولد أو الأولاد على النهج الآنف ذكره، و إذا ترك بعده أما و

بنتا كان للأم السدس و للبنت النصف، ورد الثلث الباقي من التركة على الأم و البنت أرباعا، فللأم منه الربع و للبنت ثلاثة أرباعه، إلى آخر ما فصلنا ذكره في مبحث ميراث الآباء و الأولاد.

المسألة 287:

إذا لم تكن لولد الملاعنة أم و لا أولاد و لا أحفاد، ورثه أجداده و جداته من قبل أمه و اخوته و أخواته من قبلها على نهج ما ذكرناه في ميراث الطبقة الثانية و إذا لم يكن له اخوة قام أولادهم مقامهم، و إذا فقد أهل الطبقة الثانية ورثه الأخوال و الخالات و أولادهم، و إذا فقد الأقرباء الوارثون، ورثه المعتق، ثم ضامن الجريرة، ثم امام المسلمين (ع).

المسألة 288:

إذا ترك ولد الملاعنة بعد موته زوجة أو زوجا أخذ نصيب الزوجية فيأخذ الزوج النصف و تأخذ الزوجة الربع ان لم يكن له ولد و يأخذ الزوج الربع و الزوجة الثمن ان كان له ولد و يكون الباقي للورثة الآخرين.

المسألة 289:

إذا تعارف الشخصان ما بينهما، و كانا بالغين عاقلين مختارين، و أقر أحدهما بأن الآخر ولده، أو أخوه أو قريبه في النسب، و صدقه

كلمة التقوى، ج 7، ص: 347

الآخر في قوله، و لم يعلم بكذبهما، نفذ إقرارهما في حقهما و توارثا على ذلك، فإذا مات أحدهما ورثه الآخر إذا لم يكن له وارث أقرب منه، و لم يحتج إلى إقامة البينة على وجود النسب ما بينهما، و يشكل الحكم بثبوت التوارث بينهما إذا وجد للميت وارث آخر مساو للوارث المقر به أو أبعد منه، و لا يترك الاحتياط.

و يشكل الحكم أيضا بالتعدي من الشخصين المتعارفين الى غيرهما من أقربائهما، و لا يترك الاحتياط فيه كذلك.

المسألة 290:

لا يتحقق النسب من الزنا لا من قبل الرجل الزاني و لا من قبل المرأة الزانية، فلا يرث ابن الزنا أباه و لا أحدا ممن يتصل به من قبل أبيه إذا مات أحدهم قبله، و لا يرثونه إذا هو مات قبلهم، و لا يرث أمه و لا أقرباءها و لا يرثون منه كذلك.

و ينحصر النسب المقتضي للتوارث بينه و بين أولاده من النكاح الصحيح ذكورا و إناثا، و أولاد أولاده كذلك، و يقع التوارث معه أيضا بسبب الزوجية، فإذا تزوج ابن الزنا ثم مات ورثت الزوجة بعد موته الربع أو الثمن، و إذا تزوجت بنت الزنا ثم ماتت، كان للزوج النصف أو الربع، و إذا لم يكن له عقب ورثه المعتق، ثم ضامن الجريرة، فان لم يكن له وارث ورثه امام المسلمين (ع).

المسألة 291:

الولد من نكاح الشبهة كالولد من النكاح الصحيح، فيثبت النسب بينه و بين الواطئ بالشبهة، و بينه و بين أقرباء الواطئ، فأولاد الواطئ اخوة له، و آباؤه و أمهاته أجداد و جدات للولد، و اخوة الواطئ و أخواته أعمام و عمات، و يقع التوارث بينهم من غير فرق بينه و بين المولود بالنكاح الصحيح، و يثبت النسب بين المولود بالشبهة و بين المرأة الموطوءة بالشبهة، و بينه و بين قرابتها من أولاد و آباء و اخوان على نهج ما ذكر في الرجل، و يقع التوارث بينه و بينهم كذلك و يجري في الجميع على طبقات الوارثين في النكاح الصحيح أيضا.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 348

المسألة 292:

يلحق الولد بالواطي إذا كان وطؤه عن شبهة، و يثبت بينهما النسب و يقع بينهما التوارث كما ذكرنا، سواء كانت الأم مشتبهة كذلك أم كانت عالمة بالتحريم، و يلحق الولد بالأم إذا كانت مشتبهة، و يثبت النسب بينها و بين الولد و يثبت التوارث، سواء كان الأب مشتبها أيضا أم كان عالما بالتحريم.

و إذا اختلف الرجل و المرأة، فكان أحدهما معتقدا لإباحة الوطء و كان الآخر عالما بالحرمة اختص كل واحد منهما بحكمه، فيكون العالم بالحرمة منهما زانيا، فلا يلحق به الولد و لا يصح معه النسب و لا يقع التوارث، و يصح النسب و يقع التوارث مع الآخر المعتقد للإباحة.

المسألة 293:

تعرضنا لبيان المراد من وطء الشبهة الذي يلحق به النسب في المسألة المائة و الحادية و الثلاثين من كتاب النكاح، و في المسألة المائة و السادسة و الثلاثين من كتاب الطلاق، فليرجع إليهما لتعلقهما بهذه الأحكام، و الشبهة من الرجل و المرأة في ذلك على حد سواء، فالمعنى المراد فيهما واحد، و الأحكام فيهما واحدة.

المبحث الرابع في ميراث الغرقى و المهدوم عليهم
المسألة 294:

إذا سبق أحد الشخصين المتوارثين فمات قبل قريبه، و بقي الآخر حيا بعده، كان الباقي وارثا، و الميت منهما مورثا، مع توفر شروط التوارث فيهما، و مثال ذلك أن يموت الأب قبل ولده أو يموت الولد قبل أبيه، و أن يموت الأخ قبل أخيه أو أخته، أو بالعكس، و إذا اقترن موت الشخصين لبعض الطواري أو في بعض الحالات، لم يرث أحدهما من الآخر شيئا، لعدم وجود شرط الإرث، و هو بقاء الوارث حيا بعد موت الموروث، و يكون الميراث للأحياء من الوارثين.

و قد يلتبس الأمر في بعض الحالات، فلا يدرى أسبق أحد الشخصين على صاحبه بالموت أم تقارنا، فيشكل الحكم بالإرث و عدمه، ما لم

كلمة التقوى، ج 7، ص: 349

يحرز وجود الشرط المذكور بقرينة توجب العلم أو بأمارة شرعية تدل عليه أو أصل شرعي يعتمد عليه.

المسألة 295:

إذا مات شخصان في حادثة غرق أو انهدام بيت أو جدار عليهما، و كان بين الغريقين أو المهدوم عليهما نسب أو سبب يوجب الإرث لكل من الشخصين للآخر، ورث كل واحد من الشخصين صاحبه شرعا، مع وجود الشروط الآتي ذكرها، سواء انفرد بميراثه وحده، لعدم وجود وارث غيره، أم كان معه وارث آخر يشاركه في ميراث التركة، و هكذا إذا كان الغرقى أو المهدوم عليهم أكثر من اثنين مع توفر الشروط فيهم جميعا.

و يشترط في ثبوت التوارث بين الغرقى و المهدوم عليهم، أولا: أن يكون لكل واحد منهم نسب أو سبب يوجب الإرث بالفعل من الآخرين كما ذكرنا، فلا يحكم بالتوارث إذا كان ممنوعا من الإرث لوجود وارث أقرب منه، أو لوجود مانع له من الإرث كالكفر و الرق و القتل.

و يشترط في ثبوت هذا الحكم ثانيا:

أن يكون لكل واحد من موتى الحادثة مال أو يكون لأحدهم مال، ليحكم بانتقاله الى الميت الآخر، و إذا لم يكن لأحدهم مال لم يكن للحكم بالتوارث أثر.

و يشترط فيه ثالثا: أن يجهل من سبق موته منهم، فإذا غرق الأب و الولد مثلا، و علم بأن الأب مات قبل الولد كان الوارث هو الولد لتحقق شرط الميراث فيه و هو حياته بعد أبيه، و لم يرث الأب منه شيئا، و إذا علم بأن الولد مات قبل الأب كان الوارث هو الأب و لم يرث الولد منه شيئا، و هو واضح، و انما يحكم بالتوارث للدليل الخاص مع الجهل بالسابق منهما بالموت قبل صاحبه.

المسألة 296:

إذا مات الشخصان في حادثة الغرق أو الهدم، و اجتمعت فيهما الشروط التي ذكرناها في المسألة المتقدمة ورث كل واحد من الشخصين نصيبه من تركة الآخر التي خلفها بعد موته، و لا يرث من المال الذي

كلمة التقوى، ج 7، ص: 350

ينتقل الى الآخر بالميراث بسبب الحادثة نفسها من هذا الوارث أو من غيره من موتى الحادثة.

فإذا غرق أب و ولد، و ترك الأب بعده مائتي دينار، و ترك الولد بعده مائة دينار، ورث الأب نصيبه الشرعي من المائة التي تركها ولده حين الغرق خاصة، و يعود ذلك ميراثا لورثة الأب الإحياء بعد الحادثة، و ورث الولد نصيبه الشرعي من المائتين التي تركها أبوه، و يعود ذلك ميراثا لورثة الولد الأحياء بعد الحادثة، و لا يرث الأب شيئا من المال الذي ورثه الولد من تركة الأب نفسه، و لا يرث الولد شيئا من المال الذي ورثه الأب من تركة الولد نفسه بسبب الحادثة.

و هكذا إذا غرق أخوان و خلف كل واحد منهما

مالا، ورث كل واحد من الأخوين من مال أخيه الغريق معه الذي تركه عند الموت دون المال الذي ينتقل إليه بالإرث في الحادثة نفسها.

المسألة 297:

إذا مات الغريقان أو المهدوم عليهما، و اجتمعت فيهما الشروط الآنف ذكرها، ورث بعضهما من بعض على طبق الموازين الشرعية في الميراث، فقد ينفرد الوارث منهما بالتركة كلها، و مثال ذلك ان يغرق الأب و الولد معا، و لا وارث للأب مع الولد الغريق، فيأخذ الولد تركة الأب كلها، و لا وارث للولد أيضا مع الأب الغريق، فيأخذ الأب تركة الولد كلها، ثم ينتقل ميراث كل واحد منهما الى ورثته الأحياء من المراتب أو من الطبقات الأخرى.

و قد ينفرد أحدهما بتركة صاحبه فيأخذها جميعا و يشترك الثاني مع وارث غيره، فيأخذ كل منهما نصيبه المعين له شرعا، و مثال ذلك:

أن يغرق الأب و الولد، و لا وارث للولد غير أبيه، فتكون تركة الولد الغريق كلها للأب، و يكون للأب ولدان ذكران أحدهما الغريق معه، فيقسم المال الأصلي للأب نصفين: أحدهما لولده الغريق معه، و النصف الآخر لولده الثاني، ثم ينتقل نصيب الولد الغريق من تركة أبيه إلى ورثته الأحياء، و يعود نصيب الأب و هو جميع تركة ابنه الغريق، و يعود معه النصف الثاني من تركة الأب نفسه ميراثا لولده الحي.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 351

و قد يشترك كل من الغريقين مع وارث آخر أو أكثر، فيأخذ نصيبه المقدر له خاصة من تركة الغريق الثاني، و مثال ذلك أن يغرق أخوان، يرث أحدهما الآخر، و يكون لهما اخوة آخرون يرثون منهما أيضا، فتقسم تركة كل من الغريقين على اخوته جميعا و منهم أخوه الغريق معه، ثم ينتقل نصيبه إلى إخوته الأحياء.

المسألة 298:

إذا مات الغريقان أو المهدوم عليهما، و ترك أحدهما مالا، و لم يترك الثاني بعد موته شيئا يورث، اختص حكم التوارث بأحد الطرفين، فيرث

الغريق الذي لا مال له نصيبه من تركة الآخر، فينفرد بالتركة كلها إذا لم يكن معه وارث غيره، و يأخذ حصته المقدرة له إذا وجد معه شريك آخر، ثم ينتقل ما استحقه من المال الى ورثته الأحياء من بعده، و لا يرث الغريق الآخر شيئا، فقد فرضنا انه لا مال لصاحبه ليرث منه، و لا يرث من تركة نفسه بعد ما تنتقل الى الغريق الآخر بالميراث.

المسألة 299:

إذا غرق الزوج و الزوجة فماتا، ورث الزوج نصف تركة زوجته إذا لم يكن لها ولد منه و لا من غيره، ورث ربع التركة إذا كان لها ولد، و ورثت الزوجة ربع تركة الزوج إذا لم يكن له ولد و أخذت الثمن ان كان له ولد، ثم ينتقل ما ورثه الزوج من مال زوجته و هو النصف أو الربع، و ما بقي من تركته بعد إخراج نصيب الزوجة و هو الربع أو الثمن و يعود جميع ذلك ميراثا لورثة الزوج الأحياء.

و ينتقل ما ورثته الزوجة من مال زوجها و هو الربع أو الثمن، و ما بقي من تركتها بعد إخراج نصيب الزوج منها و هو النصف أو الربع فيكون جميع ذلك ميراثا لورثة الزوجة الأحياء.

المسألة 300:

إذا غرقت الزوجة و بنتها و بقي الزوج و هو أبو البنت، كان للزوج ربع تركة الزوجة، سواء كان للزوجة ولد آخر غير البنت الغريقة معها أم لا، و كان الباقي من تركة الزوجة لبنتها بالفرض و الرد إذا لم يكن

كلمة التقوى، ج 7، ص: 352

معها من يشاركها في الميراث، و قسمت تركة البنت الغريقة على أبيها و أمها فللأم الثلث و للأب الثلثان.

و إذا غرق الزوج و بنته و بقيت الزوجة و هي أم البنت، ورثت الزوجة الثمن من تركة زوجها، و كان الباقي للبنت بالفرض و الرد إذا لم يكن معها من يشاركها في ميراث أبيها، و قسمت تركة البنت على أبيها و أمها فللأم ثلث التركة، و لأبيها الغريق الثلثان.

و من ذلك يعلم الحكم بالتوريث في ما إذا غرق الزوج و الزوجة و البنت، فيرث بعضهم من بعض من تركته الأصلية، و لا يرث منه مما

وصل اليه بالميراث من غريق معه سواء كان هو الغريق الذي ورثه أم غيره، و يرجع ما يصل اليه بالميراث من الغرقى أنفسهم إلى ورثته الأحياء خاصة، و كذلك إذا زاد الغرقى أو المهدوم عليهم عن ثلاثة.

المسألة 301:

إذا غرق شخصان و كان أحدهما يرث الآخر بالفعل، و كان الآخر لا يرث الأول لوجود من هو أقرب منه، أشكل الحكم بالتوريث من طرف واحد، و من أمثلة ذلك أن يغرق أخوان شقيقان، و يكون للكبير منهما ولد، فلا يرثه اخوه الغريق معه لوجود ولده، و لا يكون للصغير وارث غير أخيه لأنه أقرب الناس إليه، ففي توريث الكبير من الصغير في هذا الفرض إشكال.

المسألة 302:

قد تعرض بعض الحالات من الغرقى أو المهدوم عليهم، يكون بعض الأشخاص في الحادثة وارثا للأشخاص الآخرين بالفعل، و يكون الأشخاص الآخرون فيها غير وارثين الا على فرض غير معلوم، و مثال ذلك أن يغرق الرجل و يغرق معه ولداه، فان التوارث بين الأب و الولدين معلوم على كل حال، و لكن التوارث بين الولدين لا يكون حتى يعلم بموت الأب قبلهما فان الأخوين لا يتوارثان الا بعد فقد الأب، و هذا الفرض غير معلوم، و من أجل ذلك فلا يصح الحكم بالتوارث في مثل هذه الحالة لعدم إحراز الشرط المعتبر في التوارث.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 353

المسألة 303:

لا يترك الاحتياط بأن يقدم من هو أضعف نصيبا من صاحبه، فيورث قبل الآخر، ثم يورث من هو أكثر نصيبا بعده، و ان لم يكن لهذا التقديم أثر في تكثير حصة الوارث، فقد سبق ان التوريث بينهم انما هو في التركة الأصلية و لا يشمل ما وصل اليه بالميراث من موتى الحادثة الآخرين.

المسألة 304:

المدار أن تتحد حادثة الغرق أو الهدم التي أوجبت موت الغرقى و المهدوم عليهم، و من أجل ذلك فلا يعتبر أن تتحد السفينة التي غرقوا فيها أو البيت الذي انهدم عليهم، فإذا ركبوا في سفينتين أو أكثر و غرقت السفن معا في أمكنة متقاربة من البحر بسبب عاصفة شديدة واحدة أو بسبب هياج البحر و نحو ذلك و غرق الأشخاص للحادثة فالظاهر شمول الحكم لموتى الحادثة إذا اجتمعت فيهم شروط الحكم، و كذلك في حادثة الهدم فلا يشترط اتحاد البيت. بل لا يبعد شمول الحكم لما يوجب الهدم من الهزة الأرضية فانهدمت بها عدة منازل متقاربة في وقت واحد فمات الأشخاص و اشتبه المتقدم و المتأخر، و لا يشمل الحكم ما إذا تباعدت البيوت أو اختلفت الأوقات بحيث لا تعد حادثة واحدة.

المسألة 305:

لا يحكم بالتوارث على الأظهر بين الشخصين أو الأشخاص إذا ماتوا بغير الغرق و الهدم من الأسباب التي توجب الاشتباه في التقدم و التأخر في الموت، كحوادث التصادم و التحطم في وسائل النقل من سيارات و قطارات و طائرات و غيرها، أو ماتوا حتف أنوفهم كذلك من غير سبب ظاهر، أو ماتوا في حوادث حريق أو معركة قتال و شبه ذلك فلا يتعدى في الحكم الى غير الغرقى و المهدوم عليهم.

فان علم بتقارنهم بالموت أو احتمل ذلك لم يرث بعضهم من بعض، لعدم إحراز شرط الميراث، و ان علم بسبق بعضهم على بعض في الموت و لم يعلم السابق منهم على التعيين رجع الى القرعة، و إذا جهل السبق

كلمة التقوى، ج 7، ص: 354

و التأخر بينهم أشكل الحكم فيه، فلا يترك الرجوع في ذلك الى الاحتياط، و خصوصا إذا علم التاريخ في

موت أحدهم و جهل في الآخرين.

المبحث الخامس: في ميراث الخنثى
المسألة 306:

الخنثى انسان يكون له فرج الذكر و قبل الأنثى معا، و من أجل ذلك يلتبس أمره: أذكر هو فيعطى ميراث الذكور، أم أنثى فيعطى ميراث الإناث؟ فإن وضح من القرائن أو من فحوص من يعتمد عليه من أهل الخبرة أن أحد العضوين بعينه هو الأصلي فيه و ان الثاني هو الزائد في خلقته لحقه حكمه، و من ذلك ان يحتلم بعد بلوغه من عضو الذكورة فقط كما يحتلم الرجال، فيكون له حكم الرجال، أو يحيض من جهاز الأنوثة فقط كما تحيض الإناث، فيكون له حكم النساء.

فان لم يتضح حاله بشي ء من ذلك، نظر إليه في البول فان كان بوله يخرج من فرج الرجل خاصة فهو ذكر، و ان كان بوله من قبل الأنثى فهو أنثى، و ان كان يبول من كلا الفرجين لوحظ أيهما أسبق في ابتداء البول، فان كان بوله يبدأ من الذكر أولا فهو ذكر و ان كان يبدر من قبل الأنثى أولا فهو أنثى، و ان تساويا في ذلك عول على قوة الدفع و الانبعاث منه فأيهما كان الانبعاث منه أقوى و أكثر، لحقه حكمه، و يشكل التعويل على انقطاع البول أخيرا كما يراه جماعة، و يشكل الاعتماد على رواية عد الأضلاع كما ذهب اليه آخرون.

المسألة 307:

إذا ترك الميت من بعده ولدا ذكرا و ولدا خنثى، و لم يتضح أمر الخنثى بشي ء من العلامات الشرعية الآنف ذكرها، دفع اليه نصف ميراث الذكر و نصف ميراث الأنثى.

و كيفية تقسيم الفريضة بينهما، أن يفرض الخنثى ذكرا، و معنى ذلك ان الميت ترك ولدين ذكرين، فتكون التركة على هذا التقدير سهمين لكل من الولدين سهم، ثم يفرض الخنثى أنثى، و نتيجة ذلك ان الميت ترك

ولدا ذكرا و أنثى و تكون التركة ثلاثة سهام، سهمان منها للذكر

كلمة التقوى، ج 7، ص: 355

و سهم للأنثى، و الاثنان و الثلاثة من الأعداد المتباينة و القاعدة فيها أن يضرب أحد العددين في الآخر، و حاصل ضرب الاثنين في الثلاثة يبلغ ستة، فإذا أردنا تنصيف حصة الذكر و حصة الأنثى لنستخرج بذلك نصيب الخنثى ضربنا الستة في اثنين لأنها مخرج النصف و حاصل الضرب اثنا عشر، و يجعل ذلك أصل الفريضة.

فإذا فرضنا الخنثى ذكرا كان نصيبه منها ستة، و إذا فرضناه أنثى كان نصيبه منها أربعة، و مجموع النصيبين يبلغ عشرة، فيعطى الخنثى نصف ذلك و هو خمسة، و يدفع للذكر سبعة من الاثني عشر.

و إذا خلف الميت من بعده بنتا واحدة و ولدا خنثى اتبعت الطريقة المتقدمة في كيفية التقسيم، لاتحاد السبيل في الفرضين، و نصيب الخنثى من الاثنى عشر إذا فرضناه ذكرا هو ثمانية، و نصيبه إذا فرضناه أنثى هو ستة، و مجموع النصيبين أربعة عشر، فيدفع له نصف ذلك و هو سبعة و تعطى الأنثى خمسة.

المسألة 308:

إذا ترك الميت من بعده ولدين ذكرين و ولدا خنثى، فكيفية تقسيم التركة بينهم أن يفرض الخنثى ذكرا، فتكون الفريضة ثلاثة سهام، لكل ولد سهم، ثم يفرض أنثى، فتكون الفريضة خمسة، لكل واحد من الولدين الذكرين سهمان، و للخنثى و قد فرضناه أنثى سهم واحد، فتضرب الثلاثة في الخمسة لأنهما عددان متباينان كما تقدم و حاصل الضرب خمسة عشر، ثم يضرب ذلك في اثنين و هي مخرج النصف، فيبلغ حاصل الضرب ثلاثين، و يكون ذلك أصل الفريضة.

فإذا فرضنا الخنثى ذكرا كان نصيبه من الثلاثين عشرة، و لكل واحد من الذكرين عشرة أيضا، و إذا

فرضناه أنثى كان نصيبه من الثلاثين ستة و هي خمسها، و لكل واحد من الولدين الذكرين اثنا عشر و هي خمسان منها، و مجموع نصيبي الخنثى في الفرضين يبلغ ستة عشر، فيدفع له نصف ذلك و هو ثمانية، و يكون لكل واحد من الذكرين أحد عشر.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 356

المسألة 309:

إذا ترك الميت بنتين و ترك معهما ولدا خنثى، فرضنا الخنثى أولا ولدا ذكرا فتقسم التركة إلى أربعة سهام، لكل واحدة من البنتين سهم واحد، و للخنثى و قد فرضناه ذكرا سهمان، ثم فرضناه أنثى فتكون القسمة ثلاثة سهام، لكل واحدة من البنتين و للخنثى و قد فرضناه أنثى سهم واحد، ثم ضربنا الأربعة في ثلاثة لأنهما عددان متباينان، و حاصل الضرب هو اثنا عشر، ثم ضربنا الاثني عشر في اثنين لأننا نريد التنصيف للخنثى، و حاصل ضرب ذلك يبلغ أربعة و عشرين، و نصيب الخنثى من الأربعة و العشرين إذا فرضناه ذكرا هو اثنا عشر، و نصيبه منها إذا فرضناه أنثى هو ثمانية، و مجموع النصيبين هو عشرون، فيدفع له نصفهما و هو عشرة، و يدفع لكل واحدة من البنتين سبعة من الأربعة و العشرين.

المسألة 310:

إذا ترك الميت ولدا خنثى و لم يترك معه ولدا غيره ذكرا و لا أنثى أخذ نصيب الولد كله، فإذا لم يكن معه وارث آخر انفرد بالتركة كلها، و إذا كان معه أب أو أم للميت أخذ الأب و الأم نصيبهما و هو السدس و كان الباقي للولد الخنثى، و إذا كان معه زوج أو زوجة للميت أخذ الزوج الربع أو أخذت الزوجة الثمن و كان الباقي للخنثى.

المسألة 311:

تجري الأحكام الآنف ذكرها في ميراث الخنثى إذا كان أخا للميت و اجتمع مع اخوة له أو أخوات، أو كان عما للميت و اجتمع مع أعمام له أو عمات، و كان الذكر يختلف عن الأنثى في مقدار النصيب، فتتبع الأحكام و الطرائق المتقدمة في كيفية التقسيم.

المسألة 312:

إذا ولد انسان له رأسان و صدران على حقو واحد اعتبر حاله في ايقاظه عند استغراقه في النوم، فان استيقظ أحدهما و لم يستيقظ الآخر فهما اثنان فيرثان من قريبهما إذا مات عنهما ميراث شخصين،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 357

و ان انتبها معا فهو شخص واحد فيستحق ميراث واحد، و كذلك إذا كان له رأسان على بدن واحد.

و قد ورد عن الامام الصادق (ع) وجود الحالة الأولى في عهد أمير المؤمنين (ع)، و تكرر في النقل وجود مثلها في فترات أخرى من التأريخ، و قد رأيت جنينا من المعزى ولدته أمه على عكس هذه الحالة فكان له رأس واحد، و يدان و صدر واحد على بطنين و أربعة أرجل، و كان ميتا.

المسألة 313:

تتبع العلامة المذكورة بالإضافة إلى سائر الأحكام الأخرى أيضا كما تتبع في الميراث، فإذا نبه أحدهما من نومه فاستيقظ و لم يستيقظ الآخر، حكم عليهما بالتعدد من حيث الأحكام الأخرى، فتجب الصلاة و الصيام و الحج مثلا على كل واحد منهما، و تجب عليه الطهارة إذا حدث له أحد أسبابها من حدث أكبر أو حدث أصغر، فيجب عليه أن يغسل أعضاء الوضوء الخاصة به كالوجه و اليدين و يمسح رأسه ثم يمسح القدمين المشتركة بينه و بين الآخر فإذا فعل ذلك و صلى صحت صلاته و ان لم يتطهر الآخر و لم يصل، سواء كان الحدث الأصغر خاصا به كما إذا نام و لم ينم الآخر أم كان مشتركا بينهما كما إذا بال أو تغوط لأن مخرج البول و الغائط فيهما واحد فيكون حدث أحدهما حدثا للآخر.

و إذا أحدث بالحدث الأكبر و كان الحدث خاصا به كما إذا مس الميت وجب عليه أن

يغسل أعالي بدنه الخاصة به و يغسل الأسافل المشتركة بينه و بين الآخر و هي من الحقو فما تحته فيغتسل كذلك على النهج الشرعي للغسل من الحدث و يصح غسله و تصح صلاته به، و كذلك إذا اغتسل من الجنابة أو من الحيض أو الأحداث الأخرى، و ان وجب الغسل على الآخر أيضا لاتحاد المخرج فالحدث من أحدهما حدث من الآخر و إذا امتثل أحدهما على الوجه الصحيح صح غسله و صحت صلاته و ان لم يمتثل الآخر فلم يغتسل أو اغتسل و لم يصل.

و إذا كانا ينتبهان من النوم معا إذا نبه أحدهما حكم بأنه شخص واحد في الأحكام فعليه أن يأتي بصلاة واحدة و صوم واحد و حج واحد

كلمة التقوى، ج 7، ص: 358

و هكذا و إذا أحدث وجب عليه غسل جميع ما يغسل من أعضاء الوضوء من بدنه و مسح ما يمسح منها و لا يكتفى بغسل بعض دون بعض أو بمسح بعض دون بعض، و يسهل الأمر ندرة وجود مثله.

المسألة 314:

إذا ولد انسان و لم يكن له فرج ذكر و لا قبل أنثى، بل كان له ثقب يبول منه أو كان يبول و يتغوط من دبره، رجع في أمره الى القرعة، فيكتب على سهم (عبد اللّه) و يكتب على سهم آخر (أمة اللّه) و يطرح السهمان في سهام أخرى غير مكتوبة، ثم يقول من يوقع القرعة كما في صحيحة الفضيل بن يسار: اللهم أنت اللّه لا إله إلا أنت عالم الغيب و الشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون، بين لنا أمر هذا المولود كيف يورث ما فرضت له في الكتاب، و تشوش السهام ثم يعمل على

أول سهم يخرج من السهمين المكتوبين، فيكون التوريث عليه، و كذلك إذا ولد المولود حيا فغرق قبل أن يعلم حاله أذكر هو أو أنثى، فيرجع الى القرعة.

المسألة 315:

لا يترك الاحتياط بقراءة الدعاء المذكور، و القرعة المذكورة انما هي لبيان حاله في الميراث خاصة فلا تترتب عليها أحكامه الأخرى، و إذا اتفق لذلك الإنسان ميراث آخر احتاج الى قرعة أخرى و لم يعمل فيه على القرعة الأولى.

الفصل الحادي عشر في مخارج الفروض و طريقة الحساب
المسألة 316:

الفروض هي الحصص المخصوصة التي حددها اللّه سبحانه في الكتاب لبعض الوارثين، و هي ستة، و قد ذكرناها و ذكرنا الوارثين الذين عينها اللّه لهم في المسألة الرابعة من كتاب الميراث.

و مخرج الفرض هو أقل عدد يخرج منه الفرض صحيحا من غير كسر، و مخارج الفروض المذكورة خمسة، فالاثنان أقل عدد يخرج

كلمة التقوى، ج 7، ص: 359

منه النصف صحيحا من غير كسر، فهي مخرج النصف، و الثلاثة أقل عدد يخرج منه الثلث و الثلثان، فهي مخرجهما، و الأربعة أقل عدد يخرج منه الربع، و الستة مخرج السدس و الثمانية مخرج الثمن.

فإذا اجتمع وارثان يستحق كل واحد نصف التركة، قسمت التركة سهمين متساويين و أخذ كل واحد منهما سهما، و مثال ذلك أن تموت امرأة و تترك بعدها زوجا و أختا واحدة لأبوين أو أختا لأب، فتنصف التركة بين الزوج و الأخت بالسواء، و كذلك إذا اجتمع وارث يستحق النصف مع وارث يستحق بقية المال، و مثاله أن تموت المرأة و لها زوج و أخ شقيق أو أخ لأب، فيأخذ الزوج النصف، و يرث الأخ البقية.

و إذا اجتمع فريقان من الورثة، فريق يستحق ثلث التركة، و فريق يستحق الثلثين، قسم المال ثلاثة سهام متساوية، و دفع واحد منها للفريق الأول، و اعطي السهمان الآخران الى الفريق الثاني، و مثال ذلك ان يموت الميت و له اخوة متعددون لأمه، و أخوات لأبويه كليهما أو لأبيه خاصة، فيقسم

المال بين الفريقين كذلك و يدفع الثلث لكلالة الأم بالسوية و يدفع الثلثان للأخوات بالسوية، و كذلك إذا ورث الفريق الأول الثلث، و ورث الفريق الثاني بقية المال، و مثاله أن يموت الميت و له اخوة متعددون لأمه، و أخ أو اخوة متعددون لأبويه كليهما أو لأبيه خاصة، فيدفع الثلث لكلالة الأم و يدفع الباقي للإخوة الآخرين أو يموت الميت و له أب و له أم و ليس له اخوة يحجبون الأم، فيدفع للأم ثلث المال و يدفع للأب الباقي من المال.

و إذا اجتمع وارثان يستحق أحدهما الربع و يرث الثاني ما بقي من التركة، قسم المال أربعة سهام متساوية، و دفع للوارث الأول منها سهم واحد، و كان للوارث الثاني ثلاثة سهام، و من أمثلة ذلك أن تموت المرأة و لها زوج و ولد فتقسم تركتها أربعة أقسام كما ذكرناه فيأخذ الزوج سهما و يرث الولد ثلاثة سهام، و من أمثلته أيضا ان يموت الرجل و يترك زوجة و أبا، أو يترك زوجة و أخا لأب، فتقسم تركته أربعة سهام متساوية و يدفع للزوجة أحدها و يدفع للأب أو الأخ ما بقي.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 360

و إذا اجتمع وارثان يرث أحدهما السدس و يستحق الآخر ما بقي، و مثاله أن يموت الميت و له أب و ولد، أو أم و ولد فتقسم التركة ستة سهام و يعطى الأب أو الأم سهما واحدا و يدفع الباقي للولد، و مثاله أيضا ان يموت الميت و له أخ أو أخت لأمه، و أم أو أخوة لأبويه، فيعطى الأخ أو الأخت لأمه سهما واحدا من ستة، و يكون الباقي للأخ أو الأخوة الأشقاء.

و إذا اجتمع وارثان يرث

أحدهما الثمن و يرث الآخر ما بقي و مثاله ان يموت الرجل و يترك بعده زوجة و ولدا فتقسم تركته ثمانية سهام و يدفع للزوجة واحد منها و يعطى الولد ما بقي.

المسألة 317:

إذا كان للميت وارثان و كلاهما من أصحاب الفروض، نظر في مخرج كل من الفرضين المعينين لهما و طبقت ما بينهما قاعدة الحساب الآتي بيانها، و سنذكر بعض الأمثلة الموضحة لها، و كذلك إذا كان الورثة أصحاب الفروض أكثر من اثنين، و انما يعمل ذلك لتكون سهام الوارثين ذوي الفروض أعدادا صحيحة لا كسر فيها، و مثله ما إذا كان الفريق الوارث بالفرض ممن تنكسر سهامه إذا قسمت على عدد افراده، كما إذا كانت سهامه المفروضة له أربعة و كانت أفراده خمسة أو ستة، فتتبع قاعدة الحساب الآتية بين عدد سهامه و عدد أفراده لتكثر السهام و يتخلص من الكسر.

المسألة 318:

كل عدد نلاحظه مع عدد آخر فقد يكونان متساويين في المقدار، كخمسة مع خمسة و عشرة مع عشرة، و عشرين مع عشرين و مائة مع مائة، و قد يكونان مختلفين فيه، و إذا اختلفا في المقدار، فقد يكون العدد الأقل منهما يفني العدد الأكثر إذا أسقطناه منه مرتين أو أكثر حتى لا يبقى من العدد الأكثر شي ء، و مثال ذلك خمسة مع عشرة أو مع خمسة عشر أو مع عشرين، فانا إذا أسقطنا الخمسة مرتين لم يبق من العشرة شي ء في المثال الأول، و إذا أسقطناها ثلاث مرات لم يبق

كلمة التقوى، ج 7، ص: 361

شي ء في المثال الثاني، و إذا أسقطناها أربع مرات لم يبق شي ء في المثال الثالث، و هكذا، و يسمى العددان متداخلين.

و إذا كان العدد الأقل لا يفني العدد الأكثر، فقد يكون لهما عدد آخر يفنيهما معا إذا أسقطناه منهما كذلك، فلا يبقى من العدد الأقل و لا من الأكثر شي ء، و مثال ذلك الأربعة و الستة، و الأربعة و العشرة،

فإن الاثنين تفني الأربعة إذا أسقطناها منها مرتين و تفني الستة إذا أسقطناها منها ثلاث مرات في المثال الأول، و تفني العشرة إذا أسقطناها خمسا في المثال الثاني، و من أمثلة ذلك الستة و التسعة و الخمسة عشرة، فإن عدد الثلاثة يفنيها بالإسقاط مرارا، و من أمثلة ذلك الثمانية و الاثنا عشر و العشرون، فإن الأربعة تفنيها جميعا إذا أسقطت منها مرارا، و هكذا، و يسمى العددان متوافقين، و وفقهما هو ذلك العدد الذي أفناهما بإسقاطه منهما.

فإذا كان العدد الذي يفنيهما هو الاثنين، فهما متوافقان بالنصف، و ذلك لأن الاثنين أقل عدد يخرج منه النصف صحيحا من غير كسر، و هما متوافقان بالثلث إذا كان العدد الذي يفنيهما هو الثلاثة، و متوافقان بالربع إذا كان هو الأربعة، و هكذا هما متوافقان بالخمس إذا عدتهما الخمسة، و بالسدس إذا أفنتهما الستة و بالسبع إذا عدتهما السبعة، و بالثمن و بالتسع و بالعشر، من حيث ان العدد الذي اتفقا فيه و الذي أفناهما هو مخرج هذه الكسور.

و قد يكون للعددين المختلفين أكثر من عدد واحد إذا أسقطناه منهما مرارا أفناهما معا، و مثال ذلك الاثنا عشر، و الثمانية عشر، فإنهما يفنيان معا إذا أسقطناهما اثنين اثنين، و يفنيان إذا أسقطناهما ثلاثة ثلاثة و يفنيان كذلك إذا أسقطناهما ستة ستة، فهما متوافقان بالنصف و متوافقان بالثلث و متوافقان بالسدس، و من أمثلته العشرون و الثلاثون، فهما يفنيان إذا أسقطناهما اثنين اثنين و إذا أسقطناهما خمسة خمسة، و عشرة عشرة، فهما متوافقان بالنصف و بالخمس، و بالعشر، و المعتبر عند أهل الحساب في هذه الحالة هو أقلها جزءا،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 362

فالاثنا عشر و الثمانية عشر متوافقان بالسدس،

و العشرون و الثلاثون متوافقان بالعشر.

و قد يتوافق العددان بجزء من أحد عشر و مثال ذلك الثلاثة و الثلاثون و الأربعة و الأربعون، أو بجزء من سبعة عشر و مثاله الأربعة و الثلاثون و الواحد و الخمسون، أو بجزء من تسعة عشر، و مثاله الثمانية و الثلاثون و السبعة و الخمسون، و نحو ذلك.

و قد لا يكون للعددين المختلفين عدد آخر يفنيهما معا غير الواحد و مثال ذلك الثلاثة و الأربعة، و الخمسة و الستة، و السبعة و الثمانية فيسمى العددان متباينين، و نتيجة لذلك فالعددان اما متماثلان أو متداخلان أو متوافقان أو متباينان.

المسألة 319:

إذا اجتمع للميت وارثان من ذوي الفروض يرث كل واحد منهما النصف، و مثال ذلك أن تموت المرأة و لها زوج و لها أخت واحدة لأبوين أو لأب، فإن فرض الزوج هو النصف، و فرض الأخت الواحدة هو النصف أيضا، و قد ذكرنا أن مخرج النصف هو الاثنان، فإذا لاحظنا مخرج كل واحد من النصفين كان ذلك من العددين المتماثلين، فيكتفى بأحدهما كما هو القاعدة في العددين المتماثلين، فيرث الزوج سهما و ترث الأخت سهما، و كذلك إذا اجتمع الثلث و الثلثان، كما إذا ترك الميت أختين أو أكثر لأب، و ترك معهن اخوة لأم، فإن الأخوات من الأب يرثن الثلثين و الاخوة المتعددون من كلالة الأم يرثون الثلث، و مخرج الثلثين هو الثلاثة، و مخرج الثلث هو الثلاثة أيضا فالعددان متماثلان يكتفى بأحدهما في تصحيح أصل الفريضة عند قسمتها.

المسألة 320:

إذا كان العددان متداخلين اكتفي في تصحيح أصل الفريضة بالعدد الأكثر منهما، كما إذا ترك الميت وارثين من أصحاب الفروض و كان أحدهما يرث النصف و الثاني يرث الربع، و مثال ذلك ان تخلف الميتة زوجا و بنتا واحدة، فالبنت الواحدة ترث النصف و مخرجه اثنان، و الزوج يرث الربع و مخرجه أربعة، و هما عددان متداخلان، فان

كلمة التقوى، ج 7، ص: 363

الاثنين تفني الأربعة إذا أسقطت منها مرتين، فيكتفى بالأكثر و منه تصح الفريضة، فيرث الزوج سهما واحدا من الأربعة و ترث البنت سهمين ثم يرد السهم الباقي على البنت، و كذلك إذا مات الرجل و خلف زوجة و أختا واحدة للأبوين أو للأب خاصة، فالزوجة ترث الربع و الأخت ترث النصف، فتكون القسمة من الأربعة كما في المثال السابق.

و منه ما إذا

ترك الميت زوجة و بنتا واحدة، فإن البنت ترث النصف و مخرجه الاثنان، و الزوجة ترث الثمن و مخرجه الثمانية و هما عددان متداخلان يفني الأقل الأكثر، فيكتفى بالثمانية في تصحيح الفريضة.

و من أمثلته أن يموت الميت و يترك بعده بنتا واحدة و أحد الأبوين، فالبنت ترث النصف و مخرجه اثنان، و أحد الأبوين يرث السدس و مخرجه ستة، و الاثنان و الستة عددان متداخلان، فيكتفى بالأكثر منهما و هو الستة و منه تصح الفريضة و من أمثلته أن يموت الميت و يترك بعده ابنتين و أبوين، فالابنتان ترثان الثلثين و مخرج الثلثين هو الثلاثة، و الأب و الأم يرثان السدسين و مخرج السدس هو الستة، و هما عددان متداخلان فيكتفى بالأكثر.

المسألة 321:

إذا كان العددان متوافقين ضرب وفق أحد العددين بالعدد الآخر و كان حاصل الضرب هو أصل الفريضة، كما إذا ترك الميت بعده وارثا يستحق ربع التركة و ترك معه وارثا يستحق السدس، و من أمثلة ذلك ان تموت المرأة و تخلف بعدها أحد أبويها، و تخلف معه زوجا و ولدا، فالزوج يستحق الربع و الأب يستحق السدس لوجود الولد، و مخرج الربع هو الأربعة، و مخرج السدس هو الستة، و الأربعة و الستة عددان متوافقان بالنصف، فان العدد الذي يفنيهما معا هو الاثنان و هو مخرج النصف، فيضرب نصف الأربعة في ستة، أو تضرب نصف الستة في الأربعة و حاصل الضرب اثنا عشر و يكون ذلك أصل الفريضة، فللزوج منها ثلاثة و هو ربعها و للأب منها اثنان و هو سدسها و الباقي للولد.

و من أمثلته أن يموت الرجل و له زوجة، و واحد من كلالة الأم،

كلمة التقوى، ج 7، ص: 364

فللزوجة الربع،

و للواحد من كلالة الأم السدس و يكون الحال فيه كما سبق في المثال الأول.

و من أمثلته أيضا أن يموت الرجل و يترك بعده زوجة و ولدا و أحد أبويه، فيستحق الأب السدس و تستحق الزوجة الثمن لوجود الولد، و مخرج السدس هو الستة، و مخرج الثمن هو الثمانية، و هما متوافقان بالنصف، فيضرب نصف الستة في الثمانية أو يضرب نصف الثمانية في الستة و حاصل الضرب أربعة و عشرون و يكون ذلك أصل الفريضة، فللأب منها أربعة و هو سدسها، و للزوجة منها ثلاثة و هو ثمنها، و يكون الباقي للولد.

المسألة 322:

إذا كان العددان متباينين ضرب أحد العددين بالآخر و ما يحصل من الضرب يكون هو أصل الفريضة، كما إذا ترك الميت وارثا يستحق الربع من التركة و وارثا آخر يستحق الثلث منها، أو يستحق الثلثين، و من أمثلة ذلك أن يموت رجل فيترك زوجة و أما، ففرض الزوجة الربع و مخرجه الأربعة، و فرض الأم هو الثلث و مخرجه الثلاثة، و الثلاثة و الأربعة عددان متباينان، فيضرب أحدهما بالآخر و ما ينتج من الضرب و هو اثنا عشر يكون أصل الفريضة فللزوجة منه ثلاثة و للأم منه أربعة، ثم يرد ما بقي منه على الأم.

و من أمثلته أيضا ان يموت شخص و يترك زوجة و أختين لأب، فللزوجة ربع التركة و للأختين الثلثان و مخرجهما أيضا هما الأربعة و الثلاثة و يجري فيهما البيان السابق كله، و من أمثلة ذلك أن تموت امرأة و لها زوج و أم، و فرض الزوج هو نصف التركة و مخرج النصف اثنان، و فرض الأم الثلث و مخرجه ثلاثة و العددان متباينان، فيضرب أحدهما بالآخر و ما

حصل من الضرب و هو ستة يكون أصل الفريضة، فللزوج نصفه و هو ثلاثة و للأم ثلثه و هو اثنان ثم يرد الباقي على الأم.

المسألة 323:

إذا ترك الميت ورثة من أصحاب الفروض و قسمت التركة عليهم بحسب فروضهم على المناهج التي تقدم بيانها فطابقت سهامهم من

كلمة التقوى، ج 7، ص: 365

الفريضة عددهم من غير زيادة و لا نقص، أخذ كل وارث منهم سهمه الذي حدد له و قد ذكرنا بعض الأمثلة لذلك.

و إذا تعدد أصحاب أحد الفروض فانكسرت سهامهم التي استحقوها بسبب الفرض على عددهم، لوحظ عدد سهامهم و عدد رؤوسهم، فان كان العددان متباينين، ضرب عدد رؤوسهم بأصل الفريضة و كان الناتج من هذا الضرب هو أصل الفريضة و صح تقسيمه على الجميع بلا كسر.

و مثال ذلك أن يموت شخص و له أب و أم و خمس بنات، فان كل واحد من الأبوين يستحق سدسا من التركة، و مخرج السدس هو الستة، و البنات يرثن ثلثي التركة، و مخرجهما هو الثلاثة، و الثلاثة و الستة عددان متداخلان فإن الثلاثة تفني الستة إذا أسقطت منها مرتين، و لذلك فيكتفى بالعدد الأكثر و هو الستة و يجعل هو أصل الفريضة كما ذكرنا في العددين المتداخلين، فيأخذ كل واحد من الأبوين واحدا من الستة، و يكون للبنات الثلثان منها و هو أربعة فتنكسر عليهن، فقد فرضنا أن عددهن خمسة، و الخمسة تباين الأربعة و هو عدد سهامهن، و لذلك فيضرب عددهن و هو الخمسة بأصل الفريضة و هو الستة كما ذكرنا في العددين المتباينين، و حاصل ضربهما يبلغ ثلاثين، و يجعل ذلك أصل الفريضة فللأب و الأم السدسان منه و هما عشرة لكل واحد منهما خمسة،

و للبنات الخمس الثلثان منه و هو عشرون يقسم عليهن بالسواء فلكل واحدة منهن أربعة.

و إذا فرضنا عدد البنات سبعة، و هو أيضا يباين الأربعة عدد سهامهن من الستة، فتضرب السبعة و هو عدد البنات بالستة و هو أصل الفريضة و ينتج ذلك اثنين و أربعين فنجعله أصل الفريضة و يصح تقسيمه من غير كسر، فللأب و الأم سدسا ذلك و هما أربعة عشر، و للبنات الثلثان و هما ثمانية و عشرون لكل واحدة منهن أربعة.

و من أمثلة ذلك أن يترك الميت بعده أبا و أما و أربع زوجات، فان للأم ثلث التركة و مخرجه ثلاثة و للزوجات الربع، و مخرجه أربعة و هما عددان متباينان فيضرب أحدهما بالآخر و يجعل الحاصل من الضرب

كلمة التقوى، ج 7، ص: 366

و هو اثنا عشر أصل الفريضة، فللأم الثلث و هو أربعة و للزوجات الربع و هو ثلاثة فتنكسر سهامهن عليهن و عدد سهامهن و هو ثلاثة يباين عددهن و هو أربعة فيضرب عددهن بأصل الفريضة و يكون حاصل الضرب ثمانية و أربعين، فترث الأم منه الثلث و هو ستة عشر، و ترث الزوجات الربع و هو اثنا عشر لكل واحدة منهن ثلاثة و يكون للأب بقية المال.

و إذا كان عدد أصحاب الفرض و عدد سهامهم متوافقين، ضرب الوفق من عددهم في أصل الفريضة و كان حاصل الضرب هو أصل الفريضة و صحت منه القسمة.

و مثال ذلك أن يموت أحد و يترك بعده أختا واحدة لأبوين أو لأب، و أربعة اخوة، لأم، فإن أصل الفريضة ستة و هي ما يحصل من ضرب مخرج النصف و هو اثنان في مخرج الثلث و هو ثلاثة و النصف هو فرض

الأخت الواحدة و الثلث هو فرض الاخوة للأم و قد تكرر منا ذكر ذلك، فترث الأخت النصف من الستة، و ترث الاخوة للأم الثلث منها و هو اثنان و هذا العدد ينكسر عليهم لأن عددهم أربعة، و عدد السهام و هو اثنان يوافق عددهم و هو الأربعة بالنصف، و ان كانا متداخلين أيضا، فإن التداخل غير معتبر في المقام من غير خلاف، فيضرب نصف عددهم و هو اثنان في أصل الفريضة و هو ستة و حاصل ضربهما اثنا عشر يجعل أصل الفريضة و تصح منه القسمة، فللأخت نصف الاثني عشر و هو ستة، و للأخوة من الأم الثلث منها و هو أربعة فلكل واحد واحد، ثم يرد الباقي على الأخت للأب وحدها.

و من أمثلة ذلك ان يموت شخص و له أب و أم و ست بنات، فلكل واحد من الأبوين السدس و للبنات الثلثان، و أصل الفريضة ستة و هي مخرج السدس و الثلثين، فيرث الأب واحدا من الستة و ترث الأم واحدا و ترث البنات أربعة، و هذا العدد ينكسر عليهن لأنهن ست، و الأربعة و هي عدد السهام توافق الستة بالنصف، فيضرب نصف عددهن و هو ثلاثة في أصل الفريضة و هو ستة و حاصل الضرب ثمانية عشر يكون أصل الفريضة، فللأب و الأم منه السدسان فلكل واحد منهما ثلاثة، و للبنات الثلثان و هو اثنا عشر فلكل واحدة منهن اثنان.

كلمة التقوى، ج 7، ص: 367

و قد تنكسر السهام على أكثر من فريق واحد، و هي كثيرة الصور و الشقوق، و استخراجها و تطبيقها صعب على العامة من الناس و لذلك أضربنا عن ذكرها و أضربنا عن بيان المناسخات في الفرائض، و من

أرادها فليطلبها من مطولات الأصحاب قدس اللّه أسرارهم.

و الحمد للّه رب العالمين بجميع محامده كلها على جميع نعمه كلها و كما يرضاه لنفسه و الصلاة الدائمة المباركة على خير خلقه محمد و آله المطهرين صلاة يرضاها لهم و تؤدي لهم عنا حقوقهم و تعمنا و جميع المؤمنين و المؤمنات بالبركة و الرحمة و الفضل و النعمة في دنيانا و آخرتنا انه أرحم الراحمين و خير المعطين.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.