هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري] المجلد 5

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الجزائري المروج، السيد محمدجعفر، 1378 - 1288، شارح

عنوان واسم المؤلف: هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري]/ تالیف السيد محمدجعفر الجزائري المروج

تفاصيل المنشور: بیروت: موسسة التاریخ العربي، 1416ق. = - 1375.

ISBN : 1250ریال(ج.1) ؛ 1250ریال(ج.1)

لسان : العربية.

ملحوظة : الإدراج على أساس معلومات الفيفا.

ملحوظة : ج. 5 (1421ق. = 1379)10000 ریال :(ج. )5ISBN 964-5594-43-x

ملحوظة : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378)27500 ریال :ISBN 964-5594-28-6

ملحوظة : کتابنامه

عنوان آخر: المکاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214ق.، المکاسب -- نقد و تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214، المکاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف 8م 70213 1375

تصنيف ديوي: 297/372

ص: 1

اشارة

مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع

THE ARABIC HISTORY Publishing - Distributing

بيروت - لبنان - شارع دكاش - هاتف ٥٤٠٠٠٠ - ٥٤٤٤٤٠ - ٤٥٥٥٥٩ - فاكس 800717 - ص.ب. ١١/٧٩٥٧

Beyrouth - Liban - Rue Dakkache - Tel: 540000 - 544440-455559 - Fax: 850717 - p.o.box 7957/11

ص: 2

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء و المرسلين محمّد و آله الطيبين الطاهرين، لا سيّما الإمام المبين و غياث المضطر المستكين عجّل الله تعالى فرجه الشريف، و اللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.

ص: 3

ص: 4

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة شرائط المتعاقدين]

[تتمة الشرط الخامس]

[تتمة بيع الفضولي]
القول في الإجازة و الرّد (1)
اشارة

أمّا الكلام في الإجازة فيقع تارة في حكمها و شروطها، و أخرى في المجيز، و ثالثة في المجاز.

أمّا حكمها فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي- بعد اتفاقهم على توقفها

______________________________

القول في الإجازة و الرّد

(1) لا يخفى أنّ ما تقدم من مباحث البيع الفضولي، و القول بصحته، و توقفه على الإجازة ناظر إلى تمامية المقتضي لصحته، في قبال القائلين ببطلانه رأسا، و لغوية إنشائه.

و من المعلوم توقف صحته الفعلية على إجازة من بيده أمر العقد، و لذلك تصل النوبة إلى المباحث المتعلقة بالإجازة و الرّد. فعلى تقدير الإجازة تنتهي الصحة الاقتضائية إلى الفعلية، و على تقدير الرّد يصير العقد كالعدم.

و قدّم المصنف قدس سره الكلام في الإجازة، و عقد مواضع ثلاثة لاستقصاء جهات البحث فيها، ففي الموضع الأوّل تعرّض لكونها كاشفة أو ناقلة، و ما يترتب على كل منهما من ثمرات. و في الموضع الثاني تكلّم عمّا يتعلّق بالمجيز و ما يعتبر فيه، و في الموضع الثالث بحث عن المجاز عند ما تتعدّد العقود الفضولية على الثمن أو المثمن أو كليهما. و سيأتي الكلام في كلّ منها مفصّلا إن شاء اللّه تعالى.

و ما أفاده في الموضع الأوّل يتضمن مقامات ثلاثة، أوّلها في حكمها من حيث كونها كاشفة أو ناقلة، ثانيها في الثمرة بين أنحاء الكشف، و بين الكشف و النقل، ثالثها في تنبيهات الإجازة، و سيأتي البحث عنها بالترتيب إن شاء الله تعالى. و الكلام فعلا في المقام الأوّل.

ص: 5

[الإجازة كاشفة أو ناقلة]
اشارة

على (1) الإجازة- في (2) كونها كاشفة (3) بمعنى (4) أنّه يحكم بعد الإجازة بحصول آثار العقد من حين وقوعه حتّى كأنّ الإجازة وقعت مقارنة للعقد،

______________________________

الإجازة كاشفة أو ناقلة

(1) هذا من قيود موضوع الإجازة، إذ لو لم تكن الإجازة مؤثّرة في صحة العقد- بأن كان عقد الفضولي باطلا، و غير قابل للإجازة- لم يبق موضوع لهذا البحث. و لذا قال المصنف قدس سره: «فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي».

ثمّ إنّ مرجع كاشفية الإجازة إلى اتصال الإجازة المتأخرة بالعقد كاتصال الاذن به، و إلى فرض تخلّل الزمان بينها و بين العقد كالعدم. و مرجع ناقلية الإجازة إلى اتصال العقد بها.

فالإجازة بناء على الكشف متصلة بالعقد حدوثا كاتصال الإذن به، فيقع العقد حال الإجازة كوقوعه حال الإذن. و على النقل متصلة به بقاء، فكأنّ الإجازة وقعت حال العقد.

(2) متعلق بقوله: «اختلف».

(3) و هو المشهور، على ما حكي، و سيظهر قريبا إن شاء اللّه تعالى.

ثم إن المراد بالإجازة هنا ما يقابل الإذن الذي هو الترخيص في إيجاد فعل من الأفعال التي يترتب عليها أحكام و آثار، فالإجازة تنفيذ لما وقع سابقا، فهي متأخرة.

و إن كانت قد تستعمل بمعنى الإذن في بعض الموارد، كما في إجازات نقل الروايات مثل «أجزت له أن يروي عنّي» فإنّ معناه «أذنت له».

و كيف كان فالإجازة و الرّد يردان على ما يقبل كليهما، و هو العقد الصادر من الفضولي

(4) هذا هو الكشف الحقيقي المترتب على تنزيل الإجازة منزلة الإذن المقارن للعقد، فكأنّ الإجازة وقعت كالإذن مقارنة للعقد، فأثّر العقد من حين وقوعه. بخلاف النقل، حيث إنّ العقد كأنّه وقع حال الإجازة المتأخّرة زمانا، و لذا يؤثّر من حين حصول الإجازة.

و الثمرة بين الكشف و النقل تظهر في النماءات الحاصلة في الزمان المتخلل بين

ص: 6

أو ناقلة (1)- بمعنى ترتّب آثار العقد من حينها حتى كأنّ العقد وقع حال الإجازة- على (2) قولين. فالأكثر على الأوّل (3) [1].

______________________________

صدور العقد و الإجازة. فعلى القول بالكشف تكون نماءات كل من الثمن و المثمن لصاحبيهما، بمعنى كون نماءات المثمن للمشتري، و نماءات الثمن للبائع، لصيرورتهما ملكا لهما تبعا للعين حين صدور العقد. و على القول بالنقل يكون نماء المثمن للبائع، و نماء الثمن للمشتري، تبعا للعينين اللّتين هما باقيتان على ملك البائع و المشتري إلى زمان وقوع الإجازة.

(1) معطوف على «كاشفة». و القائلون بالنقل جماعة، منهم فخر المحققين و المحقق الأردبيلي و الفاضل النراقي قدس سرهم، فإنّهم التزموا بالنقل بعد التنزّل عن مختارهم من بطلان بيع الفضولي رأسا. قال فخر المحققين- بعد نقل دليل الكشف و النقل- ما لفظه: «و الأخير- أي النقل- هو الأجود إن قلنا بصحة بيع الفضولي، و منعه عندي أشبه» «1».

و كذلك اختاره الفاضل الأصفهاني في نكاح الفضولي بقوله: «بل هو- أي الإجازة- أحد جزئي علّة الإباحة» «2».

(2) متعلق بقوله: «اختلف و ضمير «حينها» راجع إلى الإجازة.

(3) و هو الكشف، بل هو المشهور على ما حكي. و هو «مذهب جماعة» كما حكي عن فخر المحققين «3»، أو «مذهب الأكثر» كما في المتن وفاقا للمحقق الأردبيلي و موضع من

______________________________

[1] ينبغي التكلم هنا في مقامين: أحدهما: ثبوتي، و الآخر: إثباتي.

أمّا المقام الأوّل فمحصله: أنّه قيل بامتناع كل من الكشف و النقل.

أمّا الأوّل فلاستلزامه كون الإجازة شرطا متأخرا، و هو محال، ضرورة كون الشرط من

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 420، مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 159، مستند الشيعة، ج 14، ص 284.

(2) كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 17، السطر 27 (الطبعة الحجرية).

(3) نسبه إليه في المناهل، ص 290

ص: 7

..........

______________________________

جامع الشتات «1». أو «أنه الأشهر» كما في الرياض و موضع آخر من جامع الشتات «2».

قال السيد العاملي قدّس سرّه: «كما هو ظاهر جماعة و صريح الدروس و حواشي الكتاب و اللمعة و التنقيح و جامع المقاصد و إيضاح النافع و الميسية و المسالك و الروضة و الرياض ..» «3».

______________________________

أجزاء العلّة الّتي تقدّمها على المعلول من الواضحات، و إلّا يلزم تأخّر ماله دخل في وجود المعلول عن المعلول، و ليس هذا إلّا التناقض، لأنّه يلزم دخل الشرط في وجود المشروط، و عدم دخله فيه.

و بالجملة يلزم بناء على الكشف وجود المعلول- و هو النقل و الانتقال في بيع الفضولي- قبل شرطه، و هو الإجازة.

و أمّا الثاني فلاستلزامه تأثير المعدوم- و هو العقد- في الموجود أعني به الملكية أو النقل. أمّا انعدام العقد حال الإجازة فلكونه متصرم الوجود. و أما تأثيره في الوجود فلأنّ المفروض حصول الأثر و هو النقل و الانتقال حال الإجازة الواقعة بعد انعدام العقد. و لا يعقل تأثير العدم في الوجود، لعدم السنخيّة بينهما.

و هذا من غير فرق بين كون العقد تمام السبب المؤثر في النقل و الانتقال، و بين كونه جزء السبب، إذ لا بدّ في وجود الأثر من وجود المؤثر مطلقا، سواء أ كان تمام السبب أم جزئه.

و لازم امتناع كل من الكشف و النقل الالتزام ببطلان عقد الفضولي، و عدم إمكان تصحيحه بالإجازة، هذا.

و لكن ادّعي وقوع كليهما- و الوقوع أدلّ دليل على الإمكان- فيقع الكلام هنا تارة في الشرط المتأخر، و اخرى في تأثير المعدوم في الموجود.

أمّا الأوّل فحاصل البحث فيه: أنّه قد ادّعي وقوعه في موردين:

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 159، جامع الشتات (الطبعة الحجرية)، ج 1، ص 164

(2) رياض المسائل، ج 1، ص 513، جامع الشتات، ج 1، ص 155

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 189

ص: 8

______________________________

أحدهما: الإجزاء، كأجزاء العبادات الارتباطية كالصلاة، فإنّ كلّ واحد من أجزائها جزء في نفسه و شرط لغيره من الأجزاء المتقدمة عليه و المتأخرة عنه. فتكبيرة الإحرام مثلا جزء في نفسها و شرط لما يتعقّبه من الأجزاء. كما أنّ التشهد أيضا جزء في نفسه، و شرط لما سبقه و يلحقه من الأجزاء. ففي المركبات العبادية الارتباطية يكون كلّ من الشرط المتقدم و المتأخر و الوجوب المعلّق موجودا.

و ثانيهما: الشرائط، كشرطية غسل المستحاضة بعد الفجر للصوم، فإنّ جزءا من صوم النهار يقع قبل الغسل الذي هو شرط، فيتحقق الشرط بعد المشروط. بل كغسلها الليلي أيضا لصوم النهار الماضي كما عن بعض، و إن كان هذا القول شاذّا.

و كيف كان فيمكن أن تكون الإجازة في عقد الفضولي من هذا القبيل. و عليه فليست كاشفية الإجازة من المحالات.

أقول: منشأ الإشكال في الشرط المتأخر هو حصول المشروط قبل تحقق شرطه، بحيث يصح المشروط و يسقط أمره لتحقق المشروط قبل الشرط. و هذا الاشكال لا يندفع مع فرض كون الشرط من أجزاء العلة التي تقدمها رتبة بجميع أجزائها و شرائطها على المعلول من البديهيات. من دون فرق في ذلك بين كون المشروط أمرا خارجيا تكوينيا و أمرا اعتباريا تشريعيا، مع فرض كون الشرط مؤثّراً في وجود المشروط، إذ لا يعقل تأخر المؤثر عن المتأثر الضعيف الوجود الذي هو من رشحات فيض وجود المؤثّر. و اعتبارية المتأثر لا تسوّغ تأخر المؤثر، و إلّا يلزم الخلف و المناقضة.

فإذا أناط الشارع وجوب زكاة الأنعام بمضيّ عام عليها اقتضت هذه الإناطة عدم الوجوب قبل مضيّها، لأنّ تشريع الوجوب قبله يوجب الخلف أي خلاف فرض شرطية مرور العام، و المناقضة، و هي دخل الحول في الوجوب و عدم دخله فيه.

و الحاصل: أنّ امتناع الشرط المتأخر من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص. و لذا التجأ جماعة إلى جعل الشرط عنوان التعقب، فالتكبيرة التي يتعقبها القراءة و الركوع و غيرهما واجبة، فالشرط لحوقها بالتكبيرة لا أنفسها. و قالوا: إنّ اللحوق شرط مقارن لا متأخر.

ص: 9

______________________________

و لعلّ هذا أيضا مقصود صاحب الجواهر من قوله: «ان الشروط الشرعية ليست كالعقلية». لا أنّ الشروط الشرعية يمكن جعلها متأخرة عن المشروطات، فإنّ ذلك ممّا لا يليق صدوره من هذا العلّامة الكبير.

لكن فيه: أنّ شرطية عنوان اللحوق خلاف ظاهر الأدلة.

إلّا أن يقال: إنّ دلالة الاقتضاء ألجأتهم إلى الالتزام بذلك.

لكن جعل الشرط عنوان التعقب ليس دافعا للإشكال، بل هو اعتراف به، و التزام بامتناع تأخر الشرط عن المشروط. فليس الالتزام بجعل الشرط وصف التعقب دافعا لإشكال الشرط المتأخر، بل هو اعتراف به.

كما التجأ غير واحد أيضا إلى دفع إشكال الشرط المتأخر بجعل الشرط هو اللحاظ لا وجوده الخارجي، فلحاظ الإجازة شرط في صحة عقد الفضولي، و لحاظ الغسل الليلي شرط في صحة صوم المستحاضة، لا نفس الإجازة و الغسل بوجودهما العيني الخارجي.

و هذا أيضا كسابقه في الضعف، حيث إنّ الشرط وجوده العيني دون اللحاظي، ضرورة أن الإجازة بوجودها الخارجي شرط للحكم الوضعي و هو الملكية. و كذا شرائط الحكم التكليفي كالاستطاعة التي هي شرط وجوب الحج. و كذا شرائط المأمور به، كغسل المستحاضة في الليل لصوم يومها الماضي، فإنّ الغسل بوجوده العيني شرط لصحة صومها لا بوجوده اللحاظي.

نعم لحاظ الشرائط و العلم بها شرط لتحقق الداعي إلى تشريع الحكم و إنشائه. و أمّا فعلية الحكم فهي منوطة بوجود موضوعه خارجا بجميع ما يعتبر فيه شطرا و شرطا. فشروط إنشاء الحكم المسمّى بالجعل هي اللحاظ و الوجود العلمي، و شرائط المجعول- أعني به فعلية الحكم من التكليفي و الوضعي- هي الأمور التي تكون بوجوداتها الخارجية دخيلة في الحكم، كالإجازة في عقد الفضولي، فإنّها بوجودها العيني شرط في تأثير عقده. و لا أثر لوجودها اللحاظي في تأثير العقد في النقل أصلا.

و كذا لا يندفع إشكال الشرط المتأخر بما أفاده سيّدنا الأستاد الشاهرودي قدّس سرّه في مجلس الدرس من «أن امتناع تخلف المعلول عن العلة إنّما يكون في المؤثر و المتأثر

ص: 10

______________________________

الحقيقيين، دون الأحكام الشرعية التي هو أمور اعتبارية مجعولة لموضوعاتها، و ليست رشحات لها، لما ثبت في محله من امتناع جعل السببية. فكلّ من الدلوك و العقد و نحوهما موضوع للوجوب و الملكية و الزوجية، لا سبب و علّة لها، إذ لو كانت أسبابا لم تكن الأحكام أفعالا اختيارية للشارع، بل كانت من رشحات أسبابها، كالمعلولات التكوينية التي هي رشحات عللها التكوينية. فالشروط دخيلة في موضوع الحكم الشرعي، و لا تأخر لشي ء من الشروط عن الحكم حتى يقال بامتناعه، إذ لا يحكم الشارع بحكم فعلي إلّا بعد تمامية موضوعه مع فرض كون كلّ شرط موضوعا» «1».

وجه عدم اندفاع إشكال الشرط المتأخر بما أفاده قدّس سرّه: أن مرجع هذا الوجه إلى إنكار الشرط المتأخر، لا إلى دفع إشكاله مع تسليم وجوده. و لكنه متين في نفسه، لتوقف الحكم على موضوعه كتوقف المعلول على علّته. و لا محيص عن الالتزام بإناطة فعلية كل حكم بفعلية موضوعه.

و عليه فالنقل و الانتقال في عقد الفضولي لا يتحقّق إلّا بعد حصول جميع شرائطه الّتي منها إجازة المالك. و كذا الحال في أجزاء العبادات و الشروط كغسل المستحاضة، فإنّ الحكم بصحة كل جزء من أجزاء العبادات و سقوط أمره الضمني منوط بوجود غيره من الأجزاء. و محذور الشرط المتأخر لا يلزم إلّا على القول بصحة كلّ جزء، و امتثال أمره بمجرد وجوده مع البناء على شرطية ما يلحقه من الأجزاء.

و الحاصل: أنّ غائلة الشرط المتأخر لا تندفع بشي ء من الوجوه المذكورة في الكتب الأصولية. و قد تعرضنا لجلّها في الجزء الثاني من شرحنا على الكفاية مع بعض ما يتعلّق بها «2».

و قد تحصل من جميع ما ذكرناه في المقام الأوّل- المتكفل لامتناع الكاشفية و الناقلية و إمكانهما- استحالة كاشفية الإجازة، و عدم صحة ما استدلّ به على وقوع الشرط المتأخّر في أجزاء العبادات الارتباطية كالصلاة، و الشرائط كالأغسال الليلية للمستحاضة

______________________________

(1) نتائج الأفكار، و هو تقرير بحث الأصول للسيد الشاهرودي قدّس سرّه.

(2) راجع منتهى الدراية، ج 2، ص 137- 144

ص: 11

______________________________

الكثيرة لصحة صوم يومها الماضي، هذا.

و أما ناقلية الإجازة فلا وجه لاستحالتها عدا ما يتوهم من صغرويتها لكبرى تأثير المعدوم في الموجود، حيث إنّ المؤثّر في النقل و الانتقال- و هو العقد- معدوم حال الإجازة التي هي ظرف تأثير العقد، و تأثير العدم في الوجود محال.

لكنه مدفوع بأنّ المعدوم هو ألفاظ العقد التي هي من متصرمات الوجود، دون ما يوجد بها في وعاء الاعتبار، إذ العاقد الفضولي يوجد بالعقد النقل و الانتقال في عالم الاعتبار، و المالك يجيز ما أنشأه العاقد، و الإجازة و الرد كالفسخ ترد على الشي ء الموجود لا المعدوم، فإنّ حقيقة الإجازة تنفيذ ما وقع و وجد، فلا يلزم تأثير المعدوم في الموجود.

و عليه فلا ينبغي الارتياب في إمكان ناقلية الإجازة.

فتلخص ممّا ذكرناه في المقام الأوّل استحالة كاشفية الإجازة، و إمكان ناقليتها، هذا.

و أمّا المقام الثاني- و هو مرحلة الإثبات و الاستظهار من أدلة صحة عقد الفضولي- فمحصل البحث فيه: أنّه قد تقدم في المقام الأوّل امتناع كاشفية الإجازة، لابتنائها على الشرط المتأخر، و لذا التزم غير واحد كصاحب الفصول و أخيه و المحقق النائيني قدّس سرّهم بكون الشرط هو التعقب، لكونه مقارنا للعقد كما قيل، لا نفس الإجازة، حتى تندرج في الشرط المتأخر المحال.

و لكن فيه ما لا يخفى، إذ عنوان السبق و اللحوق و التقدم و التأخر- مضافا إلى كونها خلاف ظاهر الأدلة- من الأمور المتضايفة، فلا يتصف العقد فعلا بالملحوقية، إذ الاتصاف بها كذلك منوط بتحقق الإجازة خارجا، كما أنّ اتصاف الإجازة بالمسبوقية منوط بوجودها فعلا في زمان متأخر عن زمان العقد، فيعود إشكال الشرط المتأخر.

و لا يندفع بجعل الشرط اللحوق، حيث إنّ السبق و اللحوق متضايفان، فهما متكافئان في القوة و الفعلية، فقبل حصول الإجازة لا يعقل اتصاف العقد فعلا بالملحوقية، كما لا يتصف الإجازة قبل وجودها باللاحقية كذلك.

و عليه فلا يكون التعقب شرطا مقارنا للعقد حتى يندفع به محذور الشرط المتأخر.

و قيل: إنّ دلالة الاقتضاء دعت جماعة إلى رفع اليد عن ظاهر ما دلّ على شرطية نفس

ص: 12

______________________________

الإجازة المتأخرة عن العقد، و الالتزام بكون الشرط هو التعقب.

لكن لا حاجة إلى هذا التمحّل غير المفيد و ارتكاب خلاف الظاهر، مع إمكان الأخذ بظاهر الأدلة، و هو كون الشرط نفس الإجازة، لا عنوان التعقب. و لا جعل الإجازة كاشفة عن الرّضا التقديري، كما عن المحقق الرّشتي قدّس سرّه، لما فيه من المنع صغرى و كبرى.

أمّا الصغرى فلعدم كلّيتها، إذ قد لا يرضى المالك حين العقد لو التفت، لعدم المصلحة في ذلك الوقت. و أمّا الكبرى فلعدم دليل على اعتبار الرضا التقديري.

و ذلك لما مرّ آنفا من امتناع جعل السببية، و كون الشروط راجعة إلى الموضوع، و من المعلوم أنّ فعلية الحكم إنّما تكون بفعلية موضوعه. فالحكم لا يصير فعليا إلّا بوجود الموضوع و شرائطه التي منها الإجازة في عقد الفضولي، فلا يحكم بتأثير العقد في الملكية إلّا بعد الإجازة. و إشكال الشرط المتأخر أجنبي عن الإجازة، إذ مورده تأثير الشرط قبل وجوده في المشروط. و ليس المقام كذلك، إذ المفروض أنّ الأثر الشرعي و هو النقل لا يترتب على عقد الفضولي إلّا بعد حصول الإجازة.

فالصواب ما أفاده سيّدنا الأستاذ المتقدم قدّس سرّه من عدم كون الشروط الشرعية كالشروط الحقيقية مؤثّرة في وجود المشروط، بل هي دخيلة في موضوع الحكم الشرعي، لدخلها في الملاك الداعي إلى الجعل و التشريع.

و العجب من المحقق النائيني قدّس سرّه أنّه- مع التزامه برجوع كل شرط إلى الموضوع- ذهب إلى شرطية التعقب دون نفس الإجازة «1». مع أنّ مقتضى رجوع كل شرط الى الموضوع هو كون نفس الإجازة شرطا، و الالتزام بناقليتها.

و كيف يلتزم هو قدّس سرّه بشرطية التعقب دون نفس الإجازة؟ مع أنّه أولا: خلاف مبناه من رجوع كل شرط الى الموضوع.

و ثانيا: أنّ التعقب عنوان انتزاعي لا يقوم به الملاك الداعي إلى التشريع.

و ثالثا: أنّ التعقب كما مرّ آنفا من الأمور المتضايفة، فلا يتصف العقد بالملحوقية فعلا قبل تحقق الإجازة، لأنّ المتضايفين متكافئان فعلا و قوة.

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 228

ص: 13

[ما استدل به على القول بالكشف]

و استدل عليه (1)- كما عن جامع المقاصد و الروضة-

______________________________

ما استدل به على القول بالكشف

(1) أي: و استدلّ على الكشف، و ينبغي تمهيد أمر قبل توضيح الدليل، و هو: أنه لا ريب في امتناع تخلف المسبب عن سببه التام من المقتضي و الشرط و عدم المانع، سواء أ كان تخلفه عنه بتقدمه عليه زمانا أم بتأخره عنه كذلك. و كذا يمتنع تخلف الحكم عن موضوعه التام. كما لا ريب في أنّ النقل البيعي منوط بوجود المقتضي، و هو العقد، و بوجود شرطه كرضا المالك، و انتفاء المانع كالحجر. فإن اجتمعت أجزاء العلة التامة امتنع انفكاك الأثر عنها.

و على هذا فإن كان العاقد هو المالك المختار ترتّب النقل على العقد، لاستحالة تخلف الحكم عن موضوعه، و إن كان العاقد هو الفضولي لم يترتب أثره عليه، لفقد الشرط أعني به رضا مالك أمر العقد.

و حينئذ فإن قيل بأن الإجازة ناقلة للملك من حينها لم يلزم إشكال، إذ بانضام الشرط إلى المقتضي يتمّ موضوع الأثر. و إن قيل بأنّ الإجازة كاشفة عن حصول الأثر

______________________________

و عليه فلا يكون التعقب شرطا مقارنا، بل يكون كنفس الإجازة متأخرا، لا مقارنا للعقد، حتى لا يرد عليه محذور الشرط المتأخر.

و كيف كان فالمظنون قوّيا أنّ مراد صاحب الجواهر بقوله: «إن الشروط الشرعية ليست كالعقلية» هو ما أفاده سيّدنا الأستاد، لا أنّ مراده جواز ترتيب الأمور الاعتبارية- و منها الأحكام الشرعية- قبل تحقق شروطها، و أنّ عدم جواز ترتيب الأثر قبل شرطه مختص بالشروط العقلية، فإنّ هذا المعنى ممّا لا يليق بعلوّ مقامه العلمي. فإنّ ملاك الإشكال في الشرط المتأخر هو تحقق المشروط قبل شرطه بناء على جعل السببية، أو فعلية الحكم قبل وجود موضوعه بناء على جعل الحكم عند تحقق موضوعه، فإنّ الشرط دخيل في موضوع الحكم، و قبل حصوله لا يتمّ الموضوع حتى يصير حكمه فعليا.

فالإجازة بنفسها شرط، و مقتضى شرطيتها عدم ترتب الأثر على عقد الفضولي إلّا بعد الإجازة، فلا محيص عن الذهاب إلى ناقلية الإجازة.

ص: 14

بأنّ (1) العقد سبب تامّ في الملك، لعموم [1] قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تمامه (2) في الفضولي إنّما يعلم بالإجازة،

______________________________

من حين العقد لزم ترتب المشروط على العقد قبل وجود شرطه. و هذا المحذور دعا القائلين بالكشف تقرير الدليل بنحو يسلم من الإشكال.

إذا اتضح هذا قلنا: إنّ المصنف قدّس سرّه نقل وجوها ثلاثة للقول بالكشف، ثم ناقش فيها كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

و الدليل الأوّل حكاه السيد المجاهد و غيره عن المحقق و الشهيد الثانيين قدّس سرّهم «1»، و تقريبه: أنّ العقد بنفسه- بدون ضمّ ضميمة- سبب أي موضوع تامّ للملكية، لكونه تمام الموضوع لوجوب الوفاء بمقتضى قوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و ينكشف تماميته في عقد الفضولي بإجازة ولىّ أمر البيع، فإذا أجاز علم وجوب الوفاء به، و لزم ترتيب الآثار على صحته، إذ لو لم يترتب عليه الأثر لزم أن لا يكون موضوع وجوب الوفاء نفس العقد فقط، بل هو مع شي ء آخر، و ذلك خلاف الفرض.

(1) متعلق ب «استدل» و هذا أوّل وجهي الاستدلال، و قد أوضحناه بقولنا «ان العقد بنفسه .. إلخ».

(2) مبتدء، و خبره «إنّما يعلم» و ضميره راجع إلى العقد، و الأولى أن يقال:

«و تماميته» يعني: و تمامية العقد إنّما تعلم بالإجازة. و قوله: «يعلم» ظاهر في كون الإجازة أمارة كاشفة عن تمامية العقد، من دون أن تكون مؤثّرة في سببيّة العقد.

______________________________

[1] هذا لا يخلو من إشكال التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، إذ تمامية العقد الموجبة لاندراج عقد الفضولي في العموم المزبور أوّل الكلام، لاحتمال اعتبار مقارنة الرضا للعقد في موضوعيته لوجوب الوفاء به كما هو ظاهر التجارة عن تراض.

______________________________

(1) المناهل، ص 290، جامع المقاصد، ج 4، ص 74 و 75، الروضة البهية، ج 3، ص 229 و حكاه السيّد العاملي عن القائلين بالكشف في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 189

ص: 15

فإذا أجاز تبيّن (1) كونه تامّا يوجب ترتّب الملك (2) عليه، و إلّا لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصّة، بل به مع شي ء آخر.

و بأنّ (3) الإجازة متعلّقة بالعقد،

______________________________

(1) هذا كالصريح- بل نفسه- في تمامية العقد قبل الإجازة، و كون الإجازة كاشفة عنها، و إلّا كان اللازم أن يقول: «فإذا أجاز صار العقد تامّا» أو: «فإذا أجاز فقد تمّ العقد». و هذا ينطبق على الكشف الحقيقي.

(2) لعلّ الأولى إبدال «الملك» بالتبديل، لأنّه أشمل، بل هو نفس مفهوم البيع كما تقدم في تعريف البيع بأنه «مبادلة مال بمال».

نعم لا بأس به على مبنى المحقق الثاني قدّس سرّه في تعريف البيع ب «نقل الملك بالصيغة المخصوصة».

(3) معطوف على قوله: «بأن العقد» و هذا إشارة إلى ثاني وجهي الاستدلال على كاشفية الإجازة، استدلّ به صاحب الرياض و المحقق القمي قدّس سرّهما «1». و هو مؤلّف من أمور ثلاثة:

أحدها: أنّ متعلق الإجازة كالرد و الفسخ هو العقد.

ثانيها: أنّ مضمون العقد المنشأ من الفضولي هو النقل من زمان وقوعه.

ثالثها: أنّ الإجازة رضا بمضمون العقد.

و مقتضى هذه الأمور نفوذ العقد من زمان وقوعه، و الحكم بتحقق مضمونه- أعني نقل العوضين- من حين إنشاء البيع، لأنّ متعلق إجازة المالك و إمضاء الشارع هو إنشاء الفضولي لا أمر آخر، فالإجازة تصحّح استناد البيع إلى المالك المجيز، و يضاف إليه بها، و يصير موضوعا لخطاب الشارع «أيّها الملاك أوفوا بعقودكم». و من المعلوم أنّ ما أنشأه الفضولي هو النقل حال العقد، لا النقل المتأخر عن العقد، فلا بدّ أن تكون إجازة المالك منفّذة لذلك النقل المقيد، و إمضاء الشارع ممضية له أيضا، و هذا هو الكشف المدّعى.

ثم إنّ هذا الدليل مبيّن لوجه كون عقد الفضولي سببا تامّا كما ادّعاه جامع المقاصد

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 1، ص 513، جامع الشتات، ج 1، ص 155 (الطبعة الحجرية).

ص: 16

فهي (1) رضا بمضمونه، و ليس إلّا نقل العوضين من حينه و عن فخر الدين في الإيضاح: الاحتجاج لهم (2) «بأنّها لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود، لأنّ العقد حالها (3) عدم» انتهى.

______________________________

و الروضة في الدليل الأوّل. فالدليل الأوّل بمنزلة المدّعى، و الدليل الثاني بمنزلة برهانه، لأنّه يثبت تقيد النقل و الانتقال بزمان وقوع العقد.

(1) أي: فالإجازة متعلقة بالعقد، و نتيجة تعلقها بالعقد هي كونها رضا بمضمونه و تنفيذا له، و المفروض أنّ مضمونه ليس إلّا نقل العوضين من حين وقوع العقد.

(2) أي: للقائلين بالكشف، مضافا إلى الدليلين المتقدمين. و الحاكي هو السيّد المجاهد قدّس سرّه، قال: «و منها: ما حكى الاحتجاج به فخر الإسلام عن القائلين بأنّ الإجازة كاشفة من أنّها لو لم تكن كاشفة ..» «1» إلى آخر ما في المتن. و ظاهره: أن القائل بالكشف احتج بهذا الوجه الثالث، لا أنّ فخر المحققين احتجّ لهم به كما هو ظاهر المتن.

قال في الإيضاح: «احتج القائلون بكونها كاشفة بأنه لولاه لزم تأثير المعدوم في الموجود .. إلخ» «2». و عليه فكان الأحسن أن يقال: «و عن فخر الدين في الإيضاح حكاية احتجاجهم بأنّها ..».

و كيف كان فمحصّل هذا الوجه الثالث هو: أنّه لو لم تكن الإجازة كاشفة عن تأثير العقد من زمان وقوعه، و كان تأثيره من زمان وقوع الإجازة، لزم تأثير المعدوم- و هو العقد الزماني المتصرم- في الموجود و هو النقل و الانتقال، ضرورة أنّ العقد حال تأثيره- و هو زمان الإجازة- معدوم، و من المعلوم أنّ العدم ليس، فكيف يترشح منه الأيس؟

(3) هذا الضمير و ضمير «بأنّها» راجعان إلى الإجازة.

هذا ما نقله المصنف عن القائلين بالكشف من وجوه ثلاثة، و ستأتي المناقشة فيها.

______________________________

(1) المناهل، ص 290، و نقله السيّد العاملي من دون إسناده إلى فخر المحققين، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 190

(2) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 419

ص: 17

[المناقشة في ما استدل به على القول بالكشف]

و يرد على الوجه الأوّل (1): إنّه (2) إن أريد [1] بكون العقد سببا تامّا كونه (3) علّة تامّة للنقل إذا صدر عن رضا المالك،

______________________________

المناقشة في ما استدل به على القول بالكشف

(1) أي: أوّل وجوه الاستدلال على الكشف، و هو قول الثانيين قدّس سرّهما: «أنّ العقد سبب تام في الملك .. إلخ» و محصل إشكال المصنف قدّس سرّه عليه هو: أنّه إن كان المراد «بكون العقد سببا تاما» كونه علّة تامّة للنقل و الانتقال إذا صدر عن رضا المالك، فذاك مسلّم.

إلّا أنّ مجرد ذلك لا يجدي في المقام ما لم تدلّ الإجازة على تحقق ذلك السبب التام، و لا تدلّ عليه، إلّا إذا دلّت على حصول العقد مقارنا للرضا الفعلي، و لا تدلّ على ذلك أصلا، خصوصا مع عدم اطلاعه على هذا العقد، لغيبته أو سفره أو جنونه. الّا أنّ أدلّة صحة عقد الفضولي تنزّل عقده منزلة العقد المقارن للرضا، فللإجازة دخل في هذا التنزيل، فقبل حصول الإجازة لا يتحقق هذا التنزيل، فلا يترتب الأثر على العقد.

و الحاصل: أنّ أدلة صحة الفضولي تقيم الإجازة مقام شرط تأثير العقد، و هو مقارنة الرضا للعقد، فترتّب الأثر على عقد الفضولي مشروط بالإجازة، فلا وجه لترتب الأثر على العقد قبلها، فلا بدّ حينئذ من الالتزام بناقلية الإجازة.

و إن أريد بكون العقد سببا تامّا كونه علّة تامة للنقل- و لو لم يحرز رضا المالك- فهو ممنوع، لمنافاته لما يعترف به الكلّ من دخل رضا المالك في تأثير العقد في النقل و الانتقال.

و بهذا ظهر بطلان الوجه الأوّل المتقدم عن المحقق و الشهيد الثانيين قدّس سرّهما.

(2) الضمير للشأن، و الجملة فاعل لقوله: «يرد».

(3) نائب فاعل «أريد».

______________________________

[1] لا يخفى: أنّ قول المصنف قدّس سرّه: «إن أريد بكون العقد سببا تامّا .. إلخ» يقتضي أن يكون له عدل، و لم يذكره في الكلام، و لا بدّ أن يكون عدله هذا: «و إن أريد كون العقد بمجرده علّة تامة للتبديل من دون رضا المالك، فهو مناف لشرطية الرضا المدلول عليها بقوله عليه السلام: لا يحل مال امرء مسلم إلّا عن طيب نفسه».

ص: 18

فهو (1) مسلّم، إلّا أنّ بالإجازة لا يعلم (2) تمام ذلك السبب، و لا يتبيّن كونه (3) تامّا، إذ الإجازة لا تكشف عن مقارنة الرضا. غاية الأمر أنّ لازم صحّة عقد الفضولي كونها قائمة مقام الرضا المقارن (4) [1]، فيكون لها دخل [مدخل] في تماميّة السبب كالرضا المقارن، فلا معنى لحصول الأثر قبلها (5).

______________________________

(1) أي: فكون الإجازة كاشفة مسلّم. و الجملة جواب الشرط في «إن أريد».

(2) في العبارة مسامحة، و الأولى أن يقال: «لا يعلم أنّه ..» حتى يكون اسما مؤخّرا ل «أنّ».

(3) أي: و لا يعلم كون العقد سببا تامّا.

(4) تقوم الإجازة مقام الرضا المقارن في كفايتها في صحة العقد و تأثيره بعد حصولها، لا في جعل العقد مؤثرا من حين وقوعه كما ادّعاه المحقق الكركي قدّس سرّه. فدليل صحة عقد الفضولي حاكم على دليل اعتبار مقارنة الرضا للعقد حكومة موسّعة، فالشرط مطلق الرضا و إن تأخّر عن العقد.

(5) هذا الضمير و ضميرا «كونها، لها» راجعة إلى الإجازة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه- بناء على اعتبار مقارنة الرضا في صحة العقد، و بناء على كون البيع بمعناه المصدري- يكون عقد الفضولي حينئذ على خلاف القاعدة. و أمّا بناء على معناه الاسم المصدري يكون الرضا مقارنا دائما، من غير فرق فيه بين عقد الأصيل و الفضولي.

فقوله: «ان لازم صحة عقد الفضولي .. إلخ» غير ظاهر بنحو الإطلاق، إذ لا يتمّ إلّا بناء على اعتبار مقارنة الرضا لنفس العقد، لا لأثره الذي لا ينفك عنه أصلا في شي ء من الموارد من الأصيل المكره و الفضولي و غيرهما، إذ الأثر- و هو النقل و الانتقال- يترتب دائما على الرضا، و لا يتأخر الرّضا عنه.

و لا يبعد حكومة دليلي صحة عقدي المكره و الفضولي بعد حصول الطيب و الإجازة حكومة شارحة لما دلّ بظاهره على اعتبار مقارنة الرضا، كآية التجارة عن تراض، بأن يقال: إنّهما يدلّان على تحقق المقارنة بين الرضا و بين نقل العوضين الذي هو المعنى الاسم المصدري، فلا يلزم تخصيص في أدلة اعتبار المقارنة، و لا تصرّف في معنى التجارة،

ص: 19

و منه (1) يظهر فساد

______________________________

(1) يعني: و ممّا أوردناه على أوّل وجهي استدلال المحقق و الشهيد الثانيين على الكشف يظهر فساد .. إلخ. و الظاهر أنّ مقصود المصنف ممّن قرّر دليل الكشف بما في المتن هو الشيخ الفقيه الشيخ محسن الأعسم قدّس سرّه في شرحه على الشرائع الموسوم بكشف الظلام، على ما حكاه العلّامة الشهيدي «1» قدّس سرّه عن بعض، و ليس المراد من هذا المقرّر الشهيد الثاني في الروضة و إن كان أصل الدليل مذكورا فيها، لأنّ الموجود في الروضة وجه واحد، و قد أشار إليه المصنف في أوّل الاستدلال بقوله: «و استدل عليه كما في جامع المقاصد و الروضة» فينبغي أن يراد تقرير الدليل بوجه آخر.

و كيف كان فالأولى نقل جملة من كلام الشيخ الأعسم وقوفا على حقيقة مرامه، فإنّه قدّس سرّه جمع وجوها سبعة للقول بالكشف، و قال: «احتج الكاشفون بأمور: الأوّل: أن السبب الناقل للملك هو العقد المشروط بشرائط، و كلّها حاصلة إلّا رضى المالك، فإذا حصل الشرط عمل السبب التام. و اشتراط المقارنة في تأثير العقد محتاج إلى الدليل بعد عموم الأمر بالوفاء بالعقود. فلو توقف العقد على أمر آخر لزم أن [لا] يكون الوفاء بالعقد خاصة، بل هو مع الأمر الآخر.

فإن قلت: إنما أمر بالوفاء بالعقود المرضية عند المتعاقدين لا مطلقا. و حينئذ فلا يتوجه الأمر بالوفاء به إلى المالك إلّا بعد الإجازة الواقعة بعد العقد. فالآية إنّما أمرت بالعقد المقيّد على أنه جزء من الملك أو شرط فيه و إن كان مستفادا من خارج الآية من آية أخرى و غيرها.

______________________________

فإنّ معناها عرفا هو النقل و التبديل، و القول و الفعل آلة الإنشاء لا نفس التجارة. فمقتضى هذه الحكومة اعتبار مقارنة الرضا للتجارة بمعناها العرفي أي الاسم المصدري، و هو انتقال العوضين. و المقارنة بهذا المعنى موجودة في جميع موارد انتقال الأموال، سواء أ كان المتعاملان أصيلين أم وليّين أم وكيلين أم فضوليين.

______________________________

(1) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 286، و يستظهر هذا التقرير من الفاضل النراقي، فراجع: مستند الشيعة، ج 14، ص 283

ص: 20

تقرير الدليل (1): «بأنّ (2) العقد الواقع جامع لجميع الشروط، و كلّها (3) حاصلة إلّا رضا المالك،

______________________________

قلت: العقد لمّا وقع أفاد التمليك من حينه كما هو قضية إنشاء معناه، غاية ما هناك أنه معلق متزلزل إلى الإجازة، و الإجازة إنما أفادت الرضى بمقتضى العقد من التمليك و التملك من ذلك الوقت. و لو كانت مفيدة ملكا جديدا احتاجت إلى قبول كذلك، إذ رضى كل من المتعاقدين شرط في تأثير ما يصدر منه أو جزء كذلك.

و الحاصل: أنّ العقد المرضي سبب تام و إن تأخر الرضى فعلا، فيكون العقد مراعى غير معلوم صحته أو فساده إلى حين الإجازة، فإذا تحققت حصل العلم بأنّ العقد جامع للشرائط. و بهذا يجاب عما ذكره بعضهم في الرد على الدليل المذكور من أن العقد سبب تام .. و وجه دفعه بما ذكرناه واضح» «1».

و محصل هذا التقرير: أن العقد الواقع من الفضولي جامع لجميع الشروط المعتبرة في صحته إلّا رضا المالك، فإذا حصل رضاه بالإجازة عمل السبب التام- و هو العقد- عمله، و أثّر أثره من حين وقوع العقد.

و الفرق بين التقريرين: أن الإجازة المتأخرة في عبارة المحقق الثاني كاشفة عن وجود الرضا حال العقد الفضولي، لأنّه قدّس سرّه جعلها أمارة على تحقق الشرط أعني به طيب نفس المالك، و معناه كون الإجازة محرزة لكون عقد الفضولي تمام السبب الناقل، حيث قال في تقرير الدليل: «و تمامه في الفضولي إنّما يعلم بالإجازة».

و لكن الإجازة في التقرير الثاني ليست أمارة على وجود الرضا حال العقد، كما أنّها ليست جزء السبب المملّك، و إنّما تكون رضا بسببية العقد للملك شرعا. هذا.

(1) أي: الدليل الأوّل الذي نقله المصنف عن الثانيين قدّس سرّهما في (ص 15) بقوله: «بأنّ العقد سبب تام في الملك .. إلخ».

(2) متعلق ب «تقرير» و مبيّن له، و قد عرفته آنفا.

(3) أي: و كلّ شروط الإمضاء حاصلة إلّا رضا المالك.

______________________________

(1) كشف الظلام، مجلّد المتاجر، نقلا من نسخة مخطوطة في قسم المخطوطات من مكتبة آية الله السيد المرعشي قدّس سرّه بقم المقدسة.

ص: 21

فإذا حصل بالإجازة عمل السبب عمله (1)» فإنّه (2) إذا اعترف أنّ رضا المالك من جملة الشروط فكيف يكون كاشفا عن وجود المشروط (3) قبله؟

و دعوى (4)، أنّ الشروط الشرعية ليست كالعقلية، بل هي بحسب

______________________________

(1) يعني: من حين وقوعه، لأنّه مقصود القائل بالكشف.

(2) هذا إشكال المصنف قدّس سرّه على هذا التقرير، و حاصله: أنّه إذا كان رضا المالك- باعتراف المستدل- من شرائط صحة العقد، كان له دخل موضوعي في صحته كسائر الشروط، نظير البلوغ و العقل و غيرهما، و لا يثبت الرضا المقارن بالإجازة، لتأخرها عن العقد. بل الحاصل بالإجازة- كما هو ظاهر قوله: «فإذا حصل بالإجازة» و إلّا كان اللازم أن يقول: «فإذا انكشف بالإجازة»- هو الرضا المتأخر وجوده عن العقد. و مقتضاه تأثير العقد من حين حصول الإجازة كما هو مقتضى ناقلية الإجازة، لا من حين إنشاء العقد، كما هو مقتضى كاشفيّتها التي أرادها المستدلّ.

و الحاصل: أنّ شرطية الرضا للعقد تقتضي إناطة وجود الأثر- و هو نقل العوضين- بوجود الرضا، و مع هذه الإناطة الموجبة لتأخر النقل عن الرضا كيف يكون الرضا كاشفا عن وجود المشروط أعني النقل قبل الرضا؟ و ليس هذا إلّا من تقدّم المشروط على الشرط، و المعلول على بعض أجزاء علّته.

(3) و هو نقل العوضين قبل الرضا الحاصل بالإجازة، بل لا بدّ أن يقال «موجبا» بدل «كاشفا» فيكون الرضا موجبا لوجود المشروط بعده.

هذا ما يتعلق بالدليل الأوّل على الكشف بذلك التقرير الآخر، و قد اتضح عدم تماميته.

(4) هذه الدعوى من صاحب الجواهر قدّس سرّه، و غرضه منها دفع محذور الشرط المتأخر، و تصحيح القول بالكشف، حيث قال- بعد الاستدلال على مختاره بأنّ الإجازة رضا بمقتضى العقد الذي هو النقل من حينه- ما لفظه: «مضافا إلى ظهور ما دلّ في تسبيب العقد مسبّبه، و أنّه لا يتأخّر عنه، السّالم عن معارضة ما دلّ على اشتراط رضا المالك، بعد احتمال كون المراد من شرطيته في المقام: المعنى الّذي لا ينافي السببية المزبورة، و هو الشرط الكشفي الذي لا مانع من تصوره في العلل الشرعية التي هي بحكم العلل العقلية.

ص: 22

..........

______________________________

إن لم يكن هناك مانع من الشرع ما يقتضي خلاف ذلك، كما جاء في تقديم غسل الجمعة يوم الخميس ..» إلى آخر ما نقله الماتن عنه.

ثم قال: «و قد عرفت الفرق بينها- أي بين العلل العقلية- و بين ما نحن فيه من العلل الشرعية التي لا غرابة في تأخر الشرائط فيها في عبادة و لا معاملة، لكن على الوجه المزبور. بل يمكن كونه مثلها بناء على أنّ الشرط أن يحصل الرضا، لا حصوله فعلا» «1».

و محصّل ما أفاده يرجع إلى أحد وجهين.

الأوّل: أنّ الشروط الشرعية تابعة لكيفية جعلها شرعا، فيمكن جعل شي ء غير موجود شرطا، أي: يلاحظ إناطة وجود شي ء بما يوجد في المستقبل، حيث إنّ الأحكام الشرعية ليست من الأمور التكوينية التي يتوقف وجودها على عللها الموجودة قبلها رتبة، بل هي من الأمور الاعتبارية التي حقيقتها عين الاعتبار، فلا مانع من أن يعتبر الشارع شيئا شرطا متأخرا غير موجود لأمر متقدّم، و كيفية اعتبار الأمور الاعتبارية بيد معتبرها.

و كذا الحال في جعل السببية لشي ء. و عليه فلا مانع من اعتبار سببية إهلال شوّال لجواز إعطاء الفطرة قبله، و جعل الشرطية للأغسال الليلية لصوم اليوم الماضي للمستحاضة على القول به.

و بالجملة: فمرجع هذا الوجه إلى: أنّ الشروط الاعتبارية ليست كالشروط العقلية، فلا مانع من اعتبار الشرع السبب أو الشرط متأخرا عن المسبب أو المشروط، هذا.

الثاني: أن يكون الشرط عنوان التعقب و اللحوق، لا نفس الإجازة بوجودها الخارجي، و هذا العنوان شرط مقارن للعقد، لا متأخر عنه، فتخرج الإجازة على هذا الوجه عن الشرط المتأخر، و تندرج في الشرط المقارن.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 285- 287

ص: 23

ما يقتضيه جعل الشارع، فقد يجعل الشارع ما يشبه تقديم المسبّب (1) على السبب كغسل الجمعة يوم الخميس (2)، و إعطاء الفطرة قبل وقتها (3)- فضلا (4) عن تقدّم المشروط على الشرط، كغسل الفجر بعد الفجر للمستحاضة الصائمة (5)، و كغسل العشائين لصوم اليوم الماضي على القول به» (6).

______________________________

(1) التعبير بالشبه لأجل عدم تسبّب الأحكام- تكليفية أم وضعية- عن موضوعاتها، و إنّما تترتّب عليها بجعل الشارع تأسيسا أو إمضاء. فوجه الشباهة امتناع فعلية الحكم قبل فعلية موضوعه.

(2) قال المحقق قدّس سرّه: «و يجوز تعجيله يوم الخميس لمن خاف عوز الماء» «1».

(3) بإعطائها زكاة قبل هلال شوّال، قال الشهيد الثاني: «فإنّ المشهور جواز تقديمها زكاة من أوّل شهر رمضان» «2»، و اختاره قدّس سرّه. و هذا هو مراد صاحب الجواهر، و أما إعطاؤها قرضا للمستحق بقصد الزكاة فهو الأحوط بلا ريب.

(4) التعبير ب «فضلا» لأجل أنّ تقديم ما كان من قبيل المسبب على سببه أشدّ إشكالا من تقديم المشروط على الشرط، لوجود بعض أجزاء العلة- و هو المقتضي- في باب الشرط، بخلاف السبب.

(5) يعني: أنّ المستحاضة التي يجب عليها الغسل- و هي المتوسطة و الكثيرة- يجوز لها تأخير الغسل إلى بعد طلوع الفجر، فتكون في آن طلوعه صائمة و محدثة بالاستحاضة، قال في الجواهر: «كما أنّ الأقوى أيضا عدم وجوب تقديم غسل الفجر عليه، وفاقا لظاهر المعظم و صريح البعض، لتبعية حصوله للصوم لحصوله للصلاة» «3».

ثم حكى إيجاب تقديم الغسل على الفجر عن الذكرى و معالم الدين، لئلّا يلزم تقديم المشروط على شرطه.

(6) يعني: أن صحة صوم اليوم الماضي- من المستحاضة- مشروطة بأن تغتسل في

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 1، ص 44

(2) مسالك الأفهام، ج 1، ص 452

(3) جواهر الكلام، ج 3، ص 366

ص: 24

مدفوعة (1) بأنّه لا فرق فيما فرض شرطا أو سببا بين الشرعي و غيره، و تكثير الأمثلة لا يوجب (2) وقوع المحال العقلي، فهي (3) كدعوى أنّ التناقض الشرعي بين الشيئين (4) لا يمنع عن اجتماعهما (5)، لأنّ النقيض الشرعي غير العقلي.

______________________________

الليلة اللاحقة للعشائين. فكما أنّ صلاتها الليلية مشروطة بالغسل، فكذا صيام نهارها الماضي مشروط به، و هذا من أظهر موارد الشرط المتأخر. و المسألة و إن كانت خلافية، و لم يلتزم صاحب الجواهر بالاشتراط، لكن يكفي في الاستشهاد به التزام البعض به كالفاضل النراقي قدّس سرّه، حيث قال: «و يحتمل قويّا عدم الحكم بالبطلان إلّا مع ترك جميع الأغسال النهارية و الليلية الماضية و المستقبلة، و دعوى القطع بعدم مدخلية الليلة المستقبلة غير مسموعة» «1».

(1) خبر «و دعوى» و إنكار و ردّ لها، و محصله: أنّه لا فرق في استحالة تأخّر الشرط عن المشروط بين الشرط الشرعي و العقلي. و المراد بالشرط الشرعي ما جعله الشارع شرطا، و بعد اتصافه بالشرطية يكون كالشرط العقلي في امتناع تأخره عن المشروط، لأنّه من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص.

(2) خبر قوله: «و تكثير» يعني: أن تكثير الأمثلة لا يوجب إمكانه فضلا عن وقوعه، فلا بدّ من علاج تلك الأمثلة المذكورة في كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه.

(3) أي: فدعوى «أن الشروط الشرعية» تكون في المنع نظير دعوى إمكان التناقض في المجعولات الشرعية.

(4) كجعل الحدث شرعا مناقضا للطّهارة، فإنّه لا ريب في حكم العقل بعد ذلك باستحالة اجتماع الحدث و الطهارة. و لا يوجب كون التناقض شرعيا تصرف الشارع في حكم العقل بامتناع الاجتماع و تبديله بالجواز.

(5) تعليل لدعوى عدم منع التناقض الشرعي بين الشيئين عن الاجتماع، بتوهم أن النقيض الشرعي غير العقلي.

______________________________

(1) مستند الشيعة، ج 3، ص 38 و 39.

ص: 25

فجميع (1) ما ورد ممّا يوهم ذلك (2) [أنّه] لا بدّ [فيه] من التزام أنّ المتأخّر ليس سببا أو شرطا، بل السبب و الشرط [هو] الأمر المنتزع (3) من ذلك (4).

لكن ذلك (5) لا يمكن فيما نحن فيه (6) بأن يقال: إنّ الشرط (7)، تعقّب الإجازة و لحوقها بالعقد. و هذا (8) أمر مقارن للعقد على تقدير (9) الإجازة،

______________________________

(1) هذا نتيجة وحدة حكم الشرط و السبب الشرعيين و التكوينيّين في امتناع تقدم المشروط و المسبب عليهما.

(2) أي: تأخر الشرط عن المشروط الذي هو محال عقلي.

(3) و هذا الأمر المنتزع قد التزم به صاحب الجواهر و غيره، و هو ثاني الوجهين المذكورين في كلامه، و تقدم نقله في (ص 23) بقولنا: «بل يمكن كونه مثلها بناء على أن الشرط أن يحصل الرضا، لا حصوله فعلا» و غرض المصنف قدّس سرّه إمكان الالتزام بهذا الأمر الانتزاعي في الأمثلة المذكورة، دون الإجازة.

و عليه فشي ء من الوجهين المذكورين في الجواهر لا ينهضان بإثبات الكشف.

(4) أي: من المتأخر الذي سمّي بالشرط المتأخر، لكنه ليس شرطا، بل الشرط هو الأمر المنتزع منه، و ذلك المنتزع في الأمثلة التي ذكرها صاحب الجواهر قدس سره و نظائرها هو التعقب و اللحوق. فالشرط في غسل يوم الخميس تعقّبه بيوم الجمعة، و في إعطاء الفطرة- قبل وقتها- تعقّبه بالإهلال، و في صوم المستحاضة تعقبه بالغسل بعد الفجر. و من المعلوم أنّ وصف التعقب أمر مقارن على ما قيل، لا متأخر عنه.

(5) أي: لكن الأمر المنتزع- و هو عنوان التعقب- لا يجري في الفضولي و إن جرى في تلك الأمثلة، لمخالفته لدليل شرطية الرضا و طيب النفس، الظاهر في شرطية نفس الرضا، لا الوصف الانتزاعي.

(6) و هو عقد الفضولي، بأن يقال: إنّ الشرط فيه هو تعقبه بالإجازة.

(7) أي: أن الشرط في عقد الفضولي هو لحوق الإجازة بالعقد.

(8) أي: تعقب الإجازة و لحوقها بالعقد مقارن للعقد على ما قيل، لا متأخر عنه.

(9) أي: على تقدير صدور الإجازة من المالك الأصيل، و أمّا على تقدير الرّد فلا منشأ لانتزاع وصف التعقب بالإجازة، بل ينتزع تعقب العقد بالرّد.

ص: 26

لمخالفته (1) الأدلّة [1].

______________________________

(1) تعليل لعدم إمكان كون لحوق الإجازة شرطا على تقدير صدورها من المالك.

و حاصل التعليل: أنّ جعل الشرط أمرا منتزعا- و هو التعقب- خلاف ظاهر أدلة الاعتبار، حيث إنّها تدل على شرطية التراضي و طيب النفس الظاهرين في موضوعيتهما، دون الأمر الانتزاعي و هو التعقب المطلوب في كاشفية الإجازة.

______________________________

[1] لا يخفى أن جعل المؤثر في العقد هو وصف التعقب لا نفس الإجازة بوجودها الزماني المتأخر عن العقد لا يلتئم مع ما تقرّر عندهم من تكافؤ المتضايفين فعلا و قوة، و حيث إن المتعقّب- و هو الإجازة- معدوم في أفق الزمان، فالوصف الانتزاعي معدوم أيضا.

و الانصاف أنّ العويصة في المتضايفين المتدرجين وجودا- كالسابق و اللاحق- قد يشكل حلّها، لكون أحد الطرفين معدوما في ظرف وجود المضائف الآخر. و التعويل على أن المتفرقات في هذه النشأة مجتمعات في وعاء الدهر مشكل أيضا، لأنّ المتصف بالسابق و اللاحق هما الموجودان الزمانيان لا الخارجان عن أفق الزمان.

و قد تصدّى المحقق الأصفهاني لحلّ العويصة في كلّ من الزمان و الزماني.

أمّا في الزمان فبكفاية جمعية الوجود غير القارّ باتصاله، يعني أن الزمان موجود تدريجي متصل بعض أجزائه ببعض، و لا ينفك بعضها عن بعض. و بهذا اللحاظ يقال انه وجود واحد. و يكفي في معيّة أجزاء الزمان الموصوفة بالتقدم و التأخر اتصال بعضها ببعض.

و أمّا في الزماني- كالعقد المتقدم زمانا و الإجازة المتأخرة كذلك- فبأنّ اتصافهما بالمتقدم و المتأخر ليس بلحاظ نفسهما، بل هو بالعرض، فهما وصفان بحال المتعلّق، فالموصوف بهما هو الزمان السابق و اللاحق. و حيث كان الوصف بحال المتعلق صحّ تعنون العقد بالمتعقّب مع تأخر المتعقّب، لأنّ الوحدة الجامعة لهما هي الزمان، و هو واحد جمعي متصل «1»، هذا.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 146

ص: 27

اللهم (1) إلّا أن يكون مراده بالشرط ما يتوقّف تأثير السبب المتقدّم في

______________________________

(1) هذا توجيه لما أفاده قدّس سرّه من مخالفة شرطية لحوق الإجازة لظواهر الأدلة بوجه لا يخالفها. و مرجع هذا التوجيه إلى جعل اتصاف الرضا بالشرطية من الوصف بحال المتعلق، بتقريب: أنّ الشرط نفس الرضا كما هو ظاهر الأدلّة، و غير مخالف له، لكنّه مخالف لظاهر الشرطية، حيث إنّها اصطلاحا عبارة عمّا يتوقف تأثير السبب على نفسه، لا على عنوان لحوقه و تعقبه كما هو المقصود من كاشفية الإجازة، حيث إنّ تأثير العقد- بناء على الكشف- إنّما هو بسبب لحوق الإجازة لا نفسها، إذ تأثيره بنفس الإجازة هو مقتضى ناقليتها.

و أمّا تأثيره من زمان وقوعه فهو لأجل ملحوقيته بالإجازة، و الملحوقية شرط مقارن للعقد على ما زعموا. فتوصيف الرضا حينئذ بالشرطية يكون بحال متعلقة. و عليه فيتصرف في معنى الشرطية.

و الحاصل: أنّ الشرط الحقيقي- و هو اللحوق- غير متأخر، بل مقارن، و المتأخر- و هو نفس الرضا- ليس بشرط. فإطلاق الشرط عليه مبني على المسامحة، و من قبيل المجاز في الكلمة، لأنّ معنى الشرط اصطلاحا هو ما يتوقف تأثير المقتضي على نفسه، لا على لحوقه كما هنا، إذ إرادة الشرط من كلمة «الرضا» ليست إرادة لمعناه المصطلح، فإن الشرط- و هو اللحوق- غير الرضا.

______________________________

أقول: بناء على تسليم ما قرّره قدّس سرّه لحلّ المعضلة في الزمان، فقد يشكل تسليمه في الزماني بإرجاعه إلى الزمان، و ذلك لأنّ جعل الوصف بحال المتعلق يقتضي صحة سلبه عن الزماني السابق و اللاحق، كصحة سلب الحركة عن جالس السفينة باعتبار ثبوتها بالذات للسفينة، مع أنّ اتصاف المتضايفين الزمانيين بالسابق و اللاحق حقيقة عقلا و عرفا، و بلحاظ نفسهما، كحملهما على الزمان المتقدم و المتأخر. و لو صحّ هذا الإرجاع لزم إنكار الموجودات التدريجية، لفرض أنّ الموصوف بالسابق و اللاحق هو الزمان الذي فرضناه موجودا واحدا جمعيّا، فلا بدّ أنّ تكون المتصرّمات مجتمعة الأجزاء في الوجود.

و الظاهر أن الاشكال لا يندفع إلّا بالتصرف فيما يراد بالفعلية في قولهم: «المتضايفان متكافئان فعلية و قوة» بأن يراد فعلية كل منهما في ظرفه، لا مطلقا حتى في ظرف وجود المضائف الآخر. لكنه ممّا يأباه أهل الفن أيضا. و اللّه العالم بحقائق الأمور.

ص: 28

زمانه على لحوقه (1).

و هذا (2)- مع أنّه (3) لا يستحقّ إطلاق الشرط عليه- غير (4) صادق على الرضا، لأنّ المستفاد من العقل و النقل اعتبار رضا المالك في انتقال ماله، لأنّه لا يحلّ لغيره بدون طيب النفس، و أنّه (5) لا ينفع لحوقه في حلّ تصرّف الغير و انقطاع سلطنة المالك.

و ممّا ذكرنا (6) يظهر ضعف ما احتمله في المقام

______________________________

(1) أي: لحوق الشرط، و هو متعلق ب «يتوقف». و اللحوق مذهب الفصول و غيره.

(2) هذا إشكال على التوجيه المذكور، و هو يكون على وجهين:

أحدهما: أنّ هذا التوجيه لا يوجب استحقاق إطلاق الشرط على الرضا، إذ اللحوق المفروض كونه شرطا غير الرضا، فإطلاق الشرط على «الرضا» غير جدير.

ثانيهما: عدم صدق اللحوق على الرضا، لأنّ المستفاد من العقل و النقل هو اعتبار الرضا في الملكيّة بنحو الشرط المتقدم، لا اعتباره بنحو الشرط المتأخر.

(3) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل المتقدم بقولنا: «أحدهما: أن هذا التوجيه .. إلخ».

(4) هذا إشارة الوجه إلى الثاني الذي تعرّضنا له بقولنا: «ثانيهما عدم صدق اللحوق .. إلخ».

(5) معطوف على «لانه» و وجه عدم نفع لحوق الرضا في حل تصرف الغير هو ظاهر قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرء لغيره الا بطيب نفسه» لظهوره في إناطة حدوث الطيب بالرضا، و هو دال على توقف حلية تصرف الغير على الطيب، فلا بد من اعتبار الطيب على نحو الشرط المتقدم. و لذا لم يجز التصرف إلّا بعد إجازة المالك. و لو كان الشرط هو اللحوق لجاز التصرف قبل الإجازة، هذا.

و لكن حكى في المتن عن بعض جواز ترتيب آثار الصحة على العقد قبل تحقق الإجازة مع العلم بحصولها فيما بعد كما سيصرح به المصنف قدّس سرّه.

(6) أي: و من عدم إمكان كون الوصف المنتزع- و هو التعقب- شرطا يظهر ضعف ما احتمله بعض الأعلام من: أنّ معنى شرطية الإجازة مع بنائهم على كاشفيتها شرطية وصف التعقب.

ص: 29

بعض الأعلام (1)، بل التزم به غير واحد من المعاصرين

______________________________

(1) المراد به ظاهرا صاحب الحاشية على المعالم، على ما نقله الفاضل المامقاني عن المصنف بقوله: «و سمعت منه شفاها في بعض أبحاثه حكايته عن شرح التبصرة للشيخ الجليل المحقق محمد تقي الأصبهاني» «1». و اختار شرطية التعقب صاحب المستند «2».

و لعلّ مقصود المصنف قدّس سرّه من قوله: «غير واحد من المعاصرين» هو أصحاب الفصول و الجواهر و أنوار الفقاهة قدّس سرّهم. أما صاحب الفصول فلقوله: «و من هذا القبيل كل شي ء يكون وقوعه مراعى بحصول شي ء آخر كالصحة المراعاة بالإجازة في الفضولي، فإنّ شرط الصحة فيه كون العقد بحيث يتعقبه الإجازة، و ليست مشروطة بنفس الإجازة، و إلّا لامتنعت قبلها» «3».

و أمّا صاحب الجواهر فلأنّه جعل شرطية التعقب أحد الوجهين لتصحيح الكشف «4»، و سيأتي نقل كلامه في (ص 32 و 33).

و أمّا الشيخ الفقيه الشيخ حسن كاشف الغطاء فلأنه بيّن احتمالين للكشف و قوّى أوّلهما، حيث قال: «انّ الإجازة ناقلة من حينها .. أو كاشفة عن الصحة المتقدمة، بمعنى:

أنّ الصحة الثابتة من قبل انكشف بها، لأنها موقوفة على حصول الشرط، و هو الرضا في أحد الأزمنة و لو متأخرا، فبالإجازة بان حصوله. أو بمعنى أنّ الإجازة أثّرت في صحة العقد الماضي حين صدوره، فبها انكشف أنّ العقد الأوّل كان صحيحا من حينه؟ وجوه أقواها الواسط، و ربّما كان هو المشهور «5».

و نحوه كلامه في إجازة النكاح الفضولي.

و العبارة و إن لم تكن صريحة في شرطية الوصف المنتزع، لكن يمكن استفادته منها كما استفيد من تعبير صاحب الجواهر قدّس سرّه: «إذ الشرط الحصول فعلا و لو في

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 375

(2) مستند الشيعة، ج 14، ص 283.

(3) الفصول الغروية، ص 80.

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 287

(5) أنوار الفقاهة (مخطوط) نقلا من نسخة موجودة في مكتبة آية اللّه السيد المرعشي قدّس سرّه بقم المقدسة.

ص: 30

من (1): أنّ معنى شرطية الإجازة- مع كونها (2) كاشفة- شرطية (3) الوصف المنتزع منها، و هو (4) كونها لاحقة للعقد في المستقبل، فالعلّة التامّة: العقد الملحق به الإجازة، و هذه (5) صفة مقارنة للعقد و إن كانت نفس الإجازة متأخّرة عنه (6).

و قد التزم بعضهم (7)

______________________________

المستقبل».

و لعلّ مقصود المصنف جماعة أخرى من معاصريه ممّن لم نقف على كلامهم.

(1) بيان ل «ما» الموصولة في قوله: «ما احتمله».

(2) يعني: مع بنائهم على كون الإجازة كاشفة، المقتضي لشرطية نفس الإجازة، لا الوصف، و هو «تعقب الإجازة للعقد».

(3) خبر قوله: «انّ معنى».

(4) الضمير راجع الى الوصف المنتزع، أي: أنّ الوصف المنتزع عبارة عن كون الإجازة لاحقة للعقد في الزمان المستقبل. و يسمى هذا الوصف في لسان جماعة بالتعقّب.

و عليه فيكون المؤثر التام هو العقد الملحق به الإجازة فيما بعد، و هذا الوصف من الأوصاف المقارنة للعقد، فلا مانع من كون الإجازة كاشفة بهذا المعنى، لعدم ترتب محذور الشرط المتأخر عليه.

(5) أي: و لحوق الإجازة بالعقد صفة مقارنة للعقد، لا متأخرة عنه حتى يرد عليه محذور الشرط المتأخر، و إن كانت نفس الإجازة متأخرة، لكنّها ليست شرطا، إذ الشرط على الفرض هو لحوق الإجازة لا نفسها.

(6) أي: عن العقد.

(7) أي: بعض الملتزمين بشرطية التعقب و اللحوق، و هذا البعض صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث التزم بما يتفرّع على جعل التعقب شرطا في تأثير العقد، من جواز ترتيب الأثر على بيع الفضولي لو علم بحصول رضا المالك- بهذا البيع- في المستقبل.

قال قدّس سرّه- بعد الاشكال على كون الرضا شرطا للعلم بالانتقال لا لنفس الانتقال- ما لفظه: «نعم لو أخبر المعصوم بأنّه يحصل الرضا فعلا من المالك الذي يؤثر رضاه، كفى ذلك في ترتب الآثار الآن عليه، لتحقق الشرط حينئذ كتحققه بنفس وقوعه، إذ الشرط

ص: 31

بما يتفرّع على هذا (1) [1] من (2) «أنّه إذا علم المشتري أنّه المالك للمبيع سيجيز العقد، حلّ له التصرّف فيه بمجرّد العقد».

و فيه (3) ما لا يخفى من المخالفة للأدلّة.

______________________________

الحصول فعلا و لو في المستقبل. و لا ريب في تحقق الحصول في المستقبل بالإخبار» «1».

و قال بعد أسطر في بيان مختاره من محتملات الكشف: «الثالث و هو التحقيق: أن يكون الشرط حصول الرضاء و لو في المستقبل، الذي يعلم بوقوعه من المالك مثلا، أو بإخبار المعصوم، أو نحو ذلك. و المراد شرطية الرضاء على هذا الوجه، و كان هذا هو المتعيّن ..» «2».

(1) أي: على كون الشرط هو الوصف الانتزاعي أعني به لحوق الإجازة بالعقد.

(2) بيان ل «ما» الموصولة في قوله: «بما يتفرّع» و حاصل هذا الفرع المتفرع على شرطية الوصف الانتزاعي هو: جواز تصرف المشتري بمجرد العقد في المبيع الذي باعه العاقد الفضولي، إذا كان المشتري عالما بأنّ عالما بأنّ مالك المبيع يجيز العقد في المستقبل، فإنّ لازم شرطية الأمر الانتزاعي- الذي هو مقارن للعقد- حليّة التصرف قبل تحقّق الإجازة.

(3) أي: و في التزام بعضهم بحلّية التصرف بمجرّد العقد فيما لو علم المشتري بأنّ المالك سيجيز العقد- مع البناء على شرطية وصف التعقب- ما لا يخفى من الاشكال.

و محصّل النظر و الاشكال في هذا الالتزام هو مخالفة حلية التصرفات- بمجرّد العقد- للأدلة الدالة على إناطة جواز التصرف في مال الغير بطيب نفسه الذي لا يحصل إلّا

______________________________

[1] ظاهر كلامه قدّس سرّه ترتب هذا الفرع على خصوص الكشف التعقبي، بأن يكون الشرط خصوص التعقب فقط. مع أنّه ليس كذلك، لتفرعه على الشرط المتأخر أيضا، ضرورة أنّه بناء عليه تكون الملكية حاصلة قبل تحقق الإجازة التي تجي ء في المستقبل. و لعلّه قدّس سرّه لاستحالة الشرط المتأخر فرّع هذا الفرع على خصوص شرطية التعقب.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 288

(2) المصدر، ص 289

ص: 32

و يرد (1) على الوجه الثاني أوّلا: أنّ (2) الإجازة و إن كانت رضا بمضمون العقد، إلّا أنّ مضمون العقد

______________________________

بإجازة المالك. فقبل الإجازة الكاشفة عن الرضا و طيب النفس لا يحلّ التصرف، فعدم صحة الالتزام بهذا الفرع يكشف عن عدم صحة الالتزام بالأصل، و هو شرطية التعقب.

(1) معطوف على قوله في (ص 18): «و يرد على الوجه الأوّل» و هذا إشكال على ثاني الوجهين اللذين احتج بهما صاحب الرياض و غيره للقول بالكشف، و حكاه المصنف قدّس سرّه بقوله: «و بان الإجازة متعلقة بالعقد فهي رضا بمضمونه .. إلخ».

(2) قد أورد المصنف قدّس سرّه على ثاني وجهي الاستدلال بوجوه ثلاثة:

الأوّل: أنّ الإجازة و إن كانت متعلّقة بالعقد و رضا بمضمونه، إلّا أنّ مضمون العقد ليس هو نقل العوضين من حين وقوع العقد حتى يكون هذا المضمون موردا للإجازة و الرضا، و يلتزم لأجله بالكشف، بل مضمون العقد نفس النقل من دون تقيّده بزمان وقوعه، فالزمان ظرف لوقوعه، حيث إنّ العقد كغيره من الزمانيّات و المكانيّات- المحتاجتين في وجودهما إلى زمان و مكان- لا بدّ أن يقع في زمان و مكان، من دون أن يكون شي ء منهما قيدا له.

و بعبارة أخرى: ما تقدم في تقرير الدليل من «أن مضمون العقد ليس إلّا نقل العوضين من حين العقد» ممنوع، فإنّ المنشأ هو الملكية المرسلة، لا المقيّدة بحصولها من زمان العقد، و من المعلوم الفرق بين تمليك شي ء للمشتري مقيدا بزمان العقد، و بين تمليكه إيّاه و حصول الملكية له حين العقد.

و إن شئت فلاحظ نظيره في العلل التكوينية، فالحرارة مثلا معلولة للنار، لكنّها غير مقيّدة بها زمانا و مكانا، و إنما توجد في زمان و مكان من جهة أن الموجود المادّي لا يخلو منهما.

و عليه فوقوع الزماني في الزمان لا يستلزم كون الزمان قيدا له، بل قد يكون قيدا و قد يكون ظرفا محضا. و المدّعى هو أنّ الملكية الحاصلة بالإنشاء الفضولي معرّاة عن اعتبار الزمان قيدا، و غير مقيده بحصولها من زمان الإنشاء. و حينئذ تتعلق إجازة المالك بأصل التمليك، و هو الممضى شرعا، لا الملكية من زمان الإنشاء حتى يثبت القول بالكشف.

ص: 33

ليس هو النقل من حينه (1) حتّى يتعلّق الإجازة و الرضا بذلك النقل المقيّد بكونه في ذلك الحال (2)، بل هو (3) نفس النقل مجرّدا عن ملاحظة وقوعه في زمان، و إنّما الزمان من ضروريات إنشائه (4)، فإنّ قول العاقد: «بعت» ليس «نقلت من هذا [1] الحين (5)» و إن كان النقل المنشأ به واقعا في ذلك الحين، فالزمان ظرف

______________________________

و يشهد لكون المنشإ طبيعة الملكية- لا المقيدة- أمور:

أحدها: مورد الإيجاب و القبول، فإنّ تمليك الموجب بقوله: «بعت» لو كان مقيّدا بحصوله من حينه لزم تحقق الملكية للمشتري في وعاء الاعتبار قبل انضمام القبول اليه. مع أنه ليس كذلك قطعا، إذ لم يقل أحد بأنّ القبول كاشف عن حصول الملك حال الإيجاب.

فلا مناص من كون الملكية المقصودة للموجب هو الملكية المرسلة، أي غير مقيدة بزمان الإيجاب و لا بزمان القبول.

ثانيها: الفسخ، و ثالثها الإجازة، و سيأتي بيان الكلّ إن شاء اللّه تعالى.

فتحصّل: أن الدليل الثاني على الكشف مبني على تأثير العقد في الملكية المقيدة، حتى تتعلّق بها إجازة المالك، ثم إمضاء الشارع. و قد اتّضح منع المبنى المزبور، فلا وجه للكشف، هذا.

(1) أي: من حين العقد، حتى يكون ذلك النقل المقيّد متعلّقا للإجازة و الرضا.

(2) أي: حال العقد.

(3) يعني: بل مضمون العقد نفس النقل بدون تقيّده بزمان وقوعه.

(4) لكون الإنشاء من الزمانيات التي لا بدّ من وقوعها في الزمان وقوعها في المكان، فكما أنّ المكان ليس قيدا للنقل، فكذلك الزمان.

(5) يعني: ليس مفهوم «بعت» النقل المقيّد بالزمان، بل مجرّد النقل بدون قيد الزمان.

______________________________

[1] نعم ليس الزمان مأخوذا في مفهوم «بعت» إلّا أنّ قرينة التعارف تخرجه عن الإهمال، و توجب ظهوره عرفا في النقل حال الإنشاء، بحيث لو أنكر منشئ العقد عدم إرادة النقل حين الإنشاء لا يسمع إنكاره. فللقائل بالكشف أن يدّعي هذا الظهور العرفي، بحيث يكون مضمون «بعت» نقلت في هذا الآن. و المفروض أنّ الإجازة تتعلّق بهذا

ص: 34

______________________________

المضمون.

و عليه فما أنشأه الفضولي هو نقل العوضين إنشائيّا في زمان تحقق العقد، و الإجازة تتعلق بهذا المضمون. فالنتيجة كاشفية الإجازة، هذا.

فالحق في الجواب عن هذا الوجه الثاني أن يقال: إنّ الفضولي أنشأ النقل، و هذا النقل الإنشائي جزء لموضوع حكم الشارع بالملكية الفعلية، و جزؤه الآخر إجازة المالك، فإذا أجاز صار موضوع حكم الشارع تامّا، فيحكم الشارع بالنقل الفعلي.

و ببيان آخر: يصير النقل الإنشائي الصادر من العاقد الفضولي فعليّا بإجازة المالك.

فإمضاء المالك للنقل الإنشائي موضوع لحكم الشارع بالنقل الفعلي، و هذا ينطبق على ناقلية الإجازة.

ثمّ إنّ المحقق الايرواني قدّس سرّه أورد على المتن- من كون الملكية المنشئة مهملة غير مقيّدة بوقوعها من زمان الإنشاء ليتجه القول بالكشف- تارة بأنّه إن كان غرض المصنف إهمال المنشئ في مقام القصد كما هو ظاهر العبارة فهو باطل بالضرورة، إذ لازمه بطلان المعاملة و عدم وقوعها في شي ء من الأزمنة، فإنّ إنشاء النقل في زمان مّا لا يوجب وقوعه فعلا بالإجازة، كما أنّها تبطل لو أنشأ وقوعها في زمان متأخر عن العقد، فيتعيّن أن يكون مقصود المنشئ حصول النقل فعلا.

و إن كان الغرض الإهمال في العبارة و عدم التصريح بحصول النقل من زمان الإنشاء، فهو و إن كان صحيحا، لكنه لا يضرّ القائل بالكشف، لكفاية إطلاق العقد حينئذ في تعيين النقل حال العقد، كتعيين كون المعاملة نقدا بهذا الإطلاق.

و اخرى بأنّ كلام المصنف في الجواب أخصّ من المدّعى، لإمكان تقييد النقل و التمليك بزمان الإنشاء، فيقول: «بعتك هذه الدار فعلا» فيلزم أن يلتزم المصنف بالكشف، لفرض تعلق الإجازة بهذا النقل المقيد، مع أن غرضه قدّس سرّه إبطال دليل الكشف أصلا و رأسا «1».

أقول: لا ريب في امتناع الإهمال من المنشئ، لكون الإنشاء فعلا اختياريا منوطا

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 127

ص: 35

للنقل لا قيد له (1).

فكما أنّ (2) إنشاء مجرّد النقل الذي هو مضمون العقد

______________________________

(1) أي: للنقل، حتى يدل على حدوث النقل حين تحقق إنشاء العقد من الفضولي، و يكون دليلا على كاشفية الإجازة.

(2) غرضه قدّس سرّه تضعيف القول بالكشف بتنظير الإجازة بنفس العقد الفضولي و بإمضاء الشارع من جهة كون الزمان ظرفا في الجميع، و ليس قيدا في شي ء منها.

و بيانه: أنّ العقد إمّا يصدر ممّن له ولاية أمره، و امّا من الأجنبي. فإن صدر من الأوّل اقتضى ترتب أثره- و هو النقل- في زمان وقوعه، لأنّه عقد صدر من أهله، و تقتضي أدلة الإمضاء حصول أثره فورا. لكن لا لأجل كون المنشأ هو النقل المقيّد بحال العقد-

______________________________

بالقصد و الالتفات، فلا يخلو إمّا أن يقصد النقل المقارن للإنشاء أو المتأخر عنه، و الثاني باطل بالضرورة، فيتعين كون النقل في حال العقد.

و هذا و إن كان صحيحا، لكنه لا يرد على المصنف شي ء من الإيرادين:

أمّا عدم ورود الأوّل فلأنّ المصنف لم يدّع كون المنشئ قاصدا للنقل في الجملة حتى يكون تقييده ببعض الأزمنة كزمان العقد بلا مرجّح، و إنّما غرضه إنشاء النقل المرسل المعرّى عن الزمان كلّية، فليس الزمان مأخوذا في الإنشاء أصلا لا في الجملة و لا بالجملة. و معه لا موضوع للإيراد عليه بأنّ النقل في زمان في الجملة لا يتعيّن وقوعه فعلا بالإجازة.

و عليه فالشق الأوّل من الإيراد ممنوع، لابتنائه على أخذ زمان مّا في الإنشاء حتى يمتنع وقوعه فعلا. و قد عرفت أنّه مخالف لتصريح المصنف، كقوله: «إلّا أنّ مضمون العقد ليس هو النقل من حينه .. بل هو نفس النقل مجرّدا عن ملاحظة وقوعه في زمان».

و أمّا الإشكال الثاني فهو و إن كان متجها على المصنف ظاهرا، لكن يمكن منعه بما سيأتي منه بأنّ قصد المنشئ الفضولي لا يترتب عليه أثر أصلا، لأنّ موضوع إمضاء الشارع للبيع الفضولي هو العقد المستند إلى المالك بإجازته. و لمّا كان المتّبع دلالة دليل الإمضاء، و كان ظاهره وقوع البيع من زمان الإجازة، لم يقدح تخلف قصد الفضولي من وقوع النقل حال العقد، هذا.

ص: 36

في زمان (1) يوجب وقوعه من المنشئ في ذلك الزمان (2)، فكذلك (3) إجازة ذلك النقل في زمان يوجب وقوعه (4) من المجيز في زمان الإجازة.

و كما أنّ (5) الشارع إذا أمضى نفس العقد (6) وقع النقل من زمانه، فكذلك إذا أمضى إجازة المالك وقع النقل من زمان الإجازة (7).

______________________________

بحيث يكون لوقوعه فيه دخل- بل لأجل أنّ هذا الإنشاء المؤثر أمر زماني وقع في زمان، فلا بدّ أن يحصل أثره في ذاك الزمان.

و إن صدر من الثاني و هو الفضولي لم يؤثر في النقل، لتوقفه على إجازة المالك و إمضاء الشارع، فإن أجاز لزم حصول الأثر من زمان الإجازة الذي هو ظرف الإمضاء الشرعي. و لكن لا بمعنى تقيّد النقل بزمان الإجازة، بل لأنّ النقل و التمليك أمر زماني يقع في ظرف وجود الإجازة. فتكون الإجازة مفيدة للنقل لا الكشف.

و الحاصل: أنّ الزمان كما لم يؤخذ قيدا في الإجازة و لا في إمضاء الشارع، فكذا لم يؤخذ في إنشاء العقد سواء من المالك لأمره، أم من الأجنبي و هو الفضولي، فلا وجه لجعل الإجازة كاشفة عن حصول النقل من حين إنشاء الفضولي، هذا.

(1) متعلق ب «إنشاء» حيث إنّ الإنشاء- الذي هو أمر زماني- يقتضي وقوع النقل في زمان الإنشاء، من جهة ظرفية الزمان، لا قيديته له.

(2) أي: زمان إنشاء النقل. و قوله: «يوجب» خبر قوله: «ان إنشاء».

(3) متعلق ب «فكما» و هذا يفيد النقل في زمان الإجازة، لا في زمان العقد.

(4) هذا الضمير و ضمير «وقوعه» المتقدّم راجعان إلى النقل، و المراد بالوقوع وقوع المظروف في الظرف، من دون تقييده به.

(5) ما أفاده بقوله: «فكما أنّ إنشاء» كان ناظرا إلى اختلاف نفس العقد و الإجازة في الأثر، مع كون الزمان ظرفا في كليهما. و ما أفاده بقوله: «و كما» ناظر إلى اختلاف مفاد الإمضاء، فإن كان العقد صادرا من أهله فمعنى صحته ترتب الأثر عليه من حينه. و إن كان صادرا من غير أهله كانت صحته من حين الإجازة، لا من زمان العقد.

(6) أي: العقد الصادر من أهله.

(7) كما في عقد الفضولي، فإنّ النقل يقع من حين إجازة المالك التي أمضاها الشارع.

ص: 37

و لأجل ما ذكرنا (1) لم يكن مقتضى القبول وقوع الملك من زمان الإيجاب، مع أنّه (2) ليس إلّا رضا بمضمون الإيجاب. فلو كان مضمون الإيجاب النقل من حينه (3) و كان القبول رضا بذلك، كان (4) معنى إمضاء الشارع للعقد الحكم بترتّب الأثر من حين الإيجاب، لأنّ (5) الموجب ينقل من حينه، و القابل يتقبّل

______________________________

(1) من عدم أخذ الزمان قيدا للنقل الذي أنشأه الفضولي. و كذا من قوله: «فكما أنّ إنشاء مجرّد النقل الذي هو مضمون العقد إلخ» و من قوله: «فكذلك اجازة ذلك النقل» و من قوله: «و كما أنّ الشارع إذا أمضى نفس العقد .. إلخ» و قوله: «فكذلك إذا أمضى إجازة المالك».

يظهر من ذلك كله: أنّ مقتضى القبول و إن كان رضا بمضمون الإيجاب، لكنّه ليس قبولا للملك الواقع من زمان الإيجاب، إذ ليس مضمون الإيجاب النقل المقيّد من حينه حتى يكون القبول رضا بذلك، و يكون معنى إمضاء الشارع حينئذ للعقد الحكم بترتّب الأثر من حين الإيجاب، بأن يقال: إنّ الموجب ينقل المبيع إلى المشتري من حين الإيجاب، و المشتري يتقبل ذلك و يرضى به.

و عليه فحال الإجازة حال القبول الذي لا يقتضي حصول النقل من زمان الإيجاب، و لا يكون كاشفا عن ترتب الأثر حين إنشاء الموجب. بل النقل منوط بانضمام القبول فيما كان المتعاقدان أصيلين، و بلحوق الإجازة فيما كان أحدهما فضوليّا، أو كلاهما فضوليين، فكيف تقتضي الإجازة حصول النقل من حين العقد؟

و لا يخفى أن تنظير الإجازة بالقبول هو الشاهد الأوّل على بطلان الكشف، لاشتراكهما في الرضا بالإيجاب و العقد، و قد تقدم توضيحه في (ص 34).

(2) يعني: مع أنّ مقتضى القبول ليس إلّا الرضا بمضمون الإيجاب.

(3) أي: من حين الإيجاب، و كان القبول رضا بهذا المضمون، أي النقل من حين الإيجاب.

(4) جواب «فلو كان» و قوله: «الحكم» خبر «كان معنى».

(5) تعليل للحكم بترتب الأثر من حين الإيجاب، إذ الموجب ينقل متاعه إلى المشتري من حين الإيجاب.

ص: 38

ذلك (1) و يرضى به [1].

و دعوى (2) «أنّ العقد سبب للملك، فلا يتقدّم (3) عليه» مدفوعة (4)

______________________________

(1) أي: يتقبّل نقل المال إليه و يرضى به من حين نقل الموجب، و هو زمان إنشائه العقد. مع أنّ الأمر ليس كذلك، إذ لا يترتب الأثر الشرعي إلّا بعد تمامية العقد، لا خصوص الإيجاب. كما أنّ المال في البيع الفضولي ينتقل إلى المشتري حين صدور الإجازة من المالك، لا من حين صدور العقد من العاقد الفضولي.

(2) هذه الدعوى إشكال على استشهاد المصنف قدّس سرّه- بعدم حصول الملك من زمان الإيجاب- على عدم أخذ النقل من حين الإيجاب في مفهومه.

و حاصل الاشكال هو الفرق بين الإيجاب و العقد، حيث إنّ الإيجاب بنفسه ليس سببا للملك، بل السبب له هو الإيجابا المنضمّ معه القبول المعبّر عنه بالعقد، فبعد انضمام القبول إليه يتم العقد، و يترتّب عليه الأثر. و هذا بخلاف عقد الفضولي، فإنّه سبب للملك، و المجيز ينفّذ هذا المضمون، فتكون إجازته كاشفة.

و بعبارة أخرى: الفارق بين القبول و الإجازة هو: أنّ القبول و إن كان رضى بفعل الموجب المتكفل لإنشاء تمليك عين بمال، إلّا أنّ القبول جزء السبب المملّك، و يمتنع عقلا تقدم المسبب على سببه التام و هو العقد. فلم يتحقق شي ء- في وعاء الاعتبار- بمجرّد الإيجاب حتى يكون القبول كاشفا عنه، فلا معنى للالتزام بالنقل من حين الإيجاب. و هذا بخلاف الإجازة، لفرض تمامية السبب، و لم يحصل من المجيز إلّا الرضا بمضمون العقد، فيتجه كونها كاشفة عن تحقق النقل من حين العقد.

و الحاصل: أنّه لا يصح الاستشهاد بالقبول على منع كاشفية الإجازة، لكون القبول جزء السبب، و الإجازة تنفيذا للسبب.

(3) يعني: فلا يتقدم الملك- الذي هو المسبب- على سببه أعني به العقد.

(4) هذا دفع الإشكال المذكور، و محصل دفعه: أنّ الفرق المزبور بين الإيجاب

______________________________

[1] الأولى تنظير الإجازة بمقابلها و هو الفسخ، فكما أنّ الفسخ حلّ العقد من حينه لا من حين وقوع العقد، فكذلك الإجازة، فإنّها تنفيذ العقد من حين وقوعها، لا من حين وقوع العقد حتى تدل على الكشف.

ص: 39

بأنّ سببيته (1) للملك ليست إلّا بمعنى إمضاء الشارع لمقتضاه، فإذا فرض مقتضاه مركّبا من نقل في زمان (2) و رضا بذلك (3) النقل، كان (4) مقتضى العقد الملك بعد الإيجاب (5).

______________________________

و العقد غير سديد، إذ كما أنّ الإيجاب بنفسه ليس سببا للملك، كذلك عقد الفضولي، فإنّه لا يترتب عليه الأثر إلّا برضا المالك، فكلّ من القبول و الرضا جزء علّة الملك، غاية الأمر أنّ القبول جزء المقتضي، و الرضا شرط تأثير المقتضي.

و على هذا فلا فرق في كون العقد سببا تامّا بين الإجازة و القبول، إذ المراد بالسببية التامة هو إمضاء الشارع للعقد، و الحكم بتحقق مقتضاه في وعاء الاعتبار، و المفروض تركّب هذا السبب التام من إيجاب و قبول، و مقتضى الإيجاب هو النقل من زمانه، و مقتضى القبول هو الرضا بذلك النقل الخاص. و بتحقق هذا الإيجاب و القبول يتم موضوع إمضاء الشارع- الذي هو منشأ انتزاع سببية العقد- و وقوع مضمون العقد على حسب مقتضاه، و هو النقل في زمان الإيجاب، و يتعيّن كون القبول رضا بهذا النقل الخاص.

و يتجه الاستشهاد بالقبول على عدم كون الإجازة كاشفة، إذ لم يقل أحد بأنّ وجوب الوفاء بالعقود يقتضي ترتيب الأثر- كالنقل و الانتقال- على الإيجاب من زمان وقوعه، فلا بدّ أن يكون وجوب الوفاء بعقد الفضولي بعد الإجازة مقتضيا لترتب مقتضاه عليه من زمان لحوق الإجازة، لا من زمان العقد.

(1) أي: سببية العقد للملك، و ضمير «لمقتضاه» في الموضعين راجع الى «العقد».

(2) و هو زمان الإيجاب.

(3) أي: النقل الحاصل من زمان الإيجاب، و المراد بالرضا هو القبول.

(4) جواب الشرط في قوله: «فإذا فرض».

(5) و الحاصل: أنّ الزمان غير مأخوذ في الإيجاب إلّا ظرفا لا قيدا، إذ لو كان مدلول إنشاء الموجب «بعتك الكتاب بدينار» هو تمليكه من هذه الحال، و كان القبول رضا بهذا الإيجاب لزم كون إمضاء الشارع- سببية العقد للتمليك- من حين الإيجاب، إذ ليس الإمضاء إلّا تنفيذا للإيجاب و القبول. مع أنّه لا سبيل للالتزام بحصول الملك من

ص: 40

و لأجل ما ذكرنا (1) أيضا (2) لا يكون فسخ العقد إلّا انحلاله من زمانه (3)، لا من زمان العقد، فإنّ الفسخ نظير الإجازة، و الرد (4) لا يتعلّق إلّا بمضمون العقد، و هو النقل من حينه (5). فلو كان زمان وقوع النقل مأخوذا في العقد على

______________________________

زمان الإيجاب. فليكن الأمر في عقد الفضولي كذلك، أي: حصول الملك من حينها لا من زمان العقد.

هذا تمام الكلام في النقض بالقبول، و اتحاد حكمه مع الإجازة في عدم كاشفيتهما عن ترتب الأثر قبل تحققهما.

(1) أي: و لأجل ما ذكرنا- من فرض مقتضى العقد مركّبا من نقل في زمان و رضا بذلك النقل، و كون مقتضى العقد الملك بعد الإيجاب- لا يكون فسخ العقد إلّا انحلاله من زمان الفسخ.

و غرضه إقامة شاهد آخر على عدم سببية العقد للملكية المقيّدة بحصولها من حين العقد حتى تكون الإجازة كاشفة عنها، و بيان هذا الشاهد: انّهم قالوا بكون الفسخ في العقد الخياري حلّا للعقد من زمان الفسخ، حيث إنّ الفسخ في مقابل الإجازة. فكما أنّ الإجازة تثبت العقد و توجب الملك من حين الإجازة، فكذلك الفسخ ينفي العقد و يزيله من حين تحقق الفسخ.

فلو كان الزمان دخيلا في مفهوم العقد لزم كون الفسخ مزيلا للملك الحاصل بالعقد، فكأنّه لم يوجد العقد أصلا، مع أنّهم جعلوا الفسخ انحلالا له من حينه، لا من حين العقد. و هذا كاشف عن عدم كون العقد مملّكا من حينه بنحو التقييد، و إنّما هو سبب للملكية المرسلة المعرّاة عن اعتبار الزمان، فكذلك لا تكون الإجازة كاشفة عن حصول الملك حال العقد.

(2) يعني: كما لا يكون القبول قبولا للملك من حين الإيجاب، فكذا الفسخ .. إلخ.

(3) أي: من زمان الفسخ.

(4) مبتدء، و «لا يتعلق» خبره، و «من حينه» متعلق «بمضمون». يعني: و الرّد لا يتعلق بشي ء إلّا بمضمون العقد من حين الرّد، لا من حين إنشاء العقد.

(5) يعني: بنحو القضية الحينية لا على وجه القيدية، إذ لو كان الزمان قيدا للنقل كان الفسخ موجبا لنفي الآثار و الأحكام من حين العقد. مع أنّه ليس كذلك، إذ المسلّم

ص: 41

وجه القيديّة لكان ردّه و حلّه موجبا للحكم بعدم الآثار من حين العقد.

و السّرّ في جميع ذلك (1) ما ذكرنا من عدم كون زمان النقل إلّا ظرفا، فجميع ما يتعلّق بالعقد من الإمضاء و الرّد و الفسخ إنّما يتعلّق بنفس المضمون (2)، دون المقيّد بذلك الزمان.

و الحاصل (3): أنّه لا إشكال في حصول الإجازة بقول المالك: «رضيت بكون مالي لزيد بإزاء ماله» أو «رضيت بانتقال مالي إلى زيد»

______________________________

عند الأصحاب كون الفسخ حلّا للعقد و قاطعا لاستمراره من حين حصول الفسخ، لا حلّا لأصل العقد من حين وقوعه، فالمقابل للفسخ هو إبقاء العقد و الالتزام به.

(1) أي: من عدم تعلق الإجازة بمضمون العقد من زمان وقوع العقد، و من كون الفسخ انحلال العقد من زمان الفسخ، و من أنّ الرّد لا يتعلّق إلّا بمضمون العقد من حين الرد.

و محصل الوجه في جميع ذلك هو عدم تقيد مضمون العقد بالزمان بحيث لا يكون زمان إنشاء العقد قيدا له، بل ظرفا له، فلا محالة يتعلق الإمضاء و الرد و الفسخ بنفس مضمون العقد مجرّدا عن الزمان.

(2) أي: بدون ملاحظة تقيده بزمان وقوع العقد.

(3) أي: حاصل ما تقدم- من عدم قيدية الزمان للنقل، و من عدم قيدية الزمان لمفهوم الإيجاب- هو: أنّه لا إشكال .. إلخ. و هذا الحاصل يتضمن نقضا ثالثا على أخذ الزمان قيدا في العقد.

و بيانه: أنه سيأتي في ثاني تنبيهات الإجازة جواز إنشائها بكلّ ما يدلّ على الرضا بنفس العقد الفضولي أو بنتيجته، فيجوز تنفيذ العقد بمثل قوله: «أجزت أو رضيت بالعقد». و يجوز تنفيذ نتيجة العقد إمّا بالقول كأن يقول: «رضيت بكون مالي لزيد بكذا» أو «رضيت بانتقال مالي لزيد». أو بالفعل الدال عليه، بأن يسلّم المبيع إلى المشتري، أو بتمكين المرأة- المزوّجة فضولا- نفسها من الزوج. فإنّ الفعل كاشف عن الرضا بأثر العقد، لا بنفسه حتى يدلّ على اجازة العقد المقيّد بالزمان.

و بناء على هذا نقول: لو كان الزمان ملحوظا قيدا في العقد لزم أحد أمرين

ص: 42

و غير (1) ذلك من الألفاظ (2) التي لا تعرّض فيها لإنشاء الفضولي فضلا عن زمانه (3).

كيف (4)؟ و قد جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها إجازة منها.

______________________________

لا سبيل للالتزام بشي ء منهما:

الأوّل: إنشاء الإجازة بخصوص الألفاظ الدالة على تنفيذ العقد الفضولي مثل «أجزت أو أنفذت العقد» حتى يكون مفاده الرضا بالنقل المقيّد بزمان عقد البيع، فلا يجوز إنشاء الإجازة بما يدلّ على قبول نتيجة العقد.

الثاني: التفصيل في ألفاظ الإجازة، بأن يقال: بجواز إنشائها بكل ما يقتضي الرضا بالعقد و بأثره، لكنها إن تعلّقت بالعقد كقوله: «أجزت العقد» كانت كاشفة عن النقل المقيّد بزمان العقد. و إن تعلّقت بنتيجة العقد كقوله: «رضيت بكون مالي لزيد بكذا» لم تكشف عن النقل المقيّد، بل تكشف عن نفس النقل.

و كلا الأمرين ممنوع. أمّا الأوّل فلتصريحهم بجواز إنشاء الإجازة بالفعل كالتمكين ممّا لا يكشف إلّا عن الرضا بمضمون العقد.

و أمّا الثاني فلأنّ القائل بكاشفية الإجازة لم يفرّق بين ألفاظها من حيث ظهور اللفظ في إمضاء العقد أو أثره.

و ببطلان الأمرين يظهر عدم صحة المبنى، و هو كون العقد سببا للنقل المقيّد بزمانه.

(1) معطوف على «قول المالك» أي: و بغير «رضيت» من ألفاظ الإجازة التي لا تتعرّض لإنشاء الفضولي.

(2) مثل «قبلت نقل مالي إلى زيد بكذا» حيث إنه غير متعرض لتنفيذ إنشاء الفضولي حتى يدل على زمان حصول النقل.

(3) أي: زمان الإنشاء.

(4) يعني: كيف يمكن اعتبار دلالة ألفاظ الإجازة على زمان إنشاء العقد؟ مع أنّ الفقهاء جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها إجازة منها لعقد نكاحها، مع أنّ التمكين فعل

ص: 43

و نحو (1) ذلك. و من المعلوم أنّ الرضا يتعلّق بنفس نتيجة (2) العقد من غير ملاحظة زمان نقل الفضولي.

______________________________

لا يدلّ على الرضا بالنكاح المقيّد بوقوعه في زمان كذا.

قال المحقق قدّس سرّه- فيما لو زوّج الأخوان أختهما من دون أن توكّلهما في ذلك- ما لفظه:

«و إن لم تكن أذنت لهما أجازت عقد أيّهما شاءت. و بأيّهما دخلت قبل الإجازة كان العقد له».

و قال الشهيد الثاني في شرح المسألة: «و يعلم من ذلك أنّ الإجازة تصحّ أن تكون فعلية. فلو تصرّف المالك في ثمن ما بيع من ماله فضولا بعد علمه بالحال، أو في المثمن المشتري له كذلك، كان إجازة بطريق أولى، لأنّ النكاح أولى بمراعاة جانب الاحتياط، و صيانة تصرف المسلم عن المحرّم مشترك بينهما» «1».

و المقصود أنّ الأخ لمّا لم يكن له ولاية على تزويج أخته كان العقد فضوليا، و المفروض أنّ كلّ واحد من الأخوين زوّج أخته من رجل، فلها إجازة أيّهما شاءت، أو ردّهما معا، فإن أجازت بقولها: «أجزت عقد الأخ الأكبر» مثلا فلا كلام.

و إن مكّنت نفسها من أحد الزوجين كان تمكينها إجازة فعليّة. و غرض المصنف من التعرض لهذا الفرع الاستشهاد به على كفاية إمضاء نتيجة العقد في الإجازة، و عدم اعتبار تنفيذ الزوجية المنشئة بالعقد من حينه.

(1) معطوف على «تمكين» أي: و نحو التمكين، كسكوتها إذا عقد عليها من دون إذنها السابق، فإنّه يكفي هذا السكوت في الإمضاء، و لا حاجة الى الإجازة القولية. قال المحقق قدّس سرّه: «و يقتنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها» «2».

(2) و هي معنى الاسم المصدري، كانتقال كلّ من العوضين عن صاحبه إلى الآخر.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 279- 280، مسالك الأفهام، ج 7، ص 194، و لا حظ أيضا جواهر الكلام، ج 29، ص 232، و نحوه كلامه في ص 237.

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 278

ص: 44

و بتقرير آخر (1) [1]: أنّ الإجازة من المالك قائمة مقام رضاه و إذنه المقرون بإنشاء الفضولي، أو مقام نفس إنشائه، فلا يصير المالك بمنزلة العاقد إلّا

______________________________

(1) محصل هذا التقرير- المغاير للتقرير الأوّل الذي مناطه عدم قيدية الزمان لمضمون العقد- هو: أنّ إجازة المالك قائمة مقام رضا المالك و إذنه المقرون بإنشاء الفضولي، و موجبة لصيرورة المالك منزلة العاقد. فالإجازة إمّا شرط للعقد، لكونها قائمة مقام الإذن الذي هو شرط للعقد. و إما جزء سبب الملك، لكونها قائمة مقام إنشاء نفس المالك بناء على كون الإجازة عقدا جديدا و لو من حيث الإيجاب على ما عن بعض.

فهذا التقريب ملزوم التقريب السابق، لأنّ بناء هذا التقريب على شرطية الإجازة للعقد، كشرطية الإذن و الرضا له، أو على جزئيتها للعقد.

و بناء التقريب السابق على ظرفية الزمان للنقل لا قيديته له، و مقتضاه وقوع النقل من زمان الإجازة. و وقوعه من حين الإجازة من لوازم دخل الإجازة جزءا أو شرطا في العقد، إذ لو لم يكن للإجازة دخل أصلا- لا جزءا و لا شرطا- كان وقوع النقل قبل الإجازة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ السيد قدّس سرّه أورد على هذا التقرير بأنّه وجه آخر، و ليس له، ربط بالتقرير الذي مناطه عدم دخل الزمان في مفهوم العقد، حيث إنّه يجتمع مع فرض دخل الزمان في مفهومه. فهذا التقرير وجه آخر و جواب مستقل عن دليل المحقق الثاني قدّس سرّه هذا «1» لكن الظاهر اتّحاد التقريرين، و رجوع الثاني إلى الأوّل، لكون الثاني ملزوما للأوّل، حيث إنّ دخل الإجازة في تأثير العقد- لكونها جزء السبب أو شرطا اصطلاحيا له- يوجب إناطة المشروط أو المسبب بها، و امتناع حصوله قبل الإجازة، و إلّا لزم الخلف، و لازم هذه الإناطة عدم أخذ الزمان دخيلا في مفهوم العقد، و إلّا كانت الإجازة كاشفة عن تحقق أثر العقد حين صدوره من الفضولي، لا مؤثرة فيه بسببيتها أو شرطيتها.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 151

ص: 45

بعد الإجازة، فهي (1) إمّا شرط أو جزء سبب للملك.

و بعبارة أخرى: المؤثّر هو العقد المرضيّ به، و المقيّد من حيث إنّه مقيّد لا يوجد إلّا بعد القيد (2)، و لا يكفي في التأثير وجود ذات المقيّد (3) المجرّدة عن القيد.

و ثانيا (4): أنّا [فلأنّا] لو سلّمنا عدم كون الإجازة

______________________________

(1) أي: الإجازة إمّا شرط أو جزء سبب الملك كما مرّ آنفا.

(2) و هو رضا المالك، و المراد بالمقيّد هو العقد المرضي به.

(3) و هي عقد الفضولي، فإنّه لا يؤثر بدون قيده و هو رضا المالك.

(4) معطوف على قوله: «أوّلا: أنّ الإجازة و إن كانت رضا بمضمون العقد، إلّا أنّ مضمون العقد .. إلخ» و هذا ثاني الوجوه الثلاثة التي أجاب بها عن ثاني الأدلة على كاشفية الإجازة.

______________________________

و الحاصل: أنّ دخل الإجازة- التي هي كالإذن- في تأثير العقد يكشف عن كون مضمون العقد هو صرف النقل و نتيجته من دون تقيّده بزمان.

و بهذا البيان يرجع قوله قدّس سرّه: «و بتقرير آخر ان الإجازة من المالك» إلى الوجه الأوّل، و يصير بيانا آخر له، لا جوابا مستقلّا، فتدبّر.

و يمكن أن يكون التقرير الآخر بيانا ثانيا لما ذكره بقوله: «و الحاصل» لا تقريرا لأصل الإيراد المتقدم بقوله: «أوّلا». و بيانه- على ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه-: أن الإجازة لمّا كانت جزء السبب المؤثر أو شرطه امتنع تعلّقها بنفس العقد الذي مدلوله النقل المقيّد بالزمان، بل لا بدّ من تعلّقها بنتيجة العقد، و هي الملكية الخالية عن اعتبار الزمان، لئلّا يلزم محذور تأخر العلّة عن معلولها، و ذلك لأنّ الإجازة إن أثّرت في حصول الملكية المقيدة لزم تأخر العلة عن معلولها. و إن أثّرت في حصول الملكية حال الإجازة لزم عدم كونها إجازة لمضمون العقد، الذي فرض تقيده بزمان العقد، بل كانت إجازة لبعض مضمونه و هو أصل الملكية، مع أنّه لا وجه لهذا التبعيض. فيتعيّن تعلق الإجازة دائما بنتيجة العقد، و هي معرّاة عن اعتبار زمان خاصّ «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 147

ص: 46

..........

______________________________

و هذا الوجه الثاني ناظر إلى منع الأمر الثاني من الأمور الثلاثة التي تألّف منها دليل المحقق القمي، و ذلك الأمر هو قوله قدّس سرّه (في ص 16 و 17): «فهي رضا بمضمونه، و ليس إلّا نقل العوضين من حينه» و لكنه ببيان آخر كما سيتّضح إن شاء اللّه تعالى.

و ينبغي قبل توضيح أصل الإيراد تقديم أمر يتضمن بيان كيفية دخل الإجازة في العقد، و أنّه بنحو الاشتراط أو الانقلاب ليمتاز مبنى هذا الإيراد عمّا كان عليه الإيراد الأوّل، فنقول و به نستعين: إنّ الإجازة تارة تكون بنفسها و بوجودها المتأخر- عن وجود العقد- دخيلة دخل الشرط في حصول المشروط. و قد تقدم في الإيراد الأوّل امتناعه، لاستحالة تأخر المشروط عن الشرط. و اخرى لا تكون الإجازة شرطا لحصول الملكية، لفرض كون السبب المؤثر فيه نفس العقد، و لكن الإجازة متمّمة للعقد الذي هو السبب المستقل في التأثير، فهي تجعله سببا تامّا.

و هذا يتصور على نحوين: فتارة تكون الإجازة علّة لتمامية العقد من حين صدوره، بحيث تستند تماميته في السببية إلى الإجازة المتأخرة، و هذا أيضا ممتنع بمناط استحالة تأخر العلة التامة عن معلولها و هو الملكية. و اخرى يكون العقد علّة ناقصة إلى زمان الإجازة، و لا يترتب الملكية عليه. و لكن بمجرد تحققها ينقلب العقد عمّا وقع عليه- من صفة عدم التأثير- و يترتب الملك عليه من حينه، لا من حين الإجازة.

و هذا النحو من الكشف الانقلابي جعله المصنف قدّس سرّه محورا للايرادين، فأورد عليه باستحالته ثبوتا كما سيأتي في قوله: «و ثالثا»، و بعدم وفاء مقام الإثبات به، كما أفاده في قوله: «و ثانيا .. لكن نقول ..»

و من هنا يظهر أنّ المناسب تقديم المحذور الثبوتي على الإثباتي، لتقدمه عليه طبعا، بأن يذكر في الإيراد الثاني امتناعه ثبوتا، فيبطل أساس القول بالكشف بعد استقصاء أنحاء دخل الإجازة. و أن يذكر في الإيراد الثالث قصور مقام الإثبات. و هذا غير مهم، إنّما اللازم تحقيق أصل المطلب.

إذا عرفت ما ذكرناه من مبنى هذا الإيراد الثاني فنقول: محصّل ما أفاده المصنف قدّس سرّه فيه: أنّا و إن سلّمنا كون مضمون العقد هو النقل المقيّد بالزمان، و سلّمنا أيضا تعلق الإجازة بهذا المضمون. إلّا أنّه لا يترتّب عليه الملكية الشرعية، لتوقفها على

ص: 47

اصطلاحيا (1)- ليؤخذ فيه تقدّمه على المشروط، و لا جزء (2) سبب، و إنّما (3) هي من المالك محدثة للتأثير في العقد السابق، و جاعلة له سببا تامّا حتّى كأنّه وقع (4) مؤثّرا، فيتفرّع عليه (5) أنّ مجرّد رضا المالك بنتيجة العقد أعني محض الملكيّة

______________________________

إمضاء الشارع، و من المعلوم أنّ هذا الإمضاء يتوقف على إجازة المالك حتى يصير عقد الفضولي عقده كي يشمله مثل عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فالملكية الشرعية تحدث في زمان الإمضاء، لا في زمان الإنشاء، فكيف تكون الإجازة كاشفة عن حصول النقل حال العقد؟

(1) حتى يتوقف وجود المشروط على تقدم وجود الشرط عليه عقلا. و هذا هو أوّل أنحاء دخل الإجازة في سببية العقد للملكية، و هو مبنى الإيراد الأوّل.

(2) معطوف على «شرطا» و ليس المراد بجزء السبب ما هو ظاهره من كون الإجازة ناقلة، لكونها بعض المؤثر، و بعضه الآخر هو العقد، بل المراد به ما يلتئم مع كاشفية الإجازة، و هو النحو الثاني المتقدم بيانه آنفا، أعني به كون سبب الملكية هو العقد فحسب، و لكن الإجازة المتأخرة متمّمة لسببيته من حين صدوره.

و قلنا باستحالته لامتناع تأخر العلّة التامة- أي العقد الذي تؤثر الإجازة في تمامية عليته للملكية- عن معلولها.

(3) أي: و إنّما الإجازة محدثة للتأثير و جاعلة له سببا تامّا من حين صدوره، بعد أن كان سببا ناقصا إلى زمان الإجازة فبالإجازة تتقلب العلة الناقصة إلى التامّة. و هذا ثالث أنحاء دخل الإجازة بنحو الكشف، و هو مبنى هذا الإيراد الثاني كما تقدّم آنفا.

(4) يعني: وقع العقد مؤثّرا من زمان وقوعه.

(5) أي: فيتفرّع على القول بأنّ الإجازة تكون محدثة للتأثير في العقد السابق: أنّ مجرّد الرضا .. إلخ. و غرض المصنف قدّس سرّه بيان لازم ثالث أنحاء دخل الإجازة في العقد.

و تقريبه: أنّ كون الإجازة موجبة لانقلاب العقد الناقص بالتام يتوقف على إجازة نفس العقد بأن يقول المجيز: «نفّذت عقد الفضولي» و نحوه. و لا يكفي إنشاء الرضا بأثر العقد بأن يقول: «رضيت بأن يكون مالي لزيد بكذا» وجه عدم الكفاية: أن المقصود من الإجازة تتميم السبب الناقص بالانقلاب، و السبب هو العقد لا نتيجته، فالرضا بالنتيجة لا ينفع القائل بكاشفية الإجازة.

ص: 48

من (1) غير التفات إلى وقوع عقد سابق، ليس (2) بإجازة، لأنّ (3) معنى إجازة العقد:

جعله جائزا نافذا ماضيا (4)- لكن (5) نقول: لم يدلّ دليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك على هذا الوجه (6) [1].

______________________________

و لا يخفى أنه قد تقدم (في ص 44- 42) في ردّ ثاني وجهي الكشف فساد التفصيل بين تعلق الإجازة بالعقد و بين تعلقه بنتيجته، و هو كاف لبطلان ما نحن فيه أعني به كون الإجازة جاعلة للعقد سببا تامّا مؤثرا من حين وقوعه.

(1) متعلق برضا المالك بنتيجة العقد، بأن لا تكون الإجازة رضا بالعقد.

(2) خبر قوله: «انّ مجرّد».

(3) تعليل لعدم كون الرضا بالنتيجة إجازة مفيدة، فلا يترتب أثر الصحة على العقد الفضولي الذي تعلقت إجازة المالك بنتيجة العقد.

(4) مع أنّه لا وجه للالتزام به، لتصريحهم بكفاية إظهار الرضا بالعقد أو بأثره.

(5) استدراك على قوله: «فلأنّا لو سلّمنا» و هذا هو الإيراد الثاني، و محصله: أنه- بعد تسليم كون مضمون العقد مقيدا بالزمان، و أنّ الإجازة متمّمة لسببية العقد- أنه لا يمكن القول بترتب الملكية الشرعية من زمان العقد حتى يجب على المالك المجيز الوفاء بالعقد، و ذلك لأنّ الملكية الشرعية منوطة بإمضاء الشارع، و هو متوقف على إجازة المالك، حتى يصير العقد بسببها عقد المالك، لأنّ المخاطب بوجوب الوفاء هو المالك الذي أضيف إليه العقد، و من المعلوم إناطة هذه الإضافة بالإجازة، و بإجازته يتحقق موضوع إمضاء الشارع.

و لا دليل على كون إمضاء الشارع لإجازة المالك موجبا للملكية الشرعية من زمان العقد، بل هو موجب للملكية الشرعية بعد إجازة المالك.

و بالجملة: فتقيد مضمون العقد بالزمان و عدم كون الإجازة شرطا اصطلاحيا لا يوجبان كاشفية الإجازة.

(6) أي: جعل العقد السابق ماضيا و نافذا من حين حدوثه.

______________________________

[1] يكفي في دلالة دليل الإمضاء على جعل العقد السابق نافذا من حين حدوثه كون إنشاء الملك من العاقد الفضولي في زمان، و تعلّق الإجازة بذلك الإنشاء دون غيره، إذ

ص: 49

لأنّ (1) وجوب الوفاء بالعقد تكليف يتوجّه إلى العاقدين، كوجوب الوفاء بالعهد

______________________________

(1) تعليل لعدم إمضاء الشارع إجازة المالك على هذا الوجه، و محصله: أنّ فعلية كل حكم منوطة بوجود موضوعه، و من المعلوم أنّ وجوب الوفاء بالعقد حكم تكليفي منوط بوجود موضوعه و هو العاقد. و لا ريب في أنّ المالك الأصيل لا يصير عاقدا- حتى يشمله عموم وجوب الوفاء بالعقود- إلّا بعد أن يجيز عقد الفضولي، إذ الإجازة توجب إضافة العقد إليه، و صحة حمل «العاقد» عليه، و توجّه وجوب الوفاء بالعقد إليه، و انتزاع الملك الشرعي من هذا الحكم الشرعي و هو وجوب الوفاء.

و بالجملة: فالملكية الشرعية الفعلية مترتبة على الحكم التكليفي أعني به وجوب الوفاء الذي موضوعه العاقد الذي هو صفة المالك بالإجازة. و هذه السلسلة المترتبة تقضي بتوقف الملكية الفعلية الشرعية على الإجازة. و عليه فلا ملكية قبل الإجازة حتى تكون الإجازة كاشفة عن تحققها بالعقد حين صدوره من الفضولي.

______________________________

المفروض وجود المعلول بمجرد وجود علّته، و عدم إمكان إهمال المعلول و هو الملكية الإنشائية. و حيث إنّ هذه الملكية هي الملكية المرضية للمالك الممضاة شرعا فلا مانع من اعتبار الملكية الشرعية أيضا من حين حدوث العقد.

و لا غرو في كون الاعتبار متأخّرا و المعتبر متقدّما، فإنّ الأمر الاعتباري الذي لا وعاء له إلّا عالم الاعتبار يوجد في وعائه بنفس الاعتبار. فقد يكون زمان الاعتبار و المعتبر و متعلقة متّحدا كوجوب الصلاة عند الدلوك، فإنّ زمان الاعتبار و المعتبر- و هو الحكم- و زمان المتعلق و هو الصلاة واحد، لكون زمان جميعها- و هو الزمان المتخلل بين الزوال و الغروب- متحدا.

و قد يكون زمان الاعتبار متقدما و زمان المعتبر متأخرا، كالوصية، فإنّ الموصى يعتبر فعلا مالكية الموصى له للمال بعد موته، فالإعتبار قبل الموت فعلي، و المعتبر و هو الملكية تعليقي، و لا يصير فعليّا إلّا بعد الموت.

و الفرق بين الوصية و الواجب التعليقي هو: أن المعتبر- و هو الوجوب في الواجب التعليقي- فعليّ، و متعلّقه أمر متأخر استقبالي، و لذا يجب تحصيل مقدمات الواجب

ص: 50

و النذر، و من المعلوم أنّ المالك لا يصير عاقدا أو بمنزلته إلّا بعد الإجازة، فلا يجب الوفاء إلّا بعدها. و من المعلوم أنّ الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي، فما لم يجب الوفاء فلا ملك (1) [1].

و ممّا ذكرنا (2) يعلم عدم صحّة الاستدلال للكشف بدليل وجوب الوفاء

______________________________

(1) إذ المفروض ترتبه على وجوب الوفاء المتوقف على الإجازة. فقبل الإجازة لا ملك حتى تكشف هي عنه، لعدم وجود منشأ لانتزاعه و هو الحكم التكليفي.

(2) أي: و من تبعية الملك الشرعي للحكم الشرعي- و هو وجوب الوفاء- يعلم عدم صحة الاستدلال- كما عن جماعة لكاشفية الإجازة- بدليل وجوب الوفاء بالعقود،

______________________________

المعلّق، بخلاف باب الوصيّة، فإنّ المعتبر- و هو ملكية المال للموصى له فيه- غير فعلي و متأخر عن الاعتبار، لإناطته بالموت.

و قد يكون الاعتبار متأخرا و المعتبر متقدما، فيعتبر في هذا الآن الملكية قبل شهر مثلا. و مع إمكان هذا الاعتبار لا مانع من الالتزام بذلك في عقد الفضولي، و القول بحصول اعتبار الملكية حين تحقق عقد الفضولي بعد صدور الإجازة من المالك.

أقول: هذا الذي أفاده سيدنا الخويي قدّس سرّه- على ما في تقرير بحثه الشريف «1»- متين في نفسه. لكن تطبيقه في المقام مشكل، إذ المفروض دخل رضا المالك في اعتبار الملكية جزءا أو شرطا، فإذا كان اعتبار الملكية منوطا برضاه، فكيف يصح اعتبارها في الأزمنة السابقة على رضاه؟ فإنّ لازم صحة اعتبار الملكية في الزمان المتقدم على الرضا هو إلغاء دخل الرضا في اعتبار الملكية. و هذا خلاف ما فرضناه من دخل الرضا في اعتبارها بنحو من أنحاء الدخل، فيلزم تقدم الحكم على الموضوع، و هو في الاستحالة كتقدم المعلول على علته التكوينية.

[1] إذ الملكية بناء على ما أفاده قدّس سرّه منتزعة من الحكم التكليفي. و فيه بحث مذكور في الأصول.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 4، ص 141- 143.

ص: 51

بالعقود، بدعوى (1) «أنّ الوفاء بالعقد و العمل بمقتضاه هو الالتزام بالنقل من حين العقد».

و قس (2) على ذلك ما لو كان دليل الملك عموم وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ فإنّ (3) الملك ملزوم [1] لحلّية التصرّف، فقبل الإجازة لا يحلّ التصرّف، خصوصا (4)

______________________________

و تقدّم الاستدلال بهذه الآية على الكشف في ما نقله عن جامع المقاصد و الروضة و غيرهما.

(1) متعلق ب «الاستدلال» و تقريب له، و حاصله: أنّ الوفاء بالعقد الواقع من الفضولي بعد حصول الإجازة من المالك يتحقق بالالتزام بالنقل من حين وقوع العقد لا من حين الإجازة.

(2) هذا الكلام من المصنف قدّس سرّه، يعني: و قس على الاستدلال بآية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ- على كاشفية الإجازة- ما لو كان دليل الملك عموم وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ.

(3) هذا وجه عدم الاستدلال بآية أَوْفُوا و نظائرها، و حاصله: أنّ الملك يتبع التكليف و هو الحلّ الذي يتوقف على الإجازة، فقبل الإجازة لا ملكية حتى تكون الإجازة كاشفة عنها، خصوصا مع العلم بعدم رضا المالك، فإنّه لا إباحة أيضا للتصرف، لانتفائها مع العلم بعدم الرضا، أو مع التردد في الفسخ و الإمضاء، إذ لا بدّ في جواز التصرف من إحراز الرضا.

(4) الوجه في الخصوصية واضح، إذ المستفاد من مثل «لا يحل لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» هو اعتبار إحراز الإذن بإظهاره بقول أو فعل. نعم لو علم رضا المالك بالتصرف فيما اشتراه من الفضولي أمكن القول بخروجه موضوعا عن عقد الفضولي، على ما تقدّم تفصيله في أوّل المسألة، أو القول بجواز التصرف للعلم برضاه. و أما إذا علم كراهته لما صنعه الفضولي أو علم تردّده بين فسخه و إمضائه لم تبق ذريعة للتصرف في ماله، لكفاية حديث الحلّ في إثبات حرمته.

______________________________

[1] الظاهر أن الأولى إبداله ب «لازم» بناء على ما تقدّم منه قدّس سرّه من أنّ الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي.

ص: 52

إذا علم عدم رضا المالك باطنا، أو تردّده في الفسخ و الإمضاء.

و ثالثا (1): سلّمنا دلالة الدليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك على طبق مفهومها [1] اللغوي و العرفي أعني جعل العقد السابق جائزا ماضيا،

______________________________

(1) معطوف على قوله: «أوّلا: بأن الإجازة و إن كانت رضا بمضمون العقد .. إلخ» و هذا ثالث الوجوه الثلاثة التي أجاب بها عن ثاني أدلة الكشف المتقدم في (ص 16). و هذا الوجه الثالث ناظر إلى ردّ ثالث الأمور التي تألّف منها هذا الدليل.

و محصله: أنّه- بعد تسليم كون مورد إمضاء الشارع العقد المجاز، و أنّ مفهوم الإجازة جعل العقد السابق ماضيا و نافذا من حين وقوعه، كما هو مقتضى كلام المحقق القمي: «و ليس إلّا نقل العوضين من حينه» و أنّ معنى الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضاه بمعنى ترتيب الأثر عليه من زمان صدوره من العاقد الفضولي- نقول: فيه أوّلا: أنّ الإجازة و إن كانت موجبة لنفوذ العقد السابق، لكنّها لا توجب نفوذه من حين وقوعه.

كما أنّ مفهوم القبول مع كونه رضا بمفهوم الإيجاب لا يوجب ترتب الأثر عليه من زمان الإيجاب.

و ثانيا: أنّه لو كانت الإجازة موجبة لنفوذ العقد من حين وقوعه، فلا بدّ من رفع اليد عن هذا الظهور، لكونه غير معقول، لاستحالة انقلاب الشي ء عمّا وقع عليه، فإنّ عقد الفضولي لم يقع حين حدوثه مؤثّرا، فكيف يصير مؤثرا بعد ذلك من زمان وقوعه؟

و بالجملة: فدلالة الاقتضاء تصرفه إلى ما يمكن الالتزام به من ترتيب آثار الملك على العقد المجاز كما سيتضح ذلك عند تعرض المصنف له.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ المستدلّ لم يدّع دلالة إجازة المالك على تأثير العقد من حين وقوعه، حتى يدل دليل الإمضاء على إمضاء ما يدلّ عليه الإجازة. بل ادّعى أنّ مضمون نفس العقد هو تأثيره من حين وقوعه. لا أن مفهوم الإجازة ذلك، و وقع إمضاء الشارع على طبق مفهوم الإجازة. فجوابه حينئذ ما تقدّم سابقا من منع قيدية الزمان للعقد.

نعم قوله: «سلّمنا دلالة الدليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك» وارد على الاستدلال على الكشف بدليل وجوب الوفاء بالعقود، بدعوى: أنّ الوفاء بالعقد هو الالتزام بالنقل من حين العقد.

ص: 53

بتقريب (1) أن يقال: إنّ معنى الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه و مؤدّاه العرفي (2)، فإذا صار العقد بالإجازة (3) كأنّه (4) وقع مؤثّرا ماضيا، كان (5) مقتضى العقد المجاز عرفا ترتّب (6) الآثار من حينه (7)، فيجب شرعا العمل به على هذا الوجه (8). لكن نقول:- بعد الإغماض (9) عن أنّ مجرّد كون الإجازة بمعنى جعل العقد السابق جائزا نافذا لا يوجب (10) كون مقتضى العقد و مؤدّاه العرفي

______________________________

(1) هذا التقريب هو مدّعى القائل بالكشف، و قد تقدم آنفا بقوله: «بدعوى أن الوفاء بالعقد، و العمل بمقتضاه .. إلخ».

(2) و هو النقل المجرّد عن لحاظ زمان وقوعه.

(3) الباء للسببيّة، يعني: إذا صار العقد بسبب الإجازة كأنّه وقع مؤثرا ماضيا- بعد أن لم يكن في نفسه مؤثرا- كان مقتضى العقد المجاز ترتيب الآثار من حين وقوعه.

(4) جملة «كأنّه وقع مؤثرا ماضيا» خبر قوله: «صار العقد».

(5) جواب الشرط في قوله: «فإذا صار» غرضه أنّ مؤثرية العقد من حين حدوثه ناشئة من الإجازة العارضة له، لما مرّ آنفا من كون الزمان ظرفا للعقد، لا قيدا له، و تقيده بالزمان نشأ من ناحية الإجازة الموجبة لكون العقد مؤثّرا من زمان حدوثه.

(6) خبر قوله: «كان مقتضى».

(7) أي: من حين العقد، لأنّ الإجازة جعلته مؤثرا من حينه، على ما ادّعاه المستدلّ.

(8) أي: جعل العقد السابق المجاز ماضيا مؤثّرا من حين صدوره من الفضولي.

(9) هذا إشارة إلى الجواب الأوّل الذي بيّناه بقولنا: «فيه أوّلا: أنّ الإجازة و إن كانت موجبة لنفوذ العقد السابق .. إلخ» و هو نقض الإجازة بالقبول، و قد تقدم تفصيله في (ص 34) عند مناقشة دليل الكشف، فراجع.

(10) خبر «أن مجرّد» و وجه عدم الإيجاب هو: أن معنى الإجازة لغة و عرفا ليس ترتب الأثر من حين العقد. كما أنّ العقد أيضا ليس الزمان قيدا له، و المفروض أنّ ترتب الأثر من حين وقوع العقد منوط بأحد الأمرين، و هما قيدية الزمان للعقد، و دخله في مفهوم الإجازة لغة أو عرفا.

ص: 54

ترتّب (1) الأثر من حين العقد، كما أنّ كون مفهوم القبول رضا بمفهوم الإيجاب و إمضاء له لا يوجب ذلك (2) حتّى يكون مقتضى الوفاء بالعقد ترتيب الآثار من حين الإيجاب، فتأمّل (3)- إنّ (4) هذا المعنى (5) على حقيقته (6) غير معقول، لأنّ (7) العقد الموجود على صفة عدم التأثير (8)

______________________________

(1) خبر قوله: «كون مقتضى».

(2) أي: لا يوجب ترتب آثار العقد من حين الإيجاب، بأن تكون الملكية مثلا حاصلة من الإيجاب.

(3) لعلّه إشارة إلى الفرق بين الإيجاب الملحق به القبول، و بين العقد الملحق به الإجازة، حيث إنّ الإيجاب المجرّد عن القبول لا يحصل به الأثر كالملكية. بخلاف العقد، فإنّه صالح لذلك، غاية الأمر أنّه مشروط بإجازة المالك.

و إن شئت فقل: إنّ الإيجاب كالقبول جزء المقتضي، و العقد مقتض للتأثير، و الإجازة شرط له.

(4) مقول لقوله: «لكن نقول بعد الإغماض» و هذا إشارة إلى الجواب الثاني الذي تقدم بقولنا: «و ثانيا: أنّه لو كانت الإجازة موجبة لنفوذ العقد .. إلخ» و هذا الامتناع الثبوتي هو المقصود بيانه في الإيراد الثالث، كما أشرنا إليه (في ص 47) من استحالة الانقلاب.

(5) و هو ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه.

(6) و هي ترتب الأثر- كنفس الملكية- على العقد، و هو الكشف الحقيقي، لا ترتب أثر الملكية و حكمها و هو الكشف الحكمي على ما سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

________________________________________

(7) تعليل لعدم معقولية ترتب أثر العقد عليه حقيقة حين صدوره من العاقد الفضولي، و محصل وجه عدم المعقولية هو: خروج الشي ء عمّا وقع عليه، فإنّ المفروض وقوع العقد غير مؤثر، فكيف ينقلب إلى المؤثرية من حين وقوعه؟ و ليس ذلك إلّا التناقض، إذ مقتضى ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه بعد تحقق إجازة المالك له كون العقد حين وقوعه مؤثّرا و غير مؤثر، و هذا تناقض مستحيل.

(8) خبر قوله: «لأن العقد» وجه الاستحالة عدم وجود شرط التأثير- و هو رضا المالك- حين وقوع العقد.

ص: 55

يستحيل لحوق صفة التأثير له (1)، لاستحالة خروج الشي ء عمّا وقع عليه (2). فإذا (3) دلّ الدليل الشرعي على إمضاء الإجازة على هذا الوجه غير المعقول، فلا بدّ (4) من صرفه بدلالة الاقتضاء (5) إلى (6) إرادة معاملة العقد [1] بعد الإجازة معاملة (7) العقد الواقع مؤثّرا من حيث ترتّب الآثار الممكنة،

______________________________

(1) أي: للعقد، بأن يتصف بالسببيّة التامة- من زمان وقوعه- بلحوق الإجازة.

(2) من عدم كونه مؤثرا، لفقدان شرط تأثيره و هو رضا المالك الأصيل.

(3) هذه نتيجة الاستحالة المزبورة، و حاصل ذلك: أنّه مع فرض دلالة دليل إمضاء إجازة المالك على هذا الوجه المستحيل، فلا بدّ- صونا لكلام الحكيم عن اللغوية- من صرف هذه الدلالة إلى ترتيب آثار صحة العقد- مثل أحكام الملك- بقدر الإمكان، لا البناء على ثبوت نفس الملك.

و مراد المصنف قدّس سرّه بالدليل هو الأدلة الخاصة مثل صحيحة محمّد بن قيس و أبي عبيدة الآتيتين في (ص 66 و 70) و ظاهرهما الكشف الحقيقي، و ترتب البيع و النكاح على العقدين الفضوليين. و يتعيّن صرفهما عن ظاهرهما إلى ترتيب خصوص ما يمكن ترتيبه على العقد، لا جعل نفس العقد سببا تامّا من حين وقوعه.

(4) جواب الشرط في قوله: «فإذا دلّ».

(5) و هي التي تلجئنا إلى صرف الدليل عن ظاهره المستحيل إلى معنى يمكن الالتزام به، و هو ما عرفته من ترتيب آثار الملك- لا نفسه- بمقدار الإمكان.

(6) متعلق ب «صرفه».

(7) مفعول به ل «إرادة».

______________________________

[1] بل لا بد من طرحه و الرجوع إلى القواعد، لأنّ الظاهر لا يصادم حكم العقل الضروري. لا حمله على معنى، فإنه حمل تبرعي خارج عن طريقه الاستدلال. فاستظهار الكشف الحكمي من عدم معقولية ترتب الأثر على العقد من زمان وقوعه مشكل جدا.

و لا يمكن أن يكون الحمل التبرعي الناشئ عن عدم معقولية ظاهر الدليل دليلا على الكشف الحكمي، هذا.

ص: 56

فإذا (1) أجاز المالك حكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد إلى المشتري و إن كان أصل الملك قبل الإجازة للمالك (2)، و وقع (3) النماء في ملكه.

و الحاصل (4): أنّه يعامل بعد الإجازة معاملة (5) العقد الواقع مؤثّرا من حينه (6) بالنسبة إلى من أمكن من الآثار (7).

______________________________

(1) هذا بيان لترتيب الآثار الممكنة.

(2) لتوقف انتقال الملك عنه إلى غيره على إجازته التي لم تكن حاصلة حين العقد.

هذا تمام ما أفاده المصنف في الإيراد الثالث على ثاني دليلي الكشف، و غرضه فيما يأتي تقريب الكشف الحكمي الذي قال به أستاده شريف العلماء المازندراني قدّس سرّه.

(3) و لو قال: «و وقوع النماء» لكان أحسن، ليكون معطوفا على «أصل» من عطف المفرد على المفرد.

(4) يعني: و حاصل المعنى الذي تقتضيه دلالة الاقتضاء- التي هي قرينة عقلية على صرف دليل الإمضاء شرعا عن ظاهره المستحيل- هو تنزيل العقد الذي لم يكن مؤثرا حين وقوعه منزلة العقد المؤثر من زمان حدوثه في الآثار التي يمكن ترتيبها، كالحكم بأنّ النماءات الحاصلة- بين زماني حدوث العقد و صدور الإجازة من المالك الأصيل- إن كانت نماءات المبيع فهي للمشتري، و إن كانت نماءات الثمن فهي للبائع.

و إن كانت نفس المثمن و الثمن باقيتين على ملك البائع و المشتري إلى زمان صدور الإجازة.

و لذا لو تصرّف مالك المبيع في ماله ببيعه من شخص آخر أو هبته له أو وقفه، كان صحيحا و موجبا لردّ العقد الفضولي، و هذا دليل على بقاء رقبة المال على ملكه.

و لكنه لو لم يتصرف فيه بهذا النحو و التفت إلى وقوع عقد عليه فضولا و أجازه، أمكن الالتزام بالكشف الحكمي أي ترتيب بعض آثار صحة العقد دون بعض. و هذا المعنى من الكشف معقول ممكن في نفسه، و لكن الالتزام به منوط بمساعدة الدليل عليه.

(5) مفعول مطلق نوعي لقوله: «يعامل».

(6) أي: من حين العقد.

(7) كالنماءات التي توجد في المدة المتخللة بين زماني وقوع العقد و صدور الإجازة كما مرّ آنفا.

ص: 57

و هذا (1) نقل حقيقي (2) في حكم الكشف من بعض الجهات (3)، و ستأتي الثمرة بينه (4) و بين الكشف الحقيقي (5). و لم أعرف من قال بهذا الوجه من الكشف (6) إلّا الأستاد شريف العلماء قدّس سرّه فيما عثرت عليه من بعض تحقيقاته.

و إلّا فظاهر كلام القائلين بالكشف أنّ (7) الانتقال في زمان العقد، و لذا (8)

______________________________

(1) يعني: أنّ معاملة عقد الفضولي بعد الإجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا و ماضيا- من حين وقوعه- نقل حقيقي، إذ المفروض حصول الملكية بالنسبة إلى كل من العوضين بالإجازة، و بقاء كل من المالين على ملك صاحبه حتى تصدر الإجازة.

(2) لما مرّ من توقف انتقال كل من المالين عن مالكه إلى الآخر على الإجازة، و هذا نقل حقيقي.

(3) للحكم بانتقال نماء المثمن إلى المشتري، و نماء الثمن إلى البائع قبل الإجازة، و نشأ هذا التفكيك بين العين و النماء من اقتضاء الأدلة الخاصة للقول بالكشف، و ليس هذا كشفا حقيقيا، و إنما هو حكمي.

(4) أي: بين هذا النقل الحقيقي الذي هو بحكم الكشف، و سيأتي بيان الثمرة في (ص 77).

(5) و هو الكشف عن وقوع الملك و آثاره للمشتري، و كذا للبائع من حين وقوع العقد، بعد صدور الإجازة من المالك الأصيل.

(6) و هو الكشف الحكمي الذي هو نقل حقيقي و كشف حكمي.

(7) خبر قوله: «فظاهر» أي: الانتقال مطلقا، من نفس العوضين و نماءاتهما، و هو الكشف الحقيقي، لا انتقال خصوص نماءاتهما المتخللة بين زماني صدور العقد و الإجازة، و انتقال العينين بعد الإجازة الذي هو الكشف الحكمي. و ظاهر كلمات القائلين بالكشف هو الكشف الحقيقي الذي تقدّم امتناعه ثبوتا و إثباتا.

(8) أي: و لأجل ظهور كلمات القائلين بالكشف في الانتقال من زمان صدور العقد، عنون العلّامة قدّس سرّه الخلاف بينهم في الكشف و النقل بقوله: «و في وقت الانتقال إشكال، و يترتب النماء» «1»، فإنّ هذا العنوان ظاهر في إرادة الكشف الحقيقي، لأنّ انتقال العين

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 19، طبعة مركز مؤسسة النشر الإسلامي بقم المقدسة.

ص: 58

عنوان العلّامة رحمه اللّه في القواعد مسألة الكشف و النقل بقوله: «و في زمان الانتقال إشكال» فجعل النزاع في هذه المسألة نزاعا في زمان الانتقال (1).

[كاشفية الإجازة على وجوه ثلاثة]
اشارة

و قد تحصّل ممّا ذكرنا (2): أنّ كاشفية الإجازة على وجوه ثلاثة [1] قال بكلّ منها قائل:

______________________________

و نماءها إنّما يتّجه بناء على الكشف الحقيقي.

(1) غرضه: أنّ النزاع في زمان الانتقال يكشف عن كون مرادهم بالكشف هو الكشف الحقيقي، لأنّ انتقال ملك العينين و نمائهما في زمان صدور العقد لا ينطبق إلّا على الكشف الحقيقي، فمن قال به جعل زمان الانتقال زمان العقد، و من قال بالنقل جعله زمان الإجازة.

(2) أي: في حكم الإجازة بقوله: «أمّا حكمها فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي بعد اتفاقهم على توقفها على الإجازة .. إلخ» إلى هنا. حيث إنّه تعرّض لنقل أدلة ثلاثة على الكشف، و ناقش في اثنين منها بالتفصيل، و في أثناء الإيراد على الدليل الأوّل تعرّض للكشف الحقيقي بمناط شرطيّة التعقب الذي التزم به جماعة. و في ذيل الإيراد الثالث على الدليل الثاني تعرّض لكلام أستاده الشريف من القول بالكشف الحكمي.

و يتحصّل من المجموع وجوه ثلاثة من القائلين بالكشف.

أحدها: المشهور، و هو الكشف الحقيقي.

و ثانيها: قول جماعة من معاصري المصنف و غيرهم، و هو الكشف التعقبي.

و ثالثها: الكشف الحكمي، و هو المعزيّ إلى المحقق شريف العلماء

______________________________

[1] بل خمسة:

أحدها: الكشف الحقيقي المعتمد على شرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخر. و هو المنسوب إلى المشهور كما في المتن.

ثانيها: الكشف الحقيقي المعتمد على شرطية وصف التعقب، بزعم كونه شرطا مقارنا للعقد. و قد ذهب إليه جمع من المحققين كصاحب الفصول و أخيه و المحقق النائيني قدّس سرّهم.

ثالثها: الكشف الحقيقي المعتمد على كفاية الرضا التقديري، بمعنى: أنّ المالك

ص: 59

______________________________

لو التفت لكان راضيا، و الإجازة كاشفة عنه ككشف شاهد الحال عنه. و قد ذهب إليه المحقق الرشتي في كتاب الإجارة.

و هذه الوجوه الثلاثة مشتركة في دلالتها على انتقال المال عن مالك العوض حين تحقق العقد.

رابعها: الكشف الحقيقي الانقلابي المعتمد على كون الإجازة رضا بمضمون العقد، و تأثيره من حين صدوره بناء على دخل الزمان في مضمون العقد، و تقيد النقل به.

و لا محذور فيه إلّا محذور الانقلاب، فإنّ الشي ء الزماني لا يمرّ عليه الزمان مرّتين حتى يتصف تارة بصفة التأثير و اخرى بصفة عدم التأثير.

و لكن فيه ما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى.

و هذا الوجه يفترق عن الوجوه الثلاثة المتقدمة في أنّها توجب الانتقال حين حدوث العقد قبل تحقق الإجازة. بخلاف هذا الوجه الرابع، فإنّ الانتقال فيه يكون بسبب الإجازة، فقبل الإجازة يكون كل واحد من العوضين باقيا على ملك مالكه الأصلي، و بسبب الإجازة تنقلب الملكية، و تنتقل ملكية العوض إلى من اشتراه من حين العقد. و بهذه المناسبة يسمّى بالكشف الانقلابي.

و قيل: إنّ هذا الكشف يستفاد من ثاني أدلة الكشف الذي نقله المصنف في (ص 16) بقوله: «و بأن الإجازة متعلقة بالعقد، فهي رضا بمضمونه، و ليس إلّا نقل العوضين من حينه».

خامسها: الكشف الحقيقي الذي يظهر من عبارة الجواهر، و هو: أنّ الشرط نفس الإجازة و إن كانت متأخرة، لأنّ امتناع تأخر الشرط عن المشروط في العلل العقلية لا يقتضي امتناعه في العلل الشرعية.

و بعبارة أخرى: لا يراد بالشرط الشرعي معناه الاصطلاحي.

سادسها: الكشف الحقيقي، و جعل الإجازة طريقا و واسطة في العلم بحصول النقل، من دون دخل للإجازة في تأثير العقد في النقل.

و إن شئت فقل: إنّ الإجازة أمارة و علامة على حصول النقل. و قد نسب هذا القول

ص: 60

______________________________

إلى صاحب مفتاح الكرامة قدّس سرّه حيث جعل الإجازة شرطا للعلم بانتقال المال، لا شرطا لنفس الانتقال، قال قدّس سرّه: «إنّ العقد سبب تام مع الإجازة و إن تأخّرت عنه فعلا، فهو مراعى لا موقوف، فإن حصلت كشفت عن تأثيره من حين وقوعه .. و في جامع المقاصد ما يشير إلى هذا الجواب» «1».

و احتمله بعض معاصريه أيضا في شرحه على اللمعة من أن الإجازة تكون نظير التبادر علامة كاشفة عن وضع اللفظ للمعنى المتبادر منه، و كعلامات البلوغ «2».

و أشار إلى هذا القول في الجواهر أيضا، فراجع «3».

و الظاهر رجوع هذا الوجه السادس إلى الوجه الثالث، بل هو عينه.

و عليه فتكون الإجازة طريقا إلى العلم بتحقق النقل من دون دخل ثبوتي فيه.

و إن شئت فقل: إنّ الإجازة علّة للعلم بحصول النقل.

لكن الحق بطلان هذا القول، لأنّ مقتضى مثل قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و لا يحل مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه و غيرهما من الأدلة دخل الرضا في الحلّ، و عدم كونه مجرّد علامة.

سابعها: الكشف الحكمي، و هو إجراء أحكام الكشف بقدر الإمكان. هذا تمام الكلام في مقام الثبوت.

و أمّا مقام الإثبات، فيبحث فيه تارة عما يقتضيه الأدلة العامة، و اخرى عمّا تقتضيه الأدلة الخاصة.

أمّا البحث الأوّل فمحصّله: أنّ العمومات «ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و لا يحل مال امرء إلا بطيبة نفسه» و نحوها- الظاهرة في شرطية الرضا في صحة المعاملة- تقتضي ناقلية الإجازة الكاشفة عن الرضا و طيب النفس، حيث إنّ العناوين المأخوذة في

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 190.

(2) شرح اللمعة (مخطوط) للشيخ جواد ملّا كتاب. و هو من تلامذة الشيخ الأكبر كاشف الغطاء قدّس سرّهما.

لاحظ: الذريعة، ج 14، ص 47.

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 288.

ص: 61

[أحدها:- و هو المشهور- الكشف الحقيقي و التزام كون الإجازة فيها شرطا متأخرا]

أحدها:- و هو المشهور- الكشف الحقيقي (1)، و التزام كون الإجازة فيها (2)

______________________________

(1) و هو- كما تقدم آنفا- كشف الإجازة عن تأثير العقد من حين وقوعه، و حصول الملك من زمان تحققه.

(2) أي: في كاشفيتها. و قوله: «و التزام» معطوف على «الكشف».

______________________________

الخطابات الشرعية ظاهرة عرفا في الفعلية، دون التقديرية التي هي معدومة حال إنشاء المعاملة، و دون الطريقية و الأمارية، لظهور العناوين في الموضوعية.

و عليه فصحة المعاملات الفضولية منوطة بطيب النفس فعلا، و مع هذه الإناطة لا محيص عن الالتزام بناقلية الإجازة.

و أمّا البحث الثاني- و هو مقتضى الأدلّة الخاصّة- فيرجع فيه إلى ما أفاده المصنف قدّس سرّه، فلاحظ.

أقول: لا يبعد استفادة قاعدة كلية من عزل الإرث للجارية بعد بلوغها و حلفها كما في صحيح أبي عبيدة الذي سيشير إليه في المتن. و كذا من عزل الإرث للحمل.

و المراد بتلك القاعدة هو جعل الاحتياط في كلّ مورد وجد فيه مقتضي الحكم الشرعي التكليفي كوجوب الحج، و الوضعي كملكية المال في الإرث، أو في حيازة المباحات، كما إذا حجّر أرضا ميتة، فإنّ احتمال إحيائها الموجب لملكيتها أوجب له حقّ الاختصاص، بحيث يحرم على غيره مزاحمته في ذلك.

و كذا في الاستطاعة المالية إذا كان للمستطيع مانع عن الحج مباشرة، و لو كان غير المرض الذي لا يرجى زواله، فإنّه يجب عليه الاستنابة.

و الحاصل: أنّ وجود المقتضي للحكم مع احتمال حصول شرطه يوجب الاحتياط.

و هذا مقدّم على أصالة عدم المانع، و إن كانت قاعدة المقتضي و المانع حجة. كما أنّ هذا الاحتياط يقدّم على أصالة عدم الإجازة في باب عقد الفضولي. و لا غرو في تشريع الاحتياط في موارد وجود المقتضي للحكم مع احتمال حصول شرطه، كما شرّع في الموارد الثلاثة الدماء و الأعراض و الأموال.

ص: 62

شرطا متأخّرا (1). و لذا (2) اعتراضهم جمال المحقّقين في حاشيته على الروضة: «بأنّ الشرط لا يتأخّر» «1» (3).

[الثاني: الكشف الحقيقي، و التزام كون الشرط تعقّب العقد بالإجازة لا نفس الإجازة]

الثاني: الكشف الحقيقي، و التزام كون الشرط تعقّب العقد بالإجازة لا نفس الإجازة (4) فرارا [1] عن لزوم تأخّر الشرط عن المشروط،

______________________________

(1) إذ الالتزام بدخل الإجازة في الملكية- مع فرض تأثير العقد من حين وقوعه- يوجب لا محالة كون الإجازة شرطا متأخرا.

(2) أي: و لأجل كون الإجازة في الكشف الحقيقي شرطا متأخّرا اعترض عليهم المحقق الخوانساري قدّس سرّه.

(3) وجه عدم تأخر الشرط عن المشروط هو كون الشرط من أجزاء علته التي يكون تقدمها رتبة على المشروط من البديهيات.

ثم إن العبارة المذكورة في المتن نقل بالمعنى، إذ الموجود في حاشية الروضة معترضا على الشارح هو قوله: «لا يخفى أنه إذا اعترف بأنّ رضاء المالك من الشرائط، فإذا حصل عمل السبب التام أثره، فيلزم أن لا يتحقق أثره- و هو نقل الملك- إلّا عند حصوله. و هذا دليل على نقيض ما رامه. و كأنّه زعم أنّ الشرط ما يتوقف عليه التأثير، و لكن ليس جزء المؤثر، بل تحققه يوجب تحقق تأثير السبب في وقت و إن كان قبل تحقق الشرط بخلاف الجزء، فإنّه لا بدّ من مقارنته و مدخليّته في التأثير. و هذا كما ترى .. إلخ».

(4) هذا هو الفارق بين هذا الكشف و الكشف الحقيقي المتقدّم، بعد اشتراكهما في ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه. و حاصل الفرق بينهما هو: أنّ الشرط في الكشف الحقيقي الأوّل نفس الإجازة بنحو الشرط المتأخر، و في الكشف الحقيقي الثاني وصف التعقب الذي هو شرط مقارن لا متأخّر، على ما قيل.

______________________________

[1] قد عرفت في (ص 13 و 27) أنّ جعل الشرط وصف التعقب- فرارا عن محذور الشرط المتأخر- ليس بسديد، لأنّ وصف التعقب لا يعرض العقد إلّا بعد صدور الإجازة من

______________________________

(1) حاشية الروضة، ص 358 و هو موجود في هامش الروضة طبعة عبد الرحيم، ج 1، ص 312

ص: 63

و التزم (1) [1] بعضهم بجواز التصرّف قبل الإجازة لو علم تحقّقها فيما بعد.

[الثالث: الكشف الحكمي]

الثالث: الكشف الحكمي، و هو إجراء أحكام الكشف بقدر الإمكان (2)، مع عدم تحقّق الملك في الواقع إلّا بعد الإجازة.

و قد تبيّن من تضاعيف كلماتنا (3) أنّ الأنسب بالقواعد و العمومات هو النقل (4).

______________________________

(1) الملتزم به صاحب الجواهر، و تقدم نصّ كلامه في (ص 31). إذ مراده من قوله:

«كفى ذلك في ترتب الآثار الآن عليه» هو مثل جواز تصرف الأصيل في ما اشتراه من الفضولي، بعد العلم بلحوق إجازة المالك.

(2) كانتقال النماء إلى المشتري حين العقد بعد صدور الإجازة، و إن كان أصل ملك العين قبل الإجازة للمالك، فانتقال النماء يكون من حين العقد، و انتقال العين بعد صدور الإجازة.

(3) أي: من ردّ دليل المحقق الثاني قدس سره في كاشفية الإجازة، و من ردّ من استدلّ على القول بالكشف بآية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و آية أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ.

(4) أي: النقل الحقيقي، و ذلك لأنّ مقتضى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» و «التجارة عن تراض» و عموم «عدم حلّ مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه» و نحوها من

______________________________

المالك، ضرورة أنّ التعقب من الأمور المتضايفة، و من المعلوم تكافؤ المتضايفين قوة و فعلا، فلا يتصف العقد فعلا بكونه متعقبا بالإجازة إلّا بعد صدورها من المالك. كما أنّ الإجازة لا تتصف بكونها متأخرة عن العقد إلّا بعد صدورها منه.

[1] هذا الالتزام وجيه بناء على كون وصف التعقب الذي جعل شرطا حاصلا للعقد حين تحققه بحيث يكون شرطا مقارنا له.

لكنه ليس كذلك، لما تقدّم في التعليقة السابقة و غيرها، فلاحظ. و مجرّد العلم بحصول الإجازة فيما بعد لا يوجب فعلية التعقب و كونه وصفا مقارنا للعقد، بل يوجب العلم باتصاف العقد فيما بعد بهذا الوصف. و هذا لا يكفي في جواز التصرف فعلا، لعدم تحقق الشرط و هو التعقب الذي أنيط به تأثير العقد في النقل و الانتقال.

ص: 64

ثمّ بعده الكشف الحكمي (1).

و أمّا الكشف الحقيقي- مع كون نفس الإجازة من الشروط (2)- فإتمامه بالقواعد في غاية الإشكال (3). و لذا (4) استشكل فيه العلّامة في القواعد، و لم يرجّحه (5) المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد، بل عن الإيضاح اختيار خلافه (6) تبعا للمحكيّ عن كاشف الرموز (7) «1».

______________________________

الأدلة هو دخل الرضا في الحلّ، فبدونه لا يحلّ التصرف في مال الغير. و مع دخل الرضا في صحة المعاملة كيف يحكم بكون الإجازة معرّفة لتمامية المعاملة؟ و المفروض أنّ تماميتها منوطة بالرضا.

(1) جمعا بين ما دلّ على ترتيب أحكام النقل و الانتقال قبل صدور الإجازة من المالك، و بين ما دلّ على شرطية الرضا في الانتقال، الموجبة لتوقفه على وجود الرضا، فيقال: بترتب أحكام النقل قبل الإجازة، و حصول النقل بعد الإجازة.

(2) أي: من شروط العقد على حدّ سائر الشروط.

(3) لأنّ الإجازة حينئذ من أجزاء العقد الذي هو علّة للنقل و الانتقال، و لا بدّ من تقدم أجزاء العلة على المعلول، فكيف يمكن حصول المشروط قبل وجود شرطه؟

فإشكاله إشكال الشرط المتأخر.

(4) أي: و لأجل أنّ إتمام الكشف الحقيقي بالقواعد مشكل استشكل العلّامة قدس سره في الكشف في القواعد «2»، لقوله فيها: «و في زمان الانتقال إشكال» و كذا لم يرجّح الكشف المحقق الثاني قدس سره في حاشية الإرشاد «3».

(5) و إن رجّحه في جامع المقاصد.

(6) أي: خلاف الكشف، و هو النقل، و تقدم كلامه في (ص 7) فراجع.

(7) حيث إن الفاضل الآبي جعل الإجازة عقدا مستقلّا و مستأنفا، بناء على إرادة

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 420، كشف الرموز، ج 1، ص 445- 446، و الحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 189

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 19

(3) حاشية الإرشاد، مخطوط، الورقة 219.

ص: 65

و قوّاه (1) في مجمع البرهان «1»، و تبعهم كاشف اللّثام في النكاح «2».

هذا (2) بحسب القواعد و العمومات.

و أمّا الأخبار (3)، فالظاهر من صحيحة محمّد بن قيس (4) الكشف، كما صرّح به في الدروس «3»، و كذا (5) الأخبار التي بعدها.

______________________________

النقل من هذا التعبير، و إلّا فظاهره قول ثالث مقابل الكشف و النقل، و تقدم تفصيله في بيع الغاصب لنفسه، فراجع «4».

(1) أي: و قوّى مختار صاحب الإيضاح المحقق الأردبيلي قدّس سرّه في شرح الإرشاد.

(2) أي: عدم القول بالكشف الحقيقي إنّما هو بحسب القواعد و العمومات الدالة على اعتبار الرضا و طيب النفس في التجارة.

(3) يعني: و أمّا بحسب الأخبار، فظاهر بعضها- و هو صحيحة محمّد بن قيس- الكشف.

(4) وجه ظهور الصحيحة في الكشف هو: أنّ الحكم بأخذ المشتري للولد بدون دفع قيمته إلى مالك الجارية يلائم تكوّن الولد في ملكه، لا في ملك سيّدها. و هذا ينطبق على الكشف، إذ على القول بالنقل يكون الولد لمالك الجارية، لأنّه نماء ملكه. و على المشتري دفع قيمة الولد إليه لو وطأ الجارية شبهة.

(5) معطوفة على «فالظاهر من صحيحة» و ضمير «بعدها» راجع إلى «صحيحة».

و قد تقدم ذكر هذه الأخبار- استدلالا و تأييدا و استيناسا- في اولى مسائل البيع الفضولي فراجع «5».

فمنها: ما دلّ على صحة نكاح الفضولي في الحرّ و العبد بعد لحوق الإجازة، فإنّها

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 159.

(2) تقدم تخريجه في ص 7، فراجع.

(3) الدروس الشرعية، ج 3، ص 233

(4) هدى الطالب، ج 4، ص 569

(5) هدى الطالب، ج 4، ص 407 الى ص 468.

ص: 66

لكن لا ظهور فيها (1) للكشف بالمعنى المشهور (2)، فتحتمل الكشف الحكمي (3) [1].

______________________________

ظاهرة في صحته من حين العقد، لا من حين الإجازة، كقوله عليه السلام في نكاح العبد: «فإذا أجاز جاز» أي: نفذ العقد.

و منها: ما دلّ على تقسيم الربح بين ربّ المال و بين العامل في باب المضاربة إذا خالف العامل ما اشترط عليه- بناء على كونه من موارد الفضولي، و توقف ملك ربّ المال للربح على إجازته، لا للتعبد على ما سبق تفصيله هناك- فإنّ ظاهره كون الإجازة كاشفة عن صحة معاملات العامل، و ترتب الأثر عليها من حين وقوعها، و أنّ حصّة كل واحد منهما من الربح كانت له من حين ظهوره، و هو زمان البيع و الشراء برأس المال، لا من حين الإجازة.

و منها: ما ورد في اتجار غير الولي بمال اليتيم، بناء على حملها على صورة إجازة الولي حتى يندرج موضوعا في باب الفضولي. و تقريب الكشف كما تقدم آنفا. و هكذا سائر الأخبار الخاصة المذكورة في المسألة الأولى، فراجع.

(1) أي: في الأخبار المذكورة بعد صحيحة محمّد بن قيس.

(2) و هو الكشف الحقيقي المعتمد على شرطية نفس الإجازة بنحو الشرط المتأخر.

(3) لصلاحية ما ذكر فيها من الأحكام لكلّ من الكشف الحقيقي و الحكمي.

______________________________

[1] بل لا يبعد الكشف الانقلابي. و لا يخفى أنه لا مانع من طروء عنوان على شي ء وجد مجرّدا عن عنوان كعقد الفضولي، فإنّه وجد مجرّدا عن صفة المؤثرية، فيمكن حينئذ أن يطرء عليه عنوان كإجازة المالك الأصيل لهذا العقد، الموجبة لصيرورته مرتبطا بالمالك و عقدا له. و هذا العنوان يوجب كون العقد مؤثرا من حين وقوعه.

فالإشكال عليه تارة بعدم المعقولية «لأنّ العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير له» إلى آخر ما أفاده المصنف قدّس سرّه في (ص 55). و اخرى بلزوم اجتماع مالكين على مال واحد في زمان واحد، و هو ما بين زماني تحقق العقد و صدور الإجازة.

مندفع في الأوّل بما مرّت الإشارة إليه من أنّ الاستحالة المزبورة إنّما هي في

ص: 67

______________________________

الأعراض الخارجية، لاستحالة انقلاب بياض الجسم الذي كان ملوّنا به من طلوع الفجر إلى الزوال مثلا إلى السّواد في ذلك الزمان المتخلل بين طلوع الفجر و الزوال. لا في الأمور الاعتبارية التي منها الملكية، فإنّ للملكية أثرا حاليا و استقباليا كما لا يخفى.

و في الثاني بعد لزوم اجتماع المالكين، بل المالك واحد، و هو المجيز إلى زمان الإجازة، و بسبب الإجازة ينقلب مالكيته الثابتة له فيما قبل الإجازة إلى مالكية شخص آخر، و هو المجاز له في ما قبل الإجازة، فإنّ اختلاف العناوين الطارئة على شي ء يوجب اختلاف الاعتبار، فإنّ طروء الإجازة على العقد أوجب اعتبار المؤثرية له من حين وقوعه. و لا غرو في اختلاف الاعتبار الناشئ من اختلاف الطوارئ. فإنّ أجزاء العبادات كذلك، ضرورة أنّ أجزاء الصلاة مثلا لا تتّصف حين وجودها بالجزئية، بل بعد وجود تمام الصلاة بشرائطها تتصف بها، لأنّ جزئية كل من الأجزاء مشروطة بوجود الجزء الآخر. فالتكبيرة مثلا لا تعنون بالجزئية إلّا بعد الإتيان بسائر الأجزاء. و كذا سائر المركبات التدريجية الارتباطية كالحج.

و نظير ذلك الصوم، فإنّ المكلف إذا أمسك بدون نية الصوم، ثم نوى الصوم قبل الزوال في الواجب غير المعيّن، أو قبل الغروب في الصوم المندوب، كفى و إن لم يكن الزمان السابق على النية معنونا بعنوان الصوم، لكنّه صار معنونا بعنوانه بسبب النيّة المتأخرة عنه.

و من هذا القبيل ثبوت طهارة ماء أو ثوب في الساعة الاولى من النهار، مثلا بقاعدة الطهارة، و قيام بينة بعد ذلك على نجاسته قبل الساعة الاولى من النهار، فإنّ الاستصحاب يقتضي نجاسته في الساعة الاولى، مع أنّه كان محكوما فيها بالطهارة لقاعدتها. و ليس اختلاف الحكم إلّا لأجل اختلاف الطواري.

و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ الأوفق بالفهم العرفي هو الكشف الحقيقي الانقلابي، إذ الإجازة تتعلق بمضمون العقد- و هو الانتقال حين وقوعه- و إن لم يكن زمان إنشاء العقد قيدا له، بل كان ظرفا له، لكن العرف يحكم بأن مضمون العقد و المسبب عنه كالمسببات الحقيقية المترتبة على أسبابها في المقارنة و عدم الانفكاك زمانا عن أسبابها. و هذا الحكم الارتكازي العرفي قرينة على حمل العمومات على تنفيذ عقد الفضولي المجاز من حين وقوعه.

ص: 68

نعم (1) صحيحة أبي عبيدة (2)- الواردة في تزويج الصغيرين فضولا،

______________________________

(1) استدراك على ما أفاده آنفا من عدم دلالة الأخبار- المستدل بها على صحة البيع الفضولي- على خصوص الكشف الحقيقي، لاحتمال الكشف الحكمي فيها.

و أمّا صحيحة أبي عبيدة فظاهرة في خصوص الكشف الحقيقي، كما سيأتي ان شاء اللّه تعالى.

(2) و هي ما رواه أبو عبيدة، قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن غلام و جارية

______________________________

و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ الأقرب من أقسام الكشف الحقيقي هو الانقلابي، لا الحكمي، إذ مع فرض عدم المعقولية يخرج عن العمومات خروج الفرد عن حيّز العموم، لا أنّه يحمل على النفوذ الحكمي، لأنّه تصرف غير عرفي في العام من دون قرينة عليه. هذا بالنسبة إلى العمومات.

و أمّا بالنسبة إلى الأخبار الخاصة، فرواية عروة- بعد فرض دلالتها على كون موردها عقد الفضولي- ظاهرة في الكشف الحقيقي، لا الانقلابي و لا الحكمي، لأنّه تصرف تصرفا خارجيا من قبض الدينار و إقباض الشاة، فهذا يناسب اعتبار الملكية قبل حصول الإجازة.

و هذا هو الكشف الحقيقي غير الانقلابي، كما لا يناسب الكشف الحكمي فضلا عن النقل.

و صحيحة محمّد بن قيس ظاهرة في الكشف من غير ظهور لها في أحد أقسامه، في مقابل النقل، لأنّه على تقدير النقل يلزم أخذ الولد الذي هو نماء ملك السيد الأوّل مجّانا، لعدم وقوع الوطي في ملكه حقيقة أو حكما. كما لا تصير الجارية أمّ ولد، و لا يلحق به الولد، لأنه زان.

و صحيحة أبي عبيدة الواردة في نكاح الصغيرين- إذا مات أحدهما قبل أن يجيز الآخر- ظاهرة بل صريحة في الكشف، إذ لا معنى لناقلية الإجازة مع موت أحد الزوجين.

لكن لا يظهر أنّه أيّ قسم من أقسام الكشف.

و بالجملة: فلو لم يثبت كون الإجازة كاشفة بأنحاء الكشف المتقدمة، أو ناقلة، و وصلت النوبة إلى الأصل العملي، فمقتضى أصالة الفساد عدم ترتيب آثار صحة العقد إلّا بعد الإجازة، و هذا ينطبق على ناقليتها، فإنّ استصحاب الملكية إلى زمان الإجازة جار بلا مانع، فمالكية المالك الأصيل باقية إلى زمان الإجازة.

ص: 69

..........

______________________________

زوّجهما وليّان لهما، و هما غير مدركين؟ قال: فقال: النكاح جائز، أيّهما أدرك كان له الخيار، فإن ما تا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر، إلّا أن يكونا قد أدركا و رضيا.

قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال: يجوز ذلك عليه، إن هو رضي.

قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية و رضي النكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية، أ ترثه؟ قال: نعم، يعزل ميراثها منه حتى تدرك و تحلف باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج، ثم يدفع إليها الميراث و نصف المهر.

قلت: فإن ماتت الجارية و لم يكن إدراك، أ يرثها الزوج المدرك؟ قال: لا، لأنّ لها الخيار إذا أدركت.

قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟ قال: يجوز عليها تزويج الأب، و يجوز على الغلام، و المهر على الأب للجارية» «1».

و محصّل مدلول الصحيحة: أنّ أبا عبيدة الحذّاء سأل الإمام أبا جعفر الباقر عليه الصلاة و السلام عن حكم تزويج الصغيرين بأن يزوّج وليّ الصغيرة صغيرا، فيقبل وليّه.

و للسؤال موردان يختلف حكمهما، فتارة يكون الوليّ هو الأب، و لا يتوقف تزويجه على إجازة الصبي أو الصبية بعد البلوغ، و اخرى يكون المزوّج وليا شرعا كالوصي و الحاكم الشرعي ممّن ليس له ولاية على نكاح الصغير. و المراد بالولي في صدر الرواية هو هذا بقرينة ذيل الرواية من نفوذ تزويج الأب.

و عليه فإذا زوّج الحاكم الشرعي مثلا طفلة من طفل، توقّفت صحته على إجازة كل منهما بعد بلوغه، فإن أجازاه فهو، و إن لم يجزه أحدهما بطل.

و من فروع المسألة أن يدرك الزوج قبل أن تدرك الزوجة الصغيرة، فأجاز الرجل العقد و مات. فأجاب عليه الصلاة و السلام بأنّه يجب عزل نصف المهر و حصّة الزوجة من الإرث، و ينتظر بلوغها، فإن ردّت العقد بطل النكاح، و لم يكن لها شي ء من أموال الزوج و لا المهر. و إن رضيت بعقد النكاح الواقع حال صغرها طلب منها الحلف على أنّ الداعي إلى إظهار قبول النكاح هو الرضا بكونه زوجا لها لو كان حيّا لا الطمع في أمواله.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1

ص: 70

الآمرة (1) بعزل الميراث من الزوج المدرك الذي أجاز فمات- للزوجة (2) غير المدركة حتّى تدرك، و تحلف، ظاهرة (3) في قول الكشف (4).

______________________________

فإن حلفت كان لها نصف المهر و نصيبها من الإرث، هذا.

و الشاهد في ظهور حكمه عليه الصلاة و السلام بعزل نصيبها- إلى أن تدرك و تجيز العقد الفضولي- في كون الإجازة كاشفة حقيقة، و أنّ الزوجة صارت مالكة للمهر، و تحققت زوجيتها حال العقد. مع أنّ موت أحد المتعاقدين قبل القبول مبطل للعقد.

و لولا كاشفية الإجازة لم يتجه أمره عليه السّلام بالعزل مطلقا، بل كان اللازم تقييده بما إذا رضي ورثة الزوج بإفراز مقدار من أمواله حتى تبلغ زوجته الصغيرة، كي تجيز أو تردّ. فالأمر بالعزل بقول مطلق شاهد على أنّ الزوجة ورثت كسائر الورثة من زمان العقد، و هذا هو الكشف الحقيقي.

(1) هذا و «الواردة» نعتان للمبتدء و هو «صحيحة». و الأمر بالعزل يستفاد من الجملة الخبرية في مقام الإنشاء، و هي قوله عليه السلام: «نعم يعزل ميراثها».

(2) متعلق ب «عزل» و قوله: «حتى تدرك» قيد للعزل.

(3) خبر قوله: «صحيحة أبي عبيدة».

(4) أي: في الكشف الحقيقي المثبت للزوجية حين العقد، لأنّها هي التي توجب الإرث. و الاستدلال بهذه الصحيحة على الكشف الحقيقي منوط بمقدمتين:

الاولى: بقاء عموم قاعدة السلطنة على حالها، و عدم ورود تخصيص عليها، إذ لو قلنا بتخصيص هذا العموم لا يبقى مجال لاستظهار الكشف الحقيقي.

و بيانه: أنّ قاعدة الإرث المستفادة من قوله عليه السّلام: «ما تركه الميت فلوارثه» تقتضي انتقال جميع أموال الزوج إلى ورثته الموجودين حال الموت، و هم ما عدا هذه الزوجة الصغيرة التي لم يعلم كونها زوجته واقعا. و مقتضى قاعدة السلطنة استقلال الورثة بجميع ما تركه الزوج، و عدم جواز مزاحمتهم فيه.

إلّا أنّ صحيحة أبي عبيدة أمرت بعزل نصيب الزوجة من الميراث، إلى أن تدرك، فإن أجازت العقد كان لها نصيبها من الإرث، و إن ردّته كان المال المعزول

ص: 71

..........

______________________________

لسائر الورثة. و هذا الأمر بالعزل يحتمل فيه وجهان:

أحدهما: أن يكون تخصيصا لعموم قاعدة السلطنة، بأن يقال: إنّ المال المعزول ملك للورثة، إلّا أنّهم محجورون عن التصرف فيه، نظير حجر الملّاك عن أموالهم كالصبي و المجنون و نحوهما ممّن لا سلطنة له على التصرف في ملكه. و بناء على هذا الاحتمال لا تصلح الصحيحة لإثبات الكشف، لفرض انتقال المال إلى الورثة بمجرّد الموت، و استحقاق الزوجة لنصيبها بالإجازة لا يدلّ على الكشف الحقيقي حينئذ، و إنّما يجب على الورثة تسليم حصّتها من الإرث، و هو يناسب الكشف الحكمي و النقل.

ثانيهما: أن يكون حرمة تصرف الورثة في حصة الزوجة- و هو المال المعزول- أجنبيّا عن تخصيص قاعدة السلطنة، لكونه من باب التخصّص، بأن تتلقّى الزوجة المهر- و حصّتها من الإرث- من الزوج بمجرّد موته، فلم ينتقل حصّتها إلى الورثة بالموت، حتى يكون المنع من التصرف فيه تخصيصا لقاعدة السلطنة. يعني: أنّ الزوجة الصغيرة استحقّت هذا المال المعزول من حين موت الزوج، فكأنّها كانت زوجة كبيرة ورثت زوجها بموته.

و بناء على هذا الاحتمال تدل الصحيحة على الكشف الحقيقي، لكشف الإجازة عن ثبوت الزوجية من زمان العقد، و ترتب آثارها من حينه.

فإن قلت: بعد تكافؤ احتمالي التخصيص و التخصّص في قاعدة السلطنة لا سبيل لاستظهار الكشف الحقيقي، لاحتمال الكشف الحكمي، بأن يكون الأمر بالعزل تخصيصا في قاعدة السلطنة، فالمال بتمامه ملك الورثة، و لكنّه يحرم عليهم التصرف في بعضه و هو حصة الزوجة، و لا معيّن لاحتمال التخصّص حتى يستفاد الكشف الحقيقي منه.

قلت: إنّ عموم قاعدة السلطنة و إن كان قابلا للتخصيص شرعا كما خصّص في موارد حجر الملّاك، إلّا أنّ المتعيّن في المقام هو الالتزام بأنّ منع الورثة عن المال المعزول خارج عن قاعدة السلطنة موضوعا، و ذلك لما قرّره المصنف قدس سرّه في الأصول من حجية أصالة العموم في إحراز حال الفرد غير المحكوم بحكم العام، لو تردّد أمره بين الخروج موضوعا أو حكما، و أنّه يحكم على الفرد بخروجه تخصّصا عن العموم.

ص: 72

إذ (1) لو كان مال الميّت قبل إجازة الزوجة باقية (2) على ملك سائر الورثة، كان (3) العزل مخالفا لقاعدة تسلّط الناس على أموالهم. فإطلاق (4) الحكم بالعزل

______________________________

و مثّل له هناك بطهارة الغسالة، و دورانها بين تخصيص «كل نجس منجس» يعني أنّها نجس غير منجّس، و بين طهارتها واقعا و عدم مصداقيتها لخطاب «النجس منجّس».

و بناء على هذا الأصل المقرّر يقال في المقام: إنّ الورثة ممنوعون من التصرف في المال المعزول، و هذا المنع مردّد بين كون المال لهم و حجرهم عنه حتى تخصّص قاعدة السلطنة. و بين كون المال أجنبيّا عنهم و أنّه للزوجة، فحرمة تصرفهم فيه ليس للحجر، بل لعدم كونه مملوكا لهم. و يتعيّن الاحتمال الثاني، لحجية أصالة العموم لإحراز حال الفرد، هذا.

المقدّمة الثانية: إلغاء احتمال خصوصيّة المورد، فإنّ الصحيحة و إن دلّت على الكشف الحقيقي، لكن يحتمل اختصاصه بموردها و هو نكاح الصغيرة، أو مطلق النكاح.

فالتعدّي منه إلى العقود المالية الفضولية منوط بإسقاط خصوصية المورد، إمّا لمساواتهما ملاكا، و إمّا لأهميّة الأعراض من الأموال.

و هذه المقدمة الثانية و إن لم يصرّح بها في المتن، لكنها تستفاد من نصوص نكاح العبد و غيره مما تقدّم في أدلّة صحّة البيع الفضوليّ، فراجع.

(1) هذا تقريب دلالة الصحيحة على كاشفية الإجازة، و حاصله: أنّه لو كان مال الميت باقيا على ملك سائر الورثة قبل الإجازة- كما هو مقتضى ناقلية الإجازة- كان العزل مخالفا لقاعدة تسلط الناس على أموالهم، إذ للورثة المنع عن هذا العزل.

(2) كذا في النسخ، و المناسب «باقيا»، لكونه خبر «مال».

(3) جواب الشرط في قوله: «لو كان».

(4) هذا منشأ الحكم بكاشفية الإجازة كشفا حقيقيا، و حاصله: أنّ إطلاق الحكم بالعزل و عدم تقييده برضا الورثة و إذنهم- مع حفظ عموم قاعدة سلطنة الناس على أموالهم، و عدم تخصيصه- يقتضي أن يكون العزل لاحتمال صحة النكاح و صيرورة الصغيرة زوجة من حين وقوع العقد، و وارثة في الواقع كما هو مقتضى الكشف الحقيقي.

ص: 73

منضمّا (1) إلى عموم الناس مسلّطون على أموالهم [1] يفيد (2) أنّ العزل لاحتمال كون الزوجة المدركة وارثة في الواقع، فكأنّه (3) احتياط في الأموال قد غلّبه الشارع على أصالة عدم الإجازة، كعزل نصيب الحمل (4) و جعله (5) أكثر ما يحتمل.

______________________________

فهذا الاحتمال أوجب الاحتياط في الأموال، و حكّمه على أصالة عدم الإجازة المقتضية لعدم تحقق الزوجية.

و هذا العزل نظير عزل نصيب الحمل في الزوجة الحامل التي مات زوجها، فإنّه يحتاط في الإرث، و يعزل للحمل نصيب ذكرين احتياطا، على التفصيل المحرّر في كتاب الميراث.

(1) حال ل «إطلاق» يعني: مع التحفظ على عموم قاعدة السلطنة، و عدم تخصيصه بهذه الصحيحة. و الوجه في عدم التخصيص عند دوران الأمر بينه و بين التخصّص ما تقرّر في الأصول من حجية أصالة العموم لإحراز حال الفرد غير المحكوم بحكم العام.

(2) خبر قوله: «فإطلاق»، و قوله: «لاحتمال» خبر: «ان العزل».

(3) أي: فكأنّ العزل احتياط في الأموال.

(4) المماثلة تكون في مراعاة الاحتمال، فكما أنّ احتمال تولد الحمل حيّا أوجب الاحتياط بعزل نصيب ذكرين له من تركة الميت، فكذلك احتمال حصول الزوجية في المقام أوجب الاحتياط بعزل نصيب الزوجية حتى يتبين الحال.

(5) معطوف على «عزل» أي: و كجعل نصيب الحمل أكثر من نصيب ذكر، حيث

______________________________

[1] مخالفة قاعدة السلطنة منوطة بدخول المال المعزول في ملك الورثة، حتى يكون تلقّي الزوجة لنصيبها منهم مخالفا لقاعدة سلطنتهم على أموالهم. و أمّا بناء على عدم دخوله في ملكهم فلا يلزم إلّا مخالفة قاعدة «ما تركه الميت فلوارثه».

هذا مضافا إلى منافاة استظهار الكشف الحقيقي من هذه الصحيحة لما تقدّم منه في (ص 55) من كونه غير معقول، فلا بدّ من توجيه الصحيحة على الوجه المعقول، و هو الكشف الحكمي أو الانقلابي.

و إلى: أن مبنى الكشف الحقيقي هو التحفظ على عموم قاعدة السلطنة. مع أن المبنى ممنوع، كما قرر في الأصول.

ص: 74

[الثمرة بين أنحاء الكشف]
اشارة

بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته (1) و النقل، فنقول:

[الثمرة بين قسمي الكشف الحقيقي]

أمّا الثمرة على الكشف الحقيقي (2) بين كون نفس الإجازة شرطا، و كون الشرط تعقّب العقد بها، و لحوقها له، فقد (3) يظهر في جواز تصرّف كلّ منهما (4) فيما انتقل إليه بإنشاء الفضولي إذا علم (5) إجازة المالك

______________________________

إنّه يعزل له نصيب ذكرين كما مرّ آنفا.

و قد تحصّل ممّا أفاده المصنف في المقام الأوّل: دلالة صحيحة أبي عبيدة على الكشف الحقيقي، هذا.

الثمرة بين أنحاء الكشف

(1) الثلاثة المتقدمة في مقام الثبوت. و هذا شروع في المقام الثاني، و هو ثمرة القولين، و لكنّه بيّن أوّلا الثمرة بين أقسام الكشف، ثمّ بين الكشف و النقل. فتارة يبحث عن الثمرة بين قسمي الكشف الحقيقي، و اخرى بين الكشف الحقيقي و الحكمي، و ثالثة بين الكشف و النقل، فهنا جهات ثلاث.

الثمرة بين قسمي الكشف الحقيقي

(2) هذه هي الجهة الاولى، و هي الثمرة المختصة بكلا قسمي الكشف الحقيقي المذكورين في المتن، و هما: كون نفس الإجازة شرطا، و كون الشرط تعقب العقد بالإجازة. و تظهر الثمرة بينهما في جواز تصرف كل منهما فيما انتقل إليه بإنشاء الفضولي إذا علم إجازة المالك فيما بعد بناء على شرطية التعقب، و عدم الجواز بناء على شرطية نفس الإجازة بوجودها الخارجي حتى مع العلم بصدور الإجازة من المالك فيما بعد.

(3) جواب «أمّا» و التعبير ب «قد»- الظاهر في التقليل- إنّما هو لاحتمال كون التعقب وصفا للعقد مطلقا، أو حين حصول الإجازة، أو العلم بتحققها فيما بعد. و إلّا فمع توقف وصف التعقب على وجود الإجازة خارجا تنتفي الثمرة بين شرطية نفس الإجازة و شرطية التعقب، لعدم حصول شرط الملكيّة- و هو الإجازة أو التعقّب- حتّى يجوز التصرف.

(4) أي من المتعاقدين.

(5) كما صرّح به صاحب الجواهر في عبارته المتقدمة في (ص 31).

ص: 75

فيما بعد [1] (1).

______________________________

(1) لا تخلو العبارة من قصور، فلا بدّ أن ينضمّ إلى المتن جملة «بناء على الثاني دون الأوّل».

أقول: إنّ ترتب هذه الثمرة على القسمين المذكورين منوط بكون وصف التعقب ثابتا للعقد بنحو الشرط المقارن. و هذا مشكل كما ذكرناه في التعليقة.

و عليه فالإجازة و التعقب بوزان واحد من حيث الشرطية. فالملكية التي هي موضوع جواز التصرف منوطة بوجود الإجازة خارجا، سواء أ كان الشرط نفس الإجازة أم التعقب، لحصول كليهما بصدور الإجازة.

فالمتحصل: عدم جواز التصرف قبل وجود الإجازة مطلقا، سواء أ كان الشرط

______________________________

[1] ينبغي أن يقال: إنّ الكشف الحقيقي تارة يكون بشرطية التعقب بالإجازة، مع الالتزام بكون التعقب وصفا مقارنا للعقد. فالعلم بحصول الإجازة فيما بعد علم بتحقق الشرط فعلا، و هو التعقب، و العلم به علم بالمشروط فعلا و هو الملكية، فيجوز التصرف حينئذ أي قبل حصول الإجازة، لفعلية الشرط الموجبة لفعلية المشروط.

و اخرى يكون بشرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخر المصطلح عليه. و وزان هذه الصورة وزان شرطية التعقب في فعلية الشرط و المشروط، إذ مع فرض جواز الشرط المتأخر يكون كل من الشرط و المشروط مع العلم بحصول الإجازة فعليّا، فلا مانع من التصرف.

و ثالثة يكون بشرطية الإجازة المتأخرة الموجبة للانقلاب. و من المعلوم أنّ العلم بحصول سبب الانقلاب- و هو الإجازة فيما بعد- لا يكون علما بالانقلاب فعلا حتى يترتب عليه الملك الذي هو سبب جواز التصرف.

و قد ظهر من هذا البيان ترتب الثمرة على هذه الأقسام من الكشف الحقيقي، لجواز التصرف قبل صدور الإجازة في القسمين الأوّلين، لفعلية الشرط و المشروط في كليهما على التفصيل المتقدم. بخلاف القسم الثالث، ضرورة أنّ الإجازة بوجودها الخارجي سبب للانقلاب، فالعلم بصدورها فيما بعد علم بحصول السبب فيما بعد، و ذلك ليس علما بفعلية سبب الانقلاب حتى يترتب عليه الملكية التي أنيط بها جواز التصرف.

ص: 76

[الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي]

و أمّا الثمرة بين الكشف الحقيقي (1) و الحكمي مع كون نفس الإجازة شرطا، [فإنّه] (2) يظهر في مثل ما إذا وطأ المشتري الجارية قبل إجازة مالكها، فأجاز

______________________________

نفس الإجازة أم التعقب. و الثمرة المذكورة ليست ثمرة للكشف الحقيقي المعتمد على شرطية نفس الإجازة أو التعقب.

الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي

(1) و هو كون الشرط نفس الإجازة بنحو الشرط المتأخر أو تعقب العقد بها، و هذا شروع في الجهة الثانية، و هي الثمرة المترتبة على كلّ من الكشف الحقيقي- بكلا قسميه- و الحكمي.

(2) محصّل الثمرة المستفادة من كلام المصنف قدّس سرّه هو: أنه إن اشترى شخص من البائع الفضولي جارية، و تصرّف فيها قبل المراجعة إلى المالك ليظهر أنه يجيز البيع أو يردّه، ثم أجاز المالك. فيقع الكلام في جواز استمتاعه بها، ثم فيما يتفرع عليه من فرعين:

أحدهما: صيرورة الجارية أمّ ولد.

و ثانيهما: فيما إذا نقل المالك هذه الجارية- التي استولدها المشتري- إلى الغير ببيع أو هبة مثلا قبل أن يجيز بيع الفضولي.

أمّا ظهور الثمرة في حكم الاستمتاع بها قبل إجازة المالك، فبيانه: أنّه بناء على كون الإجازة ناقلة لا يجوز التصرف قبل الإجازة واقعا و ظاهرا. و كذا بناء على الكشف الحكمي مع شرطية نفس الإجازة، سواء أ كان عالما بلحوق الإجازة أو بعدمه، أم كان شاكّا في لحوقها.

أمّا على الأوّل فلعدم تحقق سبب الجواز فعلا. و العلم بتحققه فيما بعد لا يوجب فعلية السبب. و أمّا على الثاني فلأصالة عدم الإجازة. و هذا حكم ظاهري، فيكون تصرفه تجريا، لحرمته ظاهرا و إن كان حلالا واقعا.

و أمّا بناء على الكشف الحقيقي- مع كون وصف التعقب شرطا- فمع العلم

ص: 77

فإنّ (1) الوطء على الكشف الحقيقي حرام ظاهرا، لأصالة عدم الإجازة، و حلال

______________________________

بلحوق الإجازة يجوز التصرف [1]، لحصول انتزاع وصف التعقب بالعلم بحصول الإجازة.

و أمّا مع كون الشرط نفس الإجازة، فظاهر المصنف قدّس سرّه عدم الجواز ظاهرا كالنقل، سواء أ كان عالما بتحقق الإجازة أم شاكّا فيه.

إذ على الأوّل ليس السبب كاملا و إن علم باستكماله فيما بعد، لكنه لا يجدي في جواز التصرف قبل استكمال السبب كما في النقل.

و على الثاني يستند عدم الجواز إلى أصالة عدم تحقق الإجازة.

و أمّا الحكم الواقعي فهو الجواز مع فرض تحقق الإجازة.

و يترتب على الجواز الواقعي و المنع الظاهري ما يترتب عليهما من الأحكام.

فالمتصرف- بناء على عدم الجواز ظاهرا- فاسق، فيستحقّ التعزير و العقاب بناء على القول بثبوته على المتجري.

كما أنّ الولد حرّ و ملحق به، لأنّ الرقية- كوجوب الحد- من آثار عدم الجواز الظاهري و الواقعي معا. فلو جاز أحدهما كان كافيا في الحرية و الإلحاق و سقوط الحد، فالولد حرّ و ملحق به على احتمالات الكشف.

نعم على القول بالنقل يكون رقّا، لعدم جواز الوطي ظاهرا، و عدم صيرورته ملكا له قبل الإجازة. بل يجب عليه الحد أيضا. هذا حكم غير الاستيلاد. و أمّا الاستيلاد فسيأتي حكمه.

(1) تعليل لقوله: «يظهر» و بيان للفارق- بين الكشف الحقيقي و الحكمي- في شراء الجارية فضولا.

______________________________

[1] بل لا يجوز التصرف، لعدم كفاية العلم بحصول الإجازة في انتزاع وصف التعقب، لأنّ منشأ انتزاع هذا الوصف هو وجود الإجازة خارجا، دون العلم بوجودها فيما بعد، كما مرّ سابقا.

ص: 78

واقعا، لكشف الإجازة (1) عن وقوعه (2) في ملكه.

و لو أولدها (3) صارت أمّ ولد على الكشف الحقيقي و الحكمي،

______________________________

(1) أي: الإجازة الصادرة من المالك، فإنّها كاشفة عن وقوع الوطء في ملكه.

(2) يعني: عن وقوع الوطء في ملك المشتري، و هذا بخلاف الكشف الحكمي، حيث إنّ الوطي حرام، لوقوعه في غير ملكه.

فعلى القول بإجراء الأحكام الممكنة- كما مرّ في كلام المصنف قدّس سرّه- لا يمكن إجراؤها هنا، لعدم إمكان الحلّ في التصرف الواقع في ملك الغير [1].

(3) أي: و لو أولد المشتري الجارية صارت أمّ ولد، و لا يجوز بيعها حينئذ. و هذا شروع في أوّل الفرعين المترتبين على وطي الجارية- المشتراة فضولا- قبل إجازة المالك.

و ينبغي تقديم أمر قبل توضيح المتن، و هو: أنّهم حكموا في كتاب الاستيلاد بأنّ أمّ الولد مملوكة، و لكن لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيّا، إلّا في بعض الموارد. فإن مات مولاها- و ولدها حيّ- جعلت في نصيب ولدها و عتقت عليه «1».

و اشترطوا في صيرورتها أمّ ولد أن تحمل من حرّ، و أن تكون مملوكة له حال الوطء، سواء أ كان الوطء مباحا، أم محرّما كالوطء في حال الحيض و شبهه. فلو حملت- و هي غير مملوكة له- لم تكن أمّ ولد، سواء حملت من مملوك بالزنا أم من حرّ غير مالك لها واقعا كالمغرور، و المشتري لجارية ظهرت مستحقّة للغير.

قال المحقق قدّس سرّه: «فلو أولد أمة غيره مملوكا، ثم ملكها لم تصر أمّ ولده و لو أولدها حرّا ثم ملكها، قال الشيخ: تصير أمّ ولده. و في رواية ابن مارد: لا تصير أمّ ولده» «2».

______________________________

[1] لكن الحق بناء على الكشف الحكمي حلّيّة الوطي، لأنّ مقتضى تنزيل غير الملك منزلة الملك هو حلية الوطي، فإنّ دليل التنزيل حاكم على ما دلّ على اعتبار الملك في حلية الوطي، أو كونه موجبا لصيرورة الأمة أمّ ولد لواطئها، كسائر التنزيلات الشرعية كالاستطاعة البذلية و المسافة التلفيقية.

______________________________

(1) راجع: شرائع الإسلام، ج 3، ص 139.

(2) شرائع الإسلام، ج 3، ص 138، و لاحظ جواهر الكلام، ج 34، ص 372 و 373

ص: 79

لأنّ (1) مقتضى جعل الواقع ماضيا ترتّب (2) حكم وقوع الوطء في الملك.

و يحتمل (3) عدم تحقّق الاستيلاد على الحكمي، لعدم (4) تحقّق حدوث الولد

______________________________

و المستفاد منه أنّ ترتب أحكام أمّ الولد على الأمة منوط بكون ولدها حرّا، و حرّيّته تتوقف على الملك، سواء أ كان الوطء مباحا أم حراما لعارض، فلو لم تكن مملوكة للواطي كان ولدها مملوكا تابعا لامّه، و لا تصير محكومة بأحكام أمّ الولد.

و يقع الكلام في أنّ الملكية المستكشفة بإجازة المالك كافية في صدق «أمّ الولد» عليها، أم لا بدّ من الملكية الثابتة قبل المباشرة، فنقول: إنّ حاصل ما أفاده قدّس سرّه: انّه لا إشكال في تحقق الاستيلاد بناء على الكشف الحقيقي، لكشف الإجازة عن وقوع الوطء في ملك الواطئ، فتصير الأمة أمّ ولد له. كما لا ينبغي الإشكال في عدم صيرورتها أمّ ولد للمشتري بناء على ناقلية الإجازة، لوقوع الوطي في ملك الغير.

و أمّا على القول بالكشف الحكمي ففيه وجهان:

أحدهما: الاستيلاد، نظرا إلى لزوم ترتيب أحكام الملكية السابقة التي منها صيرورة الأمة أمّ ولد للمشتري.

ثانيهما: عدم الاستيلاد، لوقوع الوطي في ملك الغير الذي هو محكوم بالبقاء إلى أن تصدر الإجازة من مالك الأمة، فلا تصير حينئذ أمّ ولد للمشتري.

(1) تعليل لصيرورتها أمّ ولد بناء على الكشف الحكمي، لأنّ قوله قدّس سرّه: «ترتب حكم وقوع الوطي في الملك» كالصريح في عدم وقوع الوطي في الملك حقيقة، بل نزّل منزلة وقوعه في الملك، فحكمه حكم الوطي الواقع في الملك حقيقة في كونه موجبا لصيرورة الأمة أمّ ولد.

(2) خبر قوله: «لأنّ» أي: مقتضى جعل العقد الفضولي نافذا هو ترتب .. إلخ.

(3) هذا إشارة إلى الوجه الثاني الذي تعرضنا له بقولنا: «ثانيهما: عدم الاستيلاد ..

إلخ».

(4) تعليل لعدم تحقق الاستيلاد بناء على الكشف الحكمي، لظهور بعض النصوص في أنّ صيرورة الأمة أمّ ولد منوطة بحدوث الولد في الملك، أي كونها مملوكة للسيد حين تكوّن الولد، فلو لم تكن مملوكة لسيدها في تلك الحالة لم تصر أمّ ولد، و إن حكم الشارع

ص: 80

في الملك، و إن حكم بملكيّته (1) للمشتري بعد ذلك [1].

______________________________

بترتب آثار الملكية عليها في حال تكوّن الولد.

ففي معتبرة محمّد بن مارد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يتزوّج الأمة، فتلد منه أولادا، ثم يشتريها، فتمكث عنده ما شاء اللّه، لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها، ثم يبدو له في بيعها. قال: هي أمته ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك، و إن شاء أعتق» «1». فإن قوله عليه السلام: «هي أمته ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك»- أي بعد ما ملكها- كالصريح في اشتراط صيرورتها أمّ ولد بحدوث الولد في ملكه. و هذا لا يصدق على من لم تكن ملكا للواطى حين الحمل، و إنّما صارت ملكه بعد تحقق الإجازة كما في مورد البحث.

(1) أي: بملكية الولد بعد صدور الإجازة من المالك الأصيل، لأنّه حينئذ نماء ملكه.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه بناء على جميع وجوه الكشف تصير الأمة أمّ ولد، لأنّها و إن لم تكن ملكا للمشتري حال الوطء بناء على الكشف الانقلابي و الحكمي، لكنها لصيرورتها بعد إجازة عقد الفضولي ملكا حقيقة أو حكما للمشتري- الذي اشتراها من الفضولي- صارت أمّ ولد للمشتري.

و أمّا سائر وجوه الكشف الحقيقي الستة التي ذكرناها في مرحلة الثبوت، فتفصيله: أنّه مع العلم بحصول الإجازة من المالك يجوز التصرف لكل منهما قبل صدور الإجازة واقعا و ظاهرا على الوجه الأوّل و الثاني و الثالث و الخامس و السادس، لوجود الشرط فيها حين العقد.

أمّا على الوجه الأوّل و الخامس- و هما شرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخر- فلوجود المشروط فعلا، إذ المفروض جواز تقدم المشروط على الشرط العقلي في الأوّل،

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 589، الباب 85 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1، و الظاهر تمامية السند و إن كان يخدش فيه في بعض الكلمات من جهة ضعف إسناد الشيخ الى ابن محبوب بابن بطة. وجه الصحة شهادة الشيخ في الفهرست بأنّ له سندا صحيحا إلى جميع كتب ابن محبوب و رواياته.

و لا إشكال من جهة سائر الرواة كما لا يخفى على من راجع تراجمهم.

ص: 81

______________________________

و الشرعي في الخامس الذي ارتضاه صاحب الجواهر قدّس سرّه، فيجوز التصرف لكليهما قبل حصول الإجازة.

و كذا على الوجه الثاني الذي يكون الشرط فيه وصف التعقب بناء على كونه وصفا مقارنا للعقد. و الوجه الثالث الذي يكون الشرط فيه الرضا التقديري. و الوجه السادس الذي يكون الإجازة فيه مجرّد العلامة و الأمارة على حصول النقل و الانتقال بنفس العقد، إذ بناء على الوجوه الثلاثة يكون العقد من حين وقوعه تامّا مؤثرا.

و أمّا الكشف الانقلابي و الحكمي فقد عرفت صيرورة الأمة أمّ ولد فيهما بعد الإجازة. هذا كلّه بحسب الحكم الواقعي.

و أمّا الحكم الظاهري فهو عدم جواز التصرف في جميع أنحاء الكشف، لأصالة عدم الإجازة، إذ مع عدم العلم بلحوق الإجازة يكون مقتضى الأصل عدم جواز التصرف.

و أمّا مع العلم بلحوقها فلا إشكال في جواز التصرّف في صورتي شرطية التعقب و شرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخّر، و في صورتي شرطية الرضا التقديري، و أمارية الإجازة على تأثير العقد، و حصول النقل و الانتقال من دون دخل للإجازة في تأثير العقد.

و أمّا الكشف الانقلابي و الحقيقي الذي تقدّم من صاحب الجواهر فلا يكفي العلم بوجود الإجازة فيما بعد، إذ المفروض دخل الإجازة بوجودها الخارجي في الملكية التي يترتّب عليها جواز التصرف، و العلم تعلّق بما يصير بعد ذلك سببا لجواز التصرف. و هذا لا يكفي في فعلية سبب جواز التصرف حتى يصير مسبّبه فعليا.

ثم إنّه قد يمنع ما أفاده المصنف قدّس سرّه- من صيرورة الأمة أمّ ولد بناء على الكشف الحكمي- بما في تقرير السيد المحقق الخويي قدّس سرّه من: أنّ الشارع و إن حكم بعد إجازة المالك بكون الأمة ملكا للمشتري من الفضولي، و أنّ الولد تكوّن في ملكه، إلّا أنّ ظاهر الأدلة المتكفلة لأحكام أمّ الولد- كحرمة بيعها- هو حدوث الولد في ملك الواطى، و المفروض أنّ هذه الأمة لم تكن ملكه حين الوطي، و إنّما صارت ملكه بقاء أي بعد إجازة المالك، فلم يتحقق الاستيلاد في ملك المشتري، و مثلها غير مشمول لتلك الأدلة.

و هذا نظير أخبار مبطلية الزيادة، فإنّها مختصة بما إذا اتصف الفعل- كقراءة الآية أو

ص: 82

و لو نقل المالك الولد [أمّ (1) الولد] من ملكه

______________________________

(1) و هي التي بيعت فضولا. و هذا إشارة إلى ثمرة ثانية- بين الكشف الحقيقي و الحكمي- تظهر في بيع جارية الغير فضولا، التي أولدها المشتري. بأن باعها الفضولي في الساعة الاولى، ثم أخرجها السيد عن ملكه في الساعة الثانية، ثم أجاز بيعها فضولا في الساعة الثالثة.

______________________________

السورة- بأنّه زائد حين وقوعه، لا ما إذا اتصف به بعد وقوعه، لظهور الدليل في أحداث الزائد، لا جعل الحادث سابقا زائدا بعد حدوثه «1».

أقول: و لعلّ من هذا الباب حكمه قدّس سرّه باعتبار خروج البدن كلّا أو بعضا من الماء في الغسل الارتماسي، و عدم كفاية الارتماس لغرض آخر، ثم نية الغسل في هذه الحالة، فإنّ المراد من الاغتسال إحداثه و إيجاده، و لا يصدق عند كونه مرتمسا «2».

و كيف كان، فيمكن منع ما أفاده قدّس سرّه. أمّا في مبطلية الزيادة فلأنّ دعوى اختصاصها بقصد الزيادة من حين الشروع في الزائد محل تأمل، لإطلاق «من زاد» الدال على إخلال الزيادة العمدية في الصلاة. فلو شرع في سورة ثم عدل عنها إلى أخرى، صدق عنوان الزائد على الاولى، لكنها مغتفر فيها، للنص الدال على جواز العدول إلى سورة أخرى قبل بلوغ النصف، لا لعدم صدق الزائد على المأتيّ به أوّلا، فإنّ الزيادة المخلّة تتوقف على قصد الجزئية، و المفروض تحققه في مثل السورة. لكن لا بدّ من تقييد إطلاق «من زاد». و دعوى الانصراف الى خصوص الزيادة الحدوثية ممنوعة أيضا.

كما أنّه يمكن التأمل في وجوب إخراج معظم البدن من الماء في الغسل، بدعوى: أنّ المكث فيه بقصد الغسل فعل اختياري يتعلق به قصد امتثال الأمر. و لو شك في اعتبار أمر زائد عليه ينفى بالأصل. هذا في المقيس عليه.

و أمّا الأمة فالظاهر أنّها محكومة بكونها أمّ ولد بمقتضى الكشف الحكمي و الانقلابي كما تقدم. هذا كله بحسب القاعدة. و لكن يمكن استفادة اعتبار ملكيّتها في منع بيعها من معتبرة محمّد بن مارد المتقدمة في التوضيح.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 4، ص 157 و 158.

(2) منهاج الصالحين، ج 1، ص 56، المسألة: 153 من كتاب الطهارة.

ص: 83

..........

______________________________

و ينبغي التنبيه على أمر قبل توضيح الثمرة، و هو: أنّ الموجود في كثير من نسخ الكتاب- حتى النسخة المصححة التي نعتمد عليها- هو: «و لو نقل المالك الولد من ملكه» و كذا بتذكير الضمير فيما سيأتي من قوله: «و على المجيز قيمته» لكن كتب فوق كلمة «الولد» كلمة «أمّ» مع علامة «ظاهرا». و لم يتّضح أنّ الصادر من قلم شيخنا الأعظم قدّس سرّه هو «نقل الولد» أو «نقل أمّ الولد».

و اختلفت أنظار أعلام الشراح و المحشين في ما هو الأرجح في ضبط العبارة. فمنهم من اعتمد على نسخة «و لو نقل المالك أمّ الولد» فشرح العبارة أو اعترض عليها «1». و منهم من جعل الأنسب بما ذكره المصنف قدّس سرّه في ضابط الكشف الحكمي هو نسخة «و لو نقل المالك الولد» «2».

و كيف كان فينبغي توضيح المتن بناء على كلتا النسختين، ثم التعرض في التعليقة لما يظهر بالتأمل في كلمات المصنف، فنقول و به نستعين:

أمّا بناء على نسخة «أمّ الولد» فتظهر الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي، لو نقل السّيد أمّ الولد عن ملكه ببيع أو هبة قبل أن يجيز عقد الفضولي، ثم أجازه. فبناء على الكشف الحقيقي يحتمل كل من صحة هذا النقل و بطلانه، و بناء على الكشف الحكمي يصح نقلها كما يصح بيعها فضوليا بالإجازة.

و ليعلم- قبل تقريب الصحة و البطلان- أنّ محلّ الوجوه المزبورة هو جهل سيّد الأمة- حين نقل أمته- بأنّها بيعت فضولا، إذ لو كان عالما ببيعها فضولا كان نقلها إلى الغير بهبة أو ببيع ردّا لذلك البيع الفضولي.

و بعد وضوح محل النزاع نقول: بناء على الكشف الحقيقي يحتمل أمران بطلان النقل و صحته.

______________________________

(1) لاحظ: غاية الآمال، ص 380، حاشية السيد، ج 1، ص 154، منية الطالب، ج 2، ص 243، و احتمل الميرزا النسخة الأخرى، لكن المستفاد منه ترجيح كون المنقول هو الأم، حاشية المكاسب للمحقق الايرواني، ج 1، ص 129.

(2) حاشية السيد الاشكوري، ج 1، ص 86، حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 151

ص: 84

..........

______________________________

أمّا الاحتمال الأوّل و هو بطلان النقل، فلأنّ الإجازة المتأخرة كشفت عن دخول أمّ الولد في ملك من اشتراها من الفضولي من حين بيعها منه، فنقل السيد لها نقل لمال الغير، و هو غير نافذ إلّا بإجازته.

و أمّا الاحتمال الثاني- و هو صحة نقل السيد لامّ الولد، و بطلان الإجازة المتأخرة- فلأنّ الأمة تكون ملكا لسيّدها قبل إجازة بيعها فضولا، و لم يتعلّق بها بعد حقّ مانع من نفوذ نقله، فلا يبقى موضوع للإجازة، لما سيأتي في ثالث تنبيهات الإجازة (في ص 181) من توقف تأثير الإجازة على عدم تخلّل ردّ المالك بين العقد الفضولي و بين إجازته. كما سيأتي أيضا في أحكام الرّد إنشاء الرّد بكلّ من القول و الفعل. فراجع (ص 445- 446).

و بناء عليه يحتمل كون نقل أمّ الولد ردّا لذلك البيع الفضولي و مفوّتا لمحلّ الإجازة، و من المعلوم أنّ الرّد الفعلي كالقولي في عدم بقاء موضوع الإجازة. هذا بناء على الكشف الحقيقي.

و أمّا بناء على الكشف الحكمي فيصحّ نقل أمّ الولد. لبقائها على ملك سيّدها، فإذا أجاز بيعها فضولا فقد تملّك ثمنها بإجازته، فيتحقق عقدان صحيحان. و لمّا لم يتمكن السيد من الوفاء بكلا العقدين- لكون المنقول و المبيع واحدا شخصيا و هو الأمة- تعيّن تسليم العين للمشتري من الفضولي، و دفع قيمتها إلى من نقلها السيد اليه.

أمّا تسليم الأمة للمشتري من الفضولي فلأنّه مقتضى تنفيذ بيع الفضولي بإجازته، و صيرورة ذلك البيع مضافا إلى نفس السيد بالإجازة المتأخرة.

و أمّا تسليم القيمة إلى الثاني، فلكونه مقتضى صحة نقله الواقع قبل حكم الشارع بصيرورة الأمة ملكا للمشتري من الفضولي، و من المعلوم أنّه عند تعذر تسليم العين لصاحبها يلزم ردّ البدل و هو المثل في المثلي و القيمة في القيمي.

و نظير هذه المسألة- من الحكم بصحة البيع الفضولي و نقل المالك، و تسليم العين لأحد المشتريين و البدل إلى الآخر- هو تصرّف من عليه الخيار في المبيع الخياري بناقل لازم إذا فسخ ذو الخيار بعد ذلك، حيث إنّهم حكموا بصحة ذلك التصرف الناقل كحكمهم بصحة الفسخ، و اشتغال ذمة من عليه الخيار بالبدل، و سيأتي توضيحه إن شاء اللّه تعالى.

هذا توضيح الثمرة بناء على كون المنقول هو الأمّ المبيعة فضولا.

ص: 85

قبل الإجازة (1)، فأجاز، بطل (2) النقل على الكشف الحقيقي، لانكشاف وقوعه (3) في ملك الغير. مع احتمال (4) كون النقل بمنزلة الرد. و بقي (5) صحيحا على الكشف

______________________________

و أمّا بناء على نسخة «و لو نقل الولد» فتوضيح الثمرة: أنّه بناء على الكشف الحقيقي يبطل نقل الولد، إذ الإجازة المتأخرة كشفت عن كون الأمة و ولدها ملكا للمشتري من الفضولي، لتبعية النماء للعين، فهو ملك الغير، و نقل مالك الأمة له- قبل الإجازة- تصرّف في ملك الغير.

و بناء على الكشف الحكمي يصحّ نقل الولد، لأنّه نماء ملكه، و لم يتعلق به حق أحد بعد. و لكن حيث أجاز البيع الأمة فضولا فقد أتلف على المشتري نماءها، فيضمن المالك بدله، فيجب دفع قيمة الولد إلى المشتري من الفضولي.

فإن قلت: لم لا يكون نقل الولد ردّا فعليا لبيع الأمة؟ حتى لا يبقى محل لإجازة البيع، و لا موضوع لدفع البدل إلى المشتري.

قلت: لا يكون نقل الولد منافيا لإجازة بيع الأمة، لأنّ مصبّ البيع الفضولي هو نفس الأمة لا نماؤها، فالإجازة و الردّ يتعلقان بمورد ذلك البيع، لا بما هو خارج عنه. و عليه فنقل الولد لا يزاحم إجازة بيع الامّ، و يتجه حينئذ وجوب دفع قيمته إلى المشتري، فيمكن الالتزام بصحتهما معا.

(1) أي: قبل أن يجيز المالك بيع أمته فضولا.

(2) جواب «و لو نقل» أي: بطل النقل الذي أنشأه مالك الأمة بناء على الكشف الحقيقي. و المراد بالبطلان كونه فضوليا موقوفا على إجازة المشتري من الفضولي، و ليس المراد بطلان النقل رأسا و خروجه عن قابلية الصحة حتى لو أجاز المشتري.

(3) أي: وقوع نقل السيد- للأمة- في ملك الغير، و هذا الغير هو المشتري من الفضولي.

(4) تقدم توضيح هذا الاحتمال بقولنا: «و يحتمل كون نقل الامّ ردّا لذلك البيع الفضولي ..».

(5) معطوف على «بطل» يعني: أنّ النقل الصادر من المالك باطل على الكشف الحقيقي و صحيح على الكشف الحكمي، لبقاء المال المبيع فضولا على ملكه، فوقع النقل في ملكه.

ص: 86

الحكمي، و على المجيز (1) قيمته (2) [قيمتها] لأنّه (3) مقتضى الجمع [1] بين جعل

______________________________

(1) و هو المالك الأصيل المجيز لبيع الفضولي بعد نقل أمّ الولد عن ملكه إلى الغير.

(2) اختلفت النسخ في ضبط هذه الكلمة أيضا- كما أشرنا إليه- ففي كثير منها «قيمته» و هو يناسب كون مصبّ الثمرة نقل الولد. لكنها صحّحت ب «قيمتها» ليناسب كون المنقول هو الامّ، لا الولد.

(3) أي: لأنّ ثبوت قيمة أمّ الولد على المالك هو مقتضى الجمع بين جعل عقد الفضولي ماضيا و نافذا من حين وقوعه، و بين صحة نقل المالك الأصيل أمّ الولد الذي وقع قبل حكم الشارع بنفوذ بيع الفضولي، فإنّ مقتضى الجمع بين صحة عقد الفضولي و بين صحة النقل المزبور هو تسليم أمّ الولد إلى المشتري الثاني الذي

______________________________

[1] هذا التعليل يناسب كون المنقول هو الأمّ، فإنّ الولد و إن كان تابعا لأمّه في الملكية- لتبعية النماء للعين- إلّا أنّ الجمع بين مقتضى الكشف الحكمي و صحة النقل يقتضي كون موضوع البيع الفضولي و نقل المالك واحدا حتى يجمع بينهما، إذ لو كان المنقول هو الولد، و المجاز بيع امّه، لم يكن تناف بينهما، بل المتعين دفع قيمة الولد، لكون نقله إتلافا له على مالكه.

و كذا ما تقدم من قوله: «مع احتمال كون النقل بمنزلة الردّ» يلتئم أيضا مع كون المنقول هو الامّ، لما سيأتي بعد أسطر من أنّ التصرف المنافي للبيع الفضولي المفوّت لمحلّ الإجازة يكون ردّا فعليا للعقد، و من المعلوم أنّ مورد الإجازة و الرد هو بيع الأمة، فلو كان المنقول هو الولد لم يكن منافيا لبيع الامّ، و إنّما يجب عليه البدل، لكون هذا النقل إتلافا لنماء العين التي تترتب عليها أحكام الملك من زمان العقد. و لو كان المنقول هو الامّ كان ردّا لبيع الفضول.

و لعلّ الأكثر لأجل هاتين الجملتين التزموا بأنّ المنقول هو الأمّ.

إلّا أن الظاهر من التعليل الآتي في قوله: «و ضابط الكشف الحكمي ..» كون المنقول هو الولد لا الام. قال المحقق الأصفهاني قدّس سرّه: «و هذا- أي كون المنقول الولد- هو الأنسب بما صرّح به على الكشف الحكمي من أنّه لا موقع للإجازة و ترتيب الأثر مع تفويت محلّ

ص: 87

العقد ماضيا من حين وقوعه (1)، و بين مقتضى صحّة النقل الواقع قبل

______________________________

اشترى أمّ الولد من مالكها الأصيل، و إعطاء قيمتها إلى المشتري الذي اشتراها من البائع الفضولي.

و ما نحن فيه نظير بيع من عليه الخيار- كمن يشتري دكّانا مثلا بثمن معيّن- مع جعل الخيار للبائع في مدة معينة، ثم يبيع المشتري- الذي عليه الخيار المجعول للبائع- ذلك الدّكان في زمان الخيار بيعا لازما، فإنّ على المشتري الذي عليه الخيار أن يدفع قيمة الدكان الذي باعه، إلى من له الخيار، لأنّ بيع من عليه الخيار المتعلق الخيار إتلاف له على من له الخيار، فعليه دفع قيمته إلى ذي الخيار.

هذا وجه صحة كلّ من البيع الفضولي بالإجازة، و نقل المالك للأمّ إلى شخص آخر، و وجوب دفع قيمتها إلى الأوّل.

و إن كان المنقول هو الولد فوجوب دفع قيمته أوضح وجها، و قد تقدم بيانه (في ص 86) بقولنا: «و بناء على الكشف الحكمي يصح نقل الولد، لأنه نماء ملكه .. إلخ».

(1) لا يخفى اقتضاء جميع أقسام الكشف جعل العقد ماضيا من حين وقوعه، في

______________________________

الإجازة شرعا أو عقلا، فإنّ الجارية محلّ الإجازة و مورد العقد، فلا ملك للمجيز حال إجازته حتى يجيز، و يجب ترتيب آثار العقد الصحيح من الأوّل. بخلاف نقل الولد أو مطلق نمائه، فإنّه ليس مصبّا للعقد و موردا للإجازة، فتصحّ الإجازة، و يرجع بالإضافة إلى منافعه و نمائه إلى البدل. و من المعلوم أنّ مورد الكشف الحقيقي و الحكمي أمر واحد، و ليس هو إلّا الولد ..» «1».

و ما أفاده قدّس سرّه- من اقتضاء كلام المصنف في ضابط الكشف الحكمي كون المنقول هو الولد- متين جدّا و لا غبار عليه. إلّا أنّه لا يلتئم مع الجملتين المتقدمتين الظاهرتين في كون المنقول هو الأمّ. فالإنصاف عدم خلوّ العبارة في بيان هذه الثمرة- من تشويش، و هو أعلم بما أفاد.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 151

ص: 88

حكم الشارع (1) بهذا الجعل. كما في الفسخ بالخيار مع انتقال متعلّقه بنقل لازم (2) [1].

______________________________

قبال النقل. و لمّا كان المقصود ترتيب الثمرة على الكشف الحكمي، فلا بدّ من أن يراد من قوله: «جعل العقد ماضيا من حين وقوعه» الحكم بترتيب آثار الملكية من حين العقد، في قبال الكشف الحقيقي الموجب لاعتبار نفس الملكية من زمان العقد.

(1) إذ لو وقع النقل بعد حكم الشارع بنفوذ عقد الفضولي فلا إشكال في بطلانه، لوقوعه في ملك الغير، حيث إنّ الإجازة- سواء أ كانت كاشفة بأنحاء الكشف، أم ناقلة- أوجبت ملكية المبيع فضولا لمن اشتراه من البائع الفضولي، فالمالك الأصيل صار أجنبيا عن المبيع، بحيث لا سلطنة له على نقله إلى الغير.

(2) إذ لو كان بنقل جائز جاز لذي الخيار فسخه، لأنّ النقل الجائز لا يسقط الخيار.

______________________________

[1] الظاهر صحة النقل حتى على الكشف بجميع أنحائه، إلّا بناء على كفاية الرضا التقديري و كون الإجازة كاشفة عنه.

توضيحه: أنّه بناء على النقل وقع نقل المالك الأصيل في ملكه، فلا مانع من صحته، إذ بيع الفضولي لا يترتب عليه أثر قبل إجازة المالك، و المفروض عدم حصولها قبل النقل، فيصحّ نقل المالك، لوقوعه في ملكه، و يكون رافعا لموضوع الإجازة.

و بناء على الكشف بأقسامه- سوى كفاية الرضا التقديري- يصح أيضا نقل المالك، و ذلك لأنّ صحة عقد الفضولي منوطة بإجازة المالك المنوط نفوذها ببقاء مالكيته حين الإجازة. و حيث إنّ النقل لم يكن نفوذه مشروطا بشي ء، فحين وقوعه أثّر و خرج المبيع عن ملكه، و لا يبقى معه موضوع للإجازة.

و إن شئت فقل: إنّ نفوذ عقد الفضولي مشروط بالإجازة من مالك أمر هذا العقد، و نقل المالك الأصيل للمبيع فضولا إلى غير من اشتراه من البائع الفضولي أخرجه عن ملكه، و جعله أجنبيا عن المبيع، فلو أجاز بعد هذا النقل وقع هذه الإجازة في غير ملكه، فلا تنفذ، و تكون كالعدم.

و الحاصل: أنّ صحة عقد الفضولي معلّقة على تقدير، و نقل المالك يهدم ذلك

ص: 89

______________________________

التقدير، و هو إجازته حين كونه مالكا، فإنّ نقله- حيث إنّه مطلق غير معلّق على شي ء- أوجب خروج المبيع عن ملكه، و دخوله في ملك من اشتراه منه، و عدم صلاحيته لأن يصير ملكا لمن اشتراه من البائع الفضولي.

نعم بناء على كفاية الرضا التقديري- و جعل الإجازة طريقا محضا إلى ذلك الرضا- يشكل صحة نقل المالك الأصيل، إذ المفروض انتقال المبيع فضولا إلى من اشتراه من العاقد الفضولي، فيقع نقل المالك في غير محلّه، لوقوعه في غير ملكه.

لكن المبنى فاسد، لما مرّ سابقا، كفساد طريقية الإجازة و أماريتها على الرضا و طيب النفس من دون دخل لنفس الإجازة، إذ لازمه خروج صورة العلم برضا المالك عن عقد الفضولي، و هو خلاف مذهبهم من كونه من صغريات عقد الفضولي.

و قد ظهر ممّا ذكرنا- من رافعية نقل المالك الأصيل للمبيع فضولا لموضوع الإجازة- عدم اجتماع عقدين و تزاحمهما حتى نحتاج إلى الجمع بينهما بتسليم عين الأمة إلى من اشتراها من مالكها، و دفع قيمتها إلى من اشتراها من الفضولي.

و بالجملة: تصرف المالك الأصيل في ماله الذي بيع فضولا قبل إجازته رافع لموضوع الإجازة، حيث إنّ الإجازة منوطة بمالكية المجيز لأمر العقد ردّا و إجازة حين الإجازة، و تصرفه فيه قبل الإجازة رافع لموضوعها.

و قياس المقام بفسخ من له الخيار لمتعلّق العقد الخياري- بعد نقل من عليه الخيار- في غير محلّه، لأنّ لذي الخيار حقّا في متعلقة، فليس لمن عليه الخيار نقله، فإذا نقله فقد أتلف متعلق حق ذي الخيار، فيضمن بدله. و هذا بخلاف المقام، فإنّ المالك مسلّط على ماله، فتصرفه فيه نافذ بلا مانع.

هذا مضافا الى ما أفيد من «أن الفسخ متعلق بالعقد من حينه لا من حين العقد، و الإجازة متعلقة به من حينه على الكشف، لا من حينها» «1».

و حاصل الكلام: أنّ النقل إمّا يقع قبل الإجازة، و إمّا يقع بعدها. و على التقديرين إمّا تكون الإجازة كاشفة أو ناقلة.

______________________________

(1) نهج الفقاهة، ص 237.

ص: 90

و ضابط (1) الكشف الحكمي الحكم بعد الإجازة بترتّب آثار ملكية المشتري من حين العقد، فإن ترتّب شي ء من آثار ملكية المالك قبل إجازته-

______________________________

(1) الظاهر أنّه قدّس سرّه أراد من بيان هذا الضابط- مع عدم كونه من الثمرات المترتبة على الكشف و النقل- تعليل ما ذكره من الحكم بصحة البيع الفضولي و النقل بناء على الكشف الحكمي. و بيانه: أنّ تصرف المالك قبل الإجازة يكون على صورتين:

إحداهما: أن لا يكون التصرف منافيا لإجازة البيع الفضولي. و مثّل له بإتلاف نماء

______________________________

فإن وقع النقل بعد الإجازة، فلا أثر له أصلا، سواء أ كانت الإجازة كاشفة أم ناقلة كما هو واضح.

و إن وقع النقل قبل الإجازة، فإن قلنا بناقليتها فلا ينبغي الإشكال في جواز النقل تكليفا و وضعا، لوقوعه في ملكه.

و إن قلنا بكاشفيتها، فالمصنف قدّس سرّه ذهب إلى الجمع بين نقل المالك و بين مقتضى الإجازة بالرجوع إلى البدل، فإنّ صحة النقل و الإجازة تقتضي الرجوع إلى بدل الأمة لمن اشتراها من الفضولي، لأنّ مالكها الأصيل جعلها بسبب نقلها كالتالف، فيضمن المالك قيمتها له، و يدفع الأمة إلى المشتري الذي اشتراها من نفسه. نظير بيع من عليه الخيار للمبيع في زمن الخيار، في لزوم دفع قيمة المبيع إلى ذي الخيار.

لكن قد عرفت في صدر التعليقة صحة النقل الواقع قبل الإجازة مطلقا.

أمّا بناء على النقل فواضح، لوقوع النقل في ملك مالكه لأذى له سلطنة تامة على ماله.

و أمّا على الكشف بأقسامه سوى كفاية الرضا التقديري- فلتوقف تأثير الإجازة في العقد و تنفيذها له على اعتبارها المنوط بعدم تصرف المالك في المال الذي وقع عليه عقد الفضولي. و مع تصرّفه فيه لا يبقى موضوع للإجازة، سواء التفت المالك إلى عقد الفضولي أم لا. غاية الأمر أنّ تصرفه فيه مع الالتفات ردّ لعقد الفضولي، و بدون الالتفات مفوّت لموضوع الإجازة و رافع له.

نعم في صورة كفاية الرضا التقديري في الكشف لا يصحّ النقل، لوقوعه في ملك الغير، و هو من اشتراه من العاقد الفضولي.

ص: 91

كإتلاف (1) النماء و نقله و لم يناف الإجازة- جمع (2) بينه (3) و بين مقتضى الإجازة

______________________________

المبيع، و بنقله إلى الغير، ثم تنفيذ البيع الفضولي. و في هذه الصورة يجمع بين صحة البيع و التصرف في النماء، فتترتب بالإجازة آثار ملكية المشتري من الفضولي من حين شراء الأمة، و يحكم بتبعية النماء للعين، و بصحة نقل النماء أيضا، و يضمن قيمته للمشتري من الفضولي، لكون نقله بحكم الإتلاف.

و ثانيتهما: أن يكون تصرف المالك منافيا لإجازة البيع الفضولي، كما إذا تصرّف في نفس المبيع، بأن أعتق الأمة أو باعها من شخص آخر، فإنّ هذا النحو من التصرف مزيل لموضوع الإجازة و مفوّت لمحلّها، فيبطل البيع الفضولي، و يصح تصرف المالك بالنقل أو بالعتق.

و هذا التفصيل بين الصورتين قد أفاده في مباحث الرد كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى في (ص 446) و هو يناسب كون المنقول هو الولد لا الامّ.

و الوجه في كون هذا التفصيل أنسب بنسخة «و لو نقل المالك الولد» هو: أنّه بناء على الكشف الحكمي لا منافاة بين تصرف المالك في نماء المبيع فضولا و بين إجازة البيع، فيصحّ بيع الامّ، و يصح نقل الولد أيضا، لكنه يوجب الانتقال إلى البدل. بخلاف التصرف في نفس المبيع، فإنّه مفوّت لمحل الإجازة و مبطل للعقد الفضولي رأسا.

و بناء على الكشف الحقيقي لا يصح نقل الولد، لأنّ الإجازة اللّاحقة كشفت عن كونه ملكا للمشتري الأوّل تبعا للأمة، فنقله إلى الثاني تصرف في مال الأوّل، فإن أجاز صحّ، و إلّا وقع باطلا. هذا توضيح ما أفاده في ضابط الكشف الحكمي.

(1) يعني: أنّ إتلاف نماء الملك و نقل النماء إلى الغير يكون جائزا لكلّ مالك بمقتضى سلطنته على شؤون ماله، و هذا المقدار غير مناف لإجازة بيع العين فضولا و لا مفوّت لمحلّها.

(2) جواب الشرط في قوله: «فإن ترتّب شي ء». و وجه تعيّن الجمع بين صحّة بيع العين و جواز تصرف المالك في النّماء هو: إعمال كلّ من دليل نفوذ البيع الفضولي بالإجازة، و دليل سلطنة المالك، و قاعدة الضمان بالإتلاف و شبهه.

(3) أي: بين الشي ء الذي هو من آثار ملكية المالك الأصيل- كإتلاف النماء و نقله ببيع و صلح و نحوهما- و بين مقتضى الإجازة.

ص: 92

بالرجوع (1) إلى البدل. و إن (2) نافى الإجازة- كإتلاف العين عقلا أو شرعا كالعتق- فات (3) محلّها [1].

______________________________

(1) متعلق ب «جمع» يعني: أنّ الرجوع ببدل المنقول هو مقتضى الجمع بين صحة النقل و الإجازة.

(2) معطوف على «لم يناف» يعني: و إن ترتّب شي ء من آثار ملكية المالك و نافى ذلك الترتب إجازة المالك لبيع الفضولي، فقد فات محلّ الإجازة، و يبطل البيع.

و مثال التصرّف المفوّت لمحلّ الإجازة إتلاف العين المبيعة فضولا، إمّا إتلافا حقيقيا بإعدامها عن صفحة الوجود. و إمّا إتلافا شرعيا، و مثّل له المصنف هنا بعتق المملوك، لامتناع ردّه إلى الرقية بعد تحرّره. و لكن لا خصوصية في العتق، بل المراد من التصرف المفوّت لمحلّ الإجازة- كما صرّح به في مباحث الردّ- هو كلّ فعل مخرج عن ملكه كالبيع و الهبة.

و كذا الفعل المنافي لتأثير الإجازة في صحة العقد من حينه، كما إذا بيعت أمته فضولا، ثمّ زوّجها المالك، ثمّ أجاز ذلك البيع، فإنّ التزويج و إن لم يكن إخراجا عن الملك لكنه ينافي انتقال الأمة إلى المشتري من حين العقد.

و لا بدّ أن يكون مراده هنا من الإتلاف الشرعي ما يعمّ مثل البيع و الهبة، إذ الكلام في صحة نقل المالك، و منافاته للإجازة.

و قد تحصل ممّا أفاده بقوله: «و ضابط الكشف الحكمي» أنّ تصرف المالك إن كان في نماء المبيع فضولا، لم يكن منافيا لإجازة بيع العين ذات النماء. و إن كان في نفس العين المبيعة فضولا كان ردّا فعليا للبيع، و رافعا لموضوع الإجازة.

(3) جواب الجملة الشرطية، و هي «و إن نافى».

______________________________

[1] أورد غير واحد على جعل إتلاف العين عقلا أو شرعا منافيا للإجازة: بأنّه ما الفرق بين إتلافها كذلك، و بين نقل المالك العين عن ملكه قبل الإجازة، حيث حكم هناك بصحة الإجازة و استحقاق المشتري للبدل، و حكم هنا ببطلان الإجازة، و جعل استحقاق البدل احتمالا «1».

______________________________

(1) حاشية السيد الطباطبائي، ج 1، ص 154، حاشية المكاسب للمحقق الايرواني، ج 1، ص 129

ص: 93

مع احتمال (1) الرجوع إلى البدل،

______________________________

(1) يعني: كما تقدم من تعيّن الرجوع إلى بدل النماء، فكذلك يحتمل الرجوع إلى

______________________________

أقول: المناقشة بالتنافي بين كلامي المصنف قدّس سرّه قد أوردها الفقيه المامقاني قدّس سرّه على المتن أيضا، لكنه دفعها ببيان الفارق بين نقل الأمة إلى الغير و بين عتقها، بمنع كون البيع إتلافا شرعا، لإمكان إعادة المبيع إلى الملك بالفسخ و الإرث و النقل الجديد كالهبة و الشراء، و نحوها، فلا يكون نقلها إتلافا. بخلاف العتق، لعدم كونه مجرّد إخراج العين عن الملك حتى يتحد حكمه مع البيع، بل فيه زيادة عليه، و هي امتناع إعادة المعتق إلى الرّقيّة شرعا، فلذا يكون عتق الأمة إتلافا مفوّتا لمحلّ الإجازة. بخلاف نقلها، لإمكان الجمع بين تنفيذ البيع الفضولي و نقلها إلى الآخر بتسليم العين إلى المشتري من المالك، و تسليم البدل إلى المشتري من الفضولي، هذا «1».

لكن الظاهر عدم اندفاع التهافت بين كلامي المصنف بهذا البيان، و ذلك لأنّه- مضافا إلى تصريح المصنف قدّس سرّه في أحكام الردّ بأنّ وزان البيع و الهبة وزان العتق في تفويت محلّ الإجازة، و منافاة كل منها لصحة البيع الفضولي- ينافي تنظيره وجوب دفع القيمة بناء على الكشف الحكمي بالفسخ بالخيار مع انتقال متعلقة بعقد لازم، فإنّ هذا التنظير قرينة على أنّ مراده بالإتلاف الشرعي ليس خصوص العتق، بل كل ما يخرج المبيع فضولا عن الملك، و إلّا لم يكن وجه للانتقال إلى البدل، إذ لو أجاز المالك بيع أمته فضولا لم تصل النوبة إلى دفع بدلها إلى المشتري، بل أمكن تكليف المالك بفسخ النقل الثاني، بالإقالة أو الاتّهاب، أو شرائها منه ليسلّمها إلى المشتري من الفضولي.

فحكمه قدّس سرّه بصحّة النقل، و الانتقال إلى البدل، و عدم إلزامه بإعادتها في ملكه لا يتمشّى إلا بجعل الإتلاف أعمّ من العتق و من النقل اللازم.

و عليه فالظاهر عدم خلوّ كلمات المصنف قدّس سرّه من التهافت، و لذلك قلنا إنّ ما أفاده في دفع القيمة يناسب كون النسخة «نقل الامّ» و ما أفاده بقوله: «و ضابط الكشف الحكمي ..»

يناسب نقل الولد. و هو أعلم بما قال.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 380

ص: 94

و سيجي ء (1).

[ثمرات الكشف و النقل]
اشارة

ثم إنّهم ذكروا للثمرة بين الكشف و النقل مواضع (2):

______________________________

البدل في التصرف المنافي للإجازة. و عليه فيصح نقل المالك في كلتا الصورتين، و هما التصرف في العين و النماء، و لا يفوت محلّ الإجازة لو تصرف في العين، بل يرجع إلى البدل.

و لا يخفى أنّ هذا الاحتمال غير معتنى به، و لذا لم يذكره في مباحث الرد، و جزم هناك بانّ التصرف في العين ردّ فعليّ للبيع الفضولي.

(1) يعني: و سيجي ء في أحكام الرد تفصيل الكلام في التصرف المنافي المفوّت لمحلّ الإجازة، حيث قال: «و كذا يحصل- يعني الردّ- بكلّ فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف و شبههما كالعتق و البيع و الهبة و التزويج و نحو ذلك .. و أمّا التصرف غير المخرج عن الملك كاستيلاد الجارية و إجارة الدار و تزويج الأمة فهو و إن لم يخرج الملك عن قابلية وقوع الإجازة عليه، إلّا أنه مخرج له عن قابلية وقوع الإجازة من زمان العقد .. إلخ» فراجع (ص 446 و 447).

و كيف كان فلم يتعرّض المصنف هناك لاحتمال الرجوع إلى البدل، بل جزم بكون التصرف المنافي ردّا فعليا لعقد الفضولي.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية المتكفلة للثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي. و سيأتي الكلام في الثمرة بين الكشف و النقل.

ثمرات الكشف و النقل

(2) ذكرنا في (ص 75) أنّ المقام الثاني من مباحث الإجازة- يتكفل بيان ثمرات الكشف و النقل، و تقدم الكلام في جهتين، و هما ثمرة قسمي الكشف الحقيقي، و ثمرة الكشف الحقيقي و الحكمي. و يقع الكلام في الجهة الثالثة، و هي ثمرات الكشف- مطلقا- و النقل، و جملتها مذكورة في الجواهر و في شرح القواعد أيضا. و قدّم المصنف قدّس سرّه ثمرات ثلاث معروفة، ثم تعرض لثمرات اخرى ذكرها كاشف الغطاء قدّس سرّه و تبعه في أنوار الفقاهة و كشف الظلام.

ص: 95

[الاولى: النماء]

منها (1): النماء، فإنّه على الكشف بقول مطلق (2) لمن انتقل إليه العين، و على النقل لمن انتقلت عنه (3).

و للشهيد الثاني في الروضة عبارة (4)،

______________________________

الاولى: النماء

(1) أي: من تلك المواضع التي ذكروها للثمرة بين الكشف و النقل.

(2) أي: بأقسامه الثلاثة المذكورة سابقا في كلام المصنف قدّس سرّه من الكشف الحقيقي، مع كون الشرط فيه نفس الإجازة بناء على إمكان الشرط المتأخر. و من الكشف الحقيقي مع كون الشرط فيه الوصف المنتزع و هو التعقب. و من الكشف الحكمي الذي هو نقل حقيقي و كشف حكمي، أعني به القول بانتقال النماء إلى المشتري، مع القول ببقاء الملك على ملك مالكه إلى زمان الإجازة.

و محصل هذه الثمرة هو: أنّ النماء على القول بالكشف- مطلقا- يكون لمن انتقل إليه العين بالعقد الفضولي.

و على القول بالنقل يكون لمن انتقل عنه و هو المالك الأصلي، إذ لم يترتب أثر على العقد الفضولي حتى يكون النماء لمن انتقل إليه.

(3) لأنّه نماء ملكه.

(4) مبتدء مؤخر، و خبره «و للشهيد الثاني» و عبارة الرّوضة هي «و تظهر الفائدة في النماء. فإن جعلناها كاشفة فالنماء المنفصل المتخلل بين العقد و الإجازة الحاصل من المبيع للمشتري، و نماء الثمن المعين للبائع. و لو جعلناها ناقلة فهما للمالك المجيز» «1».

و لمّا كان قوله: «فهما للمالك المجيز» مخالفا لما تسالموا عليه- من أنّ نماء كل واحد من العوضين تابع لأصله، و هو لمالكه- فلذا أشار إليه المصنف قدّس سرّه، و أنّه لا بدّ من توجيهه بما يطابق القاعدة. و قد وجّهه المحقق الخوانساري قدّس سرّه بوجوه ثلاثة، حكم على الأوّل منها بالتكلف، على الثاني بالبعد، و على الثالث بالإشكال. و وجّهه السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه بوجه آخر.

______________________________

(1) الروضة البهية، ج 3، ص 229- 230

ص: 96

..........

______________________________

و ينبغي نقل كلام الفقيهين، ثم النظر في أولوية أحدهما من الآخر، فنقول: قال المحقق الخوانساري- بعد شرح عبارة الروضة- ما لفظه: «فقوله:- فهما للمالك المجيز- كما ترى، إلّا أن يفرض كون العقد فضوليا من الطرفين، و يكون المراد بكونهما للمالك المجيز كون كل منهما لمالك أصله المجيز. و فيه تكلف.

أو يقال: إنّ المراد أن كلّا منهما للمالك المجيز و لو في صورتين. فنماء المبيع للبائع عند كونه فضوليا من قبله، و نماء الثمن للمشتري إذا كان فضوليا من قبله. و لم يتعرّض لنماء الطرف الآخر، لظهوره بالمقايسة. و لا يخفى بعده.

و يمكن أن يقال في صورة كون أحد الطرفين فضوليا: إنّ الطرف الآخر قد رضي و أجاز من حين العقد، فوقع الانتقال من طرفه، و إنّما يبقى التزلزل من الطرف الآخر، فلا ينتقل منه إلّا بعد الإجازة، و حينئذ فيكون نماء كل منهما قبل الإجازة للمالك المجيز. و فيه إشكال .. إلخ» «1».

و قال السيد العاملي بعد نقل عبارة الروضة: «و فيه خفاء. أمّا نماء المبيع فظاهر. و أمّا الثمن فلأنّه انتقل عن المشتري من حين العقد بقبوله. و تصرف المشتري في ملكه لا يتوقف على إجازة غيره» «2».

و هذا البيان قريب من الوجه الثالث المتقدم في عبارة المحقق الخوانساري.

و كيف كان فغرض المصنف قدّس سرّه ترجيح أوّل الوجوه الثلاثة التي أفادها المحقق الخوانساري، و هو: أنّ المراد بالمالك كلّي المجيز الذي له فردان، مع فرض الكلام في كون كلا الطرفين فضوليا. فالنتيجة حينئذ: أنّ نماء المبيع لمالكه الذي من شأنه الإجازة إذا كان الفضولي من طرفه، و نماء الثمن للمالك الذي من شأنه الإجازة إذا كان الفضولي من طرفه.

و الحاصل: أنّ نماء المبيع المتكوّن بين زمان العقد و الإجازة- بناء على ناقلية الإجازة- يكون للبائع الذي هو المالك المجيز إذا كان الفضولي من طرفه. و نماء الثمن

______________________________

(1) حاشية الفقيه المحقق جمال الدين على الروضة، ص 358، و تجدها أيضا في هامش شرح اللمعة، طبعة عبد الرحيم 1309، ج 1، ص 312

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 190

ص: 97

توجيه (1) المراد منها- كما فعله بعض- أولى من توجيه حكم ظاهرها، كما تكلّفه (2) آخر (3) [1].

______________________________

كذلك يكون للمشتري الذي هو المالك المجيز إذا كان الفضولي من طرفه، و هذا التوجيه على طبق القاعدة، إذ بناء على ناقلية الإجازة يكون كل من العوضين مع نمائهما باقيا على ملك مالكه إلى زمان صدور الإجازة.

و أمّا كون هذا التوجيه خلاف ظاهر عبارة الروضة، فلأنّ ظاهرها كون النماءين كليهما- بناء على النقل- للمالك المجيز. و هذا الظاهر خلاف القاعدة المقتضية لبقاء كلّ من النماءين- تبعا لنفس العوضين- على ملك مالكه إلى صدور الإجازة.

(1) مبتدء و خبره «أولى» و الجملة صفة للعبارة.

(2) أي: تكلّف التوجيه بعض آخر و ضميرا «منها ظاهرها» راجعان إلى العبارة.

(3) و هو صاحب مفتاح الكرامة و من تبعه، و محصل ما أفاده في ذلك: أنّه فسّر المالك المجيز بالبائع، و قال في وجه كون نماء المبيع له «انّه ظاهر» حيث إنّه لم ينقل البائع قبل الإجازة المبيع إلى غيره، فهو و ما يتبعه من النماء باق على ملكه إلى أن يجيز. و أمّا وجه كون نماء الثمن له، فلأنّ المشتري الذي هو مالك الثمن قد سلّط البائع عليه و على ما يتبعه من النماء، كتسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن مع علم المشتري بغاصبية البائع، في أنّه هو المسلّط للغاصب على إتلاف الثمن بدون الضمان.

و هذا التوجيه و إن كان إبقاء لظاهر عبارة الشهيد «فهما للمالك المجيز» على حالها، لكن إرادة رضى المشتري بتصرف البائع في الثمن و نمائه مشكلة، فإنّ السبب الناقل لم يتم بعد بالنسبة إلى الثمن، فكيف بنمائه؟ لأنّ قبول المشتري لا يترتب عليه أثر ما لم تتحقق

______________________________

[1] و من الثمرات التي لم يتعرّض لها المصنف ما أفاده الفاضل المامقاني قدّس سرّه من:

لزوم المعاطاة، و لغوية رجوع أحد المتعاطيين فيها بناء على كاشفية الإجازة، و صحة رجوعه و عدم لغويته بناء على ناقليتها «1».

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 389

ص: 98

..........

______________________________

الإجازة المتأخرة، و المفروض أنّ الرضا الموجود حين العقد هو الرضا المعاملي، لا مطلق الرضا بالتصرف، فتسليم الثمن إلى البائع الفضولي يكون بعنوان الوفاء بالمعاملة.

مضافا إلى: ما أورده المحقق القمي قدّس سرّه «1» عليه بأنّه أخصّ من المدّعى من جهتين:

إحداهما: عدم جريانه فيما كان المشتري فضوليا أيضا، إذ لا أثر لرضاه بالتصرّف في الثمن و نمائه، ثم أجاز المالكان.

و ثانيتهما: اختصاص فرض رضا المشتري بعلمه بكون البائع فضوليا، إذ يقال بأنّه نقل الثمن إليه مجّانا. و لا يتم في المشتري الجاهل بفضولية البائع، فإنّه لا ينقل المال إليه إلّا

______________________________

توضيح ذلك: أنّه لو اشترى زيد في الساعة الاولى من عمرو بالبيع المعاطاتي، ثم باع بكر فضولا في الساعة الثانية ذلك الكتاب من بشر، ثم رجع عمرو في الساعة الثالثة إلى المبيع، و هو ذلك الكتاب، ثم أجاز زيد المشتري هذا البيع الفضولي في الساعة الرابعة.

فعلى القول بالكشف صار الكتاب ملكا لبشر في الساعة الثانية قبل رجوع عمرو، فيلغو رجوعه، لوقوعه بعد التصرف الملزم للمعاطاة، و هو بيع بكر فضولا في الساعة الثانية الذي أجازه زيد.

و على القول بالنقل يصح رجوع عمرو إلى المبيع، لوقوع رجوعه قبل التصرّف الملزم للمعاطاة، لوقوع الإجازة الناقلة للعين بعد رجوع عمرو، فينحل به البيع المعاطاتي، و لا أثر للإجازة.

و الحاصل: أنّ البيع المعاطاتي يلزم بناء على كاشفية الإجازة، لصيرورة بيع الفضولي- بسبب إجازة زيد المشتري للكتاب بالمعطاة له- بيعا لازما، و تصرفا ملزما موجبا للزوم المعاطاة، و لغوية رجوع عمرو، لوقوعه بعد التصرف الناقل الذي هو أحد ملزمات المعاطاة.

و بناء على ناقلية الإجازة يصح الرجوع، و تنحلّ به المعطاة، لوقوع إجازة عقد الفضولي بعد بطلان المعاطاة، و انفساخها برجوع عمرو الذي هو أحد المتعاطيين أي بائع الكتاب.

______________________________

(1) جامع الشتات، ج 1، ص 156 (الطبعة الحجرية) و ج 2، ص 281 الطبعة الحجرية.

ص: 99

[الثانية: جواز فسخ الأصيل، بناء على النقل]

و منها (1): أنّ فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل له (2) على القول بالنقل دون الكشف [1] بمعنى: أنّه (3) لو جعلناها ناقلة كان فسخ

______________________________

على وجه المعاوضة التي لم تتحقق بعد، فالثمن و نماؤه باقيان على ملك المشتري واقعا، و لا رضا إلّا بالمعاوضة المنتفية حسب الفرض.

فتحصّل مما ذكرناه: أنّه لا بدّ من التصرّف في كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه ليخرج عن مخالفة المتسالم عليه بينهم من «أنّ نماء المبيع للبائع، و نماء الثمن للمشتري بناء على كون الإجازة ناقلة».

و الأولى حمل العبارة على خلاف ظاهرها بدعوى: أنّ المراد الجدّي هو كون كلا المتعاملين فضوليا. و لولاه يلزم التكلف في إبقاء العبارة على ظاهرها، مع عدم تمامية توجيه هذا الظاهر في نفسه. هذا تمام الكلام في الثمرة الاولى من ثمرات الكشف و النقل.

الثانية: جواز فسخ الأصيل، بناء على النقل

(1) أي: و من المواضع التي ذكروها للثمرة بين الكشف و النقل: أنّ فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر- فيما إذا كان أحد المتعاقدين فضوليّا- يوجب بطلان العقد بناء على النقل، دون الكشف، لأنّه بناء على النقل يكون فسخه مبطلا للعقد، لما حكي من الإجماع على جواز إبطال أحد المتعاقدين لإنشائه قبل إنشاء الآخر، بل قبل تمامية شرائط صحة العقد كالقبض في المجلس فيما يعتبر فيه القبض.

و بناء على الكشف لا يكون فسخه مبطلا للعقد، لكون العقد تامّا من طرف الأصيل و إن كان الآخر مسلّطا على فسخه.

(2) أي: للعقد، و ضمير «جعلناها» راجع إلى الإجازة.

(3) الضمير للشأن، و غرضه من قوله: «بمعنى» تفسير النقل.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ المسلّم من جواز الإبطال قبل إنشاء الآخر إنّما يكون في مورد عدم صدق العقد عليه، كإبطال الإيجاب قبل تحقق القبول. و أمّا مع صدق العقد فجواز إبطال إنشائه لفقدان شرط من شرائط الصحة غير معلوم، لأنّه خلاف إطلاق أدلة الصحة و اللزوم، حيث إنّ إطلاقها الأحوالي يقتضي عدم بطلان إنشاء الأصيل بفسخه قبل إجازة الآخر.

ص: 100

______________________________

إلّا أنّه قيل بأن الإجماع المنعقد على شرطية عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب اقتضى جواز إبطال أحد المتعاقدين إنشاءه قبل إنشاء الآخر، بل و بعده قبل وجود شرط الصحة، كالقبض في الهبة و الوقف و الصدقة و بيع الصرف و السلم. فلو بني على جواز إبطال الإنشاء قبل حصول شرط الصحة جاز للأصيل إبطال إنشائه قبل الإجازة، حيث إنّها شرط صحة العقد بناء على النقل، لاقتضاء الإجماع المزبور ذلك. بخلاف الكشف الحقيقي، حيث إنّ الإجازة بناء عليه ليست شرطا لصحة العقد، فلا يشمله الإجماع، بل يرجع فيه إلى الإطلاقات المقتضية لعدم البطلان.

فالنتيجة: أنّ مقتضى الإجماع جواز إبطال الأصيل إنشاءه قبل الإجازة بناء على النقل دون الكشف.

أقول: لا يخفى عدم تمامية هذه الثمرة في الكشف الانقلابي و الحكمي، و الكشف على نحو الشرط المتأخر، لكون الإجازة في هذه الأقسام من شرائط صحة العقد، فلو أبطل الأصيل إنشاءه قبل الإجازة جاز ذلك، للإجماع المتقدم.

و عليه فلا يختصّ جواز إبطال الأصيل إنشاءه بالنقل، بل يجوز إبطاله أيضا بناء على الكشف، فهذه الثمرة ساقطة، هذا.

ثم إنّ الفقيه المامقاني قدّس سرّه نقل عن بعض الأفاضل «أنّ المصنف قدّس سرّه كان يعلّل جواز إبطال الإنشاء في مجلس البحث بأنّ العقد عبارة عن المعاهدة المعبّر عنها بالفارسية بقولهم:

پيمان، و من المعلوم أنّ الموجب إذا رجع عن مضمون الإيجاب قبل القبول أو قبل وجود ما هو من شرائط صحة العقد كالقبض و نحوه انتفى معنى المعاهدة التي ليس قوام العقد إلّا بها، فينتفي العقد، و هو معنى بطلانه» «1».

قلت: ما حكي عن المصنف متين جدّا بالنسبة إلى رجوع الموجب عن مضمون الإيجاب قبل القبول، لعدم صدق العقد عرفا عليه حتى تشمله أدلة الصحة و اللزوم، و يحكم بعدم جواز رجوع الموجب عن إنشائه قبل القبول. فخروج هذا عن أدلة الصحة و اللزوم موضوعيّ لا حكمي تخصيصي، إذ لا ينبغي الإشكال في عدم صدق العقد العرفي عليه.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 380

ص: 101

______________________________

فالفرق بين الإجماع و هذا الوجه: أنّ الإجماع إخراج حكميّ، و هذا الوجه إخراج موضوعيّ.

و أمّا بالنسبة إلى فقدان شرط الصحة، فجواز إبطال الإنشاء غير ظاهر بعد صدق العقد عرفا، لشمول أدلة الصحة له. و خروجه عن تلك الأدلة بالإجماع المذكور غير ثابت، إذ المتيقن من معقده هو صورة عدم صدق العقد عرفا.

إلّا أن يدّعى عدم صدقة أيضا مع فقدان شرط الصحة، أو الشك في صدق العقد الموجب للشك في اندراجه في تلك الأدلة.

لكن الظاهر صدق العقد عرفا على فاقد شرط الصحة كالقبض في بيع الصرف و السلم و غيرهما ممّا يعتبر القبض في صحته، إذ لا ينبغي الارتياب في صدق العقد عرفا عليها مع فقد شرط الصحة كالقبض فيها، حيث إنّ أسامي المعاملات موضوعة للأعمّ من الصحيحة.

نعم لا إشكال في عدم صدق العقد عرفا مع فسخ الموجب إنشاءه قبل إنشاء القبول، لكون إنشائه أحد ركني العقد عرفا.

و لا يخفى أنّ الفقيه المامقاني قدّس سرّه بعد نقل العبارة المتقدّمة عن الشيخ قدّس سرّه قال: «و لا يخفى عليك أنّ هذا وجه اعتباري غير مستلزم للمدّعى، إذ لا مانع من تجويز الشارع تعقيب الإيجاب المعدول عنه بالقبول، و جعله مثل ذلك الإيجاب و القبول من قبيل الأسباب الشرعية. فالعمدة هو الوجه الأوّل، و هو تسالمهم على ذلك» «1».

و فيه: أنّ مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ خطاب لأهل العرف، و موضوع حكمه العقد العرفي، و من المعلوم عدم صدقه عرفا على الإيجاب المعدول عنه المتعقب بالقبول.

و احتمال جعله من الأسباب التعبدية متوقف على العدول عن العقد العرفي. و لو بني على الاعتداد بهذا الاحتمال لانسدّ باب التمسك بتلك الإطلاقات، لعدم إحراز موضوعها مع هذا الاحتمال، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة. و من المعلوم تمسك الأصحاب قديما و حديثا بمثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ في موارد الشك في دخل شي ء في صحة العقد العرفي، و هذا التمسّك مبني على إرادة العقد العرفي من الأدلة.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 380

ص: 102

الأصيل كفسخ (1) الموجب قبل قبول القابل في كونه ملغيا لإنشائه السابق. بخلاف ما لو جعلت (2) كاشفة [1]، فإنّ العقد تامّ من طرف الأصيل، غاية الأمر تسلّط الآخر على فسخه. و هذا (3) مبنيّ على ما تسالموا عليه من جواز إبطال

______________________________

(1) خبر قوله: «كان». و قوله: «في كونه ملغيا» متعلق ب «فسخ الموجب».

(2) أي: جعلت الإجازة كاشفة.

(3) أي: و كون فسخ الأصيل لإنشائه مبطلا للعقد مبنيّ على ما تسالموا عليه من جواز إبطال أحد المتعاقدين إنشاءه قبل إنشاء الآخر، بل فوق ذلك، و هو قبل تحقق شرط من شروط صحة العقد كالقبض في الهبة و الوقف و الصدقة و غيرها.

قال الشهيد الثاني قدّس سرّه في شرح قول المحقق في عقد النكاح: «إذا أوجب الولي ثمّ جنّ أو أغمي عليه، بطل حكم الإيجاب .. و كذا في البيع»- ما لفظه: «وجهه: أنّ العقد اللازم قبل تمامه يكون بمنزلة الجائز، يجوز لكلّ منهما فسخه، و يبطل بما يبطل به الجائز ..

و لا فرق بين النكاح و البيع و غيرهما من العقود اللازمة في ذلك» «1».

و قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به بعضهم» «2».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ العقد على الكشف لو كان تامّا نافذا من طرف الأصيل كان كذلك على النقل أيضا، إذ التفاوت بين الكشف و النقل- في دخل الرضا في التأثير بنحو الشرط المتقدّم على النقل، و الشرط المتأخر على الكشف- لا يوجب تفاوتهما في تمامية العقد من ناحية الأصيل، و عدم تماميته.

________________________________________

بل لو قلنا بكون الإجازة أمارة محضة على تمامية العقد من دون أن تكون مؤثرة في صحته، كانت تمامية العقد بالنسبة إلى الأصيل و الفضولي أيضا، لاستواء نسبة العقد إليهما.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 274، مسالك الافهام، ج 7، ص 100

(2) جواهر الكلام، ج 29، ص 47 و لاحظ كلامه أيضا في جواز رجوع الموصى عن الوصيّة في ج 28، ص 265

ص: 103

أحد المتعاقدين لإنشائه قبل إنشاء صاحبه (1)، بل (2) قبل تحقّق شرط صحّة العقد كالقبض في الهبة (3) و الوقف و الصدقة.

فلا (4) يرد ما اعترضه

______________________________

(1) هذا من موارد عدم صدق العقد عرفا.

(2) معطوف على «قبل إنشاء» يعني: تسالموا على جواز إبطال أحد المتعاقدين إنشاءه قبل تحقق شرط صحة العقد.

و الوجه في الإتيان بكلمة «بل» هو الترقي من جواز الإبطال في أحد الفردين- ممّا يكون حكمه واضحا- إلى جوازه في الفرد الآخر الذي لا يكون الحكم فيه بتلك المثابة من الوضوح. و بيانه: أنّ المقتضي للملكية هو العقد المؤلّف من الإيجاب و القبول.

فتسالمهم على جواز إبطال الإيجاب قبل انضمام القبول معناه المنع عن وجود المقتضي للملكية، و لا محذور فيه.

و أمّا جواز إبطال العقد قبل انضمام الشرط إليه، فمعناه إبطال ذلك المقتضي للتأثير، و من المعلوم توقف إلغاء هذا المقتضي على دليل، و هو التسالم الذي أشار إليه بقوله:

«بل».

(3) بناء على كون القبض شرطا لصحتها كما هو المعروف من مذهب الأصحاب- كما في جامع المقاصد «1»- لا شرطا للزومها، كما حكي عن جماعة «2».

(4) هذا متفرع على ما أفاده من جواز إبطال الإنشاء بناء على النقل، للإجماع على جواز إبطاله مع فقد بعض شرائط صحة العقد، و رد على الاعتراض «بأنّ منع جواز إبطال الإنشاء لا يختص بالكشف، بل يطّرد في النقل أيضا، و يقال بعدم جواز إبطاله بناء عليه».

أمّا تقريب الاعتراض، فهو: أنّ ترتب الأثر على جزء السبب- و هو العقد، أو إنشاء الأصيل بعد انضمام الجزء الآخر و هو الإجازة- من الأحكام الوضعية،

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 9، ص 148

(2) لاحظ جواهر الكلام، ج 28، ص 164

ص: 104

بعض (1) من منع جواز الإبطال على القول بالنقل، معلّلا بأنّ ترتّب الأثر على

______________________________

و لا يعتبر فيه اختيار الأصيل لترتّبه و إرادته له و عدم رجوعه عن إنشائه.

و بعبارة اخرى: أنّ تأثير العقد في النقل و الانتقال يكون نظير تأثير العلة التكوينية في معلولها في عدم دخل الإرادة و الاختيار في وجود المعلول، و امتناع تخلفه عنه بمجرد اجتماع أجزاء العلّة من المقتضي و الشرط و عدم المانع، كاحتراق الثوب بالنار عند المماسة و فقد الرطوبة.

و كذا الحال في العقد و الإجازة، فالإيجاب و القبول جزء السبب المؤثر في باب الفضولي، و المفروض تحققه، فإذا انضمّ رضا المالك المجيز إلى العقد ترتّب عليه النقل قهرا، سواء رجع الأصيل عن إنشائه قبل إجازة المجيز أم لم يرجع، فإنّ اتصاف الإيجاب و القبول بعنوان «جزء السبب» قهري، كاتصاف النار بكونها مقتضية للإحراق.

و عليه فلمّا كان العقد بناء على النقل جزء المؤثّر لم ينفكّ عنه هذا الاقتضاء. فلا فرق في عدم تأثير فسخ الأصيل بين الكشف و النقل، هذا توضيح نظر المحقق القمي قدّس سرّه.

و أما تقريب ردّه، فهو ما أفاده المصنف قدّس سرّه من مخالفة هذا الكلام لما تسالموا عليه من اعتبار عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب، فانضمام الجزء الآخر- من دون تحقق هذا الشرط- لا يجدي في وجود المسبب، و هو النقل و الانتقال.

و ببيان آخر: أنّ تأثير العقد في حصول الملكية و إن كان حكما وضعيا كما أفاده المحقق القمي، إلّا أنّه لمّا لم يكن إهمال في التأثير دار أمر هذا الاقتضاء الناقص بين كونه مطلقا، أي سواء تحقق شرط التأثير أم لم يتحقق، و يتجه كلام الميرزا القمي قدّس سرّه حينئذ. و بين كونه مقيّدا بوجود الشرط المتسالم عليه، أعني به عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب.

و هذا هو المتعيّن.

و عليه فلو فسخ الأصيل لم يترتب أثر على انضمام إجازة المالك إلى العقد.

(1) و هو المحقق القمي قدّس سرّه «1».

و تلخّص ممّا تقدم أمور:

______________________________

(1) راجع جامع الشتات، ج 2، ص 281، الطبعة الحديثة، و ج 1، ص 156، السطر 20، الطبعة الحجرية، و غنائم الأيام، ص 543

ص: 105

جزء السبب بعد انضمام الجزء الآخر (1) من (2) أحكام الوضع، لا مدخل لاختيار المشتري فيه.

و فيه (3): أنّ الكلام في أنّ عدم تخلّل الفسخ بين جزئي السبب شرط (4)، فانضمام الجزء الآخر من دون تحقّق الشرط غير مجد في وجود المسبّب.

فالأولى (5) في سند المنع دفع احتمال اشتراط عدم تخلّل الفسخ

______________________________

الأوّل: جواز إبطال الأصيل إنشاءه قبل الإجازة على النقل دون الكشف.

الثاني: أنّ دليل جواز الإبطال هو الإجماع على اعتبار عدم تخلل فسخ أحد المتعاقدين إنشاءه قبل إنشاء صاحبه.

الثالث: اعتراض المحقق القمي قدّس سرّه بعدم اختصاص حرمة إبطال الإنشاء بالقول بالكشف، بل هو ثابت على القول بالنقل أيضا.

الرابع: ردّ هذا الاعتراض بالإجماع على شرطية عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب.

الخامس: بطلان هذه الثمرة كما ذكر في التعليقة.

(1) و هو الإجازة المنضمة إلى جزء السبب و هو العقد.

(2) خبر قوله: «بأنّ» يعني: أنّ ترتب الأثر على جزئي المؤثر يكون من الأحكام الوضعية التي لا مدخل لاختيار المشتري فيها.

(3) هذا ردّ الاعتراض المذكور، و الأنسب بملاحظة قوله: «فلا يرد ما اعترضه بعض .. إلخ» أبدال «و فيه» ب «إذ فيه» أو «و ذلك» أو «لأن الكلام» فإنّ هذا ما يقتضيه سوق البيان.

و محصل الرد هو: أنّ مقتضى أدلة الصحة و اللزوم و إن كان هو عدم بطلان إنشاء الأصيل بفسخه قبل الإجازة، لكن الإجماع قام على أنّ فسخ الأصيل إنشاءه قبل إجازة الآخر مبطل للعقد و مقيّد لإطلاقات الصحة و اللزوم، و عليه فانضمام الجزء الآخر- و هو الإجازة- لا يجدي في ترتب المسبّب و هو الأثر المقصود من العقد.

(4) خبر قوله: «أن عدم» و وجه شرطيته كونه متسالما عليه.

(5) بعد أن ردّ المصنف قدّس سرّه استدلال المحقق القمي على عدم جواز إبطال الأصيل

ص: 106

بإطلاقات (1) صحّة العقود و لزومها.

و لا يخلو (2) من إشكال (3).

[الثالثة: تصرف الأصيل فيما انتقل عنه]

و منها (4): جواز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه (5) بناء على النقل، و إن (6) قلنا

______________________________

إنشاءه قبل إجازة الآخر، أراد أن يستدلّ على ذلك بوجه، يكون أولى من وجه استدلّ به المحقق المتقدم.

و محصل هذا الوجه هو الاستدلال بالإطلاقات الدالة على صحّة العقود و لزومها، بتقريب: دفع احتمال اعتبار عدم تخلّل الفسخ بين جزئي السبب- و هما إنشاء الأصيل و إجازة الآخر- بإطلاقات صحة العقود و لزومها، فيثبت بتلك الإطلاقات أنّ فسخ الأصيل لإنشائه لا يبطل العقد بناء على النقل، فلا فرق حينئذ في عدم بطلان العقد بفسخ الأصيل لإنشائه بين الكشف و النقل.

(1) متعلق ب «دفع» يعني: أنّ الإطلاقات دافعة للاحتمال المزبور.

(2) أي: و لا يخلو دفع احتمال شرطية عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب بإطلاقات الصحة عن إشكال.

(3) كما سيأتي التصريح به في الثمرة الثالثة في (ص 109). وجه الاشكال هو المنع عن صدق العقد العرفي مع رجوع الأصيل عن إنشائه و فسخه له قبل الإجازة، و معه لا يمكن التمسك بالإطلاقات، لعدم كون هذا الإيجاب و القبول موضوعا لها.

الثالثة: تصرف الأصيل فيما انتقل عنه

(4) أي: و من تلك الثمرات المترتبة على القول بالكشف و النقل جواز تصرف العاقد الأصيل في ماله الذي انتقل عنه بناء على القول بالنقل، إذ لا ينتقل المال عنه إلّا في زمان صدور الإجازة، فتصرفه فيه تصرف في ملكه، و لا يخرج عن ملكه إلّا بالإجازة.

بخلاف القول بالكشف، فإنّ تصرفه باطل لو أجاز المالك، لكونه تصرفا في ملك غيره.

(5) المراد ب «ما انتقل عنه» هنا ليس خصوص المبيع أو الثمن، بل كل ما تعلّق به العقد، و ذلك بقرينة التنظير له بالنكاح الفضولي.

(6) وصلية، يعني: لا فرق في جواز تصرف الأصيل- بناء على النقل- بين القول بأنّ فسخ الأصيل مبطل لإنشائه، فلا يبقى موضوع للإجازة، و بين قول المحقق القمي قدّس سرّه

ص: 107

بأنّ فسخه (1) غير مبطل لإنشائه.

فلو (2) باع جارية من فضوليّ جاز له وطؤها، و إن استولدها صارت أمّ ولد، لأنّها ملكه. و كذا لو زوّجت نفسها من فضوليّ جاز لها التزويج من الغير.

فلو حصلت الإجازة في المثالين (3) لغت، لعدم بقاء المحلّ (4) قابلا.

و الحاصل (5): أنّ الفسخ القوليّ و إن قلنا إنّه غير مبطل لإنشاء

______________________________

من عدم بطلان إنشاء الأصيل بفسخه.

و عليه فجواز تصرف الأصيل- بناء على النقل- غير متفرع على ما تقدم في الثمرة الثانية، و ذلك لأنّه بناء على كون فسخه مبطلا لإنشائه- كما هو رأي ما عدا الميرزا القمي- يجوز له التصرف في ماله، لعدم خروجه عن ملكه، لأنّ المخرج له عن ملكه هو العقد غير المتحقق حسب الفرض. و بناء على كون فسخه غير مبطل لإنشائه- كما ذهب إليه المحقق القمي قدّس سرّه- فكذا يجوز للأصيل التصرف في ماله، لبقائه على ملكه إلى أن يجيز المالك، فيكون تصرفه في ملكه.

(1) أي: بأن فسخ الأصيل غير مبطل لإنشاء نفسه كما اختاره المحقق القمي قدّس سرّه.

(2) هذا متفرع على جواز تصرف الأصيل في متعلق العقد قبل الإجازة- بناء على النقل. و استشهد المصنف بفرعين، أحدهما بيع الأمة، و الآخر تزويج الحرّة. و في كليهما يكون الفضولي في جانب القابل كالمشتري في باب البيع، و الزوج في باب النكاح.

و الفرع الأوّل هو: أنّه لو باع الجارية مالكها الأصيل من فضوليّ، بمعنى كون المشتري فضوليا، جاز له وطؤها، لأنّها ملكه، و لم تخرج بعد عن ملكه، فلو استولدها صارت أمّ ولد له، و يفوت محلّ الإجازة حينئذ.

و الفرع الثاني هو: أنّ الحرّة لو زوّجت نفسها من زيد فقبل عمرو عنه فضولا، جاز لها تزويج نفسها من بكر قبل إجازة زيد، و تلغو إجازة زوجها الأوّل و هو زيد، لعدم بقاء المحلّ.

(3) و هما بيع الجارية من فضوليّ، و تزويج المرأة نفسها من فضولي.

(4) بعد الوطء في المثال الأوّل، و بعد التزويج من الغير في المثال الثاني.

(5) غرضه من هذا الحاصل بيان الفرق بين ما إذا فسخ الأصيل بقوله: «فسخت

ص: 108

الأصيل (1)، إلّا أنّ له (2) فعل ما ينافي انتقال المال عنه على وجه (3) يفوت محلّ الإجازة (4)، فينفسخ العقد بنفسه (5) بذلك (6).

و ربما احتمل عدم جواز التصرّف على هذا القول (7) أيضا (8).

______________________________

العقد و رجعت عمّا أنشأته مع الفضولي»، و بنى تصرّفه- في ما انتقل عنه بذلك العقد- بما يتوقف على مالكيته له، و ينافي انتقاله عنه، فيفوت بذلك محل الإجازة.

و محصّل الفرق بين الفسخ القولي و التصرّف هو: أنّ الفسخ متعلق بالعقد، لأنّه حلّ العقد، فاحتمال شرطية عدم تخلل الفسخ بين إنشاء الأصيل و الإجازة يدفع بمثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فلا يبطل الفسخ إنشاء الأصيل قبل الإجازة و التصرف متعلق بالمال، فيعمّه عموم دليل السلطنة و خصوص أدلة نفوذ التصرفات الخاصة.

و عليه فالتصرف جائز تكليفا و وضعا، و حيث إنّ موضوع الأمر بالوفاء بالعقود مقيّد بتراضي الطرفين، فقبل الإجازة لا يتعلق بالأصيل وجوب الوفاء حتى يمنع عن نفوذ التصرفات. و بعد البناء على جواز التصرفات وضعا و تكليفا لا يبقى للحوق الإجازة أثر حتى يبطل التصرف، لأنّ صحة أحد المتنافيين تنافي وقوع المنافي الآخر صحيحا، فلا جرم ينفسخ العقد قهرا.

(1) وفاقا للمحقق القمي قدّس سرّه كما تقدم في الثمرة الثانية.

(2) هذا الضمير و ضمير «عنه» راجعان إلى الأصيل، و الجملة خبر قوله: «انّ الفسخ».

(3) متعلق ب «ينافي» أي: التصرف المنافي لانتقال المال عنه بالعقد الفضولي يكون مفوّتا لمحلّ الإجازة. و على هذا فقوله: «على وجه» مبيّن للمنافاة و التفويت، و ليس للتنويع، بأن يكون المنافي مفوّتا تارة لمحل الإجازة، و غير مفوّت له اخرى.

(4) فلا تقع الإجازة مؤثّرة بعد وقوع التصرفات صحيحة.

(5) لانتفاء موضوعه بالتصرّف الجائز تكليفا و وضعا.

(6) أي: بسبب الفعل المنافي المفوّت لمحلّ الإجازة، كالوطء و التزويج من الغير.

(7) و هو كون الإجازة ناقلة. و قوله: «و ربما احتمل» في قبال قوله: «و منها جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه .. إلخ».

(8) أي: كعدم جواز التصرف الأصيل فيما انتقل عنه على القول بالكشف.

ص: 109

و لعلّه (1) لجريان عموم وجوب الوفاء بالعقد في حقّ الأصيل و إن لم يجب (2) في الطرف الآخر، و هو (3) الذي يظهر من المحقّق الثاني في مسألة شراء الغاصب بعين المال المغصوب، حيث قال: «لا يجوز للبائع و لا للغاصب التصرّف في العين (4)، لإمكان (5).

______________________________

(1) أي: و لعلّ وجه عدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه على القول بالنقل هو كون عقد الفضولي جامعا لجميع الشرائط سوى الرضا، فيشمله عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فيجب على الأصيل الوفاء بالعقد، و مقتضاه عدم جواز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه.

(2) لإناطة وجوب الوفاء على الطرف الآخر بأن يجيز العقد.

(3) أي: و عدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه على القول بالنقل لأجل جريان عموم وجوب الوفاء بالعقد هو الذي يظهر من المحقق الثاني. و العبارة منقولة بالمعنى، و إليك نصّها: «و ليس لكل من البائع و الغاصب التصرف في العين، لإمكان إجازة المالك، خصوصا على القول بأنّ الإجازة كاشفة».

(4) و هي عين المبيع المنتقلة عن البائع الأصيل، فإنّ الظاهر من حكم المحقق الثاني قدّس سرّه بعدم جواز تصرف البائع في العين المنتقلة عنه إنّما هو لأجل كونه أصيلا، و تمامية العقد مع إضافته إليه الموجبة لحرمة تصرفه فيما انتقل عنه. و أمّا عدم جواز تصرف المشتري الغاصب فلعدم انتقال المبيع إليه، و كونه أجنبيا عنه، لأنّ المبيع في صورة إجازة المغصوب منه يكون ملكا له، و في صورة عدم الإجازة يكون باقيا على ملك البائع، فتصرف المشتري الغاصب فيه عدواني على كلا التقديرين.

(5) تعليل لعدم جواز تصرف البائع في المبيع، و حاصله: أنّه مع احتمال لحوق الإجازة من المغصوب منه- و هو مالك الثمن- و صيرورته ملكا لمالك الثمن، لا يجوز للبائع التصرف فيه، رعاية لهذا الاحتمال، فكأنّ هذا الاحتمال يحجر المالك عن التصرف في ماله.

ص: 110

الإجازة [1] و لا سيّما على القول بالكشف» انتهى «1».

و فيه (1): أنّ الإجازة على القول بالنقل له (2) مدخل في العقد شرطا أو شطرا، فما لم يتحقّق الشرط أو الجزء لم يجب الوفاء على أحد من المتعاقدين، لأنّ المأمور به بالوفاء هو العقد المقيّد الذي لا يوجد إلّا بعد القيد. و هذا (3) كلّه على النقل.

______________________________

(1) أي: و في احتمال عدم جواز تصرف الأصيل. و الغرض من هذا الكلام دفع احتمال عدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النقل نظرا إلى عموم وجوب الوفاء بالعقد.

توضيح وجه الدفع هو: أنّ الإجازة على القول بالنقل لها دخل في العقد جزءا أو شرطا، فقبل حصول الإجازة لا يجب الوفاء على أحد من المتعاقدين، لعدم تماميّة موضوع وجوب الوفاء و هو العقد المقيّد بالإجازة، و من المعلوم أنّ المقيد لا يوجد إلّا بعد قيده.

(2) خبر: «أنّ الإجازة».

(3) أي: البحث عن جواز تصرف الأصيل و عدمه فيما انتقل عنه بناء على النقل.

و قد تحصل: أنّ الحق جواز تصرف الأصيل على النقل، و سيأتي حكم تصرفه بناء على الكشف.

______________________________

[1] هذا التعليل عليل جدّا، إذ لا دليل عقلا و لا نقلا- بعد وضوح عدم خروج المال عن ملك الأصيل بناء على النقل- على مانعية العلم بلحوق الإجازة- فضلا عن احتماله- عن تصرف المالك في ماله. نعم بناء على بعض أنحاء الكشف يتجه ما أفاده المحقق الثاني قدّس سرّه، و هو ما يكون الإجازة فيه كاشفة عن تمامية العقد من حين وقوعه، بأن تكون الإجازة واسطة في الإثبات فقط من دون دخل لها في مؤثرية العقد.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 6، ص 331

ص: 111

و أمّا على القول بالكشف (1) فلا يجوز التصرّف (2) فيه، على ما يستفاد من كلمات جماعة، كالعلّامة و السيّد العميدي و المحقّق الثاني، و ظاهر غيرهم «1».

______________________________

(1) بأقسامه الثلاثة، من قسمين للكشف الحقيقي، و قسم للكشف الحكمي. أمّا قسما الحقيقي فهما: كون الشرط نفس الإجازة بناء على الشرط المتأخر، و كون الشرط الوصف المنتزع، و هو تعقب الإجازة و لحوقها.

و أمّا الكشف الحكمي فهو: انتقال النّماء إلى المشتري مع بقاء أصل المال على ملك مالكه إلى زمان صدور الإجازة من المالك الأصيل.

و محصّل ما أفاده بناء على الكشف هو عدم جاز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه على ما يظهر من جماعة.

(2) أي: تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه. و الظاهر أنّ المسألة معنونة في النكاح لا في البيع، و إن كانا متحدين مناطا. و سيأتي في (ص 128) نقل كلام العلامة في فروع النكاح الفضولي، و محصّله: أنّه إذا كان الزوج- مثلا- أصيلا، و زوّج المرأة فضوليّ، وجب على الزوج ترتيب أحكام العقد الصحيح، فتحرم عليه أخت المعقودة عليها و بنتها و أمّها في الزمان المتخلل بين العقد و الإجازة أو الفسخ.

و قال المحقق الثاني في شرحه: «و إنّما قلنا إنه يلزم في حق المباشر بناء على أنّ الإجازة كاشفة عن ثبوت العقد و لزومه من حين وقوعه، كما أنّ عدمها كاشف عن عدم ذلك. فلو فسخ المباشر ثم أجاز الآخر تبيّنا أنّ فسخه وقع بعد ثبوت العقد و لزومه فلم يؤثر شيئا ..».

و يظهر من فخر المحققين و الفاضل الأصفهاني قدّس سرّهما ابتناء حرمة الخامسة و الأخت- على الأصيل- على كون الإجازة كاشفة، فراجع «2». و إن كانت عندهما ناقلة كما ذكرناه في (ص 7).

فالمتحصل: أنّ حرمة تصرف الأصيل في متعلق العقد بما ينافيه مسلّمة عند جماعة بناء على الكشف.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 3، ص 16 (طبعة مركز النشر الإسلامي)، كنز الفوائد، ج 2، ص 322 و 357 جامع المقاصد، ج 12، ص 160 و 297 و 298

(2) إيضاح الفوائد، ج 3، ص 28 و 30، كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 18 و 31

ص: 112

و ربما اعترض عليه (1) بعدم (2) المانع له من التصرّف، لأنّ مجرّد احتمال انتقال المال عنه في الواقع لا يقدح في السلطنة الثابتة له، و لذا (3) صرّح بعض المعاصرين بجواز التصرّف مطلقا (4).

نعم إذا حصلت الإجازة (5) كشفت عن بطلان

______________________________

(1) أي: على عدم جواز تصرف الأصيل- فيما انتقل عنه- على الكشف. و هذا الاعتراض يستفاد ممّا حكاه صاحب الجواهر في النكاح الفضولي بقوله: «لكنه قد يناقش- يعني في تحريم المصاهرة- باعتبار تحقق النكاح في تحريم ذلك. و ليس، إذ الفرض عدم حصول الإجازة من الآخر. و احتمال حصولها غير كاف في تحققها. بل الأصل يقتضي عدمها، بل مقتضاه جواز ذلك كله له حتى تحصل، و إن انكشف بعد حصولها بطلان التصرف الحاصل بين العقد و بينها. فمن باع ماله من فضوليّ لم يمتنع عليه الانتفاع به و لو المتلف» «1». لكن تأمّل فيه صاحب الجواهر بمثل ما سيأتي في المتن، فراجع.

(2) متعلق ب «اعترض» و تقريب للاعتراض. توضيحه: أنّه لا مانع من جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه قبل الإجازة، إذ المانع المتوهّم هو احتمال انتقال المال عن ملكه، و ذلك ليس بمانع عن السلطنة الثابتة له على ماله بمقتضى قاعدة سلطنة الناس على أموالهم، و لذا صرّح بعض بجواز التصرف للأصيل مطلقا من غير فرق بين الكشف بكلا قسميه و النقل.

(3) أي: و لأجل عدم قدح مجرّد احتمال انتقال المال عن الأصيل في السلطنة الثابتة له، صرّح بعض المعاصرين .. إلخ.

(4) أي: سواء أ كان التصرف و الانتفاع متلفين للعين أم لا، فإن لم يكن التصرف متلفا ردّ العين بعد الإجازة، و إلّا ردّ بدله كما سيصرّح به.

(5) بعد تصرف الأصيل فيما انتقل عنه، فالإجازة تكشف عن بطلان كل تصرف مناف لانتقال مال الى المجيز، لأنّه تصرّف في مال غيره بدون إجازته.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 29، ص 217 و 218

ص: 113

كلّ تصرّف مناف (1) لانتقال (2) المال إلى المجيز، فيأخذ (3) المال مع بقائه، و بدله مع تلفه، قال (4): «نعم لو علم (5) بإجازة المالك لم يجز له التصرّف» «1» انتهى.

أقول (6): مقتضى عموم وجوب الوفاء

______________________________

(1) صفة ل «تصرف».

(2) متعلق ب «مناف» يعني: يبطل كلّ تصرّف يكون منافيا لانتقال المال إلى المجيز و ملكية ذلك المال له، كعتق العبد المبيع، فإنّه ينافي ملكية هذا العبد للمجيز، فيبطل العتق.

(3) يعني: فيأخذ المجيز. و هذه نتيجة كشف الإجازة عن بطلان التصرف المنافي لملكية المال للمجيز.

(4) يعني: قال بعض المعاصرين.

(5) يعني: لو علم الأصيل بإجازة المالك لم يجز له التصرف. و هذا مبني على الكشف الحقيقي التعقبي، ضرورة كفاية العلم بحصول إجازة المجيز في ترتيب أحكام العقد من زمان وقوعه.

(6) هذا تأييد لعدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على الكشف، و ردّ للاعتراض بعدم مانع من جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه.

و توضيح ما أفاده المصنف قدّس سرّه هو: أنّ مقتضى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وجوب وفاء الأصيل بعهده، و لزوم العقد من ناحيته، ضرورة انحلال هذا الخطاب إلى كلّ من له عقد و التزام. و الفضولي و إن لم يخاطب بالوفاء، لكونه أجنبيّا عن العوضين. إلّا أن طرفه الأصيل- لكونه وليّا على عقده- يجب عليه البقاء على التزامه بنقل ماله إلى المجيز، فلا وجه لجواز تصرفه فيما انتقل عنه، بل عليه التربص إلى تحقق الإجازة أو الرّد من المالك الذي عقد الفضولي على ماله.

______________________________

(1) لم أظفر بهذه العبارة في الجواهر و المستند و أنوار الفقاهة و كشف الظلام. لكن المنع من التصرف في صورة العلم بلحوق الإجازة قد التزم به صاحب الجواهر فيما سبق من كلامه في (ص 31) فراجع. فلعلّ ما في المتن نقل له بالمعنى، و إن كان ظاهره حكاية نصّ كلام القائل.

ص: 114

وجوبه (1) على الأصيل، و لزوم (2) العقد و حرمة (3) نقضه من جانبه. و وجوب الوفاء عليه (4) ليس مراعى بإجازة المالك، بل مقتضى العموم وجوبه (5) حتّى مع العلم بعدم إجازة المالك (6).

______________________________

(1) خبر «مقتضى». و هذا ظاهر في كون وجوب الوفاء تكليفيّا، كما يقتضيه ظاهر صيغة الأمر. خصوصا مع تفسير العقود بالعهود كما في صحيحة ابن سنان، و من المعلوم أعميّة العهد من العقد، لشموله للالتزام و التعهد من طرف واحد كما في النذر و العهد.

(2) لزوم العقد خطاب وضعي ينتزع من التكليف بناء على ما حققه المصنف في بحث الأحكام الوضعية من الاستصحاب. و ليس المراد جعل الأمر بالوفاء إرشادا إلى الحكم الوضعي من الصحة أو اللزوم.

(3) هذا يناسب وجوب الوفاء تكليفا، كما أنّ عدم نفوذ الفسخ يناسب اللزوم الوضعي.

(4) هذا دفع دخل، حاصله: أنّه لا وجه لتحريم تصرف الأصيل في ماله تمسكا بالأمر بالوفاء. و ذلك لعدم تنجز هذا الخطاب في حقه قبل الإجازة، فإن حصلت الإجازة كشفت عن بطلان كل تصرف، و إن لم تحصل صحّ التصرف، و حيث إنّه لم يعلم تحقق الإجازة لم يحرز توجه خطاب الوفاء إلى الأصيل، هذا.

و محصّل دفعه: أنّ الأصيل يجب عليه الوفاء بمجرّد عقده مع الفضولي، و ليس الوجوب في حقّه مراعى بإجازة المالك، لما عرفت من انحلال الأمر، و عدم كونه من قبيل الارتباطيين. فلو شك الأصيل في أنّ الآخر يجيز عقد الفضول أم يردّه، حرم عليه التصرف أيضا.

(5) أي: وجوب الوفاء. و الوجه في الترقي واضح، فإنّه مع العلم بعدم إجازة الطرف الآخر يعلم الأصيل بعدم انتقال ماله عن ملكه، فيتجه جواز تصرفه فيه. و لكن المصنف قدّس سرّه منع من التصرف في هذه الصورة أيضا، لأنّ تمام المناط هو تحقق العقد و وجوب الوفاء به، و المفروض حصول الإيجاب و القبول بين الأصيل و الفضولي عن قصد جدّي للبيع.

(6) يعني: لا ينحلّ العقد إلّا بردّ المالك، فما لم ينحل بردّه كانت المعاملة من

ص: 115

و من هنا (1) يظهر أنّه لا فائدة في أصالة عدم الإجازة [1].

______________________________

طرف الأصيل تامّة واجبة الوفاء، و إن علم بأنّها لا تتم من الطرف الآخر أصلا، لعدم إجازة المالك للمعاملة. فوجوب الوفاء على الأصيل لا يرتفع إلّا بردّ المالك للمعاملة، و لا يرتفع بمجرد عدم إمضاء المالك لها. فالمعاملة تامة من ناحية الأصيل، فيجب عليه الوفاء بالعقد من حيث إنّه عقد، لا من حيث إنّه مؤثر في الملكية، و لا يرتفع وجوب الوفاء بالعقد إلّا بالردّ الذي متعلّقه العقد كالإجازة و الفسخ.

(1) أي: و من كون مقتضى العموم وجوب الوفاء على الأصيل- حتى مع العلم بعدم إجازة المالك- يظهر منع ما أفاده القائل بجواز تصرّف الأصيل على القول من التمسك بأصالة عدم الإجازة.

وجه المنع أنّه لا فائدة في إجراء أصالة عدم الإجازة في ظرف الشك فيها بعد عدم إجداء العلم بعدم تحققها في إثبات جواز التصرف، لعدم ترتب أثر شرعي على الإجازة حتى يصح جريان الأصل في عدمها كما لا يخفى.

______________________________

[1] قد يقال: بأنّ الإجازة ليست ممحّضة في انتساب عقد الفضول إلى المالك، بل هي محقّقة لحقيقة العقد أيضا، إذ العقد متقوم بقرارين معامليين، و القرار يتقوّم بمن يقوم به القرار. فإن كان المنشئ ممّن له ولاية التصرف في المال كان إنشاؤه محقّقا لعنوان العقد و العهد. و إن لم يكن له ولاية التصرف كان إنشاؤه محقّقا لاعتباره فقط، و لا عهد و لا عقد له عرفا و شرعا. و عليه فللأصيل التصرف في ما انتقل عنه، إذ لا قرار معاملي له حقيقة عند كون الطرف فضوليا. هذا.

لكن يمكن أن يقال: إنّ إناطة صدق العقد بلحوق الإجازة يوجب إنكار البيع الفضولي رأسا و بطلان مبنى الكشف، مع أنّهم جعلوا ولاية التصرف من شرائط المتعاقدين لا العقد.

مضافا إلى: لزوم ارتكاب خلاف الظاهر في الأدلة المتكفلة لتصحيح العقود الفضولية بالإجازة، كما في صحيحة محمّد بن قيس، لقوله عليه السّلام: «فلما رأي سيد الوليدة ذلك أجاز بيع ابنه» إذ لا بدّ من حمله على نوع من المجاز باعتبار أول إنشاء الابن الى البيع

ص: 116

لكن ما ذكره (1) البعض المعاصر صحيح على مذهبه في الكشف من كون العقد مشروطا بتعقّبه (2) بالإجازة، لعدم (3) إحراز الشرط مع الشك، فلا يجب الوفاء به على أحد من المتعاقدين.

و أمّا على المشهور في معنى الكشف- من كون نفس الإجازة المتأخرة شرطا (4) لكون (5) العقد السابق بنفسه (6)

______________________________

(1) من جواز تصرف الأصيل في العين المنتقلة عنه مطلقا، من دون فرق بين الكشف و النقل.

(2) الذي هو وصف انتزاعي مقارن للعقد على ما قيل، كما تقدم سابقا.

(3) تعليل لقوله: «صحيح على مذهبه» و حاصل التعليل: أنّه مع الشك في الشرط- و هو التعقب- للشك في حصول الإجازة، لا يجب الوفاء بالعقد، لأنّ موضوع وجوب الوفاء خصوص العقد المقيّد بتعقبه بها، فالعقد المجرّد عن القيد لا يجب الوفاء به.

(4) أي: بنحو الشرط المتأخر الذي يكون مشروطه متقدّما على شرطه بناء على إمكانه.

(5) متعلق ب «شرطا»، و شرطية نفس الإجازة في مقابل شرطية الأمر الانتزاعي أعني به وصف التعقب الذي هو مختار جماعة.

(6) أي: من دون ضمّ ضميمة- و هي الإجازة- إليه، فلا شأن للإجازة إلّا جعل العقد نفسه سببا تامّا لحصول الملكية، حيث إنّ الإجازة لكونها إنفاذا و إمضاء تقتضي التأثير في الملكية. فموضوع وجوب الوفاء نفس العقد من حيث إنّ العقدية تقتضي ذلك،

______________________________

بإجازة الأب. و هو كما ترى. و كذا الحال في نصوص نكاح الفضولي من العبد و الصغير و غيرهما، و لا وجه لرفع اليد عن هذا الظهور. و عليه فلا يتوقّف القرار المعاملي على ولاية التصرف.

نعم ما أفاده المصنف من حرمة التصرف حتّى مع العلم بعدم لحوق الإجازة مشكل، إذ بناء على الكشف يعلم بعدم تأثير العقد أصلا، و مثله خارج موضوعا عن عموم الأمر بالوفاء

ص: 117

مؤثّرا [1] تامّا (1)- فالذي (2) يجب الوفاء به هو نفس العقد (3) من غير تقييد (4)،

______________________________

فليس وجوب الوفاء من مقتضيات الملك. فيمتاز مقام الموضوعية لوجوب الوفاء عن مقام السببية للملكية، فإنّ الإجازة على الكشف الانقلابي تؤثّر في انقلاب العقد و صيرورته مؤثّرا من حين وقوعه، فللإجازة دخل في سببية العقد للملكية، لا في وجوب الوفاء، هذا.

لكن لا يخفى أنّ التفكيك بين موضوع وجوب الوفاء و السببية للملك- بعد وضوح كون الوفاء بالعقد هو العمل على طبقه و مضمونه الذي هو المبادلة مثلا- في غاية الإشكال، فتدبّر.

(1) من حين وقوعه على ما هو مقتضى الشرط المتأخر، حيث إنّ لازم الشرط المتأخّر وجود المشروط قبل شرطه.

(2) جواب الشرط في قوله: «و أما على المشهور».

(3) يعني: من حيث إنّه عقد، لا من حيث إنّه سبب للملكيّة، كما مرّ آنفا.

(4) أي: موضوعية العقد لوجوب الوفاء ليست مقيّدة بالإجازة، و إنّما المقيّد بها هو سببيّة العقد للملك.

______________________________

[1] لم يظهر مراده قدّس سرّه من هذه العبارة، فإنّ شرطية نفس الإجازة تنافي استقلال العقد و كونه بنفسه مؤثّرا تامّا، حيث إنّ مقتضى سببيّته التامة في التأثير عدم دخل شي ء في تأثيره، و إلّا لم يكن تامّا، بل كان العقد ناقصا و منوطا تأثيره بذلك الشي ء و مشروطا به، و ليس هذا إلّا التناقض.

إلّا أن يقال: بما أفاده المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه: من عدم كون الإجازة قيدا للعقد، بل هي شرط لصيرورة العقد مقتضيا و سببا و علّة تامّة للتأثير، فالإجازة جهة تعليلية لحدوث المقتضي للتأثير في العقد، نظير علّيّة التغير و الملاقاة لصيرورة الماء مقتضيا للتنجس بهما «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 64

ص: 118

و قد تحقّق (1)، فيجب (2) على الأصيل الالتزام به، و عدم (3) نقضه إلى أن ينقض. فإنّ ردّ المالك فسخ للعقد [فسخ العقد] من طرف الأصيل (4)، كما أنّ إجازته (5) إمضاء له من طرف الفضولي.

و الحاصل: أنّه إذا تحقّق العقد فمقتضى العموم (6)- على القول بالكشف (7) المبني على كون ما يجب الوفاء به هو العقد من دون ضميمة شي ء شرطا أو شطرا- حرمة (8) نقضه على الأصيل مطلقا (9)، فكلّ (10) تصرّف يعدّ نقضا لعقد المبادلة

______________________________

(1) يعني: و قد ثبت العقد الذي يجب الوفاء به بإنشاء العاقد الفضولي له.

(2) هذه نتيجة ثبوت العقد الذي يجب الوفاء به. و ضمير «به» راجع الى العقد.

(3) معطوف على «الالتزام» و مفسّر له.

(4) غرضه أنّ العقد لا يبطل من طرف الأصيل إلّا بردّ المالك، لأنّه يوجب بطلان العقد.

(5) أي: كما أنّ إجازة المالك إمضاء للعقد من طرف الفضولي، و حاصله: أنّ رد المالك فسخ للعقد، و إجازته إمضاء له من ناحية الفضولي.

(6) أي: عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(7) الظاهر أنّ المراد بالكشف ما عدا الحقيقي منه المبني على كون الإجازة شرطا متأخرا، و ذلك بقرينة قوله: «من دون ضم ضميمة شي ء شرطا أو شطرا» لوضوح كون الإجازة شطرا بناء على النقل، و شرطا متأخرا بناء على الكشف الحقيقي.

(8) خبر لقوله: «فمقتضى» و ضمير «نقضه» راجع إلى العقد.

(9) أي: سواء علم بصدور الإجازة من المالك، أم علم بعدم صدورها منه، أم شكّ في ذلك.

(10) هذه نتيجة وجوب الوفاء بالعقد من دون ضمّ شي ء شطرا أو شرطا إليه، و حاصله: أنّ عقد المبادلة و الالتزام بها يقتضي حرمة كل تصرف يعدّ نقضا لما التزم به العاقد الأصيل و رافعا له، بحيث لا يجتمع ذلك التصرف الناقض مع صحة العقد. فإذا اشترى الأصيل متاعا من البائع الفضولي اقتضى التزامه الشرائي أن لا يتصرف في الثمن، فإن تصرّف فيه تصرفا يتوقف على الملك- بل و غيره- ممّا ينافي التزامه بخروجه عن ملكه و سلطنته، كان ذلك التصرف نقضا لالتزامه الشرائي و إبطالا له.

ص: 119

- بمعنى عدم (1) اجتماعه مع صحّة العقد- فهو (2) غير جائز.

و من هنا (3) تبيّن فساد توهّم أنّ العمل بمقتضى العقد كما يوجب (4) حرمة تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه، كذلك (5) يوجب جواز تصرّفه فيما انتقل إليه، لأنّ (6) مقتضى العقد مبادلة المالين، فحرمة التصرّف في ماله مع حرمة التصرّف في عوضه تنافي (7) مقتضى العقد أعني المبادلة (8).

______________________________

(1) أي: عدم اجتماع التصرف مع صحة العقد.

(2) خبر قوله: «فكلّ تصرف» و الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط.

(3) أي: و من كون مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقد لزوم التزام الأصيل بالعقد و حرمة نقضه عليه، ظهر فساد توهم آخر، و هو: أنّ لوجوب العمل بالعقد و الوفاء به اقتضائين.

أحدهما: حرمة تصرف الأصيل فيما انتقل عنه كما ذكر.

و ثانيهما: جواز تصرّفه فيما انتقل إليه، لاقتضاء عقد المعاوضة ذلك، ضرورة أنّ التزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه لم يكن التزاما به مجّانا، بل كان بعنوان العوضية و البدلية، و مقتضى هذا العنوان خروج ماله عن ملكه، و دخول مال غيره بدلا عنه في ملكه. و لازم ذلك جواز تصرفه فيما انتقل إليه، و حرمة تصرفه فيما انتقل عنه.

(4) هذا هو الاقتضاء الأوّل المذكور بقولنا: «أحدهما حرمة تصرف الأصيل ..».

(5) خبر «أنّ العمل» و هذا هو الاقتضاء الثاني المتقدّم بقولنا: «و ثانيهما جواز تصرفه».

(6) تعليل للتوهم و تثبيت له، و قد مرّ توضيح ذلك بقولنا: «لاقتضاء المعاوضة ذلك ضرورة .. إلخ».

(7) خبر قوله: «فحرمة التصرف».

(8) حيث إنّ حقيقة العقد المعاوضي- و هي المبادلة بين المالين، و عوضية كل واحد من المالين عن الآخر- تقتضي ما ذكره المتوهم من حرمة التصرف فيما انتقل عنه، و جوازه فيما انتقل إليه.

ص: 120

توضيح الفساد (1): أنّ الثابت من وجوب وفاء العاقد بما التزم (2) على نفسه من المبادلة حرمة نقضه و التخطّي (3) عنه. و هذا (4) لا يدلّ إلّا على حرمة التصرّف في ماله، حيث (5) التزم بخروجه عن ملكه و لو بالبدل. و أمّا دخول البدل في ملكه فليس ممّا التزمه على نفسه (6)، بل ممّا جعله لنفسه. و مقتضى الوفاء بالعقد حرمة

______________________________

(1) محصله: أنّ التوهم المزبور مبنيّ على استفادة حكمين من وجوب وفاء العاقد الأصيل بما التزم به، و هما حرمة التصرف فيما انتقل عنه، و جوازه فيما انتقل إليه. و ليس الأمر كذلك، لأنّ ما يدلّ عليه وجوب الوفاء بما التزم به من المبادلة ليس إلّا حكما واحدا، و هو حرمة التصرف في ماله الذي انتقل عنه، لأنّ هذه الحرمة هي مقتضى التزامه بخروج ماله عن ملكه.

و لا يدلّ وجوب الوفاء على حكم عوض ماله، لأنّه خارج عن محيط التزامه، ضرورة أنّه جعل على نفسه الالتزام بخروج ماله عن ملكه. و أمّا دخول مال غيره في ملكه بدلا عن ماله فليس ذلك من الالتزام على نفسه، بل هو ممّا جعله لنفسه، فلا يشمله دليل وجوب الوفاء بالعقد.

و الحاصل: أنّ نقض الالتزام بخروج ماله عن ملكه يتحقق بالتصرف فيه، فيحرم، و لا يتحقق بترك التصرف في بدله، لكونه خارجا عن حيّز التزامه.

(2) يعني: العاقد الأصيل. و قوله: «من المبادلة» مفسّر ل «ما» الموصول. و لعلّ الأولى إبدال العبارة، بأن يقال: «بما ألزمه على نفسه» أو «بما التزم به من المبادلة».

(3) معطوف على «نقضه»، و قوله: «حرمة نقضه» خبر قوله: «أن الثابت».

(4) أي: ما ثبت على الأصيل من وجوب الوفاء- و هو حرمة النقض و التخطّي- لا يدلّ .. إلخ.

(5) تعليل لعدم دلالة وجوب الوفاء إلّا على حرمة التصرف، و حاصله: أنّ الالتزام على نفسه الموجب للوفاء هو الالتزام بخروج المال عن ملكه و لو مع البدل، و ذلك الالتزام لا يقتضي إلّا حرمة التصرف في المال الذي انتقل عنه، إذ جواز تصرفه فيه ينافي التزامه بخروجه عن ملكه، و لا يقتضي جواز تصرفه في المال الذي انتقل إليه.

(6) حتى يجوز للأصيل التصرف فيما انتقل إليه، و يحرم عليه نقضه بعدم جواز التصرف فيه كما زعمه المستشكل.

ص: 121

رفع اليد عمّا التزم على نفسه (1). و أمّا قيد كونه (2) بإزاء مال فهو (3) خارج عن الالتزام على نفسه و إن كان داخلا في مفهوم المبادلة. فلو لم يتصرّف في مال صاحبه لم يكن ذلك (4) نقضا للمبادلة، فالمرجع في هذا التصرّف (5) فعلا و تركا إلى (6) ما يقتضيه الأصل، و هي أصالة عدم الانتقال.

و دعوى (7):

______________________________

(1) لا ما جعله لنفسه من دخول البدل في ملكه، فإنّه خارج عن دائرة التزامه.

(2) أي: كون ما التزمه على نفسه بخروج المال عن ملكه. غرضه: أنّ تقيد خروج ماله عن ملكه بإزاء مال غيره لا يوجب أن يكون عدم تصرف الأصيل في مال صاحبه نقضا لالتزامه بخروج ماله عن ملكه، و ذلك لأجنبية دخول مال الغير في ملكه عن التزامه بخروج ماله عن ملكه، و هو موظّف بعدم نقض ما ألزمه على نفسه فقط، و هو التزامه بخروج ماله عن ملكه.

(3) جواب «أمّا» و الضمير راجع إلى «قيد» و جملة «و إن كان» وصليّة.

(4) أي: لم يكن عدم تصرف الأصيل في المال المنتقل إليه نقضا للمبادلة، للخروج عن دائرة التزامه.

(5) أي: تصرف الأصيل في مال صاحبه. بعد أن أثبت المصنف قدّس سرّه بدليل وجوب الوفاء بالعقد الذي هو دليل اجتهادي حرمة نقض التزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه بالتصرف فيه- و لم يثبت به حكم تصرّف الأصيل في مال صاحبه- أراد أن يبيّن حكمه على ما يقتضيه الأصل العملي، و حكم بأنّ استصحاب عدم انتقاله إلى الأصيل يثبت بقاءه على ملك مالكه، المستلزم لحرمة تصرف الأصيل فيه.

(6) خبر قوله: «فالمرجع»، و الظاهر عدم الحاجة إلى كلمة «إلى» لأنّ المرجع هو الدليل على الحكم كالخبر، لا نفس الحكم، و من المعلوم أنّ ما يقتضيه الأصل هو نفس الحكم لا دليله، و هي أصالة عدم الانتقال. و عليه فلعلّ الأولى أن يقال: «فالمرجع في حكم هذا التصرف .. هو الأصل، و هي أصالة .. إلخ» و هي تقتضي حرمة التصرف.

(7) الغرض من هذه الدعوى إثبات جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه و عدم حرمته، بتقريب: أنّ التزامه بخروج ماله عن ملكه لم يكن مطلقا حتى يحرم تصرّفه فيه

ص: 122

«أنّ الالتزام المذكور (1) إنّما هو على تقدير الإجازة و دخول (2) البدل في ملكه.

فالالتزام (3) معلّق على تقدير لم يعلم تحقّقه، فهو كالنذر المعلّق على شرط، حيث حكم جماعة بجواز التصرّف في المال المنذور قبل تحقّق الشرط إذا لم يعلم بتحقّقه (4).

______________________________

بمقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود، بل كان معلّقا على تقدير الإجازة و دخول مال الغير في ملكه. و هذا الالتزام نظير النذر المعلّق على شرط لم يحصل بعد، حيث إنّ جماعة حكموا بجواز تصرّف الناذر في المال المنذور قبل تحقق شرطه، من دون لزوم حنث.

(1) و هو التزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه.

(2) معطوف على «الإجازة» و ضمير «ملكه» راجع إلى الأصيل.

(3) يعني: فالتزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه ليس مطلقا، بل هو معلّق على تقدير حصول الإجازة التي لا يعلمها الأصيل، فيكون التزام الأصيل المعلّق على الإجازة كالنذر المعلّق على شرط لم يعلم بتحققه في جواز التصرف في المال المنذور قبل تحقق الشرط مع الجهل بحصوله. فكما لا يعدّ التصرّف في المال المنذور حينئذ عند جماعة حنثا، فكذلك لا يعد تصرف الأصيل في ماله المنتقل عنه قبل العلم بتحقق الإجازة أو قبل تحقق نفسها نقضا لالتزامه.

(4) مقتضى هذه الجملة الشرطية عدم جواز تصرف الناذر في المال المنذور بما ينافي النذر لو علم بتحقق الشرط، فمورد جواز التصرف المنافي هو الشك في حصول الشرط أو العلم بعدمه. كما أن المراد بالتصرف الجائز أعم من الانتفاع و من الإخراج عن الملك.

و لا يخفى أن هذه المسألة تعرّض لها صاحب المقابس قدّس سرّه في السبب السادس من أسباب نقض الملك، و فصّل بين كون الشرط المعلّق عليه معلوم الوقوع و بين محتمله، فقال بعد نقل خلاف العلامة و الفخر قدّس سرّهما: «و عندي أنّه إن كان النذر مشروطا صريحا أو ضمنا- بما إذا وجد الشرط، و المنذور باق في ملكه- فإخراجه من الملك قبله جائز قطعا، لأنّ الالتزام بالنذر حينئذ بالنسبة إلى بقاء المنذور في الملك كالواجب المشروط، و لا يجب تحصيل مقدمته إجماعا.

و يدلّ عليه أيضا ما رواه الشيخ و الصدوق في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن

ص: 123

..........

______________________________

أحدهما عليهم السّلام قال: سألته عن الرجل تكون له الأمة، فيقول: يوم يأتيها فهي حرّة، ثم يبيعها من رجل، ثم يشتريها بعد ذلك، قال: لا بأس بأن يأتيها، قد خرجت من ملكه «1».

و قد حمله الأصحاب على صورة النذر، كما ذكره في الدروس و التنقيح و المسالك.

و زاد في المسالك: أنّه ما وقف على رادّ لها إلّا ما يظهر من ابن إدريس. و فيه دلالة على جواز البيع، و على سقوط النذر به و إن عادت إلى ملكه ..» «2».

و قال المحقق قدّس سرّه: «لو نذر عتق أمته إن وطأها صحّ. فإن أخرجها من ملكه انحلّت اليمين. و لو أعادها بملك مستأنف لم تعد اليمين» «3».

و استدلّ عليه كما في المسالك و الجواهر و غيرهما «4» بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة.

و كيف كان فالاستدلال بها على ما نسبه المصنف إلى جماعة- من جواز التصرف في المنذور المشروط بمحتمل الوقوع- منوط بأمرين.

أحدهما: دلالتها على حكم النذر، مع عدم تصريح في السؤال بأنّ السيد نذر عتق أمته لو أتاها. و الظاهر ثبوته بشهادة حمل الأصحاب لها على النذر حتى من توقّف عن الفتوى بمضمونها كابن إدريس و العلّامة في بعض كتبه «5».

ثانيهما: التعدّي من مورد الصحيحة- و هو وطأ الأمة المنذور عتقها- إلى غيره كما إذا نذر التصدّق بمال معيّن معلّقا على شفاء مريض أو قدوم مسافر، و نحوهما.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 60، الباب 59 من كتاب العتق، الحديث 1

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 111 و 112

(3) شرائع الإسلام، ج 3، ص 108، و نحوه في المختصر النافع، ص 237، و قال به جمع أيضا، كالمقنع، ص 157، النهاية و نكتها، ج 3، ص 14- 15، الجامع للشرائع، ص 403، إرشاد الأذهان، ج 2، ص 67، الدروس الشرعية، ج 2، ص 205، المهذب، ج 2، ص 360، الروضة البهية، ج 6، ص 96، نهاية المرام، ج 2، ص 267.

(4) مسالك الافهام، ج 10، ص 306 و 307، جواهر الكلام، ج 34، ص 131 و ج 35، ص 412

(5) السرائر، ج 3، ص 12 و 13، مختلف الشيعة، ج 8، ص 31 و 32، قواعد الاحكام، ج 3، ص 203

ص: 124

فكما أنّ التصرّف حينئذ (1) لا يعدّ حنثا، فكذا التصرّف فيما نحن فيه قبل العلم بتحقّق الإجازة لا يعدّ نقضا لما (2) التزمه، إذ (3) لم يلتزمه (4) في الحقيقة إلّا معلّقا» مدفوعة (5)

______________________________

و الظاهر ثبوته أيضا، لما يستفاد من قوله عليه السّلام: «قد خرجت عن ملكه» الذي هو كتعليل الحكم بجواز المباشرة. قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و المتجه التعدّي، نظرا إلى العلّة. و يتفرّع على ذلك أيضا جواز التصرف في المنذور المعلّق على شرط لم يوجد. و هي مسألة إشكالية. و العلّامة اختار في التحرير عتق العبد لو نذر إن فعل كذا فهو حرّ، فباعه قبل الفعل، ثم اشتراه، ثم فعل. و ولده استقرب عدم جواز التصرف في المنذور المعلّق على الشرط قبل حصوله. و هذا الخبر حجة عليهما» «1».

فالمتحصل: أنه يجوز للأصيل التصرف في ما انتقل عنه- بالبيع الفضولي- تنظيرا له بجواز تصرف الناذر في متعلق نذره المشروط قبل تحقق الشرط.

(1) أي: فكما أنّ تصرّف الناذر في المال المنذور- حين عدم علمه بتحقق الشرط الذي علّق عليه النذر- لا يعدّ حنثا، فكذا التصرف في المقام.

(2) أي: لا يعدّ تصرّف الأصيل- قبل تحقّق الإجازة- فيما انتقل عنه نقضا لما التزم به من المبادلة، كما لا يعدّ تصرّف الناذر في المال المنذور قبل تحقق شرط النذر حنثا موجبا للكفارة.

(3) تعليل لقول المدّعي: «لا يعدّ نقضا لما التزمه» و حاصل التعليل: أنّ التزامه بالمبادلة لم يكن مطلقا حتى يكون تصرفه في ماله المنتقل عنه نقضا لما التزم به، بل كان معلّقا على أمر غير معلوم التحقق. و مثل هذا الالتزام المعلّق لا يوجب حرمة التصرف في المال قبل حصول المعلّق عليه.

(4) الضمير الفاعل المستتر فيه راجع إلى الأصيل، و الضمير المفعول البارز راجع إلى الموصول في قوله: «لما التزمه».

(5) خبر «و دعوى» و ردّ لها، و محصل الرّد وجهان، أحدهما: ناظر إلى التأمل في

______________________________

(1) الروضة البهية، ج 6، ص 296

ص: 125

..........

______________________________

المقيس عليه، و هو جواز التصرف في المنذور قبل حصول الشرط، و ثانيهما: إلى منعه في المقيس، لوجود الفارق بين المسألتين.

أمّا الأوّل فتوضيحه: أنّ جواز التصرف في المال المنذور المشروط- قبل حصول شرطه- لا يخلو من الاشكال، و لم يتسالم الأصحاب عليه، فقد صرّح العلّامة و الشهيد الثاني قدّس سرّهما بأنّ المسألة مشكلة، بل التزم في التحرير بعتق العبد المنذور عتقه لو عاد إلى ملكه، كما تقدم آنفا في عبارة الروضة.

بل في الجواهر: «و لو علّق نذر العتق على برء المريض مثلا، ففي جواز بيعه قبل حصول الشرط قولان ذكرهما الصيمري في شرحه .. و ربما يشهد للعدم ما سمعته في اليمين من أنّه لو حلف ليأكلنّ هذا الطعام غدا، فأتلفه قبل الغد، أثم به، و تعلّق به الكفارة.

و نسبه الصيمري إلى علمائنا. و ليس إلّا لأنّ النذر قبل حصول الشرط له صلاحيّة التأثير، و إخراجه عن ملكه يزيل صلاحية التأثير» «1».

و الوجه في الاشكال- كما أفاده الفقيه المامقاني قدّس سرّه- أنّ التصرف في المال المنذور قبل تحقق شرطه نقض للالتزام في ضمن النذر، فيكون ممنوعا منه بحكم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالنذر. و مورد صحيح محمّد بن مسلم ليس التصرف المنافي لمقتضى النذر، بل هو رفع الموضوع برفع الشرط، أو التسبب لعدم حصوله من أوّل الأمر، فراجع «2».

و أمّا الوجه الثاني فهو: أنّ قياس المقام بباب النذر مع الفارق. توضيحه: أنّ الشرط في باب النذر شرط لنفس الالتزام النذري، نظير الشرط في الواجبات المشروطة الذي هو شرط لنفس الوجوب. بخلاف الالتزام هنا، فإنّه أحد طرفي العقد المركب من الالتزامين الصادرين من المتعاقدين من دون أن يكون أحدهما شرطا للآخر و متقدّما عليه. فمع تحقق كلا الالتزامين يثبت العقد الذي يجب على كلّ منهما الوفاء به، و يحرم عليه نقضه، فلا يجوز للأصيل التصرّف في ما انتقل عنه مع بقائه على ملكه، إذ خروجه عن

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 35، ص 412

(2) غاية الآمال، ص 387

ص: 126

- بعد (1) تسليم جواز التصرّف في مسألة النذر المشهورة بالإشكال- بأنّ (2) الفرق بينهما أنّ الالتزام هنا (3) غير معلّق على الإجازة، و إنّما التزم بالمبادلة متوقّعا للإجازة، فيجب عليه الوفاء به (4)، و يحرم عليه نقضه (5) إلى أن يحصل ما يتوقّعه من الإجازة، أو ينتقض التزامه بردّ (6) المالك.

و لأجل ما ذكرنا- من اختصاص حرمة النقض بما يعدّ من التصرّفات منافيا لما التزمه الأصيل على نفسه دون غيرها (7)-

______________________________

ملكه موقوف على الإجازة. و منع الأصيل عن التصرف في ماله المنتقل عنه لا يستلزم جواز تصرفه فيما انتقل إليه، لأنّه ليس له ولاية الالتزام بجعل مال الغير ملكا لنفسه، بل ولايته تختص بمالكه.

فالنتيجة: أنّ الأصيل بمقتضى التزامه بكون ماله ملكا لغيره يحرم عليه التصرف في ماله الذي هو باق على ملكه، لتوقف خروجه عن ملكه على الإجازة التي أنيط بها تأثير العقد في الملكية.

(1) هذا إشارة إلى الجواب الأوّل المتقدم بقولنا: «أما الأوّل فتوضيحه: أن جواز التصرف .. إلخ».

(2) متعلق ب «مدفوعة» و هذا هو الجواب الأصلي عن الدعوى المذكورة، و قد مرّ تقريبه آنفا بقولنا «توضيحه: أن الشرط في باب النذر شرط .. إلخ».

(3) أي: التزام الأصيل بنقل ماله إلى الغير غير موقوف على إجازة المالك، و إنّما هو مراعى، بحيث تكشف الإجازة المتأخرة عن تحقق النقل و الانتقال من زمان العقد.

(4) أي: بالالتزام، و الضمير المستتر في «التزم» و البارز في «عليه» راجع إلى الأصيل.

(5) يعني: مع بقاء المال على ملك الأصيل، فليس حرمة التصرف فيه لأجل كونه مال الغير، بل لأجل التزامه بصيرورته ملكا للغير، فيحرم على الأصيل التصرف في ماله، للالتزام المزبور.

(6) متعلق ب «ينتقض». و ضمير «التزامه» راجع إلى الأصيل.

(7) أي: دون التصرفات غير المنافية لما ألزمه الأصيل على نفسه.

ص: 127

قال (1) في القواعد في باب النكاح: «و لو تولّى الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حقّ المباشر تحريم المصاهرة (2). فإن كان (3) زوجا حرمت عليه الخامسة و الأخت و الأمّ و البنت (4) إلّا إذا فسخت [1] (5)

______________________________

(1) أي: قال العلامة قدّس سرّه. و الغرض من نقل هذا الكلام الاستشهاد به على حرمة نقض ما التزمه الأصيل على نفسه.

(2) لأنّ تحريمها مترتّب على النكاح الصحيح، و المفروض تحققه بالنسبة إلى المباشر.

(3) أي: فإن كان المباشر الأصيل زوجا- كما إذا فرضنا أنّ زيدا تزوّج بهند مثلا، و قد زوّجها به عمرو فضولا- ثبت في حق زيد الذي هو العاقد الأصيل تحريم المصاهرة.

فإن كانت المعقود عليها- و هي هند- زوجة رابعة لزيد حرمت عليه الخامسة، إذ يتم بالمعقود عليها العدد المحلّل و هو الأربع. و كذلك حرمت عليه أخت المعقود عليها، لكونه جمعا بين الأختين. و أمّها، لكونها أمّ الزوجة. و بنتها، لكونها ربيبة له. فإنّ تحريمهن على الأصيل إنّما هو لأجل حرمة نقض ما التزمه بسبب العقد على نفسه.

(4) هذه الثلاثة راجعة إلى المعقود عليها، أي: تحرم أخت المعقود عليها و أمّها و بنتها، لمّا مرّ آنفا.

(5) أي: فسخت المعقود عليها فضولا عقد الفضولي، فإنّ ردّها لعقدها يرفع ما يقتضي التحريم و هو النكاح، فبعد ردّ المعقود عليها عقد النكاح لا يكون تزويج زيد بغيرها تزويجا بالخامسة حتى تحرم. و كذا يجوز التزويج بأخت المعقود عليها، إذ ليس حينئذ من الجمع بين الأختين، فيجوز نكاح أختها. و كذا نكاح بنت المعقود

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الفسخ حلّ العقد و رفعه، و لذا يكون من حينه لا من أصله، كما أنّ الإمضاء إبقاء للعقد في مقابل الفسخ الذي هو إعدامه. و الردّ دفع للعقد و منع عن تحققه، و الإجازة إحداث للعقد.

و على هذا فلعلّ الأنسب إبدال قوله قدّس سرّه: «فسخت» ب «ردّت» فإنّ الفسخ رفع و الردّ دفع، و الفرق بينهما واضح، فالفسخ في مقابل الإمضاء، و الردّ في مقابل الإجازة.

ص: 128

على إشكال في الأمّ (1). و في الطلاق (2) نظر، لترتّبه على عقد لازم (3)، فلا يبيح (4)

______________________________

عليها، لأنّ حرمتها منوطة بالدخول بأمّها، و المفروض عدم تحققه، فيجوز للمباشر الأصيل نكاحها. و أمّا حرمة أمّ المعقود عليها بعد ردّ بنتها ففيها كلام سيأتي.

(1) يعني: في تحريم أمّ المعقود عليها بعد ردّ بنتها لعقد الفضولي إشكال. وجه الاشكال: أنّ مقتضى نكاح البنت- و لو آنا ما- حرمة أمّها أبدا، و مقتضى ردّ النكاح الموجب لعدم تحققه حدوثا عدم تحريمها، لأنّ مناط تحريمها هو العقد الصحيح، و ردّ المعقود عليها ردّ لأصل النكاح و دفع له، و لازمه عدم ترتب أحكامه عليه التي منها حرمة نكاح الام.

و هذا الوجه هو الصحيح، لأنّ الحرمات مترتبة على صحة عقد النكاح المؤلف من الالتزامين الإيجابي و القبولي، و التزام الأصيل لا يكفي في ترتب أحكام العقد و إن لزم عليه عدم نقض ما التزم به حتى يتبيّن الحال من الرّد و الإجازة، و هذا اللزوم لو قيل به حكم ظاهري.

(2) أي: و في كون طلاق الأصيل للمعقود عليها فضولا رافعا لحرمة أمّها و أختها و بنتها، و نكاح الخامسة، و إباحة تزويجهن، نظر. وجه النظر هو: أنّ الطلاق إن كان رافعا لعلقة النكاح صحّ نكاحهن و أبيحت المصاهرة، لأنّ الرد رافع لتلك العلقة. و إن كان رافعا لعلقة الزوجية فلا مورد للطلاق، إذ لا زوجية حقيقة قبل الإجازة حتى ترتفع بالطلاق، فالحرمة باقية، و لا تباح المصاهرة إلّا بعد ردّ المعقود عليها أو إجازتها، ثم الطلاق.

و الأقوى هو الثاني، إذ الطلاق لا يقع إلّا بالزوجة، و لا تحصل علقة الزوجية إلّا بعد إجازة المعقود عليها فضولا للعقد، فلا يملك الأصيل طلاقها قبل إجازتها، لأنّه لا يملك أمرها إلّا إذا صارت زوجته، و لا تصير زوجته إلّا بالإجازة.

(3) أي: لازم من الطرفين حتى تتحقق الزوجية التي تتوقف صحة الطلاق عليها.

(4) يعني: فلا تباح المصاهرة بالطلاق مع عدم لزوم عقد النكاح.

ص: 129

المصاهرة «1». و إن كان (1) زوجة لم يحلّ لها نكاح غيره، إلّا إذا فسخ (2)، و الطلاق هنا معتبر» (3) انتهى «2».

و عن كشف اللثام نفي الإشكال (4).

______________________________

(1) معطوف على «فإن كان» يعني: و إن كان المباشر زوجة لم يحلّ لها نكاح غير الزوج الذي اختير لها فضولا، لكون العقد لازما من طرفها.

(2) يعني: إلّا إذا فسخ الزوج المختار لها فضولا، فيجوز لها حينئذ نكاح غيره.

(3) لأنّ الطلاق المتوقف على الزوجية يكشف عن إجازة الزوج الفضولي عقد النكاح و صيرورته مالكا لأمر الطلاق، فيصح الطلاق و يعتبر، لوقوعه على الزوجة.

و بالجملة: فكاشفية الطلاق هنا ككاشفيته عن الزوجية في أمر السيد عبده الذي نكح بدون إذن مولاه، فإنّه ورد في رواية ابن وهب «لأنّك حين قلت له:- طلّق- أقررت له بالنكاح».

(4) قال شارحا لعبارة القواعد المذكورة في المتن: «و لو تولّى الفضوليّ أحد طرفي العقد و باشر الآخر بنفسه- أو وليّه أو وكيله- ثبت في حقّ المباشر تحريم المصاهرة إلى أن يتبيّن عدم إجازة الآخر، لتمامية العقد بالنسبة إليه. فإن كان زوجا حرم عليه الخامسة و الأخت بلا إشكال، لصدق الجمع بين الأختين و نكاح أربع بالنسبة إليه، و لا يجدي التزلزل. و- أي: و كذا يحرم- كلّ من الامّ و البنت المعقود عليها فضوليا. إلّا أنه قبل تبيّن حالها من الإجازة أو الفسخ لا إشكال في الحرمة، لحرمة الجمع قطعا. و كذا إذا أجازت و أمّا إذا فسخت فلا حرمة بلا إشكال في البنت، و على إشكال في الأمّ، من أنّ الفسخ كاشف عن الفساد أو رافع له من حينه. و الأوّل أصحّ، فإنّ الأصحّ أنّ الإجازة إما جزء أو شرط» «3».

______________________________

(1) كذا في النسخة المصححة و القواعد المطبوعة بمركز النشر الإسلامي، و في بعض نسخ المكاسب «فلا يقع المصاهرة» و الأولى ما أثبتناه.

(2) قواعد الأحكام، ج 3، ص 16

(3) كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 18 (الطبعة الحجرية).

ص: 130

و قد صرّح أيضا (1) جماعة بلزوم النكاح المذكور من طرف الأصيل، و فرّعوا عليه تحريم المصاهرة «1».

و أمّا مثل النظر (2) إلى المزوّجة فضولا و إلى أمّها مثلا و غيره ممّا لا يعدّ تركه

______________________________

و قد وافق قدّس سرّه العلّامة في حكمه بحرمة البنت و الامّ و الأخت في مدة التربص.

و كذا الخامسة لو كانت المعقود عليها فضولا زوجة رابعة للزوج الأصيل. و خالفه في جزمه بحلّيّة الأمّ لو فسخت بنتها المعقود عليها النكاح الفضولي.

و على هذا فإن كان مراد المصنف من قوله: «نفى الاشكال» ما أفاده الفاضل الأصفهاني من الحكم بحرمة البنت و الأمّ و الأخت و الخامسة في مدّة التربّص وفاقا للعلّامة فهو متين. و إن كان مراده أنّ الفاضل نفى الاشكال المذكور في عبارة القواعد بالنسبة إلى حرمة الأمّ و حلّيّتها بعد فسخ العقد- و لعلّه المتعيّن، إذ لم يستشكل العلامة في المحرّمات بالمصاهرة إلّا في الأمّ- فهو و إن كان صحيحا، لكنه لم يجد المصنف الذي استشهد بكلام العلّامة على وجوب التزام الأصيل بالتزامه و عهده قبل الإجازة. و أمّا بعد الفسخ فلا شبهة في جوازه.

و لعلّ المصنف اعتمد في نقل كلام الفاضل الأصفهاني على مطلع كلام صاحب الجواهر من قوله: «بل في كشف اللثام نفي الاشكال فيه» «2» و لم يلاحظه بتمامه.

و كيف كان فالمستفاد من عبارة كشف اللثام عدم الإشكال في حرمة نقض ما التزم به الأصيل، و لازمه تحريم المصاهرة على المباشر، فتحرم عليه الخامسة و غيرها ممّا ذكر.

(1) يعني: كصاحبي القواعد و كشف اللثام، و هذا التصريح لازم ما التزم به الأصيل من النكاح.

(2) من الآثار التي تكون للمباشر الأصيل لا عليه، كالنظر إلى المرأة المزوّجة

______________________________

(1) لاحظ جامع المقاصد، ج 12، ص 159، الحدائق الناضرة، ج 23، ص 288 و 289 و لاحظ كنز الفوائد أيضا، ج 2، ص 324

(2) جواهر الكلام، ج 29، ص 217

ص: 131

نقضا لما التزم العاقد على نفسه، فهو (1) باق تحت الأصول (2)، لأنّ ذلك (3) من لوازم علاقة الزوجيّة غير الثابتة، بل المنفيّة بالأصل [1]. فحرمة (4) نقض العاقد لما عقد على نفسه لا تتوقّف على ثبوت نتيجة العقد أعني علاقة الملك أو الزوجية، بل ثبوت النتيجة تابع لثبوت حرمة النقض من الطرفين (5).

______________________________

فضولا، و إلى أمّها و جدّتها، و غير النظر مما لا يعدّ تركه نقضا لما التزم به العاقد الأصيل.

و لمّا كان النظر و نظائره من آثار الزوجيّة- التي لم تثبت، لكونها متقومة بكلا الالتزامين- فلا وجه لجوازها، بل الحكم فيها عدم الجواز باستصحاب عدم الزوجية.

(1) جواب الشرط في قوله: «و أما مثل».

(2) و المراد بالأصل هنا هو الاستصحاب كما أشير إليه آنفا.

(3) أي: مثل جواز النظر، و هذا تعليل لبقاء النظر و نظائره تحت الأصول.

و حاصل التعليل: أنّ جوازها منوط بوجود موضوعها أعني الزوجيّة التي لم توجد، لترتبها على كلا التزامي الطرفين، كما إذا كان المتعاقدان أصيلين.

(4) هذه نتيجة ما أفاده من التفكيك بين الآثار التي تثبت على العاقد المباشر كحرمة الخامسة و غيرها ممّا ذكر، و بين الآثار التي تكون للمباشر، فإنّ نقض تلك الآثار حرام، لكون موضوعها نفس الالتزام الذي التزم به الأصيل، و جعله على نفسه. و أمّا الآثار الثابتة للمباشر فلمّا كان موضوعها نتيجة العقد المركّب من الالتزامين- كالملكية و الزوجية- فلا تثبت له إلّا بعد تحقق نتيجة العقد، و لذا لا يكون تركها نقضا لما ألزمه على نفسه.

فصار المتحصل: أنّ مثل النظر إلى المرأة المعقودة مترتّب على زوجيّتها، لا مجرّد كونها معقودة.

(5) كما إذا كان المتعاقدان كلاهما أصيلين. و هذا مفقود فيما نحن فيه، إذ المفروض

______________________________

[1] لا يخفى أنّ أصل عدم الإجازة إنّما يجري على الكشف الذي تكون الإجازة فيه شرطا متأخرا اصطلاحيا بمعنى تقدم المشروط على الشرط، إذ القطع بوجود الإجازة فيما بعد يوجب لزوم ترتيب آثار الزوجية فعلا، فالشك في وجودها يوجب جريان

ص: 132

ثمّ إنّ بعض متأخّري المتأخّرين (1) ذكر ثمرات أخر لا بأس بذكرها للتنبّه بها، و بما يمكن أن يقال عليها (2).

[الثمرة الرابعة: سقوط أحد المتبايعين عن أهلية التملك]

منها (3): ما لو انسلخت قابليّة التملك عن أحد المتبايعين

______________________________

اختصاص حرمة النقض بالمباشر الأصيل، لكون أحد المتعاقدين فضوليا. هذا تمام الكلام في الثمرة الثالثة.

(1) و هو الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه في شرحه على القواعد، حيث عدّ أمورا أربعة ثمرة للكشف و النقل، و هي: انسلاخ أهلية المالك أو المملوك، و تجددهما، و فقد شرط العقد. و ناقش صاحب الجواهر قدّس سرّه فيها. و وافقه المصنف في الأخيرين دون الأوّلين.

فهنا أمور ثلاثة لا بدّ من بيانها، أوّلها: تقرير الثمرة، ثانيها: اعتراض صاحب الجواهر، ثالثها: منع الاعتراض في بعضها، و تسليمه في بعضها. و سيأتي بيان الكل بالترتيب إن شاء اللّه تعالى.

(2) يعني: و بما يمكن أن يستشكل به في تلك الثمرات من وجوه.

الثمرة الرابعة: سقوط أحد المتبايعين عن أهلية التملك

(3) أي: من تلك الثمرات خروج أحد المتعاقدين عن قابلية التملك، و هذا الخروج عرفي تارة كالموت الموجب لخروج المال عن ملكه و دخوله في ملك الورثة، و شرعي أخرى أي بتعبّد من الشارع. و هو إمّا مطلق بالنسبة إلى جميع أمواله، كالمرتد الفطري الذي هو كالميّت، و إما مقيّد ببعض الأموال كالمرتد الملّي الذي تنسلخ عنه أهلية تملك المصحف الشريف و العبد المسلم.

______________________________

الاستصحاب في عدمها و ترتب آثار عدم الزوجية.

و أمّا على الكشف الانقلابي فلا وجه لجريان الاستصحاب في عدم الإجازة، إذ العلم بوجودها فيما بعد لا يجدي فضلا عن الشك فيه، لعدم ترتب آثار الزوجية فعلا إلّا بعد وجودها، فمع الشك في حصول الإجازة بعد ذلك نقطع بعدم ترتب آثار الزوجية فعلا، و مع القطع لا أثر للاستصحاب حتى يجري في نفي الإجازة أو الزوجية.

ص: 133

بموته (1) قبل إجازة الآخر، أو بعروض (2) كفر بارتداد فطريّ أو غيره (3) مع (4) كون المبيع عبدا مسلما، أو مصحفا، فيصحّ حينئذ (5) على الكشف دون النقل [1].

______________________________

و حيث كان الخروج عن قابلية التملك بأحد الأمور الثلاثة فربّما يقال بظهور الثمرة بين الكشف و النقل، و تقريبه: أن العاقد الأصيل سواء أ كان بائعا أم مشتريا إذا أنشأ البيع أو الشراء، و انسلخت عنه قابلية التملك قبل إجازة الطرف الآخر المالك لأحد العوضين- مع كون المبيع مصحفا أو عبدا مسلما- صحّت المعاملة بناء على الكشف، لكون الإجازة حينئذ كاشفة عن سبق الملك على الانسلاخ المذكور، لكونه حيّا حين العقد، أو مسلما مالكا لأمواله. بخلاف القول بالنقل، فإنّ المعاملة بناء على باطلة، إذ المفروض ترتب النقل و الانتقال على الإجازة المتأخرة عن الانسلاخ المزبور، فلا تجدي في الصحة.

(1) متعلق ب «انسلخت» و ضميره راجع الى أحد المتبايعين و «قبل» متعلق ب «موته».

(2) معطوف على «بموته» و كلّ من الموت و الارتداد سبب للانسلاخ.

(3) و هو الارتداد الملّي المقابل للارتداد الفطري.

(4) هذا القيد راجع إلى المرتد الملّي، حيث إنّه يملك كل شي ء إلّا المصحف الشريف و العبد المسلم. فإن كان المبيع أحدهما لا يملكه المرتد الملّي، فإنّ ارتداده يخرجه عن قابلية التملك للمصحف و العبد المسلم، دون غيرهما من الأموال.

(5) يعني: فيصح البيع أو الشراء حين انسلاخ قابلية التملك عن أحد المتعاقدين بناء على الكشف، لما مرّ آنفا، دون النقل، لما تقدّم أيضا.

______________________________

[1] قد يقال: إن عدم مالكية الكافر للعبد المسلم إن استند إلى آية نفي السبيل فهي بمقتضى ظهور حرف الاستعلاء تنفي الغلبة على المسلم و الضرر عليه، و مجرد مالكيته له بدون السلطنة عليه ليس سبيلا، لكونه محجورا عن التصرف فيه. و إن استند إلى النبوي النافي للعلو على السلام، فإن كان مدلوله الحرمة التكليفية أي عدم جواز الاستعلاء على

ص: 134

[الثمرة الخامسة: سقوط أحد العوضين عن المالية]

و كذا (1) لو انسلخت قابليّة المنقول

______________________________

الثمرة الخامسة: سقوط أحد العوضين عن المالية

(1) هذه ثمرة ثانية من الثمرات التي ذكرها الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه و محصلها:

أنّه تظهر الثمرة بين القولين لو انسلخت قابلية المال المنقول- عوضا أو معوّضا- للملكية من طرف الأصيل إمّا بسبب تلف ذلك المال، أو عروض النجاسة عليه بحيث لا يقبل التطهير، كما إذا كان دهنا مائعا غير قابل للتطهير، و لا الانتفاع به بشي ء من وجوه الحلال.

فإذا اشترى زيد دهنا من بائع فضولي، و قبل إجازة مالك الدّهن خرج الدهن عن الملكية بالتلف أو عروض النجاسة عليه مع ميعانه المانع عن تطهيره، فعلى القول بالكشف يصح الشراء، لأنّ المشتري صار مالكا للدهن قبل تلفه أو تنجّسه، فيكون الضرر عليه لا على البائع.

و على القول بالنقل يكون الضرر على البائع، لعدم انتقال المبيع قبل الإجازة إلى المشتري، فوقع التلف و نحوه في ملك البائع، بناء على بطلان بيع المتنجس مطلقا، أو مع عدم المنفعة المحلّلة المقصودة للعقلاء.

______________________________

المسلم كان دليلا على ملكية الكافر، إذ لولا إمكان تملكه له لم يتجه النهي عنه، غايته أنه تملك محرّم، فلا بدّ من إعدامه بإجبار المالك على البيع.

و إن كان مدلوله عدم حدوث العلو لا عدم جوازه، اتّجه القول بعدم قابلية الكافر للمسلم. هذا.

و لكن يمكن أن يقال: بدلالة الآية المباركة على عدم أهلية الكافر لتملك العبد المسلم، ضرورة كون مملوكية المسلم له منقصة في شرفه و عزّته، و هو سبيل منفي حتى لو كان محجورا عن استخدامه. و قد تقرر في حديث نفي الضرر عدم اختصاص المنفي بالمال خصوصا بملاحظة مورده و شموله للمهانة في الشرف و العرض. و عليه فلا فرق في عدم مالكية المرتد الملّي للعبد المسلم بين الآية و النبوي.

ص: 135

بتلف [1] أو عروض نجاسة له مع ميعانه (1)، إلى غير ذلك.

[الثمرة السادسة: تجدد القابلية]

و في مقابله (2) ما لو تجدّدت القابليّة قبل الإجازة بعد انعدامها حال العقد، كما (3) لو تجدّدت الثمرة و بدا صلاحها بعد العقد قبل الإجازة.

______________________________

(1) المانع عن قابليته للتطهير و الموجب لسقوطه عن المالية و الملحق له بالتلف.

الثمرة السادسة: تجدد القابلية

(2) يعني: و في مقابل انسلاخ القابلية عن المال تجدّد القابليّة فيه قبل الإجازة بعد انعدام القابليّة حال العقد. فضمير «انعدامها» راجع الى القابليّة.

(3) هذا مثال لتجدد القابلية في المال المنقول بعد أن كانت معدومة، بأن باع الفضولي ثمرة الشجرة قبل بدوّ صلاحها، فأجاز المالك بعد مدّة ظهرت الثمرة فيها. فعلى القول بالكشف يصح البيع. فلو كان الزرع زكويّا كانت زكاته على المشتري، لأنّ بدوّ الصلاح كان في ملكه. و على القول بالنقل كانت زكاته على البائع، لكون ظهور الثمرة و بدوّ الصلاح في ملكه.

______________________________

[1] إن كان نظره إلى البيوع المتعارفة ممّا يكون الثمن بيد المشتري و المثمن بيد البائع قبل البيع اتجه عليه ما أفاده المحقق النائيني قدّس سرّه من انتفاء الثمرة، لفساد المعاملة لو تلف المثمن بيد البائع قبل إجازته، لكونه من تلف المبيع قبل قبضه، فمجرّد وجوده حين العقد لا يصحّح البيع بناء على الكشف «1».

و إن كان نظره إلى ترتب الثمرة بين الكشف و النقل في بعض الموارد، كما إذا كان المبيع بيد المشتري أمانة كالعارية و الوديعة و الرهن، فبيع فضولا و تلف بيده، اتّجه ما أفاده من ترتب الثمرة عليه، لصحته بالإجازة بناء على الكشف، و فساده على النقل.

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 250

ص: 136

[الثمرة السابعة: فقد شرط العقد]

و فيما (1) [1] قارن العقد فقد الشروط [الشرط]،

______________________________

الثمرة السابعة: فقد شرط العقد

(1) هذه ثمرة أخرى، و عطف قوله: «و فيما» على ما قبله يكون من عطف العام على الخاصّ، إذ المراد بقوله: «قارن العقد فقد الشرط» أعم من شروط المتعاقدين و شروط العوضين، و من المعلوم أنّ الثمرات الثلاث المتقدمة من أفراد هذا العام، و ليست خارجة عنه.

فكل شرط من شروط تأثير العقد إن كان مفقودا حين العقد و صار موجودا بعد العقد، أو كان موجودا حين العقد، و فقد بعده قبل الإجازة، يكون العقد في الصورة الاولى- و هي فقدان الشرط حين العقد و وجدانه بعده- باطلا بناء على الكشف، لوقوع العقد فاقدا للشرط. و بناء على النقل صحيحا، لوقوع العقد واجدا للشرط.

و في الصورة الثانية- و هي وجود الشرط عند العقد و فقدانه بعده قبل الإجازة-

______________________________

[1] لعل الأولى إبدال العبارة هكذا «و منها: ما لو انسلخت قابلية التملك .. إلخ.

و منها: ما لو انسلخت قابلية المنقول بتلف أو عروض نجاسة .. إلخ. و منها: ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة بعد انعدامها .. و منها: ما لو قارن العقد فقد الشرط .. إلخ».

و الحاصل: أنّ السياق يقتضي تبديل العبارة بما ذكر، لأنّ كل واحد من الأمور المذكورة ثمرة من الثمرات التي ذكرها في شرح القواعد. فالمناسب تكرير «منها» عطفا على «منها ما لو انسلخت قابلية التملك .. إلخ». أو إبدالها هكذا: «و ما لو انسلخت قابلية المنقول ..

و ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة .. إلخ. و ما لو تجددت الثمرة .. إلخ. و ما لو قارن العقد فقد الشرط .. إلخ».

و الوجه في هذا الإبدال الثاني هو: أنّ الثمرات الثلاث المذكورة بعد الثمرة الاولى- و هي: «منها ما لو انسلخت قابلية التملك .. إلخ»- معطوفة على «ما» الموصول في «منها ما لو انسلخت قابلية التملك» و هذا العطف يقتضي سقوط «في» في قوله: «و في مقابله» و في قوله: «و فيما قارن العقد».

ص: 137

ثمّ حصل، و بالعكس (1). «1».

و ربما يعترض (2) على الأوّل بإمكان دعوى ظهور الأدلّة في اعتبار استمرار القابليّة إلى حين الإجازة على الكشف، فيكشف الإجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمرّا إلى حين الإجازة.

______________________________

يكون العقد بناء على الكشف صحيحا، لوقوع العقد جامعا للشرائط، و على النقل باطلا، لوقوع العقد فاقدا لشرط الصحة.

(1) و هو وجود الشرط حين العقد، و عدمه بعده قبل الإجازة.

(2) المعترض صاحب الجواهر قدّس سرّه، و المراد بالأوّل هو الثمرة الاولى، و هي قوله:

«ما لو انسلخت قابلية التملك عن أحد المتبايعين» و محصل الاعتراض على الثمرة الاولى هو: أنّ ظاهر أدلة صحة البيع و الشراء اعتبار استمرار قابلية التملك من زمان صدور العقد إلى حين تحقق الإجازة على القول بالكشف كالنقل.

و عليه فإذا انسلخت قابلية التملك عن أحد المتعاقدين قبل الإجازة يبطل العقد بناء على الكشف و النقل معا، فلا يصحّ جعل الثمرة الأولى ثمرة لكاشفية الإجازة و ناقليّتها «2».

و بعبارة اخرى: أنّ أدلة صحة البيع الفضولي ظاهرة في اعتبار اتصال قابلية التملك بين زماني العقد و الإجازة، حتى يستند خروج المال عن ملك كل واحد من المتبايعين إلى إجازة المجيز، بحيث لولاها استمرّت الملكية، و لم تنقطع الإضافة إلّا بالإجازة الموجبة لانتقال البدل إلى الطرف الآخر.

و الشاهد على اعتبار بقاء صلاحية الأصيل للتملك بعض النصوص المستدل بها على صحة الفضولي، كصحيحة محمّد بن قيس الواردة في بيع الوليدة بغير إذن سيّدها، و موثقة جميل الواردة في مخالفة العامل لما اشترط عليه ربّ المال، و الأخبار الواردة في اتجار غير الولي بمال اليتيم «3»، إذ ظاهرها- بل صريح بعضها- بقاء الأصيل على

______________________________

(1) شرح القواعد (مخطوط) الورقة 62

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 290- 291

(3) تقدمت هذه النصوص في الجزء الرابع من هذا الشرح، ص 388 و 427 و 440

ص: 138

و فيه (1): أنّه لا وجه لاعتبار استمرار القابليّة، و لا استمرار التملّك

______________________________

أهلية التملك إلى ظرف الإجازة.

و من المعلوم أنّ هذا الضابط مفقود في ما لو سقط الأصيل عن أهلية التملك قبل الإجازة، لعدم استناد خروج المال عن ملكه إليها، بل يستند إلى المانع عن اعتبار الملكية له عرفا كما في الموت، أو شرعا كالارتداد عن فطرة.

و عليه فالفرض الذي أفاده كاشف الغطاء قدّس سرّه خارج موضوعا عمّا تقتضيه أدلة صحة البيع الفضولي، و لا تصل النوبة إلى ملاحظة مبنى الكشف و النقل، لأنّ الإجازة- بناء على النقل أيضا- مرتبطة بالعقد و منفذّة له، و ليست إنشاء مستأنفا.

و نتيجة هذا البيان اعتبار اتصال مالكية كلّ منهما لماله إلى زمان الإجازة، و عدم سقوطه عن أهلية التملك في المدة المتخللة بينها و بين العقد.

فإن قلت: تقدّم في صحيحة الحذّاء- الواردة في تزويج الصغيرين فضولا- تملّك الزوجة للإرث إذا أجازت العقد بعد بلوغها، و بعد أن بلغ الزوج و أجاز و مات «1».

و هذا شاهد على عدم اشتراط صحة العقد الفضولي باستمرار الأهلية إلى زمان الإجازة، و إلّا لزم عدم استحقاق الزوجة الصغيرة لحصّتها من الإرث.

قلت: نعم هذه الصحيحة و إن دلّت على عدم اعتبار بقاء أهلية التملك إلى حين الإجازة، لكنها مختصة بموردها، و لا يتعدّى منها إلى البيع الفضولي. قال في الجواهر:

«و فيه: أنّ الأوّل و إن كان قد يشهد له خبر الصغيرين اللذين مات أحدهما. لكن يمكن الجمود عليه. و دعوى عدم الجواز في غيره بناء على الكشف أيضا، ضرورة أنّه عليه يمكن دعوى ظهور الأدلة في اعتبار القابلية حاله كالنقل أيضا. و أنّه لولا الرضا لكان مالكا، بل لا بدّ من اتصالها من حين العقد إلى حين الإجازة .. إلخ» «2».

ثم إنه قدّس سرّه منع من ترتب الثمرة الثانية، و هي تلف العين عقلا أو شرعا، و كذا الثمرة الثالثة و هي فقد بعض شرائط العقد، و سيأتي بيانه.

(1) هذا ردّ اعتراض الجواهر قدّس سرّه، و مرجع هذا الرّد إلى وجهين، أحدهما نقضي

______________________________

(1) تقدمت في ص 69، فراجع.

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 291

ص: 139

المكشوف عنه بالإجازة إلى حينها (1)، كما (2) لو وقعت بيوع متعدّدة على مال، فإنّهم صرّحوا «1» «بأنّ إجازة الأوّل (3) توجب صحّة الجميع» مع عدم بقاء مالكية الأوّل (4) مستمرّا (5).

______________________________

بالنظر الى الفتاوى، و ثانيهما حلّي بالنظر إلى مفاد الأدلة.

أمّا النقضي فهو: أنّ القائلين بصحة البيع الفضولي بالإجازة تسالموا عليها في مسألة ما لو تسلسلت العقود على مال المجيز- كما سيأتي تفصيله في (ص 409)- مع أنّ المجيز على القول بالكشف ليس مالكا حين إجازة العقد الأوّل، لزوال ملكيته بها، و لا تبقى حتى تصح العقود المتأخرة. و هذا شاهد على عدم اعتبار بقاء الملكية.

و قد التزم صاحب الجواهر قدّس سرّه به، فقال في جملة كلامه: «و أمّا ما بعده- أي: بعد العقد المجاز- من العقود فلا ريب في صحتها بناء على الكشف، لوقوع التصرف حينئذ في الملك. و أمّا على النقل فيحتمل البطلان، لتعذر الإجازة حينئذ من المالك. و الصحة بلا إجازة ..» «2».

و امّا الحلّي، فهو: ظهور بعض الأخبار و صراحة الآخر في عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة، و سيأتي توضيحه إن شاء اللّه تعالى.

(1) متعلّق ب «استمرار» أي: استمرار القابليّة إلى حين الإجازة.

(2) هذا إشارة إلى الجواب النقضي المتقدم بيانه بقولنا: «أمّا النقضي فهو .. إلخ».

(3) أي: البيع الأوّل، فإنّ إجازته تصحّح جميع البيوع المترتبة عليه، مع عدم بقاء مالكيته مستمرا حال تلك البيوع.

(4) أي: البائع الأوّل، فإنّه بعد البيع خرج المبيع عن ملكه، و لم يبق على ملكه حين الإجازة، مع أنّ الفقهاء صرّحوا بصحة جميع البيوع الواقعة عليه. و هذا التصريح لا يلائم اعتبار استمرار قابلية التملك إلى زمان صدور الإجازة.

(5) يعني: مستمرا إلى زمان الإجازة.

______________________________

(1) و لاحظ: جامع المقاصد، ج 4، ص 70، مسالك الافهام، ج 3، ص 158 مفتاح الكرامة، ج 4، ص 191

(2) المصدر، ص 292.

ص: 140

و كما يشعر به (1) بعض أخبار المسألة المتقدّمة، حيث إنّ ظاهر بعضها و صريح الآخر عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة.

مضافا (2) إلى فحوى خبر تزويج الصغيرين،

______________________________

(1) أي: بعدم اعتبار استمرار قابلية التملّك إلى زمان صدور الإجازة. و هذا إشارة إلى الجواب الحلّيّ، و محصّله: أنّه يستفاد ظهورا و صراحة من أخبار مسألة الفضولي عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة، فما ذهب إليه صاحب الجواهر- من اعتبار اتّصال الملكية من زمان العقد إلى حين الإجازة- ممنوع، لشهادة طائفتين من الأخبار بخلافه.

فالطائفة الأولى: ما تكون ظاهرة- بمقتضى إطلاقها- في نفي شرطية الاتصال، و ذلك كموثقة جميل الواردة في المضاربة التي خالف العامل للشرط، حيث حكم الامام عليه السّلام «بأنّ الربح ينقسم بين ربّ المال و العامل» بناء على استفادة حكم الفضولي منها، و أنّ توزيع الربح بينهما يكون بعد إجازة ربّ المال للمعاملات التي أتى بها العامل، فإنّ حكمه عليه السّلام مطلق شامل لما إذا بقي الأصيل- الذي باع و اشترى من عامل المضاربة- على أهلية التملك، و لما إذا سقط عنها.

و كأخبار الاتجار بمال اليتيم، فإنّ حكمه عليه السّلام «بأنّ الربح لليتيم»- بناء على حملها على صورة إجازة الولي لتكون من أدلة صحة الفضولي- يعمّ صورتي استمرار ملكية الأصيل و زوالها.

و الطائفة الثانية هي رواية ابن أشيم الواردة في العبد المأذون الذي اشترى أباه من مواليه و أعتقه، فإنّها صريحة في نفي شرطية اتصال الملكية، إذ المفروض فيها موت دافع المال إلى العبد، مع أنّه عليه السّلام حكم برقيّة أب العبد المأذون لورثة دافع المال لو أقاموا البينة على أنّ العبد المأذون اشترى أباه بمال مورّثهم.

و الحاصل: أنّ سقوط الأصيل عن قابلية التملك بالموت غير مانع عن تنفيذ البيع الفضولي بالإجازة المتأخرة المستفادة من مطالبة كلّ من الورثة، أو مولى العبد المأذون.

(2) غرض المصنف المناقشة مع صاحب الجواهر بالنسبة إلى ترتب الثمرة الثانية على نزاع الكشف و النقل، و توضيحه: أنّ صاحب الجواهر قدّس سرّه اعترض على شيخه كاشف الغطاء في ما لو انسلخت قابلية المنقول بتلف، أو ما يسقطه عن المالية عرفا أو شرعا.

ص: 141

..........

______________________________

و حاصل الاعتراض: أنّ هذه الثمرة أولى بالمنع من الاولى، و هي سقوط المالك عن أهلية التملك. و ذلك لأنّ المعتبر في باب الفضولي اجازة المالك و رضاه بالعقد، فلو انتفت قابلية العين للتملك كما إذا انقلب الخلّ خمرا بعد إنشاء الفضولي و خرجت عن ملك المجيز، لم يصدق عليه «أنّه مالك» حتى تؤثّر إجازته في صحة بيع الفضولي. و لا فرق في هذا بين الكشف و النقل.

و وجه أولوية انتفاء هذه الثمرة: أنّ المالك مفروض الوجود في الثمرة الأولى، غايته أنّه يتبدل من الأصيل إلى غيره. بخلاف هذه الثمرة، لكون سقوط المال عن الملكية موجبا لانتفاء عنوان المالك رأسا، لأنّ الملكية نسبة بين المالك و المملوك أو إضافة بينهما.

هذا ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه.

و ناقش المصنف قدّس سرّه فيه بتثبيت الثمرة، و ذلك لوجهين.

أحدهما: فحوى صحيحة الحذاء الواردة في تزويج الصغيرين، فإنّ موردها و إن كان النكاح الفضولي، إلّا أنّه لا يمنع من استفادة حكم البيع الفضولي منها، و ذلك لأنّ الزوجين ركنان في عقد النكاح كالعوضين في البيع و شبهه. و المفروض في الصحيحة موت الزوج الذي هو أحد الركنين، و قد حكم عليه السّلام بصحة العقد لو رضيت الزوجة بعد إدراكها و حلفها. و ليكن البيع الفضولي صحيحا بإجازة المالك لو سقط المبيع عن المالية و الملكية بعد العقد إمّا بالتلف الحقيقي بانعدام صورته النوعية، و إمّا بما يسقطه عن المالية كتنجس الدهن بإصابة القذر به.

فيقال: إنّه بناء على كاشفية الإجازة يصح البيع، لكون المال مملوكا حين العقد، و قد عرض عليه التلف بعده، فيتلف على المشتري. و بناء على النقل يتلف على البائع.

و يمكن أن يستفاد من هذه الصحيحة في الرد على صاحب الجواهر بالنسبة إلى الثمرة الاولى، و ذلك بالفحوى، لأنّ تلف الركن لو لم يقدح في صحة العقد كان تلف غير الركن- و هما المتبايعان في باب البيع- أولى بعدم القدح. فلا يكون الموت و الكفر مبطلين للمعاملة.

ثانيهما: الظهور الإطلاقي الناشئ من ترك الاستفصال في قضية عروة البارقي التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي. توضيح دلالتها على عدم اعتبار استمرار القابلية إلى زمان صدور الإجازة هو: أنّه لمّا أخبر عروة النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلم بما صنع، قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم:

ص: 142

الذي (1) يصلح ردّا لما ذكر في الثمرة الثانية، أعني خروج المنقول عن قابليّة تعلّق إنشاء عقد أو إجازة به لتلف و شبهه، فإنّ (2) موت أحد الزوجين كتلف أحد العوضين في فوات أحد ركني العقد.

مضافا (3) إلى إطلاق رواية عروة، حيث لم يستفصل [1] النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن موت الشاة أو ذبحه (4) [2] و إتلافه.

______________________________

«بارك اللّه لك في صفقة يمينك» و لم يستفصل عن موت الشاة أو ذبحها. و ترك الاستفصال دليل على عدم اعتبار استمرار القابلية إلى زمان صدور الإجازة.

(1) صفة للخبر، لا للفحوى.

(2) هذا تقريب الفحوى، و قد تقدم توضيحه آنفا، و قوله: «كتلف» خبر «فإنّ».

(3) هذا هو الوجه الثاني، و قد تقدم آنفا بقولنا: «ثانيهما: الظهور الإطلاقي الناشئ من ترك الاستفصال .. إلخ».

(4) معطوف على «موت». و الأولى تأنيث الضمير في «ذبحه و إتلافه» لرجوعه إلى الشاة.

______________________________

[1] أمارية ترك الاستفصال على الإطلاق أو العموم تختص بأمور جرت العادة على وقوعها، و الاعتداد بها، فإذا قال المولى: «إذا سافرت فقصّر» و لم يعيّن وسيلة قطع المسافة من الطائرة أو السيّارة أو غيرهما مع جريان العادة على السفر بجميع تلك الوسائل النقّالة، كان عدم التعيين دليلا على أنّ المسافرة بكل وسيلة من تلك الوسائل توجب القصر. و من المعلوم أنّ موت الشاة في ذلك الزمان اليسير غير عادي حتى يكون ترك الاستفصال دليلا على عدم اعتبار بقاء القابلية إلى زمان صدور الإجازة كما هو مرام المصنف قدّس سرّه في مقام الرّد على صاحب الجواهر قدّس سرّه القائل باعتبار استمرار القابليّة إلى زمان الإجازة، هذا.

[2] لا يخفى ما في عطف الذبح على الموت من المسامحة، لعدم خروج الشاة بالذبح عن المالية و القابلية عرفا و شرعا، لوضوح أنّ الموت يعدم الشاة، و الذبح يبدّل صفتها بصفة أخرى. و تبدل الوصف يغاير انعدام الموصوف، بل الإتلاف الموجب للضمان أيضا. و عليه فالأولى الاقتصار في الانسلاخ عن المالية على الموت.

ص: 143

نعم ما ذكره أخيرا (1) من تجدّد القابلية بعد العقد حال الإجازة لا يصلح (2) ثمرة للمسألة (3)، لبطلان (4)

______________________________

(1) يعني: ما ذكره كاشف الغطاء قدّس سرّه ممنوع. و غرض المصنف قدّس سرّه موافقة صاحب الجواهر في منع الثمرة الثالثة و الرابعة المتقدمتين في (ص 136) بقوله: «و في مقابله ما لو تجدّدت القابلية قبل الإجازة .. و فيما قارن العقد فقد الشرط ..». فقد منعهما في الجواهر بما لفظه: «و أوضح من ذلك فسادا فاقد القابلية للملك، ثم وجدت قبل الإجازة، فإنّه لا وجه للصحة على الكشف كما هو واضح. و على النقل أيضا، لعدم قابلية العقد حال وقوعه للنقل، فلا تنفعه الإجازة بعد أن كان في غير محله» «1».

و حاصله: أنّ العقد الفاقد لشرط من شروط الصحة باطل من أصله، و لا يمكن تصحيحه بالإجازة، لاعتبار اجتماع شرائط الصحة- إلّا الولاية على العقد- في عقد الفضولي، حتّى يؤثّر بالإجازة المتأخرة. و لا فرق في ذلك بين كاشفية الإجازة و ناقليّتها.

و بعبارة أخرى: العقد الفضولي يكون مقتضيا للتأثير، و تتوقف فعلية التأثير على إجازة ولىّ أمر العقد، و هذا الاقتضاء منوط باجتماع الشرائط حال الإنشاء. و الفرق بين العقد الفضولي و عقد المالك أنّ الأوّل مقتض للتأثير، و الثاني سبب تامّ، إلّا في مثل الصرف و السلم ممّا يكون القبض دخيلا فيه.

و العقد الفضولي لا يكون مقتضيا إلّا باستجماع شرائط الصحة، فلو اختلّت بعضها لم يتحقق ذلك الاقتضاء حتى ينتهي إلى الفعلية بانضمام الإجازة.

و هذا البيان كما يمنع الثمرة الثالثة و هي تجدد القابلية، كذلك يمنع الثمرة الرابعة، و هي فقد شرط الصحة.

(2) خبر قوله: «ما ذكره أخيرا».

(3) و هي مسألة الكشف و النقل.

(4) تعليل لقوله: «لا يصلح» و قد عرفت آنفا وجه عدم الصلاحية.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 291

ص: 144

العقد ظاهرا على القولين (1). و كذا (2) فيما لو قارن العقد فقد الشرط.

و بالجملة (3): فباب المناقشة و إن كان واسعا

______________________________

(1) و هما القول بالكشف و القول بالنقل.

(2) أي: و كذا لا يصلح ثمرة للمسألة فيما لو قارن العقد فقد الشرط.

(3) قد اتضح أنّ الأقوال في الثمرة الاولى- و هي خروج أحد المتبايعين عن أهلية التملك قبل الإجازة- ثلاثة:

فالأوّل ما أفاده الشيخ الفقيه كاشف الغطاء من التفصيل بين الكشف و النقل، و لذا جعله ثمرة للقولين في الإجازة.

و الثاني: ما اختاره صاحب الجواهر قدّس سرّه من اعتبار استمرار تملك المتبايعين إلى لحوق الإجازة بالبيع الفضولي مطلقا. فتنتفي الثمرة بين الكشف و النقل.

و الثالث: ما استظهره المصنّف قدّس سرّه من الأدلة من عدم الاعتبار.

و الغرض- بعد بيان هذه الكبرى- المناقشة في كلام كاشف الغطاء من تنظيره للخروج عن القابلية بالموت و الرّدة.

أمّا المناقشة في مثال الموت فلأنّه يتوقف على شراء الأصيل شيئا بثمن كلّي في ذمته، و موته قبل إقباض الثمن، فيقال بصحته بناء على الكشف، دون النقل.

فلو اشترى بعين خارجية، فمات، صحّ حتى بناء على الكشف، و ذلك لأنّ الثمن الشخصي ينتقل بموته إلى ورثته، و لهم إجازة عقد المورّث، فإن أجازوا وقعت المعاملة للمورّث، ثم ينتقل إليهم المبيع بالإرث، بناء على الكشف. و بناء على النقل تقع للورثة.

و عليه فلا يصح جعل الموت مطلقا صغرى للخروج عن قابلية التملك.

و أمّا المناقشة في مثال الارتداد الفطري، فأمران:

أحدهما: ما تقدم آنفا من الشراء في ذمة نفسه، فلو اشترى أو باع بعين خارجية لم تبطل المعاملة، و إنّما تكون فضولية، لانتقال أمواله إلى ورثته، فبيدهم الرّد و الإجازة و لا مانع من صحة البيع الفضولي إذا كان كلا الطرفين فضوليا.

و ثانيهما: القول بانتقال جميع أمواله- حتى ما يتجدد له بعد الكفر باكتساب أو حيازة مباح- إلى ورثته بمجرد الارتداد، فلو قيل بظهور الدليل- على تقسيم أمواله- في

ص: 145

إلّا أنّ الأرجح (1) في النظر ما ذكرناه (2).

[ثمرات اخرى للقول بالكشف و النقل]

و ربما يقال: بظهور الثمرة في تعلّق الخيارات (3)

______________________________

خصوص ما يملكه حال الرّدة، لم تترتب الثمرة بين الكشف و النقل لو باع أو اشترى بما اكتسبه بعدها، لشمول إطلاقات أدلة المعاملات له، و عدم مانع من صحتها و نفوذها.

و أما المناقشة في التمثيل بالمرتد الملّي- بالنسبة إلى شراء المصحف الشريف و العبد المسلم، أو بيعهما- فهي: أنّ ترتب الثمرة يتوقف على القول بخروجهما عن ملكه بمجرد الارتداد. فلو قيل بعدمه، و إنما يجبر على نقلهما إلى مسلم، لم تترتب الثمرة بين الكشف و النقل، لفرض كونه مالكا لهما بعد الكفر.

هذا ما يرد على صغريات الثمرة الاولى، و أنّها خارجة موضوعا عن الثمرة بناء على بعض التقادير، و لكنّ الكبرى- و هي عدم اعتبار استمرار القابلية- تامّة.

(1) خبر قوله: «فباب المناقشة».

(2) من عدم اعتبار استمرار القابليّة من حين العقد إلى زمان الإجازة، و كذا عدم اعتبار استمرار التملّك إلى زمان الإجازة.

ثمرات اخرى للقول بالكشف و النقل

(3) توضيح هذه الثمرة- التي ذكرها كاشف الغطاء قدّس سرّه أيضا- أنّه إذا اختلف حال المبيع صحة و عيبا بأن كان صحيحا حين العقد المفروض وقوعه يوم الجمعة، و صار معيبا حال الإجازة الصادرة يوم السبت مثلا. فعلى القول بالكشف يكون البيع لازما، لحدوث العيب في ملك المشتري، فلا خيار له. و على القول بالنقل يكون البيع جائزا، لوقوع العيب في ملك البائع، فيثبت الخيار للمشتري.

و لو انعكس الأمر، بأن كان المبيع حين وقوع العقد معيبا، و صار صحيحا عند صدور الإجازة، فعلى القول بالكشف يثبت الخيار للمشتري، لوقوع البيع على المعيب، و العيب يوجب الخيار. و على القول بالنقل يكون العقد لازما، لكون المبيع صحيحا عند صدور الإجازة المتممة للبيع، هذا.

و كذا تظهر الثمرة في خيار الغبن، كما إذا بيع المال فضولا بأكثر من قيمته السوقية،

ص: 146

و حقّ الشفعة (1)

______________________________

فصار المشتري مغبونا، و ترقّت قيمته حال الإجازة. فبناء على الكشف يثبت خيار الغبن للمشتري، دون النقل.

و لو انعكس الأمر، بأن بيع المال بأقلّ من قيمته الواقعية، ثم انخفضت حال الإجازة. فعلى الكشف يثبت الخيار للبائع، دون النقل.

و أمّا خيار المجلس، فالظاهر عدم تعلّقه بعقد الفضولي، لعدم انطباق ما في دليله من أنّه «إذا افترقا وجب البيع» عليه، إذ لا عبرة بافتراق غير المتبايعين عن مجلس العقد، و إن كان مجلس عقد الفضولي مجلس العقد. و عليه فيختص خيار المجلس بما يكون افتراق المتعاقدين عنه سببا للزوم البيع.

و دعوى «ظهور الثمرة فيما لو استمرّ مجلس البيع الفضولي إلى زمان حضور المجيز، و أجاز، فيثبت خيار المجلس، لكونه مجلس البيع» غير ظاهرة، إذ الكلام في حسبان مبدأ خيار المجلس، و أنّه العقد أو الإمضاء، و المفروض في المثال وحدة المجلسين، و لا ريب في كون مبدأ الخيار تفرقهما عنه بعد الإجازة سواء على الكشف و النقل.

و سيأتي تفصيل الكلام- في اختصاص خيار المجلس بالأصيل، دون الفضولي و كذا الوكيل في الإنشاء- في أوائل الخيارات إن شاء اللّه تعالى.

(1) يعني: في مورد تبدل الشريك، كما إذا كانت الدار ملكا مشاعا لزيد و عمرو، فباع الفضولي يوم السبت حصّة زيد، و باع عمرو حصّته يوم الأحد، و أجاز زيد يوم الاثنين. فبناء على الكشف يثبت حقّ الشفعة لعمرو، لأنّ حصّة زيد انتقلت إلى من اشترى من الفضول من يوم السبت، فلعمرو الأخذ بالشفعة و فسخ البيع الواقع يوم السبت، و ضمّ حصّة زيد- المبيعة فضولا- إلى حصته.

فإن أخذ بالشفعة فهو، و إلّا يثبت حقّ الشفعة للمشتري من الفضولي، و له الأخذ به و فسخ البيع الواقع يوم الأحد بين عمرو و المشتري منه، لوقوع هذا البيع الثاني بعد تماميّة البيع الأوّل المجاز من يوم السبت و إن صدرت الإجازة يوم الاثنين، و صيرورة المشتري من الفضولي شريكا للأصيل حينما باع حصته يوم الأحد.

و بناء على النقل ينعكس الأمر، فيثبت حق الشفعة من يوم الأحد لزيد،

ص: 147

و احتساب (1) [1] مبدأ الخيارات، و معرفة (2) مجلس الصرف و السّلم، و الأيمان (3)

______________________________

لصيرورته شريكا مع المشتري من الأصيل و هو عمرو، فله إعمال حقّه، و تملك حصة عمرو، ثم إجازة البيع الواقع على حصته. و حيث إنّ المفروض عدم أخذ زيد بحقّ الشفعة- و إنّما أجاز يوم الاثنين عقد الفضول- فقد سقط حقه، و يثبت للمشتري من عمرو حقّ الشفعة على المشتري من الفضولي.

(1) كما إذا بيع حيوان فضولا، فإن مبدأ الثلاثة من حين العقد بناء على الكشف، و من حين الإجازة بناء على النقل، لتوقف تمامية البيع عليها.

و كذا الحال لو بيع دار فضولا، و اشترط المشتري لنفسه الخيار شهرا مثلا، و أجاز المالك بعد أيام، فبناء على الكشف يكون مبدأ الخيار حين العقد، و بناء على النقل حين الإجازة.

(2) فعلى القول بالكشف يكون المراد بالقبض في المجلس المعتبر في الصرف و السلم القبض في مجلس العقد، و على القول بالنقل يكون المراد القبض في مجلس الإجازة.

(3) كما إذا حلف زيد على أن يتصدّق بجميع أمواله في يوم الغدير مثلا، و كان من جملة أمواله كتاب المكاسب الذي اشتراه من فضوليّ، و لم يجز مالكه إلّا يوما بعد يوم الغدير. فعلى القول بالكشف يجب عليه التصدق بكتاب المكاسب، لأنّه صار من أمواله حين الحلف. و على القول بالنقل لا يجب عليه التصدّق بالمكاسب، لعدم صيرورته ملكا له يوم الغدير.

و لو انعكس الأمر، بأن بيع شي ء من أمواله قبل الغدير فضولا، و أجازه بعده.

فعلى الكشف لا يجب عليه التصدق، لخروجه عن ملكه قبل الغدير. و بناء على النقل

______________________________

[1] يمكن أن يقال: إنّ مبدء الخيار من حين الإجازة مطلقا و لو على الكشف، لأنّ الفسخ و إن كان هو حلّ العقد الذي أنشأه الفضولي قبل الإجازة بيوم أو أكثر. إلّا أنّ حلّ العقد وظيفة من كان العقد منسوبا إليه، و من المعلوم أنّ العقد لا ينسب، إلى من له حلّه إلّا بالإجازة، فمبدء الخيار من زمان الإجازة مطلقا.

ص: 148

و النذور (1) المتعلّقة بمال البائع أو المشتري.

[ظهور الثمرة في العقود المترتبة]

و تظهر الثمرة أيضا (2) في العقود المترتّبة على الثمن أو المثمن، و سيأتي (3) إن شاء اللّه.

______________________________

يجب عليه التصدق.

(1) كما إذا نذر أن يعطي كتاب المكاسب مثلا لزيد المشتغل بتحصيل العلم، و قد اشترى ذلك من فضوليّ يوم الخميس، لكن لم يجزه مالكه إلّا يوم السبت. فعلى القول بالكشف يجب الوفاء بالنذر، لكونه مالكا لكتاب يوم الجمعة. و على القول بالنقل لا يجب، لعدم كونه مالكا للكتاب حال النذر.

ظهور الثمرة في العقود المترتبة

(2) يعني: كالثمرات المتقدمة المترتبة على الكشف و النقل، و حاصل هذه الثمرة: أنّه إذا باع من اشترى فضولا متاعا، و كان بيعه له قبل إجازة مالك المتاع، ثم أجازه مالكه.

فعلى القول بالكشف يصحّ البيع الثاني للمشتري، لوقوعه في ملكه، بداهة أنّ الإجازة أوجبت صحة شرائه، و صيرورة المتاع ملكا له، و وقوع البيع الثاني للمشتري في ملكه.

و على النقل يدخل البيع الثاني- الصادر من المشتري- في مسألة: من باع شيئا ثم ملكه.

(3) في الأمر الثالث من الأمور المتعلقة بالمجاز إن شاء اللّه تعالى شأنه، حيث قال في جملة كلامه: «و ملخّص ما ذكرنا: أنّه لو ترتّبت عقود متعددة على مال المجيز، فإن وقعت من أشخاص متعددة كان إجازة وسط منها فسخا لما قبله، و إجازة لما بعده على الكشف، و إن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر» فلاحظ (ص 414).

و بهذا يتمّ البحث في المقام الثاني المتكفّل لبيان الثمرات، و سيأتي الكلام في المقام الثالث، و هو تنبيهات الإجازة.

ص: 149

[تنبيهات الإجازة]
اشارة

و ينبغي التنبيه على أمور (1):

[الأوّل: الخلاف في الكشف و النقل حكمي لا مفهوميّ]

الأوّل (2):

______________________________

تنبيهات الإجازة

(1) و هي أمور تتعلق بنفس الإجازة سواء قيل بالكشف أو النقل، مثل اعتبار قصد خصوص ما يعتقده، و اعتبار إظهارها بالألفاظ الدالّة عليها عرفا، أو كفاية الكناية و الفعل، و اعتبار عدم سبق الردّ عليها، و غير ذلك ممّا سيبحث عنه في التنبيهات الآتية إن شاء اللّه تعالى.

الخلاف في الكشف و النقل حكمي لا مفهوميّ

(2) الغرض من عقد هذا الأمر بيان منشأ الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة، ثم النظر فيما يترتب على ما لو خالف المجيز معتقده، كما لو اعتقد- اجتهادا أو تقليدا- كونها كاشفة، فقصد كونها ناقلة، أو بالعكس.

و قد تعرّض لهذا البحث الفقيه الأكبر كاشف الغطاء قدّس سرّه و تبعه صاحب الجواهر، و محصله: أنّ منشأ الخلاف في الكشف و النقل هو الاستظهار من الأدلّة. و وافقهما المصنف في المبنى، و خالفهما في ما يترتب عليه من بطلان الإجازة و لغويّتها لو قصد المجيز خلاف معتقده.

قال في شرح القواعد: «و هل بناء القولين على مقتضى الظاهر، فيجوز الانصراف

ص: 150

..........

______________________________

عن كلّ منهما بعد وجود الصارف من قبل العاقد، أو من خارج [1]. أو على اللزوم، فإذا تعذّر أحدهما، أو صرّح بخلافه بطلت؟ وجهان، أقواهما الثاني» «1».

و توضيح المطلب: أنّ منشأ الشبهة في الكشف و النقل يمكن أن يكون أحد أمور ثلاثة:

الأوّل: الشك في المفهوم، بأن لا يكون معنى الإجازة واضحا، فيدّعي القائل بالكشف أنّها بمعنى الكشف عن ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه، لأنّها تنفيذ مضمون العقد لا غير. و يدّعي القائل بالنقل أنّها الرضا بمضمون العقد، و مقتضى هذا المفهوم اللغوي حصول الأثر من زمان تحقق الإجازة.

الثاني: أن لا يكون النزاع في المعنى اللغويّ، بل يكون في منصرف الإطلاق، بأن يقال: إنّ مفهوم الإجازة هو طبيعي الرضا بالعقد، و هو لا يقتضي بنفسه الكشف و النقل، لصلاحيته لكلّ منهما. و لكن يزعم القائل بالكشف انصراف هذا الإطلاق إلى ترتب أحكام المعاملة من حين العقد، كما يدّعي القائل بالنقل الانصراف إلى حصة أخرى، و هي تحقق الآثار من حين الإجازة. و هذا نظير انصراف إطلاق العقد إلى كون الثمن نقد بلد المعاملة.

______________________________

[1] الظاهر أنّ مراده من الخارج ما إذا امتنع كون الإجازة كاشفة، فإنّه خارج عن موضوع هذا البحث، كما إذا باع شيئا ثم ملكه، فإنّ إجازة بيع نفسه لا توجب انتقال المال إليه من زمان بيعه فضولا. و كذا لو لم يتمشّى نزاع الكشف و النقل، كما مثّل له كاشف الغطاء ببيع الصرف و السلم فضولا، ثم إجازته قبل القبض، قال قدّس سرّه في محكي شرح القواعد: «إنّ من إجازة الفضولي ما هو صحيح، و لكنه غير متصف بكونه كاشفا و لا بكونه ناقلا. مثلا الإجازة اللاحقة لبيع الصرف أو السلم الواقع فضولا قبل القبض، فإنّها صحيحة مؤثرة، و ليست بكاشفة و لا ناقلة ..» «2».

______________________________

(1) شرح القواعد، مخطوط، و العبارة منقولة في حاشية المكاسب للسيد الطباطبائي، ج 1، ص 158، و في غاية الآمال، ص 389

(2) غاية الآمال، ص 390

________________________________________

ص: 151

..........

______________________________

و بناء على هذا الاحتمال يصحّ صرف الإطلاق بقرينة إلى أحد الفردين، كما لو أقام القائل بالكشف قرينة على إرادة كونها ناقلة في هذا البيع الفضولي، أو امتنع كونها كاشفة كما في مسألة: من باع شيئا ثم ملكه.

الثالث: أن لا يكون منشأ الشبهة الوضع اللغوي و لا انصراف الإطلاق، بل يستند اختلاف الفقهاء في الكشف و النقل إلى الأدلة الشرعية، فالقائل بالكشف يدّعي أنّ الشارع حكم- بنحو الإلزام- بكونها كاشفة، و ألزم المتعاقدين بترتيب آثار الصحة من حين العقد، لكون الرضا معتبرا بنحو الشرط المتأخر مثلا، أو بأخذ وصف التعقب في العقد، كما أنّ القائل بالنقل يزعم دلالة الأدلة الشرعية على ترتب أثر العقد من حين صدور الإجازة، لكون الرضا شرطا مقارنا. و من المعلوم أنّ كيفية الاستظهار مما دلّ على اعتبار الرضا في المعاملة أجنبية عن المفهوم اللغوي، لعدم أخذ خصوصية الكشف و النقل فيه.

و بعبارة أخرى: ليس معنى الإجازة إلّا إمضاء ما وقع بلا اشكال فيه، إنّما الكلام في أنّ مقتضى الإطلاقات و العمومات و أدلّة الطيب هل هو كشف الرضا المتأخر عن تمامية السبب أعني به العقد- كما هو مقتضى القول بالكشف- أم هو كون الرضا المكشوف عنه بالإجازة جزء السبب كما هو مقتضى القول بالنقل؟

إذا اتضحت هذه الاحتمالات الثلاث ظهر الفرق بينها في الثمرة، و هي: أنّه لا ريب في كون الإجازة من الأمور الاعتبارية المنوطة بالقصد، لكونها من الإيقاعات. فالقائل بالكشف يقصد ترتب الأثر على العقد، كما أنّ القائل بالنقل يريد ترتب الأثر من حين صدور الإجازة.

و حينئذ لو خالف كل منهما ما يعتقده، بأن أراد الكشفي حصول الأثر من زمان الإجازة، و أراد النّقلي تحققه من حين العقد، فهل يلغو هذا القصد، و تؤثر الإجازة بناء على الكشف أثرها من زمان العقد، و من حينها بناء على النقل، أم يكون تأثيرها تابعا لقصد المجيز، أمّ أنّها تبطل رأسا، و يبقى العقد الفضولي متوقفا على إجازة أخرى؟ وجوه تتفرّع على أنّ منشأ نزاع الكشف و النقل هو المفهوم أو الشرع.

ص: 152

أن الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس في مفهومها اللغوي و معنى الإجازة وضعا (1) أو انصرافا (2)، بل في حكمها الشرعي (3) [1] بحسب ملاحظة

______________________________

فإن كان النزاع في مفهوم الإجازة لغة كان العقد فاسدا بقصد الخلاف، لأنّ القائل بالكشف يزعم أنّ معناها الحقيقي إنفاذ العقد، و مقتضاه نفوذه من حين وقوعه، و لا بدّ أن يقصد هذا المعنى حتى تؤثّر في العقد، فلو أراد المجيز حصول الأثر من زمان إجازته لم يكن قاصدا لمعنى الإجازة حقيقة، لأنّ قصد النقل أجنبي عن معناها الحقيقي، فلم يكن العقد مجازا بحقيقة الإجازة.

و كذا يجري هذا التعليل لو قصد القائل بالنقل حصول مضمون العقد من حينه.

و إن كان النزاع في ما ينصرف إليه إطلاق اللفظ بمعنى أنّ طبيعي معنى الإجازة لا يقتضي شيئا من خصوصيتي الكشف و النقل، و كان انسباق أحدهما للإرسال و الانصراف، لزم صحة العقد على النحو الذي قصده، لأنّ الانصراف إلى الشي ء لا ينافي تقييده بما ينافي مقتضي الانصراف.

و إن كان النزاع في الاستظهار من الأدلة، فقد جزم الفقيهان كاشف الغطاء و صاحب الجواهر قدّس سرّهما ببطلان هذه الإجازة و لغويتها، و اقتصر المصنف على إبداء احتمالي الصحة و البطلان من دون ترجيح بينهما.

(1) هذا و «انصرافا» تمييزان، أي: من جهة الوضع أو الانصراف، و قوله: «وضعا» إشارة إلى الاحتمال الأوّل، أي: كون منشأ النزاع الشبهة المفهومية، و الجهل بالموضوع له لغة.

(2) هذا إشارة إلى الاحتمال الثاني، و هو كون الموضوع له طبيعي الإمضاء و الإنفاذ، و إنّما ينصرف إلى أحد المعنيين.

(3) هذا إشارة إلى الاحتمال الثالث، يعني: أنّ منشأ الخلاف في الكشف و النقل هو جعل الشارع.

______________________________

[1] بل منشأ الخلاف في الكشف و النقل هو الخلاف في مضمون العقد، و أنّه طبيعة النقل، أم النقل المقيد بزمان وقوعه؟ و الإجازة إجازة لمفهوم العقد بلا إشكال. فاختلاف مفهوم العقد يسري قهرا إلى الإجازة، فينبغي إجراء النزاع في مفهوم العقد، لا في الحكم

ص: 153

اعتبار رضا المالك (1)، و أدلّة (2) وجوب الوفاء بالعقود، و غيرهما (3) من الأدلّة الخارجيّة. فلو (4) قصد المجيز الإمضاء من حين الإجازة على القول بالكشف، أو الإمضاء من حين العقد على القول بالنقل، ففي صحّتها وجهان (5).

______________________________

(1) يستفاد اعتبار رضا المالك من آية «التجارة عن تراض» و من حديث «لا يحل مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه».

(2) معطوف على «اعتبار».

(3) كصحيحتي محمّد بن قيس و الحذّاء المستدلّ بهما على الكشف. و عليه فالمراد بالدليل الخارجي ما يقابل إطلاق حلّ البيع و الوفاء بالعقود.

(4) هذا تفريع على كون منشأ النزاع الاستظهار من الأدلة، و قد تقدّم توضيحه آنفا.

(5) وجه الصحة: أنّ متعلق الإجازة مضمون العقد لا حكمه، و المفروض حصول العقد و إجازته، فالسبب تام، و به يحصل المسبب قهرا. و قصد ترتب حكم غير الحكم الشرعي على العقد لغو، لا أثر له، لعدم تقيد مضمون العقد و لا حكمه بما يكون الواقع مغايرا للعقد المجاز.

و وجه البطلان في كل من الكشف و النقل عدم كون المجاز هو الواقع، و عدم كون الواقع هو المجاز، إذ في الأوّل يكون المنشأ النقل حين العقد، و الإجازة تعلقت به من حين الإجازة. و في الثاني يكون المنشأ النقل المطلق، و قد أجيز مقيّدا بحين العقد، فالمجاز غير الواقع، و الواقع غير المجاز.

و هذا الاحتمال قوّاه الشيخ الفقيه الشيخ حسن كاشف الغطاء قدّس سرّه «1».

______________________________

الشرعي للإجازة إذ مقتضى أدلة طيب النفس و وجوب الوفاء بالعقود ليس إلّا تنفيذ مضمون العقد، فاللازم تشخيص مضمونه، لأنّه متعلّق الإجازة.

______________________________

(1) أنوار الفقاهة، كتاب البيع، ص 106 (مخطوط).

ص: 154

[الثاني: هل يشترط في الإجازة التلفظ بها؟]

- الثاني (1):

أنّه [1] يشترط (2) في الإجازة أن تكون باللفظ الدالّ عليها على

______________________________

هل يشترط في الإجازة التلفظ بها؟

(1) هذا ثاني الأمور التي نبّه عليها المصنف قدّس سرّه. و الغرض من عقده تحقيق جهة أخرى مما يتعلق بالإجازة، و هي أنّها مجرّد الرضا الباطني بالعقد الواقع فضولا على ما له ولاية عليه، أم أنها لمّا كانت من الأمور الإنشائية توقّف حصول أثرها على إنشائها.

و على الثاني فهل يكفي مجرّد الفعل الدال على الرضا، أم يعتبر إبرازه باللفظ. و على الثاني فهل يكفي اللفظ الكنائي، أم لا بد من الصراحة العرفية؟ في المسألة وجوه أربعة سيأتي التعرّض لها إن شاء اللّه تعالى.

(2) هذا الاشتراط إنّما يكون بعد الفراغ عن عدم كفاية الرضا الباطني في صحة عقد الفضولي و تأثيره. و الحاجة إلى الإجازة لإسناد العقد إلى المجيز، إذ لا يكفي مجرّد الرضا الباطني في الإضافة إليه. و بعد إثبات الافتقار إلى الإجازة و الحاجة إلى إنشائها يقع الكلام في أنّ الدال عليها لا بدّ أن يكون هو اللفظ أو يقع بالفعل أيضا. و اعتبار اللفظ الظاهر هو القول الأوّل في المسألة، و سيأتي وجهه.

______________________________

[1] في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه ما محصله: أنّ الحاجة إلى الإجازة إن كانت لمجرّد حصول الرضا و طيب النفس بالعقد، فنفس لحوق الرضا ممّن اعتبر رضاه في نفوذ العقد- كما في نكاح العبد بدون إذن سيده، و بيع الراهن للعين المرهونة بدون إذن المرتهن- كاف في تأثير العقد كما في بيع المكره، للاكتفاء في تأثيره بمجرّد لحوق رضاه.

و إن كانت لتصحيح إسناد العقد الى المجيز علاوة على ذلك- كما إذا عقد على ماله فضولا- فالظاهر عدم كفاية مجرّد لحوق الرضا في ذلك، بل لا بدّ في صحة العقد من إنشاء إمضاء العقد و إجازته، و لذا بنوا على عدم خروج عقد غير المالك على ماله بدون إذنه- و لو مع العلم برضاه- عن الفضولية، و إن كان هذا البناء بنحو الإجماع لم يثبت، فتدبّر «1»، هذا.

أقول: لم يظهر وجه لعدم كفاية لحوق الرضا في إسناد العقد إلى المجيز، مع كون

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 65

ص: 155

وجه الصراحة العرفية (1) [1] كقوله: «أمضيت، و أجزت، و أنفذت، و رضيت»

______________________________

(1) التي هي أعم من النص و الظاهر الذي يكون حجة عند أبناء المحاورة.

______________________________

رضاه رضا بالمعنى الاسم المصدري القائم بماله، فرضاه رضا المالك بما أنّه مالك. فإن لم يكن هذا الرضا موجبا لإضافة العقد إليه، فهل يصلح مجرد لفظ «أجزت» أن يكون محصّلا لهذه الإضافة؟

و الحاصل: أنّ الرضا بانتقال ماله الى الغير بسبب عقد الفضولي لا معنى له عرفا إلّا كون سبب الانتقال و هو عقد الفضولي مضافا إليه و عقدا له. نعم انتسابه و إضافته إلى المجيز يكون بقاء، و إضافة عقد المكره إلى المكره تكون حدوثا و ذاتا، لأنّه منشؤه. بخلاف عقد الفضولي، فإنّ إضافته إلى المالك عرضيّة، فتدبر.

و ما أفاده أخيرا من نفي البعد عن كفاية الإنشاء القلبي فيما يتوقف على الإمضاء و الإجازة غير متضح المراد، فإنّ الإنشاء عنده من أنحاء استعمال الألفاظ في معانيها، و أنّه بقصد الحكاية إخبار، و بقصد إيجاد المعنى في نفس الأمر إنشاء، كاستعمال «ملّكتك» فيهما بداعيين، و عرّفه في الفوائد بأنّه «القول الذي يقصد به إيجاد المعنى في نفس الأمر» «1» و من المعلوم أنّ الاستعمال الذي هو إفناء اللفظ في المعنى من الكيف المسموع و لا ربط له بفعل القلب.

مضافا إلى: أنّ القابل للإنشاء هو الأمر الاعتباري كالملكية و الزوجية، لا الصفة النفسانية. نعم يمكن إظهارها و إبرازها باللفظ و الفعل. و أمّا الإنشاء المفروض كونه إيجادا فلا. و هو قدّس سرّه أعلم بما أفاده من الإنشاء القلبي.

[1] تقدّم أنّ محتملات الإجازة أربعة، و لعل الأولى أن يقال في عنوان المسألة:

إنّ الكلام يقع في مقامين، الأوّل في مقام الثبوت، و الثاني في مقام الإثبات.

أما المقام الأوّل فحاصله: أنه يحتمل اعتبار الإنشاء في الإجازة قولا صريحا، أو كفاية الكناية، أو كفاية الفعل. و يحتمل عدم اعتبار الإنشاء فيها، و كفاية الرضا الباطني و لو بدون دالّ عليه.

و ببيان أوضح: هل يشترط الإنشاء في الإجازة أم لا؟ و على الأوّل: هل يعتبر أن

______________________________

(1) الفوائد المطبوعة مع حاشية الرسائل، ص 285 (الطبعة الحجرية).

ص: 156

و شبه ذلك (1). و ظاهر رواية البارقي وقوعها بالكناية (2)، و ليس (3) ببعيد إذا أتّكل

______________________________

(1) كقوله: «قبلت أو صححت هذا العقد» و نظائرهما في الدلالة على المقصود.

(2) لأنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «بارك اللّه لك في صفقة يمينك» كناية عرفا عن الإجازة المستفادة من «أجزت و أنفذت».

(3) يعني: و ليس وقوع الإجازة بالكناية ببعيد إذا أتّكل العرف على الكناية في الدلالة على الإجازة، و هذا إشارة إلى الاحتمال الثاني في المسألة.

______________________________

يكون الإنشاء بالقول، أم يكتفي فيه بالفعل؟ و على تقدير اعتبار القول هل يشترط فيه الصراحة أم يكفي الكناية؟

و ببيان أوضح: هل يشترط الإنشاء في الإجازة أم لا؟ و على الأوّل: هل يعتبر أن يكون الإنشاء بالقول، أم يكتفى فيه بالفعل؟ و على تقدير اعتبار القول هل يشترط فيه الصراحة أم يكفي الكناية؟

و أما المقام الثاني فنخبة الكلام فيه: أنّه قد يستدلّ على كفاية الإنشاء الكنائي بظاهر قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعروة البارقي: «بارك اللّه لك في صفقة يمينك» فإنّه عرفا كناية عن الإجازة لو لم يكن في نظر العرف من عبارات الإجازة كقوله: «أحسنت» فتأمّل.

و على كفاية الفعل الكاشف عن الرضا كتصرف مالك المبيع فضولا في الثمن، فإنّ هذا التصرف كاشف عرفا عن إمضاء البيع. و كتمكين المرأة- المزوّجة فضولا- من الدخول بها كما صرّح به العلامة قدّس سرّه.

كما أنّه قد استدلّ على اعتبار اللفظ في الإجازة- مضافا إلى شبهة الإجماع على اعتباره فيها- بأنّ الإجازة كالبيع في استقرار الملك، فما يعتبر في البيع من اللفظ يعتبر في الإجازة أيضا، لاشتراكهما في إيجاد استقرار الملك، كما سيأتي ذلك في شرح قول المصنف: «و استدل عليه بعضهم بأنّها كالبيع في استقرار الملك .. إلخ».

و فيه ما سيأتي في التوضيح بقولنا: «إذ سبب النقل مطلقا حتى في عقد الفضولي و لو على النقل هو العقد، و الإجازة شرط تأثيره .. إلخ».

و لعلّ نظر هذا المستدل إلى: أنّ الإجازة من الأمور التسبيبية المتوقفة على الإنشاء.

و فيه: أنّ الإجازة ليست من الأمور التسبيبية، و إنّما الأمور التسبيبية- و هي البيع و الصلح و الهبة و غيرها المتوقفة على الإنشاء- حاصلة في عقد الفضولي كعقد الأصيل

ص: 157

عليه (1) عرفا.

و الظاهر (2) أنّ الفعل الكاشف عرفا عن الرضا بالعقد كاف (3)،

______________________________

(1) كذا في نسخ الكتاب، و الأولى تأنيث الضمير، لرجوعه إلى الكناية.

(2) هذا إشارة إلى الاحتمال الثالث، و هو جواز الاقتصار في الإجازة على الفعل الدال عليها، و استشهد المصنف قدّس سرّه له بما ذكروه في مقامين:

أحدهما: إمضاء بعض العقود المتعددة على عوض المبيع فضولا.

و ثانيهما: تمكين الزوجة المعقود عليها فضولا، فإنّ الإمضاء و التمكين فعلان صالحان لإظهار الرضا النفساني بالعقد الصادر من الفضولي.

(3) خبر «أنّ» أي: كاف في وقوع الإجازة بدون لفظ.

______________________________

بلا تفاوت بينهما أصلا.

و قد يستدل أيضا على اعتبار الإنشاء في الإجازة تارة بعدم صدق العناوين كالبيع و الصلح و غيرهما إلّا بإنشاء الإجازة، حيث إنّ الإجازة في الفضولي كالقبول في غيره، فكما يكون العقد مركبا من الإيجاب و القبول، و هما ركنان في العقد، فكذلك الإجازة في الفضولي كالقبول.

و بالجملة: فصدق العناوين منوط بإنشاء الإجازة كإنشاء القبول.

و اخرى بأنّ المعتبر في عقد الفضولي صيرورته عقدا للأصيل، لأنّ معنى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» أوفوا بعقودكم، فلا يشمل عموم «أَوْفُوا»- و كذا سائر الأدلة- عقد الفضولي إلّا أن يصير عقد الأصيل، و لا يصير عقدا له إلّا بإنشاء الإجازة، لكون الانتساب إلى الأصيل كالبيع أمرا تسبيبيا لا يحصل إلّا بالإنشاء، و لا يتحقق بالرضا أو إبرازه.

و أنت خبير بما في كلا الوجهين من الإشكال. إذ في أوّلهما: عدم توقف صدق عنوان البيع مثلا، على إجازة الأصيل، إذ لا شبهة في صدق عنوانه على عقد الفضولي مطلقا سواء إجازة الأصيل أم ردّه، لصدق مفهوم البيع- و هو المبادلة- على عقد الفضولي، و لا دخل لترتب الأثر في صدقه، و إلّا لم تكن البيوع الفاسدة كالبيع الربوي و الغرري و نحوهما بيعا.

و قياس الإجازة على القبول في غير محله، لأن القبول ركن العقد، و بدونه لا يتحقق العقد المعنون بعنوان البيع.

و في ثانيهما: أنّ الإنشاء الصادر من الفضولي فعل الفضولي حقيقة، و لذا يحمل

ص: 158

______________________________

«العاقد» عليه، و لا يحمل على الأصيل، فلا يقال: الأصيل عاقد- سواء أجازه أم ردّه- إلّا مجازا.

نعم يقال: «عقد الفضولي مرضيّ للأصيل» فلو كان موضوع وجوب الوفاء عقد المالك الأصيل لم يصر عقد الفضولي بسبب الإجازة عقد المالك، و لا يشمله عموم وجوب الوفاء.

و بالجملة: فالإجازة لا توجد المضاف أي عنوان البيع و نحوه، و لا الإضافة أي صيرورة العقد عقد المالك، فإنّ الإجازة ليست إلّا إمضاء فعل الغير و إنفاذه، و لا دليل على اعتبار الإنشاء في الإجازة. و لو شكّ في اعتباره فيها، فمقتضى إطلاق أدلة اعتبار الرضا عدم اعتباره. كاقتضاء إطلاقها عدم اعتبار مقارنة الرضا للعقد.

فالمتحصل: عدم دلالة شي ء من الوجوه المذكورة على اعتبار الإنشاء باللفظ الصريح في الإجازة.

هذا كله بملاحظة الأدلة العامة. و قد عرفت عدم دلالتها على اعتبار الإنشاء في إجازة عقد الفضولي باللفظ الدالّ عليه صراحة أو كناية، لو لم نقل بدلالتها بمقتضى الإطلاق على عدم اعتبار الإنشاء مطلقا في الإجازة، لأنّ التراضي و طيب النفس اللّذين هما من شرائط التجارة صفتان قائمتان بالنفس، كالكراهة، و ليستا من الأمور الاعتبارية المحتاجة إلى الإنشاء، كنفس عناوين العقود و الإيقاعات كالبيع و الصلح و الطلاق و العتق و نحوها، فإنّها تنشأ بإنشاء الفضوليّ كما هو المفروض.

و أمّا بملاحظة الأدلة الخاصة كقول أبي جعفر عليه السّلام في صحيحة أبي عبيدة الحذاء في غلام و جارية غير مدركين زوّجهما وليّان لهما: «النكاح جائز أيّهما أدرك كان له الخيار، فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر، إلّا أن يكونا قد أدركا و رضيا. قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال: يجوز ذلك عليه إن هو رضي» الحديث «1».

و غيره من النصوص التي تأتي الإشارة إليها إن شاء اللّه تعالى عند شرح كلام المصنف قدّس سرّه. فلا يستفاد منها إلّا اعتبار نفس الرضا.

غاية الأمر أنّه لا بدّ في ترتيب آثار الصحة ظاهرا على العقد من إحراز الرضا بمحرز

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1

ص: 159

______________________________

من قول أو فعل دالّ عليه، و إن كان كتحريك رأسه أو يده و نحوه ممّا يبرز الرضا النفساني الذي هو الشرط حقيقة، و يكون الفعل كاشفا عنه.

لا أن يكون الشرط هو الفعل تعبّدا، إذ يلزم منه حرمة تلك الأفعال كتمكين المزوّجة فضولا من الدخول بها. و كتصرف مالك المبيع فضولا في الثمن، سواء أ كان التصرف خارجيا أم اعتباريا، ضرورة أنّ نفس التصرف إن كان إنشاء الإجازة لم تحصل الملكية و الزوجية إلّا بعد تمامية العمل الذي يتحقق به الإنشاء، فلا محالة يقع العمل قبل تحقق الملكية و الزوجية، و هو حرام، إذ المفروض توقف الملكية و الزوجية على تحقق العمل الذي يحصل به الإنشاء، و لا يحلّ التصرف إلّا إذا كان كاشفا عن الرضا النفساني الذي هو شرط حقيقة.

فصار المتحصل من جميع ما ذكرنا في مقام الإثبات: أنّ ظاهر الأدلة عمومها و خصوصها- و كذا كثير من الفتاوى- عدم اعتبار الإنشاء في الإجازة، و أنّ الشرط هو الرضا النفساني: غاية الأمر أنّه لا بدّ من إحرازه في ترتيب آثار صحة العقد، سواء أ كان المبرز لفظا أم فعلا، إذ أصالة عدم تحقق الرضا تقتضي عدم جواز ترتيب آثار الصحة ظاهرا، فجواز التصرف ظاهرا منوط بإحراز الرضا الذي هو الشرط. فيسقط البحث عن اعتبار الإنشاء في الإجازة، و عن اعتبار كون الإنشاء باللفظ الصريح أو الكنائي، لما مرّ من أنّ الشرط هو الرضا، و ليس ذلك من الأمور الاعتبارية المحتاجة إلى الإنشاء.

بقي في المقام- و هو كون الشرط مجرّد الرضا، و أنّ الأفعال كالتصرف في ثمن المبيع، فضولا و تمكين المزوّجة فضولا من الدخول بها و غير ذلك من التصرفات محرزات للرضا، و ليس لها موضوعية أصلا- إشكال، و هو: أنّ شرطية نفس الرضا و عدم اعتبار الإنشاء فيه تقتضي كفاية الرضا المقارن لعقد الفضولي في خروجه عن حكم الفضولية، فإذا علم زيد برضاء عمرو ببيع بضاعته، فباعها بدون إذنه لم يكن البيع فضوليا، و كان لازما، لأنّ ما يؤثر بلحوقه يؤثر بمقارنته بطريق أولى، لانحفاظ احتمال اعتبار مقارنة الرضا للعقد مع السبق و المقارنة، دون الرضا اللاحق، لانتفاء هذا الاحتمال في الرضا اللاحق. مع أنّ الظاهر عدم التزام الأصحاب بذلك، لبنائهم على عدم خروج ذلك عن عقد الفضولي موضوعا و حكما.

و لعلّ نظر الأصحاب إلى دخل ما يحرز الرضا في الشرطية و لو بنحو دخل الجزئية

ص: 160

______________________________

في الموضوع.

أو إلى: أنّه لا بدّ في لزوم العقد من إضافته إلى المجيز، و لا يضاف إليه بمجرّد الرضا.

ثمّ أيد المصنف قدّس سرّه هذا الإشكال بأنّه لو كان مجرّد الرضا كافيا في لزوم العقد لزم منه كون الكراهة فسخا للعقد. فاللازم عدم وقوع بيع الفضولي مع نهي المالك الكاشف عن كراهته و لو آنا ما حين العقد.

و الحاصل: أن هذا التأييد مبني على الملازمة بين ملزمية الرضا و فاسخية الكراهة، هذا.

و يمكن دفع إشكال كون الرضا المقارن موجبا للزوم عقد الفضولي- و خروجه عن الفضولية- بعدم الدليل على ذلك، إذ دليل شرطية الرضا في لزوم عقد الفضولي مختص بالرضا اللاحق، و تسريته إلى الرضا المقارن قياس لا نقول به. مع وضوح صدق تعريف الفضولي عليه. مضافا إلى شبهة التسالم على عدم كون الرضا المقارن كاللاحق.

فالنتيجة: عدم خروج العقد المقرون بالرضا عن الفضولية حكما. و هذه الشبهة لا أقل من أنّها توجب التوقف في خروجه عن الفضولية حكما. و مقتضى الأصل بقاء كلّ من المالين على ملك مالكه.

و أمّا الالتزام بلزومه و خروجه عن الفضولية حكما بمجرّد مقارنته لرضا المالك الأصيل مع بقائه فيه موضوعا قطعا- كما في كلام بعض الأجلّة «1»- فلم يظهر له وجه، بعد ما مرّ من اختصاص دليل شرطية الرضا في عقد الفضولي بالرضا اللاحق دون المقارن.

فما عن جماعة بل المشهور- من عدم خروج عقد الفضولي المقرون بالرضا المقارن عن الفضولية حكما لا موضوعا- هو الأقوى.

و أمّا التأييد بأنّه لو كان مجرد الرضا كافيا في لزوم العقد لزم منه كون الكراهة فسخا، و عدم صحة عقد المكره بالرضا اللاحق، لعدم تحقق العقد مع اقترانه بالكراهة. ففيه: أنّه فرق بين الكراهة و الرضا.

و محصل الفرق هو: أنّ الفسخ أمر تسبيبي إنشائي كنفس العقد، لأنّ الفسخ حلّ للعقد، فلا يحصل إلّا بإنشائه، و لا يتحقق بمجرّد الكراهة. و هذا بخلاف الرضا، فإنّه شرط

______________________________

(1) كتاب البيع، ج 2، ص 208

ص: 161

______________________________

تأثير الأمر التسبيبي الحاصل في الخارج بإنشاء الفضولي. و المفروض تحقق الرضا، فلا وجه لعدم اللزوم.

و الحاصل: أنّه لا يلزم من مجرّد كون الرضا ملزما أن يكون مجرّد الكراهة فسخا، كما أفاده المصنف قدّس سرّه.

فتلخص من جميع ما ذكرناه أمور:

الأوّل: أنّ شرط تأثير عقد الفضولي ليس إلّا مجرد الرضا الذي هو موجود حقيقي لا اعتباري إنشائي كالأمور الاعتبارية الإنشائية- نظير الإجازة- حتى يبحث في أنّها لا تنشأ إلّا باللفظ الصريح، أو يكفي في إنشائها اللفظ الكنائي.

الثاني: أنّه لا بدّ من إحراز الرضا في ترتيب آثار الصحة على عقد الفضولي، من غير فرق في المحرز بين كونه قولا و فعلا، بعد فرض ظهوره عرفا في الكشف عن الرضا.

الثالث: أنّ وجه الحاجة إلى إحراز الرضا- مع كون الشرط نفس الرضا- هو: أنّ الحكم الظاهري بمقتضى أصالة عدم الرضا عدم ترتب آثار الصحة على عقد الفضولي حتى يحرز شرط صحته و هو الرضا. فما يدلّ على الرضا من قول أو فعل طريق محض، و ليس له موضوعية أصلا.

الرابع: عدم كفاية العلم برضا المالك مقارنا لعقد الفضولي في لزوم العقد و خروجه عن حكم عقد الفضولي.

الخامس: عدم التلازم بين ملزمية الرضا لعقد الفضولي و فاسخية الكراهة له.

السادس: أنّه لا فرق في كفاية الرضا في نفوذ عقد الفضولي بين كون قصور العقد لأجل عدم المقتضي كبيع مال الغير فضولا، و بين كون قصوره لوجود المانع كبيع الراهن العين المرهونة بدون إذن المرتهن، و كبيع المفلّس أمواله بدون إذن الغرماء، فإنّه إذا كان طيب النفس من المالك كافيا في نفوذ الفضولي مع كون قصوره لأجل عدم المقتضي فكفايته فيما إذا كان قصوره لأجل وجود المانع- و هو تعلق حقّ الغير بالمال- تكون أولى، فإنّ حقّ المالك أقوى من حقّ غيره كالمرتهن و الغرماء، و إذن العمة و الخالة في عقد بنت الأخ و الأخت، و لا غرو في سقوط الحق برضا صاحبه. و على تقدير حاجة سقوطه إلى الإنشاء يكفي في إنشائه كل ما يدلّ عليه من قول أو فعل.

ص: 162

كالتصرّف في الثمن (1). و منه (2) إجازة البيع الواقع عليه كما سيجي ء (3). و كتمكين (4) الزوجة من الدخول بها إذا زوّجت فضولا، كما صرّح به العلّامة رحمه اللّه.

و ربما يحكى (5) عن بعض اعتبار اللفظ،

______________________________

(1) كما إذا باع فضولا متاع زيد بدينار، فأخذ زيد ذلك الدينار من البائع الفضولي و تصرّف فيه، كما إذا اشترى به كتابا، فإنّ مثل هذا التصرّف من المالك كاف عن الإجازة اللفظية.

(2) أي: و من التصرف إجازة البيع الواقع على ثمن المتاع الذي بيع فضولا، كما إذا باع الفضولي مكاسب زيد بكتاب الفرائد، ثمّ باع فضوليّ آخر كتاب الفرائد بكتاب نهاية الشيخ، فأجاز زيد بيع كتاب الفرائد الذي هو ثمن كتاب المكاسب.

(3) يعني: في الأمر الثالث ممّا يتعلق بالمجاز، حيث قال في ما لو أجاز المالك بعض العقود الواقعة على عوض ماله: «و أمّا إجازة العقد الواقع على العوض- أعني بيع الدرهم بالرغيف- فهي ملزمة للعقود السابقة عليه .. إلخ» فراجع (ص 412).

(4) معطوف على قوله: «كالتصرف» فإنّ تمكينها من الدخول بها أقوى إجازة فعلية للنكاح الفضولي. و هذه الفتوى صرّح بها العلّامة قدّس سرّه في فرعين من النكاح الفضولي، فقال فيما لو زوّج أخوان أختهما فضولا: «استحب لها إجازة عقد الأكبر. و لها أن تجيز عقد الآخر. و لو دخلت بأحدهما قبل الإجازة ثبت عقده» «1».

و قال المحقق الكركي قدّس سرّه: «و متى حصل الدخول بأحدهما تعيّن نكاحه، فإنّ الدخول يجب صيانته عن التحريم مهما أمكن، فيكون محسوبا إجازة» «2».

و قال العلامة في مسألة أخرى: «و لو ادّعى إذنها- أي: ادّعى الزوج إذن المرأة للعاقد- فأنكرت قبل الدخول قدّم قولها مع اليمين .. و بعده فالأقرب تقديم قوله، لدلالة التمكين عليه» «3».

(5) الحاكي هو السيد العاملي، و المحكي عنه هو الفاضل المقداد، قال في التنقيح- بعد نفي كفاية السكوت في مقام الإجازة: «بل لا بدّ من لفظ يدل عليها، لأنّها كالبيع

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 3، ص 17

(2) جامع المقاصد، ج 12، ص 166 و 169

(3) قواعد الأحكام، ج 3، ص 17

ص: 163

بل نسب (1) إلى صريح جماعة و ظاهر آخرين. و في النسبة نظر (2).

و استدلّ عليه (3) بعضهم بأنّها كالبيع في استقرار الملك. و هو (4) يشبه

______________________________

في استقرار الملك» «1».

(1) الناسب هو السيد العاملي و الشيخ الأعسم، قال في مفتاح الكرامة: «و الأصح أنّه لا بدّ من اللفظ كما هو صريح جماعة و ظاهر آخرين» و الظاهر أنّ مقصوده من «ظاهر آخرين» استفادة اعتبار اللفظ من حكمهم بعدم كفاية السكوت «2».

(2) لعلّ وجه النظر أنّ المصرّح باعتبار اللفظ هو بعض الأصحاب كالفاضل و المقداد و الشهيد الثاني و المحقق القمي «3». و هذا المقدار لا يجدي في تحقق الإجماع ما لم ينضمّ اليه ظواهر كلمات الآخرين، و المفروض منع ظهورها في اعتبار اللفظ، و ذلك لإمكان حمل عدم كفاية السكوت على صورة عدم العلم بالرضا، كما احتمله السيد العاملي بقوله: «و كلامهم قد ينزّل على عدم العلم بالرضا» «4».

و عليه فليس نفي السكوت مثبتا لاعتبار خصوص اللفظ الدال على الإجازة. قال المحقق الأردبيلي قدّس سرّه: «و يعلم ممّا تقدم أنّه لو علم الرضا يكفي ذلك لصحة البيع، و لا يحتاج إلى التصريح و التوكيل سابقا» «5» و يشهد له ما تقدم من حكمهم بكفاية التصرف في الثمن و بتمكين الزوجة المعقود عليها فضولا.

(3) أي: على اعتبار اللفظ في الإجازة، و المستدل هو الفاضل المقداد كما عرفت آنفا. و تقريب الاستدلال هو: أنّ الإجازة كالبيع، فكما أنّ البيع يوجب استقرار الملك، فكذلك الإجازة، حيث إنّ استقرار الملك يكون بعد صدورها، إذ لا يحصل الاستقرار بإنشاء الفضولي، فما يعتبر في البيع من اللفظ يعتبر في الإجازة أيضا، لاشتراكهما في إيجاد استقرار الملك.

(4) أي: و الاستدلال المزبور يشبه المصادرة، لما قيل في تقريب المصادرة من: أنّ

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 198، التنقيح الرائع، ج 2، ص 27.

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 198، كشف الظلام (مخطوط).

(3) جامع الشتات، ج 1، ص 154 (الطبعة الحجرية)، الروضة البهية، ج 3، ص 234.

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 198

(5) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 160

ص: 164

المصادرة [1].

و يمكن أن يوجّه (1) بأنّ الاستقراء في النواقل الاختيارية اللازمة- كالبيع و شبهه- يقتضي اعتبار اللفظ، و من المعلوم (2) أنّ النقل الحقيقيّ العرفيّ من المالك يحصل بتأثير الإجازة (3).

و فيه (4) نظر، بل لولا شبهة الإجماع الحاصلة من عبارة

______________________________

كون الإجازة مثل البيع في اعتبار اللفظ فيه أوّل الكلام، لما مرّ سابقا من وقوع البيع بالمعاطاة.

(1) أي: يوجّه الاستدلال المزبور بوجه يخرجه عن المصادرة، و يدرجه في الاستدلال بالكلي على جزئيّ من جزئياته. و محصّل التوجيه: أنّه ثبت بالاستقراء اعتبار اللفظ في جميع النواقل الاختياريّة اللّازمة كالبيع و الصلح و الإجارة و نحوها، و من المعلوم أنّ بيع الفضولي لا يوجب النقل الحقيقي العرفي من المالك إلّا بإجازته، فهو من أفراد النواقل اللّازمة المتوقفة على إجازته الصادرة باللفظ، لأنّ تأثير عقد الفضولي منوط بها.

(2) هذا تقريب صغرويّة الإجازة لكليّ النقل اللازم المعتبر فيه اللفظ على حسب الاستقراء المدّعى.

(3) كتأثير البيع في النقل اللازم، فلا بدّ أن تكون الإجازة حينئذ كالبيع باللفظ.

(4) أي: و في هذا التوجيه نظر. و لعل وجه النظر هو: منع اعتبار اللفظ في الإجازة و إن سلّمنا اعتباره في النواقل الاختيارية اللازمة، و ذلك لاحتمال كون الإجازة شرطا للناقل، لا نفس الناقل، إذ سبب النقل مطلقا حتى في عقد الفضولي- و لو على النقل- هو العقد، و الإجازة شرط تأثيره.

و دعوى «اعتبار اللفظ في الناقل بجميع أجزائه و شرائطه» خالية عن البيّنة، بل

______________________________

[1] لعل الأولى تبديل العبارة هكذا و فيه أوّلا: أنّه قياس. و ثانيا: أنّ الحكم في المقيس عليه غير ثابت، بل خلافه ثابت، لما مرّ في المعاطاة من صحة البيع بالمعاطاة، بل تجري المعاطاة في سائر العقود اللازمة أيضا. فالاستقراء المدّعى غير تامّ. فالنتيجة عدم وجاهة التوجيه.

ص: 165

جماعة من المعاصرين (1) تعيّن (2) القول بكفاية نفس الرضا (3) إذا علم حصوله من أيّ طريق، كما يستظهر (4) من كثير من الفتاوى و النصوص، فقد (5) علّل جماعة

______________________________

البرهان على خلافها، لكفاية سكوت البكر في إجازة عقد النكاح. مع ما في النكاح من لزوم مراعاة الاحتياط.

و يحتمل قويّا أن يكون وجه النظر ما ذكرناه في التعليقة من عدم ثبوت الحكم في المقيس عليه، لجريان المعاطاة في البيع و غيره من العقود اللازمة عند كثير، بل الأكثر.

(1) ظاهر العبارة أن كلمات جماعة من المعاصرين و إن لم تكن صريحة و لا ظاهرة في الإجماع على اعتبار اللفظ في الإجازة، إلّا أنّه يتحصّل من مجموعها شبهة انعقاد اتفاقهم عليه، كقول الشيخ الفقيه الأعسم قدّس سرّه- بعد نفي دلالة عبارة الشرائع و كتب العلّامة على اعتبار اللفظ-: «خلافا لصريح جماعة و ظاهر آخرين في لا بدية ذلك».

و كقول صاحب الجواهر قدّس سرّه: «بل إن لم يقم الإجماع أمكن الاكتفاء هنا بتحقق الرضا» «1».

و لم أقف على كلمات غيرهما من معاصري المصنف قدّس سرّهم ممّن يستفاد الإجماع منه، نعم قال صاحب أنوار الفقاهة: «ان الاقتصار على اللفظ هو الأحوط».

(2) جواب «لولا» يعني: لو لم تكن شبهة الإجماع على اعتبار اللفظ في الإجازة لقلنا بكفاية الرضا الباطني، و عدم الحاجة إلى الإنشاء اللفظي، كما هو أحد الأقوال في المسألة.

(3) الذي هو فعل نفساني، و لا حاجة في شرطيّته للعقد إلى الإنشاء اللفظي، فالشرط نفس الرضا، و القول أو الفعل محرز للشرط، لا أنّه شرط.

(4) أي: يستظهر كفاية الرضا القلبي من النصوص و الفتاوى. و استشهد المصنف قدّس سرّه بموارد ستة من الفتاوى- ثم بالنصوص- على أنّ الشرط هو الرضا المحرز، لا الإجازة المتلفظ بها.

(5) هذا هو المورد الأوّل، و هو الاستشهاد بما ورد في كلام جماعة من القائلين باعتبار التلفظ بالإجازة، حيث إنّهم علّلوا هذا الاشتراط بمثل «لأنّ السكوت كما يحتمل

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 294، كشف الظلام، و أنوار الفقاهة مخطوطان.

ص: 166

عدم كفاية السكوت في الإجازة بكونه (1) أعمّ من الرضا، فلا يدلّ عليه (2).

فالعدول (3) عن التعليل بعدم اللفظ إلى عدم الدلالة كالصريح فيما ذكرنا (4).

و حكي (5) عن آخرين أنّه إذا أنكر الموكّل الإذن فيما أوقعه الوكيل من

______________________________

الرضا يحتمل غيره» كما في تعبير العلّامة «1»، و «لأنّ السكوت أعمّ من الرضا، فلا يدلّ عليه» كما في كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه «2».

و تقريبه: أنّ تعليل عدم كفاية السكوت بكونه أعمّ من الرضا- و مع أعميته لا يكشف عنه- يدلّ على أنّ الشرط هو الرضا، لا أنّ الشرط هو اللفظ، و إلّا كان حق التعبير التعليل بعدم اللفظ الذي هو الشرط، لا بعدم الدلالة التي هي جهة إحراز الشرط.

(1) متعلق ب «علّل» و ضميره و كذا ضمير «يدل» راجعان إلى السكوت.

(2) أي: على الرضا.

(3) مبتدء، و خبره «كالصريح» و هذا وجه استظهار كفاية الرضا من كلام من علّل بأعمية السكوت من الرضا، و عدل عن التعليل بعدم اللفظ، و قد اتضح هذا من البيانات المتقدمة آنفا.

(4) من كفاية الرضا القلبي، و عدم الحاجة إلى الإنشاء اللفظي.

(5) هذا هو المورد الثاني، و هو نقل فتوى جمع آخر في كفاية الرضا القلبي في الإجازة، و هي حكمهم في مخالفة الوكيل لما وكّل فيه.

قال في الجواهر: «بل قيل: إنّهم قالوا في باب الوكالة: لو قال الوكيل: وكّلتني على شراء الجارية بألفين، فقال الموكّل: بل بألف، و كان الشراء بعين ماله، إنّه يحلف على نفي ما ادّعاه الوكيل و ينفسخ العقد، و لا يكون فضوليا، لأنّ حلفه يدل على عدم رضاه» «3».

______________________________

(1) نهاية الاحكام، ج 2، ص 475 و 476

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 234

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 295، و حكاه السيد المجاهد في المناهل عن الغنية و الشرائع و النافع و التبصرة و الإرشاد و القواعد و التحرير و المسالك و مجمع الفائدة و الكفاية و الرياض، فلاحظ المناهل، ص 466، و كذا نقله السيد العاملي عنهم- عدا السيد ابن زهرة- و عن اللمعة، فراجع مفتاح الكرامة، ج 7، ص 631

ص: 167

المعاملة، فحلف، انفسخت (1)، لأنّ الحلف يدلّ على كراهتها.

و ذكر بعض (2) أنّه يكفي في إجازة

______________________________

و محصله: أنّه إذا أوقع الوكيل معاملة، و أنكر الموكل الإذن فيها، فحلف، انفسخت المعاملة، و ذلك لأنّ الحلف يدلّ على كراهة الموكّل للمعاملة، إذ لو كان راضيا بها لما حلف. و الكراهة التي هي ضدّ الرضا إذا كانت موجبة لفساد المعاملة، فالتقابل بين الكراهة و الرضا يقتضي صحة المعاملة بالرضا لا باللفظ، لأنّه ليس مقابل الكراهة التي هي من الصفات النفسانية إلّا الرضا الذي هو أيضا صفة نفسانية، دون لفظ «أجزت و أمضيت» و نظائرهما. فكلام هؤلاء يدلّ أيضا على كفاية الرضا.

(1) جواب «إذا أنكر» و مورد انفساخ المعاملة بالحلف و عدم وقوعوها لأحدهما ظاهرا و باطنا هو تسمية الموكّل في العقد، أو الشراء بعين ماله فلو اشترى في الذمة و لم يسمّ الموكّل وقعت للوكيل ظاهرا و باطنا، أو ظاهرا خاصة، و التفصيل في محله.

(2) هذا ثالث موارد الاستشهاد بالفتاوى على كفاية الرضا بالعقد و لو بإحرازه بالسكوت، قال المحقق في ما لو عقد على الصبيّة- صغيرة أو كبيرة- غير أبيها و جدّها:

«لم يمض إلّا مع إذنها أو إجازتها بعد العقد، و لو كان أخا أو عما، و يقنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها، و تكلّف الثيب النطق». و في الجواهر: «عند المشهور بين الأصحاب» «1».

و ليكن هذا هو المراد من البعض، لا النادر، لأن غرضه الاستشهاد على كفاية الرضا، و من المعلوم أن المناسب الاستناد إلى فتوى المشهور أو جماعة معتدّ بها، لا فتوى مخالفة للمشهور تفرّد بها بعض.

و كيف كان فتوضيح هذا المورد الثالث: أنه قال غير واحد بكفاية سكوت البكر المعقود عليها فضولا. و لا يتوهّم من ذلك أنّ هذا البعض القائل بكفاية السكوت قال بعدم احتياج عقد البكر فضولا إلى الإجازة أصلا، فإنّ هذا التوهم ممّا لا يمكن التفوّه به، لما ثبت من دخل الإجازة في تأثير عقد الفضولي شطرا أو شرطا.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 278، جواهر الكلام، ج 29، ص 203

ص: 168

البكر (1)- للعقد الواقع عليها فضولا- سكوتها، و من المعلوم (2) أن ليس المراد من ذلك (3) أنّه لا يحتاج إلى إجازتها، بل (4) المراد كفاية السكوت الظاهر (5) في الرضا و إن لم يفد القطع (6)، دفعا (7) للحرج عليها و علينا.

ثمّ (8) إنّ الظاهر أنّ كلّ من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا كأكل

______________________________

بل مراده أنّ سكوت البكر- مع علمها بالعقد عليها- يدلّ عرفا على رضاها بذلك. فالسكوت الظاهر عرفا هنا في الرضا هو الإجازة.

و بالجملة: فلو كان اللفظ معتبرا في الإجازة لم يكن وجه للاكتفاء بسكوتها، فالشرط هو الرضا، و السكوت في هذه الحالة محرز عرفي للرضا.

(1) التقييد بالبكر لأجل أنّ الثيب تكلّف النطق كما صرّح به المحقق قدّس سرّه.

(2) هذا إشارة إلى التوهم المزبور.

(3) أي: من كفاية سكوت البكر عن إجازة العقد الواقع عليها فضولا.

(4) هذا دفع التوهم المذكور، و اتضح بقولنا: «إذ المراد أنّ سكوت البكر مع علمها .. إلخ».

(5) ظهوره في الرضا عرفيّ لقرائن مقامية، لا وضعيّ حتى يناقش فيه.

(6) لما مرّ من أعمّيّة السكوت من الرضا فلا يفيد القطع به، بل يفيد الظهور في الرضا.

(7) مفعول لأجله، و تعليل لكفاية سكوتها في الإجازة، و حاصل التعليل: أنّ لزوم الحرج عليها و علينا من تكليفها بالتلفظ بألفاظ الإجازة اقتضى الإكتفاء بالسكوت الظاهر في الرضا القلبي بالنكاح. أمّا لزوم الحرج عليها من التلفظ فلاستحيائها من التصريح بالتزويج، فالتلفظ بالتزويج حرج عليها، فلا بدّ من الالتزام بكفاية السكوت عن الإجازة، و أمّا لزوم الحرج علينا فلصعوبة استنطاقها علينا بعد حرجيّة تكلّمها للاستحياء.

(8) هذا إشارة إلى المورد الرّابع، و غرضه من هذه العبارة إثبات شرطيّة نفس الرضا، و أنّه موضوع الشرطيّة، من دون دخل الإنشاء القولي أو الفعلي فيه، و أنّ كلّ من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا كان مقصوده شرطية الرضا المدلول عليه بذلك

ص: 169

الثمن (1) و تمكين الزوجة، اكتفى (2) به من جهة الرضا المدلول عليه به، لا من (3) جهة سببيّة الفعل تعبّدا (4).

و قد صرّح (5) غير واحد بأنّه لو رضي المكره بما فعله صحّ، و لم يعبّروا بالإجازة.

______________________________

الفعل، و أنّ الفعل كالقول طريق و محرز للرضا الذي هو الشرط حقيقة.

(1) أي: ثمن المتاع الّذي بيع فضولا، فإنّ تصرف مالك المبيع في الثمن كاشف عن رضاه بما باعه الفضولي له. و كذا تمكين الزوجة المعقود عليها فضولا من الدخول بها، بل هو أقوى بمراتب من الإنشاء القولي من حيث الكشف عن الرضا.

(2) خبر «انّ» في قوله: «أنّ كل من قال» أي: اكتفى بالفعل الكاشف عن الرضا.

(3) معطوف على «من جهة الرضا» و ضمير «به» راجع الى «الفعل الكاشف».

(4) حتى ينافي ما ادّعيناه من شرطية نفس الرضا و طريقيّة الفعل الكاشف له، فالاكتفاء بالفعل الكاشف إنّما هو لدلالته على الرضا، لا لكونه سببا تعبديّا، إذ لازم سببيته و حصول إنشاء الإجازة به حرمة التصرف و تمكين المرأة المزوجة فضولا، و غيرهما من الأفعال، و ذلك لأنّ حصول الملكية و الزواج منوط بتحقق العمل الذي يحصل به إنشاء الإجازة، فقبل تحقق العمل خارجا يقع التصرف- في الثمن- في مال الغير بدون إذنه، و هو حرام. و كذا يحرم التمكين على المرأة و إن وقع به الزواج. و الالتزام بهذا اللازم كما ترى.

(5) هذا إشارة إلى المورد الخامس، و هو الاستشهاد بظاهر عبارات غير واحد في شرطية نفس الرضا من دون حاجة إلى إنشاء قولي، و حاصله: أنّه صرّح غير واحد من الأصحاب «بأنّ المكره على البيع إذا رضي بما اكره عليه صحّ ذلك» و لم يعبّروا بالإجازة، و عدم التعبير بالإجازة كاشف عن كون الشرط نفس الرضا. قال المحقق في شرائط المتعاقدين: فلا يصح بيع الصبي .. و المكره و لو رضي كلّ منهم بما فعل بعد زوال عذره، عدا المكره للوثوق بعبارته» «1».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 14

ص: 170

و قد ورد (1) فيمن زوّجت نفسها في حال السّكر: «أنّها (2) إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فذلك رضا منها» [1].

______________________________

(1) هذا إشارة إلى بعض النصوص التي أشار إليها في (ص 166) بقوله: «كما يستظهر من كثير من الفتاوى و النصوص» فإنّه قد ورد في حديث: كون موضوع الشرطية هو نفس الرضا، و أنّ الفعل دالّ عليه و كاشف عنه. و كان المناسب ذكر هذا النص عند التعرض للروايات بعد الفراغ من كلمات الأصحاب.

و كيف كان فهذا نص الحديث: روى محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ، فسكرت، فزوّجت نفسها رجلا في سكرها، ثم أفاقت، فأنكرت ذلك، ثم ظنّت أنه يلزمها ففزعت منه، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج، إحلال هو لها، أم التزويج فاسد لمكان السكر، و لا سبيل للزوج عليها؟ فقال:

إذا أقامت معه بعد أن أفاقت فهو رضا منها. قلت: و يجوز ذلك التزويج عليها؟ فقال:

نعم» «1» فإنّ حمل الرضا على الإقامة في قوله: عليه السّلام: «فهو رضا منها» مع مباينة الفعل الخارجي- و هو الإقامة- للفعل النفساني و هو الرضا إنما هو باعتبار كشف الإقامة عنه، فالمدار في الشرطية على المنكشف لا على الكاشف.

(2) الجملة فاعل «ورد». و قوله: «فذلك» جواب: «إذا أقامت».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذه الصحيحة قد يشكل الأخذ بها من جهة تضمنها إمضاء عقد السكرى بالإجازة بعد الإفاقة، مع أنّ السكرى مسلوبة العبارة، لفقد القصد المقوّم للعقد، و لو تمشّى منها لم يحتج إلى إجازة، خصوصا مع وقوعها بعد إنكارها الذي هو ردّ له، و لذا لم يعمل بها المشهور كما قيل.

و لا بأس بالإشارة إلى بعض المحامل و إن كان التفصيل موكولا إلى محله، فنقول:

الأوّل: ما أفاده العلّامة قدّس سرّه من حملها على عدم بلوغ السّكر إلى حدّ عدم التحصيل.

فقال: «و إن لم يبلغ السّكر إلى ذلك الحدّ صحّ العقد مع تقريرها إيّاه. و عليه تحمل

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 221، الباب 14 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1. رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن بزيع، و السند صحيح. و رواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن محمّد بن إسماعيل، و في العيون أيضا.

ص: 171

______________________________

الرواية» «1».

و ناقش فيه الشهيد الثاني قدّس سرّه بما حاصله: أنّ الحمل المزبور خلاف ظاهر الرواية، و مخالف للقواعد العامة المقتضية لصحة العقد مع قصد العاقد، من دون حاجة إلى الإجازة بعده. و لمّا كانت السكرى حسب الفرض قاصدة للمدلول كان توقف نفوذ عقدها على الإجازة تخصيصا للقواعد بلا موجب. فهذا الحمل يستلزم ارتكاب محذورين:

أحدهما خلاف ظاهر الرواية.

و الآخر تخصيص القواعد. و إذا دار الأمر بين ارتكابهما و بين طرح الرواية كان الثاني أولى «2».

و يمكن الذب عن كلام العلّامة قدّس سرّه بعدم كونه خلاف الظاهر، إذ ليس في الرواية إطلاق يشمل جميع مراتب السّكر حتى يكون إرادة خصوص السكر غير الرافع للمشاعر حملا للرواية على خلاف ظاهرها، بداهة أنّ منشأ الإطلاق هو ترك الاستفصال من السائل عن حدّ السّكر، و لكن قوله: «فزوّجت نفسها» ظاهر في خصوص السّكر غير السالب للالتفات.

نعم الحكم بتوقف عقدها على الإجازة مخالف للقواعد مع فرض كونها قاصدة للمدلول، لكنه أخفّ مئونة من حمل السّكر على الإطلاق، لاستلزامه صحة عقد السّكرى في حال عدم الالتفات و عدم تمشّي قصد الإنشاء، و كون صحته تعبدا محضا و لو لم يصدق عليه العقد عرفا، و هي مخالفة مستبشعة للقواعد جدّا.

الثاني: ما أفاده الفاضل الأصفهاني قدّس سرّه من حملها على مقام الإثبات، و الحكم الظاهري في مقام التداعي و التنازع، لا الحكم الواقعي، فلو تنازعا في وقوع العقد حال الالتفات و القصد فادّعى عليها الزوج ذلك، و أنكرت المرأة و قالت: «إنّي لم أزوج نفسي في حال العقل» كان الحكم الظاهري القيام معه. قال قدّس سرّه: «و يمكن العمل بالخبر- مع القول بقضية الأصل التي هي فساد العقد- بأن يكون الزوج جاهلا بسكرها، فإنّه حينئذ و إن لم يقع نكاح في الواقع، لكنه لا يسمع في حقه قول المرأة خصوصا بعد التمكين من

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 7، ص 115.

(2) مسالك الأفهام، ج 7، ص 99

ص: 172

و عرفت (1) أيضا استدلالهم على كون الإجازة كاشفة: بأنّ العقد مستجمع

______________________________

(1) عند نقل كلام جامع المقاصد في (ص 15) في الاستدلال على القول بالكشف، و هذا سادس موارد الاستشهاد بالكلمات، و هو قول المحقق الكركي قدّس سرّه: «بأنّ العقد الواقع جامع لجميع الشروط، و كلها حاصلة إلّا رضا المالك ..» فإنّ هذا الكلام أيضا ظاهر في كون الشرط هو الرضا من دون حاجة إلى اللفظ.

______________________________

الدخول ..» «1».

لكن هذا الحمل لا يخلو من بعد، لظهور الرواية في بيان الحكم الواقعي، لا الظاهري، لعدم ظهور قوله: «فأنكرت» في نفي التزويج حتى يكون من باب الدعوى و الخصومة، بل ظاهره الاستيحاش من هذا التزويج، لعدم التكافؤ بينها و بين زوجها، أو لجهة أخرى توجب عدم المصلحة في هذا التزويج.

الثالث: ما أفاده السيد قدّس سرّه في الحاشية: من حملها على أنّها وكّلت غيرها في التزويج و هي سكرى، و حيث إنّ التوكيل باطل لفقد القصد، فلذا كان تزويجها فضوليا موقوفا على الإجازة، و الإقامة مع الزوج إجازة فعلية، إلّا أنّها مسبوقة بالرد، لقول الراوي «فأنكرت ذلك» و المراد بالإنكار و إن كان هو الكراهة و الوحشة ممّا صدر منها، لكنه كاف في الرد، فلا عبرة بالإجازة بعده.

و لكنه قدّس سرّه عمل بها في العروة، فقال: «و أمّا عقد السكرى إذا أجازت بعد الإفاقة، ففيه قولان، فالمشهور أنه كذلك. و ذهب جماعة إلى الصحة مستندين إلى صحيحة ابن بزيع.

و لا بأس بالعمل بها و إن كان الأحوط خلافه، لإمكان حملها على ما إذا لم يكن سكرها بحيث لا التفات لها إلى ما تقول ..» «2».

و وافقه سيّدنا الأستاد قدّس سرّه في الشرح، مع أنّه ذهب في حاشية المكاسب إلى عدم إمكان العمل بظاهرها، فراجع «3».

______________________________

(1) كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 9 (الطبعة الحجرية).

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 158 و 159، العروة الوثقى، كتاب النكاح، المسألة 13 من فصل العقد و أحكامه.

(3) مستمسك العروة الوثقى، ج 14، ص 388، نهج الفقاهة، ص 245

ص: 173

للشرائط عدا رضا المالك، فإذا حصل عمل السبب (1) التامّ عمله (2).

و بالجملة (3): فدعوى الإجماع في المسألة (4) دونها خرط القتاد.

و حينئذ (5) فالعمومات المتمسّك بها لصحّة الفضولي السالمة (6) عن ورود مخصّص عليها- عدا ما دلّ على اعتبار رضا المالك في حلّ ماله و انتقاله إلى الغير و رفع (7) سلطنته عنه- أقوى (8) حجّة في المقام (9).

مضافا (10) إلى ما ورد في عدّة أخبار من «أنّ سكوت المولى بعد علمه بتزويج

______________________________

(1) و هو العقد التام برضا المالك.

(2) و هو الأثر المرغوب منه كالنقل و الانتقال في العقد المعاوضي.

(3) يعني: و حاصل الكلام: أنّ دعوى الإجماع على اعتبار اللفظ في الإجازة و عدم كفاية الرضا الباطني فيها- مع ما عرفت من الفتاوى و النصوص الظاهرة في عدم اعتبار اللفظ في الإجازة- في غاية الإشكال.

(4) أي: في مسألة توقف عقد الفضولي على إنشاء الإجازة باللفظ.

(5) أي: و حين عدم ثبوت الإجماع على اعتبار اللفظ في الإجازة- إذا شكّ في اعتبار اللفظ فيها- فلا مانع من التمسك بالعمومات التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي، إذ هي سالمة عن كل مخصّص، إلّا ما دلّ على اعتبار رضا المالك في حلّ ماله للغير و الانتقال إليه، و ليس اللفظ مقوّما للرضا الذي هو من أفعال النفس. و عليه فلا دليل على اعتبار اللفظ في الإجازة، بل يكفي الرضا الباطني.

(6) نعت ل «فالعمومات».

(7) هذا و «انتقاله» معطوفان على «حلّ»، و ضمير «سلطنته» راجع الى «المالك».

(8) خبر «فالعمومات».

(9) و هو عدم اعتبار اللفظ في الإجازة.

(10) بعد التمسك بالأدلة العامة يريد التشبث بالأدلة الخاصة، و هي النصوص

______________________________

و لا يبعد القول بما أفاده العلّامة قدّس سرّه، و حمل إنكارها بعد الإفاقة على الدهشة ممّا أنشأتها في حال سكرها. و ليس هذا الإنكار ظاهرا في الرد حتى يكون إقامتها مع الزوج بعده من الإجازة بعد الردّ التي لا تجدي في صحة العقد، و المسألة محتاجة إلى مزيد التأمل.

ص: 174

عبده إقرار منه له عليه» (1).

و ما (2) دلّ على أنّ قول المولى لعبده المتزوّج بغير إذنه: «طلّق» يدلّ (3) على الرضا بالنكاح، فيصير إجازة.

و على (4) أنّ المانع من لزوم نكاح العبد بدون إذن مولاه

______________________________

المتفرقة التي جعلها- كالفتاوى- شاهدة على شرطية نفس الرضا، و عدم اعتبار اللفظ.

و كيف كان فالنصوص المذكورة في المتن طوائف.

أوّلها: ما ورد في عدة أخبار من كون سكوت المولى بعد علمه بتزويج عبده إقرارا منه للعبد على تزويجه. مثل ما رواه معاوية بن وهب، قال: «جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه السّلام، قال: إنّي كنت مملوكا لقوم، و إنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مواليّ، ثم أعتقوني بعد ذلك، فأجدّد نكاحي إيّاها حين أعتقت؟ فقال له: أ كانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة و أنت مملوك لهم؟ فقال: نعم، و سكتوا عنّي و لم يغيّروا عليّ. قال، فقال:

سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم، اثبت على نكاحك الأوّل» «1».

(1) أي: إقرار من المولى للعبد على تزويجه.

(2) معطوف على قوله: «ما ورد» و هذا إشارة إلى الطائفة الثانية من النصوص، و هو ما روي صحيحا عن ابن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن علي صلوات اللّه و سلامه عليه «أنّه أتاه رجل بعبده، فقال: إنّ عبدي تزوّج بغير إذني فقال عليّ عليه السّلام لسيّده: فرّق بينهما، فقال السيد لعبده: يا عدوّ اللّه طلّق، فقال علي عليه السّلام: أمّا الآن فإن شئت فطلّق و إن شئت فأمسك. فقال السيد: يا أمير المؤمنين أمر كان بيدي فجعلته بيد غيري؟ قال: ذلك لأنّك حين قلت: طلّق أقررت له بالنكاح» «2».

(3) خبر قوله: «أنّ قول المولى».

(4) معطوف على «انّ» يعني: و ما دلّ على أنّ المانع .. إلخ، و هذا إشارة إلى الطائفة الثالثة الدالة على عدم اعتبار اللفظ في إجازة عقد الفضولي، و محصله: أنّه قد دلّ بعض النصوص على كون الرضا النفساني- من دون اعتبار القول معه- رافع لمانع لزوم نكاح

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 525، الباب 26 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1، و نحوه الحديث 2 و 3

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 526، الباب 27 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: 1

ص: 175

معصية (1) المولى التي ترتفع بالرضا.

و ما (2) دلّ على أنّ التصرّف من ذي الخيار رضا منه، و غير (3) ذلك [1].

______________________________

العبد بدون إذن مولاه، و أنّ معصية المولى ترتفع برضاه.

و ذلك النص قول زرارة: «فقلت لأبي جعفر عليه السّلام: فإنّه في أصل النكاح كان عاصيا، فقال أبو جعفر عليه السّلام: إنّما أتى شيئا حلالا، و ليس بعاص للّه، إنّما عصى سيّده و لم يعص اللّه عزّ و جل، إنّ ذلك ليس كإتيانه ما حرّم اللّه عليه من نكاح في عدّة و أشباه ذلك» «1».

(1) خبر «أنّ المانع».

(2) معطوف على «ما دلّ على» و هذا إشارة إلى الطائفة الرابعة، و محصّله: أنّه دلّ بعض النصوص على كون تصرف ذي الخيار رضا منه ببقاء العقد الذي تعلّق به الخيار، فيسقط الخيار به.

و ذلك النصّ هو ما رواه علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيّام فذلك رضا منه، فلا شرط. قيل له: و ما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبّل أو نظر منها ما كان يحرم عليه قبل الشراء» «2».

(3) معطوف على الموصول في قوله: «إلى ما دلّ». و لعلّ مراده بهذا الغير ما أشار إليه في الجواهر بقوله: «و لفحوى بعض نصوح النكاح الفضولي: أنه يحلف على عدم الرضا في نفسه فيما بينه و بين اللّه تعالى» «3».

______________________________

[1] قد يورد عليه بأنّ هذه النصوص أجنبية عن المدعى و هو كفاية الرضا، و ذلك أمّا ما ورد في خيار الحيوان و في تزويج السكرى فلتحقق الكاشف عن الرضا كلمس الجارية و إقامة المرأة مع الزوج، فهما شاهدان على كفاية الفعل و نفي اعتبار اللفظ مطلقا في

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، باب تزويج العبد بغير اذن سيده، الحديث: 2

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 351، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث: 1

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 294

ص: 176

بقي (1) في المقام أنّه إذا قلنا بعدم اعتبار إنشاء الإجازة باللفظ،

______________________________

و الظاهر أنّه قدّس سرّه أشار إلى ما ورد في صحيحة أبي عبيدة الحذّاء من قوله عليه الصلاة و السلام: «فتحلف باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا الرّضا بالتزويج» «1»، فإنّ الموضوع لجواز أخذ الإرث هو رضاها بالتزويج المحرز بالحلف. هذا بناء على عدم خصوصية في النكاح الفضولي، فيجري في البيع ما ثبت في النكاح من ترتيب آثار العقد بالرضا المتأخر.

هذا تمام الكلام في ما استند إليه المصنف قدّس سرّه من الفتاوى و النصوص على عدم اعتبار التلفظ بالإجازة. و سيأتي العدول عنه.

(1) غرضه من هذا الكلام اعتبار إنشاء الإجازة و عدم كفاية مطلق الرّضا في تحققها، و استدلّ عليه بوجه، و أيده بوجه.

أمّا الدليل فهو: أنه لو قلنا بكفاية مطلق الرضا في صحة البيع الفضولي كان لازمه كفاية تحقق الرضا السابق على العقد أو المقارن له، و عدم توقفه على خصوص الرضا اللاحق، فلو أحرز رضا المالك بقول أو فعل قبل إنشاء العقد الفضولي لزم القول بصحته و استغنائه عن الإجازة المتأخرة، إذ المفروض شرطية مطلق الرضا، و قد أحرز وجوده.

بل يلزم أولوية هذا العقد بالصحة من الفضولي المعهود و هو ما إذا لم يعلم طيب نفس المالك حال الإنشاء، و علم به بعده بالإجازة.

______________________________

الإجازة. و أمّا ما ورد في رضا السيد بنكاح العبد فلأنّ موضوع النفوذ ليس مجرّد رضاه به، لقوله عليه السّلام: «فإذا أجاز جاز» فالمناط هو الإجازة، و مقتضى الجملة الشرطية فساد نكاحه بدونها. و صدقها على الرضا النفساني أوّل الكلام، هذا.

لكن يمكن أن يقال: إن قوله عليه السّلام: «فذاك رضا منه» ظاهر في كون تمام الموضوع لسقوط خيار المشتري هو الرضا، و تنزيل إحداث الحدث منزلته. و اللمس و التقبيل و إن كانا فعلين مظهرين للرضا، إلّا أن ظاهر كلامه عليه السّلام دوران سقوط الخيار مدار نفس الرضا بلا ضمّ شي ء آخر معه. و كذلك الحال في صحيحة ابن بزيع، من جعل المناط رضاها بالعقد، و إن كانت أظهرته بالإقامة معه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث: 1

ص: 177

و كفاية (1) مطلق الرضا أو الفعل الدالّ عليه، فينبغي (2) أن يقال بكفاية وقوع مثل ذلك (3) مقارنا للعقد أو سابقا. فإذا (4) فرضنا أنّه علم رضا المالك بقول أو فعل (5) يدلّ على رضاه ببيع ماله، كفى (6) في اللزوم، فأنّ ما يؤثّر بلحوقه يؤثّر بمقارنته بطريق أولى (7).

______________________________

مع أنّه لا سبيل للالتزام بكفاية مطلق الرضا في صحة العقد، لمخالفته لمذهب الأصحاب من اعتبار الإذن السابق في الخروج عن الفضولية، سواء أ كان المالك راضيا حال العقد أم لا. و أنّ مورد إحراز رضا المالك- بلا إذن منه- مشمول لعنوان الفضولي، و يتوقف نفوذه على الإجازة اللاحقة. فلزوم العقد إمّا بالإذن المقارن له، و إمّا بالإجازة المتأخرة عنه.

و عليه فلا وجه للاقتصار على مطلق الرضا في الصحة. هذا تقرير الدليل. و أمّا المؤيّد للمطلب فسيأتي.

(1) معطوف على «عدم اعتبار» يعني: إذا قلنا بكفاية مطلق الرضا .. إلخ.

(2) جواب «إذا» و حاصله: أنّ كفاية مطلق الرضا تقتضي خروج عقد الفضولي- المقارن لرضا المالك- عن حكم الفضولي. لكن الظاهر عدم التزام الأصحاب بذلك، لحكمهم بعدم خروجه عن حكم الفضولي.

(3) أي: مثل مطلق الرضا أو الفعل الدالّ عليه مقارنا للعقد أو سابقا على العقد.

(4) هذه نتيجة كفاية مطلق الرضا أو الفعل الدالّ عليه، و حاصله: أنّ لازم ذلك كفاية العلم برضا المالك بقول دالّ عليه كأن يقول: «أرجو أن يباع متاعي عاجلا» أو فعل يدلّ على ذلك، كأن يجعل داره بيد الدلّال للبيع.

كذا قيل، لكن فيه: أنّه من المأذون من قبل المالك، و ليس من الفضولي أصلا.

(5) قد عرفت آنفا كلّا من القول و الفعل الدالين على الرضا بالبيع.

(6) جواب «فإذا فرضنا» وجه الكفاية: تماميّة العقد بتحقق شرطه و هو الرضا.

(7) وجه الأولوية: أنه لو كان اللحوق مؤثّرا- مع احتمال اعتبار المقارنة في مؤثّريته- فلا بدّ أن تكون مؤثريته في حال الاقتران بالعقد أولى، لوجود المقارنة التي تحتمل شرطيتها و فقدانها في فرض اللحوق.

ص: 178

و الظاهر (1) أنّ الأصحاب لا يلتزمون بذلك (2)، فمقتضى ذلك (3) أن لا يصحّ الإجازة إلّا بما لو وقع قبل العقد كان إذنا مخرجا للبيع عن بيع الفضوليّ.

و يؤيّد ذلك (4) أنّه لو كان مجرّد الرضا ملزما

______________________________

(1) هذا وجه عدم الالتزام بكفاية الرضا المقارن للعقد في الخروج عن الفضولية، و لازم ذلك عدم كفاية مطلق الرضا في صحة العقد الفضولي، بل لا بدّ من دالّ عليه.

(2) أي: بلزوم المعاملة بمجرّد رضا المالك سواء أ كان مقارنا أم لاحقا، بل يلتزمون بكون المعاملة المقرونة بالعلم برضا المالك فضولية ما لم يأذن فيها. و قد سبق التنبيه على رأي الأصحاب في أوّل بحث الفضولي بقوله: «و كيف كان فالظاهر شموله لما إذا تحقق رضا المالك للتصرف باطنا، و طيب نفسه بالعقد من دون حصول إذن منه صريحا أو فحوى ..» فراجع «1».

(3) أي: عدم التزام الفقهاء بلزوم المعاملة بمجرّد رضا المالك- سابقا على العقد أو مقارنا له- يقتضي أن لا يصحّ الإجازة إلّا بشي ء لو وقع قبل العقد كان إذنا من المالك، بحيث يخرج البيع عن بيع الفضولي. و عليه فلا فرق بين الإجازة و الإذن إلّا بالسبق و اللحوق، و من المعلوم أنّ مجرد الرضا قبل العقد لا يكون إذنا مخرجا للعقد عن عقد الفضوليّ، فلا بدّ أن لا يكون ذلك إجازة أيضا إذا وقع بعد العقد.

(4) أي: و يؤيّد عدم كفاية مطلق الرضا. و توضيح هذا المؤيّد: أنّه لو كان مجرّد الرضا كافيا في لزوم البيع و مخرجا له عن الفضولية فلازمه كون مجرد الكراهة المقابلة للرضا فسخا للعقد و مزيلا له، مع أنّه يمتنع الالتزام بهذا اللازم، لما تقرّر في موردين:

أحدهما: صحة البيع الفضولي المسبوق بنهي المالك، كما تقدم تفصيله في المسألة الثانية «2». مع أنّ كفاية عدم الرضا في تحقق فسخ العقد تقتضي البطلان، لأنّ المالك أظهر كراهته بنهيه عن البيع، و من المعلوم تأثير هذه الكراهة المقارنة للعقد في فساده. فذهاب المشهور إلى صحة هذا القسم من بيع الفضولي شاهد على عدم العبرة بالكراهة الموجودة حال العقد. و بما أنّ الكراهة مقابلة للرضا، فلا بدّ من عدم تأثير هذا الرضا المقارن في الصحة أيضا.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 353.

(2) المصدر، ص 524

ص: 179

كان مجرّد الكراهة فسخا [1]، فيلزم عدم وقوع بيع الفضولي مع نهي المالك (1)، لأنّ الكراهة الحاصلة حينه و بعده- و لو (2) آنا ما- تكفي في الفسخ،

______________________________

ثانيهما: صحة بيع المكره الملحوق بالرضا، كما تقدم في بيع المكره. مع كونه كارها للبيع و غير راض به أصلا، و إنّما يأتي به خوفا من الضرر المتوعّد به. فلو كان الرضا المقارن مصحّحا لبيع الفضولي لزم فساد عقد المكره، و عدم تأثير الرضا المتأخر في صحته. و حيث إنّهم بنوا على صحته بهذا الرضا استكشف منه عدم ترتب أثر على الرضا و الكراهة المقارنين للعقد، بل لا بدّ من الإجازة الدالة على الرضا «1».

و الوجه في التعبير بالتأييد- دون الدلالة- إمكان منع الملازمة بين الرضا و الكراهة في الآثار المتقابلة المترتبة عليهما، و سيأتي بيانه.

(1) لما مر آنفا من كشف النهي عن الكراهة المانعة عن وقوع العقد، فإنّ بقاء الكراهة آنا ما بعد العقد كاف في ردّه و المنع عن تأثيره. و قد تقدم توضيح هذا اللازم بقولنا: «أحدهما: صحة بيع الفضولي المسبوق بنهي المالك ..».

(2) هذا راجع إلى قوله «و بعده» يعني: أنّ الكراهة الباقية بعد العقد آنا ما تكفي في ردّ عقد الفضولي، الذي عبّر عنه في المتن بالفسخ.

______________________________

[1] لعل الأولى إبداله ب «ردّا» لأنّ الفسخ كما تقدّمت الإشارة إليه هو رفع العقد الموجود، و الردّ هو الدفع و المنع عن تحقق الوجود له. و عليه فكراهة المالك قبل العقد دافعة للعقد، و بعده رافعة له.

ثم إنّ التأييد المزبور مبني على الملازمة بين ملزمية الرضا و فاسخية الكراهة. لكن الملازمة ممنوعة، لأنّ الفسخ حلّ العقد. فكما أنّ العقد أمر تسبيبي منوط بالإنشاء، فكذلك حلّه بالفسخ، فإنّه أمر تسبيبي أيضا محتاج إلى الإنشاء. بخلاف الرضا، فإنّه موجود حقيقي يحصل في النفس بمقدماته التكوينية، و ليس متوقّفا على الإنشاء، لعدم كونه من الاعتباريات المتوقّفة عليه.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 267

ص: 180

بل (1) يلزم عدم وقوع بيع المكره أصلا. إلّا (2) أن يلتزم بعدم كون مجرّد الكراهة فسخا و إن كان مجرّد الرضا إجازة.

[الثالث: اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد]

الثالث (3):

من شروط الإجازة [1] أن لا يسبقها الرد، إذ مع الرد ينفسخ العقد، فلا يبقى

______________________________

(1) هذا ثاني الموردين مما يستكشف منه عدم كون مجرّد الرضا ملزما، و حاصل هذا الوجه- كما تقدم آنفا- أنّه لو كان صرف الرضا كافيا في تأثير عقد الفضولي لزم من ذلك كون ضدّه و هو الكراهة النفسانية كافيا في ردّ عقد الفضولي و إبطاله. و لازم هذا عدم وقوع عقد المكره أصلا، لوجود الكراهة حين عقده، فلا يجدي الرضا اللاحق في صحته و نفوذه، إذ المفروض عدم وقوع عقد في الخارج مع الكراهة حتى يصحّ و ينفذ بالرضا اللّاحق، هذا.

(2) هذا استدراك على قوله: «لو كان مجرد الرضا ملزما كان مجرّد الكراهة فسخا» و محصّله: إنكار الملازمة بين ملزمية مجرّد الرضا لعقد الفضولي و بين مبطلية مجرّد الكراهة و مانعيتها عن تأثير العقد و نفوذه.

و وجه الإنكار هو عدم الدليل على مانعيّة مجرّد الكراهة النفسانية، لأنّ ما دلّ على ملزمية الرضا للعقد لا مفهوم له حتى يدلّ على مانعية الكراهة لصحة العقد و نفوذه، لأنّه من اللّقب الذي لا مفهوم له.

اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد

(3) الغرض من عقد هذا التنبيه بيان شرط آخر ممّا يعتبر في تأثير الإجازة، و هو:

أن لا يسبقها الردّ، لكون الردّ مسقطا للعقد عرفا عن قابليته للتأثير بالإجازة، فمع سقوطه و انتفائه لا يبقى موضوع للإجازة، فإنّ الرد إعدام لقابلية العقد للتأثير، كما أنّ الإجازة إيجاد لمؤثريته.

______________________________

[1] فإنّ الإجازة لا بدّ أن تكون موجبة لإضافة العقد إلى المجيز حتى يصير عقد الفضولي عقدا له على ما قيل. و يشمله عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإن لم تكن مسبوقة بالرد كانت صالحة لإضافة العقد إليه، و إلّا لم تكن صالحة لذلك. و لو شكّ في صلاحيته لذلك مع مسبوقيّتها بالردّ لم يصح التمسك بعموم «أَوْفُوا» لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

ص: 181

ما تلحقه الإجازة.

و الدليل [1] عليه (1) بعد ظهور الإجماع- بل التصريح به في كلام بعض مشايخنا- أنّ (2) الإجازة إنّما تجعل المجيز أحد طرفي العقد، و إلّا لم يكن مكلّفا

______________________________

(1) أي: و الدليل على اعتبار عدم كون الإجازة مسبوقة بالردّ وجوه:

الأوّل: ظهور الإجماع- بل التصريح به- على أن لا تكون الإجازة مسبوقة بالرد، و إلّا لم تؤثّر الإجازة و كانت لغوا.

قال السيد المجاهد قدّس سرّه: «فلو أجاز بعد الرّد لم ينفع، و يبقى العقد على بطلانه.

و الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه بين القائلين بصحة بيع الفضولي، كما أشار إليه في الرياض» «1».

و كذلك حكى في الجواهر الإجماع عمّن اعترض على الاستدلال بصحيحة محمّد بن قيس على صحة الفضولي. و لم يناقش صاحب الجواهر في الإجماع، و ظاهره تسليم اتفاق الأصحاب عليه، فراجع.

(2) خبر «و الدليل» و هذا هو الوجه الثاني، و محصله: أنّ الإجازة تجعل المجيز أحد طرفي العقد، فإن كان البيع فضوليّا تجعله بائعا. و إن كان الشراء فضوليا تجعله مشتريا، إذ لو لم يجعل المجيز أحد طرفي العقد لم يكلّف بوجوب الوفاء بالعقد، لأنّ هذا الوجوب متوجّه إلى المتعاقدين دون غيرهما. فالإجازة تجعل المجيز أحد المتعاقدين.

______________________________

[1] قال المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه ما محصله: إنّ الظاهر أنّ اعتبار ذلك إنّما هو لأجل أن الإجازة مع سبقه بالرد لا توجب صحة إسناد العقد عرفا إلى المجيز، و الموجب لإسناده إلى المجيز هو الإجازة غير المسبوقة بالرد، و لا أقلّ من الشك في إسناده إليه مع سبق الإجازة به، فلا دليل حينئذ على نفوذ هذا العقد على المجيز، لأنّ التمسك بالعمومات مع هذا الشك تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية، هذا «2».

______________________________

(1) المناهل، ص 289، جواهر الكلام، ج 22، ص 278. و لعلّ مراد المصنف ب «بعض مشايخنا» هو السيّد المجاهد، كما عبّر به في سادس تنبيهات المعاطاة أيضا، و إن عبّر عنه في بيع أم الولد ب «بعض سادة مشايخنا» و في خيار الشرط ب «سيد مشايخنا». كما أن الغالب التعبير عن صاحب الجواهر ب «بعض المعاصرين» و إن أطلق عليه «بعض مشايخنا المعاصرين» كما في مسألة حرمة القمار، أو «شيخنا المعاصر» كما في بحث حرمة الاكتساب بالأعيان النجسة، و على كلّ فالجزم بمراده قدّس سرّه منوط بالتتبع التام في مصطلحاته.

(2) حاشية المكاسب، ص 66

ص: 182

بالوفاء بالعقد، لما عرفت (1) من أنّ وجوب الوفاء إنّما هو في حقّ العاقدين، أو من قام مقامهما. و قد [1] تقرّر (2) أنّ من شروط الصيغة أن لا يحصل (3) بين طرفي

______________________________

(1) يعني: في المناقشة الثانية في ثاني وجوه الكشف، حيث قال: «لأنّ وجوب الوفاء بالعقد تكليف يتوجه إلى العاقدين ..» فراجع (ص 50). و مراده بالعاقدين هنا هو المالكان بقرينة قوله: «أو من قام مقامهما» كالولي و الوكيل.

(2) غرضه- بعد إثبات صيرورة المجيز بسبب الإجازة أحد المتعاقدين- أن يثبت بعض أحكام العقد و شروطه لعقد الفضولي، و هو: أنّ من شروط العقد أن لا يتخلّل بين الإيجاب و القبول ما يسقطه عن صدق العقد كالفصل بالسكوت أو بالكلام الأجنبي، فإن تخلّل ذلك سقط عنوان عقديته، فلا يشمله مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. و لا ريب في أنّ الرّد قبل الإجازة مانع عن ارتباط أحد الالتزامين بالآخر.

(3) الجملة في محلّ نصب على أنّها اسم «أنّ».

______________________________

أقول: إنّ الإجازة لا تجعل عقد الفضولي عقد المجيز، ضرورة أنّ إنشاء العقد فعل مباشري للفضولي، و ليس فعلا مباشريا للمجيز كما هو بديهيّ، و لا تسبيبيا له، لعدم انطباق ضابط التسبيبي عليه، إذ ليس عقد الفضولي أثرا قهريا للمجيز، بل هو فعل إرادي اختياري للفضولي. و ليست الإجازة إلّا إنفاذ العقد الفضولي. و صيرورة عقده مضافا إلى المجيز و مسندا إليه ممّا لا يدلّ عليه الإجازة لا مفهوما و لا حكما، فتدبّر.

نعم ولاية أمر العقد من حيث الإجازة و الرّد للمجيز، فلو شك في بقاء هذه الولاية له بعد الرّد أمكن الحكم ببقائها بالاستصحاب. فتأمّل.

و الحاصل: أنّه لا دليل على اعتبار إضافة عقد الفضولي إلى المجيز حتى يقال: إنّ الرّد يسقطه عن قابلية إضافته إلى المجيز بالإجازة المسبوقة بالرد. و أمّا الإضافة بمعنى ارتباط مّا للعقد بمالك الأصيل فهي حاصلة بتعلق إنشاء الفضولي بمال المالك. و هذه الإضافة القهرية كافية في ارتباط العقد بالمالك.

[1] الظاهر أجنبية قوله: «و قد تقرر أنّ من شروط الصيغة .. إلخ» عن المقام، و ذلك لأنّ اعتبار عدم تخلل ما يسقط العقد عن صدق العقد إنّما هو لأجل دخله في صدقه عرفا، إذ مع وجوده لا يصدق العقد، مثلا إذا رفع الموجب يده عن إيجابه لم يجد إنشاء القبول بعده.

و هذا بخلاف المقام، لأنّ العقد قد تحقق، و الإجازة دخيلة في صحته و ترتب الآثار الشرعيّة

ص: 183

العقد ما يسقطهما عن صدق العقد الذي هو في معنى المعاهدة (1)، هذا.

مع (2) أنّ مقتضى سلطنة الناس على أموالهم، تأثير الردّ في قطع [1] علاقة

______________________________

(1) يعني: و تخلّل ذلك المانع يمنع تحقق المعاهدة التي هي حقيقة العقد.

(2) هذا ثالث الوجوه الدالة على أنّ من شروط الإجازة أن لا يسبقها الردّ، و محصّله: أنّ مقتضى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» تأثير ردّ من عقد على ماله فضولا- لعقد الفضولي- في قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه، فإذا باع الفضولي مال زيد على عمرو، فإنّ مقتضى سلطنة زيد على ماله كون ردّه لعقد الفضولي قاطعا لعلقة المشتري عن مال زيد، فلا يبقى حينئذ عقد تلحقه الإجازة، لزواله بالردّ.

______________________________

عليه، لا في أصل صدق العقد، إذ لا ريب في حصوله بإنشاء الفضولي.

فقوله قدّس سرّه: «و قد تقرر .. إلخ» لا يناسب المقام الذي تمّ إنشاء العقد من الفضولي، و تحققت به المعاهدة و المعاقدة العرفية، و ليست إجازة المجيز إلّا شرطا لتأثيره.

لكن هذا الاشكال مندفع بأنّ قوله قدّس سرّه مبني على كون المجيز بسبب الإجازة أحد طرفي العقد، فإذا صار أحد طرفي العقد كان قوله قدّس سرّه: «و قد تقرر .. إلخ» في محله.

فالإشكال عليه كما في بعض الحواشي «بأنّه لا دخل لذلك في المقام، ضرورة أنّ اعتبار ذلك لتحقق العقد هناك، و قد كان العقد محققا هاهنا، و الإجازة إنّما تكون لتصحيح إضافته، لا لأصل تحققه» غير ظاهر لأنّ مقتضى كون المجيز أحد طرفي العقد تحقق العقد بالإجازة، فيشترط فيه ما يشترط في غيره من العقود، فردّ مالك أمر العقد ردّ بين الإيجاب و القبول، و مانع عن تحقق العقد.

[1] الأولى إبداله هكذا: «تأثير الرد في سقوط عقد الفضولي عن قابلية لحوق الإجازة به» إذ لا يتحقق علاقة لطرف الفضولي بالمال المعقود عليه فضولا حتى تنقطع بالرد، لجريان قاعدة السلطنة فيه.

ثم انّ المحقق النائيني قدّس سرّه نبّه على أمر في المقام، لا بأس ببيانه، و هو: أنّ قاعدة السلطنة تقتضي سلطنة المالك على إمضاء العقد، و عدم إمضائه، لوضوح أن السلطنة على الشي ء لا تصدق إلّا بالقدرة على طرفيه. إنّما الكلام في أنّ طرف الإجازة هو الرد أو عدم

ص: 184

الطرف الآخر عن ملكه (1)،

______________________________

(1) أي: عن ملك من عقد على ماله فضولا، كزيد في المثال المزبور.

______________________________

الإجازة؟

و بعبارة أخرى: هل تكون الإجازة و عديلها متقابلين بتقابل التضاد، فهما أمران وجوديّان، أم أنّهما متقابلان بتقابل السلب و الإيجاب؟

و يتفرّع على هذين الاحتمالين أنّه بناء على التقابل بنحو التناقض لا يسقط العقد عن قابلية لحوق الإجازة به بعد ردّ المالك له، و ذلك لأنّ عدم الإجازة أمر عدمي حاصل من زمان إنشاء الفضول، و لا خصوصية للرّد، و المالك مخيّر بين الإجازة و عدم الإجازة، و الردّ لا يسقط حقّ الإجازة، لاستواء حال المالك- ما بعد الردّ و ما قبله- بالنسبة الى عدم تحقق الإجازة، فكما أن عدم الإجازة قبل الردّ لا يمنع عن الإجازة، فكذلك بعد الرد. و المهم أنّ الردّ أجنبي عن متعلق سلطنة المالك، فوجوده كعدمه.

و بناء على احتمال كون التقابل بنحو التضاد يسقط الرد العقد عن قابلية تأثير الإجازة فيه، لأنّه بمجرد الردّ قد أعمل حقّه و استوفاه، و لا تبقى له سلطنة على العقد حتى يجيزه.

و الصحيح من هذين الاحتمالين هو كون عديل الإجازة و بديلها هو الرّد، لا عدم الإجازة، و ذلك لأنّه لو كان طرفا السلطنة الإجازة و عدمها لزم قصر سلطنة المالك بخصوص الإجازة، فإنه و إن كان مخيّرا بين أن يجيز و أن لا يجيز، إلّا أنّ رفع تلك الإضافة الاقتضائية ليست بيده، لما تقدم من أنّ عدم الإجازة حاصل من حين العقد، و لا يؤثر إنشاء الرد فيه أصلا. فإن أجاز لزم العقد، و إن لم يجز بقيت قابلية لحوق الإجازة على حالها.

و هذا بخلاف كون طرفي السلطنة الإجازة و الرد، فإنّ قاعدة السلطنة كما تقتضي كونه سلطانا على إنفاذ إنشاء الفضول ليستند العقد إلى نفسه، كذلك تقتضي سلطنته على هدمه و إعدامه و جعله كأن لم يكن. و من المعلوم أنّ تحديد سلطنة المالك بخصوص طرف الإمضاء تقييد للإطلاق بلا مقيّد. و حيث كان عديل الإجازة هو الردّ قلنا بعدم تأثير الإجازة بعده، لسقوط حقه بالرّد «1».

______________________________

(1) المكاسب و البيع، ج 2، ص 131

ص: 185

فلا يبقى ما تلحقه الإجازة، فتأمّل (1) [1].

______________________________

(1) لعلّه إشارة إلى ما قيل من معارضة قاعدة السلطنة بمثلها، بتقريب: أنّ مقتضاها تأثير الإجازة بعد الرد، هذا.

أقول: لم يظهر وجه للمعارضة بعد البناء على جريان قاعدة السلطنة في الرد، إذ مقتضاها زوال العقد و انحلاله بالرد. كما أنّ مقتضاها بقاء العقد و نفوذه بالإجازة. و معه لا يبقى مورد للإجازة حتى تجري فيها قاعدة السلطنة نعم للمعارضة مجال فيما إذا حصل الردّ و الإجازة في زمان واحد، كما إذا كان لمالك المال المعقود عليه فضولا وكيلان أجاز أحدهما عقد الفضولي و ردّه الآخر في آن واحد.

و يمكن أن يكون إشارة إلى عدم جريان قاعدة السلطنة في الرّد، حيث إنّ موردها هي التصرفات النافذة في الأموال، و ليست في مقام بيان أنحاء السلطنة و تشريعها.

و المقام ليس من تلك التصرفات، بل من تشريع سببيّة الرد لانحلال العقد، و هذا من الأحكام، و ليس الناس مسلّطين على الأحكام، فقاعدة السلطنة لا تجري في الرد.

______________________________

[1] قد أورد على الاستدلال بقاعدة السلطنة تارة: بأنّه لم يثبت علاقة للطرف الآخر حتى يكون الردّ بمقتضى قاعدة سلطنة المالك على ماله قاطعا لتلك العلاقة، و مع انقطاعها لا يبقى مورد للإجازة، فلو أجاز بعد الرد كانت الإجازة غير مؤثرة، لعدم موضوع لها.

و أخرى: بأنّ إسقاط عقد الفضولي بسبب الرد راجع إلى حكم شرعي وضعي، و هو سببية الردّ لسقوط العقد عن قابلية لحوق الإجازة به، و هذا الحكم الشرعي ليس سلطنة على المال حتى تشمله قاعدة السلطنة، بل سلطنة على الحكم، و هي أجنبية عن مفاد القاعدة، إذ مفادها عدم محجورية الناس عن التصرفات الجائزة في أموالهم، و سببية الرّد ليست من أنحاء السلطنة على المال، فلا تجري القاعدة في الردّ، لعدم كونه موضوعا لها.

و ثالثة بأنّه على فرض كون الردّ من أنحاء السلطنة على المال لا تشمله قاعدة السلطنة أيضا، لأنّها لا تشرّع السلطنة التي شكّ في مشروعيتها، لما ثبت من أنّ القاعدة لا تشرّع أنحاء السلطنة، بل تدل على عدم محجورية المالك عن التصرفات المشروعة في ماله.

و رابعة بأنّ قاعدة السلطنة- بناء على شمولها للردّ- تشمل الإجازة أيضا، فإنّ كلّا من

ص: 186

______________________________

الردّ و الإجازة مشمول لقاعدة السلطنة، فيصير الردّ بالتعارض كالعدم، فلو أجاز المالك بعد ذلك كانت الإجازة حينئذ مؤثرة.

هذا ما قيل أو يقال في الاشكال على جريان قاعدة السلطنة لإثبات كون الرد مانعا عن تأثير الإجازة في نفوذ عقد الفضولي. و لعلّ المصنف قدّس سرّه أراد هذه الإشكالات أو بعضها بقوله: «فتأمّل».

أقول: أمّا الإشكال الأوّل فلا موضوع له، لعدم تحقق علاقة شرعا لطرف الفضولي بالمال المعقود عليه فضولا، بل المال بعد عقد الفضولي باق على ما كان عليه قبل عقد الفضولي من حيث عدم تعلق علاقة أحد به، فلا وجه لإجراء قاعدة السلطنة لقطع علاقة الطرف عنه حتى لا يبقى مورد للإجازة.

و أمّا الإشكال الثاني و الثالث ففيهما: أنّه لا إشكال في كون الردّ كالإجازة من التصرفات المالية دون الأحكام، و يكفي في مشروعيتهما العمومات الدالة على جواز التصرف خارجيا و اعتباريا لكل مالك في ماله. بل و كذا أدلّة نفوذ بيع الفضولي بإجازة المالك، فإنّ جواز البيع بإجازته يستلزم جواز إبطاله بردّه، فيكون المالك مسلّطا على بيع ماله بالمباشرة، و بإجازة العقد الواقع على ماله و رده.

و بالجملة: فلا ينبغي الارتياب في جريان قاعدة السلطنة في الردّ و انحلال العقد به.

و أمّا الإشكال الرابع ففيه: أنّ مقتضى قاعدة السلطنة في الردّ هو بطلان العقد و عدم صلاحيته للحوق الإجازة به، فلا يبقى مورد للإجازة. و ليس المراد بالسلطنة السلطنة على الجمع بين الرد و الإجازة، لأنّه جمع بين الضدين، فإذا اختار أحدهما لا يبقى مورد للآخر.

كاختيار ذي الخيار الفسخ أو إقرار العقد، فلا معنى لمعارضة قاعدة السلطنة في الردّ و الإجازة.

و أمّا ما أفاده بعض الأجلّة من «أنّ إنشاء الفضولي ليس فعل المجيز حتى يؤثر ردّه في زواله، فوجود الردّ كعدمه. فإذا أجاز المالك الأصيل بعد ردّه صحّت الإجازة و ترتبت آثار الصحة على العقد» «1». ففيه: أنّ الإنشاء و إن كان فعل الفضولي، إلّا أنّ نفوذه بإجازة المالك، فإذا ردّ المالك سقط الإنشاء عن التأثير، و بعد سقوطه لا معنى لعوده، فتأمّل.

______________________________

(1) كتاب البيع، ج 2، ص 211

ص: 187

______________________________

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ وزان الإجازة في عقد الفضولي وزان شرائط العلل التكوينية، و الرّد رافع للشرط و هو الإجازة، و ليس رافعا لاقتضاء المقتضي، بل المقتضي باق على اقتضائه، فإذا وجد الشرط بعد انعدامه أثّر المقتضي أثره. مثلا تكون النار مقتضية للإحراق بشرط يبوسة الجسم، فمع رطوبته لا يحترق، و إذا ارتفعت الرطوبة احترق الجسم بلا ريب، لتمامية المقتضي بارتفاع المانع و هي الرطوبة و حصول الشرط و هو اليبوسة. و الظاهر أنّ الرّد فيما نحن فيه كالرطوبة مانع عن تأثير المقتضي و هو العقد، فإذا ارتفع الرد و تبدّل بالإجازة أثّر العقد أثره.

و قياس الرد بفسخ ذي الخيار الموجب لزوال العقد رأسا- بحيث لا يبقى موضوع لإمضائه- في غير محله، لأنّ الخيار هو ملك إزالة العقد و إقراره، فإذا فسخ ذو الخيار كان فسخه رافعا لأصل المقتضي، و مع ارتفاعه لا عقد حتى يصحّ إقراره بالإمضاء. بخلاف الإجازة و الردّ، فإنّهما في رتبة الشرط و المانع مع بقاء المقتضي في حال وجودهما.

أمّا كون الإجازة و الردّ في رتبة الشرط و المانع فهو ظاهر مثل قوله تعالى تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ حيث إنّ ظاهره كون التراضي شرطا للتجارة التي هي مقتضية لتبادل الأموال، و الردّ الحاكي عن الكراهة في رتبة الإجازة الكاشفة عن التراضي.

فالنتيجة: نفوذ الإجازة في عقد الفضولي بعد الردّ.

إلّا أن يقال: إنّه فرق بين المقام و العلل التكوينية، و حاصل الفرق: أنّه في العلل التكوينية- كالنار في المثال المذكور- و إن كان حدوث الشرط فيها كاليبوسة بعد ارتفاع المانع و هو الرطوبة موجبا لتأثير المقتضي أعني به النار في احتراق الجسم، لكنه في العلل التشريعية لا بدّ من متابعة الدليل في كيفية شرطية الشرط و مانعية المانع، كجعل مانعية «ما لا يؤكل» في خصوص حال العلم بكون الحيوان ممّا لا يؤكل، فإنّ الشرطية و المانعية من الأمور الاعتبارية الشرعية التابعة لكيفية اعتبارها شرعا سعة و ضيقا.

و عليه فلا محيص عن الالتزام بأنّ الردّ بمقتضى إطلاق قاعدة السلطنة مانع عن تأثير الإجازة، لاقتضاء إطلاقها الأحوالي تأثير الردّ مطلقا سواء لحقته الإجازة أم لا. كما أنّ اقتضاءها بالنسبة إلى الإجازة أيضا كذلك، فإذا أجاز الأصيل عقد الفضولي فليس له بعد الإجازة ردّه.

فصار المتحصل: أنّ الرّدّ مانع مطلقا، و ليست مانعيّته كمانعية الموانع التكوينية

ص: 188

______________________________

المرتفعة بوجود الشرائط، و قد ثبت إطلاق مانعية الردّ بالإطلاق الأحوالي الثابت لقاعدة السلطنة. و عليه فلا أثر للإجازة بعد الرد.

اللهم إلّا أن يقال: إنّ قاعدة السلطنة لا إطلاق لها، لأنّها في مقام بيان إثبات عدم محجورية المالك عن التصرفات المشروعية في ماله على النحو الذي شرّعت، فلا بدّ من مراجعة أدلة مشروعيتها، و أنّه هل لها إطلاق أم لا؟ فإن ثبت لها إطلاق فلا إشكال.

و إلّا فالوجه في عدم تأثير الإجازة المسبوقة بالرد إمّا عدم إضافة عقد الفضولي إلى المالك عرفا، فلا يشمله مثل عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» كما أفاده صاحب الكفاية «1». و إمّا استصحاب عدم نفوذ العقد حين الرد، إذ الشك إنّما هو في صيرورة العقد نافذا بالإجازة، فلا مانع من استصحاب عدم نفوذه.

فالمتحصل: أنّه لا دليل على نفوذ عقد الفضولي بالإجازة المسبوقة بالرد.

فتلخص من جميع ما ذكرنا: أنه لا أثر للإجازة المسبوقة بالرد، و أنّها كالعدم، لا لكون الوجه في ذلك إطلاق قاعدة السلطنة أحواليّا، و لا لقياس مانعيّة الردّ بمانعية الموانع التكوينية، لما عرفت فيهما من الإشكال. بل لعدم إضافة عقد الفضولي عرفا بعد الردّ إلى المالك الأصيل حتى يشمله «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و لا أقل من الشك في الشمول، فيندرج الاستدلال به في التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية كما في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه على المتن «2».

و لو لم يتمّ هذا الوجه أيضا فلا مانع من التشبث بالاستصحاب كما أشرنا إليه آنفا، ضرورة أنّه كان العقد حين الردّ غير نافذ قطعا، و بعد صدور إجازة المجيز يشكّ في ارتفاع عدم النفوذ و انتقاضه بالنفوذ، فيستصحب عدمه. و هذا الاستصحاب حجة، لكونه من الشك في رافعية الموجود، كالشك في رافعية المذي مثلا للطهارة الحديثة.

بقي الكلام فيما يستأنس به أو يستظهر منه نافذية الإجازة المسبوقة بالرد، و هو أمران:

أحدهما: ما أفاده بعض الأجلّة، و هو ما أشرنا إليه آنفا من أنّ إنشاء الفضولي ليس فعل المجيز حتى يؤثر ردّه في زواله، فمع بقائه تؤثّر الإجازة في نفوذ عقد الفضولي.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 66

(2) حاشية المكاسب، ص 66

ص: 189

______________________________

و فيه: ما عرفته من أنّ المراد بالردّ زوال قابلية الإنشاء للنفوذ بسبب الإجازة، لا زوال نفس الإنشاء المتحقق بألفاظ خاصة، إذ لا ريب في عدم كونه فعلا مباشريا و لا تسبيبيا للمالك الأصيل، فإنّ إنشاء الوكيل أو الولي مع كمال ارتباطه بالمالك لا يكون فعلا له، بل يقال: إنّه فعل العاقد مع طيب نفس المالك به.

و ثانيهما: روايات.

منها: صحيحة محمّد بن قيس «1» المتقدمة في أدلة صحة البيع الفضولي، فإنّه قد ادّعي ظهورها في نفوذ الإجازة بعد الرد، بتقريب: أنّ أخذ السيّد جاريته و ابنها بأمر الإمام أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه من المشتري الذي اشترى الجارية فضولا من ابن سيدها ردّ فعليّ لعقد ابن السيد فضولا، و مع هذا الردّ الفعلي جعل إجازة السيد لعقد ابنه البائع للوليدة فضولا نافذة، حيث إنّ الامام عليه السّلام جعل فكاك البائع الفضولي عن حبس المشتري منوطا بإجازة السيّد عقد ابنه، و هذه الإجازة تكون بعد تحقق الردّ.

و بالجملة: هذه الصحيحة تدلّ على صحة عقد الفضولي و نفوذه بالإجازة المسبوقة بالرد، كدلالتها على أصل صحة عقد الفضولي، و دلالتها على كون الإجازة كاشفة. و هذه الدلالة تنافي ما تقدم من عدم تأثير الإجازة المسبوقة بالردّ في صحة عقد الفضولي. و قد تقدم تقريب هذه الدلالات الثلاث عند الاستدلال بهذه الصحيحة «2».

و العمدة فعلا هي البحث عن عدم تحقق الرد في هذه الصحيحة حتى تدلّ على نفوذ الإجازة بعد الردّ. و ليعلم أنّ هذا البحث منوط بمقدمتين.

إحداهما: كون الردّ أعمّ من القولي و الفعلي.

ثانيتهما: كون الأخذ في الصحيحة ظاهرا في الردّ. و الاولى ثابتة، و الثانية غير ثابتة.

و منها: معتبرة محمّد بن إسماعيل بن بزيع المتقدم في (ص 171) بتقريب: أنّ قوله:

«فأنكرت ذلك» و قوله: «ففزعت منه» ظاهران في إظهار المخالفة و التنفر للنكاح. و هذا كاف في الردّ، إذ لا يعتبر في الردّ أن يقول: «رددت». و لا يراد بقوله: «أنكرت» إنكار أصل العقد

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 591، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 1، و تقدّمت في الجزء الرابع من هذا الشرح، ص 388

(2) هدى الطالب، ج 4، ص 391- 399

ص: 190

______________________________

حتى يخرج عن مورد البحث، و هو ردّ العقد المسلّم وجوده، فالمراد بالإنكار هو الكراهة في مقابل الرضا، فالفزع هو إبراز عدم الرضا، و هذا ردّ فعليّ.

لا يقال: ان قوله: «فزوّجت نفسها» ظاهر في تزويج نفسها مباشرة لا توكيلا في تزويجها، و هذا غير الفضولي الذي هو مورد البحث.

فإنّه يقال:- مضافا إلى شيوع التوكيل في التزويجات في العصور، بحيث ينصرف الذهن إلى التزويج التوكيلي، فترك الاستفصال حينئذ يدلّ على عدم الفرق في الحكم بين المباشرة و التوكيل- إنّ جهة السؤال في هذه الرواية هي: أنّ الردّ هل يؤثر في انهدام العقد أم لا؟ و هذه الحيثية لا فرق فيها بين الإنشاء المباشري و غيره كإنشاء الفضولي.

كما لا يرد على الاستدلال بهذه الرواية بطلان العقد في نفسه لأجل السّكر المزيل للعقد، و الموجب لعدم فهم معاني الألفاظ، فالإنشاء حينئذ لا يصلح للحوق الإجازة به و لنفوذه بها.

وجه عدم الورود هو: أنّ للسّكر مراتب، و ليس بجميع مراتبه رافعا للعقل بحيث، يرفع التمييز و الالتفات إلى معاني الألفاظ، إذ لو كان كذلك لم يتحقق العقد رأسا، لعدم حصول المعاهدة مع فقد التمييز و عدم الالتفات إلى معاني الألفاظ. فقول الامام عليه السّلام: «نعم» جوابا لقول السائل: «قلت: و يجوز ذلك التزويج عليها؟» يدل على عدم زوال عقلها بحيث لا تميّز الألفاظ و معانيها.

أقول: قد عرفت سابقا: أنّ النزاع صغروي، بمعنى أنّ النزاع في صغروية الأفعال- من أخذ الوليدة و ابنها كما في صحيحة محمّد بن قيس المتقدمة، و إنكار المرأة و فزعها كما في هذه الرواية- للردّ الفعلي، فإن ثبتت صغرويتها له و وقعت الإجازة بعد الردّ الفعلي صارت الروايتان مخالفتين للإجماع أو الشهرة، و لا بدّ من طرحهما، للإعراض الرافع لحجيتهما، فلا سبيل إلى القول بنفوذ الإجازة المسبوقة بالردّ، هذا.

و لكن قد تقدّم الإشكال في استفادة صغروية تلك الأفعال للرّد الفعلي من الروايتين، فلا تدلّان على نفوذ الإجازة بعد الرّد، كما هو مقصود من استدلّ بهما.

و أمّا ما أفاده بعض الأجلّة من قوله: «ثم لو شككنا في أنّ الرد موجب للفسخ، فاستصحاب بقاء العقد لا مانع منه، لكونه عقدا مرضيّا به حينئذ، كسائر الموضوعات المركبة التي يحرز بعض أجزائها بالتعبد، و الآخر بالوجدان، فيترتب عليه الأثر» «1» فهو مناف لما

______________________________

(1) كتاب البيع، ج 2، ص 218

ص: 191

نعم (1) الصحيحة الواردة في بيع الوليدة ظاهرة في صحّة الإجازة بعد الرّدّ.

اللهم (2) إلّا أن يقال: إنّ الردّ الفعليّ- كأخذ المبيع مثلا- غير كاف، بل لا بدّ من إنشاء الفسخ.

______________________________

(1) استدراك على ما أفاده من اعتبار عدم كون الإجازة مسبوقة بالردّ، و أنّه لا مورد للإجازة بعد الرد. و حاصل الاستدراك: أنّ صحيحة محمّد بن قيس الواردة في بيع الوليدة ظاهرة في صحة الإجازة بعد الرّد، حيث إنّ المولى أخذ الجارية و ابنها كما أمره الإمام عليه الصلاة و السلام، و أخذهما ردّ فعليّ، و مع ذلك أجاز المولى بيع ابنه الذي باع وليدته فضولا، على ما حكاه أبو جعفر عليه السّلام بقوله: «فلمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه».

(2) غرضه: أنّ الرد الفعلي كأخذ المبيع- و هو الوليدة في صحيحة ابن قيس المتقدمة- لا يكفي في الردّ المانع عن تأثير الإجازة. فالكبرى- و هي مانعية الردّ عن

______________________________

أفاده قبيل ذلك من: «أنّ إنشاء الفضولي ليس فعل المجيز حتّى يؤثر ردّه في زواله، فوجود الردّ كعدمه، فإذا أجاز المالك الأصيل بعد ردّه صحت الإجازة».

وجه المنافاة: أنّ الردّ لمّا لم يكن متعلّقا بنفس العقد و كان أجنبيّا عنه، لكون العقد فعل الغير، لم يزل بردّ الأصيل، فلا وجه للشك في بقاء العقد بسبب الردّ حتى يستصحب.

فالشكّ لا بدّ أن يتعلق بقابلية العقد للنفوذ بإجازة المجيز.

و حينئذ فإذا ارتفعت به القابلية فهو المطلوب، أي: لا يؤثر الإجازة، لعدم ورودها في محل قابل للإجازة. و إلّا يلزم عدم ارتفاع القابلية بالرد أصلا، لوحدة حكم الأمثال فيما يجوز و ما لا يجوز. و يلزم عدم كون ردّ قابلية العقد تحت قدرة المالك في شي ء من الأزمنة، و هو كما ترى.

فالمتحصل: أنّ الرد يرفع قابلية العقد للنفوذ بالإجازة المتأخرة عن الرد، فالإجازة المسبوقة بالردّ كعدمها في عدم تأثيرها في عقد الفضولي. و هذا من غير فرق بين كاشفية الإجازة بأنحاء الكشف و ناقليتها، إذ بعد البناء على ارتفاع قابلية العقد للنفوذ بسبب الرد لا يبقى محل قابل للإجازة.

ص: 192

و دعوى (1) «أنّ الفسخ هنا (2) ليس بأولى من الفسخ في العقود اللازمة، و قد صرّحوا بحصوله (3) فيها بالفعل» يدفعها (4) أنّ الفعل الذي يحصل به الفسخ هو فعل لوازم ملك المبيع كالوطء و العتق و نحوهما، لا مثل (5) أخذ المبيع.

و بالجملة (6): فالظاهر [من الأصحاب] هنا (7) و في جميع الالتزامات عدم الاعتبار بالإجازة الواقعة عقيب الفسخ،

______________________________

الإجازة- مسلّمة، لكن الكلام في صغرويّة الردّ الفعلي لها، حيث إنّه لا بدّ في تحقق الردّ من إنشاء الفسخ، و الفعل من حيث هو ليس ردّا، بل لا بد من إنشاء الردّ به.

(1) الغرض من هذه الدعوى إثبات كون الفعل كالقول ردّا، حيث إنّ الرد الفعلي الموجب لانحلال عقد الفضولي ليس بأولى من انحلال العقود اللازمة بالرد الفعلي، فإنّهم صرّحوا بحصول الفسخ فيها بالفعل. و لا فرق بين العقود اللازمة و بين عقد الفضولي، بل هذا أولى من العقود اللازمة من انحلاله بالرّد الفعليّ.

(2) أي: عقد الفضولي.

(3) أي: بحصول الفسخ في العقود اللازمة بالفعل، فحصول الفسخ بالفعل في عقد الفضوليّ يكون بطريق أولى، من دون حاجة الفسخ فيه إلى اللفظ.

(4) خبر قوله: «و دعوى» أي: يدفع الدعوى المزبورة، و محصل دفعها: أنّ كل فعل لا يصلح لأن يكون ردا للعقد، بل لا بدّ أن يكون ذلك الفعل من لوازم ملك المال المعقود عليه فضولا. فإذا زوّج الفضولي من زيد امرأة، فرتّب زيد آثار الزوجية- من الوطء و غيره- على العقد بعد اطّلاعه عليه. أو اشترى الفضولي له بعدا، فلمّا علم بذلك أعتقه، إلى غير ذلك من التصرفات و الأفعال التي تدل على الرضا بما عقد له الفضولي.

و عليه فلا يكفي مجرّد أخذ المال العقود عليه فضولا من دون دلالة له على تملكه لذلك المال.

(5) معطوف على «فعل لوازم».

(6) يعني: و حاصل الكلام: أنّ الظاهر في جميع الالتزامات العقدية عدم تأثير الإجازة الواقعة بعد الفسخ، و أنّ المعتبر في تأثير الإجازة عدم مسبوقيّتها بالردّ.

(7) يعني: في عقد الفضولي، و قوله: «عدم الاعتبار» خبر قوله: «فالظاهر».

ص: 193

فإن سلّم [1] ظهور الرواية (1) في خلافه (2) فلتطرح (3) أو تأوّل (4).

______________________________

(1) و هي صحيحة محمّد بن قيس المذكورة في أدلّة بيع الفضولي «1».

(2) و هو صحّة الإجازة بعد الردّ، بأن يقال: إنّ إجازة بيع الوليدة من سيّدها صدرت بعد الردّ الحاصل بأخذ السيد الوليدة و ابنها بحكم المولى أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه، و لمّا أخذ مشتري الوليدة البائع الفضوليّ- و هو ابن سيد الوليدة- اضطرّ السيد إلى أن يجيز بيع الوليدة ليستردّ ابنه البائع الفضولي من المشتري، فأجاز السيد بيع الوليدة. فهذه الإجازة صدرت بعد الردّ الناشئ من أخذ الوليدة و ابنها.

و الحاصل: أنّ هذه الصحيحة تخالف ما دلّ على أنّه يعتبر في تأثير الإجازة عدم مسبوقيتها بالردّ.

(3) غرضه: أنّ صحيحة ابن قيس المشار إليها- بعد تسليم ظهورها في صحة الإجازة بعد الردّ- لا تصلح لرفع اليد عمّا بنى عليه الأصحاب من اشتراط تأثير الإجازة بأن لا يسبقها الردّ، و ذلك لمخالفتها لعمل الأصحاب، فلا بدّ من طرحها للإعراض، أو تأويلها.

(4) أي: تأويلها بما هو خلاف ظاهرها، كحملها على كون سيّد الوليدة كاذبا في دعواه عدم الإذن لابنه في بيع الوليدة، فراجع ما ذكره المصنف في توجيه هذه الصحيحة.

و اقتصر هناك على لزوم تأويلها دون طرحها، لأنّه قدّس سرّه جعلها من أدلّة صحة بيع

______________________________

[1] و لا يسلّم ظهور الرواية في الردّ حتى تكون الإجازة بعد الردّ، و ذلك لعدم صدور قول و لا فعل يدلّ على الردّ. و أخذ السيّد الوليدة و ابنها لا يدلّ عليه، و إنّما غاية ما يدلّ عليه هي الكراهة، و هي غير الردّ. و حبس ابن الوليدة مع كونه حرّا- لحرية أبيه المشتري، لتولده شبهة أو من نكاح صحيح- إنّما هو لأخذ قيمة الولد، و ثمن الجارية الذي أخذه البائع الفضولي، حيث إنّ غالب الأولاد يتصرّفون في أموال آبائهم تصرّف الملّاك في أموالهم، و لذا أخذ السيد الوليدة و ابنها حتى يستوفي ثمن الوليدة و قيمة ابنها من المشتري.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 388

ص: 194

[الرابع: الإجازة لا تورث]

الرابع (1):

الإجازة أثر من آثار سلطنة [1] المالك [2] على ماله، فموضوعها

______________________________

الفضولي، فلاحظ قوله: «و الحاصل: أن ظهور الرواية في ردّ البيع ممّا لا ينكره المصنف، إلّا أن الانصاف أن ظهور الرواية في أنّ أصل الإجازة مجدية في الفضولي .. فلا بدّ من تأويل ذلك الظاهر» «1».

الإجازة لا تورث

(1) هذا رابع التنبيهات المتعلقة بالإجازة، و الغرض من عقده- على ما قيل- دفع ما يتوهم من بعض العبارات من كون الإجازة و الردّ من الحقوق الموروثة.

و محصل ما أفاده هو: كون الإجازة حكما لا حقّا، حيث إنّها من آثار سلطنة المالك على ماله، فموضوع الإجازة هو المالك، فيصح أن يقال: «للمالك أن يجيز»

______________________________

[1] من آثار الملك، لا من آثار السلطنة على الملك، إذ المراد بالسلطنة هو القدرة الشرعية على كلّ تصرف تسبيبي و مباشري جائز شرعا بالجواز التكليفي و الوضعي، و عدم الحجر عنه، سواء أ كان التصرف خارجيا أم اعتباريا. فجواز التصرف مطلقا موضوع للسلطنة.

فمعنى القاعدة هو القدرة على جميع التصرفات المشروعة في المال، و منها إجازة البيع كنفس البيع، فالإجازة كإنشاء نفس البيع و الصلح و غيرهما من آثار الملك. و ليست القاعدة مشرّعة لأنحاء السلطنة حتى تكون الإجازة من آثارها.

و هذا مراد المصنف أيضا بقرينة قوله: «مثل قولنا: له أن يبيع» فإن جواز البيع حكم الملك. فينبغي إبدال «من آثار السلطنة» ب «من آثار الملك و أحكامه» فالسلطنة من لوازم جواز التصرف في الملك. فجواز التصرف فيه من الإجازة و غيرها ملزوم لقاعدة السلطنة.

[2] لعلّ الأولى إبدال «المالك» بمن له ولاية العقد، ليكون أشمل، فإنّ المرتهن ولىّ أمر عقد الراهن على العين المرهونة بدون إذن المرتهن، و لذا لا ينفذ إلّا بإجازة

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 399

ص: 195

..........

______________________________

كما يصح أن يقال: «له أن يبيع» و مرجع الكلّ إلى السلطنة على التصرف المشروع في ماله.

و مقتضى كون الإجازة حكما لا حقّا عدم انتقالها الى الوارث، إذ موضوع الإرث هو المال و الحقّ، كحقّ الخيار و التحجير و غيرهما، و الإجازة ليست مالا و لا حقّا.

و الحكم الشرعي لا ينتقل إلى الوارث، و المنتقل إليه نفس المال الذي هو موضوع الإجازة التي هي حكم لا حقّ.

______________________________

المرتهن، مع أنّه ليس مالكا للمبيع. و احتمال إرادة المصنف قدّس سرّه من «المالك» مالك أمر البيع في غاية البعد، إذ ينافيه قوله: «على ماله» و الظاهر إرادة المصنف ما هو الغالب من عقد الفضولي في الخارج و هو بيع مال الغير، و بيع الراهن بدون إذن المرتهن بيع لمال نفسه.

ثم إنّه لا يكفي في منع إرث الإجازة و الرد مجرّد عدم كونهما من الحقوق، إذ يمكن أن يكونا من الحقوق، و مع ذلك لا ينتقلان إلى الورثة، لكونهما من الحقوق غير القابلة للانتقال إلى الغير، كحقّ الأبوّة و حقّ ولاية الحاكم و نحوهما ممّا لا ينتقل إلى الغير لا اختيارا و لا قهرا. و يمكن أن يكون الإجازة و الردّ من الحقوق القابلة للانتقال الاختياري و القهري كحقي الخيار و التحجير.

و عليه فلا بدّ في التزام عدم انتقال الإجازة و الردّ إلى الوارث من إثبات كونهما من الأحكام لا الحقوق، أو من الحقوق غير القابلة للانتقال، فتصح حينئذ دعوى عدم انتقالهما إلى الوارث مطلقا و إن كانا من الحقوق، فلا يندرجان فيما تركه الميّت.

لا يقال: إنّه يمكن التمسك بالاستصحاب لإثبات كونهما من الحقوق القابلة للانتقال، و اندراجهما فيما تركه الميت، كاستصحاب عالمية من كان عالما و شكّ في بقاء علمه لإحراز صغرويته لكبرى وجوب «إكرام العلماء» حتى لا يكون إثبات وجوب إكرامه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. ففي المقام يستصحب بقاء الإجازة بعد موت المالك الأصيل، فتندرج الإجازة فيما تركه الميت، و تنتقل إلى الوارث.

و هذا من القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي، نظير الحيوان المردد بين

ص: 196

المالك (1)، فقولنا: «له أن يجيز» مثل قولنا: «له أن يبيع» (2)، و الكلّ (3) راجع إلى أنّ له أن يتصرّف، فلو (4) مات المالك لم يورّث الإجازة، و إنّما يورّث المال الذي عقد

______________________________

(1) دون غيره كالوارث، نعم الوارث يرث المال و يملكه، و إجازته حينئذ ليست من جهة إرث الإجازة، بل لأجل صيرورته مالكا بسبب إرث موضوعها و هو نفس المال.

(2) غرضه من المثلية المماثلة بين البيع و الإجازة في السلطنة التي هي حكم شرعيّ، فكما أنّ جواز البيع حكم لمالك المبيع، فكذلك جواز الإجازة حكم له و لوليّ أمر العقد، و ليس حقّا حتى ينتقل إلى الوارث كالحقوق و الأموال التي تنتقل إلى الورثة.

(3) يعني: قولنا: «للمالك أن يجيز و أن يبيع» عبارة أخرى عن جواز التصرف الذي هو حكم لا حقّ.

(4) هذا متفرع على كون الإجازة حكما لا حقّا، فلا تنتقل الإجازة إلى الوارث،

______________________________

ما يعيش ثلاثة أيّام و ما يعيش سنة، فبعد مضي الثلاثة لا مانع من استصحاب كلي الحيوان. و نظير استصحاب كلّي الطهارة فيما إذا شك في أنّ طهارته كانت هي الوضوء أو الغسل، فإن كانت هي الوضوء فقد انتقضت يقينا، و إن كانت هي الغسل فهي باقية، فيستصحب كلّي الطهارة.

فإنّه يقال: فرق بين المقام و بين هذين المثالين. توضيحه: أنّ جريان الاستصحاب في القسم الثاني من استصحاب الكلّي مشروط بكون الأثر مترتبا على الكلي كالطهارة، فإنّ الأثر الشرعي و هو جواز الدخول في المشروط بالطهارة يترتب على كلّي الطهارة الحدثية سواء حصلت من الغسل أم الوضوء. و في مثال تردد الحيوان بين طويل العمر و قصيره لا يجري الاستصحاب إلّا إذا كان الأثر مترتبا على كلّي الحيوان. و من المعلوم أنّ نفوذ إجازة الوارث مشروط بكون الإجازة حقّا قابلا للانتقال. و هذا لا يثبت باستصحاب مطلق مجعول الشارع إلّا على القول بحجية الأصل المثبت، لأنّ بقاء المجعول إلى زمان موت المالك لينتقل إلى الوارث من لوازم كون المجعول من الحقوق القابلة للانتقال، و من المعلوم أن استصحاب اللازم قاصر عن إثبات الملزوم، و كالعكس، لعدم حجية الأصول المثبتة.

ص: 197

عليه الفضولي، فله (1) الإجازة بناء على ما سيجي ء (2) من جواز مغايرة المجيز و المالك حال العقد فيمن باع مال أبيه فبان ميّتا (3).

و الفرق (4) بين إرث الإجازة و إرث المال يظهر بالتأمّل (5).

______________________________

لعدم كونها مالا و لا حقّا حتى يصدق عليها «ما تركه الميّت». و عليه فالمنتقل إلى الوارث هو المال المعقود عليه فضولا، فإجازته حينئذ كبيعه من أحكام ماله، و الناس مسلطون على أخوالهم، لا أحكام أموالهم كجواز بيعها و صلحها و هبتها و غير ذلك من التصرفات الجائزة في المال.

(1) أي: فللفضولي الذي ورث من المورّث المال- المعقود عليه فضولا- أن يجيز العقد الصادر منه فضولا، لصيرورته مالكا للمال، لا لكونه وارثا للإجازة.

(2) في المسألة الثالثة من مسائل الأمر الثالث من مباحث المجيز و ما يعتبر فيه فلاحظ (ص 354). و كلمة «من» الجارة بيان ل «ما» الموصول.

(3) هذا الفرع مثال لاتّحادهما لا مغايرتهما، إذ المفروض كون والد الفضولي ميّتا حين العقد كما هو ظاهر «فبان ميّتا» إذ معناه: فظهر كونه ميّتا في زمان الإنشاء. فالفضولي حينئذ هو المالك حال العقد، لانتقال المبيع فضولا إليه حينه بالإرث، فالمجيز و المالك حين العقد واحد، و هو العاقد الذي تخيّل حال الإنشاء أنّه فضولي، و لكنه كان مالكا واقعا للمبيع وقت العقد.

فالأولى إبدال «فبان» ب «فصار ميّتا» أو «فمات بعده» حتى يكون مثالا لمغايرة المجيز و المالك حين العقد، كما إذا باع مال غيره ثم اشتراه.

(4) كان الأنسب بيان هذا الفرق بعد قوله: «و انما يورّث المال الذي عقد عليه الفضولي» لأنّ هذا الكلام بمنزلة التعليل لقوله: «و انّما يورّث المال .. إلخ».

(5) الفرق بينهما هو: أنّه إذا كانت الإجازة من الحقوق- كالخيار- انتقلت إلى جميع الورثة حتى إلى من لا يرث من المبيع الذي هو مورد الإجازة، كالزوجة التي لا ترث من العقار، لكنها ترث الإجازة كإرث الخيار و غيره من الحقوق المنتقلة إلى جميع الورثة، فلها إجازة بيع العقار و إن لم يكن لها فيها نصيب، فإنّ مقتضى كون الإجازة من الحقوق كالخيار هو انتقالها إلى جميع الورثة.

ص: 198

[الخامس: إجازة البيع ليست إجازة للقبض]

الخامس (1):

إجازة البيع ليست إجازة

______________________________

و إذا كانت الإجازة من الأحكام فهي لا تنتقل إلى الوارث. و إنّما المنتقل إليه هو المال، فلكل وارث- يرث منه- أن يجيز البيع في خصوص نصيبه ممّا ورثه، فليس للزوجة أن تجيز البيع أو ترده، لعدم إرثها من المبيع.

و بناء على كون الإجازة حقّا موروثا، فهل ينتقل الى مجموع الوارث من حيث المجموع، أم أنه يتعدد هذا الحق بعدد الورثة، فلكل منهم حق يخصه. أم يكون لطبيعي الوارث الصادق على كل فرد منهم، و لازمه كفاية صرف الوجود من الفسخ و الإمضاء، أم غير ذلك؟ وجوه، و تحقيق المطلب موكول إلى أحكام الخيار.

إجازة البيع ليست إجازة للقبض

(1) الغرض من عقده البحث عن وجود الملازمة بين إجازة البيع و إجازة قبض الثمن و المثمن، و عدمها، فإذا قال مالك المبيع فضولا: «أجزت البيع» كانت هذه الإجازة إجازة لقبض الثمن و إقباض المبيع، أو لا. مع أنّ البيع أمر اعتباري، و القبض فعل خارجي. و لا ريب في أنّ الإجازة تتعلق بالأمور الاعتبارية كالملكية و الزوجية و تنفّذها، و لكنّها هل تؤثّر في الفعل الخارجي و هو تسليم الثمن مثلا أم لا؟

و قد اختلفت كلمات الأصحاب فيها، فمنهم من جعل إجازة بيع الفضولي القابض للثمن إجازة لكلّ من بيعه و قبضه، كما يظهر من شيخ الطائفة قدّس سرّه في عبارته الآتية في المتن.

و منهم من نفى ذلك، و قال بتوقف القبض على إجازة مستقلة، و لا يكفي إمضاء البيع عنها، كعلّامة في كلامه الآتي قريبا. و هو مختار صاحب الجواهر و شيخه كاشف الغطاء قدّس سرّهما القائلين بجريان الفضولية في نفس القبض و توقفه على إجازة مستقلة، سواء أ كان الثمن عينا أم دينا، فراجع «1».

و منهم من فصّل بين الثمن الشخصي و الكلّي الذمي، بتوقف الثاني على إجازة بحيالها، و كفاية إجازة البيع عن إجازة القبض في الثمن الشخصي، كما ذهب إليه الفاضل المقداد و الشهيد قدّس سرّهما. قال في الدروس بعد حكاية مختار الشيخ: «و اشترط الفاضل

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 280 و 300

ص: 199

لقبض (1) الثمن، و لا (2) لإقباض المبيع [1].

______________________________

إجازة القبض. و هو حسن إن كان الثمن في الذمة» «1».

و ذهب المصنف قدّس سرّه إلى تفصيل آخر في المسألة، و هو الفرق بين موارد ثلاثة، و محصله: أن القبض تارة يكون جزء السبب المملّك كما في بيع الصرف و السلم، و اخرى يكون بعنوان الوفاء بالعقد من دون دخله في ترتب الأثر على العقد. و على الثاني فتارة يكون العوض شخصيا، و اخرى كلّيا في الذمة.

ففي القسم الأوّل قال بالملازمة بين إجازة العقد و إجازة القبض، للغوية إجازته مجرّدا عن القبض الذي هو جزء السبب.

و في القسم الثاني نفى الملازمة، و حكم بتوقف تحقق الوفاء بالعقد على إجازة القبض بخصوصها، و لو بقرينة تدل عليها.

و في القسم الثالث استشكل في وفاء أدلة صحة البيع الفضولي بإمضاء قبض الفضول، كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

(1) غرضه قدّس سرّه نفي استلزام إجازة البيع لإجازة القبض كلّية كما يستفاد من كلام شيخ الطائفة قدّس سرّه. و محصّل ما أفاده المصنف في ذلك: أنّه لا ملازمة بينهما، لإمكان التفكيك بينهما بأن يجيز البيع و لا يجيز القبض و الإقباض، فنفس إجازة البيع لا تلازمهما. نعم لو أجازهما صريحا أو قامت قرينة مقاليّة أو مقامية على التلازم المزبور صحّت الإجازة و ترتّب عليها أثرها، و هو سقوط ضمان الثمن عن عهدة المشتري، إذ بدون إجازة المالك لقبض الفضولي و إقباضه لا يسقط الضمان، و كان الثمن باقيا في ذمّة المشتري، إذ قبض الفضولي له بدون إجازة مالك المبيع لا أثر له، لأنّ قبضه بدون الإجازة كلا قبض، لعدم انتسابه إلى المالك.

(2) أي: و لا إجازة لإقباض المبيع، لما مرّ آنفا من عدم التلازم.

______________________________

[1] في هذا التنبيه جهات من البحث:

الأولى: مرحلة الثبوت، و هو إمكان تعلق الإجازة و عدمه بالقبض و الإقباض.

قد يقال: بعدم إمكانه، لعدم تغير الفعل الخارجي التكويني عمّا وقع عليه.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 194، التنقيح الرائع، ج 2، ص 26، و لاحظ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 195

ص: 200

______________________________

لكن الحق إمكانه، لأنّه و إن لم يتغير الفعل عمّا وقع عليه، إلا أنّه إذا كان على وجوده بقاء أثر شرعيّ فلا مانع من ترتب ذلك الأثر إذا تحقق غير ذلك الفعل ممّا له دخل في ترتّب الحكم الشرعي عليه.

________________________________________

فإذا كان ممّا له الدخل في الأثر رضا المالك مثلا بما وقع عن الفضولي من العنوان كالبيع، فإذا رضي المالك بذلك أثّر العقد أثره. فالقبض بوجوده الحدوثي و إن لم يكن له أثر و هو سقوط الضمان عن مالك المبيع فضولا، لكن له أثر بعد الإجازة و هي الرضا بقبض الفضولي، فيسقط الضمان عن البائع بعد رضاه.

الجهة الثانية: في مرحلة الإثبات، و حاصلها: أنّه في العقود المتوقفة صحتها على القبض تكون الملازمة بين إجازة العقد و إجازة القبض و الإقباض ثابتة بدلالة الاقتضاء، لأنّ إجازة العقد بدون إجازتهما لغو، إذ المفروض عدم صحة العقد بدون القبض و الإقباض، لما قيل من أنّهما كالإيجاب و القبول من حيث الدخل في الصحة.

و هذا من غير فرق بين كليّة الثمن و شخصيته، ضرورة أنّ إجازة الثمن الكلي- أو المثمن كذلك- تقتضي رضا المالك بتطبيق الكلي على أحد أفراده.

و هذا بخلاف العقود غير المتوقفة صحتها على القبض، فإنّ إجازة نفس العقد لا تلازم إجازة الإقباض و القبض، إذ المفروض صحتها و لو بدون القبض، فدليل الاقتضاء لا تقتضي الملازمة بين إجازة العقد و إجازة الإقباض و القبض، من غير فرق في هذه العقود الصحيحة بدون القبض بين كون العوضين أو أحدهما كليّا أو شخصيّا.

الجهة الثالثة: في أنّه هل يعتبر في جريان دلالة الاقتضاء علم المجيز بتوقّف صحة العقد على القبض أم لا؟ الظاهر جريانها فيما تعلّقت الإجازة بعقد جامع لكافّة شرائط صحته و إن لم يعلمها تفصيلا، نظير نية الصوم مع العزم على ترك جميع المفطرات مع عدم علمه بها تفصيلا، كجريان دلالة الاقتضاء في صورة العلم بدخل القبض في صحة العقد.

الجهة الرابعة: في أنّه بعد البناء على جريان الفضولية في الإقباض و القبض يقع الكلام في أنّه هل يجري نزاع الكشف و النقل فيهما أم لا؟

ينبغي أن يقال: إنّ الموجود إن كان من الأمور الاعتباريّة التي لها بقاء في وعاء الاعتبار جرى فيه نزاع الكشف و النقل، لصحة اعتبار كلّ من الكشف و النقل فيه. و إن كان من الأمور الخراجية التكوينية كالقبض و الإقباض و نحوهما ممّا ليس له وجود اعتباري بقاء

ص: 201

و لو أجازهما صريحا (1) أو فهم إجازتهما من إجازة البيع مضت (2) الإجازة (3)، لأنّ (4) مرجع إجازة القبض إلى إسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري، و مرجع

______________________________

(1) كما إذا قال: أجزت البيع و قبض الثمن و إقباض المبيع.

(2) جواب الشرط في «و لو أجازهما».

(3) أي: صحّت الإجازة، لوقوعها في محلّها من دون مانع عن شمول الإجازة للقبض و الإقباض.

(4) الظاهر أنّه علّة لصحة الإجازة و مضيّها، لكنّه غير مناسب للعليّة، لأنّ سقوط الضمان من آثار صحة الإجازة و أحكامها، لا أنّه علّة لصحّتها، بل علة صحتها هو الدليل الدالّ على صحتها، و أنّ قبض الثمن و إقباض المبيع كإنشاء البيع من الأفعال القابلة لجريان الفضولية فيها.

و كيف كان فمراد المصنف قدّس سرّه أنّ إجازة قبض الثمن توجب سقوط الضمان عن المشتري، كسقوطه عنه بمباشرة نفس مالك المبيع لقبض الثمن. فليس عليه بعد ذلك دفع الثمن ثانيا إلى البائع الأصيل، كما أنّ إجازة إقباض المبيع تسقط ضمان البائع، لارتفاع موجب الضمان، و هو تلف المبيع قبل قبضه.

و بالجملة: فإجازة القبض و الإقباض ترفع الضمان عن البائع و المشتري معا.

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه علّل مضي الإجازة في القبض و الإقباض بأنّ مرجع اجازة قبض الثمن إلى إسقاط ضمان المشتري، و مرجع إجازة إقباض المبيع إلى رضا المالك بكون المبيع في يد المشتري، و ينبغي توضيح وجه الإتيان بكلمة «المرجع» هنا، و وجه اختلاف التعبير في إجازة القبض و الإقباض.

______________________________

فلا يجري فيه نزاع الكشف و النقل.

نعم إذا حصل القبض و استمرّ إلى زمان الإجازة و أجاز المجيز كانت الإجازة ناقلة أو كاشفة. و أمّا إذا تلف المقبوض أو خرج عن تحت يده، فلا بقاء له اعتبارا حتى يتعلق به الإجازة، كتعلقها بالعقد الذي له وجود اعتباري بقاء. فإذا أجاز المجيز حينئذ كانت الإجازة كاشفة لا محالة، و لا يمكن أن تكون ناقلة، لعدم وجود له لا عينا و لا اعتبارا.

ص: 202

إجازة الإقباض إلى حصول المبيع في يد المشتري برضا البائع،

______________________________

أمّا التعبير بالمرجع فلأنّ المفروض عدم تأثير إجازة نفس البيع في صحة القبض الواقع بين الأصيل و الفضولي، لعدم كون القبض من لوازم العقد حتى يستتبع إمضاء الملزوم إمضاء لازمه، فإنّ أدلة صحة العقد الفضولي تفيد استناده إلى المالك بإجازته.

و لا يستفاد منها استناد القبض إليه بالإجازة، فالمعتبر في الوفاء بالعقد أن يقع القبض بمباشرة المالك أو بتسبيبه كالمأذون من قبله كالوكيل.

فمجرّد رضا المالك بالقبض- بإجازة نفس العقد أو بإجازة القبض- لا يوجب حصول القبض المحقّق لعدم ضمان المبيع و الثمن. نعم يكون رضا المالك بقبض الفضول رضا بأثره، و هو في المقام إسقاط الضمان.

و أمّا التعبير في قبض الثمن بإسقاط الضمان، فوجهه: أنّ المالك المجيز لبيع الفضولي يجب عليه الوفاء به بمجرد إجازته، و كذا يجب على المشتري الأصيل تسليم الثمن للمجيز، و يتسلّم المثمن منه، و بما أنّ المشتري لم يسلّم الثمن إلى المجيز حتى يصدق عليه «أنّه قبضه» و إنّما سلّمه إلى الفضولي، فلذا كان رضاه بقبض الفضولي إسقاطا لما في ذمة المشتري من الثمن.

و أمّا التعبير في إقباض المثمن بأن إجازة المالك رضاه بحصول المبيع في يد المشتري- دون التعبير بإسقاط الضمان- فوجهه: أنّ المشتري صار مالكا لما تسلّمه من الفضولي، لأنّ الإجازة المتأخرة أوجبت اتصاف المجيز بكونه بائعا مالكا للثمن. و المشتري بكونه مالكا للمثمن، فيتصف قبض المشتري بأنّه «قبض المالك» و يترتب عليه عدم انفساخ المعاملة لو تلف المبيع عنده، لكونه من تلف المبيع بعد القبض لا قبله. هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه بتوضيح منّا [1] «1».

______________________________

[1] ثم أورد على المصنف بمنافاة التزامه بكون مرجع إجازة قبض الثمن إلى إسقاط ضمان المشتري به لما سيأتي في أحكام القبض من كون الضمان المعاوضي من أحكام العقد، و ليس كضمان الغرامة حقا ماليا قابلا للإسقاط. و عليه لا فرق في ضمان المشتري للثمن بين كونه تالفا حين الإجازة أو باقيا، فراجع.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 160 و 161

ص: 203

فيترتّب (1) عليه جميع الآثار المترتّبة على قبض المبيع. لكن (2) ما ذكرنا إنّما يصحّ في قبض الثمن المعيّن.

و أمّا قبض الكلّي و تشخّصه به (3) فوقوعه من الفضولي على وجه تصحّحه الإجازة يحتاج (4) إلى دليل معمّم لحكم عقد الفضوليّ لمثل القبض و الإقباض، و إتمام

______________________________

(1) هذا متفرع على كون مرجع الإجازة إلى إسقاط الضمان، و حاصله: أنّه بعد البناء على صحة جريان الفضولي في القبض و الإقباض- كجريانه في نفس العقد- يترتب على إجازة المالك الأصيل لقبض الفضولي للثمن أو المثمن جميع الآثار المترتبة على قبض نفس المالك الأصيل، كسقوط ضمان المبيع عن البائع إذا تلف عند المشتري، لكون تلفه بعد القبض الحاصل من الفضولي برضا المالك الأصيل.

و كسقوط ضمان المشتري للثمن بعد قبض الفضولي، و إجازة مالك المبيع لهذا القبض، فإذا تلف بعد هذا القبض فلا ضمان للمشتري حينئذ، لأنّه تلف بعد القبض.

و ككون نماء الثمن لصاحبه، و كذا نماء المثمن لمالكه. فالقبض الصادر من الفضولي بعد إجازة المالك كقبض المالك في الآثار.

(2) هذا استدراك على قوله: «و لو أجازهما صريحا أو فهم إجازتهما .. إلخ» و غرضه بيان حكم ما إذا كان الثمن ذمّيّا كما أشرنا إليه في أوّل التنبيه. و محصله: أنّ صحة إجازة المالك الأصيل للقبض و الإقباض الصادرين من العاقد الفضولي تختصّ بالثمن الشخصي لا الكلي، إذ تشخيص الكلّي من الفضولي و تطبيقه على عين خارجيّة- و تأثير إجازة المالك الأصيل فيه كتأثيرها في قبض الثمن الشخصي فضولا- محتاج إلى الدليل.

نعم الفرق بين الثمن الشخصي و الكلي أنّ إجازة قبض الفضول للثمن الشخصي مآله إلى إسقاط ضمان المشتري كما تقدم. و لكن في الثمن الكلّي حيث إنّه لم يقم دليل على تنزيل قبض الفضول منزلة قبض المالك فلذا يبقى الثمن الكلي في ذمة المشتري حتى يتعين بقبض المجيز.

(3) أي: تشخص الكلّي و تعيّنه بالقبض.

(4) خبر «فوقوعه» و الجملة جواب الشرط في «و أمّا قبض الكلي».

ص: 204

الدليل على ذلك (1) لا يخلو [1] عن صعوبة (2).

______________________________

(1) أي: على عموم حكم عقد الفضولي للقبض و الإقباض الصادرين من الفضولي مع كون المال المعقود عليه كليّا ذميّا، لا معيّنا خارجيا.

(2) لكون مورد دليل الصحة نفس عقد الفضولي الذي هو من الإنشائيات، دون القبض الذي هو فعل خارجي، فدليل الفضولي لا يشمل الإنشاء و القبض معا، فإنّ إجازة المالك لعقد الفضولي لا تقتضي إلّا استناد العقد إليه، و انتقال المال عن نفسه إلى صاحبه. و أمّا تشخيص الكلّي في فرد من أفراده فهو خارج عن مقتضى الإجازة.

و عليه فالمانع عن صحة قبض الكلي بتعيين فرده إثباتي، لعدم الدليل على صحته، لا ثبوتي، لعدم امتناعه.

______________________________

[1] قد يقال: إنّ المانع عن صحة القبض ثبوتي لا إثباتي، لأنّ قبض الفضولي ليس قبضا للمالك لا مباشرة و لا تسبيبا، فالإجازة و إن تعلّقت صريحا بالقبض لا تصحّحه، لأنّ الإجازة لا توجب انتساب القبض إلى المالك، و لا تجعله قبض المالك، إذ ليس كلّ فعل صالحا لأن يصح انتسابه إلى غير مباشرة بالإجازة، كالأكل و الشرب و نحوهما من الأفعال الخارجية الّتي تختصّ آثارها و فوائدها بفاعليها. و الشك في صحة الانتساب كاف في عدم ترتب آثار فعل نفسه، فلا تترتب آثار قبض المالك على قبض الفضولي مع الإجازة، لكفاية الشك في صحة الانتساب في عدم ترتب الآثار، هذا.

لكن يمكن أن يقال: إنّ الضابط في صحة الانتساب هو صحة الإذن و الوكالة للغير في فعل من الأفعال و عدم صحتهما، فإن صحّ الإذن و الوكالة في فعل صحّت إجازة الفضولي فيه أيضا. و من المعلوم أنّ قبض كل من المعيّن الخارجي و الكلّي الذّميّ من الأفعال التي تجري فيها الوكالة و الإذن، فتجري فيها الإجازة أيضا، لارتضاع الاذن و الإجازة من ثدي واحد، فإنّ الإذن رضا بما يقع، و الإجازة رضا بما وقع، و كل منهما يصحح الانتساب الى غير المباشر.

نعم يبقى الكلام في الدليل الذي هو مقام الإثبات. و الظاهر أنّ دليل صحة عقد الفضولي بنفسه قاصر عن شموله للقبض بكلا قسميه. و الملازمة- مطلقا من الشرعية

ص: 205

و عن المختلف (1) أنّه حكى عن الشيخ «أنّه لو أجاز المالك بيع الغاصب لم يطالب (2) المشتري بالثمن»، ثمّ ضعّفه (3) بعدم استلزام إجازة العقد لإجازة القبض.

______________________________

(1) الغرض من هذا النقل التنبيه على كون استلزام إجازة عقد الفضولي لإجازة قبض المال- المعقود عليه فضولا- محلّ الخلاف بين الأصحاب، فالعلّامة حكى في المختلف عن الشيخ قدّس سرّهما: أنّ الغاصب إذا باع مال الغير فضولا، ثم أجاز المالك الأصيل بيع الفضولي، كانت إجازة البيع إجازة قبض الثمن أيضا، و ليس لمالك المبيع مطالبة المشتري بالثمن، لأنّ إجازة البيع إجازة قبض الثمن بالملازمة.

قال العلّامة قدّس سرّه: «قال في النهاية: لو أمضى المغصوب منه البيع، لم يكن له بعد ذلك درك على المبتاع، و كان له الرجوع على الغاصب بما قبضه من الثمن. و فيه نظر، فإنّ إمضاء البيع لا يوجب الإجازة في قبض الثمن» «1». و ظاهر كلاميهما الإطلاق، يعني سواء أ كان الثمن كلّيا أم شخصيا.

(2) أي: لا يجوز للمالك المغصوب منه مطالبة الثمن من المشتري، بل له مطالبته من الغاصب، لأنّ إجازته للبيع إمضاء للقبض أيضا. و لمّا كان بيع الغاصب من أقسام بيع الفضولي صحّت دعوى الملازمة بين إجازة البيع و إجازة قبض الثمن في جميع أقسام الفضولي.

(3) يعني: أنّ العلامة ضعّف ما حكاه عن شيخ الطائفة بإنكار الملازمة بين إجازة العقد و إجازة القبض. و الوجه في إنكارها عدم اللزوم الشرعي و العرفي، لما مرّ من إمكان التفكيك بينهما، فلا وجه حينئذ لدعوى الملازمة.

______________________________

و العرفية- بين إجازة نفس عقد الفضولي و بين القبض أيضا غير ثابتة كما مر آنفا، فلا يكون قبض الفضولي قبض المالك بمجرّد إجازة عقده.

و أمّا مع تحقق الإجازة بالنسبة إلى القبض بالصراحة أو بالقرينة فلا ينبغي الإشكال في نفوذ الإجازة، و ترتب آثار قبض المالك على قبض الفضولي بعد انطباق الضابط المذكور آنفا على إجازة القبض.

______________________________

(1) النهاية، ص 406، مختلف الشيعة، ج 5، ص 57

ص: 206

و على أيّ حال (1) فلو كانت إجازة العقد- دون القبض- لغوا كما في الصرف و السلم بعد قبض الفضولي و التفرّق كانت (2) إجازة العقد إجازة القبض [1] صونا للإجازة عن اللغوية (3).

______________________________

(1) أي: سواء التزم الفقهاء بالملازمة المزبورة أم لا فلو كانت .. إلخ. و هذا إشارة إلى تفصيل آخر أشرنا إليه في أول التنبيه، و هو إثبات استلزام إجازة البيع لإجازة القبض، و توضيحه: أنّ إجازة المالك الأصيل للعقد إن كانت بدون إجازة القبض لغوا كما في بيع الصرف و السّلم، حيث إنّ القبض في المجلس شرط صحتهما، فإن لم تستلزم إجازة البيع إجازة الفضولي للقبض في المجلس بعد التفرق عن المجلس كانت إجازة البيع لغوا، لفقدان شرطه و هو القبض في المجلس، و عدم إمكان تداركه، لتفرق المتعاقدين. فلا بدّ حينئذ بمقتضى دلالة الاقتضاء من الالتزام باستلزام إجازة عقد الفضولي لإجازة قبضه الحاصل في المجلس. و إن لم تكن إجازة المالك مستلزمة لإجازة قبض الفضولي كما في غير العقد المشروط بالقبض في المجلس، فلا وجه لدعوى الملازمة المزبورة.

(2) جواب الشرط في قوله: «فلو كانت».

(3) هذا إشارة إلى دلالة الاقتضاء الحاكم بها العقل كما أشرنا إليها آنفا.

______________________________

[1] هذا الاستلزام منوط أوّلا بقابلية القبض لجريان الفضولية فيه ثبوتا، و قد مرّ في التعليقة السابقة صحة جريانها فيه بمقتضى الضابط المذكور فيها.

و ثانيا: باستلزام إجازة العقد لإجازة القبض إثباتا. و هذا بمقتضى تبعية العقود للقصود منوط بقصد ما يعتبر في العقد شطرا و شرطا، و بدون قصده لا يترتب على إجازة المالك الأصيل، فإجازة العقد لا تكون إجازة للقبض المعتبر فيه إلّا إذا قصد القبض، و هذا القصد موقوف على علم المالك تفصيلا بشرطية القبض في العقد، أو علمه إجمالا بأن يقول:

أجزت هذا العقد مع جميع ما يعتبر فيه شرعا. و لا يكفي أن يقول: أجزته مع جميع ما يعتبر فيه عرفا، لأنّ القبض في المجلس في بيع الصرف شرط شرعي لا عرفي. فإجازة العقد بشرطه العرفي لا تدلّ على إجازته بشرطه الشرعي.

و بالجملة: فاستلزام إجازة العقد لإجازة شرائطه الشرعية مشروط بقصد تلك الشرائط تفصيلا أو إجمالا.

ص: 207

و لو قال (1): «أجزت العقد دون القبض» ففي بطلان العقد (2)، أو بطلان (3) ردّ القبض، وجهان (4).

[السادس: لا تشترط الإجازة بالفور]

السادس (5):

______________________________

(1) هذا إشارة لما يتفرع على الملازمة بين إجازة البيع و القبض، و أنّه لو صرّح المالك بإجازة بيع الصرف دون القبض، فهل يبطل العقد رأسا أم يصح و يلغو ردّ القبض؟

(2) رأسا، لتقوّمه بالقبض في مثل بيع الصرف، و المفروض أنّه لم يجز القبض، فيبطل العقد، و لا مصحّح له بعد انقضاء المجلس.

(3) بطلان ردّ القبض عبارة أخرى عن صحة القبض المستلزمة لصحة العقد، فكأنّه قال: ففي بطلان العقد و صحته وجهان.

(4) ناشئان من لغوية الإجازة مع كون القبض ركنا في بيع الصرف، فيبطل كل من العقد و القبض، إذ لا معنى لإجازة بيع الصرف المجرّد عن القبض الصحيح، فالمعاملة فاسدة حينئذ.

و من أنّ إجازة العقد مصحّحة له. و لا أثر لردّ القبض بعدها، لأنّ إمضاء العقد إمضاء للقبض الملازم له، فيلغو ردّه بعد إمضائه، فيصح العقد.

لكن الحق بطلانهما معا، لأنّ مقتضى بناء أبناء المحاورة على الأخذ بظواهر الألفاظ- بعد فراغ المتكلمين عن كلامهم- هو بطلان العقد في المقام، لقرينية ردّ القبض على عدم الأخذ بظهور قوله: «أجزت العقد».

و هذا الفرض لا يزيد على ما إذا باشر المالك بيع الصرف بدون القبض حتى انقضى المجلس، إذ لا شبهة في بطلان البيع حينئذ و عدم وجه لصحته. فمعنى قوله:

«أجزت البيع دون القبض» أجزت بيعا باطلا.

نعم يصح ذلك في البيع الذي لا يشترط في صحته القبض في المجلس، إذ لا مانع من صحة البيع فقط بالإجازة دون القبض.

لا تشترط الإجازة بالفور

(5) الغرض من عقد هذا الأمر التنبيه على عدم اشتراط إجازة البيع الفضولي بوقوعها فورا بعد العلم به، و قد صرّح جمع من الأصحاب بذلك كالشهيد و الفاضل

ص: 208

الإجازة ليست على الفور (1)،

______________________________

المقداد و أصحاب الحدائق و الرياض- كما في مفتاح الكرامة «1»- و المناهل، ففي الأخير:

«لا يشترط في الإجازة الفورية كما صرّح به في الدروس، اللّهم إلّا أن يترتب الضرر على من لا إجازة له، بحيث لا يتحمّل عادة، فيحتمل حينئذ إجبار من له الإجازة على اختيار أحد الأمرين الفسخ أو الإمضاء إن أمكن، و إلّا فيجوز الفسخ مطلقا» «2».

و قد تعرّض المصنف قدّس سرّه أيضا لما يتفرع على عدم اعتبار الفور في الإجازة، و هو:

أنّه لو تضرّر الأصيل بعدم جواز تصرفه في شي ء من العوضين في مدة التربص، فهل يجبر المالك على الإجازة أو الردّ أم لا؟ و سيأتي بيانه.

(1) كما إذا علم ببيع ماله فضولا، و لم يجزه إلّا بعد أسبوع، فإنّه يصحّ، و ينفذ العقد، و ليست إجازة عقد الفضولي إلّا كنفس البيع في عدم الفورية، و ليست كخيار الغبن في سقوطه لو لم يأخذ به المغبون بعد علمه بالغبن.

و استند المصنف قدّس سرّه في نفي دخل الفور في الإجازة إلى أكثر ما تقدم من الأدلة و المؤيّدات المذكورة في أوّل بحث البيع الفضولي.

فمن الأدلة إطلاق آية التجارة عن تراض، و عدم تقييدها بلحوق الرضا بالتجارة فورا.

و منها: صحيحة محمّد بن قيس الواردة في بيع الوليدة، لوضوح أنّ مالكها الأصلي نفّذ البيع بعد وقوعه بمدة طويلة، لكونه في السفر، و بعد رجوعه منه و اطّلاعه على إقدام ولده ببيع الجارية لم يجز البيع فورا، بل أخذها من المشتري، و انتهى الأمر إلى الترافع إلى أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه، ثم أجاز بيع ابنه. و لو كانت الفورية معتبرة في الإجازة لحكم عليه الصلاة و السلام بفساد البيع من جهة الفصل الكثير الموجب لفوات شرط تأثير الإجازة لو أجاز المالك، مع أنّه عليه السّلام علّم المشتري طريق الوصول إلى حقّه، فقال له: «خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفّذ البيع لك» و هذا التعليم شاهد على بقاء بيع الوليدة فضولا على أهلية لحوق الإجازة به.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 190، الدروس الشرعية، ج 3، ص 194، التنقيح الرائع، ج 2، ص 26 رياض المسائل، ج 1، ص 512

(2) المناهل، ص 289

ص: 209

للعمومات، و لصحيحة محمّد بن قيس «1» و أكثر المؤيّدات المذكورة (1) بعدها.

و لو لم يجز (2) المالك و لم يردّ حتى لزم تضرّر الأصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه على القول بالكشف (3)

______________________________

و عليه فيجوز للمجيز التواني في الإجازة، و لا يقدح في الإمضاء، هذا.

(1) كأخبار الاتّجار بمال اليتيم، و تخلّف عامل المضاربة عن الشرط، و تصرّف الودعي عدوانا في الوديعة «2»، فإنّ إجازة المالك و الولي في هذه الموارد لم تصدر بعد العلم- بوقوع المعاملة الفضولية- مباشرة، بل مع الفصل. و لا أقل من الإطلاق، و أنّ تلك المعاملة قابلة للتنفيذ و الإمضاء سواء وقعا فورا أم تراخيا.

و لعلّ التعبير بالأكثر- دون جميع المؤيّدات- لأجل ظهور بعضها في تحقق كلّ من الإجازة أو الردّ بعد العلم بالفضولية، كما في حكاية فعل السمسار في موثقة عبد اللّه «فيذهب فيشتري، ثم يأتي بالمتاع، فيقول: خذ ما رضيت، و دع ما كرهت. قال:

لا بأس» «3» فإنّه- بناء على حمله على الفضولية- ظاهر في صدور الإجازة بعد العلم بشرائه فضولا من دون تراخ في البين.

(2) هذا متفرع على عدم كون الإجازة على الفور، و حاصله: أنّه لو أهمل مالك المال المعقود عليه فضولا، فلم يجز العقد و لم يردّه حتى تضرّر الأصيل الذي هو أحد طرفي العقد بعدم تصرفه فيما انتقل عنه و إليه- بناء على الكشف- فالأقوى تدارك ذلك الضرر بالخيار، أو بإجبار المالك الأصيل على الإجازة أو الرد.

(3) قيد للزوم الضرر على الأصيل، لأنّه على الكشف ينتقل بدل ماله إليه حين العقد الذي أنشأه الفضولي، فتأخير الإجازة يوجب الضرر عليه من ناحية عدم تصرفه فيما انتقل عنه و ما انتقل إليه. بناء على لزوم العقد من طرفه، و عدم جواز تصرفه فيما انتقل عنه و إليه. بخلاف القول بالنقل، لبقاء المالين على ملك مالكيهما، فيجوز للأصيل أن يتصرف فيما انتقل عنه. و قد تقدم في ثمرات الكشف و النقل حكم تصرف الأصيل، فراجع (ص 107).

______________________________

(1) تقدمت في ج 4، ص 388

(2) المصدر، ص 438 و 427 و 531

(3) المصدر، ص 460- 464

ص: 210

فالأقوى (1) تداركه بالخيار، أو إجبار المالك [1] على أحد الأمرين (2).

______________________________

(1) جواب قوله: «و لو لم يجز».

(2) و هما الإجازة و الرّد.

______________________________

[1] وجه هذا التخيير هو مبنى المصنف قدّس سرّه في قاعدة نفي الضرر من أنّ المنفي بها هو نفس الحكم الضرري، فكل حكم ضرري مرفوع بها. ففي المقام يكون كلّ من لزوم عقد الفضولي على الأصيل، و من عدم جواز إجبار المالك على أحد الأمرين ضررا، فهما مرفوعان. و لازم ذلك هو الخيار، أو إجبار المالك.

بخلاف البناء على ما أفاده صاحب الكفاية قدّس سرّه من أنّ المنفي بقاعدة نفي الضرر هو الحكم بلسان نفي الموضوع، فإنّ حكم الموضوع الضرري- أعني به العقد- و هو لزومه على الأصيل منفي. فالمتعيّن هو الخيار. و أمّا عدم جواز الإجبار فليس من أحكام العقد حتى يكون منفيّا بقاعدة نفي الضرر.

أقول: الظاهر تعيّن الخيار على كلا المسلكين، و عدم الوجه للتخيير بينه و بين إجبار المالك. إذ مورد الإجبار هو الامتناع عن الحقّ حتى يندرج في الممتنع الذي يكون الحاكم وليّه، فيجبره على أداء الحق إلى صاحبه، أو الامتناع عن أداء التكليف الإلزامي الشرعي ليجبره الحاكم على امتثاله من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و ليس المقام كذلك، لعدم إيجاب عقد الفضول حقّا للأصيل على المالك، و لا وجوبا شرعا للإجازة و الردّ عليه.

و ببيان أوضح: انّ حرمة إجبار المالك ليست كاللزوم من أحكام العقد حتى تنفى بقاعدة الضرر، و يخيّر الأصيل بين الفسخ و بين إجبار المالك، ضرورة أنّ حرمة الإجبار من آثار الملك، لا من آثار العقد حتى ترتفع بالقاعدة، فالقاعدة بكلا مسلكي المصنف و صاحب الكفاية قدّس سرّهما لا تشمل عدم جواز الإجبار، لعدم كونه حكما للعقد حتى يندرج في الموضوع الضرري أو في نفس الحكم الضرري أي في النفي البسيط في قاعدة نفي الضرر كما هو مبنى المصنف، أو في النفي المركّب كما هو مسلك صاحب الكفاية. فالنزاع صغروي و هو عدم كون حرمة الإجبار من أحكام العقد حتى تندرج في قاعدة الضرر و ترتفع بها، إذ لو كانت من أحكام العقد لم يكن إشكال في ارتفاعها بها.

فتحصل ممّا ذكرنا: أنّ المتعيّن في المقام هو الخيار فقط، لعدم موجب لجواز إجبار المالك أصلا.

ص: 211

[السابع: هل تعتبر مطابقة الإجازة للمجاز؟]

السابع (1):

هل يعتبر في صحّة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو خصوصا (2)،

______________________________

هل تعتبر مطابقة الإجازة للمجاز؟

(1) هذا سابع الأمور التي ينبغي التنبيه عليها، و هو: أنّه هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها من حيث العموم و الخصوص لما وقع عليه عقد الفضولي أم لا؟ فإذا وقع العقد على شيئين- فرش و كتاب مثلا- و أجاز مالكهما بيع الفرش فقط، فهل يصحّ ذلك؟ أم لا بدّ من إجازتهما معا ليحصل التطابق بين الإجازة و بين ما وقع عليه العقد، كصورة كون المعقود عليه شيئا واحدا معيّنا في مطابقة الإجازة لما وقع عليه العقد بالخصوص.

ظاهر المتن أنّ في المسألة احتمالات:

الأول: صحة الإجازة فيما خالفت العقد بالعموم و الخصوص، كما في مثال بيع كتاب و فرس فضولا، و إجازة بيع أحدهما. و الوجه فيه أنّ للمالك سلطنة على بيع ماله كلّا أو بعضا، و مطلقا أو مقيدا، مباشرة أو تسبيبا، فتصح مخالفة الإجازة للعقد.

الثاني: بطلان الإجازة، لكون المجاز هو ما وقع من العقد، فلا بدّ في صحة الإجازة من مطابقتها له.

الثالث: التفصيل بين كون المخالفة بنحو الكل و الجزء، فيصح العقد، و يثبت للأصيل خيار تبعض الصفقة، و بين كونها بنحو الإطلاق و الاشتراط، بأن كان العقد مشروطا بشي ء، فأجازه مجردا عن الشرط فيبطل.

و لو انعكس بأن كان البيع مطلقا و أجاز مشروطا بشي ء، ففيه احتمالات:

أحدها: الصحة بشرط قبول الأصيل.

ثانيها: الصحة مطلقا حتى لو رفض الأصيل الشرط.

ثالثها: البطلان، و هو مختار المصنف قدّس سرّه. و سيأتي الكلام في هذه الصور و أحكامها إن شاء اللّه تعالى.

(2) هذا و «عموما» تمييزان ل «مطابقتها» يعني: مطابقتها من حيث العموم و الخصوص.

ص: 212

أم لا؟ وجهان (1). الأقوى التفصيل (2)، فلو أوقع العقد على صفقة، فأجاز المالك بيع بعضها، فالأقوى (3) الجواز، كما لو كانت الصفقة بين مالكين، فأجاز أحدهما، و ضرر التبعّض على المشتري يجبر بالخيار (4).

و لو أوقع العقد (5) على شرط، فأجاز المالك مجرّدا عن الشرط،

______________________________

(1) يعني: الصحة مطلقا، و البطلان كذلك، في قبال التفصيل الآتي، و قد تقدم آنفا وجه الصحة و الفساد.

(2) الأولى أن يقال: «التفصيل بين الجزء و الشرط، فلو أوقع .. إلخ» إذ لم يذكر شيئا قبله حتى يفرّع عليه قوله: «فلو أوقع».

و كيف كان فمحصل هذا التفصيل هو: أنّه إذا وقع العقد على جملة من أشياء، فأجاز المالك بيع بعضها، فالأقوى الجواز، لانحلال العقد إلى عقود عديدة. نظير ما إذا كانت الصفقة بين مالكين، فأجاز أحدهما، فإنّه لا إشكال في صحة البيع فيما أجازه أحد المالكين، كما لو كانت الدار ملكا مشاعا لزيد و عمرو، فباعها الفضولي، فأجازه زيد و لم يجزه عمرو، إذ يصحّ البيع بالنسبة إلى حصة زيد، فينتقل النصف المشاع إلى المشتري، و يثبت له الخيار، فإن شاء فسخ العقد، و إن شاء اقتنع بالنصف.

و الوجه في الصحة ما تقرّر في محلّه من انحلال العقد الواقع على متعدد إلى عقود عديدة، كما لو باع ما يملك كالشاة و ما لا يملك كالخنزير بإنشاء واحد، فيصحّ في الشاة، و يبطل في الخنزير.

و إذا وقع للعقد على شي ء مقيّدا، فأجازه المالك مطلقا فسيأتي.

(3) جواب الشرط في «فلو أوقع» و وجه الجواز ما عرفت من انحلال العقد الواقع على شيئين أو أشياء إلى عقود عديدة.

(4) و هو خيار تبعض الصفقة للمشتري.

و لا يخفى أنّ مقتضى ما أفاده في الأمر السابق من تدارك ضرر الأصيل بالخيار أو بإجبار المالك هو جبران ضرر تبعض الصفقة بالخيار أو بإجبار المالك أيضا، لا بالخيار فقط، على ما هو ظاهر قوله قدّس سرّه: «يجبر بالخيار».

(5) هذا شروع في حكم مخالفة الإجازة للعقد المجاز مخالفة الإطلاق و التقييد، كما إذا كان عقد الفضولي مشروطا بشرط الخياطة مثلا، و أجازه المالك مجرّدا عن ذلك الشرط. و المصنف قدّس سرّه حكم فيه بالبطلان بناء على اختصاص انحلال العقود بالأجزاء،

ص: 213

فالأقوى (1) عدم الجواز بناء على عدم قابليّة العقد للتبعيض من حيث الشرط، و إن كان قابلا للتبعيض من حيث الجزء، و لذا (2) لا يؤثّر بطلان الجزء، بخلاف بطلان الشرط (3).

و لو انعكس الأمر، بأن عقد الفضوليّ مجرّدا عن الشرط (4) و أجاز المالك مشروطا، ففي (5) صحّة الإجازة مع الشرط إذا رضي به الأصيل، فيكون نظير

______________________________

و عدم تطرّقه في الشرائط، إذ مع تطرّقه فيها كتطرّقه في الأجزاء يكون المتعيّن الحكم بالصحة لأجل انحلال العقد من حيث الشرط كانحلاله من حيث الجزء.

فمبنى بطلان العقد في المخالفة بالإطلاق و التقييد هو عدم انحلال العقد في الشروط، إذا المفروض وحدة العقد و بساطته، و عدم تعدده بالانحلال. و حيث إنّه قيّد بقيد قد نفاه مالك العقد فلا سبيل حينئذ إلى تصحيحه.

(1) جواب «و لو أوقع». و قوله: «مجرّدا عن الشرط» قيد ل «عدم الجواز».

(2) أي: و لأجل قابلية العقد للتبعّض من ناحية الجزء- و عدم قابليته للتبعض من حيث الشرط- لا يؤثّر بطلان الجزء في بطلان العقد، كما إذا ظهر كون ذلك الجزء مستحقّا للغير.

(3) فإنّ بطلانه يؤثّر في بطلان العقد، لأنّه واحد غير متعدد حتى يصح في عقد مجاز، و يبطل في غيره. و الوجه في عدم انحلاله من حيث الشرط ما قيل من عدم وقوع شي ء من الثمن بإزائه.

(4) كما إذا باع دار زيد فضولا بلا شرط، و أجازه المالك بشرط أن يصلّي المشتري الصلوات اليومية أوّل أوقاتها مثلا، ففي حكمه وجوه ثلاثة:

أحدها: صحة الإجازة مع الشرط الذي اشترطه المالك إذا رضي الأصيل بذلك الشرط، قياسا على الشرط الواقع في ضمن القبول، كما إذا قال البائع: «بعتك هذا الكتاب» و لم يشترط شيئا، و لكن المشتري اشترط و قال: «اشتريت هذا الكتاب بشرط أن تجعل لي منه درسا» و رضي الموجب بهذا الشرط.

و بالجملة: فعقد الفضوليّ مع شرط المالك المجيز- و رضا الطرف الأصيل به- صحيح و يجب الوفاء به.

(5) جواب الشرط في قوله: «و لو انعكس».

ص: 214

الشرط الواقع في ضمن القبول إذا رضي به الموجب، أو بدون (1) الشرط، لعدم وجوب الوفاء بالشرط إلّا إذا وقع في حيّز العقد، فلا يجدي وقوعه في حيّز القبول إلّا إذا تقدّم (2) على الإيجاب ليرد الإيجاب عليه أيضا (3). أو بطلانها (4)، لأنّه إذا لغا الشرط لغا المشروط، لكون المجموع التزاما واحدا، وجوه (5)، أقوالها الأخير (6) [1].

______________________________

(1) معطوف على «مع الشرط» و هذا هو الوجه الثاني، و حاصله: أنّ العقد صحيح دون الشرط، لأنّ الشرط الذي يجب الوفاء به هو خصوص الشرط الواقع في حيّز العقد و في ضمنه، و حيث إنّ شرط المالك لم يقع في ضمن عقد الفضولي، إذ المفروض وقوعه مجرّدا عن الشرط، فلم يرد الإيجاب عليه حتى يندرج في الشرط الواقع في ضمن العقد و يشمله دليل وجوب الوفاء بالشروط.

(2) أي: إذا تقدّم القبول الحاوي للشرط، كأن يقول المشتري: «اشتريت هذا الكتاب بشرط أن يجعل لي البائع منه درسا» و يقول البائع: «بعتك هذا الكتاب مع الشرط المزبور».

فالنتيجة: صحة العقد المجاز مجرّدا عن الشرط، و عدم بطلان العقد به.

(3) يعني: كورود القبول على الشرط كما مرّ، و ضمير «عليه» راجع إلى الشرط.

(4) معطوف على «صحة الإجازة» و هذا هو الوجه الثالث، و محصله: بطلان الإجازة الموجب لبطلان العقد، و ذلك لسراية بطلان الشرط إلى المشروط و هو العقد، لما قيل: من انتفاء المشروط بانتفاء شرطه. بدعوى: أنّ مجموع العقد و الشرط التزام واحد بسيط، لا متعدد حتى لا يلتزم من انتفاء البعض انتفاء الكلّ.

(5) مبتدء مؤخر، و جملة «ففي صحة الإجازة» خبره.

(6) و هو بطلان الإجازة الموجب لبطلان العقد و الشرط معا، و هذا مبني على مفسدية الشرط الفاسد للعقد، و هو خلاف مختاره في باب الشروط من عدم مفسديته له.

و الظاهر أنّ مفسدية الشرط للعقد و عدمها مبنيّة على وحدة المطلوب و تعدده.

فعلى الأوّل يفسد العقد دون الثاني.

______________________________

[1] تفصيل الكلام في المقام هو: أنّ الإجازة قد تطابق العقد، كما إذا باع الفضولي

ص: 215

______________________________

دكّان زيد، و لمّا علم زيد بذلك أجاز البيع كما وقع من دون تفاوت أصلا. و هذا لا إشكال في صحته.

و قد تخالف العقد، إمّا مخالفة تباينية، كما إذا وقع العقد على الدكان مثلا، و أجاز المالك بيع الدار. و لا إشكال في بطلانه.

و إمّا مخالفة بالجزئية و الكلية، كما إذا باع الفضولي تمام الدكان، و أجاز المالك نصفه.

و الظاهر صحته، لما ثبت في محله من انحلال البيع بحسب أجزاء المبيع، فالمجاز بعض العقود التي انحلّ إليها عقد الفضولي، لا جميعها. و هذا نظير بيع ما يملك و ما لا يملك، و بيع المال المشترك بين شخصين إذا أجاز أحدهما بيع ماله دون الآخر. غاية الأمر أنّ الطرف الآخر يثبت له خيار تبعض الصفقة.

و إمّا مخالفة بالإطلاق و التقييد، كما إذا باع الفضولي دكّان زيد بلا شرط، و أجاز المالك ذلك البيع بشرط أن يتصدّق على فقير بدينار، أو العكس، كما إذا باع الدكان بشرط أن يصوم يوم الجمعة، و أجاز المالك هذا البيع بدون ذلك الشرط.

و المصنف قدّس سرّه حكم بعدم الجواز في هذه الصورة، لعدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط و إن كان قابلا له من حيث الأجزاء، و حكم في الصورة السابقة بكون أقوى الوجوه بطلان الشرط و المشروط، لما أفاده في المتن.

أقول: ينبغي البحث عن جهات:

الأولى: أنّ البحث عن اعتبار مطابقة الإجازة للعقد صغروي لا كبروي، لأنّ مفهوم الإجازة- و هو إنفاذ العقد- متقوم بمطابقة الإجازة له، و إلّا لم تكن إنفاذا له. و هذه المطابقة كمطابقة القبول للإيجاب التي قال المصنف فيها: إنّها من القضايا التي قياساتها معها.

فالبحث عن وجود المطابقة في الاجزاء دون الشرائط مثلا صغروي.

الثانية: أنّ الضابط في صحة إجازة بعض العقد و عدمها- و مطابقتها له في جميع الصور من العموم و الخصوص و الشرط و المشروط- هو تعدد الالتزام العقدي و وحدته، دون الجزء و الشرط كما عليه المصنف قدّس سرّه، حيث إنّه جعل مورد صحة إجازة بعض العقد خصوص المبيع ذي الأجزاء، دون العقد المشروط، فإنّه أبطل إجازة المشروط بدون الشرط،

ص: 216

______________________________

لأنّ الشرط إن كان قيدا للبيع دون المبيع أوجب ذلك تعدد الالتزام، كما إذا قال: «بعتك كتاب المكاسب بشرط أن تقرأ منه كل يوم ورقه» فإنّ هنا التزامين أحدهما الالتزام ببيع الكتاب، و الآخر بالقراءة منه. فلا مانع حينئذ من إجازة المالك التزام بيعه دون شرطه.

نعم إن كان الشرط قيدا للمبيع كأن يقول: «بعتك حقة حنطة كرديّة» حيث إنّ المبيع حصة خاصة من طبيعة الحنطة الكردية، و التبديل أو التمليك تعلّق بخصوص تلك الحصة، كان الالتزام واحدا، و ليس للمالك إجازة حصة من طبيعة الحنطة سواء أ كانت كردية أم غيرها.

فتلخص ممّا ذكرنا: أنّ صحة إجازة بعض العقد منوطة بتعدد الالتزام، من دون تفاوت بين الجزء و الشرط.

الثالثة: أنّه لا فرق في اعتبار مطابقة الإجازة للعقد بين الكشف و النقل، لأنّ مقتضى مفهومها- و هو إنفاذ العقد- عدم الفرق بين إنفاذه من حين وقوع العقد و بين إنفاذه من حين الإجازة، فإنّ متعلق الإجازة هو نفس العقد سواء أثّرت فيه من زمان وقوعه أم من حين الإجازة، غاية الأمر أنّها على الكشف شرط متأخر، و على النقل شرط متقدّم.

ص: 217

[الكلام في ما يعتبر في المجيز]
اشارة

و أمّا (1) القول في المجيز، فاستقصاؤه يتمّ ببيان أمور (2):

[الأوّل: اعتبار الكمال حين الإجازة]

الأوّل (3): يشترط في المجيز أن يكون حين الإجازة جائز التصرّف بالبلوغ و العقل و الرشد [1].

______________________________

الكلام في ما يعتبر في المجيز

(1) معطوف على ما ذكره في (ص 5) بقوله: «أمّا حكمها».

(2) هذه الأمور متعلقة بشرائط المجيز، و تذكر في طيّ مسائل.

اعتبار الكمال حين الإجازة

(3) هذا أوّل تلك الأمور، و ينبغي أن تعدّ الشرائط الأربعة المذكورة في هذا الأمر من القضايا التي قياساتها معها، لما مرّت الإشارة إليه في رابع تنبيهات الإجازة من أنّ الإجازة من أحكام الملك كجواز البيع، فكلّ ما يشترط في البيع الابتدائي يشترط في الإجازة، لكونها تصرفا ماليّا. فالمجيز لعقد الفضولي يكون كالبائع ابتداء في اعتبار البلوغ و العقل و الرشد فيه، فكما لا يكفي في صحة البيع مالكية البائع للمبيع، بل يعتبر سلطنته على التصرف و عدم حجره عنه، فكذا تعتبر أهلية التصرف حال الإجازة.

______________________________

[1] اعتبارهما يكون في حال الإجازة، فلو فقدهما بعد الإجازة لم يقدح في صحّة العقد، كما أنّهما لو لم يكونا قبل الإجازة و وجدا حال الإجازة كفى في صحة العقود، كالجنون الأدواري إذا وقعت الإجازة في دور إفاقته.

ص: 218

و لو (1) أجاز المريض بني نفوذها (2) على نفوذ منجّزات المريض.

و لا فرق فيما ذكر (3) بين القول بالكشف و النقل.

______________________________

و عليه فلو أجاز الراهن أو المفلّس بيع ماله المتعلق به حق المرتهن أو الغرماء لم تؤثّر إجازته، لعدم جواز تصرفه في ماله من جهة تعلّق حقّ المرتهن أو الغرماء به، فإنّ إجازة البيع تصرّف ماليّ، و ليس للراهن أو المفلّس التصرف فيه قبل فكّه عن الحق المتعلق به.

(1) الأولى ابدال الواو بالفاء، لأنّه متفرّع على قوله: «جائز التصرّف».

(2) أي: نفوذ الإجازة، و هذا مبني على تعميم عدم نفوذ منجزات المريض- زائدا على الثلث- للعقود المعاوضيّة، و عدم اختصاصها بالمجّانيّات و التبرعيّات كالعتق و الهبة و الصدقة و الوقف و الصلح و الإجارة المحاباتيتين، أو بعوض أقلّ، و إبراء الدين، و شراء من ينعتق عليه و نحو ذلك. دون التسبيبيات كإتلاف مال الغير و الجناية على الغير بما يوجب الأرش أو الدية، أو ما يوجب الكفارة، فإنّ جميع ذلك دين يخرج من صلب المال، لا من الثلث.

و هذا التعميم غير ثابت كما يظهر بالمراجعة إلى تلك المسألة. و عليه فليس المريض محجورا عن التصرف المعاوضي في ماله، فلا بأس بإجازته لما وقع على ماله من عقد الفضولي.

(3) أي: لا فرق فيما ذكر- من اشتراط اجتماع هذه الأمور في المجيز- بين كون الإجازة كاشفة و ناقلة، و ذلك لكون الإجازة تصرّفا اعتباريّا في المال، إذ بدونها لا يؤثّر العقد في النقل و الانتقال، و جواز التصرف المالي مشروط بهذه الشروط، غاية الأمر أنّ الإجازة بناء على الكشف شرط متأخّر، و على النقل شرط متقدم.

نعم بناء على الكشف المحض، و كون العقد سببا تامّا، و عدم دخل للإجازة في تأثيره كما قيل- أو بناء على شرطية الرضا التقديري المقارن للعقد، و كون الإجازة كاشفة عنه- لا يعتبر جواز تصرف المجيز حين الإجازة، لعدم كون الإجازة حينئذ

ص: 219

[الثاني: اشتراط وجود مجيز حال العقد]

الثاني (1): هل يشترط في صحة عقد الفضوليّ

______________________________

تصرّفا ماليّا، فلا بأس بأن يجيز مثل المحجور عليه لسفه أو غيره، لعدم حجره عن إتيان ما يكشف عن أمر سابق عليه.

اشتراط وجود مجيز حال العقد

(1) هذا ثاني الأمور المبحوث عنها في المجيز، و غرضه من عقد هذا الأمر تحقيق جهة أخرى في من يجيز البيع الفضولي، و هي: أنّه هل يشترط في صحة عقده أن يكون له مجيز حال العقد أم لا يشترط؟ بأن يكفي وجود المجيز حال إجازته.

و المراد بالمجيز وجود من هو أهل للإجازة، بأن لا يمنعه مانع عنها، بحيث لو أجاز لنفذ البيع، كما إذا بيع مال الصغير فضولا بأقل من ثمن المثل، و امتنع وليّه عن إجازة البيع من جهة مخالفته لصلاح الطفل و غبطته، و لكن المتاع انخفض سعره السوقي بعد أيّام بحيث صار أقل قيمة ممّا باعه الفضول به، فلو لم يجز الولي ذلك البيع تضرّر الصبي أكثر من بقاء المتاع في ملكه، فيقال: إنّ إمضاء بيع الفضولي مشروط بعدم مانع عن إجازة العقد، أم لا؟ فبناء على مسلك العلّامة لم يكن البيع حال وقوعه بصلاح الصغير، فلا يقبل الإجازة بعده، و بناء على مسلك المشهور يكون المدار على المصلحة حال الإجازة، لا حال العقد، و لا عبرة بالمانع الموجود حاله.

ثم إنّ المناسب تقديم هذا الأمر الثاني على الأمر الأوّل،- كما أشار إليه السيد قدّس سرّه- لأنّ وجود المحل مقدّم على وجود عرضه رتبة، فالبحث عن أصل وجود المجيز حين العقد مقدم على البحث عن أوصافه من بلوغه و عقله و رشده كما لا يخفى.

قال السيد قدّس سرّه: «الكلام في أمور، أحدها: يشترط في المجيز أن يكون جائز التصرف حال الإجازة.

الثاني: هل يشترط وجود مجيز جائز الإجازة حال العقد أو لا؟

الثالث: هل يشترط كون المجيز جائز التصرف حال العقد بناء على اشتراط وجود مجيز جائز الإجازة أولا؟ و أمّا بناء على عدم اشتراطه فمن المعلوم أنّه لا يشترط ذلك.

ص: 220

وجود [1] مجيز (1) حين العقد،

______________________________

فالمسألة الثالثة مبنية على اشتراط وجود المجيز، فيكون الكلام في أنّه هل يجب أن يكون هو الذي كان حال العقد جائز الإجازة، أو يجوز أن يكون غيره.

الرابع: هل يشترط أن يكون مالكا حال العقد أو لا؟ كما إذا باع شيئا ثمّ ملك» «1».

و كيف كان فكلام المصنف في هذا الأمر يقع في مقامين أحدهما: تحقيق حكم المسألة من حيث الاشتراط و عدمه، و ثانيهما: النظر فيما قيل حول عبارة العلّامة.

و الكلام فعلا في المقام الأوّل.

(1) متمكّن عادة من الإجازة، و ليس المراد ذات المجيز، لأنّه موجود دائما، كالإمام عليه السّلام و نائبه الفقيه المأمون و عدول المؤمنين، بل المراد هو الصالح للإجازة فعلا.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه بعد وضوح عدم إمكان إرادة وجود ذات المجيز حين العقد، لأنّه حاصل في جميع الموارد، و لا يتصوّر خلوّ عقد في زمان عن ذات المجيز، فلا محيص عن إرادة اشتراط وجود مجيز يتمكّن عادة من إجازته و الاطّلاع عليه. فبيع الولي مال الطفل بدون مصلحته مع تجدّدها حال الإجازة من البيوع التي ليس لها مجيز قابل للإجازة حال العقد، إذ لا ولاية للولي على مثل هذا التصرّف، فيصدق حينئذ عدم وجود مجيز قابل للإجازة حين العقد، لفقدان شرط صحته و هو مصلحة الطفل، و لكن المجيز و هو الطفل بعد البلوغ و سائر الشرائط قابل للإجازة.

هذا ما يمكن أن يراد من العنوان المذكور في هذا الأمر الثاني. و لا بدّ أن يراد بقوله:

«الثالث: لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرّف حال العقد .. إلخ» المجيز الفعلي، و هو المجيز حين الإجازة، يعني: لا يعتبر أن يكون المجيز حين الإجازة جائز التصرف حال العقد، سواء قلنا باعتبار وجود مجيز متمكّن من الإجازة حين العقد أم لم نقل به.

فإن لم يكن حين العقد جائز التصرف كانت إجازته نافذة، فلا يلزم التكرار و وحدة العنوانين.

فيمكن أن يكون المجيز حال الإجازة جائز التصرف حين العقد كبيع مال اليتيم مع

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 162

ص: 221

فلا يجوز (1) بيع مال اليتيم لغير (2) مصلحة، و لا تنفعه إجازته (3) إذا بلغ [1] أو إجازة وليّه إذا حدثت المصلحة (4) بعد البيع، أم لا يشترط (5)؟ قولان:

أوّلهما (6) للعلّامة في

______________________________

(1) هذا متفرع على اشتراط صحة عقد الفضولي بوجود مجيز حين العقد، إذ لازم هذا الاشتراط عدم صحة بيع مال اليتيم- بدون المصلحة- بإجازته بعد بلوغه، أو بإجازة وليّه قبل البلوغ بعد طروء المصلحة.

وجه عدم الصحة: أنّ مثل هذا التصرف ليس له مجيز قابل للإجازة حال العقد و إن كان قابلا لها حين الإجازة، فإنّ مقتضى اعتبار وجود مجيز قابل للإجازة حين العقد عدم فائدة في إجازة الولي أو اليتيم بعد بلوغه، و بعد طروء المصلحة. و لا فرق في عدم القابلية بين أن يكون لعدم المقتضي، و بين أن يكون لوجود المانع كجهل الولي بالمعاملة.

(2) التقييد بعدم المصلحة ظاهر الوجه، إذ لو كانت المصلحة في بيع ماله خوفا من الضرر كان المجيز حال بيعه فضولا موجودا، فكان الوليّ يمضيه و يصح، و يخرج عن محلّ الكلام. فمحلّ البحث هو وجود المانع عن إجازته، بأن يترتب مفسدة على إمضاء بيع مال اليتيم فضولا. مع وضوح اشتراط التصرف في ماله بكونه خيرا له، أو بعدم المفسدة.

(3) أي: و لا ينفع البيع إجازته، و ضميرا «إجازته، وليّه» راجعان إلى اليتيم.

(4) يعني: و لو صار العقد من حيث طروء المصلحة و تبدل المفسدة بها صحيحا، و لكنه لأجل عدم وجود مجيز صالح للإجازة- حين العقد- فاسد من أصله.

(5) معطوف على «هل يشترط»، و قوله: «قولان» مبتدء، و خبره محذوف.

(6) و هو اشتراط وجود مجيز صالح للإجازة حين العقد.

______________________________

المصلحة، فإنّ وليّه حين العقد و الإجازة جائز التصرف. و يمكن أن لا يكون كذلك، كما إذا بيع مال اليتيم فضولا بدون المصلحة، فأجاز اليتيم بعد البلوغ، فإنّ اليتيم حين العقد لم يكن جائز التصرف، و صار جائز التصرف بعد البلوغ و حين الإجازة.

[1] هذا مبني على كون المصلحة شرطا للصحة كشرطية معلومية العوضين حين البيع.

ص: 222

ظاهر القواعد (1). و استدلّ له (2)

______________________________

(1) قال في القواعد: «و الأقرب اشتراط كون العقد له مجيز في الحال، فلو باع مال الطفل، فبلغ و أجاز، لم ينفذ على إشكال» «1»، فإنّ قوله: «في الحال» ظاهر في حال العقد، لا حال الإجازة.

و تعبيره ب «في ظاهر القواعد» لعلّه لأجل عدم الجزم بأنّ مراد العلّامة قدّس سرّه اعتبار وجود مجيز حال العقد، و الوجه في عدم الجزم بالمطلب استشكاله في فرع المسألة بقوله:

«لم ينفذ على إشكال» إذ لو كان هذا الشرط مسلّما كان المناسب ترجيح عدم نفوذ بيع مال الطفل و عدم الإشكال فيه.

هذا إذا كان الإشكال راجعا إلى عدم نفوذ بيع مال الطفل.

و احتمل السيد العاملي «2» قدّس سرّه رجوع الإشكال إلى أصل اشتراط أن يكون للعقد مجيز في الحال، فكأنّه قال: «و الأقرب على إشكال اشتراط ..» فيكون العلّامة متردّدا- في القواعد- في هذا الشرط، كما استشكل فيه في نهاية الأحكام.

و يظهر من صاحب المقابس قدّس سرّه تطرّق احتمالين في عبارة القواعد، و لذا قال بعد نقل كلمات جمع كفخر المحققين و المحقق الكركي و الفاضلين السيوري و الصيمري و الشهيد: «فمراده- أي العلّامة- اشتراط وجود من يجيز العقد حال صدوره، أو كونه على الأوصاف المعتبرة في الإجازة من الكمال و الملك» «3». فيظهر منه الترديد في أنّ المراد اعتبار وجود مجيز حال العقد، أو اعتبار اجتماع شروط الإجازة حالها.

و كيف كان فالمصنف استظهر اشتراط صحة بيع الفضولي بأن يكون للمجيز قابلية الإجازة حين العقد، كما نقله صاحب الجواهر عن بعض بقوله: «قيل» «4».

(2) أي: للقول الأوّل و هو الاشتراط، و المصنف قدّس سرّه نقل وجهين لكلام العلّامة مذكورين في جامع المقاصد، و الأوّل منهما لفخر المحققين، و بناه على مقدمات ثلاث

______________________________

(1) قواعد الاحكام، ج 2، ص 19. نهاية الاحكام، ج 2، ص 476

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 195.

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 34.

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 297.

ص: 223

بأنّ (1) صحّة العقد و الحال هذه ممتنعة،

______________________________

سيأتي توضيحها، فلخّصه المحقق الثاني، ثم ناقش فيه بما ذكره الفخر وجها لعدم الاشتراط و قوّاه. و الوجه الثاني للسيد العميد قدّس سرّه.

و العبارة المنقولة في المتن للمحقق الثاني قدّس سرّه، قال: «وجه القرب: انه مع عدم من له أهلية الإجازة تكون صحة العقد ممتنعة في الحال، و إذا امتنعت في زمان امتنعت دائما، لأنّ بطلان العقد في زمان يقتضي بطلانه دائما. و لما فيه من الضرر على المشتري .. إلخ» «1».

(1) هذا أوّل الوجهين المستدل بهما على الاشتراط، و محصّله- على ما في الإيضاح- بتوضيح بعض المحققين قدّس سرّه هو: «أنّ عقد الفضولي مع اشتراكه مع العقود الفاسدة- في عدم التأثير فعلا- يمتاز عنها في أنه قابل للتأثير بالإجازة دون غيره، فلا بدّ أن يكون عقد الفضولي واجدا لجميع مراتب الإمكان الاستعدادي، بحيث لا يستند عدم فعلية التأثير إلّا إلى عدم فعلية الإجازة.

و أمّا مع عدم إمكان الإجازة حال العقد فلا يكون العقد حينئذ واجدا لجميع مراتب الإمكان الاستعدادي، إذ منها الإمكان من ناحية إمكان الإجازة فعلا، فإذا امتنعت الإجازة فعلا امتنعت الصحّة التأهلية فعلا زيادة على الصحة الفعلية المقرونة بفعليّة الإجازة لا بإمكانها. و لا نعني بالصحة التأهّليّة إلّا إمكان نفوذ العقد فعلا بالإجازة. مع أنّه لا يمكن، لامتناع الإجازة. و إذا امتنعت الصحة التأهّلية في زمان امتنعت دائما، لأنّ ما يتفاوت حاله بتفاوت الأزمان هي الصحة الفعليّة التابعة لوجود شرط الصحة الفعلية و عدمه، لا الصحة التأهلية. «2».

و ملخص هذا التقريب أمور.

أحدها: اقتران الصحة التأهلية بالعقد و عدم انفكاكها عنه.

ثانيها: توقف هذه الصحة على إمكان الإجازة فعلا أي من حين وقوع العقد، و مع امتناعها لا يثبت الصحة التأهلية فعلا للعقد، فهذه الصحة منوطة باجتماع جميع مراتب

______________________________

(1) و لا حظ: جامع المقاصد، ج 4، ص 72، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 418 و 419، كنز الفوائد، ج 1، ص 385

(2) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قده، ج 1، ص 164.

ص: 224

فإذا امتنع (1) في زمان امتنع دائما. و بلزوم (2) الضرر على المشتري، لامتناع (3) تصرّفه في العين، لإمكان (4) عدم الإجازة، و لعدم (5)

______________________________

الإمكان التي منها إمكان فعلية الإجازة، و مع امتناعها لعدم وجود مجيز حين العقد لا يثبت له الصحة التأهلية أيضا. و قد عرفت عدم انفكاك الصحة التأهلية عن العقد، فإمكان فعلية الإجازة دخيل في الصحة التأهلية.

ثالثها: أنّ المائز بين عقد الفضولي و العقود الفاسدة هو وجود الصحة التأهلية فيه دونها، هذا.

(1) كذا في نسخ الكتاب، و الأولى كما في جامع المقاصد «امتنعت».

(2) معطوف على «بأنّ» و هذا ثاني الوجهين على اعتبار وجود مجيز حال العقد و هو للسيد العميد.

و حاصل هذا الوجه الثاني: لزوم الضرر على المشتري- الذي يجب عليه الوفاء بالعقد، لكونه أصيلا- من جهة امتناع تصرفه في كل من المثمن و الثمن.

أمّا في المثمن فلإمكان عدم إجازة مالكه الكاشف عن بقائه على ملك مالكه، و كون تصرف المشتري فيه تصرّفا عدوانيّا، إذ بناء على شرطية الإجازة- و لو بنحو الشرط المتأخّر- لسببية العقد للملكية و ترتب الأثر لا يخرج المثمن عن ملك مالكه قبل الإجازة.

و أمّا في الثمن فلإمكان حصول الإجازة الكاشف عن خروجه عن ملكه، و دخوله في ملك البائع، فيكون تصرّف المشتري فيه تصرّفا في ملك غيره. و من المعلوم أنّ منعه عن التصرّف في كلّ من المبيع و الثمن ضرر على المشتري الأصيل.

(3) تعليل للزوم الضرر، فإنّ منع تصرّفه- في العين التي اشتراها من الفضولي- ضرر عليه.

(4) هذا تعليل لامتناع تصرف المشتري في المبيع، و ناظر إلى شرطية الإجازة للعقد و لو بنحو الشرط المتأخر. و حاصل التعليل: احتمال عدم إجازة المالك الأصيل، فيكون تصرّف المشتري في ملك الغير، و هو حرام.

(5) معطوف على «لإمكان» و هذا ناظر إلى جزئية الإجازة للعقد، فكأنه قيل:

ص: 225

تحقّق المقتضي [1]. و في الثمن (1)، لإمكان (2) تحقّق الإجازة، فيكون قد خرج عن ملكه.

و يضعّف الأوّل (3)

______________________________

«امتناع تصرف المشتري الأصيل في العين المنتقلة إليه إمّا لفقد شرط تأثير العقد و هو الإجازة، و إمّا لعدم تحقق المقتضي و هو العقد، باعتبار عدم حصول جزئه أعني الإجازة». و على هذا المعنى ينبغي تبديل و أو العطف ب «أو» بأن يقال: «أو لعدم» لكن المذكور في جامع المقاصد هو العطف بالواو.

(1) معطوف على «في العين» يعني: و لامتناع تصرّف المشتري في الثمن أيضا.

(2) تعليل لعدم جواز تصرّف المشتري في الثمن أيضا، و حاصل التعليل: احتمال صدور الإجازة من مالك المثمن، و خروج الثمن عن ملك المشتري و دخوله في ملك البائع، فيكون تصرف المشتري الأصيل حينئذ في الثمن تصرفا في ملك الغير.

(3) أي: الدليل الأوّل للمحقق الثاني قدّس سرّه و هو «أنّ لازم امتناع العقد في زمان امتناعه دائما» و قد أجاب المصنف قدّس سرّه عن هذا الدليل بوجهين، أحدهما نقضيّ، و الآخر حلّي.

أمّا النقضي فحاصله: أنّ عدم المجيز حين العقد منقوض بما إذا كان المجيز موجودا

______________________________

[1] و يحتمل أن يراد ب «لإمكان عدم الإجازة» شرطية عنوان التعقب، حيث إنّ احتمال عدم تحقق الإجازة يوجب الشك، في اتصاف العقد فعلا بعنوان التعقب الذي هو شرط نفوذ العقد. و أن يراد ب «و لعدم تحقق المقتضي» عدم تحقق الإجازة بناء على شرطيّة الإجازة بوجودها الخارجي.

و بهذا الاحتمال يدفع التهافت بين احتمال عدم الإجازة، و عدم تحقق المقتضي الذي يراد به الإجازة أيضا.

إلّا أن يقال: إنّ إرادة الكشف التعقبي من كلام المحقق الكركي منافية لمبناه من القول بالكشف الحقيقي، و أنّ شرطية الوصف الانتزاعي حدثت من عصر المحققين صاحبي الحاشية و الفصول.

ص: 226

- مضافا (1) إلى ما قيل: من انتفاضة بما إذا كان المجيز بعيدا (2) امتنع الوصول إليه

______________________________

حال العقد، و لكن كان بعيدا عن المكان الواقع فيه عقد الفضولي بحيث يمتنع الوصول إليه عادة، فإنّه لا يمكن الالتزام ببطلان هذا النقض، مع جريان ما استدلّ به العلّامة في هذه الصورة- أي صورة النقض- أيضا، إذ يصدق فيها «عدم وجود مجيز يتمكّن من الإجازة حين العقد» فإنّ هذا العقد صحيح، و يجبر ضرر المشتري بالخيار.

و هذا النقض- كما أشرنا إليه- مذكور في كلام فخر المحققين وجها لعدم الاشتراط، و جعله المحقق الكركي نقضا على العلّامة، قال: «و يضعّف بانتقاضه ممّن كان بعيدا، يمتنع الوصول إليه عادة إلّا في زمان طويل». «1»

و أمّا الحلّي، فهو منع استلزام بطلان العقد في زمان لبطلانه دائما، لعدم توقف الصحة التأهلية على وجود مجيز حال العقد، و أنّ صحته تأهّلا تكون من حين وقوعه، من دون انفكاكها عنه في آن.

و بيانه: أنّ المدار في الصحة التأهلية- التي يمتاز بها عقد الفضولي عن العقود الفاسدة- يكون على ما يستفاد من الأدلّة الشرعية، و من المعلوم أنّ المستفاد منها هو مجرّد صحة العقد بلحوق الإجازة له فيما بعد، و لا يستفاد منها بوجه اعتبار وجود مجيز حين العقد في الصحة التأهلية، لأنّ هذه الاستفادة منوطة بكون المراد بالصحة التأهلية ما يساوق الإمكان الاستعدادي من جميع الوجوه حتى يعتبر وجود مجيز قابل فعلا للإجازة حين العقد. بل إطلاق الأدلة- كتجارة عن تراض- يدفع اعتباره.

و الحاصل: أنّ الصحة التأهلية لعقد الفضولي لا تتوقّف على وجود مجيز يتمكّن من الإجازة حال العقد.

(1) هذا إشارة إلى الجواب النقضي الذي تقدم بقولنا: «اما النقضي فحاصله:

أن .. إلخ».

(2) أي: بعيدا عن محلّ العقد الذي أنشأه الفضولي، بحيث يمتنع الوصول إليه عادة لأن يجيز.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 72.

ص: 227

عادة- بمنع (1) ما ذكره [1] من أنّ امتناع صحة العقد في زمان يقتضي امتناعه (2) دائما، سواء قلنا بالنقل أم بالكشف (3).

و أمّا الضرر (4) [2] فيتدارك

______________________________

(1) متعلق ب «يضعّف» و هذا هو الجواب الحلّي المتقدم بقولنا: «و أمّا الحلّي .. إلخ».

(2) الأولى أن يقال: «لامتناعها» رعاية لمرجع الضمير، و هو الصّحة.

(3) يعني: أنّه لا فرق في منع الملازمة- بين بطلان العقد في زمان و بين بطلانه دائما- بين كاشفية الإجازة و ناقليتها، و ذلك لأنّ وجود المجيز حين العقد بناء على اعتباره دخيل في الصحة التأهلية، سواء أ كانت الإجازة كاشفة أم ناقلة. ففي فرض عدم وجود المجيز حين العقد يكون العقد في نفسه باطلا، كبطلانه بفقدان سائر شرائط صحة العقد. فلا تصحّ الإجازة مطلقا كاشفة كانت أم ناقلة.

(4) هذا ردّ الوجه الثاني المذكور في كلام المحقق الكركي في تقريب ما اشترطه

______________________________

[1] ظاهره منع اقتضاء بطلان العقد حدوثا لبطلانه بقاء، بل يمكن التفكيك ببطلانه حدوثا و صحته بقاء. و هذا غير مراد قطعا، لوضوح أنّ فقد شرط صحة العقد يقتضي البطلان حدوثا و بقاء، بل المراد نفي البطلان حدوثا حتى يدّعى بطلانه بقاء.

و الحاصل: أنّ النزاع صغروي، و هو عدم بطلان العقد حدوثا لأجل عدم مجيز حين العقد، لا أنّه باطل حدوثا و صحيح بقاء، فإنّ الكبرى- و هي الملازمة بين بطلان العقد حدوثا و بقاء- مسلّمة، و ليست قابلة للخدشة، فإنّ البيع الربوي و بيع المجهول و غيرهما من البيوع الباطلة باطلة حدوثا و بقاء، و لا يمكن تصحيحها بقاء.

فغرض المصنف منع الملازمة صغرويّا لا كبرويّا، بمعنى: أنّ الملازمة بين فساد العقد حدوثا و بقاء و إن كانت مسلّمة، و لكن المقام ليس من صغرياتها، لعدم كون وجود المجيز حين العقد شرطا في صحة العقد.

[2] لا يخفى أنّ الضرر يتدارك بالخيار في ظرف الجهل. و أمّا في حال العلم فلا موجب لرفعه لمكان الإقدام عليه.

لكن بعض محققي المحشين قدّس سرّه قال: «و التحقيق أنّ صحة هذا العقد واقعا و كذا لزومه الناشئ من صحّته لا توجب ضررا، و لذا لا يترتّب ضرر مع القطع بصحّته و لزومه، و الضرر ينشأ من الجهل بالصحة و الفساد، و دوران كلّ من العوضين بين أن يكون ماله أو

ص: 228

..........

______________________________

العلامة، و كان المناسب سوق العبارة هكذا: «و يضعّف الثاني و هو قاعدة نفي الضرر بمنعه، لتداركه بما يتدارك .. إلخ».

و كيف كان فقد ردّه المصنف بناء على كون الفضولي على طبق القاعدة، و أنّ الأدلة العامة تقتضي صحته. فمحصّل الردّ حينئذ: أنّ ضرر المشتري الأصيل الناشئ من منع تصرفه في كلّ من الثمن و المثمن يجبر بالخيار، كما يجبر به ضرر عدم إمكان الوصول إلى المالك الأصيل في صورة النقض المذكورة في المتن.

______________________________

مال غيره. و ليس للجهل حكم شرعي ضرري حتى يرتفع، بل وجوب الاحتياط حكم عقلي، و قد بيّنّا في محله أنّ المرفوع بقاعدة الضرر و الحرج هو الحكم الشرعي الضرري أو الحرجي، لا ما ليس من مجعولات الشارع» «1».

أقول: لا ينبغي الارتياب في كون منشأ الضرر هو لزوم العقد و صحته، من غير فرق فيه بين العلم باللزوم و الجهل به، غاية الأمر أنّ الحكم الضرري لمّا كان رفعه امتنانيّا كان رفعه في حال وجود الامتنان و هو حال الجهل. و أمّا مع العلم بالضرر و الإقدام عليه فلا امتنان في البين حتى تجري فيه قاعدة الضرر. فالضرر ناش من لزوم العقد في كلتا حالتي العلم و الجهل. غاية الأمر أنّ إقدامه على الضرر مع العلم به يدفع الامتنان و يمنع عن قاعدة الضرر.

و الحاصل: أنّ الموجب للضرر على كل حال هو لزوم العقد، لكن قاعدة الإقدام تمنع عن جريان قاعدة الضرر.

و ما نحن فيه نظير سائر موارد الضرر كالبيع الغبني، فإنّ الإقدام على الغبن مع العلم به لا يرفع لزوم البيع الذي نشأ منه الضرر.

و بالجملة: فقاعدة الضرر تجري في حال الجهل، لوجود المقتضي و عدم المانع، و لا تجري في حال العلم، لوجود المانع و هو قاعدة الإقدام.

نعم هذا الدليل أخص من المدعى، و هو اعتبار وجود مجيز حين العقد، لاختصاصه بصورة الضرر مع الجهل به.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدّس سرّه، ج 1، ص 165.

ص: 229

بما يتدارك به (1) صورة (2) النقض المذكورة.

هذا كلّه مضافا (3) إلى الأخبار الواردة في تزويج الصغار

______________________________

(1) الضمير راجع إلى الموصول في قوله: «بما» المراد به الخيار. و لم يبيّنه هنا اعتمادا على ما ذكره في سادس الأمور المتعلقة بالإجازة من قوله: «و لو لم يجز المالك و لم يرد حتى لزم تضرر الأصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه و إليه على القول بالكشف، فالأقوى تداركه بالخيار» فلاحظ (ص 210).

(2) و هي صورة كون المجيز بعيدا عن محلّ عقد الفضولي، بحيث يمتنع الوصول إليه في مدة قصيرة حتى يجيز العقد.

(3) غرضه منع أصل الاشتراط المذكور في كلام العلّامة قدّس سرّه، و محصله: الاستدلال بفحوى النصوص الواردة في نكاح الصغيرين فضولا، كما استدل بها جماعة على نفي أن يكون للعقد مجيز في الحال. قال صاحب المقابس: «لو كان شي ء مما ذكر في المنع صالحا لذلك لعمّ جميع العقود و ثبت في النكاح أيضا، بل بالطريق الأولى. لكن نكاح الفضولي للصغير و الصغيرة مع إجازتهما بعد البلوغ جائز اتفاقا نصّا و فتوى، فكذلك سائر العقود» «1».

و في الجواهر: «مضافا إلى خبر الصغيرين» «2».

و توضيح ما أفاده المصنف قدّس سرّه: أنّ يستفاد من النصوص الواردة في تزويج الصغار صحة العقد مطلقا سواء أ كان لهم وليّ، و أهمل الإجازة إلى بلوغهم، أم لم يكن لهم وليّ.

فمن تلك النصوص ما رواه عبّاد بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل زوّج ابنا له مدركا من يتيمة في حجره. قال: ترثه إن مات، و لا يرثها، لأنّ لها الخيار، و لا خيار عليها» «3». و قريب منه غيره «4».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 35

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 297، جامع الشتات، ج 1، ص 163 (الطبعة الحجرية) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 195

(3) وسائل الشيعة ج 17، ص 528، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 2

(4) المصدر، ج 14، ص 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الحديث 2

ص: 230

فضولا الشاملة (1) لصورة وجود وليّ النكاح و إهماله (2) الإجازة إلى بلوغهم، و صورة (3) عدم وجود الوليّ، بناء (4) على عدم ولاية الحاكم على الصغير في النكاح، و انحصار (5) الوليّ في الأب و الجدّ و الوصيّ، على خلاف فيه (6).

و كيف كان (7) فالأقوى عدم الاشتراط وفاقا للمحكي «1» عن ابن المتوّج

______________________________

فإنّ الأخبار الواردة في تزويج البنات اليتامى فضولا لو لم تكن منصرفة إلى خصوص موارد عدم وجود مجيز حال العقد، فلا أقلّ من إطلاقها الشامل لصورة عدم المجيز حينه، فإنّ ثبوت الإرث لليتيمة- و كذا الخيار لها- يدلّان على صحة التزويج مع عدم وليّ حين التزويج يمكنه فعلا إجازة العقد.

(1) صفة للأخبار.

(2) الظاهر أنه مفعول معه و قوله: «إلى بلوغهم» متعلق بالإهمال.

(3) معطوف على «صورة وجود وليّ النكاح».

(4) قيد لعدم وجود الولي، يعني: أنّ فرض عدم وجود الولي مبني على عدم ولاية الحاكم الشرعي على الصغير في النكاح، و إلّا فالوليّ موجود دائما، لأنّه إمّا الحاكم و إمّا عدول المؤمنين.

(5) معطوف على «عدم ولاية» يعني: و بناء على انحصار الولي في الأب و الجد بلا إشكال.

(6) أي: في الوصي، فإنّ في ولايته على نكاح الصغير خلافا بين الفقهاء. فقوله قدّس سرّه:

«على خلاف فيه» قيد لخصوص الوصي، دون من تقدّمه من الأب و الجدّ.

(7) يعني: سواء أ كان ما ذكرناه- من النقض و الحلّ- في رد ما استدلّ به لقول العلامة صحيحا بتمامه، أم كان بعضه صحيحا، فالأقوى عدم اشتراط صحة عقد الفضولي بوجود مجيز حين العقد. و هذا وجيه بناء على كون الفضولي على طبق القاعدة، لشمول

______________________________

(1) الحاكي عنهم هو السيد العاملي، لكن ظاهر عبارة السيد عدم الظفر بكلام ابن المتوّج، و إنّما نقل عنه بواسطة، فقال: «على ما نقل عنه» فلاحظ مفتاح الكرامة ج 4، ص 195. و هو كما في أمل الآمل و رياض العلماء «الشيخ ناصر بن أحمد بن عبد اللّه بن المتوج البحراني، صاحب الذهن الوقّاد، فاضل محقق فقيه حافظ ..» لاحظ أمل الآمل، ج 2، ص 333، رياض العلماء، ج 6، ص 34

ص: 231

البحراني و الشهيد «1» و المحقّق الثاني «2» و غيرهم «3»، بل لم يرجّحه (1) غير العلّامة رحمه اللّه.

ثمّ اعلم أنّ العلّامة (2) في القواعد مثّل لعدم وجود المجيز ببيع مال اليتيم.

______________________________

العمومات و الإطلاقات له.

و أمّا بناء على كونه على خلاف القاعدة، و استناد صحته إلى الأخبار الخاصة- كصحيحة محمد بن قيس و ما ورد في الاتجار بمال اليتيم و نحوهما- فيشكل القول بصحته، لاختصاص مواردها بصورة وجود المجيز حال العقد.

(1) يعني: لم يرجّح اشتراط وجود مجيز حال العقد غير العلّامة، فيكون قوله مخالفا للمشهور. بل لم يظهر موافق للعلّامة. و بهذا ظهر وجه الإتيان بكلمة «بل» و أنّ المخالف في المسألة أي النافي للاشتراط غير منحصر في المذكورين، بل المعظم أو الكل ذهبوا إلى عدم الاعتبار. هذا ما أفاده المصنف في المقام الأوّل. و سيأتي الكلام في المقام الثاني الناظر إلى ما قيل حول عبارة القواعد.

(2) قد تعرض المصنف قدّس سرّه حول كلام العلامة- من اشتراط وجود المجيز في حال العقد- لمطالب:

الأوّل: تمثيل العلّامة لعدم المجيز حال العقد ببيع مال اليتيم.

الثاني: إيراد بعض العامّة عليه: بأنّ عدم المجيز حين العقد فرض غير واقع على مذهب الإمامية القائلين بوجود الإمام عليه الصلاة و السلام، و عدم خلوّ زمان عنه عليه السّلام، و هو وليّ من لا وليّ له، و عليه فوليّ بيع مال اليتيم موجود حين البيع.

الثالث: ردّ العلّامة قدّس سرّه لهذا الإيراد، و محصل ردّه هو: عدم التمكن من الوصول إليه عليه السّلام، فيصدق حينئذ عدم وجود مجيز لبيع مال اليتيم حين البيع.

الرابع: انتصار بعض الفقهاء- للمورد العامي المتقدّم- بما حاصله: أنّ الإمام عليه السّلام و إن كان غائبا لا يمكن الوصول إليه، لكن يمكن الوصول إلى نائبه، و هو المجتهد

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 193.

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 73

(3) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 2، ص 26، و حكاه عنه في مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 34

ص: 232

و حكي عن بعض العامّة (1)- و هو البيضاوي على ما قيل «1»- الإيراد عليه (2):

بأنّه (3) لا يتمّ على مذهب الإمامية القائلين بوجود الإمام عليه السّلام في كلّ عصر.

و عن المصنّف (4) قدّس سرّه أنّه أجاب: بأنّ الإمام غير متمكّن من الوصول إليه.

______________________________

الجامع للشرائط، بل لو فرض عدمه أيضا فعدول المؤمنين موجودون، بل مع فرض عدمهم أيضا تكون الولاية على مصالح اليتيم لفسّاق المؤمنين.

الخامس: ردّ المصنف لهذا الانتصار الدافع عن البيضاوي، و محصل الردّ: أنّه لا بدّ من تحليل كلام العلامة و تشخيص مرامه حتى يظهر ورود الإشكال عليه و عدمه، فنقول: إن كان مراد العلّامة من اشتراط وجود مجيز حين العقد ذات المجيز سواء أ كان متمكنا فعلا من الإجازة أم لا فإيراد البيضاوي وارد عليه، و لا يندفع بما ذكره العلّامة في ردّه من أنّ الامام قدّس سرّه لغيبته لا يتمكّن من الوصول إليه.

و إن كان مراد العلّامة من اشتراط وجود مجيز حين العقد من يتمكّن فعلا من الإجازة، فيندفع به إيراد البيضاوي، لإمكان عدم الوصول إلى المجتهد العادل و العدول أيضا، لعدم حضورهم، أو عدم إمكان إعلامهم بالعقد حتى يجيزوا، فيصدق في هذه الصورة عدم وجود مجيز حين العقد.

(1) قال السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه: «و قال الشهيد في حواشيه- يعني حواشيه على قواعد العلّامة- انّ بعض الجمهور اعترض على المصنف في هذه المسألة بسقوطها على مذهبه، لأنّه يعتقد وجود الامام عليه السّلام في كل زمان، و هو وليّ من لا وليّ له. فأجاب- يعني المصنف و هو العلّامة- بأنّه أراد مجيزا في الحال يمكن الاطّلاع على إجازته، و تتعذّر إجازة الإمام عليه السّلام، لاستتاره عن الناس» «2».

(2) أي: على العلّامة، و هذا إشارة إلى المطلب الثاني الذي تقدّم بقولنا: «الثاني: إيراد بعض العامة عليه .. إلخ».

(3) متعلّق بالإيراد و بيان له.

(4) هذا التعبير من الشهيد في حواشي القواعد، و كان المناسب أن يقول الماتن:

______________________________

(1) لم نعثر على القائل و لا على كلام البيضاوي في فتاواه.

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 195

ص: 233

و انتصر للمورد (1) بأنّ نائب الإمام- و هو المجتهد الجامع للشرائط- موجود، بل لو فرض عدم المجتهد فالعدول موجودون، بل للفسّاق الولاية على الطفل في مصالحه مع عدم العدول (2).

لكنّ الانتصار (3) في غير محلّه، إذ كما يمكن فرض عدم التمكّن من الإمام يمكن عدم اطّلاع نائبه من المجتهد و العدول أيضا.

فإن أريد (4) وجود ذات المجيز، فالأولى (5) منع تسليم دفع الاعتراض بعدم (6) التمكّن من الإمام عليه السّلام.

______________________________

«و عن العلامة». و هو إشارة إلى المطلب الثالث المذكور بقولنا: «الثالث ردّ العلامة قدّس سرّه لهذا الإيراد، و محصّل ردّه هو عدم التمكن .. إلخ».

(1) و هو البيضاوي، و هذا إشارة إلى المطلب الرابع المتقدم بقولنا: «الرابع: انتصار» و المنتصر هو المحقق القمي قدّس سرّه «1».

(2) فعلى ما ذكره المنتصر لا يتصوّر فرض لا يكون المجيز فيه موجودا حال العقد.

و بهذا تمّ انتصار المحقق القمي لبعض الجمهور.

(3) هذا إشارة إلى المطلب الخامس المذكور بقولنا: «الخامس ردّ المصنف لهذا الانتصار».

(4) هذا إشارة إلى أوّل شقّي الترديد الذي مرّ بقولنا: «إن كان مراد العلامة من اشتراط مجيز حين العقد ذات المجيز .. إلخ».

(5) جواب «إن» الشرطية في قوله: «فإن أريد». و المراد بالاعتراض إيراد البيضاوي، و المراد بدفعه ما أفاده العلّامة من عدم الوصول إلى الامام الذي هو وليّ من لا وليّ له. و المراد بمنع هذا الدفع ما أفاده المصنف.

و وجه الأولوية: مغايرة المثبت و المنفي، إذ المثبت المفروض هو ذات المجيز، و المنفي هو التمكن من الامام عليه السّلام.

(6) متعلق ب «دفع».

______________________________

(1) جامع الشتات، ج 1، ص 163 (الطبعة الحجرية) ج 2، ص 318، الطبعة الحديثة.

ص: 234

و إن أريد (1) وجوده مع تمكّنه من الإجازة، فيمكن فرض عدمه في المجتهد و العدول إذا (2) لم يطّلعوا على العقد.

فالأولى (3) ما فعله فخر الدين (4) و المحقّق الثاني «1» من تقييد بيع مال اليتيم بما (5) إذا كان على خلاف المصلحة، فيرجع (6) الكلام أيضا إلى اشتراط إمكان

______________________________

(1) هذا إشارة إلى ثاني شقّي الترديد الذي قد تقدّم بقولنا: «و إن كان مراد العلامة من اشتراط وجود مجيز حين العقد من يتمكن فعلا .. إلخ».

(2) متعلق ب «فيمكن» يعني: أنّ إمكان عدم وجود المجيز الفعلي جار في المجتهد و العدول في فرض عدم اطّلاعهم على وقوع عقد على مال الطفل حتى يجيزوه.

(3) يعني: بعد الخدشة في تفصّي العلّامة عن اعتراض بعض العامة يكون الأولى- في التمثيل لعدم وجود المجيز ببيع مال اليتيم، و حكمه ببطلان هذا البيع- ما فعله فخر الدين قدّس سرّه من تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان على خلاف المصلحة، إذ لو كان مع المصلحة فالبيع صحيح، و الإجازة تقع في محلها. و لو كان بدون المصلحة فوليّ الطفل ما دام وليّا- و هو زمان صغر الطفل- ليس له الإجازة لا في حال العقد و لا بعده، مع أنّ ذات المجيز موجود. فمن ليس له الإجازة فعلا و يصير مجيزا بعد ذلك هو اليتيم. فالمنفي حينئذ هو فعلية الإجازة من اليتيم الذي من شأنه الإجازة بعد البلوغ، فمرجع بطلان بيع الفضولي حينئذ إلى اشتراط فعلية إمكان الإجازة، لا ما هو ظاهر كلام العلامة قدّس سرّه: «عدم وجود المجيز» لظهوره في عدم ذات المجيز.

(4) قال في الإيضاح: «و اعلم أنّ هذا الفرع إنّما يتأتى على مذهب الأشاعرة. و أمّا على قولنا ففي صورة واحدة، و هي بيع مال الطفل على خلاف المصلحة، أو الشراء له» و نحوه عبارة جامع المقاصد.

(5) متعلّق ب «تقييد».

(6) يعني: فيرجع الكلام الذي صدّر به هذا التنبيه- و هو قول المصنف قدّس سرّه:

الثاني هل يشترط في صحة عقد الفضولي وجود مجيز حين العقد- إلى عنوان الأمر

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 419، جامع المقاصد، ج 4، ص 72

ص: 235

فعليّة الإجازة من المجيز، لا وجود (1) ذات من شأنه الإجازة (2)، فإنّه فرض غير واقع في الأموال (3).

______________________________

الثالث، بناء على تقييد المثال بكون بيع مال اليتيم على خلاف المصلحة.

ثم إنّ قوله: «فيرجع ..» تفريع على تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان على خلاف المصلحة على ما نقله المصنف قدّس سرّه عن الفخر و المحقق الثاني قدّس سرّهما. و محصّل التفريع: أنّ مرجع هذا التقييد إلى اشتراط إمكان فعلية الإجازة من المجيز حين العقد، لا إلى اشتراط وجود ذات من شأنه الإجازة، إذ لو كان كذلك تلغو الشرطية المذكورة، لعدم خلوّ زمان عقد الفضولي عن ذات مجيز، من المالك الأصيل أو وليّه.

ففي زمان صدور العقد يكون ذات المجيز موجودا دائما، فيرجع عنوان اعتبار وجود مجيز حين العقد إلى العنوان الآتي في الأمر الثالث، و هو: اشتراط كون المجيز جائز التصرف حين العقد، إذ الوليّ ليس له الإجازة في العقد الذي لا مصلحة فيه، كبيع مال اليتيم، و يتوقف جواز إجازته على انقلاب المفسدة مصلحة.

فبناء على رجوع عنوان «اعتبار وجود مجيز حين العقد» إلى عنوان «اعتبار كون المجيز جائز التصرف حين العقد» لم يكن داع إلى عقد أمرين لهما. و هذا الشّق قد صرّح به العلّامة في التذكرة، حيث إنّه- بعد نقل كلام بعض العامة في اعتبار وجود مجيز في الحال- قال: «و المعتبر إجازة من يملك التصرف عند العقد، حتى لو باع مال الطفل، فبلغ و أجاز لم ينعقد» «1».

(1) يعني: و لا يرجع الكلام إلى اشتراط وجود ذات من شأنه الإجازة.

(2) يعني: كما هو ظاهر عبارة القواعد من اشتراط وجود مجيز حين العقد.

(3) التقييد بالأموال لإمكان عدم وجود ذات المجيز في غيرهما، كما في نكاح الصغير، بناء على ما قيل: من اختصاص الولاية في النكاح بالأب و الجدّ و الوصي.

لكن فيه: أنّ ذات المجيز- و هو نفس الصغير- موجود، و المفقود هو المجيز الذي

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 486، السطر 18، الطبعة الحديثة، ج 10، ص 219

ص: 236

[الثالث: هل يشترط في المجيز جواز التصرف حال العقد؟]
اشارة

الثالث: لا يشترط في المجيز (1) كونه جائز التصرّف حال العقد، سواء كان عدم التصرّف لأجل عدم المقتضي (2)

______________________________

تنفذ إجازته فعلا أي حين العقد كما في حاشية السيّد قدّس سرّه «1». و عليه فذات المجيز حين العقد موجود في جميع المقامات، و لا معنى لاشتراطه تعبّدا.

هل يشترط في المجيز جواز التصرف حال العقد؟

(1) الظاهر أنّ المراد به عدم اشتراط كون المجيز الفعلي جائز التصرف حين العقد، فلو لم يكن المجيز الفعلي جائز التصرف حين العقد، و صار كذلك حين الإجازة، لنفذت إجازته أيضا، كما إذا بيع مال الصغير مع مصلحته، و أهمل الوليّ و لم يجز البيع حتى بلغ الطفل، و أجاز، فإنّ المجيز الفعلي- و هو الطفل- لم يكن جائز التصرف حين العقد، بل كان الولي جائز التصرف حينه.

فجهة البحث في الأمر الثاني- بعد البناء على عدم إمكان إرادة وجود ذات المجيز منه- هي اعتبار وجود مجيز يتمكّن من الإجازة حين العقد. و في هذا الأمر الثالث هي عدم اشتراط كون المجيز حين الإجازة هو الذي كان حين العقد متمكنا من الإجازة، و جائز التصرف، و أهمل و لم يجز العقد، فلا يشترط اتحاد هما، بل يمكن تغايرهما. و من المعلوم أنّ اشتراط وجود مجيز متمكّن من الإجازة غير اشتراط كونه نفس المجيز الفعلي، كما مرّ في بيع مال الصغير مع مصلحته، و إهمال وليّه إجازة البيع حتى بلغ الطفل و أجاز.

و عليه فلا وجه لإرجاع عنوان الأمر الثاني- و هو اعتبار وجود مجيز يتمكّن من الإجازة- إلى عنوان الأمر الثالث، و هو كون المجيز حال الإجازة جائز التصرف حال العقد.

و بالجملة: فجهة البحث في الأمرين مختلفة، إذ هي في الأمر الثاني اعتبار وجود مجيز متمكّن من الإجازة حين العقد، و في الأمر الثالث عدم اشتراط كون المجيز الفعلي نفس من كان متمكنا من الإجازة حين العقد، و جواز تعددهما.

(2) المراد بالمقتضي هنا- لجواز التصرف و سلطنة الشخص على المال- هو الملكية

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 161

ص: 237

أم للمانع (1). و عدم (2) المقتضي قد يكون لأجل عدم كونه مالكا و لا مأذونا حال العقد، و قد يكون لأجل كونه محجورا عليه لسفه أو جنون أو غيرهما (3). و المانع (4) كما لو باع الراهن بدون إذن المرتهن، ثم فكّ الرهن، فالكلام يقع في مسائل:

[المسألة الأولى: لو كان المالك المجيز محجورا عن التصرف]

الاولى (5) [1]: أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة، لكن المجيز

______________________________

مع كمال المالك بالبلوغ و العقل و الرشد، فكمال المالك كنفس الملكية من أجزاء المقتضي لجواز التصرف، و عدم الكمال الموجب لعدم جواز التصرف إنّما هو لعدم تمامية أجزاء المقتضي، لا لأجل وجود المانع، و إنّما المانع تعلّق حقّ الغير بالعين كحقّ الغرماء، و حقّ المرتهن، و حقّ أمّ الولد في عدم بيعها.

و بالجملة: فالمقتضي لسلطنة الشخص و جواز تصرّفه هو الملك المطلق، لا مطلق الملك و لو كان المالك قاصرا، أو الإذن من المالك.

(1) و هو تعلق حق الغير بالعين كما عرفت آنفا.

(2) مبتدء، خبره «قد يكون» و الواو استينافيّة لا عاطفة، و غرضه بيان منشأ عدم المقتضي كما عرفت توضيحه.

(3) كالصغر و نحوه ممّا يرفع كمال المالك الذي هو جزء المقتضي لجواز التصرّف.

(4) مبتدء، خبره قوله: «كما لو باع» و هذا تفسير للمانع الذي هو مقابل قوله:

«المقتضي»، و المراد بالمانع- كما مرّ آنفا- هو تعلّق حقّ الغير بالعين. مثاله بيع الراهن العين المرهونة بدون إذن المرتهن.

المسألة الأولى: لو كان المالك المجيز محجورا عن التصرف

(5) توضيح هذه المسألة: أنّ المالك حال إنشاء العقد إذا كان هو المالك حال الإجازة، و لكن لم يكن المجيز حين العقد جائز التصرف- لتعلّق حقّ الغير كحق الرهانة، و باع العين المرهونة بدون إذن المرتهن، و بعد البيع فكّ الرهن- فالأقوى صحة الإجازة، لاجتماع شرائط الصحة فيه، كسائر العقود الصحيحة القابلة للإجازة.

______________________________

[1] يقع البحث هنا في جهات.

الأولى: في صحة بيع المالك ماله الذي تعلّق به حقّ الغير، و عدمها.

ص: 238

لم يكن حال العقد جائز التصرّف لحجر، فالأقوى صحة الإجازة، بل عدم الحاجة

______________________________

و الثانية: في احتياجه إلى الإجازة بعد سقوط حق الغير، و عدمه.

و الثالثة: في جريان نزاع الكشف و النقل فيه و عدمه.

أمّا الجهة الأولى فمحصّلها: أنّ الظاهر صحة البيع، لعموم دليل وجوب الوفاء بالعقود، و عمومه يشمل جميع أفراد العقود التي منها هذا البيع المبحوث عنه، و الخارج عن الإطلاق الأحوالي الشامل لجميع حالات الأفراد خصوص بعض حالات الفرد، كتعلّق حق الغير به.

توضيحه: أنّ عموم دليل وجوب الوفاء بالعقود كما أنّ له عموما أفراديا، كذلك له إطلاق أحوالي ناش من مقدمات الحكمة. و مقتضى هذا الإطلاق موضوعية كل فرد في جميع حالاته لوجوب الوفاء، فإذا خرج بعض حالات فرد عن الإطلاق الأحوالي كان الخارج خصوص ذلك الحال من الفرد، لا نفس الفرد، و لا غير ذلك الحال من حالاته.

فالفرد باق تحت العموم الأفرادي، و لم ينثلم إلّا الإطلاق الأحوالي بالنسبة إلى بعض حالاته.

فإذا زال ذلك الحال صار جميع حالاته تحت الإطلاق.

و هذا نظير الربح المصروف في المئونة بناء على كون خروجها عن أدلة وجوب الخمس في الفوائد بنحو التقييد لا التخصيص، إذ لو كان خروجها عنها من باب التخصيص- أي إخراج الفرد- كان خروج المئونة في جميع الحالات، إذ المفروض خروج الفرد بما له من الحالات، و إن خرجت عن عنوان المئونة، كخروج «زيد العالم» عن عموم دليل وجوب «إكرام العلماء» فإنّ الخارج هو زيد مع حالاته.

و نظير المقام أيضا باب الخيارات، فإنّ المحكم فيها بعد انقضائها عموم أدلة اللزوم، لكون خروج الخيار عنه من باب التقييد لا التخصيص.

و بالجملة: فمقتضى العموم الأفرادي و الإطلاق الأحوالي صحة بيع المالك المال المتعلق لحق الغير كالرّهن. و بعد الفك يترتب الأثر على البيع من دون حاجة إلى إجازة المالك، لما مر آنفا من كون العقد عقدا للمالك.

و أمّا الجهة الثانية فقد ظهر حكمها مما ذكرناه في الجهة الأولى، حيث إنّ مقتضى إطلاق مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» أحواليّا هو لزوم الوفاء بالعقد، و عدم الحاجة إلى الإجازة بعد فكّ

ص: 239

إليها إذا كان عدم جواز التصرّف لتعلّق حقّ الغير، كما لو باع الراهن، ففكّ الرّهن

______________________________

الرهن الذي كان مانعا عن الإطلاق الأحوالي، و مقيّدا له ما دام موجودا. و بعد ارتفاعه يتشبث به.

بل يمكن أن يقال: بصحة البيع و انتقال المبيع بوصف المرهونية و الاستيثاق للدين إلى المشتري. نظير بيع العين المستأجرة، فإنّ بيعها بهذا الوصف صحيح. غاية الأمر أنّها تنتقل إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدة الإجازة. نعم يحكم بثبوت الخيار للمشتري مع الجهل في بيع العين المرهونة و المستأجرة. هذا فيما كان المانع تعلق حق الغير الموجب للتزاحم مع سلطنة المالك في ماله، فلا حاجة إلى الإجازة بعد ارتفاع المزاحم و هو حقّ الغير.

و أمّا إذا كان المانع ما يرجع إلى قصور المالك، فالظاهر الحاجة إلى الإجازة حتى يسند العقد إلى السلطان، و لا يسند إليه إلّا بالإجازة الواقعة بعد ارتفاع قصور المالك كالسفه.

ففرق بين تعلق حق الغير كالرهن، و بين قصور المالك كالسفه، فإنّ الرهن يزاحم سلطنة المالك، و السفه يرفع سلطنته. و حقّ الغرماء نظير حق الرهانة في إيجاد المزاحمة مع سلطنة المالك، و عدم الحاجة إلى الإجازة بعد سقوط حقّ الغرماء مع رضاه بالبيع، فلا مورد للإجازة الموجبة لإسناد العقد إلى المالك، و لإضافة العقد إليه.

نعم إذا كان العاقد غير الراهن و المفلّس المالكين فلا بدّ بعد فكّ الرهن و بعد سقوط حق الغرماء- و ارتفاع الحجر عنه- من إجازة المالك الراهن و المفلّس حتى يسند العقد إليهما، و يحصل رضاهما به.

و أمّا الجهة الثالثة فيقع الكلام فيها تارة في جريان نزاع الكشف و النقل في الإجازة.

و اخرى في جريانه في فكّ الحق كالرهانة.

أمّا في الإجازة فقد يقال: بعدم الجريان فيها، إذ لازم الكشف النقل من حين العقد، و هو زمان تعلق حق الرهن بالمبيع، فيلزم تأثير العقد مع حفظ الرهن. و هو غير معقول.

لكن فيه أوّلا: عدم المنافاة بين حفظ الرهن و صحة البيع، إذ المبيع حينئذ هو العين

ص: 240

قبل مراجعة المرتهن، فإنّه لا حاجة (1) إلى الإجازة كما صرّح به في التذكرة «1» (2).

______________________________

(1) إذ الاحتياج إلى الإجازة إنّما هو لإسناد العقد إلى المالك، و إضافته إليه، أو لتحقيق رضاه بالعقد. و كلاهما مفروض الوجود، لصدور العقد من المالك برضاه، و لا مانع من صحته إلّا تعلق حق الغير، فإذا زال المانع بزوال سببه بأداء الدين أو الإبراء أثّر المقتضي أثره، لعموم أدلة السببية.

(2) قال في كتاب البيع منها: «و لو باع و لم يعلم المرتهن، ففكّ لزم البيع، لانتفاء المعارض. و من أبطل بيع الفضولي لزم الابطال هنا».

______________________________

المرهونة بوصف المرهونية، كبيع العين المستأجرة.

و ثانيا: أنّ المنافاة- بعد تسليمها- تختص بالكشف الحقيقي دون الحكمي، فلا مانع من كشف الإجازة عن صحة البيع بعد الفك.

و بالجملة: فيمكن جريان نزاع الكشف في الإجازة بناء على الاحتياج إليها في بيع المالك ماله الذي تعلّق به حق الغير.

و أمّا جريان نزاع الكشف و النقل في فكّ الحقّ بناء على صحة البيع بمجرّد الفك، و عدم الحاجة بعده إلى الإجازة، ففيه خلاف. و الظاهر جريانه فيه أيضا بناء على كون مضمون العقد حصول النقل من حين صدوره، و مانعه و هو الرهن إذا ارتفع حصل الانتقال من حين العقد، و هو لا ينافي حقّ الرهانة كما أشرنا إليه آنفا.

و نظير حق الرهانة حق الغرماء، فيجري فيه ما تقدم في حرق الرهانة.

و أمّا إذا كان المانع السفه فيجري فيه نزاع الكشف، إذ لا يصحّ العقد إلّا بصدوره ممّن له السلطنة على العقد، و يتوقف صدوره من السلطان على الإجازة، فيصح النزاع في أنّ الإجازة كاشفة عن حصول النقل من زمان العقد أو من حين الإجازة.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 465، السطر 34، (الطبعة الحديثة، ج 10، ص 42) و نحوه ج 2، ص 50، السطر 16.

ص: 241

[المسألة الثانية: عدم جواز تصرف المجيز لعدم الملك]

الثانية (1):

أن يتجدّد الملك بعد العقد، فيجيز المالك الجديد، سواء أ كان هو البائع (2) أم غيره.

لكنّ عنوان المسألة (3) في كلمات القوم هو الأوّل، و هو ما لو باع شيئا ثمّ ملكه.

______________________________

المسألة الثانية: عدم جواز تصرف المجيز لعدم الملك

(1) أي: المسألة الثانية من المسائل الثلاث المتعلقة بالمجيز، و هي ما لو كان عدم جواز تصرف العاقد لأجل عدم المقتضي، و هو عدم الملكية، و تجدّد الملك بعد العقد الفضولي، و العقد إما بقصد وقوعه لنفس العاقد، و إمّا لغيره.

(2) أي: سواء أ كان المالك الجديد هو البائع الفضولي أم غيره. فمثال الأوّل أن يبيع زيد فضولا مال عمرو، ثم صار مالكا له قبل أن يجيز زيد. و تملكه له إمّا بسبب قهري كالإرث، أو اختياريّ كالشراء، فهل يصح البيع لو أجاز زيد بعد التملك أم لا؟ ففرض المسألة هنا كون المجيز- و هو المالك الجديد- نفس البائع الفضولي.

و مثال الثاني- و هو مغايرة البائع للمجيز- أن يبيع زيد مال عمرو، فينتقل المال إلى ابنه بالإرث أو بالشراء، فهل تمضي إجازة الابن للبيع الواقع فضولا على مال أبيه، أم لا؟ و المسألة ذات أقوال ثلاثة كما يظهر من المتن و المقابس «1» أيضا، و سيأتي نقلها.

(3) كقول المحقق في عبارته الآتية في المتن: «كما لو باع مال غيره ثم اشتراه»، و كقول العلّامة: «لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها و يمضي ليشتريها و يسلّمها» «2»، و كقول الشهيد قدّس سرّه: «و كذا- يعنى يصح البيع- لو باع ملك غيره ثم انتقل إليه فأجاز .. إلخ» «3».

و الحاصل: أنّ محلّ الكلام في هذه المسألة صيرورة البائع الفضولي مالكا للمبيع بعد البيع، فلو لم يملكه كان خارجا عن حريم البحث.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 35 و 36

(2) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463، السطر 5 و 486، السطر 18 (الطبعة الحديثة ج 10، ص 616، و نحوه في ص 219)، قواعد الأحكام، ج 2، ص 19، مختلف الشيعة، ج 5، ص 55

(3) الدروس الشرعية، ج 3، ص 193.

ص: 242

و هذه (1) تتصوّر على صور (2)، لأنّ غير المالك إمّا أن يبيع لنفسه أو للمالك (3)، و الملك إمّا أن ينتقل إليه باختياره كالشراء، أو بغير اختياره كالإرث (4). ثمّ البائع (5) الذي يشتري الملك إمّا أن يجيز العقد الأوّل (6)، و إمّا أن لا يجيزه، فيقع

______________________________

(1) أي: المسألة الثانية، و هي: ما لو باع شيئا ثمّ ملكه بسبب اختياري كالشراء و نحوه من النواقل الاختيارية، أو بسبب قهريّ كالإرث أو الارتداد.

(2) و هي ثمانية حاصلة من ضرب اثنتين- و هما بيع غير المالك لنفسه و للمالك- في صورتين، و هما: انتقال الملك إلى البائع قهرا و اختيارا، ثم ضرب هذه الصور الأربع في اثنتين، و هما إجازة البائع الفضولي الذي ملك المبيع بالشراء، و عدم إجازته. فهذه صور ثمان، و إليك تفصيلها.

الأولى: أن يبيع الفضولي لنفسه، ثم يملك المبيع بالشراء، فأجاز البيع.

الثانية: أن يبيع الفضولي لنفسه، ثم يملك المبيع بالإرث، فأجاز البيع.

الثالثة: أن يبيع الفضولي للمالك، ثم يملك المبيع بالشراء، فأجاز البيع.

الرابعة: أن يبيع الفضولي للمالك، ثمّ يملك المبيع بالإرث، فأجاز البيع.

الخامسة: أن يبيع الفضولي لنفسه، ثمّ يملك المبيع بالشراء و لم يجز البيع.

السادسة: أن يبيع الفضولي لنفسه، ثمّ يملك المبيع بالإرث و لم يجز البيع.

السابعة: أن يبيع الفضولي للمالك، ثم يملك المبيع بالشراء و لم يجز البيع.

الثامنة: أن يبيع الفضولي للمالك، ثم يملك المبيع بالإرث و لم يجز البيع.

(3) هذا الكلام إشارة إلى الصورتين الأوليين.

(4) هاتان هما اللتان ضربت فيهما الصورتان الأوليان.

(5) هذا إشارة إلى صورتين ضربت فيهما الصور الأربع المتقدمة. و هذا الضرب أنتج الصور الثمان المذكورة فيما عنونه القوم، و هو ما لو باع شيئا ثم ملكه. و أمّا ما عداها من الصور التي ذكرها الشيخ العلّامة الشهيدي رحمه اللّه «1» فهو خارج عن عنوان القوم كما لا يخفى.

(6) و هو العقد الذي أنشأه الفضولي، و صار المبيع بعده ملكا له.

______________________________

(1) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 297.

ص: 243

الكلام في وقوعه للمشتري الأوّل (1) بمجرّد شراء البائع له.

و المهمّ هنا التعرّض لبيان ما لو باع لنفسه (2)، ثمّ اشتراه من المالك و أجاز، و ما (3) لو باع و اشترى و لم يجز (4)، إذ (5) يعلم حكم غيرهما منهما.

[حكم المسألة الاولى]
اشارة

أمّا المسألة الأولى (6): فقد اختلفوا فيها،

______________________________

(1) و هو الذي اشترى المبيع من البائع الفضولي، كما إذا فرضنا أنّ زيدا باع فضولا كتاب أبيه من بكر، ثم انتقل الكتاب إليه من أبيه بسبب الشراء، فيقع الكلام في أنّ مجرّد انتقال الكتاب إلى زيد بالشراء من أبيه هل يوجب وقوع البيع الفضولي لبكر أم لا؟

و المهمّ هنا التعرض لحكم صورتين: إحداهما ما لو باع لنفسه، ثم اشتراه من مالكه و أجاز.

ثانيتهما: ما لو باع لنفسه ثمّ اشتراه من مالكه، و لم يجز بيعه الفضوليّ.

(2) هذا إشارة إلى الصورة الأولى المتقدمة بقولنا: «إحداهما ما لو باع .. إلخ».

(3) معطوف على «ما لو باع» و هذا إشارة إلى الصورة الثانية التي تقدمت بقولنا:

«ثانيتهما: ما لو باع لنفسه ثم اشتراه .. إلخ».

(4) ضمائر الفاعل المستترة في «باع، اشترى، يجز» راجعة إلى البائع الفضولي.

(5) تعليل لقوله: «و المهمّ» و علّيّة أهمّيته هي كون هاتين الصورتين كالأصل لسائر الصور، لسببيتهما لمعرفة أحكام سائر الصور، حيث إنّ صحة البيع لنفسه تستلزم صحة البيع للمالك بالأولوية.

حكم ما لو باع الفضولي ثم اشتراه فأجاز

(6) و هي «ما لو باع لنفسه، ثم اشتراه من المالك و أجاز» و قد اختلف الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم في حكمها، و سيأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى. و المنقول في المتن أقوال ثلاثة:

أحدها: الصحة من دون توقّفها على إجازة البائع بعد تجدد الملك له، و هو المستفاد من كلام شيخ الطائفة في بيع المال الزكوي قبل إخراج الزكاة منه إذا غرم حصة الفقراء بعد البيع.

و ثانيها: للمحقق و الشهيد من صحته و توقفه على الإجازة.

و ثالثها: البطلان، و هو لجماعة كالعلّامة و المحقق الثاني، و صاحبي الجواهر و المقابس.

ص: 244

[القول الأول الصحة]

فظاهر المحقّق (1) في باب الزكاة من المعتبر- فيما إذا باع المالك النصاب قبل إخراج الزكاة، أو رهنه (2)- «أنّه (3) صحّ البيع و الرّهن فيما عدا الزكاة، فإن اغترم (4) حصّة الفقراء، قال الشيخ: صحّ البيع و الرهن (5)،

______________________________

(1) الأولى نقل نص عبارة المحقق، و هي: «مسألة: لو باع النصاب قبل إخراج الزكاة، أو رهنه، صحّ في ما عدا الزكاة، فإن اغترم حصة الفقراء، قال الشيخ رحمه اللّه صحّ الرهن في الجميع، و كذا البيع. و فيه إشكال، لأنّ العين غير مملوكة له. و إذا أدّى العوض ملكها ملكا مستأنفا، و افتقر بيعها إلى إجازة مستأنفة، كمن باع مال غيره ثم اشتراه» «1».

(2) معطوف على «باع»، و تقريب هذا الفرع الذي هو مثال لما نحن فيه- من: أنّ الفضولي يبيع مال غيره لنفسه، ثم يشتريه من المالك- هو: أنّ مالك النصاب ليس مالكا للزكاة، و مع ذلك يبيعها لنفسه مع ماله. قال المحقق قدّس سرّه: إنّ البيع و الرهن صحيحان في ماله، و لا يصحّان في الزكاة و لو أدّى الزكاة من مال آخر.

و قال الشيخ قدّس سرّه: إنّ كلا البيع و الرهن صحيح بلا إجازة. و لكن استشكل فيه المحقق بما حاصله: أنّ الزكاة مملوكة للفقراء، فإذا أدّاها المالك من مال آخر فقد ملكها ملكا جديدا، و احتاج انتقالها إلى المشتري إلى إجازة المالك البائع للنصاب، لأنّ بيع النصاب كان بالنسبة إلى الزكاة فضوليّا.

(3) «إنّ» مع اسمها و خبرها خبر لقوله: «فظاهر المحقق» يعني: فظاهر المحقق صحة البيع و الرهن فيما عدا الزكاة، و لا موجب لتقدير الخبر كما في بعض الحواشي «2»، فهذا نظير قولك: «صاحب هذه الدار أنّه صديقي» فهي جملة مستقلّة اسميّة من دون تقدير خبر أصلا.

(4) يعني: فإن أدّى البائع المالك للنصاب حصة الفقراء إليهم فقد ملكها.

(5) يعني: صحّ البيع و الرّهن في تمام النصاب. فمجرّد انتقال حصة الفقراء- بدفع بدلها إليهم- إلى بائع النصاب يوجب صحة بيعها و رهنها، و يكون من صغريات «من باع شيئا ثمّ ملكه» حيث إنّ مالك النصاب باع جميع النصاب- و منه حصة الفقراء-

______________________________

(1) المعتبر، ص 276 (الطبقة الحجرية) ج 2، ص 563 (الطبعة الحديثة).

(2) حاشية المكاسب للسيد الطباطبائي قدّس سرّه، ج 1، ص 162.

ص: 245

و فيه (1) إشكال، لأنّ العين (2) مملوكة، و إذا أدّى العوض ملكها ملكا مستأنفا، فافتقر بيعها إلى إجازة مستأنفة (3) كما لو باع مال غيره ثمّ اشتراه (4)»

______________________________

لنفسه، و بعد دفع حصّتهم إليهم من سائر أمواله صارت ملكا له، و اندرج مالك النصاب بالنسبة إلى الزكاة في «من باع شيئا ثمّ ملكه».

و الأولى نقل كلام الشيخ الطائفة، قال قدّس سرّه: «إذا وجبت الزكاة في ماله، فرهن المال قبل إخراج الزكاة منه، لم يصحّ الرهن في قدر الزكاة، و يصحّ فيما عداه. و كذلك الحكم لو باعه صحّ فيما عدا مال المساكين، و لا يصحّ فيما لهم. ثمّ ينظر، فإن كان الرهن «1» مال غيره و أخرج حق المساكين منه سلم الرهن جميعه، و كذلك البيع» «2».

(1) هذا كلام المحقق يعني: و فيما قاله الشيخ- من صحة البيع و الرهن- إشكال، و هذا الإشكال هو الذي مرّ آنفا بقولنا: «إنّ الزكاة مملوكة للفقراء .. إلخ».

(2) أي: الزكاة مملوكة للفقراء، و ليست ملكا للبائع حتى لا يحتاج بيعها أو هبتها إلى إجازة، و يكون بيع تمام النصاب كافيا في صحة بيعها.

هذا بناء على ما نقله المصنف من مضمون كلام المحقق، و إلّا فعبارته المتقدمة هي:

«لأن العين غير مملوكة له». و المعنى: أن العين- بناء على الإشاعة أو الكلّي في المعيّن- غير مملوكة للبائع بتمامها حتى ينفذ بيع جميع المال، و لا يحتاج إلى إجازة جديدة.

(3) لفظ «المستأنف» في كلا الموردين لا يخلو من المسامحة، لأنّ كلمة الاستيناف تستعمل- كسائر موارد استعمالها- في دخول مال في ملك إنسان بعد خروجه عن ملكه.

و من المعلوم عدم كون الزكاة كذلك، لأنّها لم تكن سابقا ملكا للمالك حتى يتجدد ملكه لها. فلعلّ الأولى أن يقال: «و إذا أدّى العوض من ماله الآخر صارت الزكاة ملكا له، فافتقر بيعها إلى إجازة».

(4) غرضه تنظير بيع الزكاة ببيع مال آخر من الأموال المملوكة لأشخاص، كما إذا باع مال زيد فضولا، فكما يتوقف صحة بيعه على إجازة زيد، فكذلك يتوقف صحة بيع

______________________________

(1) كذا في النسخة المطبوعة، و الظاهر أن الصحيح: «فإن كان للراهن مال غيره».

(2) المبسوط، ج 1، ص 208.

ص: 246

انتهى (1).

[الثاني الصحة مع الإجازة]

بل يظهر (2) ممّا حكاه عن الشيخ: عدم الحاجة إلى الإجازة، إلّا (3) أن يقول

______________________________

حصة الفقراء على الإجازة من وليّ أمرها أو ممّن يشتريها.

(1) يعني انتهى كلام المحقق قدّس سرّه في المعتبر.

(2) يستفاد هذا الظهور من إطلاق قوله: «صح البيع و الرهن» مع كونه في مقام البيان. و لعل الوجه في الإتيان بكلمة «بل» التنبيه على خصوصية في نظر شيخ الطائفة، و هي: أنّه و إن وافق المحقق قدّس سرّهما في صحة بيع حصة الفقراء إذا دفع إليهم حصتهم من سائر أمواله، و لكنه زاد عليه باستغناء بيعه عن إجازته بعد تملك الزكاة.

و هذه الفتوى- بناء على عدم تعلق الخمس و الزكاة بالعين كما هو بعض المباني في كيفية تعلقهما بالمال- صحيحة، و لا يرد عليها إشكال المحقق. نعم يرد عليها بناء على تعلقهما بالعين بأحد النحوين- من الإشاعة و الكلي في المعين- كما أشار إليه المحقق قدّس سرّه بقوله: «لأنّ العين مملوكة».

________________________________________

و بالجملة: فالمحقق يقول بصحة البيع مع الإجازة، و الشيخ- بناء على استظهار المحقق- يقول بالصحة بدون الإجازة.

(3) هذا استدراك على قول المحقق: «و فيه إشكال» و حاصل الاستدراك: أنّ إشكال المحقق على شيخ الطائفة قدّس سرّهما مبني على تعلق الزكاة بالعين إمّا بنحو الإشاعة، و إمّا بنحو الكلّي في المعيّن. دون المبنى الآخر و هو تعلّقها بذمته، إذ على هذا المبنى يندرج بيع المال الزكوي في المسألة السابقة، و هي كون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة، مع عدم كونه جائز التصرف حال العقد.

و الوجه في كون هذا البيع من صغريات تلك المسألة: أنّ عين المال الزكوي خالصة للمالك، لفرض استقرار حصة الفقراء على عهدته، فليس المال مشاعا بينه و بين الأصناف، و لا لهم سهم فيه على نحو الكلّي في المعيّن، بل يجب على المالك أداء الزكاة، كوجوب أداء سائر الديون لتفريغ ذمته منها.

و بناء على هذا تكون الزكاة نظير الرهن، فكما يجوز للمرتهن استيفاء الدين ببيع العين المرهونة لو امتنع الراهن عن أداء ما في ذمّته. فكذا يجوز للمستحقين استيفاء الزكاة

ص: 247

الشيخ بتعلّق الزكاة بالعين، كتعلّق الدين بالرّهن (1)، فإنّ الراهن إذا باع ففكّ الرهن قبل مراجعة المرتهن (2) لزم، و لم يحتج إلى إجازة مستأنفة [1].

______________________________

و استنقاذها من أموال المالك الممتنع عن أداء الحقّ. و عليه فبيع المال الزكوي، ثم دفع حصة الفقراء صحيح، و لا يتوقف على الإجازة. كما يصح للراهن بيع الرهن ثم فكّه بأداء الدين بلا حاجة إلى إجازة جديدة. هذا بناء على تعلّقها بالدين.

و لكن القول المشهور تعلق الزكاة بالعين، إمّا بنحو الإشاعة، و إما بنحو الكلّي في المعيّن. و تظهر الثمرة بينهما في تلف مقدار من المال، إذ التالف يحسب على المالك و الفقراء- بالنسبة- بناء على الإشاعة، و على المالك خاصة بناء على الكلي في المعيّن لو بقي من المال مقدار الزكاة.

و يحتمل كون الزكاة بأحد وجهين آخرين، و هما: كونها بنحو تعلّق حق الرهانة بالعين المرهونة، و بنحو تعلق حقّ الجناية برقبة العبد الجاني. و التفصيل موكول إلى محلّه.

(1) فإنّ الدين يكون في ذمة المديون مع كون العين المرهونة وثيقة للدين، بمعنى: أنّ للمرتهن استيفاء دينه منها، كما أنّ الزكاة تتعلّق بالذمة، و للفقير استيفاء الزكاة من النصاب، فليست الزكاة جزءا من النصاب حتى يكون النصاب مشتركا بين المالك و الفقير، و يحتاج بيع الزكاة إلى الإجازة.

(2) إذ لا يترتب أثر على الفكّ بعد المراجعة إلى المرتهن و الاستيذان منه لبيع العين المرهونة.

______________________________

[1] لكن يعارضه ما نقله صاحب المقابس عنه من حكمه ببطلان بيع ما لا يملك، فلاحظ قوله في المبسوط: «لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها، ثم يشتريها و يسلّمها إلى المشتري» و احتمل صاحب المقابس استناد حكمه بالبطلان على مختاره من فساد البيع الفضولي، حيث إنّ الخلاف في مسألة «من باع ثم ملك» يكون بعد تسلّم صحته. «1»

و لعلّ ما ذهب إليه شيخ الطائفة في مسألة بيع الزكاة و استغنائه عن الإجازة بعد دفع حصة الفقراء تعبّد مستند إلى النص، و هو صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: «قلت

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 36.

ص: 248

و بهذا القول (1) صرّح الشهيد رحمه اللّه في الدروس (2)، و هو (3) ظاهر المحكي عن الصيمري.

[القول الثالث البطلان]

و المحكيّ (4) عن المحقّق الثاني في تعليق الإرشاد: هو البطلان، و مال

______________________________

(1) و هو قول المحقق بصحة بيع «من باع ثم ملك» و هذا بخلاف قول الشيخ قدّس سرّه، فإنّه قائل بالصحة بدون الإجازة من الفضولي الذي صار مالكا بالفعل.

(2) قال الشهيد قدّس سرّه: «و لا يشترط الإجازة في الحال، و لا كون المجيز حاصلا حين العقد، فتصح إجازة الصبي و المجنون بعد الكمال. و كذا لو باع ملك غيره ثمّ انتقل إليه فأجاز» «1».

(3) أي: القول بالصحة مع الإجازة ظاهر ما حكاه صاحب المقابس عن الشيخ مفلح الصيمري قدّس سرّهما «2».

(4) مبتدأ، خبره «البطلان» قال في محكي تعليق الإرشاد: «هل يصحّ البيع بمعنى عدم اشتراط الإجازة فيه أم لا؟ وجهان، و عدم الاشتراط أبعد. بل البطلان يتجه إذا قلنا إنّ الإجازة كاشفة، لأنّ انتقال الملك إلى المشتري الأوّل إذا كان في وقت العقد استلزم بطلان البيع الثاني، فينتفي الملك. و صحة البيع الأوّل فرع له» «3».

______________________________

لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين، فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: نعم تؤخذ زكاتها، و يتبع بها البائع، أو يؤدّي زكاتها البائع» «4»، لظهور الجملة الأخيرة في كفاية أداء الزكاة من مال آخر في صحة البيع السابق، و لزومه بالنسبة إلى تمام المبيع، مع عدم كون بعضه مملوكا له حين البيع.

و على هذا الاحتمال لا وجه لتخريج كلام الشيخ على مسألة «من باع» و التكلّف في توجيهه بابتنائه على قول شاذ عندنا، و هو تعلقه بالدين، فلاحظ و تأمّل.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 193.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 36

(3) الحاكي لكلامه السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 196 و 197

(4) وسائل الشيعة، ج 6، ص 86، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1

ص: 249

إليه (1) بعض المعاصرين، تبعا لبعض معاصريه (2).

[أدلة البطلان و الجواب عنها]
اشارة

و الأقوى هو الأوّل (3)

______________________________

(1) أي: إلى البطلان، و المراد ببعض المعاصرين صاحب الجواهر قدّس سرّه، فإنّه- بعد نفي اشتراط أن يكون للعقد مجيز في حال العقد- قال: «نعم قد يمتنع في نحو المثال الثاني، لأنّ الكشف حال العقد يقتضي عدم ملك للثاني، الذي قد فرض انتقال الملك إليه، و كل ما يستلزم وجوده عدمه غير متحقق ..» «1» و سيأتي توضيحه في بيان الوجوه المذكورة في المقابس.

و قال في كتاب الزكاة- بعد ترجيح تعلقها بالعين على جهة الإشاعة في مجموع أجزاء النصاب- ما لفظه: «و حينئذ فلو باع المالك النصاب نفذ في نصيبه قولا واحدا كما اعترف به في البيان، و وقف في حصة الفقير على إجازة الإمام عليه السّلام، أو وكيله، فيأخذ من الثمن بالنسبة. و لو أدّى المالك الزكاة من غيره بعد البيع لم يجد في الصحة، ضرورة عدم الملك حال البيع .. إلخ» «2». و هذه الجملة الأخيرة ظاهرة بل صريحة في بطلان بيع مالا يملكه ثم تملكه بعد البيع، فراجع.

(2) و هو المحقق الشيخ أسد اللّه الشوشتري صاحب المقابس قدّس سرّه، فالأقوال في مسألة من باع مال غيره لنفسه ثم ملكه ثلاثة.

أحدها: الصحة و لو بدون الإجازة، و هو ظاهر الشيخ قدّس سرّه.

ثانيها: البطلان و لو مع الإجازة، و هو المنسوب إلى المحقق الثاني و صاحب المقابس و صاحب الجواهر قدّس سرهم.

ثالثها: الصحة مع الإجازة، و البطلان بدونها، و هو المنسوب إلى المحقق و الشهيد و الصيمري.

(3) و هو الصحة مع الإجازة. و لمّا كانت الصحة منوطة بوجود المقتضي لها و عدم المانع عنها، فلذا ادعى المصنف وجود المقتضي لأمرين، و هما الأصل و العموم، كما نفى

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 298.

(2) جواهر الكلام، ج 15، ص 142.

ص: 250

للأصل (1)

______________________________

المانع، و هو الوجوه المذكورة في المقابس،

(1) الظاهر أنّ مراده به هو الأصل العملي مع الغضّ عن الدليل الاجتهادي، و إلّا فلا مجال للأصل مع الدليل.

ثم إنّ الأصل المحكّم في المعاملات هو أصالة الفساد، فلعل المراد به أصل البراءة عن اشتراط مالكيّة المجيز حال العقد، بناء على جريان البراءة في الأحكام الوضعيّة كالأحكام التكليفية كما هو مقتضى إطلاق بعض أدلّة البراءة مثل حديث الحجب و إن لم يكن مرضيّا عند المصنف قدّس سرّه [1].

______________________________

[1] و لو جرت أصالة البراءة عن شرطية كون المالك حين الإجازة هو المالك حين العقد، أو عن مانعية تبدله حالها بمالك آخر حاله، كانت مقدّمة على أصالة الفساد، لتسبب الشك في الفساد عن الشك في شرطية الخصوصية المحتملة أو مانعيتها، كما ذهب إليه بعض أجلّة المحشين «1».

لكن يشكل إرادة أصالة البراءة هنا بكونها مثبتة، لأنّ ترتب الملكية على العقد الفاقد للخصوصية المشكوكة عقلي. و كذا الكلام لو أريد بالأصل استصحاب عدم المجعول.

و أفاد السيد الطباطبائي قدّس سرّه: أن الأصل هنا ليس دليلا مستقلا في قبال العمومات، إذ المراد به إمّا القاعدة الاجتهادية المستفادة من العمومات من صحة كل عقد شك في صحته شرعا. و إمّا الأصل العملي و هو أصالة عدم شرطية مالكيّة المجيز حين العقد، و هي لا تجدي إلّا بضميمة العمومات، إذ بدونها يكون الأصل المحكّم هو أصالة الفساد «2»، هذا.

و قد ذكرنا في المقدمة الباحثة عن ألفاظ العقود شطرا من الكلام حول جريان أصالة البراءة في الشك في الشرطية في المعاملات، فراجع «3».

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الايروانى، ج 1، ص 134- 135.

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 163

(3) هدى الطالب، ج 2، ص 316- 326.

ص: 251

و العمومات (1) السليمة عمّا يرد عليه، ما عدا أمور لفّقها بعض (2) من قارب عصرنا ممّا يرجع أكثرها إلى ما ذكر في الإيضاح و جامع المقاصد:

[الأوّل: أنّه قد باع مال الغير لنفسه]

الأوّل (3): أنّه قد باع مال الغير لنفسه،

______________________________

(1) و هي قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ فإنّ هذه العمومات تشمل ما نحن فيه أعني به بيع الفضولي مال الغير لنفسه، و وقوعه للمالك، سواء تملّكه البائع بعد البيع أم لم يتملكه.

و الوجه في شمول العمومات للمقام هو: أنّ العقد الواقع بين الفضولي و طرفه واجد للشرائط حسب الفرض ما عدا أمرين: أحدهما: استناد العقد إلى المالك أو من هو بمنزلته.

ثانيهما: الرضا بالبيع. و المفروض حصولهما بالإجازة المتأخرة.

و احتمال اعتبار اتّحاد المالك حال العقد و الإجازة يندفع بأصالة العموم بعد إحراز صدق «العقد و التجارة و البيع» على ما أنشأه الفضول، هذا.

(2) لا يخفى أن الأنسب التعبير عن الوجوه المذكورة في المقابس ب «ما حقّقها أو أفادها» دون التلفيق، خصوصا مع تعبير المصنف عنه في غالب الموارد ب «بعض المحققين» ممّا ينبئ عن الاعتراف بمكانته في الفقه و دقة نظره.

ثم لا يخفى أنّ الأمور التي نقلها المصنف عنه سبعة، و لكن الموجود في المقابس وجوه ستة من الخلل مانعة عن تصحيح مسألة «من باع» و الوجه السابع طائفة من الأخبار استدلّ بها على البطلان.

(3) أي: الأمر الأوّل من الأمور التي أوردها المحقق المتقدم على صحة بيع الفضولي مال الغير لنفسه ثم اشتراه فأجازه.

و توضيحه: أنّ صاحب المقابس قدّس سرّه عقد الموضع الثاني- من مواضع البحث في بيع الفضولي- لأجل تحقيق حكم بيع الفضولي مال الغير لنفسه لا لمالكه، و ذكر وجوها خمسة لبطلانه، و عدم وقوعه للمالك لو أجاز، و قوّى هو الفساد، فقال في بعض كلامه: «و حيث كان الحكم على خلاف الأصل ناسب الاقتصار على محلّ اليقين، فلا يكتفى بإجازة بيع الفضولي إذا أوقعه عن نفسه- خصوصا إذا سمّى نفسه في العقد- بل يجدد العقد ثانيا».

ص: 252

و قد مرّ الإشكال فيه (1)، و ربّما لا يجري فيه (2)

______________________________

و قد مرّ نقل هذه الوجوه و تحقيقها في المسألة الثالثة من مسائل البيع الفضولي التي عنونها المصنف بقوله: «أن يبيع الفضولي لنفسه، و هذا غالبا يكون في بيع الغاصب ..

إلخ» «1» فكان من وجوه الاشكال أنّ إطلاق النبويّين: «لا تبع ما ليس عندك، «لا بيع إلّا في ملك» يشمل بيع الفضولي لنفسه و لمالكه، فكلّ منهما منهي عنه، فيقع فاسدا. و يجري فيه أيضا سائر الإشكالات المذكورة هناك مثل قوله: «و منها: أن الفضولي إذا قصد بيع مال الغير لنفسه فلم يقصد حقيقة المعاوضة، إذ لا يعقل دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر، فالمعاوضة الحقيقية غير متصورة .. إلخ».

و حيث كانت العقود تابعة للقصود، و لم يتمشّ قصد المبادلة ممّن يبيع مال الغير لنفسه، تعيّن الحكم ببطلانه، و كان هذا المحذور بنظر صاحب المقابس غير قابل للتفصّي عنه بوجه.

و بهذا يظهر أنّ هذا الوجه الأوّل لو تمّ كان معناه عدم وجود المقتضي لشمول عموم مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لبيع الفضولي لنفسه، لأنّ شمول العموم منوط بتحقق الموضوع، و هو العقد و البيع المتقوّمان بالقصد الجدّي إلى المدلول، فالإنشاء المجرّد عن القصد ليس عقدا و لا بيعا و لا تجارة حتى يمكن تصحيحه بالعموم و الإطلاق. و ليس الكلام في المانع- بعد إحراز المقتضي- ليتمسك بالعموم لدفعه.

(1) هذا كلام صاحب المقابس، و مقصوده من «و قد مرّ» ما ذكرناه آنفا، و هو الموضع الثاني الذي عقده للبحث عن حكم بيع مال الغير لنفسه. و عبارة المتن منقولة بالمعنى، إذ عبارة المقابس: «و قد مرّ الكلام فيه».

(2) أي: لا يجري في ما نحن فيه- و هو مسألة «من باع شيئا ثم ملكه»- بعض وجوه الإشكال المتقدمة في بيع الفضولي مال الغير لنفسه.

و مراده من بعض الوجوه المختصّ ببيع الغاصب لنفسه و لا يجري في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» هو الوجه الأوّل و الرابع في ما ذكره صاحب المقابس في بيع الغاصب، حيث إنّه نقل عن المحقق الكركي قدّس سرّه «أن الغصب أمارة عدم رضا المالك». فهذا الوجه

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 4، ص 539، و ما بعدها.

ص: 253

بعض ما ذكر هناك (1).

و فيه (2): أنّه قد سبق أنّ الأقوى صحّته، و ربما يسلم هنا (3) عن بعض الإشكالات الجارية هناك (4)، مثل مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان.

______________________________

لا مورد له في مسألة «من باع» لأنّ الفضولي لم يتصرف في المال، و إنما ينشئ بيعه بقصد أن يشتريه من مالكه ليسلّمه إلى المشتري.

و كذا الوجه الرابع المختص بعلم المشتري بأنّ البائع غاصب. فلا مورد لهذا الوجه في مسألة «من باع» لما فيه أوّلا: من اختصاصه بعلم المشتري بعدم مالكيته للمبيع.

و ثانيا: بما أجاب به صاحب المقابس هناك من انفكاك أمر العقد عن القبض، فراجع «1».

(1) أي: في مسألة بيع الفضولي لنفسه، و هو غالبا يكون في بيع الغاصب.

(2) أي: و فيما أفاده صاحب المقابس- من الأمر الأوّل- نظر، وجهه ما تقدم في المسألة الثالثة من منع الكبرى- و هي فساد بيع الفضولي لنفسه- لما عرفت من اندفاع وجوه الخلل و الاشكال فيه، و أنّ الأقوى صحته. و حيث كانت مسألة «من باع» من صغريات «بيع الفضولي لنفسه» فلذا نقول بصحتها للأصل و العمومات.

بل نقول: انّ مسألة «من باع» أقرب إلى الصحة من مسألة «بيع الفضولي لنفسه» لأن الإشكال الرابع المتقدم هناك- و هو «أن المنشأ غير مجاز، و المجاز غير منشأ»- لا موضوع له في المقام كما سيظهر.

(3) أي: في «من باع شيئا ثم ملكه» فإنّه يسلم عن إشكال مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان في بيع الغاصب، حيث إنّ الإجازة تقتضي نفوذ عقد الفضولي للمالك المجيز، لاقتضاء المعاوضة خروج المثمن عن ملكه و دخول الثمن في ملكه، مع أنّه خلاف ما قصده الغاصب من بيع المال المغصوب لنفسه، فالمنشأ غير المجاز، و المجاز غير المنشأ.

و هذا المحذور مفقود في بيع ما لا يملكه ثم تملكه، لأنّه باع لنفسه، و الإجازة وقعت على ما قصده. فإشكال مخالفة الإجازة لما قصده العاقد الغاصب لا يجري في مسألة: «من باع ثم ملك».

(4) أي: المسألة الثالثة المتقدمة في (ج 4، ص 539).

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 33.

ص: 254

[الثاني: أنّا حيث جوّزنا بيع غير المملوك مع انتفاء الملك و رضا المالك و القدرة]

الثاني (1): أنّا حيث جوّزنا بيع غير المملوك (2) مع انتفاء الملك و رضا المالك و القدرة (3) على التسليم، فقد اكتفينا بحصول ذلك (4) للمالك المجيز (5)، لأنّه البائع

______________________________

(1) أي: الأمر الثاني من الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدّس سرّه. و محصّل هذا الاشكال- على صحة بيع «من باع شيئا ثم ملكه»- هو: أنّ بيع الفضول لا بدّ أن يكون واجدا لجميع الشرائط المعتبرة في صحته التأهلية حتى تتوقّف صحته الفعلية على فعلية الإجازة فقط. و هذا في بيع الفضول للمالك ثابت، لأنّ من يراد البيع له- و هو مالك المال المعقود عليه فضولا- واجد للقدرة على التسليم، و إمكان الرضا المنوط به النقل و الانتقال، و إن كانت هذه الأمور منتفية في العاقد، لعدم اعتبارها فيه.

فهذا العقد الصادر من الفضول واجد لجميع ما يعتبر في الصحة التأهّلية بقول مطلق.

و هذا بخلاف العقد الصادر من الفضول هنا، إذ المفروض أنّ من يراد وقوع البيع له هو نفس العاقد الفضول. و من المعلوم أنّه ليس واجدا للقدرة المؤثرة في نفوذ هذا العقد، لأنّ قدرة الأجنبي على تقدير وجودها كالعدم. و كذا الحال في رضاه، فإنّ فعليّته لا تجدي فضلا عن إمكانه. فمن له الصحة التأهلية للعقد- و هو مالك المال- غير مراد، إذ لم يقع العقد له. و المراد هو الذي وقع البيع له أعني به العاقد الفضول. إلّا أنّ العقد ليس بالإضافة إليه واجدا للصحة التأهلية. فهذا العقد الفاقد للصحة التأهلية بالإضافة إلى المالك ليس قابلا للصحة الفعلية، لعدم تعقل الصحة الفعلية بدون الصحة التأهّلية، فإنّ العقد في نفسه ليس قابلا للصحة التأهلية.

(2) يعني: غير المملوك للفضولي، كحصة الفقراء- في مثال بيع المال الزكوي- التي لا تكون مملوكة للعاقد الفضول.

(3) هذا و ما قبله معطوفان على «الملك» يعني: مع انتفاء الملك و الرضا و القدرة على التسليم عن العاقد الفضول.

(4) أي: ما ذكر من الملك و رضا المالك و القدرة على التسليم.

(5) يعني: في الفضولي المعهود الذي يبيع للمالك، فإنّ المالك المجيز هو البائع حقيقة، لانتساب العقد إليه بإجازته.

ص: 255

حقيقة، و الفرض هنا (1) عدم إجازته (2)، و عدم وقوع البيع عنه.

و فيه (3): أنّ الثابت هو اعتبار رضا من هو المالك حال الرضا (4)، سواء ملك حال العقد أم لا (5)، لأنّ الداعي على اعتبار الرضا سلطنة الناس على أموالهم،

______________________________

(1) هذا هو وجه الإشكال في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» يعني: أنّ المفروض في هذه المسألة الخلل من ناحيتين.

إحداهما: أنّ المالك حال العقد لم يجز هذا البيع الفضولي، فلم يستند العقد إليه.

و ثانيتهما: عدم وقوع البيع عن المالك، إذ المفروض قصد وقوعه لنفسه.

(2) هذا الضمير و ضمير «عنه» راجعان إلى المالك المجيز.

(3) أي: و في هذا الأمر الثاني الذي أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه أن الثابت .. إلخ.

و توضيحه: أنّ كلام المقابس دلّ على فقد أمرين في مسألة «من باع ثم ملك» أحدهما رضا المالك، و الآخر قدرته على التسليم. و المصنف قدّس سرّه أجاب عن كل منهما مستقلا.

أمّا رضا المالك فمحصّل ما أفاده فيه: أنّ أدلة اعتبار الرضا- و هي سلطنة الناس على أموالهم، و عدم حلّ الأموال لغير أربابها بغير طيب أنفسهم، و قبح التصرف فيها بغير رضاهم عقلا- لا تقتضي إلّا اعتبار الرضا فيمن هو مالك حال الرضا، لأنّ المالك حين الإجازة و هو المتصف بكونه بائعا لا بدّ أن يكون راضيا، سواء أ كان مالكا حين العقد أم لم يكن.

هذا بالنسبة إلى طيب نفس المالك. و أما القدرة على التسليم فسيأتي الكلام فيه.

(4) لأنّ الرضا يوجب النفوذ، فلا بدّ من وجود الرضا و غيره من الشرائط حين نفوذ العقد، سواء أ كان المالك حين الإجازة و الرضا هو المالك حين العقد أم لا، و المفروض في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» كون المالك حال الإجازة- و هو العاقد الفضول الذي صار مالكا فعليا للمبيع- غير مالكها حين العقد، فشرائط صحة العقد تأهّلا موجودة للمالك الفعلي المجيز و هو الفضول. فلا يلزم ما ذكره المحقق صاحب المقابس من انتفاء رضا المالك، لأن شرط صحة العقد رضا المالك حال استناد العقد إليه، و هو حال الإجازة.

(5) لأنّ اعتبار كون المجيز المالك حال الإجازة هو المالك حين العقد قيد زائد لا دليل عليه، و هو منفي بإطلاق الأدلة.

ص: 256

و عدم حلّها لغير ملّاكها بغير طيب أنفسهم، و قبح (1) التصرّف فيها بغير رضاهم.

و هذا (2) المعنى لا يقتضي أزيد ممّا ذكرنا (3).

و أمّا القدرة (4) على التسليم فلا نضايق (5) من اعتبارها في المالك حين العقد، و لا يكتفى بحصولها (6) فيمن هو مالك حين الإجازة. و هذا (7) كلام آخر لا يقدح

______________________________

(1) هذا و «عدم» معطوفان على «سلطنة».

(2) و هو كون الداعي إلى اعتبار رضا المالك هي الأدلة الثلاثة المتقدمة.

(3) و هو أنّ الثابت من تلك الأدلة اعتبار رضا من هو مالك حين الإجازة، لأنّ المالك الفعلي للزكاة- في مثال بيعها قبل إخراجها- بعد دفع بدلها من أمواله الأخر إلى الفقراء هو مالك النصاب، فيعتبر رضاه ببيعها فضولا مع بيع النصاب بمقتضى سلطنته على ماله، و غيرها.

(4) هذا تمهيد لدفع إيراد صاحب المقابس على صحة بيع المالك مالا يملكه حال العقد بانتفاء القدرة على التسليم في هذا البيع، حيث إنّ البائع ليس مالكا للمبيع حين العقد حتى يكون قادرا على تسليمه، مع وضوح شرطية القدرة في صحة البيع.

(5) أي: فلا نضايق من اعتبار القدرة في المالك حين العقد.

و قوله: «فلا نضايق» دفع لإشكال القدرة على التسليم، و محصّله: أنّا لا ننكر اعتبار القدرة في المالك حين العقد و إن لم يكن مجيزا، فإنّ القدرة على التسليم حاصلة للمالك حين الإجازة، كحصولها للمالك حال العقد فلا يبقى مجال لدعوى انتفاء القدرة على التسليم.

(6) هذا الضمير و ضمير «اعتبارها» راجعان إلى القدرة.

(7) يعني: و اعتبار القدرة في المالك حين العقد كلام آخر غير مرتبط بما نحن فيه، و هو مسألة «من باع مال الغير لنفسه فضولا ثم ملكه بالشراء أو الإرث، فأجاز البيع».

وجه عدم ارتباطه بما نحن فيه هو: أنّ البحث في مسألة «من باع فضولا مال الغير لنفسه ثمّ ملكه فأجاز البيع» إنّما يكون بعد الفراغ عن واجديّة ذلك البيع الفضولي لشرائط الصحة، إذ محطّ البحث في هذه المسألة إنّما هو في كفاية الإجازة في صحة بيع الفضولي مع صيرورته مالكا فعليّا لما باعه فضولا، بعد فرض جامعية ذلك البيع الفضولي

ص: 257

التزامه في صحّة البيع المذكور (1)، لأنّ (2) الكلام بعد استجماعه للشروط المفروغ عنها.

[الثالث: أنّ الإجازة حيث صحت كاشفة]

الثالث (3): أنّ الإجازة

______________________________

لجميع الشرائط.

و بعبارة اخرى: انّا نلتزم باشتراط صحة البيع بقدرة من هو مالك حين العقد على تسليم المبيع للمشتري. فإن كان «من باع شيئا ثم ملكه» مطمئنا برضا المالك بإقباض المبيع فقد صحّ بيعه، كسائر البيوع الفضولية. و إن لم يكن مطمئنا به فسد بيعه، لفقد شرط الصحة.

و عليه فلا خصوصية في مسألة «من باع شيئا» من جهة القدرة على التسليم، لأنّها من الشرائط العامّة لبيع الأصيل و الفضول. مع أنّ المقصود بالبحث فعلا ملاحظة المحاذير المختصة بمسألة «من باع» فلا وجه لدعوى فقد التمكن من التسليم هنا.

(1) و هو: من باع شيئا ثم ملكه.

(2) تعليل لعدم قدح التزام اعتبار القدرة في المالك حين العقد في صحة بيع مالا يملكه ثم تملكه. و حاصله: أنّ الكلام في صحّة بيع الفضول- الذي صار مالكا فعليا و أجاز- يكون بعد فرض جامعيته للشروط التي ثبتت شرطيتها في البيع.

(3) هذا ثالث الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدّس سرّه معترضا بها على صحة البيع بالإجازة في مسألتنا، و هي «من باع فضولا مال الغير لنفسه ثم ملكه و أجاز».

و محصل هذا الأمر الثالث: أنّه- بعد البناء على عموم دليل صحة الإجازة و كاشفيّتها في جميع الموارد حتى في مسألتنا هذه- يلزم أمر غير معقول، و هو اجتماع النقيضين. توضيحه: أنّه إذا باع زيد مثلا مال أبيه لنفسه فضولا يوم الجمعة على عمرو، ثمّ ملك ذلك المال بالشراء أو الإرث يوم السبت، فأجاز ذلك البيع الفضولي يوم الأحد، لزم بناء على كاشفية الإجازة خروج المال عن ملك زيد يوم الجمعة. مع أنّه لم يدخل في ملكه إلّا يوم السبت، و لا يعقل خروج المال عن ملك شخص قبل دخوله في ملكه، فيلزم أن يكون زيد مالكا لذلك المال يوم الجمعة و غير مالك له في يومها، و ليس هذا إلّا التناقض.

ص: 258

- حيث صحّت (1)- كاشفة (2) على الأصحّ مطلقا (3)، لعموم (4) الدليل الدالّ عليه (5)،

______________________________

و يلزم أيضا اجتماع المالكين على مال في زمان واحد، فإنّ المبيع فضولا يكون في يوم الجمعة مملوكا لمالكين، أحدهما: المالك الأوّل أعني به والد زيد، و الآخر: عمرو الذي هو المشتري من زيد العاقد الفضولي.

و كلا هذين اللازمين محال عقلا. و لا فرق في استحالة اجتماع النقيضين و الضدين بين الأعراض الخارجية و الأمور الاعتبارية. و هذا المحذور العقلي يمنع جواز التمسك بالعمومات لصحة البيع الفضولي، فلا محيص حينئذ عن الرجوع إلى الأصل العملي، و هو في المقام أصالة الفساد أي استصحابه، إذ نشكّ بعد صدور الإجازة في البيع الفضولي في ترتب الأثر على العقد، فيستصحب عدمه.

فالمتحصل: عدم الدليل على صحة عقد الفضولي، فلا بدّ من القول ببطلانه.

(1) في قبال بطلانها و عدم تأثيرها في نفوذ بيع الفضولي، كما يذهب إلى لغوية الإجازة من يقول بفساد العقد الفضولي رأسا.

(2) خبر قوله: «ان الإجازة» و قوله: «على الأصح» إشارة إلى كونها ناقلة، كما هو مختار بعض. و ظاهر العبارة أنّ المحقق صاحب المقابس أورد هذا الأمر الثالث بناء على الكشف الحقيقي أي حصول النقل من زمان العقد، لا من حين الإجازة، لا الكشف الحكمي الذي نقله المصنف عن شيخه شريف العلماء.

و كيف كان فهذا المحذور الثالث قد جعله فخر المحققين وجها لرأي العلّامة من بطلان بيع ما لا يملكه ثم تملّكه، قال في الإيضاح: «و يحتمل البطلان، لتضاد ملكي شخصين لشي ء واحد بعينه، و قد تحقّق أحد الضدين، فينتفي الآخر»، و نحوه كلام المحقق الثاني قدّس سرّه، فراجع «1».

(3) يعني: حتى في ما إذا باع الفضولي لنفسه، ثم ملك و أجاز.

(4) تعليل لكاشفية الإجازة في جميع أفراد عقد الفضولي.

(5) أي: على كون الإجازة كاشفة.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 419، جامع المقاصد، ج 4، ص 73.

ص: 259

و يلزم حينئذ (1) خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه (2).

و فيه (3): منع كون الإجازة كاشفة

______________________________

(1) أي: حين القول بكاشفية الإجازة مطلقا.

(2) أي: في ملك البائع، و هذا نقل عبارة المقابس بالمعنى، و إلّا فنصّ كلامه هو:

«قبل دخوله في ملكه، و هو محال» فلاحظ.

(3) أي: و في هذا المحذور العقلي الذي أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه إشكال.

توضيح ذلك: أنّ عقد الفضولي إذا كان في نفسه جامعا لشرائط الصحة، و لم يكن مانع عن تأثيره و نفوذه إلّا عدم رضا المالك، فإن أجاز المالك صحّ العقد من حين وقوعه.

و إن لم يجز و انتقل المال الذي عقد عليه فضولا إلى العاقد الفضول بالشراء أو الإرث، و أجاز هو عقده الفضولي، وقع البيع له، و نفذ من زمان الإجازة لا من زمان العقد، إذ شرط صحة الإجازة و قابليتها لتأثير العقد و تنفيذه أن تكون صادرة ممّن له أهليّة الإجازة، و من المعلوم إناطة أهليتها بصدورها عن المالك التام المالكية، بأن لا يكون محجورا عن التصرف في ماله.

و بالجملة: فدليل اعتبار الإجازة يدلّ على اعتبارها في محلّ قابل، و قابلية المحل منوطة بمالكية المجيز، فبدونها ليست الإجازة قابلة لتصحيح العقد و تنفيذه.

و على هذا فإجازة العاقد الفضول- الذي صار مالكا فعلا للمال المعقود عليه فضولا- كاشفة عن صحة العقد الفضولي من زمان تملكه لما باعه فضولا، لا من زمان وقوع العقد، لأنّ قابلية الإجازة للتأثير إنّما تكون من زمان تملك المجيز لا من زمان العقد لعدم كونه مالكا للمال حين العقد حتى تصلح إجازته للتأثير من زمان صدوره.

فلا يلزم حينئذ من صحة الفضولي تناقض و لا تضاد حتى نضطرّ إلى رفع اليد عن العمومات الدالة على صحة عقد الفضولي، و نرجع إلى الأصل العملي، و هو أصالة الفساد، و نلتزم ببطلان عقد الفضولي كصاحب المقابس.

و بعبارة أخرى: كلام صاحب المقابس قدّس سرّه مبني على أنّ الإجازة في جميع البيوع الفضولية كاشفة عن ترتب النقل و الانتقال عليها من حين إنشائها، فلذا يتوجه المحذور المتقدم من اجتماع مالكين على مال واحد و غيره.

ص: 260

مطلقا (1) عن (2) خروج الملك عن ملك المجيز من حين العقد حتى (3) فيما لو كان المجيز غير مالك حين العقد (4)، فإنّ (5) مقدار كشف الإجازة تابع لصحّة البيع.

______________________________

و هذا المبنى ممنوع، لأنّ الإجازة و إن كانت كاشفة، لكن المتّبع هو دليل الاعتبار، و المستفاد منه إمكان الكشف، فإن أمكن ترتّب النقل من زمان العقد كشفت الإجازة عنه، كما في بيع الفضول للمالك، ثم إجازته له.

و إن امتنع ترتب الأثر من حين العقد و أمكن ترتبه عليه من زمان لاحق، كشفت الإجازة عن حصول الأثر في الزمان المتأخر، و لا يحكم بلغوية الإجازة لمجرّد امتناع تأثيرها من زمان العقد.

و حينئذ فلمّا ثبت قابلية بيع الفضول مال الغير لنفسه للصحة- كما تقدم في المسألة الثالثة التي عقدها المصنف قدّس سرّه- قلنا: إنّ هذا البائع لم يكن أهلا للإجازة حين بيع مال الغير، و لكنه بعد تملكه للمال صار أهلا لأن يجيز، فلا مانع من وقوع البيع له و استناده إليه بإجازته. و هذه الإجازة كاشفة عن دخول المال في ملك الأصيل- المشتري- من زمان تملك المجيز له، لا من زمان العقد. و لا محذور شرعا و لا عقلا في الالتزام بالكشف بهذا المعنى.

و يمكن التنظير له بالهبة الفضولية، فإنّ المتّهب لا يتملّك العين من زمان العقد لو أجاز المالك، بل يتملّكها من حين القبض، و هذا شاهد على أنّ القول بالكشف لا يستلزم تحقق النقل و الانتقال من زمان العقد في جميع الموارد، لأنّ الإجازة تابعة للعقد المجاز.

هذا.

(1) أي: سواء أ كان المجيز مالكا حين العقد أم لا.

(2) متعلق ب «كاشفة» و قوله: «عن ملك، من حين العقد» متعلّقان ب «خروج».

(3) هذا بيان المراد من قوله: «مطلقا».

(4) كمسألتنا، و هي: من باع شيئا ثم ملكه.

(5) تعليل لمنع كون الإجازة كاشفة- في جميع الموارد- عن ترتّب الأثر من زمان العقد، بل تتبع صحّة العقد المجاز. فإن كان جامعا لشرائط التأثير عدا رضا المالك كشفت الإجازة عن ترتب الأثر من زمان العقد. و إن لم يكن جامعا لها- كما في مسألة من باع

ص: 261

فإذا (1) ثبت بمقتضى العمومات أنّ العقد الذي أوقعه البائع لنفسه عقد صدر من أهل العقد (2) في المحلّ القابل للعقد عليه (3)، و لا مانع (4) من وقوعه إلّا عدم رضا مالكه، فكما (5) أنّ مالكه الأوّل إذا رضي يقع البيع له، فكذلك مالكه الثاني (6) إذا رضي يقع البيع له. و لا دليل (7) على اعتبار كون الرضا المتأخّر (8)

______________________________

شيئا ثم ملكه- كشفت عن ترتب الأثر من أوّل أزمنة الإمكان، و هو زمان دخول المال في ملك المجيز.

(1) هذا بيان لوجود المقتضي لصحّة عقد الفضولي لنفسه، و حاصله شمول العمومات له، كما تقدّم في المسألة الثالثة.

(2) لكون الفضوليّ قاصدا جدّا للمعاملة، و لم يكن داعيه الهزل و المزاح.

(3) لكون المبيع ممّا يصحّ بيعه، لخلوّه عن الموانع.

(4) أي: من وقوع العقد. و هذا إشارة إلى مانع الصحة، و هو عدم رضا مالك المال.

فإذا حصل رضا المالك أثّر العقد أثره، لوقوع الإجازة في محلّها، سواء أ كان هو المالك الأوّل كما هو الحال في بيع الفضولي للمالك، فيجيزه، أم هو الثاني أي العاقد الفضولي الذي صار مالكا فعلا.

(5) الجملة جواب الشرط في قوله: «فإذا ثبت».

(6) و هو العاقد الفضولي الذي تملّك المال- الذي باعه فضولا- بالشراء أو بالإرث.

(7) هذا إشارة إلى منشأ إشكال صاحب المقابس قدّس سرّه «من خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه» حيث إنّ منشأه اعتبار كون الرضا و الإجازة ممن هو مالك حال العقد، و المفروض أنّه لا دليل على هذا التقييد. بل مقتضى الدليل هو صدور الرضا و الإجازة ممّن يصلح رضاه لتنفيذ العقد، و هو ليس إلّا المالك حين الإجازة، سواء أ كان هو المالك الأوّل أم المالك الثاني، و هو العاقد الفضولي، أو غيره ممّن ملك المال الذي بيع فضولا.

و بالجملة: فلا دليل على اعتبار كون المجيز هو المالك حال العقد.

(8) كما في العقود الفضولية، فإنّ رضا المالكين فيها متأخر عن نفس العقود، بخلاف العقود غير الفضولية، لمقارنة رضا المالكين فيها للعقود.

ص: 262

ممّن (1) هو مالك حال العقد.

و حينئذ (2) فإذا (3) ثبتت صحّته بالدليل، فلا محيص عن القول بأنّ الإجازة كاشفة عن خروج المال عن ملك المجيز في أوّل أزمنة قابليّته (4)، إذ لا يمكن الكشف فيه (5) على وجه آخر (6)، فلا يلزم من التزام هذا المعنى (7) على الكشف (8) محال عقليّ (9) و لا شرعيّ (10) حتّى يرفع اليد من أجله (11) عن العمومات المقتضية للصحّة.

______________________________

(1) خبر قوله: «كون».

(2) أي: و حين عدم الدليل على اعتبار كون الرضا المتأخر ممّن هو مالك حال العقد.

(3) هذه نتيجة ما أثبته من صحّة العقد بالدليل، و عدم دليل على اعتبار كون الرضا المتأخّر ممّن هو مالك حين العقد.

(4) أي: قابليّة الإجازة، و الأولى تأنيث الضمير. و يمكن رجوع الضمير إلى «خروج المال». و وقت قابلية الإجازة للكشف زمان تملّك العاقد الفضوليّ بالشراء أو الإرث المال الذي باعه فضولا كما مرّ آنفا.

(5) أي: فيما نحن فيه، و هو: ما لو باع لنفسه ثم اشتراه من مالكه و أجاز.

(6) و هو الكشف مطلقا و إن لم يكن المجيز مالكا حين العقد، كما يقول بهذا الإطلاق صاحب المقابس، و يورد عليه بلزوم خروج المال عن ملكه قبل دخوله فيه.

(7) و هو خروج المال عن ملك المجيز في أوّل أزمنة قابليّته، و هو زمان تملّكه بالشراء أو الإرث.

(8) متعلق ب «يلزم» يعني: فلا يلزم محال على الكشف بهذا المعنى.

(9) كاجتماع النقيضين و اجتماع الضدين، على التقريب المتقدم آنفا.

(10) كمخالفة دليل شرعي يدلّ على لزوم كشف الإجازة عن صحة العقد من زمان وقوعه مطلقا و إن لم يكن المجيز مالكا حين العقد حتى يكون الالتزام بكون الإجازة كاشفة عن صحة العقد من زمان تملّك المجيز مخالفا لذلك الدليل، و محالا شرعيّا.

لكن ليس من ذلك الدليل عين و لا أثر.

(11) أي: من أجل المحال العقلي و الشرعي كما يدّعيه صاحب المقابس، و يرفع

ص: 263

فإن كان لا بدّ من الكلام (1) فينبغي في المقتضي (2) للصحّة، أو في القول بأنّ الواجب في الكشف- عقلا أو شرعا- أن يكون عن خروج المال عن ملك المجيز وقت العقد (3).

و قد عرفت (4) أن لا كلام في مقتضي الصحّة، و لذا (5) لم يصدر (6) من المستدلّ على البطلان، و أنّه (7) لا مانع عقلا و لا شرعا من كون الإجازة كاشفة من زمان

______________________________

اليد عن العمومات المقتضية للصحة، و يقول ببطلان عقد الفضولي في مسألة: من باع شيئا ثم ملكه فأجاز.

(1) أي: فإن كان لا بدّ من الاشكال و المناقشة- في صحة بيع من باع لنفسه، ثم ملكه بالشراء أو الإرث و أجاز- فينبغي أن يكون الإشكال في ناحية المقتضي للصحة، بأن يقال: إنّه لا مقتضي لصحة هذا البيع، لعدم شمول العمومات له.

أو يقال: إنّ اللازم في كاشفية الإجازة خروج المال عن ملك المجيز حال العقد، دون غيره ممّن ملك المال بعد زمان العقد كما في من باع شيئا ثم ملك، فإنّ المجيز- و هو العاقد الفضولي- ملك المال بعد زمان العقد.

(2) و هي العمومات المتقدمة في (ص 252).

(3) بأن يكون المجيز هو المالك حال العقد، دون المالك في غير زمان العقد، كمن باع مال غيره لنفسه ثمّ ملكه و أجاز، فإنّ المجيز حينئذ غير المالك حين العقد.

فقوله: «وقت العقد» قيد ل «ملك المجيز» يعني: خروج المال المملوك له حال العقد عن ملكه.

(4) أي عرفت عدم الكلام و الإشكال في وجود مقتضي الصحة، حين قال في (ص 262): «فإذا ثبت بمقتضى العمومات .. إلخ».

(5) أي: و لأجل تماميّة مقتضي الصحة، و هي العمومات المتقدّمة الدالة على صحة بيع «من باع مال الغير لنفسه ثم ملكه و أجاز» لم يصدر من صاحب المقابس- المستدل على بطلانه بالأمور التي أفادها- كلام يشعر ببطلان البيع المذكور من ناحية المقتضي.

(6) أي: لم يصدر كلام من المستدل.

(7) معطوف على «أن لا كلام» يعني: و قد عرفت أنّه لا مانع .. إلخ.

ص: 264

قابليّة تأثيرها (1).

و لا يتوهّم (2) أنّ هذا (3) نظير ما لو خصّص المالك الإجازة بزمان متأخّر عن العقد، إذ (4) التخصيص إنّما يقدح مع القابليّة (5). كما أنّ تعميم الإجازة لما قبل ملك

______________________________

و غرضه من هذا الكلام ردّ الوجه الثاني المذكور بقوله: «أو في القول بأن الواجب .. إلخ». كما أنّ قوله: «و قد عرفت أن لا كلام في مقتضي الصحة .. إلخ» ردّ للوجه الأوّل المذكور بقوله: «فان كان لا بدّ من الكلام فينبغي في المقتضي للصحة» و قد تقدّم آنفا تقريب كلا الردّين.

(1) و هو زمان مالكية المجيز لما باعه فضولا.

(2) هذا الكلام يتضمّن و هما و دفعا. أمّا الوهم فهو: أنّ تخصيص كاشفية الإجازة بزمان قابليتها للتأثير- و هو زمان تملك العاقد الفضولي لما باعه فضولا و عدم تأثيرها من زمان صدور العقد في مسألتنا، و هي «من باع ثم ملك و أجاز»- يكون نظير تخصيص المالك إجازة بيع ماله الذي بيع فضولا بزمان متأخر عن العقد، كما إذا باعه الفضولي يوم الجمعة، و خصّص المالك إجازته بيوم السبت، بحيث يكون مبدء زمان تأثيرها و كاشفيّتها يوم السبت. فكما لا يجوز التخصيص هناك، فكذلك في مسألة: من باع ثم ملك و أجاز.

و أمّا دفع الوهم المزبور فملخّصه: أنّ القياس مع الفارق. توضيحه: أنّ قابلية الإجازة للكشف عن صحة العقد من حين وقوعه موجودة في المقيس عليه، فتخصيص تأثيرها بزمان متأخر خلاف الجعل الشرعي، فلا يجوز. و هذا بخلاف المقيس، فإنّ قابلية الإجازة للتأثير تحدث عند صيرورة المال ملكا للفضولي بالشراء أو الإرث، فلا يعقل تأثيرها قبل حدوث القابلية لها. فتعميم تأثير الإجازة لما قبل مالكية الفضولي للمال لغو.

(3) أي: بيع الفضولي مال الغير لنفسه، و إجازته بعد تملّكه لذلك المال.

(4) هذا تقريب دفع الوهم المذكور، و قد مرّ آنفا بقولنا: «و أمّا دفع الوهم المزبور».

(5) غرضه لغويّة التخصيص بزمان متأخّر عن العقد مع قابلية تأثير الإجازة من زمان وقوع العقد، لكون التخصيص خلاف الحكم الشرعي، و هو نفوذ الإجازة من حين العقد.

ص: 265

المجيز- بناء (1) على ما سبق (2) في دليل الكشف: من أنّ معنى الإجازة إمضاء العقد من حين الوقوع، أو إمضاء العقد الذي مقتضاه النقل من حين الوقوع- غير (3) قادح مع عدم قابليّة تأثيرها إلّا من زمان ملك المجيز للمبيع [1].

______________________________

(1) الظاهر أنّه قيد لقوله: «انما يقدح مع القابلية» يعني: أنّ قدح التخصيص بزمان متأخر عن العقد مبني على كون معنى الإجازة إمضاء العقد من حين وقوعه بمقتضى إطلاق العقد، و عدم تقيده بزمان دون زمان. أو كون معنى الإجازة إمضاء العقد الذي يقتضي مفهومه النقل من حين العقد.

و على التقديرين تكون الإجازة منفّذة للعقد من حين وقوعه. فتخصيص نفوذ الإجازة بزمان متأخّر عن العقد خلاف الجعل الشرعي، فلا عبرة به.

و على ما ذكرنا من قيدية قوله: «بناء على ما سبق» لقوله: «إنّما يقدح» ينبغي تقديم: «بناء على ما سبق» على قوله: «كما أنّ تعميم الإجازة .. إلخ» بأن يقال: «إنّما يقدح مع القابلية بناء على ما سبق» إلى قوله «من حين الوقوع». ثم يقال: «كما أنّ تعميم الإجازة لما قبل ملك المجيز- ممّن باع ثم ملك و اجازه- لما قبل ملكه غير قادح، مع عدم قابلية تأثيرها إلّا من زمان ملك المجيز للمبيع».

و الوجه في عدم قدح التعميم و التخصيص: أنّ المدار على الحكم الواقعي المجعول شرعا، و ليس شي ء من التعميم و التخصيص بيد المجيز، بل هما تابعان لما هو الواقع من الحكم الشرعي، فكلّ من التعميم و التخصيص غير المطابق للواقع لغو و لا عبرة به.

(2) حيث استدل القائل بالكشف «بأنّ الإجازة متعلقة بالعقد، فهي رضا بمضمونه، و ليس إلّا نقل العوضين من حينه» فراجع (ص 16).

(3) خبر قوله: «انّ تعميم».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ للمحقق الايرواني قدّس سرّه إشكالا على ما أفاده المصنف قدّس سرّه في هذا الأمر الثالث، و محصله: أنّ العمومات- التي استدلّ بها على كلّ من صحة عقد الفضولي في مسألتنا، و هي «من باع شيئا و ملكه و أجاز» و من كاشفية الإجازة من زمان تملك البائع الفضولي لذلك المال الذي باعه فضولا، بتقريب: أنّها بعمومها تقتضي صحة بيع الفضولي،

ص: 266

______________________________

و بإطلاق مادة الوفاء في خطاب «أَوْفُوا» تقتضي لزوم الوفاء بالعقد من أوّل زمان تحققه.

و هذا هو معنى الكشف- يلزم تركها مع عدم إمكان الأخذ بالكشف لمحذور عقلي أو شرعي، و ترك تصحيح بيع الفضولي بها و الرجوع الى الأصل، و هو يقتضي الفساد كما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه.

فجواب المصنف قدّس سرّه عن ذلك- بأنّ الجمع بين العمومات و بين دليل كاشفية الإجازة يقتضي صحة بيع «من باع ثم ملك و أجاز» و كشف الإجازة من حيث يمكن، و هو زمان مالكية الفضولي لما باعه فضولا- لا يدفع الإشكال، إذ ليس هنا دليلان حتى تكون نتيجة الجمع بينهما الصحة و كشف الإجازة من حيث يمكن، بل الدليل واحد، و هي العمومات المشار إليها. و المحذور العقلي أو الشرعي يوجب سقوطها، و لا دليل بعد سقوطها على صحته، و تحديد كاشفية الإجازة من زمان مالكية الفضولي لما باعه فضولا فلا محيص عن الالتزام بفساد بيع من باع فضولا ثم ملك و أجاز كما عن صاحب المقابس «1».

أقول: المحذور العقلي يمنع الأخذ بإطلاق مادة الوفاء زمانا و يقيده، و لا يرفع الإطلاق رأسا، فإنّه إطلاق أزماني يقبل التقييد بزمان. كما إذا وجب إكرام عالم في جميع الأزمنة بمقتضى الإطلاق الزماني. لكن عرض مانع عن إكرامه في بعض الأزمنة، فهل يصحّ أن يقال بعدم وجوب إكرامه بعد ارتفاع ذلك المانع استنادا إلى سقوط إطلاق دليل وجوب إكرامه؟ فإنّ وزان التقييد العقلي و زان التقييد اللفظي، فإنّ من الواضح صحة أن يقال بوجوب الوفاء بالعقد من حين وقوعه، إلّا إذا لم يكن المجيز مالكا لما باعه حين العقد، فإنّ وجوب الوفاء حينئذ يكون من زمان مالكيته لما باعه فضولا.

و عليه فما أفاده المصنف قدّس سرّه وجيه.

نعم بناء على الكشف الانقلابي- كما في حاشية المحقق الايروانى قدّس سرّه- تصح دعوى تأثير الإجازة من زمان عقد الفضولي، لا من زمان مالكية الفضولي لما بيع فضولا. و لا يلزم حينئذ أمر غير معقول من اجتماع النقيضين و الضدين، و ذلك لأنّ لزومه منوط باجتماع ملكية المال الواحد للمالكين في آن واحد. و لا يلزم ذلك على الكشف الانقلابي، حيث إنّ

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 135.

ص: 267

[الرابع: أنّ العقد الأول إنما صح و ترتب أثره بإجازة الفضولي ..]

الرابع (1): أنّ العقد

______________________________

(1) هذا رابع الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدّس سرّه معترضا بها على القائلين بصحة بيع «من باع فضولا لنفسه ثم ملكه و أجازه». و محصل هذا الأمر الرابع: أنّه لو باع زيد فضولا مال أبيه على عمرو يوم الجمعة، ثم اشتراه من أبيه يوم السبت، ثم أجاز

______________________________

ملكيته لهما يكون على التناوب، لا على الاجتماع و المعيّة.

توضيحه: أنّ الإجازة توجب انقلاب ما كان مملوكا للمالك الأوّل و دخوله بوجوده السابق من هذا الزمان- بسبب الإجازة- في ملك المالك، فيكون المال مملوكا لمالكين على سبيل التناوب، لا على الاجتماع و المعيّة. فالملكية و اعتبار الملكية لا حق، و المملوك سابق.

عكس الملكية الحالية و المملوك اللاحق كملك المنافع الآتية فعلا، و كملك البطون اللاحقة فعلا للعين الموقوفة بقطعتها اللاحقة.

و على هذا المعنى من الكشف لا يلزم في المقام شي ء من المحذورين، و هما:

خروج العين عن ملك المجيز قبل دخولها في ملكه، و اجتماع المالكين على مملوك واحد.

أقول: ما افاده قدّس سرّه- لو سلّم إمكانه في نفسه- بعيد عن أذهان العرف و أبناء المحاورة، و لا يمكن إثباته بالدليل، إذ الاقتضاء العقلي لا يتمشّى إلّا بعد عدم الحكم العرفي في المورد.

و أما معه فلا سبيل للتمسك به. و قد تقدم آنفا أنّه لا يلزم من الالتزام بكشف الإجازة عن نفوذ العقد من زمان مالكية المجيز لما باعه فضولا إلّا تقييد الإطلاق الزماني الثابت لدليل وجوب الوفاء بالعقد، و تقييد الإطلاقات أمر عرفي معمول به بين أبناء المحاورة. و معه لا يحكم العقل بما ذكره.

فتلخّص: أنّ ما أفاده المصنف قدّس سرّه من «أن الإجازة لا تؤثر إلّا في محل قابل، و هو بعد صيرورة العاقد الفضولي مالكا للمال، فيكون بيع من باع فضولا مال الغير لنفسه ثم ملكه و أجاز صحيحا كسائر البيوع الفضولية، حتى لو كان وقوع مضمون العقد من زمان حصوله دخيلا في مفهوم العقد، و كانت الإجازة إنفاذا له» متين جدّا، و ذلك لما مرّ من أنّ المحذور العقلي كالمقيّد اللفظي يقيّد الإطلاق الأزماني، و يكون قرينة على إرادة خلاف مفهوم العقد أو إطلاقه.

ص: 268

الأوّل (1) إنّما صحّ و ترتّب عليه أثره بإجازة الفضولي، و هي (2) متوقّفة على صحّة العقد الثاني (3) المتوقّفة (4) على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي، فتكون صحّة الأوّل (5) مستلزمة لكون المال المعيّن ملكا للمالك (6) و ملكا للمشتري معا في زمان

______________________________

زيد ذلك العقد الفضولي يوم الأحد، فالعقد الأوّل هو بيع زيد فضولا، و العقد الثاني هو بيع الأب على ولده زيد. فصحة العقد الأوّل بمعنى انتقال المال إلى عمرو منوطة بإجازة البائع الفضولي و هو زيد، و صحة إجازته منوطة بالعقد الثاني و هو بيع الأب ذلك المال على زيد، إذ بدون انتقاله إليه من الأب لا يصير مالكا حتى تصحّ إجازته. و صحة العقد الثاني- و هو بيع الأب على زيد، متوقفة على بقاء المال على ملك الأب الذي هو المالك الأصلي، إذ لا بيع إلّا في ملك.

فصحة العقد الأوّل تستلزم كون المال ملكا للأب و لعمرو في زمان واحد و هو يوم الجمعة، أمّا الأب فلأنّ المال لم ينتقل منه إلى ولده زيد إلّا يوم السبت، فالمال باق على ملكه يوم الجمعة. و مقتضى الإجازة صيرورة المال يوم الجمعة ملكا لعمرو، فاجتمع مالكان- أحدهما: المالك الأصلي، و هو الأب، و الآخر عمرو الذي اشترى المال بالبيع الفضولي من زيد- على مال واحد في يوم الجمعة.

و مبنى الاشكال في هذا الأمر الرابع هو اجتماع مالكين على مال واحد، و مبنى الاشكال السابق هو حيثية خروج المال عن ملك البائع الفضولي قبل دخوله فيه.

(1) و هو بيع زيد فضولا.

(2) أي: و الإجازة متوقفة .. إلخ.

(3) و هو بيع الأب على زيد. و وجه توقّف صحة إجازة الفضولي على صحة العقد الثاني واضح، لأنّ مالكية المجيز للمال متوقفة على صحة العقد الثاني.

(4) صفة ل «صحة»، و المراد ب «مالكه الأصلي» هو الأب في المثال المذكور.

(5) أي: العقد الأوّل، و هو بيع زيد فضولا مال أبيه لنفسه على عمرو يوم الجمعة.

(6) الأصلي و هو الأب في المثال. وجه الاستلزام: أنّ الإجازة الواقعة في يوم الأحد الكاشفة عن صحة عقد الابن فضولا يوم الجمعة تستلزم حدوث الملك لعمرو من يوم

ص: 269

واحد، و هو محال، لتضادّهما (1). فوجود الثاني (2) يقتضي عدم الأوّل (3)، و هو موجب لعدم الثاني (4) أيضا، فيلزم وجوده و عدمه في آن واحد، و هو محال.

فإن قلت (5).

______________________________

الجمعة، و المفروض أنّ هذا المال كان في يوم الجمعة ملكا للأب، إذ لم يخرج عن ملكه بناقل إلّا يوم السبت. ففي يوم الجمعة كان المال ملكا لشخصين: أحدهما الأب، و الآخر عمرو، و هو الذي اشتراه من زيد الذي باعه فضولا يوم الجمعة.

(1) حيث إنّ الملكيتين المستقلتين ضدّان يمتنع اجتماعهما، و المفروض كون كلّ من الأب و عمرو مالكا عرضا لهذا المال بالاستقلال. و لا فرق في امتناع الضدّين بين كونهما من الأعراض الخارجية كالسواد و البياض، و الأمور الاعتبارية كالملكية و الزوجية.

(2) أي: الملك الثاني- و هو ملك زيد للمال يوم الجمعة بمقتضى كشف الإجازة عنه- يقتضي عدم ملكيته لأبيه يوم الجمعة. كما أنّ ملكيّته لأبيه تقتضي أيضا عدم ملكيته لزيد يوم الجمعة. فيلزم وجود الملكية و عدمها لكلّ من هذين المالكين في آن واحد، و هو محال، للتناقض.

(3) أي: الملك الأوّل الثابت للمالك الأصلي، و هو والد زيد.

(4) أي: الملك الثاني الثابت لزيد.

و بالجملة: الملك الثاني ينفي الملك الأوّل، و بالعكس، و هو محال، لكونه من اجتماع النقيضين.

(5) هذا إشكال من صاحب المقابس على نفسه، و محصّله: أنّ إشكال لزوم اجتماع مالكين على مال واحد في زمان واحد لا يختصّ بهذه المسألة، و هي «من باع مال غيره لنفسه فضولا ثمّ ملكه و أجاز» بل يعمّ سائر البيوع الفضولية أيضا.

توضيحه: أنّه إذا باع زيد كتاب عمرو فضولا على بكر يوم الجمعة، و أجاز عمرو هذا البيع يوم السبت، فإنّ مقتضى كاشفية الإجازة ملكية الكتاب لبكر من يوم الجمعة، لكون الإجازة كاشفة عن تأثير العقد من زمان وقوعه و هو يوم الجمعة. و حيث إنّ صحة الإجازة منوطة بملكية المبيع للمجيز و كونه ملكا له إلى زمان صدور الإجازة منه، فيكون المال في الزمان المتخلّل بين العقد و الإجازة ملكا لعمرو و لبكر. و ليس هذا

ص: 270

مثل هذا (1) لازم في كلّ عقد فضوليّ، لأنّ (2) صحّته موقوفة على الإجازة المتأخّرة المتوقّفة على بقاء ملك المالك، و مستلزمة لملك المشتري كذلك (3)، فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك و المشتري معا في آن واحد، فيلزم (4) إمّا بطلان عقد الفضوليّ مطلقا، أو بطلان القول بالكشف، فلا اختصاص لهذا الإيراد (5) بما نحن فيه (6).

قلنا (7):

______________________________

إلّا اجتماع الضدين المستلزم لاجتماع النقيضين بالتقريب المتقدّم آنفا، فلا بدّ من الالتزام ببطلان الفضولي مطلقا.

(1) أي: لزوم ملك المالكين على مال واحد في زمان واحد.

(2) تعليل للزوم ملك المالكين على مال واحد، و قد مرّ تقريبه آنفا.

(3) أي: في حال بقاء المبيع على ملك المالك الأصلي المجيز، و هو عمرو في المثال المزبور.

(4) يعني: فلازم صيرورة مال واحد في آن واحد ملكا للشخصين- و هما المالك الأصلي المجيز، و المشتري- أحد أمرين، إمّا بطلان عقد الفضولي مطلقا، أي سواء باع الفضولي مال الغير لنفسه أم لمالكه، و إمّا بطلان القول بكاشفية الإجازة، و الالتزام بناقليتها.

(5) و هو لزوم كون مال واحد ملكا للمالك المجيز و المشتري في زمان واحد.

(6) و هو بيع الفضوليّ مال الغير لنفسه، و إجازته لهذا البيع بعد أن ملكه.

(7) هذا جواب قوله: «فان قلت» و محصّله: أنّه فرق بين ما نحن فيه و سائر العقود الفضوليّة. توضيحه: أنّه يكفي في سائر العقود الفضوليّة كون المجيز حين الإجازة مالكا ملكيّة ظاهرية استصحابية، فإذا باع زيد كتاب عمرو فضولا على بكر، فأجاز عمرو هذا البيع، فإنّ مالكية عمرو ظاهرا تكفي في صحة إجازته، فيكون المبيع ملكا واقعا للمشتري و هو بكر بمقتضى كاشفية الإجازة، و ظاهرا لمالكه و هو عمرو.

و هذا بخلاف ما نحن فيه، و هو «من باع شيئا فضولا لنفسه ثم ملكه و أجاز» فإنّ المبيع فيه يكون ملكا واقعا لشخصين، أحدهما المشتري، و هو بكر بمقتضى كاشفية الإجازة، و الآخر عمرو و هو المالك الأصلي، و ذلك لأنّ المفروض أنّ زيدا بعد أن باع فضولا مال أبيه اشتراه من أبيه. و لا بدّ في صحة هذا الشراء من كون الأب البائع مالكا

ص: 271

يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا [1]، و هو الحاصل من استصحاب ملكه السابق، لأنّها (1) في الحقيقة رفع اليد و إسقاط للحقّ، و لا يكفي الملك الصوري (2) في العقد الثاني (3).

______________________________

واقعا لهذا المال، إذ لا بيع إلّا في ملك. فإذا كان زمان عقد الفضولي يوم الجمعة و زمان الإجازة يوم الأحد، لزم أن يكون المال في يوم الجمعة ملكا للأب و بكر واقعا، و هذا محال.

(1) هذا تعليل لكفاية الملكية الظاهرية في الإجازة، و حاصله: أنّ حقيقة الإجازة رفع اليد و إسقاط الحق، و يكفي فيه الملك الظاهري. بخلاف البيع، فإنّه لا يكفي فيه الملك الصوري، بل لا بدّ فيه من الملك الواقعي.

(2) أي: الملك الظاهري، نظير الملك الظاهري المستند إلى اليد، فإنّه كاف في نفوذ إقرار ذي اليد على ما في يده بأنّه مال الغير، و إن كان بالإقرار يخرج عن ملكه.

(3) و هو بيع الأب في المثال المزبور ذلك المال المبيع فضولا على ولده، فإنّ المال لو لم يكن ملكا واقعا للأب فكيف يجوز أن يبيعه على ولده؟ مع وضوح أنّه «لا بيع إلّا في ملك».

______________________________

[1] لعلّ وجه الكفاية ما في بعض الكلمات من: أنّ مقتضى ما دلّ عموما أو خصوصا على كون صحة عقد الفضولي بنحو الكشف الحقيقي، و على: أن للإجازة دخلا و لو بنحو الشرط المتأخر- و من البديهي امتناع اجتماع المالكين في آن واحد على ملك واحد- هو الالتزام بكفاية الملكية الظاهرية و قيامها شرعا مقام الملكية الواقعية، كقيام الطهارة الظاهرية الخبثية مقام الطهارة الواقعية التي تكون أدلة اعتبارها ظاهرة في أنفسها في الطهارة الواقعيّة.

إلّا أنّ دليل استصحاب الطهارة أو قاعدتها حاكم على تلك الأدلة.

ففي عقد الفضولي الذي لا يملك بعد العقد ما عقد عليه فضولا إذا لحقته الإجازة يكون ذلك المبيع ملكا واقعيا للمشتري الأصيل، و ظاهريا للمالك الأصلي المجيز.

و لا منافاة بين كون مال واحد ملكا واقعيا لشخص و ظاهريا لآخر.

و هذا بخلاف المقام و هو تملك العاقد الفضولي المبيع بعد ما باعه فضولا لغيره، فإنّ الملك الظاهري الاستصحابي للمالك الأصلي المجيز لا يكفي في حصول الملك الواقعي

ص: 272

______________________________

للفضولي المشتري، بل لا بدّ من كون الملك واقعيّا، و لازمه حينئذ كون مال واحد ملكا واقعيا لمالكين في زمان واحد، و هو محال عقلا.

و يمكن أن يكون وجه الكفاية كون مقتضى الجمع بين دليل صحة عقد الفضولي كشفا- و امتناع الجمع بين المالكين عقلا- هو حمل ملك المالك المجيز على الملك اللولائي، يعني: لولا الإجازة كان المال ملكا له. و يسمّى هذا الملك بالملك التقديري، و بالإجازة يخرج عن ملك المجيز. و الملكية التقديرية كافية فيما عدا المقام- أعني به من باع ثم ملك- من سائر العقود الفضولية، لكفاية الملكية التقديرية في صحة إجازة المجيز فيها، و عدم كفايتها في بيع المالك الأصلي، إذ لا بيع إلّا في ملك، و هو الملك الواقعي إجماعا.

و هذه الملكيّة اللولائية نظير الصحة اللولائية في باب النذر، كما إذا نذر ترك الصلاة في الحمام، فإنّ الناذر لا يقدر على الصلاة الصحيحة إلّا بإرادة الصحة لولا النذر «1».

و يمكن أن يكون وجه صحة الإجازة في سائر العقود الفضولية ما قيل من: «أنّه لا يستفاد من أدلة اعتبار طيب نفس المالك في حلّ ماله إلّا عدم ارتفاع ملك أحد إلّا بطيب نفسه. أمّا كون ذلك الارتفاع بعد طيب النفس ليلزم أن يكون في رتبة سابقه على طيب النفس مالكا فلا، فيمكن أن يكون المال بطيب نفس متأخر منتقلا عنه في زمان سابق، و هو زمان تعلق رضا المالك بتحقق الانتقال فيه كما هو مبنى القول بالكشف .. إلخ» «2».

أقول: لا يخفى أنّ الظهور العرفي في دليل شرطية شي ء هو تقدّمه على المشروط، لأنّ الشرط كالجزء دخيل في الموضوع الذي هو بجميع أجزائه و شرائطه مقدّم على الحكم، و أيّ فرق بين أن يقال: «لا يحلّ مال امرء إلّا إذا كان بالغا عاقلا» و بين أن يقال: «لا يحلّ مال امرء إلّا إذا كان راضيا» فهل يمكن أن يقال بدخل البلوغ و العقل بأيّ نحو اتفق و لو بعد التصرّف.

فإذا كان طيب النفس شرطا للحلية فلا محالة لا تحصل الملكية و الانتقال إلّا بعد الرضا المنكشف بالإجازة، لا أن يكون الرضا سببا لحدوث الملكية بالنسبة إلى الأزمنة الماضية.

نعم إن ثبت الكشف الانقلابي كان ما أفيد صحيحا، لكنه غير ثابت، بل أحاله بعض.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للسيد الطباطبائي، ج 1، ص 164.

(2) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني، ج 2، ص 136.

ص: 273

أقول: قد عرفت (1) أنّ القائل بالصحّة ملتزم بكون الأثر المترتّب على العقد الأوّل (2) بعد إجازة العاقد (3) له هو تملّك المشتري (4) له من حين ملك العاقد (5) لا من حين العقد (6).

و حينئذ (7) فتوقّف إجازة العقد الأوّل

______________________________

(1) في دفع الاشكال الثالث من إشكالات صاحب المقابس بقوله: «و فيه منع كون الإجازة كاشفة مطلقا عن خروج الملك» إلى قوله: «فلا يلزم من التزام هذا المعنى على الكشف محال» فراجع (ص 263- 260).

(2) و هو بيع الولد فضولا مال أبيه على بكر.

(3) يعني: العاقد الفضولي، و هو الولد. و ضمير «له» راجع إلى العقد الأوّل.

(4) و هو بكر، فإنّه مشتري المال من العاقد الفضولي، و هو ولد المالك الأصليّ، و جملة «هو تملّك .. إلخ» خبر «بكون الأثر».

(5) أي: العاقد الفضولي و هو الولد، و زمان ملك العاقد لما باعه فضولا هو زمان بيع أبيه ذلك المال على ولده العاقد الفضولي.

(6) و هو بيع الولد مال أبيه فضولا على بكر يوم الجمعة في المثال المذكور.

(7) أي: و حين كون الإجازة كاشفة عن تملّك المشتري للمبيع من حين ملك العاقد- لا من حين وقوع العقد- يتّضح وجه توقف إجازة العقد الأوّل- و هو عقد الفضولي- على صحّة العقد الثاني، و هو شراء ما باعه الفضولي من مالكه، ضرورة اعتبار مالكية المجيز حين الإجازة، و لا يصير العاقد الفضولي مالكا إلّا بالعقد الثاني، و هو شراؤه المبيع

______________________________

و بالجملة: فالالتزام بخروج المال عن ملك مالكه قبل الإجازة و هي الطّيب- بحيث تصدر الإجازة بعد انتقال المال إلى المشتري- مشكل، لكونه خلاف ظاهر دليل شرطية الطّيب في حصول الملكية لغير المالك، حيث إنّ ظاهره صدور الطيب عن المالك، فلا بدّ أن يكون مالكا في رتبة سابقه على الطيب حتى يصدر الطّيب عنه، فإنه لا ينكر ظهور دليل الشرطية في تقدم الشرط على المشروط.

فالشرط المتأخر- بعد فرض تعقله ثبوتا- لا دليل عليه إثباتا، بل الدليل و- هو الظهور اللفظي- قائم على خلافه. فما أفاده المحقق الإيرواني قدّس سرّه لا يمكن المساعدة عليه.

ص: 274

على صحّة العقد الثاني (1) مسلّم، و توقّف صحّة العقد الثاني (2) على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي إلى زمان العقد مسلّم (3) أيضا (4). فقوله (5): «صحّة الأوّل تستلزم كون المال ملكا للمالك و المشتري في زمان واحد» ممنوع (6)،

______________________________

الفضولي من مالكه.

(1) و هو العقد الذي يوجب ملكية المال الذي بيع فضولا للعاقد الفضولي، و المراد بالعقد الأوّل هو عقد الفضولي.

(2) و هو العقد الموجب لتملك الفضولي للمبيع من مالكه، و توقّف هذا العقد الثاني على بقاء المال على ملك مالكه الأصلي إلى زمان شراء الفضولي لذلك المال واضح.

(3) خبر قوله: «و توقف».

(4) يعني: كتسلّم توقف إجازة العقد الأوّل- و هو عقد الفضولي- على صحة العقد الثاني.

(5) يعني: فقول صاحب المقابس قدّس سرّه، و هذا نقل عبارته بالمعنى، إذ عبارته هذه «فتكون صحة الأوّل مستلزمة لكون المال المعيّن .. إلخ» كما في (ص 269) و قد تقدم هناك تقريب استلزام صحة العقد الأوّل لكون المال المعيّن ملكا للمالك الأصلي و للمشتري الأصيل.

و مجملة: أنّ صحة العقد الأوّل- و هو عقد الفضولي الواقع يوم الجمعة- تستلزم اجتماع المالكين على المال الذي بيع فضولا، حيث إنّ المشتري يملك ذلك المال من يوم الجمعة بإجازة العاقد الفضولي في يوم الأحد، و المالك الأصلي و هو أبو العاقد الفضولي أيضا مالك له، و إلّا لم يصح شراء ابنه العاقد الفضولي ذلك المال منه يوم السبت. فصار المال المعيّن في يوم الجمعة مملوكا للمالك الأصلي أعني به والد العاقد الفضولي، و للمشتري الذي اشتراه من العاقد الفضولي يوم الجمعة.

(6) خبر: «فقوله» وجه منعه هو ما أفاده قبيل ذلك من أنّ القائلين بصحة بيع «من باع فضولا مال الغير ثم ملكه و أجاز» لم يقولوا بصحته من زمان وقوع العقد، بل يقولون بصحته من زمان ملكيته للعاقد الفضولي. و حينئذ لا يجتمع مالكان على ملك واحد، إذ المشتري من الفضولي لا يملك ما اشتراه منه إلّا من يوم السبت، لأنّه يوم اشترى فيه الفضولي ذلك المال من أبيه كان المال يوم الجمعة ملكا لأبيه فقط، و لم يكن للمشتري فيه

ص: 275

بل صحّته (1) تستلزم (2) خروج العين عن ملكية المالك الأصلي (3).

نعم (4) إنّما يلزم ما ذكره من المحال إذا ادّعى وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك حين العقد. و لكن هذا (5) أمر تقدّم دعواه في الوجه الثالث (6)، و قد تقدّم منعه (7)، فلا وجه لإعادته (8) بتقرير آخر، كما لا يخفى.

______________________________

علاقة الملكية حتى يجتمع مالكان على مال واحد يوم الجمعة.

(1) يعني: بل صحة العقد الأوّل- و هو عقد الفضولي- تستلزم خروج العين عن ملكية المالك الأصلي و هو الأب في المثال المذكور، إذ لا وجه لصحته مع بقاء العين على ملكية المالك الأصلي، لوضوح اعتبار كون المجيز مالكا حين الإجازة.

(2) الأولى إبداله ب «تتوقف» ضرورة أنّ صحة بيع الفضولي متوقفة على خروج المال عن ملك المالك الأصلي، و من لوازمه و آثاره، و ليست صحة بيع الفضولي ملزومة لخروج المال عن ملك المالك الأصلي كما لا يخفى.

(3) فإذا خرج عن ملك مالكه الأصلي يوم الجمعة لم يلزم اجتماع المالكين على ملك واحد في يومها.

فمراده بقوله: «بل صحته» هو: أنّ صحة العقد الأوّل- و هو عقد الفضولي- تنتج ضدّ اجتماع المالكين على مال واحد، لا أنّ صحّتها تستلزم اجتماع المالكين، كما زعمه المستشكل، حيث صرّح به في أوّل الإشكال الرابع بقوله: «فتكون صحة الأوّل مستلزمة لكون المال المعيّن ملكا للمالك و ملكا للمشتري معا في زمان واحد».

(4) استدراك على قوله: «ممنوع» يعني: نعم يلزم المحال- و هو اجتماع المالكين على مال واحد- بناء على كون الإجازة كاشفة عن الملك من حين وقوع العقد، لا من حين تملك العاقد الفضولي لما باعه فضولا.

(5) أي: كون الإجازة كاشفة عن الملك من زمان صدور العقد.

(6) أي: الإشكال الثالث من إشكالات صاحب المقابس قدّس سرّه، حيث قال في (ص 258) «إنّ الإجازة حيث صحت كاشفة على الأصح مطلقا».

(7) قد تقدم ذلك في (ص 260) بقوله: «و فيه: منع كون الإجازة كاشفة مطلقا».

(8) يعني: فلا وجه لإعادة أمر تقدّم دعواه في الوجه الثالث، مع تقدم منعه بقوله: «و فيه منع كون الإجازة كاشفة .. إلخ».

ص: 276

نعم (1) يبقى في المقام الإشكال الوارد في مطلق الفضولي على القول بالكشف، و هو (2) كون الملك حال الإجازة للمجيز و المشتري معا (3). و هذا (4) إشكال آخر

______________________________

يعني: أنّ ما تقدم في الاشكال الثالث يغني عن ذكر الإشكال الرابع، فلا وجه لإعادته بتقرير آخر، و هو اجتماع المالكين على ملك واحد في زمان واحد.

لكن فيه: أنّ حيثية الإشكال متعدّدة، إذ هي في الوجه الثالث خروج المال عن ملك المجيز قبل دخوله في ملكه. و في الوجه الرابع اجتماع المالكين على ملك واحد في زمان واحد. و حيثية كلّ من الإشكالين ملحوظة مع الغضّ عن الأخرى.

نعم مبني كلا الإشكالين واحد، و هو كون الإجازة كاشفة. لكن وحدة المبنى لا توجب وحدة الإشكالين.

(1) يعني: بعد دفع الاشكال الخاصّ- و هو اجتماع المالكين على ملك واحد في زمان واحد- قال: يبقى في المقام- و هو بيع الفضولي مال الغير لنفسه و تملكه له بعد العقد ثم إجازته له- إشكال عامّ وارد في جميع العقود الفضولية بناء على كون الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه، لا من حين صدور الإجازة.

(2) أي: الإشكال الوارد في مطلق الفضولي. تقريب هذا الاشكال العام هو: أنّه يلزم اجتماع مالكين- و هو المشتري و المالك الأصلي- على ملك واحد في زمان واحد.

توضيحه: أنّه إذا باع زيد كتاب مكاسب عمرو فضولا على بكر يوم الجمعة، ثم أجاز عمرو يوم السبت هذا البيع الفضولي، فهذا الكتاب يكون بين زماني وقوع العقد و صدور الإجازة ملكا للمجيز و المشتري معا.

أمّا كونه ملكا للمجيز فلأنّه لو لم يكن ملكا له حين الإجازة لم يكن أثر لإجازته، ضرورة أنّ المدار في نفوذ الإجازة على مالكية المجيز حين الإجازة، و إجازة غير المالك و من هو بمنزلته كالعدم.

و أمّا كونه ملكا للمشتري فلأنّه مقتضى الكشف عن صحة العقد من حين وقوعه.

فالمبيع في الزمان المتخلل بين وقوع العقد و صدور الإجازة مملوك للمجيز و المشتري معا. و هذا إشكال عامّ في جميع العقود الفضوليّة.

(3) بالتقريب الذي مرّ آنفا.

(4) أي: الإشكال العامّ الوارد في مطلق عقد الفضولي، و هو كون الملك حال

ص: 277

تعرّض لاندفاعه أخيرا (1) غير (2) الإشكال الذي استنتجه من المقدّمات المذكورة (3) و هو (4) لزوم كون الملك للمالك الأصلي و للمشتري.

نعم يلزم من ضمّ هذا الإشكال العامّ (5) إلى (6) ما يلزم في المسألة (7) على القول بالكشف (8) من حين العقد اجتماع (9) ملّاك ثلاثة (10) على ملك واحد قبل العقد الثاني (11)،

______________________________

الإجازة للمجيز و المشتري معا.

(1) يعني: تعرّض له صاحب المقابس قدّس سرّه في (ص 271) بقوله: «قلنا يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا، و هو الحاصل من استصحاب .. إلخ».

(2) نعت ل «إشكال آخر».

(3) في الأمر الرابع بقوله: «لأنّ صحته موقوفة على الإجازة المتأخرة المتوقفة على بقاء ملك المالك» إلى قوله: «فيلزم كونه بعد العقد .. إلخ» فراجع (ص 271).

(4) أي: الإشكال العامّ الذي استنتجه من المقدمات المذكورة.

(5) الوارد في جميع العقود الفضولية، و هو كون المبيع للمالك الأصلي و للمشتري، لأنّ المبيع الفضولي بعد إجازة المالك الأصلي العقد الفضولي يكون في الزمان المتخلّل بين العقد و الإجازة مملوكا للمالك الأصلي و المشتري.

(6) متعلق ب «ضمّ».

(7) و هي مسألة: «من باع شيئا ثم ملكه و أجاز».

(8) إذ على القول بالنقل يكون المبيع الفضولي باقيا على ملك المالك الأصلي إلى زمان الإجازة، و لا ينتقل إلى المشتري إلّا بالإجازة، فلا يلزم تعدد المالك على مال واحد بين العقد و الإجازة.

(9) فاعل: «يلزم» في قوله: «يلزم من ضمّ ..».

(10) أوّلهم المالك الأصلي، و هو الأب في مثالنا المتكرّر، و الثاني ولده، و هو البائع الفضولي، و ثالثهم عمرو، و هو المشتري الأوّل الذي اشترى المال من البائع الفضولي.

(11) و هو بيع الأب ذلك المبيع على ابنه العاقد الفضولي. و التقييد بالثاني لأجل بقاء مالكية الأب. إذ بعد العقد الثاني يخرج عن المالكية، و لا يعدّ حينئذ من الملّاك الثلاثة.

ص: 278

لوجوب (1) التزام مالكيّة المالك الأصلي حتّى يصحّ العقد الثاني (2)، و مالكيّة (3) المشتري (4) له، لأنّ (5) الإجازة تكشف عن ذلك (6)، و مالكيّة (7) العاقد له، لأنّ (8) ملك المشتري لا بدّ أن يكون عن ملكه (9)، و إلّا (10) لم تنفع إجازته في ملكه (11) من حين العقد، لأنّ (12) إجازة غير المالك

______________________________

(1) تعليل لمالكية المالك الأوّل و هو الأب قبل العقد الثاني، إذ لو لم يكن مالكا لم يصحّ العقد الثاني، فإنّ المشتري- و هو عمرو- يتلقّى الملك من العاقد الفضولي الذي ملك المبيع فضولا من أبيه بالعقد الثاني.

(2) و هو بيع الأب ذلك المال على ولده العاقد الفضولي، إذ لو لم يكن الأب مالكا لم يصحّ بيعه على ولده الفضولي.

(3) «معطوف على «مالكية» و ضمير «له» راجع إلى «ملك».

(4) و هو عمرو الذي اشترى المال من العاقد الفضولي.

(5) تعليل لمالكية المالك الثاني- و هو عمرو في المثال- فإنّ مالكيته ناشئة عن إجازة العاقد الفضولي الذي باعه فضولا، ثم أجاز ذلك بعد ما اشتراه من أبيه بالعقد الثاني.

(6) أي: عن مالكية عمرو، لأنّ الإجازة من المالك تكشف عن تأثير العقد في مالكية المشتري.

(7) معطوف على «مالكية»، و العاقد الفضولي هو المالك الثالث.

(8) تعليل لمالكية العاقد الفضولي و هو الابن، و حاصل التعليل: أنّ مالكية المشتري- و هو عمرو- ناشئة من إجازة الابن، و نفوذ الإجازة موقوف على مالكية المجيز، إذ ليست إجازة غير المالك و من هو بمنزلته نافذة.

(9) أي عن ملك العاقد، و ضمير «له» راجع إلى «ملك».

(10) يعني: و إن لم يكن العاقد مالكا للمال لم تنفع إجازته في مالكية المشتري له من حين العقد.

(11) أي: في ملك المشتري، و ضمير «إجازته» راجع إلى العاقد.

(12) تعليل لقوله: «لم تنفع إجازته» حاصله: أنّ إجازة المالك تنفع في خروج المال

ص: 279

لا يخرج ملك الغير إلى غيره (1).

ثم (2) إنّ ما أجاب به عن الإشكال الوارد في مطلق الفضولي لا يسمن و لا يغني، لأنّ (3) الإجازة إذا وقعت، فإن كشفت (4) عن ملك المشتري قبلها (5) كشفت عمّا يبطلها، لأنّ (6) الإجازة لا تكون إلّا من المالك الواقعي.

______________________________

إلى غيره، و إجازة غير المالك لا تنفع في انتقال المال إلى الغير.

(1) أي: غير المالك، و الأولى بسلاسة العبارة أن يقال: «لأن إجازة الفضولي لا تخرج ملك المالك إلى غيره».

(2) هذا إشكال ثان من المصنف على صاحب المقابس قدّس سرّهما. أمّا إشكاله الأوّل فهو الذي قد تقدم في (ص 274) بقوله: «أقول: قد عرفت أنّ القائل بالصحة ملتزم بكون الأثر». و أمّا إشكاله الثاني على جواب صاحب المقابس عن الاشكال العامّ الوارد على جميع العقود الفضولية- بما أفاده بقوله في (ص 271): «قلنا يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا»- فهو: أنّه يلزم من كاشفية الإجازة عدم مالكية المجيز حين الإجازة.

توضيحه: أنّه إذا باع الفضولي مال زيد على عمرو يوم الجمعة، و أجاز زيد هذا البيع يوم السبت، فلمّا كانت الإجازة كاشفة عن ملكيّة المال لعمرو من يوم الجمعة، فقد كشفت عن بطلان الإجازة، لأنّها لا تنفذ إلّا إذا صدرت عن المالك الواقعي حين الإجازة، و المفروض أنّ المال من يوم الجمعة صار ملكا لعمرو، فلا أثر لإجازة زيد، لعدم كونه مالكا حين الإجازة.

(3) دليل على عدم كون جواب صاحب المقابس مغنيا، و قد مرّ آنفا تقريبه.

(4) لم يذكر عدلا لهذه الشرطية، فالأولى أن يقال: «إنّ اجازة المالك لمّا كشفت .. إلخ».

(5) أي: قبل إجازة زيد في المثال المذكور. و المراد بقوله: «عما يبطلها» هو صيرورة المال ملكا لعمرو من يوم الجمعة، و خارجا عن ملك زيد، فليس المال في يوم السبت ملكا لزيد حتى تنفذ إجازته. و من المعلوم أنّه لا أثر لإجازة غير المالك. و المراد بالمالك هو المالك الواقعي دون الظاهري، و لذا لو أجاز شخص باعتقاد كونه مالكا- و لو استنادا إلى حجة شرعية كاليد و الاستصحاب- ثم تبيّن خلافه و أنّ المالك شخص آخر، فلا أثر لإجازته، و لا بدّ من إجازة المالك الواقعي في صحة العقد و نفوذه.

(6) تعليل لبطلان الإجازة، و قد مرّ بيانه آنفا بقولنا: «و من المعلوم أنّه لا أثر لإجازة».

ص: 280

و المالك (1) الظاهريّ إنّما يجدي إجازته إذا لم ينكشف (2) كون غيره مالكا حين الإجازة، و لذا (3) لو تبيّن في مقام آخر كون المجيز غير المالك لم تنفع إجازته، لأنّ (4) المالكية من الشرائط الواقعية دون العلمية.

ثمّ (5) إنّ ما ذكره في الفرق بين الإجازة

______________________________

(1) مبتدأ و خبره قوله: «إنّما يجدي» و الواو مستأنفة.

(2) لتقوّم الحكم الظاهري بالشك و عدم انكشاف الواقع، و مع انكشافه لا يبقى موضوع للحكم الظاهري، و المفروض انكشافه هنا.

(3) أي: و لأجل إناطة إجداء إجازة المالك الظاهري بعدم انكشاف الخلاف لو تبيّن .. إلخ.

(4) تعليل لقوله: «لم تنفع إجازته» و حاصله: أنّ المالكية شرط واقعي لنفوذ الإجازة كالطهارة الحدثية للصلاة، فإنّ الشرط بوجوده الواقعي شرط، لا بالأعمّ منه و من الظاهري حتى يؤثّر بمطلق وجوده في المشروط. و أمّا كون المالكية من الشرائط الواقعيّة فبالضرورة و الإجماع، و بظهور الأدلة في ذلك.

(5) هذا إشارة إلى إشكال ثالث على ما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه في هذا الأمر الرابع في دفع إشكال لزوم اجتماع المالكين على مال واحد في زمان واحد في سائر العقود الفضولية بقوله في (ص 271): «قلنا يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا» إلى قوله:

«و لا يكفي الملك الصوري في العقد الثاني .. إلخ».

و محصل هذا الاشكال الثالث الذي أورده المصنف على صاحب المقابس قدّس سرّهما هو:

أنّ الفرق بين إجازة المالك في العقد الذي لا يملك العاقد الفضولي ما باعه فضولا بكفاية الملك الصوري في المالك إلى زمان إجازته، كما إذا باع الفضولي مال زيد على عمرو يوم الجمعة، و أجاز زيد المالك هذا البيع يوم السبت، و بين العقد الثاني فيمن باع شيئا فضولا ثم ملكه و أجاز، و هو بيع المالك كالأب في المثال السابق على ولده العاقد الفضولي، بعدم كفاية الملك الصوري في الأب، تحكم صرف، و تفرقة بين العقدين بلا دليل و وجه وجيه.

و المراد بالعقدين عقد الفضولي و إمضاء المالك في سائر العقود الفضولية، و عقد الأب و بيعه على ولده ذلك المال الذي بيع فضولا في مسألة من باع ثم ملك. فإنّه لا بدّ من الملكية الواقعية للمالكين في كلا العقدين.

ص: 281

و العقد الثاني (1)- من كفاية الملك الصوريّ في الأوّل (2) دون الثاني- تحكّم (3) صرف، خصوصا (4) مع تعليله (5) بأنّ الإجازة رفع لليد و إسقاط للحقّ، فليت شعري أنّ إسقاط الحقّ كيف يجدي و ينفع مع عدم الحقّ واقعا؟ مع (6) أنّ الإجازة رفع لليد من الملك أيضا (7) بالبديهة.

و التحقيق (8) أنّ الإشكال (9) إنّما نشأ من الإشكال الذي ذكرناه سابقا (10)

______________________________

(1) و هو بيع المالك- و هو الأب في فرضنا- على ولده ذلك المال الذي باعه ولده فضولا على عمرو.

(2) و هو إجازة المالك في غير مسألة «من باع ثم ملك» من سائر العقود الفضوليّة.

(3) خبر قوله: «أن ما ذكره».

(4) غرضه أنّ تعليله بكون الإجازة رفعا لليد و إسقاطا للحق آب عن الإكتفاء بالملك الصوري، لأنّ الإسقاط فرع الثبوت، إذ لو لم يكن حقّ واقعا لا يصدق الإسقاط.

(5) أي: تعليل المستشكل و هو صاحب المقابس، فالمصدر مضاف إلى الفاعل.

(6) هذا إشكال آخر على صاحب المقابس، و حاصله: أنّ الإجازة كنفس العقد في كونها سببا للنقل و رفع اليد عن الملك، فلا بدّ في الإجازة أيضا من الملك الواقعي.

(7) يعني: كالعقد في الدخل شطرا أو شرطا فيما هو سبب النقل و الانتقال، فكما أنّ العقد الثاني رفع اليد عن الملك، فكذلك الإجازة رفع اليد عن الملك أيضا.

(8) غرضه قدّس سرّه بيان منشأ إشكال لزوم اجتماع المالكين- و هما المالك الأصلي و المشتري- في زمان واحد في كل عقد فضولي. و منشأ هذا الإشكال هو البناء على كاشفية الإجازة من حين العقد كما هو المنسوب إلى المشهور، إذ بناء عليه يلزم أن يكون المبيع بين زماني العقد الفضولي و الإجازة ملكا لمالكه المجيز و للمشتري.

أمّا المالك فللزوم مالكيته حين الإجازة. و أمّا المشتري فلكشف الإجازة عن انتقال المبيع إليه من زمان عقد الفضول.

(9) أي: إشكال اجتماع المالكين على مال واحد في زمان واحد ملكية عرضيّة.

(10) حيث اعترض المصنف قدّس سرّه على الكشف الحقيقي المنسوب إلى المشهور بوجوه، و قال في ثالثها: «ان هذا المعنى على حقيقته غير معقول، لأنّ العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير له، لاستحالة خروج الشي ء عمّا وقع عليه ..

إلخ» و لأجله التزم بمقالة شيخه شريف العلماء قدّس سرّه من الكشف الحكمي، فراجع (ص 55).

ص: 282

في كاشفيّة الإجازة على الوجه المشهور (1) من كونها شرطا متأخّرا يوجب حدوثه تأثير السبب المتقدّم من زمانه (2).

______________________________

(1) و هو شرطية نفس الإجازة، بأن توجد في العقد صفة المؤثرية من حين وقوعها بعد أن لم يكن واجدا لها حين وقوعه.

(2) متعلق ب «تأثير» يعني: من زمان تحقق السبب المتقدم و هو عقد الفضول، و الأولى تأنيث ضمير «حدوثه» لرجوعه إلى الإجازة. أو إرجاع الضمير الى «شرطا».

و بالجملة: فعلى ما أفاده المصنف قدّس سرّه لا يلزم تعدّد المالكين على مال واحد في زمان واحد، لأنّ المالك الأصلي- و هو الأب في المثال المذكور- مالك إلى زمان العقد الثاني الواقع بين الأب و الابن، و المال ملك للأب فقط إلى زمان العقد الثاني. و بعد العقد الثاني ملك للابن فقط إلى زمان إجازته لعقده الفضولي، و من زمان إجازته ينتقل إلى المشتري من زمان مالكيته الحاصلة بالعقد الثاني الواقع بينه و بين أبيه. فلم يجتمع مالكان عرضيان على مال واحد في شي ء من هذه المراحل، بل المالك في جميعها واحد [1].

______________________________

[1] و لا يخفى أنّ إشكال لزوم اجتماع المالكين- بناء على الكشف- لا يندفع إلّا بالكشف الانقلابي، ضرورة أنّ تحديد كاشفية الإجازة بالمحلّ القابل لا يكفي في دفع محذور اجتماع المالكين، فإنّ إجازة العاقد الفضولي- و إن كان تأثيرها من زمان مالكيته لما باعه فضولا- توجب اجتماع المالكين، و هما نفس العاقد الفضولي و مشتريه من زمان مالكيته إلى زمان إجازته.

و بالجملة: فجواب الشيخ قدّس سرّه- بكون الإجازة لا تؤثّر إلّا في محل قابل- لا يدفع إشكال اجتماع المالكين في زمان واحد، لأنّ إجازة العاقد الفضولي الذي اشترى من أبيه يوم السبت ما باعه فضولا على عمرو إذا وقعت يوم الأحد كشفت عن مالكية عمرو لهذا المال من يوم السبت. فهذا المال صار من يوم السبت إلى زمان الإجازة مملوكا للعاقد الفضولي و لعمرو، فلا محيص عن التزام صاحب المقابس ببطلان الفضولي في جميع الموارد، و عدم الوجه في التفصيل بين مسألتنا و هي من باع ثم ملك و أجاز، و بين سائر العقود الفضولية.

و الحاصل: أنّ الجمع بين الكشف الحقيقي و بين مالكية المجيز حين الإجازة

ص: 283

..........

______________________________

فتلخص من جميع ما تقدم أمور:

الأوّل: أنّ إشكال المقابس في الأمر الرابع هو لزوم اجتماع مالكين على مال واحد في زمان واحد.

الثاني: أنّ هذا الإشكال ناش عن الكشف المشهوري، و هو دخل نفس الإجازة في صحة العقد الفضولي، لا وصف التعقب و اللحوق.

الثالث: دفع المقابس الإشكال العام بالملكية الصورية في المجيز.

الرابع: إشكالات المصنف قدّس سرّه عليه:

أحدها: ما أفاده في (ص 274) بقوله: «قد عرفت أن القائل بالصحة ملتزم بكون الأثر» و حاصله: أنّ القائل بصحة بيع «من باع شيئا ثم ملكه و أجاز» إنّما يقول بصحته من زمان تملّك العاقد الفضولي له، و هو يوم السبت، لا من زمان وقوع العقد الفضولي و هو يوم الجمعة، حتى يلزم المحذور الذي ذكره صاحب المقابس قدّس سرّه و هو اجتماع المالكين، و هما المالك الأصلي كالأب في المثال، و المشتري و هو عمرو الذي اشترى المال من العاقد الفضولي يوم الجمعة.

ثانيها: ما أفاده بقوله: (ص 280): «ثم أن ما أجاب به عن الإشكال الوارد في مطلق الفضولي لا يسمن».

و حاصل إشكاله على صاحب المقابس هو: أنّه يلزم من الإجازة بطلانها، لكون الإجازة من غير المالك، و هي لا تجدي، و لذا لو أجاز باعتقاد كونه مالكا، ثم تبيّن عدم مالكيته، لم تنفع إجازته، لكون المالكية من الشرائط الواقعيّة.

ثالثها: ما أفاده بقوله في (ص 281): «ثمّ إنّ ما ذكره في الفرق بين الإجازة و العقد الثاني .. إلخ». و حاصل إشكال المصنف على صاحب المقابس قدّس سرّهما هو: أنّ دعوى كفاية الملك الصوري في إجازة المالك في العقود الفضولية و عدم كفايته في العقد الثاني- و هو الجاري بين المالك الأصلي و هو الأب في الفرض و ولده- تحكّم صرف.

______________________________

لا يحصل إلّا بالكشف الانقلابي المراد به انقلاب العقد عن عدم مؤثريته حين وجوده إلى مؤثريته من زمان وقوعه، و إلّا فلا بدّ من ناقلية الإجازة.

ص: 284

[الخامس: أنّ الإجازة المتأخّرة لمّا كشفت عن صحّة العقد الأول ..]

الخامس (1): أنّ الإجازة المتأخّرة (2) لمّا كشفت عن صحّة

______________________________

رابعها: ما أفاده في (ص 282) بقوله: «مع أن الإجازة رفع اليد» و محصل إشكاله على صاحب المقابس: أنّ الإجازة كالعقد في رفع اليد عن الملك، و قد مرّ تفصيله آنفا.

و قد ظهر أنّ صاحب المقابس قائل بصحة عقد الفضولي فيما عدا مسألة من باع شيئا ثم ملكه، و ببطلانه فيها.

(1) هذا خامس الأمور من وجوه الخلل في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» مما اعترض بها صاحب المقابس قدّس سرّه على القول بصحة بيع من باع ثم ملك و أجاز. و مبنى هذا الوجه الخامس كسابقه هو القول بالكشف الحقيقي. و هو يتضمن إشكالات و لوازم فاسدة.

أوّلها: لزوم الدور في إجازة كل واحد من البيعين.

ثانيها: لزومه في صحة كلّ منهما.

ثالثها: توقف صحة كلّ من البيعين على إجازة المشتري من الفضولي، و هو مستلزم لتوال فاسدة كما سيظهر.

و الكلام فعلا في المحذور الأوّل، و توضيحه: أنّه إذا باع زيد مثلا متاع أبيه فضولا على عمرو يوم الجمعة، ثم اشترى زيد ذلك المتاع من أبيه يوم السبت، ثم أجاز زيد يوم الأحد ذلك العقد الفضولي الواقع في يوم الجمعة، فإجازة زيد عقده الفضولي لمّا كانت كاشفة عن صحته و ملكية المال لعمرو من يوم الجمعة، كشفت عن وقوع العقد الثاني الواقع بين زيد و أبيه على ملك عمرو، فلا بدّ من أن يجيز عمرو ذلك العقد الثاني حتى يصحّ، لوقوعه على ملكه.

كما أنّ لازمه أيضا توقف صحة العقد الأوّل- الصادر من الفضولي- على إجازة المالك الأصلي و هو والد زيد، حتى يتملك المشتري و هو عمرو. فصحة كلّ من العقد الأوّل الصادر من الفضولي و العقد الثاني الصادر من المالك الأصلي منوطة بإجازة الآخر، و هذا دور محال.

(2) و هي الصادرة يوم الأحد من المشتري الثاني، و هو العاقد الفضولي الذي اشترى من أبيه يوم السبت ما باعه فضولا يوم الجمعة على عمرو.

ص: 285

العقد الأوّل (1)، و عن كون المال ملك المشتري الأوّل (2)، فقد (3) وقع العقد الثاني (4) على ماله (5)، فلا بدّ (6) من إجازته (7). كما لو بيع المبيع من شخص آخر، فأجاز المالك (8) البيع الأوّل، فلا بدّ (9) من إجازة المشتري البيع الثاني حتّى يصحّ و يلزم.

______________________________

(1) و هو بيع الفضولي مال أبيه على عمرو يوم الجمعة.

(2) و هو عمرو في المثال المذكور.

(3) جواب «لمّا» التوقيفيّة، و المجموع- على وجه- خبر «أنّ الإجازة».

(4) و هو العقد الواقع بين العاقد الفضولي و أبيه على المال الذي بيع فضولا على عمرو.

(5) أي: مال المشتري الأوّل، و هو عمرو.

(6) هذه نتيجة كاشفية الإجازة المتأخرة عن صحة العقد الأوّل، و وقوع العقد الثاني على ماله.

(7) أي: إجازة المشتري الأوّل، و هو عمرو الذي اشترى المال من زيد العاقد الفضولي يوم الجمعة.

(8) أي: المالك الأصلي إذا أجاز البيع الفضولي الأوّل، فلا بدّ أن يجيز المشتري البيع الثاني، و هو البيع الفضولي الثاني، لوقوع البيع الثاني في ملكه.

كما إذا باع زيد مال عمرو فضولا من بكر، و قبل إجازة عمرو له بيع نفس المال من شخص آخر، فللمالك- و هو عمرو- إجازة أيّهما شاء. و لو أجاز البيع الثاني لم يبق موضوع لأن يجيز البيع الأوّل، بل كانت إجازته للثاني ردّا للأوّل، و لا كلام فيه.

و لكن لو أجاز البيع الأوّل، فقد دخل المال في ملك بكر، و له أن يجيز البيع الثاني، لأنّ إجازة عمرو كشفت عن دخول المال في ملك بكر من زمان بيعه منه أوّلا، فوقع البيع الفضولي الثاني في ملكه، فله أن يجيز و أن يردّ.

و الغرض من تنظير مسألة «من باع ثم ملك» ببيع مال واحد مرّتين فضولا- متعاقبا- هو مجرّد اشتراكهما في توقف صحة البيع الثاني على إجازة المشتري في البيع الأوّل.

(9) المراد باللابدية هو أنّ المشتري في البيع إن شاء تصحيح البيع الثاني فعليه

ص: 286

فعلى هذا (1) يلزم توقّف إجازة كلّ من الشخصين على إجازة الآخر.

و توقّف (2) صحّة كل من العقدين و الإجازة (3) على إجازة المشتري غير الفضولي (4).

و هو (5) من الأعاجيب، بل من المستحيل، لاستلزام ذلك (6) عدم تملّك المالك الأصيل

______________________________

إجازته، لا أنّ المراد إلزامه بالإجازة على كل حال حتّى إذا لم يرغب في إجازته.

(1) هذا تتمة كلام صاحب المقابس في تقرير الإشكال الخامس. يعني: فعلى ما تقدم- من لزوم إجازة المشتري الأوّل العقد الثاني- يلزم توقف إجازة كل من الشخصين- و هما المالك الأصلي، و المشتري الأوّل الأصيل الذي اشترى المال من العاقد الفضولي- على الآخر بالتقريب المتقدم آنفا.

(2) معطوف على «توقف» يعني: و يلزم توقف صحة كل من العقدين على الآخر، حاصله: توقف صحة كل من العقدين على إجازة المشتري غير الفضولي و هو عمرو، و ذلك لأنّ صحة العقد الأوّل- و هو بيع الولد مال أبيه فضولا على عمرو- موقوفة على إجازة الولد الذي هو المشتري في العقد الثاني، لأنّه صار مالكا للمال بالعقد الثاني الذي جرى بينه و بين أبيه يوم السبت، فلا بدّ من إجازته حتى يصحّ البيع الأوّل.

و صحة العقد الثاني متوقّفة على إجازة المشتري الأوّل و هو عمرو، لأنّه بعد إجازة الولد للعقد الأوّل يصير عمرو مالكا للمال من يوم الجمعة الذي هو زمان صدور العقد من الولد فضولا، و توقف صحة كل واحد من العقدين على صحة الآخر دور محال، فلا يمكن الالتزام بصحة بيع من باع شيئا ثم ملكه و أجاز.

(3) هذه الكلمة غير موجودة في المقابس، إذ تقدم الكلام في تقريب الدور من ناحية الإجازة، و غرضه بيان الدور من ناحية صحة كل واحد من العقدين. و لعلّ المصنف أضاف هذه الكلمة توضيحا.

(4) و هو عمرو، و المشتري الفضولي هو الولد، حيث إنّه كان في العقد الأوّل فضولا، و صار مشتريا أصيلا في العقد الثاني.

(5) يعني: و توقف صحة كل من العقدين- على إجازة المشتري غير الفضولي- يكون من الأعاجيب.

(6) أي: توقف صحة كل من العقدين على إجازة المشتري غير الفضولي يستلزم

ص: 287

شيئا من الثمن و المثمن، و تملّك (1) المشتري الأوّل المبيع بلا عوض إن اتّحد الثمنان، و دون (2) تمامه إن زاد الأوّل،

______________________________

عدم .. إلخ. و هذا تعليل لكون التوقف المذكور من العجائب، و حاصله: أنّ التوقف المزبور مستلزم للوازم فاسدة.

أحدها: عدم تملك المالك الأصلي- و هو الأب في المثال- شيئا من الثمن و المثمن.

أمّا عدم تملكه الثمن الذي دفعه المشتري الأوّل- و هو عمرو- إلى الولد الذي هو العاقد الفضولي، فلأنّ المفروض أنّ الولد باع المال يوم الجمعة على عمرو، فقبل أن يبيع الأب الذي هو المالك الأصلي ذلك المال على ولده يوم السبت صار عمرو مالكا للمال يوم الجمعة، لما يلحقه من الإجازة يوم الأحد، الكاشفة عن مالكية عمرو من حين العقد الفضولي أعني يوم الجمعة. فالأب باع يوم السبت مال عمرو الذي هو المشتري الأوّل، فيدخل الثمن في ملك عمرو أيضا.

و أمّا عدم تملكه للمثمن فلأنّ إجازة الولد يوم الأحد تكشف عن خروج المثمن عن ملكيّته للأب من يوم الجمعة و دخوله في ملك عمرو، فلم يكن الأب يوم السبت مالكا للمثمن حتى يدخل الثمن في ملكه، فلا يملك المالك الأصلي شيئا من الثمن و المثمن.

(1) معطوف على «عدم» هذا ثاني اللوازم الفاسدة، و حاصله: تملّك المشتري الأوّل- و هو عمرو- المبيع بلا عوض إن اتّحد الثمنان في المقدار، كما إذا كان ثمن العقد الفضولي الواقع في يوم الجمعة عشرة دنانير، و ثمن العقد الواقع في يوم السبت أيضا عشرة دنانير.

فعمرو دفع العشرة إلى العاقد الفضولي يوم الجمعة، و أخذها منه يوم السبت.

(2) معطوف على «بلا عوض» و ضمير «تمامه» راجع إلى الثمن، يعني: أنّ المشتري الأوّل و هو عمرو تملّك المبيع بأقلّ من الثمن الأوّل الذي دفعه إلى العاقد الفضولي يوم الجمعة. كما إذا كان ذاك الثمن عشرة دنانير، و كان الثمن الثاني الواقع في عقد يوم السبت ثمانية دنانير، فالمشتري- و هو عمرو- تملّك المبيع بدينارين.

فالمراد بقوله: «إن زاد الأوّل» هو زيادة الثمن الأوّل على الثمن الثاني كدينارين في هذا المثال.

كما أنّ المراد بقوله: «و مع زيادة» هو تملّك المشتري الأوّل المبيع مع الزيادة، كأن

ص: 288

و مع (1) زيادة إن نقص (2)، لانكشاف (3) وقوعه (4) في ملكه (5)، فالثمن له (6)، و قد كان المبيع له أيضا بما بذله من الثمن، و هو (7) ظاهر.

و الجواب عن ذلك (8) ما تقدّم في سابقه (9)

______________________________

يكون الثمن الأوّل ثمانية دنانير، و الثمن الثاني عشرة دنانير، فيلزم حينئذ أن يتملك المشتري الأوّل المبيع مع دينارين، لزيادة الثمن الثاني بدينارين على الثمن الأوّل.

(1) معطوف على «بلا عوض» يعني: و تملّك المشتري الأوّل المبيع مع زيادة على الثمن الأوّل المفروض نقصانه عن الثمن الثاني بدينارين.

(2) يعني: إن نقص الثمن الأوّل عن الثمن الثاني.

(3) تعليل لعدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثمن و المثمن، و تملك المشتري الأوّل المبيع بلا عوض، أو مع زيادة، أو بدون تمام الثمن الذي دفعه إلى العاقد الفضولي يوم الجمعة.

(4) أي: وقوع البيع الثاني الواقع يوم السبت بين العاقد الفضول و المالك الأصلي.

(5) أي: في ملك المشتري الأوّل الذي هو عمرو في المثال المذكور، و الحال أنّ المبيع كان له أيضا بسبب بذل الثمن الأوّل الذي دفعه إلى العاقد الفضولي يوم الجمعة.

(6) أي: للمشتري الأوّل.

(7) أي: و استلزام توقف كلّ من العقدين على إجازة المشتري غير الفضولي- و هو عمرو في المثال المفروض- عدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثمن و المثمن .. إلخ ظاهر كما عرفت تقريبه.

(8) هذا جواب خامس الإشكالات التي أوردها صاحب المقابس قدّس سرّه على صحّة بيع «من باع مال الغير، ثمّ ملكه و أجاز».

و محصّل هذا الجواب هو: أنّ الإشكال المذكور مبني على كون الإجازة كاشفة عن حصول الملك من حين العقد أعني يوم الجمعة. و هو ممنوع، لما تقدّم من أنّ الإجازة لا بدّ أن تقع في محلّ قابل حتى تؤثّر و تنفّذ العقد، و المحلّ القابل لها هو زمان تملك العاقد الفضولي للمال الذي باعه فضولا، فإنّ زمان تملكه له هو يوم السبت، دون يوم الجمعة الذي وقع فيه البيع الفضولي لذلك المال على عمرو في المثال المفروض.

(9) و هو الإشكال الرابع من إشكالات صاحب المقابس المذكور في (ص 268).

ص: 289

من ابتنائه (1) على وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك من حين العقد، و هو (2) ممنوع.

و الحاصل: أنّ منشأ الوجوه الثلاثة الأخيرة (3) شي ء واحد (4)، و المحال على تقديره (5) مسلّم بتقريرات مختلفة (6) قد نبّه عليه (7) في الإيضاح و جامع المقاصد.

[السادس: أنّ من المعلوم أنّه يكفي في إجازة المالك و فسخه فعل ما هو من لوازمهما]

السادس (8): أنّ من المعلوم

______________________________

(1) أي: من ابتناء ما تقدم، و المراد بما تقدم ذلك الجواب المذكور في الأمر الرابع، و هو منع مبنى الإشكال أعني به كاشفية الإجازة عن صحة العقد من حين وقوعه، حيث قال: «قد عرفت أنّ القائل بالصحة ملتزم بكون الأثر المترتب على العقد الأوّل هو تملك المشتري له من حين ملك العاقد، لا من حين العقد» فراجع (ص 274).

(2) أي: وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك من حين وقوع العقد ممنوع.

(3) و هي الأمر الثالث و الرابع و الخامس من الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدّس سرّه.

(4) و هي كاشفية الإجازة عن النقل و الانتقال من حين وقوع العقد.

(5) هذا الضمير راجع إلى «شي ء واحد».

(6) من لزوم خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله في ملكه، و من لزوم اجتماع المالكين على مال واحد في زمان واحد، و من استلزام وجود الشي ء عدمه، و من محذور الدور.

و لا يخفى ظهور المتن في أنّ فخر المحققين و المحقق الثاني قدّس سرّهما نبّها على منشأ هذه المحاذير. و لكن الموجود في الإيضاح محذور اجتماع مالكين على ملك واحد، فلاحظ قوله قدّس سرّه: «و يحتمل البطلان، لتضاد ملكي شخصين لشي ء واحد بعينه، و قد تحقّق أحد الضدين، فينتفي الآخر». و كلام المحقق الثاني و إن كان أبسط، لكن لم يصرّح فيه بجميع اللوازم الفاسدة التي نبّه عليها في المقابس، فراجع. «1».

(7) أي: على منشأ الوجوه الثلاثة الأخيرة.

(8) هذا سادس الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدّس سرّه، و مرجع هذا الإشكال

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 419، جامع المقاصد، ج 4، ص 73 و 74.

ص: 290

أنّه يكفي (1) في إجازة المالك و فسخه فعل ما هو من لوازمهما (2). و لو (3) باع المالك ماله من الفضولي بالعقد الثاني فقد نقل المال عن نفسه و تملّك الثمن. و هو (4) لا يجامع صحّة العقد الأوّل، فإنّها (5) تقتضي تملّك المالك

______________________________

السادس إلى انتفاء موضوع الإجازة، و هو عقد الفضولي في مسألة «من باع ثم ملك» توضيحه: أنّه قد ثبت في محله أنّ الإجازة و الفسخ- من المالك- يتحقّقان بفعل ما يكون من لوازمهما، كما إذا زوّج زيد امرأة لعمرو فضولا، فباشروها عمرو، فإنّ المباشرة إجازة منه لهذا التزويج الفضولي. كما أنه إذا تزوّج عمرو بأخت تلك المرأة كان تزويج الأخت فسخا له.

و في المقام إذا باع المالك الأصلي و هو الأب- في المثال المفروض- من ابنه بالعقد الثاني ماله الذي باعه ابنه على عمرو مثلا، كان هذا البيع الموجب لخروج المال عن ملكه و دخول الثمن في ملكه فسخا للعقد الفضولي الصادر من ابنه، فلا يبقى حتى يجيزه ابنه الفضولي الذي ملك المال من أبيه بالشراء مثلا. فلا وجه لصحة بيع من باع مال الغير، ثم ملكه و أجاز.

(1) أمّا أنّه يكفي في إجازة المالك فعل ما هو من لوازم صحة العقد فقد سبق الكلام فيه في ثاني تنبيهات الإجازة، فراجع (ص 170).

و أما كفاية فعل ما هو من لوازم الرد، فلما سيأتي في أحكام الرد من أنّه يحصل الرد «بكل فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف و شبههما ..» فراجع (ص 446).

(2) أي: من لوازم الفسخ و الإجازة، و من المعلوم أنّ الصحة و الفسخ ضدّان لا يجتمعان.

(3) عبارة المقابس هكذا: «و لمّا باع ماله على الفضولي ..» و كلمة «لمّا» هنا أنسب من «لو» لأنّه بيان مورد البحث.

(4) أي: بيع المالك ماله بالعقد الثاني من ابنه العاقد الفضولي.

(5) هذا وجه عدم اجتماع نقل المالك المال عن نفسه و تملك الثمن، و محصله: أنّ الجمع بينهما جمع بين النقيضين، حيث إنّ الفسخ يوجب عدم تملك الثمن الأوّل، و صحة العقد الأوّل توجب تملك الثمن الأوّل. و الجمع بين العقد و فسخه جمع بين الوجود و العدم، و هو محال، لكونه جمعا بين النقيضين.

ص: 291

للثمن الأوّل (1). و حيث وقع الثاني (2) يكون فسخا له (3)، و إن (4) لم يعلم بوقوعه، فلا (5) تجدي الإجازة المتأخّرة (6).

______________________________

(1) و هو الثمن المجعول في عقد الفضولي، لأنّ صحة العقد الأوّل تقتضي خروج المبيع عن ملك المالك الأصلي و دخول الثمن في ملكه.

(2) أي: العقد الثاني، و هو بيع الأب من ابنه المال الذي باعه ابنه فضولا من عمرو، فإنّ هذا العقد الثاني يكون فسخا لعقد الفضولي، فلا يبقى مورد للإجازة.

ثم إنّ هذه الجملة وردت في المقابس هكذا: «حيث وقع العقد الأوّل لزم أن يكون فسخا له ..» و الظاهر أنّه سهو من الناسخ، و الصحيح ما أثبته المصنف، إذ لم يجز المالك الأصلي البيع الأوّل حتى يكون فسخا للثاني، بل الأمر بالعكس، فإنّه باع ماله للفضولي، و هذا البيع فسخ عملي للبيع الأوّل الفضولي.

(3) أي: للعقد الأوّل، و حيث إنّه لا يمكن الجمع بين مقتضى العقدين- لأنّ العقد الأوّل يقتضي خروج المال عن ملك المالك الأصلي و ارتفاع ملكيته، و العقد الثاني يقتضي بقاء مالكيّته، و هما لا يجتمعان- لزم فسخ العقد السابق.

(4) وصليّة، يعني: و إن لم يعلم المالك الأصلي بوقوع عقد الفضولي على ماله حتى يتوهّم أنّه مع جهله بعقد الفضولي لا يقصد فسخه ببيع المال من العاقد الفضولي، فلا يكون هذا البيع فسخا لعقد الفضولي، بل هو باق على حاله و قابل للإجازة.

و دفع هذا التوهم بأنّ الردّ كما يحصل بالإنشاء و حلّ العقد، كذلك يتحقق بفعل يفوّت محلّ الإجازة، فينحلّ العقد قهرا، كما في بيع المالك الأصلي ماله، أو عتق عبده الذي بيع فضولا، فإنّ هذا البيع- أو العتق- يفوّت محل الإجازة، كخروج المال عن ملكه.

فالنتيجة: عدم صحة بيع «من باع ثمّ ملك و أجاز» لانعدام عقد الفضولي بالتصرّف المنافي، كالبيع و العتق الصادرين من المالك الأصلي.

(5) الفاء عاطفة لا جوابية، لأن جواب الشرط قوله: «يكون فسخا له».

(6) لعدم وقوع الإجازة في محلّ قابل بعد خروج المال عن ملك مالكه، فلا تجدي الإجازة المتأخرة، و هي إجازة العاقد الفضولي الذي اشترى المال الذي باعه فضولا من مالكه.

ص: 292

و بالجملة: حكم عقد الفضولي قبل الإجازة كسائر العقود الجائزة (1)، بل أولى (2) منها (3). فكما أنّ التصرّف المنافي مبطل لها (4)، كذلك عقد الفضوليّ.

و الجواب (5): أنّ فسخ عقد الفضولي هو إنشاء ردّه. و أمّا الفعل المنافي

______________________________

(1) يعني: أنّ عقد الفضولي يكون كالعقود الجائزة في بطلانه بالتصرف المنافي، كما إذا وهب مالا لزيد مثلا، ثم باعه من عمرو، فإنّ هذا البيع يبطل الهبة و يفسخها.

(2) وجه الأولوية: أنّه لا يترتب شي ء على عقد الفضولي قبل الإجازة، بخلاف العقود الجائزة، فإنّها تقع صحيحة و مؤثرة، فإنّ الهبة مثلا تؤثّر في ملكيّة الموهوب للموهوب له، غاية الأمر أنه يجوز للواهب حلّ العقد و فسخه. فإذا بطلت بمجرّد التصرّف المنافي مع وقوعها صحيحة، كان بطلان عقد الفضولي- الذي لإثبات له- بالتصرف المنافي أولى.

________________________________________

و بعبارة اخرى: ان تصرف المالك في العقود الجائرة يكون رفعا للعقد، و تصرّف المالك في البيع الفضولي يكون دفعا له، و لا ريب في كون الدفع أهون من الرّفع.

هذا بناء على ما نقله المصنف من قوله: «بل أولى منها». و أمّا بناء على ما في المقابس من قوله: «بل أدنى منها» فالمراد واضح أيضا، يعني: أنّ العقد الفضولي قبل الإجازة يكون أقرب إلى البطلان من العقود الجائزة، لكون صحته و تأثيره اقتضائيا لا فعليا، بخلاف العقد الجائز، فإنّه صحيح فعلا و مؤثر في حصول مضمونه.

(3) أي: من العقود الجائزة.

(4) أي: مبطل للعقود الجائزة، كذلك التصرف المنافي مبطل لعقد الفضولي.

(5) هذا جواب الشيخ الأعظم قدّس سرّه عن سادس إشكالات صاحب المقابس.

تقريبه: أنّ فسخ العقد عبارة عن إنشاء ردّ العقد، و مع تحققه ينعدم العقد، و لا يبقى موضوع للإجازة. و لا محيص حينئذ عن الالتزام بما أفاده صاحب المقابس من بطلان بيع «من باع شيئا ثم ملكه و أجاز» حيث إنّ بيع المالك الأصلي ماله المبيع فضولا فاسخ للعقد الفضولي و معدم له، فلا يبقى عقد حتى يجيزه من انتقل إليه المال من مالكه.

لكن الفسخ هنا غير معلوم، لعدم العلم بقصد المالك إنشاء الفسخ بالفعل المنافي، خصوصا مع جهله بوقوع عقد الفضول على ماله، و مع عدم إحراز الفسخ لا وجه للحكم بإنعدام العقد حتى يقال بعدم محلّ قابل للإجازة.

نعم غاية ما في الباب أنّ الفعل المنافي يفوّت محلّ الإجازة، إمّا مطلقا و بالنسبة إلى

ص: 293

لمضيّه (1)- كتزويج المعقودة فضولا نفسها من آخر (2)، و بيع (3) المالك ماله المبيع فضولا من آخر (4)- فليس (5) فسخا له، خصوصا مع عدم التفاته إلى وقوع عقد الفضوليّ. غاية (6) ما في الباب أنّ الفعل المنافي لمضيّ العقد مفوّت لمحلّ الإجازة، فإذا فرض وقوعه (7) صحيحا فات محلّ الإجازة، و يخرج العقد عن قابليّة الإجازة، إمّا مطلقا كما في مثال التزويج (8)، أو بالنسبة (9) إلى من فات محلّ الإجازة بالنسبة إليه كما في مثال البيع، فإنّ محلّ الإجازة إنّما فات بالنسبة إلى الأوّل (10)،

______________________________

كل أحد كما في مثال التزويج، فإنّ محلّ الإجازة فيه هي المرأة غير المزوّجة، فإذا زوّجت نفسها بغير من زوّجها الفضولي، فقد فات محلّ الإجازة مطلقا، لصيرورتها مزوّجة.

و إمّا بالنسبة إلى شخص خاصّ، لا كلّ أحد كالمقام، فإنّ محلّ الإجازة بالنسبة إلى خصوص المالك الأصلي الذي نقل المال عن ملكه، فإنّه لا مال له حتى يجيز. و أمّا بالنسبة إلى غيره- و هو المالك الجديد- فلم يفت محلّ إجازته.

(1) هذا الضمير و ضمير «رده» راجعان إلى «عقد الفضولي».

(2) أي: من غير من زوّجت له فضولا.

(3) معطوف على «تزويج المعقودة».

(4) أي: من غير الشخص الذي باع الفضولي ذلك المال منه.

(5) هذا جواب «و أمّا» و ضمير «له» راجع إلى «عقد الفضولي».

(6) بعد أن نفى تحقق الفسخ بالفعل المنافي للعقد أراد إثبات فائدة الفعل المنافي و عدم لغويته، و قال: إنّ فائدته تفويت محل الإجازة مطلقا كمثال التزويج المذكور، أو بالنسبة إلى شخص خاص كالمالك الأصلي على ما تقدم آنفا.

(7) أي: وقوع الفعل المنافي صحيحا لا فاسدا، إذ مع فساده لا يفوت محل الإجازة.

(8) لما مرّ آنفا من أنّ محلّ الإجازة في النكاح هي المرأة غير المزوّجة، و كعتق العبد المبيع فضولا، فإنّه مفوّت لمحلّ إجازة بيع الفضول بالنسبة إلى كل أحد، لا المالك المعتق للعبد، و لا للعاقد الفضولي، لأنّ الحرّ لا يعود رقّا، فيزول عقد الفضول رأسا و ينعدم عقلا.

(9) معطوف على «إمّا مطلقا»، فتختلف الأفعال المنافية للعقد من إسقاطها لقابلية الإجازة مطلقا، أو بالنسبة إلى بعض دون بعض.

(10) أي: المالك الأوّل، فإنّ محلّ الإجازة- و هو المال- فات بالنسبة إلى مالكه

ص: 294

فللمالك الثاني (1) أن يجيز.

نعم (2) لو فسخ المالك الأوّل نفس العقد (3) بإنشاء الفسخ بطل العقد من حينه (4) إجماعا (5)، و لعموم (6) «تسلّط الناس على أموالهم» بقطع (7) علاقة الغير عنها.

فالحاصل (8): أنّه إن أريد من كون البيع الثاني فسخا إنّه إبطال لأثر العقد في

______________________________

الأصلي، فإذا باع الفضولي كتاب زيد من عمرو، ثم باع زيد ذلك الكتاب من بكر، فإنّ محلّ الإجازة- و هو ذلك الكتاب- فات بالنسبة إلى زيد الذي هو المالك الأوّل، لخروج الكتاب عن ملكه، و لم يفت بالنسبة إلى بكر الذي هو المالك الثاني، لدخول الكتاب في ملكه، فله السلطنة عليه ببيعه و إجازة عقد الفضولي الواقع عليه.

و إن شئت فقل: إنّ الكتاب بوصف كونه مبيعا فضولا انتقل إلى بكر، فله الإجازة و الردّ، فإذا أجاز نفذ العقد.

(1) و هو بكر الذي ملك الكتاب المبيع فضولا بالشراء من مالكه، و هو زيد.

(2) استدراك على ما أفاده من بقاء محلّ الإجازة للمالك الثاني و هو بكر في المثال.

و حاصل الاستدراك: أنّه قد يفوت محلّ الإجازة بالنسبة إلى المالك الثاني أيضا، كما إذا فسخ المالك الأوّل- و هو زيد- نفس عقد الفضولي بإنشاء الفسخ، بأن يقول: «فسخت عقد الفضول الواقع على كتابي» فإنّ العقد إذا انفسخ و انعدم لا يبقى محلّ لإجازة أحد من المالكين الأوّل و الثاني.

(3) يعني: من دون الإكتفاء بالفعل المنافي المعرّى عن قصد إنشاء الفسخ.

(4) أي: من حين الفسخ، لا من حين وقوع العقد.

(5) هذا من أدلّة بطلان عقد الفضولي على تقدير فسخ المالك له.

(6) هذا دليل آخر على بطلان عقد الفضولي بفسخ المالك له، حيث إنّ مقتضى قاعدة سلطنة الناس على أموالهم جواز قطع علاقة الغير عن أموالهم.

(7) متعلق ب «تسلّط».

(8) يعني: فالحاصل من جواب المصنف قدّس سرّه عن سادس إشكالات صاحب المقابس قدّس سرّه هو: أنّه إن أريد بكون البيع الثاني- أي بيع المالك ماله الذي بيع فضولا- فسخا للبيع الأوّل إبطال أثر العقد الأوّل الفضولي في الجملة، فهو مسلّم، حيث إنّ المالك الأوّل باع ماله الذي بيع فضولا، فلا مال له حتى يجيز عقد الفضولي الواقع عليه سابقا.

ص: 295

الجملة (1) فهو (2) مسلّم، و لا يمنع ذلك (3) من بقاء العقد متزلزلا بالنسبة إلى المالك الثاني، فيكون له الإجازة. و إن (4) أريد أنّه إبطال للعقد رأسا (5) فهو ممنوع، إذ لا دليل على كونه كذلك (6). و تسمية (7) مثل ذلك الفعل ردّا في بعض الأحيان من (8) حيث إنّه (9) مسقط للعقد عن التأثير بالنسبة

______________________________

لكنه لا يمنع من بقاء عقد الفضولي متزلزلا و قابلا للإجازة بالنسبة إلى المالك الثاني، و هو الذي اشترى ذلك المال من المالك الأوّل، فله الإجازة، لقاعدة السلطنة.

و إن أريد بكون البيع الثاني فسخا إبطال العقد الفضولي و حلّه رأسا و إعدامه عن صفحة الوجود- بحيث يسقط عن التأثير و إن أجاز مالكه الفعلي، و هو الذي اشترى المال المبيع فضولا من المالك الأوّل- فهو ممنوع، إذ لا دليل على كون البيع الثاني كذلك.

و توهّم أنّ تعبير الفقهاء عن بيع المالك الأوّل بكونه ردّا لعقد الفضولي ظاهر في بطلان عقد الفضولي رأسا، مدفوع بأنّ المراد بالردّ هو إسقاط العقد عن التأثير بالنسبة إلى فاعل الفعل الثاني- و هو المالك الأوّل- بحيث تكون الإجازة منه بعد بيعه لغوا، لأنّه ليس مالكا للمال حتى تكون له الإجازة.

(1) يعني: بالنسبة إلى المالك الأوّل.

(2) جواب الشرط في قوله: «إن أريد».

(3) أي: كون الفسخ إبطالا لأثر العقد في الجملة.

(4) معطوف على «إن أريد» و قد مرّ آنفا توضيحه بقولنا: «و إن أريد بكون البيع الثاني فسخا .. إلخ».

(5) بحيث لا يقبل الإجازة من أحد أصلا، لا من المالك الأوّل، و لا من المالك الثاني،

(6) يعني: لا دليل على كون البيع الثاني إبطالا للعقد الأوّل الصادر من الفضول رأسا.

(7) هذا إشارة إلى وهم اتضح آنفا بقولنا: «و توهّم أن تعبير الفقهاء عن بيع .. إلخ».

(8) خبر «و تسمية» و دفع للتوهم المزبور، و قد مرّ تقريبه بقولنا: «مدفوع بأنّ .. إلخ».

(9) أي: ذلك الفعل، و هو البيع الصادر من المالك الأوّل، فإنّه مسقط لعقد الفضول و هو العقد الأوّل. و وجه الإسقاط: أنّ المالك بسبب بيعه يصير أجنبيّا عن المال،

ص: 296

إلى فاعله (1) بحيث تكون الإجازة منه بعده (2) لغوا.

نعم (3) لو فرضنا قصد المالك من ذلك الفعل (4) فسخ العقد بحيث يعدّ فسخا فعليّا، لم يبعد (5) كونه كالإنشاء بالقول. لكنّ الالتزام بذلك (6) لا يقدح في المطلب (7)، إذ (8) المقصود أنّ مجرّد بيع المالك لا يوجب بطلان العقد (9)، و لذا (10) لو فرضنا انكشاف فساد هذا البيع بقي (11) العقد على حاله من قابليّة لحوق الإجازة.

______________________________

فلا يكون مالكا له حتى تنفذ إجازته، فلو أجاز كانت إجازته لغوا.

(1) أي: فاعل ذلك الفعل البيعي الصادر من المالك الأوّل.

(2) أي: بعد الفعل، و ضمير «منه» راجع إلى «فاعله».

(3) استدراك على لغويّة إجازة المالك الأوّل عقد الفضول، و حاصل الاستدراك:

أنّه يمكن أن لا تكون إجازته لغوا فيما إذا قصد المالك الأوّل ببيعه فسخ عقد الفضول بحيث يندرج فعله في الفسخ الفعلي كالإنشاء بالقول.

(4) و هو بيع المالك الأوّل.

(5) جواب الشرط في «لو فرضنا» و قوله: «فسخ» مفعول ل «قصد المالك».

(6) أي: بقصد المالك فسخ عقد الفضول من بيعه.

(7) و هو بقاء العقد الأوّل- أعني به عقد الفضولي- بالنسبة إلى المالك الثاني الذي اشترى المال المبيع فضولا من مالكه الأوّل.

(8) تعليل لعدم القدح، و حاصله: أنّ مجرّد بيع المالك من حيث إنّه بيع- ما لم يكن مصداقا لعنوان فسخ العقد- لا يوجب بطلان العقد الفضولي.

(9) أي: العقد الذي أوقعه الفضول يوم الجمعة مثلا، و اشترى العاقد الفضول ذلك المال من مالكه يوم السبت.

(10) يعني: و لأجل عدم كون بيع المالك بنفسه بعد بيع الفضول مبطلا لعقد الفضولي، لو فرض انكشاف فساد بيع المالك الواقع يوم السبت كان عقد الفضول الواقع يوم الجمعة باقيا على حاله، و قابلا للإجازة، فيجوز لمالكه الأوّل إجازته.

(11) جواب «لو فرضنا» أي: بقي بيع المالك الواقع في يوم السبت- الذي هو الزمان المتأخر عن زمان وقوع عقد الفضولي، و هو يوم الجمعة- على حاله.

ص: 297

و أمّا الالتزام (1) في مثل الهبة و البيع في زمان الخيار بانفساخ (2) العقد من ذي الخيار بمجرّد الفعل المنافي (3)، فلأنّ (4) صحّة التصرّف المنافي تتوقّف على فسخ العقد (5)، و إلّا (6) وقع في ملك الغير. بخلاف ما نحن فيه (7)، فإنّ (8) تصرّف المالك في

______________________________

(1) إشارة إلى إشكال على عدم كون بيع المالك موجبا لبطلان عقد الفضولي.

تقريبه: أنّه إذا لم يكن هذا التصرف البيعي مبطلا و منافيا لعقد الفضولي فلم لم يلتزم الفقهاء ببطلان العقد الجائز بالتصرف المنافي له من بيع أو هبة أو صلح أو غيرهما. كما إذا باع زيد مثلا داره من عمرو بخيار في مدة شهر، ثم باعها في أثناء مدّة الخيار من بكر، أو وهبها أو صالحها، فإنّهم يلتزمون بصحة هذه العقود الجارية في مدة الخيار، و بطلان البيع الخياري بهذه العقود. و كذا إذا وهبها ثم باعها قبل لزوم الهبة، فإنّ صحة البيع منوطة ببطلان الهبة، و إلّا لا يقع البيع صحيحا، لوقوعه في ملك الغير.

(2) متعلق ب «الالتزام»، و «في زمان» ظرف مستقر.

(3) كالبيع و الهبة و الصلح الواقعة في زمن الخيار على المبيع الخياري.

(4) جواب «و أما» و هذا دفع الاشكال المزبور، و حاصله: فساد قياس بيع المالك ماله- المبيع فضولا- بالتصرّف المنافي الصادر من ذي الخيار، أو من العاقد في العقود الجائزة كالهبة قبل عروض ما يوجب لزومها، و ذلك لأنّ صحة التصرف المنافي موقوفة على بطلان العقد الخياري أو العقد الجائز، ضرورة أنّ صحة هبة المبيع الخياري أو بيعه أو صلحه منوطة ببطلان البيع ليقع التصرف المنافي في ملكه، و إلّا يقع في ملك الغير، فينعقد باطلا.

(5) أي: العقد الجائز ذاتا كالهبة، أو عرضا كالبيع المجعول فيه الخيار.

(6) أي: و إن لم ينفسخ العقد الجائز ذاتا أو عرضا، وقع التصرف المنافي في ملك الغير.

(7) و هو بيع المالك المبيع الفضولي، للفرق بينه و بين صدور التصرف المنافي من ذي الخيار.

(8) إشارة إلى وجه الفرق بين ما نحن فيه و بين التصرف المنافي الصادر من ذي

ص: 298

ماله المبيع فضولا صحيح في نفسه، لوقوعه في ملكه، فلا يتوقّف على فسخه، غاية الأمر أنّه إذا تصرّف فات محلّ الإجازة.

و من ذلك (1) يظهر ما في قوله رحمه اللّه أخيرا: «و بالجملة: حكم عقد الفضولي

______________________________

الخيار، و كون القياس مع الفارق.

و حاصل وجه الفرق هو: أنّ بيع المالك ماله المبيع فضولا صحيح في نفسه، و لا تتوقف صحته على شي ء، لوقوعه في ملكه الذي هو موضوع قاعدة السلطنة. و بيع ماله كغيره من التصرفات الخارجية و الاعتبارية من آثار سلطنته على ماله، فلا شبهة في صحته في نفسه، من دون توقف صحته على بطلان عقد الفضولي.

بخلاف التصرف المنافي من ذي الخيار، فإنّ صحته موقوفة على بطلان ذلك العقد الجائز ذاتا أو عرضا، فلا محيص عن الالتزام ببطلان العقد الجائز، و إلّا يلزم اجتماع الضدين- و هما المالكان- على مال واحد. و هذا المحذور لا يلزم من صحة كلّ من العقد الفضولي و التصرف المنافي.

نعم هذا التصرف البيعي يوجب- بالنسبة إلى المالك- فوات محلّ إجازة البيع الفضولي الصادر من الفضول قبل صدور البيع من المالك، إذ المفروض خروج المال عن ملكه، فليس له إجازة البيع الفضولي، للزوم كون المجيز مالكا حين الإجازة.

(1) أي: و من وجه الفرق- بين الالتزام بانفساخ العقد من ذي الخيار بمجرّد التصرف المنافي، و بين عدم الالتزام بانفساخ عقد الفضولي، و بطلانه ببيع المالك ماله المبيع فضولا من العاقد الفضولي- يظهر الإشكال فيما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه أخيرا من: أنّ حكم عقد الفضولي حكم سائر العقود الجائزة، بل أولى.

وجه الإشكال: أنّ عقد الفضولي متزلزل حدوثا، إذ لا يترتب عليه أثر إلّا بعد الإجازة، فحدوثه متزلزل. بخلاف العقود الجائزة، فإنّها صحيحة حدوثا، لترتب الأثر عليها، و متزلزلة بقاء.

ص: 299

حكم سائر العقود الجائزة، بل أولى (1)» فإنّ (2) قياس العقد المتزلزل من حيث الحدوث على (3) المتزلزل من حيث البقاء قياس مع الفارق [1]، فضلا عن دعوى الأولويّة، و سيجي ء مزيد بيان لذلك (4) في بيان ما يتحقق به الردّ.

______________________________

و الفرق بين التزلزل الحدوثي و البقائي واضح. فقياس المتزلزل الحدوثي على البقائي قياس مع الفارق، إذ الأوّل لا يمنع عن بيع المالك، فالبيع صحيح، مع بقاء عقد الفضولي متزلزلا. بخلاف الثاني، فإنّه مانع عن تصرّف ذي الخيار، فيبطل العقد الجائز بقاء بالتصرف المنافي له.

و بالجملة: فلا جامع بينهما حتى يقاس العقد الفضولي بالعقود الجائزة.

(1) قد تقدم وجه الأولوية في (ص 293).

(2) هذا وجه الظهور، و قد مرّ آنفا توضيحه بقولنا: «و الفرق بين التزلزل الحدوثي و البقائي واضح .. إلخ».

(3) متعلق ب «قياس».

(4) أي: لبطلان قياس العقد المتزلزل الحدوثي على العقد المتزلزل البقائي، و الظاهر أنّ مقصوده ما سيذكره في أحكام الردّ في ما إذا تصرّف المالك بما لا ينافي صحة بيع ماله

______________________________

[1] قد يقال بعدم الفارق، بتقريب: أنّه إذا قلنا بأنّ التصرف من ذي الخيار بنفسه يوجب انفساخ العقد و لو لم ينشأ به الفسخ كان القياس في محله، و الأولوية صحيحة، إذ التصرف ممّن له الحق إذا كان موجبا للانفساخ قهرا، فالتصرف ممّن له الملك بالأولوية.

أقول: الوجه في بطلان العقد الجائز بالتصرف المنافي هو: استحالة اجتماع الضدين، حيث إنّه يستحيل بقاء العقد الجائز الموجب للملكية مع صحة التصرف المنافي الموجب للملكية أيضا، لاقتضاء كليهما مالكية شخصين لمال واحد في زمان واحد، و هو محال، من غير فرق بين كون منشأ جواز التصرف ثبوت الملك أو الحقّ. و عليه فلا وجه للقياس و الأولوية كما ذهب إليه المصنف قدّس سرّه.

ص: 300

[السابع: الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع ما ليس عندك]

السابع (1): الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع ما ليس

______________________________

فضولا، حيث إنّه فصّل بين وقوع هذا التصرف حال التفاته إلى بيع ماله فضولا، و بين وقوعه حال الغفلة عنه، فقال في حكم القسم الثاني: «فالظاهر عدم تحقق الفسخ به، لعدم دلالته على إنشاء الرّد، و المفروض عدم منافاته أيضا للإجازة اللّاحقة.

و لا يكفي مجرّد رفع اليد عن الفعل بإنشاء ضدّه مع عدم صدق عنوان الردّ» فلاحظ (ص 459).

و هذا ردّ لما أفاده صاحب المقابس بقوله: «يكون فسخا له و إن لم يعلم بوقوعه» حيث إنّه حكم بعدم تأثير الإجازة حتى في صورة عدم علم المالك بما أنشأه الفضولي.

فيكون حاصل إيراد المصنف عليه أنّه لا وجه لكون هذا التصرّف ردّا في صورة جهل المالك، لأنّ الردّ كالإجازة أمر إنشائي منوط بالقصد المتوقف على العلم بالعقد حتى يفرده أو يجيره.

هذا مضافا إلى التأمل هناك في تحقق فسخ العقد الجائز كالهبة بالتصرف غير المنافي لو وقع في حال عدم الالتفات، فراجع (ص 467).

(1) هذا سابع الإشكالات التي أوردها المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه على صحة بيع «من باع فضولا مال غيره لنفسه ثم ملكه فأجازه» فإنّه لا يقع بالنسبة إلى المخاطب خاصة.

و الفارق بين هذا الوجه السابع و الستة المتقدمة أنّها محاذير عقلية مترتبة على ما اشتهر بينهم من كون الإجازة كاشفة حقيقة عن ترتب الأثر على البيع الفضولي من حين إنشائه، بخلاف هذا الوجه السابع، فإنه دليل نقلي على البطلان.

و لا يخفى أن ظاهر المتن جعل هذا الوجه في عداد الأمور التي ذكرها صاحب المقابس في الحكم ببطلان «من باع شيئا ثم ملكه». مع أنّه ليس كذلك. لأنّ المحقق الشوشتري قدّس سرّه حكم بالفساد، لاشتماله على وجوه من الخلل، و هي الأمور السّتة المتقدمة، ثم قال: «و يدل على ما اخترناه: الأخبار المعتبرة المستفيضة، منها: جملة من

ص: 301

عندك، فإنّ النهي فيها إمّا لفساد البيع المذكور مطلقا بالنسبة إلى المخاطب و إلى

______________________________

الأخبار المتقدمة في الموضع الأوّل» «1» و مراده بالموضع الأوّل بيع الفضولي عينا بقصد وقوعه للمالك، مع وجود مجيز في حال العقد.

و مراده بجملة من الأخبار هي الأخبار التي ارتضى دلالتها على فساد بيع الفضولي، و لكنه قدّس سرّه حملها على ما إذا قصد الفضولي البيع لنفسه، كقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما رواه يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السّلام: «لا بيع إلّا في ملك» حيث إنه ناقش فيها صاحب المقابس بضعف السند، و بأنّها محمولة على «من باع شيئا لنفسه ثم ملكه» حيث قال: «و باحتمال أن يكون المراد بطلان بيع ما يملكه بعد العقد، بأن يبيع مال الغير عن نفسه، ثم يشتريه .. و قد وقع النصّ على هذا المعنى في الروايات الكثيرة، كما يأتي بعضها في المسائل الآتية» «2».

و كذلك حمل صاحب المقابس النبوي «الناهي عن بيع ما ليس عندك» على البيع لنفسه لا للمالك، ثم يمضي و يشتريه من مالكه، فراجع «3».

و الغرض أن مقصوده من قوله في المقام: «الأخبار المتقدمة في الموضع الأوّل» هو ما ورد بلسان «لا بيع إلّا في ملك» أو «لا تبع ما ليس عندك» مما سلّم دلالته على بطلان الفضولي، و حمله على البيع لنفسه.

و كيف كان فتقريب الاستدلال بهذه الأخبار على فساد بيع «من باع مال الغير ثم ملكه و أجاز» يتوقّف على تسلّم أمور.

أحدها: دلالة النهي على فساد المعاملة، إمّا لكونه دالّا في المعاملات على الفساد كدلالته في العبادات على الفساد، و إمّا للإرشاد إلى الفساد في خصوص المقام.

______________________________

(1) المقابس، كتاب البيع، ص 37.

(2) المصدر، ص 19

(3) المصدر، ص 30

ص: 302

المالك، فيكون دليلا على فساد العقد الفضوليّ (1). و إمّا لبيان فساده بالنسبة إلى المخاطب خاصّة (2) كما استظهرناه سابقا (3)، فيكون دالّا على عدم وقوع بيع مال

______________________________

ثانيها: إرادة عدم الملك ب «ما ليس عندك» حتى ينطبق على المقام، لا إرادة عدم القدرة على التسليم، كبيع العبد الآبق و الدابّة الشاردة.

ثالثها: إرادة العين الخارجية من الموصول في قوله: «ما ليس عندك» إذ لا إشكال في صحة بيع الكلي الذمي و إن لم يكن من مصاديقه شي ء عند البائع.

فلو كان المراد بيع الكلي فلا بدّ من كون النهي تنزيهيّا. و حينئذ لا يصحّ الاستدلال بالأخبار الناهية، للزوم حملها على التنزيه أو التقية، للإجماع على جواز بيع الكلي في الذمة.

رابعها: أن يكون النهي فيها إرشادا إلى الفساد في حقّ المخاطب مطلقا و إن ملكه بالشراء أو غيره و أجاز، حتى يكون دليلا على فساد بيع «من باع شيئا ثم ملكه و أجاز» بدعوى الإطلاق من ناحية الآثار، و هي الصحة الفعلية و التأهلية، و من ناحية الأحوال، و هو كون النهي إرشادا إلى عدم نفوذ عقد الفضولي بالنسبة إلى العاقد في جميع الأحوال قبل تملكه للمبيع الفضولي و بعده. و بعد الإجازة.

و أما إذا كان إرشادا إلى فساد العقد مطلقا حتى بالنسبة إلى المالك، فهو دليل على فساد الفضولي مطلقا، و مفروض البحث هو صحة الفضولي في غير ما نحن فيه.

خامسها: أن يكون النهي دالّا على الفساد بقول مطلق- لا على نحو خاص- حتى يدلّ على بطلان عقد الفضولي و إن صار مالكا، إذ لو دلّ النهي على نفي الاستقلال لم يكن دليلا على ما نحن فيه.

(1) مطلقا و إن صار مالكا لما باعه فضولا، و أجاز مالكه.

(2) و هو البائع الفضولي.

(3) بقوله: «و يكون بطلان البيع بمعنى عدم وقوع البيع للبائع .. إلخ» «1».

______________________________

(1) لاحظ هدى الطالب، ج 4، ص 496

ص: 303

الغير لبائعه مطلقا و لو (1) ملكه فأجاز. بل (2) الظاهر إرادة حكم خصوص صورة تملّكه بعد البيع (3)، و إلّا فعدم وقوعه له قبل تملّكه ممّا لا يحتاج إلى البيان.

و خصوص (4) رواية يحيى بن الحجّاج المصحّحة إليه (5)، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقول لي: اشتر لي هذا الثوب، و هذه الدابّة و بعنيها،

______________________________

(1) هذا بيان الإطلاق، فبيع الفضولي لا يقع له مطلقا سواء ملكه بعد بيعه و أجاز أم لا. و هذا غير مدّعى صاحب المقابس، لأنّه قائل بصحة عقد الفضولي في غير «من باع فضولا مال الغير ثم ملكه و أجاز». و هذا الدليل يدلّ على بطلان الفضولي في جميع الموارد.

(2) هذا إضراب عن الإطلاق المزبور، و حاصله: أنّ مورد عدم وقوع بيع مال الغير لبائعه خصوص صورة تملك البائع الفضولي للمبيع فضولا، إذ عدم وقوعه له قبل تملكه لا يحتاج إلى البيان، لوضوح عدم كونه مالكا للمبيع الفضولي حتى يجوز له التصرف.

(3) أي: بعد البيع الفضولي الذي أوقعه يوم الجمعة في المثال المتقدم.

(4) معطوف على «الأخبار المستفيضة».

(5) أي: إلى يحيى بن الحجاج. هذه عبارة الشيخ قدّس سرّه، و عبارة المقابس هكذا «و منها ما رواه الشيخ قدّس سرّه و الكليني قدّس سرّه في الصحيح عن يحيى بن الحجاج .. إلخ» و ليس بين يحيى و الامام عليه السّلام واسطة أصلا حتى يصح التعبير بقوله قدّس سرّه: «المصححة إليه».

و بالجملة: إنّما يصحّ هذا التعبير فيما إذا كان هناك واسطة مجهولة، و لا يعرف كونها ثقة، و المفروض أنّه ليس بين يحيى و أبي عبد اللّه عليه الصلاة و السلام واسطة. و لم يظهر وجه عدول المصنف عن عبارة المقابيس.

قال السيد قدّس سرّه في توجيه العدول المزبور ما لفظه: «لعلّ وجه هذا التعبير من المصنف .. تأمّله في الصحّة بالنسبة إلى من تقدّم على يحيى من الرواة، لا من جهة التأمل في وثاقته، و لا في من قبله، إذ هو يروي عن الامام عليه السّلام بلا واسطة. مع أنّه أيضا ثقة على ما في الخلاصة و النجاشي. فلا وجه لما أورد عليه من: أنه لا وجه لهذا التعبير بعد عدم الواسطة بينه و بين الامام عليه السّلام، فإنّ التعبير المذكور قد يكون في مقام يكون متأمّلا فيمن

ص: 304

أربحك كذا و كذا. قال عليه السّلام: «لا بأس بذلك اشترها، و لا تواجبه (1) البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها» «1».

و رواية (2) خالد بن الحجّاج (3)، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجيئني و يقول: اشتر هذا الثوب و أربحك كذا و كذا. قال: أ ليس إن شاء أخذ و إن شاء

______________________________

تقدّمه من الرواة إمّا واقعا، أو من جهة عدم المراجعة إلى تراجمهم، فتدبّر» «2».

و لم يظهر مراد السيد قدّس سرّه من عبارته التي نقلناها، فلاحظها متدبّرا فيها.

(1) أي: و لا تنشئ إيجاب البيع قبل أن تستوجبها أي قبل أن تقول لمالكه: «بعني» أو قبل أن تشتريها: بأن تقول: «اشتريت» بعد قول المالك: «بعتكها».

(2) معطوف على «رواية يحيى» قال في المقابس: «و ما رواه الشيخ و الكليني عن ابن أبي عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن الحجاج، قال .. إلخ».

(3) كما في بعض نسخ الكافي، و في بعضها الآخر: «خالد بن نجيح» و هذا مختلف فيه: فقد يقال: إنّه ممّن يعتبر روايته، و قد يقال: إنّه من الغلاة. و أمّا خالد بن الحجاج فهو ثقة، و قد تقدم في البحث عن لزوم المعاطاة صحة هذه الرواية بطريق الشيخ، لكون الراوي عن الامام عليه السّلام هو خالد بن الحجاج، و لا تردد فيه بينه و بين ابن نجيح، فراجع. «3»

قال صاحب المقابس قدّس سرّه في تقريب الاستدلال بهذه الرواية: «و المراد بالكلام عقد البيع، فإنّه يحل نفيا و يحرّم إثباتا، أو يحلّ ثانيا و يحرّم أوّلا. و المراد أنّ الكلام الذي جرى بينهما قد يحلّل و قد يحرّم بحسب اختلافه. فإن كان بطريق الإلزام حرمت المعاملة بذلك.

و إن كان بطريق المراضاة من دون إلزام- و إنّما يحصل الإلزام بعد شراء البائع بعقد مستأنف- كانت حلالا» «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 378، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، ح 13

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 165

(3) هدى الطالب، ج 1، ص 582 و 583.

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 37.

ص: 305

ترك؟ قلت: بلى، قال: لا بأس به، إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» «1»، بناء (1) على أنّ المراد بالكلام عقد البيع، فيحلّل نفيا (2) و يحرّم إثباتا، كما فهمه في الوافي «2».

______________________________

فالرواية تدلّ على وجود البأس و المنع في ما لو باع السمسار الثوب قبل أن يشتريه من مالكه. و ينطبق التعليل بجملة «إنما يحلل» عليه، بأنّ الكلام قبل الشراء من مالكه إن كان بعنوان المقاولة و المراضاة لم يكن به بأس، فلكل واحد منهما العدول عنه.

و إن كان بعنوان إنشاء البيع كان منهيّا عنه، فيدلّ على بطلان بيع الفضولي في مسألتنا، و هي «من باع شيئا ثم ملكه».

(1) هذا التعبير غير موجود في العبارة المتقدمة آنفا عن المقابس، لأنّه قدّس سرّه استظهر من جملة «إنّما يحلّل» وجها واحدا، و هو أنّ محاورة السمسار مع الرجل المريد للثوب إن كانت مواعدة لم تمنع من صحة البيع بعد الشراء من مالكه. و إن كانت إنشاء للبيع جدّا كانت باطلة.

و لكن المصنف قدّس سرّه حيث احتمل في هذا التعليل وجوها أربعة «3» أراد التنبيه على توقف دلالة رواية ابن الحجاج- على بطلان بيع من باع ثم ملك- على الاحتمالين الأخيرين المذكورين هناك، و هما في الواقع وجوه ثلاثة، و هي التي ذكرها المصنف في المتن. فلو قيل بالاحتمال الأوّل- الذي استظهره القائلون بعدم إفادة المعاطاة للملك مطلقا أو خصوص الملك اللازم- أو بالاحتمال الثاني كانت الرواية أجنبية عن مسألتنا، هذا.

و لعلّ الأنسب الاقتصار على نقل كلام المقابس، لكونه بصدد بيان أدلته على فساد البيع في «من باع شيئا ثم ملكه» و عدم بناء الاستدلال على ما احتمله المصنف في التعليل، فإنّ هذا الابتناء و إن كان صحيحا، لكن المفروض أنّ صاحب المقابس استظهر معنى واحدا و جعله مبنى استدلاله.

(2) يعني: أنّ عقد البيع إن لم يجر قبل أن يشتري السمسار الثوب من مالكه حلّ ترتيب آثار البيع من الأخذ و الترك عليه. و إن جرى عقد البيع قبله حرم ترتيب آثار البيع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 12، ص 376، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، الحديث 4

(2) الوافي، ج 18، ص 700، ذيل الحديث 18144- 7 «الطبعة الحديثة».

(3) راجع هدى الطالب، ج 1، ص 587- 594

ص: 306

أو يحلّل إذا وقع بعد الاشتراء، و يحرّم إذا وقع قبله (1). أو أنّ (2) الكلام الواقع قبل الاشتراء يحرّم إذا كان بعنوان العقد الملزم، و يحلّل إذا كان على وجه المساومة و المراضاة.

و صحيحة (3) ابن مسلم، قال: «سألته عن رجل أتاه رجل فقال له: ابتع لي متاعا لعلّي أشتريه منك بنقد أو نسيئة، فابتاعه الرجل من أجله (4). قال: ليس به بأس، إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» «1».

______________________________

و عليه فالتحليل و التحريم يضافان إلى وجود الكلام البيعي، و عدمه. و هذا الاحتمال قد نبّه عليه المصنف في باب المعاطاة بقوله: «أن يراد بالكلام في الفقرتين الكلام الواحد، و يكون تحريمه و تحليله باعتبار وجوده و عدمه، فيكون وجوده محلّلا و عدمه محرّما، أو بالعكس» «2».

(1) أي: قبل الاشتراء، فالتحليل و التحريم على هذا الاحتمال يضافان إلى وجود الكلام، و هو خصوص إنشاء العقد، لا المقاولة و المراضاة، و المدار في التحليل و التحريم على التقدم و التأخر، فإذا وقع بيع الثوب بعد اشترائه من مالكه كان محلّلا، و إذا وقع قبل الاشتراء كان محرّما. و هذا الاحتمال نبّه عليه المصنف في المعاطاة بقوله: «أو باعتبار محلّه و غير محلّه، فيحلّ في محلّه، و يحرم في غيره».

(2) هذا الاحتمال هو الذي استظهره صاحب المقابس كما تقدم في عبارته، و جعله المصنف رابع الوجوه في باب المعاطاة، و هو يتوقف على التفكيك في الكلام المحرّم و المحلّل، بجعل المحرّم إنشاء البيع، و المحلّل المراضاة و المواعدة.

(3) معطوف على: رواية يحيى بن الحجاج.

(4) أي: من أجل ذلك الرجل، و بعبارة أخرى: طلب ذلك الرجل صار داعيا إلى أن يشتري الرجل الآخر- كالسمسار- المتاع، لا أنّه صار وكيلا عنه في الابتياع كما قيل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 377، الباب 8 من أبواب العقود، الحديث 8.

(2) هدى الطالب، ج 1، ص 593

ص: 307

و صحيحة (1) منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل أمر رجلا يشتري له متاعا، فيشتريه منه. قال: لا بأس بذلك، إنّما البيع بعد ما يشتريه» (2) «1».

و صحيحة (3) معاوية بن عمّار، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام يجيئني الرجل فيطلب منّي بيع الحرير، و ليس عندي منه شي ء، فيقاولني عليه و أقاوله في الربح و الأجل حتّى يجتمع عليّ شي ء، ثم أذهب لأشتري الحرير، فأدعوه إليه (4)، فقال:

أ رأيت إن وجد هو مبيعا أحبّ إليه ممّا عندك أ يستطيع أن ينصرف إليه عنه و يدعك؟ أو: وجدت أنت ذلك أ تستطيع أن تنصرف عنه؟ قلت: نعم، قال عليه السّلام:

لا بأس» «2».

و غيرها من الروايات (5).

______________________________

(1) معطوف على: رواية يحيى بن الحجاج.

(2) يعني: لا يبيع المتاع من ذلك الرجل الأمر إلّا بعد أن يصير مالكا لذلك المتاع بالاشتراء، إذ لا بيع إلّا في ملك.

(3) معطوف على: رواية يحيى بن الحجاج. و بست هذه الصحيحة مذكورة في المقابس «3»، و آخر النصوص المذكورة فيه المتعلقة بهذه المسألة هي صحيحة منصور بن حازم.

(4) يعني: فادعوا الرجل إلى اشتراء الحرير منّي.

(5) التي جمعها صاحب الوسائل قدّس سرّه في الباب الثامن من أحكام العقود، كصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك، تساومه، ثم تشتري له على النحو الذي طلب، ثم توجبه على نفسك، ثم تبيعه منه

______________________________

(1) الوسائل، ج 12، ص 376، الحديث 6

(2) المصدر، ص 377، الحديث 7.

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 37.

ص: 308

و لا يخفى (1) ظهور هذه الأخبار- من حيث المورد

______________________________

بعد» «1». و قد ذكرها المصنف قدّس سرّه في باب المعاطاة معترفا بورودها في حكم بيع مالا يملكه السمسار.

و كمعتبرة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجيئني، يطلب المتاع، فأقاوله على الربح ثم أشتريه، فأبيعه منه. فقال: أ ليس إن شاء أخذ، و إن شاء ترك؟ قلت: بلى. قال: لا بأس به» «2» الحديث.

و كمعتبرة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، «قال: إن شاء اشترى، و إن شاء لم يشتر؟ قلت: نعم. قال: لا بأس به» «3».

و قريب منها معتبرته الأخرى. فراجع.

(1) هذا من مطالب المقابس، لكنه نقل بالمعنى، و عين عبارته هكذا: «و هذه الروايات ظاهرة الدلالة على عدم جواز البيع قبل الشراء و التملك».

و محصل تقريب الاستدلال بهذه الروايات على عدم صحة بيع الفضولي مال الغير قبل تملّكه لذلك المال: أنّها تدلّ من حيث المورد على ذلك، كرواية يحيى بن الحجاج المذكورة في (ص 308- 304). فإنّ موردها العين الشخصية التي ليست ملكا للفضولي.

و قوله عليه السّلام: «إن شاء أخذ و إن شاء ترك» كناية عن عدم البيع الملزم، فليس للفضولي أن يبيع مال الغير قبل تملّكه له. و إطلاقه يدل على عدم البيع لنفسه.

و صحيح معاوية يدل على عدم بيع مال الغير قبل تملكه له، و إطلاقه يشمل العين الشخصية.

و بعضها يدلّ من حيث التعليل على عدم جواز بيع مال الغير لنفسه قبل تملكه له، كصحيحتي ابن مسلم و منصور بن حازم، و رواية خالد بن الحجاج، فإنّ كلمة «إنّما» في هذه الروايات ظاهرة في عدم جواز البيع قبل الشراء و التملك، سواء باعه لنفسه أم للمالك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 375، الباب 8، من أبواب أحكام العقود، الحديث 1

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 374، الباب 7 من أبواب أحكام العقود، الحديث 3

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 378، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، الحديث 12 و 11

ص: 309

في بعضها (1)، و من حيث التعليل في بعضها الآخر (2)- في (3) عدم صحّة البيع قبل الاشتراء، و أنّه (4) يشترط في البيع الثاني (5) تملّك (6) البائع له، و استقلاله (7) فيه، و لا يكون قد سبق منه و من المشتري إلزام و التزام سابق بذلك المال.

و الجواب عن العمومات (8)، أنّها إنّما تدلّ على عدم ترتّب الأثر المقصود من

______________________________

(1) كصحيح معاوية بن عمار و رواية يحيى بن الحجاج كما مرّ آنفا.

(2) كصحيحي ابن مسلم و منصور، و رواية خالد ابن الحجاج كما تقدم آنفا.

(3) متعلّق ب «ظهور هذه الأخبار».

(4) معطوف على «عدم» يعني: و ظهور الأخبار في أنّه يشترط في البيع .. إلخ».

(5) و هو بيع الرجل المأمور المتاع الذي طلب منه الآمر. فالمراد بالبائع في قوله:

«تملك البائع له» هو الرجل المأمور باشتراء المتاع للرجل الآمر.

(6) نائب فاعل لقوله: «يشترط».

(7) معطوف على «تملك» و ضميرا «له، فيه» راجعان إلى «المال» المذكور سابقا.

(8) هذا جواب المصنف قدّس سرّه عن استدلال صاحب المقابس بالروايات على بطلان بيع من باع مال الغير لنفسه ثم ملكه و أجاز. و قد أجاب أوّلا عن الاستدلال بالعمومات، و ثانيا عن الاستدلال بالأخبار الخاصة.

أمّا الجواب الأوّل فحاصله: أنّ النهي عن بيع مال الغير ليس نهيا تكليفيا عن السبب، و هو التلفظ بألفاظ العقد، لوضوح أنّ التلفظ بلفظ «بعت» ليس من المحرّمات التكليفية كالغناء و الغيبة، بل النهي عن بيع مال الغير إرشاد إلى حكم وضعي، و هو فساد المعاملة، و عدم ترتّب الأثر المقصود- أعني به الانتقال و تبادل المالين- عليها.

و بعبارة أخرى: المراد بالبيع المنهيّ عنه هنا هو البيع بمعناه الاسم المصدري، يعني:

أنّ بيع ما ليس ملكا للبائع لا يترتب عليه أثر بالنسبة إلى كلا المتعاقدين، فليس للبائع التصرّف في الثمن، و لا للمشتري التصرف في المثمن. و أمّا إذا زال عنوان «ما ليس عنده» و تبدّل بعنوان «ما عنده» بسبب الشراء أو الإرث فيزول الحكم و هو الفساد، لتبعيّة الحكم لموضوعه، و يخرج عن الموضوع أعني به «ما ليس عنده» خروجا تخصّصيّا.

فلا مانع حينئذ من صحة بيع الفضولي مال الغير بعد أن صار العاقد الفضولي

ص: 310

البيع- و هو النقل و الانتقال (1) المنجّز- على (2) بيع ما ليس عنده، فلا يجوز ترتّب (3) الأثر على هذا البيع (4)، لا من طرف البائع بأن يتصرّف في الثمن، و لا من طرف المشتري بأن يطالب البائع بتسليم المبيع [1].

______________________________

مالكا له، لأنّ صحته مما تقتضيها عمومات صحة بيع المالكين لأموالهم، فلا تحتاج صحته- بمجرد انتقال المال إلى الفضولي أو مع الإجازة- إلى دليل.

و أمّا الجواب الثاني فحاصله أنّ الأخبار الخاصة لا تدلّ إلّا على عدم ترتب الأثر على بيع ما ليس عنده، فإنّ المثبت في بيع ما عنده- أعني به ترتب الأثر المقصود- هو المنفيّ في بيع ما ليس عنده.

(1) الذي هو البيع بمعنى الاسم المصدري.

(2) متعلق ب «ترتّب الأثر».

(3) الأولى إبداله ب «ترتيب الأثر».

(4) أي: بيع مال الغير فضولا.

______________________________

[1] و قد نوقش في هذا الجواب بما حاصله: أنّ إطلاق النهي عن ترتيب الأثر المقصود يشمل كلتا صورتي إجازة العاقد الفضولي الذي صار مالكا فعليا لما باعه فضولا و عدم إجازته. و لا يكفي في صحة هذا العقد الفضولي العمومات الدالة على صحة العقود، و ذلك لأنّ المفروض خروج المورد من حين وقوعه عن حيّزها، فلا معنى لشمولها له بعد ذلك. نظير بطلان العقد لفقد بعض الشرائط الأخر، كعدم القدرة على التسليم، فإذا باع متاعا لا يقدر على تسليمه فهل يصح ذلك البيع بعد أن صار قادرا على تسليمه؟ أو باع شيئا مجهولا، و بعد مدّة صار معلوما.

و الحاصل: أنّه إذا فرض شرطية مالكية المبيع لصحة البيع فلا محالة يكون فقدانها موجبا لوقوع البيع باطلا، فلا تشمله عمومات الصحة، فصحته بعد وجود الشرط تحتاج الى دليل. و أيّ فرق بين شرطية الملكية و بين سائر الشرائط، كمعلوميّة العوضين و القدرة على التسليم، و عدم الغرر، فإنّ فقدانها حين العقد يوجب بطلانه دائما، و لا يصحّ العقد بعد وجودها.

و بالجملة: فعقد الفضولي الواقع لنفسه لا للمالك لا يصح، و إن اشتراه الفضولي بعد ذلك و أجاز.

ص: 311

______________________________

و يظهر من هذا البيان حال الأخبار الخاصّة، فإنّ مقتضى إطلاقها أيضا بطلان البيع قبل الشراء و لو مع الإجازة. هذا بالنسبة إلى فرض المسألة.

و أمّا بالنسبة إلى مطلق الفضولي فعدم التزامنا ببطلانه إنّما هو لدعوى عدم شمول النهي له، حيث إنّ ظاهر النهي عن بيع ما ليس عنده أو ليس ملكا له هو النهي عن بيعه لنفسه لا لمالكه، فيكون مشمولا لعمومات الصحة كما يظهر من المصنف قدّس سرّه أيضا. هذا ما أفيد «1».

و يمكن أن يقال: إنّ شرطية مالكية البائع للمبيع تكون في حال إضافة البيع بمعناه الاسم المصدري إليه و لو حصلت هذه الإضافة بعد إيجاب البيع، و من المعلوم أنّ عقد الفضول لا يضاف إلى العاقد الفضولي إلّا بعد الإجازة، فلا يصير بائعا إلّا بعدها، و المفروض أنّه في حال اتصافه بالبائعية يكون مالكا، فتشمله عمومات صحة العقود.

و بعبارة أخرى: معنى «لا تبع ما ليس ملكا لك» هو اعتبار ملكية المبيع للبائع حين اتصافه بالبائعية، و لا يحصل هذا الوصف له إلّا بالإجازة، و المفروض كونه مالكا حينئذ، فيتصف العاقد الفضولي بالبائعية بعد أن صار مالكا، كما إذا باع زيد فضولا مال أبيه من عمرو يوم الجمعة، ثم اشتراه من أبيه يوم السبت، ثم أجاز في يوم الأحد بيعه الفضولي الواقع يوم الجمعة. فهذا العاقد الفضولي صار بائعا يوم الأحد، بعد أن ملك المبيع يوم السبت، فلا يصدق على هذا الفضول «أنّه باع مال الغير» حتى يندرج في عموم: لا تبع ما ليس عندك.

و الحاصل: أنّه تفترق شرطية مالكية البائع للمبيع عن سائر الشرائط في أنّ سائر الشرائط شروط للصيغة، ففقدانها حين العقد قادح في صحته، و لا يجدي في صحته حدوثها بعد تحقق الصيغة.

فالنتيجة: أنّ بيع الفضولي الذي ملك المبيع فضولا ثم أجاز صحيح.

و توهّم «كون العاقد الفضول بائعا حين العقد، حيث إنّه باع لنفسه لا للمالك، و المفروض أنّه في ذلك الزمان لم يكن مالكا، فيشمله عموم: لا تبع ما ليس عندك، إذ الاتصاف بالبائعية إنّما يكون حين العقد لا حين الإجازة، فالبيع فاسد لا محالة» فاسد، لمّا مرّ مرارا من أنّ حقيقة البيع هي مبادلة المالين، و ليس قصد كون البيع لزيد أو لعمرو مقوّما

______________________________

(1) حاشية السيد الطباطبائي على المكاسب، ج 1، ص 166

ص: 312

و منه (1) يظهر الجواب عن الأخبار، فإنّها لا تدلّ- خصوصا (2) بملاحظة قوله عليه السّلام: «و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها» (3)- إلّا على (4) أنّ الممنوع منه هو الإلزام و الالتزام من المتبايعين بآثار البيع المذكور قبل الاشتراء (5)، فكذا بعده (6)، من دون حاجة إلى إجازة، و هي المسألة الآتية، أعني لزوم البيع بنفس الاشتراء (7) من دون حاجة إلى الإجازة (8)، و سيأتي أنّ الأقوى فيها (9) البطلان.

______________________________

(1) أي: و من الجواب عن العمومات يظهر الجواب عن الأخبار الخاصة، كصحيح منصور بن حازم و رواية يحيى بن الحجاج و غيرهما، و قد تقدم آنفا بقولنا: «و أما الجواب الثاني فحاصله .. إلخ».

(2) وجه الخصوصية: أنّ إيجاب البيع يوجب التزام المتبايعين بآثار البيع، فالمنهى عنه هو البيع الذي يترتّب عليه الأثر من دون حاجة إلى إجازة مالك جديد.

(3) كما في رواية يحيى بن الحجاج المتقدمة.

(4) متعلق ب «لا تدل» و المستثنى منه محذوف، أي: لا تدلّ الأخبار على شي ء إلّا على .. إلخ.

(5) يعني: قبل اشتراء العاقد الفضولي المتاع- الذي باعه فضولا- من مالكه.

(6) أي: بعد الاشتراء. و الحاصل: أنّ المنهي عنه هو بيع الفضولي، بمعنى التزام المتبايعين بآثار البيع- قبل الشراء من مالكه و بعد الشراء منه- من دون حاجة إلى إجازة، بحيث يكون مجرّد تملّك العاقد الفضولي للمتاع كافيا في لزوم البيع.

(7) أي: من دون اشتراء الفضولي لذلك المتاع.

(8) أي: إجازة الفضولي الذي هو المالك الجديد.

(9) أي: في المسألة الآتية، و هي: ما لو باع الفضوليّ المتاع ثم اشتراه من مالكه، فهل العقد الفضوليّ السابق كاف في الصحة؟ أم يحتاج إلى إجازة الفضولي الذي هو

______________________________

لمفهوم البيع، فقصد كون البيع لفلان لغو، فإضافة البيع إلى شخص معيّن منوط بصيرورته مالكا، كما أنّ العقد لا يكون عقدا للعاقد الفضول إلّا بعد الإجازة.

و منه يظهر وجه الحاجة إلى إجازة العاقد الفضول إذا صار مالكا للمبيع الفضولي، و عدم كفاية مجرّد صيرورته مالكا في صحة عقده الفضولي.

ص: 313

و ما قيل (1): «من أنّ تسليم البائع للمبيع بعد اشترائه إلى المشتري الأوّل (2) مفروض في مورد الروايات (3)، و هي إجازة فعليّة» مدفوع (4) بأنّ التسليم إذا وقع

______________________________

المالك الجديد، فلو لم يجز ذلك العقد الفضولي الأوّل لبطل، لدخوله في مسألة «بيع مال الغير» الذي منع عنه بقوله عليه السّلام: «لا تبع ما ليس عندك» و «لا بيع إلّا في ملك».

(1) القائل صاحب المقابس قدّس سرّه أفاده في ردّ مناقشة الشهيد قدّس سرّه في دلالة الأخبار المتقدمة على فساد بيع «من باع ثم ملك» قال المحقق الشوشتري: «و ما يظهر من الشهيد من حمل نحو هذه الأخبار على ما إذا أراد اللزوم بمجرّد الانتقال- لا بالإجازة بعده- فبعده ظاهر، فإنّه لو كانت الإجازة كافية لما نهي عن البيع قبل ذلك، و لم يؤمر بفعله بعده. مع أنّ التسليم كان يحصل بعده، و هو في حكم الإجازة، لأنّها تحصل بالفعل كما تحصل بالقول» «1».

و تقريب ما نقله المصنف قدّس سرّه عنه هو: أنّ الروايات الخاصة مع تضمنها للإجازة الفعلية- و هي تسليم البائع الفضولي المبيع إلى المشتري- منعت عن بيع الفضول مال الغير قبل تملكه له، فيستفاد من الأخبار الخاصّة النهي عن بيع مال الغير و إن ملكه البائع بعد ذلك، و أجاز البيع الفضولي.

(2) و هو الذي اشترى المتاع من البائع الفضولي يوم الجمعة.

(3) كما في مورد رواية عبد اللّه بن سنان، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتيني يريد منّي طعاما أو بيعا نسيئا، و ليس عندي، أ يصلح أن أبيعه إيّاه و أقطع له سعره، ثم أشتريه من مكان آخر، فأدفعه إليه؟ قال: لا بأس به» «2». و كذا غيرها.

(4) خبر «و ما قيل» و دفع له، توضيحه: أنّ الفعل و إن كان أحيانا إجازة كالقول، لكن اتصافه بالإجازة منوط بكونه عن سلطنة و استقلال، لأنّها من شؤون سلطنة الناس على أموالهم، فلا بدّ أن تكون الإجازة مطلقا- فعلا أو قولا- صادرة عن إرادة و اختيار، لا عن الإكراه و الإجبار.

و عليه فالتسليم إلى المشتري الأوّل إذا نشأ عن اعتقاد لزوم البيع السابق الواقع

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 37

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 376، الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث: 2

ص: 314

باعتقاد لزوم البيع السابق، و كونه من مقتضيات لزوم العقد، و أنّه (1) ممّا لا اختيار للبائع فيه، بل يجبر عليه إذا امتنع، فهذا (2) لا يعدّ إجازة، و لا يترتّب عليه أحكام الإجازة في باب الفضولي، لأنّ (3) المعتبر في باب الإجازة قولا و فعلا ما (4) يكون عن سلطنة و استقلال، لأنّ (5) ما يدلّ على اعتبار طيب النفس في صيرورة مال الغير حلالا لغيره يدلّ (6) على عدم كفاية ذلك (7).

نعم (8) يمكن أن يقال: إنّ مقتضى تعليل نفي البأس في رواية خالد

______________________________

يوم الجمعة في المثال المفروض- و صيرورته مجبورا على التسليم إذا امتنع- لم يكن هذا التسليم أجازه في باب الفضولي، إذا مع اعتقاد لزوم البيع- و كون لزوم التسليم من مقتضياته- لا يبقى له سلطنة و استقلال.

(1) هذا و «كونه» معطوفان على «لزوم» و مفسّران له.

(2) جواب قوله: «إذا وقع» و جملة الشرط و الجواب خبر قوله: «ان التسليم».

(3) تعليل لقوله: «لا يعدّ اجازة» و قد مرّ توضيحه آنفا.

(4) خبر «أن المعتبر»، و «قولا أو فعلا» تمييزان للإجازة.

(5) تعليل لقوله: «لأنّ المعتبر» و محصّله: أنّ وجه اعتبار السلطنة و الاستقلال في الإجازة هو دلالة دليل الإجازة على ذلك، حيث إنّ ما يدلّ على اعتبار طيب النفس في حلية مال شخص لغيره كالصريح في ذلك، فإن طيب النفس لا يحصل إلّا في ظرف عدم ملزم لمالك المال بالإجازة، إذ مع وجوده لا يحصل طيب النفس، بل قد تحصل الكراهة التي هي ضدّه.

(6) خبر لقوله: «لأن ما يدل».

(7) و هو تسليم البائع الفضولي المبيع- بعد اشترائه من مالكه الأصلي- إلى المشتري باعتقاد لزوم البيع السابق، و كون التسليم واجبا عليه، لأنّه من مقتضياته.

(8) استدراك على ما أفاده في الجواب عن استدلال صاحب المقابس بالأخبار، و حاصل الاستدراك: أنّ الامام عليه الصلاة و السلام علّل نفي البأس في رواية خالد بن الحجاج بقوله: «أ ليس إن شاء أخذ، و أشاء ترك» و هذا التعليل ظاهر في ثبوت البأس و المنع في البيع المتحقق بين السمسار و المشتري منه، بحيث لو كان المشتري ملزما بأخذ

ص: 315

المتقدّمة (1) «بأنّ (2) المشتري إن شاء أخذ و إن شاء ترك» ثبوت (3) البأس في البيع السابق بمجرّد لزومه على الأصيل. و هذا (4) محقّق فيما نحن فيه (5)، بناء (6) على ما تقدّم (7) من أنّه ليس للأصيل في عقد الفضوليّ فسخ المعاملة [1] قبل إجازة المالك أو ردّه.

______________________________

الثوب- و لم يكن له الخيار بين الأخذ و الترك- لكان فاسدا.

و هذا المطلب محقّق في مسألة «من باع ثم ملك» فيكون باطلا، و ذلك لما تقرّر في ثمرات الكشف و النقل من أنّ الأصيل لا يجوز له رفع اليد عمّا أنشأه مع الفضول، بل عليه التربص إلى أن يجيز المالك أو يرد. و حيث إنّ المشتري من الفضولي في مسألة «من باع» ملزم شرعا بالبقاء على مضمون العقد و مقتضاه، كان مفهوم قوله عليه السّلام: «إن شاء أخذ و إن شاء ترك» دالّا على وجود البأس فيه، فيبطل بيعه.

و الحاصل: أنّ إلزام الأصيل بالوفاء- في الفترة بين العقد و الإجازة- يوجب بطلان البيع، لانتفاء مشيئة الأخذ و الترك، هذا.

(1) و هي رواية خالد بن الحجاج المتقدمة في (ص 305).

(2) متعلّق ب «تعليل».

(3) خبر «إن مقتضي» أي: ثبوت البأس في البيع السابق الفضولي بمجرّد لزومه على المشتري الأصيل.

(4) أي: و ثبوت البأس محقّق في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه».

(5) و هو بيع الفضول مال الغير و تملّكه له، و إجازته لما باعه فضولا.

(6) علّة لثبوت البأس فيما نحن فيه.

(7) تقدّم ذلك في (ص 119) بقوله: «و الحاصل أنّه إذا تحقق العقد فمقتضى العموم ..

إلخ».

______________________________

[1] لكن ينافيه قوله: «أ ليس إن شاء أخذ، و إن شاء ترك» حيث إنّه نصّ على عدم اللزوم من طرف الأصيل، و عدم نفوذ المعاملة إذا لم يتمكن المشتري من ردها و قبولها.

ص: 316

لكنّ (1) الظاهر- بقرينة النهي (2) عن مواجبة البيع في الخبر المتقدّم- إرادة اللزوم من الطرفين.

و الحاصل (3): أنّ دلالة الروايات عموما و خصوصا على النهي عن البيع قبل الملك ممّا (4) لا مساغ لإنكاره، و دلالة (5) النهي على الفساد أيضا ممّا لم يقع فيها المناقشة في هذه المسألة (6). إلّا (7) أنّا نقول: إنّ المراد بفساد البيع هو عدم ترتّب

______________________________

(1) استدراك على قوله: «نعم» و ردّ له، و حاصله: أنّ جملة «إن شاء ترك و إن شاء أخذ» و إن كانت ظاهرة في إناطة صحة البيع بعدم لزوم البيع على الأصيل، بحيث لو كان لازما عليه كان فيه البأس، فيشكل الأمر حينئذ في مسألة «من باع ثم ملك». إلّا أنّ السؤال عن شراء الثوب ورد في رواية يحيى بن الحجاج أيضا، و قد نهى عليه السّلام فيها عن المواجبة، لقوله: «و لا تواجبه البيع».

و من المعلوم ظهور باب المفاعلة في أنّ المنهي عنه هو إنشاء البيع اللازم من الطرفين، لا من طرف واحد، و هو المشتري الأصيل الذي اشترى المتاع من البائع الفضولي كما في المقام، لكون اللزوم من طرف الأصيل فقط. و أمّا من طرف الفضولي فلا لزوم فيه، فليس مشمولا للرواية حتى تدلّ على فساد البيع.

(2) قرينيته إنّما هي لكون المواجبة- الواقعة في رواية يحيى المتقدمة- من باب المفاعلة الدالّة على اعتبار الالتزام من الطرفين.

(3) يعني: و حاصل الكلام في مسألة «من باع مال الغير فضولا ثم ملكه و أجاز» هو: أنّ دلالة الروايات العامة- كقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا تبع ما ليس عندك» و الروايات الخاصة، و هي رواية يحيى بن الحجاج و غيرها المذكورة في (ص 308- 304) على النهي عن بيع شي ء قبل تملكه ممّا لا ينبغي إنكاره، كما أنه لا مجال لإنكار دلالة النهي على الفساد أيضا. و عليه فيكون بيع الفضولي في المقام فاسدا غير قابل للتصحيح.

(4) خبر «أن دلالة»، و قوله: «على النهي» متعلق ب «دلالة».

(5) معطوف على «دلالة» و المراد بالنهي هو النهي الوارد في الأخبار العامة و الخاصة.

(6) و هي مسألة بيع الفضول الذي ملك ما باعه فضولا بالشراء أو غيره، و أجاز.

(7) غرضه أنّ تعلق النهي بيع الفضول مال الغير، و دلالة النهي على الفساد و إن كان كلاهما ممّا لا يقبل الإنكار، إلّا أنّ معنى الفساد ليس هو كون البيع كالعدم بحيث

ص: 317

ما يقصد منه عرفا من الآثار، في مقابل الصحّة التي هي إمضاء الشارع لما يقصد عرفا من إنشاء البيع. مثلا (1) لو فرض حكم الشارع بصحّة بيع الشي ء قبل تملّكه على الوجه (2) الذي يقصده أهل المعاملة- كأن (3) يترتّب عليه (4) بعد البيع النقل (5) و الانتقال، و جواز تصرّف البائع في الثمن، و جواز مطالبة المشتري البائع بتحصيل

______________________________

لا يترتب عليه أثر أصلا و إن لحقته الإجازة من مالكه، بل معناه عدم ترتب الأثر المقصود كالنقل و الانتقال في البيع، في مقابل الصحة التي هي إمضاء الشارع لما يقصد عرفا من الآثار.

فالصحة و الفساد يعرضان البيع الموجود، نظير صحة الثمر و فساده، فإنّ الثمر مثلا يتصف بالصحة و الفساد. بخلاف الصلاة بناء على وضعها للصحيح، فإنّ فسادها عبارة عن عدمها. لكنّ اتّصاف المعاملة بالصحة و الفساد لا بدّ أن يكون باعتبار السبب دون المسبب، لدورانه بين الوجود و العدم، فإنّ الملكية مثلا إمّا موجودة و إمّا معدومة.

إلّا أن يقال بتصور الصحة و الفساد في المعنى الاسمي المسببي أيضا باختلاف الأنظار كما تقدم في أوّل البيع، فراجع «1».

(1) غرضه من هذا التمثيل بيان معنى الفساد الذي يقتضيه النهي في مثل «لا تبع ما ليس عندك» و تقريبه: أنّ الفساد مقابل الصحة، و المراد بصحة بيع الفضولي ما لا يملكه هو ترتيب أحكام البيع عليه من النقل و الانتقال في الملكية، و تسليم المثمن إلى المشتري بعد تحصيله، و هكذا. و المراد بالفساد عدم ترتب الأثر عليه فعلا، لعدم كون البائع مالكا بالفعل. و هذا لا ينافي صحته التأهلية و قابلية العقد للصحة الفعلية بلحوق الإجازة.

و ليس المراد بالفساد ما استفاده صاحب المقابس قدّس سرّه من عدم قابليته للتأثير بوجه أصلا حتى لو لحقته الإجازة.

(2) متعلق ب «بصحة» و المراد بالصحة على الوجه المقصود للمتبايعين هو الإمضاء.

(3) الظاهر أنّه بيان لإمضاء الشارع مقصود المتعاملين.

و يحتمل أن يكون «كان» بصيغة الماضي ليكون جوابا للشّرط في قوله: «لو فرض».

(4) أي: على البيع، و قوله: «النقل» فاعل «يترتب».

(5) هذا و ما بعده هو الوجه الذي يقصده أهل المعاملة من البيع.

______________________________

(1) لاحظ هدى الطالب، ج 1، ص 309- 310

ص: 318

المبيع من (1) مالكه و تسليمه (2)، و عدم (3) جواز امتناع البائع بعد تحصيله عن تسليمه (4)- ففساد (5) البيع بمعنى عدم ترتّب جميع ذلك (6) عليه، و هو (7) لا ينافي قابليّة العقد للحوق الإجازة من مالكه حين العقد أو ممّن يملكه بعد العقد.

و لا يجب (8) على القول بدلالة النهي على الفساد وقوع المنهي عنه لغوا غير مؤثّر أصلا (9)،

______________________________

(1) متعلق ب «بتحصيل» و هو متعلق ب «مطالبة». و ضميرا «مالكه، تسليمه» راجعان إلى «المبيع».

(2) معطوف على «تحصيل».

(3) معطوف على «جواز» و ضميرا «تحصيله، تسليمه» راجعان الى «المبيع».

(4) هذا و «بعد تحصيله» متعلقان ب «امتناع».

(5) هذا إمّا جواب «لو فرض» و اقترانه بالفاء لكون الجواب جملة اسميّة، و إمّا متفرع على ما أفاده من الصحة التي هي حكم وضعي، و معناها ترتب الآثار الشرعية- من النقل و الانتقال، و جواز تصرف البائع في الثمن، و المشتري في المبيع- على العقد.

فمعنى الفساد الذي هو مقابل الصحة عبارة عن عدم ترتب تلك الآثار على البيع.

(6) أي: عدم ترتب جميع تلك الآثار- من النقل و الانتقال و جواز تصرف البائع في الثمن، و غير ذلك- على البيع.

(7) أي: و الفساد بهذا المعنى- و هو عدم ترتب الآثار من النقل و الانتقال و غير ذلك على البيع- لا ينافي قابلية العقد للحوق الإجازة من مالكه حين العقد أو ممّن يملكه بعد العقد كالفضولي الذي يبيع مال الغير ثم يتملكه بالشراء أو غيره، و يجيز ذلك البيع الفضولي.

(8) لعلّ الأولى تبديل الواو بالفاء، كما في قوله: «ففساد»، حيث إنّ «و لا يجب» بعد بيان المراد بالفساد كالنتيجة، و حاصله: أنّ الفساد بالمعنى المزبور لا يستلزم أن يراد بالفساد المدلول عليه بالنهي لغوية البيع المنهي عنه في مثل «لا تبع ما ليس عندك» و وقوعه غير مؤثر أصلا حتى مع لحوق إجازة من له الإجازة به.

(9) يعني: حتى مع إجازة من له ولاية الإجازة كمالكه حين العقد، أو مالكه بعد العقد.

ص: 319

كما يستفاد (1) من وجه دلالة النهي على الفساد، فإنّ حاصله دعوى دلالة النهي على إرشاد المخاطب، و بيان أنّ مقصوده من الفعل المنهيّ عنه- و هو (2) الملك و السلطنة من الطرفين- لا يترتّب عليه، فهو غير مؤثّر في مقصود المتبايعين، لا (3) أنّه لغو من جميع الجهات، فافهم (4).

اللهم (5) إلّا أن يقال: إنّ عدم ترتّب جميع مقاصد المتعاقدين على عقد بمجرّد إنشائه مع وقوع مدلول ذلك العقد في نظر الشارع مقيّدا بانضمام بعض الأمور

______________________________

(1) يعني: كما يستفاد عدم المنافاة بين فساد البيع بالمعنى المذكور و بين قابلية العقد للحوق الإجازة من وجه دلالة النهي على الفساد، و ذلك الوجه هو ما أفاده بقوله: «فإنّ حاصله» من دعوى دلالة النهي في مثل «لا تبع ما ليس عندك» على إرشاد المخاطب إلى أنّ مقصوده من البيع المنهي عنه- و هو النقل و الانتقال- لا يترتب عليه، و لا يؤثر هذا البيع في مقصود المتبايعين. لا أنّ هذا البيع المنهي عنه لغو من جميع الجهات حتى لا يكون قابلا لإجازة من له ولاية الإجازة.

(2) أي: مقصود المخاطب، و ضمير «حاصله» راجع إلى «وجه».

(3) معطوف على «أن مقصوده». و الضمائر في «أنه، عليه، فهو» راجعة إلى الفعل المنهي عنه.

(4) لعلّه إشارة إلى عدم الفرق في دلالة النهي بين ما نحن فيه و سائر المقامات، و من المعلوم أنّه في سائر الموارد- كبيع المجهول و البيع الربويّ- يدلّ على الفساد المطلق، و عدم الصحة الفعلية و التأهلية، فلا بدّ أن يكون كذلك فيما نحن فيه أيضا.

(5) هذا عدول عمّا أفاده- من عدم دلالة النهي في الأخبار العامة و الخاصة على فساد بيع الفضوليّ مال غيره لنفسه، و تملكه بعد البيع لذلك المال، و إجازته للبيع- إلى دلالة النهي في تلك الأخبار على الفساد، كدلالته على الفساد في سائر الموارد.

تقريب وجه العدول: أنّ النهي المطلق الظاهر في البطلان المطلق لا يلائم صحة الفعل المنهي عنه مقيّدا بشرط كالإجازة فيما نحن فيه، بل المناسب أن يكون النهي مقيّدا، بأن يقال: «لا تبع مال الغير إلّا مع إجازته» أو «لا تبع مال الغير إذا لم يجز مالكه».

فإطلاق النهي و عدم تقييده يدلّ على بطلان هذا البيع مطلقا بحيث لا يقبل الإجازة،

ص: 320

اللاحقة- كالقبض في الهبة و نحوها (1)، و الإجازة في الفضوليّ- لا يقتضي (2) النهي عنها بقول مطلق، إذ (3) معنى صحّة المعاملة شرعا أن يترتّب عليها شرعا المدلول المقصود من إنشائه و لو مع شرط لاحق. و عدم (4) بناء المتعاملين على مراعاة ذلك

______________________________

للزوم الإخلال بالغرض من إطلاق النهي مع إرادة النهي المقيّد منه، كبيع الفضولي بلا إجازة، و الهبة بلا قبض، و بيع الصرف بلا قبض، إلى غير ذلك من النواهي المقيّدة.

و بالجملة: فالنهي في «لا تبع ما ليس عندك» يدلّ على الفساد مطلقا و لو مع الإجازة.

ثم إن ما أفاده المصنف بقوله: «اللهم إلّا أن يقال» يستفاد من صاحب المقابس في رد كلام الشهيد قدّس سرّه بقوله: «فإنه لو كانت الإجازة كافية لما نهي عن البيع قبل ذلك، و لم يؤمر بفعله بعده، مع أن التسليم كان يحصل بعده، و هو في حكم الإجازة منه» «1».

(1) كبيعي الصّرف و السّلم.

(2) خبر «أن» في قوله «أن عدم ترتب» و ضمير «عنها» راجع إلى المعاملة، المستفادة من العبارة.

و الحاصل: أنّ العقد إذا كان صحيحا على تقدير لم يصحّ النهي عنه بقول مطلق، إذ إطلاق النهي ظاهر في بطلان العقد بقول مطلق.

(3) تعليل لعدم صحة النهي بقول مطلق، مع فرض صحة العقد على تقدير كصحة عقد الفضولي على تقدير الإجازة، بل لا بدّ من تقييد النهي بتجرّده عن لحوق شرط صحته، كإجازة المالك، فإنّه مع فرض الصحة على تقدير وجود الشرط الفلاني كيف يصحّ النهي بقول مطلق؟ إذ إطلاق النهي يدلّ على بطلان العقد مطلقا. و عليه فيكون عقد الفضول باطلا حتّى مع الإجازة.

(4) إشارة إلى وهم و دفع. أمّا الوهم فهو: أنّه يمكن أن يكون سبب النهي المطلق بناء المتعاقدين على عدم مراعاة الشرط و هو الإجازة في عقد الفضولي التي تصدر من المالك.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب المبيع، ص 37

ص: 321

الشرط لا يوجب (1) النهي عنه إلّا مقيّدا بتجرّده عن لحوق ذلك الشرط، فقصدهم ترتّب الملك المنجّز على البيع قبل التملّك- بحيث يسلّمون الثمن و يطالبون المبيع- لا يوجب (2) الحكم عليه بالفساد (3).

فالإنصاف (4) [1] أنّ ظاهر النهي في تلك الروايات هو عدم وقوع البيع قبل

______________________________

(1) هذا خبر «عدم» و دفع التوهم، و محصّله: أنّ هذا البناء لا يسوّغ النهي المطلق، بل اللازم النهي مقيّدا بعدم صدور الإجازة من المالك، إذ مع صدورها تصح المعاملة، فالنهي المطلق دليل على فساد المعاملة مطلقا و إن لحقته الإجازة.

(2) خبر قوله: «فقصدهم»، و «على البيع» متعلّق ب «ترتّب».

(3) يعني: الفساد مطلقا حتى مع الإجازة، فلا وجه للنهي عن هذه المعاملة بنحو الإطلاق.

(4) الفاء للتفريع. غرضه أنّ نتيجة ما ذكرناه من أنّ «لا تبع» في الروايات العامة و ما بمضمونه من الروايات الخاصة- الدالّة على نهي المخاطب عن بيع ما ليس عنده مع البناء على دلالة النهي على الفساد- هي فساد البيع، و عدم وقوعه للمخاطب و هو البائع الفضولي الذي باع مال غيره لنفسه مطلقا و لو مع الإجازة.

و لا دلالة لهذا النهي على عدم وقوعه لغير المخاطب و هو المالك إذا أجاز، لأنّ النهي متوجه إلى المخاطب الذي هو البائع الفضولي، فلا نهي بالنسبة إلى غير المخاطب، بل يراعى فيه حكم الفضولي، فإذا أجاز صحّ، و إلّا فلا. و لو انتقل المال إلى نفس المخاطب الفضولي انتقلت سلطنة الإجازة إليه، فإن أجاز صحّ، و إلّا بطل رأسا.

______________________________

[1] يمكن أن يقال: إنّ شروط العقد على قسمين.

أحدهما: الأمور المقوّمة للعقد العرفي كالقصد و الموالاة، و فقدانها يوجب انعدام العقد العرفي، و يصير وجوده كالعدم. و هذا هو الفساد المطلق، أي: لا يترتب عليه شي ء من الصحة التأهلية و الفعلية.

ثانيهما: الأمور التي جعلها الشارع قيودا للعقد العرفي كبلوغ المتعاقدين، و هذه الشروط قد تكون من قبيل الحقّ الآدمي، و تكون شرطيتها رعاية لحقه، و تصير فعلية آثار

ص: 322

التملّك للبائع (1)، و عدم ترتّب أثر الإنشاء المقصود منه عليه (2) مطلقا (3) حتّى مع الإجازة. و أمّا صحّته (4) بالنسبة إلى المالك إذا أجاز، فلأنّ النهي راجع إلى وقوع

______________________________

و بالجملة: فما ذكره في «الإنصاف» موافق لما في المقابس من بطلان بيع الفضولي لنفسه.

(1) أي: البائع الذي هو المخاطب بالنهي عن بيع ما ليس عنده المذكور صريحا و تلويحا في الروايات.

(2) متعلق ب «ترتب أثر»، و ضميره و ضمير «منه» راجعان إلى الإنشاء.

(3) يعني: أنّ العقد باطل في حق المخاطب و لو أجازه بعد أن ملكه، فهذا العقد فاقد لكل من الصحة التأهلية و الفعلية. و هذا مطابق لما أفاده المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه من دلالة الأخبار المتقدمة على بطلان بيع الفضولي لنفسه.

(4) بعد أن نفى المصنف قدّس سرّه صحة العقد بالنسبة إلى الفضولي الذي باع مال الغير

______________________________

العقد منوطة بإسقاط الحق، كالملكيّة، فإنّها من الشرائط التي تقتضيها سلطنة المالكين على أموالهم، و لذا عبّر عن مخالفتها في نصوص نكاح العبد بدون إذن سيده «بأنّه لم يعص اللّه، و إنّما عصى سيده» و معصية السيد ليست إلّا من جهة مخالفته لقاعدة سلطنة المالك على ماله.

فمتى كان الشرط من قبيل الملكية كان العقد صحيحا تأهّلا، و توقفت صحته الفعلية على إمضاء المالك. فالنهي عن بيع مال الغير يوجب وقوف العقد عن التأثير الفعلي، لا عن التأثير الإعدادي، فإذا لحقه رضا المالك و إمضاؤه لترتّب عليه الآثار الفعلية من لزوم التسليم و القبض و غيرهما.

و من هنا يظهر وجه حمل المصنف قدّس سرّه الفساد على عدم ترتب الآثار الفعلية على البيع المنهي عنه في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا تبع ما ليس عندك».

و قد لا تكون من قبيل الحق الآدمي كالعربية و الماضوية بناء على اعتبارهما، و مقتضى إطلاق شرطيتهما هو بطلان العقد بقول مطلق بحيث لا يترتب عليه أيّ أثر وجوديّ، فيقع العقد باطلا، و لا يمكن تصحيحه بشي ء من الوجوه.

و إذا شك في كون الشرط من أيّ قسم من أقسام الشروط، و لم يكن إطلاق لفظي يؤخذ به، و وصلت النوبة إلى الأصل العملي، فالمرجع أصالة الفساد.

ص: 323

البيع المذكور للبائع، فلا تعرّض فيه لحال المالك إذا أجاز، فيرجع فيه إلى مسألة الفضوليّ.

نعم (1) قد يخدش فيها (2): أنّ ظاهر كثير من الأخبار المتقدّمة و رودها في بيع الكلّي، و أنّه لا يجوز بيع الكلّي في الذمّة، ثمّ اشتراء بعض أفراده، و تسليمه إلى المشتري، و المذهب جواز ذلك (3)

______________________________

لنفسه تعرّض لحكم هذا العقد بالنسبة إلى المالك، و قال: إنّ هذا البيع بالنسبة إلى المالك من صغريات البيع الفضولي، فإن قلنا بصحته مطلقا قلنا بها هنا أيضا.

(1) استدراك على قوله: «فالإنصاف أنّ ظاهر النهي» و الغرض منه الخدشة فيما أفاده من ظهور النهي في تلك الروايات- عدا روايتي يحيى بن الحجاج و خالد بن الحجاج اللتين موردهما البيع الشخصي- في عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع.

و محصل الخدشة: أنّ ظاهر كثير من الأخبار المتقدمة هو بيع الكلي، و أنّه لا يجوز بيع الكلي في الذمة، ثم اشتراء بعض أفراده و تسليمه إلى المشتري. و هذا خلاف المذهب، لجواز بيع الكلّي في الذمة عند الإمامية.

و عليه فلا يصح الاستدلال بتلك الأخبار على المدّعى، و هو فساد بيع الفضولي مال الغير لنفسه، لسقوطها عن الحجية و الاعتبار، فلا محيص عن حمل النهي الوارد فيها إمّا على الكراهة، أو على التقية، لموافقته لمذهب جماعة من علماء العامة.

و هذه الخدشة ذكرها صاحب المقابس قدّس سرّه ثم أجاب عنها بأن حمل الروايات الناهية عن بيع الكلّي على التقيّة لا يقتضي حمل النهي الوارد عن بيع الثوب الشخصي في رواية يحيى عليها، مع فرض خلوّها عن المعارض، قال قدّس سرّه: «و التحقيق أنّ حمل ما ورد في غير المعيّن على ما ذكر- مع عدم ظهورها في المنع و وجود المعارض- لا يقتضي حمل ما ورد في المعيّن، مع دلالتها على المنع و خلوّها عن المعارض، و صحة أكثرها ..» «1»

(2) أي: في دلالة الروايات المتقدمة على المنع عن بيع من باع ثم ملك.

(3) أي: جواز بيع الكلي في الذمة.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 37

ص: 324

و إن نسب الخلاف فيه (1) إلى بعض العبائر (2). فيقوى في النفس أنّها (3) و ما ورد (4) في سياقها في بيع الشخصي أيضا، كروايتي يحيى و خالد المتقدّمتين، أريد (5) بها الكراهة، أو وردت (6) في مقام التقيّة، لأنّ (7) المنع عن بيع الكلّيّ حالّا- مع عدم وجوده عند البائع حال البيع- مذهب (8) جماعة من العامّة، كما صرّح به (9) في بعض الأخبار (10)، مستندين (11) في ذلك إلى النهي النبويّ عن بيع ما ليس عندك.

______________________________

(1) أي: في جواز بيع الكلي الذمي.

(2) حكى العلّامة الخلاف عن العمّاني و ابن إدريس قدّس سرّهم، و حكاه صاحب المقابس عن العلّامة.

(3) أي: أنّ الأخبار المتقدمة الظاهرة في عدم جواز بيع الكلي في الذمة- الذي هو مخالف لمذهب الإماميّة، و كذا غير تلك الأخبار من الروايات الواردة في سياقها المانعة عن بيع الكلي في الذمة، كروايتي يحيى و خالد ابني الحجاج المتقدمتين في (ص 305- 304)- أريد بها الكراهة. أو وردت في مقام التقية، حيث إنّ المنع عن بيع الكلي حالّا مع عدم وجود شي ء من مصاديقه عند البائع حال البيع مذهب جماعة من علماء العامة، كما صرّح به في صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج «1». فإنّ قول عبد الرحمن للإمام عليه السّلام في الصحيحة الأولى: «قلت: إنهم يفسدونه عندنا» و قوله في الصحيحة الثانية:

«قلت: فإنّ من عندنا يفسده» «2» دليل على أن علماء السنة لا يجوّزون بيع الكلّي في الذمّة.

(4) معطوف على ضمير «أنّها»، و ضمير «سياقها» راجع إلى «الأخبار المتقدمة».

(5) خبر قوله: «أنها و ما ورد» و الجملة فاعل «يقوى».

(6) معطوف على «أريد».

(7) تعليل لقوله: «أو وردت».

(8) خبر قوله: «لأن المنع».

(9) أي: بالمنع عن بيع الكلي الذي هو مذهب جماعة من العامة.

(10) كصحيحتي عبد الرحمن المشار إليهما آنفا.

(11) أي: حال كون هؤلاء العامة مستندين في إفتائهم- بالمنع عن بيع الكلّي حالّا-

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 5، ص 130- 132، و لا حظ السرائر، ج 2، ص 290

(2) وسائل الشيعة ج 12 ص 374 و 375، الباب 7 من أبواب أحكام العقود، الحديث 1 و 3

ص: 325

لكنّ (1) الاعتماد على هذا التوهين (2) في رفع اليد عن الروايتين (3) المتقدّمتين الواردتين في بيع الشخصي، و عموم (4) مفهوم التعليل في الأخبار الواردة في بيع الكلّي، خلاف (5) الإنصاف،

______________________________

إلى النبوي الناهي عن بيع ما ليس عندك.

(1) استدراك على ما أفاده من الخدشة المذكورة في الأخبار المتقدّمة، و عدول عنه، و محصل تقريب العدول: أنّ الروايات المتقدمة و إن كانت موهونة، لمخالفتها لمذهب الإمامية القائلين بجواز بيع الكلي في الذمة. و لكن هذه الخدشة لا توجب رفع اليد عن الروايتين الواردتين في منع بيع الشخصي المشار إليهما في (ص 304 و 305).

و كذلك لا توجب رفع اليد عن عموم مفهوم التعليل في قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم: «إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» حيث إنّه يدلّ مفهوما على عدم جواز الشراء منه قبل تملّكه للمبيع، لأنّ عمومه يشمل بيع الفضولي مال الغير لنفسه و إن ملكه بعد ذلك بشراء أو غيره و أجاز.

و كذا عموم مفهوم قوله عليه السّلام في صحيحة منصور بن حازم: «إنّما البيع بعد ما يشتريه» حيث إنّه يدلّ مفهوما على عدم جواز البيع قبل شراء المبيع. و عمومه يشمل بيع الفضولي مال الغير لنفسه و إن ملكه بعد البيع و أجاز.

و بالجملة: فالمعتمد هو عموم مفهوم التعليل في الصحيحتين المشار إليهما، و عدم الاعتناء بالخدشة المذكورة، و الالتزام بما أفاده في «الانصاف» من ظهور الروايات في عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع.

(2) و هي الخدشة المذكورة بقوله: «نعم قد يخدش فيها».

(3) و هما روايتا يحيى و خالد المتقدمتان في (ص 304 و 305).

(4) معطوف على «الروايتين».

(5) خبر «لكن» فمحصل ما أفاده المصنف قدّس سرّه: أنّ الاعتماد على هذا التوهين- أعني به الخدشة المذكورة- في رفع اليد عن ظهور روايتي يحيى و خالد في الفساد في بيع المتاع

ص: 326

إذ (1) غاية الأمر حمل الحكم (2) في مورد تلك الأخبار- و هو بيع الكلّي قبل التملّك- على التقيّة، و هو (3) لا يوجب طرح مفهوم التعليل رأسا، فتدبّر (4).

______________________________

الشخصي قبل تملك البائع له، و رفع اليد عن عموم مفهوم التعليل الشامل لبيع الكلّي و الشخصي خلاف الإنصاف، إذ لا وجه لرفع اليد عن الظواهر بلا قرينة، فلا بد من الأخذ بظاهر النهي و الحكم بفساد بيع الشخصي قبل تملك البائع، غاية الأمر أنّه يحمل عدم جواز بيع الكلي في مورد تلك الأخبار على التقية.

(1) تعليل لكون الاعتماد على الخدشة المذكورة- و رفع اليد بسببها عن الروايتين و عن عموم مفهوم التعليل- خلاف الانصاف. و قد مرّ توضيحه آنفا بقولنا: «إذ لا وجه لرفع اليد عن الظواهر بلا قرينة .. إلخ».

(2) و هو عدم جواز البيع، و قوله: «على التقية» متعلّق ب «حمل».

(3) يعني: و الحمل على التقية لا يوجب طرح مفهوم التعليل العام الشامل لبيع الكلي و الشخصي رأسا، إذ غايته خروج بيع الكلّي عن حيّزه. و أمّا بيع الشخصي فلا وجه لخروجه عن عموم مفهوم التعليل، بل هو باق تحت العموم، و مقتضاه عدم جواز بيع الشخصي قبل التملك.

فالمتحصل: أنّ الحمل على التقيّة لا يسوّغ طرح مفهوم التعليل في صحيحتي محمد بن مسلم و منصور بن حازم، و طرح روايتي يحيى بن الحجاج و خالد بن الحجاج.

(4) لعلّه إشارة إلى: أنّ الحمل على التقية إنّما هو في فرض التعارض، و عدم الجمع العرفي، و المفروض وجوده، و هو حمل الأخبار المانعة عن بيع الكلّي عن الكراهة، الذي هو جمع عرفي حكمي بينها و بين ما دلّ على جوازه، من الإجماع و غيره.

أو إشارة إلى: أنّه من البعيد إمكان التبعيض في التعليل، بحمل بعضه- و هو الكلّي- على التقية أو الكراهة، و بإبقاء بعض موارده و هو الشخصي على حاله من عدم الجواز، إذ يلزم إلغاؤه في مورده و هو الكلّي، و إبقاؤه في غيره و هو بيع الشخصي. فيقوى حمل النهي على الكراهة مطلقا حتى لا يقع في كلفة ما لعلّه لا يتمكّن من تحصيله مقدمة للوفاء في الكلي، و تتميما للبيع في الشخصي.

ص: 327

فالأقوى (1) العمل بالروايات، و الفتوى بالمنع عن البيع المذكور (2).

و ممّا يؤيّد المنع (3)- مضافا إلى ما سيأتي عن التذكرة و المختلف من دعوى الاتّفاق- رواية الحسن بن زياد الطّائي الواردة في نكاح العبد بغير إذن مولاه، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي كنت رجلا مملوكا، فتزوّجت بغير إذن مولاي، ثمّ أعتقني اللّه بعد، فأجدّد النكاح؟ قال: فقال: علموا أنّك تزوّجت؟ قلت: نعم قد علموا، فسكتوا و لم يقولوا لي شيئا. قال: ذلك إقرار منهم، أنت على نكاحك» «1» الخبر (4)، فإنّها (5) ظاهرة- بل صريحة- في أنّ علّة البقاء (6)

______________________________

(1) هذه نتيجة النقض و الإبرام، فوافق المصنف صاحب المقابس قدّس سرّهما في الحكم بفساد بيع من باع مال الغير لنفسه قبل أن يملكه، و أجازه بعد تملكه له.

(2) و هو بيع المتاع الشخصي قبل التملك و الإجازة له بعد التملك، دون بيع المتاع الكليّ، لأنّه كما تقدم آنفا جائز عندنا.

(3) أي: منع جواز بيع مال الغير فضولا، و إجازته له بعد تملكه للمبيع.

(4) أي: إلى آخر الخبر، لكن هذا آخر الخبر، و ليس له بقية، فلم يظهر وجه هذا التعبير. و قريب منها روايتا معاوية بن وهب «2».

(5) أي: فإنّ رواية الحسن بن زياد. تقريب دلالته على عدم كفاية مالكية العاقد الفضولي- و هو العبد في مورد الرواية- لنفسه في البقاء على ما فعله بغير إذن سيّده هو:

جعل علّة البقاء إقرار المولى المستفاد من سكوته، إذ لو كانت العلّة مالكيته لنفسه الحاصلة بالعتق- مع إجازته أو بدونها- لم يحتج إلى استفصال الامام عليه الصلاة و السلام عن سكوت المولى و عدمه، لكون العقد لازما على تقدير كفاية صيرورته مالكا لنفسه على كلا تقديري الحاجة إلى الإجازة و عدمها، إذ المفروض حصول الإمضاء و الرضا بما فعله بغير إذن سيّده على فرض الحاجة إلى الإجازة.

(6) أي: بقاء العبد على نكاحه الأوّل الذي أنشأه بدون إذن سيّده.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 14، ص 526، الباب 26، من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 3

(2) المصدر، ص 525، الحديث 1- 2

ص: 328

بعد العتق (1) على ما فعله بغير إذن مولاه، هو (2) إقراره المستفاد من سكوته، فلو كانت صيرورته حرّا مالكا لنفسه مسوّغة للبقاء- مع إجازته أو بدونها- لم يحتج (3) إلى الاستفصال [1] عن أنّ المولى سكت أم لا، للزوم (4) العقد حينئذ (5) على كلّ تقدير (6).

ثم إنّ الواجب (7)

______________________________

(1) الموجب لمالكية لنفسه.

(2) خبر «أنّ علّة» و تذكيره باعتبار خبره، و «مسوّغة» خبر «فلو كانت».

(3) جواب «لو» في «فلو كانت». وجه عدم الحاجة إلى الاستفصال هو عدم دخل إقرار المولى في البقاء على النكاح، إذ المفروض كون تمام العلّة في بقائه هو مالكية العبد لنفسه بالعتق، مع الإجازة أو بدونها.

(4) تعليل لعدم الحاجة إلى الاستفصال. فمحصّل وجه التأييد لما نحن فيه هو فساد النكاح بدون رضا المالك- و هو السيد- لكونه مالكا، فبيع مال الغير لنفسه أيضا فاسد بدون إذن المالك.

(5) أي: حين صيرورة العبد حرّا مالكا لنفسه.

(6) أي: تقديري الحاجة إلى الإجازة و عدم الحاجة إليها، و الجار متعلق ب «للزوم».

(7) الغرض من هذه العبارة أنّ بيع الفضول مال الغير قبل الاشتراء لمّا كان تارة منجزا، من دون أن يكون موقوفا على ملكه و إجازته، فقد يملك و يجيز، و قد يملك و لا يجيز. و اخرى موقوفا على ملكه و إجازته معا، أو موقوفا على ملكه دون إجازته، فوجب الاقتصار على مورد الروايات المستدلّ بها على المنع، و عدم التعدي عن موردها إلى غيره.

______________________________

[1] يمكن أن يكون الاستفصال لاستعلام أنّ المولى ان علم بالنكاح رده أو سكت.

و على هذا الاحتمال تكون الرواية أجنبية عن المقصود، فلا تكون مؤيّدة.

و لعلّ تعبير المصنف قدّس سرّه ب «يؤيد» دون يدلّ لتطرق هذا الاحتمال، فتدبّر.

ص: 329

على كلّ تقدير (1) هو الاقتصار على مورد الروايات، و هو ما لو باع البائع لنفسه و اشترى المشتري غير مترقّب لإجازة المالك، و لا لإجازة البائع إذا صار مالكا (2).

و هذا (3) هو الذي ذكره العلّامة رحمه اللّه في التذكرة نافيا للخلاف في فساده، قال:

«و لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها و يمضي ليشتريها و يسلّمها، و به قال الشافعي و أحمد، و لا نعلم فيه خلافا، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: لا تبع ما ليس عندك. و لاشتمالها (4) على الغرر، فإنّ (5) صاحبها قد لا يبيعها،

______________________________

و المصنف استظهر أنّ موردها خصوص البيع المنجّز، دون البيع الموقوف على الملك و الإجازة، و دون الموقوف على الملك دون الإجازة، فهما خارجان عن مورد الروايات و إن كان الأوّل داخلا في عنوان هذه المسألة، و الثاني داخلا في عنوان المسألة الثانية الآتية في كلام المصنف.

و وجه استظهار المصنف كون مورد الروايات خصوص البيع المنجّز هو: أنّ المنهيّ عنه مواجبة البيع المساوقة لتنجزه، و مقتضى عموم الملاك المستفاد من قوله عليه السّلام:

«إن شاء أخذ و إن شاء ترك» جواز المعاملة إن كان زمامها بيد المتعاملين. بخلاف المنجّز الذي ليس لهما فيه زمامها.

و بالجملة: فمورد الروايات الناهية عن بيع ما ليس عنده خصوص البيع المنجّز الذي هو بيع بالحمل الشائع.

(1) أي: سواء قلنا بالصحة أم بالفساد في المسألة الثالثة، و هي: ما لو باع الفضولي مال الغير لنفسه ثم ملكه فأجاز.

(2) و هذا معنى البيع المنجّز الذي هو مورد روايات المنع عن بيع ما ليس عنده.

(3) أي: و كون مورد الروايات خصوص بيع الفضولي مال الغير منجّزا غير موقوف على الملك و الإجازة- و أنّ موردها هي المسألة الثالثة- هو الذي ذكره العلامة قدّس سرّه في التذكرة نافيا للخلاف في فساده. و قال الشافعي و أحمد أيضا بعدم جواز بيع ما ليس عنده.

(4) معطوف على «لقوله» و هذا دليله الثاني على فساد البيع، كما أنّ النبوي دليله الأوّل عليه.

(5) هذا تقريب الغرر، و حاصله: أنّ صاحب العين يمكن أن لا يبيع العين، فيتضرر

ص: 330

و هو (1) غير مالك لها و لا قادر على تسليمها. أمّا (3) لو اشترى موصوفا في الذمّة- سواء أ كان حالّا أم مؤجّلا- فإنّه جائز إجماعا» انتهى (3).

و حكي عن المختلف الإجماع على المنع (4) أيضا.

و استدلاله (5) بالغرر و عدم القدرة على التسليم ظاهر- بل صريح- في وقوع

______________________________

المشتري حينئذ بتأخير وصول الثمن إليه أو تلفه.

(1) يعني: و الحال أنّ البائع الفضولي غير مالك للعين و لا قادر على تسليمها.

(2) هذا في بيع الكلّي مقابل بيع الشخصي الذي ذكره العلّامة قدّس سرّه بقوله: «و لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها».

(3) يعني: انتهى عبارة التذكرة، و قد سقط قبل قول العلامة: «إجماعا» قوله: «و كذا لو اشترى عينا شخصية غائبة مملوكة للبائع، موصوفة بما ترفع الجهالة، فإنّه جائز إجماعا» «1». و لعلّه لأجل كون الجواز إجماعيّا في كلتا المسألتين اقتصر المصنف على حكاية الإجماع على الجواز في مورد البحث، و هو شراء العين الكليّة في الذمة، و لم ينقل تمام العبارة.

(4) أي: على منع بيع العين التي لا يملكها و يمضي ليشتريها، كما استفيد الإجماع من قوله في التذكرة: «لا نعلم فيه خلافا». و كان المناسب أن يذكر المصنف قدّس سرّه كلام المختلف قبل نقل هذه الجملة: «أمّا لو اشترى موصوفا في الذمة» عن التذكرة، كما لا يخفى.

و كيف كان فالموجود في موضعين من المختلف هو الحكم بالجواز، قبال ابن إدريس و العماني، و لم أطفر بدعوى الإجماع فيه، كما أنّ صاحب المقابس نقل عنه الجواز دون الإجماع، و لا بد من مزيد التتبع للوقوف على منشإ حكاية الإجماع عن المختلف «2».

(5) هذا كلام المصنف قدّس سرّه، و بيان وجه استظهاره من عبارة التذكرة كون مورد النهي «عن بيع ما ليس عنده» هو بيع الفضول مال الغير لنفسه منجّزا غير موقوف على إجازة مجيز.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 463، ج 1، ص 16 (الطبعة الحديثة).

(2) مختلف الشيعة، ج 5، ص 55 و 130- 132

ص: 331

الاشتراء غير مترقّب لإجازة مجيز، بل وقع على وجه (1) يلزم على البائع بعد البيع تحصيل المبيع و تسليمه.

فحينئذ (2) لو تبايعا (3) على أن يكون العقد موقوفا على الإجازة، فإتّفقت الإجازة من المالك، أو من البائع بعد تملّكه، لم يدخل (4) في مورد الأخبار، و لا في معقد الاتّفاق.

______________________________

توضيح وجه الاستظهار هو: أنّ استدلال العلّامة قدّس سرّه على فساد البيع بالغرر و عدم القدرة على التسليم ظاهر- بل صريح- في وقوع البيع منجّزا، إذ لا غرر مع توقف البيع على الملك، لعلم المشتري بعدم انتقال ماله عن ملكه إلّا بدخول بدله في ملكه. كما أنّ البائع بعد تملكه للمبيع يصير شرعا قادرا على تسليمه. بخلاف ما إذا كان البيع منجّزا، لعدم علم المشتري بدخول بدل ما خرج عن ملكه في ملكه. كما أنّ البائع ليس قادرا على تسليم المبيع فعلا، لعدم كونه ملكا له، و يمكن أن لا يبيعه مالكه.

(1) و هو التنجز و اللزوم، فإنّ تنجّز البيع يلزم البائع بعد البيع بتحصيل المبيع و تسليمه إلى المشتري.

(2) يعني: فحين البناء على كون البيع المنهي عنه في الروايات العامّة و الخاصّة الناهية عن بيع ما ليس عنده هو بيع الفضول مال الغير منجّزا- لا موقوفا على إجازة المالك، أو البائع إذا صار مالكا- يقع الكلام في حكم بعض الفروع، و شمول أخبار البيع له، و عدم شمولها له. و المذكور في المتن فروع أربعة.

(3) هذا أحد تلك الفروع، و محصّله: أنّه لو تبايعا- قبل أن يتملك البائع المبيع- على أن يكون البيع موقوفا على الإجازة، فاتّفقت من المالك أو البائع الفضولي بعد انتقال المبيع إليه بالناقل الاختياري أو القهري، لم يدخل في مورد الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عنده، و لا في معقد إجماع التذكرة.

وجه عدم الدخول ما تقدم من اختصاص مورد الأخبار و معقد الإجماع بإنشاء البيع منجّزا غير مترقب لإجازة المالك، و المفروض في هذا الفرع ترقب الإجازة.

(4) جواب «لو تبايعا»، و فاعله «البيع» أي: لم يدخل البيع في مورد الأخبار.

ص: 332

و لو (1) تبايعا على أن يكون اللزوم موقوفا على تملّك البائع دون إجازته، فظاهر عبارة الدروس أنّه من البيع المنهيّ عنه في الأخبار المذكورة، حيث قال (2):

«و كذا لو باع ملك غيره ثمّ انتقل إليه فأجاز. و لو أراد (3) لزوم البيع بالانتقال فهو (4) بيع ما ليس عنده، و قد نهي عنه» انتهى «1».

لكنّ الإنصاف ظهورها (5) في الصورة الاولى (6)، و هي: ما لو تبايعا قاصدين

______________________________

(1) هذا فرع ثان من تلك الفروع، و هو: أنّه لو تبايع المتبايعان على أن يكون اللزوم منوطا بتملك البائع- دون إجازته- فظاهر كلام الشهيد أنّه من البيع المنهي عنه.

(2) أي: قال الشهيد قدّس سرّه: «و كذا- أي و كذا يصح البيع- ما لو باع مال غيره ثم انتقل إليه، فأجاز».

(3) هذا هو الفرع المذكور أعني به كون البيع موقوفا على مجرّد انتقال المبيع إلى الفضولي من دون توقفه على إجازته. و أمّا قبله- و هو قوله: «و كذا لو باع ملك غيره، ثم انتقل إليه فأجاز»- فهو محكوم بالصحة، و لا يندرج في الأخبار الناهية.

(4) يعني: فالبيع المفروض لزومه بانتقال المبيع إلى البائع الفضولي يكون من مصاديق «بيع ما ليس عنده» و هو منهيّ عنه.

(5) أي: ظهور تلك الأخبار الناهية عن «بيع ما ليس عندك» في عدم كون زمام البيع بيد المتعاملين، بمعنى كون المنهي عنه هو البيع الذي لم يكن لهما فيه اختيار أصلا كسائر البيوع، فإن لم يكن البيع منجّزا مطلقا و كان زمام أمره بيدهما، فلا بأس به.

و عليه فلو توقّف لزوم البيع على انتقال المبيع إلى البائع الفضولي، لم يندرج في الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عنده.

و بالجملة: فمورد تلك الأخبار الناهية خصوص البيع المنجّز من جميع الجهات.

فالبيع الموقوف على مجرّد تملك البائع الفضولي للمبيع أو الإجازة أو كليهما خارج عن مورد الروايات، و محكوم بالصحة.

(6) و هو البيع المنجّز المطلق، أي غير موقوف على شي ء من إجازة المالك الأصلي، و إجازة البائع الفضولي بعد تملكه، و مجرد تملّكه للمبيع الفضوليّ. فإن كان البيع منجّزا من

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 193

ص: 333

لتنجّز النقل و الانتقال، و عدم الوقوف على شي ء (1).

و ما ذكره في التذكرة كالصريح في ذلك (2)، حيث (3) علّل المنع بالغرر و عدم القدرة على التسليم، و أصرح منه (4) كلامه المحكي عن المختلف في فصل النقد و النسيئة.

و لو باع (5) عن المالك فاتّفق انتقاله إلى البائع، فأجازه، فالظاهر أيضا الصحّة، لخروجه (6) عن مورد الأخبار.

______________________________

جميع هذه الجهات الثلاث كان موردا لتلك الأخبار الناهية.

(1) أي: من تلك الجهات الثلاث المذكورة، و هي: إجازة المالك الأصلي، و البائع الفضولي، و تملكه للمبيع فضولا.

(2) أي: في كون مورد الأخبار الناهية هي الصورة الاولى، و هي وقوع البيع منجّزا.

(3) تعليل لكون كلام العلّامة في التذكرة صريحا في أنّ بيع الفضولي المنجز مورد الأخبار النهاية عن بيع ما ليس عندك، و قد تقدم في (ص 331- 330) تقريب دلالة الغرر و عدم القدرة على التسليم على كون الصورة الأولى مورد الأخبار الناهية.

(4) أي: و أصرح من كلامه في التذكرة كلامه في المختلف، حيث قال فيه: «و النهي الوارد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم للكراهة، أو ورد (أورد) عن الشي ء المشخص الذي في ملك الغير فإنّه لا يصلح بيعه، لا داية إلى التنازع، إذ ربما يمتنع مالكه من بيعه، و المشتري يطالب البائع به. و أما الغرر الذي ادّعاه- يعني ابن إدريس- فليس في هذا الباب من شي ء» «1».

وجه أصرحيّته هو: أنّه صرّح في المختلف بخروجه عن مورد الأخبار، بخلاف كلامه في التذكرة، فإنّ دلالته على الخروج إنّما هي باعتبار اقتران الاستدلال بالأخبار بنفي الغرر و نحوه، فيظهر أنّ مورد الأخبار و نفي الغرر واحد.

(5) هذا فرع ثالث، يعني: و لو باع الفضولي عن المالك لا عن نفسه، ثم انتقل ذلك المبيع إلى الفضولي بالإرث أو الشراء فأجازه، صحّ، لما سيأتي. و لا يخفى أنّ هذا الفرع من المصنف لا من العلّامة.

(6) أي: لخروج هذا البيع الفضولي عن مورد تلك الأخبار الناهية عن «بيع

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 5، ص 132، و الحاكي لكلامه صاحب المقابس، كتاب البيع، ص 36

ص: 334

نعم (1) قد يشكل فيه (2) من حيث إنّ الإجازة لا متعلّق لها [لا يتعلق بها] لأنّ العقد السابق كان إنشاء للبيع عن المالك الأصليّ، و لا معنى لإجازة هذا (3) بعد خروجه عن ملكه.

و يمكن (4) دفعه بما اندفع به سابقا الإشكال في عكس المسألة، و هي

______________________________

ما ليس عندك». وجه خروجه عن موردها عدم وقوعه منجّزا من جميع الجهات، إذ مع تبانيهما على عدم توقف البيع على الإجازة لم يكن محتاجا إلى الإجازة.

(1) هذا استدراك على صحّة البيع المذكور، و هو بيع الفضولي عن المالك ثم انتقال المبيع الفضولي إليه و إجازته له. و هذا الاستدراك إشكال على صحته، و محصّله: أنّه ليس هنا متعلّق للإجازة، لأنّ عقد الفضول كان إنشاء متعلّقا بملك زيد، و المفروض انتفاؤه، لانتقال المال عنه، فلا موضوع لأن يجيز.

و لو قيل بأنّ المالك الجديد يجيز العقد من قبل نفسه، قلنا بعدم تحقق عقد على ماله حتى يكون له الإجازة و الرد. و بعبارة أخرى: المجاز غير منشأ، و المنشأ غير مجاز.

(2) أي: فيما ذكر من صحة هذا البيع.

(3) أي: العقد السابق، و ضمير «خروجه» راجع الى المتاع المستفاد من العبارة، و ضمير «ملكه» راجع إلى المالك.

(4) هذا دفع الإشكال، و محصّله: أنّه يمكن دفعه بما اندفع به الاشكال الوارد في عكس هذه المسألة- و هو ما لو باعه الفضوليّ لنفسه، فأجازه المالك لنفسه- فإنّ الإجازة لم تتعلّق بالعقد الذي أنشأه الفضولي، و قد تقدم عنه دفع الإشكال هناك بما لفظه:

«فالأولى في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز. و توضيحه: أنّ البائع الفضولي إنّما قصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن .. إلخ» «1».

و محصّله: وجود قصد المعاوضة فيما إذا باع الفضولي مال الغير لنفسه بانيا على كونه مالكا عدوانا كما في الغاصب، أو اعتقادا كما إذا استند في مالكيته للمال إلى اليد أو البيّنة مثلا. و لمّا كان إيجاب البيع ساكتا عن كون الثمن ملكا للموجب أو غيره، فيرجع فيه إلى مقتضى مفهوم المعاوضة، و هو دخول العوض في ملك مالك المعوّض.

و الحاصل: أنّ قصد المعاوضة في عقد الفضولي لنفسه موجود، فلا يلزم مغايرة

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 571

ص: 335

ما لو باعه لنفسه، فأجازه المالك لنفسه، فتأمّل (1).

و لو باع لثالث (2) معتقدا لتملّكه، أو بانيا عليه عدوانا، فإنّ أجاز المالك فلا كلام في الصحّة، بناء على المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك. و إن ملكه (3) الثالث و أجازه، أو ملكه البائع فأجازه، فالظاهر أنّه داخل في المسألة

______________________________

ما وقع لم أجيز.

(1) لعلّه إشارة إلى الفرق بين المسألتين، و هو: أنّ البائع الفضولي في تلك المسألة لمّا بني اعتقادا أو عدوانا على كونه مالك، فقد قصد المعاوضة، و الملكية الثابتة للعاقد الفضولي ثابتة له بتلك الحيثية، أعني بها حيثية البناء على مالكيته. و هذه الملكية ثابتة للمالك الأصلي بنفس تلك الحيثية أي البناء على المالكية، فتتعلق الإجازة من المالك بنفس الإنشاء الصادر من العاقد الفضولي، فلا يلزم مغايرة المجاز لما وقع.

و هذا بخلاف هذه المسألة، لأنّ الفضولي باع للمالك الحقيقي، و لم يدّع المالكية لنفسه لا عدوانا و لا اعتقادا، فلم يحصل له الوصف العنواني «و هو كونه مالكا» فلو أجاز هذا العقد الذي أنشأه للمالك الأصلي كان المجاز مغايرا لما وقع.

(2) هذا فرع رابع، و هو: أن يبيع الفضولي مال الغير لا لمالكه و لا لنفسه، بل لثالث، بأن يرجع نفعه إلى ذلك الشخص الثالث، كما إذا باع زيد مال عمرو، لا عن نفسه و لا عن عمرو، بل باعه عن بكر، إمّا باعتقاد تملكه للمبيع، و إمّا بالبناء عليه عدوانا. فإن أجاز المالك- و هو عمرو- فلا كلام في صحته بناء على المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك في مفهوم البيع.

و إن لم يجزه المالك- و هو عمرو- و لكن خرج المبيع عن ملكه و دخل في ملك زيد أو في ملك بكر، فأجاز ذلك البيع الفضولي، اندرج في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» و يحكم بصحته.

(3) أي: و إن ملك المبيع ذلك الشخص الثالث و أجاز، فالظاهر أنّه داخل في المسألة السابقة، و هي قوله في (ص 334): «و لو باع عن المالك فأنفق انتقاله إلى البائع فأجازه .. إلخ» فيحكم بصحته، كما يحكم بصحة ذلك البيع، لخروج كليهما عن مورد الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عندك.

ص: 336

السابقة (1).

ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرناه في المسألة المذكورة (2) حال المسألة الأخرى، و هي (3):

ما لو لم يجز البائع (4) بعد تملّكه، فإنّ (5) الظاهر بطلان البيع الأوّل (6)، لدخوله (7) تحت

______________________________

و عليه فقوله: «و إن ملكه» عدل قوله: «فإن أجاز» و هذا العدل يتضمّن شقّين، أحدهما تملك ذلك الثالث، و الآخر تملك العاقد، كما ذكرنا في المثال آنفا.

(1) وجه دخوله في المسألة السابقة: أنّه باع لغير المالك، ثم صار غير المالك مالكا و أجاز، و لا خصوصية للفضولي في عدم كونه مالكا أوّلا، و صيرورته مالكا ثانيا حتى يجيز في حال مالكيته.

لو باع لنفسه، ثم تملّكه و لم يجز

(2) و هي: مسألة «من باع شيئا ثم ملكه و أجاز» المذكورة في (ص 244) بقوله:

«و المهم هنا التعرض لبيان ما لو باع لنفسه ثم اشتراه من المالك و أجاز. و ما لو باع و اشترى، و لم يجز» إلى قوله: «أمّا المسألة الأولى فقد اختلفوا فيها، فظاهر المحقق في باب الزكاة .. إلخ».

و غرضه التنبيه على مسألة أخرى ممّا يتعلّق بتجدد الملك بعد العقد، و هي قوله:

«و ما لو باع و اشترى، و لم يجز».

ثم إنّ مناسبة السياق تقتضي ان يقال: «و أما المسألة الثانية» ليكون عدلا لقوله هناك: «أمّا المسألة الأولى».

(3) أي: المسألة الأخرى: ما لو لم يجز البائع بعد تملّكه، و الحكم في المسألة الأخرى هو بطلان البيع الفضولي، لوجوه ثلاثة سيأتي بيانها.

(4) في بعض نسخ الكتاب «المالك» بدل ما أثبتناه من قوله: «البائع» و هو الظاهر.

و إن كان توجيه «المالك» ممكنا أيضا بإرادة المالك الفعلي، و الأمر سهل.

(5) بيان لقوله: «قد ظهر».

(6) و هو بيع الفضول- الذي صار مالكا فيما بعد- مال الغير.

________________________________________

(7) أي: لدخول هذا البيع تحت الأخبار الناهية، و هذا تعليل لبطلانه، و محصله: أنّ هذا البيع من صغريات «بيع ما ليس عنده» يقينا، فتشمله الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عنده، و حيث إنّ النهي ظاهر في البطلان فيصح أن يقال: إن الظاهر بطلان البيع، لاستناد البطلان إلى ظاهر النهي.

ص: 337

الأخبار المذكورة يقينا (1). مضافا (2) إلى قاعدة تسلط الناس على أموالهم، و عدم (3) صيرورتها حلالا من دون طيب النفس، فإنّ المفروض أنّ البائع (4) بعد ما صار مالكا لم تطب نفسه بكون ماله للمشتري الأوّل (5). و التزامه (6) قبل تملّكه بكون

______________________________

و لا ينافيه اليقين بدخول البيع المزبور تحت الأخبار الناهية، لأنّه يقين بالموضوع، فيلتئم الظهور المكتنف باحتمال الخلاف مع اليقين المزبور.

و بالجملة: البطلان ظاهر النهي، و اليقين متعلّق بصغروية هذا البيع لما تعلّق به النهي في تلك الأخبار، فلا تنافي بين اليقين بدخول البيع المزبور تحت الأخبار الناهية، و بين كون الظاهر بطلان البيع.

(1) قيد لقوله: «لدخوله».

(2) هذا دليل ثان على بطلان عقد الفضول مال الغير لنفسه. و هذا الدليل قاعدة السلطنة على الأموال، فإنّ القول بصحة هذا البيع مع عدم إجازة المالك- كما هو المفروض- مناف لقاعدة السلطنة.

(3) معطوف على «قاعدة» و هذا دليل ثالث على بطلان بيع الفضولي مال الغير و تملكه بعده له مع عدم إجازته لذلك البيع الفضولي، و محصله: أنّ الحكم بصحة هذا البيع الفضولي مناف لما دلّ على توقف حليّة المال على طيب نفس مالكه، و المفروض أنّ البائع الفضولي الذي صار مالكا لما باعه فضولا لا تطيب نفسه بكونه ملكا للمشتري الذي اشترى منه بالبيع الفضولي.

و قوله: «فان المفروض» بيان لتطبيق هذا الدليل على المدّعى، و قد تبين هذا بقولنا: «و المفروض ان البائع الذي صار مالكا .. إلخ».

(4) و هو الذي باع فضولا، و صار مالكا فعليا لما باعه في حال كونه فضولا.

(5) و هو الذي اشترى المتاع من الفضولي المفروض صيرورته مالكا فعلا. و أمارة عدم طيب نفسه هي عدم إجازته، مع عدم الحاجة إلى قيام أمارة على عدم الطيب، إذ العبرة بإحراز الطيب الذي هو شرط حليّة التصرف كما لا يخفى.

(6) مبتدء خبره «ليس التزاما»، و هذا إشارة إلى وهم و دفعه. أمّا الوهم فهو: أنّ البائع الفضولي قبل تملكه للمبيع التزم بكون المبيع ملكا للمشتري، و هذا الالتزام أمارة

ص: 338

هذا المال المعيّن للمشتري ليس (1) التزاما إلّا بكون مال غيره له.

اللهم (2) إلّا أن يقال: إنّ مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود و الشروط على كلّ عاقد و شارط هو اللزوم (3) على البائع بمجرّد انتقال المال إليه (4) و إن كان قبل ذلك أجنبيّا لا حكم لوفائه و نقضه (5).

______________________________

على وجود طيب نفسه بذلك بعد تملكه له.

و ببيان آخر: بيع الفضولي لذلك المال كاشف عن طيب نفسه بكون ذلك المال ملكا للمشتري مطلقا سواء انتقل عنه- أو عن غيره- إلى المشتري.

و أمّا الدفع فهو: أنّ الالتزام المزبور كان متعلقا بمال غيره، لا بمال نفسه حتى يجب عليه الوفاء به، أو يؤثّر نقضه في بطلان العقد، فإنّه أجنبي، و ليس سلطانا على جعل مال الغير للمشتري.

(1) هذا دفع الوهم المزبور، و ضمير «له» راجع إلى المشتري.

(2) غرض هذا القائل إبطال الدفع المزبور و إثبات صحة العقد بمجرّد انتقال المبيع إلى البائع الفضولي، بتقريب: أنّ مقتضى عموم دليلي وجوب الوفاء بالعقود و وجوب وفاء المؤمنين بشروطهم وجوب الوفاء على كل عاقد و شارط، و البائع الفضولي بعد تملكه للمبيع يندرج تحت عموم هذين الدليلين العامّين بعد أن كان قبل تملكه أجنبيّا عن أفراد هذين الدليلين، و غير مشمول لحكمهما من وجوب الوفاء و حرمة النقض. نظير وجوب الحج على غير المستطيع الذي لم يكن مشمولا لعموم دليل وجوب الحج، و بالاستطاعة صار مشمولا له، إذ الحكم يتبع الموضوع، فبمجرد تحققه يترتب عليه حكمه.

(3) خبر «إنّ مقتضى» و ضمير «إليه» راجع إلى البائع.

(4) كصيرورة غير المستطيع بمجرّد الاستطاعة من أفراد دليل وجوب الحج على المستطيع.

(5) لعدم كونه من أفراد موضوع هذين الدليلين.

فالنتيجة: صحة عقد الفضولي بمجرّد تملّكه للمبيع، و عدم احتياجه إلى الإجازة.

ص: 339

و لعلّه (1) لأجل ما ذكرنا رجّح فخر الدين في الإيضاح- بناء (2) على صحّة الفضولي- صحة العقد المذكور (3) بمجرّد الانتقال من دون توقّف على الإجازة.

قيل (4): و يلوح هذا (5) من الشهيد الثاني في هبة المسالك (6). و قد سبق

______________________________

(1) الضمير للشأن، يعني: و لعله لأجل ما ذكرناه- من كون مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود و الشروط على كل عاقد و شارط هو اللزوم على البائع بمجرّد انتقال المال إليه- رجّح فخر المحققين في كتاب الإيضاح- بناء على صحة عقد الفضولي- صحة العقد المزبور بمجرّد الانتقال من دون توقفه على الإجازة.

(2) الوجه في الإتيان بكلمة «بناء» أنّه لا مجال لهذه الأبحاث بناء على مختار فخر المحققين من بطلان عقد الفضولي رأسا بلا فرق بين صور المسألة.

(3) و هو بيع الفضولي مال الغير و تملكه بعد ذلك و عدم إجازته لعقده الفضولي.

(4) القائل هو المحقق الشوشتري قدّس سرّه، ذكره في عداد الأقوال في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» بقوله: «الثالث: ما اختاره فخر الإسلام تخريجا على صحة الفضولي، و هو: أنّه إذا ملكه صحّ البيع من غير توقف على الإجازة، و هو الذي يلوح من الشهيد الثاني .. إلخ» «1».

(5) أي: صحة العقد المذكور و لزومه بمجرّد الانتقال إلى العاقد الفضولي.

(6) أفاده قدّس سرّه في شرح كلام المحقق قدّس سرّه- من أنّه لو وهب المالك ماله لأجنبي هبة غير معوّضة و أقبضه، ثم باعه الواهب من شخص آخر، فهل يبطل البيع لأنّه باع ما لا يملك، أم يصح، لجواز رجوع الواهب؟- فقال الشهيد الثاني في توجيه صحة البيع و استغنائها عن الإجازة ما لفظه: «أو نقول: إذا تحقق الفسخ بهذا العقد انتقلت العين إلى ملك الواهب، و كان العقد بمنزلة الفضولي، و قد ملكها من إليه الإجازة، فلزم من قبله. كما لو باع ملك غيره ثم ملكه، أو باع ما رهنه ثم فكّه، و نحو ذلك. و أولى بالجواز هذا ..» «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 36

(2) مسالك الأفهام، ج 6، ص 49

ص: 340

استظهاره (1) من عبارة الشيخ المحكيّة في المعتبر (2).

لكن (3) يضعّفه أنّ البائع غير مأمور بالوفاء قبل الملك، فيستصحب.

و المقام (4) مقام استصحاب حكم الخاصّ، لا مقام الرجوع إلى حكم العامّ (5)،

______________________________

و الغرض من الاستشهاد بكلامه دلالة قوله: «فلزم من قبله» على صحة بيع الواهب و إن لم تكن العين ملكه حين البيع، و لا حاجة إلى إجازته بعد التملك بالفسخ بنفس البيع، لا بإرادته قبله.

(1) عند قوله: «فظاهر المحقق في باب الزكاة من المعتبر فيما إذا باع المالك النصاب قبل إخراج الزكاة أو رهنه ..» فراجع (ص 245).

(2) حيث قال المحقق في عبارته المتقدمة: «فإن اغترم حصة الفقراء قال الشيخ:

صحّ البيع و الرهن».

(3) غرضه تضعيف ما أفاده بقوله: «اللهم إلّا أن يقال: إنّ مقتضى عموم وجوب» من صحة العقد المذكور بمجرّد انتقال المال المبيع فضولا إلى البائع، و إثبات فساده.

توضيح وجه التضعيف هو: أنّ البائع الفضول قبل تملكه للمبيع لم يكن مأمورا بوجوب الوفاء بالعقد، لعدم شمول خطاب «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» له، فيستصحب عدم الوجوب بعد تملكه.

فالنتيجة: عدم لزوم الوفاء بالعقد على البائع الفضول بمجرّد انتقال المبيع إليه.

(4) هذا بمنزلة التعليل لجريان الاستصحاب، و محصّله: أنّ المورد من موارد جريان استصحاب الخاص، و هو عدم صحة عقد الفضولي، لا من موارد التمسك بعموم العام، و هو عموم دليل وجوب الوفاء بالعقود. و ذلك لأنّ هذا العقد لم يكن قبل الانتقال إلى البائع الفضولي واجب الوفاء، لعدم شمول العام له، و بعد الانتقال إليه يشكّ في بقائه، فيستصحب.

فالنتيجة: أنّ مجرّد الانتقال إلى العاقد الفضولي لا يوجب صحة العقد و لزومه عليه.

(5) و هو صحة العقد و وجوب الوفاء به الذي هو مقتضى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فلا يمكن تصحيح هذا العقد بعموم دليلي وجوب الوفاء بالعقود و الوفاء بالشروط.

ص: 341

فتأمّل (1).

______________________________

(1) الظاهر أنّه إشارة إلى: أنّ المقام من موارد التمسّك بالعام المقتضي للحكم بصحة العقد المزبور، لا من موارد التشبث بالخاصّ الموجب لفساده، و ذلك لأنّ الزمان تارة يكون مفرّدا للعامّ و مكثّرا لأفراده، كأن يقال: «أكرم الفقراء في كلّ يوم» فكل فقير في كلّ يوم فرد من أفراد الفقراء، فإذا خرج «زيد الفقير» عن عموم «أكرم الفقراء» يوم السبت، و شكّ في وجوب إكرامه بعد يوم السبت، يتمسك بعموم «أكرم الفقراء» لأنّه شك في تخصيص زائد، و المرجع فيه كالشك في أصل التخصيص هو عموم العام، دون استصحاب حكم الخاص، لأنّه مع وجود الدليل لا تصل النوبة إلى الأصل العملي.

و أخرى يكون ظرفا لاستمرار الحكم، كأن يقول: «أكرم الفقراء دائما أو مستمرّا» فإذا خرج فرد منه في زمان، و شكّ بعد انقضاء ذلك الزمان في حكمه، يستصحب عدم وجوب إكرامه، و هو حكم الخاص، لأنّ ذلك الفقير الخارج فرد واحد قبل خروجه عن حكم العام، و بعد خروجه عنه، و ليس بعد خروجه فردا آخر حتى يتمسك في حكمه بالعموم القاضي بوجوب إكرامه.

و في المقام نقول: إنّ بيع الفضولي مال الغير لنفسه- و تملّكه له بعد البيع و عدم إجازته لبيعه الفضولي- خرج عن استمرار حكم العام، و هو لزوم الوفاء بالعقد، و يشكّ بعد تملكه للمبيع فضولا في حكمه، فيستصحب حكم الخاص، و هو عدم لزوم الوفاء و بطلان العقد، هذا.

و لكن أمره قدّس سرّه بالتأمّل لا يبعد أن يكون إشارة إلى كون المقام من التمسك بالعام المقتضي لصحة البيع و لزوم الوفاء به، و ذلك لأنه المقام من قبيل ارتفاع المانع من التمسك بالدليل، نظير «أكرم الفقراء إلّا فساقهم» و كان أحدهم فاسقا، و تاب و زال فسقه.

فحينئذ لا مانع لإثبات وجوب إكرامه من التمسك بعموم «أكرم الفقراء إلّا فسّاقهم».

و في ما نحن فيه خرج العاقد الفضولي عن عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لعدم كونه مالكا، فإذا صار مالكا اندرج تحت عموم «أَوْفُوا» فيصح عقده، و يلزم الوفاء به.

و يحتمل أن يكون إشارة إلى عدم جريان الاستصحاب، للشّك في الموضوع، لأنّ عدم وجوب الوفاء كان ثابتا للعاقد غير المالك، و بعد انقلابه إلى المالك يشك في بقاء الموضوع، لاحتمال دخل عدم المالكية في الموضوع.

ص: 342

..........

______________________________

أو إشارة إلى: أنّ عموم «أَوْفُوا» لا يجري إلّا بعد الإجازة الموجبة لإضافة العقد إليه، إذ جريانه يتوقّف على أمرين:

أحدهما: كون الوفاء بالعقد و نقضه معقولا بالنسبة إلى شخص، إذ لا معنى لوجوب الوفاء بالعقد على شخص لا يقدر على الوفاء و النقض.

ثانيهما: كون العقد عقدا له.

و الأمر الأوّل يحصل بالتملك، للتمكن من الوفاء به حينئذ.

لكن الأمر الثاني- و هو إضافة العقد إليه- لا يحصل إلّا بالإجازة، إذ ليس المراد بالإضافة مجرّد قيام إنشاء العقد به، و إلّا كان عقد الوكيل عقدا له لا للموكّل. فبناء على هذا لا يكفي مجرّد تملك البائع الفضولي في إضافة العقد إليه، بل لا بدّ في تحقق هذه الإضافة من الإجازة.

فالنتيجة: أنّ عموم «أَوْفُوا» لا يشمل عقد الفضول لنفسه ثم تملكه لما باعه فضولا إلّا بالإجازة. و من المعلوم أنّه بعد الإجازة لا معارضة بين عموم «أَوْفُوا» و قاعدة السلطنة، و قاعدة إناطة حلّ الأموال بطيب نفوس أربابها، و غيرهما، لعدم التنافي بين عموم «أَوْفُوا» و بين قاعدة السلطنة و نحوها، بل بينهما كمال الملاءمة.

كما أنّه يسقط البحث عن كون المقام من استصحاب حكم الخاصّ لا التمسك بالعام، لما عرفت من أنّ العاقد الفضولي قبل الإجازة ليس عاقدا، فهو أجنبي عن موضوع «أَوْفُوا» و خارج عنه تخصّصا لا تخصيصا، فلا يصح أن يقال: إنّه عاقد، و بعد تملّكه للمبيع الفضولي يصير عاقدا مالكا، فيندرج تحت عموم «أَوْفُوا»، نظير اندراج الفقير الفاسق بعد التوبة و صيرورته عادلا في حيّز «أكرم الفقراء غير الفساق أو الفقراء العدول».

فتلخص من جميع ما ذكرناه عدم كفاية تملك العاقد الفضولي- المال الذي باعه لنفسه- في صحة عقده الفضولي، بل صحته منوطة بالإجازة، إذ لا يصير العقد عقدا له إلّا بالإجازة.

و لو شكّ في صحة هذا العقد قبل إجازة العاقد الفضولي، و لم ينهض دليل على صحته و فساده، فيرجع فيه إلى أصالة الفساد.

ص: 343

مضافا (1) إلى معارضة العموم المذكور بعموم سلطنة الناس على أموالهم، و عدم (2) حلّها لغيرهم إلّا عن طيب النفس، و فحوى (3) الحكم المذكور (4) في رواية

______________________________

و من هنا يظهر الفرق بين التمسك بدليل وجوب الحج على من لم يكن مستطيعا في زمان، و صار كذلك في زمان بعده، و بدليل وجوب «إكرام الفقراء العدول» لوجوب إكرام الفقير الذي لم يكن عادلا، ثم تاب و صار عادلا. و بين التشبث بدليل وجوب الوفاء بالعقود لإثبات صحة عقد الفضول بمجرد تملكه لما باعه فضولا، و عدم إجازته.

وجه الظهور: أنّ الإجازة توجب صيرورة الفضول عاقدا، بخلاف دليلي وجوب الحج و وجوب إكرام الفقير العادل، فإنّ موضوعيتهما للحكم لا تتوقف إلّا على وجود العدالة و الاستطاعة، بخلاف عقد الفضول، فإنّ إضافة العقد إليه تتوقف على الإجازة، و لا تحصل بمجرد تملكه للمبيع فضولا.

(1) هذا دليل ثان على بطلان عقد الفضولي إذا باع لنفسه، ثم ملكه و لم يجز. و هذا الدليل هو قاعدة السلطنة، فإنّ لزوم العقد عليه بدون إجازته خلاف قاعدة السلطنة.

(2) معطوف على «عموم سلطنة» و هو دليل ثالث على البطلان، و هو قاعدة عدم حلّ مال أحد لغيره إلّا بطيب نفسه، يعني: و مضافا إلى معارضة العموم المذكور بعدم حلّها .. إلخ.

(3) معطوف على «عموم سلطنة» و هذا دليل رابع على البطلان، يعني: و مضافا إلى معارضة العموم المذكور بفحوى الحكم بعدم كفاية مجرّد ملكية المال للعاقد الفضولي في صحة عقده.

و ملخص هذا الدليل الموافق لفساد عقده الذي يقتضيه استصحاب حكم الخاص- على ما أفاده المصنف قدّس سرّه- هو: أنّ عتق العبد الموجب لمالكية نفسه إن لم يكن مؤثرا في صحة العقد بدون الإجازة كما هو المفروض في رواية الحسن بن زياد المتقدمة في (ص 328)، حيث إنّ سكوت المولى عن نكاح العبد الذي هو إجازة يوجب نفوذ العقد لا عتقه الموجب لمالكيته لنفسه، كان تملّك المال أولى بعدم التأثير، إذ تملك النفس أقوى من تملك المال في تأثيره في صحة العقد.

(4) و هو عدم صحة عقد النكاح بمجرّد عتقه الموجب لصيرورته مالكا لنفسه،

ص: 344

الحسن بن زياد المتقدّمة (1) في نكاح العبد بدون إذن مولاه، و أنّ عتقه لا يجدي في لزوم النكاح لو لا سكوت المولى الذي هو بمنزلة الإجازة.

ثمّ (2) لو سلّم عدم التوقّف على الإجازة، فإنّما هو فيما إذا باع الفضوليّ لنفسه.

أمّا لو باع فضولا للمالك أو لثالث (3)، ثمّ ملك هو (4)، فجريان عموم الوفاء بالعقود و الشروط بالنسبة إلى البائع أشكل (5).

و لو باع (6) وكالة عن المالك فبان انعزاله بموت الموكّل، فلا إشكال في عدم

______________________________

و توقف صحته على إجازة المولى المتحققة بسكوته.

(1) لكن قد تقدّم هناك ضعف دلالتها على المقصود.

(2) غرضه أنّه لو سلّم كفاية مجرد تملك العاقد الفضولي للمال الذي باعه فضولا في صحة العقد- و عدم توقفها على الإجازة- يرد عليه: أنّه أخصّ من المدّعي الذي هو كون مجرد تملك العاقد الفضولي كافيا في صحة العقد و مغنيا عن الإجازة، لاختصاصه بما إذا باع الفضولي لنفسه، إذ العاقد الفضولي هو العاقد المالك، فيشمله عموم «أَوْفُوا».

و أمّا إذا باع لغيره من المالك أو الثالث، ثم ملك هذا البائع، فشمول عموم الوفاء بالعقود و الشروط لهذا العقد الذي يكون للمالك أو للثالث مشكل، إذ لا يصدق عليه العاقد و الشارط حتى يشمله عموم دليلي الوفاء بالعقود و الشروط، لأنّ المفروض عدم قصد العاقد الفضولي البيع لنفسه حتى يضاف العقد إليه.

(3) و هو غير المالك و العاقد الفضولي.

(4) أي: البائع الفضولي الذي لم يبع لنفسه، بل باع لغيره، ثم ملك المبيع الذي باعه لغيره.

(5) خبر «فجريان» و وجه أشديّة إشكاله- من صورة بيع الفضولي لنفسه- هو:

أنّه فيما إذا قصد البيع لنفسه يصير العاقد مالكا، فيشمله عموم دليلي عموم الوفاء بالعقود و الشروط. بخلاف ما إذا قصد الفضول البيع لغيره، فإنّه لا يصدق «العاقد و الشارط» على البائع الفضولي، فلا يشمله عموم دليلي وجوب الوفاء بالعقود و الشروط.

(6) لم يظهر وجه ارتباط هذا الفرع بالمقام- كما نبّه عليه غير واحد من أجلّة

ص: 345

وقوع البيع له (1) بدون الإجازة، و لا معها. نعم يقع للوارث مع إجازته.

[المسألة الثالثة: لو باع بزعم عدم جواز التصرف، فبان جوازه]
اشارة

المسألة الثالثة (2):

ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرّف، فبان كونه جائز التصرّف.

______________________________

المحشين «1»- و لذا احتمل بعض كونه من أغلاط النسخة، لكنه في غاية البعد، لوروده في جميع النسخ.

و كيف كان فهذا الفرع يكون من الفضولي المتعارف، لا من فروع «من باع ثم ملك» و تقريبه: أن يبيع الوكيل مال الموكّل بزعم حياته و بقاء الوكالة، فبان بعد البيع موت الموكّل قبله، و انعزال الوكيل به عن الوكالة، فيكون هذا البيع فضوليا، لانتقال المال إلى الورثة. فإن أجازوا وقع البيع لهم، و إن ردّوا بطل بيع الوكيل رأسا.

و لا وجه لتوهم وقوع البيع للوكيل أو للموكّل، بل يقع للوارث المجيز، لأنّ مقتضى المعاوضة دخول الثمن في ملك من خرج المعوّض عن ملكه، و المفروض عدم تملك الوكيل للمبيع حتى يتملّك الثمن بإزائه. و كذا الموكّل، لانتقال المال عنه إلى ورثته، فلا يقع البيع له لو أجاز الورثة.

(1) أي: للبائع الفضولي، لما مرّ آنفا. نعم يقع البيع للمالك الفعلي و هو الوارث مع إجازته. هذا تمام الكلام في المسألة الثانية.

المسألة الثالثة: لو باع بزعم عدم جواز التصرف، فبان جوازه

(2) من المسائل التي أفادها في الأمر الثالث من الأمور المتعلقة بمباحث المجيز، حيث قال في (ص 238): «فالكلام يقع في مسائل: الاولى: أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة، لكن المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرف لحجر .. إلخ. الثانية: أن يتجدّد الملك بعد العقد، فيجيز المالك الجديد، سواء أ كان هو البائع أم غيره. لكن عنوان المسألة في كلمات القوم هو الأوّل، و هو ما لو باع شيئا ثم ملكه .. إلخ».

______________________________

(1) كالسيد الطباطبائي و المحقق الإيرواني، فراجع حاشية السيد، ج 1، ص 168 و حاشية المحقق الإيرواني ج 1، ص 138

ص: 346

و عدم (1) جواز التصرّف المنكشف خلافه، إمّا لعدم الولاية، فانكشف كونه وليّا، و إمّا لعدم الملك، فانكشف كونه مالكا. و على كلّ منهما، فإمّا أن يبيع عن المالك، و إمّا أن يبيع لنفسه، فالصور أربع.

______________________________

و ليعلم أنّ هذه المسألة الثالثة أجنبية عن مسائل عدم كون العاقد جائز التصرف حين العقد، و صيرورته بعد العقد جائز التصرف، فلا ينبغي ذكرها في عداد تلك المسائل، فالوجه المناسب لذكرها في عدادها هو الاعتقاد بعدم جواز التصرف، لا عدم جوازه واقعا.

و لهذه المسألة صور أربع مذكورة في المتن، و قد عدّها صاحب المقابس قدّس سرّه من أقسام العنوان العام الذي أفاده بقوله: «الموضع الخامس و السادس: أن يكون للعقد مجيز واقعا أو بزعم العاقد، و حصلت الإجازة من غيره ممّن انتقل إليه ذلك المال بشراء أو إرث أو ولاية أو نحو ذلك سواء وقع العقد عن الفضولي أو عن المالك، و لذلك ستة أقسام» «1». ثم جعل القسم الأوّل مسألة «من باع ثم ملك» و ذكر أقساما ثمانية أخرى، و المذكور في المتن هو القسم الرابع و الخامس و السادس و السابع.

و كيف كان فما صنعه المصنف من جعل العنوان الجامع بين الصور الأربع «ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف فبان كونه جائز التصرف» أولى مما صنعه صاحب المقابس، إذ ليس في بعضها انتقال المال أصلا، كما لا يخفى.

(1) مبتدء، خبره «إمّا لعدم» يعني: و عدم جواز التصرف الذي اعتقده البائع و انكشف خلافه- و ظهر كونه جائز التصرف- ينشأ تارة عن عدم الولاية، فانكشف كونه وليّا، و اخرى عن عدم الملك، فانكشف كونه مالكا. و على كلّ منهما إمّا أن يبيع البائع عن المالك، و إمّا أن يبيع لنفسه، فالصور أربع.

______________________________

(1) راجع مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 35 و 38- 40

ص: 347

[الصورة الاولى: أن يبيع عن المالك فانكشف كونه وليّا على البيع]

الاولى: أن يبيع عن المالك فانكشف كونه (1) وليّا (2) على البيع، فلا ينبغي الإشكال (3) في اللزوم [1] حتّى على القول ببطلان الفضولي (4). لكنّ (5) الظاهر من

______________________________

1- لو باع عن المالك، فانكشف كونه وليّا

(1) أي: كون البائع الذي باع عن المالك وليا على البيع.

(2) المراد بالولي هنا من ليس مالكا، و لكن له ولاية أمر البيع، للولاية الشرعية كالأب و الجدّ و الفقيه الجامع للشرائط، أو للإذن من طرف المالك كالعبد و الوكيل.

فلجواز التصرف واقعا وجوه ثلاثة: الملك و الولاية و الإذن.

(3) وجه عدم الإشكال هو: كون العاقد على الفرض وليّا واقعا، و ليس فضوليا، فصدر العقد من أهله في محله، فالمقام خارج موضوعا عن الفضولي، فلو فرض بطلان عقد الفضولي من أصله لم يكن قادحا في صحة العقد هنا.

و الحاصل: أنّ أدلّة الصحة من العمومات ك «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» و غيرهما تشمله بعد وضوح ما تقتضيه أدلة الولاية و الوكالة من نفوذ تصرفات الولي و الوكيل.

(4) لما عرفت من خروجه موضوعا عن باب الفضولي.

(5) استدراك على قوله: «فلا ينبغي الإشكال» و محصّل الاستدراك: أنّ مجرّد إذن السيد لعبده في التجارة بدون علمه- و لا علم غيره بإذن السيد- لا يصدق عليه الإذن،

______________________________

[1] و إن لم يكن هذا الفرض من الفضولي، لصدور العقد من وليّ أمره. إلّا أنّ منصرف أدلة نفوذ ولاية الأب و الجدّ و غيرهما من الأولياء غير من يكون تصرفه باعتقاد أنّه غير ولي، كما في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه «1». و هو غير بعيد.

إلّا أن يدّعى كون الانصراف بدويا. فإطلاق أدلة الولاية محكّم، و يندفع احتمال التقييد بصورة الالتفات إلى الولاية. فليس حينئذ لما عن القاضي قدّس سرّه وجه ظاهر، إلّا بناء على ما سنذكره في التعليقة اللّاحقة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 73

ص: 348

المحكي عن القاضي (1) «أنّه إذا أذن السيّد لعبده في التجارة، فباع و اشترى، و هو لا يعلم بإذن سيّده، و لا علم به أحد، لم يكن (2) مأذونا له في التجارة (3) [1]

______________________________

فلا يترتب آثار الصحة على ما فعله، خلافا لما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّه لا ينبغي الإشكال في اللزوم.

(1) هو الشيخ أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي الشامي، و كان من تلامذة الشيخ، و صار خليفته في البلاد الشامية، نوّر اللّه تعالى مرقده «1».

(2) جواب «إذا»، و اسم «يكن» هو الضمير المستتر الراجع الى العبد.

(3) ظهور هذه الجملة في اعتبار العلم في صدق الإذن ممّا لا ينكر.

______________________________

[1] ظاهر عبارته- كما في المقابس- التشكيك في صدق الإذن على الرضا بدون اطّلاع أحد من المأذون له و غيره من المتعاملين و غيرهما عليه. و هذه مناقشة صغروية، فمع فرض صدق الإذن على الرضا الباطني لا يرد إشكال على صحة بيع المأذون من المالك مع عدم اطّلاعه على إذنه للبائع.

و الحاصل: أنّ نظر القاضي ظاهرا إلى أنّ الرضا الباطني غير المبرز ليس إذنا حتى يخرج بيع العبد المأذون في التجارة- غير المطّلع على إذن المولى في التجارة- عن البيع الفضولي. و هذا الذي أفاده القاضي قدّس سرّه غير بعيد، لأنّ الإذن هو الإعلام. و منه قوله تعالى:

«فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ» أي: فاعلموا بالحرب، و استعماله في إبراز الرخصة و الرضا شائع.

و عليه فلا يصدق الإذن إلّا على إبراز الرضا بمحضر شخص أو جماعة، و المستفاد من مجموع عبارة القاضي أنّ نفوذ بيع العبد و شرائه منوط بالإذن المبرز من السيد، سواء أ كان مبرزا لنفس العبد أم لغيره، هذا.

و يحتمل أن يريد القاضي اعتبار إنشاء الإذن، و عدم كفاية الرضا الباطني. لا أن يريد

______________________________

(1) لاحظ ترجمته مبسوطا في رياض العلماء، ج 3، ص 141- 145. و مختصرا في أمل الآمل، ج 1، ص 152، و طبقات أعلام الشيعة، ج 2، ص 107.

ص: 349

و لا يجوز (1) شي ء ممّا فعله. فإن علم بعد ذلك (2) و اشترى و باع جاز ما فعله بعد العلم بالإذن، و لم يجز ما فعله قبل ذلك (3)، فإن (4) أمر السيّد قوما أن يبايعوا العبد- و العبد لا يعلم بإذنه له- كان (5) بيعه و شراؤه منهم جائزا، و جرى ذلك (6) مجرى الإذن الظاهر. فإن اشترى العبد بعد ذلك (7) من غيرهم و باع (8)

______________________________

(1) الأولى اقترانه بالفاء، لأنّه بمنزلة نتيجة عدم الإذن.

(2) أي: بعد إذن السيد له. غرضه أنّ تصرفات العبد من البيع و الشراء لا تصح إلّا بعلمه بإذن السيد له فيها، و لا يكفي الإذن الواقعي بدون علم العبد به، فإذا علم بالإذن صحّت تصرفاته المعاملية، و إلّا فلا تصح.

(3) أي: قبل علم العبد بإذن سيده.

(4) هذا متفرع على قوله: «و لا علم به أحد» توضيحه: أنّ القاضي رحمه اللّه جعل عدم الإذن مساوقا لعدم إبرازه، فإذا ابرز للعبد أو لغيره- و إن لم يعلم به العبد- جاز بيعه و شراؤه.

و قوله: «فإن أمر السيد قوما أن يبايعوا العبد .. إلخ» بيان للفرض الثاني الذي أشار إليه بقوله: «و لا علم به أحد» و حاصله: كفاية بروز الإذن لغير العبد في نفوذ تصرفاته، و عدم لزوم بروزه لنفس العبد.

(5) جواب «فإن أمر» و «الواو» في «و العبد لا يعلم» حاليّة.

(6) أي: أمر السيد قوما أن يبايعوا عبده، فإنّه بمنزلة الإذن الظاهر لنفس العبد.

(7) أي: بعد أمر السيد قوما أن يبايعوا عبده.

(8) عبارة القاضي المنقولة في المقابس عن المختلف هكذا «كان ذلك جائزا».

______________________________

اعتبار علم البائع بإذن المالك. و يشهد له حكم القاضي بصحة بيع العبد مع جهله بإذن المولى فيما إذا أذن المولى لقوم في أن يبايعوه، فإنّ الحكم بصحة العقد إذا جهل العبد بإذن المولى مع أمره لقوم في أن يبايعوه شاهد على اعتبار إنشاء الإذن، لا على اعتبار علم العبد بإذن السيّد، فتأمّل. و لازم ذلك صحة عقد العبد إذا أذن له المولى، ثم نسيه حال العقد.

ص: 350

جاز (1)» انتهى «1».

و عن المختلف الإيراد عليه (2) بأنّه لو أذن الوليّ و لا يعلم العبد ثمّ باع العبد صحّ (3)، لأنّه صادف الإذن، و لا يؤثّر فيه (4) إعلام المولى بعض المتعاملين «2»، انتهى. و هو (5) حسن.

______________________________

(1) إن استفيد عموم الإذن لغير ذلك القوم، و إلّا اختصّ الجواز بهم، و لا يجوز التعدّي عنهم.

(2) أي: على ما أفاده القاضي قدّس سرّه من عدم كفاية إذن السيد لعبده في التجارة إذا لم يعلم العبد بالإذن. و محصل الإيراد هو: أنّ القاضي اعترف بصحة عقد العبد مع جهله بإذن المولى في صورة إعلام المولى بعض المتعاملين. و هذا شاهد على كفاية الإذن واقعا في صحة عقد العبد، و كفاية مصادفة الإذن في صحته، و عدم اعتبار علم العبد بإذن السيد في صحته.

(3) جواب «لو أذن» و الضمير الفاعل، و كذا ضمير «لأنّه» راجعان إلى البيع.

(4) يعني: لا يؤثّر في نفوذ العقد و صحته إعلام المولى بعض المتعاملين، بل المؤثر في صحته هو مصادفة عقد العبد للإذن واقعا، و ليس الإعلام إلّا طريقا للرضا الباطني، من دون أن يكون له جهة موضوعية أصلا.

لكن قد عرفت احتمال تقوم الإذن بالإعلام، فالإعلام دخيل في صدق الإذن و لو بإعلام غير العبد.

(5) يعني: و إيراد العلّامة حسن، و حسنه مبني على كفاية الإذن الواقعي. و اعتراف القاضي قدّس سرّه بصحة عقد البيع مع جهله بالإذن- في صورة أمر السيّد قوما بأن يبايعوا العبد- يدلّ على كفاية الإذن واقعا، و إن لم يعمل العبد به [1].

______________________________

[1] أقول: بل يدلّ على اعتبار إبراز الإذن، و عدم كفاية وجوده الواقعي.

نعم يدلّ على عدم اعتبار علم الولي بالإذن، و كفاية علم غيره به في نفوذ تصرفات

______________________________

(1) الحاكي لكلام القاضي المنقول في المتن هو صاحب المقابس، ص 38 (كتاب البيع). و حكاه العلامة عنه في المختلف ج 5، ص 435

(2) مختلف الشيعة، ج 5، ص 437، و الحاكي لكلام العلّامة هو صاحب المقابس، في كتاب البيع، ص 38

ص: 351

[الصورة الثانية: أن يبيع لنفسه، فانكشف كونه وليّا]

الثانية (1): أن يبيع لنفسه، فانكشف كونه وليّا [1]، فالظاهر أيضا صحّة العقد، لما عرفت (2) من أنّ قصد بيع مال الغير لنفسه

______________________________

2- لو باع لنفسه فانكشف كونه وليّا

(1) أي: الصورة الثانية من الصور الأربع- المشار إليها في (ص 347) في المسألة الثالثة- هي: أن يبيع البائع لنفسه، فانكشف كونه وليّا. و الظاهر صحة العقد كالصورة السابقة، وفاقا لصاحب المقابس قدّس سرّه، حيث قال في القسم السادس: «أن يبيع أو يشتري لنفسه، ثم ينكشف كونه وليّا أو وكيلا على المال عند العقد. و حكمه يعرف ممّا سبق» يعني مما سبق في القسم الخامس من الحكم بالصحة، فراجع «1».

(2) يعني: في المسألة الثالثة من المسائل الثلاث المعقودة لبيان أقسام الفضولي، حيث

______________________________

الولي. و لعلّه لإطلاق أدلة الولاية. و اعتبار العلم بالاذن يكون بنحو الموضوعية، لما مرّ من عدم صدق الإذن لغة على غير الإذن المبرز. لكنه أخذ موضوعا بنحو الطريقية لا بنحو الصفتية، و لذا يقوم سائر الطرق كالبينة مقامه، فإذا شهدت البينة بأنّ زيدا أذن لابنه في بيع أمواله، و لم يعلم الابن بهذا الإذن، فباع أمواله، صحّ البيع.

و لو شكّ في اعتبار علم الولي بإذن المولّى عليه في نفوذ تصرفاته، كان مقتضى إطلاق أدلة الولاية عدم اعتباره، لأنّ مرجع هذا الشك إلى الشك في تقييد إطلاق أدلة الولاية، و المرجع حينئذ إطلاقها.

[1] الظاهر عدم الفرق في الحكم بين الولي الخاص كالأب و الجد، و بين الولي العام كالفقيه الجامع للشرائط و عدول المؤمنين، لأنّه مقتضى إطلاق أدلة الولاية. فما عن بعض المحققين من «جعل الأشبه في الولي الخاص لزوم البيع و عدم توقفه على الإجازة، و جعل الأحوط في الولي العام اعتبارها» لم يظهر له وجه. و لعل نظره إلى انصراف الولي إلى الولي الخاص، و لا بدّ من التأمل.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 38

ص: 352

لا ينفع (1) و لا يقدح. و في توقّفه على إجازته (2) للمولّى عليه وجه، لأنّ (3) قصد كونه لنفسه يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون، فتأمّل (4).

______________________________

قال في بعض كلامه: «فعلم من ذلك أنّ قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الإيجاب حتى يتردّد الأمر بين المحذورين المذكورين» «1». فراجع.

(1) خبر «أنّ قصد» يعني: لا ينفع في صيرورة البيع للعاقد، لكونه خلاف مقتضى المعاوضة. و لا يقدح في صيرورته للغير و هو المالك، لأنّ الأمر يرجع إلى حيثية المالكية المأخوذة جهة تقييدية، فلا محالة يصير البيع للمالك، و يحتاج إلى إجازته في غير ما نحن فيه. و أميا فيه فلا يحتاج إلى الإجازة، لأنّها إمّا لتحقق الانتساب، أو لحصول الرضا.

و كلاهما هنا حاصل، إذ المباشر هو الولي، و الرضا المعتبر هو رضاه أيضا.

(2) أي: في توقف نفوذ العقد على إجازة العاقد. غرضه: أنّ نفوذ العقد و لزومه هل يتوقف على إجازة العاقد هذا العقد للمولّى عليه؟ أم أنّ العقد بمجرد تحققه نافذ و لا يناط نفوذه بشي ء.

(3) هذا بيان وجه التوقف على الإجازة، و محصله: أنّ قصد البائع كون العقد لنفسه يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون، و هو كون العقد للمولّى عليه، و صيرورته عقدا له موقوفة على الإجازة، و إلغاء كونه لنفسه.

(4) لعله إشارة إلى: أنّه بعد لغوية قصد كونه لنفسه شرعا و عدم نفعه و قدحه لا يبقى في المقام إلّا وقوعه موقوفا على الوجه المأذون من الشارع، و هو كون التصرف في مال المولّى عليه مقرونا بمصلحته، أو بعدم المفسدة. فإن كان هذا الشرط موجودا فلا وجه للإجازة، إذ الفرض وجود الشرط، و إلّا فلا تجدي الإجازة، لعدم وقوعها في محلّها الذي هو البيع المقرون بالمصلحة أو عدم المفسدة.

أو إشارة إلى ما قيل: من التنافي بين الصدر و الذيل، إذ مقتضى الصدر لغوية «لنفسه»، و مقتضى الذيل- و هو وقوع العقد على غير الوجه المأذون- قيديّته الموجبة لبطلان العقد، و عدم صحته بالإجازة. و مقتضى الصدر صحته بدون الإجازة.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 573

ص: 353

[الصورة الثالثة لو باع عن المالك، فانكشف كونه مالكا]

الثالثة (1): أن يبيع عن المالك، ثمّ ينكشف كونه مالكا.

______________________________

و بالجملة: فالعقد إمّا صحيح بدون الإجازة، و إمّا باطل لا يصحّ بالإجازة، هذا.

أقول: يمكن دفع التنافي بين الصدر و الذيل بأنّ المراد بالصدر لغوية «لنفسه» بمعنى عدم تأثيره في صحة العقد و فساده، و ذلك لا يمنع من اعتبار ما جعل شرطا في صحة العقد، فإنّ الأحكام الحيثية كذلك. فالعقد من ناحية ذكر «لنفسه» لا مانع من صحته.

و لكنّه لا يمنع عن لزوم مراعاة ما جعل شرطا في صحة العقد، كجعل البيع للمولّى عليه.

و الحاصل: أنّ كل شرط يحفظ المشروط من قبله لا مطلقا، فالعقد ليس فاسدا من ناحية ذكر «لنفسه» و لكنه لا ينفي شرطية غيره، كوقوعه على الوجه المأذون، و هو وقوعه للمولّى عليه في مورد وجود المصلحة أو عدم المفسدة. فإذا كان البيع على الوجه المأذون فهو صحيح، و إلّا فلا.

و عليه فلا منافاة بين الصدر و الذيل، إذ مقتضى الصدر عدم بطلان العقد من ناحية «لنفسه» لا عدم بطلانه مطلقا، فيمكن أن يكون لصحة العقد شرط يلزم مراعاته.

و مقتضى الذيل اعتبار الوجه المأذون في الصحة.

و هذا نظير صحة الصلاة في اللباس المشكوك فيه، فإنّ صحتها من ناحية اللباس المشكوك فيه لا تثبت صحتها من ناحية الشك في الطهارة.

و إن شئت فقل: إنّ قيد «لنفسه» لا يقدح في صحة العقد، لكنه يوجب انصرافه عن المولّى عليه بحيث لا يكون مضافا إليه، و لا يعدّ عقدا له، و إضافته إليه منوطة بإجازة وليّ العقد، و هو نفس العاقد. فلا يدور الأمر بين البطلان رأسا و الصحة فعلا من دون حاجة إلى الإجازة، كما أفاده القائل بالتنافي بين الصدر و الذيل.

3- لو باع عن المالك، فانكشف كونه مالكا

(1) أي: الصورة الثالثة من الصور الأربع المشار إليها في (ص 347) هي: «أن يبيع البائع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا» و هو القسم السابع في كلام صاحب المقابس قدّس سرّه لقوله: «السابع: أن يبيع أو يشتري عن المالك بزعمه، ثم ينكشف كون المال له. و قد فرضه الأصحاب في من باع مال أبيه بظنّ الحياة و أنّه فضولي، فبان موته و أنه مالك.

و ذكر جماعة منهم فروضا أخرى أيضا من هذا القسم. و حكم العلامة في التذكرة بصحة

ص: 354

و قد مثّل له الأكثر (1) بما لو باع مال أبيه بظنّ حياته فبان ميّتا.

و المشهور الصحّة (2)، بل ربما استفيد (3) من كلام العلّامة في القواعد

______________________________

العقد ..» «1».

(1) قيل: إنّه لم يظهر تمثيل الأكثر- لهذه الصورة- بخصوص المثال المذكور في المتن، و إنّما ذكر هذا الفرع في كلام العلامة في القواعد، حيث قال: «و لو باع مال أبيه بظنّ الحياة، و أنّه فضولي، فبان ميّتا، و أنّ المبيع ملكه، فالوجه الصحة» «2».

و الأمر كما ذكره القائل، لتصريح صاحب المقابس في كلامه المتقدم بوجود أمثلة أخرى، حيث قال: «و ذكر جماعة منهم فروضا أخر لهذا القسم» فلاحظ.

فمنها: قول العلامة: «و كذا لو باع العبد على أنه آبق أو مكاتب، فصادف رجوعه أو فسخ الكتابة. و كذا لو زوّج أمة أبيه على ظنّ أنّه حي، فبان ميّتا» «3».

و منها: ما أفاده في هبة القواعد بقوله: «و إذا باع الواهب بعد الإقباض بطل مع لزوم الهبة، و صحّ لا معه، على رأي. و لو كانت فاسدة صحّ إجماعا. و لو باع مال مورّثه معتقدا بقاءه، أو أوصى بمن أعتقه، و ظهر بطلان عتقه فكذلك» «4».

و منها: ما نقله السيد العاملي عن المحقق الكركي قدّس سرّهما من قوله: «و مثله ما لو باع فضوليا، ثم بان شراء وكيله إيّاه» «5».

و لعلّ المتتبع في كلمات الأصحاب يقف على فروع أخر لهذه الصورة الثالثة.

(2) كما ادّعاه الفاضل الخراساني أيضا قدّس سرّه على ما حكاه صاحب المقابس عنه، فراجع «6».

(3) كذا في المقابس أيضا، لقوله: «و ربما يستفاد منهما- أي: من القواعد و الإرشاد-

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 38

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 19

(3) نهاية الأحكام، ج 2، ص 477

(4) قواعد الأحكام، ج 2، ص 409، إرشاد الأذهان، ج 1، ص 450

(5) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 195 و 196، جامع المقاصد، ج 4، ص 76

(6) مقابس الأنوار، ص 38، كفاية الأحكام، ص 145، السطر 9

ص: 355

و الإرشاد في باب الهبة الإجماع، و لم نعثر على مخالف صريح، إلّا أن الشهيد رحمه اللّه ذكر في قواعده: «أنّه لو قيل بالبطلان أمكن» «1».

و قد سبقه في احتمال ذلك (1) العلّامة و ولده في النهاية و الإيضاح «لأنّه (2) إنّما قصد نقل المال عن الأب، لا عنه (3). و لأنّه (4) و إن كان منجّزا في الصورة، إلّا أنّه

______________________________

- دعوى الإجماع عليه» «2». و لعلّ المستفيد هو السيد العاملي قدّس سرّه، لقوله: «و في هبة الكتاب- أي القواعد- جزم بالصحة، و قد يلوح منه هناك أنّها محلّ إجماع، فليرجع إليه» «3».

لكنك عرفت صراحة عبارة القواعد في الإجماع، و لعلّ كلمة «إجماعا» ساقطة من بعض نسخ القواعد.

(1) أي: احتمال البطلان في هذه الصورة الثالثة. و استدل للبطلان بوجوه ثلاثة، جملتها مذكورة في الإيضاح، و الأخيران مذكوران في النهاية، و المنقول في المتن عبارة الإيضاح، فراجع.

(2) هذا أوّل تلك الوجوه الثلاثة، و محصّله: أنّ العاقد إنّما قصد نقل المال عن الأب لا عن نفسه، فمن قصد البيع له لا يمكن أن يقع له البيع، لعدم كونه مالكا، و من يمكن أن يقع البيع له- لكونه مالكا- لم يقصد له البيع.

و الحاصل: أنّه يلزم تخلف العقد عن القصد.

(3) أي: لا عن العاقد الفضولي الذي هو ولد المالك.

(4) هذا ثاني تلك الوجوه الثلاثة، و حاصله: أنّ هذا العقد فاقد لشرط التنجيز و إن كان منجّزا صورة، لكنه معلّق واقعا، إذ تقدير قول الفضوليّ: «بعتك» هو «إن مات مورّثي فقد بعتك» و التعليق مبطل العقد.

______________________________

(1) القواعد و الفوائد، ج 2، ص 238، ذيل القاعدة: 238

(2) مقابس الأنوار، ص 38

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 195

ص: 356

معلّق، و التقدير: إن مات مورّثي فقد بعتك. و لأنّه (1) كالعابث عند مباشرة العقد، لاعتقاده (2) أنّ المبيع لغيره» «1» انتهى.

أقول (3): أمّا قصد نقل الملك عن الأب فلا يقدح [1] في وقوعه، لأنّه (4) إنّما قصد نقل الملك عن الأب من حيث إنّه مالك باعتقاده، ففي الحقيقة إنّما قصد النقل

______________________________

(1) هذا ثالث تلك الوجوه الثلاثة، و حاصله: أنّ هذا العاقد الفضوليّ كالعابث في عدم إرادة القصد الجدي بالصيغة، إذ لا يتمشّى هذا القصد مع اعتقاده كون المبيع لغيره.

(2) تعليل لكون البائع كالعابث، فإنّه مع هذا الاعتقاد كيف يتمشّى منه القصد الجدّي؟

(3) هذا كلام المصنف قدّس سرّه، و هو إشكال على الوجه الأوّل من الوجوه الثلاثة التي أقيمت على البطلان، و محصّل الإشكال: أنّ قصد الأب لم يتعلّق بخصوص شخصه، بل تعلّق به من حيث كونه مالكا. فالبائع قصد البيع لمالك المبيع بحيث يشمل نفسه، غاية الأمر أنّه اشتبه في تطبيق عنوان «المالك» على أبيه. فعلى هذا يقصد البائع البيع للمالك لا لغيره، فلا يرد عليه: أنّ ما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد.

(4) تعليل لقوله: «فلا يقدح» و حاصله- كما مر آنفا- أنّ قصد النقل عن الأب ليس قصدا له لشخصه، بل لكونه مالكا، فالقصد تعلّق بعنوان المالك الذي هو جهة تقييدية.

______________________________

[1] عدم القدح مبنيّ على كون المالكية هنا جهة تقييدية. و ليس الأمر كذلك، لأنّ الظن بالحياة- المراد به العلم بالحياة كما عبّر به العلّامة في هبة القواعد باعتقاد الحياة، و كذا صرّح المصنف قدّس سرّه فيما يأتي من قوله: «فهو إنما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في علمه، فبيعه كبيع الغاصب مبني على دعوى ..»- يلائم قصد النقل عن شخص الأب، لا عنوان كلّيّ المالك، فحيثية المالكية هنا تعليلية، لا تقييدية. فإيراد فخر المحققين قدّس سرّه «بأنّه يلزم وقوع ما لم يقصد، و عدم وقوع ما قصد» وارد، و لا يندفع بما أفاده المصنف.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 420، نهاية الأحكام، ج 2، ص 477

ص: 357

عن المالك [1] لكن أخطأ في اعتقاده أنّ المالك أبوه. و قد تقدّم (1) توضيح ذلك (2) في عكس المسألة أي: ما لو باع ملك غيره باعتقاد أنّه ملكه (3).

نعم (4) من أبطل عقد الفضوليّ لأجل اعتبار مقارنة طيب نفس المالك للعقد، قوي (5) البطلان عنده

______________________________

(1) أشرنا إلى كلامه المتقدم- في ثالثة مسائل بيع الفضولي- في (ص 353) فراجع.

(2) أي: كون الخطأ في اعتقاد انطباق عنوان المالك- الذي هو حيثية تقييدية- على أبيه.

(3) أي: ملك البائع، كما إذا اعتقد زيد مثلا بأنّ المتاع الفلاني ملكه، فباعه، ثم تبيّن أنّه ملك عمرو، فإنّهم قد وجّهوا صحة البيع هناك بأنّ البائع قصد البيع للمالك، غاية الأمر أنّه أخطأ في تطبيق طبيعيّ المالك على نفسه. و هذا لا يقدح في صحة البيع.

(4) استدراك على ما أفاده في هذه الصورة الثالثة من صحة بيع الفضولي مال الغير عن المالك، و حاصل الاستدراك: أنّ من استند في بطلان عقد الفضولي إلى فوات مقارنة طيب نفس المالك للعقد، فلا بدّ من التزامه بالبطلان هنا، لفوات مقارنه الطيب فيه، لأنّ العاقد من حيث إنّه مالك فاقد للطّيب المالكي حين العقد، و إنّما تطيب نفسه بنقل مال غيره حينه. و طيب نفسه ببيع ماله بعد الانكشاف ليس طيبا مالكيّا مقارنا للعقد.

(5) جواب «من أبطل» المتضمّن معنى الشرط.

______________________________

[1] بل قصد النقل عن شخص أبيه، لا النقل من طبيعيّ المالك بجعله حيثية تقييدية، و كون أبيه من مصاديقه، إذ إرادة طبيعيّ المالك و إطلاقه- بحيث يعمّ كلّا من العاقد و أبيه مع العلم بحياة أبيه- في حكم التعليق، لأنّ مرجع هذا الإطلاق إلى وقوع البيع عنه على تقدير موت والده، و عن والده على تقدير حياته. و هذا عبث ينافي القصد الجدّي في مقام المعاملة. فالمناسب هنا كون حيثية المالكية جهة تعليلية كما مرّ في التعليقة السابقة.

ص: 358

هنا (1) [1]، لعدم طيب نفس المالك بخروج مالكه عن ملكه (2)، و لذا (3) [2] نقول نحن كما سيجي ء (4) باشتراط الإجازة من المالك بعد العقد، لعدم حصول طيب النفس حال العقد.

و أمّا ما ذكره من «أنّه (5) في معنى التعليق» ففيه (6): مع مخالفته لمقتضى الدليل

______________________________

(1) أي: في هذه الصورة الثالثة المتقدمة في (ص 354).

(2) لأنّ العاقد حين العقد لم تطب نفسه بنقل ماله، بل طابت حينه بنقل مال غيره.

(3) أي: و لعدم طيب نفس المالك بخروج ماله عن ملكه مقارنا للعقد.

(4) عند قوله في (ص 364): «لكن الأقوى وفاقا للمحقق و الشهيد الثانيين وقوفه على الإجازة».

فالنتيجة: أنّ جواب الدليل الأوّل هو: أنّ قصد وقوع البيع عن الأب لا يضرّ بوقوعه، لأنّ قصد الأب يكون لأجل اعتقاد الابن بكون الأب مالكا، فهو قصد البيع عن مالكه، لكنه أخطأ في تطبيق المالك على أبيه، و هذا لا يقدح في وقوع البيع.

(5) أي: أنّ عقد البائع. و هذا إشارة إلى ثاني أدلّة العلّامة و الفخر، و هو كون هذا العقد معلّقا واقعا و إن كان منجّزا صورة، لأنّه معلّق على موت أبيه حتى يقع البيع له.

(6) هذا ردّ الدليل الثاني، و قد ردّه المصنف قدّس سرّه بوجهين:

أحدهما: أنّ هذا الدليل الثاني مخالف لمقتضى الدليل الأوّل، لأنّ مقتضاه هو البيع عن أبيه منجّزا، لاعتقاد حياته، و كون المال مال أبيه. و مقتضى الدليل الثاني هو البيع عن

______________________________

[1] فإن مقتضاه بطلان عقد الفضولي في جميع الموارد، لفقدان مقارنة طيب نفس المالك للعقد في جميع العقود الفضولية. و غير الفضولي ممّا يحتاج إلى الإجازة و إن لم يكن من العقد الفضولي موضوعا، حيث إنّ العاقد هو المالك. إلّا أنّ ملاك الحاجة إلى الإجازة- و هو طيب النفس- موجود في مثل المقام، فالمحوج إلى الإجازة فيه هو اعتبار طيب نفس المالك.

[2] تعليل بطلان الفضولي بعدم مقارنة طيب نفس المالك للعقد لا يصح لأن يكون سببا لشرطية إجازة المالك لصحة العقد مع تأخرها عنه و عدم مقارنتها له، بل لا بدّ أن تكون شرطيتها مستندة إلى دليل آخر، و لا بدّ من التأمل في فهم مراد المصنف من العبارة.

ص: 359

الأوّل (1) كما لا يخفى- منع (2) كونه في معنى التعليق، لأنّه إذا فرض أنّه يبيع مال أبيه لنفسه كما هو (3) ظاهر هذا الدليل، فهو (4) إنّما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في (5) علمه، فبيعه (6) كبيع الغاصب مبنيّ على دعوى السلطنة و الاستقلال على المال، لا على تعليق النقل بكونه (7) منتقلا إليه بالإرث عن [من] مورّثه (8)، لأنّ ذلك (9) لا يجامع مع ظنّ الحياة.

______________________________

نفسه معلّقا على موت أبيه. و من المعلوم تخالفهما من حيث التنجيز و التعليق، و من مغايرة من له البيع في الدليل الأوّل و الثاني.

(1) و هو قوله في (ص 356): «لأنّه إنّما قصد نقل المال عن الأب» و قوله: «مع مخالفته» إشارة إلى الوجه الأوّل من وجهي ردّ المصنف.

(2) مبتدء مؤخّر، و خبره المقدّم قوله: «ففيه». و هذا ثاني وجهي الرد، و حاصله:

منع التعليق حتى فيما إذا فرض أنّه يبيع مال أبيه لنفسه مع علمه بكونه مال أبيه- فضلا عما نحن فيه من بيعه لأبيه مع تبين كون المبيع ملكه- فإنّ البيع لنفسه مع العلم بأنّه ليس ملكا له كالغاصب مبنيّ على دعوى سلطنته و استقلاله على ذلك المال، و ليس مبنيا على التعليق.

(3) يعني: كما أنّ فرض بيع مال أبيه لنفسه ظاهر هذا الدليل.

(4) جواب قوله: «إذا فرض».

(5) متعلق ب «كونه» يعني: مع وصف اعتقاد البائع بأنّ المال ملك أبيه.

(6) يعني: فبيع البائع- مع علمه بكون المبيع ملكا لأبيه- ليس مبنيّا على تعليق النقل بانتقاله إليه بالإرث، بل هو كبيع الغاصب مبني على دعوى الاستقلال على المال، و ذلك لأنّ التعليق لا يلائم ظنّ الحياة، إذ المراد بالظن هو العلم كما فهمه المصنف قدّس سرّه حيث قال: «مع وصف كونه لأبيه في علمه» و من المعلوم أنّ التعليق مبنيّ على الاحتمال المضادّ للقطع.

(7) متعلق ب «تعليق» و الضمير راجع الى المال.

(8) هذا الضمير و ضمير «إليه» راجعان إلى البائع المفروض كونه ولد المالك.

(9) أي: لأنّ التعليق، و قوله: «لأنّ» تعليل لعدم تعليق النقل، و قد اتّضح بقولنا:

ص: 360

اللهم (1) إلّا أن يراد أنّ القصد الحقيقيّ إلى النقل معلّق على تملّك الناقل، و بدونه (2) فالقصد صوريّ، على ما تقدّم (3) من المسالك من «أنّ الفضولي و المكره قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله» «1».

لكن فيه (4) حينئذ (5) أنّ هذا القصد الصوريّ كاف، و لذا (6) قلنا بصحّة عقد الفضولي.

______________________________

«و ذلك لأنّ التعليق لا يلائم ظنّ الحياة .. إلخ».

(1) هذا استدراك على ما أفاده من الصحة، و غرضه إثبات بطلان العقد في هذه الصورة الثالثة بكونه معلّقا لا منجّزا، بدعوى: أنّ مركز التعليق هو النقل الحقيقي الذي هو معنى الاسم المصدري، لا النقل الإنشائي، فالتنجيز صوريّ و التعليق حقيقي، فإنّ قصد النقل الحقيقي معلّق على تملّك الناقل، فقصد النقل بدونه صوري، و القصد الصوري ليس موضوعا للأثر.

(2) أي: و بدون التعليق على تملّك الناقل فالقصد إلى النقل صوريّ.

(3) من قوله: «و يكفي في ذلك ما ذكره الشهيد الثاني من أنّ المكره و الفضولي قاصدان الى اللفظ دون مدلوله» فراجع ما أفاده المصنف قدّس سرّه في بيع المكره.

(4) أي: في قوله: «اللّهم الا أن يراد» الدال على تعليق النقل.

(5) أي: حين كون التعليق متعلقا بالقصد الحقيقي إلى النقل، دون القصد الصوري.

و محصل ما أفاده في ردّ الاستدراك هو: أنّ المدار في قدح التعليق في صحة العقد هو تعليق القصد الصوري دون القصد الحقيقي. و لو كان تعليق القصد الحقيقي قادحا في الصحة لم يكن لصحّة عقد الفضولي وجه، لأنّ القصد الحقيقيّ في جميع العقود الفضوليّة معلّق على رضا من له السلطنة على إجازة العقد و ردّه. فصحّة عقد الفضوليّ تكشف عن عدم قدح تعليق القصد الحقيقي في صحّته، و كفاية تنجز القصد الصوري في صحته التأهلية.

(6) يعني: و لأجل كفاية القصد الصوري في صحة العقد قلنا بصحة عقد الفضولي.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 156، و تقدم كلامه في الجزء الرابع من هذا الشرح، فراجع ص 101 و 166

ص: 361

و من ذلك (1) يظهر ضعف ما ذكره أخيرا (2) من كونه كالعابث عند مباشرة العقد، معلّلا (3) بعلمه بكون المبيع لغيره.

و كيف كان (4) فلا ينبغي الإشكال في صحّة العقد (5).

إلّا (6) أنّ ظاهر المحكيّ من غير واحد

______________________________

(1) أي: و ممّا ذكرناه في ردّ ثاني أدلّة العلّامة و الفخر قدّس سرّهما من كفاية القصد الصوري في صحة العقد- يظهر ضعف الدليل الثالث، و هو: كون العاقد كالعابث عند إنشاء العقد، معلّلا بكون المبيع لغيره. وجه الظهور: أنّ كفاية تنجّز القصد الصوري في صحة العقد تخرج العاقد عن كونه عابثا.

(2) في (ص 357) من قوله: «و لأنّه كالعابث عند مباشرة العقد، لاعتقاده .. إلخ».

(3) حال من فاعل «ذكره» و هو العلّامة قدّس سرّه، و ضمير «بعلمه» راجع إلى العاقد.

(4) مقتضى السياق أن يراد بهذه الكلمة: أنّه سواء تمّ ما أفاده العلّامة و فخر الدين من وجوه المنع أم لا. و لكن هذا غير مراد قطعا، بقرينة نفي الاشكال في صحة العقد و عدم فساده، سواء قيل بتوقفه على الإجازة أم لا.

فلا بدّ أن يكون مراده من قوله: «و كيف كان» أمرا آخر، بأن يقال: سواء اكتفينا- في ردّ الوجوه الثلاثة المحكية عن الإيضاح- بما ذكر، أم نوقش فيها بوجه آخر، فعلى كلّ لا ينبغي الإشكال في عدم فساد العقد في الصورة الثالثة، و هي: أن يبيع عن المالك، ثم ينكشف كونه مالكا.

(5) أي: في الصورة الثالثة، و هي: أن يبيع عن المالك، ثم ينكشف كونه مالكا.

(6) الأولى إبدال العبارة بأن يقال: «في صحة العقد تأهلا، بل عن ظاهر المحكي عن غير واحد لزوم العقد، و عدم الحاجة إلى الإجازة ..» إذ الغرض بيان صحة العقد تأهّلا و فعلا كما هو ظاهر المحكي عن غير واحد، فإنّ الصحّة ظاهرة في الصحة المطلقة التأهلية و الفعلية، و الاستثناء إخراج عن شي ء. و من المعلوم أنّ ما بعد «إلّا» الاستثنائية هنا لم يخرج عن الصحّة، بل أيّدتها و ثبّتتها، حيث إنّ المحكي عن غير واحد صحّة العقد مطلقا أي تأهّلا و فعلا، و لم تخرج الصحة الفعليّة عن الصحة المطلقة حتى يصح استثناؤها كما لا يخفى.

ص: 362

لزوم العقد (1)، و عدم الحاجة إلى إجازة مستأنفة، لأنّ (2) [1] المالك هو المباشر

______________________________

و الحاكي للصحة- من دون حاجة إلى الإجازة- هو المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه، فإنّه بعد حكاية الصحة عن جملة من كتب العلّامة قال: «و هذا هو قول المحقق في الشرائع، و ظاهر الشهيد في الدروس. و ظاهر هؤلاء: أنّه يلزم حين وقوعه، و لا يفتقر إلى إجازة من المباشر. و بذلك فسّر كلام العلّامة في الإيضاح و جامع المقاصد» «1».

(1) أي: في الصورة الثالثة المذكورة في (ص 354) و هي: أن يبيع عن المالك، ثم ينكشف كونه مالكا.

(2) تعليل للزوم العقد و عدم الحاجة إلى إجازة مستأنفة، و قد علّل ذلك بوجهين:

أحدهما: أنّ فائدة الإجازة- و هي ارتباط العقد بالمجيز، و صيرورة عقد الفضول عقده- حاصلة هنا، إذ المفروض أنّ المالك بنفسه أنشأ العقد، و لا معنى لإجازة فعل نفسه، لكونها من تحصيل الحاصل.

ثانيهما: أنّ قصد العاقد- الذي هو المالك واقعا- إلى نقل المال المعيّن الذي هو ماله إن كان موجبا لحصول نقل مال نفسه فيما نحن فيه، فهو أولى من الإذن فضلا عن الإجازة، فلا وجه حينئذ للإجازة، بل لا بدّ من الحكم بلزوم العقد.

______________________________

[1] نعم، لكنّ الإجازة قد تفيد أمرين، أحدهما: انتساب العقد إلى المجيز، و الآخر:

إبراز الرضا و طيب النفس.

لكن الأوّل حاصل هنا بالمباشرة التي هي أقوى من الإجازة في حصول الانتساب.

و لا معنى للانتساب بعد الانتساب، لأنه تحصيل للحاصل.

و أما الأمر الثاني فلا يحصل هنا إلّا بالإجازة. فوجه الحاجة إلى الإجازة إنّما هو حصول الرضا، إذ لا ملازمة و لا مساواة بين الانتساب و الطّيب، فضلا عن الأولوية، فلا يغني الانتساب الحاصل بالمباشرة عن الطيب المنكشف بالإجازة. فلا وجه للزوم العقد بدون الإجازة.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 38 و لاحظ: شرائع الإسلام، ج 2، ص 231، الدروس الشرعية، ج 2، ص 289

ص: 363

للعقد، فلا وجه لإجازة فعل نفسه. و لأنّ (1) قصده إلى نقل مال نفسه إن حصل هنا (2) بمجرّد القصد إلى نقل المال المعيّن الذي هو في الواقع ملك نفسه- و إن لم يشعر (3) به- فهو (4) أولى من الإذن في ذلك فضلا عن أجازته (5)، و إلّا (6) توجّه عدم وقوع العقد له (7).

لكنّ الأقوى وفاقا للمحقّق و الشهيد الثانيين «1»: وقوفه (8) على الإجازة،

______________________________

(1) هذا إشارة إلى الوجه الثاني المتقدّم بيانه آنفا.

(2) أي: في بيع العاقد عن المالك و انكشاف كونه مالكا. و قوله: «إن حصل هنا» إشارة إلى ما أفاده في (ص 355) من قوله: «و المشهور الصحة» فإنّ الصحة هي حصول النقل، و حصوله من العاقد بإنشائه أولى من الإذن الذي هو مجوّز لتصدّي غير المالك في النقل، لأنّ النقل بإنشائه أولى من إنشاء الغير المنوط تأثيره بإذنه.

و الحاصل: أنّ حصول نقل ماله بمجرد القصد إلى نقله أولى بلزومه من الإذن في ذلك.

(3) كما هو المفروض، و ظاهر عنوانهم «لو باع مال أبيه بظن حياته فبان ميتا» فإنّه لا يشعر بأنّ المال المعيّن الذي نقله هو ملك له واقعا.

وجه أولويته من الإذن: أنّ المباشرة أولى من الإذن في الانتساب.

(4) جواب الشرط في قوله: «إن حصل هنا» و جملة الشرط و الجواب خبر قوله: «و لأن قصده» و ضمير «فهو» راجع إلى «قصده».

(5) لأنّها إنفاذ فعل الغير بعد وقوعه، و الإذن ترخيص في إيجاد الفعل.

(6) أي: و إن لم يحصل قصد الولد العاقد- المفروض كونه مالكا واقعا للمبيع- إلى نقل مال نفسه بمجرّد القصد إلى نقل المال المعيّن لتوجّه عدم وقوع العقد للولد أصلا، لا وقوعه موقوفا على الإجازة، لأنّه على فرض عدم حصول النقل بمجرّد القصد إلى نقل المال المعيّن لم يحصل العقد الناقل. و مع عدم تحققه لا عقد حتى يبحث عن احتياجه إلى الإجازة و عدمه.

(7) أي: للولد العاقد.

(8) أي: وقوف العقد الصادر من الولد الذي هو المالك واقعا- مع عدم علمه

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 76، مسالك الأفهام، ج 6، ص 51

ص: 364

لا لما ذكره في جامع المقاصد (1) من «أنّه لم يقصد إلى البيع الناقل للملك الآن (2)، بل مع إجازة المالك»، لاندفاعه (3) بما ذكره بقوله: «إلّا أن يقال: إنّ قصده إلى أصل البيع كاف».

و توضيحه: أنّ انتقال المبيع شرعا بمجرّد العقد أو بعد إجازة المالك ليس (4)

______________________________

بمالكيته- على الإجازة، فإنّ لزومه بالنسبة إلى العاقد الذي يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا منوط بالإجازة.

(1) محصل ما أفاده المحقق الثاني قدّس سرّه في وجه توقف لزوم العقد للعاقد على الإجازة هو: أنّ العاقد لاعتقاده بكون المبيع مال الغير لا يقصد تأثير هذا العقد إلّا مع الإجازة.

و ببيان آخر: انّ العاقد أنشأ العقد منوطا بالإجازة، و لم ينشئه بنحو يترتّب عليه الأثر فعلا و بلا حاجة إلى الإجازة.

(2) أي: فعلا بلا حاجة إلى الإجازة، بل قصد البيع الناقل منوطا بإجازة المالك.

(3) أي: لاندفاع ما ذكره المحقق الثاني قدّس سرّه. و هذا ردّ المصنف قدّس سرّه لكلامه، و تعليل لقوله: «لا لما ذكره في جامع المقاصد» و حاصل الرّد وجهان:

أحدهما: ما أفاده المحقق الثاني قدّس سرّه بقوله: «الا ان يقال» و أوضحه المصنف بما محصّله: أنّ ما يعتبر قصده في البيع كما اشتهر أنّ العقود تابعة للقصود- بحيث يقدح في صحة العقد عدم قصده أو قصد خلافه- هو مدلول لفظ العقد، و ذلك في مثل «بعت» مجرّد النقل بنظر الناقل. و أمّا ترتّب الأثر أعني به الانتقال فهو حكم شرعي يترتّب على مجرّد العقد أو بعد إجازة المالك، و خارج عن مدلول اللفظ، فلا يعتبر قصده. كما أنّه لا يضرّ قصد خلافه.

نظير عقد النكاح، فإنّ المعتبر فيه قصد مضمون العقد، و هو علقة الزوجية، دون آثارها الشرعية كوجوب الإنفاق و نحوه، فإنّ قصدها غير لازم، لخروجها عن مضمون عقد النكاح. فتبعية العقود للقصود تختص بمداليل ألفاظ العقود و مضامينها، و لا تشمل ما هو خارج عن مداليلها، و من المعلوم أنّ أحكامها الشرعية خارجة عن مضامين العقود، فهي أجنبية عن قاعدة تبعية العقود للقصود.

(4) خبر «أن الانتقال» و الضمير المستتر في «ليس» و ضميرا «قصده، خلافه»

ص: 365

من مدلول لفظ العقد حتّى يعتبر قصده، أو يقدح قصد خلافه، و إنّما هو (1) من الأحكام الشرعيّة العارضة للعقود بحسب اختلافها (2) في التوقّف على الأمور المتأخّرة، و عدمه (3).

مع (4) أنّ عدم القصد المذكور لا يقدح بناء على الكشف (5).

______________________________

راجعة إلى «انتقال المبيع».

(1) أي: انتقال المبيع شرعا يكون من الأحكام الشرعية.

(2) أي: اختلاف العقود في توقّف نفوذها على الأمور المتأخرة عن العقود، كالقبض في الصرف و السلم، و الإجازة في الفضولي. فبعض العقود يترتب عليه الحكم بدون التوقف على أمر، لكفاية نفس إنشاء العقد في ترتب الحكم الشرعي عليه، كالعقد الصادر من المالك مباشرة أو من وكيله أو وليّه. و بعضها لا يترتب عليه الحكم الشرعي إلّا بعد تحقق أمر ثبت دخله في العقد كالقبض في الصّرف و السّلم.

(3) معطوف على «التوقف» أي: عدم التوقّف على أمر، كبيع المالك مباشرة كما مر آنفا.

(4) هذا ثاني وجهي ردّ المصنف قدّس سرّه لما ذكره جامع المقاصد «من أنّه لم يقصد إلى البيع الناقل للملك الآن». و حاصل هذا الوجه الثاني: أنّ عدم القصد إلى البيع الناقل الآن ليس بقادح في صحة البيع، و تحقق القصد إلى النقل الفعلي بناء على الكشف، و ذلك لأنّ قصد النقل مع الإجازة قصد إلى النقل الفعلي، كحصول النقل بنفس العقد كما هو مقتضى كاشفية الإجازة. فالقصد إلى البيع الناقل للملك الآن موجود. فدعوى جامع المقاصد «عدم قصد البيع الناقل الآن» غير مسموعة.

نعم عدم إمكان قصد النقل فعلا يناسب مذهب النقل في الإجازة.

و الحاصل: أنّ الإجازة إما كاشفة و إما ناقلة. و لو سلّمنا قدح عدم القصد إلى النقل إلّا مع الإجازة فإنّما يتمّ بناء على النقل، من جهة أنّه لا يكون المقصود حين إنشاء البيع النقل فعلا.

و أمّا بناء على الكشف- الذي اختاره المحقق الكركي قدّس سرّه- فلا ريب في أنّ القصد إلى النقل مع الإجازة اللاحقة راجع إلى القصد إلى النقل الفعلي حال البيع، لا القصد إلى الملكية المتأخرة عن الإنشاء.

(5) قد ظهر وجه التقييد بالكشف، و أنّه مختار المحقق الكركي قدّس سرّه.

ص: 366

بل قصد النقل بعد الإجازة ربما يحتمل قدحه (1).

فالدليل (2) على اشتراط تعقّب الإجازة في اللزوم هو عموم تسلّط الناس على أموالهم، و عدم حلّها لغيرهم إلّا بطيب أنفسهم، و حرمة أكل المال إلّا بالتجارة عن تراض.

و بالجملة: أكثر أدلّة اشتراط الإجازة في الفضوليّ جارية هنا (3).

______________________________

(1) القدح المحتمل هو لزوم التعليق، لكون النقل حينئذ معلّقا على الإجازة، و التعليق قادح في صحة النقل.

و الحاصل: أنّه مع قصد النقل بعد الإجازة يكون النقل معلّقا على الإجازة، و هو قادح في قصد النقل الفعلي، لمنافاة التعليق لفعلية النقل. و المفروض أنّ النقل الفعلي حاصل بنفس العقد، و الإجازة كاشفة عن هذا النقل من دون أن تكون مؤثّرة في النقل.

(2) سوق العبارة يقتضي أن يقال: «بل الدليل» ليكون إضرابا عن قوله: «لا لما ذكره في جامع المقاصد». و ليس الدليل على اشتراط تعقب الإجازة في اللزوم نتيجة لقوله: «لا لما ذكره في جامع المقاصد» حتى يناسب الإتيان ب «فاء» التفريع.

و كيف كان فقد استدلّ المصنف قدّس سرّه على اعتبار الإجازة في لزوم العقد في الصورة الثالثة- و هي: أن يبيع عن المالك، ثم ينكشف كونه مالكا- بوجوه ثلاثة:

الأوّل: عموم «الناس مسلّطون على أموالهم».

الثاني: عموم «لا يحلّ مال امرء مسلم الّا بطيب نفسه».

الثالث: عموم قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ فإن هذه الأدلة الثلاثة تدلّ على اعتبار طيب نفس المالك و رضاه من حيث كونه مالكا.

و ببيان آخر: الطّيب المالكي معتبر في صحة البيع. و فيما نحن فيه لم يكن الطّيب حين العقد طيب المالك بنقل ماله، بل كان طيبا بنقل مال غيره. و من المعلوم أنّ الشرط في نقل مال هو طيب نفس مالكه بنقل ماله، لا طيب نفسه بنقل مال غيره كما هو المفروض في الصورة الثالثة، حيث إنّ البائع باع عن المالك لا عن نفسه، فطيبه ليس طيبا بنقل ماله من حيث كونه مالكا، و لذا يتوقف لزوم العقد على الإجازة الكاشفة عن الطيب المالكي.

(3) أي: في الصورة الثالثة من الصور الأربع المفروضة في المسألة الثالثة.

ص: 367

و أمّا ما ذكرناه (1) من «أنّ قصد نقل ملك نفسه إن حصل (2) أغنى عن الإجازة، و إلّا (3) فسد العقد» (4) ففيه (5): أنّه يكفي في تحقّق صورة العقد القابلة للحوق اللزوم، القصد إلى نقل المال المعيّن. و قصد كونه مال نفسه أو مال غيره

______________________________

(1) غرضه من هذه العبارة بيان وهم و دفعه.

أمّا الوهم فهو التنافي بين ما أفاده من قوله: «لكن الأقوى وفاقا للمحقق و الشهيد الثانيين وقوفه على الإجازة» و بين ما تقدم في (ص 364) من حصول نقل ملك نفسه بمجرّد قصد نقل مال معيّن هو ملك له واقعا، و إلّا يلزم عدم وقوعه أصلا، حيث قال هناك: «و لأنّ قصده إلى نقل مال نفسه إن حصل هنا بمجرّد القصد إلى نقل المال المعيّن ..

فهو أولى من الإذن في ذلك .. و إلّا توجّه عدم وقوع العقد له».

وجه المنافاة: أنّه مع فرض وقوع البيع للمالك بمجرّد قصد النقل إلى مال معيّن- هو ملكه واقعا- لا حاجة إلى الإجازة، و بدون وقوعه يكون فاسدا، و لا تصحّحه الإجازة، إذ مورد الإجازة هو العقد الذي له صحة تأهلية، دون العقد الباطل الفاقد لها.

هذا حاصل الوهم. و أما الدفع فسيأتي.

(2) يعني: إن حصل بمجرّد نقله إلى مال معيّن مملوك له واقعا- مع عدم علمه بذلك- أغنى عن الإجازة.

(3) أي: و إن لم يحصل نقل مال نفسه بمجرّد نقل مال معيّن ملك له واقعا- مع جهله بذلك- فسد العقد، و لا يصحّ بالإجازة كما مرّ آنفا.

(4) هذه العبارة ليست نصّ كلامه المتقدم في (ص 383) و إنّما هي مضمونه، و قد نقلنا بعض كلامه قبل أسطر.

(5) جواب «و أمّا» و دفع للوهم المزبور، و الغرض منه تمييز العقد القابل للزوم عن غيره. و محصله: أنّ كلّ عقد قصد به نقل المال المعيّن كان قابلا للحوق اللزوم به.

و قصد كون ذلك المعيّن ملك العاقد أو غيره- سواء أ كان صوابا أم خطأ- لا يقدح و لا ينفع، بمعنى: أنّ قصد كون المال لنفسه أو غيره ليس دخيلا في صحة العقد، حتى يكون صوابه موجبا لصحة العقد، و خطؤه مانعا عن صحته.

و على هذا فنقول: إنّا نختار الشرطية الثانية، و هي عدم حصول قصد مال نفسه بمجرّد القصد إلى مال معيّن لا يعلم بكونه مالا له واقعا، و لكن نمنع بطلان التالي، و هو فساد العقد بمعنى عدم الصحة التأهلية له، بل نختار صحته التأهلية، لكفاية مجرّد قصد

ص: 368

- مع خطئه في قصده أو صوابه (1) في الواقع- لا يقدح (2) و لا ينفع. و لذا (3) بنينا على صحّة العقد بقصد نقل مال نفسه مع كونه مالا لغيره.

و أمّا (4) أدلّة اعتبار التراضي و طيب النفس

______________________________

النقل فيها من دون اعتبار قصد النقل إلى مال نفسه في صحته.

(1) معطوف على «خطئه» و الضمائر في «خطئه، قصده، صوابه» راجعة إلى «العاقد» المفهوم من العبارة، فالمصادر مضافة إلى الفاعل، لا إلى المفعول.

(2) خبر «و قصد» و قد مرّ وجه عدم نفع القصد المزبور و عدم قدحه في الصحة التأهلية.

(3) أي: و لأجل كفاية مجرّد قصد النقل إلى مال معيّن في تحقق العقد و صحته التأهلية- و عدم نفع قصد كون المال لنفسه أو لغيره، و عدم قدحه في صحته التأهّلية- بنينا على صحة العقد بقصد مال نفسه مع كونه مالا لغيره. و قد أفاده في مسألة اعتبار القصد و في مواضع من بيع الفضولي، كقوله: «فالقصد إلى العوض و تعيينه يغني عن تعيين المالك» «1». و قوله: «نهي المخاطب عن البيع دليل على عدم وقوعه مؤثرا في حقه، فلا يدلّ على الغاية بالنسبة إلى المالك، حتى لا تنفعه إجازة المالك في وقوعه له .. إلخ» «2».

(4) إشارة إلى وهم و دفعه. أمّا الوهم فحاصله: أنّه- بناء على كفاية مجرّد قصد نقل المال المعيّن في تحقق صورة العقد- يكون طيب النفس بنقل ذلك المال المعيّن حاصلا أيضا. و معه لا حاجة إلى التمسك في إثبات لزوم الإجازة بما دلّ على اعتبار طيب النفس في حليّة مال أحد لغيره، هذا.

و أمّا الدفع فحاصله: أنّ ما يعتبر في العقد إمّا مقوّم له و إمّا شرط له. و الأوّل هو قصد مدلول العقد، و لولاه لا يتحقق العقد العرفي. و قصد نقل مال شخصي مقوّم للعقد العرفي و محصّل له، و موجب لصحته التأهلية. و الثاني طيب نفس المالك بما هو مالك بنقل ماله، و هذا شرط صحته الفعلية.

و لا يغني ما يدلّ على ما هو مقوّم للعقد عمّا يدلّ شرعا على اعتبار ما هو شرط

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 121

(2) المصدر، ص 496

ص: 369

فهي (1) دالّة على اعتبار رضا المالك بنقل خصوص ماله بعنوان أنّه ماله (2)، لا بنقل مال معيّن يتّفق كونه ملكا له في الواقع، فإنّ حكم طيب النفس و الرضا لا يترتّب على ذلك (3). فلو (4) أذن في التصرّف في مال معتقدا أنّه لغيره- و المأذون يعلم أنّه له- لم يجز (5) له التصرّف بذلك (6) الإذن.

و لو (7) فرضنا أنّه أعتق عبدا عن غيره فبان أنّه له، لم ينعتق. و كذا (8)

______________________________

صحّته الفعليّة، لأنّ طيب النفس ليس من مقوّمات العقد العرفي، فلا بدّ من حصول طيب نفس المالك بما هو مالك- لا بما هو ذات المالك- في تحقق الصحّة الفعلية.

(1) جواب «و أمّا» و إشارة إلى دفع الوهم المزبور، و قد اتّضح آنفا بقولنا: «و أما الدفع فحاصله».

(2) يعني: و المفروض أنّ العاقد في الصورة الثالثة- و هي أن يبيع عن المالك- لم ينقل المال بعنوان أنّه ماله، بل بعنوان أنه مال الغير.

(3) أي: على نقل مال معيّن يتّفق كونه ملكا للعاقد واقعا.

(4) هذا و ما بعده من الفروع متفرّع على ما أفاده من ترتب الحكم بالصحة الفعلية على طيب نفس المالك بنقل ماله بعنوان أنّه ماله، لا على طيب نفس من اتّفق كونه مالكا واقعا.

و محصل هذا الفرع هو: أنّه لو أذن شخص لزيد أن يتصرّف في مال يعتقد الآذن أنّه مال الغير و ليس مالا له- و المأذون يعلم أنّ المال ملك الآذن- لم يجز لزيد المأذون أن يتصرّف فيه اعتمادا على ذلك الإذن. و ليس ذلك إلّا لأجل عدم صدور الإذن من المالك بعنوان كونه مالكا.

(5) جواب «فلو أذن» و الواو في قوله: «و المأذون» حالية.

(6) الباء للسببية، أي: لا يصحّ استناد جواز التصرف إلى ذلك الإذن.

(7) هذا ثاني تلك الفروع، و هو: أنّه لو أعتق عبدا عن زيد مثلا، فبان أنّه ملكه- و ليس ملكا لزيد- لم ينعتق العبد، و ليس ذلك إلّا لأجل عدم صدور الإذن من المالك بعنوان أنّه مالك.

(8) هذا ثالث تلك الفروع، و هو: أنّه لو طلّق امرأة وكالة عن زيد مثلا، فبانت

ص: 370

لو طلّق امرأة وكالة عن غيره، فبانت زوجته، لأنّ (1) القصد المقارن إلى طلاق زوجته و عتق مملوكه معتبر فيهما، فلا (2) تنفع الإجازة.

و لو (3) غرّه الغاصب فقال: «هذا عبدي أعتقه عنك» فأعتقه (4) عن نفسه، فبان (5) كونه له، فالأقوى أيضا (6) عدم النفوذ، وفاقا للمحكيّ «1» عن التحرير و حواشي الشهيد و جامع المقاصد، مع حكمه (7)

______________________________

زوجته، لم يقع الطلاق، لعدم شرطه و هو القصد المقارن- من الزوج بوصف كونه زوجا- لطلاق زوجته.

(1) تعليل لعدم وقوع الطلاق و العتاق، و حاصله: فقدان شرط الصحة، و هو القصد المقارن مع طلاق زوجته و عتق مملوكه.

(2) هذه نتيجة شرطية مقارنة القصد للعقد، توضيحه: أنّ الإجازة تنفع في العقد الجامع للشرائط التي منها قصد المالك بما هو مالك، ففقده يوجب بطلان العقد، و عدم تأثير الإجازة في صحّته.

(3) هذا رابع تلك الفروع، و محصّله: أنّ الغاصب لو غرّ شخصا بأن قال له: «هذا عبدي فأعتقه عنك» فأعتقه الشخص المغرور عن نفسه، فبان كون العبد للمعتق المغرور، فالأقوى عدم الانعتاق و عدم النفوذ.

(4) يعني: فأعتقه الشخص المغرور عن نفسه.

(5) أي: فتبيّن كون العبد للمعتق المغرور، و قوله «فالأقوى» جواب «و لو غرّه».

(6) يعني: كالفروع المتقدمة من عتق عبد تبيّن كونه له، و طلاق امرأة هي زوجته.

(7) أي: مع حكم جامع المقاصد بصحة البيع في هذه الصورة، و هي: أن يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا، و وقوفه على الإجازة.

و غرضه قدّس سرّه: أن حكمه بالصحة في مثال البيع ربما يوهم منافاته لحكمه ببطلان

______________________________

(1) الحاكي هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 6، ص 232، و كذلك لاحظ تحرير الأحكام، ج 2، ص 139، جامع المقاصد، ج 6، ص 233، و قد حكى المحقق الكركي عدم النفوذ عن التحرير و حواشي الشهيد أيضا، فراجع.

ص: 371

بصحّة البيع هنا (1) و وقوفه على الإجازة، لأنّ (2) العتق لا يقبل الوقوف، فإذا [1] لم يحصل القصد إلى فكّ ماله مقارنا للصيغة وقعت باطلة (3)، بخلاف البيع (4).

فلا تناقض (5) بين حكمه ببطلان العتق و صحّة البيع

______________________________

العتق، لكونهما من باب واحد. و لكن سيأتي في المتن دفع هذا التوهم.

(1) أي: في الصورة الثالثة من الصور الأربع المفروضة في المسألة الثالثة.

(2) تعليل لقوله: «فالأقوى أيضا عدم النفوذ» و حاصل التعليل: أنّ العتق من الإيقاعات التي يبطلها التعليق، فلا تتوقف صحته على الإجازة.

(3) لفقدان ركنه، و هو القصد إلى فكّ ماله بعنوان أنّه مالك العبد. و مع وقوع الصيغة باطلة لا تصحّ بالإجازة.

(4) فإنّ صيغة البيع تقع صحيحة تأهّلا، و تلزم بالإجازة.

(5) يعني: فلا تناقض بين حكم جامع المقاصد ببطلان العتق و صحة البيع مع الإجازة. توضيح وجه التناقض: أنّ كلّ واحد من العتق و البيع من الأمور الإنشائية، فلا بدّ من الحكم ببطلانهما أو صحتهما، فالتفكيك بينهما بصحة البيع مع الإجازة و بطلان العتق رأسا تناقض.

و تقريب دفع هذا التناقض هو: وقوع صيغة العتق باطلة، لعدم حصول القصد إلى فكّ ملكه مقارنا للعقد، فلا يمكن تصحيحه بالإجازة. بخلاف البيع، فإنّ صيغته تقع صحيحة مع الإجازة.

فالفرق بين العتق و البيع- مع انكشاف الخلاف في كليهما، لكون العبد ملكا لمن أعتقه، و كون المبيع ملكا للبائع الفضولي- هو: وقوع العتق باطلا، لفقدان ركن صحته و هو القصد المزبور، و وقوع البيع قابلا للصحة الفعلية بالإجازة.

______________________________

[1] تفرّع هذا على قوله: «لأنّ العتق لا يقبل الوقوف» غير ظاهر، لأجنبية التعليق عن عدم القصد إلى فكّ ماله، لإمكان تحقق هذا القصد مع التعليق، كأن يقول مالك العبد: «أعتقته إن قدم مسافري». فلا بدّ أن يكون عدم القصد وجها آخر لبطلان العتق.

فلعل الأولى أن يقال بدل «فإذا»: «و لأنه لم يحصل القصد إلى فك ماله .. إلخ».

ص: 372

مع الإجازة كما يتوهّم (1).

نعم ينبغي إيراد التناقض على من حكم هناك (2) بعدم النفوذ، و حكم في البيع باللزوم و عدم الحاجة إلى الإجازة، فإنّ (3) القصد إلى إنشاء يتعلّق بمعيّن هو مال المنشئ في الواقع من غير علمه به (4) إن كان (5) يكفي في طيب النفس و الرضا المعتبر

______________________________

(1) يعني: كما يتوهّم التناقض من حكم المحقق الثاني قدّس سرّه ببطلان العتق و صحة البيع مع الإجازة. و المتوهم هو السيّد الفقيه العاملي قدّس سرّه، حيث قال بعد نقل كلام المحقق الثاني ما لفظه: «قلت: قد قالوا في ما إذا باع مال أبيه بظنّ الحياة، و أنّه فضولي، فبان ميّتا حينئذ، و أنّ المبيع ملكه: إنّ الوجه الصحة. بل قد يلوح من هبة الكتاب أنّه محلّ إجماع.

و قال في جامع المقاصد في توجيه كلامهم: إنّ قصده إلى أصل البيع كاف. و هنا يقولون:

قصده إلى أصل العتق [غير] كاف. و كلّما أورده هنا جار هناك. بل هنا زيادة ليست هناك، و هي بناء العتق على التغليب .. إلخ» «1».

(2) أي: في باب العتق بعدم النفوذ أي البطلان، و في باب البيع باللزوم و عدم الحاجة إلى الإجازة، و المفروض أنّ العاقد في كلّ من العتق و البيع جاهل حين العقد بكون المال الذي يتعلّق به الإنشاء ملكا له. و قد تقدم في (ص 363) ما نسبه صاحب المقابس إلى جماعة من صحة البيع فعلا، في هذه الصورة، فراجع.

(3) هذا تقريب التناقض، توضيحه: أنّ مجرّد إنشاء المنشئ على مال معيّن مملوك له واقعا- مع جهله بذلك- إن كان كافيا في حصول الطيب المعتبر في جميع الإنشاءات المتعلقة بأموال الناس، وجب الحكم بوقوع العتق. و إن لم يكن كافيا في حصوله، لاعتبار علم المنشئ حين الإنشاء بكون المال ملكا له، و عدم كفاية المصادفة للواقع في تحقق الطيب، وجب الحكم بعدم لزوم البيع، و باحتياج لزومه إلى الإجازة.

و بالجملة: كيف يجمع بين بطلان العتق و لزوم البيع في صورة انكشاف كون المال المتعلق للإنشاء ملكا واقعا للمنشئ؟

(4) أي: بأنّه ماله.

(5) الجملة خبر قوله: «فان القصد».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 232

ص: 373

في جميع إنشاءات الناس المتعلّقة بأموالهم، وجب (1) الحكم بوقوع العتق. و إن (2) اعتبر في طيب النفس المتعلّق بإخراج الأموال عن الملك العلم (3) بكونه مالا له و لم يكف مجرّد مصادفة الواقع، وجب (4) الحكم بعدم لزوم البيع.

فالحقّ (5) أنّ القصد إلى الإنشاء المتعلّق بمال معيّن مصحّح للعقد، بمعنى قابليته للتأثير، و لا يحتاج إلى العلم (6) بكونه مالا له. لكن لا يكفي ذلك (7) في تحقّق الخروج عن ماله بمجرّد الإنشاء (8).

______________________________

(1) جواب «ان كان»، وجه الوجوب هو قصد الإنشاء من المالك الواقعي الجاهل بكون المال ملكا له، و المفروض كفاية ذلك في تحقق المنشأ في وفاء الاعتبار.

(2) معطوف على «ان كان».

(3) نائب فاعل «اعتبر» يعني: و إن اعتبر العلم بكون المال ملك المنشئ في حصول طيب النفس المتعلّق بإخراج الأموال عن الملك، وجب الحكم بعدم لزوم البيع.

(4) جواب «و إن اعتبر» و جملة «و لم يكف» حالية.

(5) هذا مختار المصنف قدّس سرّه في الصورة الثالثة، و هي: أنّ يبيع عن المالك، ثم ينكشف كونه مالكا. و محصّل ما أفاده في ذلك هو الفرق بين البيع و العتق في فرض انكشاف الواقع و مطابقة الظاهر للواقع، بالقول بصحة الأوّل و بطلان الثاني.

بتقريب: أنّه يكفي في الصحة التأهلية- بمعنى القابلية للتأثير- مجرّد الإنشاء المتعلّق بمال معيّن، و لا تتوقف على علم المنشئ بكون ذلك المال ملكا له. و لكن لا يكفي مجرّد ذلك الإنشاء في خروج المال عن ملكه. فإن كان ذلك الإنشاء من العقود القابلة للزوم بلحوق الرضا كفت الإجازة في اللزوم و خروج المال عن ملكه. و إن لم يكن قابلا للزوم بالرضا اللّاحق وقع الإنشاء باطلا و غير قابل للتأثير، كما في الإيقاعات، فإنّها- كما قيل- لا تقبل الوقوف على الإجازة.

(6) أي: علم المنشئ بكون المال المعيّن مالا له.

(7) أي: لا يكفي قصد الإنشاء- المتعلّق بمال معيّن- في تحقق الخروج عن ملكه، و هذا هو الذي يعبّر عنه بالصحة الفعلية.

(8) يعني: بل يحتاج إلى إجازة، و بدونها لا يتحقق البيع في الخارج، فلا وجه للقول

ص: 374

ثمّ إن كان ذلك الإنشاء ممّا يقبل اللزوم بلحوق الرضا كفت الإجازة كما في العقود، و إلّا (1) وقع الإنشاء باطلا كما في الإيقاعات (2).

ثمّ إنّه (3) ظهر ممّا ذكرنا في (4) وجه الوقوف على الإجازة: أنّ هذا الحقّ (5) للمالك من باب الإجازة (6)،

______________________________

بلزومه بدون الإجازة.

(1) أي: و إن كان ذلك الإنشاء ممّا لا يقبل اللزوم .. إلخ.

(2) التي منها الطلاق و العتاق، فإنّه ادعى الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد: اتفاقهم على بطلان إيقاع الفضولي، فراجع «1».

(3) الغرض من هذا الكلام بيان عدم كون الإجازة هنا من باب الخيار كما سيأتي توضيحه.

(4) من قوله: «فالدليل على اشتراط تعقب الإجازة في اللّزوم هو عموم تسلط الناس .. إلخ» فلاحظ (ص 367).

(5) و هو وقوف صحة العقد على الإجازة، و سلطنة المجيز على الإجازة.

(6) لا من باب الإمضاء الذي هو أحد طرفي الخيار، و طرفه الآخر إزالة العقد كما قرّر في تعريف الخيار.

توضيح المقام بنحو ينكشف به الفرق بين الإجازة و الإمضاء في باب الخيارات هو: أنّ توقف تأثير العقد على رضا المالك ببيع ماله بعنوان أنّه ماله- كما تقتضيه ظواهر عمومات أدلة التجارة و السلطنة و الحلّ، أو مناسبة الحكم للموضوع- يقتضي عدم تحقق العقد المؤثر مع انتفاء هذا الرضا. فإذا باع مالا عن مالكه مع اعتقاده بعدم كونه مالا له لم يتحقق العقد.

و عليه فالإجازة الكاشفة عن هذا الرضا جزء السبب المؤثر و متمّمة، فهي توجب حدوث العقد المؤثر، بخلاف الإمضاء الذي هو أحد طرفي الخيار، فإنّه يوجب بقاء العقد المؤثر.

______________________________

(1) تقدم كلامه في أوّل مسألة البيع الفضولي، لاحظ الجزء الرابع من هذا الشرح، ص 349

ص: 375

لا من باب خيار الفسخ (1)، فعقده (2) متزلزل من حيث الحدوث، لا البقاء كما قوّاه (3) بعض من قارب عصرنا، و تبعه بعض (4) من عاصرناه

______________________________

و الحاصل: أنّ الإجازة توجد العقد المؤثّر، و الإمضاء يبقيه. فالإجازة ليست من باب الخيار، و أجنبية عنه، فبينهما فرق واضح.

و بعبارة أخرى: الفرق بين الإجازة و إمضاء العقد الخياري هو: أنّ الإجازة مصحّحة للعقد الذي لم يكن تامّا حدوثا، لعدم استناده إلى المالك قبل الإجازة، و لم يحرز رضاه بالمعاملة إلّا بها. فيكون العقد متزلزلا حدوثا، و يتوقف تماميته على الإجازة.

بخلاف موارد الخيار، فإنّ العقد تام حدوثا و متزلزل بقاء، يعني بعد حدوث البيع المستند إلى المالك قد يتزلزل لثبوت الخيار فيه، و قد يلزم من أوّل الأمر، لانتفاء سبب الخيار.

(1) لما مرّ آنفا من: أنّ الإمضاء علّة مبقية للعقد، و الإجازة علّة محدثة له.

(2) أي: فعقد البائع عن المالك- مع جهله بكون المال له- متزلزل ..، و الفاء للتفريع، يعني: فنتيجة إناطة صحة البيع برضا المالك بنقل ماله- بعنوان أنه ماله- هي:

كون عقد البيع في هذه الصورة الثالثة متزلزلا حدوثا، لا بقاء كما في باب الخيار، فإنّ العقد فيه متزلزل بقاء.

(3) يعني: كما قوّى تزلزل العقد بقاء- لا حدوثا- بعض من قارب عصرنا، و هو صاحب المقابس، فإنّه قدّس سرّه حكم بعدم لزوم العقد من حين وقوعه لئلّا يؤدّي إلى الضرر المنفي في الشرع، ثم قال: «و هل جواز فسخه للعقد من باب الخيار، أو لتوقّفه على الإجازة؟ وجهان. و الأوّل لا يخلو من قوّة، لأنّه مقتضى قاعدة نفي الضرر. و لأنّه بناء على صحة العقد لو سلّم المال إلى المشتري و سلّطه عليه، ثم انكشف كونه ملكه، جاز للمشتري حينئذ أن يتصرف فيه، و لا يضمن شيئا أصلا .. إلخ» «1».

(4) قيل: إنّه صاحب الجواهر قدّس سرّه لكنّي لم أظفر في كلامه- في بيع الفضولي- بترجيح تزلزل العقد بقاء لأجل الخيار، كما رجّحه صاحب المقابس، و إنّما الموجود في الجواهر- بعد ترجيح الصحة- التوقف على الإجازة أو الخيار، فلاحظ قوله: «و المتّجه

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 39

ص: 376

معلّلا (1) بقاعدة نفي الضرر.

إذ (2) فيه: أنّ الخيار فرع الانتقال، و قد تقدّم (3) توقّفه (4) على طيب النفس.

و ما ذكراه (5) من الضرر المترتّب على لزوم البيع ليس لأمر راجع إلى العوض

______________________________

فيه الوقوف على الإجازة كما سمعته من الكركي، أو إثبات الخيار، إلّا أنّي لم أجد من احتمله» «1»، و لعلّه قدّس سرّه لم يقف على كلام معاصره صاحب المقابس.

(1) حال من «بعض من قارب» و حاصله: أنّ صاحب المقابس قدّس سرّه علّل ما قوّاه من تزلزل العقد بقاء لا حدوثا في الصورة الثالثة- و أنّه من باب الخيار- بما محصله: أنّه يمكن أن يكون بيعه مالا يعتقد أنّه للغير- بعنوان صاحبه- بأقل من قيمته الواقعية، فإذا أجاز البيع بذلك الثمن الذي وقع عليه العقد بعد انكشاف كونه مالكا للمبيع لزم تضرره، و الضرر منفي في الشريعة، فيجبر ضرره بالخيار.

(2) تعليل لقوله: «لا البقاء» و ضمير «فيه» راجع الى ما أفاده صاحب المقابس و ملخص إشكال المصنف قدّس سرّهما عليه: أنّ مورد الخيار هو العقد المؤثر في النقل و الانتقال، و من المعلوم أنّ مؤثرية العقد- كما تقدم آنفا- منوطة بطيب نفس المالك بنقل مال بعنوان أنّه ماله، و المفروض أنّه مفقود في هذه الصورة الثالثة، فلم يتحقق الانتقال حتى يثبت فيه الخيار.

(3) يعني: و قد تقدم توقف تأثير العقد في الانتقال على الإجازة في (ص 367) بقوله: «فالدليل على اشتراط تعقب الإجازة في اللزوم هو عموم تسلّط الناس على أموالهم، و عدم حلّها لغيرهم إلّا بطيب أنفسهم ..».

(4) أي: توقف الانتقال على طيب النفس.

(5) هذا إشكال المصنف قدّس سرّه على ما ذكره صاحبا المقابس و الجواهر قدّس سرّهما من التمسك بقاعدة نفي الضرر لإثبات تزلزل العقد بقاء الموجب للخيار.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 300، و لا يخفى أن المصنف يعبّر عن صاحب المقابس تارة ببعض المحققين كما في بيع الصبي، و اخرى ب «من قارب عصرنا» كما في أوّل البيع و في مسألة «من باع ثم ملك» و ثالثة ب «من عاصرناه» كما في مسألة اعتبار القصد، و كذا في ما سيأتي في شرائط العوضين في بيع العين المرهونة.

ص: 377

و المعوّض (1)، و إنّما هو (2) لانتقال الملك عن مالكه من دون علمه و رضاه، إذ (3) لا فرق في الجهل بانتقال ماله بين (4) أن يجهل أصل الانتقال كما يتّفق في الفضوليّ، أو يعلمه (5) و يجهل تعلّقه بماله. و من المعلوم أنّ هذا الضرر (6) هو المثبت، لتوقّف

______________________________

و تقريبه: أنّ الضرر تارة يترتب على العقد الصحيح الجامع لشرائط التأثير، كالضرر المالي الحاصل في العوضين الناشئ عن الجهل بالقيمة الواقعية التي هي أزيد من العوض المسمى، و حيث إنّ العلم بالقيمة ليس من شرائط صحة العقد حتى يبطل بفقدانه، فيجبر هذا الضرر المالي بالخيار المسمّى بخيار الغبن.

و اخرى يتقدّم على العقد، و هو الضرر الناشئ عن عدم طيب نفس المالك الذي هو شرط الانتقال و صحة العقد كما فيما نحن فيه و هو الصورة الثالثة. و مثل هذا الضرر المخلّ بسلطنة المالك على ماله مانع عن صحّة العقد، و موجب لتزلزله حدوثا.

(1) حتى يكون العقد صحيحا و يجبر الضرر بالخيار. و هذا إشارة إلى القسم الأوّل من الضرر، و قد مرّ توضيحه آنفا بقولنا: «ان الضرر تارة يترتب ..».

(2) أي: الضرر الحاصل- في الصورة الثالثة- هو القسم الثاني الذي اتضح بقولنا:

«و اخرى يتقدّم على العقد، و هو الضرر الناشئ عن .. إلخ».

(3) تعليل لكون الضرر المتصور في هذه الصورة الثالثة هو الضرر الحاصل من انتقال المال عن مالكه من دون علمه و رضاه. و لا فرق في الضرر الحاصل لأجل الانتقال بين كونه ناشئا من الجهل بأصل الانتقال كما يتفق غالبا في الفضولي، فإنّ المالك جاهل غالبا بأصل الانتقال فيه، و بين كونه ناشئا من الجهل بتعلق الانتقال بماله مع علمه بأصل الانتقال كما فيما نحن فيه، و من المعلوم أنّ هذا الضرر أوجب إناطة صحة عقد الفضولي بالإجازة.

(4) الجملة خبر قوله: «لا فرق».

(5) يعني: أو يعلم أصل الانتقال و يجهل تعلّقه بماله كما في هذه الصورة الثالثة.

(6) و هو الضرر المترتب على انتقال المال عن مالكه بدون علمه و رضاه، و قد مرّ أنّ المراد بهذا الضرر هو النقص في سلطنته المالك على ماله، لا الضرر المالي الراجع إلى العوضين.

ص: 378

عقد الفضوليّ على الإجازة، إذ لا يلزم من لزومه (1) بدونها سوى هذا الضرر (2).

ثمّ إنّ الحكم بالصحّة في هذه الصورة (3) غير متوقّفة (4) على القول بصحّة عقد الفضولي، بل يجي ء على القول بالبطلان (5). إلّا (6) أن يستند في البطلان

______________________________

(1) أي: لزوم عقد الفضولي. و هذا تعليل لتوقف عقد الفضولي على الإجازة، و حاصله: أنّه يلزم من لزوم عقد الفضولي بدون إجازة المالك نقص في سلطان المالك على ماله، و هذا النقص لا يجبر بالمال، كما تقدم أنّ النقص المالي يجبر بالخيار الذي يتعلّق بالعقد الصحيح و يجعله متزلزلا بقاء. و إنّما يجبر النقص السلطاني بطيب النفس الذي هو شرط الانتقال، فبدون الرضا و الطيب يكون العقد متزلزلا حدوثا، فالخيار متأخر عن طيب النفس بمرتبتين: إحداهما: تأخره عن نفس العقد، و ثانيتهما: تأخر العقد عن طيب النفس المتقدم على العقد.

فالنتيجة: أنّ علّة توقف صحة عقد الفضولي على الإجازة هي لزوم الضرر، أي النقص في سلطنة المالك على ماله، فالطيب شرط لصحة العقد و انتقال المال بالعقد.

(2) و هو النقص السلطاني المترتب على انتقال المال عن مالكه من دون علمه و طيب نفسه.

(3) و هي الصورة الثالثة، و هي أن يبيع عن المالك، ثم تبيّن كونه مالكا. غرضه: أنّ هذه الصورة ليست من أفراد عقد الفضولي حتى تتوقف صحتها على صحة عقد الفضولي، إذ المفروض صدور العقد عن المالك لا عن غيره، غاية الأمر أنّه كان جاهلا بكونه مالكا للمبيع.

(4) كذا في كثير من النسخ. و المناسب «غير متوقف» كما في نسخة مصححة غير ما بأيدينا.

(5) أي: ببطلان عقد الفضولي في جميع الموارد.

(6) هذا استدراك على صحة العقد في الصورة الثالثة، و الذهاب إلى بطلانه، و محصل الاستدراك الذي هو وجه البطلان: أنّه- بناء على كون مستند بطلان عقد الفضولي مطلقا قبح التصرف في مال الغير- يتجه بطلان العقد في الصورة الثالثة، لأنّ البائع باعتقاده تصرّف في مال الغير بدون إذنه، و هو قبيح، إذ القبح مترتب على اعتقاد كون المبيع ملك الغير. فإن كان مصادفا للواقع كان عصيانا، و إلّا- كالمقام- كان تجرّيا، إذ المفروض كونه مالكا واقعا. و لا فرق في القبح بين العصيان و التجرّي.

ص: 379

بما تقدّم (1) من قبح التصرّف في مال الغير، فيتّجه عنده (2) حينئذ البطلان [ثم يغرم المثمن إن كان جاهلا] (3).

[الصورة الرابعة لو باع لنفسه باعتقاد أنّه لغيره، فانكشف انّه له]

الرابعة (4): أن يبيع لنفسه باعتقاد أنّه لغيره، فانكشف أنّه له.

______________________________

ثم إنّ ما أفاده من قوله: «ثم إن الحكم بالصحة» إلى هنا لا يخلو من تعريض بصاحب المقابس، حيث إنّه قدّس سرّه منع أيضا من ابتناء الصحة و البطلان في هذه المسألة على صحة البيع الفضولي و فساده كلّيّة، حيث قال: «و اعلم أنّ هذه المسألة كبعض المسائل السابقة جارية على القول ببطلان الفضولي أيضا» «1».

و ظاهره الإطلاق، سواء أ كان الدليل على بطلان الفضولي هو العقل أم النقل.

و وجه إيراد المصنف عليه حينئذ هو: أنّ عدم الابتناء المزبور متّجه لو كان الدليل على البطلان ما عدا الوجه العقلي، و هو قبح التصرف في مال الغير. و أمّا لو كان الوجه فيه ذلك اتّجه بطلان البيع في مسألتنا، و هي: أن يبيع عن المالك فتبيّن كونه مالكا، كما عرفت توضيحه آنفا. فإطلاق كلام المقابس ممنوع.

(1) من قوله في عدا أدلة المبطلين: «الرابع ما دل من العقل و النقل على عدم جواز التصرف» «2».

(2) أي: عند المستدل على البطلان حين الاستناد في بطلان عقد الفضولي إلى قبح التصرف في مال الغير.

(3) هذه الجملة قد شطب عليها في النسخة المعتمدة. و سيأتي تفصيل حكم الغرامات في أحكام الرد إن شاء اللّه تعالى في ص (472) و ما بعدها.

4- لو باع لنفسه باعتقاد أنّه لغيره، فانكشف انّه له

(4) أي: الصورة الرابعة من الصور الأربع المفروضة في المسألة الثالثة من مسائل الأمر الثالث من الأمور المتعلقة بمباحث المجيز، و هذه الصورة هي: أن يبيع شخص لنفسه باعتقاد أنّ المبيع مال غيره، فانكشف أنّه ماله.

و الحكم حينئذ صحة العقد حتى على القول ببطلان الفضولي في جميع الموارد، و ذلك لخروجه موضوعا عن الفضولي، لصدور العقد من المالك لنفسه، لا صدوره من

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 39

(2) راجع الجزء الرابع من هذا الشرح، ص 512

ص: 380

و الأقوى هنا (1) أيضا (2) الصحّة- و لو على القول ببطلان الفضولي (3)- و الوقوف (4) على الإجازة، بمثل (5) ما مرّ في الثالثة (6). و في عدم الوقوف هنا (7) وجه [1]

______________________________

غيره، فليس العاقد أجنبيا عن المالك حتى يصير العقد عقد غير المالك، و يندرج في عقد الفضولي.

و هذه الصورة تنطبق على القسم الخامس من الأقسام التسعة التي ذكرها صاحب المقابس. قال قدّس سرّه: «الخامس: أن يبيع أو يشتري لنفسه، ثم ينكشف كونه مالكا للمال، و أنّ العقد صادف ملكه. و الأقرب صحة البيع و عدم توقفه على الإجازة، و وجهه ما مضى في الرابع» «1». و المصنف قدّس سرّه وافقه في الصحة، و خالفه في الاستغناء عن الإجازة، و إن جعله المصنف وجها كما سيأتي.

(1) أي: في الصورة الرابعة، و هي بيع المالك لنفسه مع اعتقاد أنّ المبيع لغيره.

(2) أي: كالصورة الثالثة، و هي: بيع العاقد عن المالك، و انكشاف كونه هو المالك للمبيع.

(3) لما مرّ آنفا من خروجه موضوعا عن الفضولي.

(4) معطوف على «الصحة» يعني: و الأقوى صحة العقد و وقوفه على الإجازة.

(5) متعلق ب «الوقوف» و غرضه بيان مماثلة الصورتين في كلّ من الصحة و الوقوف.

(6) أي: في الصورة الثالثة، و هي: أن يبيع عن المالك، ثم ينكشف أنّه هو المالك.

(7) أي: في الصورة الرابعة وجه لا يجري في الصورة الثالثة. و محصّل ذلك الوجه هو: مطابقة ما قصد لما انكشف في هذه الصورة الرابعة، إذ المفروض أنّه قصد البيع لنفسه، و انكشف كون المال له. بخلاف الصورة الثالثة، فإنّ المقصود- و هو البيع عن المالك- و المنكشف و هو كون العاقد نفس المالك ليسا مطابقين، بل هما متغايران، فتحتاج الصورة الثالثة إلى الإجازة، دون الرابعة.

______________________________

[1] لكنّه غير وجيه، لأنّ طيب النفس حاصل بماله الادّعائي، لا بماله الواقعي.

و لو علم بأنّه من أمواله الواقعية، دون أمواله المغصوبة، فلعلّه لم يكن راضيا ببيعه. فلا فرق

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 38

ص: 381

لا يجري في الثالثة، و لذا (1) قوّى اللزوم هنا (2) بعض من قال بالخيار في الثالثة (3).

______________________________

(1) يعني: و لأجل هذا الوجه- و هو اتحاد المقصود و المنكشف في الصورة الرابعة دون الصورة الثالثة- قوّى بعض الأعلام لزوم العقد في الصورة الرابعة، و عدم حاجته إلى الإجازة. بخلاف الصورة الثالثة، فإنه اختار فيها وقوفها على الإجازة.

(2) أي: في الصورة الرابعة، و المراد بالبعض كما عرفت صاحب المقابس قدّس سرّه.

(3) و هي: أن يبيع عن المالك، ثم ينكشف كونه مالكا.

______________________________

في عدم تأثير العقد بنفسه بين الرضا ببيع المال بعنوان أنّه لغيره، و بين بيعه بعنوان أنّه منه ادّعاء، مع كونه ماله واقعا.

فما في حاشية السيد قدّس سرّه «و لا يضرّ الاعتقاد المفروض بعد هذا البناء» «1» غير ظاهر، لأنّ الرّضا ببيع مال الغير مع البناء على كونه ماله ادّعاء و عدوانا ليس رضا حقيقة ببيع ماله الواقعي، مع ظهور أدلة اعتبار «طيب نفس المالك في حلّ ماله لغيره» في كون الطيب و الرضا بماله بوصف كونه ماله، لا رضاه بذات المال. و هو ما يقتضيه العقل أيضا بقبح التصرف في مال الغير من غير رضاه.

و مع الغضّ عن ظهور الأدلة فالأصل- أعني به الاستصحاب- يقتضي أيضا عدم جواز التصرف إلّا برضا مالك المال بالتصرف في ماله الواقعي بما أنّه ماله، لا مجرّد جنس الرضا القائم بذات ماله بدون إحراز ملكية المال له واقعا، فإنّه غير مشمول لمثل قوله عليه السّلام:

«لا يحلّ مال امرء إلّا بطيب نفسه» فإنّ ظاهره إناطة حلية التصرف في مال الغير بطيب نفسه بالتصرف في ماله بما أنّه ماله واقعا، لا بما اعتقد أنّه مال الغير كما هو مفروض بحثنا، لكن بنى اقتراحا على أنّه ماله و إن انكشف كونه ماله واقعا.

بل يمكن أن يقال بفساد البيع هنا، لعدم قصد المعاوضة، إذ المفروض- مع اعتقاد العاقد كون المال لغيره- أنّه أخذ العوض عن المشتري مجّانا، حيث إنّه بحسب اعتقاده يعطي المثمن الذي ليس مالكا له حتى يكون ما يبذل له المشتري ثمنا و عوضا عنه، بل يأخذ الثمن من المشتري مجّانا، و هذا ينافي المعاوضة المقوّمة للبيع، فتأمّل.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 170

ص: 382

[الكلام في المجاز]
اشارة

و أمّا (1) القول في المجاز (2) فاستقصاؤه (3) يكون ببيان أمور:

[الأوّل اعتبار كون العقد المجاز جامعا للشروط]
اشارة

الأوّل (4): يشترط [1] فيه كونه (5) جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره

________________________________________

الكلام في المجاز

(1) معطوف على قوله في (ص 5): «أمّا حكمها ..».

(2) صفة للعقد الذي يتوقف نفوذه على إجازة من له ولاية الإجازة.

(3) أي: فاستقصاء القول يكون .. إلخ.

اعتبار كون العقد المجاز جامعا للشروط

(4) هذا أوّل الأمور التي توجب قابليّة العقد للإجازة، و محصل هذا الأمر هو: أنّه لا بدّ في تأثير العقد المجاز من اجتماع جميع الشرائط المعتبرة في تأثير العقد و نفوذه فيه- مع الغضّ عن الإجازة- من شروط المتعاقدين من البلوغ و العقل و قصد المدلول قصدا جدّيّا، و شروط العوضين من المملوكية و المعلومية، و شروط نفس العقد من العربية و الماضوية و غيرهما. فالمفقود من شرائط العقد في البيع الفضولي هو رضا المالك فقط، بحيث لو أحرز رضاه لأثّر العقد.

(5) هذا الضمير و ضميرا «فيه، تأثيره» راجعة إلى المجاز المراد به العقد.

______________________________

[1] لا ينبغي الإشكال في أصل الاشتراط، فإنّ جهة البحث في عقد الفضول- و هي كون الرضا اللّاحق كالرضا المقارن و عدمه- تنادي بأعلى صوتها بأنّ مورد هذا البحث هو العقد الجامع للشرائط الفاقد لمقارنة رضا المالك فقط، فعقد الفضول المجاز لا بدّ أن يكون جامعا للشرائط، و إلّا فلا تصلحه الإجازة.

و يشهد لذلك أنّ المالك لو باع ماله مع الرضا بعقد فاقد لبعض شرائطه لم يكن صحيحا، و لم يترتب عليه النقل و الانتقال. و ليس عقد الفضولي أقوى من عقد نفس المالك.

ص: 383

عدا رضا المالك، فلا (1) يكفي اتّصاف المتعاقدين بصحّة الإنشاء، و لا (2) إحراز سائر

______________________________

(1) هذا متفرّع على اعتبار اجتماع كافة الشرائط في العقد المجاز، إذ لازمه عدم كفاية بعض الشرائط فيه- كاتصاف المتعاقدين بصحة الإنشاء- مع فرض انتفاء سائر الشرائط.

(2) معطوف على «فلا» يعني: و لا يكفي إحراز الشرائط بالنسبة إلى الأصيل فقط.

______________________________

نعم يقع الإشكال في أنّ العبرة في اجتماع الشرائط هل هي بحال العقد أو الإجازة أو كليهما؟ و المرجع في ذلك أدلة الشرائط المعتبرة في العقد. و الظاهر من الأدلة أنّ الشروط المعتبرة في المعاملة البيعية على أنحاء:

فمنها: ما يعتبر في نفس الإنشاء كالعربية و الماضوية و المطابقة و الموالاة و التنجيز و نحوها، فإنّ هذه الشرائط معتبرة حال العقد، فلا بدّ أن يكون عقد الفضول جامعا لشرائط إنشاء العقد، و مع فقدها لا تجدي الإجازة، و لا أثر لها.

و منها: ما يعتبر في المالك، فإنّه لا بدّ من حصوله فيه حين ترتب الأثر كالملكية على العقد، نظير إسلام مشتري العبد المسلم و المصحف الشريف، فإنّ دليل عدم تملك الكافر للمصحف و المسلم- على ما قيل- لا يقتضي إلّا وجود الإسلام حين الملك لا حين العقد، فلو باع الفضولي العبد المسلم- و المصحف- من كافر يوم الجمعة، و أسلم المشتري الكافر يوم السبت، و أجاز مالكهما ذلك البيع الفضولي يوم الأحد، صحّ البيع، و انتقلا إلى المشتري الذي أسلم يوم السبت، لثبوت الشرط فيه، و هو الإسلام حين ترتب الأثر أعني به النقل و الانتقال.

و منها: ما يعتبر في مالك العقد، سواء أ كان مالكا للعين أم مالكا للتصرف، و ذلك الشرط كالقدرة على التسليم، فإنها شرط في من له العقد، سواء أ كان هو المباشر للعقد أم غيره، إذ دليل هذا الشرط- و هو دليل نفي الغرر- يقتضي اعتبار هذا الشرط في خصوص من له العقد، دون غيره و إن كان مجريا للصيغة، إذ مجرّد إجراء الصيغة لا يوجب ارتباطه بالمعاملة حتى يعتبر أن يكون إقدامه غير غرري و لا خطري.

و أمّا من له العقد، فإن باشر العقد لزم أن يكون قادرا على التسليم حين العقد، لأنه ظرف استحقاق التسليم. و إن أجاز العقد اعتبر أن يكون قادرا على التسليم حين الإجازة حتى لا يكون إجازته الموجبة لكون العقد له غررية.

ص: 384

الشروط بالنسبة إلى الأصيل فقط على الكشف، للزومه (1) عليه (2) حينئذ (3)، بل مطلقا (4)، لتوقّف (5) تأثيره الثابت- و لو على القول بالنقل- عليها (6)، و ذلك (7) لأنّ

______________________________

(1) علّة للمنفي و هو الكفاية، بتقريب: أنّ لزوم العقد على الأصيل من حين العقد- كما هو مقتضى الكشف- يكشف عن كفاية اجتماع الشرائط فيه، إذ مع انتفائها لا وجه للزوم العقد عليه.

(2) أي: لزوم العقد على الأصيل.

(3) أي: حين البناء على الكشف، إذ بناء على النقل لا لزوم للعقد على الأصيل من حين العقد حتى يعتبر فيه اجتماع الشروط حين العقد.

(4) إضراب على قوله: «على الكشف» يعني: لا يختص اعتبار الشروط في الأصيل بكاشفية الإجازة، بل لا بدّ من اعتبار اجتماع الشروط فيه حتى على القول بناقلية الإجازة، و ذلك لأنّ تأثير العقد مطلقا- و إن كانت الإجازة ناقلة- موقوف على اجتماع شرائط العقد حين صدوره، لأنّ العقد الصحيح يؤثّر، إذ ليست الإجازة إلّا رضا بالعقد و إمضاء له. و إنّما المقتضي للتأثير هو نفس العقد، و لا يؤثر إلّا إذا كان جامعا للشروط، و لذا لو باع المالك مع طيب نفسه بالبيع و كان العقد فاقدا لبعض الشروط كالعربيّة و الماضويّة- بناء على اعتبارهما فيه- كان فاسدا غير مؤثر في النقل و الانتقال.

(5) تعليل لاعتبار اجتماع الشرائط في الأصيل مطلقا حتى على القول بالنقل. فقوله:

«لتوقف» من كلام من زعم كفاية اجتماع شرائط العقد في الأصيل مطلقا سواء أ كانت الإجازة كاشفة أم ناقلة.

(6) أي: على الشروط، و ضمير «تأثيره» راجع إلى العقد.

(7) تعليل للنفي أعني به عدم كفاية وجود الشروط في الأصيل فقط، كشفا و نقلا، و إناطة تأثير العقد باجتماع جميع الشروط المعتبرة في العقد- حين صدوره- في الفضول أيضا، لأنّ العقد إمّا تمام السبب، و الإجازة كاشفة عن تماميته، كما أفاده المحقق الثاني قدّس سرّه و قد تقدم كلامه في (ص 15). و إمّا جزء السبب، و العقد قائم بالأصيل و الفضول معا، فلا بدّ من تحقق الشروط في كليهما.

ص: 385

العقد إمّا تمام السبب أو جزؤه. و على أيّ حال (1) فيعتبر اجتماع الشروط عنده (2).

و لهذا (3) لا يجوز الإيجاب في حال جهل القابل بالعوضين. بل لو قلنا بجواز ذلك (4) لم يلزم منه الجواز هنا (5)، لأنّ (6) الإجازة على القول بالنقل أشبه بالشرط.

______________________________

(1) يعني: سواء أ كان العقد تمام السبب في النقل و الانتقال أم جزءه، يعتبر اجتماع الشروط عند إنشاء العقد، فإنّ مقتضى شرطيتها ذلك، إلّا إذا دلّ دليل الشرطية على عدم اعتبار مقارنة الشرط للعقد، كما أشرنا إليه في التعليقة السابقة.

(2) أي: عند العقد.

(3) أي: و لأجل اعتبار كون العقد جامعا للشروط عند صدوره ذهب الفقهاء إلى عدم جواز الإيجاب مع جهل القابل بالعوضين، حيث إنّ علمه بهما شرط للعقد عند صدوره، فمع الجهل بهما لا يصحّ الإيجاب و إن علم بهما حال القبول.

(4) أي: جواز الإيجاب مع جهل القابل بالعوضين، و علمه بهما حال القبول.

و الغرض من هذا الإضراب أنّه على القول بجواز الإيجاب مع جهل القابل بالعوضين و الإكتفاء بعلمه بهما عند القبول- في غير عقد الفضول- لا يلزم منه جواز خلوّ عقد الفضول الذي هو محلّ البحث عن بعض الشرائط حال وقوع العقد مع حصوله في حال الإجازة.

(5) أي: في العقد الفضولي.

(6) تعليل لعدم الملازمة بين الالتزام بجواز الإيجاب في ظرف جهل القابل بالعوضين، و بين الالتزام بجواز خلوّ العقد عن بعض الشرائط حين إنشائه مع كون الشرط المفقود حاصلا حال الإجازة في عقد الفضولي.

و حاصل الفرق: أنّ كلّا من الإيجاب و القبول جزء للعقد، و العلم بالعوضين حال القبول علم بحال المبيع قبل تمام إنشاء البيع. بخلاف عقد الفضولي، فإنّ الإجازة فيه ليست جزءا من البيع حتى يكون حصول شرطها قبل تحقق نفس الإجازة من حصول الشرط قبل تمامية البيع، إذ ليس البيع إلّا نفس الإيجاب و القبول. و أمّا الإجازة- على تقدير جزئيّتها- فهي جزء للمركّب من العقد و الإجازة، لا لنفس العقد.

ص: 386

و لو سلّم كونها (1) جزءا فهو جزء للمؤثّر (2) لا للعقد، فيكون جميع ما دلّ من النصّ و الإجماع على اعتبار الشروط في البيع ظاهرة في اعتبارها في إنشاء النقل و الانتقال بالعقد (3).

نعم (4) لو دلّ دليل على اعتبار شرط في ترتّب الأثر الشرعيّ على العقد، من غير ظهور في اعتباره (5) في أصل الإنشاء، أمكن (6) القول بكفاية وجوده

______________________________

(1) أي: كون الإجازة، غرضه أنّه- بعد تسليم كون الإجازة جزءا- نقول: إنّ جزئيتها ليست على حدّ جزئية الإيجاب و القبول للعقد الإنشائي، بل هي جزء للسبب المؤثّر المركّب من العقد و الإجازة، فلا يكفى العلم بالشرائط قبل تمامية أجزاء العقد إلّا في القبول، لأنّه جزء العقد. بخلاف الإجازة، فإنّها جزء للسبب و هو العقد المنتسب إلى المالك، و ليست جزءا لنفس العقد حتى يجدي العلم بحصول شرائطها قبل تحقق نفس الإجازة.

(2) و هو المركّب من العقد و الإجازة، فلا يصدق على حصول شرط الإجازة قبل تحقق نفسها- و بعد إنشاء الإيجاب و القبول- أنّه حصل قبل تمامية إنشاء البيع، و المفروض أنّ الشرائط شرائط العقد لا المؤثر، و هو العقد و الإجازة.

(3) و هو السبب، و حقيقة البيع عند المصنف قدّس سرّه هي: إنشاء النقل و الانتقال الشرعي الذي هو معنى اسم المصدر المترتّب على النقل الإنشائي، و يسمى بأثر البيع، و المسبب عن العقد الإنشائي.

(4) استدراك على اعتبار الشروط في إنشاء النقل الذي هو حقيقة البيع عند المصنف، و حاصله: أنّه لو دلّ دليل شرط على اعتباره في المسبب و هو الأثر الشرعي، و لم يدلّ على اعتباره في النقل الإنشائي الذي هو سبب الانتقال الشرعي، أمكن أن يقال بكفاية وجود ذلك الشرط حين الإجازة الذي هو زمان المسبب أعني به الانتقال، و عدم لزوم اقترانه بالعقد.

(5) أي: في اعتبار ذلك الشرط في أصل النقل الإنشائي الذي هو السبب.

(6) جواب الشرط في قوله: «لو دلّ».

ص: 387

حين (1) الإجازة.

و لعلّ من هذا القبيل (2) القدرة على التسليم، و إسلام (3) [1] مشتري

______________________________

(1) الذي هو زمان ترتّب الأثر الشرعي أعني به الانتقال، و عدم لزوم وجوده حين العقد. وجه الإمكان هو الإطلاق المقامي إن كان، و إلّا فأصالة عدم الشرطية تقتضي عدم شرطيته للإنشاء.

(2) أي: من قبيل كفاية وجود الشرط عند الإجازة- و عدم دلالة دليل الشرط على اعتباره في إنشاء النقل الذي هو البيع حقيقة عند المصنف كما أشرنا إليه آنفا- شرطيّة القدرة على التسليم، كما إذا كان المبيع عبدا آبقا، فإنّه يقال: إنّ القدرة على تسليمه ليست شرطا لإنشاء البيع، بل هي شرط حال الإجازة، لأنّ وجوب التسليم يكون بعد الانتقال الذي هو حال الإجازة. ففي هذه الحالة يعتبر أن يكون قادرا على التسليم. كما أنّه إذا كان مباشر العقد نفس المالك اعتبر فيه القدرة على التسليم حين إنشاء النقل، لأنّه ظرف الانتقال.

(3) معطوف على «القدرة» بتقريب: أن يكون إسلام مشتري المصحف و العبد المسلم شرطا لترتب الأثر و هو الانتقال، و ليس شرطا لإنشاء النقل حتى يلزم وجود إسلام المشتري حين الإنشاء، فيكفي وجوده حين الإجازة.

______________________________

[1] جعل إسلام مشتري المصحف و المسلم من قبيل الشرط المعتبر حين الإجازة- دون إنشاء النقل- مبني على دلالة آية «نفي السبيل للكافر على المؤمن» على نفي السلطنة و زمام أمور المؤمن بيد الكافر، و عدم كون مجرد إضافة الملكية مع فرض محجورية الكافر عن كل تصرف في ملكه سبيلا له على المؤمن حتى يكون منفيا بالآية. فحينئذ تكون القدرة على التسليم شرطا في ترتب الأثر الشرعي، فيكفي وجودها حين الإجازة.

لكن الأمر ليس كذلك، ضرورة أنّ نفس إضافة الملكية سبيل أيضا، لأنّها سيادة و علوّ و مولوية للكافر على المؤمن، فتكون شرطية إسلام مشتري المصحف و العبد المسلم كسائر الشروط المعتبرة في إنشاء النقل، فلا يكفي إسلامه حال الإجازة. و لذا لو باع المالك المصحف و العبد المسلم مباشرة من الكافر كان البيع فاسدا، و لا يقع موقوفا على إسلام المشتري. و هذا يدلّ على كون الإسلام شرطا مقارنا للإنشاء.

ص: 388

المصحف و العبد (1) المسلم.

ثمّ (2) هل يشترط بقاء الشرائط- المعتبرة حين العقد- إلى زمان (3) الإجازة، أم لا؟ لا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط بقاء المتعاقدين على شروطهما (4) حتّى على القول بالنقل [1].

______________________________

(1) معطوف على «المصحف».

(2) غرضه التعرض لحكم بقاء الشرائط بعد الفراغ عن حكم حدوثها، و أنّ بقاءها الى زمان تحقق الإجازة معتبر أو لا؟ و قد فصّل بين الشروط، و قال: إنّ الشرائط على قسمين: فإن كانت معتبرة في تحقق المعاهدة كالبلوغ و العقل و قصد المدلول، فلا ينبغي الإشكال في عدم اعتبار بقاءها إلى زمان الإجازة. و ذلك لتحقق المعاقدة و عدم زوالها بارتفاع شرط من شرائطها.

و إن لم تكن معتبرة في صدق المعاهدة، بل كانت دخيلة في الملكية كالحياة و الاستقلال في التصرف- في قبال المحجور- اعتبر بقاؤها إلى زمان الإجازة.

(3) متعلق ب «بقاء».

(4) أي: شروط المتعاقدين- و هي العقل و قصد المدلول جدّيّا- لا يعتبر بقاؤها حتى على القول بكون الإجازة ناقلة، ضرورة بقاء العقد في وعاء الاعتبار، و عدم زواله بانتفاء شروط الإنشاء.

______________________________

و ببيان أوضح: يكون قوله تعالى لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ظاهرا في نفي جعل السبيل تشريعا للكافر على المؤمن. و لا ريب في كون إضافة الملكية جعلا شرعيا و سبيلا اعتباريا لكلّ مالك على مملوكه. و لا وجه لجعل السلطنة في الآية سلطنة خارجية و مالكية لأزمّة الأمور الدنيوية حتى يصح الالتزام بمالكية الكافر للمؤمن تشريعا، و لا يصح تكوينا فقط.

[1] لا يبعد ابتناء اعتبار الشرائط- غير شرائط العاقد و الإنشاء- في عقد الفضول على كون العاقد الفضول كالوكيل في إجراء الصيغة فقط، أو كالوكيل المفوّض كما قيل؟

لكن الظاهر أنّه كالوكيل في إجراء الصيغة، كما قد يشهد له صحة بيع الفضول صبرة من حنطة مثلا جاهلا بمقدارها مع علم المالك و المشتري بكيلها و وزنها، فإنّ إجازة المالك

ص: 389

______________________________

حينئذ ملزمة لهذا العقد، و القول ببطلانه و عدم نفوذ إجازة المالك فيه شطط من الكلام. فلو كان الفضول كالوكيل المفوّض لم يكن محيص عن بطلان العقد، لأنّ الإجازة لا تؤثّر إلّا في العقد الجامع للشرائط إلّا رضا المالك.

و بالجملة: فالظاهر عدم اعتبار شروط العوضين في العاقد الفضول، فالقدرة على التسليم كمعلومية العوضين من الشروط المعتبرة في من له العقد، سواء أ كان مالكا للعين أم مالكا لزمام أمر البيع كالولي، و ليست معتبرة في العاقد الفضولي.

نعم لو كان العوض ممّا لا يجوز لمالكه بيعه، كما إذا كان أمّ ولد، لم يجز بيعه للفضولي أيضا، فلا بدّ من عدم وقوع بيع الفضول على ما لا يجوز بيعه للمالك.

فتلخّص: أن شرائط الإنشاء و المنشئ معتبرة في الفضول، لتقوم العقد عرفا و شرعا بها. و أمّا شروط العوضين فالمتيقن من أدلتها اعتبارها في المالك للعين، أو مالك زمام البيع كوليّ القاصر، و الوكيل المفوّض، لأنّ موضوع تلك الشروط في الأدلة خصوص المتبايعين، و صدق البائع على الفضول غير معلوم، فموضوعيته لتلك الأدلة مشكوك فيها، و التمسك بها لإثبات شروط العوضين له تشبث بالعام في الشبهة المصداقية، و هو غير وجيه. و مع الشك في شمول أدلة العوضين للفضول فأصالة عدم الشرطية محكّمة، فتلك الشرائط معتبرة في المالك.

و يمكن أن يكون الضابط في شرائط الإنشاء منع الخالق تعالى عن المعاملة، كبيع أمّ الولد و نحوه، بحيث لا يصحّ بيعه من الأصيل أيضا، لكون المعاملة عصيانا له سبحانه و تعالى. فإن كان المانع كذلك لم يمكن الإنشاء لا من الأصيل و لا من الفضول.

و يستفاد هذا الضابط ممّا ورد في نكاح العبد بدون إذن سيّده من التعليل لصحة النكاح «بأنّه لم يعص اللّه و إنّما عصى سيّده» و معصية السيد تجبر برضاه.

و لعلّ من هذا القبيل بيع المصحف و العبد المسلم من الكافر، و لذا لا يجوز للأصيل أيضا بيعهما. فإذا باعهما الفضولي لم يصحّ بيعه، و ليس للمالك إجازته، لأنّ العقد في نفسه باطل، كنكاح المحارم، و التزويج بأخت الزوجة قبل تطليقها. و ليس قابلا للإجازة حتى بناء على ناقلية الإجازة كما لا يخفى. فلو أسلم المشتري الكافر فلا بدّ من تجديد العقد، و لا تكفي الإجازة.

ص: 390

نعم (1) على القول بكونها بيعا مستأنفا يقوى الاشتراط (2).

[هل يعتبر بقاء شروط العوضين إلى زمان الإجازة؟]

و أمّا شروط العوضين (3)

______________________________

(1) استدراك على قوله: «لا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط» و محصله: أنّه- بناء على كون الإجازة بيعا مستأنفا كما اختاره المحقق القمي و غيره «1» لا مجرّد إمضاء و رضا بما وقع من عقد الفضول- يقوى اشتراط بقاء شرائط المتعاقدين إلى زمان الإجازة، لأنّ زمان الإجازة بناء على كونها بيعا مستأنفا زمان إنشاء المعاهدة، و لا بدّ من تحقق شرائط المعاهدة- و هي شروط المتعاقدين- حين الإجازة، فلا بدّ من وجود الشرائط في الأصيل و الفضوليّ حين الإجازة التي هي معاملة جديدة.

(2) أي: اشتراط بقاء المتعاقدين على شروطهما التي هي من شرائط إنشاء المعاقدة إلى زمان الإجازة. هذا بالنسبة إلى شرائط الإنشاء التي منها شروط المتعاقدين.

هل يعتبر بقاء شروط العوضين إلى زمان الإجازة؟

(3) كقابليتهما للتملّك شرعا، و معلوميتهما، و مقدوريتهما للتسليم، و كونهما ملكا طلقا للمتعاقدين.

______________________________

و أمّا القدرة على التسليم فليست كبيع المصحف، لأنّ القدرة على التسليم اعتبرت للغرر.

و أمّا بيع العبد الآبق و الدابة الشاردة و السمك في الماء و الطير في الهواء فهو في نفسه جائز، فإن قدر المشتري على التسلم صحّ البيع، لاندفاع الغرر به، و إن لم يقدر كلاهما على التسليم، فللمشتري خيار فسخ البيع.

تكملة: إذا شك في كون شي ء شرطا للإنشاء أو للملكية، و لم يكن موجودا حين الإنشاء- كمعلومية العوضين- فهل تنفذ الإجازة حينئذ، أم لا؟ الظاهر العدم، لأنّ الشك في الانتقال، و أصالة الفساد تقتضي عدمه، لرجوع الشك في تحقق موضوع الإجازة و هو العقد، و مع عدم إحرازه لا تنفذ الإجازة.

______________________________

(1) تقدم كلامه في ج 4، ص 562- 565، فراجع.

ص: 391

فالظاهر اعتبارها [1] بناء على النقل (1) [2]. و أمّا بناء على الكشف فوجهان (2)، و اعتبارها عليه أيضا غير بعيد (3).

[الثاني: هل يعتبر علم المجيز بالمجاز تفصيلا؟]

الثاني (4):

______________________________

(1) لأنّه بناء على النقل يكون زمان تأثير السبب- و هو إنشاء النقل- زمان الإجازة، فلا بدّ من تحقق الشرائط حين تأثيره، و إلّا لم تكن شرطا لتأثيره. هذا بناء على النقل.

(2) منشأ هذين الوجهين هو اختلاف الاستظهار من أدلة الشروط، فصاحب الجواهر قدّس سرّه استظهر منها اعتبار استمرار الشروط إلى زمان الإجازة بناء على الكشف، و قد تقدم كلامه في ثمرات الكشف و النقل، و المصنف استظهر عدم اعتبار استمرار الشروط إلى زمان الإجازة، و ردّ كلام الجواهر في ثمرات الكشف و النقل، فراجع (ص 139- 143).

(3) نفي البعد عن اعتبار استمرار الشروط مناف لما أفاده في ردّ الجواهر القائل باعتبار استمرار الشروط إلى زمان الإجازة على الكشف في ثمرات الكشف و النقل من قوله: «و فيه: أنّه لا وجه لاعتبار استمرار القابلية .. إلخ» فراجع (ص 139).

هل يعتبر علم المجيز بالمجاز تفصيلا؟

(4) هذا ثاني الأمور التي أشار إليها المصنف قدّس سرّه بقوله: «و أما القول في المجاز فاستقصاؤه يتمّ ببيان أمور» و في هذا الأمر يبحث في مقامين:

______________________________

[1] و اعتبارها في المالك واضح. و أمّا في العاقد الفضول فغير ظاهر، لأنّ موضوع تلك الشرائط هو المتبايعان، و صدق البائع على الفضول غير ظاهر. فموضوع البحث في اشتراط البقاء الى زمان الإجازة هو نفس المالك الأصيل دون الفضول.

[2] بل بناء على كون العاقد الفضول كالوكيل المفوّض، إذ بناء على كونه كالوكيل في إجراء الصيغة فقط لا يعتبر فيه إلّا شرائط الإنشاء، سواء أ كانت الإجازة ناقلة أم كاشفة كما أشرنا إليه سابقا.

ص: 392

هل يشترط [1] في المجاز (1) كونه معلوما للمجيز بالتفصيل، من تعيين العوضين، و تعيين نوع العقد من كونه بيعا أو صلحا- فضلا عن جنسه من كونه نكاحا

______________________________

الأوّل: في اعتبار العلم- تفصيلا أو إجمالا- بوقوع عقد في صحة الإجازة، و عدم اعتبار العلم به مطلقا، و كفاية احتمال وجوده في صحة الإجازة.

و الثاني: في صحة تعلق الإجازة بالمبهم و عدمها.

(1) هذا هو المقام الأوّل، و حاصله: أنّه هل يشترط في قابلية العقد للإجازة علم المجيز تفصيلا بالعقد- من تعيين العوضين و تعيين نوع العقد من كونه بيعا أو صلحا، فضلا عن جنسه من كونه نكاحا لجاريته أو بيعا لها- فإن لم يعلم المجيز تفصيلا بالعقد فليس له إجازته؟ أم لا يشترط العلم التفصيلي به، بل يكفي العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة، إذ الغرض من اعتبار الإجازة في العقد الفضولي حصول أمرين.

أحدهما: رضا المالك و طيب نفسه بانتقال ماله إلى الغير.

و ثانيهما: صيرورة عقد الفضول عقدا للمالك المجيز حتى يشمله عموم «أَوْفُوا» و من المعلوم حصول هذين الأمرين بالعلم الإجمالي، فلا حاجة إلى اشتراط العلم التفصيلي للمجيز.

______________________________

[1] ينبغي أن يعدّ هذا الشرط من شرائط صحة الإجازة، لا من شرائط العقد المجاز، بأن يقال: هل يعتبر في صحة الإجازة كون المجاز معلوما للمجيز .. إلخ.

كما أنّه ينبغي أن يقال في عنوان البحث: هل يعتبر العلم بوجود العقد تفصيلا أو إجمالا في صحة الإجازة؟ أم يكفي في صحتها الاحتمال و فرض وقوعه، كما إذا قال المالك: إن باع شخص فضولا داري أو آجرها أو صالحها فقد أجزته.

ثمّ إنّ في صورتي العلم الإجمالي بوقوع العقد أو احتماله هل يصح تعلق الإجازة بالمبهم أم لا؟ فهنا مقامان:

الأوّل: في اعتبار العلم بوجود العقد و عدمه. و الثاني: في صحة تعلق الإجازة بالمبهم و عدمها، سواء قلنا باعتبار العلم بوقوع العقد، أم قلنا بعدمه.

و المصنف قدّس سرّه اختار في المقام الأوّل اعتبار العلم التفصيلي بوقوع العقد، استنادا فيه إلى أنّه بدون العلم بوقوعه يلزم التعليق، لأنّه بمنزلة قوله: إن وقع بيع على مالي فقد أجزته.

ص: 393

لجاريته، أو بيعا لها- أم يكفي العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة؟ وجهان، من

______________________________

و حيث إنّ الإجازة بحسب الحقيقة أحد ركني العقد، لحصول المعاهدة الحقيقية بين المتبايعين بها، و التعليق مبطل للعقود، فالإجازة التي هي بحكم العقد تبطل أيضا بالتعليق، هذا.

و المحقق النائيني قدّس سرّه أضاف إليه: عدم قابلية الإيقاعات للتعليق، و الإجازة من الإيقاعات، فلا تقبل التعليق «1».

أمّا ما أفاده المصنف قدّس سرّه فيتوجه عليه أوّلا: أنّ دليل بطلان التعليق هو الإجماع، و معقده نفس العقد، و لا يشمل الإجازة التي هي بحكم العقد، فإلحاق الإجازة بالعقد قياس باطل عندنا.

و ثانيا: أنّ بطلان العقد بالتعليق يختص بأمر خارج عن العقد. و أمّا إذا كان بأمر يقتضيه نفس العقد و إن لم يصرّح به في متن العقد كقوله لزوجته: «إن كنت زوجتي فأنت طالق» فلا وجه لبطلانه، فإنّ مثل هذا التعليق موجود في جميع العقود.

و أمّا ما أفاده المحقق النائيني قدّس سرّه فلم يظهر مراده، إذ لا معنى لعدم القابلية. و لعلّ مراده عدم المشروعية. و كيف كان فهو معقول و مشروع كالتدبير و الوصية.

فالأقوى كفاية العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة، لحصول الغرض من الإجازة، و هو الرضا و انتساب العقد إلى المالك المجيز بالعلم الإجمالي، من دون حاجة إلى العلم التفصيلي.

بل الأقوى كفاية مجرّد احتمال وقوع العقد، و صحة إجازته معلّقة على وقوعه، و ذلك لما مرّ من عدم جزئية الإجازة للعقد حتى يقدح فيها التعليق، إذ كونها وسيلة لانتساب العقد إلى المالك لا يدلّ على كونها جزءا للعقد حتى يكون حكم العقد- و هو بطلانه بالتعليق- ثابتا لها.

مضافا إلى: أنّ كل تعليق ليس مبطلا كما عرفت.

و قد ذكر المصنف قدّس سرّه في المقام الثاني جواز تعلّق الإجازة بالمبهم، لكونها كالإذن في جواز تعلقه بالمبهم. لكن القياس مع الفارق، إذ متعلق الإجازة جزئيّ، لكونه موجودا خارجيا. بخلاف متعلق الإذن، فإنّه ليس موجودا خارجيا حتى لا يقبل الإبهام و التردد.

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 278، البيع و المكاسب، ج 2، ص 216

ص: 394

كون (1) الإجازة كالإذن السابق، فيجوز تعلّقه (2) بغير المعيّن، إلّا (3) إذا بلغ حدّا (4) لا يجوز معه التوكيل. و من (5) أنّ الإجازة بحسب الحقيقة أحد ركني العقد،

______________________________

(1) هذا دليل كفاية العلم الإجمالي، و عدم اشتراط علم المجيز تفصيلا بالعقد المجاز، توضيحه: أنّ الإجازة كالإذن في الدلالة على الرضا و طيب نفس المالك، فكما يجوز تعلق الإذن بغير المعيّن، فكذلك الإجازة، فيجوز أن يجيز المالك عقد الفضول مع عدم علمه تفصيلا بذلك العقد، و أنّه هل هو بيع فرسه أم إجارة داره أم صلح عقاره؟ و لا فرق بين الاذن و الإجازة إلّا في كون الإذن قبل العقد و دخيلا في حدوثه، و كون الإجازة بعده و دخيلا في بقائه.

(2) أي: تعلّق الإذن بالمبهم و غير المعيّن، و الأولى تأنيث الضمير ليرجع إلى ما هو المناسب للمقام، أعني به الإجازة كما لا يخفى.

(3) استثناء من قوله: «فيجوز تعلقه» و محصّله: أنّ تعلق الإذن السابق بشي ء مبهم مشروط بما إذا لم يبلغ الإذن حدّا من الإبهام لا يجوز معه التوكيل، كما إذا قال: «وكلتك أو أذنت لك في بيع شي ء من أموالي» فإذا بلغ ذلك الحدّ لم يجز شي ء من الإذن و التوكيل، لبلوغ الإبهام حدّا يخرج عن دائرة اعتبار العقلاء.

(4) المراد بذلك ما هو الخارج عن محيط اعتبار العقلاء، بحيث يعد أمرا سفهيّا و غير عقلائي. و ضمير «معه» راجع إلى «حدّ».

(5) معطوف على «من كون» و هذا دليل اشتراط علم المجيز تفصيلا بالمجاز، و عدم

______________________________

ثمّ إنّ هذين المقامين أجنبيان عن حكم الإجازة من حيث الكشف و النقل، بل يجري البحث عنهما على كلا القولين في الإجازة.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من صحة تعلق الإجازة بالعقد المعلوم إجمالا وقوعه أو المحتمل وقوعه إنّما هو في العقد الصحيح الجامع للشرائط. فإن كان فيه خلل في نفسه مع الغض عن إجازة المالك- بحيث لو كان المالك متصديا له كان العقد أيضا فاسدا- فهو خارج عن مورد البحث، كما إذا كان العوضان مجهولين، أو غير مملوكين، أو لم تكن الصيغة عربية بناء على اعتبارها.

ص: 395

لأنّ (1) المعاهدة الحقيقيّة إنّما تحصل بين المالكين بعد الإجازة، فتشبه (2) القبول [1] مع عدم تعيين الإيجاب عند القابل.

و من هنا (3) يظهر قوّة احتمال اعتبار العلم بوقوع العقد، و لا يكفي مجرّد

______________________________

كفاية علمه الإجمالي به، و محصّله: أنّ المعاهدة الحقيقية القائمة بالمالكين لا تحصل إلّا بالإجازة، و لا تتحقّق بعقد الفضولي، لعدم كونه مالكا و لا منصوبا من قبله. فالإجازة حينئذ كالقبول متمّمة لعقد الفضول، و لذا تعدّ أحد ركني العقد، فلا بدّ أن يكون المجيز عالما بما يجيزه من العقد حتى لا يلزم الغرر المنهي عنه في البيع و غيره.

(1) تعليل لكون الإجازة أحد ركني العقد، حيث إنّها توجب المعاهدة الحقيقية و إن لم تكن أحد طرفي العقد الإنشائي.

(2) أي: فتشبه الإجازة القبول.

(3) أي: و من كون الإجازة أحد ركني العقد- لحصول المعاهدة الحقيقية بين المالكين بها- يظهر .. إلخ. و هذا هو المقام الثاني أعني به اعتبار علم المجيز بوقوع العقد، و عدم كفاية احتمال وجوده في صحة الإجازة.

تقريبه: أنّه- بناء على كون الإجازة أحد طرفي العقد- لا بدّ من إحراز وجود العقد حتى تصحّ إجازته، و تكون أحد ركني العقد، و لئلّا يلزم التعليق في الإجازة التي هي إيقاع، و إن قيل بصحة التعليق في العقود.

______________________________

[1] بل الظاهر أنّ الإجازة تشبه الإيجاب المتأخر عن القبول، إذ المفروض وقوع القبول صحيحا من الأصيل، و إيجاب الفضول لم يقع في محله، فالإجازة تكون بمنزلة الإيجاب الواقع بعد القبول، فهي متممة للعقد، فلا بد من وجود عقد حتى تكون الإجازة متممة له.

و لعلّ نظره قدّس سرّه في تشبيه الإجازة بالقبول إلى كونها كالقبول في عليّته للتأثير، يعني:

أن الإجازة كالقبول في كونها جزءا أخيرا لعلّة التأثير. لكن الإيجاب المتأخر كالقبول أيضا في كونه جزءا أخيرا لعلة التأثير. و لا بدّ من التأمّل في كلام المصنف قدّس سرّه.

ص: 396

احتماله (1)، فيجيزه على تقدير وقوعه إذا انكشف (2) وقوعه، لأنّ (3) الإجازة و إن لم تكن من العقود حتّى تشملها معاقد إجماعهم [1] على عدم جواز التعليق فيها، إلّا أنّها (4) في معناها. و لذا (5) يخاطب المجيز بعدها بالوفاء بالعقد السابق، مع أنّ الوفاء

______________________________

(1) أي: احتمال وقوع العقد حتى يجيزه المجيز على تقدير وقوعه.

(2) هذا راجع إلى قوله: «و لا يكفي» يعني: و لا يكفي مجرّد احتمال وقوع العقد في صحة الإجازة إذا انكشف وقوعه، فوجود الإجازة مع احتمال وقوع العقد كعدمها.

(3) تعليل لعدم كفاية احتمال وقوع العقد، توضيحه: أنّ الإجازة و إن لم تكن من العقود حتى تشملها معاقد إجماعهم على عدم جواز التعليق فيها، إلّا أنّها في معنى العقود، لما مرّ آنفا من أنّ الإجازة توجب المعاهدة بين المالكين، فإذا كانت الإجازة في معنى العقد لم يجز التعليق فيها، و من المعلوم أنّ احتمال وقوع العقد تعليق في الإجازة، لكونها معلّقة على وقوع العقد، فلا تجدي هذه الإجازة لأجل التعليق.

(4) أي: أنّ الإجازة، و ضميرا «فيها، معناها» راجعان إلى العقود.

(5) أي: و لأجل كون الإجازة في معنى العقد يخاطب المجيز بعد الإجازة بالوفاء بالعقد السابق الذي وقع فضولا، و حاصله: أنّ «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» متوجّه إلى العاقدين، و وجوب الوفاء على المجيز بعد الإجازة يكشف عن صيرورته عاقدا بسبب الإجازة.

فلو لم تكن الإجازة في معنى العقد لم يكن المجيز عاقدا مخاطبا بوجوب الوفاء

______________________________

[1] قد تقدّم عن الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد «اتفاقهم على بطلان الفضولي فيها» «1» أي الإيقاعات. و لكن قد يدّعى صحة الفضولي في القبض و نحوه ممّا هو من توابع العقود، و إن كان من قبيل الإيقاعات. فالمتيقّن من معقد الإجماع هو الإيقاعات المستقلة كالطلاق و نحوه.

و يمكن استظهار جواز جريان الفضولي في الإيقاعات غير المستقلة من رواية عروة، لأنّ الظاهر أنّ إجازته صلّى اللّه عليه و آله و سلم كانت بعد إقباض عروة.

______________________________

(1) تقدم كلامه في الجزء الرابع من هذا الشرح، ص 349

ص: 397

بالعقد السابق لا يكون إلّا في حقّ العاقد [1] فتأمّل (1).

______________________________

بالعقد. و إذا كانت الإجازة في معنى العقد لم يجز التعليق فيها.

(1) لعلّه إشارة إلى: ما ذكرناه من عدم اختصاص وجوب الوفاء بالعقود بالعاقدين.

أو إشارة إلى: منع كون الإجازة في معنى العقد، و ذلك لأنّ الإجازة إمضاء للعقد السابق و رضا به. نظير الإذن في العقد، فإنّه رضا به. و لا فرق بين الإذن و الإجازة إلّا في السبق و اللحوق، و في كون متعلّق الإجازة جزئيا، لكونه موجودا خارجيا صدر من الفضول. بخلاف الإذن، فإنّ متعلّقه كلّي، لعدم تحلّيه بعد بحلية الوجود الذي هو مدار الجزئية، و لذا لا يعتبر العلم بخصوصيات أفراده، فيجوز الإذن في التصرف في ماله بعقد

______________________________

[1] اختصاص خطاب «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» بالعاقدين ممنوع، بل كلّ من له العقد سواء أ كان عاقدا مباشرة أم كان وليّه أو وكيله عاقدا يجب عليه الوفاء بالعقد، فوجوب الوفاء على المجيز بعد الإجازة لا يدلّ على كونه عاقدا، كما لا يدلّ على كون الإجازة أحد ركني العقد سببيّتها لتحقق المعاهدة بين المالكين، ضرورة أنّها لو كانت شرطا لا ركنا لا تتحقق المعاهدة أيضا إلّا بعدها.

و بالجملة: فما أفاده المصنف قدّس سرّه من كون الإجازة ركنا للعقد، و من صيرورة المجيز بسببها عاقدا يشمله عموم أوفوا، غير ثابت.

و أمّا استناد اعتبار العلم بوقوع العقد- و عدم كفاية احتمال وقوعه- إلى لزوم التعليق في الإجازة التي هي في معنى العقد، ففيه أوّلا: أنّ تعدية الحكم بقدح التعليق من العقد إلى ما هو في معنى العقد محتاجة إلى الدليل، و هو مفقود.

و ثانيا: أنّ التعليق القادح إنّما هو في أمر زائد عما يقتضيه نفس العقد أو الإيقاع، فإذا علّق أحدهما على موضوعه، كما إذا قال: «بعتك داري إن كانت ملكا لي» أو قال لزوجته:

«أنت طالق إن كنت زوجتي» كان كلّ منهما صحيحا، لأنّ التعليق على الملكية في البيع و على الزوجية في الطلاق ممّا يقتضيه نفس البيع و الطلاق، فهذا تعليق واقعي سواء علّق لفظا أم لم يعلّق. و قد تقدّم في مسألة اعتبار التنجيز في الصيغة الكلام في تعليق الإنشاء على ما هو معلّق عليه واقعا، فراجع «1».

______________________________

(1) الجزء الثاني من هذا الشرح، ص 574- 576

ص: 398

[الثالث حكم العقود المترتبة على مال الغير]
اشارة

الثالث (1): المجاز (2)

______________________________

معاوضي من دون تعيينه من بيع أو صلح أو غيرهما.

و أمّا الإجازة فتتعلق بموجود جزئي معيّن واقعا مجهول عند المجيز، فإجازته إجازة المجهول، لا إجازة المردّد، إذ لا يعقل التردد في الموجود الخارجي المتعيّن بالمشخصات الفردية.

حكم العقود المترتبة على مال الغير

(1) هذا ثالث الأمور التي أشار إليها المصنف قدّس سرّه في (ص 383) بقوله: «و أمّا القول في المجاز فاستقصاؤه يكون ببيان أمور».

و الغرض من عقد هذا الأمر الثالث بيان حكم الإجازة في العقود المترتبة إمّا بالطبع، بأن يكون صحة بعضها علّة لصحة بعضها الآخر، كما هو المعنون في كتب الفقهاء، كما إذا اشترى من الفضولي كتاب زيد، ثمّ باعه المشتري من عمرو. و هكذا في طرف العوض، كما إذا وقعت بيوع على ثمن الكتاب. و إمّا بالزمان، كما إذا باع فضول واحد أو متعدد- في زمان واحد أو متعدد- عبد زيد من عمرو، ثم باعه من بكر، ثم باعه من بشر، ثم باعه من يوسف، ثم باعه من يعقوب، و هكذا. لكن تعميم البحث إلى العقود المترتبة زمانا- لا رتبة- إنّما هو من المصنف قدّس سرّه.

و كيف كان يقع الكلام في أنّ إجازة بعضها هل تقتضي صحة غيره مطلقا، أم لا تقتضي كذلك، أم تقتضي صحة بعضها؟ سيأتي التعرض لها عند شرح المتن إن شاء اللّه تعالى.

(2) هذا شروع في بيان أقسام العقد المجاز، توضيحه: أنّ العقود المترتبة تقع تارة على نفس مال المالك و هو المبيع فضولا. و اخرى على عوضه و هو الثمن، الأعمّ من عوض نفس المال المبيع فضولا، و عوض عوضه.

و ثالثة على كليهما. و ستأتي أمثلتها إن شاء اللّه تعالى.

ثم إن المصنف قدّس سرّه أضاف ترتّبا مركّبا في العقد الوسط إلى الترتب البسيط المذكور في كلمات الفقهاء رضوان اللّه عليهم.

ص: 399

إمّا العقد الواقع على نفس مال الغير (1)، و إمّا العقد [1] الواقع على عوضه (2).

______________________________

(1) و هو المبيع فضولا، كالعبد الذي بيع فضولا يفرس في مثال المتن.

(2) أي: على عوض مال الغير، كالفرس الذي هو عوض العبد في المثال المذكور.

______________________________

[1] لعلّ الأولى ذكر هذا الأمر من الأمور المتعلقة بالإجازة، لأنّ مرجع البحث إلى أنّ الإجازة هل تؤثّر في صحة غير العقد الذي تعلّقت به من العقود السابقة على العقد المجاز و اللّاحقة به، أم لا؟

ثم إنّ التقسيم تارة يكون بلحاظ وقوع العقد على مال الغير كالعبد في مثال المتن.

و اخرى بلحاظ عوضه الابتدائي كبيع العبد بالفرس، أو عوضه مع الواسطة كبيع الفرس الذي هو عوض العبد بدرهم. و ثالثة يكون بلحاظ العقد المجاز من حيث كونه أوّل العقود الجارية على نفس مال الغير أو آخرها، أو كونه أوّل العقود الجارية على الأعواض أو آخرها، أو كون المجاز وسط العقدين الموافقين له من حيث وقوعهما على المثمن أو الثمن، و المخالفين له. و من حيث وحدة العاقد الفضولي و تعدده. و من حيث كونه غير الفضول.

فهنا جهات من البحث ستظهر إن شاء اللّه تعالى.

و كيف كان فموضوع بحث الفقهاء هو العقود الطولية التي بينها علّيّة و معلوليّة، بمعنى ترتب صحّة بعضها على صحة الآخر، فتخرج العقود العرضية و إن كانت بحسب الزمان طوليّة، كما إذا وقعت عقود من فضول واحد أو متعدد في زمان واحد أو أزمنة متعددة على مال المالك، فهو خارج عن محلّ الكلام. كما إذا باع الفضولي عبد المالك من زيد مثلا، ثم باعه ذلك الفضولي أو فضولي آخر من عمرو، ثم باعه من بكر. فإنّ إجازة بعضها لا تصحّح إلّا العقد الذي تعلّقت به، و لا تقتضي صحة غيره من العقود السابقة عليه و اللاحقة له. كما لا تتوقف صحته على صحة غيره، فيكون غير العقد المجاز باطلا.

نعم بناء على عدم اعتبار مالكية المجيز حين العقد يجوز للمجاز له إجازة عقد آخر من تلك العقود مطلقا، سواء أ كانت سابقه على العقد المجاز أم لاحقة له، من غير فرق بين كاشفية الإجازة و ناقليتها، حيث إنّ المجاز له صار بإجازة المالك لعقد الفضول مالكا، فلا مانع من إجازة أيّ عقد شاء، سواء وقع منه أم من غيره. بل يحتمل صحته بلا حاجة إلى

ص: 400

______________________________

الإجازة إذا صدر العقد منه، لكونه من صغريات «من باع شيئا ثم ملك». و بناء على اعتبار مالكية المجيز حين العقد لا وجه للإجازة، فلا وجه للصحة.

و بالجملة: فعنوان المصنف قدّس سرّه يفترق عن عنوان الفقهاء في أمرين:

أحدهما: في ترتّب العقود، فإنّ المصنف عمّم الترتّب إلى الترتب الزماني، و الفقهاء جعلوا الترتب خصوص الترتب الطوليّ الانتقالي.

و الآخر: الترتب البسيط، فإنّه خيرة الفقهاء، و المصنف عمّمه إلى الترتّب المركّب، و هو: أن يكون طرفا العقد الوسط متخالفين، كما إذا كان الوسط بيع العبد بالكتاب، و سابقه ما وقع على مال المالك، كبيع العبد بالفرس، و لاحقه ما وقع على عوض مال المالك و هو بيع الفرس بالدرهم. بخلاف مسلك الفقهاء، فإنّهم اكتفوا بالترتب البسيط، و هو كون طرفي العقد الوسط مثله. فإن كان واقعا على مال الغير كانا مثله، و كذا إذا كان الوسط واقعا على العوض كان طرفاه واقعين عليه أيضا.

ثمّ إنّ أقسام العقد المجاز في العقود المترتبة على مال المجيز ستة:

أوّلها: بيع العبد بالفرس، و آخرها بيع العبد بالدينار، و وسطها بيع العبد بالكتاب.

و هذه البيوع الثلاثة واقعة على نفس مال المالك و هو العبد. و وسطها- و هو بيع العبد بالكتاب- مثال للأقسام الأربعة:

أحدها: كونه وسطا بين عقدين واقعين على نفس مال المالك، و هما بيع العبد بفرس، و بيع العبد بدينار.

ثانيها: كونه وسطا بين عقدين واقعين على عوضي مال المالك، و هما بيع الفرس بدرهم، و بيع الدينار بجارية.

ثالثها: كونه وسطا بين عقدين يكون سابقهما واقعا على مال المالك، و هو بيع العبد بالفرس، و لاحقهما على بدل مال المالك، و هو بيع الدينار بجارية.

رابعها: كونه وسطا بين عقدين يكون سابقهما واقعا على بدل مال المالك، و هو بيع الفرس بدرهم، و لاحقهما واقعا على مال المالك، و هو بيع العبد بالدينار.

ص: 401

______________________________

هذه ستة أقسام العقد المجاز في العقود الواقعة على مال المجيز.

و أمّا الستة الواقعة على عوض مال المجيز، فهي: أنّ أوّل عقد وقع على بدل مال المجيز هو بيع الفرس بدرهم، و آخره بيع الرغيف بالعسل، فإنّ الرغيف عوض عن الدرهم، و الدرهم عوض عن الفرس، و الفرس عوض عن العبد. و هذا البيع وقع على عوض عوض عوض مال المالك. و وسطه بيع الدرهم- الذي هو عوض عن الفرس- برغيف، و هذا العقد مثال للأقسام الأربعة:

أحدها: وقوع بيع الدرهم برغيف وسطا بين بيع العبد بفرس، و بيع العبد بدينار، اللّذين وقعا على مال المالك.

ثانيها: وقوع بيع الدرهم برغيف وسطا بين بيع الفرس بدرهم، و بيع الدينار بجارية، الواقعين على عوض مال المالك.

ثالثها: وقوع بيع الدرهم برغيف وسطا بين بيع العبد بفرس الواقع على مال المالك، و بين بيع الدينار بجارية، الواقع على عوض مال المالك.

رابعها: وقوع بيع الدرهم برغيف بين بيع الفرس بدرهم الواقع على عوض مال المالك، و بين بيع العبد بالدينار الواقع على مال المالك.

و بانضمام هذه الأربعة إلى الصورتين الأوليين- و هما بيع الفرس بدرهم و بيع الرغيف بعسل- يصير أقسام العقد المجاز في العقود الواقعة على عوض مال المجيز ستة.

و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ البيوع الواقعة على عين مال الغير ثلاثة:

أحدها: بيع العبد بفرس.

ثانيها: بيع العبد بكتاب.

ثالثها: بيع العبد بدينار.

و البيوع الواقعة على عوض مال الغير خمسة، اثنان منها واقعان على عوضه الأوّلي، و هما بيع الفرس بدرهم، و بيع الدينار بجارية.

و ثلاثة منها واقعة على عوض عوض مال المالك، و هي بيع الدرهم برغيف، و بيع

ص: 402

______________________________

الدرهم بحمار، و بيع الرغيف بعسل. هذه أقسام العقد المجاز.

و أمّا حكمها فهو: أنّ الضابط الكلّي في ذلك أنّ كلّ عقد تكون صحته مترتبة- أي لازما لصحة العقد المجاز أو ملزوما لها- يترتب صحته على العقد المجاز.

و بعبارة أخرى: إذا كان بين عقدين علقة لزومية، بأن يكون أحدهما لازما لآخر، أو ملزوما له، كانت إجازة أحدهما مستلزمة لإجازة الآخر، بمعنى: كون إجازة واحدة موجبة لصحّة كلا العقدين.

و إن لم يكن بينهما علقة لزوميّة لا تكون إجازة أحدهما مستلزمة لصحة الآخر.

هذا إذا كان العقد المجاز العقد الوسط من العقود الواقعة على نفس مال الغير، فإنّ إجازة العقد الوسط- كبيع العبد بالكتاب- تصحّح ما بعده من بيع العبد بدينار، و لا تصحّح ما قبله كبيع العبد بفرس، بل تبطله، لأنّ إجازته تدلّ على إمضاء بيع العبد بالكتاب، و عدم رضاه بتعويض عبده بالفرس، إذ لازم رضاه بذلك دخول الفرس في ملكه بدلا عن العبد، و لم يكن مالكا للعبد حتى يصحّ له إجازة بيع العبد بالكتاب. نعم لمالك الفرس إجازة بيع الفرس بالدرهم.

و أمّا إذا كان العقد المجاز العقد الوسط من العقود المترتبة الواقعة على عوض مال الغير، كما إذا فرضنا أنّ الفضوليّ باع عبد المالك بفرس، ثم باع الفرس بدرهم، ثم باع الدرهم برغيف، ثم بيع الدرهم بحمار، و بيع الرغيف بعسل، فإنّ بيع الدرهم برغيف عقد وسط واقع على عوض مال الغير و هو الدرهم، حيث إنّه بدل الفرس الذي هو بدل العبد.

و قبله عقدان وقع أحدهما على مورده و هو بيع الفرس بدرهم، حيث إنّ الدرهم أيضا مورد العقد الوسط، و هو بيع الدرهم برغيف، و لم يقع ثانيهما- و هو بيع العبد بفرس- في مورده.

و كذلك بعده عقدان وقع أحدهما في مورده و هو بيع الدرهم بحمار، و لم يقع الآخر و هو بيع الرغيف بعسل في مورده.

فتفصيله: أنّه إذا أجاز المالك العقد الوسط، و هو بيع الدرهم برغيف، أو شراء الرغيف بدرهم، فعلى القول بالكشف تستلزم الإجازة صحة العقود السابقة أيضا، ضرورة أنّ

ص: 403

______________________________

صحّة بيع الدرهم برغيف منوطة بصحة ما قبله و هو بيع الفرس بدرهم، إذ ملكية الدرهم للمجيز حتى يصحّ له إجازة بيع الدرهم برغيف تتوقف على صحة بيع الفرس بدرهم.

و كذا صحة بيع الفرس بدرهم تتوقف على صحة بيع العبد بفرس، إذ لو لم يصحّ لا يصير مالكا للفرس حتى يملك الدرهم، و يصحّ له إجازة بيع الدرهم برغيف: أو شراء الرغيف بدرهم. هذا بناء على القول بالكشف.

و أمّا على القول بالنقل، فمحصله: أنّه لمّا وقعت البيوع السابقة في غير ملك البائع، فعلى القول بصحتها مع الإجازة أو بدونها فلا كلام، و إلّا فتبطل.

هذا حال العقود السابقة على العقد المجاز من العقود الواقعة على عوض مال المجيز.

و أمّا العقود اللاحقة له، فإن وقعت على المعوّض- أي المعوض في البيع المجاز، و هو في بيع الدرهم بالرغيف- كبيع الدرهم بالحمار، فإنّ إجازة بيع الدرهم برغيف- الذي هو الوسط بين بيع الفرس بدرهم و بين بيع الدرهم بحمار- تكشف عن دخول الدرهم في ملك صاحب الرغيف، فيصحّ له بيع ذلك الدرهم بالحمار. هذا.

و إن وقعت على الرغيف- الذي هو العوض في العقد المجاز- بأن بيع الرغيف بالعسل، فصحته منوطة بإجازة مستقلة من صاحب الرغيف.

و الضابط في تأثير الإجازة في غير العقد الذي تعلّقت به- سواء أ كان سابقا على العقد المجاز أم لاحقا له- كما أشرنا إليه آنفا هو: أن يكون بين المجاز و غيره من العقود علقة توجب صحة غير المجاز، إمّا لكونه لازما للمجاز كبيع العبد بالدينار، و بيع الدينار بالجارية، فإنّ صحتهما من لوازم صحة بيع العبد بالكتاب. أو ملزوما له، كبيع العبد بالفرس، و بيع الفرس بالدرهم، و بيع الدرهم بالرغيف، فإنّ صحة بيع الدرهم بالرغيف- المفروض كونه عقدا مجازا- من لوازم صحة بيع الفرس بالدرهم، و صحة بيع العبد بالفرس، إذ لو لم يصحّا لا يملك المجيز الدرهم حتى يصحّ له إجازة بيع الدرهم بالرغيف.

فلو لم يكن بين العقد المجاز و غيره من العقود العلقة المذكورة- كما إذا باع فضوليّ عبد الغير، ثم باعه فضولي آخر، و هكذا، أو باعه فضولي واحد مرارا- فإنّ إجازة مالك العبد لأحد هذه العقود لا تصحّح إلّا ما تعلّقت به من العقود، و لا تصحّح غيره.

ص: 404

و على كلّ منهما (1) [1] إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد وقع على المال (2)، أو على (3) عوضه، أو آخره (4)، أو عقدا (5)

______________________________

(1) أي: و على كلّ من الفرضين- و هما وقوع الإجازة على مال الغير، و وقوعها على عوض ماله- إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد من العقود الواقعة على المال الذي بيع فضولا، و إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد من العقود الواقعة على عوض المال المبيع فضولا.

(2) و هو مال المالك الذي بيع فضولا.

(3) معطوف على «على المال» و المراد بالعوض هو ثمن المال المبيع فضولا، يعني: و إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد وقع على عوض مال المجيز.

(4) معطول على «أوّل عقد» و ضمير «آخره» راجع إلى «عقد»، يعني: أو يكون المجاز آخر عقد من العقود الواقعة على مال الغير أو على عوضه.

(5) معطوف على «أوّل عقد» يعني: و إمّا أن يكون المجاز عقدا وسطا بين عقدين واقعين على مال الغير، أو على بدله. أو بالاختلاف، بأن وقع السابق على مال الغير، و اللاحق على عوض مال الغير. أو بالعكس، بأن وقع السابق على العوض، و اللاحق على مال الغير.

فلكون المجاز العقد الوسط صور أربع:

إحداها: كون السابق و اللاحق واقعين على نفس مال الغير، كبيع العبد بالفرس، و بيع العبد بالدينار، فإنّهما طرفان للوسط المجاز، و هو بيع العبد بالكتاب.

ثانيتها: كونهما واقعين على عوض مال الغير، كبيع الفرس بالدّرهم، و بيع الدينار

______________________________

[1] ينبغي أن يقال: فإن وقعت الإجازة على نفس مال الغير فله ثلاث صور:

الاولى: كون العقد المجاز أوّل العقود الجارية على مال الغير.

الثانية: كونه آخر العقود.

الثالثة: كونه وسط العقود.

و إن وقعت الإجازة على العقود الجارية على عوض مال الغير فكذلك. و للوسط المجاز في كل من العقود الجارية على كلّ من مال الغير و عوضه صور أربع كما سيأتي تفصيله في المتن.

ص: 405

بين سابق و لاحق (1) واقعين (2) على مورده (3)، أو بدله، أو بالاختلاف.

و يجمع الكلّ (4) فيما إذا باع عبد المالك بفرس، ثمّ باعه المشتري بكتاب، ثمّ

______________________________

بالجارية، فإنّهما طرفا العقد المجاز، و هو بيع العبد بالكتاب.

ثالثتها: كون السابق واقعا على مال الغير، و اللاحق واقعا على بدل مال الغير، كبيع العبد بالفرس، و بيع الدينار بالجارية.

رابعتها: كون السابق واقعا على عوض مال الغير، و اللّاحق واقعا على نفس مال الغير، كبيع الفرس بالدرهم، الواقع على العوض، و بيع العبد بالدينار، الواقع على نفس مال الغير. فإنّ العقد الوسط المجاز- و هو بيع العبد بالكتاب- وقع بين هذين العقدين المختلفين، لوقوع سابقهما على عوض مال الغير، و لاحقهما على نفس مال الغير.

(1) هما نعتان ل «عقد» و كلمة «بين» حال لكلمة «عقدا» أي: حال كون العقد الوسط واقعا بين سابق و لاحق.

(2) حال لكلمتي «سابق و لاحق» أي: حال كون العقد السابق و اللاحق واقعين على مال الغير، أو على بدل مال الغير، أو بالاختلاف. و قد اتّضح جميع ذلك بقولنا:

«فلكون المجاز العقد الوسط صور أربع .. إلخ».

(3) أي: مورد مال المالك.

(4) هذا شروع في بيان أمثلة الكل- أي: كلّ الصور المتصورة في العقد المجاز- من العقود المترتبة الواقعة على مال الغير و عوضه.

و قد ظهر من كلمات المصنف قدّس سرّه أنّ أقسام العقد المجاز اثني عشر، ستة لكون المجاز العقد الواقع على مال الغير، لأنّه إمّا أوّل العقود الواقعة عليه، و إمّا آخرها، و إمّا وسطها. و للوسط أقسام أربعة، لأنّ طرفيه إمّا عقدان وقعا على مال الغير، أو وقعا على عوض مال الغير، أو اختلفا، بأن كان السابق مال الغير، و اللاحق عوض مال الغير، أو كان السابق العوض، و اللاحق نفس مال الغير.

و بضمّ هذه الأربعة إلى الأوّلين- و هما كون المجاز أوّل العقود الواقعة على مال الغير و آخرها- تصير الأقسام ستة.

و هكذا إذا كان المجاز العقد الواقع على العوض، لأنّه إمّا أوّل العقود، و إمّا آخرها، و إمّا وسطها.

ص: 406

باعه الثالث بدينار (1). و باع (2) البائع الفرس بدرهم، و باع الثالث (3) الدينار (4) بجارية، و باع بائع الفرس الدرهم (5) برغيف، ثمّ بيع الدرهم بحمار، و بيع الرغيف

______________________________

و لهذا الوسط أيضا صور أربع، لأنّ طرفيه إمّا واقعان على نفس مال الغير، و إمّا واقعان على بدله، و إما مختلفان، بأن كان السابق واقعا على نفس مال الغير، و اللاحق على بدله. أو كان السابق واقعا على بدل مال الغير، و اللاحق على نفس مال الغير.

و بانضمام هذه الأربعة إلى الأوّلين- و هما أوّل العقود الواقعة على العوض و آخرها- تصير الأقسام ستة أيضا.

(1) و هذه العقود الثلاثة واقعة فضولا على المعوّض- و هو العبد- و ثمنه في العقد الأوّل فرس، و في العقد الثاني كتاب، و في العقد الثالث دينار.

(2) من هنا شرع المصنف قدّس سرّه في بيان أمثلة العقود الواقعة على عوض مال الغير.

و المراد بالعوض أعمّ من العوض مع الواسطة و بدونها، كما يظهر من أمثلة العقود الواقعة على عوض مال الغير.

و هذا أوّل العقود الواقعة على عوض مال الغير، حيث إنّ الفرس كان ثمن العبد في أوّل عقد من العقود الجارية على المعوّض- و هو العبد- فبيع الفرس بدرهم أوّل عقد وقع على عوض العبد، و هو الفرس الذي بيع بدرهم، و وسطه بيع الدرهم- الذي هو عوض الفرس- برغيف. و آخره بيع الرغيف بالعسل، فإنّ الرغيف عوض عن الدرهم، و الدرهم عوض عن الفرس، و الفرس عوض عن العبد.

(3) أي: باع البائع الثالث- الذي باع العبد بدينار- الدينار بجارية. و البائع الأوّل هو الذي باع العبد بفرس، و البائع الثاني هو الذي باع العبد بكتاب. فالدينار ثمن العبد في البيع الثالث الواقع على العبد، لكن وقع في هذا العقد مثمنا، و صارت الجارية ثمنه.

(4) و هو ثمن العبد في البيع الثالث الواقع على العبد الذي هو مال الغير.

(5) الذي هو عوض العوض، لأنّه عوض الفرس، و هو عوض العبد في أوّل العقود الواقعة على مال الغير.

أمّا جامعية هذه الأمثلة للأقسام الاثني عشر بالنسبة إلى الأقسام الستة في الفرض الأوّل- و هو كون المجاز من العقود الواقعة على مال الغير- فهي كون المجاز أوّل العقود و آخرها، و هما بيع العبد بفرس، و بيعه بدينار. و كون المجاز وسطا بين عقدين

ص: 407

..........

______________________________

واقعين على نفس مال الغير، و هما بيع العبد بالفرس، و بيع العبد بالدينار، فإنّ المجاز- و هو بيع العبد بالكتاب- وقع بينهما.

و وسطا بين عقدين متعلقين بعوض مال الغير، و هما بيع الفرس بالدرهم و بيع الدينار بالجارية، حيث إنّهما واقعان على العوض، و هو الفرس و الدينار اللذان هما عوضا العبد في بيعه الأوّل و الآخر.

و وسطا بين العقد الواقع على المعوّض- و هو بيع العبد بالفرس- و العقد الواقع على العوض و هو بيع الفرس بالدرهم.

و وسطا بين العقد الواقع على العوض و هو بيع الفرس بالدرهم، و بيع العبد بالدينار الذي وقع على المعوّض و هو العبد.

و أمّا جامعيّته بالنسبة إلى الأقسام الستة في الفرض الثاني- و هو كون المجاز من العقود الواقعة على عوض العبد- فتفصيلها: أنّ أوّل العقود الواقعة على العوض هو بيع الفرس بالدرهم، حيث إنّ الفرس أوّل عوض عن العبد في البيوع الجارية عليه.

و ثانيها: بيع الدرهم بالرغيف، فإنّ الدرهم كان ثمنا للفرس. و في هذا العقد صار مثمنا للرغيف.

و ثالثها: بيع الرغيف- الذي هو عوض الدرهم الذي كان عوض الفرس- بالعسل.

و من هذه الأمثلة يظهر أنّ المراد بالعوض أعمّ من عوض العبد بلا واسطة كالفرس، و مع الواسطة كالدرهم و الرغيف، حيث إنّ الدرهم بدل الفرس الذي هو بدل العبد.

و الرغيف بدل الدرهم الذي هو بدل الفرس الذي هو بدل العبد.

ثمّ إن العقد المجاز إمّا أوّل هذه العقود، و هو بيع الفرس بالدرهم. و إمّا آخرها، و هو بيع الرغيف بالعسل. و إمّا الوسط الذي له صور أربع. فهو كالعقد المجاز في الفرض الأوّل أعني به العقود الواقعة على المثمن، و هو العبد.

فإذا انضمّ ما للوسط من الصور الأربع إلى الصورتين الأوليين- و هما كون العقد المجاز أوّل العقود الواقعة على العوض و آخرها- تكون الأقسام في الفرض الثاني و هو العقود الواقعة على العوض ستة أيضا، فصارت الأقسام كلّها اثني عشر.

ص: 408

بعسل (1).

أمّا (2) إجازة العقد الواقع على مال المالك- أعني العبد بالكتاب (3)- فهي ملزمة له و لما بعده ممّا وقع على مورده (4) أعني العبد بالدينار، بناء على الكشف (5).

______________________________

(1) و هذان المثالان من العقود الواقعة على عوض العوض، و كذا بيع الدرهم برغيف. فهذه الأمثلة الثلاثة أمثلة لوقوع البيع على بدل بدل مال المالك.

(2) هذا شروع في بيان حكم إجازة العقود الواقعة على مال الغير- و هو العبد- و على عوضه، من حيث الصحة و الفساد. و قد تعرّض له في مقامين:

الأوّل: حكم إجازة العقد الواقع على مال الغير كالعبد في مثال المتن.

و الثاني: في حكم إجازة العقد الواقع على عوض مال الغير.

و الكلام فعلا في المقام الأوّل، و محصّله: أنّ إجازة العقد الواقع على مال المالك- و هو بيع العبد بالكتاب- ملزمة له و لما بعده ممّا وقع على مورده كبيع العبد بالدينار بناء على الكشف. أمّا كون الإجازة ملزمة لعقد المالك الأصلي فواضح. و أمّا كونها ملزمة لما وقع على ما بعده من العقد الواقع على أصل مال المالك- و هو بيع العبد بالدينار- فلكون الإجازة كاشفة عن وقوع بيع العبد بالدينار في ملك بائع العبد.

و أمّا بناء على النقل فصحته مبنيّة على اعتبار ملك المجيز حين العقد و عدمه. فإن قلنا باعتباره لم يكن إجازته ملزمة للعقد المجاز، و لا لما بعده من العقود، إذ المفروض عدم كون المجيز مالكا للعبد حين البيع.

و إن قلنا بعدم الاعتبار كما عليه المصنف قدّس سرّه، حيث قال في (ص 237): «الثالث لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرف حال العقد» كانت الإجازة ملزمة لهذا العقد المجاز و لما بعده من العقود.

(3) اختار هذا الفرض، لكونه وسطا بين بيع العبد بالفرس و بيع العبد بالدينار، حتى يكون له سابق و لاحق.

(4) أي: مورد مال المالك، و هو العبد المبيع بالدينار.

(5) لكشف الإجازة عن وقوع بيع العبد بالدينار في ملكه، فلا وجه لعدم صحته، إذ المفروض كشف إجازة بيع العبد بالكتاب عن دخول العبد في ملك من اشتراه بالدينار.

ص: 409

و أمّا بناء على النقل فيبني على ما تقدّم من اعتبار ملك المجيز حين العقد، و عدمه (1).

و هي (2) فسخ بالنسبة إلى ما قبله ممّا (3) ورد على مورده- أعني بيع العبد بفرس- بالنسبة إلى المجيز.

أمّا (4) بالنسبة إلى من ملك بالإجازة.

______________________________

(1) أي: و عدم اعتبار ملك المجيز حين العقد، حيث إنّه لم يكن مالكا للعبد حين بيعه بالدينار، فيصح له إجازته. و هذا مختار المصنف كما عرفت آنفا.

(2) يعني: و إجازة المالك العقد الواقع من الفضولي على ماله فسخ للعقود السابقة على العقد المجاز الواقعة على ماله، و هو العبد في مثال المتن. و العقد السابق على العقد المجاز هو بيع العبد بالفرس. و إجازة بيع العبد بالكتاب عبارة عن رضا مالك العبد بملكية العبد لمالك الكتاب، لا لمالك الفرس، فيبطل بيع العبد بالفرس.

فالمتحصّل: أنّ إجازة عقد من العقود الواقعة على مال المالك إمضاء للعقود اللاحقة، و ردّ للعقود السابقة على المجاز.

(3) أي: من العقود الواردة على مورد مال المالك، و هو بيع العبد بالفرس، يعني: أنّ ما ذكرناه- من كون الإجازة ملزمة للعقود اللاحقة الواقعة على مال المالك، و فسخا لما قبل العقد المجاز من العقود الواقعة على ماله و هو العبد- إنّما يكون بالنسبة إلى المالك المجيز، و هو مالك العبد، لأنّ إجازة بيع العبد بالكتاب تقتضي انفساخ بيع العبد بالفرس.

فبيع الفرس بالدرهم بيع فضولي تتوقف صحته على إجازة مالك الفرس.

فصار المتحصّل: صحة العقد الواقع على مال المالك- و هو بيع العبد بالكتاب- و ما بعده من بيع العبد بالدينار، و فسخ العقد السابق على العقد المجاز، و هو بيع العبد بالفرس بالنسبة إلى المالك المجيز.

(4) و أمّا بالنسبة إلى من ملك بالإجازة- و هو من اشترى العبد بالكتاب- فهل له إجازة بيع العبد بالفرس أم لا؟ حيث إنه لم يكن مالكا للعبد حين بيعه بالفرس. المسألة مبنية على ما سبق من اشتراط ملك المجيز حين العقد و عدمه. و قد أشرنا آنفا إلى أنّ

ص: 410

- و هو المشتري (1) بالكتاب- فقابليّته للإجازة مبنيّة على مسألة اشتراط ملك المجيز حين العقد.

هذا (2) حال العقود السابقة و اللّاحقة على مورده، أعني مال المجيز (3).

و أمّا (4) العقود الواقعة على عوض مال المجيز، فالسابقة (5) على هذا العقد (6)

______________________________

المصنف قدّس سرّه لا يشترط ذلك، فله الإجازة، و لا يحتاج إلى عقد جديد.

(1) أي: المشتري للعبد بالكتاب، و هو الذي باع العبد بالدينار، و ملك العبد بإجازة مالك العبد بيعه بالكتاب.

(2) أي: لزوم العقود اللاحقة للعقد المجاز- و بطلان العقود السابقة عليه- هو حكم العقود الواقعة على المعوّض، و هو العبد في مثال المتن.

(3) و هو المالك للمعوّض كالعبد في المثال المذكور.

(4) بعد بيان حكم الإجازة بالنسبة إلى العقود السابقة و اللاحقة الواقعة على مال المجيز، أراد أن يذكر حكم الإجازة في العقود الواقعة على عوض مال المجيز، مع كون العقد المجاز في كلا الفرضين- و هما العقود الواقعة على نفس مال المجيز و عوضه- هو العقد الواقع على عين مال المجيز، كبيع عبد المالك بكتاب.

فقوله: «و أمّا العقود الواقعة على عوض مال المجيز» من توابع إجازة بيع الفضول عبد المالك بكتاب، و يكون في مقابل قوله: «هذا حال العقود السابقة و اللاحقة على مورده».

ثم إنّ المراد بعوض مال المجيز أعم من عوض مال الغير بلا واسطة، كالعبد في المثال المذكور، و مع الواسطة كبيع الدرهم برغيف، و بيع الدرهم بحمار، فإنّ الدرهم و الرغيف عوض بواسطة.

و يمكن أن يكون العوض مع الوسائط كبيع الرغيف بالعسل، فإنّ الرغيف عوض الدرهم، و هو عوض الفرس الذي يكون عوض العبد الذي هو عين مال المجيز.

(5) مبتدء، و خبره «يتوقّف» و المجموع خبر «و أمّا العقود».

(6) و هو العقد المجاز، أعني به بيع العبد بالكتاب.

ص: 411

- و هو (1) بيع الفرس بالدرهم- يتوقّف لزومها (2) على إجازة المالك الأصلي للعوض و هو الفرس. و اللّاحقة (3) له- أعني بيع الدينار بجارية- تلزم (4) بلزوم هذا العقد (5).

و أمّا (6) إجازة العقد الواقع على العوض

______________________________

(1) الضمير راجع إلى «السابقة» المراد بها بيع الفرس بالدرهم، و تذكير الضمير باعتبار الخبر، و إن كان خلاف الظاهر.

و محصّل ما أفاده: أنّه بإجازة بيع العبد بالكتاب ينفسخ بيع العبد بالفرس، إذ مع صحته لا يكون المجيز مالكا للعبد حتى تصح إجازته بيع العبد بالكتاب، فيردّ الفرس حينئذ إلى مالكه الأصلي، فيكون بيع الفرس بالدرهم فضوليا، و يحتاج نفوذه إلى إجازة مالك الفرس.

(2) أي: لزوم السابقة- و هي بيع الفرس بالدرهم- فإنّ هذا أوّل العقود الواقعة على عوض مال الغير و هو العبد في المثال. و قد عرفت آنفا: أنّ انفساخ بيع العبد بالفرس بسبب إجازة بيع العبد بالكتاب يوجب بطلان بيع الفرس بالدرهم. و صحته منوطة بإجازة مالك الفرس، لأنّه المالك الأصلي للفرس.

(3) معطوف على قوله: «فالسابقة» و ضمير «له» راجع الى «هذا العقد» المراد به بيع العبد بالكتاب الذي هو العقد المجاز.

و بيع الدينار بجارية عقد لاحق للعقد المجاز، و واقع على العوض، و هو الدينار الذي يكون عوض العبد.

(4) خبر «و اللاحقة» يعني: تلزم العقود اللّاحقة لعقد المجاز- الذي هو بيع العبد بالكتاب- سواء وقعت على نفس مال المجيز كبيع العبد بالدينار، أم وقعت على عوض مال المجيز كبيع الدينار بجارية، حيث إنّ الدينار عوض العبد.

(5) و هو بيع العبد بالكتاب، فإنّ لزومه بالإجازة يستلزم صحة كلا العقدين، الواقع أحدهما على نفس العبد بالدينار، و ثانيهما على عوضه، و هو بيع الدينار بالجارية، لترتّب صحّتهما على صحة ما قبلهما، و هو بيع العبد بالكتاب كما هو واضح.

(6) معطوف على «أمّا» في قوله: «أما إجازة العقد الواقع على مال المالك» و هذا

ص: 412

- أعني بيع الدرهم (1) برغيف- فهي (2) ملزمة للعقود السابقة عليه، سواء وقعت على نفس مال الملك، أعني بيع العبد بالفرس، أم على عوضه و هو بيع الفرس بالدرهم. و للعقود (3) اللّاحقة له إذا وقعت على المعوّض (4)، و هو بيع الدرهم بالحمار.

______________________________

هو المقام الثاني المتكفل لحكم إجازة العقد الواقع على عوض مال المجيز. كما أنّ المقام الأوّل تكفّل حكم إجازة العقد الواقع على نفس مال المجيز و هو العبد.

(1) الذي هو عوض عن الفرس في بيع الفرس بالدرهم، و الفرس عوض عن العبد. و هذا مثال لبيع عوض العوض الذي صار موردا للإجازة.

فالمراد بقوله: «العوض» عوض عوض العبد، و هو الدرهم الذي هو عوض الفرس الذي هو عوض العبد. و هذا الدرهم بيع برغيف.

و صحة هذا البيع منوطة بدخول الدرهم في ملك المالك الأصلي للعبد. و دخوله في ملكه منوط بإجازته بيع الفرس بالدرهم، و بيع عبده بالفرس، و لذا قال: «سواء وقعت على نفس مال المالك أعني بيع العبد بالفرس أم على عوضه».

(2) أي: الإجازة ملزمة. محصل ما أفاده هنا: أنّ إجازة مالك العبد العقد الواقع على عوض ماله- أعني به العبد- يلاحظ حكمها تارة بالنسبة إلى العقود السابقة عليه، و اخرى بالنسبة إلى العقود اللاحقة له.

أمّا العقود السابقة عليه فهي صحيحة مطلقا، سواء وقعت على نفس مال المالك، كبيع العبد بالفرس، أم على عوضه كبيع الفرس بالدرهم، فإنّ الفرس عوض العبد في أوّل البيوع الجارية على العبد، فمال المالك أعمّ من العبد و عوضه.

(3) معطوف على «للعقود». و أمّا العقود اللاحقة للعقد المجاز- و هو بيع الدرهم بالحمار- فمحصله: أنّ إجازة العقد الواقع على عوض العوض ملزمة للعقود اللّاحقة للعقد المجاز أيضا إذا وقعت الإجازة على عوض العوض أيضا، لأنّ إجازة المالك الأصيل العقد الواقع على عوض العوض توجب ملكية المبيع للمجاز له، و هذا يقتضي صحة كلّ عقد يقع بعده، لوقوعه في ملكه.

(4) و هو الدرهم، حيث إنّه معوّض في بيع الدرهم بالرغيف، فإنّ الإجازة تكشف

ص: 413

أمّا الواقعة (1) على هذا البدل (2) المجاز- أعني بيع الرغيف بالعسل- فحكمها (3) حكم العقود الواقعة على المعوّض ابتداء.

و ملخّص (4) ما ذكرنا: أنّه لو ترتّبت عقود متعدّدة مترتّبة على مال المجيز،

______________________________

عن دخول الدرهم في ملك صاحب الرغيف، فيصح له بيع الدرهم بالحمار.

(1) أي: العقود الواقعة المترتبة على هذا البدل المجاز.

(2) و هو الرغيف الذي كان بدلا عن الدرهم في بيع الدرهم بالرغيف الذي أجيز.

فإذا بيع الرغيف مرارا كان فضوليا محتاجا إلى إجازة مستقلة، كما إذا بيع الرغيف بالعسل، ثم بيع هذا الرغيف باللبن، ثم بيع هذا الرغيف بالتمر، كان حكمها حكم العقود الواقعة على نفس مال المجيز مرارا من أشخاص متعددة في الاحتياج إلى إجازة مستقلّة.

كما إذا باع الفضولي عبد المالك بفرس، ثم باعه المشتري بكتاب، ثم باعه الثالث بدينار، فإنّ إجازة بيع العبد بالكتاب تكون ردّا لما قبله، و إجازة لما بعده كما تقدّم تفصيله في شرح قوله: في (ص 409): «أما إجازة العقد الواقع على مال المالك» فتكون إجازة بيع الرغيف بالعسل ردّا لما قبله، و إمضاء لما بعده.

(3) خبر «أمّا الواقعة» أي: فحكم العقود الواقعة على البدل المجاز حكم العقود الواقعة على المعوض ابتداء- و هو العبد في مثال المصنف قدّس سرّه- حيث إنّ الرغيف صار ملكا للمجيز كملكية العبد له، فيجري عليه ما يجري على العبد من الاحتياج إلى إجازة مستقلّة، و من كون الإجازة فسخا لما قبل العقد المجاز، و إمضاء لما بعده.

(4) يعني: و حاصل ما ذكرناه في مسألة ترتّب العقود الواقعة على مال المجيز أو عوضه: أنه لو أنشئت عقود متعددة مترتبة على مال المجيز، فإن وقعت تلك العقود من أشخاص متعددة- كما إذا باع الفضولي عبد المالك بفرس من زيد، ثم باعه زيد بكتاب من عمرو، ثم باعه عمرو بدينار من بكر- كانت إجازة المالك بيع العبد بالكتاب ردّا لما قبله، إذ لو كان بيع العبد بالفرس- الذي هو قبل العقد المجاز- صحيحا لم يكن العبد ملكا لمالكه الأصلي حتى تصحّ له إجازة بيع العبد بالكتاب، لأنّ العبد حينئذ ملك لزيد، فإجازة المالك العقد الوسط- و هو بيع العبد بكتاب- ردّ لما قبله من بيع العبد بالفرس.

ص: 414

فإن وقعت (1) من أشخاص متعدّدة [1] كانت إجازة وسط منها (2) فسخا لما قبله، و إجازة (3) لما بعده (4) على الكشف (5). و إن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر (6).

______________________________

(1) أي: فإن وقعت العقود- الواقعة على مال المجيز- من أشخاص .. إلخ.

(2) أي: من العقود، و «فسخا» خبر «كانت» و قد عرفت تقريب الفسخ.

(3) معطوف على «فسخا» يعني: أنّ إجازة عقد من تلك العقود تكون إجازة لما بعده من العقود، و ذلك لأنّ الإجازة توجب دخول العبد في ملك صاحب الكتاب.

فالعقود الواردة عليه كبيعه بالدينار صحيحة، لأنّ بائعه باعه مالكا له. و الناس مسلّطون على أموالهم.

(4) أي: لما بعد العقد الوسط المجاز، كبيع العبد بالدينار في المثال المذكور.

(5) يعني: أنّ ما ذكرناه- من كون إجازة العقد الوسط فسخا لما قبله و إمضاء لما بعده- مبنيّ على كاشفية الإجازة، حيث إنّها تكشف عن كون المبيع ملكا للمشتري من زمان صدور العقد، فتصح العقود المتأخرة عن العقد المجاز. و هذا بخلاف ناقلية الإجازة، لعدم خروج المبيع عن ملك المالك قبل الإجازة.

(6) يعني: إن وقعت العقود عن شخص واحد انعكس الأمر، بأنّ الإجازة إجازة لما قبله، و فسخ لما بعده.

______________________________

[1] لم يظهر وجه التقييد بتعدد من أوقع العقود، إذ ليس المدار في كون إجازة العقد الوسط فسخا لما قبله و إجازة لما بعده على التعدد المذكور، بل المدار في ذلك على إناطة صحة بعضها بصحة بعضها الآخر. فيمكن أن يكون العاقد متعددا، و مع ذلك يكون العقد المجاز فقط صحيحا، كالعقود المتعددة الصادرة من فضول متعدد على متاع واحد. فإنّ إجازة المالك واحدا من تلك العقود تصحّح العقد المجاز دون غيره.

إلّا أن يريد بالتعدد تعدد المشتري، بأن يكون العاقد في كل بيع هو المشتري في البيع السابق، بقرينة قوله في ذكر المثال: «و يجمع الكل فيما إذا باع عبد المالك بفرس، ثم باعه المشتري بكتاب» فإنّ قوله: «باعه المشتري» قرينة على كون المراد بالعقود المتعددة هو وقوع كل عقد منها عن خصوص المشتري في ذلك العقد، لا مطلقا و لو من فضولي آخر.

ص: 415

و لعلّ هذا (1) هو المراد من المحكي عن الإيضاح و الدروس في حكم ترتّب العقود من (2) «أنّه إذا أجاز عقدا على المبيع (3) صحّ (4) و ما بعده، و في الثمن ينعكس (5)» «1» فإنّ (6) العقود المترتّبة على المبيع لا يكون إلّا من أشخاص متعدّدة (7).

______________________________

(1) أي: و لعلّ كون إجازة العقد الوسط من العقود المتعددة الصادرة من أشخاص فسخا لما قبله و إجازة لما بعده، و كون الإجازة مع وقوع العقود من شخص واحد إجازة لما قبله و فسخا لما بعده- عكس الأوّل- مراد صاحبي الإيضاح و الدروس من عبارتهما المحكية في حكم ترتب العقود.

(2) بيان للعبارة المحكية عن الإيضاح و الدروس، يعني: أنّ العبارة المحكية هي هذه.

(3) و هو مال المجيز كالعبد في المثال المذكور في المتن، و المجيز هو المالك.

(4) لأنّ خروج المبيع عن ملك المالك بسبب إجازته العقد الوسط يوجب صحة كل عقد يقع عليه.

(5) و العكس هو صحة العقد المجاز و ما قبله، و بطلان ما بعده.

(6) هذا الكلام من المصنف، و هو تعليل لقوله: «و لعل هذا هو المراد» و تأييد لما احتمله من مرادهما.

(7) مثل ما تقدّم من بيع العبد بفرس، ثم بيع المشتري له بكتاب، ثم بيعه بدينار، فإنّ صحة العقود الواقعة بعد العقد المجاز مترتّبة على خروج العبد عن ملك مالكه بسبب إجازة العقد الوسط، و هو بيع العبد بالكتاب، فلا بدّ من الالتزام بصحّة ما بعد العقد المجاز من العقود، لصيرورة مالك العبد أجنبيّا عن العبد مع فرض خروجه عن ملكه، فيصحّ كلّ عقد يجري عليه بعد العقد المجاز.

بخلاف العقود السابقة على العقد المجاز، فإنّ إجازة بيع العبد بالكتاب تكشف عن

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 418، الدروس الشرعية، ج 3، ص 193، و الحاكي عنهما المحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 4، ص 70، و السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 191، و غيرهما.

ص: 416

و أمّا العقود المترتّبة على الثمن فليس مرادهما (1) أن يعقد على الثمن الشخصيّ مرارا (2)، لأنّ (3) حكم ذلك (4) حكم العقود المترتّبة على المبيع، على ما سمعت سابقا من (5) قولنا: «أمّا الواقعة على هذا البدل المجاز» إلى آخره (6). بل (7) مرادهما ترامي

______________________________

رضاه بمبادلة عبده بالكتاب، و عدم رضاه بمبادلته بالفرس، فالعبد باق على ملكه حتى يصحّ له إجازة بيعه بالكتاب.

(1) أي: مراد الإيضاح و الدروس، و حاصله: أنّ الثمن ليس كالمثمن في جريان العقود العديدة على الثمن الشخصي كجريانه على المثمن الشخصي- كالعبد الواقع مثمنا في العقود الثلاثة من بيعه تارة بالفرس، و اخرى بالكتاب، و ثالثة بالدينار- حتى تبطل العقود السابقة، و تصح العقود اللاحقة، كصحة العقود اللاحقة الجارية على المثمن. بل المراد وقوع بيوع متعددة على أثمان عديدة متغايرة، كبيع الفضولي عبد المالك بفرس، ثم بيع الفرس بدرهم، ثم بيع الدرهم برغيف، ثم بيع الرغيف بعسل.

(2) كأن يبيع المشتري الرغيف الذي هو ثمن الدرهم بعسل من زيد، ثم يبيع زيد الرغيف من عمرو باللّبن، ثم يبيع عمرو الرغيف من بكر بدبس، فإنّه قد مرّ آنفا: أنّ حكم البيوع الواقعة على الثمن الشخصي حكم العقود المترتبة الواقعة على المبيع، كالعبد الذي وقع عليه بيوع ثلاثة من بيعه تارة بالفرس، و اخرى بالكتاب، و ثالثة بالدينار.

(3) تعليل لقوله: «فليس مرادهما» يعني: ليس مرادهما من قولهما: «و في الثمن ينعكس» وقوع بيوع على ثمن شخصي، لأنّ حكم ذلك حكم العقود الواقعة على المبيع الشخصي، و هو صحة العقود اللّاحقة على العقد المجاز، و بطلان السابقة عليه، مع أنّهما حكما بصحة السابقة و بطلان اللاحقة، فلا بدّ أن يريدا ترامي الأثمان.

(4) أي: حكم وقوع العقود على الثمن الشخصي مرارا حكم العقود الواقعة على المبيع الشخصي. و هو بطلان العقود السابقة على العقد المجاز، و صحة اللاحقة له.

(5) بيان للموصول في قوله: «ما سمعت».

(6) قد تقدم ذلك في (ص 414).

(7) إضراب على قوله: «فليس مرادهما» و قد عرفت المراد بترامي الأثمان بقولنا:

«بل المراد وقوع بيوع متعددة على أثمان عديدة .. إلخ».

ص: 417

الأثمان في العقود، كما صرّح بذلك (1) المحقّق و الشهيد الثانيان «1».

و قد علم من ذلك (2) أنّ مرادنا بما ذكرنا في المقسم (3)- من العقد المجاز على عوض مال الغير (4)- ليس (5) العوض الشخصي الأوّل (6) له (7)، بل العوض و لو بواسطة (8).

______________________________

و الحاصل: أنّه ليس مراد الإيضاح و الدروس بقولهما: «و في الثمن ينعكس» هو العقود الواقعة على الثمن الشخصي، لأنّ حكمها حينئذ صحة العقود اللاحقة و بطلان السابقة، لا صحة السابقة و بطلان اللاحقة، كما هو مرادهما بقولهما: «و في الثمن ينعكس».

(1) أي: بكون مراد فخر المحققين و الشهيد من العقود المترتبة على الثمن هو ترامي الأثمان في العقود المتعددة، لا وقوع العقود على الثمن الشخصي مرارا.

(2) أي: ممّا ذكرناه في توضيح كلام صاحبي الإيضاح و الدروس- من أنّ مرادهما من العقود المترتبة على الثمن هو ترامي الأثمان، لا العقود الواقعة على الثمن الشخصي مرارا- علم أنّ مرادنا بما ذكرناه في المقسم- و هو قوله في (ص 399): «المجاز إمّا العقد الواقع على نفس مال الغير، و إما العقد الواقع على عوضه .. إلخ»- هو العوض مطلقا و إن كان مع الواسطة، فإنّه قد علم من الأمثلة التي ذكرها المصنف قدّس سرّه أنّ المراد بعوض مال الغير أعمّ من العوض الشخصي، فيشمل العوض مطلقا سواء أ كان بلا واسطة كالفرس الذي هو عوض العبد الذي هو مال الغير، أم مع الواسطة كالرغيف و الدرهم و العسل و الحمار، فإنّها أبدال طوليّة للعبد، و أعواض مع الواسطة له.

(3) قد مرّ آنفا المراد بالمقسم.

(4) كالعبد الذي بيع فضولا.

(5) خبر قوله: «ان مرادنا»، و الجملة في محل رفع نائب فاعل ل «علم».

(6) كالفرس الذي هو العوض الشخصي الأوّل عن العبد.

(7) أي: لمال الغير.

(8) كما مرّ في الأمثلة المتقدمة، فإنّ العوض- في كل بيع- يقع معوّضا في بيعه

______________________________

(1) لاحظ: جامع المقاصد، ج 4، ص 70، مسالك الأفهام، ج 3، ص 159، الروضة البهية، ج 3، ص 233

ص: 418

[إشكال جواز تتبع العقود لو علم المشتري بالغصب]
اشارة

ثمّ إنّ هنا (1) إشكالا في شمول الحكم بجواز تتبّع العقود

______________________________

الآخر، كما إذا باع الفضول عبد الغير بفرس، ثم باع الفرس بدرهم، ثم باع الدرهم برغيف، ثم باع الرغيف بعسل.

هذا تمام الكلام في حكم إجازة بعض العقود المترتبة بناء على كلّ من الكشف و النقل، و سيأتي التعرض لإشكال يختص بما إذا علم المشتري بغصبية المبيع.

إشكال جواز تتبع العقود لو علم المشتري بالغصب

(1) أي: إنّ في جواز إجازة المالك أيّ عقد من العقود- الجارية على عين ماله أو على عوضه- إشكالا في صورة علم المشتري بغصبية المبيع، نبّه عليه العلّامة، و أوضحه فخر الدين و قطب الدين الرازي و الشهيد قدّس سرّهم، و قد تقدم الإشارة إليه في ثالثة مسائل بيع الفضولي، فراجع «1». و ناسب التعرض له هنا أيضا.

و كيف كان فمحصل الاشكال: أنّه يلزم أن يكون البيع المجاز بيعا بلا ثمن، و بطلانه واضح. و منشأ هذا المحذور ما ذهب إليه الفقهاء من عدم ضمان البائع- الغاصب- للثمن الذي يأخذه من المشتري بإزاء المبيع المغصوب، مع فرض علم المشتري بغصبية المبيع، إذ لا يتحقق حينئذ مفهوم المعاوضة التي حقيقتها كون كلّ من المالين بإزاء الآخر، لفرض أنّه لا يكون بإزاء المبيع مال، لكون التسليط على الثمن مع العلم بغصبية المبيع مجانيا، فالضمان المعاوضي المقوّم للبيع مفقود هنا، فإجازته كالعدم، لكونها إجازة لبيع بلا ثمن، و من المعلوم أنّه ليس بيعا.

فصورة علم المشتري بغصبية المبيع للبائع الفضول خارجة موضوعا عن مسألة تتبع العقود، و إجازة المالك لأيّ عقد شاء من العقود الجارية على عين ماله أو بدله.

و بعد صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب بسبب تسليط المشتري، فإذا اشترى الغاصب لنفسه سلعة بالثمن المزبور صارت السلعة ملكا له، فلا يكون البيع الأوّل و لا هذا الشراء- و كذا العقود اللاحقة الواقعة على هذه السلعة- مرتبطين بالمالك الأوّل حتى يكون له الإجازة و التتبّع.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 606- 610

ص: 419

لصورة (1) علم المشتري بالغصب أشار إليه العلّامة رحمه اللّه في القواعد (2)، و أوضحه قطب الدين و الشهيد في الحواشي المنسوبة [1] إليه.

______________________________

أمّا البيع الأوّل فلكونه بيعا بلا ثمن، لعدم دخول الثمن في ملك مالك المبيع.

و أمّا البيع الثاني فلوقوعه لنفس الغاصب، بعد صيرورة الثمن بسبب التسليط ملكا له، فيقع البيع له. و كذا ما بعده من البيوع الواقعة على ذلك الثمن المغصوب.

و أمّا الواقعة على عين المال لأشخاص بأثمان اخرى- غير ذلك الثمن المدفوع إلى البائع الغاصب- فللمالك إجازة أيّ واحد من تلك العقود الجارية على المثمن، لعدم خروجه عن ملك مالكه، فله أن يجيز أيّ عقد شاء من العقود الجارية على عين ماله أو عوضه.

و على هذا فجعل الإشكال في الإجازة و في تتبع العقود من الخروج الموضوعي أولى من جعله من الخروج الحكمي.

(1) متعلق ب «شمول» و المراد بالحكم هو جواز إجازة المالك العقود الواقعة على ماله أو بدله.

(2) قال في شروط المتعاقدين: «و للمالك تتبّع العقود و رعاية مصلحته، و مع علم المشتري إشكال» «1»، يعني: و مع علم المشتري بغصبيّة المبيع فضولا إشكال في إجازة المالك الأصيل العقد الواقع على نفس ماله، و تتبع العقود الواقعة على ماله أو عوضه.

______________________________

[1] هذه الكلمة توهم عدم الجزم بانتساب كتاب «حواشي الشهيد على قواعد العلّامة» إليه. مع أن الحاشية المنقولة في المتن نسبها السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه إلى الشهيد، فقال: «و قال الشهيد في حواشيه ..». و الظاهر أن منشأ الشبهة كلام صاحب الرياض على ما حكاه عنه في الذريعة و ارتضاه، حيث قال: «و قال صاحب الرياض: الحق أنّها بعينها الحواشي النجارية التي دوّنها الشيخ جمال الدين أحمد بن النجار تلميذ الشهيد. أقول:

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 19

ص: 420

فقال الأوّل (1) فيما حكي عنه: «إنّ وجه الإشكال (2) أنّ المشتري مع العلم (3) يكون مسلّطا للبائع الغاصب على الثمن، و لذا (4) لو تلف لم يكن له الرجوع. و لو بقي (5)

______________________________

(1) و هو قطب الدين محمّد بن محمّد البويهي، من تلامذة العلّامة قدّس سرّهما و تسمّى حاشيته «الحواشي القطبيّة» كما أفاده في الذريعة «1». و الحاكي لكلامه هو السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه.

(2) قد مرّ آنفا توضيح الاشكال، و أنّ مناطه هو تسليط المشتري العالم بغصبية المبيع البائع الغاصب على الثمن. و قوله: «إن المشتري .. إلخ» بيان لأوّل وجهي الإشكال.

(3) أي: مع علم المشتري بغصبية المبيع، و قوله: «على الثمن» متعلق ب «مسلّطا».

(4) أي: و لأجل تسليط المشتري- العالم بغصبية المبيع- البائع الغاصب على الثمن، لو تلف الثمن عند البائع الغاصب فليس للمشتري مطالبة بدله. و هذا يكشف عن خروج الثمن عن ملك المشتري، و دخوله في ملك الغاصب بسبب التسليط المجّاني. فتأمّل، إذ مع فرض بقائه على ملكه يكون عدم جواز الرجوع إلى بدله منافيا لقاعدتي السلطنة و ضمان اليد العادية.

(5) يعني: و لو بقي الثمن- و لم يتلف في يد الغاصب- ففيه الوجهان، من حيث نفوذ الإجازة و عدمه.

______________________________

و يظهر حقيقته بتطبيق ما في النسخة المذكورة مع المطبوع من النجارية، كما ذكرنا» «2». لكن الموجود في غير موضع من رياض العلماء نسبة الحواشي النجارية إلى الشهيد، كقوله:

«و منها الحواشي النجارية، و الحقّ أنّها بعينها حاشية الشهيد الأوّل» «3». و قوله: «و له أي و للشهيد أيضا حواشي القواعد إلى آخر الكتاب، سمّاها حواشي النجارية ..» «4».

______________________________

(1) الذريعة الى تصانيف الشيعة، ج 6، ص 172

(2) نفس المصدر

(3) رياض العلماء، ج 1، ص 387 و ج 6، ص 36

(4) المصدر، ج 5، ص 187

ص: 421

ففيه الوجهان (1) [1]، فلا ينفذ (2) فيه إجازة المجيز بعد تلفه بفعل (3) المسلّط بدفعه ثمنا

______________________________

(1) من كون عين المال موجودا، فله المطالبة. و من أنّ الإعراض الحاصل بالتسليط يوجب الخروج عن الملك، فيتملكه الغاصب بالقبض، فليس للمشتري الرجوع بها على الغاصب.

و يمكن أن يكون بناء الوجهين على أنّ التسليط تمليك للغاصب، فليس للمشتري العالم بغصبية المبيع الرجوع إلى الغاصب إلّا من باب الهبة إن لم تكن من ذي الرحم، أو إذن في الإتلاف، فعلى الأوّل ليس له الرجوع، و على الثاني له الرجوع.

(2) يعني: فلا ينفذ في بيع الغاصب مال الغير إجازة المالك الأصيل بعد تلف الثمن. و هذا متفرّع على ما أفاده قطب الدين رحمه اللّه من تسليط المشتري- العالم بغصبية المبيع- البائع الغاصب على الثمن.

توضيحه: أنّ الثمن بسبب التسليط صار ملكا للفضولي الغاصب، و لم يدخل في ملك مالك المبيع المغصوب، فلم يتحقق مفهوم البيع المتقوّم بالمبادلة بين المالين، فلا موضوع للإجازة، ضرورة أنّ مرجعها إلى إجازة البيع بلا ثمن، و لذا يصير المال الذي يشتريه الغاصب- بذلك الثمن- ملكا له، كما صار الثمن ملكا له بالتسليط.

(3) الباء للسببية، و متعلق ب «ينفذ» يعني: لا تنفذ الإجازة في هذا البيع بسبب فعل المسلّط، و هو البائع الغاصب، و المقصود بفعله هو دفع الثمن- الذي أخذه من المشتري- إلى بائع مبيع اشتراه لنفسه. فتلف الثمن إنّما حصل بدفعه عن سلعة اشتراها الغاصب من بائعها. و هذا التلف ناش عن تسليط المشتري الذي هو السبب حقيقة لعدم نفوذ إجازة

______________________________

[1] الظاهر كون اللام للتعريف الذكري، لكن لم يذكر الوجهان قبل العبارة المحكيّة في المتن، و لا يحضرني حاشية قطب الدين على القواعد حتى أراجعه.

و كيف كان فالحقّ جواز الرجوع مع بقاء العين، لأنّ التسليط المجّاني على تقديره إمّا هبة، و إمّا إباحة مالكية. و على التقديرين يجوز الرجوع إلّا في هبة ذي الرّحم.

لكن الحق انتفاء كليهما، إذ ليس هناك إنشاء جديد حتى يقال: إنّه هبة أو إباحة، بل التسليط ليس إلّا وفاء للثمن. و منه يظهر جواز إجازة مالك المبيع المغصوب، و اشتغال ذمة المشتري له بالثمن.

ص: 422

عن مبيع اشتراه (1). و من (2) أنّ الثمن عوض عن العين المملوكة، و لم يمنع (3) من نفوذ الملك فيه إلّا عدم صدوره (4) عن المالك، فإذا أجاز (5) جرى [1]

______________________________

المالك الأصيل، لصيرورة البيع بلا ثمن، و هو غير قابل للإجازة كما مرّ آنفا.

(1) أي: عن مبيع اشتراه الغاصب لنفسه.

(2) هذا ثاني وجهي الإشكال المثبت لنفوذ الإجازة، مع علم المشتري بغصبيّة المبيع فضولا. و الظاهر زيادة كلمة «من» و حق العبارة أن تكون «و أنّ الثمن» حتى يعطف «ان الثمن» على «ان المشتري» فكأنه قال: «إن وجه الاشكال: أنّ المشتري مع العلم .. إلخ. و أنّ الثمن عوض».

و كيف كان فملخّص هذا الوجه: أنّ المانع عن تملك المالك الأصيل للثمن الذي دفعه المشتري إلى البائع الغاصب- عوضا عن العين المملوكة للغير- ليس إلّا عدم صدور البيع عن المالك، فإذا أجاز كانت الإجازة بمنزلة صدور العقد منه، فيملك الثمن بلا مانع. كما يملك المشتري المبيع كذلك، فلا يلزم كون البيع بلا ثمن حتى لا يكون موضوعا للإجازة.

و بالجملة: قد جعل الثمن قبل دفعه إلى الغاصب البائع ثمنا للمبيع المغصوب، و عدم اتصافه بالثمنية كان لأجل عدم صدور البيع من المالك. فإذا أجاز كانت إجازته بمنزلة صدور البيع عنه، فيتصف حينئذ بالثمنية و العوضية.

(3) يعني: و لم يمنع شي ء من نفوذ الملك في الثمن، سوى عدم صدور البيع من المالك.

(4) الضمير راجع إلى «العقد» المستفاد من العبارة.

(5) يعني: إذا أجاز مالك المبيع المغصوب- الذي باعه الفضول- جرى مجرى البيع الصادر عن المالك.

______________________________

[1] هذا بناء على كاشفية الإجازة، حيث إنّ الإجازة تكشف عن صحة العقد قبل تسليط المشتري، و عدم ملكية الثمن للبائع الغاصب، و عن انتقال المبيع إلى المشتري قبل دفع الثمن إلى البائع الغاصب. و أمّا بناء على ناقليتها فليست الإجازة نافذة، لصدورها بعد دخول الثمن في ملك البائع بالتسليط، فلا يجري عقد الفضولي حينئذ بسبب الإجازة مجرى العقد الصادر من المالك.

ص: 423

مجرى الصادر عنه» انتهى «1» [1].

______________________________

[1] لا يخفى أن قطب الدين الرازي قدّس سرّه لم يرجّح أحد طرفي الاشكال. و وجه عدم صحة الإجازة- و هو عدم انتقال الثمن إلى مالك المبيع فضولا لأجل تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن- مشترك بين الفخر و الشهيد قدّس سرّهما، إذ كلاهما قائل بعدم المقتضي للإجازة، حيث إنّ المقتضي و هو البيع مفقود هنا، لتقومه بتبادل المالين المنفي في المقام، بعد فرض انتقال الثمن إلى البائع الغاصب، و عدم انتقاله إلى المالك الأصيل.

و لازم بطلان إجازة العقد الأوّل بطلان إجازة الثاني، ضرورة أنّه وقع على مال الغاصب، إذ المفروض وقوع البيع على الثمن الذي صار ملكا له بتسليط المشتري. و من المعلوم أنّ صحة الإجازة من المالك منوطة بكون المجيز مسلّطا شرعا على الإجازة، بأن يكون مالكا لأحد العوضين، أو وكيلا عنه، أو وليّا عليه، أو مأذونا من قبله.

و الحاصل: أنّ البيع الثاني و إن كان مشتملا على عوضين و أجنبيا عن البيع بلا ثمن، لكنّهما ليسا من المالك الأصيل، فلو أجازه وقعت إجازته على غير ماله، و هي غير نافذة.

بخلاف البيع الأوّل، فإنّه لا ثمن فيه، فليس بيعا حقيقة حتى يقبل الإجازة، هذا.

لكن الحق صحة إجازة البيع الأوّل من مالك المبيع المغصوب، بداهة أنّ المشتري لا ينشئ تمليكا جديدا للثمن للبائع الغاصب، بل تسليطه الغاصب على الثمن يكون بعنوان الوفاء، إذ من المعلوم أنّه لا يدفع الثمن إلّا عوضا عن المبيع، و لذا لم يدفع إليه المال في غير مقام المعاملة. غاية الأمر أنّه يعلم بأنّ البائع لا يدفع الثمن إلى مالكه و هو المغصوب منه، و يتصرف فيه عدوانا، كتصرفه في نفس المبيع، و هذا العلم لا يضرّ بقصد البيع و المبادلة، فلا مانع من إجازة المالك، إذ لا يلزم محذور البيع بلا ثمن. كما أنّه لا مانع من إجازة البيع الثاني و الثالث و الرابع الجارية على الثمن أو المثمن.

تنبيه: لا يخفى أنّ مورد الاشكال هو الثمن الشخصي لا الكلي، لأنّ المبذول للغاصب ليس هو الثمن الذي وقع عليه العقد حتى تكون العقود الواردة عليه واقعة على الثمن كي تندرج هي تحت عنوان تتبع العقود الجارية على الثمن. لكنّك قد عرفت عدم مملّكية التسليط، و صحة إجازة مالك المبيع العقد الأوّل و غيره من العقود الواقعة على المبيع أو الثمن.

______________________________

(1) حكاه السيد العاملي عنه في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 192

ص: 424

و قال (1) في محكيّ الحواشي: «إنّ المشتري مع علمه (2) بالغصب يكون مسلّطا للبائع الغاصب على الثمن، فلا يدخل (3) في ملك ربّ العين [1].

______________________________

(1) يعني: و قال الشهيد الأوّل في محكيّ الحواشي المنسوبة إليه على قواعد العلّامة قدّس سرّه. و ملخص ما أفاده: صيرورة بيع الفضول الغاصب للمبيع- مع علم المشتري بالغصب- بيعا بلا ثمن، حيث إنّ تسليطه البائع الغاصب على الثمن مانع عن دخول الثمن في ملك مالك المبيع المغصوب، حتى يتحقق التبادل بين المالين الذي يتقوّم به البيع. فالمتاع الذي يشتري به الغاصب يكون ملكا له، لصيرورة ثمنه ملكا له.

و الشاهد على مملكية التسليط برهانان إنّيّان:

أحدهما: حكمهم بعدم جواز استرداد الثمن من الغاصب إذا رجع المالك على المشتري بالمبيع، و هذا دليل على ملكية الثمن للبائع الغاصب.

ثانيهما: حكمهم بعدم جواز الرجوع إلى البدل إذا أتلفه الغاصب، إذ لو كان ملكا للمشتري كان إتلافه موجبا للضمان [2].

(2) أي: علم المشتري بغصبيّة المبيع للبائع الفضول.

(3) يعني: فلا يدخل الثمن مع هذا التسليط في ملك ربّ العين، و هو مالك المبيع المغصوب.

______________________________

[1] هذه العبارة ظاهرة في كون الإجازة ناقلة، إذ مع الكاشفية يؤثر عقد الفضول من حينه، و يدخل الثمن في ملك مالك المبيع المغصوب قبل تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن، فيجوز للمالك إجازة البيع الأوّل من دون لزوم كونه بيعا بلا ثمن.

[2] لكن فيهما ما لا يخفى إذ في الأوّل: أنّ التسليط ليس من الأسباب الناقلة، إلّا إذا كان هبة. و حينئذ يجوز الرجوع فيه مع بقائه.

و في الثاني: أنّ عدم الضمان ليس لازما مساويا لمالكية الغاصب للثمن، بل أعمّ منه.

فعدم الضمان لا يدلّ على كون الثمن ملكا للغاصب، بل عدم الضمان إنّما هو لأجل إذن المشتري في التصرّف فيه و لو بإتلافه، أو لأجل العقوبة، لأنّه عاوض ماله بحرام، فليس له الرجوع إلى بدله إذا أتلفه الغاصب.

ص: 425

فحينئذ (1) إذا اشترى به البائع متاعا فقد اشتراه لنفسه (2)، و أتلفه عند الدفع إلى البائع (3)، فتتحقق (4) ملكيّته (5) للمبيع. فلا (6) يتصوّر نفوذ الإجازة هنا (7)،

______________________________

(1) أي: فحين تسليط المشتري العالم بالغصب البائع الغاصب على الثمن كدينار مثلا- الموجب لعدم دخول الثمن في ملك مالك المبيع المغصوب- يترتّب عليه: أنّه إذا اشترى البائع الغاصب بهذا الثمن متاعا كما إذا اشترى به ثوبا، فقد اشتراه لنفسه، لصيرورة الثمن ملكا له إمّا للتسليط المجاني بناء على ملكيته، و إمّا للبناء على جواز جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك في المعاطاة، فيصير الثوب الذي اشتراه البائع الغاصب ملكا له، كما يصير الدينار ملكا لبائع الثوب.

(2) لأنّه اشتراه بالثمن الذي صار ملكا له بالتسليط المزبور. و على هذا فمالك المبيع المغصوب- الذي بيع فضولا- أجنبي عن الثوب و الثمن الذي اشترى به الفضولي ثوبه.

(3) أي: بائع ذلك المتاع، و هو الثوب في المثال.

(4) هذه نتيجة ملكية الثمن للبائع الغاصب بسبب تسليط المشتري، يعني: فيتحقق مالكية البائع الغاصب للمبيع، و هو الثوب الذي اشتراه لنفسه بالثمن المزبور.

(5) كذا في نسخ الكتاب، و في مفتاح الكرامة «ملكه للمبيع» و الأولى أن يقال:

«مالكيته» أو «ملكية المبيع للبائع الغاصب».

(6) هذا متفرّع على قوله: «فلا يدخل في ملك ربّ العين» يعني: أنّه لا يتصور نفوذ إجازة مالك المبيع المغصوب في بيع الغاصب، لأنّ المفروض صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب، دون المالك المغصوب منه حتى يكون عوضا عن المبيع المغصوب، فيصير بيعه بلا ثمن، و هو ليس بيعا لا شرعا و لا عرفا. فإجازته لا تنفذ، لعدم موضوع لها، فبيع الفضول المال المغصوب ليس قابلا للإجازة، لأنّه صورة بيع، و ليس بيعا حقيقة، لكونه بلا ثمن.

(7) أي: في العقد الثاني، و هو اشتراء البائع متاعا بالثمن المذكور، فلا تنفذ إجازة مالك المبيع المغصوب في البيع الثاني، لصيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب، و عدم دخوله في ملك المالك الأصيل حتى تنفذ إجازته، بل يكون أجنبيا عن الثمن و المتاع الذي اشتراه به الغاصب.

ص: 426

لصيرورته (1) ملكا للبائع، و إن أمكن إجازة المبيع (2). مع احتمال عدم نفوذها (3) أيضا، لأنّ (4) ما دفعه إلى الغاصب كالمأذون له في إتلافه، فلا يكون (5) ثمنا، فلا تؤثّر (6) الإجازة في جعله ثمنا.

______________________________

(1) تعليل لعدم تصور نفوذ الإجازة هنا، و محصّله: أنّ صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب- و عدم انتقاله إلى المالك المغصوب منه حتى يصحّ منه إجازة العقد الثاني- توجب كون المالك الأصيل أجنبيا عن البيع، فلو أجازه لم تنفذ فيه.

(2) هذا راجع إلى البيع الأوّل، يعني: و إن احتمل نفوذ إجازة المبيع المغصوب الذي باعه الفضولي، نظرا إلى ما ذكره قطب الدين في (ص 423) بقوله: «و من أنّ الثمن عوض عن العين المملوكة». و المانع عن دخول الثمن في ملكه عدم صدور العقد من المالك، فإذا أجاز جرت إجازته مجرى صدور العقد من المالك.

(3) أي: عدم نفوذ الإجازة- كما هو أحد وجهي الإشكال الذي ذكره قطب الدين في كلامه- فإنّه محتمل، كاحتمال نفوذها.

و حاصل وجه عدم النفوذ: أنّ الثمن الذي دفعه المشتري العالم بالغصب إلى البائع الغاصب يكون كالمال الذي أذن مالكه لمن قبضه في إتلافه. و القابض أيضا أتلفه بدفعه إلى من اشترى ثوبا منه، و جعله ثمنا له. فلم يبق شي ء حتى يكون ثمنا للمبيع المغصوب الذي باعه الفضولي، فإجازة المالك الأصيل لا تؤثّر في جعل هذا المال التالف ثمنا لذلك المبيع المغصوب، فيصير بيع الفضول بيعا بلا ثمن، و غير قابل للإجازة.

(4) تعليل لاحتمال عدم نفوذ الإجازة، و قد مرّ توضيحه بقولنا: «و حاصل وجه عدم النفوذ».

(5) أي: فلان يكون ما دفعه ثمنا. و قوله: «كالمأذون» خبر «لأنّ».

(6) هذه نتيجة عدم صيرورته ثمنا بالإجازة، إذ الإذن في إتلافه- المفروض حصوله- يسقطه عن قابلية العوضية عن المبيع المغصوب، فليس في البين تسليط تمليكي، بل تسليط على ماله و إذن له في إتلافه، مع بقاء إضافة ملكيته له حين إتلافه، بمعنى ورود الإتلاف على ماله.

ص: 427

فصار (1) الإشكال في صحّة البيع (2) و في التتبّع (3)».

ثمّ قال (4): «إنّه يلزم من القول ببطلان التتبّع (5)

______________________________

(1) هذا متفرّع على عدم صيرورة الثمن ملكا لمالك المبيع المغصوب، يعني: فصار الإشكال في نفوذ الإجازة في البيع الأوّل، و هو بيع العبد بالفرس في مثال المصنف قدّس سرّه.

و في التتبع، و هو اشتراء البائع الغاصب فراشا مثلا بالفرس.

و وجه الإشكال في البيع الأوّل- و هو بيع العبد بالفرس- أنّه بيع بلا ثمن، إذ المفروض عدم صيرورة الثمن المبذول و هو الفرس ملكا لمالك العبد، فيكون بيع العبد بالفرس بيعا بلا ثمن، و هو غير قابل للإجازة، لعدم كونه بيعا حقيقة.

و في البيع الثاني- و هو اشتراء البائع الغاصب فراشا بالفرس- أنّ مالك العبد أجنبي عن بيع الفرس بالفراش، إذ المفروض كون الفرس ملكا للغاصب الذي اشترى به الفراش، فصار الفراش ملكا له. فمالك العبد أجنبي عن هذا البيع الثاني ثمنا و مثمنا، فلا موضوع لإجازته. فلا تنفذ الإجازة في شي ء من هذين العقدين، فهما باطلان بالنسبة إلى المالك، و ليسا قابلين لإجازته.

(2) أي: البيع الأوّل، و هو بيع الغاصب العبد بالفرس، فإنّه أوّل عقد وقع على مال المجيز.

(3) و هو بيع الفرس بالفراش، و ما بعده من العقود الواقعة عليه، لأنّها أجنبيّة عن مالك العبد عوضا و معوّضا، فليس له إجازة شي ء منها. فالتتبع- و هو إجازة أيّ عقد من العقود الواقعة على مال المجيز أو عوضه- غير جار هنا.

(4) أي: قال الشهيد الأوّل في الحواشي المنسوبة إليه على القواعد.

(5) أي: عدم نفوذ إجازة مالك العبد العقد الثاني، و هو بيع الفرس بالفراش، فإنّ لازم بطلان التتبع- لأجل أجنبية مالك العبد عن بيع الفرس بالفراش- بطلان بيع العبد بالفرس، إذ المفروض صيرورة الفرس بسبب التسليط المجاني ملكا للبائع الغاصب، فيكون بيع العبد بالفرس بيعا بلا ثمن، و هو ليس قابلا للإجازة.

فيصح أن يقال: إنّ الإشكال في صحة البيع الأوّل في نفسه مع الغض عن كونه من لوازم بطلان التتبع، إذ لو لم يقع البيع الثاني كان البيع الأوّل باطلا أيضا، لأنّ منشأ بطلانه خلوّه عن الثمن، و هو معلول التسليط المجاني على الثمن، لا وقوع البيع الثاني.

ص: 428

بطلان إجازة البيع (1) في المبيع، لاستحالة (2) كون المبيع بلا ثمن. فإذا قيل: إنّ الإشكال في صحّة العقد (3) كان (4) صحيحا أيضا» (5) انتهى «1».

و اقتصر في جامع المقاصد على ما ذكره الشهيد رحمه اللّه أخيرا (6) في وجه سراية

______________________________

(1) و هو البيع الأوّل الذي مبيعه العبد، و معنى بطلان الإجازة عدم نفوذها، لعدم قابلية البيع بلا ثمن لها.

(2) تعليل لبطلان إجازة البيع الأوّل، و هو واضح.

(3) يعني: صحة العقد الأوّل في نفسه. و قوله: «فإذا قيل ان الاشكال» متفرع على «لاستحالة».

(4) جواب الشرط في «فإذا قيل» و اسم «كان» هو القول المستفاد من الشرط.

(5) يعني: كما يصح أن يقال: إنّ لازم بطلان القول ببطلان التتبع بطلان إجازة البيع الأوّل.

(6) و هو قوله في (ص 427): «لأنّ ما دفعه إلى الغاصب كالمأذون له في إتلافه، فلا يكون ثمنا، فلا تؤثر الإجازة .. إلخ».

ثم إنّ عبارة المتن ظاهرة في أنّ المحقق الثاني قدّس سرّه اقتصر في بيان وجه الإشكال- المذكور في القواعد عند علم المشتري بالغصب- على التعرض لأحد الوجهين المذكورين في حواشي الشهيد قدّس سرّه، و لم يتعرض للوجه الآخر. يعني: أنّ المذكور في جامع المقاصد هو خصوص ما أفاده الشهيد أخيرا من استلزام بطلان تتبع العقود بطلان إجازة أصل البيع الفضولي مع علم المشتري بالغصب، حيث قال الشهيد: «إنّه يلزم من القول ببطلان التتبع بطلان إجازة البيع في المبيع .. فإذا قيل: إن الاشكال في صحة العقد كان صحيحا».

و قال المحقق الكركي- في شرح قول العلامة: و مع علم المشتري إشكال- ما لفظه: «أمّا مع علمه بالغصب ففي الحكم إشكال، ينشأ من ثبوت المعاوضة في العقد، فله تملكه بالإجازة رعاية لمصلحته. و من انتفائها بحسب الواقع، لأنّ المدفوع ثمنا يملكه الغاصب، لتسليطه إيّاه عليه» و هذان هما الوجهان المتقدمان في كلام الشهيد.

______________________________

(1) يعني: انتهى كلام الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه، و الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 192

ص: 429

هذا الإشكال (1) إلى صحّة عقد الفضوليّ مع علم المشتري بالغصب.

و المحكيّ عن الإيضاح: ابتناء وجه بطلان جواز تتبّع العقود للمالك مع علم المشتري (2) على (3) كون الإجازة ناقلة،

______________________________

ثم قال المحقق الكركي قدّس سرّه: «و الأصح عدم الفرق بين علمه بالغصب و عدمه، لأنّ المعتمد أنّ للمشتري استعادة الثمن مع بقاء عينه، لعدم خروجه عن ملكه إلى الغاصب، لعدم المقتضي .. إلخ» «1».

و هذه العبارة ظاهرة بل صريحة في الحكم بصحة بيع الفضولي في فرض علم المشتري بالغصب. و لم يظهر لنا مراد المصنف من اقتصار المحقق الثاني على بيان سراية إشكال تتبع العقود إلى مطلق علم المشتري بالغصب. و هو أعلم بما قال.

و هذه المسامحة موجودة في مفتاح الكرامة أيضا، لقوله: «و جعل الإشكال في جامع المقاصد في صحة البيع، و ذكر في توجيهه نحو ما ذكره الشهيد» «2».

(1) و هو: أنّه كيف يتصوّر نفوذ إجازة مالك المبيع المغصوب مع علم المشتري بغصبيّته؟ الموجب لعدم دخول الثمن في ملك مالك المبيع.

(2) بكون البائع الفضول غاصبا للمبيع. محصّل ما أفاده في عبارته المحكية في المتن هو: أنّ عدم جواز تتبع العقود لمالك المبيع المغصوب- مع علم المشتري بغصبيته- مبنيّ على مذهب القائلين بناقلية الإجازة، إذ مع كاشفيتها تكون ملكية الثمن لمالك المبيع قبل تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن، لصيرورة الثمن ملكا لمالك المبيع حين العقد الذي أنشأه العاقد الفضولي. و هذا يشعر بتسليمه كون التسليط مملّكا للثمن للغاصب، فله الإجازة، لتحقق المعاوضة التي يتقوم بها البيع، فلا يلزم أن يكون البيع بلا ثمن.

بخلاف البناء على ناقلية الإجازة، فإنّ التسليط على الثمن يكون قبل الإجازة، فيملكه البائع الغاصب قبل الإجازة، فيصير البيع بلا ثمن، و هو غير صالح للإجازة.

و بالجملة: فمنشأ الإشكال في جواز تتبع العقود للمالك و عدمه هو الإشكال في كاشفية الإجازة و ناقليتها.

(3) متعلق ب «ابتناء» و هو خبر قوله: «و المحكيّ».

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 71

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 192

ص: 430

فيكون منشأ الإشكال في الجواز (1) و العدم الإشكال في الكشف و النقل [1].

قال (2) في محكيّ الإيضاح: «إذا كان المشتري جاهلا فللمالك تتبّع العقود

______________________________

(1) أي: الإشكال في جواز تتبع العقود و عدمه للمالك.

(2) يعني: قال فخر المحققين قدّس سرّه. محصّل ما أفاده: أنّه في صورة جهل المشتري بغصبية المبيع يجوز للمالك تتبع العقود الواقعة على ملكه و عوضه، لأنّه مع الجهل بالغصبية لا يسلّط المشتري البائع الغاصب على الثمن حتى لا يدخل في ملك مالك المبيع كي يكون بيعا بلا ثمن، و لا يتحقق مفهوم المعاوضة المقوّمة عرفا و شرعا للبيع. فللمالك حينئذ تتبع العقود في سلسلتي الثمن و المثمن.

و أمّا في صورة علم المشتري بغصبية المبيع، فعلى القول بناقلية الإجازة ليس للمشتري حقّ الرجوع على البائع الغاصب و أخذ الثمن منه إذا رجع المالك على المشتري و أخذ المبيع المغصوب منه، و إن كانت عين الثمن موجودة عند البائع كما ذهب إليه الفقهاء. و ذلك لأنّ الثمن صار ملكا للبائع بتسليط المشتري له على الثمن و تمليكه له مجّانا قبل إجازة المالك الأصيل، و المفروض أنّ الإجازة إمّا سبب أو شرط للنقل و الانتقال، و لم يحصل إلّا بعد صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب بالتسليط، فليس للمالك تتبع العقود، لعدم وقوعها على ملكه. كما أنّه ليس للمشتري الرجوع على البائع و أخذ الثمن منه و إن كان موجودا.

و على القول بكاشفية الإجازة للمالك حقّ تتبع العقود، لأنّ الثمن بنفس العقد صار ملكا لمالك المبيع المغصوب، و الإجازة تكشف عن ملكية الثمن لمالك المبيع قبل تسليط

______________________________

[1] هذا صحيح بناء على كون تسليط الغاصب على الثمن مملكا مجّانيّا، بأن يكون هبة. و أمّا إذا كان التسليط وفاء للثمن لا إنشاء للتمليك الجديد، و لذا لم يسلّط الغاصب في زمان آخر غير زمان هذا البيع، خصوصا بملاحظة ما تقدّم من: أنّ حقيقة البيع هي مبادلة المالين من دون نظر إلى خصوصية المالكين- كان ابتناء بطلان جواز تتبع المالك للعقود كما عن الإيضاح على ناقلية الإجازة- بحيث يكون منشأ الاشكال في الجواز و العدم هو الإشكال في النقل و الكشف- غير ظاهر الوجه.

ص: 431

و رعاية مصلحته، و الربح في (1) سلسلتي الثمن و المثمن.

و أمّا (2) إذا كان عالما بالغصب فعلى قول الأصحاب: من أنّ المشتري إذا رجع (3) عليه بالسلعة لا يرجع على الغاصب بالثمن مع وجود عينه، فيكون (4) قد ملّك الغاصب مجّانا، لأنّه (5) بالتسليم إلى الغاصب ليس للمشتري استعادته من الغاصب بنصّ الأصحاب (6).

______________________________

المشتري البائع الغاصب على الثمن، فللمالك تتبع العقود الواقعة على الثمن، لأنّها وقعت على ملكه.

فالمتحصل: أنّه في صورة علم المشتري بغصبية المبيع يكون جواز تتبع العقود و عدمه مبنيا على كاشفية الإجازة و ناقليتها.

(1) كذا في نسخ الكتاب، و لكنّ الصحيح- كما في الإيضاح و في ما نقله عنه في مفتاح الكرامة- «و الربح له في ..» أي: للمالك. و على تقدير سقوط «له» فلا بد أن يكون الظرف- أعني به في- متعلقا ب «تتبع»، و يمكن تعلقه ب «رعاية» أيضا.

(2) في الإيضاح: «و أما إن كان» و هو معطوف على «إن كان المشتري جاهلا» أي بالغصب.

(3) يعني: إذا رجع مالك المبيع المغصوب على المشتري، و أخذ المبيع منه، لم يرجع المشتري على البائع الغاصب بالثمن، لسبق سبب ملكية الثمن للغاصب على سبب ملكيته للمالك.

ثم إنّه قيل: انّ «رجع» بصيغة المفعول، و «يرجع» بصيغة الفاعل. و إن كان الأوّل بصيغة الفاعل صحيحا أيضا.

________________________________________

(4) العبارة في الإيضاح هكذا: «فيكون قد ملكه الغاصب مجانا» و الأولى أن يقال:

«لأنّه قد ملّك الغاصب مجّانا بالتسليم إليه» لأنّ الفاء في «فيكون» ظاهر في التفريع، مع أنّ الأمر بالعكس، لأنّ تمليك الغاصب علّة لعدم الرجوع، لا معلول له.

(5) الضمير للشأن، و هذا تعليل لتمليك الغاصب، و حاصله: أنّ التسليم إلى الغاصب علّة لملكية الثمن للبائع الغاصب، و عليه فليس للمشتري استرداد الثمن منه.

(6) سقط من عبارة الإيضاح هنا قوله: «فقبله أولى أن لا يكون له، و المالك ..»

و ظاهره الإجماع كما ادعاه والده في المختلف بقوله: «إذا رجع- أي المالك- على المشتري

ص: 432

و المالك (1) قبل الإجازة لم يملك الثمن، لأنّ الحقّ أنّ الإجازة شرط أو سبب (2)، فلو لم يكن (3) للغاصب فيكون (4) الملك بغير مالك، و هو محال (5)، فيكون (6) قد سبق

______________________________

العالم، قال علماؤنا: لم يكن للمشتري الرجوع على الغاصب البائع، لأنّه علم بالغصب، فيكون دافعا للمال بغير عوض. و أطلقوا القول في ذلك. و الوجه عندي التفصيل، و هو:

أنّ الثمن إن كان موجودا قائما بعينه كان للمشتري الرجوع به. و إن كان تالفا فالحق ما قاله علماؤنا» «1».

(1) مبتدء، خبره قوله: «لم يملك» و الغرض منه تأييد مالكية الغاصب للثمن، و حاصله: أنّه لو لم يكن الثمن ملكا للبائع الغاصب يلزم المحال، و هو: كون الملك بلا مالك، توضيحه: أنّ الثمن بعد تسليط البائع عليه خرج عن ملك المسلّط و هو المشتري، و لم يدخل في ملك مالك المبيع، لتوقّف دخوله في ملكه على الإجازة، ضرورة أنّها إمّا شرط لتأثير البيع الفضولي، أو بيع مستقلّ، على الخلاف الذي تقدّم سابقا، فلا بدّ أن يكون مالك الثمن هو الغاصب، و إلّا لزم أن يكون الملك بلا مالك، و هو محال.

(2) كما تقدمت حكاية كاشف الرموز ذلك عن شيخه «2».

(3) يعني: فلو لم يكن الثمن ملكا للغاصب لزم بقاء الملك بلا مالك، و هو محال، لأنّ المالكيّة و المملوكيّة من الأوصاف المتضايفة، فيمتنع انفكاك إحداهما عن الأخرى.

(4) في الإيضاح: «لكان ملكا بلا مالك» و الظاهر اعتماد المصنف على ما في مفتاح الكرامة من قوله: «فيكون ملكا بغير مالك».

(5) لاستحالة انفكاك أحد المتضايفين عن الآخر.

(6) هذه نتيجة دخل الإجازة- سببا أو شرطا- في تأثير العقد، و محصّله: أنّ سبب ملكية الثمن للبائع و هو التسليط لمّا كان قبل سبب ملكية الثمن و هو الإجازة للمالك، فلا محالة يصير الثمن ملكا للغاصب قبل حصول الإجازة، لتقدّم سببه- و هو التسليط- على سبب ملك الثمن للمالك و هو الإجازة.

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 5، ص 55 و 56

(2) راجع الجزء الرابع من هذا الشرح، ص 569

ص: 433

ملك الغاصب للثمن على سبب ملك المالك له (1) أي (2) الإجازة. فإذا (3) نقل الغاصب الثمن عن ملكه لم يكن للمالك (4) إبطاله، و يكون ما يشتري الغاصب بالثمن (5) و ربحه (6) له (7). و ليس للمالك (8) أخذه، لأنّه (9) ملك الغاصب.

و على القول (10) بأنّ إجازة المالك كاشفة،

______________________________

(1) أي: ملك المالك للثمن. و قوله: «على سبب» متعلق ب «سبق ملك».

(2) هذا مفسّر لقوله: «سبب ملك المالك» و هذه الزيادة ليست من عبارة الإيضاح، و إنّما ذكرها السيد العاملي توضيحا لكلام فخر المحققين.

(3) هذه نتيجة ملكية الثمن للغاصب. بعد أن ثبت كون الثمن ملكا للغاصب، فإذا نقل الغاصب الثمن عن ملكه بأن اشترى به ثوبا مثلا، كان ما اشترى به ملكا له، و ليس لمالك المبيع المغصوب إبطاله، لكونه أجنبيا عن الثمن و غير مالك له.

(4) أي: لمالك المبيع المغصوب.

(5) سقط هنا كلمة «له» أي للغاصب.

(6) معطوف على «ما» و الضمير راجع الموصول المراد به المال الذي يشتريه الغاصب بالثمن الذي أخذه من المشتري، كما إذا اشترى به الغاصب غنما، فإنّ ذلك الغنم مع منافعه ملك للغاصب، و ليس شي ء من الغنم و منافعه ملكا لمالك العين المغصوبة.

(7) أي: للغاصب.

(8) أي: ليس لمالك العين المغصوبة أخذ المال الذي اشتراه الغاصب بالثمن الذي قبضه من المشتري.

(9) تعليل لعدم جواز أخذ مالك المبيع المغصوب المتاع الذي اشتراه الغاصب بذلك الثمن، و حاصله: أنّ المتاع المشتري بذلك الثمن ملك للغاصب، فليس لمالك المبيع المغصوب أخذه منه.

هذا كلّه بناء على ناقلية الإجازة الموجبة لتأخر سبب نقل الثمن- إلى مالك العين المغصوبة- عن سبب نقله إلى الغاصب، و صيرورة الثمن ملكا للغاصب بالتسليط الذي هو قبل الإجازة التي هي بعد التسليط.

(10) يعني: و بناء على كاشفية الإجازة إذا أجاز مالك المبيع المغصوب كان الثمن له،

ص: 434

فإذا أجاز العقد (1) كان له (2).

و يحتمل (3) أن يقال: لمالك العين حقّ تعلّق بالثمن، فإنّ (4) له إجازة البيع و أخذ الثمن، و حقّه (5) مقدّم على حقّ الغاصب (6) [1]،

______________________________

لكون سببه- و هو العقد الفضولي- متقدما على التسليط الذي هو سبب ملكية الثمن للغاصب.

(1) العبارة في الإيضاح هكذا «فإذا أجازه كان له».

(2) أي: كان الثمن للمالك، لتقدّم سبب ملكية الثمن له على سبب ملكيته للغاصب كما مرّ آنفا.

(3) الغرض من إبداء هذا الاحتمال هو إثبات جواز الإجازة و تتبع العقود على النقل أيضا، و حاصل هذا الوجه: أنّ نفس العقد يوجب لمالك المبيع المغصوب حقّا متعلّقا بالثمن، و هذا الحقّ مقدّم على حقّ الغاصب، لقيامه بنفس العقد. بخلاف حق الغاصب، فإنّه قائم بالتسليط، و هو متأخر عن العقد. فللمالك إجازة البيع و أخذ الثمن منه.

(4) تعليل لقوله: «لمالك العين حق» و حاصله: أنّ منشأ تعلّق الحق بالثمن هو ثبوت حق إجازة البيع.

(5) يعني: و حقّ المالك- لقيامه بنفس العقد- مقدّم على حق الغاصب الناشئ من التسليط.

(6) و قد حذف أيضا هنا قول الإيضاح: «بدفع المشتري، و لأن الغاصب ..».

______________________________

[1] ثبوت الحق للغاصب مبني على مملكية التسليط، أو كونه موجبا للإذن في تصرف الغاصب في الثمن مطلقا حتى التصرف المتلف له. و قد عرفت أنّ التسليط ليس إنشاء جديدا حتى يقال: إنّه تمليك أو إذن في مطلق التصرف، بل هو وفاء للثمن الذي جعله المشتري عوضا عن المبيع، فلا يتصور حينئذ للغاصب حق بالنسبة إلى الثمن حتى يكون حقّ المالك مقدّما عليه، بل للمالك حقّ الإجازة في بيع الغاصب مطلقا، سواء أ كان المشتري عالما بغصبية البائع أم لا، من دون فرق بينهما أصلا.

ص: 435

لأنّ [1] الغاصب يؤخذ بأخسّ أحواله و أشقّها عليه، و المالك مأخوذ (1) بأجود الأحوال».

ثمّ قال (2): «و الأصحّ عندي- مع وجود عين الثمن- للمشتري العالم (3) أخذه، و مع التلف ليس له الرجوع به» انتهى كلامه رحمه اللّه.

______________________________

(1) عبارة الإيضاح المنقولة في مفتاح الكرامة أيضا هي: «و المالك بأجود أحواله» «1».

(2) أي: قال فخر المحققين بعد أسطر: «و الأصحّ عندي ..» و مختاره موافق لما تقدم عن والده في المختلف. فراجع (ص 433).

(3) أي: العالم بغصبية المبيع، و قوله: «أخذه» خبر «و الأصح»، و ضميره كضمير «به» راجع إلى الثمن.

______________________________

[1] الأولى التعليل بأسبقية سبب ملكية الثمن- و هو العقد- لمالك العين المغصوبة من سبب ملكية الثمن للغاصب، و إلّا فمع فرض تقدم سبب ملكية الثمن للغاصب، على سبب ملكيته للمالك يحكم بملكية الثمن له دون المالك، و لا معنى حينئذ لأخذ الغاصب بأخس أحوالها، إذ ليس البائع حينئذ غاصبا للثمن. و كونه غاصبا للمبيع أجنبي عن الثمن. و أخذ الغاصب بأشقّ الأحوال إنّما هو بعد تحقق الغاصبية له. و الكلام في المقام يكون في حدوثها، فإنّ أخذ الغاصب بأشقّ الأحوال لا يمنع عن تأثير الأسباب الشرعية في حقه، فتمليك المشتري إيّاه الثمن- كتمليكه شيئا آخر من أمواله- في الصحة و النفوذ.

و الحاصل: أنّه بناء على سببية التسليط شرعا للملكية و تقدمه على الإجازة التي هي السبب لملكية الثمن للمالك الأصيل لا بدّ من الحكم بملكية الثمن للغاصب.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 417 و 418، و الحاكي لكلامه هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 192 و 193

ص: 436

و ظاهر كلامه (1) أنّه لا وقع للإشكال على تقدير الكشف.

[التفصيل في ورود الاشكال بين الكشف و النقل]

و هذا (2) هو المتّجه، إذ (3) حينئذ يندفع ما استشكله القطب و الشهيد (4) بأنّ (5)

______________________________

(1) أي: كلام صاحب الإيضاح، و المراد بكلامه قوله: «و على القول بأنّ إجازة المالك كاشفة، فإذا أجاز العقد كان له».

التفصيل في ورود الاشكال بين الكشف و النقل

(2) المشار إليه عدم الاشكال على تقدير الكشف، و هذا هو مختار المصنف أيضا.

(3) تعليل لمختاره، و محصّله: أنّ هذا الوجه يدفع إشكال جواز إجازة المالك مع علم المشتري بغاصبية البائع، لأنّه مع فرض تأثير العقد الفضولي من حينه لا يؤثّر التسليط المتأخر عن العقد في ملكية الثمن للغاصب حتى لا يبقى مورد لإجازة المالك.

(4) المراد بما استشكله القطب هو قوله المتقدم في (ص 421): «فقال الأوّل فيما حكي عنه: أنّ وجه الإشكال .. إلخ». و المراد بما استشكله الشهيد هو قوله في (ص 425): «ان المشتري مع علمه بالغصب .. إلخ».

(5) متعلق ب «يندفع» توضيح هذا الدفع: أنّ تسليط البائع الغاصب على الثمن- بناء على كاشفية الإجازة- تسليط على ملك المالك الأصيل، لأنّه تملّك الثمن بنفس العقد الذي هو سابق على التسليط، و متقدم عليه، فلا أثر حينئذ للتسليط أصلا، فلا مانع من إجازة المالك بلا إشكال.

فإن قلت: سبق تأثير العقد على التسليط مختص بما إذا أنشأ الغاصب البيع بالعقد حتى يستند الملك إليه. فلو كان البيع الفضولي الواقع بين الغاصب و المشتري معاطاتيا لم يكن تسلط الغاصب على الثمن مسبوقا بعقد، بل كان نفس هذا التسليط جزء السبب الناقل، و يتجه حينئذ إشكال القطب و الشهيد من عدم قابلية العقد للإجازة، بناء على ما تقدم من جريان الفضولية في كلّ من البيع القولي و الفعلي.

قلت: قد تقدم في مباحث المعاطاة كفاية إعطاء المبيع و أخذ المشتري له في تحقق عنوان المعاملة الفعلية، و لا يتوقف النقل و الانتقال على التعاطي من الطرفين.

و عليه فالقول بجريان الفضولية في المعاطاة لا يقتضي كون تسليط البائع على الثمن دخيلا في حصول عنوان «البيع»، لحصوله بمجرد تسليم المبيع المغصوب إلى المشتري

ص: 437

تسليط المشتري للبائع (1) على الثمن على تقدير الكشف تسليط على ما ملكه [ملك] الغير (2) بالعقد السابق على التسليط الحاصل بالإقباض. فإذا انكشف ذلك (3) بالإجازة عمل بمقتضاه، و إذا تحقّق الردّ (4) انكشف كون ذلك (5) تسليطا من المشتري على ماله، فليس له (6) أن يستردّه، بناء (7) على ما نقل من الأصحاب.

نعم (8) على القول بالنقل

______________________________

العالم بالغصب.

و حينئذ يتجه الإشكال على القطب و الشهيد قدّس سرّهما من: أنّ الإجازة اللاحقة لمّا كشفت عن تأثير العقد، كان مقتضاه دخول الثمن في ملك المغصوب منه قبل تسلّط البائع الغاصب عليه.

(1) و هو العاقد الفضولي الغاصب، و قوله: «تسليط» خبر قوله: «بأنّ تسليط».

(2) و هو المالك الأصيل، فإنّه قد ملك الثمن بسبب العقد الفضولي المتقدّم على التسليط.

(3) أي: فإذا انكشف صيرورة الثمن ملكا لمالك المبيع بسبب الإجازة عمل بمقتضاه، و هو جواز تتبع العقود الجارية على ماله، و إجازة أيّ واحد شاء منها.

(4) يعني: و إذا تحقق ردّ المالك الأصيل لهذا العقد الفضولي، و ثبت عدم إجازته له، فقد انكشف أنّ تسليط المشتري العالم بالغصب البائع- الفضوليّ الغاصب- على الثمن تسليط على ماله، لا على مال المالك الأصيل.

(5) أي: كون تسليط المشتري العالم بغاصبية البائع على الثمن تسليطا على ماله، لا على مال الغير كما مرّ آنفا. و ضمير «ماله» راجع إلى المشتري.

(6) هذا متفرّع على كون التسليط على مال المشتري، يعني: فليس للمشتري حينئذ استرداد الثمن من البائع الغاصب. و ضمير «يستردّه» راجع الى الثمن.

(7) هذا وجه عدم استرداد الثمن من البائع الغاصب، و حاصله: أنّ بناء الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) على عدم استرداد الثمن من البائع الغاصب في صورة رد المالك الأصيل البيع الفضوليّ مع بقاء الثمن بعينه عند البائع.

(8) استدراك على قوله: «لا وقع للإشكال على تقدير الكشف» و محصّل ما أفاده:

أنّه بناء على ناقليّة الإجازة يقع الإشكال في موردين:

ص: 438

يقع الإشكال (1) في جواز إجازة العقد الواقع على الثمن، لأنّ (2) إجازة مالك المبيع (3) له (4) موقوفة على تملّكه (5) للثمن [1]

______________________________

الأوّل: في إجازة العقد الثاني الواقع على الثمن، كما إذا فرض أنّ الفضوليّ الغاصب باع عبد المالك بفرس، ثم اشترى بالفرس ثوبا، فإنّ بيع الفرس بالثوب عقد ثان وقع على الفرس الذي هو الثمن في البيع الأوّل أعني به بيع العبد.

تقريب الإشكال في إجازة العقد الثاني هو: أنّ جواز إجازة العقد الواقع على الثمن- و هو الفرس الذي جعل ثمن العبد في البيع الأوّل- منوط بكون الثمن ملكا للمجيز، و هو مالك العبد، للزوم كون المجيز مالكا للعوض حين الإجازة، ضرورة عدم نفوذ إجازة الأجنبي. و المفروض أنّ المجيز ليس مالكا للفرس قبل الإجازة التي فرض كونها ناقلة، و لا يملك الثمن إلّا بالإجازة، فتملّك المجيز للثمن- و هو الفرس- موقوف على الإجازة، و الإجازة موقوفة على تملكه للثمن أيضا، و هذا دور، فإشكال جواز إجازة العقد الثاني هو محذور الدور.

(1) و هو إشكال الدور في المورد الأوّل، أي العقد الثاني الواقع على الثمن، و هو الفرس في المثال المذكور. و على هذا فلا يصحّ إجازة العقد الثاني الواقع على الثمن أعني به الفرس.

(2) هذا بيان الإشكال، و قد مرّ تقريبه بقولنا: «تقريب الإشكال في إجازة العقد الثاني هو أنّ جواز اجازة العقد .. إلخ».

(3) و هو المبيع المغصوب الذي بيع فضولا في العقد الأوّل.

(4) أي: للعقد.

(5) أي تملّك مالك المبيع في البيع الأوّل.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الملكية الفعلية للمجيز ليست شرطا لصحة الإجازة، بل الشرط هو كون المجيز قابلا و صالحا لتملّك الثمن و لو بالإجازة، كما نبّه عليه الفقيه المامقاني قدّس سرّه «1».

هذا مضافا إلى منافاة اعتبار التملك الفعلي للثمن في صحة الإجازة لما أفاده من أنّ

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 399

ص: 439

لأنّه (1) قبلها أجنبيّ عنه، و المفروض أنّ تملّكه (2) الثمن موقوف (3) على الإجازة على القول بالنقل.

و كذا الإشكال (4) في إجازة العقد الواقع على المبيع (5) بعد قبض البائع الثمن،

______________________________

(1) أي: لأنّ مالك المبيع قبل الإجازة أجنبي عن الثمن، و هذا تعليل لتوقّف جواز إجازة المالك الأصيل على تملّكه للثمن، و حاصل التعليل: أنّ مالك المبيع في البيع الأوّل- قبل إجازة البيع الثاني- أجنبي عن الثمن، و ليس مالكا له، مع وضوح توقف صحة الإجازة على كون المجيز مالكا للثمن.

(2) أي: تملّك مالك المبيع في العقد الأوّل.

(3) وجه التوقّف: أنّه لا بدّ أن يكون المجيز حين الإجازة- التي هي بناء على النقل سبب النقل و الانتقال- مالكا حتى تصح منه الإجازة، إذ لا تصحّ الإجازة من غير المالك.

(4) يعني: و كذا يقع الاشكال، و هذا إشارة إلى المورد الثاني، و هو إشكال إجازة العقد الأوّل الواقع من الفضولي على العبد الذي هو في المثال المزبور ملك المغصوب منه.

(5) أي: المبيع في العقد الأوّل، و تقريب الإشكال في إجازة العقد الأوّل هو: عدم صلاحية المورد للإجازة، لكونه بيعا بلا ثمن. توضيحه: أنّه بناء على ناقلية الإجازة لا ينتقل الثمن إلى المالك الأصيل، حيث إنّ تسليط المشتري للبائع الغاصب الموجب لملكية الثمن للبائع يكون قبل إجازة المالك الموجبة لملكية الثمن للمالك، فتقع الإجازة على بيع لا ثمن له، و من المعلوم أنّه ليس بيعا حقيقة. فإشكال إجازة المالك الأصيل في البيع الأوّل هو كون البيع بلا ثمن.

______________________________

صحة العقود الواقعة على عوض مال المجيز بالإجازة تستلزم صحة العقود الواقعة على مال المجيز، مع عدم كون المجيز مالكا للعوض حين الإجازة، كما إذا باع الفضوليّ عبد المالك بفرس، ثم بيع الفرس بدرهم، و أجاز مالك العبد بيع الفرس بالدرهم، فإنّ المجيز لا يملك العوض و هو الفرس حين الإجازة، و مع ذلك تصح الإجازة، فإنّها تصحّح العقد الذي ترد عليه بالدلالة المطابقية، و غيره من العقود بالدلالة الالتزاميّة.

ص: 440

أو بعد إتلافه إيّاه، على الخلاف (1) في اختصاص عدم رجوع المشتري على الثمن بصورة التلف و عدمه (2)، لأنّ (3) تسليط المشتري للبائع على الثمن قبل (4) انتقاله إلى مالك المبيع (5) بالإجازة، فلا يبقى مورد للإجازة.

و ما (6) ذكره في الإيضاح- من (7) احتمال تقديم حقّ المجيز، لأنّه أسبق، و أنّه

______________________________

(1) بين الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم، فإنّهم بين من يقول بأنّ عدم رجوع المشتري على البائع- الغاصب الفضولي- بالثمن مختص بصورة التلف عند الغاصب. و من يقول بعدم رجوع المشتري على الغاصب بمجرّد تسليطه على الثمن، سواء بقي عند الغاصب أم تلف. و سيأتي تفصيل الكلام في أحكام الردّ بقوله: «و إن كان عالما بالفضولية، فإن كان الثمن باقيا استردّه .. و أمّا لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري ..» فلاحظ (ص 478) و ما بعدها.

(2) يعني: و عدم اختصاص عدم رجوع المشتري على الغاصب بصورة التلف.

فالمراد بالاختصاص هو عدم رجوع المشتري بالثمن مطلقا سواء بقي أم تلف.

(3) تعليل لقوله: «و كذا الإشكال في إجازة العقد الواقع على المبيع» و قد تقدم تقريبه بقولنا: توضيحه أنّه بناء على ناقليّة الإجازة .. إلخ.

(4) خبر قوله: «لأن تسليط» يعني: أن التسليط كان قبل انتقال الثمن إلى المالك الأصيل بسبب الإجازة، إذ المفروض أنّ للإجازة دخلا في حصول النقل و الانتقال، و لم تصدر إلّا بعد التسليط الموجب لعدم دخول الثمن في ملك المالك الأصيل، فلا يبقى مورد للإجازة.

(5) أي: المبيع في البيع الأوّل، و «بالإجازة» متعلق ب «انتقاله».

(6) مبتدء متضمّن معنى الشرط، و خبره جملة «فلم يعلم له وجه».

(7) بيان ل «ما» الموصول. و غرضه من ذكر ما تقدّم في الإيضاح (ص 435) من قوله: «و يحتمل أن يقال لمالك العين حق تعلق بالثمن .. إلخ» دفع إشكال إجازة المالك الأصيل للبيع الأوّل الواقع على المبيع المغصوب، من: أنّه بناء على النقل يلزم كون البيع بلا ثمن، و هو غير قابل للإجازة، لعدم كونه بيعا حقيقة.

ص: 441

أولى من الغاصب المأخوذ بأشقّ الأحوال- فلم يعلم له وجه [فلم يعلم وجهه] بناء على النقل (1)، لأنّ (2) العقد جزء سبب لتملّك المجيز، و التسليط المتأخّر عنه (3) علّة تامّة لتملّك الغاصب، فكيف يكون حقّ المجيز أسبق؟

نعم (4) يمكن أن يقال: إنّ حكم الأصحاب بعدم استرداد الثمن، لعلّه لأجل

______________________________

توضيح ما أفاده الإيضاح في دفع الإشكال قد تقدم في محله مفصّلا. و ملخصه: أنّه يحتمل أن يكون نفس عقد الفضول موجبا لحقّ لمالك المبيع المغصوب متعلّق بالثمن، و هو حقّ تملّكه بالإجازة. و هذا الحق سابق على تسليط البائع الغاصب على الثمن، فلا يكون هذا التسليط مانعا عن دخول الثمن في ملك مالك المبيع حتى يصير البيع بلا ثمن، و غير قابل للإجازة، فلا مانع حينئذ من إجازة المالك الأصيل البيع الأوّل الواقع على المبيع المغصوب.

(1) الذي تكون الإجازة ممّا له دخل في الأثر، و هو النقل و الانتقال، بحيث لا يترتب الأثر على العقد إلّا بالإجازة.

(2) تعليل لقوله: «فلم يعلم له وجه» و محصّله: أنّ العقد جزء السبب لتملك المجيز للثمن، و ليس علّة تامّة له، إذ المفروض دخل الإجازة في تأثير العقد. بخلاف التسليط فإنه علة تامة لتملّك الغاصب للثمن من دون توقفه على شي ء.

(3) أي: عن العقد، و هذا يكون كتزاحم المقتضي و اللامقتضي.

(4) غرضه تصحيح ما أفاده صاحب الإيضاح من: أنّ الإجازة- و لو على القول بناقليتها- توجب ملكية الثمن للمالك، و تقدّم الإجازة على التسليط الموجب لملكية الثمن للغاصب، بأن يقال: إنّ حكم الأصحاب بعدم استرداد المشتري- العالم بغصبية المبيع- الثمن من البائع الغاصب ليس لأجل كون التسليط علّة تامة لملكية الثمن للغاصب سواء أجاز المالك أم لا. بل مملّكية التسليط للثمن تكون مراعاة بعدم إجازة المالك، فإذا أجاز المالك استحقّ الثمن، فحينئذ يتجه كلام الإيضاح من: أنّه إذا أجاز المالك استحق الثمن و لو على القول بناقلية الإجازة.

و الحاصل: أنّه لا يؤثر التسليط في ملكية الثمن للغاصب إلّا بعدم إجازة المالك،

ص: 442

التسليط المراعى بعدم إجازة مالك المبيع، لا لأنّ (1) نفس التسليط علّة تامّة لاستحقاق الغاصب على تقديري الردّ و الإجازة. و حيث إنّ حكمهم (2) هذا مخالف للقواعد الدالّة على عدم حصول الانتقال بمجرّد التسليط المتفرّع على عقد فاسد (3)، وجب (4) الاقتصار فيه (5) على المتيقّن،

______________________________

فلا يكون التسليط مطلقا موجبا لملكية الثمن للغاصب حتى يسقط بيع الغاصب- لصيرورته بلا ثمن- عن قابليّة الإجازة.

(1) معطوف على «لأجل» يعني: أنّ حكم الأصحاب بعدم استرداد الثمن لعلّه لأجل التسليط المراعى، لا لأنّ نفس التسليط علة تامّة لتملّك الغاصب على تقديري الردّ و الإجازة، حتى لا تؤثّر إجازة المالك في صحة البيع الأوّل، للزوم كون البيع بلا ثمن.

(2) أي: حكم الفقهاء بعدم جواز استرداد الثمن مع بقاء عينه عند الغاصب.

و غرضه من جملة: «و حيث ان حكمهم هذا .. إلخ» تقوية الاحتمال الذي أشار إليه بقوله:

«نعم يمكن أن يقال: إن حكم الأصحاب .. إلخ».

و محصّل ما أفاده في وجه تقويته و إثباته هو: أنّه لمّا كان حكم الفقهاء بعدم جواز استرداد الثمن من الغاصب مع بقاء عينه مطلقا- حتى مع إجازة المالك الأصيل- مخالفا للقواعد المقتضية لحرمة أكل أموال الناس بالباطل، لعدم كون مجرّد التسليط من الأسباب الناقلة الشرعية للأموال، فلا محيص عن جعل مورد حكمهم هذا- الذي قيل إنّه إجماع، و هو دليل لبي- خصوص المتيقن منه، و هو صورة عدم إجازة المالك الأصيل للعقد الفضولي، إذ لا وجه لجعل التسليط المتفرع على عقد فاسد مملّكا و ناقلا للمال، بل هو من مصاديق أكل المال بالباطل.

فلا بدّ من جعل مورد حكم الأصحاب- بعدم جواز استرداد الثمن مع وجوده من الغاصب- خصوص صورة عدم إجازة المالك لبيع ماله المغصوب.

(3) و هو عقد الفضول الغاصب.

(4) هذا بمنزلة الجواب لقوله: «و حيث إنّ».

(5) أي: في الحكم المخالف للقواعد المقتضية لعدم كون مثل هذا التسليط مملّكا.

ص: 443

و هو التسليط على تقدير عدم الإجازة (1)، فافهم (2).

______________________________

(1) فيكون التسليط المملّك مركّبا من أمر وجوديّ، و هو إعطاء الثمن إلى البائع الغاصب، و عدميّ و هو عدم إجازة مالك المبيع المغصوب لبيع الغاصب الفضول. فمجرّد التسليط لا يكون مملّكا، سواء أ كانت الإجازة كاشفة أم ناقلة.

(2) لعلّه إشارة إلى: أنّ تسليط المشتري- العالم بغاصبيّة البائع الفضول- لا يكون مقيّدا بعدم الإجازة، بل علمه بالغصبية- و مع ذلك يدفع إليه الثمن- قرينة على الإطلاق، و تسليطه الغاصب على الثمن مطلقا، سواء أجاز المالك بيع الغاصب أم لا. فحمل التسليط على التسليط المقيّد بعدم الإجازة غير ظاهر.

أو إشارة إلى: أنّ المتيقن من حكمهم بعدم جواز استرداد الثمن هو: كون التسليط مع العلم بالغصب موجبا لعدم الضمان و لو تلف، لانصراف أدلة الضمان من قاعدتي ضمان اليد و الإتلاف عمّا إذا سلّطه المالك على ماله بكلّ تصرّف و لو كان متلفا، و كان بعوض مال الغير، و من المعلوم أنّ عدم الضمان لا يدلّ على التمليك، لعدم كونه لازما مساويا له، بل أعمّ منه، لكفاية الإذن في التلف في عدم الضمان مع بقائه على ملكه.

و بالجملة: لم يظهر من حكمهم- بعدم جواز استرداد الثمن من الغاصب- بناؤهم على ملكية الثمن للغاصب حتى يكون بيع الغاصب بيعا بلا ثمن.

هذا تمام الكلام في حكم المجاز، و به تمّ ما يتعلّق بالإجازة، و يقع الكلام في ردّ عقد الفضولي، و ما يستتبعه من أحكام.

ص: 444

[مسألة: في الردّ]
اشارة

مسألة (1):

في أحكام الردّ

[ما يتحقق به الرّد]
[الرد بالقول]

لا يتحقّق الردّ (2) قولا إلّا بقوله: «فسخت و رددت» و شبه ذلك (3) ممّا هو صريح في الردّ، لأصالة (4) بقاء اللزوم

______________________________

أحكام الرّد أ: ما يتحقق به الرّد

(1) كان الأولى أن يقول «و أمّا الكلام في الرد» ليكون مقابلا لقوله في (ص 5) «أمّا الكلام في الإجازة» و كيف كان فهذه المسألة تتكفل لما يتحقّق به ردّ عقد الفضول و لأحكام الردّ.

(2) هذا بيان لما يتحقّق به الردّ، و له مصداقان: قولي و فعلي. أمّا الردّ القولي فهو قوله: «فسخت و رددت» و نحوهما.

و الظاهر من الأمثلة المذكورة في المتن أنّ المراد بالرّد أعمّ ممّا حصل بالإنشاء، و ممّا لم يحصل به، من غير فرق بين الالتفات إلى كونه ردّا و بين عدمه، و الأوّل يسمّى بالرّد الحقيقي، و الثاني بالحكمي.

(3) مثل «لا اخرج أو لا أنقل هذا المال عن ملكي» و نحوها ممّا هو صريح أو ظاهر عرفا في الرّد، لعموم دليل اعتبار الظواهر، و عدم خروج المقام عنه.

(4) تعليل لاعتبار كون الردّ صريحا، و حاصله: أنّ مقتضى استصحاب بقاء اللزوم من طرف الأصيل هو بقاؤه حتى يثبت الرّد بحجة من صراحة الردّ أو ظهوره، فإنّ اللفظ

ص: 445

من طرف الأصيل [1] و قابليّته (1) من طرف المجيز.

[الرد بالتصرف المخرج]

و كذا يحصل (2) بكلّ فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف و شبههما،

______________________________

غير الصريح و الظاهر في الرد يوجب الشك في زوال اللزوم الثابت بعموم أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و الاستصحاب يقتضي بقاءه من طرف الأصيل الذي هو أحد طرفي العقد الفضولي.

(1) معطوف على «اللزوم» يعني: و لاستصحاب بقاء قابلية العقد للزوم من طرف المجيز.

(2) و أمّا الردّ الفعلي الذي تعرّض له بقوله: «و كذا يحصل» فهو على أنحاء:

أحدها: أن يكون موجبا للنقل عن ملك مالك المال الذي بيع فضولا، كما إذا باعه المالك.

ثانيها: أن يكون ذلك الفعل متلفا للمال، كما إذا كان المبيع من المأكولات، و أكله المالك.

ثالثها: أن يكون ذلك الفعل شبيها بالمتلف كالعتق الذي هو فكّ للملك، و ليس إتلافا للعبد حقيقة عن صفحة الوجود، و لكنه أوجد فيه صفة جعلته كالتالف من حيث عدم سلطنة المالك عليه، لخروجه عن حيطة ملكيّته، فلا سلطان له عليه بعد عتقه و إخراجه عن الرّقية.

رابعها: أن يكون ذلك الفعل شبيها بالناقل كالتزويج، كما إذا زوّج الفضولي امرأة حرّة من زيد، ثم زوّجت تلك المرأة نفسها من بكر، فإن تزويجها نفسها بغير من زوّجها الفضولي به- و تسليطه على بعضها- بمنزلة النقل الموجب لردّ العقد الفضولي.

______________________________

[1] ثبوت اللزوم في حقّه محل البحث و النظر، فحدوثه غير معلوم حتى يجري الاستصحاب في بقائه، و قد تقدم الكلام في ذلك في ثمرات الكشف و النقل فراجع (ص 107).

ص: 446

كالعتق و البيع و الهبة و التزويج (1) و نحو ذلك (2).

و الوجه في ذلك (3): أنّ تصرّفه (4) بعد فرض صحّته مفوّت (5) لمحلّ الإجازة، لفرض خروجه عن ملكه.

[الرد بالتصرّف غير المخرج عن الملك]

و أمّا التصرّف غير المخرج عن الملك (6) كاستيلاد الجارية، و إجازة الدابة، و تزويج الأمة، فهو (7) و إن لم يخرج الملك عن قابليّة وقوع الإجازة

______________________________

(1) هذا مثال لشبه النقل، و العتق مثال لشبه الإتلاف، و البيع و الهبة مثالان للنقل بلا عوض و معه. و لم يذكر مثالا للإتلاف، و هو كما إذا كان المبيع الفضولي مأكولا و أكله مالكه، و قد مر تفصيل ذلك كلّه آنفا، فإنّ هذه الأفعال و غيرها من نظائرها إذا صدرت عن إنشاء الرّد كإنشاء العقد كان الردّ حقيقيّا، و إلّا كان حكميّا.

(2) كالصلح للنقل، و تحليل الأمة لشبهه بالتزويج، و الوقف لشبه الإتلاف.

(3) يعني: أنّ الوجه في تحقق الفسخ بكلّ فعل مخرج للملك عن ملك مالكه الأصيل هو: أنّ تصرف الأصيل في المال المبيع فضولا- بعد البناء على صحته- مفوّت لمحلّ الإجازة، إذ المفروض خروج المبيع عن ملكه، فلا ملك له حتى يصحّ له الإجازة.

ثم إنّ هذه العلة لعدم صحة الإجازة مشتركة بين إنشاء الرد بالفعل المخرج للمبيع فضولا عن ملك مالكه، و بين عدم إنشائه لغفلة أو غيرها، لاشتراك فوات محل الإجازة بينهما، فإنّ التصرف المخرج عن الملك يفوّت موضوع الإجازة، و هو كون المجيز مالكا حين الإجازة.

(4) أي: تصرّف المالك، و ضمير «صحته» راجع إلى «تصرفه».

(5) خبر «أنّ»، و مجموع الجملة خبر «و الوجه في ذلك».

(6) أي: عن ملك المالك، كما إذا استولد جاريته بعد أن باعها الفضولي، و كما إذا آجر دابّته بعد أن باعها الفضولي، و كما إذا زوّج أمته بعد أن باعها الفضولي.

(7) جواب «و أمّا» أي: فالتصرف غير المخرج عن ملك المالك الأصيل، و محصّل ما أفاده في حكم تصرف المالك في ماله الذي بيع فضولا تصرفا غير مخرج له عن ملكه هو: أنّ هذا التصرّف و إن لم يكن مخرجا للمبيع فضولا عن الملك، لكنّه مخرج له عن قابليّته للإجازة بناء على الكشف، لأنّ صحّة الإجازة الكاشفة عن وقوع العقد الفضولي

ص: 447

عليه (1)، إلّا أنّه مخرج له (2) عن قابليّة وقوع الإجازة من زمان العقد، لأنّ (3) صحّة الإجازة على هذا النحو (4) توجب وقوعها باطلة، و إذا فرض وقوعها (5) صحيحة منعت عن وقوع الإجازة [1].

______________________________

صحيحا و مؤثّرا من حين صدوره توجب وقوع الأفعال الصادرة من المالك المجيز- من استيلاد الجارية و إجازة الدابة و تزويج الأمة- باطلة، لوقوعها في غير محلّها، لأنّ صحة العقد الفضولي توجب وقوع هذه التصرّفات في غير ملكه، فهي باطلة، إذ لو كانت صحيحة لمنعت عن صحة الإجازة، لامتناع صحتها مع صحة تلك التصرّفات الصادرة من المالك، إذ الجمع بينهما جمع بين المتنافيين، فلا بدّ إمّا من صحة الإجازة الكاشفة عن صحة البيع الفضولي، أو صحة تصرفات المالك.

(1) متعلق ب «وقوع» و الضمير راجع إلى العقد الفضولي، و يمكن رجوعه إلى الملك.

(2) أي: للملك، و ضمير «انه» راجع إلى التصرف غير المخرج.

(3) تعليل لقوله: «مخرج له عن قابلية الإجازة .. إلخ» و قد اتضح تقريب هذا التعليل بقولنا: «لأنّ صحة الإجازة الكاشفة عن وقوع العقد الفضولي صحيحا» و حاصله: كون صحة الإجازة على الكشف و صحة تصرفات المالك- من استيلاد الجارية و غيره- جمعا بين المتنافيين.

(4) و هو كون الإجازة كاشفة، فإنّها توجب وقوع استيلاد الجارية و غيرها باطلة.

(5) ضمير «وقوعها» في الموردين راجع إلى استيلاد الجارية و غيره.

______________________________

[1] الحق صحة تلك التصرفات مطلقا سواء أ كانت الإجازة ناقلة أم كاشفة. أمّا على النقل فلصدور تلك التصرفات من المالك غير المحجور عن التصرف في ماله، فلا وجه لعدم صحتها مع عدم تعلّق حقّ أحد بها. و أمّا على الكشف فلكون المالك جائز التصرف في ماله ما لم يجز البيع الفضوليّ، فإذا أجاز قبل أن يتصرّف بأحد تلك التصرفات كانت الإجازة نافذة، و العقد الفضولي لازما، و تلك التصرفات باطلة.

و أمّا إذا تصرّف قبل الإجازة فلا يبقى مورد لها، لأنّ الإجازة إنّما تؤثر فيما إذا كان المجيز مالكا لولا الإجازة، و المفروض أنّه ليس كذلك، لارتفاع مالكيّته قبل الإجازة، فليس

ص: 448

و الحاصل (1): أنّ وقوع هذه الأمور صحيحة مناقض (2) لوقوع الإجازة لأصل العقد، فإذا وقع أحد المتنافيين (3) صحيحا فلا بدّ من امتناع وقوع الآخر (4)، أو إبطال (5) صاحبه، أو إيقاعه (6) على غير وجهه. و حيث لا سبيل إلى الأخيرين

______________________________

(1) يعني: و حاصل الكلام في التصرفات غير المخرجة عن الملك هو: أنّ صحة التصرفات المذكورة تناقض صحة إجازة العقد الفضولي، فإذا صحّ أحدهما- كالتصرفات- فلا بدّ أن يمتنع وقوع الآخر أعني به الإجازة، أو يبطل تلك التصرفات، أو يقع الآخر اعني به الإجازة على غير وجهه، بأن يبنى على انتقال المبيع إلى المشتري في العقد الفضولي بعد انقضاء مدّة إجارة الدابة، لا من حين وقوع العقد فضولا، أو انتقاله إلى المشتري مسلوب المنفعة في زمان الإجارة.

و حيث إنّه لا وجه للمصير إلى الأخيرين- و هما إبطال صاحبه و إيقاعه على غير وجهه، لأنّهما من الاحتمالات التي لا يساعدها دليل في مقام الإثبات- فالمتعيّن هو القول بفساد الإجازة.

(2) خبر «أن وقوع»، و قوله «صحيحة» حال من «الأمور».

(3) كالتصرفات غير المخرجة عن الملك إذا وقعت صحيحة.

(4) و هو إجازة العقد الفضولي، و امتناع وقوعه يكون لمنافاته لصحة تلك التصرفات.

(5) معطوف على «امتناع» أي: إبطال الآخر- و هو الإجازة- لتلك التصرفات.

(6) معطوف على «امتناع» أي: إيقاع الآخر- و هو الإجازة- على غير وجهه، و هو ما تقدم آنفا بقولنا: «بأن يبنى على انتقال المبيع إلى المشتري في العقد الفضولي .. إلخ».

______________________________

مالكا حال الإجازة، و صار أجنبيّا عن المال، فلا أثر لإجازته.

و الحاصل: أنّ مقتضى عموم أدلة الصحة مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» هو البناء على صحة تلك التصرفات، و الحكم بعدم بقاء مورد للإجازة.

و إن شئت فقل: إنّ نفوذ عقد المالك في ماله تنجيزيّ، و نفوذ عقد الفضول في ماله تعليقي، لأنّه معلّق على إجازته، فإذا تصرّف في ماله قبل إجازته لعقد الفضول لا يبقى مورد لإجازته.

ص: 449

تعيّن الأوّل (1).

و بالجملة (2): كلّ ما يكون باطلا على تقدير لحوق الإجازة المؤثّرة من حين العقد، فوقوعه صحيحا مانع (3) من لحوق الإجازة، لامتناع اجتماع المتناقضين (4).

نعم (5) لو انتفع المالك بها قبل الإجازة بالسّكنى و اللبس، كان عليه اجرة المثل إذا أجاز، فتأمّل (6).

______________________________

(1) و هو امتناع وقوع الآخر أعني به الإجازة على الفرض.

(2) يعني: و حاصل الكلام أنّ الضابط في المقام هو: أنّ كلّ تصرف يكون باطلا على تقدير صحة الإجازة المؤثّرة في العقد الفضولي من حين وقوعه- إذا فرض وقوع ذلك التصرف صحيحا- فهو مانع من لحوق الإجازة، لامتناع اجتماع المتناقضين، فإنّه لا يجتمع صحة بيع الجارية فضولا من زيد مثلا مع صحة تزويج مالكها إيّاها من عمرو.

و هكذا سائر الأمثلة المتقدّمة، فإنّ صحة البيع الفضولي في هذه الأمور تنافي صحة تصرفات المالك فيها.

(3) خبر «فوقوعه» و الجملة خبر قوله: «كلّ ما يكون».

(4) و هما صحة تلك التصرفات، و صحة إجازة العقد الفضولي.

(5) استدراك على التصرف غير المخرج عن الملك، و حاصل الاستدراك هو: أنّ التصرف الخارجي الصادر من المالك في ماله الذي بيع فضولا، لا ينافي صحة إجازته للعقد الفضولي، كما إذا انتفع المالك قبل الإجازة بالسكنى في داره التي بيعت فضولا، أو بلبس ثوبه الذي بيع فضولا، فإنّ مثل هذا التصرف الخارجي لا ينافي صحة الإجازة، غاية الأمر أنّه إذا أجاز العقد الفضولي بعد هذا التصرف فعليه اجرة المثل للمشتري- عوضا عمّا استوفاه من منفعة السكنى و اللّبس، لقاعدة الاستيفاء- بناء على كاشفية الإجازة، إذ بناء على النقل لم يتصرف في ملك المشتري، و إنّما تصرّف في ملك نفسه.

و الظاهر أنّ مراد المصنف قدّس سرّه من ثبوت اجرة المثل للمشتري الذي اشترى المال من الفضولي هو ثبوتها بناء على كاشفية الإجازة، لا ناقليتها.

(6) لعلّه إشارة إلى: أنّه بناء على النقل لا يثبت على المالك اجرة المثل للمشتري، لأنّه انتفع بملكه لا بملك المشتري. و بناء على الكشف يمكن أن يقال: إنّ المبيع الفضولي

ص: 450

و منه (1) يعلم أنّه لا فرق بين وقوع هذه (2) مع الاطّلاع على وقوع العقد، و وقوعها (3) بدونه، لأنّ (4) التنافي بينهما واقعيّ.

و دعوى (5) «أنّه لا دليل على اشتراط قابليّة التأثير من حين العقد في الإجازة،

______________________________

انتقل إلى المشتري مسلوب المنفعة.

فعلى كلا القولين في الإجازة لا تشتغل ظاهرا ذمة المالك بالأجرة للمشتري.

و جعل وجه التأمل عدم الفرق بين انتفاع المالك بالسكنى و اللبس و بين الإجارة و الاستيلاد بعيد، لأنّ الانتفاع بمال الغير ما لم يكن يتبرّع المالك يوجب الضمان، لقاعدة الاستيفاء، و ليس الضمان منوطا بإباحة التصرفات.

(1) أي: و من منافاة صحة الإجازة و تلك التصرفات معا- و كون صحتهما جمعا بين المتناقضين- يعلم: أنّه لا فرق في وجود هذه المنافاة بين وقوع تلك التصرفات مع اطّلاع المالك الأصيل على وقوع العقد من الفضول، و وقوعها بدون اطّلاعه على وقوعه، و ذلك لوضوح كون التنافي بين صحتها و صحة الإجازة واقعيّا غير منوط بالعلم بوجود العقد و عدمه.

(2) أي: التصرفات غير المخرجة عن الملك.

(3) معطوف على «وقوع» أي: وقوع تلك التصرفات بدون الاطلاع على وقوع العقد.

(4) تعليل لعدم الفرق، و قد مرّ توضيحه آنفا بقولنا: «و ذلك لوضوح».

(5) الغرض من هذه الدعوى دفع التنافي بين صحة تلك التصرفات و صحة الإجازة. توضيح الدعوى: أنّ منشأ التنافي اعتبار كون الإجازة مصححة للعقد الفضولي من حين وقوعه بناء على الكشف، إذ يمتنع حينئذ صحة التصرفات و الإجازة من حين العقد، لعدم تعقّل صحة الإجازة من حينه- الموجبة لانتقال المبيع إلى المشتري حين العقد- مع صحة التصرفات من المالك، لوقوعها في ملك المشتري.

كما إذا آجر زيد يوم الجمعة داره التي باعها الفضولي يوم الخميس، و أجاز مالك الدار عقد الفضول يوم السبت، فإنّ صحة الإجازة تقتضي صحة عقد الفضول من يوم الخميس، و ذلك يستلزم وقوع الإجارة في ملك المشتري، فلا بدّ من تأثير الإجازة من حين وقوعها، لا من حين وقوع العقد، فيحكم بصحة تصرفات المالك إلى زمان الإجازة،

ص: 451

و لذا (1) صحّح جماعة (2)- كما تقدّم- إجازة المالك الجديد في من باع شيئا ثمّ ملكه» مدفوعة (3) بإجماع أهل الكشف على كون إجازة المالك حين العقد مؤثّرة من حينه.

نعم (4) لو قلنا بأنّ الإجازة كاشفة بالكشف الحقيقي الراجع إلى كون المؤثّر التامّ هو العقد الملحق بالإجازة، كانت (5) التصرّفات مبنيّة على الظاهر (6)، و بالإجازة

______________________________

و بصحة العقد من الزمان الواقع بعد الإجازة.

(1) يعني: و لأجل عدم الدليل على اعتبار كون الإجازة مؤثّرة للعقد من حين صدوره ذهب جمع من الأصحاب إلى صحّة إجازة المالك الجديد في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» مع عدم كونه مالكا حين صدور العقد الفضولي حتى تكون إجازته مؤثرة في العقد من حين وقوعه.

(2) كالمحقق و الشهيد و الصيمري، كما تقدم في (ص 249)، فراجع.

(3) خبر ل «دعوى» و دفع لها، و حاصله: أنّ القائلين بكاشفية الإجازة قد ادّعوا الإجماع على أنّ إجازة من يكون مالكا حين العقد الفضولي مؤثّرة من حين وقوعه، و إجازة من لا يكون مالكا حين العقد تؤثّر بعد دخول المبيع فضولا في ملكه.

و الحاصل: أنّه بناء على الكشف الحقيقي- الذي مرجعه إلى كون العقد الملحق به الإجازة مؤثّرا تامّا- تكون تصرفات المالك الأصيل قبل الإجازة مبنيّة على الظاهر، لأنّ المبيع الفضولي قبل إجازة المالك محكوم ظاهرا بكونه ملكا لمالكه، فتصرّفاته قبل إجازته محكومة ظاهرا بوقوعها في ملكه، و بالإجازة ينكشف وقوعها في ملك غيره.

(4) استدراك على كون الإجازة مؤثّرة من حين العقد كما ادّعي الإجماع على ذلك، و حينئذ يحكم بصحة تصرفات المالك حكما ظاهريّا. فإن لم يجز المالك عقد الفضول كانت تصرّفاته من استيلاد الجارية و إجارة الدابة و تزويج الأمة صحيحة واقعا، و إن أجاز انكشف بطلانها و صحة الإجازة.

(5) جواب قوله: «لو قلنا».

(6) و هو صحة تصرفات المالك واقعا إن لم يجز، و إن أجاز انكشف بطلانها و صحة الإجازة. هذا إذا لم يقصد المالك بتلك التصرفات ردّ عقد الفضول، و إلّا كانت ردّا له، فتصحّ تلك التصرفات و تبطل الإجازة.

ص: 452

ينكشف عدم مصادفتها للملك، فتبطل هي [1] و تصحّ الإجازة.

[التصرّفات غير المنافية لملك المشتري من حين العقد]

بقي الكلام في التصرّفات غير (1) المنافية لملك المشتري من حين العقد، كتعريض المبيع للبيع، و البيع الفاسد، و هذا (2) أيضا على قسمين، لأنّه إمّا أن يقع حال التفات المالك إلى وقوع العقد من الفضوليّ على ماله، و إمّا أن يقع في حال عدم الالتفات.

أمّا الأوّل (3)، فهو ردّ فعليّ للعقد،

______________________________

(1) هذا هو القسم الثالث من تصرّفات المالك في المبيع الفضولي، و هو التصرف غير المنافي لملك المشتري- أي المشتري من البائع الفضول، كتعريض المالك الأصيل المبيع للبيع، و العقد الفاسد- في قبال القسمين الأوّلين، و هما التصرّف المخرج عن ملك المالك الأصيل، و التصرف غير المخرج عن الملك و المخرج عن قابلية الإجازة، فإنّ التصرف في المبيع الفضولي من مالكه الأصيل- كتعريضه للبيع و كإنشاء عقد فاسد عليه- لا ينافي ملكية المبيع للمشتري ملكية متزلزلة. و هذا القسم من التصرف يكون على نحوين:

أحدهما: أن يقع حال التفات مالك المبيع إلى وقوع عقد الفضولي عليه.

ثانيهما: أن يقع في حال عدم الالتفات إلى العقد المزبور.

(2) أي: التصرف غير المنافي لملك المشتري يكون كالتصرّف غير المخرج عن الملك المنافي لوقوع الإجازة من زمان العقد المنقسم إلى قسمين، و هما اطلاع المالك على وقوع عقد من الفضولي على ماله، و عدم اطلاعه على وقوعه.

(3) و هو وقوع التصرّف غير المنافي لملك المشتري من مالك المبيع، مع التفاته إلى وقوع عقد من الفضولي على ماله. و هذا التصرّف مع اقترانه بالالتفات ردّ فعلي للعقد الفضوليّ.

______________________________

[1] و يمكن أن يقال: إنّ صحة الإجازة- بناء على الكشف الحقيقي- توجب فضولية تلك التصرفات، لوقوعها في ملك المشتري، فصحّتها حينئذ موقوفة على إجازة المشتري، إلّا في الاستيلاد إذا كان قبل عقد الفضول، فلا يحكم ببطلانها بحيث لا تصلح للصحة التأهلية القابلة للإجازة.

ص: 453

و الدليل على إلحاقه (1) بالرّد القولي- مضافا (2) إلى صدق الرّد عليه (3) [1] فيعمّه (4) ما دلّ على أنّ للمالك الرّد، مثل (5) ما وقع في نكاح العبد و الأمة بغير إذن مولاه، و ما (6) ورد في من زوّجته أمّه و هو غائب،

______________________________

(1) أي: إلحاق التصرف الفعلي- غير المنافي لملك المشتري مع وقوعه حال التفات المالك إلى وقوع العقد من الفضولي- بالردّ القوليّ.

و محصّل ما أفاده: أنّ الدليل على إلحاقه أمور ثلاثة:

أحدها: أنّ مفهوم الردّ الذي ليس له حقيقة شرعية- بل هو من المفاهيم العرفية- صادق على هذا التصرف غير المنافي لملك المشتري، فهو كالرّد القولي من مصاديق الردّ، و يكون محكوما بحكمه.

(2) هذا إشارة إلى الدليل الأوّل، و المتقدّم آنفا بقولنا: «أحدها: ان مفهوم .. إلخ».

(3) أي: على التصرف غير المنافي لملك المشتري، كالتعريض للبيع، و البيع الفاسد.

(4) بعد أن أثبت كون التصرف غير المنافي لملك المشتري مصداقا للرّد، تشبّث لاعتبار كونه ردّا شرعا بعموم ما دلّ على أنّ للمالك حقّ ردّ العقد الفضولي، مثل ما ورد في نكاح العبد و الأمة بغير إذن مولاه.

(5) و هو ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده؟ فقال عليه السّلام: ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه، و إن شاء فرّق بينهما» الحديث «1».

(6) مجرور محلّا عطفا على الموصول في «مثل ما». و غرضه الإشارة إلى ما رواه

______________________________

[1] بناء على الملازمة بين الالتفات و قصد الردّ. لكن الملازمة ممنوعة، لوضوح أنّ الالتفات لا يدلّ على قصد الرّدّ، مع إمكان أن يكون التعريض للبيع لغرض غير الرّد، كالاطّلاع على السعر. فما لم يحرز دلالة الفعل على الردّ لا يحكم بكونه ردّا للعقد الفضوليّ، فلا يردّ العقد بمجرّد التعريض للبيع و العقد الفاسد، فلو أجاز بعد هذين التصرفين كانت الإجازة في محلّها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 1

ص: 454

من قوله عليه السّلام: «إن شاء قبل، و إن شاء ترك» [1].

إلّا (1) أن يقال: إنّ الإطلاق مسوق لبيان أنّ له الترك، فلا تعرّض فيه (2)

______________________________

محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنّه سأله عن رجل زوّجته امّه و هو غائب؟ قال:

النكاح جائز، إن شاء المتزوج قبل، و إن شاء ترك. فإن ترك المتزوّج تزويجه فالمهر لازم لأمّه» «1».

فإنّ إطلاق التفريق في الرواية الاولى و الرّد في الرواية الثانية يشمل الرّد الفعلي، فإنّ المراد بالتفريق هو التفريق في الزوجية، فيشمل إطلاقه الرّد الفعلي في الجملة. و ليس صريحا و لا ظاهرا معتدا به في كون مثل التعريض للبيع ردا للعقد الفضولي.

(1) غرضه منع الإطلاق، و عدم صحة التمسك بهاتين الروايتين لإثبات الردّ الفعلي، ببيان: أنّ الروايتين سيقتا لبيان مشروعية الرّد، لا لبيان كيفية الرّد حتى يكون له إطلاق من هذه الجهة، و يقال: إنّ الرد يتحقق بكل من القول و الفعل.

و عليه فإثبات الرّد الفعلي بهما مشكل.

(2) أي: لا تعرّض في قول الامام عليه السّلام «إن شاء فرّق، إن شاء ترك» لكيفية الردّ.

______________________________

[1] لا يخفى أن التمسك بهذه الروايات لصحة عقد الفضولي أولى من التشبث بها لمصداقية مثل التعريض للبيع لرد العقد، لأنّه من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية، ضرورة أنّ الروايات لا تدلّ- ظاهرا- إلّا على كون الفعل كالقول مصداقا للرد شرعا. و أمّا التعريض للبيع فلا تدلّ الروايات على كونه ردّا إلّا بناء على صحة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، أو بناء على ظهور التعريض مع الالتفات عرفا في الرد.

و كلاهما ممنوع. أمّا الأوّل فلما ثبت في محلّه من عدم جواز التمسك بالدليل في الشبهات المصداقية.

و أمّا الثاني فلما عرفت في التعليقة السابقة من منع الملازمة بين الالتفات إلى العقد الفضولي و قصد الرد بالتعريض. و لو شك في كونه ردّا للعقد الفضولي فلا مانع من جريان استصحاب العقد، و عدم انحلاله بالتعريض للبيع و نحوه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 211، الباب 7 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، ح 3

ص: 455

لكيفيّته- أنّ (1) المانع من صحّة الإجازة بعد الردّ القولي موجود [1] في الردّ الفعلي، و هو (2) خروج المجيز بعد الرّد عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد.

مضافا (3) إلى فحوى الإجماع «1» المدّعى على حصول فسخ ذي الخيار بالفعل

______________________________

(1) خبر لقوله: «و الدليل». ثم إنّ هذا ثاني الأمور الثلاثة التي استدلّ بها على حصول الرّد بالفعل، و محصله: اشتراك المانع من صحة الإجازة- بعد الردّ القوليّ- بين الردّ القولي و الردّ الفعلي، و هذا الاشتراك يقتضي أن يكون الردّ الفعلي كالقولي في كونه هدما للعقد. و ذلك المانع المشترك خروج المجيز بعد الردّ عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد.

و بالجملة: ملاك الرّد القولي بعينه موجود في الردّ الفعلي، فلا محيص عن الالتزام بكون الردّ الفعلي كالقولي مسقطا للعقد عن قابلية لحوق الإجازة به.

(2) أي: المانع عن صحة الإجازة بعد الردّ، و ضمير «كونه» راجع إلى «المجيز».

(3) هذا ثالث الأمور التي استدلّ بها على إثبات الرّد الفعلي، و محصله: التشبث بالأولوية. توضيحه: أنّه قد ادّعي الإجماع على حصول فسخ ذي الخيار بالفعل كالوطي، فيما إذا باع أمته بشرط الخيار، و وطأها أو باعها أو أعتقها في زمن الخيار، فإنّ الوطي و البيع و العتق تفسخ البيع. فإذا كان الفعل موجبا لانفساخ العقد الثابت، كان موجبا لانفساخ العقد الفضولي- المتزلزل حدوثا- بطريق أولى، لكون الدفع أهون من الرفع.

______________________________

[1] هذا متجه بعد تسلّم كون الفعل كالقول ردّا للعقد الفضولي. و هذا أوّل الكلام و مصادرة. فاللازم أوّلا إثبات كون الفعل ممّا يتحقق به الردّ، ثم ترتيب آثار الردّ القولي عليه.

نعم إذا ثبت كون الردّ الفعلي كالقولي- بحجة شرعية أو عقلية- كان خروج المجيز بعد الردّ الفعلي عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد- كخروجه عنه بعد الردّ القولي- في محلّه.

______________________________

(1) المدعي للإجماع جماعة كشيخ الطائفة في المبسوط، ج 2، ص 83، و ابن زهرة في الغنية، ص 526 (الجوامع الفقهية) و ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 248

ص: 456

كالوطي و البيع و العتق [1]، فإنّ (1) الوجه في حصول الفسخ هو دلالتها على قصد فسخ البيع، و إلّا (2) فتوقّفها (3) على الملك لا يوجب حصول الفسخ بها، بل يوجب بطلانها، لعدم (4) حصول الملك المتوقّف على الفسخ قبلها حتّى تصادف الملك.

______________________________

(1) غرضه بيان وجه حصول الفسخ بهذه التصرفات، و حاصل وجهه هو دلالة تلك التصرفات عرفا على أنّ المتصرف بها- مع الالتفات- قاصد لفسخ العقد بها، و ظواهر الأفعال كظواهر الألفاظ حجة عند العقلاء.

و ليس وجهه توقف تلك التصرفات- أعني بها الوطي و البيع و العتق- على الملك، على ما عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا عتق إلّا في ملك، و لا بيع إلّا في ملك، و لا وطء إلّا في ملك». و ذلك لأنّ مقتضى التوقف المزبور بطلان تلك التصرفات، لعدم تحقق شرطها، و هو الملك المتوقف على حصول الفسخ قبل تلك التصرفات حتى تقع في ملكه.

و بالجملة: فالوجه في حصول الفسخ بها هو دلالتها عرفا على قصد الفسخ.

(2) أي: و إن لم يكن الوجه في الرّد دلالتها على الفسخ- بل كان الوجه في ذلك توقّف تلك التصرفات على الملك- اقتضى ذلك الوجه بطلانها، لوقوعها في ملك غيره، لا حصول الفسخ بها.

(3) هذا الضمير و كذا ضميرا «بها، بطلانها» راجعة إلى الوطء و البيع و العتق.

(4) تعليل لبطلان تلك التصرفات، فإنّ شرط صحتها- و هو الملك المتوقف على حصول الفسخ قبلها حتى تقع في الملك- لم يتحقق، فلا محالة تقع باطلة.

______________________________

[1] لا وجه لقياس المقام بهذه الأمور، فإنّ حصول الفسخ بها حكم ظاهري تقتضيه أصالة الصحة التي هي مفقودة في مثل تعريض المبيع للبيع. أمّا حصول الفسخ بها واقعا فهو منوط بقصد إنشاء الفسخ بالوطي و أخويه.

و الحاصل: أن الأولويّة المدّعاة غير ظاهرة.

ص: 457

و كيف (1) كان فإذا صلح الفسخ الفعليّ لرفع أثر العقد الثابت المؤثّر فعلا، صلح (2) لرفع أثر العقد المتزلزل- من حيث الحدوث- القابل للتأثير بطريق أولى [1].

______________________________

(1) يعني: سواء أ كانت تلك التصرفات ردّا للعقد أم لا، نقول: إذا فرض كون فعل صالحا لرفع أثر العقد الثابت المؤثّر فعلا كما في العقد الخياري، كان صالحا لرفع العقد الفضولي المتزلزل حدوثا بطريق أولى، فإن الردّ في المقام دفع، و في العقد الخياري رفع، و الدفع أهون منه.

(2) جواب «فإذا أصلح»، و «بطريق أولى» متعلّق ب «صلح».

______________________________

[1] إن كان منشأ ارتفاع قالية العقد للإجازة بسبب الردّ هو الإجماع، فالمتيقن منه الرّد القولي مع الإنشاء. و إن كان منشؤه عدم قابلية العقد لأن يضاف إلى المالك الأصيل بالإجازة في محيط العقلاء، فالظاهر أنّه لا تفاوت حينئذ بين الردّ القولي و الفعلي. و لا يبعد أن يكون هذا مدرك الإجماع على فرض وجوده، إذ من البعيد أن يكون هناك إجماع تعبدي.

إلا ان يقال: انّ بناء العقلاء أيضا دليل لبي يكون القدر المتيقن منه هو الرد القولي.

و عليه فلا دليل على الرد الفعلي بحيث يمنع عن إجازة المالك، فاستصحاب بقاء العقد في محله.

و لا ينبغي الارتياب في عدم كون فعل مثل التعريض للبيع بدون الالتفات إلى العقد الفضولي ردّا، مع البناء على كون ردّ العقد الفضولي كفسخ العقد الخياري و الإجازة من الإنشائيات.

إلّا إذا دلّ دليل على كون فعل بمجرّده ردّا، كما في الرجوع في عدة الطلاق الرجعي، فإنّ النص المعتبر قد دلّ على أنّ إنكار الطلاق بنفسه رجوع إلى النكاح، و إن لم يكن الراجع ملتفتا إلى وقوع الطلاق حتى يقصد الرجوع و إنشاءه بإنكاره. و لا وجه للتعدي عن مورد النص و هو الطلاق إلى سائر الموارد، ففي غير الطلاق لا بدّ في صدق عنوان الردّ من الإنشاء المتوقف على القصد.

بل يمكن أن يقال- كما قيل-: إنّ الوجه في كون الإنكار رجعة هو ما ثبت في محله

ص: 458

و أمّا الثاني (1)- و هو ما يقع في حال عدم الالتفات- فالظاهر عدم تحقّق الفسخ به، لعدم (2) دلالته على إنشاء الرّد، و المفروض عدم منافاته أيضا للإجازة

______________________________

(1) عطف على «أمّا الأوّل» أي: القسم الثاني من التصرفات غير المنافية لملك المشتري، و هو ما يقع من المالك في حال عدم التفاته إلى ما وقع على ماله من العقد الفضوليّ، و حاصل ما أفاده المصنف قدّس سرّه في ذلك هو: عدم تحقق فسخ العقد الفضوليّ به، لعدم المقتضي له، إذ المفروض أنّه مع عدم الالتفات إلى العقد الفضوليّ لا يدلّ فعله على ردّ العقد، فلا موجب لكونه إنشاء لردّه.

(2) تعليل لعدم تحقق الفسخ به، و حاصله: أنّ الرّد من الإنشائيّات المتقوّمة بالقصد، و مع عدم الالتفات- كما هو المفروض- لا قصد، فلا ردّ حقيقة. كما أنّه ليس بحكم الرّد أيضا، بأن يكون مفوّتا لمحلّ الإجازة، كاستيلاد الأمة، لعدم منافاته للإجازة.

______________________________

من: أنّ المطلقة رجعيا زوجة أو بحكمها، فكلّ قول أو فعل يدلّ على بقاء الزوجية يكون رجوعا، فليس الرجوع بناء عليه من الإيقاعات المحتاجة إلى الإنشاء الموقوف على القصد.

بل وزان الرجوع وزان التقبيل و نحوه من الاستمتاعات الدالة على زوجية المرأة، لا أنّه ردّ فعل و هو الطلاق، بل هو تثبيت الزوجية و إبقاؤها.

و عليه فجعل الإنكار من الردّ الفعلي غير سديد، لما عرفت من أنّ إنكار الطلاق ليس ردّا، بل هو إبقاء للزوجية، فتأمّل.

و هذا الوجه لا يجري في المقام، إذ المقصود انفساخ العقد و انحلاله بحيث يخرج عن قابلية الصحة بالإجازة، و هو لا يحصل إلّا بالإنشاء غير الحاصل في المقام على الفرض.

و لا يخفى أنّ إنكار الطلاق في الصحيحة المتقدمة لا يشمل الرّد الفعلي إلّا إذا كان له إطلاق يشمل الإنكار القولي و الفعلي، و إن كان ظاهر السياق هو الإنكار القولي.

و الحاصل: أنّه لا يمكن جعل إنكار الطلاق ردّا فعليّا و مستثنى من عدم الردّ الفعلي، بأن يقال: إنّ الرّد الفعلي منحصر في إنكار الطلاق، لوجهين:

الأوّل: أنّ الإنكار ليس ردّا للطلاق، بل هو إبقاء للزوجية.

الثاني:- بعد تسليم كونه ردّا- أن الظاهر من الرد هو الردّ القولي دون الردّ الفعلي.

ص: 459

اللّاحقة (1). و لا يكفي مجرّد رفع اليد عن الفعل (2) بإنشاء ضدّه مع عدم صدق عنوان الرّد الموقوف على القصد و الالتفات إلى وقوع المردود، نظير (3) إنكار الطلاق الذي جعلوه رجوعا

______________________________

(1) يعني: حتى يكون لمفوّتيّته لمحلّ الإجازة ردّا حكميّا لا حقيقيّا.

(2) و هو العقد الفضولي، حاصله: عدم كفاية مجرّد رفع اليد عن العقد- في تحقق ردّه- بإنشاء ضده، كتعريض المالك الأصيل المبيع للبيع، بل لا بدّ في رفع اليد عن العقد الفضولي من إيجاد المالك ما يصدق عليه عنوان الرد المنوط بالقصد و الالتفات إلى وقوع العقد الفضولي على ماله، و هو المراد بقوله: «المردود» لأنّ العقد الفضولي بعد ردّ المالك يصير مردودا و متّصفا بهذا الوصف.

(3) خبر لمبتدء محذوف، أي «و هذا نظير .. إلخ». و غرضه التنظير للمنفيّ و هو الكفاية، و حاصله: أنّه لا يكفي في ردّ فعل كالعقد الفضولي مجرّد رفع اليد عنه بإنشاء ضدّه إلّا في الطلاق، فإنّ الأصحاب ذهبوا إلى كفاية مجرّد رفع اليد عن الطلاق بإنكار الطلاق و لو مع عدم التفات المنكر إلى وقوعه منه سابقا، فإنكاره للطلاق رجوع إلى النكاح و لو مع عدم التفاته إلى الطلاق.

و يدلّ عليه صحيحة أبي ولاد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن امرأة ادّعت على زوجها أنّه طلّقها تطليقة طلاق العدة طلاقا صحيحا- يعني على طهر من غير جماع- و أشهد لها شهودا على ذلك، ثم أنكر الزوج بعد ذلك. فقال عليه السّلام: إن كان أنكر الطلاق قبل انقضاء العدة فإنّ إنكاره للطلاق رجعة لها، و إن أنكر الطلاق بعد انقضاء العدّة فإنّ على الإمام أن يفرّق بينهما بعد شهادة الشهود، بعد ما تستحلف أن إنكاره الطلاق بعد انقضاء العدّة، و هو خاطب من الخطّاب» «1».

و قريب منه ما في فقه الرضا «2».

فلا وجه لقياس المقام بباب الطلاق، فإنّ الرجوع فيه بإنكار الطلاق إنّما هو بالتعبد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 15، ص 372، الباب 14 من أبواب أقسام الطلاق و أحكامه، ح 1

(2) مستدرك الوسائل، ج 15، ص 331، الباب 12 من أبواب أقسام الطلاق و أحكامه، ح 1

ص: 460

و لو (1) مع عدم الالتفات إلى وقوع الطلاق، على ما (2) يقتضيه إطلاق كلامهم (3).

نعم (4) لو ثبت كفاية ذلك (5) في العقود الجائزة كفى (6)

______________________________

(1) وصلية، أي: حتّى لو ثبت إنكار الطلاق في حال الغفلة عن وقوع الطلاق.

(2) متعلق بالفعل المقدّر «ثبت» يعني: أنّ الحكم بكون الإنكار رجوعا يقتضيه إطلاق كلامهم، لأنّهم لم يفصّلوا في تحقق الرجعة بإنكار الطلاق بين التفطّن إلى وقوع الطلاق الذي أنكره، فيكون إنكاره رجعة، و بين غفلته عنه فلا يكون رجعة، بل حكموا بأنّ الإنكار رجوع، قال المحقق قدّس سرّه: «و لو أنكر الطلاق كان ذلك رجعة، لأنّه يتضمّن التمسك بالزوجية» «1».

و قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و ظاهرهم الاتفاق على كونه- أي الإنكار- هنا رجوعا» «2».

و ادّعى صاحب الجواهر الإجماع بقسميه على الحكم، ثم قال في الرّد على اعتبار إرادة البقاء على النكاح الأوّل: «مع أنّ النصّ و كلام الأصحاب مطلق، فلا محيص حينئذ عن القول بأنّ الرجعة ليست من قسم الإيقاع، و لا يعتبر فيها قصد معنى الرجوع. بل يكفي فيها كلّ ما دلّ من قول أو فعل على التمسك بالزوجية فعلا و إن ذهل عن معنى الطلاق ..» فراجع «3».

(3) بل و إطلاق النصّ المتقدم آنفا أيضا.

(4) استدراك على قوله: «و لا يكفي مجرّد رفع اليد».

(5) أي: التصرف غير المنافي لملك المشتري في العقود الجائزة و لو بدون الالتفات إلى وقوع عقد على ماله، كما إذا وهب لزيد متاعا، ثمّ عرضه للبيع غافلا عن أنّه وهبه لزيد. فعلى القول بأنّ هذا التصرف يبطل الهبة لا بدّ من القول ببطلان العقد الفضولي به بطريق أولى.

(6) جواب الشرط في «لو ثبت» و فاعله ضمير راجع إلى «ذلك» أي التصرف.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 30

(2) مسالك الأفهام، ج 9، ص 187

(3) جواهر الكلام، ج 32، ص 182 و 184

ص: 461

هنا (1) بطريق أولى، كما عرفت (2). لكن لم يثبت ذلك (3) هناك، فالمسألة (4) محلّ إشكال، بل الإشكال في كفاية (5) سابقه (6) أيضا، فإنّ (7) بعض المعاصرين

______________________________

(1) أي: في العقد الفضولي.

(2) أي: في (ص 458) حيث قال: «فإذا صلح الفسخ الفعلي لرفع أثر العقد الثابت .. صلح لرفع أثر العقد المتزلزل من حيث الحدوث».

(3) أي: لم يثبت كفاية التصرفات غير المنافية لملك المشتري في العقود الجائزة، فكيف بالعقد المتزلزل حدوثا؟

(4) أي: مسألة كون التصرفات غير المنافية لملك المشتري ردّا للعقد الفضولي- و إن لم يلتفت المالك إلى وقوع عقد على ملكه، كتعريض المبيع للبيع، و إيقاع عقد فاسد عليه- محلّ إشكال.

(5) متعلق بالخبر المحذوف، أي: بل الاشكال ثابت في كفاية .. إلخ.

(6) و هو القسم الأوّل من القسمين اللّذين ذكرهما المصنف قدّس سرّه في (ص 453) بقوله: «لأنّه إمّا أن يقع حال التفات المالك إلى وقوع العقد».

(7) هذا منشأ الإشكال في حصول الردّ بفعل مع الالتفات إلى وقوع عقد فضولا على ماله، و محصّله: أنّ دعوى بعض المعاصرين الاتّفاق على اعتبار اللفظ في الرد كالإجازة صارت منشأ للإشكال في كون فعل مضاد للعقد الفضولي- مع التفات المالك إلى وقوع عقد على ماله- ردّا للعقد، و مع دعوى الإجماع المزبور يشكل الإكتفاء في ردّ عقد الفضول بالفعل.

و لعلّ المراد بهذا البعض هو الشيخ الأعسم قدّس سرّه، و قد تقدم في (ص 166) نقل كلامه في اعتبار اللفظ في الإجازة. و قال في اشتراط الردّ بالصراحة: «و يشهد للكلّ جملة من الأخبار و كلمات الأصحاب».

و هذه الجملة نقلها صاحب الجواهر في مقام الاستدلال على اعتبار اللفظ في الفسخ و إن ناقش هو فيه، لكن ذكره وجها لاشتراط اللفظ شاهد على استظهار الإجماع عليه، و إن كانت هذه الاستفادة محلّ تأمل، لأنّ المدّعى في كلام الشيخ الأعسم قدّس سرّه هو اعتبار الصراحة في الرد، سواء أ كان بالقول أم بالفعل، لأنّه قال: «انّه هل

ص: 462

يظهر منهم (1) [منه] دعوى الاتّفاق على اعتبار اللّفظ في الفسخ كالإجازة، و لذا (2) استشكل في القواعد في بطلان الوكالة بإيقاع العقد الفاسد على متعلّقها جاهلا

______________________________

الإجازة فوريّة أي: من حين العلم بالعقد؟ أم لا ينافيها إلّا الردّ الصريح، قال في الدروس و التنقيح و الحدائق و الرياض بالثاني، و هو الأظهر» ثم اعتبر الصراحة في كلّ من القول و الفعل، و استدلّ عليه بقوله «و يشهد لكلّ .. إلخ» ما نقلناه.

و على كلّ فلا بأس بما نسبه المصنف قدّس سرّه الى بعض معاصريه من دعوى الإجماع على اعتبار اللفظ في الرّد، لأنّه اعتمد على ما في الجواهر من قوله: «بل قيل: انه تشهد له جملة من الأخبار و كلام الأصحاب ..» «1» فراجع.

(1) كذا في نسخ الكتاب، إلّا ما ضبطه الفقيهان السيد و المامقاني قدّس سرّهما في حاشيتيهما «2»، من نقل عبارة المتن هكذا «يظهر منه» و هو المناسب لكلمة «البعض» فلاحظ.

(2) يعني: و لأجل دعوى بعض المعاصرين الاتفاق على اعتبار اللفظ في الفسخ استشكل العلّامة قدّس سرّه في القواعد في بطلان الوكالة بإيقاع الموكّل عقدا فاسدا على متعلّق الوكالة جاهلا بفساده، كما إذا وكّل زيدا في بيع كتاب المكاسب، ثم وهبه هبة فاسدة جاهلا بفسادها، فإنّ الهبة الفاسدة- كتعريض المبيع للبيع- فعل لا ينافي الوكالة.

و استشكل العلّامة و ولده و المحقق الثاني قدّس سرّهم في كونها ردّا للوكالة، و لعلّ منشأ إشكالهم هو نقل الاتّفاق على اعتبار اللّفظ في الفسخ.

قال العلّامة في باب فسخ الوكالة بفعل الموكّل ما ينافي موردها: «و لو وكّله في بيع عبد، ثم أعتقه عتقا صحيحا، أو باعه كذلك، بطلت الوكالة، و لا تبطل مع فساد بيعه و عتقه مع علمه- أي مع علم الموكّل بفساد البيع و العتق-، و مع جهله اشكال» «3».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 294، كشف الظلام (مخطوط).

(2) حاشية السيد، ج 1، ص 174، غاية الآمال، ص 400

(3) قواعد الأحكام، ج 2، ص 365

ص: 463

بفساده، و قرّره في الإيضاح و جامع المقاصد على الإشكال (1) [1].

______________________________

(1) يعني: و قرّر كلّ واحد من صاحبي الإيضاح و جامع المقاصد العلّامة على الإشكال الذي ذكره في بطلان الوكالة بإيقاع عقد فاسد على متعلّقها جاهلا بفساده.

______________________________

[1] ظاهر العبارة كون منشأ استشكال العلّامة قدّس سرّه في فرض جهل الموكّل بفساد بيعه عدم تحقق العزل بالقول، بحيث لو فسخ الوكالة باللفظ لا نعزل الوكيل.

لكن الظاهر أنّ منشأ الإشكال أمر آخر، بشهادة التزام العلّامة بانعزال الوكيل في صورة كون بيع الموكّل صحيحا، و بقاء الوكالة في صورة فساده مع علمه بالفساد حتى إذا لم يكن لفظ دال على العزل مثل «عزلتك أو أزلت وكالتك» و نحوهما، و إنّما قال بالعزل في الصورة الأولى من جهة التصرف المنافي لمورد الوكالة، و عدمه في الصورة الثانية.

كما أنّ ما نسبه إلى الفخر و المحقق الثاني من تقرير الإشكال غير ظاهر.

أمّا فخر الدين فقد قال بعد بيان وجهي الاشكال: «و التحقيق أنّ قصد السبب هل يستلزم قصد المسبب؟ الحقّ ذلك مع العلم بالسببية، فجهله إن كان بالفساد مع علمه بسببه الصحيح للعزل انعزل. و إن كان بالسببية لم ينعزل، لأنّه لم يقصد بذلك العزل، و إلّا أوجد سببه. هكذا قال المصنف، و نعم ما قال» «1».

و قوله: «لأنّه لم يقصد» كالصريح في إناطة العزل بالقصد مع التفاته إلى سببية البيع له.

و لا إيماء في كلامه إلى كون منشأ الاشكال فقد الفسخ القولي.

و أما المحقق الكركي قدّس سرّه فقد قال بعد بيان وجهي الاشكال: «و فيه نظر، لأنّ العقد الصحيح سبب في العزل من حيث ترتب الخروج عن الملك عليه، و ذلك مفقود مع ظهور فساده. نعم إن قصد بالمأتي به العزل فليس ببعيد الانعزال به، و إلّا فلا» «2».

و بنى السيد العاملي قدّس سرّه العزل و عدمه على أنّ قصده للبيع هل يكون كفسخ الوكالة بالقول أم لا، فقال: «و التحقيق: أنّ عزمه على البيع- صحيحا كان أو فاسدا- و إيقاعه له بمنزلة عزله بالقول، فكان كأنّه قال: عزلت فلانا، فيجي ء فيه حال العزل بالقول في أنه هل ينعزل

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 254

(2) جامع المقاصد، ج 8، ص 282

ص: 464

و الحاصل (1): أنّ المتيقّن من الرّدّ هو الفسخ القوليّ. و في حكمه (2) تفويت محلّ الإجازة، بحيث لا يصحّ وقوعها (3) على وجه يؤثّر من حين العقد.

و أمّا الردّ الفعليّ (4)- و هو الفعل المنشأ به مفهوم الردّ- فقد (5) عرفت نفي

______________________________

(1) يعني: و ما حاصل الكلام في مسألة الردّ هو: أنّ المتيقن من الردّ هو الفسخ القولي.

(2) أي: و في حكم الفسخ القولي تفويت محل الإجازة، بحيث لا يصحّ أن تؤثّر الإجازة من حين وقوع العقد، و هي التصرفات المخرجة عن الملك بالنقل أو الإتلاف كالبيع أو العتق و نحوهما، فإنّ صحة هذه التصرفات من المالك تنافي الإجازة المؤثرة من حين صدور العقد الفضولي كما تقدم تفصيله في (ص 446). فإنّ هذه التصرفات و إن لم تكن ردّا حقيقة، لعدم إنشاء الرّد بها. لكنّها مانعة عن صحة العقد الفضولي من زمان وقوعه، فهي بحكم الردّ من جهة فوات محل الإجازة، حيث لا يمكن صحة العقد الفضولي مع هذه التصرفات من المالك.

(3) أي: وقوع الإجازة. هذا ما يتعلّق بالفسخ القولي و هو المتيقن من الردّ.

(4) و هو الفعل الذي ينشأ به مفهوم الردّ، كتعريض المبيع فضولا للبيع مع التفات المالك إلى وقوع العقد الفضولي على ماله.

(5) جواب «و أمّا الردّ» و قد عرفت في (ص 453) عند قوله: «أمّا الأوّل فهو ردّ فعليّ للعقد، و الدليل على إلحاقه بالردّ القولي .. إلخ» و قد استدل على حصول الفسخ به بوجوه ثلاثة، فراجع.

______________________________

بمجرده و إن لم يبلغه الخبر، أم لا .. إلخ» «1».

و على هذا فلعلّ مقصود المصنف من المشار إليه في قوله: «و لذا» هو كون المسألة محلّ إشكال، لا قضية الإجماع على دخل اللفظ في تحقق الرد. و حينئذ تسلم عبارة المتن من الإشكال.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 622

ص: 465

البعد (1) عن حصول الفسخ به.

و أمّا (2) مجرّد إيقاع ما ينافي مفهومه قصد بقاء العقد من غير تحقّق مفهوم الرّد- لعدم (3) الالتفات إلى وقوع العقد (4)- فالاكتفاء (5) به مخالف للأصل (6).

و في حكم ما ذكرنا (7) الوكالة (8) و الوصاية. و لكنّ الإكتفاء فيهما (9) بالردّ الفعلي أوضح (10).

______________________________

(1) لا يخفى أنّه جزم بالفسخ هناك، و استدلّ عليه بتلك الوجوه الثلاثة. لا أنّه نفى البعد عن حصول الفسخ به.

(2) هذا إشارة إلى القسم الثاني من التصرفات غير المنافية لملك المشتري حين العقد، و قد تعرّض لذلك في (ص 459) بقوله: «و أمّا الثاني و هو ما يقع في حال عدم الالتفات .. إلخ» و ذلك كتعريض المبيع فضولا للبيع مع عدم التفات المالك إلى وقوع العقد الفضولي عليه.

(3) تعليل لعدم تحقق مفهوم الرد، حيث إنّ تحققه منوط بقصده، و مع عدم الالتفات لا يحصل قصده.

(4) أي: وقوع العقد الفضولي على ماله.

(5) جواب قوله: «و أمّا» يعني: فالاكتفاء- بمجرّد إيقاع ما ينافي مفهومه قصد بقاء العقد الفضولي- مخالف للأصل.

(6) و هو استصحاب بقاء العقد على قابليته للإجازة عند الشكّ في بقائه.

(7) أي: تكون الوكالة و الوصاية في حكم ما ذكرنا من تحقق الردّ في العقد الفضوليّ بالقول و الفعل على التفصيل المذكور، فإذا وكّل شخصا أو أوصى إليه، ثم ردّ الوكالة أو الوصاية بالقول أو الفعل، بطلت، و لا موجب لنفوذهما.

(8) مبتدء مؤخّر، و خبره المتقدّم قوله: «و في حكم ما ذكرنا».

(9) أي: في الوكالة و الوصاية.

(10) يعني: أنّ الإكتفاء في إبطال الوكالة و الوصاية بالفعل أوضح من الإكتفاء بالفعل في إبطال عقد الفضوليّ. و لعلّ وجه أوضحيّة الإكتفاء فيهما بالردّ الفعلي- من الإكتفاء به في البيع و غيره من العقود اللازمة- هو: أنّه لمّا كان انعقاد الوكالة و الوصاية

ص: 466

و أمّا الفسخ في العقود الجائزة بالذات أو الخيار (1) فهو منحصر باللفظ أو الردّ الفعليّ.

و أمّا (2) فعل ما لا يجامع صحّة العقد كالوطي و العتق [و البيع] فالظاهر

______________________________

و غيرهما من العقود الجائزة بكلّ ما يدلّ عليها سواء أ كان لفظا أم فعلا، و لم يعتبر في انعقادها خصوص اللفظ، كان انحلالها أيضا في اعتبار العقلاء كانعقادها بكلّ ما يدلّ عليه من قول أو فعل. بخلاف البيع و غيره من العقود اللازمة، فإنّ انعقادها لازمة لمّا كان باللفظ كان مقتضى اعتبار العقلاء اعتبار اللفظ في انحلالها أيضا، هذا.

و يمكن أن يكون وجه الأوضحيّة في الوكالة أنّ مناط صحّة تصرّف الوكيل في متعلّق الوكالة إذن المالك و رضاه، فلو علم الوكيل بعدم رضا المالك بالتصرف فيه- و لو كان الدالّ على العلم بعدم الرضا فعلا صادرا من الموكّل- لا يجوز له التصرف بلا إشكال، من دون حاجة إلى لفظ يدلّ على إنشاء فسخ الوكالة.

و الحاصل: أنّه يكفي في عدم جواز التصرف كلّ ما يدلّ على ذلك بلا حاجة إلى إنشاء، حتى يحتمل اعتبار اللفظ فيه.

و في الوصية أنّها جزء السبب و جزؤه الآخر الموت، و يعتبر استمرار الرضا من الموصى إلى حصول الجزء الآخر. فلو ارتفع الرضا قبل تحقق الجزء الآخر- و لو بدلالة فعل من الموصى على ذلك- بطلت الوصية، و لا يؤثر لحوق الجزء الآخر. و لكن هذا البطلان إنّما هو لأجل عدم حصول شرط انعقاد العقد، لا لأجل الردّ.

(1) معطوف على «بالذات» حاصله: أنّ الفسخ في العقود الجائزة منحصر في الإنشاء اللفظي أو الفعلي، سواء أ كان جوازها بالذات، و هي العقود الإذنية، أم كان بالعرض و هي الجائزة بالخيار المجعول شرعا كخيار الحيوان و المجلس، أو بجعل المتعاقدين كخيار الشرط.

(2) هذا دفع توهّم. أمّا التوهّم فتقريبه: أنّه يتوهم حصول فسخ العقود الجائزة بالذات أو بالخيار بغير اللفظ و الرد الفعلي، و هو فعل ما ينافي صحة العقد الجائز بالذات كالهبة، أو بالخيار كالبيع الخياري، فإنّ هذه التصرفات- أعني بها الوطء و العتق و البيع التي أوقعها ذو الخيار في زمن الخيار، أو أوقعها بعد العقد الجائز بالذات كالهبة- فاسخة للعقد الجائز، فليس الفسخ في العقود الجائزة منحصرا باللفظ أو الرد الفعليّ، هذا.

ص: 467

أنّ الفسخ بها من باب تحقّق القصد قبلها، لا (1) لمنافاتها لبقاء العقد (2)، لأنّ (3) مقتضى المنافاة بطلانها (4)، لا انفساخ (5) العقد، عكس ما نحن فيه (6)، و تمام الكلام في محلّه.

[فائدة الرد و ما يترتب عليه شرعا]

ثمّ (7) إنّ الرّد إنّما يثمر

______________________________

و أمّا تقريب الدفع فهو: أنّ الفعل المنافي لصحة العقد الجائز- كالوطء و العتق و البيع- ليس بنفسه فسخا، بل يتحقق الفسخ بقصده آنا ما قبل حصول المنافي. و لو كان الفسخ به لأجل منافاته لصحة العقد الجائز لاقتضت المنافاة بطلان الفعل المنافي، لوقوعها في ملك الغير، لا انفساخ العقد.

و الحاصل: أنّ الفسخ هنا من مصاديق الرد الفعلي، و ليس أمرا آخر حتى يتوهم أنّ الفسخ هنا خارج عن الفسخ القوليّ و الفعليّ، فلا مجال للتوهّم المزبور.

(1) يعني: أنّ الفسخ بالوطء و العتق و البيع إنّما هو لتحقق قصد الفسخ قبلها.

(2) و هو العقد الجائز بالذات أو بالخيار.

(3) تعليل لبطلان الوطء و أخويه، و محصّله: أنّها تبطل لمنافاتها لمقتضى العقد الجائز، و هو كون ما وقع عليه هذه الأمور ملكا لغير من صدرت هذه التصرفات منه، فلا بدّ من الحكم ببطلانها، لوقوعها في ملك الغير.

(4) أي: بطلان الوطء و العتق و البيع، لوقوعها في ملك الغير.

(5) معطوف على «بطلانها» يعني: أنّ مقتضى المنافاة بطلان تلك التصرفات، لا بطلان العقد.

(6) و هو عقد الفضول، و المراد بالعكس: أن تلك التصرفات في العقد الفضولي تقتضي صحّتها، لوقوعها في ملك المالك المسلّط على كل تصرف في أمواله، و بطلان العقد الفضولي، و عدم صحة الإجازة بعد التصرفات المنافية لصحة العقد الصادرة من المالك.

(7) بعد أن بيّن قدّس سرّه ما يتحقق به ردّ العقد الفضولي، أراد أن يبيّن فائدة الرد و ما يترتب عليه شرعا، فقال: إنّ ثمرة ردّ المالك العقد الفضولي هي عدم صحة الإجازة بعد الرّد، لعدم محلّ لها بعد تلك التصرفات. و أمّا انتزاع المال- الذي بيع فضولا- من المشتري إن كان قد قبضه من العاقد الفضولي فلا يتوقف على الرّد، بل يكفي في جواز انتزاعه عدم الإجازة، لأنّ سلطنة المالك على ماله- ما لم يجز العقد الفضولي- باقية

ص: 468

في عدم صحّة الإجازة [1] بعده. و أمّا انتزاع المال من المشتري لو أقبضه الفضوليّ، فلا يتوقّف على الرّد، بل يكفي فيه (1) عدم الإجازة. و الظاهر أنّ الانتزاع بنفسه ردّ (2) مع القرائن الدالّة على إرادته (3) منه، لا مطلق (4) الأخذ، لأنّه (5) أعمّ.

______________________________

و مقتضاها جواز انتزاعه من المشتري.

(1) أي: في جواز انتزاع المال من المشتري.

(2) يعني: إذا كان هذا الانتزاع مصداقا للردّ فلا إشكال في أنّه ينتزع ماله واقعا و ظاهرا على النقل و الكشف الانقلابي، و كذا بنحو الشرط المتأخر، أو بوصف التعقب المقارن للعقد مع العلم بعدم الإجازة أصلا، فإنّ المبيع الفضوليّ في جميع هذه الصور باق على ملك مالكه. و مقتضى سلطنة الناس على أموالهم جواز انتزاع ماله من المشتري.

(3) أي: على إرادة الرّد من الانتزاع.

(4) معطوف على «الانتزاع» يعني: و الظاهر أن الأخذ المجرّد عن القرينة ليس ردّا.

(5) يعني: لأنّ الأخذ أعم من الرّد، لإمكان أن يكون الأخذ للاطّلاع على سعره، أو للانتفاع به مدّة.

______________________________

[1] يعني: إجازة المالك الفعلي. و أمّا إذا باعه المالك من شخص آخر غير المشتري الذي اشتراه من الفضول، فالظاهر عدم مانع من إجازة المالك الجديد ذلك العقد الفضولي، فردّ المالك ليس هدما و إعداما له من صقع الاعتبار حتى لم يبق محلّ للإجازة مطلقا حتى بالنسبة إلى المالك الفعلي.

بل معنى الردّ أنّه ليس له الإجازة بعد الرّد. و ليس معناه انعدام العقد بحيث لم يكن لغير المالك إذا صار مالكا للمبيع الفضولي إجازة العقد الفضولي، لأنّ فعل الغير- و هو الفضول- ليس تحت اختيار مالك المبيع حتى يعدمه، بل له ردّه الذي مرجعه إلى قطع علقة العقد بماله. فإنّ للمالك قطع هذه العلقة بالرّد، كما أنّ له إبقاءها و تثبيتها بالإجازة. و ليس له إعدام العقد بحيث لا يصح لغيره- إذا ملك المبيع- أن يجيز هذا العقد الفضولي، فإنّ حدوث الأمر الاعتباري و بقاءه بيد من بيده الاعتبار، و ليس المالك مالكا لهذا الاعتبار.

ص: 469

و لذا (1) ذكروا أنّ الرجوع في الهبة لا يتحقّق به.

______________________________

(1) أي: و لأجل أعمية الأخذ من الرّد ذكر جماعة من الأصحاب: أنّ الرجوع في الهبة لا يتحقق بأخذ الواهب العين الموهوبة من المتهب، قال العلّامة في القواعد- بعد حكمه بتحقق الرجوع بلفظ رجعت و شبهه و بالفعل كالبيع- ما لفظه: «و الأقرب أنّ الأخذ ليس فسخا» «1». و الظاهر أنّ مورد كلامه عدم وجود قرينة على إرادة الرجوع بهذا الأخذ. كما يظهر من فخر المحققين و المحقق الثاني و السيد العميد، لعدم دلالة الأعم على الأخص، فراجع.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 408، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 418، جامع المقاصد، ج 9، ص 167، كنز الفوائد، ج 2، ص 161، مفتاح الكرامة، ج 9، ص 192 و 193

ص: 470

[حكم المالك مع المشتري لو لم يجز]

مسألة (1) لو لم يجز المالك، فإن كان المبيع في يده (2) فهو، و إلّا فله انتزاعه ممّن وجده في يده (3) مع بقائه، و يرجع بمنافعه (4)

______________________________

ب: حكم المالك مع المشتري لو لم يجز

(1) الغرض من عقد هذه المسألة بيان الحكم الوضعي- و هو ضمان المبيع الفضولي- في صورة عدم إجازة المالك، و ردّه البيع الفضولي.

و محصّل ما أفاده فيها: أنّ المبيع فضولا إن كان باقيا و كان بيد المالك، فلا كلام.

و إن لم يكن بيده، فله انتزاعه ممّن وجده في يده، سواء أ كان هو المشتري أم غيره.

و يرجع بمنافعه المستوفاة- كاللّبن و الصوف من الشاة- على من كان المبيع في يده، و استوفى المنافع منه. و كذا يرجع المالك على من كان المبيع عنده بمنافعه التي لم يستوفها، كما إذا كان المبيع دكّانا أو دارا و لم يستوف منفعته- كما إذا كانت أجرته على تقدير إجارته في تلك المدة التي كانت بيد المشتري أو غيره عشرة دنانير مثلا- فإنّ للمالك أخذ هذه الأجرة ممّن كان المبيع بيده.

(2) هذا الضمير و ضمير «فله» و الضمير المستتر في «وجده» راجعة إلى المالك.

(3) الضمير راجع إلى الموصول في «ممّن» المراد به المشتري.

(4) هذا الضمير و ضمائر «انتزاعه، وجده، بقائه» راجعة إلى المبيع.

ص: 471

المستوفاة [1] و غيرها، على الخلاف المتقدّم في البيع الفاسد (1). و مع التلف (2) يرجع إلى من تلف عنده

______________________________

(1) بقوله: «و أمّا المنفعة الفائتة بغير استيفاء فالمشهور فيها أيضا الضمان» الى أن قال: «فيتحصّل من ذلك كلّه أنّ الأقوال في ضمان المنافع غير المستوفاة خمسة .. إلخ» «1».

فضمان المنافع غير المستوفاة محلّ الخلاف، هذا كلّه في صورة بقاء عين المبيع.

(2) هذا شروع في حكم تلف المبيع، و محصّله: أنّه مع التلف يرجع إلى من تلف عنده- من المشتري أو غيره- بقيمته يوم التلف، أو بأعلى القيم من زمان وقوعه في يده إلى وقت تلفه، على الخلاف بين الفقهاء.

______________________________

[1] على المشهور على ما قيل. بل عن السرائر «الاتفاق على ذلك» لجعله كالمغصوب عند المحصلين، و يدل عليه عموم قوله: «لا يحل مال امرء مسلم لأخيه إلّا عن طيب نفسه» بناء على صدق «المال» على المنافع، و لذا يجعل ثمنا في البيع و صداقا في النكاح.

و يدل عليه أيضا صحيح أبي ولّاد المتضمن لضمان المنافع المستوفاة، ردّا على أبي حنفية النافي للضمان، استنادا إلى «الخراج بالضمان» و إبطال قوله موكول إلى بحث المقبوض بالعقد الفاسد.

و أمّا المنافع غير المستوفاة فالمنسوب إلى المشهور أيضا الضمان. و يشمله إطلاق معقد إجماع السرائر من كون المقبوض بالعقد الفاسد كالمغصوب عند المحصلين.

و لعلّ وجه ضمانها صدق الأموال عليها، و قاعدة احترام مال المسلم أيضا تقتضي الضمان، فإنّ المنافع القائمة بالأعيان أموال، و أخذها بقبض الأعيان، هذا مجمل الكلام في ضمان المنافع بقسميها. و تقدم التفصيل في أحكام المقبوض بالعقد الفاسد، فراجع «2».

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 3، ص 251- 267

(2) المصدر، ص 213 إلى 285

ص: 472

بقيمته (1) يوم التلف، أو بأعلى القيم من زمان وقع في يده [1].

______________________________

(1) أي: بقيمة المبيع يوم التلف، أو بأعلى القيم من زمان الغصب- و هو زمان وقوع المال في يده- إلى زمان وصول المال إلى مالكه، هذا إذا كان المبيع قيميّا.

و إن كان مثليّا يرجع إلى من تلف عنده بمثله.

فالمراد بقوله: «بقيمته» هو مالية المبيع. فإن كان المبيع مثليّا يتعيّن بدله في المثل.

و إن كان قيميّا تعيّن بدله في قيمته.

______________________________

[1] أو يوم الدفع، فيه وجوه، بل أقوال.

قيل في المقام: إنّ منشأ القول بقيمة يوم الغصب و يوم التلف هو كون الضمان فعليّا يوم الغصب، أو تعليقيّا. فمن قال بالأوّل مشروطا بشرط متأخر- و هو تلف العين- قال بالضمان يوم الغصب. و من قال بالثاني قال بقيمة يوم التلف.

و منشأ القول بيوم الدفع- و هو يوم الأداء وجهان:

الأوّل: أنّ العين بجميع خصوصياتها الشخصية مضمونة على الضامن في كلتا صورتي وجود العين و تلفها. فمع التمكن من ردّ العين يجب ردّها، و مع تلفها يجب ردّ مثلها إن كان المال مثليّا، و ردّ قيمتها إن كان قيميا، هذا. و فيه: ما ذكر في محلّه «1».

الثاني: أنّ الشي ء متقوم بماليّته، مثلا قوام الحنطة بماليتها التي هي الإشباع و حفظ الحياة، و أمّا الخصوصيات الشخصية و المثلية فهي فضلة و خارجة عن حقيقتها، فإذا تلفت الحنطة فماليتها- و هي الإشباع- تثبت في الذمة، فتقوّم بقيمة يوم الدفع الذي هو يوم المطالبة، و يوم الخروج عن العهدة. ففي هذا اليوم يقوّم ما في ذمة الضامن من مالية التالف، هذا.

و منشأ القول بأعلى القيم هو كون الرغبات التي تتفاوت بها الأسعار السوقية مضمونة على الضامن، و قد تقدم الكلام في ما استدل به عليه، فراجع «2».

______________________________

(1) راجع تفصيل هذا البحث فيما ذكرناه في أحكام المقبوض بالبيع الفاسد، هدى الطالب، ج 3، ص 384 و 397- 401

(2) هدى الطالب، ج 3، ص 401 و 539- 542

ص: 473

و لو كان قبل ذلك (1) في ضمان آخر (2) و فرض زيادة القيمة عنده (3) ثمّ نقصت عند الأخير (4) اختصّ (5) السابق بالرجوع بالزيادة عليه (6)، كما صرّح به (7) جماعة في الأيدي المتعاقبة.

______________________________

لكن يأبى الحمل على الماليّة قوله: «يوم التلف أو بأعلى القيم».

(1) المشار إليه هو التلف، و هذا فرع آخر، و هو: أنّه إذا كان المبيع قبل التلف في ضمان شخص آخر غير المشتري، و فرض ارتفاع قيمته عنده، ثم نقصت عند الضامن الأخير، كما إذا فرض أنّ زيدا غصب غنم عمرو، و كانت قيمتها خمسين دينارا، ثم باعها على بكر، و تنزّلت قيمتها عند التلف و صارت ثلاثين دينارا، فإن المالك حينئذ يأخذ من المشتري- و هو بكر- ثلاثين دينارا، و من زيد الغاصب عشرين دينارا، و هو الزائد على قيمتها السوقية يوم التلف.

(2) أي: غير المشتري، كزيد الغاصب في المثال المذكور.

(3) أي: عند شخص آخر غير المشتري، و هو في المثال زيد الغاصب.

(4) أي: المشتري، و هو بكر في المثال المذكور.

(5) جواب «و لو كان» أي: اختصّ السابق في الضمان- و هو زيد الغاصب- برجوع المالك عليه بالزيادة، و هي عشرون دينارا في المثال.

(6) أي: على السابق الذي زادت القيمة عنده.

(7) أي: صرّح جماعة برجوع المالك على السابق- الذي ارتفعت قيمته السوقية عنده- في الأيدي المتعاقبة، كما إذا غصب شخص كتاب زيد، و باعه على عمرو، ثم باعه عمرو على بكر، ثم باعه بكر على بشر، فتلف عنده الكتاب، فإنّه لأجل ضمان الجميع يتخيّر المالك في الرجوع إلى أيّ واحد منهم ببدل واحد، مع استقرار الضمان على الأخير الذي تلف المال بيده.

لكنهم فصّلوا بين علم الأيدي المتعاقبة بالغصب و بين جهلهم به، ففي صورة العلم لو طالب المالك من الغاصب أو من الأيدي السابقة جاز مطالبة البدل من اليد اللاحقة.

و لو رجع المالك على الأخير لم يجز له الرجوع إلى الغاصب أو اليد السابقة عليه إلّا في صورة زيادة قيمة المال عند السابق و نقصانها عند الأخير، فإنّ الزيادة مضمونة على من زادت عنده القيمة.

ص: 474

هذا (1) كلّه حكم المالك مع المشتري [1].

[حكم المشتري مع الفضولي]
اشارة

و أمّا (2) حكم المشتري مع الفضولي،

______________________________

فلو كان سعر الكتاب عند الغاصب عشرة دراهم و عند الأخير ثمانية، كان المطالب بالزيادة هو الغاصب، لا الأخير الذي تلف عنده الكتاب.

قال العلّامة قدّس سرّه: «و للمالك الرجوع على الجميع ببدل واحد، لكن الثاني إن علم بالغصب طولب بكلّ ما يطالب به الغاصب، و يستقرّ الضمان عليه إن تلف عنده، فلا يرجع على الأوّل لو رجع- أي المالك- عليه .. هذا إذا تساوت القيمة، أو كانت في يد الثاني أكثر. و لو زادت في يد الأوّل طولب بالزيادة دون الثاني ..» «1».

و نحوه كلامه في التذكرة، و وافقه الشهيد الثاني و الفاضل السبزواري و السيد العاملي «2»، و هو ظاهر سكوت السيد العميد و فخر المحققين «3»، فراجع.

(1) يعني: أنّ ما ذكرناه في هذه المسألة- التي أوّلها قوله: «لو لم يجز المالك، فان كان المبيع في يده»- إلى هنا راجع إلى حكم المالك مع المشتري في صورتي وجود المبيع و تلفه.

ج: حكم المشتري مع الفضولي

(2) يعني: و أمّا حكم المشتري مع البائع الفضولي من حيث الضمان، فيقع الكلام فيه تارة في الثمن الذي دفعه إلى الفضولي، و اخرى فيما يغرمه المشتري للمالك زائدا على الثمن، كما إذا كان الثمن في البيع الفضولي خمسة دنانير، و كانت القيمة السوقية عشرة دنانير،

______________________________

[1] حق الكلام أن يقال: «من وجده عنده» بدل «مع المشتري» حتى يوافق قوله:

«ممّن وجده في يده» لأنّ ما ذكره- من رجوع المالك، و أخذ العين مع بدل المنافع المستوفاة و غيرها، و أخذ قيمتها مع التلف- لا يختص بالمشتري، بل ذلك حكم من وجد المبيع عنده، سواء أ كان مشتريا أم غيره.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 224

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 377، السطر 35، مسالك الأفهام، ج 12، ص 156، كفاية الأحكام، ص 259، مفتاح الكرامة، ج 6، ص 229

(3) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 169، كنز الفوائد، ج 1، ص 652

ص: 475

فيقع الكلام فيه (1) تارة في الثمن، و اخرى فيما (2) يغرمه للمالك زائدا على الثمن (3)، فهنا مسألتان:

[الأولى: المشتري الجاهل بالفضولية يرجع بالثمن إلى الفضولي]

الأولى:

أنّه (4) يرجع عليه بالثمن إن كان جاهلا بكونه فضوليّا، سواء كان باقيا أم تالفا. و لا يقدح في ذلك (5)

______________________________

و رجع المالك على المشتري بهذه الزيادة. فيقع الكلام في حكم هذه الزيادة من حيث رجوع المشتري بها على البائع الفضولي الغاصب و عدمه، فهنا مسألتان.

(1) أي: في حكم المشتري مع الفضولي- في الثمن الذي أخذه من المشتري- من حيث الضمان و عدمه.

(2) أي: في المال الذي يغرمه المشتري لمالك المبيع الفضولي زائدا على الثمن المقرّر في عقد الفضول، مثل ما تقدّم آنفا من كون الثمن خمسة دنانير، و كون القيمة السوقية عشرة دنانير.

و الغرض أنّ حكم المشتري مع الفضولي من حيث الضمان تارة يقع في نفس الثمن الّذي دفعه إلى البائع الفضولي، و اخرى في المال الذي أخذه المالك منه زائدا على الثمن الذي أخذه الفضولي من المشتري، فهل يكون هذا الزائد مضمونا على البائع كنفس الثمن أم لا؟

(3) أي: الثمن المقرّر في العقد الفضولي، و هو خمسة دنانير في المثال المذكور.

المشتري الجاهل بالفضولية يرجع بالثمن إلى الفضولي

(4) أي: أنّ المشتري يرجع على البائع الفضولي بالثمن الذي دفعه إليه إن كان المشتري جاهلا بكون البائع فضوليا، سواء أ كان الثمن باقيا أم تالفا، فإنّه في ظرف التلف يأخذ من البائع الفضول مثله إن كان مثليا، و قيمته إن كان قيميّا.

(5) المشار إليه رجوع المشتري إلى البائع، يعني: لا يقدح في رجوع المشتري إلى البائع اعتراف المشتري بملكية المبيع للبائع. وجه عدم القدح: أنّ اعترافه هذا مبني على الظاهر و هو اليد، فإنّ الملكية المستندة إلى اليد حكم ظاهريّ، و هو حجّة ما لم ينكشف خلافه.

ص: 476

اعترافه (1) بكون البائع مالكا، لأنّ (2) اعترافه مبنيّ على ظاهر يده (3).

نعم (4) [1] لو اعترف به على وجه يعلم عدم استناده إلى اليد- كأن يكون اعترافه بذلك بعد قيام البيّنة (5)- لم يرجع (6) بشي ء. و لو لم يعلم استناد الاعتراف (7)

______________________________

(1) أي: اعتراف المشتري.

(2) تعليل لعدم كون اعتراف المشتري بمالكية البائع للمبيع قادحا في رجوعه إلى البائع، و قد اتضح بقولنا: «وجه عدم القدح أنّ اعترافه .. إلخ».

(3) أي: يد البائع.

(4) استدراك على أخذ الثمن من البائع الفضولي، و حاصل الاستدراك: أنّه إذا كان اعتراف المشتري بمالكية البائع للمبيع مستندا إلى غير اليد- كما إذا اعترف بملكية المبيع للبائع المستلزمة لكون الثمن له، بعد قيام البيّنة على عدم كون المبيع ملكا للبائع- لم يرجع المشتري حينئذ على البائع بالثمن، لاعترافه بأنّه له بإزاء المبيع.

(5) أي: قيام البينة على عدم كون المبيع ملكا للبائع الفضولي، و الظاهر أنّ في العبارة سقطا، و كانت العبارة هكذا: «بعد قيام البينة على عدم كونه ملكا للبائع».

و الغرض من هذه العبارة هو: أنّ المشتري- مع قيام البينة على عدم كون البائع مالكا للمبيع- يعترف بأنّ المبيع ملك للبائع. فحينئذ ليس له أن يرجع على البائع بشي ء من الثمن، لكونه بدلا عن المبيع بمقتضى اعترافه.

(6) جواب «لو اعترف» و جملة «يعلم عدم .. إلخ» نعت ل «وجه».

(7) أي: اعتراف المشتري بكون المبيع ملكا للبائع لم يعلم أنّه مستند إلى اليد أو إلى غيرها، حتى يؤخذ بظاهر لفظ «الإقرار» الذي هو كاشف عن الواقع، و طريق عقلائي إليه.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا خارج عن مفروض البحث، و هو كون المشتري جاهلا بالغصبية، إذ فرض اعتراف المشتري بمالكية البائع للمبيع مع قيام البينة على عدم مالكية البائع له خارج عن موضوع البحث، و هو جهل المشتري بمالكية البائع للمبيع، بل هو من مصاديق ما سيذكره من قوله: «و إن كان عالما بالفضولية، فإن كان الثمن باقيا استردّه .. إلخ».

ص: 477

إلى اليد أو إلى غيرها، ففي (1) الأخذ بظاهر الحال من استناده إلى اليد، أو بظاهر لفظ الإقرار من (2) دلالته على الواقع، وجهان (3) [1].

و إن (4) كان عالما بالفضوليّة، فإن كان الثمن باقيا استردّه، وفاقا للعلّامة (5) و ولده و الشهيدين و المحقّق الثاني رحمه اللّه.

______________________________

(1) جواب قوله: «و لو لم يعلم» و جملة الشرط و الجزاء خبر مقدّم لقوله: «وجهان».

(2) بيان لظاهر لفظ الإقرار الذي هو من الأمارات الحاكية عن الواقع.

(3) فإن كان استناد المشتري- في اعترافه- إلى اليد، فله الرجوع على البائع الفضولي بالثمن. و إن كان استناده فيه إلى غير اليد فيؤخذ بإقراره الدالّ على الواقع، فليس له الرجوع بالثمن إلى البائع.

التفصيل في رجوع المشتري العالم بين بقاء الثمن و تلفه

(4) معطوف على قوله في صدر المسألة (ص 476) «إن كان جاهلا» و محصّله: أنّه إن كان المشتري عالما بكون البائع فضوليّا، فإن كان الثمن باقيا استردّه المشتري كما صرّح به جماعة من الفقهاء كالعلّامة و ولده فخر المحققين و الشهيدين و المحقق الثاني قدس اللّه تعالى أسرارهم و رفع في الخلد إعلامهم.

(5) لقوله في القواعد: «و لو فسخ- أي المالك- العقد رجع على المشتري بالعين، و يرجع المشتري على البائع- أي الغاصب- بما دفعه ثمنا .. مع جهله أو ادّعاء البائع إذن المالك. و إن لم يكن كذلك لم يرجع بما اغترم و لا بالثمن مع علم الغاصب، إلّا أن يكون الثمن

______________________________

[1] لعلّ أوجههما البناء على كون الإقرار مستندا إلى ما هو الأغلب من الاستناد إلى اليد التي هي أمارة غالبية على ملكية المال لذي اليد، فيحمل الإقرار على ذلك. و حينئذ يكون الثمن باقيا على ملك المشتري، فله مطالبته من البائع، لما مرّ آنفا من أنّ الملكية المستندة إلى اليد حكم ظاهريّ يرتفع بانكشاف خلافه.

ص: 478

إذ (1) لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه (2) شرعا. و مجرّد (3) تسليطه عليه لو كان موجبا لانتقاله (4) لزم الانتقال في البيع (5) الفاسد [1]

______________________________

باقيا فالأقوى الرجوع به» «1».

و الشاهد في الجملة الأخيرة المفصّلة بين بقاء الثمن و تلفه، و نحوه كلامه في التذكرة و المختلف.

(1) تعليل لاسترداد الثمن من البائع، و حاصله: أنّه لم يحصل من المشتري ما يوجب انتقال الثمن عنه شرعا إلى البائع، فهو باق على ملك المشتري، و لازم بقائه على ملكه سلطنته على استرداده.

(2) هذا الضمير و ضمير «منه» راجعان إلى المشتري.

(3) مبتدء و خبره جملة «لزم الانتقال»، و هذا دفع و هم. أمّا الوهم فتقريبه: أنّ تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن يوجب انتقاله إلى البائع، و معه كيف يرجع المشتري إليه؟

و أمّا دفعه فقد ذكر له وجهين:

أحدهما: النقض بالبيع الفاسد، بتقريب: أن مجرّد التسليط إن كان موجبا للملكية لكان لازمه ملكية الثمن للبائع في البيع الفاسد، و كذا ملكية المبيع للمشتري فيه، لوجود التسليط في كلّ منهما، مع أنه لا سبيل للالتزام بهذه الملكية لشي ء منهما في البيع الفاسد.

(4) أي: لانتقال الثمن.

(5) أي: لزم- في البيع الفاسد- انتقال الثمن إلى البائع، و انتقال المثمن إلى المشتري و هذا إشارة إلى أوّل وجهي دفع التوهم كما تقدّم بيانه آنفا.

______________________________

[1] هذا اللازم غير لازم في البيع الفاسد حتى مع علم المتعاقدين بفساد البيع، لأنّهما- مع علمها بفساده- قاصدان للمعاوضة العرفية التي هي مقوّمة للبيع. فالتسليط المجّاني

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 19، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463 (ج 10، ص 18، الطبعة الحديثة)، مختلف الشيعة، ج 5، ص 56، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 418 و 421، الدروس الشرعية، ج 3، ص 193، جامع المقاصد، ج 4، ص 77، مسالك الأفهام، ج 3، ص 160 و 161 و ج 12، ص 224، الروضة البهية، ج 3، ص 234- 235

ص: 479

لتسليط (1) كلّ من المتبايعين صاحبه على ماله. و لأنّ (2) الحكم بصحّة البيع لو أجاز المالك- كما هو (3) المشهور- يستلزم تملّك المالك للثمن، فإن تملّكه البائع قبله (4) يلزم

______________________________

(1) تعليل لقوله: «لزم الانتقال» أي: انتقال المثمن إلى المشتري، و الثمن إلى البائع، لجريان هذه العلة في كليهما.

(2) هذا ثاني وجهي دفع التوهم، و هو جواب حلّي، و مرجعه إلى عدم قابليته للإجازة، لصيرورة البيع بسبب التسليط بيعا بلا ثمن.

توضيحه: أنّ صحة هذا البيع الفضولي- على تقدير إجازة المالك كما هو المشهور- تستلزم تملّك المالك الأصليّ للثمن، على ما هو قضيّة المعاوضة الحقيقية، لكن تملّك البائع الفضوليّ للثمن بسبب التسليط قبل تملك المالك بالإجازة يوجب فوات محلّ الإجازة، إذ المفروض تملّك البائع للثمن بالتسليط قبل الإجازة، و لازمه وقوع الإجازة على بيع بلا ثمن.

(3) أي: الحكم بصحة البيع لو أجاز المالك هو المشهور، كما تقدّم التنبيه عليه في ثالثة مسائل البيع الفضولي «1».

________________________________________

(4) أي: فإن تملك البائع الثمن- قبل أن يتملكه المالك بإجازته للبيع- كان لازمه

______________________________

مفقود في البيع الفاسد، بل هو وفاء للثمن، غاية الأمر أنّ الشارع لم يمض هذا البيع. و عدم الإمضاء لا يقدح في تحقق المفهوم العرفي في المعاوضة. و ليس واحد منهما قاصدا للتسليط المجاني كما في البيع الربوي و غيره من البيوع الفاسدة، فإنّ التسليط فيها وفاء للثمن كما مرّ آنفا.

نعم يمكن أن يقال: إنّهما مع العلم بفساد البيع راضيان بتصرف كل منهما في مال الآخر. و لو سلّم قصد المجانية بهذا التسليط لم يجد في ملكية الثمن للبائع، لأنّه ليس من الأسباب الناقلة الشرعية. و دعوى مملكية هذا التسليط بقاعدة «الناس مسلّطون على أموالهم» غير مسموعة، لعدم كون القاعدة مشرّعة كما لا يخفى.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 4، ص 540

ص: 480

فوات محلّ الإجازة، لأنّ الثمن إنّما ملكه الغير (1)، فيمتنع تحقّق الإجازة (2)، فتأمّل (3).

و هل يجوز (4) للبائع التصرّف فيه؟ وجهان، بل قولان (5)،

______________________________

فوات محلّ الإجازة. فقوله: «يلزم» جواب الشرط في «فإن تملّكه».

(1) أي: غير المالك، و هو البائع الفضولي، حيث إنّه ملك الثمن قبل الإجازة بسبب التسليط، و معه يمتنع الإجازة، لخلوّ البيع عن الثمن، إذ المفروض صيرورته ملكا للبائع الفضولي.

(2) وجه الامتناع عدم بقاء محلّ للإجازة، لكون البيع بلا ثمن، و هو ليس بيعا حقيقة كما مرّ آنفا.

(3) لعلّ وجهه: أنّ محذور الإجازة- و هو فوات محل الإجازة، لكون البيع بلا ثمن- إنّما يلزم بناء على النقل. و أمّا بناء على الكشف فلا يلزم، لسبق ملكية الثمن- لمالك المبيع- على التسليط الموجب لملكية الثمن للبائع الفضول، فيبطل التسليط، و لا يوجب ملكية الثمن للبائع.

أو وجه التأمل: فساد قياس المقام بالعقد الباطل، و ذلك لأنّ التسليط هناك معاوضيّ، غاية الأمر أنّ الشارع لم يمض المعاملة، بخلاف ما نحن فيه، فإنّ التسليط هنا مجاني.

أو وجه التأمل: أن مملكية التسليط منوطة بعدم الإجازة، و ليست مطلقة.

(4) أي: و هل يجوز للبائع الفضولي التصرف في الثمن مع علم المشتري بكونه غاصبا للمبيع أم لا؟ سواء قلنا بوجوب ردّ الثمن إلى المشتري أم لا، فلو قلنا بعدم جواز رجوع المشتري على البائع من جهة كونه عقوبة له- كما في كلام المحقق و غيره «1»- اتّجه البحث عن جواز تصرف البائع فيه، و أنّ فيه وجهين بل قولين.

(5) أحدهما: جواز التصرف، استنادا إلى تسليط المشتري إيّاه على الثمن حين تسليمه، و الإذن في قبضه.

______________________________

(1) لاحظ الرسائل التسع للمحقق، ص 307- 308، المسألة الرابعة من المسائل الطبرية، مسالك الأفهام، ج 3، ص 161

ص: 481

أقواهما العدم (1)، لأنّه [1] أكل مال بالباطل.

هذا (2) كلّه إذا كان باقيا. و أمّا (3) لو كان تالفا، فالمعروف عدم رجوع

______________________________

لكن فيه: أنّ التسليط كان في مقابل المال الذي لم يكن البائع مالكا و مستحقا له، فلا يستحق التصرف في بدل ما لا يستحقه. نعم لو كان التسليط مطلقا و لم يكن بدلا عن مال كان للجواز وجه.

(1) ثانيهما: ما أفاده المصنف قدّس سرّه من عدم جواز التصرف، معلّلا بأنّه أكل للمال بالباطل، حيث إنّه لم يتحقق ما يوجب جواز التصرف فيه من السبب الناقل للملك، أو إذن المالك في التصرف في ماله، أو إذن الشارع فيه كاللقطة و غيرها من الأمانات الشرعية، و بدون الإذن من الشارع أو المالك لا يجوز التصرف.

(2) أي: رجوع المشتري على البائع بالثمن يكون حكمه في صورة بقائه و عدم تلفه.

(3) يعني: و أمّا إذا كان الثمن المدفوع إلى البائع تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري به على البائع، بل المحكي عن جماعة ممّن ذكر في المتن رضوان اللّه عليهم الاتفاق على عدم الرجوع.

و نبّه بقوله: «فالمعروف» على ما نسب إلى المحقق قدّس سرّه من الخلاف في المسألة، فإنّ المستفاد من غصب الشرائع دوران جواز رجوع المشتري بالثمن على البائع مدار علمه بالغصب و عدمه، بجواز الرجوع في صورة الجهل، دون العلم. و ظاهره عدم الفرق بين بقاء الثمن و تلفه. و كذا يظهر من كلامه في النكت «1». كما أنّ صريح كلامه في

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا مناف لما أفاده في الفرع الآتي من جواز تصرّف البائع في الثمن، لأنّ المشتري قد سلّطه على التصرف في الثمن و إتلافه. كما أنّ ظاهره جواز الاسترداد، لعدم حصول الملكية للبائع. و ظاهره عدم جواز الاسترداد على فرض حصول ملكية الثمن للبائع. و هو لا يخلو من غموض، لأنّه على فرض حصول الملكية تكون ملكيته مجانية، و من المعلوم جواز الرجوع في التمليك المجاني الذي هو هبة.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 14 و ج 3، ص 245، النهاية و نكتها، ج 2، ص 178

ص: 482

المشتري، بل المحكيّ عن (1) العلّامة و ولده و المحقّق و الشهيد الثانيين

______________________________

«الرسائل التسع» «1» التفصيل بين بقاء الثمن و تلفه كما في المتن.

لكن نسب المحقق و الشهيد الثانيان قدّس سرّهما إليه القول بجواز الرجوع بالثمن مطلقا، ففي جامع المقاصد: «و في رسالة الشيخ أبي القاسم بن سعيد ما يقتضي الرجوع مطلقا، و هو المتجه» «2». و هذه الرسالة و إن لم تحضرني لاراجعها، لكن الظاهر أنّ مورد كلام المحقق صورة علم المشتري بالغصب. و بهذا يكون حكمه بجواز مطالبة الثمن من البائع الغاصب شاملا لبقاء الثمن و تلفه، فيكون مخالفا للإجماع المدّعى في المسألة، و لذا أورد عليه في الجواهر، بمخالفته للإجماع نقلا و تحصيلا، فراجع.

(1) الحاكي للإجماع على عدم الرجوع عن العلامة و غيره جمع كأصحاب مفتاح الكرامة و كشف الظلام و الجواهر، أمّا السيّد العاملي فقال- في أنّه هل للمشتري العالم بالغصب مطالبة البائع الغاصب بالثمن سواء بقيت العين أم تلفت، أم ليس له المطالبة مطلقا، أم بالتفصيل بين بقائها و تلفها- ما لفظه: «قال في التذكرة: لو كان عالما لا يرجع بما اغترم، و لا بالثمن مع علم الغصب، مطلقا عند علمائنا، و ظاهره دعوى الإجماع مع التلف و بدونه. و نحوه ما في نهاية الأحكام».

ثم نقل ظهور كلام فخر المحققين و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم كصاحب تخليص التلخيص «3».

و كذلك نسب الإجماع إلى هؤلاء في باب الغصب. فراجع.

و أمّا صاحب الجواهر فقد استظهر الإجماع من عبارة التذكرة و تخليص التلخيص و الإيضاح و جامع المقاصد، ثم نقل بعد أسطر الإجماع عن ثاني الشهيدين و أستاده

______________________________

(1) الرسائل التسع، ص 307

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 77، مسالك الأفهام، ج 12، ص 224، جواهر الكلام، ج 22، ص 305

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 89 و 193، و ج 6، ص 305، كشف الظلام مخطوط (كتاب المتاجر، البيع الفضولي)، جواهر الكلام، ج 22، ص 305، و لاحظ تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 18 (الطبعة الحديثة) و ج 1، ص 463 (من الطبعة الحجرية)، نهاية الأحكام، ج 2، ص 478، مختلف الشيعة، ج 5، ص 55- 56، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 421، جامع المقاصد، ج 4، ص 77، مسالك الأفهام، ج 1، ص 161 و ج 12، ص 224، الروضة البهية، ج 3، ص 235

ص: 483

و غيرهم (1) رحمه اللّه الاتّفاق عليه. و وجهه (2)- كما صرّح به بعضهم كالحلي و العلّامة «1» و غيرهما، و يظهر من آخرين أيضا (3)-: أنّه (4) سلّطه على ماله بلا عوض.

______________________________

كاشف الغطاء قدّس سرّهم على عدم الرجوع في صورة تلف الثمن، فراجع.

(1) كالمحدث البحراني و صاحب تخليص التلخيص و كاشف الغطاء قدّس سرّهم «2».

(2) مبتدء، خبره قوله: «أنه سلّطه» يعني: و وجه عدم رجوع المشتري بالثمن التالف على البائع- كما صرّح به جماعة- هو: أنّ المشتري العالم بعدم كون المبيع ملكا للبائع سلّطه على ماله مجّانا، فلا موجب حينئذ لرجوعه بالثمن التالف على البائع.

(3) لعلّ غرضه من ظهور كلام الآخرين هو: أنّ من اقتصر في الحكم بعدم رجوع المشتري العالم بالغصب إلى البائع عند تلف الثمن- من دون التصريح بالتسليط- نظره إلى الإباحة المالكية للمال بلا عوض.

و عليه فمستند الكلّ- سواء صرّح بالتسليط أم اكتفى ببيان الحكم- هو التسليط المالكي، لعدم وجود وجه آخر عليه. قال الشهيد قدّس سرّه في الشراء من الغاصب: «و يرجع بالثمن مع وجوده على كل حال، و كذا مع تلفه جاهلا إذا رجع عليه المالك بالقيمة» «3».

و قوله: «و كذا مع تلفه جاهلا» يدلّ بوضوح على المنع من الرجوع عند التلف لو كان عالما، و ليس إلّا للتسليط.

و يستفاد التعليل بالتسليط المالكي من حكم المحقق قدّس سرّه في غصب الشرائع و المختصر «4» برجوع المشتري- الجاهل بالغصب- بالثمن، و كذا من ترجيح المحقق الثاني الرجوع في صورة البقاء خاصة بقوله: «هذا أصح». و كذا يستفاد من تقرير السيد العميد «5». فراجع.

(4) يعني: أنّ المشتري سلّط البائع على ماله بلا عوض، إذ علمه بعدم استحقاق

______________________________

(1) السرائر، ج 2، ص 226 و 225 و 325، و لاحظ أيضا كتب العلامة و المحقق و الشهيد الثانيين في المصدر «3» من الصفحة السابقة.

(2) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 392، شرح القواعد لكاشف الغطاء (مخطوط) الورقة 64

(3) الدروس الشرعية، ج 3، ص 193

(4) شرائع الإسلام، ج 3، ص 245، المختصر النافع، ص 256

(5) كنز الفوائد، ج 1، ص 476

ص: 484

و توضيح ذلك (1): أنّ الضمان إمّا لعموم «على اليد ما أخذت» و إمّا (2) لقاعدة الإقدام على الضمان الذي استدلّ به الشيخ و غيره على الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه (3).

و الأوّل (4) مخصّص بفحوى ما دلّ على عدم ضمان من استأمنه المالك، و دفعه

______________________________

البائع للمبيع- لعدم كونه ملكا له، و مع ذلك يسلّطه على الثمن- قرينة على التسليط المجّاني، فلا وجه حينئذ لرجوعه على البائع، لعدم ما يوجب ضمان البائع للثمن.

(1) أي: توضيح وجه عدم الرجوع إلى البائع هو: أنّ سبب الضمان هنا مفقود، إذ هو إمّا ضمان اليد الجاري في موارد الضمانات، و إمّا قاعدة الإقدام التي استدلّ بها الشيخ قدّس سرّه في فاسد العقد الذي يضمن بصحيحه في قولهم: «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» و سيأتي البحث عن كليهما ان شاء اللّه تعالى.

(2) معطوف على «إمّا لعموم».

(3) و أشار المصنف قدّس سرّه إلى استدلال الشيخ رحمه اللّه بالإقدام على الضمان بقوله: «ثم إنّ المدرك لهذه الكليّة على ما ذكره في المسالك في مسألة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعا بعد انقضاء الأجل هو إقدام الآخذ على الضمان» إلى أن قال: «و الظاهر أنّه تبع في استدلاله بالإقدام الشيخ في المبسوط» «1».

(4) و هو: عموم «على اليد ما أخذت». و المصنف بعد بيان ما يمكن أن يكون مدركا لضمان البائع الفضولي للثمن الذي أخذه من المشتري- و هو إمّا قاعدة اليد و إمّا قاعدة الإقدام- صار بصدد تضعيف الاستدلال بهما على ضمان البائع للثمن التالف.

و حاصل وجه ضعف الاستدلال بقاعدة اليد هو: خروج المقام عن عموم «على اليد» بفحوى ما دلّ على عدم الضمان في موارد استيمان المالك.

توضيحه: أنّ عدم الضمان في موارد استيمان المالك على ماله- لحفظه، كما في الوديعة

______________________________

(1) تقدّم نقل كلام الشيخ في ج 3، ص 58 من هذا الشرح، و لاحظ المبسوط، ج 3، ص 65 و 85 و 89، السرائر، ج 2، ص 488، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 496، س 28 (ج 10، ص 299، الطبعة الحديثة) و ج 2، ص 397، س 11، جامع المقاصد، ج 6، ص 216، مسالك الأفهام، ج 3، ص 154 و ج 4، ص 55 و 56

ص: 485

إليه لحفظه، كما في الوديعة، أو الانتفاع به كما في العارية، أو لاستيفاء المنفعة منه كما في العين المستأجرة، فإنّ الدفع على هذا الوجه (1) إذا لم يوجب الضمان، فالتسليط على التصرّف فيه و إتلافه (2)

______________________________

أو للانتفاع به كما في العارية، أو لاستيفاء منفعته كما في الإجارة، مع عدم إعراضه عن ماله، و جعله أمانة عند من يتسلّمه لحفظه أو للانتفاع به أو لاستيفاء منفعته- يقتضي بالأولوية عدم الضمان فيما نحن فيه مع إعراض المشتري و سلب الاحترام عن ماله، و الإذن في إتلافه بلا عوض. و هذه الأولوية تخصّص عموم «على اليد» و ترفع الضمان عن البائع الفضولي.

(1) و هو وجه الاستيمان في الموارد الثلاثة المذكرة، و هي الوديعة و العارية و الإجارة. و كذا الحال في يد الوكيل و عامل المضاربة، و المتبرّع بعمل في مال غيره كالخياط الذي يخيط للغير تبرّعا و بلا مطالبة اجرة.

و قد أفاد المصنف قدّس سرّه عدم الضمان في موارد اليد الأمانية في قاعدة «ما لا يضمن» بقوله: «فحاصل أدلة عدم ضمان المستأمن: أنّ من دفع المالك إليه ملكه على وجه لا يضمنه بعوض واقعي- أعني المثل و القيمة- و لا جعلي، فليس عليه ضمان» «1».

و تقدّم هناك نقل جملة من النصوص الدالة على قاعدة عدم ضمان الأمين، كمعتبرة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان أمير المؤمنين عليه السّلام أتي بصاحب حمّام وضعت عنده الثياب، فضاعت، فلم يضمّنه، و قال: إنّما هو أمين» «2».

ثم إنّ المصنف حكم هناك بعدم الضمان في الهبة الفاسدة بالأولوية، و سيأتي نقل كلامه.

(2) كما فيما نحن فيه، فإنّ التسليط على الثمن- للتصرف فيه و إتلافه- لا يوجب الضمان، و لا يجعل يد البائع من الأيدي الموجبة للضمان.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 3، ص 187 إلى 193

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 270، الباب 28 من أبواب أحكام الإجارة، ح 1

ص: 486

ممّا لا يوجب ذلك (1) [1] بطريق أولى [2].

و دعوى (2)

______________________________

(1) أي: ممّا لا يوجب الضمان بطريق أولى، قد تقدم آنفا تقريب الأولوية بقولنا:

«توضيحه: أنّ عدم الضمان في موارد استيمان المالك على ماله .. إلخ».

(2) الغرض من هذه الدعوى ردّ الأولوية المذكورة المخصّصة لعموم «على اليد» و إثبات ضمان الثمن على البائع، و عدم كونه كالهبة الفاسدة التي لا ضمان فيها.

توضيحه: أنّ الثمن يدفع إلى البائع عوضا عن المبيع، لا مجّانا حتى يكون تسليط المشتري كالهبة الفاسدة في عدم الضمان.

فالنتيجة: ضمان البائع، و جواز رجوع المشتري بالثمن عليه.

و تستفاد هذه الدعوى من كلام الشهيد الثاني، و ذكرها صاحب الجواهر قدّس سرّهما أيضا، ففي المسالك بعد نقل رأي المحقق قدّس سرّه من جواز الرجوع بالثمن مطلقا على البائع،

______________________________

[1] لا يخفى أنّ سقوط الضمان حينئذ يكون لأجل قاعدة إسقاط حرمة المال و هتكه، مع الغضّ عن الأولوية المذكورة، فإنّ هذه القاعدة النافية للضمان معروفة بين الفقهاء، كدفع ماله إلى صبيّ أو مجنون، أو جعله مبيعا بلا ثمن، أو بيعه بعوض لا مالية له عرفا كالحشرات. ففي هذه الموارد لا ضمان، لقاعدة سلب الاحترام عن المال. و هذه القاعدة تخصّص عموم «على اليد». لا الأولوية المذكورة، فإنّها لا تفيد إلّا الظنّ الذي لا يغني عن الحقّ شيئا.

[2] قد يمنع الأولوية المحتج بها على تخصيص عموم على اليد في المقام.

توضيح وجه المنع هو الفرق بين المقام و بين موارد الأمانات، حيث إنّ المفروض في باب الأمانات أنّ المالك قاصد للاستيمان، و الشارع أمضاه. بخلاف المقام، حيث إنّ المالك قاصد للمعاوضة، و الشارع لم يمضها، هذا لكن الظاهر أنّ الأولوية تكون من جهة أنّ المالك لم يسلب احترام ماله في موارد الاستيمان، و مع ذلك لا يضمن في صورة التلف، فمع سلب احترامه كما فيما نحن فيه- حيث إن المشتري هتك ماله و سلب احترامه بدفعه إلى البائع من دون جعل عوضه عليه- لا بد أن يكون عدم الضمان فيه أولى.

و عليه فلا ضمان على البائع.

ص: 487

«أنّه (1) إنّما سلّطه في مقابل العوض، لا مجانا حتّى يشبه الهبة الفاسدة التي تقدّم (2) عدم الضمان فيها» مندفعة (3) بأنّه (4) إنّما سلّطه في مقابل ملك غيره، فلم يضمّنه (5) في الحقيقة شيئا من كيسه، فهو (6) يشبه الهبة الفاسدة و البيع بلا ثمن و الإجارة

______________________________

ما لفظه: «لو لا ادعاء العلّامة في التذكرة الإجماع على عدم الرجوع مع التلف لكان في غاية القوة». و وجهه ما أفاده في صورة بقاء الثمن من قوله: «لأنّه إنما دفعه عوضا عن شي ء لا يسلم له، لا مجانا» «1».

و قال في الجواهر: «مضافا إلى ما عرفته سابقا من ضمان الثمن و المثمن في القبض بالعقد الفاسد، من غير فرق بين التلف و عدمه، و العلم بالفساد، و عدمه» «2». ثم ردّه بالإجماع، فراجع.

(1) أي: أنّ المشتري إنّما سلّط البائع في مقابل العوض، لا مجّانا.

(2) تقدّم عدم ضمان المتهب بالهبة الفاسدة فيما أفاده في قاعدة «ما لا يضمن» بقوله:

«أما في الهبة الفاسدة فيمكن الاستدلال على خروجها من عموم على اليد بفحوى ما دلّ على خروج موارد الاستيمان .. إلخ» فراجع «3».

(3) خبر «و دعوى» و دفع لها، و حاصله: أنّ تسليط البائع على الثمن قد وقع في مقابل مال غير البائع، و هو مالك المبيع، و لم يقع في مقابل مال البائع حتى يصير ضامنا له، فيكون التسليط حينئذ شبيه الهبة الفاسدة التي لا ضمان فيها. فليس للمشتري الرجوع على البائع بالثمن إن كان تالفا.

(4) أي: بأنّ المشتري إنّما سلّط البائع. و ضمير «غيره» راجع إلى البائع.

(5) يعني: فلم يضمن المشتري البائع الفضولي شيئا من كيسه و ماله.

(6) يعني: فهذا التسليط يشبه الهبة الفاسدة، و البيع بلا ثمن، و الإجارة بلا أجرة، التي قد حكم الشهيد و غيره بعدم الضمان فيها.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 160- 161

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 306

(3) هدى الطالب، ج 3، ص 191 و 192

ص: 488

بلا أجرة التي قد حكم الشهيد و غير واحد (1)

______________________________

(1) ظاهر العبارة أنّ عدم الضمان في الفروع الثلاثة- و هي البيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة و الهبة الفاسدة- مختار الشهيد قدّس سرّه و غير واحد. و هو كما أفاده قدّس سرّه.

أمّا عدم الضمان في مثال البيع فقد حكاه السيد العاملي عنه «1» بقوله: «و في حواشي الشهيد: أن ذلك- أي الضمان و عدمه- يبنى على أن العقود توقيفية أو اصطلاحية .. و على الثاني يصح، ثمّ نقل قولا بأنّه يرجع إلى قصده .. و إن قصد الهبة صحت».

و أمّا عدمه في الإجارة، فقد حكاه المحقق و الشهيد الثانيان «2» و غيرهما عنه.

و قال السيد العاملي قدّس سرّه- في مسألة ضمان المنفعة المستوفاة في الإجارة الفاسدة بأجرة المثل- ما لفظه: «و قد قيّدها- أي: قاعدة الضمان بأجرة المثل- الشهيد في حواشيه بما إذا لم يكن الفساد باشتراط عدم الأجرة في العقد، أو عدم ذكرها فيه، لدخول العامل على ذلك .. أمّا تقييد الشهيد فقد استحسنه في المسالك، و كذا صاحب الرياض في الشّق الأوّل».

و وجّه صاحب الجواهر ذلك- بعد حكايته عن محكي الشهيد- بقوله: «و كأنّ وجهه أنّه متبرّع بالمال و العمل مجانا، قادم على ذلك. فهو أشبه حينئذ بالعقود الفاسدة المجانية كالهبة و العارية و نحوهما، مما لا يضمن بفاسدهما، فلا يضمن بصحيحهما» «3».

و أمّا مثال الهبة فقد ذكره صاحبا مفتاح الكرامة و الجواهر، و نقله المحقق الكركي قدّس سرّه بقوله: «و قيل: إن قصد الهبة فلا ضمان، و إلّا ثبت. و ليس بمستبعد، لأنّ أقلّ ما فيه أن يكون هبة فاسدة، و هي غير مضمونة» «4».

و على هذا فالمراد ب- «غير واحد» هو المحقق و الشهيد الثانيان، لصراحة كلاميهما- في مسألتي البيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة- في عدم الضمان، و إن فصّل المحقق الثاني بين إجارة الأعيان و الأعمال.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 440

(2) جامع المقاصد، ج 7، ص 120، مسالك الأفهام، ج 5، ص 184

(3) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 130، جواهر الكلام، ج 27، ص 247

(4) جامع المقاصد، ج 4، ص 209، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 440 و 441

ص: 489

بعدم الضمان فيها (1).

و من ذلك (2) يعلم عدم جريان الوجه الثاني للضمان- و هو الإقدام على الضمان- هنا (3)، لأنّ (4) البائع لم يقدم على ضمان الثمن

______________________________

كما أنّ المراد به في مسألة الهبة الفاسدة المحقق الكركي و صاحبا المفتاح و الجواهر، فراجع.

خلافا للعلّامة قدّس سرّه، لاقتصاره على بيان وجهي الضمان و عدمه، في مسألة البيع بلا ثمن، و الفخر المحققين قدّس سرّه لترجيحه الضمان في المسألة، فراجع «1».

(1) أي: في الهبة الفاسدة، و البيع بلا ثمن، و الإجارة بلا اجرة.

(2) أي: و من تخصيص عموم «على اليد ما أخذت» بفحوى ما دلّ على عدم ضمان من استأمنه المالك يعلم عدم جريان الوجه الثاني من وجهي الضمان- و هو عموم قاعدة الإقدام على الضمان الذي استدلّ به الشيخ و غيره على الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه- هنا، أي: في تسليط المشتري البائع الفضولي على الثمن.

وجه عدم الجريان: أنّ البائع لم يقدم على ضمان الثمن بماله، و لا بدّ أن يكون الإقدام على ضمان الثمن بمال نفسه حتى يتحقق الضمان، لا بمال غيره.

(3) المشار إليه هو تسليط المشتري البائع على الثمن. و المراد أنّ عموم الإقدام على الضمان لا يثبت أيضا ضمان البائع للثمن.

و يحتمل أن يكون المشار إليه في قوله: «و من ذلك يعلم» ما ذكره في قوله:

«مندفعة» إذ المناسب لما يذكره من الإشكال في الاقدام على الضمان هو ما أفاده في ردّ «و دعوى أنّه إنّما سلّطه في مقابل .. إلخ» من عدم ضمان البائع شيئا من كيسه، لأنّه ظاهر في عدم إقدام البائع على الضمان المعاوضي.

(4) تعليل لعدم جريان قاعدة الإقدام على الضمان، و حاصله: أنّه لا موضوع لقاعدة الإقدام، لأنّ موضوعها هو الإقدام على الضمان. و هذا مفقود فيما نحن فيه، ضرورة أنّ البائع الفضولي لم يقدم على ضمان الثمن إلّا بمقابل المثمن الذي علم المشتري بأنّه ليس ملكا له، فضمانه صوري، لا حقيقي حتى يتحقق ضمان واقعي معاوضي.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 547 (ج 11، ص 261 الطبعة الحديثة)، قواعد الأحكام، ج 2، ص 44، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 458

ص: 490

إلّا بما (1) علم المشتري أنّه ليس ملكا له (2).

فإن قلت (3): تسلّطه على الثمن بإزاء مال الغير لبنائه (4)- و لو عدوانا- على كونه ملكا له (5)، و لولا هذا البناء لم يتحقّق مفهوم المعاوضة كما تقدّم (6) في تصحيح بيع الغاصب لنفسه، فهو (7) إنّما سلّطه

______________________________

فالمتحصل: أنّ التمسك بقاعدة الإقدام لضمان البائع للثمن- كالتشبث بعموم على اليد- غير سديد.

(1) المراد بالموصول هو المثمن، و ضمير «انه» راجع الى «ما» الموصول.

(2) أي: للبائع.

(3) غرض هذا القائل إثبات أنّ أخذ البائع الثمن من المشتري يكون من صغريات قاعدة الإقدام المقتضية للضمان، و كون البائع ضامنا للثمن بالضمان المعاوضي، بتقريب: أنّه تسلّط على الثمن، لبنائه على أنّ المبيع ملكه ادعاء، فتسلّطه على الثمن إنّما هو في مقابل ملكه الادّعائي، و ليس مجّانا، فالبائع أقدم على ضمان الثمن بمقابل المثمن الذي هو ملكه ادّعاء. و لو لم يكن هذا البناء لم يتحقق مفهوم المعاوضة التي يتقوّم بها البيع حتى يصحّ تعلّق الإجازة به.

(4) خبر قوله: «تسلطه» و ضمير «كونه» راجع إلى «مال الغير».

(5) هذا الضمير و ضميرا «تسلطه، لبنائه» راجعة إلى البائع.

(6) حيث قال: «فالمبادلة الحقيقية من العاقد لنفسه لا يكون إلّا إذا كان مالكا حقيقيا أو ادّعائيا، فلو لم يكن أحدهما و عقد لنفسه، لم يتحقق المعاوضة و المبادلة ..

إلخ» «1».

و بالجملة: فلا بدّ في تحقق البيع من قصد المعاوضة، و البناء عليها و لو ادّعاء، بعد الغضّ عن حكم الشارع بعدم ملكية الثمن للبائع الفضولي.

(7) أي: فالمشتري إنّما سلّط البائع على الثمن لا مجّانا، بل على وجه يضمن البائع الثمن بماله المملوك له و لو ادّعاء و عدوانا، فلو تعاقدا معرضين عن حكم الشارع بعدم ملكية المبيع للبائع- كما هو كذلك في العقود المعاوضيّة الواقعة على أموال السرّاق و الظلمة و سائر الغاصبين لأموال الناس، حيث إنّ الغاصبين يبيعون الأموال المغصوبة

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 4، ص 582- 583

ص: 491

على وجه (1) يضمنه بماله. إلّا أنّ (2) كلّا منهما لمّا قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكيّة البائع للمثمن، و تعاقدا معرضين عن ذلك (3) كما هو الشأن في المعاوضات الواردة على أموال الناس بين السرّاق و الظلمة، بل بنى المشتري على كون المثمن ملكا للبائع، فالتسليط (4) ليس مجّانا، و تضمينه (5) البائع بمقابل الثمن من ماله حقيقيّ،

______________________________

بانين على أنّها مملوكة لهم، و بهذا البناء يتحقق مفهوم المعاوضة- لم يكن التسليط مجّانا، لكون الثمن عوضا عن المثمن الذي هو ملك للبائع ادّعاء.

(1) المراد به هو المعاوضة.

(2) لم يظهر مورد هذا الاستثناء، لأنّ ظاهره أنّه استثناء من قوله: «و لولا هذا البناء» و من المعلوم عدم صحته، إذ لا بدّ في صحة الاستثناء من دخول المستثنى في المستثنى منه لولا الاستثناء. و ليس المقام كذلك، إذ البناء المزبور متقوّم بإعراضهما عن حكم الشارع. و لا يمكن اجتماع البناء المزبور مع الإعراض حتى يصحّ إخراج الإعراض عنه.

فالأولى إسقاط العبارة من قوله: «إلّا أن» إلى قوله: «عن ذلك» بأن يقال: «يضمنه بماله كما هو الشأن في المعاوضات الواردة على أموال الناس .. إلخ».

(3) أي: عن حكم الشارع بعدم ملكية البائع للثمن.

(4) جواب «لمّا» لكن قد عرفت زيادة «لمّا» و ما قبله و ما بعده.

و كيف كان يكون قوله: «فالتسليط» نتيجة بناء البائع الفضول على كون المبيع ملكا له، فلا يكون التسليط مجّانا.

(5) معطوف على «التسليط» و بيان لكيفيّة تضمين المشتري البائع الفضول على الثمن، و حاصله: أنّ المشتري قد ضمّن البائع بما يقابل الثمن من ماله، و هذا التضمين حقيقي. إلّا أن كون هذا المبيع ملكا له ادّعائي، نظير ما إذا ظهر كون المثمن المعيّن ملكا لغير البائع، كما إذا باع زيد عينا خارجية مثل كتاب اللمعة مثلا، فتبيّن كونها ملكا لغيره، فإنّ المشتري يرجع حينئذ إلى البائع بالثمن مع تلفه اتّفاقا، مع أنّ المشتري إنّما ضمّن البائع بالثمن بإزاء هذا المبيع الشخصي الذي ظهر كونه للغير.

فكما أنّ التضمين هناك حقيقي، و كون المثمن ملكا للبائع اعتقادي له و للمشتري،

ص: 492

إلّا أنّ كون المثمن مالا له (1) ادّعائي. فهو (2) كما لو ظهر المثمن المعيّن ملكا للغير، فإنّ المشتري يرجع إلى البائع بالثمن مع التلف اتّفاقا، مع أنّه (3) إنّما ضمّنه الثمن بإزاء هذا الشي ء الذي هو مال الغير. فكما أنّ التضمين هنا (4) حقيقيّ، و كون المثمن مالا له (5) اعتقادي (6) لا يقدح (7) تخلّفه في التضمين، فكذلك بناء المشتري فيما نحن فيه (8) على ملك المثمن عدوانا لا يقدح (9).

______________________________

و لا يقدح تخلفه في تضمين المشتري البائع بما يقابل الثمن. فكذلك بناء المشتري فيما نحن فيه- و هو تسليط المشتري العالم بكون البيع فضوليّا البائع الغاصب على الثمن- على ملك المبيع للبائع عدوانا لا يقدح في التضمين الحقيقي بمال البائع، فإنّ المبيع ليس ملكا للبائع في كلتا الصورتين، و هما: ظهور كون المبيع ملكا لغير البائع، مع اعتقاد المتعاقدين كليهما بملكية المبيع للبائع، كما في مسألة المقيس عليه. و علم المشتري بعدم ملكيّة المبيع للبائع مع بناء المشتري على مالكيّة البائع له عدوانا كما فيما نحن فيه.

فالنتيجة: أنّ ادّعاء المالكية يترتب عليه أمران:

أحدهما: ضمان البائع هنا للثمن، كضمانه في مسألة انكشاف كون المبيع ملكا للغير.

ثانيهما: صحة صدور البيع عن الغاصب، و إلّا لم يصح إجازة المالك له.

(1) هذا الضمير و ضمير «ماله» راجعان إلى البائع.

(2) أي: فرجوع المشتري إلى البائع فيما نحن فيه يكون كرجوع المشتري إلى البائع في مسألة ظهور المبيع المعيّن الخارجي ملكا للغير.

(3) أي: أنّ المشتري، و الضمير المفعول، في «ضمّنه» راجع إلى البائع.

(4) أي: تضمين المشتري في صورة انكشاف كون المبيع ملكا لغير البائع.

(5) أي: للبائع. و قوله: «كون» معطوف على «التضمين».

(6) لاعتقاد المتبايعين بملكيّة المثمن للبائع.

(7) الجملة صفة ل- «اعتقادي» أي: لا يقدح تخلف اعتقاد البائع و المشتري في تضمين المشتري البائع بمقابل الثمن هناك، فكذلك فيما نحن فيه.

(8) و هو تسليط المشتري- الباني على ملكية المثمن للبائع عدوانا- البائع الفضول على الثمن.

(9) خبر «بناء» يعني: لا يقدح هذا البناء من المشتري في تضمينه البائع الفضول

ص: 493

في التضمين الحقيقي بماله (1).

قلت (2): الضمان كون الشي ء في عهدة الضامن و خسارته (3) عليه، و إذا كان المضمون (4) به ملكا لغير الضامن واقعا

______________________________

بمقابل الثمن من مال البائع، لأنّ هذا البناء في مقام تطبيق مال البائع على المثمن المغصوب، و هو لا يقدح في أصل تضمين البائع بماله الواقعي.

فتلخّص مما ذكر في «إن قلت»: أنّ المشتري العالم بفضولية البائع يرجع إلى البائع ببدل الثمن الذي تلف عنده، كرجوع المشتري إلى البائع بالثمن في ظهور ملكية المبيع لغير البائع، لاشتراك كليهما في عدم كون البائع مالكا للمبيع واقعا. فالتضمين هناك و هنا حقيقي، و اعتقاد كون المثمن للبائع- مع عدم كونه ملكا له واقعا- غير قادح في التضمين الذي هو عين المعاوضة.

(1) أي: بمال البائع.

(2) هذا جواب الاشكال المذكور بصورة «ان قلت». و الغرض من هذا الجواب نفي الضمان الذي أثبته المستشكل، و إثبات الفرق بين ما نحن فيه- و هو صورة العلم بالغصب- و صورة الجهل به كما في صورة كون المبيع ملكا للغير، و عدم صحة بناء المتعاقدين على ملكية المبيع للبائع الغاصب.

توضيحه: أنّه في صورة علم المشتري بغاصبيّة البائع يكون التضمين بالعوض بالنسبة إلى البائع الفضول ادّعائيا، و بالنسبة إلى مالك المبيع حقيقيا، و لذا ينتقل الثمن إلى المالك بمجرّد إجازته عوضا عن المبيع. هذا في صورة علم المشتري بكون البائع غاصبا.

و أمّا في صورة جهل المشتري بكون المبيع لغير البائع يكون الضمان لعموم قاعدة اليد، لعدم رضا المشتري بتصرف البائع في الثمن مجّانا و بلا عوض، لا للإقدام و التضمين كصورة العلم حتى يقال: بعدم الضمان للتسليط المجّاني.

و كذا الحال في ثبوت ضمان البائع في سائر موارد علم المشتري بفساد البيع، لا من جهة علمه بعدم مالكية البائع، لأنّ التضمين- و هو خروج المبيع من كيس البائع- حقيقي، لكنه ليس صحيحا شرعا، فيثبت ضمان اليد.

(3) معطوف على «الشي ء» أي: أنّ الضمان هو كون خسارة الشي ء على الضامن.

(4) و هو المبيع، و لعلّ الأولى إبدال الواو بالفاء، بأن يقال: «فإذا كان».

ص: 494

فلا يتحقّق الضمان الحقيقيّ مع علمهما بذلك (1).

و ما (2) ذكر- من بناء المتعاقدين في هذا العقد على كون المثمن ملكا للبائع الغاصب مع كونه مال الغير- فهو (3) إنّما يصحّح وقوع عقد التمليك و التملّك منهما ادّعاء، مع عدم كون البائع أهلا لذلك (4) في الواقع، و إلّا فأصل المعاوضة حقيقة بين المالكين (5)، و الضمان و التضمين الحقيقيّ بالنسبة إليهما (6)، و لذا (7) ينتقل الثمن إلى مالك المبيع، و يدخل (8) في ضمانه بمجرّد الإجازة.

و الحاصل (9): أنّه لا تضمين حقيقة في تسليط المشتري البائع على الثمن.

______________________________

(1) أي: مع علم المتعاقدين بعدم كون المبيع ملكا للبائع.

(2) مبتدء، خبره «فهو إنّما» يعني: ما ذكره المستشكل بقوله: «إلّا أنّ كلّا منهما لمّا قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكية البائع للمثمن، و تعاقدا معرضين عن ذلك ..».

(3) أي: بناء المتعاقدين- في هذا العقد الواقع بين الفضولي و المشتري- لا يوجب التضمين المعاوضي حتى يرجع المشتري إلى البائع الفضول بالثمن، بل بناؤهما يصحّح وقوع عقد التمليك و التملك منهما ادّعاء، مع عدم أهلية البائع واقعا لذلك. فأصل المعاوضة حقيقة واقعة بين المالكين و هما المشتري و مالك المبيع، فالضمان و التضمين المعاوضي إنّما يكون بينهما.

و الشاهد على وقوع المعاوضة حقيقة بينهما هو انتقال الثمن إلى مالك المبيع بمجرّد إجازته لهذا العقد الواقع بين البائع الفضولي و المشتري.

(4) أي: للتمليك، لعدم كونه مالكا للمبيع حتى يكون أهلا للتمليك.

(5) و هما مالك المبيع و المشتري الأصيل، لأنّ أهلية التمليك و التملك لهما دون غيرهما.

(6) أي: إلى المالكين، لأنّهما مسلّطان على أموالهما، فولاية المعاوضة لهما.

(7) أي: و لوقوع المعاوضة بين المالكين ينتقل الثمن إلى مالك المبيع بمجرّد الإجازة.

(8) يعني: و يدخل الثمن في ضمان مالك المبيع بالضمان المعاوضي بمجرّد الإجازة، فلو لم يكن مالك المبيع أحد طرفي المعاوضة حقيقة لم يكن له الإجازة، و لا تملّك الثمن.

(9) يعني: و حاصل ما ذكرناه- في صورة تلف الثمن مع علم المشتري بغاصبية البائع- أنّه لا تضمين حقيقة في تسليط المشتري البائع على الثمن حتى يلزمه ضمان البائع

ص: 495

و أمّا (1) رجوع المشتري مع اعتقاد المتبايعين لمالكيّة البائع للمثمن عند انكشاف الخطأ (2)- مع أنّه إنّما ضمّنه (3) بمال الغير (4)- فلعدم (5) طيب نفسه على تصرّف البائع فيه من دون ضمان، و إن كان ما ضمّنه (6) به غير ملك له، و لا يتحقّق به التضمين، لأنّه (7) إنّما طابت نفسه بتصرّف البائع.

______________________________

للثمن التالف.

(1) دفع وهم. أمّا الوهم فهو: أنّه كيف تحكمون بضمان البائع للثمن في صورة ظهور المثمن ملكا لغير البائع، مع جهل المتعاقدين بكون المثمن ملكا للغير؟ و لا تحكمون بضمان البائع في صورة علمهما بكون المثمن ملكا للغير، مع أنّ المشتري قد ضمّن البائع في كلتا الصورتين بمال الغير، لا بمال نفسه.

و أمّا الدفع فهو: أنّ المشتري لم يأذن في تصرف البائع في الثمن مطلقا، بل مقيّدا بالضمان في صورة ظهور المبيع ملكا لغير البائع، و لذا حكموا فيه بضمان البائع للثمن إذا تلف. بخلاف ما نحن فيه، فإنّ المشتري العالم بغاصبيّة البائع الفضول سلّطه على التصرف في الثمن مطلقا مجّانا و بلا عوض و من دون تضمين.

و الحاصل: أنّ طيب نفس المشتري بتصرف البائع في الثمن في ذلك الفرع إنّما هو لاعتقاد كون المثمن ملكا للبائع. بخلاف ما نحن فيه، لفقدان هذا الاعتقاد فيه، لعلم المشتري بعدم ملكية المثمن للبائع.

(2) أي: خطأ اعتقادهما، و ظهور كون المثمن ملكا للغير.

(3) أي: ضمّن البائع، و الضمير المستتر و ضمير «أنّه» راجعان إلى المشتري.

(4) يعني: مع اشتراك الفرعين في كون التضمين بمال الغير، إذ المفروض عدم كون المبيع ملكا للبائع في كلا الفرعين.

(5) هذا جواب «و أمّا» و دفع الوهم، و قد تقدم توضيحه بقولنا: «و أمّا الدفع».

(6) يعني: و إن كان ما ضمّنه المشتري به- و هو المثمن- ليس ملكا للبائع، و لذا لا يحصل به التضمين.

(7) تعليل لعدم طيب نفس المشتري بتصرف البائع في الثمن بدون ضمان، و حاصله:

أنّ طيب نفس المشتري بتصرف البائع في الثمن مقيّد باعتقاد كون المثمن ملكا للبائع، و ليس ملكا له، فلا تطيب نفسه بتصرف البائع في الثمن مع انكشاف عدم كون المثمن

ص: 496

لاعتقاد (1) كون المثمن ملكا له، و صيرورته (2) مباحا له بتسليطه عليه.

و هذا (3) مفقود فيما نحن فيه، لأنّ طيب النفس بالتصرّف و الإتلاف من دون ضمان له بماله حاصل (4).

و ممّا ذكرنا (5) يظهر أيضا فساد نقض (6) ما ذكرنا

______________________________

ملكا له، فمقتضى قاعدة اليد ضمان البائع للثمن.

(1) متعلّق ب- «طابت» و مقيّد له، فإذا تبيّن كون المثمن ملكا لغير البائع انتفى الطيب المجوّز للتصرف. و ضمير «له» راجع إلى «البائع».

(2) معطوف على «كون» يعني: و لاعتقاد صيرورة المثمن مباحا للمشتري بسبب تسليط البائع للمشتري على المثمن.

(3) أي: طيب النفس من المشتري بتصرف البائع في الثمن- لاعتقاده بكون المثمن ملكا للبائع- مفقود فيما نحن فيه، إذ المفروض فيه علم المشتري بعدم كون المثمن ملكا للبائع. فليس طيب نفس المشتري هنا مقيّدا باعتقاد ملكية المبيع للبائع حتى يكون انتفاء الاعتقاد موجبا للضمان، بل طيب نفس المشتري بتصرف البائع في الثمن بدون الضمان حاصل هنا.

(4) أي: حاصل هنا، و ضمير «له» راجع إلى الثمن، و ضمير «بماله» إلى البائع.

(5) أي: و من عدم ضمان البائع للثمن عند تسليط المشتري له على الثمن، و الغرض من هذا هو الإشكال النقضيّ على من نفى ضمان البائع في تسليط المشتري البائع في هذه المسألة. و لم أظفر بالناقض، إلّا أنّ أصل مقايسة المقام بالبيع الفاسد- من غير جهة الغصب- و جوابه مذكور في الجواهر و غيره، فراجع «1».

(6) حاصل هذا الإشكال النقضي هو: أنّ نفي الضمان عن البائع الغاصب- مع علم المشتري بغاصبيّته- منقوض بما إذا علم البائع و المشتري بفساد البيع، لفقد شرط من شرائطه كالموالاة أو التنجيز أو التطابق بين الإيجاب و القبول أو غيرها من الشرائط، فإنّ

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 307، تبعا لما في شرح القواعد للشيخ الكبير كاشف الغطاء، و تعرّض له أيضا تلميذه في كشف الظلام، و نجله في أنوار الفقاهة.

ص: 497

بالبيع (1) مع علم المشتري بالفساد، حيث إنّه (2) ضمّن البائع بما يعلم أنّه لا يضمن الثمن به. و كذا البائع مع علمه بالفساد ضمّن المشتري بما يعلم أنّ المشتري لا يضمن به (3)، فكأنّه لم يضمّنه بشي ء.

وجه الفساد (4): أنّ التضمين الحقيقي حاصل هنا (5)، لأنّ (6) المضمون به مال الضامن، غاية الأمر أنّ فساد العقد مانع عن مضيّ هذا الضمان و التضمين في نظر

______________________________

كلّا من البائع و المشتري مع علمه بفساد البيع يضمن صاحبه، فإنّ البائع يضمّن المشتري بما يأخذه من الثمن عوضا عن المبيع. و كذا المشتري يضمّن البائع بما يأخذه منه من المبيع عوضا عن الثمن، مع علم كلّ منهما بفساد هذين التضمينين، لبطلان البيع.

و مع علمهما بالبطلان يضمن كلّ منهما مال الآخر، فلا بدّ أن يكون الضمان فيما نحن فيه ثابتا أيضا، للعلم ببطلان البيع و التضمين في كلتا المسألتين.

(1) متعلق ب- «نقض» و المراد بما ذكرنا هو نفي ضمان الثمن عن البائع الفضولي.

(2) أي: انّ المشتري، و هذا تقريب النقض، و قد تقدم آنفا توضيحه بقولنا:

«منقوض بما إذا علم ..».

(3) هذا العلم ناش من فساد البيع و عدم إمضائه شرعا، و ضمير «به» راجع إلى الموصول في قوله: «بما يعلم» و المراد بالموصول هو الثمن.

يعني: أنّ البائع ضمّن المشتري بثمن يعلم البائع بأن المشتري لا يضمن بذلك الثمن، لعلمهما بفساد البيع المستلزم لعدم صحة تضمينهما.

(4) أي: فساد النقض المذكور. توضيحه: أنّ التضمين المعاوضي فاسد، لفساد البيع.

و أمّا التضمين اليدي فهو حاصل هنا، فإنّ المضمون به في البيع الفاسد- لاختلال بعض شرائطه- مال الضامن. بخلاف ما نحن فيه، فإنّ المضمون به ليس مالا للبائع الغاصب، بل لمالكه.

(5) أي: في العقد الفاسد- لاختلال بعض شرائطه- مع كون العوضين من المتعاقدين. و المراد بالتضمين الحقيقي هو التضمين بالقيمة.

(6) تعليل لحصول التضمين الحقيقي في العقد الفاسد.

ص: 498

الشارع، لأنّ المفروض فساده (1)، فإذا لم يمض الشارع الضمان الخاصّ (2) صار أصل إقدام الشخص على الضمان الحقيقيّ أو قاعدة (3) إثبات اليد على مال- من دون (4) تسليط مجّاني أو استيمانيّ عن مالكه- موجبا (5) لضمانه، على الخلاف في مدرك الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه.

و شي ء منهما (6) غير موجود فيما نحن فيه (7)، كما أوضحناه

______________________________

(1) أي: فساد العقد شرعا، و فساده يمنع عن صحة الضمان المعاوضي. و أمّا الضمان اليدي فلا مانع منه، لأنّه مقتضى عموم «على اليد» الذي لم يخصّص هنا بشي ء.

(2) و هو الضمان المعاوضي، و قوله «صار» جواب الشرط في: «فإذا لم يمض».

(3) معطوف على «أصل» و الإتيان بكلمة «أو» لأجل اختلاف كلمات الفقهاء في مدرك قاعدة «ما يضمن» فالقدماء استندوا إلى الإقدام على الضمان، و الشهيد الثاني في بعض كلامه استند إلى حديث «على اليد» و قد تقدم نقل جملة من الكلمات في بحث المقبوض بالبيع الفاسد، فراجع «1».

(4) يعني: من دون مخصّص لقاعدة اليد، من تسليط مجّاني أو استيماني كالوديعة.

(5) خبر «صار» يعني: صار أصل إقدام الشخص على الضمان الحقيقي و هو الضمان بالقيمة أو قاعدة اليد من دون مخصّص لها- من تسليط مجّاني أو استيماني من مالكه- موجبا لضمانه.

(6) أي: قاعدة الإقدام و قاعدة اليد.

(7) و هو علم المشتري بغاصبية البائع. و وجه عدم وجودهما فيما نحن فيه، أمّا قاعدة الإقدام، فلأنّ البائع الغاصب لم يقدم على الضمان، لأنّه أخذ الثمن من المشتري في مقابل المبيع الذي لم يكن ملكا له، فلم يقدم على ضمان الثمن بشي ء من ماله، فلا مجال لقاعدة الإقدام.

و أمّا قاعدة اليد، فلأنّ إثبات يد البائع على الثمن ليس إلّا مجّانيّا و بلا عوض، إذ المشتري مع علمه بعدم ملكية المبيع للبائع سلّطه على الثمن، فليس هذا التسليط إلّا مجّانيّا.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 58 و 114

ص: 499

بما لا مزيد عليه (1)، و حاصله (2): أنّ دفع المال إلى الغاصب ليس إلّا كدفعه إلى ثالث يعلم (3) عدم كونه مالكا للمبيع، و تسليطه (4) على إتلافه، في (5) أنّ ردّ المالك لا يوجب الرجوع إلى هذا الثالث [1].

نعم (6) لو كان فساد العقد

______________________________

(1) تقدم كلامه في (ص 485) و هو قوله: «و توضيح ذلك: أن الضمان إمّا لعموم على اليد .. و إما لقاعدة الاقدام، و الأوّل مخصّص بفحوى .. إلخ».

(2) يعني: و حاصل ما أوضحناه هو: أنّ دفع المشتري العالم بغاصبية البائع الثمن إلى الغاصب ليس إلّا كدفع الثمن إلى شخص ثالث أي غير المالك للمبيع و البائع الفضولي، فكما لا يكون ذلك الثالث ضامنا، فكذلك البائع، لكون الدفع إلى كليهما مجّانيّا.

(3) يعني: يعلم المشتري الدافع عدم كون الثالث مالكا للمبيع.

(4) معطوف على «دفعه» في قوله: «كدفعه» يعني: كدفع الثمن إلى ثالث و كتسليطه على إتلافه.

(5) متعلّق بقوله: «كدفعه» و هذا وجه التنظير، و حاصله: أنّ دفع الثمن إلى البائع الغاصب ليس إلّا كدفعه إلى ثالث في أنّ ردّ مالك المبيع البيع الصادر من البائع الفضول كما لا يوجب الرجوع إلى الثالث بالثمن، كذلك لا يوجب الرجوع إلى البائع الفضول، لكون التسليط فيهما مجّانيّا.

(6) هذا استدراك على قوله: في (ص 498) و هو قوله: «وجه الفساد أنّ التضمين الحقيقي حاصل هنا» و ملخّصه: أنّ التضمين الحقيقي الموجب للضمان في العقود الفاسدة- لأجل عدم قابلية العوض للملكية كالخمر و الخنزير و الحرّ، سواء أ كان ثمنا أم مثمنا- مفقود في هذا العقد الفاسد، لأنّ الضمان يكون في المال، و المفروض أنّ الخمر و أخويها

______________________________

[1] لا يخلو تنظير البائع الفضول بدفع المال إلى ثالث- يعني: غير المالك و البائع الفضول في عدم الضمان- من غموض، لأنّ الغرض من هذا التنظير جواز التصرف و عدم الضمان. و هذا مناف لما أفاده في (ص 482) من عدم جواز تصرف البائع في الثمن، إذ لو كان البائع كالثالث لم يكن وجه لعدم تصرف البائع في الثمن.

و التحقيق عدم كون البائع كالثالث، لأنّ الدفع إلى البائع وفاء للثمن، بخلاف الدفع إلى الثالث، فإنّه تسليط مجاني.

ص: 500

لعدم قبول العوض [1] للملك كالخمر و الخنزير و الحرّ، قوي (1) اطّراد ما ذكرنا فيه من (2) عدم ضمان عوضها (3) المملوك (4) مع علم المالك (5) بالحال، كما صرّح (6) به شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد، هذا.

______________________________

ليست مالا شرعا حتى تقبل الملكية، فضمانه ليس ضمانا شرعيا.

فإذا باع شاة بخمر مثلا، و تلفت الشاة عند المشتري، لا يرجع البائع إليه بقيمة الشاة، لأنّ تضمين بائع الشاة المشتري بالخمر غير صحيح، لأنّه تضمين بما لا يقبل الملك.

و كذا الحال إذا كان الثمن غير مال شرعا.

(1) جواب «لو» يعني: يقوى اطّراد ما ذكرنا في صورة علم المشتري بغاصبيّة البائع من عدم الضمان.

(2) بيان للموصول، و ضمير «فيه» راجع إلى «ما نحن فيه» من فرض علم المشتري بالغصب.

(3) أي: عوض الخمر و الخنزير و الحرّ.

(4) صفة للعوض، كما إذا كان عوضها مالا مملوكا كالفلوس.

(5) أي: علم مالك العوض المملوك بالحال، أو علمه بكون المعوّض غير مملوك كالخمر.

(6) أي: صرّح شيخ مشايخنا- و هو كاشف الغطاء قدّس سرّه- بعدم الضمان في صورة فساد البيع لأجل عدم مملوكية العوض، كعدم الضمان في صورة علم المشتري بغصبية المبيع. قال: «و يقوى تسوية الحكم في المقامين إلى كلّ ما دفع من غير مقابل، أو بمقابل غير قابل» «1».

______________________________

[1] ينبغي تقييده بما إذا لم يكن العوض قابلا شرعا و عرفا للملكية كالحشرات، فإنّ التسليط حينئذ يكون مجانيا، إذ عدم مالية العوض قرينة على مجانية التسليط. و أمّا إذا كان قابلا عرفا للملكية فمجانية التسليط غير معلومة.

______________________________

(1) شرح القواعد، مخطوط، الورقة: 68، و حكاه صاحب الجواهر عنه في ج 22، ص 307

ص: 501

و لكن (1) إطلاق قولهم: «إنّ كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» يقتضي الضمان فيما نحن فيه (2) و شبهه (3)، نظرا (4) إلى أنّ البيع الصحيح يقتضي الضمان، ففاسده كذلك.

إلّا (5) أن يفسّر بما أبطلناه

______________________________

(1) هذا استدراك على ما تقدم في (ص 482) من قوله: «و أمّا لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري .. إلخ»، و هذا عدول عما أفاده من عدم الضمان فيما نحن فيه- و هو علم المشتري بغاصبية البائع- إلى القول بالضمان فيه استنادا إلى إطلاق القضية المعروفة، و هي «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» فإنّ إطلاق الفاسد يقتضي الضمان في بيع الغاصب مع علم المشتري بالغصبيّة.

(2) و هو علم المشتري بغاصبيّة البائع. و قوله: «يقتضي» خبر «إطلاق».

(3) و المراد بشبهه بيع ما ليس قابلا للملكيّة، كبيع الخمر و الخنزير و الحرّ مع علم المشتري بعدم قابليّتها للملكيّة.

(4) هذا تقريب الاستدلال بالقضيّة المذكورة، و هو: أنّ للبيع صحيحا و فاسدا، و صحيحه يقتضي الضمان، و كذا فاسده، فبيع المغصوب مع علم المشتري بالغصبية فاسد، فيقتضي الضمان.

(5) هذا عدول عن الضمان- الذي أثبته بقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» فيما نحن فيه، و هو علم المشتري بغاصبية البائع- إلى ما أفاده سابقا من عدم الضمان، و أراد إثبات عدم الضمان بنفس هذه القاعدة، بناء على تفسيرها بعقد واحد شخصي إذا فرض تارة صحيحا، و اخرى فاسدا، فصحيحة لا يضمن و كذا فاسده. فإذا فرض تارة صحة البيع بلا ثمن، و اخرى فساده، فلا ضمان في صحّته، و كذا في فاسده.

و قد تقدّم في بحث المقبوض بالبيع الفاسد نقل هذا الاحتمال عن صاحب الجواهر قدّس سرّه.

و مبناه جعل العموم في «كل عقد» بلحاظ الأفراد الخارجية، لا أنواع العقود، و لا أصناف كل واحد منها، فراجع تفصيل الكلام هناك «1».

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 91- 95

ص: 502

سابقا (1) من أنّ كلّ عقد يضمن على فرض صحّته يضمن على فرض فساده.

و لا ريب أنّ العقد فيما نحن فيه (2) و في مثل البيع [المبيع] بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة إذا فرض (3) صحيحا لا يكون فيه ضمان، فكذلك مع الحكم بالفساد.

لكنّك (4) عرفت ضعف هذا المعنى فيما ذكرناه سابقا (5) في توضيح هذه القضيّة (6)، فإنّ معناه (7): أنّ كلّ عقد تحقّق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان

______________________________

(1) حيث قال هناك: «و ربما يحتمل في العبارة أن يكون معناه أنّ كلّ شخص من العقود يضمن به لو كان صحيحا يضمن به مع الفساد» إلى أن قال: «و يضعّف بأنّ الموضوع هو العقد الذي وجد له بالفعل صحيح و فاسد، لا ما يفرض تارة صحيحا و اخرى فاسدا .. إلخ».

(2) و هو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته.

(3) يعني: إذا فرض العقد في البيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة صحيحا لم يكن فيه ضمان، و كذا لا ضمان فيه إذا فرض فاسدا. فعلى هذا المعنى في قضية «ما يضمن بصحيحه» يكون كل من الصحة و الفساد فرضيّا، و يصحّ الحكم بالضمان في بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته، لأنّه إذا فرض صحيحا لا يكون فيه ضمان، فكذا إذا فرض فاسدا.

(4) غرضه تضعيف التفسير المذكور لقضية «ما يضمن» و عدم صلاحيته للاستناد إليه في إثبات الضمان في بيع الفضولي الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته.

و حاصله: أنّا قد ذكرنا سابقا ضعف هذا المعنى، فلا يصحّ أن يكون دليلا على عدم الضمان في بيع الغاصب مع علم المشتري بالغصب.

(5) قد نقلنا بعض عبارته قبل أسطر، فلاحظ.

(6) و هي: كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

(7) يعني: معنى «كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»، و محصّل ما أفاده في معنى هذه القضيّة هو: أنّ كل عقد ثبت الضمان شرعا في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه، كالبيع غير الربويّ و البيع الربويّ، فإنّ الأوّل هو الفرد الصحيح من البيع، و الثاني هو الفرد الفاسد من البيع. فهذان الفردان الفعليّان للبيع يكون أحدهما الصحيح موردا للضمان، و الآخر الفاسد أيضا موردا للضمان. و ليس فرد واحد شخصي يفرض تارة صحيحا و اخرى فاسدا، فإنّ لفظ «يضمن» الذي هو نعت لكلمة «عقد»

ص: 503

في الفرد الفاسد منه (1)، فيختصّ موردها (2) بما إذا كان للعقد فردان فعليّان، لا الفرد الواحد المفروض تارة صحيحا و اخرى فاسدا.

نعم (3) يمكن تطبيق المعنى

______________________________

ظاهر في الاتصاف الفعلي بالضمان.

(1) هذا الضمير و ضمير «منه» المذكور قبله راجعان إلى «عقد».

(2) يعني: يختص مورد قضية «كل عقد يضمن بصحيحه» بالعقد الذي له فردان فعليّان ثبت الضمان شرعا في صحيحهما و فاسدهما، لا الفرد الواحد الشخصي الذي.

يفرض تارة صحيحا، و اخرى فاسدا كما هو المعنى الذي أبطلناه سابقا.

(3) استدراك على الاستدلال على نفي الضمان بقضية «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» بناء على تفسيرها الباطل، و هو إرادة فرض الصحة و الفساد في عقد واحد شخصي.

و حاصل الاستدراك: أنّه يمكن الاستدلال على عدم الضمان فيما نحن فيه- و هو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبية البائع- بقاعدة «ما يضمن بصحيحه» بالمعنى الذي اختاره المصنّف قدّس سرّه في (ص 503) بقوله: «فإن معناه: أنّ كل عقد تحقق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه» بأن يقال: إنّ المراد بالعقد في قاعدة «كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» ليس خصوص النوع المتعارف كالبيع و الصلح من أنواع العقود، كما كان ذلك ظاهر المعنى المختار، بل المراد ما هو أعم من ذلك.

يعني: أنّ المقصود بالعقد هو العقد المملّك للأموال ممّا يكون له فردان صحيح كالبيع غير الربوي، و فاسد كالبيع الربوي، سواء أ كان من النوع المتعارف كالبيع الذي هو مبادلة مال بمال، و الهبة غير المعاوضة التي هي من التمليك المجاني، أم كان من النوع غير المتعارف كالبيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة، و كتسليط المشتري البائع الفضول على الثمن.

بلا عوض من مال البائع.

ففي التمليك المعاوضي يكون الضمان في صحيحه و فاسده، و في التمليك غير المعاوضي أيضا صحيح كالهبة غير المعوّضة، و فاسد كتسليط المشتري الغاصب على الثمن بدون عوض من ماله، و كالإجارة بلا اجرة و البيع بلا ثمن. و في صحيح هذا العقد غير المعاوضي- كالهبة غير المعوضة- لا ضمان، و كذا في فاسده، كبيع الغاصب بدون عوض من ماله.

ص: 504

المختار (1) فيما نحن فيه و شبهه (2)، بأن (3) لا يكون المراد من العقد في موضوع القضيّة خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود كالبيع و الصلح، بل يراد مطلق المعاملة الماليّة التي يوجد لها فردان صحيح و فاسد، فيقال: إنّ ما نحن فيه (4) و البيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة تمليك بلا عوض من مال الآخر. و الفرد (5) الصحيح من هذه المعاملة (6)- و هي (7) الهبة غير المعوّضة- لا ضمان فيها،

______________________________

(1) و هو الذي أفاده بقوله: «فان معناه أنّ كلّ عقد تحقق الضمان» إلى آخر ما نقلناه آنفا.

(2) كبيع ما ليس قابلا للملكية مع علم المشتري بعدم قبوله للملكية.

(3) هذا و «فيما نحن فيه» متعلقان ب- «تطبيق»، و هذا تقريب إمكان تطبيق المعنى المختار على ما نحن فيه من بيع الغاصب مع علم المشتري.

(4) و هو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته و دفع الثمن إليه، و محصّله: أنّ المراد بالموصول في قضية «ما لا يضمن» هو المعاملة المالية الّتي لها فردان صحيح و فاسد.

سواء أ كانت تمليكا مع العوض كالبيع، أم بدون العوض كالهبة غير المعوضة. و للتمليك مع العوض فرد صحيح، كالبيع غير الربويّ، و فرد فاسد كالبيع الربوي. و للتمليك غير المعاوضي أيضا فرد صحيح كالهبة غير المعوّضة، و فرد فاسد كالبيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة، و تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن.

و هذا التعميم لكلّ معاملة ماليّة يشمل ما نحن فيه، لأنّ التسليط المزبور تمليك مجّاني، لعدم كون هذا التسليم بعوض من مال الغاصب، فيدلّ على عدم ضمان البائع الغاصب للثمن، كعدم ضمان الفرد الصحيح من التمليك المجّاني و هو الهبة غير المعوّضة، فيكون «ما لا يضمن بصحيحه» دليلا على عدم ضمان البائع الغاصب للثمن الذي سلّمه المشتري إليه.

(5) معطوف على الموصول في «ما نحن فيه» و خبره قوله: «لا ضمان».

(6) أي: معاملة التمليك بلا عوض.

(7) أي: الفرد الصحيح. و تأنيث الضمير باعتبار الخبر. و المراد بقوله: «هذه المعاملة» هو التمليك بلا عوض، الذي له فرد صحيح كالهبة غير المعوضة، و فرد فاسد كالبيع بلا ثمن، و الإجارة بلا اجرة.

ص: 505

ففاسدها (1) كذلك، فتأمّل (2).

و بالجملة: فمستند المشهور (3) في مسألتنا (4) لا يخلو من غموض، و لذا (5) لم يصرّح أحد بعدم الضمان في «بعتك بلا ثمن» [1] مع اتّفاقهم عليه (6) [هنا].

______________________________

(1) أي: الفرد الفاسد من هذه المعاملة المالية لا ضمان فيها أيضا، فالمعاملة المجانية- مثل ما نحن فيه و البيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة- لا ضمان فيها.

(2) لعله إشارة إلى: أنّ المعنى المذكور- و هو إرادة مطلق المعاملة المالية من الموصول في قضية «ما يضمن بصحيحه»- و إن كان صحيحا في نفسه، لكنه ليس ظاهر القضية المذكورة بحيث ينسبق إليه الذهن، بل إرادته محتاجة إلى القرينة. فظاهر الموصول هو كلّ نوع من أنواع العقد كالبيع و الصلح و نحوهما.

أو إشارة إلى: أنّ المعاملة المالية عنوان انتزاعي لا يصلح لأن يكون موضوعا للحكم.

(3) القائلين بعدم رجوع المشتري إلى البائع بالثمن في صورة التلف. وجه غموض المستند هو: أنّ مقتضى ما ذكروه من التسليط المجاني عدم الضمان، لكن مقتضى قاعدة «ما يضمن بصحيحه» هو الضمان، و لذا اتفقوا على الضمان في «بعتك بلا ثمن».

(4) و هي بيع الغاصب مع علم المشتري بكونه غاصبا.

(5) أي: و لعدم خلوّ مستند المشهور- النافين لرجوع المشتري إلى البائع- عن الغموض و الإشكال، لم يصرّح أحد بعدم الضمان في «بعتك بلا ثمن» مع اتفاق الأصحاب على عدم الضمان هنا، أي: في تسليط المشتري البائع الغاصب.

هذا بناء على وجود كلمة «هنا». و أمّا بناء على عدمها فمرجع ضمير «عليه» هو الضمان، يعني: لم يصرّح أحد بعدم الضمان في «بعتك بلا ثمن» بل اتفقوا على الضمان فيه.

(6) أي: على عدم الضمان هنا، أي: في بيع الغاصب مع علم المشتري بغصبية المبيع.

______________________________

[1] لا يخلو منافاة دعوى عدم التصريح بعدم الضمان لما تقدم في (ص 488) من قوله: «فهو يشبه الهبة الفاسدة و البيع بلا ثمن و الإجارة بلا أجرة، التي قد حكم الشهيد و غير واحد بعدم الضمان فيها» و تقدّم هناك أنّ عدم الضمان مختار غير واحد، فراجع ما نقلناه من الكلمات.

ص: 506

و صرّح (1) بعضهم بضمان المرتشي مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه (2).

نعم (3) ذكر الشهيد رحمه اللّه و غيره عدم الضمان في الإجازة بلا اجرة.

______________________________

(1) غرضه من ذكر هذا الفرع تأييد ما أفاده من غموض مستند المشهور، إذ لو لم يكن في مستندهم غموض لزم التصريح بعدم ضمان المرتشي للرشوة التالفة عنده، لأنّ الراشي سلّط المرتشي على الرشوة بلا عوض، كتسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن مجانا، مع أنّهم صرّحوا بضمان المرتشي. فلا بدّ من الحكم بضمان البائع الغاصب أيضا، لوحدة الطريق في المسألتين. فهذا الاختلاف في الضمان في نظائر مسألتنا كاشف عن غموض دليل عدم الضمان فيما نحن فيه.

و المصرّح بالضمان جماعة كالمحقق و العلامة و الشهيدين و غيرهم، بل في الجواهر:

«و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في بقاء الرشوة على ملك المالك، كما هو مقتضى قوله:

إنّها سحت، و غيره من النصوص الدالة على ذلك. و أنّ حكمها حكم غيرها ممّا هو كان من هذا القبيل. نعم قد يشكل الرجوع بها مع تلفها و علم الدافع بالحرمة باعتبار تسليطه. و التحقيق فيه ما مرّ في نظائره» «1».

و قال في القضاء: «و كيف كان فلو تلفت- أي الرشوة- قبل وصولها إليه ضمنها له، لعموم على اليد، و غيره ممّا تقدم .. إلخ» «2».

نعم استشكل الفاضل النراقي في الضمان على تقدير التلف لو كان دفع الرشوة برضا الراشي «3». و الظاهر أنّ قول صاحب الجواهر: «قد يشكل» إشارة إلى خلاف الفاضل.

و لكنه كما ترى.

(2) و هو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته.

(3) استدراك على عدم التصريح بعدم الضمان في «البيع بلا ثمن، و الإجارة بلا اجرة» لكونهما متحدين حكما. و حاصل الاستدراك وجود المصرّح بعدم الضمان في مسألة

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 149

(2) جواهر الكلام، ج 40، ص 133 و راجع: شرائع الإسلام، ج 4، ص 78، قواعد الأحكام، ج 3، ص 429، الدروس الشرعية، ج 2، ص 76، مسالك الأفهام، ج 13، ص 422 و 423

(3) مستند الشيعة، ج 17، ص 74

ص: 507

و يؤيّد ما ذكرنا (1) ما دلّ من الأخبار (2) على كون ثمن الكلب و الخمر سحتا.

و إن أمكن (3) الذبّ عنه بأنّ المراد التشبيه

______________________________

الإجارة، و هو الشهيد قدّس سرّه و غيره، و قد تقدم كلامه في (ص 489) فراجع.

و المراد بالإجارة بلا اجرة أن يقع العقد على تمليك منفعة من دون اجرة، كأن يقول مالك الدار: «آجرتك هذه الدار شهرا بلا اجرة» ثم يستوفي المستأجر منفعة دار المؤجر مدة بلا اجرة يضمنها المستأجر للموجر عوض المنفعة التي استوفاها.

(1) و هو قوله في (ص 502): «و لكن إطلاق قولهم: إن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده يقتضي الضمان فيما نحن فيه و شبهه».

تقريب التأييد- بعد تشبيه المبيع المغصوب بالكلب و الخنزير و كون ثمنه سحتا- أنّ عدم جواز التصرف في السّحت يستلزم الضمان، فيجب ردّ عينه إن كان باقيا، و ردّ بدله إن كان تالفا، لأنّ أكل مال الغير سحت، فيجب ردّه إلى مالكه إن كان باقيا، و بدله إن كان تالفا حتى تبرء ذمته.

(2) مثل ما ورد في وصيّة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عليّ عليه السّلام، قال: «يا علي! من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب، و ثمن الخمر، و مهر الزانية، و الرشوة في الحكم، و أجر الكاهن» «1».

و المراد بالكلب ما ليس صيودا، بقرينة ما ورد في أخبار أخر، مثل ما رواه أبو عبد اللّه العامري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: سألته عن ثمن الكلب الذي لا يصيد.

فقال: سحت. و أما الصيود فلا بأس» «2».

(3) هذا ردّ التأييد، و الأولى أن يقال: «و إن أمكن ذبّه» أي دفعه، و أمّا الذّب عن الشي ء فهو حفظه.

و كيف كان فغرضه الخدشة في التأييد المزبور بمنع الملازمة بين حرمة التصرف و الضمان، و حاصله: أنّ التشبيه بالسّحت يكون في الحكم التكليفي، و هو حرمة التصرف فقط، دون الحكم الوضعي و هو الضمان، لعدم التلازم بين التكليف و الوضع، كحرمة التصرف في الأوقاف العامة كالمساجد، فإذا سكن في بعض بيوت المسجد بدون مجوّز ارتكب محرّما، و ليس عليه ضمان.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 63، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، ح 1

(2) المصدر، ص 83، الباب 14، ح 1

ص: 508

في التحريم [1]، فلا ينافي عدم الضمان مع التلف، كأصل السحت (1).

ثمّ (2) إنّ مقتضى

______________________________

(1) و هو الكلب و الخنزير، فإنّ إتلافهما أو تلفهما لا يوجب الضمان إلّا كلب الصيد، فإنّ فيه أربعين درهما، أو قيمته، على الخلاف. و كذا كلب الغنم و الحائط و كلب الزرع، فإنّ في هذه الثلاثة قيمتها.

(2) كان الكلام إلى هنا فيما إذا باع البائع الفضولي لنفسه، و الآن يشرع في حكم ما إذا باع الفضولي للمالك، و دفع المشتري ثمن المبيع إلى البائع للإيصال إلى المالك، فتلف الثمن في يد البائع.

و ملخّص ما أفاده في حكمه: أنّ مقتضى ما تقدّم في وجه عدم رجوع المشتري بالثمن إلى البائع- من تسليطه البائع على الثمن بلا عوض- هو ثبوت الرجوع بالثمن على البائع فيما إذا باع الفضولي للمالك، و قبض الثمن من المشتري للدفع إلى المالك، فتلف عنده، إذ المشتري لم يسلط البائع و لا أذن له في التصرف فضلا عن إتلافه، فقاعدة اليد تقتضي الضمان، و لا مخصّص لها هنا.

و ما أفاده المصنف قدّس سرّه- من جواز رجوع المشتري بالثمن على البائع- قد نبّه عليه الفاضل النراقي قدس سره أيضا بقوله: «نعم لو كان البيع فضولا لأجل المالك، و سلّم المشتري الثمن إلى البائع ليسلّمه المالك لو أجاز، و أتلفه البائع، فالوجه الرجوع إليه. و الوجه ظاهر ..» «1».

______________________________

[1] لا يخفى أنّه لو كان هناك دليل لفظي على تنزيل ثمن المال المغصوب- مع علم المشتري بالغصب- منزلة ثمن الخنزير و الكلب، اقتضى إطلاقه التنزيل بالنسبة إلى الحكمين التكليفي و الوضعي.

لكنه ليس في البين دليل لفظي على التنزيل، و لا دليل لبّيّ كالإجماع حتى يؤخذ بالقدر المتيقن منه، و هو الحرمة.

______________________________

(1) مستند الشيعة، ج 14، ص 295

ص: 509

ما ذكرناه (1) في وجه عدم الرجوع بالثمن، ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضوليّ غير (2) بائع لنفسه، بل باع عن المالك، و دفع المشتري الثمن إليه، لكونه (3) واسطة في إيصاله (4) إلى المالك، فتلف (5) في يده، إذ (6) لم يسلّطه عليه و لا أذن له في التصرّف فيه فضلا (7) عن إتلافه.

و لعلّ (8) كلماتهم و معاقد اتّفاقهم (9) تختصّ بالغاصب البائع لنفسه، و إن كان

______________________________

(1) أي: ما ذكرناه في (ص 484) من «أنّه سلّطه على ماله بلا عوض ..».

(2) حال من «البائع» و لو قيل- كما في نظائره-: «إذا باع البائع الفضولي عن المالك» لدلّ على المقصود باختصار.

(3) هذا الضمير و ضمير «إليه» راجعان إلى البائع.

(4) أي: في إيصال الثمن إلى المالك.

(5) يعني: فتلف الثمن في يد البائع.

(6) تعليل لثبوت رجوع المشتري بالثمن على البائع لا لنفسه، بل للمالك. و حاصل التعليل: أنّ المشتري، لم يسلّط البائع على الثمن، و لم يأذن له في التصرف في الثمن فضلا عن إتلافه، حتى يسلب احترام ماله، و يخصّص قاعدة اليد.

(7) يعني: فضلا عن إذنه في إتلافه الثمن، فلا إذن في شي ء من التصرف و الإتلاف.

(8) إشارة إلى إشكال، و هو: أنّ كلمات الأصحاب في عدم رجوع المشتري على البائع بالثمن مطلقة، فتشمل كلتا صورتي بيع الغاصب لنفسه و للمالك.

و قد دفعه بقوله: «و لعل كلماتهم .. إلخ» و محصله: أنّ إطلاق كلمات العلماء لعلّه يختصّ بالغاصب البائع لنفسه، لما مرّ من عدم تسليط المشتري البائع على التصرّف في الثمن في صورة بيع الغاصب للمالك، فقاعدة اليد الموجبة للضمان جارية في هذه الصورة بلا مانع.

(9) تقدم في (ص 483) التنبيه على كلمات جمع ممّن ادّعى الإجماع على عدم ضمان البائع الغاصب مع علم المشتري بالغصب لو تلف الثمن، فقال: «بل المحكي عن العلامة و ولده و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم الاتفاق عليه» فراجع.

ص: 510

ظاهر بعضهم (1) ثبوت الحكم في مطلق الفضولي مع علم المشتري بالفضوليّة.

و كذا (2) يقوى الرجوع لو أخذ البائع الثمن من دون إذن المشتري، بل (3) أخذه بناء على العقد الواقع بينهما، فإنّه (4)

______________________________

(1) غرضه أنّ حمل كلماتهم و معاقد إجماعهم- على عدم رجوع المشتري- على خصوص ما إذا باع البائع لنفسه، خلاف ظاهر بعض الفقهاء في عموم الحكم بعدم رجوع المشتري بالثمن على البائع مطلقا و إن باع الغاصب للمالك مع علم المشتري بغاصبيته.

و الظاهر أنّ غرض المصنف قدّس سرّه من ظهور كلام البعض هو إطلاق تنظير الغاصب بالفضولي، في قبال من خصّ بيع الغاصب بما إذا باع لنفسه. فالفاضل المقداد و المحقق الثاني قدّس سرّهما جعلا الغاصب كالفضولي «1». و مقتضاه شمول حكمهم بعدم رجوع المشتري العالم بالفضولية- على البائع بالثمن التالف في يده- للغاصب أيضا، سواء باع لنفسه كما هو الغالب، أم للمالك.

(2) هذه صورة أخرى لضمان البائع الفضولي للثمن، و هي: ما إذا أخذ البائع الثمن من المشتري بدون إذنه، و إنّما أخذه بعنوان الوفاء بالعقد الواقع بينهما.

و الوجه في جواز رجوع المشتري على البائع بالثمن هو: أنّه لم يحصل من المشتري ما يوجب عدم جريان قاعدة اليد في الثمن، إذ لم يتحقق من المشتري تسليط خارجي على الثمن حتى يخصّص عموم على اليد.

(3) يعني: بل أخذ البائع الثمن بمقتضى العقد الواقع بين البائع الفضول و المشتري الأصيل.

(4) الضمير للشأن، و هذا تعليل لرجوع المشتري بالثمن على البائع الذي أخذ الثمن من المشتري بدون إذنه. و حاصل التعليل: أنّه لم يحصل من المشتري تسليط خارجي حتى يرفع الضمان اليديّ، و إنّما حصل تسليط عقدي، و هو لا يؤثّر في رفع الضمان بعد وضوح فساد العقد.

______________________________

(1) التنقيح الرائع، ج 2، ص 27، جامع المقاصد، ج 4، ص 69

ص: 511

لم يحصل هنا (1) من المشتري تسليط إلّا بالعقد. و التسليط العقديّ مع فساده غير مؤثّر (2) في دفع الضمان.

و يكشف عن ذلك (3) تصريح غير واحد (4) منهم بإباحة تصرّف البائع

______________________________

(1) أي: في صورة أخذ البائع الثمن بدون إذن المشتري.

(2) لأنّ وجود العقد الفاسد كالعدم في عدم ترتب أثر عليه.

(3) أي: يكشف عن كون التسليط الخارجي رافعا للضمان- دون التسليط العقدي الفاسد- تصريح غير واحد من الفقهاء بإباحة تصرف البائع الغاصب في الثمن في صورة تسليط المشتري له، مع اتّفاقهم ظاهرا على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة. فيكشف حكمهم بإباحة التصرف- مع الاتفاق على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة- عن عدم كون التسليط العقدي موجبا للإباحة، و لا رافعا للضمان. و إنّما الموجب لهما هو التسليط الخارجي.

فالنتيجة: أنّه إذا أخذ البائع الغاصب الثمن بغير إذن المشتري يكون ضامنا.

(4) نقل ذلك عنهم جمع، منهم أصحاب الحدائق و مفتاح الكرامة و الجواهر قدّس سرّهم.

قال السيد العاملي: «.. و من ثمّ قالوا: إنّ المشتري قد فوّت ماله متعمدا، لعلمه بتحريم تصرفه فيه، و دفع ماله من غير عوض، و هو يجتمع مع جواز تصرف البائع الثمن عند القائلين بالإباحة. و قد ذهبوا إلى أنّه حينئذ ليس أكلا مال الغير بالباطل» «1».

و التعبير بالتسليط مذكور في كلامي المحقق و الشهيد الثانيين، و غيرهما، ففي المسالك في شرح قول المحقق: «و لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب» ما لفظه: «و وجّهوه بكون المشتري قد دفعه إليه و سلّطه عليه، مع علمه بعدم استحقاقه له، فيكون بمنزلة الإباحة. و هذا يتمّ مع تلفه .. إلخ» «2».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 194، جواهر الكلام، ج 22، ص 305 و 306، الحدائق الناضرة، ج 18، ص 396

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 71، مسالك الأفهام، ج 3، ص 160

ص: 512

الغاصب فيه (1)، مع اتّفاقهم ظاهرا على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة.

و كذا (2) يقوى الضمان لو اشترط (3) [1] على البائع الرجوع بالثمن لو أخذ العين صاحبها (4).

و لو كان الثمن كلّيّا (5) فدفع إليه المشتري بعض أفراده، فالظاهر عدم الرجوع، لأنّه (6) كالثمن المعيّن في تسليطه عليه مجّانا.

______________________________

(1) أي: في الثمن المجعول عوضا عن المبيع المغصوب.

(2) معطوف على «و كذا يقوى الرجوع» يعني: و من موارد ضمان البائع الغاصب للثمن ما إذا اشترط المشتري الأصيل على البائع الفضول الرجوع عليه بالثمن لو أخذ المالك العين التي بيعت فضولا، و ردّ البيع و لم يجزه. و لا ينبغي الارتياب في ضمان البائع للثمن في هذه الصورة، لعدم موجب لارتفاع الضمان مع وجود اليد أوّلا، و اشتراط الضمان ثانيا.

(3) أي: اشترط المشتري.

(4) فاعل «أخذ»، و ضميره راجع الى «العين».

(5) كان موضوع البحث إلى الآن في الثمن المعيّن الشخصي. و أمّا الثمن الكلي- الّذي دفع المشتري فردا منه إلى البائع- فالظاهر أنّه ليس له الرجوع على البائع كالثمن الشخصي، لأنّ ملاك عدم الضمان فيهما واحد، و هو التسليط المجاني.

(6) تعليل لعدم ضمان البائع للثمن، و قد مرّ تقريبه آنفا بقولنا: «لأنّ ملاك عدم الضمان .. إلخ». هذا تمام الكلام في المسألة الأولى المتعلقة بحكم الثمن الذي تسلّمه البائع الفضول من المشتري.

______________________________

[1] وجه الضمان في صورة الاشتراط عدم تسليط المشتري للبائع مجّانا على الثمن المزبور، فمقتضى عموم «على اليد» السليم من المخصّص محكّم.

لكن صحة شرط الضمان في صورة التلف محلّ إشكال، بعد تسليم كون يد البائع حينئذ يدا أمانية. نعم شرط الضمان في صورة الإتلاف في محله، بل لا حاجة إلى الشرط كما هو واضح.

ص: 513

[المسألة الثانية: حكم ما يغترمه المشتري غير الثمن]
اشارة

المسألة الثانية (1):

أنّ المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن (2):

فإمّا أن يكون (3) في مقابل العين، كزيادة القيمة (4) على الثمن إذا رجع المالك بها على المشتري، كأن كانت القيمة المأخوذة (5) منه عشرين و الثمن عشرة

______________________________

د: حكم ما يغترمه المشتري غير الثمن

(1) هذه المسألة أيضا من فروع ردّ البيع الفضولي، و قد أشار إليها في (ص 475) بقوله: «و أما حكم المشتري مع الفضولي فيقع الكلام فيه تارة في الثمن، و اخرى في ما يغرمه للمالك زائدا على الثمن ..» و قد عقدها المصنف قدّس سرّه لبيان حكم ما يغترمه المشتري- لمالك المبيع فضولا- زائدا على الثمن المسمّى، كما سيظهر من الأمثلة المذكورة في المتن. و مورد الكلام كما سيصرّح به المصنف هو جهل المشتري بعدم مالكية البائع للمبيع، إذ لو كان عالما بعدم مالكيته له لم يكن له الرجوع على البائع الغاصب أو الفضولي مطلقا بشي ء من الغرامات.

و توضيح ما أفاده: أنّ ما يغترمه المشتري للمالك زائدا على الثمن على ثلاثة أقسام:

الأوّل: أن تكون الغرامة في مقابل العين، كما إذا تلفت العين و كانت قيمتها السوقية عشرة دنانير، و كان ثمنها المسمّى خمسة دنانير، و أخذ المالك من المشتري عشرة دنانير، فالخمسة الزائدة على الثمن المسمّى غرامة في مقابل العين.

القسم الثاني: أن تكون الغرامة الزائدة في مقابل ما استوفاه المشتري من منافع المبيع فضولا، كما إذا أخذ المالك اجرة السكنى أو عوض اللبن أو الصوف أو الثمرة أو غيرها ممّا استوفاها المشتري من العين المبيعة له فضولا.

القسم الثالث: أن يكون الزائد على الثمن ممّا لم يحصل في مقابله نفع للمشتري.

و هذه الأقسام الثلاثة- الراجعة إلى غير الثمن ممّا يغترمه المشتري للمالك- موضوعات لما يذكر من الأحكام.

(2) أي: غير الثمن المسمّى الذي هو خمسة دنانير في المثال المذكور.

(3) اسم «يكون» هو غير الثمن، و خبره قوله: «في مقابل العين».

(4) أي: القيمة السوقيّة التي هي في المثال خمسة كالثمن المسمّى.

(5) أي: من المشتري، فالقيمة المأخوذة من المشتري- على مثال المتن- زائدة على الثمن المسمّى بعشرة دنانير.

ص: 514

و إمّا (1) أن يكون في مقابل ما استوفاه المشتري، كسكنى الدار و وطء الجارية و اللبن و الصوف و الثمرة.

و إمّا (2) أن يكون غرامة لم يحصل له (3) في مقابلها نفع، كالنفقة (4)، و ما (5) صرفه في العمارة، و ما (6) تلف منه أوضاع (7) من الغرس و الحفر، أو إعطائه (8) قيمة للولد المنعقد حرّا، و نحو ذلك، أو نقص (9) من الصفات و الأجزاء.

______________________________

(1) هذا هو القسم الثاني، و الضمير المستتر في «يكون» راجع إلى «غير الثمن».

(2) هذا هو القسم الثالث، و ضمير «يكون» كسابقيه راجع إلى غير الثمن.

(3) أي: لم يحصل نفع للمشتري في مقابل تلك الغرامة.

(4) أي: كنفقة العبد و الفرس و الحمار إذا اشتراها المشتري من البائع الفضولي.

(5) معطوف على «النفقة» يعني: و كالمال الذي صرفه المشتري في العمارة، كما إذا كان المبيع دارا خربة، و صرف في تعميرها مالا.

(6) معطوف على «النفقة» يعني: و كالمال الذي تلف منه، كتلف بعض الأشجار المغروسة في البستان عند المشتري. و ضمير «منه» راجع إلى المبيع.

(7) معطوف على «تلف» و «من» بيان ل «ما» الموصول في قوله: «ما تلف» يعني:

ضاع عند المشتري بعض أراضي المبيع بصيرورته محفورا بالماء و غيره.

(8) معطوف على «النفقة» يعني: و كإعطاء المشتري قيمة الولد المنعقد حرّا، كما إذا كان المبيع فضولا أمة و استولدها المشتري، فحينئذ يكون المولد حرّا، و يلزم عليه أن يدفع قيمة الولد إلى مالك الأمة.

و الظاهر أنّ مورد دفع قيمة الولد- كما سيصرّح به- هو جهل المشتري بالحال ليكون الولد حرّا للتبعية، فلو كان عالما كان الولد رقّا، لأنّه نماء الجارية يملكه السّيد، و لا مورد لدفع قيمته حينئذ. و قد تقدم في ثمرات الكشف الحقيقي و الحكمي بعض الكلام فيه، فراجع (ص 79 و 84).

(9) معطوف على قوله: «تلف»، و نقص الصفات كنسيان العبد الكاتب الكتابة عند المشتري. و نقص الأجزاء كتلف بعض أوراق الكتاب عند المشتري، و أخذ المالك من المشتري قيمته.

ص: 515

[عدم الرجوع بالغرامات لو كان المشتري عالما]

ثمّ المشتري (1) إن كان عالما فلا رجوع في شي ء من هذه الموارد، لعدم الدليل عليه (2).

[حكم المشتري مع الجهل]
[1- رجوع المشتري الجاهل بما اغترمه على ما ينتفع به]

و إن (3) كان جاهلا، فأمّا الثالث فالمعروف من مذهب الأصحاب- كما في الرياض، و عن الكفاية- رجوع المشتري الجاهل بها (4) على البائع، بل في كلام

______________________________

عدم الرجوع بالغرامات لو كان المشتري عالما

(1) هذا شروع في حكم الأقسام المزبورة، و قال: انّ المشتري إن كان عالما بالفضولية و غاصبية البائع فلا رجوع له على البائع في شي ء من الموارد المزبورة، لعدم الدليل على الضمان بعد إقدامه على ضرره.

(2) أي: على الرجوع.

1- رجوع المشتري الجاهل بما اغترمه على ما ينتفع به

(3) معطوف على «إن كان» و حاصله: أنّه إن كان المشتري جاهلا بفضولية البائع، ففي القسم الثالث- و هو قوله: «و إمّا أن يكون غرامة لم يحصل له في مقابلها نفع .. إلخ»- يكون المعروف من مذهب الأصحاب كما في الرياض: رجوع المشتري الجاهل بالفضولية على البائع الفضول بالغرامات المذكورة، بل ادّعي الإجماع على الرجوع إلى البائع بالغرامات التي لم يحصل في مقابلها نفع للمشتري.

و في السرائر قدّس سرّه: أنّ المشتري يرجع على البائع بتلك الغرامات المذكورة في القسم الثالث قولا واحدا.

و في كلام المحقق و الشهيد الثانيين في كتاب الضمان: نفي الإشكال عن ضمان البائع الفضول لدرك ما يحدثه المشتري من أشجار غرسها في الأرض التي ابتاعها من الفضولي، و قلعها مالك الأرض، فإنّ خسارة قلع تلك الأشجار بعهدة البائع الفضول.

(4) أي: بالغرامات المذكورة في القسم الثالث. قال في الرياض: «و المعروف من مذهب الأصحاب: أنّ للمشتري أن يرجع بما غرمه للبائع مما لم يحصل له في مقابلته عوض، كقيمة الولد و النفقة و العمارة و نحو ذلك، لمكان التغرير، و ترتب الضرر به مع

ص: 516

بعض (1)- تبعا للمحكي عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد- دعوى (2) الإجماع على الرجوع (3) بما لم يحصل في مقابله نفع.

و في السرائر: «أنّه (4) يرجع قولا واحدا» «1».

و في كلام المحقّق و الشهيد الثانيين في كتاب الضمان نفي الإشكال (5) عن ضمان البائع لدرك (6) ما يحدثه المشتري إذا قلعه المالك.

______________________________

عدم جابر له من العوض» «2».

و ظاهر كلام الفاضل السبزواري الإجماع لا مجرّد المعروفية، لقوله: «و ذكر الأصحاب أنّ ما يغرمه المشتري ممّا لم يحصل له في مقابلته نفع .. فله الرجوع به على البائع» «3».

(1) كصاحب الجواهر قدّس سرّه لقوله: «و الإجماع بقسميه». و قال السيد العاملي حاكيا لإجماع فخر الدين قدّس سرّهما: «و يرجع المشتري على البائع .. و بما اغترمه من نفقة أو عوض .. إجماعا أيضا كما في شرح الإرشاد» «4».

و بهذا ظهر الوجه في الإتيان بكلمة «بل» في المتن، لوضوح أنّ «المعروف» قد يوهم وجود المخالف في المسألة، و يزول هذا الوهم بالتصريح بالإجماع.

(2) مبتدء مؤخر، و خبره المقدّم قوله: «في كلام بعض».

(3) أي: رجوع المشتري على البائع بغرامات لم يحصل في مقابلها نفع للمشتري.

(4) يعني: أنّ المشتري يرجع على البائع الفضول قولا واحدا، و هو يدلّ على كون الحكم إجماعيا، ذكر ذلك ابن إدريس قدّس سرّه في قيمة الولد، التي أخذها المالك من المشتري.

(5) يعني: نفي الإشكال بحسب القواعد العلميّة.

(6) أي: لخسارة ما يحدثه المشتري في أرض ابتاعها من الفضولي، كما إذا غرس المشتري فيها أشجارا و قلعها المالك، فإنّ البائع الفضول يضمن حينئذ دركها.

قال المحقق الثاني في شرح قول العلّامة قدّس سرّهما: «و في ضمان البائع ذلك إشكال»

______________________________

(1) السرائر، ج 2، ص 493

(2) رياض المسائل، ج 2، ص 307

(3) كفاية الأحكام، ص 260، السطر 30، و الحاكي السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 199

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 301، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 199

ص: 517

و بالجملة: فالظاهر عدم الخلاف في المسألة (1)، للغرور (2) [1] فإنّ البائع مغرّر

______________________________

ما لفظه: «بل لا معنى لهذا الإشكال، لأنّ الإشكال إن كان في ثبوت ذلك على البائع فلا وجه له، لأنّ ذلك واجب. و إن كان في اقتضاء هذا الضمان ثبوته أيضا ليكون مؤكّدا فلا وجه له أيضا، لأنّه ضمان ما لم يجب بعد» و نحوه كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه «1» فراجع.

(1) و هي رجوع المشتري الجاهل على البائع الفضول في القسم الثالث، و هو: أن يكون غرامة لم يحصل للمشتري في مقابلها نفع.

(2) قد استدلّ على رجوع المشتري الجاهل على البائع الفضول في القسم الثالث بوجوه:

الأوّل: قاعدة الغرور، تقريبه في المقام: أنّ البائع الفضول قد أوقع المشتري في الغرامة المزبورة بسبب بيعه إيّاه ما ليس له، من دون إعلام و بيان لحقيقة الحال. و هذا بخلاف البيع مع إعلام البائع أو علم المشتري بالحال، إذ البائع لم يوقع المشتري حينئذ في خطر الضمان.

و هذه القاعدة مضمون النبوي المرسل: «المغرور يرجع على من غرّه» استدلّ به غير واحد، قال الفاضل النراقي قدّس سرّه: «و عموم قوله عليه السّلام: المغرور يرجع على من غرّه.

نقله المحقق الشيخ علي في حاشيته على الإرشاد. و ضعفه غير ضائر، لأنّ الشهرة بل الإجماع له جابر. بل هذه قاعدة مسلّمة بين جميع الفقهاء متداولة عندهم، يستعملونها في مواضع متعددة، كالغصب و التدليس في المبيع، و الزوجة، و الجنايات و أمثالها» «2».

______________________________

[1] قد استدلّ على اعتبار قاعدة الغرور بوجوه:

منها: الخبر المذكور. و فيه أوّلا: عدم ثبوت كونه كلام المعصوم عليه السّلام.

و ثانيا: عدم ثبوت انجباره على فرض صدوره، لأنّ الجابر لضعف سند الرواية هو استناد المشهور إليها، و هو أيضا غير ثابت.

و منها: دعوى الإجماع محصّلا و منقولا على رجوع المغرور على الغار.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 5، ص 340، مسالك الأفهام، ج 4، ص 205

(2) مستند الشيعة، ج 14، ص 296

ص: 518

للمشتري، و موقع إيّاه في خطرات الضمان، و متلف (1) عليه (2) ما يغرمه، فهو (3) كشاهد الزور الذي يرجع إليه (4) إذا رجع من شهادته.

______________________________

(1) الظاهر أنّه معطوف على «مغرّر» و مفسّر للغرور، هذا ما يقتضيه السياق.

و يحتمل بعيدا أن يكون إشارة إلى دليل آخر لضمان البائع، و هي قاعدة الإتلاف، إذ لو كان كذلك كان المناسب أن يقول: «و لقاعدة الإتلاف» في قبال قوله: «للغرور».

(2) هذا الضمير و ضمير «إياه» راجعان إلى المشتري.

(3) أي: فالبائع فيما نحن فيه يكون كشاهد الزور الذي يضمن ضرر المشهود عليه ذا اعترف- بعد تماميّة الحكم- ببطلان شهادته، و الرجوع عنها.

(4) أي: يرجع إلى شاهد الزور في أخذ المال منه. قال المحقق قدّس سرّه: «لو رجعا عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم. و لو رجعا بعد الحكم و الاستيفاء لم ينقض الحكم، و كان الضمان على الشهود» «1».

و علّله صاحب الجواهر قدّس سرّه بقوله: «الّذين هم السبب في الإتلاف على وجه القوّة على المباشر عرفا كما هو واضح» «2».

______________________________

و فيه: أنّه لم يثبت كونه إجماعا تعبديا، لقوّة احتمال استناد المجمعين إلى الرواية المشار إليها، أو إلى غيرها من الوجوه الآتية.

و منها: أقوائية السبب من المباشر، فالمغرور و إن كان مباشرا، لكن الغارّ أقوى منه، إذ لو لم يكن بيع الغارّ لم يقع المغرور في تلك الغرامات.

لكن فيه: أنّ هذه القاعدة تجري فيما إذا كان المباشر بمنزلة الآلة، بأن يكون الفعل صادرا من المباشر بإرادة السبب. و المقام ليس كذلك، لأنّ إقدامه على تعمير الدار الخربة مثلا يكون بإرادته و اختياره.

و منها: قاعدة نفي الضرر و الضرار، حيث إنّ الغارّ سبب لضرر المغرور، فهو ضامن، كما يدلّ عليه رواية «من أضرّ بطريق المسلمين فهو ضامن» «3».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 4، ص 142

(2) جواهر الكلام، ج 41، ص 222

(3) وسائل الشيعة، ج 19، ص 180، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، ح 1

ص: 519

و لقاعدة (1) نفي الضرر [1].

مضافا إلى ظاهر رواية جميل (2) أو فحواها: «عن الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثمّ يجي ء مستحقّ الجارية. قال: يأخذ الجارية المستحق، و يدفع

______________________________

و يدل عليه مرسل جميل بن دراج عن أحدهما عليهما السّلام: «قال: في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم، و قد قضى على الرّجل، ضمنوا ما شهدوا به و غرموا. و إن لم يكن قضى طرحت شهادتهم و لم يغرموا الشهود شيئا» «1». و بمضمونه نصوص أخر، فراجع.

(1) معطوف على «للغرور» و هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الدالة على ضمان البائع الفضولي في القسم الثالث. و محصل هذا الوجه هو: أنّ قاعدة نفي الضرر تقتضي ضمان البائع، لأنّ عدم ضمانه لغرامات المشتري ضرر على المشتري، فهذا العدم مرفوع، فيثبت ضمان البائع.

(2) هذا ثالث الوجوه الدالّة على ضمان البائع لغرامات المشتري، توضيحه: أنّ الولد الحرّ إن عدّ نفعا عائدا إلى المشتري كانت الرواية دالّة بالفحوى على ما نحن فيه،

______________________________

[1] لا يخلو التمسك بقاعدة نفي الضرر لإثبات ضمان البائع عن الإشكال، لأنّ هذه القاعدة من الأحكام النافية للمجعولات الشرعية التي ينشأ منها الضرر، كوجوب الوضوء و لزوم البيع. و ليست القاعدة مثبتة لحكم، و الضمان حكم وضعي لا تصلح القاعدة لإثباته.

و الحاصل: أنّ عدم الضمان ليس من المجعولات الشرعية حتى يرتفع بالقاعدة، هذا.

مضافا إلى: أنّ الضمان ضرر أيضا على البائع.

و إلى: أنّ القاعدة لا تجري مطلقا حتى في ما إذا اعتقد البائع مالكيته للمبيع، فلم يقدم على الضرر الحاصل من ضمان غرامة المشتري. و قاعدة الغرور أيضا لا تجري في هذه الصورة، و هي: ما إذا اعتقد البائع مالكيته، بل في خصوص ما إذا اعتقد البائع بعدم مالكيته، و يبيع مال الغير عدوانا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 238، الباب 10 من كتاب الشهادات، ح 1 و الباب 11، ص 239، الحديث 1 و 2 و 3

ص: 520

إليه المبتاع قيمة الولد، و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه» «1». فإنّ (1) حرّيّة [1] ولد المشتري إمّا أن تعدّ نفعا عائدا إليه (2) أو لا، و على التقديرين (3)

______________________________

لأنّ المشتري إذا كان مع وصول النفع إليه مستحقا للرجوع إلى البائع، كان استحقاقه للرجوع إليه مع عدم وصول النفع إليه بطريق أولى.

و إن لم يعدّ الولد الحرّ نفعا عائدا إلى المشتري كانت دلالة الرواية على ما نحن فيه من باب الظهور اللفظي، إذ المفروض عدم كون الولد الحرّ نفعا عائدا إلى المشتري في مقابل غراماته كما هو المفروض.

و بالجملة: فهذه الرواية تدلّ بالظهور أو الفحوى على رجوع المشتري على البائع الفضول بالغرامات التي لم يصل في مقابلها نفع إلى المشتري.

(1) هذا تقريب الاستدلال بالرواية، و قد مرّ آنفا.

(2) أي: إلى المشتري.

(3) و هما: كون الولد الحرّ نفعا عائدا إلى المشتري، و عدم كونه نفعا عائدا إليه.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الولد الحرّ ليس مالا مملوكا، لا عرفا و لا شرعا. و عدم جواز بيع الحرّ من أمارات عدم ملكيته، فالحكم بإعطاء قيمة الولد تعبد محض.

فيحتمل أن يكون رجوع المشتري إلى البائع بتلك القيمة التي أخذها المالك من المشتري حكما تعبديا آخر. فلا وجه للتعدي عن مورده إلى الموارد الأخر، و أخذ المشتري غير الثمن من غراماته من البائع. و قد تقدم بعض الكلام في وجه ضمان قيمة الولد في بحث المقبوض بالبيع الفاسد، فراجع «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 592، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 5، رواه معاوية بن حكيم عن محمّد بن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

(2) هدى الطالب، ج 3، ص 53- 55

ص: 521

يثبت المطلوب (1). مع أنّ (2) في توصيف قيمة الولد بأنّها «أخذت منه» نوع إشعار لعلّيّة الحكم (3)، فيطّرد في سائر ما أخذت منه (4).

و أمّا السكوت (5) [1] عن رجوع المشتري إلى البائع في بعض الأخبار،

______________________________

(1) و هو رجوع المشتري على البائع في الغرامات التي لم يحصل في مقابلها نفع للمشتري.

(2) هذا وجه آخر لرجوع المشتري على البائع، و حاصله: أنّ تعليق الحكم على الوصف مشعر بعليته للحكم، و توصيف قيمة الولد في الرواية بأنّها «أخذت» منه يشعر بعليّة الأخذ من المشتري للحكم برجوع المشتري على البائع، فهذا التعليق يقتضي اطّراد حكم رجوع المشتري على البائع في كلّ ما يؤخذ منه، سواء وصل إليه نفع في مقابل ما يغرمه، كما في القسم الثاني، أم لا كما في القسم الثالث الذي هو مورد البحث.

(3) و هو جواز رجوع المشتري إلى البائع.

(4) كذا في نسخ الكتاب، و المناسب «ما أخذ منه».

(5) هذا إشارة إلى ما اختاره صاحب الحدائق من اختصاص ضمان البائع الفضول- لما اغترمه المشتري- بالثمن دون سائر الغرامات، سواء وصل بإزائها نفع إلى المشتري، كما إذا استوفى منافع المبيع كاللبن و الصوف، أم لا كعمارته و تنقية أنهاره.

و استدلّ المحدّث البحراني على مختاره بسكوت بعض الأخبار عن رجوع المشتري- في غير الثمن- إلى البائع، مع كونه في مقام البيان. و توضيحه: أنّه رحمه اللّه نقل عن الأصحاب: رجوع المشتري على البائع بالثمن و بما اغترمه على المبيع من

______________________________

[1] يمكن أن يكون السكوت عن رجوع المشتري إلى البائع لأجل الجهل بالبائع، و عدم معرفته. و مع الغضّ عنه- و تسليم كون السكوت في مقام البيان من هذه الجهة- يقال:

إنّ غايته أن يكون ظاهرا في ذلك، و الأدلة الدالة على جواز الرجوع إلى البائع إمّا نصّ في جواز الرجوع، و إمّا أظهر من ظهور السكوت في عدمه. و مقتضى حمل الظاهر على النص أو الأظهر هو تقييد الإطلاق، و الحكم بجواز رجوع المشتري على البائع الفضولي بجميع الغرامات الواردة عليه من ناحية بيع الفضول.

ص: 522

فهو (1) لعدم كونه (2) مسوقا لذلك (3)، كرواية زرارة «في رجل اشترى من سوق المسلمين جارية، فخرج بها (4) إلى أرضه، فولدت منه أولادا، ثمّ أتاها من يزعم

______________________________

نفقة و نحوها. ثم اعترض عليهم بقوله: «و أنت خبير بأنّ رواية زريق المتقدمة قد صرّحت بأنّ الرجوع بما غرمه على ذلك المبيع إنّما هو على المالك، لا على البائع، و إنّما يرجع بالثمن خاصة».

ثم نقل المحدث البحراني كلام الشهيد الثاني- القائل بالرجوع على البائع بما أنفق على المبيع من دون أن ينتفع به- و اعترض عليه بقوله: «و فيه: أنّ المستفاد من الخبر المذكور، و قوله فيه:- تصنع أن ترجع بمالك على الورثة، و تردّ المعيشة على صاحبها- أنّ الرجوع على البائع إنّما هو بالثمن خاصة. و المقام مقام بيان، مع حكمه عليه السّلام في الخبر برجوع المالك على المشتري بعوض المنافع. فلو كان للمشتري الرجوع بها على البائع، لذكره عليه السّلام، مع ذكره أخيرا أنّ المشتري يرجع بما أنفقه على المالك، لا على البائع» «1».

و محصّله: أنّ السكوت عن ضمان البائع لما أنفقه المشتري على المبيع- مع كون الامام عليه السّلام في مقام البيان- دليل على عدم ضمانه له، فلا وجه لحكمهم بجواز رجوع المشتري على البائع الفضولي في تلك النفقة.

(1) هذا جواب «و أمّا» و ردّ لما اختاره في الحدائق، و حاصله: أنّه ليست روايتا زرارة و زريق في مقام بيان وظيفة المشتري مع البائع، بل في مقام بيان وظيفة المشتري مع المالك، فلا تدلّان على عدم جواز رجوع المشتري إلى البائع حتى يقال: بعدم رجوع المشتري إلى البائع إلّا في خصوص الثمن، دون سائر الغرامات التي يتحمّلها المشتري.

فسكوت الروايتين- يعني عدم تعرضهما لجواز رجوع المشتري إلى البائع- إنّما هو لعدم كونهما في مقام البيان من هذه الجهة. و لو فرض إطلاقهما يرفع اليد عنه بتقييده بسائر الروايات الدالّة على ضمان البائع الفضولي لغرامات المشتري.

________________________________________

(2) أي: لعدم كون بعض الأخبار مسوقا .. إلخ.

(3) أي: لرجوع المشتري إلى البائع الفضولي.

(4) أي: بالجارية، و ضميرا «أرضه، منه» راجعان إلى «رجل».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 293 و 294

ص: 523

أنّها له، و أقام على ذلك البيّنة. قال (1): يقبض ولده، و يدفع إليه الجارية، و يعوّضه من قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها» «1».

و رواية زريق، قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام يوما إذ دخل عليه رجلان، فقال: أحدهما: إنّه كان عليّ مال لرجل من بني عمّار، و له بذلك ذكر حقّ (2) و شهود، فأخذ المال، و لم أسترجع (3) عنه الذكر بالحقّ، و لا كتبت عليه كتابا، و لا أخذت منه براءة بذلك. و ذلك (4) لأنّي وثقت به، و قلت له: مزّق الذّكر بالحقّ الذي عندك.

فمات (5) و تهاون بذلك و لم يمزّقه (6). و عقيب (7) هذا طالبني بالمال ورّاثه، و حاكموني و أخرجوا بذلك ذكر الحقّ (8)، و أقاموا العدول، فشهدوا عند الحاكم،

______________________________

(1) أي: قال الامام الصادق عليه السّلام: يقبض الرجل المشتري ولده، لأنّه حرّ، و يدفع الجارية إلى من يزعم أن الجارية له، و يدفع إليه أيضا قيمة ما أصاب المشتري من لبن الجارية و خدمتها.

(2) هذه الكلمة كناية عن مكتوب يكون وثيقة و حجة على ثبوت المال بعهدة الرجل المديون.

(3) في الوسائل: «و لم استرجع منه» يعني: و لم أستردد من الدائن ذلك المكتوب، حتى يكون حجة لي على أداء الدين.

(4) يعني: أنّ سبب عدم استرداد المكتوب و عدم أخذ وثيقة من الدائن- على وصول حقّه إليه- هو وثوقي و اعتمادي عليه بأنّه يمزّق ذلك المكتوب و يعدمه.

(5) كذا في نسخ الرواية، و المناسب: «فتهاون بذلك و لم يمزقه و مات».

(6) في الوسائل: «و لم يمزقها، و عقب هذا إن طالبني ..».

(7) منصوب على الظرفيّة يعني: و في عقيب موت الدائن طالبني بذلك المال ورّاث الدائن، و أخرجوا ذكر الحقّ لأجل إثبات مطالبتهم.

(8) في الوسائل: «بذلك الذّكر بالحقّ».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 592، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 4

ص: 524

فأخذت بالمال، و كان المال كثيرا، فتواريت (1) عن الحاكم، فباع عليّ قاضي الكوفة معيشة لي، و قبض القوم المال. و هذا رجل من إخواننا ابتلي بشراء معيشتي من القاضي.

ثمّ إنّ ورثة الميّت أقرّوا أنّ أباهم (2) قد قبض المال، و قد سألوه أن يردّ عليّ معيشتي، و يعطونه الثمن (3) في أنجم معلومة، فقال (4): إنّي أحبّ أن تسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هذا.

فقال الرجل- يعني المشتري-: كيف أصنع؟ جعلت فداك. قال (5): تصنع أن ترجع بمالك على الورثة، و تردّ المعيشة إلى صاحبها و تخرج يدك عنها».

قال (6): فإذا فعلت ذلك، له أن يطالبني بغير هذا؟ قال: نعم، له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلّة (7) من (8) ثمن الثمار، و كلّ ما كان مرسوما (9) في المعيشة يوم

______________________________

(1) هذا هو الصحيح، كما حكاه مصحّح الوسائل عن المجالس و الأخبار، لا ما في الوسائل من قوله: «فتوارثت من الحاكم».

(2) في الوسائل: «أن المال كان أبوهم قد قبضه».

(3) هذه الكلمة غير مذكورة في الوسائل.

(4) يعني: فقال الرجل الذي اشترى المعيشة: إنّي أحبّ .. إلخ.

(5) في الوسائل: «جعلني اللّه فداك: كيف أصنع؟ فقال: تصنع ..».

(6) و في الوسائل: «فإذا أنا فعلت» يعني: قال مشتري المعيشة: فإذا فعلت ذلك- أي: رددت المعيشة على صاحبها- هل له أن يطالبني بغير ردّ المعيشة؟ قال الإمام عليه السّلام:

نعم، له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلّة.

(7) بفتح الغين: الدخل، من كراء و أجر غلام و فائدة أرض، و نحو ذلك «1».

(8) لفظة «من» غير مذكورة في الوسائل.

(9) يعني: يجب ردّ كل ما كان ثابتا و موجودا في المعيشة يوم الاشتراء.

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 5، ص 437

ص: 525

اشتريتها، يجب أن تردّ ذلك، إلّا (1) ما كان من زرع زرعته أنت (2)، فإنّ للزارع إمّا قيمة الزرع، و إمّا أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع. فإن لم يفعل (3) كان ذلك له، و ردّ عليك القيمة، و كان الزرع له.

قلت: جعلت فداك، فإن كان هذا (4) قد أحدث فيها بناء أو غرسا (5)؟ قال: (6) له قيمة ذلك، أو يكون ذلك المحدث (7) بعينه يقلعه و يأخذه.

______________________________

(1) الظاهر أنّه- بناء على كون الأصل في الاستثناء الاتّصال- استثناء من «ما» في قوله عليه السّلام: «ما أخذت من الغلّة» فالمراد: أنّ لصاحب المعيشة أن يأخذ منك كلّ ما أخذته من الغلّة، إلّا ما كان من زرع زرعته.

و يحتمل كونه استثناء من: «ذلك» في قوله عليه السّلام: «يجب أن تردّ ذلك» حتى يكون استثناء منقطعا. لكنّه بعيد، لكونه خلاف الأصل و محتاجا إلى القرينة. و الأقربيّة في العبارة لا تكون قرينة على ارتكاب خلاف الأصل.

(2) المراد بالمخاطب هو الرجل المشتري للمعيشة، و زرعه يكون بعد الاشتراء.

(3) كذا في الوسائل أيضا، و في نسخ الكتاب «فإن لم يفعل ذلك كان ذلك» يعني:

فإن لم يصبر صاحب المعيشة إلى وقت الحصاد- حتى يكون الزرع لزارعه و هو مشتري المعيشة- كان ذلك أي: عدم الصبر حقّا لصاحب المعيشة، و لكن عليه حينئذ ردّ قيمة الزرع على المشتري الزارع، و يصير الزرع ملكا لصاحب المعيشة.

و الحاصل: أنّه مع صبر مالك المعيشة إلى زمان الحصاد يبقى الزرع على ملك المشتري الزارع. و مع عدم صبر المالك إلى زمان الحصاد يردّ قيمة الزرع على المشتري، و يصير صاحب المعيشة مالكا للزرع.

(4) يعني: إن كان المشتري قد أحدث في المعيشة بناء أو غرسا، فهل يكون مضمونا على المالك أم لا؟

(5) في الوسائل: «فيها بناء أو غرس» و الأولى ما في المتن.

(6) يعني: قال الامام عليه السّلام: للمشتري قيمة ذلك البناء أو الغرس على صاحب المعيشة، أو قلع المشتري نفس البناء أو الغرس، و أخذه.

(7) الظاهر أنّه اسم مفعول، يعني: أنّ للمشتري أخذ القيمة، أو قلع العين و أخذها.

ص: 526

قلت (1): أ رأيت إن كان فيها غرس أو بناء، فقلع الغرس و هدم البناء؟ فقال:

يردّ ذلك إلى ما كان، أو يغرم القيمة لصاحب الأرض.

فإذا (2) ردّ جميع ما أخذ من غلّاتها على (3) صاحبها، و ردّ البناء و الغرس و كلّ محدث إلى ما كان، أو ردّ القيمة كذلك، يجب (4) على صاحب الأرض [أن يردّ عليه] (5) كل ما خرج منه في إصلاح المعيشة، من (6) قيمة غرس، أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة، و دفع النوائب.

______________________________

(1) هذا كلام صاحب المعيشة، و غرضه استعلام حكم قلع الغرس و هدم البناء، مع استلزامهما لحفرة الأرض أو وقوع التراب و غيرهما. فأجاب عليه السّلام: بأنّ المشتري يردّ ذلك إلى حالتها الأوّليّة، أو يغرم أجرة إصلاح الأرض لصاحب المعيشة.

(2) يعني: فإذا ردّ المشتري جميع ما أخذه من عائدات المعيشة على صاحبها، و ردّ البناء و الغرس و كلّ محدث أحدثه صاحب المعيشة قبل زمان الاشتراء، أو ردّ قيمة الغرس و البناء و نقص الأرض الحاصل بهما، وجب على صاحب الأرض أيضا أن يردّ على المشتري جميع ما صرفه في إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء، أو نفقة في إصلاح المعيشة كبناء قنطرة أو تنقية نهر، و رفع موانع الزرع و الشجر من أعداد الأرض لهما كقتل الحيوانات المؤذية و نحو ذلك. فإنّ كل هذه الخسارات مردودة إلى المشتري.

لكن هذا مقيّد بأن لا يكون عالما بعدم مالكية الورّاث البائعين للمعيشة، إذ مع العلم ببطلان البيع لا يستحقّ ما خرج منه في إصلاح المعيشة إلّا عين ماله، دون عمله الذي أوجب زيادة قيمة المعيشة كتهذيب الأرض و رفع موانع الزرع، كما قرّر ذلك في كتاب الغصب.

(3) في الوسائل: «إلى صاحبها» و هو متعلق ب «ردّ».

(4) جواب «فإذا» و ضمير «عنه» راجع إلى المشتري.

(5) كذا في نسخ الكتاب، و الأولى ما في الوسائل من قوله عليه السّلام: «أن يرد عليه كما [كلّ ما] خرج ..».

(6) بيان للموصول في قوله «ما خرج».

ص: 527

كلّ ذلك (1) مردود إليه» «1».

و فيه (2)- مع أنّا نمنع ورودهما (3) إلّا في مقام حكم المشتري مع المالك- أنّ (4) السكوت في مقام البيان لا يعارض الدليل.

______________________________

(1) في الوسائل: «كل ذلك فهو ..» يعني: كلّ ما خرج من المشتري مردود إليه، بشرط جهله ببطلان البيع كما مرّ آنفا.

و الاستشهاد بهذه الرواية إنّما هو بعدم تعرّضها لرجوع المشتري إلى البائع في ما اغترمه المشتري للمالك، و سكوتها عنه.

(2) هذا جواب عمّا أفاده صاحب الحدائق، و قد أجاب عنه بوجوه، بعضها مشترك بين روايتي زرارة و زريق، و بعضها مختص بإحداهما، كما سيظهر.

الأوّل: أنّا نمنع ورود الروايات في مقام بيان حكم المشتري مع البائع، حتى يكون السكوت بيانا و دالّا على عدم الرجوع إليه في غير الثمن من الغرامات، بل هي في مقام بيان حكم المشتري مع المالك.

(3) كذا في النسخة المصحّحة المعتمد عليها، فمرجع الضمير روايتا زرارة و زريق.

و في كثير من النسخ بأفراد الضمير، فمرجعه الرواية. و الأولى بملاحظة ما يأتي من قوله:

«مع أن رواية زرارة» تثنية الضمير، لتختص رواية زرارة بالإشكال الآتي.

(4) هذا هو الوجه الثاني، و محصله: أنّه بعد تسليم كون السكوت هنا في مقام البيان من هذه الجهة- أي: حكم المشتري مع البائع- نقول: إنّ السكوت لا يعارض الدليل، لأنّ بيانية السكوت منوطة بجريان مقدمات الحكمة فيه، التي منها عدم البيان على خلاف ما يقتضيه السكوت، و مع وجود البيان على خلافه لا يكون السكوت بيانا.

فحينئذ لا مانع من دلالة ما دلّ على ضمان البائع الغرامات المشتري التي لم يصل إليه في مقابلها نفع.

و هذا الجواب يستفاد من صاحب الجواهر أيضا في مقام الإيراد على صاحب الحدائق، حيث قال: «و أعمية مثل هذا الاقتصار فيه- أي في خبر زريق- من عدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 253، الباب 3 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 1، رواه عن شيخ الطائفة في المجالس و الأخبار بإسناده عن زريق، راجع الأمالي، ص 707

ص: 528

مع أنّ (1) رواية زرارة ظاهرها عدم التمكّن من الرجوع إلى البائع.

مع أنّ (2) البائع في قضيّة زريق هو القاضي، فإن كان قضاؤه صحيحا لم يتوجّه إليه غرم، لأنّ الحاكم من قبل الشارع ليس غارّا من جهة حكمه على طبق البيّنة المأمور بالعمل بها [1].

______________________________

الرجوع» «1».

(1) هذا وجه ثالث لردّ كلام الحدائق، و حاصله: أنّه يمكن أن يكون وجه السكوت في رواية زرارة عدم تمكّن المشتري من الرجوع إلى البائع، لعدم معرفته. حيث إنّه اشترى الجارية من سوق المسلمين، و لم يظهر مالكها إلّا بعد مدّة ولدت الجارية فيها من المشتري أولادا. و لعلّ ذلك البائع الفضولي لم يكن من أهل سوق ذلك البلد، و كان من خارج ذلك القطر، فمعرفة البائع بعد هذه المدة الطويلة مشكلة و غير ميسورة عرفا.

و لذا سكت الإمام عليه السّلام عن الرجوع إلى البائع. و من المعلوم أنّ مثل هذا السكوت ليس بيانا للوظيفة، و هي عدم الرجوع إلى البائع.

(2) هذا وجه رابع لتضعيف كلام الحدائق و مختص برواية زريق، و حاصله: أنّ البائع في قضية زريق هو القاضي، إذ فيها «فباع عليّ قاضي الكوفة معيشتي». و حينئذ فإن كان قضاء ذلك القاضي صحيحا- أي مطابقا لموازين القضاء- لم تتوجّه عليه غرامة، إذ المفروض أنّ حكمه وقع على طبق البينة التي أمر بالعمل بها في مسألة القضاء، فلا يكون غارّا.

______________________________

[1] إن لم يتوجّه عليه غرم من جهة عدم كونه غارّا، على ما قيل. و إن لم يخل عن إشكال، لعدم ثبوت اعتبار علم الغارّ بكون ما يدفعه إلى الغير ملكا لغيره. و لذا لم يفصّلوا في مسألة من قدّم طعام الغير للآخر ليأكله، و قالوا بضمان المقدّم إذا رجع المالك إلى الآكل، فإنّ الأكل يرجع إلى المقدم، من غير تفصيل بين علم المقدم بأنّ الطعام ملكه أو ملك غيره، و بين عدم علمه بذلك.

بل عن بعضهم التصريح بالتعميم، و عدم الفرق في ضمان المقدّم بين علمه بكون الطعام مال نفسه و مال غيره. قال المحقق قدّس سرّه في ما لو قدّم الغاصب المأكول المغصوب إلى

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 303

ص: 529

و إن كان قضاؤه باطلا كما هو الظاهر (1)، فالظاهر (2) علم المشتري ببطلان قضاء المخالف و تصرّفه في أمور المسلمين، فهو عالم بفساد البيع [1]

______________________________

و إن كان قضاؤه باطلا كما هو الظاهر، لأنّه من قضاة خلفاء الجور الغاصبين لحقوق الأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين، فالظاهر أنّ المشتري عالم بفساد البيع، لبطلان قضاء قاضي المخالفين، فلا رجوع له على البائع.

و قد نبّه في الجواهر على أوّل شقّي هذا الجواب- و هو أهلية القاضي للترافع إليه- فقال بعد نقل الخبر: «و هو كما ترى لا غرور فيه، ضرورة معذورية القاضي و الشهود و الورثة، و أقصاه ظهور الخطأ في حكم القاضي الذي قد باشر البيع، و هو لا يقضي بتغريمه» «1».

(1) لما مرّ آنفا من أن القضاة في ذلك العصر كانوا منصوبين من قبل خلفاء الجور.

(2) جواب قوله: «و ان كان».

______________________________

غير المالك ليأكله: «و إن أطعمه غيره، قيل: يغرّم أيّهما شاء، لكن إن أغرم الغاصب لم يرجع إلى الآكل. و إن أغرم الآكل رجع الآكل على الغاصب، لغروره. و قيل: يضمن الغاصب من رأس» «2».

و كيف كان فالحاكم ضامن، و إن لم يكن من جهة الغرور، بل من حيث إنّ خطأ القضاة في بيت مال المسلمين. فمجرّد مطابقة حكم القاضي لموازين القضاء لا يرفع ضمانه، غاية الأمر أن ضمانه ليس في كيسه، بل في بيت مال المسلمين.

[1] لكن يشكل مع هذا العلم أن يحكم على مالك المعيشة بجبر ما اغترمه المشتري في إصلاحها و إعدادها للزرع، لأنّه مع العلم ببطلان البيع يكون غاصبا للمعيشة، و ليس له الرجوع إلى المالك بأخذ ما صرفه في إصلاحها، إذ ليس لعرق الظالم حقي. فجواز رجوع المشتري على مالك المعيشة بأخذ ما صرفه في إصلاحها قرينة جليّة على جهل المشتري ببطلان البيع، و لذا دلّت الرواية على جواز رجوع المشتري على المالك، و أخذ ما صرفه في إصلاح المعيشة من مالكها.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 303

(2) شرائع الإسلام، ج 3، ص 242، جواهر الكلام، ج 37، ص 145

ص: 530

فلا (1) رجوع له.

[2- ما يغرمه المشتري قبال المنافع المستوفاة]

و أمّا الثاني (2)- و هو ما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه من (3) المنافع و النماء- ففي الرجوع بها (4) خلاف (5)، أقواها (6) الرجوع، وفاقا للمحكيّ (7) عن

______________________________

(1) هذه نتيجة علم المشتري بفساد البيع، إذ مع هذا العلم لا وجه لرجوعه إلى البائع الذي هو شخص القاضي. و ضميرا «فهو، له» راجعان إلى المشتري.

2- ما يغرمه المشتري قبال المنافع المستوفاة

(2) لمّا انتهى بحث القسم الثالث من الغرامات- و هو الغرامات التي يغترمها المشتري للمالك من دون حصول نفع له في مقابلها- شرع في بيان حكم القسم الثاني، و هو ما يحصل للمشتري نفع في مقابل تلك الغرامات، كانتفاعه باللبن و الصوف و نحوهما. ففي رجوع المشتري بها إلى البائع خلاف بين الفقهاء قدّس سرّهم.

و يعتبر في هذا البحث ما تقدّم الإشارة إليه في صدر المسألة- عند ما يردّ المالك هذا البيع الفضولي و لم يجزه- من جهل المشتري بعدم مالكية البائع للمبيع.

(3) بيان للنفع الواصل إلى المشتري، و ضمير «إليه» راجع الى المشتري.

(4) أي: ففي الرجوع على البائع الفضولي بالغرامات التي اغترمها المشتري للمالك في مقابل النفع الواصل إليه خلاف.

(5) مبتدء مؤخر، و خبره: «ففي الرجوع» و الجملة جواب الشرط في قوله: «و أمّا الثاني».

(6) المذكور في النسخ التي ظفرت بها «أقواها» بالضمير المؤنث، لكن قيل:

«إنّ الصواب «أقواهما» بضمير التثنية، لما يقال من: أنّ في المسألة قولين لا أكثر.

و فيه ما ذكرناه في التعليقة، فراجع.

(7) الحاكي هو السيد العاملي قدّس سرّه، و قد نقل قولين عن المبسوط، أحدهما: عدم رجوع المشتري بما اغترم في قبال منفعة استوفاها من المبيع. و الآخر: الرجوع.

فقال في شرح عبارة القواعد: «و في رجوع المشتري بقيمة منفعة استوفاها خلاف» ما لفظه: «فالشيخ في الخلاف و المبسوط في موضع منه، و الآبي في كشف الرموز،

ص: 531

المبسوط و المحقّق و العلّامة في التجارة (1)، و الشهيدين،

______________________________

و شيخنا في الرياض، و ظاهر السرائر: أنّه لا يرجع» «1» الى أن قال: «و الشيخ في المبسوط في موضع آخر، و المحقق في تجارة النافع، و ظاهر تجارة الشرائع و فخر الإسلام في الإيضاح و شرح الإرشاد، و الشهيدان في الدروس و المسالك و الروضة، و المحقق الثاني في جامع المقاصد، و المقدس الأردبيلي، و المصنف في ظاهر تجارة الكتاب، و المقداد، و أبو العباس في المقتصر .. أنه يرجع به. و في التنقيح: أنّ عليه الفتوى. و هو قضية إطلاق الباقين» «2» إلى أن قال: «و لا ترجيح في غصب النافع و التذكرة و التحرير و التبصرة، و المهذب البارع، و المسالك، و الكفاية. و لا في تجارة التذكرة و التحرير و نهاية الأحكام و الإرشاد».

و نقل هذين القولين عن الشيخ فخر المحققين و الفاضل المقداد أيضا «3».

أمّا قول الشيخ بعدم الرجوع فمصرّح به في موضعين من المبسوط. و أمّا قوله بالرجوع فلم أظفر به بعد ملاحظة كتابي البيع و الغصب بتمامهما. لكن نسبه إليه صاحب كشف الظلام كما في مفتاح الكرامة أيضا. و قد نسب جمع القول بعدم الرجوع إلى الشيخ كالعلامة و الشهيد الثاني و أصحاب الكفاية و الرياض و المستند «4».

(1) التقييد بالتجارة لأجل اختلاف نظر العلّامة- و كذا المحقق- في كتابي التجارة

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 301، و نحوه في ج 4، ص 199، و لاحظ: المبسوط، ج 3، ص 69 و 71 و أحال على هذين الموضعين في ص 102، و كذلك في الخلاف، ج 3، ص 403، و وافقه ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 325 و 493، و الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 384، و السيد الطباطبائي في رياض المسائل، ج 2، ص 307

(2) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 301، و لاحظ: شرائع الإسلام، ج 2، ص 14، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 191، الدروس الشرعية، ج 3، ص 115، جامع المقاصد، ج 6، ص 236، مسالك الأفهام، ج 3، ص 160، و ج 12، ص 227 و 228، الروضة البهية، ج 3، ص 238، مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 164، التنقيح الرائع، ج 4، ص 75، و لم أجده في ظاهر تجارة المختصر النافع، و لا بد من مزيد التتبع و التأمّل.

(3) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 191، التنقيح الرائع، ج 4، ص 75

(4) لاحظ المختلف، ج 5، ص 56، مسالك الأفهام، ج 12، ص 227، كفاية الأحكام، ص 20، رياض المسائل، ج 2، ص 307، مستند الشيعة، ج 14، ص 296

ص: 532

و المحقّق الثاني و غيرهم (1). و عن التنقيح: «أنّ عليه (2) الفتوى» [1] لقاعدة الغرور (3) المتّفق عليها ظاهرا

______________________________

و الغصب، قال في غصب القواعد: «و يرجع المشتري الجاهل على الغاصب بما يغرمه ممّا ليس في مقابلته نفع .. و في رجوعه بما حصل له نفع في مقابلته .. نظر، ينشأ من ضعف المباشر بالغرور، و من أولوية المباشر» «1».

لكنه في كتاب البيع حكم برجوع المشتري على البائع بالغرامة، و ظاهر إطلاقه جواز الرجوع في كلا القسمين أي ما انتفع به و ما لم ينتفع. قال قدّس سرّه: «و يرجع المشتري على البائع بما دفعه ثمنا، و ما اغترمه من نفقة أو عوض عن اجرة أو نماء، مع جهله ..» «2»

و قد أشار السيد العاملي قدّس سرّه إلى اختلاف رأي المحقق أيضا في عبارته المتقدمة، فلاحظها.

(1) كفخر المحققين و الفاضل المقداد و المحقق الأردبيلي و ابن فهد ممّن أشير إليه في عبارة السيد العاملي قدّس سرّهم.

(2) أي: أنّ على الرجوع الفتوى. و هذا ظاهر في الإجماع، فكأنّ عدم الرجوع غير معهود و ممّا لم يفت به أحد. هذا ما نسبوه إلى التنقيح، و الموجود فيه بيان وجهين لقولي الشيخ قدّس سرّه ثم قال: «فالفتوى على الثاني» «3»، و دلالته على الإجماع غير واضحة.

(3) فإنّ «الغارّ» يصدق على البائع الفضول، كصدقه على مقدّم طعام غيره لآخر

______________________________

[1] و هذا قول ثالث للفاضل النراقي قدّس سرّه، و هو التفصيل بين علم البائع بأنّ المبيع ملك الغير، فيرجع المشتري بالغرامات عليه. و بين جهله به فلا يرجع بها على البائع «4».

و يظهر من وجود هذا القول صحة قول المصنف قدّس سرّه: «أقواها» بالضمير المؤنث، لا الضمير المثنّى. لكنّه مع ذلك لا تخلو العبارة من المسامحة، فلعلّ الأولى أن يقال: «أقواه» أي: أقوى الخلاف، لذكر المرجع حينئذ صريحا.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 238 و 239

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 19، شرائع الإسلام، ج 2، ص 14 و ج 3، ص 246 بناء على وجود جملة «و هو أشبه» و لولاها كان المحقق قدّس سرّه مترددا في باب الغصب كتردده في المختصر النافع، ص 275، فلاحظ.

(3) التنقيح الرائع، ج 4، ص 75

(4) مستند الشيعة، ج 14، ص 296

ص: 533

في من قدّم مال الغير إلى غيره الجاهل، فأكله (1).

و يؤيّده (2) قاعدة نفي الضرر، فإنّ (3) تغريم من أقدم على إتلاف شي ء من

______________________________

جاهل بالحال. و مقتضى إطلاقهم- بل تصريح بعضهم- عدم اعتبار علم الغارّ بكون المال الذي يصرفه المغرور ملكا لغير الغارّ، فيجوز لمالك الطعام الرجوع إلى المقدّم أو الآكل، و إذا رجع إلى الآكل رجع هو إلى المقدّم.

(1) ظاهر عبارة التذكرة الإجماع على ضمان الغاصب دون الآكل الجاهل بالغصب، لقوله فيما إذا قدّم الغاصب الطعام إلى غير المالك، فأكله- بعد نقل قولين من العامة- «و الثانية: يستقرّ الضمان على الغاصب، لأنّه غرّه، و أطعمه على أن لا يضمنه. و هو الّذي يقتضيه مذهبنا» «1».

و قال السيد العاملي قدّس سرّه: «فالضمان على الغاصب بلا خلاف منّا فيما أجد ..» «2».

(2) يعني: و تؤيّد قاعدة الضرر رجوع المشتري على البائع بما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه.

(3) هذا تقريب التأييد، و هو مؤلّف من مقدّمات تنتج ضمان البائع الفضولي استنادا إلى قاعدة نفي الضرر.

الاولى: أنّ المشتري المستوفي لمنفعة المبيع مغرور، قد غرّه البائع، حيث مكّنه من الانتفاع بنماء المبيع بزعم كون النماء للمشتري مجانا.

الثانية: أنّ المفروض تسالمهم على ضمان المشتري لمالك المبيع عوض المنفعة المستوفاة، و ليس للمشتري التفصّي منه بجعل البائع ضامنا للمالك.

الثالثة: أنّ الحكم بتحمّل المشتري للغرامة- مع عدم جواز رجوعه على البائع الغارّ في ما اغترمه للمالك- ضرر عظيم عليه.

و بما أنّ الضرر منفي في الشريعة المقدسة، فالمتعيّن الحكم بضمان البائع الفضولي، و جواز مطالبة بدل تلك الغرامة منه حتى لا يتضرّر المشتري.

فإن قلت: لا موضوع لقاعدة نفي الضرر في المقام، لأنّ مفروض الكلام في القسم

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 378، السطر 14

(2) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 230

ص: 534

دون عوض مغرورا (1) من آخر- بأنّ (2)

______________________________

الثاني هو انتفاع المشتري بنماء المبيع كسكنى الدار، و لبن الشاة و صوفها، و من المعلوم أنّ دفع بدلها إلى المالك لا يوجب نقصا في مال المشتري حتى يتمسّك بقاعدة نفي الضرر لتضمين البائع الفضولي.

قلت: بل يصدق الضرر حتى مع فرض وصول عوض تلك الغرامة إلى المشتري باستيفاء منفعة المبيع. و الوجه في صدق الضرر أنّ المشتري لو كان عالما بأنّ هذا الانتفاع يستتبع غرامة لم يقدم عليه. و عليه فلا يندفع ضرر المشتري إلّا بالرجوع إلى البائع الغارّ. هذا تقريب التأييد.

و لعلّ وجه التعبير بالتأييد دون الدلالة- مع فرض صدق الضرر العظيم على ما اغترمه المشتري- هو: أنّ الاستدلال بقاعدة نفي الضرر و الضرار يتوقف على أمرين، كلاهما غير ثابت.

الأوّل: كون القاعدة مشرّعة للضمان، بأن يقال: انّ مفاد قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا ضرر» نفي الضرر و الإضرار في وعاء التشريع. و صدق هذا النفي كما يكون منوطا بنفي الحكم الضرري، بتقييد إطلاق الأدلة فيما ترتّب الضرر على الحكم كوجوب الوضوء و لزوم البيع الغبني، فكذا يكون منوطا بعدم تجويز إلقاء الغير في الضرر من دون جبرانه ببدل، إذ لو جاز الإضرار بالغير بلا تدارك لم يصدق نفي الضرر شرعا بقول مطلق، لكونه موجودا حسب الفرض، و إعدام الضرر شرعا موقوف على جعل الضمان.

و هذا الأمر قد تقدّم منعه في قاعدة لا ضرر، و أنّها نافية للحكم، و ليست مثبتة له.

الثاني: كون الغار سببا للخسارة الواردة على المغرور، حتى يجوز الرجوع بها على البائع بمناط تسبيبه لتضرر المشتري. و هذا أيضا محل تأمل، لعدم ترتب الغرامة على نفس البيع، و ليس المقام نظير تقديم الطعام المغصوب إلى شخص جاهل بالحال، و سيأتي توضيح ضابطة ضمان التسبيب، فانتظر.

(1) حال من فاعل «أقدم» و المراد بالمقدّم هو المشتري.

(2) متعلق ب «مغرورا» و ضمير «له» راجع الى «من» في قوله «من أقدم» المراد به المشتري.

ص: 535

له ذلك (1) مجّانا، من دون (2) الحكم برجوعه إلى من غرّه في ذلك (3)- ضرر (4) عظيم [1]. و مجرّد (5) رجوع عوضه (6) إليه لا يدفع الضرر (7).

و كيف كان فصدق الضرر و إضرار الغارّ به ممّا لا يخفى (8). خصوصا (9) في بعض الموارد.

______________________________

(1) أي: له ذلك الشي ء مجّانا، من دون الحكم برجوع المغرور- و هو المشتري- إلى من غرّه و هو البائع.

(2) متعلق ب «تغريم» أي: تغريم المشتري من دون الحكم بجواز رجوعه .. إلخ.

(3) أي: في إتلاف شي ء من دون عوض ضرر عظيم.

(4) خبر قوله: «فإنّ تغريم».

(5) مبتدء، خبره قوله: «لا يدفع الضرر» و هذا إشارة إلى وهم و دفعه، و قد تقدم توضيحهما بقولنا: «فإن قلت .. قلت» فراجع.

(6) أي: عوض ما اغترمه المشتري للمالك، و المراد بالعوض هو منفعة المبيع، كالثمرة التي أكلها المشتري، أو اللّبن الذي شربه، أو سكنى الدار، فإنّها عوض الغرامة التي اغترمها للمالك.

(7) و هو ما اغترمه المشتري للمالك بإزاء ما استوفاه من منافع المبيع.

(8) إذ لو لم يبع البائع الفضول لم يقع المشتري في الغرامات و الخسارات.

(9) كما إذا استوفى المشتري منافع المبيع فضولا في غير مهمّات معاشه و ضروريّاته، كما إذا ركب السيارة أو الدابة دائرا بهما في الأراضي و البساتين للتنزّه و استنشاق الهواء

______________________________

[1] إن كان هذا ضررا عظيما فهو دليل على المطلب، لا مؤيّد له. و إن لم يكن ضررا فلا وجه لكونه مؤيّدا، لعدم ارتباطه بالموضوع. و الحقّ عدم صدق الضرر مع استيفاء المشتري منافع المبيع فضولا.

نعم يصدق التغرير العظيم، لا الضرر العظيم الذي هو النقص، لوضوح عدم النقص المالي بعد فرض استيفاء المنافع، فيقع التعاوض القهري بين ما استوفاه المشتري من المنافع، و بين المال الذي أخذه مالك المبيع من المشتري بدلا عن المنافع. فالغرور يوجب عملا لو لم يكن غرور لم يقع ذلك العمل في الخارج، سواء ترتب ضرر على هذا الغرور أم لا.

ص: 536

فما في الرياض من (1) «أنّه لا دليل على قاعدة الغرور إذا لم ينطبق مع قاعدة نفي الضرر المفقود في المقام، لوصول العوض إلى المشتري «1»» لا يخلو (2) عن شي ء.

مضافا إلى ما قيل عليه: من (3) منع مدخليّة الضرر في قاعدة الغرور، بل هي

______________________________

السالمة عن القذارات، لا في مهمات أموره و أصول معاشه و قضاء حوائجه، فإنّ صدق الضرر حينئذ ضروري، لعدم بذل المال غالبا بإزاء التصرفات غير المقوّمة للمعاش، فيعدّ بذل المال حينئذ ضررا. بخلاف ما إذا استفاد من المبيع فضولا ما صرفه في أصول معاشه، ككراء الدابة و السيارة لأجل صرف أجرتهما في ضروريات معاشه، فلا يعدّ أخذ عوضها- بدون إرجاعه إلى الغارّ- ضررا.

(1) بيان ل «ما» الموصول، و الفاء للتفريع، و غرضه الإشكال على السيد صاحب الرياض قدّس سرّه، و حاصل ما أفاده السيد هو: عدم دليل على قاعدة الغرور إن لم تنطبق على قاعدة نفي الضرر الذي هو مفقود في المقام، إذ المفروض وصول العوض- و هو المنفعة- إلى المشتري، لأنّه استوفاها من المبيع الفضولي بإزاء الغرامة التي اغترمها للمالك، فلا موضوع هنا لقاعدة الضرر، إذ لا يعدّ إعطاء مال عوضا عن المنفعة التي استوفاها المعطي ضررا. فلا تجري أيضا قاعدة الغرور.

(2) خبر «ما» الموصول في قوله: «فما في الرياض» و جواب عن إشكال صاحب الرياض، و محصل الجواب: وجود كلتا قاعدتي الغرور و الضرر هنا. أمّا قاعدة الغرور فلاتّفاق الفقهاء على كون المشتري مغرورا فيما نحن فيه.

و أمّا قاعدة الضرر فلأنّ إتلاف مال الغير مجّانا بسبب تغرير شخص آخر- بأن يقول له: تصرّف فيه، فإنّه لي، ثم انكشف أنّه للغير، فطلب ماله و أخذه منه- يوجب عدّ هذا الشخص متضرّرا.

فالنتيجة: جواز رجوع المشتري إلى البائع.

(3) بيان ل «ما» الموصول، و هذا إشكال آخر من صاحب الجواهر على

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 2، ص 307 و 308

ص: 537

مبنيّة على قوّة السبب على المباشر «1».

لكنّه (1) لا يخلو من نظر، لأنّه إنّما يدّعي اختصاص دليل الغرور من

______________________________

سيد الرياض قدّس سرّهما. و غرض المستشكل إثبات الضمان هنا.

و حاصل الاشكال: أنّ قاعدة الغرور ليست مبنيّة على قاعدة الضرر حتى يقال:

انّه لا ضرر هنا، فلا تجري قاعدة الغرور. بل هي مبنيّة على قاعدة قوّة السبب على المباشر، و السبب- و هو البائع في ما نحن فيه- أقوى من المباشر و هو المشتري، فيرجع على البائع بما اغترمه للمالك عوضا عن منافع المبيع فضولا التي استوفاها، لأنّه و إن كان مباشرا لما استوفاه من المنافع، لكنّ البائع الذي هو السبب أقوى من المباشر، فيرجع المشتري إليه فيما اغترمه للمالك عوضا عن المنافع.

فصاحب الجواهر قدّس سرّه قائل بضمان البائع لما اغترمه المشتري بإزاء ما استوفاه من منافع المبيع فضولا، و ردّ هو رحمه اللّه على سيّد الرياض قدّس سرّه المنكر لضمان البائع لما اغترمه المشتري للمالك بإزاء المنافع، استنادا إلى عدم جريان قاعدة الغرور، لابتنائها على قاعدة الضرر المفقود هنا، لأنّ غرامة المشتري تكون بإزاء المنافع، فهذه الغرامة ليست ضررا حتى تجري فيها قاعدة الغرور المبنيّة على الضرر.

(1) أي: لكن ما قيل في الجواهر ردّا على كلام الرياض لا يخلو من نظر و إشكال.

توضيحه: أنّ صاحب الرياض لا يدّعي ابتناء قاعدة الغرور على قاعدة الضرر، حتى يقال: بعدم جريانها في المقام، لعدم تضرر المشتري، لوصول عوض غرامته و هو المنافع إليه. و إنّما يدّعي أنّ إهمال دليل قاعدة الغرور- أعني به النصوص الخاصة و الإجماع- يقتضي الاقتصار على القدر المتيقن منهما، و هو صورة الضرر، لعدم دلالتهما صريحا على ضمان البائع لجميع ما اغترمه المشتري للمالك.

و الأولى نقل كلام الرياض، فإنّه قدّس سرّه بعد حكاية عدم الرجوع عن الشيخ و الحلّي، قال: «و هو أوفق بالأصل، مع عدم معلومية صلوح المعارض للمعارضة بناء على عدم وضوح دليل على ترتب الضمان على الغارّ بمجرد الغرور و إن لم يلحقه ضرر كما في ما نحن

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 183

ص: 538

النصوص الخاصّة و الإجماع بصورة الضرر. و أمّا (1) قوّة السبب على المباشر، فليست بنفسها دليلا على رجوع المغرور، إلّا (2) إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفا إليه كما في المكره (3)،

______________________________

فيه بمقتضى الفرض، لاستيفائه المنفعة في مقابلة ما غرمه. و الإجماع على هذه الكلية غير ثابت، بحيث يشمل نحو مفروض المسألة».

(1) هذا إشكال على صاحب الجواهر المدّعي لضمان البائع لما اغترمه المشتري للمالك، تمسكا بدليل آخر على الضمان، و هو قوة السبب على المباشر، حيث قال- بعد المناقشة المتقدمة في كلام صاحب الرياض-: «بل هو- أي ضمان الغارّ- من باب قوّة السبب على غيره و لو المباشرة» «1».

و حاصل إشكال المصنف عليه: أنّ قوّة السبب على المباشر بنفسها لا تصلح لأن تكون دليلا على الضمان، إلّا إذا كان السبب بمثابة يصحّ أن يستند التلف إليه عرفا.

(2) فحينئذ تكون قوّة السبب دليلا على الضمان، لاستناد التلف إلى السبب، فيكون سبب الضمان على هذا قاعدة الإتلاف.

(3) فإنّ المكره و إن كان مباشرا للفعل، لكنه يسند عرفا إلى المكره، لأنّ التحميل و الإكراه أوجبا ضعف استناد الفعل إلى المباشر، بل لا يصحّ إسناده إلى المكره في بعض الصور كالملجأ، فيستند الفعل إلى المكره خاصة.

قال في الجواهر- في مقام الفرق في استناد الفعل الى المغرور دون المكره- ما لفظه:

«و لعلّه لعدم صدق (أخذت) الظاهر في الاختيارية عليه- أي على المكره- بخلاف المغرور. مضافا إلى ظهور رجوع المغرور- أي قوله عليه السّلام: المغرور يرجع على من غرّه- في ضمانه و إن رجع هو ..» «2».

و لعلّ مراد المصنف قدّس سرّه من التنظير بالمكره- بقرينة المثالين الآخرين- هو خصوص الملجإ المسلوب الاختيار. و يحتمل أن يكون مراده مطلق المكره، فإنّ الفعل

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 183

(2) المصدر، ص 57

ص: 539

و كما في الريح العاصف الموجب للإحراق (1)، و الشمس (2) الموجبة لإذابة الدهن و إراقتها.

و المتّجه في مثل ذلك (3) عدم الرجوع إلى المباشر أصلا (4) كما نسب إلى ظاهر الأصحاب في المكره، لكون المباشر بمنزلة الآلة (5). و أمّا في غير ذلك (6)

______________________________

و إن كان صادرا منه باختياره، لكن الإكراه يوجب استناده الى المكره، لقوته، لا إلى المكره لضعفه.

(1) كما إذا أجّج النار في جهة هبوب الريح العاصف، فأطارتها الريح إلى دور الجيران، فأحرقت بعض أموالهم، فإنّ الإحراق و إن كان فعل النار، لكنّه يسند إلى المؤجّج الذي هو السبب.

(2) يعني: و كالشمس، كما إذا وضع شخص الدّهن الجامد- الذي هو مملوك لغيره- في الشمس، فذاب و أريق، كما إذا كان الدهن الجامد في الظرف المثقوب، فأذابته الشمس و إراقته. فإنّ الإذابة و الإراقة و إن كانتا فعل الشمس، لكنّهما تسندان إلى واضع الدهن في الشمس. و هذه الأمثلة من صغريات قوّة السبب على المباشر، بحيث لا يعدّ الفعل من أفعال المباشر، بل يعدّ من أفعال السبب.

(3) ممّا يعدّ الفعل من أفعال المباشر دون السبب.

(4) لعدم كون الفعل مسندا إلى المباشر حتى يكون عليه ضمان.

(5) في عدم الإرادة و الاختيار كالسّكين، فإنّه و إن كان قاطعا، لكنّه لمّا كان بغير إرادة و شعور لم يستند الفعل إليه.

و الناسب إلى ظاهر الأصحاب صاحب الجواهر في شرح قول المحقق قدّس سرّه:

«و لا يضمن المكره المال و إن باشر الإتلاف. و الضمان على من أكرهه، لأنّ المباشرة ضعفت مع الإكراه، فكان ذو السبب هنا أقوى» «1» فراجع.

(6) يعني: في غير موارد استناد التلف إلى السبب، و استناده إلى المباشر مثل ما نحن فيه أي القسم الثاني، و هو أن تكون الغرامة في مقابل ما استوفاه المشتري بإرادته من منافع المبيع فضولا، كسكنى الدار و ركوب الدابة و السيّارة مثلا، فضمان البائع- الذي هو سبب لوقوع المشتري في ما اغترمه للمالك- لتلك الغرامات محتاج إلى دليل

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 57، شرائع الإسلام، ج 3، ص 237

ص: 540

فالضمان (1) أو قرار الضمان (2) فيه (3) يحتاج إلى دليل مفقود (4). فلا بدّ (5) من الرجوع بالأخرة إلى قاعدة الضرر، أو الإجماع المدّعى في الإيضاح على تقديم السبب إذا كان أقوى،

______________________________

مفقود هنا، إذ لا دليل على ضمان السبب الذي لا يستند التلف عرفا إليه.

(1) أي: بأن يكون البائع هو الضامن دون المشتري المغرور، فلا يصح رجوع المالك إلى المغرور أصلا.

(2) بأن تكون ذمة كلّ من الغارّ و المغرور مشغولة للمالك، لكن الضمان مستقرّ على الغارّ، فيجوز للمالك الرجوع إلى المغرور، فيرجع هو على الغارّ.

(3) أي: في السبب الذي ليس بمتلف، كالبائع، فإنّ تلف المنافع مستند إلى المشتري الذي استوفاها مختارا و من غير إكراه.

(4) إذ المفروض عدم كون السبب- الذي لا يستند إليه التلف- موجبا للضمان.

(5) هذه نتيجة قوله: «فالضمان» الذي هو جواب «أمّا» و حاصله: أنّه بعد فقد الدليل الخاصّ على ضمان البائع الغارّ- الذي هو السبب لتلف المنافع، لكنّ سببيّته لتلفها ليس بمثابة يستند التلف إليه كما فيما نحن فيه، و هو القسم الثاني- فلا بدّ في إثبات ضمان السبب و هو البائع مع عدم استناد التلف إليه عرفا من التمسك بأحد الأمور الأربعة:

أحدها: قاعدة الضرر.

ثانيها: الإجماع المدّعى في الإيضاح على تقدّم السبب إذا كان أقوى. قال فخر المحققين فيه- فيما لو اشترى دارا أو أرضا من غاصب، و بنى فيه، فقلع المالك بناءه، و أنّ الأقرب رجوع المشتري على البائع- ما لفظه: «وجه القرب: أنّ البائع سبب، و المشتري ذو يد كالمباشر، و السبب هنا أقوى من المباشر. و كلّما كان السبب أقوى من المباشر فالضمان على السبب. أمّا الأولى فلأنّه إنّما شرع في العقد و التصرفات بظنّ السلامة، و سبب هذا الظن تغرير البائع إياه، فصار هذا السبب أقوى. و أما الثانية فإجماعية» «1».

و ليس مراده بقوّة السبب قوّته الخاصة التي يستند الفعل إلى السبب دون المباشر، بل مراده بقرينة تطبيقه على الغرور هو الأعم، يعني سواء أ كان استناد الفعل إلى السبب

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 191

ص: 541

..........

______________________________

أقوى من استناده إلى المباشر كما في المكره، أم كان استناده إلى كلّ منهما على السواء، بل يصدق حتى مع قوة استناده إلى المباشر و ضعف استناده إلى السبب كما في المغرور، لكونه مختارا في فعله. و لكن الوجه في ضمان البائع الغارّ هو الدليل التعبدي أعني به الإجماع، حيث يكفي في صدق التسبيب اعتماد المغرور على ظنّ سلامة المبيع له ليتصرف فيه.

ثالثها: الأخبار المتفرقة، و الظاهر أنّ مقصوده منها ما ورد في التدليس في النكاح ممّا يشتمل على التعليل. و يمكن أن يريد أيضا مثل خبري زرارة و جميل المتقدمين في الجارية المسروقة.

فممّا ورد في النكاح، خبر إسماعيل بن جابر، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته، فسأل عنها، فقيل: هي ابنة فلان، فأتى أباها، فقال: زوّجني ابنتك، فزوّجه غيرها، فولدت منه. فعلم بها بعد أنّها غير ابنته، و أنّها أمة. قال: تردّ الوليدة على مواليها، و الولد للرجل، و على الّذي زوّجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة، كما غرّ الرجل و خدعه» «1».

فإن قوله عليه السّلام: «كما غرّ الرجل و خدعه» ظاهر- بل صريح- في عليّة الغرور لكون الأب المزوّج ضامنا لقيمة الولد. و مقتضى التعليل الحكم بضمان الغارّ في غير الولد ممّا يكون في باب النكاح كالمهر، و كذا في غير النكاح كالمقام.

و احتمال اختصاص الرجوع على الغارّ بمورد الرواية- و هو ضمان قيمة الولد- غير ظاهر، لما تقرّر من عدم الفرق في التعدي عن مورد التعليل بين أن يقال: «لا تشرب الخمر، لإسكاره» أو «لأنه مسكر» لعدم اقتضاء الإضافة في التعبير الأوّل دوران الحرمة مدار إسكار الخمر خاصة، بل يؤخذ بعموم العلّة في سائر الموارد.

و كذا يستفاد الحكم ممّا رواه رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و سألته عن البرصاء.

فقال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة زوّجها وليّها و هي برصاء: أنّ المهر لها بما استحلّ من فرجها، و أنّ المهر على الذي زوّجها. و إنّما صار عليه المهر لأنّه دلّسها» الحديث «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 602، الباب 7 من أبواب العيوب و التدليس، ح 1

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 596، الباب 2 من أبواب العيوب و التدليس، ح 2، رواه الكليني عن العدة عن سهل عن أحمد بن محمّد عن رفاعة بن موسى. و رواه ابن إدريس في المستطرفات عن نوادر البزنطي عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، السرائر، ج 3، ص 562. و قد ورد ضمان المهر بالتدليس في الحديث 1 و 4 و 7 و 8 من نفس الباب، و ح 1 من الباب 9 ص 604، و غيرها.

ص: 542

أو بالأخبار (1) الواردة في الموارد المتفرّقة، أو كون الغارّ سببا في تغريم المغرور، فكان (2) كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ لشهادته.

و لا ريب في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه.

أمّا الأخير (3) فواضح.

______________________________

فإنّ تعليل استقرار المهر على الولي بالتدليس كالصريح في عدم خصوصية للمورد، و أنّ المقصود تطبيق الكبرى الكلّية على بعض صغرياتها.

رابعها: كون الغارّ سببا لتغريم المغرور، كسببية شاهد الزور لضمان ما يؤخذ باستناد شهادته، و قد دلّ عليه نصوص عديدة سيأتي ذكر بعضها في (ص 547).

و هذه الوجوه الأربعة ثابتة فيما نحن فيه، و هو ما اغترمه المشتري للمالك بإزاء ما استوفاه من منافع المبيع له فضولا.

(1) معطوف على «قاعدة الضرر» و الأولى إسقاط حرف الجرّ أو تبديله ب «إلى» ليستقيم العطف، فكأنّه قال: «فلا بدّ من الرجوع إلى الأخبار الواردة ..».

ثم إن ظاهر العبارة كون هذه الأخبار المتفرقة دليلا ثالثا على الضمان، كما أنّ ما ورد في شاهد الزور دليل رابع عليه.

و لكن الظاهر أن قوله: «بالأخبار الواردة في الموارد المتفرقة» يعمّ ما ورد في شاهد الزور أيضا، لما سيأتي بعد أسطر بقوله: «و أما الإجماع و الأخبار، فهما و إن لم يردا في خصوص المسألة .. إلى أن قال: و رجوع المحكوم عليه إلى شاهدي الزور مورد الأخبار ..».

و على هذا فالعبارة لا تخلو من مسامحة، لكون الأدلة هي قاعدة الضرر و الإجماع و الأخبار المتفرقة التي يستفاد من بعضها سببية الغارّ.

(2) يعني: فكان البائع الفضول كشاهد الزور في ضمانه لما يؤخذ بشهادته.

(3) و هو كون البائع الفضول سببا لتغريم المغرور و هو المشتري، فبيعه كشهادة شاهد الزور في السببية للتغريم، فثبوت الوجه الأخير- و هو الوجه الرابع فيما نحن فيه- واضح كما في المتن.

ص: 543

..........

______________________________

فإن قلت: إنّ وضوح سببية الغار لتغريم المغرور ينافي ما أفاده في ردّ كلام الجواهر بقوله: «و أما قوة السبب على المباشر فليست بنفسها دليلا على رجوع المغرور ..» إذ لو كانت قوة السبب مضمّنة للسبب دون المباشر لم تتّجه المناقشة في كلام الجواهر. و إن لم تكن موجبة لضمان السبب لم تنفع في ضمان الغارّ لما اغترمه المشتري.

قلت: لا منافاة ظاهرا بين الكلامين، إذ المقصود بقوة السبب- التي منعها أوّلا- هو التسبيب على الموضوع أي الفعل المترتب عليه الضمان، حيث لا ضمان على المباشر كالمكره، و إنّما تكون الغرامة على السبب باعتبار قوّته الموجبة لإسناد التلف إليه. و من المعلوم انتفاء التسبيب بهذا المعنى في مورد الغرور، لكونه متصرّفا بإرادته.

كما أنّ المقصود بالتسبيب الذي جعله دليلا على ضمان الغارّ هو التسبيب على الضمان، نظير استقرار الضمان على من يقدّم طعام الغير إلى ضيفه، فإنّ الأكل فعل اختياري للآكل موضوع للضمان، و لكن الموقع له في الضمان هو المقدّم. فإذا غرّم المالك الآكل رجع هو على المقدّم. فكذا يرجع المشتري- في ما اغترمه على المبيع فضولا- على البائع الغارّ.

و ضمان السبب في هذا القسم منوط بدليل تعبدي، و لذا تصدّى المصنف قدّس سرّه لإثباته بالتمسك بمثل ما ورد في ضمان شاهد الزور.

هذا بيان الفارق بين التسبيبين على ما أفاده شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه «1»، و إن شئت مزيد بيان له فراجع التعليقة [1].

______________________________

[1] و توضيحه على ما في تقرير بحثه الشريف: أنّ ما يطلق عليه السبب على أقسام، فتارة يكون الضمان على السبب ابتداء، و لا يضمن المباشر أصلا. و اخرى يضمن المباشر ابتداء، و لكن قرار الضمان على السبب، فيرجع المباشر إليه. و ثالثة يضمن المباشر دون السبب.

و القسم الأوّل هو قاعدة الضمان بالتسبيب على الفعل، بأن كان السبب مقدمة أخيرة من علّة وجود المسبب، بحيث لم يتخلّل بين السبب و المسبب فعل فاعل مختار أصلا، كما إذا حفر بئرا، فعثر العابر و وقع فيه فمات، حيث لم يتخلل بين التلف و الحفر فعل إرادي.

______________________________

(1) المكاسب و البيع، ج 2، ص 276

ص: 544

______________________________

و مرور العابر و إن كان فعله الاختياري، لكن عثرة و سقوطه في البئر غير اختياري. و نظيره ضمان فاتح قفص الطائر.

و كذا الحال لو تخلّلت إرادة المختار، و لكنها ضعيفة بحيث كان استناد الأثر إلى السبب أقوى منه إلى المباشر، كما إذا وقف الطفل أو المجنون على البئر، فسقط فيه.

و كذا لو كان الفعل صادرا بإرادة المباشر، لكنه غير مستقل في فعله، بل هو ملزم به، و مقهور لغيره عقلا أو شرعا كالمكره. و كالحاكم الذي شهد عنده شهود زور بمال في ذمة زيد لعمرو، فحكم بأخذ المال من المحكوم عليه، فإنّ قيام البيّنة عند الحاكم توجب لا بدّيّة الحكم على طبقها، فلا يضمن عند تبيّن فساد المستند، و إنّما يضمن شاهد الزور كما نطقت به الأخبار.

و المقام ليس من هذا القسم، ضرورة عدم كون البيع و لا تسليط البائع على المبيع سببا لتلف مال المشتري ممّا صرفه على المبيع، لعدم ترتب هذه الخسارة على البيع، و لا فيه إحداث الداعي على الإتلاف و التصرف. نعم لولا البيع لم يقع البائع في الغرامة، و لكنه ليس بمناط سببيته لها، بل البيع محقّق لموضوع لما اغترمه، كسائر موارد وجود الموضوع الذي هو أجنبي عن باب التسبيب، فإنّه لولا وجود المقتول لم يتحقق القتل، و هل يصح عدّه سببا للقتل؟

و القسم الثاني هو الضمان بالتسبيب على الضمان لا على الفعل المضمّن، بأن يتوسّط فعل اختياري بين المعدّ و بين المسبب، و أقدم الفاعل على الضمان لأجل ذلك المعدّ، بحيث يستند الضمان إلى السبب، فيتعلق الضمان بالمباشر أوّلا، ثم بالسبب برجوع المباشر إليه، و يتحقق في موردين:

أحدهما: أن يستدعي المديون من شخص أن يضمن عن دينه، فيضمنه و يرجع به إلى المستدعي بعد أداء الدين.

ثانيهما: أن يكون فعل السبب موجبا لضمان شخص آخر بإرادته، كمقدّم طعام الغير إلى ضيفه ليأكله مجّانا، فتبيّن عدم كون الطعام له. و على هذا القسم ينطبق قاعدة الغرور. فإنّ الآكل مغرور بفعل المقدّم، فيرجع عليه.

و ممّا ذكر يظهر أنّ مسألة الرجوع إلى شاهد الزور لا تناسب باب الغرور، إذ المفروض في قاعدة الغرور ضمان المغرور ثم رجوعه على الغارّ. و هذا مفقود في المثال،

ص: 545

و أمّا الأوّل (1) فقد عرفته، و أمّا الإجماع و الأخبار فهما و إن لم يردا في خصوص المسألة (2)، إلّا أنّ تحقّقهما (3) في نظائر المسألة (4) كاف، فإنّ (5) رجوع آكل

______________________________

(1) و هو قاعدة الضرر، فقد عرفته في (ص 534) بقوله: «و يؤيده قاعدة نفي الضرر، فإنّ تغريم من أقدم على إتلاف شي ء من دون عوض مغرورا من آخر .. إلخ».

(2) و هي رجوع المشتري على البائع الفضول بما اغترمه للمالك، في مقابل المنافع التي استوفاها المشتري من المبيع الفضولي.

(3) أي: تحقق الإجماع و الأخبار في نظائر المسألة كاف في الحكم برجوع المشتري.

(4) و هي رجوع المشتري على البائع الفضولي فيما اغترمه المشتري للمالك، في مقابل ما استوفاه من منافع المبيع فضولا.

(5) بيان لتحقق الإجماع و الأخبار في نظائر المسألة المبحوث عنها، و هي رجوع المشتري إلى البائع الفضول. و من تلك النظائر مثال زيد الآكل لطعام عمرو بتغرير بكر له، بدعوى أنّ الطعام له، ثم بان أنّ الطعام ملك عمرو، و ليس ملكا لبكر، فإنّه قام

______________________________

إذ لا يضمن الحاكم، لكونه مسلوب الاختيار بعد قيام البينة عنده، فيرجع المحكوم عليه إلى الشهود ابتداء.

و القسم الثالث ما إذا كان أثر السبب مجرّد إحداث الداعي للمباشر من دون أن يستند الفعل إلى السبب، فيضمن المباشر خاصة، و لا يرجع إلى ذلك الطرف أصلا، و ذلك كما إذا أمر شخص غيره بقتل آخر، أو علّمه طريقة سرقة الأموال، فجنى باختياره.

و كذا يخرج عن مورد قاعدة التسبيب- بكلا إطلاقيها المتقدمين- ما إذا وقف شخصان على شفير بئر، فدفع أحدهما الآخر، فسقط فيه، فليس الضمان على الحافر، لفرض توسط فعل فاعل مختار بين الحفر و الهلاك.

و بالجملة فإن كان الفعل مستندا إلى السبب كان هو الضامن دون المباشر. و إن كان الفعل مستندا إلى المباشر، و لم يقدم على ما يترتب عليه من الضمان كآكل طعام الغير بتغرير المقدّم له مجانا، أو أقدم على الضمان بإزاء عوض، كان المباشر هو الضامن، و يرجع إلى السبب بعد أداء الغرامة «1».

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 294- 296، المكاسب و البيع، ج 2، ص 272- 276 و ص 289

ص: 546

طعام الغير إلى (1) من غرّه- بدعوى (2): تملّكه و إباحته له- مورد (3) الإجماع ظاهرا.

و رجوع (4) المحكوم عليه إلى شاهد الزور مورد الأخبار (5)،

______________________________

الإجماع ظاهرا على رجوع آكل الطعام إلى من غرّه- و هو بكر- بما اغترمه الآكل لمالك الطعام.

(1) متعلّق ب- «رجوع».

(2) متعلق ب- «غرّه» و ضميرا «تملكه، إباحته» راجعان إلى الطعام، و ضمير «له» إلى الآكل.

(3) خبر قوله: «فان رجوع» و تقدم في (ص 534) حكاية الإجماع عن غير واحد، فراجع.

(4) معطوف على «رجوع» في قوله: «فان رجوع» و هذا هو المورد الثاني من نظائر مسألتنا- و هي رجوع المشتري إلى البائع بالغرامات التي اغترمها لمالك المبيع الفضولي، و محصّل هذا النظير هو رجوع المحكوم عليه بغرامات- باستناد الحاكم إلى شهادة شاهد الزور- إلى شاهد الزور، و أخذ ما اغترمه المحكوم عليه من شاهد الزور و هذا النظير مورد الأخبار.

(5) التي منها رواية جميل المتقدمة في (ص 520).

و منها: رواية جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في شاهد الزور، قال: «إن كان الشي ء قائما بعينه ردّ على صاحبه. و إن لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرّجل» «1».

و منها: معتبرة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنّه طلّقها، فاعتدّت المرأة و تزوّجت. ثم إن الزوج الغائب قدم، فزعم أنّه لم يطلّقها، و أكذب نفسه أحد الشاهدين. فقال: لا سبيل للأخير عليها، و يؤخذ الصداق عن الذي شهد و رجع، فيردّ على الأخير، و يفرّق بينهما، و تعتدّ من الأخير، و لا يقربها الأوّل حتى تنقضي عدّتها» «2». و نحوهما أخبار أخر «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 239، الباب 11 من أبواب الشهادات، ح 3

(2) المصدر، ص 242، الباب 13، ح 3

(3) المصدر، الباب 14، الحديث 1 و 2 و 3

ص: 547

و لا يوجد (1) فرق بينهما (2) و بين ما نحن فيه (3) أصلا.

و قد ظهر ممّا ذكرنا (4) فساد منع الغرور فيما نحن فيه، كما في كلام بعض (5)،

______________________________

و دلالتها على المقام مبنية على كون الرجوع إلى الشاهد لمجرّد الغرور، لا لأجل ضمان السبب من جهة كونه سببا.

(1) بعد أن ذكر هذين النظيرين أراد أن يبيّن أنّ حكمهما جار في مسألتنا أيضا، لأنّ كلّا منها مصداق لكبرى الغرور، فلا يكون قيسا حتى لا يجري حكم الموردين المذكورين فيه.

(2) الضمير راجع إلى رجوع آكل الطعام و رجوع المحكوم عليه.

(3) و هو رجوع المشتري الجاهل على البائع الفضول بكل ما اغترمه المشتري للمالك.

(4) أي: ظهر من جريان قاعدتي الغرور و الضرر هنا و الأخبار- كخبري جميل و شاهد الزور- فساد منع صدق الغرور على ما نحن فيه، و هو رجوع المشتري على البائع الفضولي بما اغترمه للمالك كما عن بعض.

(5) و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه، حيث إنه ناقش في ما ادعاه صاحب الرياض قدّس سرّه من عدم الدليل على كبرى قاعدة الغرور لو لم يلحق الضرر بالمغرور، فإنّ صاحب الجواهر أثبت هذه الكلية، لكنه منع صدق الغرور في الغرامات التي بذلها المشتري في مقابل النفع الواصل إليه، و قال: «لكن لعلّ خلافهم هنا يومي إلى عدم تحقق قاعدة الغرور في المقام .. إلى أن قال: نعم إنّما المتجه ما ذكرناه من منع تحقق الغرور، الذي يترتب عليه الضمان، إذ المسلّم منه ما يترتب فعل الغير على فعله من حيث المجانية ابتداء، كالإباحة و الهبة و العارية و نحوها. بخلاف ترتب فعل المشتري هنا على زعم كونه مالكا، الحاصل من وقوع عقد البيع مع البائع، خصوصا مع جهل البائع بالحال كالمشتري، فتأمّل» «1».

و محصّل إيراد المصنف عليه: ما مرّ آنفا من صدق قاعدتي الغرور و الضرر فيما

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 183

ص: 548

حيث عدل (1) في ردّ مستند المشهور عمّا في الرياض- من منع الكبرى (2)- إلى (3) منع الصغرى (4)، فإنّ (5) الإنصاف أنّ مفهوم الغرور الموجب للرجوع في باب

______________________________

نحن فيه.

و خلاصة الكلام: أنّ مستند المشهور في رجوع المشتري إلى البائع الفضول هو:

أنّ المشتري مغرور، و كل مغرور يرجع إلى من غرّه، فالنتيجة: أنّ المشتري يرجع إلى من غرّه، و هو البائع. فمستند المشهور هو قاعدة الغرور.

و صاحب الرياض قدّس سرّه يمنع الكبرى- و هي كل مغرور يرجع إلى من غرّه- و يقول: انّ الكبرى هي كلّ مغرور متضرّر يرجع إلى من غرّه، لا كلّ مغرور و إن لم يكن متضرّرا. و هذه الكبرى لا تنطبق على المشتري، لأنّه و إن كان مغرورا، لكنّه ليس بمتضرّر، فلا يرجع المشتري إلى البائع الفضول بقاعدة الغرور.

و صاحب الجواهر قدّس سرّه عدل عما أفاده سيّد الرياض- من منع الكبرى- إلى منع الصغرى، و قال: إنّ المشتري فيما نحن فيه ليس مغرورا حتى يرجع إلى البائع، لعدم كون السبب هنا أقوى من المباشر، و بدون أقوائية السبب و هو البائع هنا من المباشر- و هو المشتري، لأنّه بالإرادة و الاختيار تصرّف في المبيع الفضولي- لا يعدّ المشتري مغرورا، فلا يرجع إلى البائع.

(1) أي: عدل صاحب الجواهر في ردّ مستند المشهور، و هو قاعدة الغرور.

(2) و هي: كل مغرور يرجع إلى من غرّه.

(3) هذا و قوله: «عمّا» متعلقان ب- «عدل».

(4) و هي: عدم أقوائية السبب- و هو البائع- من المباشر أعني به المشتري.

(5) تعليل لفساد منع الغرور من ناحية الصغرى، و حاصل وجه المنع هو: أنّ مفهوم الغرور و إن كان غير منقّح، لعدم وضوح دليله، إلّا أن المتيقن من مفهومه هو إتلاف المغرور لمال الغير لا بعنوان أنّه مال الغير، بل بعنوان مال نفسه، أو بعنوان من أباح له الإتلاف، فلا يكون قاصدا لإتلاف مال الغير. نظير المكره في عدم القصد إلى الفعل المكره عليه.

فان قلت: إنّ عدم قصده إلى إتلاف مال الغير لا يجدي في نفي الضمان عن المغرور، و ذلك لأنّ سببيّة اليد و الإتلاف للضمان غير منوطة بقصد كون المال المستولي عليه أو

ص: 549

الإتلاف و إن (1) كان غير منقّح [1]، إلّا أنّ المتيقّن منه ما كان إتلاف المغرور لمال

______________________________

المتلف مالا للغير، بل وضع اليد كيفما اتفق مضمّن. و كذا الإتلاف. و على هذا ينبغي ضمان المغرور من جهة قاعدتي اليد و الإتلاف. هذا قلت: نعم لا دخل للقصد في التضمين باليد و الإتلاف، إلّا أنّ مقصود المصنف قدّس سرّه من قوله: «بل قصده ..» بيان محقّق عنوان الغرور. يعني: أنّ المتلف لمال الغير إن كان قاصدا لإتلافه بما أنّه مال الغير لم يصدق عليه «المغرور». و إن كان غير قاصد لهذا العنوان- بأن قصد إتلاف مال نفسه، فتبيّن كونه للغير- صدق عنوان الغرور، فيرجع إلى من غرّه. و على هذا فعدم القصد إلى عنوان «إتلاف مال الغير» محقّق مفهوم الغرور.

(1) الجملة خبر قوله: «أن مفهوم»، و ضمير «منه» راجع إلى «مفهوم الغرور».

______________________________

[1] يمكن أن يقال: إنّ مفهوم «الغرور» المناسب لمعناه اللغوي- المذكور في المجمع بقوله: «و غرّه غرّا و غرورا و غرّة بالكسر فهو مغرور: خدعه، و أطمعه بالباطل، فاغترّ هو» «1»- هو الذي يكون داعيا إلى صدور الفعل من المغرور، و مؤكّدا له، كداعوية الإرادة التي هي الشوق المؤكّد لصدور الفعل من فاعله. و لا يوجب الغرور- كالشوق المؤكّد- خروج الفعل عن الفعل الإرادي حتى يكون كالآلة، مثل النار للإحراق و السّكّين للقطع، و السّمّ للقتل، فإنّ هذه آلات، و التعبير عنها بالآلات صحيح. و هذا بخلاف أكل المغرور لطعام الغير، فإنّه فعل اختياري له، و التعبير عن المغرور بالآلة غير صحيح، لأنّه ليس كالنار و السّمّ و السّكّين و نحوها ممّا ليس له إرادة و اختيار.

فالغرور- على هذا- من مبادئ صدور الفعل من الفاعل المختار، كما يظهر من أمثلتهم، كتشبيه البائع الفضول بشاهد الزور، و كمقدّم طعام الغير إلى شخص ليأكله، فإنّ الأكل فعل اختياري للآكل. و ليس كالإيجار في الحلق في عدم كون الفعل اختياريا.

و يظهر ممّا ذكرنا عدم إناطة قاعدة الغرور بقاعدة الضرر، و لا بقاعدة السبب و المباشر، فتجري قاعدة الغرور و لو لم يكن هناك ضرر و لا قوّة السبب على المباشر.

ثمّ إنّ الغرور هل هو من العناوين القصدية كالصوم و الصلاة و الغسل و الوضوء؟

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 3، ص 422

ص: 550

الغير و إثبات يده (1) عليه لا بعنوان أنّه مال الغير، بل قصده إلى إتلافه [إتلاف] مال نفسه (2) أو مال من أباح له (3) الإتلاف، فيكون غير قاصد لإتلاف مال الغير، فيشبه المكره في عدم القصد (4) [1].

______________________________

(1) أي: يد المغرور، و ضميرا «عليه، و أنّه» راجعان إلى المال.

(2) كما في ما نحن فيه، فإنّ المشتري يستوفي منافع المبيع بعنوان كونه مال نفسه لأجل ابتياعه.

(3) هذا الضمير و المستتر في «فيكون» راجعان إلى المغرور، و الضمير المستتر في «أباح» راجع الى الموصول المراد به البائع الفضول.

(4) أي: في عدم القصد إلى الفعل المكره عليه. فإنّ المغرور أيضا لا يقصد إتلاف

______________________________

أمّ لا؟ بل الغرور بلا قصد يتحقق، و لا يتقوم بالقصد كالأكل و الشرب، فإنّهما يتصفان بهذين العنوانين حتى مع الغفلة عنهما، فإنّ عنوان الأكل و الشرب ذاتي لهما، و لذا لا يتوقف صدق هذين العنوانين عليهما على القصد و الالتفات.

فإذا قدّم زيد طعاما يعتقد أنّه ملكه- أو ملك من أباح له إتلافه- إلى عمرو فأكله، فتبيّن أنه لم يكن له و لا لمن أباح له، و لا يرضى بالأكل المزبور و يطالب بدله، فالظاهر أنّ الآكل مغرور، و مقدّم الطعام غارّ.

و إذا شكّ في اعتبار القصد و الالتفات في مفهوم الغرور فلا دليل و لا أصل على شي ء من الاعتبار و عدمه فيه، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل الحكمي، و هو أصالة عدم الضمان.

[1] هذا مناف لما تكرر منه في مسألتي اعتبار القصد و الاختيار في المتعاقدين من كون المكره قاصدا للمعاملة، و أنّ المفقود فيه هو طيب النفس، كقوله: «.. مما يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد و مضمونه في الواقع، و عدم طيب النفس به، لا عدم إرادة المعنى من الكلام» «1». و من المعلوم أنه لا فرق في حصول القصد بين الفعل الإنشائي و الخارجي. فالمكره على الفعل الخارجي كالأكل و الإتلاف كالمكره على الفعل الإنشائي.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 185

ص: 551

هذا (1) كلّه مضافا (2)

______________________________

مال غيره، بل يقصد إتلاف مال نفسه، أو مال من أباح له إتلافه.

فإن قلت: لا وجه لتشبيه المغرور بالمكره، للفرق بينهما، فإنّ المكره لا يخاطب بالضمان، من جهة قوة السبب و ضعف المباشر كما صرّح به في (ص 540) بقوله:

«و المتجه في مثل ذلك عدم الرجوع إلى المباشر أصلا، كما نسب إلى ظاهر الأصحاب في المكره» و هذا بخلاف المغرور، إذ لا كلام في جواز رجوع المالك عليه بالغرامة، و لكنّه لمكان الغرور يرجع إلى الغارّ. فالفرق بين المكره و المغرور ثابت.

قلت: ليس المقصود من التشبيه إثبات وحدة حكم المكره و المغرور حتى يقال بالفرق بينهما. بل المراد من التشبيه اشتراكهما في الجهة المحقّقة لموضوع الغرور و الإكراه مع الغضّ عن حكم رجوع المالك على المغرور دون المكره، و تلك الجهة الجامعة بينهما عدم استقلالهما في القصد إلى عنوان التصرّف في مال الغير أو إتلافه. إذ بملاحظة انتفاء هذا القصد صار المكره مكرها و المغرور مغرورا.

و بيانه: أنّ المكره يكون كالآلة للمكره من أجل اللّابدّية الناشئة من التحميل، فلا يستقل في قصد عنوان «التصرف أو إتلاف مال الغير». و كذلك المغرور، فإنّه و إن كان مختارا في فعله و مستقلّا في أصل القصد، و لكنه لجهله بالحال لا يقصد العنوان المزبور، و إنّما مقصوده التصرف في مال نفسه، و هو المبيع المنتقل إليه بالبيع.

و حيث تحققت الجهة المشتركة بين الإكراه و التغرير منعت من استقرار الضمان على المتلف لمال الغير.

هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه في وجه الشباهة بتوضيح و تصرف «1».

(1) أي: ما ذكرناه- من أدلة ضمان البائع الفضولي من قاعدتي الضرر و الغرور و بعض الأخبار، كخبر شاهد الزور إذا رجع عن شهادته- ثابت.

(2) غرضه أنّ لنا دليلا آخر على الضمان مضافا إلى الأدلّة السابقة، و هو ما قيل من دلالة رواية جميل المتقدمة في (ص 520) على الضمان. لكن دلالتها على الضمان مبنيّة على كون حرّية الولد منفعة عرفا لوالده المشتري للجارية التي ولدته، حتى يندرج في القسم الثاني، و هو ما اغترمه المشتري للمالك في مقابل المنافع التي استوفاها من

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 192 و 193

ص: 552

إلى ما قد يقال (1): من دلالة رواية جميل المتقدّمة، بناء (2) على أنّ حرّيّة الولد منفعة راجعة إلى المشتري، و هو (3) الذي ذكره المحقّق احتمالا في الشرائع (4) في باب

______________________________

المبيع فضولا. و إن لم تكن حرّيّة الولد منفعة عرفا، لكونه حرّا، و الحرّ ليس مالا و لا ملكا لأحد. فيندرج في القسم الثالث من الغرامات التي لم يصل إلى المشتري نفع في مقابلها، و تكون رواية جميل أجنبية عن المقام حينئذ.

(1) القائل هو الفقيه الكبير الشيخ كاشف الغطاء قدّس سرّه و يستفاد من كلام جماعة من تلامذته كأصحاب مفتاح الكرامة «1» و كشف الظلام و الجواهر قدّس سرّهم «2». ففي الجواهر:

«أما فيه- أي في ما حصل للمشتري نفع في مقابل ما غرمه للمالك- فالمشهور أنه كذلك أيضا، للقاعدة المزبورة- و هي قاعدة الغرور .. و في شرح الأستاد: أنّ في خبر جميل دلالة عليه» و ظاهر سكوت صاحب الجواهر عن المناقشة فيه ارتضاؤه له.

و يستفاد استدلال السيد العاملي بهذه الموثقة من ضمّ كلاميه في البيع و الغصب، فاستدلّ في بيع الفضولي بها على ضمان المشتري لما انتفع به، و رجوعه على البائع بما غرمه للمالك، فقال: «و يدل على بعض هذه الأحكام خبر جميل» .. يريد منه- أي من قيمة الولد- القيمة التي أعطاها للمالك لفكّ ولده، لأنّه حرّ و قال في الغصب: «ان فحوى الرجوع بقيمة الولد مع حصول النفع العظيم له في مقابل القيمة تدلّ ..».

(2) قيد ل- «دلالة» يعني: أنّ دلالة رواية جميل على المقصود مبنيّة على كون حرّيّة الولد منفعة عائدة إلى المشتري.

(3) يعني: و كون حرّيّة الولد منفعة هو الذي ذكره المحقق قدّس سرّه احتمالا.

(4) قال المحقق قدّس سرّه- في ما لو اشترى جارية من الغاصب جاهلا بغصبيتها فأولدها- ما لفظه: «و لو أولدها المشتري كان حرّا، و غرم قيمة الولد، و يرجع بها على البائع. و قيل في هذه: له مطالبة أيّهما شاء. لكن لو طالب المشتري رجع على البائع.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 199 و ج 6، ص 301

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 301، و استدل صاحب الجواهر بهذه الموثقة على ضمان قيمة الولد في باب الغصب، لكنه غير مبني على كون الولد منفعة عائدة إلى المشتري فراجع. ج 37، ص 181 و 183، كشف الظلام (مخطوط)، بحث البيع الفضولي.

ص: 553

..........

______________________________

و لو طالب البائع لم يرجع على المشتري. و فيه احتمال آخر» «1».

و مورد كلام المحقق قدّس سرّه هو ما لم يحصل في مقابل غرامة المشتري نفع له، بقرينة قوله بعده: «أما ما حصل للمشتري في مقابلته نفع .. إلخ».

و اختلف نظر الشهيد الثاني و صاحب الجواهر قدّس سرّهما في ما أراده المحقق من قوله:

«و فيه احتمال آخر» فالشهيد الثاني جعل مراده كون قيمة الولد خارجة عن مورد كلامه من اغترام المشتري فيما لم ينتفع به، و أنّ هذه القيمة مندرجة في القسم الآخر، و هو ما حصل نفع للمشتري فيه. فقال في المسالك: «و يحتمل إلحاق عوض الولد بما حصل له في مقابلته نفع كالمهر، لأنّ نفع حريّة الولد يعود إليه. و هذا هو الاحتمال الذي أشار إليه، فيجري فيه الوجهان، إلّا أنّ الأشهر الأول» «2». أي: كون قيمة الولد مما لم ينتفع به المشتري.

و صاحب الجواهر قدّس سرّه جعل مراد المحقق من هذا الاحتمال أمرا آخر أقرب بحسب سياق الكلام، و هو: عدم تخيير المالك- في أخذ الغرامة- بين الرجوع إلى البائع أو المشتري، بل يتعيّن الرجوع على البائع، قال بعد بيان كلام المسالك: «و يمكن أن يريد به احتمال عدم التخيير، بل يتعيّن رجوع المالك ابتداء على البائع بناء على كونه الغارّ ..» «3».

و بناء على هذا الاحتمال يتحصّل في رجوع المالك وجوه ثلاثة:

أوّلها: كون المشتري ضامنا ابتداء، فلو دفع الغرامة إلى المالك جاز له مطالبتها من البائع.

و ثانيها: تخيير المالك في الرجوع إلى أيّهما شاء بلا طوليّة بينهما.

و ثالثها: تعيّن رجوع المالك على البائع، و عدم جواز مطالبة الغرامة من المشتري.

و بناء على ما احتمله صاحب الجواهر تندرج غرامة قيمة الولد في القسم الثالث و هو ما لم يحصل فيه نفع للمشتري، و تكون أجنبيّة عن محلّ الكلام، و هو انتفاع المشتري به في قبال العوض.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 246

(2) مسالك الأفهام، ج 12، ص 228

(3) جواهر الكلام، ج 37، ص 182

ص: 554

الغصب، بناء على تفسير المسالك (1). و فيه (2) تأمّل.

[3- حكم ما اغترمه المشتري في قبال العين]

ثم إنّ ممّا ذكرنا في حكم هذا القسم (3) يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين من

______________________________

(1) لا بناء على تفسير الجواهر، و قد تقدم وجه هذا البناء.

(2) يحتمل رجوع الضمير إلى ما احتمله الشهيد الثاني قدّس سرّه من كون حرّية الولد من المنافع الراجعة إلى المشتري، فيكون وجه التأمل فيه: أنّ المقصود بالنفع هي المنافع المعدودة أموالا عرفا كسكنى الدار و الكسب في الدّكان و ركوب الدابة و ثمرات الأشجار. و عليه تكون عبارة الشرائع أجنبية عمّا نحن فيه من ضمان بدل المنفعة المستوفاة.

و ربما يشهد له كلام المصنف في بحث المقبوض بالبيع الفاسد من «أنّ الولد و إن كان نماء للأمة، لكن المشتري لم يستوفه» و تقدّم بعض الكلام هناك، فراجع «1».

و عليه فضمان قيمة الولد تعبّد، و ليس لأجل ضمان منفعة المبيع فضولا.

و يحتمل رجوع ضمير «فيه» إلى ما احتمله صاحب الجواهر من «تعيّن رجوع المالك ابتداء على البائع الغارّ» و وجه التأمل حينئذ: أنّ مورد قاعدة الغرور ضمان المغرور للمالك، لاستناد التلف إليه، ثم رجوعه على الغارّ، و ليس هذا من التسبيب في الفعل حتى يكون الضمان على السبب دون المباشر.

(3) و هو القسم الثاني من الغرامات التي يصل في مقابلها نفع إلى المشتري، فإنّه يظهر من حكم هذا القسم الثاني- الذي مستنده قاعدة الغرور- حكم ما يغرمه المشتري من دون حصول نفع له في مقابل ما يغرمه، كزيادة قيمة عين المبيع على الثمن المعيّن حين عقد الفضول، كما إذا كان الثمن المسمّى عشرة دراهم، و كانت قيمة المبيع السوقية حال العقد عشرين درهما، و تلف المبيع، فأخذ المالك من المشتري عشرين درهما، فهل يرجع المشتري بتمام العشرين على البائع أم بخصوص العشرة التي سلّمها المشتري إليه؟

و الكلام في حكم زيادة القيمة على الثمن عند تلف المبيع يقع في مقامين: أحدهما:

تلف المبيع بتمامه، و ثانيهما: في تلف بعض أجزائه. و الكلام فعلا في المقام الأوّل، و إن لم يكن فرق في حكم التلف بين الكل و الجزء.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 50

ص: 555

زيادة القيمة على الثمن الحاصلة (1) وقت العقد (2)، كما لو باع ما يسوى عشرين بعشرة، فتلف (3)، فأخذ منه المالك عشرين، فإنّه (4) لا يرجع بعشرة الثمن، و إلّا (5) لزم تلفه من كيس البائع من دون أن يغرّه في ذلك (6)، لأنّه لو فرض صدق البائع في دعوى الملكيّة لم يزل غرامة المشتري للثمن بإزاء المبيع التالف. فهذه الغرامة

______________________________

3- حكم ما اغترمه المشتري في قبال العين

(1) صفة للقيمة، و قوله: «على الثمن» متعلق ب- «زيادة».

(2) هذا هو القسم الأوّل الذي ذكره المصنف قدّس سرّه في (ص 514) بقوله: «إنّ المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن، فإمّا أن يكون في مقابل العين كزيادة القيمة على الثمن إذا رجع المالك بها على المشتري ..».

(3) ضمير الفاعل راجع إلى الموصول في «ما يسوى» المراد به المبيع.

(4) جواب الشرط في قوله: «لو باع» يعني: فإنّ المشتري لا يرجع إلى البائع بالثمن المسمى و هو العشرة من العشرين التي أخذها المالك من المشتري. وجه عدم الرجوع في عشرة الثمن هو: ضمان المشتري لها بإزاء المبيع، لأنّ هذا الضمان المعاوضي نشأ من إقدام المشتري من دون أن يكون مغرورا من ناحية البائع، بل الغرور إنّما يكون بالعشرة الزائدة على العشرة المسمّاة في العقد. و الحكم بضمان البائع تابع للغرور، فإنّ الضرورات تتقدر بقدرها.

و الشاهد على ضمان المشتري للثمن المسمّى- أعني به العشرة- هو: أنّه مع فرض صدق دعوى البائع للملكية يكون المشتري ضامنا لهذا الثمن المسمى دون غيره.

و الحاصل: أنّ الغرور حاصل بالنسبة إلى العشرة الزائدة على الثمن، فتؤخذ من البائع. و أمّا عشرة الثمن فهي داخلة في إقدام المشتري و خارجة عن دائرة الغرور.

(5) يعني: و إن رجع المشتري إلى البائع بالثمن- أعني به العشرة- يلزم أن يكون تلفها من كيس البائع من دون وجه، إذ المفروض أنّ البائع لم يغرّ المشتري بالنسبة إلى عشرة الثمن حتى يكون غارّا و ضامنا من حيث الغرور.

(6) أي: في عشرة الثمن، لأنّه على فرض صدق دعوى البائع ملكية المبيع كانت غرامة المشتري ثابتة قطعا، لأنّ هذه الغرامة مقتضى المعاوضة التي أقدم المشتري عليها.

ص: 556

للثمن لم تنشأ عن كذب البائع، و أمّا العشرة الزائدة (1) فإنّما جاءت غرامتها من كذب البائع في دعواه، فحصل الغرور (2)، فوجب الرجوع (3).

و ممّا ذكرنا (4) يظهر اندفاع ما ذكر في وجه

______________________________

فهذه الغرامة المعاوضيّة مستندة إلى إقدام المشتري، لا إلى تغرير البائع و كذبه، فلا وجه لتغريم البائع بالنسبة إلى الثمن المسمّى، بل تغريمه مختص بزائد الثمن المسمّى.

(1) أي: الزائدة على الثمن الذي هو عشرة أيضا في مثال المتن.

(2) يعني: فحصل الغرور من البائع، لكذبه بالنسبة إلى العشرة الزائدة على الثمن المسمّى، فالمشتري مغرور بالنسبة إليها فقط، دون نفس الثمن.

(3) يعني: فوجب رجوع المشتري إلى البائع الفضول بالعشرة الزائدة على الثمن المسمّى، لأنّها مورد الغرور.

و بالجملة: فضمان البائع تابع لصدق الغرور.

(4) أي: و من كون الغرور سببا لضمان البائع الفضول لما اغترمه المشتري للمالك- من العشرة الزائدة على الثمن المسمّى- يظهر اندفاع .. إلخ. و هذا إشارة إلى إيراد أورد على رجوع المشتري إلى البائع بالزائد على الثمن المسمّى.

و حاصل الإيراد: أنّ المشتري و إن أقدم على ضمان العين التالفة بالثمن المسمّى فقط، كما هو مقتضى المعاوضة البيعية، إلّا أنّه لمّا لم يسلم المبيع شرعا للمشتري بذلك الثمن المسمّى- لفرض بطلان البيع- انتقل الضمان المعاوضي إلى الضمان الواقعي اليدي الموجب لانتقال ضمان الثمن المسمّى إلى القيمة السوقية، كما هو شأن كل بيع فاسد. و مع إقدام المشتري لا ضمان على البائع أصلا، إذ لا يكون حينئذ غرور، و إلّا كان على البائع ضمان الثمن المسمّى أيضا.

و الوجه في عدم الغرور مع إقدام المشتري على الضمان المعاملي هو تباين الغرور و الإقدام، و لذا لا يرجع على البائع بالمسمّى من جهة إقدامه عليه.

ثم إنّ هذا الاشكال نقله صاحب الجواهر عن المسالك لبيان وجه عدم الرجوع، و الأصل فيه كلام العلّامة في التذكرة، حيث ذكره وجها لعدم الرجوع بهذه الزيادة، ثم أجاب عنه، قال قدّس سرّه: «إذا تلفت العين المغصوبة عند المشتري ضمن قيمتها أكثر ما كانت

ص: 557

عدم الرجوع (1) من (2): أنّ المشتري إنّما أقدم على ضمان العين، و كون (3) تلفها منه، كما هو شأن فاسد كلّ عقد يضمن بصحيحه، و مع الإقدام (4) لا غرور، و لذا (5) لم يقل به (6) في العشرة المقابلة للثمن.

توضيح (7) الاندفاع:

______________________________

من يوم القبض إلى يوم التلف. و لا تضمن الزيادة التي كانت في يده أكثر قيمة، و لا يرجع بما يضمنه عالما كان أو جاهلا، لأنّ الشراء عقد ضمان، و قد شرع فيه على أن يكون العين من ضمانه و إن كان الشراء صحيحا. و لقائل أن يقول .. إلخ» «1».

(1) أي: عدم رجوع المشتري على البائع.

(2) بيان ل- «ما» الموصول، و قد تقدم توضيحه آنفا بقولنا: «و حاصل الإيراد».

(3) معطوف على «ضمان» يعني: أنّ المشتري إنّما أقدم على كون تلف العين منه، كما هو شأن فاسد كلّ عقد يضمن بصحيحه. و هذا إشارة إلى دليل القائل بعدم الرجوع.

(4) يعني: و مع إقدام المشتري على هذا الضمان المعاوضي- المنتقل إلى الضمان الواقعي بسبب فساد العقد- لا يصدق «الغارّ» على البائع حتى يضمن العشرة الزائدة على عشرة الثمن المسمى، بل لا يضمن البائع شيئا، لا الثمن و لا الزائد عليه، لعدم الغرور.

(5) أي: و لأجل إقدام المشتري على الضمان المعاوضي لا غرور من البائع بالنسبة إلى عشرة الثمن، و لذا لم يقل أحد بضمان البائع لها، و إنّما يضمن البائع العشرة الزائدة لأجل الغرور بالنسبة إليها.

(6) أي: بالضمان.

(7) يعني: توضيح ما أشار إليه بقوله: «و ممّا ذكرنا يظهر وجه اندفاع». و هذا توضيح ردّ الإيراد المذكور، و هو عدم ضمان البائع لما اغترمه المشتري من قيمة العين التالفة لمالكها. و قد ردّه بوجهين.

و محصّل ما أفاده في الوجه الأوّل: أنّ القبض في البيع الفاسد و إن كان مقتضيا

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 398، السطر 8، مسالك الأفهام، ج 12، ص 225، جواهر الكلام، ج 37، ص 179

ص: 558

أنّ الإقدام (1) إنّما كان على ضمانه بالثمن، إلّا أنّ الشارع جعل القبض على هذا النحو من الإقدام- مع فساد العقد و عدم إمضاء الشارع له- سببا (2) لضمان المبيع بقيمته الواقعية (3)، فالمانع (4) من تحقّق الغرور و هو الإقدام لم يكن إلّا في مقابل الثمن.

و الضمان (5) المسبّب عن هذا الإقدام لمّا كان لأجل فساد العقد المسبّب (6) عن تغرير البائع، كان (7) المترتّب عليه من ضمان العشرة الزائدة مستقرّا على الغارّ،

______________________________

لانتقال الضمان المعاوضي إلى الضمان الواقعي، لكنّه مشروط بأن لا يكون هناك مانع عن الضمان بالقيمة الواقعية. و المانع فيما نحن فيه- و هو إقدام البائع على الثمن المسمّى دون الزائد عليه- موجود، لأنّه مورد غرور البائع، فإنّ إقدام المشتري مختص بالثمن المسمّى فقط، فضمانه بالقيمة الواقعية يمنعه غرور البائع. و مقتضى قاعدة الغرور وقوع ضمان الزائد على الثمن المسمّى على البائع الفضول.

(1) أي: إقدام المشتري، فإنّه كان على ضمانه المعاوضي بالثمن المسمّى دون غيره.

(2) مفعول ثان ل- «جعل»، و قوله: «عدم إمضاء» عطف تفسير للفساد.

(3) التي هي من مقتضيات ضمان اليد.

(4) يعني: فالمانع من تحقق غرور البائع الفضول- الموجب لضمانه لما اغترمه المشتري للمالك- مختص بما يقابل الثمن المسمى، دون غيره كالقيمة السوقية.

(5) يعني: أنّ الضمان الواقعي المسبّب عن هذا الإقدام- أي إقدام المشتري على الضمان المعاملي- و إن كان فساد عقده مقتضيا لضمان المشتري لتمام قيمة العين التالفة عنده، لكنّه لمّا كان فساد العقد مسبّبا عن تغرير البائع، كان ضمان العشرة الزائدة على الثمن المسمى مستقرّا على البائع.

و بالجملة: فعدم ضمان المشتري لتمام قيمة العين التالفة عنده- مع كونه ممّا يقتضيه فساد عقد البيع كسائر موارد فساد عقده- إنّما هو لأجل كون فساده ناشئا من تغرير البائع.

(6) صفة ل- «فساد» يعني: أنّ فساد العقد ناش عن تغرير البائع و عدّ نفسه مالكا.

(7) جواب «لمّا» و المجموع خبر «و الضمان» و غرضه أنّه لمّا كان فساد العقد مسبّبا عن تغرير البائع الفضول، كان ضمان بعض قيمة العين التالفة و هو مقدار الغرور- أعني به

ص: 559

فغرامة (1) العشرة الزائدة و إن كانت مسبّبة عن الإقدام (2)، إلّا (3) أنّها ليست مقدما عليها.

هذا كلّه مع (4) أنّ التحقيق

______________________________

العشرة الزائدة في المثال على الثمن المسمى- ثابتا على البائع الفضول و مستقرّا عليه، لأنّه غارّ، فيضمن بمقدار ما يغرّ المشتري به.

(1) غرضه أنّه لا يتوهّم أنّ غرامة العشرة الزائدة على الثمن المسمّى مسبّبة عن إقدام المشتري على الضمان المعاوضي، فلا بدّ أن تكون تلك العشرة الزائدة أيضا على المشتري كعشرة الثمن.

(2) أي: إقدام المشتري على الضمان المعاوضي، و كان هذا التسبب مستلزما لضمان المشتري لجميع قيمة العين التالفة، لا خصوص الثمن المسمّى في العقد الفضولي، و هو العشرة في المثال.

(3) هذا دفع التوهم المزبور، و محصّله: أنّ المشتري الجاهل بالغصب لم يقدم في عقد البيع الفضولي على ضمان تمام القيمة و هي العشرون، بل أقدم على العشرة المسمّاة في العقد.

(4) هذا وجه آخر لاندفاع ما ذكر في وجه عدم رجوع المشتري على البائع بقوله:

«من أنّ المشتري إنّما أقدم على ضمان العين .. إلخ» فراجع (ص 558).

و محصّل هذا الوجه لدفع الإيراد المزبور هو: أنّ الموجب للضمان و المقتضي له في العقد الفاسد هو اليد التي لا استيمان فيها، لا مالكيّا و لا شرعيّا. و هذا يوجب ضمان المشتري للعين بتمام قيمتها السوقية، كما زعمه القائل بضمان المشتري، و عدم رجوعه إلى البائع. إلّا أنّه لمكان غروره بالنسبة إلى ما زاد على الثمن المسمى يرجع المشتري بما زاد عليه من العشرة في مثال المتن إلى البائع.

فالغرور مانع عن ضمان المشتري الزائد على الثمن المسمّى، فاليد المقتضية لضمان تمام القيمة على المشتري مقرونة بالمانع، و هو تغرير البائع بالنسبة إلى الزائد على الثمن المسمّى.

فلم يقدم المشتري على ضمان تمام قيمة المبيع الفضولي التالف، بل خصوص الثمن المسمّى.

ثم إنّ الفرق بين هذا الوجه و الوجه السابق هو: أنّ هذا الوجه ناظر إلى وجود المانع عن ضمان المشتري لتمام القيمة، مع ثبوت المقتضي له و هو اليد بلا ايتمان. و الوجه

ص: 560

- على ما تقدّم (1) سابقا- أنّ سبب الضمان في العقد الفاسد هو القبض الواقع لا على وجه الاستيمان، و أنّ (2) ليس الإقدام على الضمان علّة له مع عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان، و إن استدل به (3) الشيخ و أكثر من تأخّر عنه. و قد ذكرنا في محلّه (4) توجيه ذلك بما يرجع إلى الاستدلال باليد، فراجع (5).

و كيف كان (6) فجريان قاعدة الغرور

______________________________

السابق ناظر إلى وجود المقتضي لضمان البائع لتمام القيمة، لكن إقدام المشتري على ضمان الثمن المسمّى مانع عن ضمان البائع الغارّ لتمام القيمة.

(1) حيث قال: «و أما العقد الفاسد فلا يكون علّة تامّة أبدا، بل يفتقر في ثبوت الضمان إلى القبض، فقبله لا ضمان» «1».

(2) معطوف على «أنّ سبب».

(3) أيّ: استدلّ بالإقدام على الضمان الشيخ الطوسي قدّس سرّه و أكثر من تأخّر عنه كابن إدريس و العلامة و المحقق و الشهيد الثانيين «2».

(4) أشار بهذا إلى ما أفاده في مسألة المقبوض بالبيع الفاسد من قوله: «ثم إنّه لا يبعد أن يكون مراد الشيخ قدّس سرّه و من تبعه من الاستدلال على الضمان بالاقدام و الدخول عليه بيان أنّ العين و المنفعة اللّذين تسلّمهما الشخص لم يتسلّمهما مجانا أو أمانة. فليس دليل الإقدام دليلا مستقلا، بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضى اليد في الأموال و احترام الأعمال» «3».

(5) يعني: فراجع ما استدل به على قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» من مباحث المقبوض بالبيع الفاسد «4».

(6) يعني: سواء كان التوجيه المزبور وجيها أم لا.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 99 و 100

(2) تقدّمت الإشارة إلى مصادر الكلمات في ص 485

(3) هدى الطالب، ج 3، ص 130- 131

(4) هدى الطالب، ج 3، ص 114

ص: 561

فيما نحن فيه (1) أولى منه (2) فيما حصل في مقابلته نفع.

هذا (3) إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد. و لو تجدّدت (4) بعده فالحكم

______________________________

(1) و هي الغرامة التي اغترمها المشتري للمالك من دون حصول نفع له في مقابلها، كالمال المصروف في عمارة المبيع، أو نفقته كتعليف الدابة.

(2) يعني: أولى من جريانها في القسم الثاني من أقسام الغرامات، و هو ما حصل للمشتري بإزاء الغرامات نفع.

وجه الأولويّة هو: أن صدق الغرور فيما إذا وصل إلى المشتري نفع في مقابل ما اغترمه للمالك يقتضي- بالفحوى- صدق الغرور فيما لم يصل إليه نفع في مقابل الغرامات، إذ لو نوقش في صدق الغرور في صورة استيفاء المشتري للمنافع- كما عن صاحب الرياض- لم يكن مجال للمناقشة في صدقه على الغرامة التي لم يصل في مقابلها نفع إلى المشتري. فصدق الغرور هنا أولى من صدقه على ما إذا وصل إلى المشتري نفع.

(3) يعني: أنّ الحكم برجوع المشتري إلى البائع الفضول بالعشرة الزائدة على الثمن المسمّى في عقد الفضول إنّما هو فيما إذا كانت زيادة القيمة ثابتة في حال عقد الفضول.

و أمّا إذا كانت القيمة السوقية مساوية للثمن المسمى- و هو العشرة- و حصلت زيادة القيمة على الثمن المسمّى عند المشتري، فصارت قيمته السوقية عند المشتري عشرين بعد أن كانت عشرة، فالحكم بالرجوع في هذه الزيادة التي أخذها المالك من المشتري إلى البائع أولى، لأنّ المشتري لم يقدم على ضمان تلك الزيادة الحاصلة بعد العقد.

إمّا لاحتمال عدم ارتفاع القيمة بعد العقد حتى يشمله إقدام المشتري على الضمان المانع عن رجوعه إلى البائع بالزيادة المتجددة.

و إمّا لاحتمال فساد العقد.

و بالجملة: صدق قاعدة الغرور على الزيادة المتجددة أولى من صدقها على الزيادة الموجودة حال العقد، لاحتمال إقدام المشتري في الزيادة الموجودة حال العقد دون المتجددة بعده.

(4) يعني: تجدّدت زيادة قيمة المبيع فضولا بعد العقد.

ص: 562

بالرجوع فيه أولى (1).

هذا كلّه فيما يغرمه المشتري بإزاء نفس العين التالفة.

[4- ما يغرمه المشتري بإزاء الجزء التالف]

و أمّا ما يغرمه بإزاء أجزائه التالفة (2)، فالظاهر (3) أنّ حكمه حكم المجموع في أنّه (4) يرجع

______________________________

(1) قد مرّ آنفا توضيح الأولوية بقولنا: «لأنّ المشتري لم يقدم على ضمان تلك الزيادة الحاصلة بعد العقد .. إلخ».

هذا تمام الكلام في المقام الأول، و هو حكم تلف تمام المبيع. و سيأتي الكلام في حكم تلف بعض أجزائه، و يبحث فيه تارة عن انعدام نفس الجزء، و اخرى عن انعدام وصف قائم بالمبيع.

ما يغرمه المشتري بإزاء الجزء التالف

(2) كما إذا كان المبيع كتابين مثلا، و الثمن عشرين دينارا، و تلف أحد الكتابين، و أخذ المالك من المشتري الكتاب الموجود مع تمام العشرين.

(3) جواب «و أمّا» و هذا حكم تلف الجزء، و حاصله: أنّ حكمه حكم تلف المجموع في أنّ المشتري يرجع إلى البائع الفضول فيما زاد على الثمن. فإذا كانت قيمة المبيع التالف عشرين دينارا، و كان الثمن عشرة دنانير، و أخذ المالك من المشتري تمام العشرين، رجع المشتري إلى البائع بالعشرة الزائدة على الثمن الذي هو عشرة دنانير أيضا، إذ المفروض أنّ الزائد على الثمن عشرة دنانير. و أمّا نفس الثمن فليس للمشتري الرجوع به إلى البائع، لعدم تغريره بالنسبة إلى الثمن الذي أقدم المشتري على دفعه إلى المالك عوضا عن المبيع. و تغرير البائع مختص بما زاد على الثمن من قيمته الواقعية و هو العشرة. هذا حكم تلف مجموع الأجزاء.

و أمّا حكم تلف بعض أجزاء المبيع كالمثال المذكور- و هو بيع الكتابين- فهو عدم رجوع المشتري إلى البائع بما يقابل ثمن التالف و هو العشرة، لإقدام المشتري عليها، و رجوعه إلى البائع في الزائد على عشرة الثمن، و هو العشرة أيضا.

(4): أي: أنّ المشتري، و ضمير «حكمه» راجع إلى «ما» في قوله «و أمّا ما يغرمه».

و مراده أنّ المشتري يرجع في الزائد على ثمن الجزء التالف، و لا يرجع في مقدار ثمن التالف و هو العشرة، فإنّ ثمن الجزء التالف- كالجزء الموجود- عشرة دنانير، و المشتري

ص: 563

في الزائد (1) على ما يقابل ذلك الجزء، لا فيما (2) يقابله على ما اخترناه. و يجي ء على القول الآخر (3) عدم الرجوع في تمام ما يغرمه.

[5- ما يغرمه بإزاء أوصافه]

و أمّا ما يغرمه (4) بإزاء أوصافه، فإن كان [1] ممّا لا يقسط عليه الثمن

______________________________

يرجع بالعشرة الزائدة على عشرة الثمن، لا بمقدار الثمن.

(1) يعني: يرجع في الزائد على مقدار ثمن الجزء التالف، و المراد بهذا الثمن هو العشرة.

(2) معطوف على «في الرائد» يعني: يرجع المشتري على البائع في الزائد على ثمن التالف، و هو على الفرض عشرة دنانير. و لا يرجع إلى البائع فيما يقابله من الثمن و هي عشرة دنانير.

و الحاصل: أنّ المشتري يرجع إلى البائع في الزائد على الثمن، لا في مقدار الثمن، بناء على ما اختاره في (ص 556) من قوله: «فإنّه لا يرجع بعشرة الثمن، و إلّا لزم ..».

(3) الذي تعرّض له في (ص 557) بقوله: «ما ذكر في وجه عدم الرجوع من أنّ المشتري إنما ..».

ما يغرمه المالك بإزاء تلف الوصف

(4) معطوف على «و أمّا ما يغرمه» يعني: و أمّا ما يغترمه المشتري للمالك بإزاء أوصاف المبيع، فإن كان الوصف المفقود وصفا لا يقابل بالمال، و لا يقسّط عليه الثمن، و إن كان موجبا لزيادة المالية- كما عدا وصف الصحة من أوصاف المبيع، كوصف الكتابة

______________________________

[1] لم يذكر له عدل، مع وضوح اقتضاء السياق لأن يكون له عدل، و هو: أن يكون الوصف ممّا يقسّط عليه الثمن.

و كيف كان، فإن كان الوصف ممّا يقسّط عليه الثمن- كوصف الصحة- جرى عليه حكم الجزء، فيتدارك الوصف الفائت باسترداد ما قابله من الثمن.

و إن كان الوصف ممّا لا يقسّط عليه الثمن رجع المشتري بغرامته إلى البائع، لعدم إقدامه على ضمان الأوصاف حتى لا يرجع إلى البائع، هذا.

ص: 564

كما عدا وصف الصحّة من الأوصاف التي يتفاوت بها القيمة، كما لو كان عبدا كاتبا فنسي الكتابة عند المشتري، فرجع المالك عليه (1) بالتفاوت- فالظاهر (2) رجوع المشتري على البائع، لأنّه (3) لم يقدم على ضمان ذلك (4).

ثمّ إنّ (5) ما ذكرنا كلّه من رجوع المشتري على البائع بما يغرمه إنّما هو إذا كان

______________________________

و الخياطة و نحوهما، و انتفاء ذلك الوصف عند المشتري كنسيان العبد المبيع فضولا للكتابة أو الخياطة أو غيرهما عند المشتري- فالظاهر رجوع المشتري على البائع الفضول بما اغترمه للمالك من التفاوت بين واجد الوصف و فاقده. كما إذا كانت قيمة العبد الواجد للكتابة عشرة دنانير، و قيمة العبد الفاقد لها خمسة دنانير، فيرجع المشتري بخمسة التفاوت إلى البائع.

(1) أي: فرجع المالك على المشتري بالتفاوت بين واجد الوصف و فاقده.

(2) جواب الشرط في قوله: «فإن كان».

(3) تعليل لرجوع المشتري على البائع، و حاصله: أنّ المشتري لم يقدم على ضمان ما يغرمه بإزاء الأوصاف حتى لا يرجع على البائع، و إنّما أقدم على ضمان الثمن الذي هو بإزاء العين دون الأوصاف.

(4) أي: ما يغرمه بإزاء الأوصاف.

(5) الغرض من هذا الكلام تعيين مورد رجوع المشتري إلى البائع الفضول بالغرامات التي اغترمها للمالك، في تمام الأقسام، سواء أ كانت الغرامة في قبال الثمن، أو ما استوفاه من منفعة، أو ما لم ينتفع به، أو في قبال فوات الوصف.

و محصل ما أفاده في ذلك: أن مورد رجوع المشتري إلى البائع بالغرامات هو البيع الذي يكون فساده من ناحية عدم مالكية البائع للمبيع، و عدم إذن المالك في البيع حتى

______________________________

لكن الحق عدم تقسيط الثمن على الأوصاف مطلقا حتى وصف الصحة، و لذا ذكروا أنّ الأرش في مورد خيار العيب ليس جزءا من الثمن، و إنّما هي غرامة على البائع.

و بالجملة: فالأوصاف مطلقا- و إن كانت دخيلة في الصحة- لا يقسّط عليها الثمن، و غراماتها تكون على البائع، لعدم إقدام المشتري عليها.

ص: 565

البيع المذكور (1) صحيحا من غير جهة كون البائع غير مالك. أمّا لو كان فاسدا من جهة أخرى (2) فلا رجوع على البائع، لأنّ (3) الغرامة لم تجي ء من تغرير البائع في دعوى الملكيّة، و إنّما جاءت من جهة فساد البيع. فلو (4) فرضنا البائع صادقا في دعواه لم تزل الغرامة، غاية الأمر كون المغروم له (5) هو البائع (6) على تقدير الصدق، و المالك على تقدير كذبه، فحكمه (7) حكم نفس الثمن في التزام المشتري به على

______________________________

يتحقق غرور البائع الموجب لوقوع المشتري في الغرامات.

و أمّا إذا كان البيع في نفسه فاسدا- كمجهولية المبيع و عدم بلوغ أحد المتعاقدين و نحوهما- فلا يرجع المشتري في الغرامات إلى البائع، لعدم تسبب تلك الغرامات عن تغرير البائع و كذب دعوى مالكيته للمبيع. فلو باع الفضولي متاعا مجهولا غير موصوف حين العقد- بوصف رافع للجهالة- و استولت عليه يد المشتري، و تلف عنده، و رجع المالك بقيمته السوقية عليه، لم يرجع المشتري بشي ء من الغرامات على البائع.

(1) و هو بيع الفضول صحيحا أي جامعا للشرائط عدا مالكية البائع.

(2) أي: غير مالكية البائع. و مثال هذا الغير فقد بعض شرائط العوضين.

(3) تعليل لعدم رجوع المشتري إلى البائع بالغرامات، و حاصله: عدم تسبب الغرامات عن تغرير البائع، كما مر آنفا بقولنا: «لعدم تسبب تلك الغرامات عن تغرير ..».

(4) هذا متفرع على كون الغرامة ناشئة من فساد البيع، و حاصله: أنّ البائع لو كان صادقا في ادّعاء ملكية المبيع له، و كان فساد البيع لجهالة المبيع مثلا- كما إذا باع المالك متاعا مجهولا بعشرين، و كانت قيمته حال البيع ثلاثين، و تلف عند المشتري، ثم ظهر فساد البيع لجهالة المبيع- لم ترتفع الغرامة عن المشتري. بل عليه إمّا أن يدفع إلى البائع المالك الثلاثين، و يستردّ الثمن المسمّى، لأنّه مع فرض بطلان البيع لم يخرج الثمن عن ملك المشتري. و إمّا أن يدفع الثلاثين إلى مالك المتاع على تقدير كذب البائع.

(5) و هو الذي يدفع إليه الغرامة من البائع إن كان صادقا في دعوى ملكية المبيع له، أو المالك إن كان البائع كاذبا في دعوى الملكية.

(6) خبر «كون»، و قوله: «المالك» معطوف على «البائع».

(7) أي: حكم الغرامات التي يغترمها المشتري للمالك- و هو البائع على تقدير

ص: 566

تقديري صدق البائع و كذبه.

ثم إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا (1) أنّ كلّ ما يرجع المشتري به على البائع إذا رجع عليه، فلا يرجع (2) البائع به (3) على المشتري إذا رجع عليه، لأنّ (4) المفروض قرار الضمان على البائع.

و أمّا (5) ما لا يرجع المشتري به على البائع كمساوي الثمن من القيمة،

______________________________

صدق دعوى الملكية له، أو غيره على تقدير كذبها في صورة كون فساد البيع لجهة أخرى غير الفضولية- حكم نفس الثمن الذي يلتزم المشتري بمقتضى الضمان المعاوضي بدفعه مطلقا، من غير فرق في ذلك بين صدق البائع في دعواه و كذبه فيها.

(1) أي: و قد ظهر ممّا ذكرنا- من أن كل ما يغترمه المشتري للمالك ممّا كان بإزاء العين، كزيادة قيمتها السوقية على الثمن المسمى في عقد الفضول، أو بإزاء المنافع المستوفاة، أو غير المستوفاة، أو بإزاء الأجزاء أو الأوصاف، و يرجع به إلى البائع لقاعدة الغرور- أنّ قرار الضمان على البائع، فإذا رجع المالك على المشتري بالغرامات رجع المشتري بها على البائع. و إذا رجع المالك على البائع لم يرجع البائع على المشتري.

(2) خبر «أنّ كلّ» و دخول الفاء عليه لتضمّنه معنى الشرط.

(3) هذا الضمير و ضمير «به» المتقدم راجعان إلى الموصول المراد به الغرامة.

(4) تعليل لعدم رجوع البائع على المشتري، و محصل التعليل هو: تغرير البائع، و قاعدة الغرور تقتضي قرار الضمان على الغارّ، و هو البائع.

(5) هذا في مقابل قوله: «انّ كل ما يرجع المشتري به على البائع» و حاصله: أنّ هنا موردا لا يرجع المشتري فيه على البائع، بل يرجع البائع فيه على المشتري، و هو ما إذا باع الفضولي مال غيره بعشرين دينارا مثلا، مع كون قيمته السوقية ثلاثين دينارا، و تلف ذلك المال عند المشتري، فرجع المالك إلى البائع، و أخذ منه ثلاثين دينارا بدلا عن المبيع التالف، فإنّ البائع يرجع حينئذ إلى المشتري، و يأخذ منه مقدار الثمن المسمّى، و هو العشرون من القيمة الواقعية للمبيع، و لا يأخذ العشرة الزائدة على الثمن المسمّى، لأنّ هذه الزيادة ناشئة عن تغرير البائع، فضمانها عليه لا على المشتري.

ص: 567

فيرجع (1) البائع به على المشتري إذا غرمه للمالك (2). و الوجه في ذلك (3) حصول التلف في يده.

فإن قلت (4): إنّ كلّا من البائع و المشتري يتساويان في حصول العين في يدهما العادية التي هي سبب الضمان، و حصول (5) التلف في يد المشتري لا دليل

______________________________

(1) هذا جواب «و أمّا» و ضمير «به» راجع إلى «ما» الموصول في قوله: و أمّا ما لا يرجع.

(2) بأن رجع إليه المالك، و أخذ منه القيمة الواقعية و هي الثلاثون.

________________________________________

(3) أي: في رجوع البائع على المشتري بمساوئ الثمن، و حاصل هذا الوجه: أنّ قرار الضمان على المشتري، لحصول التلف في يده، و عدم جريان قاعدة الغرور فيه.

(4) الغرض من هذا الإشكال إثبات الضمان على البائع، و عدم كون المشتري ملزما بدفع ما ساوى الثمن- من القيمة الواقعية للمبيع- إلى البائع. و محصله: أنّ علّة الضمان- و هي اليد العدوانية- مشتركة بين البائع و المشتري، و لذا يجوز الرجوع للمالك، إلى أيّهما شاء. و يبقى وجه رجوع البائع إلى المشتري في صورة رجوع المالك إلى البائع، حيث إنّه لا دليل على كون تلف المال بيد المشتري موجبا لرجوع البائع عليه.

و بعبارة أخرى: هذا الاشكال ناظر إلى استبعاد ضمان الأيدي المتعاقبة لمضمون واحد، مع أنّ العين الواحدة لو تلفت لها بدل واحد مثلا أو قيمة، فكيف تستقر في ذمم أشخاص وضعوا أيديهم عليها؟ و مع فرض تعدد الضامن ما الوجه في استقرار الضمان على من تلفت عنده العين؟ حتى يجوز لغير من تلفت عنده الرجوع عليه لو طالب المالك البدل ممّن لم تتلف عنده.

(5) اختلفت نسخ الكتاب في ضبط هذه الجملة، ففي نسختنا المصححة «و حصول التلف في يد المشتري لا دليل ..» فبناء على هذا يكون «حصول التلف» مبتدء، و خبره «لا دليل». و قريب منها ما في بعض النسخ من قوله: «و حصول التلف في يد المشتري لا وجه له، و لا دليل ..» حيث يكون «و حصول» مبتدء، و خبره «لا وجه له» و جملة «لا دليل» إشارة إلى الدليل.

و لكن في بعض النسخ «و حصول .. و لا دليل» إذ يتعيّن قراءته بالجرّ معطوفا

ص: 568

على كونه سببا لرجوع البائع عليه (1).

نعم (2) لو أتلف بفعله رجع (3)، لكونه سببا لتنجّز الضمان على السابق (4).

[كيفية ضمان ذمم متعددة لمال واحد]

قلت (5): توضيح ذلك (6) يحتاج إلى الكشف عن كيفيّة اشتغال ذمّة كلّ من

______________________________

على «حصول العين». و على كلّ لا يختلف مفاد العبارة باختلاف النسخ، فلاحظ.

(1) أي: على المشتري، و ضمير «كونه» راجع إلى حصول التلف بيد المشتري.

(2) استدراك على قوله: «و حصول التلف .. لا دليل» و حاصله: أنّه إذا أتلف المشتري المبيع بفعله، اتّجه رجوع البائع عليه فيما إذا دفع بدل المبيع التالف إلى المالك، و ذلك لأنّ إتلاف المشتري للمبيع كما أنّه إتلاف العين على المالك، كذلك إتلاف للغرامة الثابتة على البائع بسبب يده العادية.

ففرق بين التلف و الإتلاف، حيث إنّ الأوّل لا يوجب رجوع البائع على المشتري، بخلاف الإتلاف، فإنّه يوجب رجوع البائع عليه في مساوي الثمن، لأنّه إتلاف للغرامة و سبب لتنجز الضمان على البائع، إذ لو لم يتلفها المشتري لم يتنجّز ضمان على البائع، لإمكان ردّ العين حينئذ إلى المالك. فإتلافها سبب فعلية ضمان السابق، فجاز له الرجوع على المشتري من جهة هذا التسبيب.

و عليه فالضمان اليدي و إن كان متحققا فيهما، إلّا أنّ على المشتري ضمانا بسبب الإتلاف أيضا، فيستقر الضمان عليه.

(3) أي: رجع البائع على المشتري، و ضمير «لكونه» راجع إلى إتلاف المشتري.

(4) و هو البائع.

كيفية ضمان ذمم متعددة لمال واحد

(5) هذا دفع الاشكال المذكور بقوله: «فان قلت» و الغرض من هذا الدفع إثبات رجوع البائع إلى المشتري، و بيان وجه رجوعه إليه.

(6) أي: وجه رجوع البائع إلى المشتري، و توضيح وجهه يحتاج إلى بيان كيفية اشتغال ذمّة كل من البائع و المشتري ببدل التالف، فينبغي التكلم في جهات:

ص: 569

اليدين ببدل التالف، و صيرورته في عهدة كلّ منهما، مع أنّ الشي ء الواحد لا يقبل (1) [لا يعقل] الاستقرار إلّا في ذمّة واحدة، و أنّ (2) الموصول في قوله عليه السّلام:

«على اليد ما أخذت» شي ء واحد كيف يكون على كلّ واحدة من الأيادي المتعدّدة؟

______________________________

الاولى: أنّه هل يعقل ضمان شخصين أو أكثر في آن واحد لمال واحد بالاستقلال، بحيث تكون عهدة كلّ منهما أو منها ظرفا للمال مع الغضّ عن الأخرى، كالتكاليف الاستقلالية في العامّ الاستغراقي، أم لا؟

لا ينبغي الإشكال في امتناع ذلك و عدم معقوليته، لأنّ الذمة في وعاء الاعتبار كالأين الخارجي، فكما لا يعقل استقرار شي ء خارجي- ككتاب و نحوه- في زمان واحد في مكانين، فكذلك لا يعقل استقرار مال في ذمة شخص و استقراره في ذمة شخص آخر في آن واحد. و هذا هو الضمان العرضي الذي يقول به أكثر علماء العامة في ضمان الدين عن المديون، لبنائهم على أن الضمان ضمّ ذمة إلى ذمّة أخرى، لا نقل الدّين عن ذمة المديون إلى ذمة الضامن كما يقول به الخاصة و بعض العامة.

و بالجملة: فالضمان العرضي غير معقول.

الجهة الثانية: أنّه بناء على عدم معقولية الضمان العرضي ثبوتا لا محيص عن التصرف في الأدلة إذا كانت ظاهرة في إمكان الضمان العرضي في مرحلة الإثبات، بحملها على الضمان الطولي.

(1) أشار بهذا إلى الجهة الاولى، و هي مقام الثبوت، الذي هو عدم معقولية الضمان العرضي.

(2) بيان لوجه امتناع اشتغال ذمم متعددة بإبدال لمبدل واحد، و محصله: أنّ دليل الضمان في المقام وضع اليد على مال الغير بدون رضاه، و من المعلوم أنّ المراد بالموصول في «ما أخذت» هو المبيع الشخصي الواحد التالف بيد المشتري مثلا. و لا ريب في اقتضاء وحدة المبدل التالف وحدة البدل، إذ ليس للواحد إلّا بدل واحد، فكيف يتعدد هذا الواحد باستقراره في ذمم متعددة؟

و قد أفادوا لحلّ هذا الاشكال وجوها، و المذكور منها في المتن اثنان، أحدهما ما اختاره المصنف قدّس سرّه، و الآخر ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه، و سيأتي توضيح كل منهما.

ص: 570

فنقول (1): معنى كون العين المأخوذة على اليد كون عهدتها و دركها بعد التلف عليه (2)، فإذا فرضت أيد متعدّدة تكون العين الواحدة في عهدة كلّ من الأيادي، لكن ثبوت الشي ء الواحد في العهدات المتعدّدة معناه (3) لزوم خروج كلّ منها عن العهدة عند تلفه. و حيث (4) إنّ الواجب هو تدارك الفائت الذي يحصل ببدل واحد لا أزيد، كان معناه تسلّط المالك على مطالبة كلّ منهم بالخروج (5) [الخروج] عن العهدة عند تلفه، فهو (6) يملك ما في ذمّة كلّ منهم على البدل، بمعنى أنّه إذا استوفى أحدها سقط الباقي [إذا استوفى من أحدهم سقط من الباقي] لخروج الباقي (7) عن كونه [كونها] تداركا، لأنّ المتدارك لا يتدارك.

______________________________

(1) هذا تقريب ضمان الأيدي المتعاقبة للمبيع التالف عند بعض الأيدي، و حاصله:

تعهّد كل واحد منهم بتدارك التالف ببدله بمجرّد وضع اليد عليه. لكن لا بدّ من الجمع بين هذا و بين ما يدلّ عليه «على اليد» من اقتضاء وحدة المبدل وحدة بدله.

(2) أي: على ذي اليد، و إلّا كان المناسب تأنيث الضمير، لرجوعه إلى اليد.

(3) أي: معنى ثبوت الشي ء الواحد في العهدات المتعددة هو لزوم .. إلخ.

(4) هذا شروع في الجهة الثالثة، و هي حكم المالك مع الضامنين، أعني به جواز مطالبة المالك كلّ واحد من الضامنين.

(5) متعلق ب- «مطالبة» و بناء على ما في بعض النسخ من قوله: «الخروج» فهو مفعول ثان للمطالبة.

(6) أي: المالك، و قوله: «فهو» نتيجة قوله: «و حيث إنّ الواجب» و حاصله: أنّه- بناء على كون الواجب تدارك الفائت ببدل واحد- يكون لازمه مالكية المالك لما في ذمة كلّ واحد من الضامنين على البدل لا على الاستقلال، و إلّا يلزم أن يكون لشي ء واحد أبدال متعددة، مع كون المبدل المتدارك واحدا.

(7) أي: باقي الأبدال، فإنّ حصول تدارك الفائت ببدل واحد يقتضي سقوط وجوب التدارك عن باقي الضامنين، لحصول التدارك بواحد من الأبدال، و لا يتدارك المبدل المتدارك ثانيا. و لا يتصف ما عدا البدل- الذي حصل به التدارك- بكونه تداركا للفائت.

ص: 571

و الوجه (1) في سقوط حقّه بدفع بعضهم عن الباقي أنّ مطالبته (2) ما دام لم يصل إليه المبدل و لا بدله، فأيّهما (3) [فأيّها] حصل في يده لم يبق له استحقاق بدله، فلو بقي شي ء له (4) في ذمّة واحد [واحدة] لم يكن بعنوان البدليّة، و المفروض عدم ثبوته بعنوان آخر.

و يتحقّق ممّا ذكرنا (5) أنّ المالك إنّما يملك البدل على سبيل البدليّة، و يستحيل اتّصاف شي ء منها (6) بالبدليّة بعد صيرورة أحدها بدلا عن التالف واصلا إلى المالك.

و يمكن أن يكون نظير ذلك (7) ضمان المال على طريقة الجمهور، حيث إنّه ضمّ

______________________________

(1) محصّل هذا الوجه: انتفاء موضوع المطالبة، و هو عدم وصول ماله من المبدل و البدل إليه، فللمالك استحقاق المطالبة ما لم يصل إليه شي ء من المبدل و بدله. فإذا وصل إليه أحدهما فلا يبقى موضوع لاستحقاق المطالبة. فلو بقي شي ء له في ذمة شخص لم يكن ذلك بعنوان البدلية، و المفروض أنّه لم يثبت شي ء للمالك في الذمم إلّا بعنوان البدلية.

(2) أي: مطالبة المالك منوطة بعدم وصول المبدل و بدله إليه، فقوله: «ما دام ..»

خبر «أن مطالبته» و هي خبر «و الوجه».

(3) الضمير راجع إلى المبدل و البدل. و بناء على نسخة «فأيّها» فالضمير راجع إلى الأبدال المستفاد من العبارة.

(4) أي: للمالك، و حاصله: أنّه لو بقي شي ء للمالك في ذمة شخص لم يكن ذلك بعنوان البدليّة.

(5) أي: يظهر- من كون المالك مالكا لما في ذمّة كلّ منهم على البدل- أنّ المالك إنّما يملك البدل على سبيل البدلية، و من المعلوم استحالة اتّصاف شي ء بالبدلية بعد صيرورة أحد الأبدال بدلا عن التالف واصلا إلى المالك، فلا يبقى حينئذ مجال لاتّصاف غيره بالبدلية بعد فرض أنّه ليس لمبدل واحد إلّا بدل واحد.

(6) أي: من الأبدال.

(7) أي: ثبوت شي ء واحد في ذمم و عهدات متعددة. و قوله: «و يمكن» إشارة إلى إشكال و دفعه.

أمّا الإشكال فهو: أنّه لا دليل على شغل ذمم عديدة بمال واحد حتى في تعاقب

ص: 572

ذمّة إلى ذمّة أخرى. و ضمان (1) عهدة العوضين لكلّ من البائع و المشتري

______________________________

الأيدي الغاصبة، حيث إنّ الذمة المشغولة بالمغصوب واحدة، و هي ذمّة من تلف المال بيده، و إن جاز للمالك الرّجوع إلى كلّ واحد من الغاصبين.

و هذا الإشكال من صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث إنّه ذهب تارة إلى امتناع ضمان ذمّتين لمال واحد ثبوتا كما في كتاب الضمان في الإيراد على كلام الجمهور من كون الضمان ضمّ ذمة إلى ذمة أخرى «1». و اخرى إلى امتناعه إثباتا بمعنى عدم الدليل على ذلك «2».

و المقصود فعلا ما أفاده في منع تصور ضمان شخصين لمال واحد. و سيأتي في (ص 591) نقل كلامه في جواز مطالبة البدل من كلّ واحد من الضمناء.

و أمّا دفع الاشكال فهو ما أفاده المصنف بقوله: «و يمكن» و غرضه الاستشهاد بموارد أربعة على إمكان شغل ذمم متعدّدة بشي ء واحد، و عدم استحالته.

فالمورد الأوّل: ضمان الدين، على مذهب العامة القائلين بأنّ الضمان ضمّ ذمة الضامن إلى ذمة المديون- لا نقل ما في ذمة إلى ذمة أخرى- فيكون الدين في ذمّتي المديون و الضامن. بخلاف الضمان عند الخاصة، فإنّه عندهم نقل الدين عن ذمة المديون إلى ذمة الضامن.

(1) معطوف على «ضمان المال» و هذا إشارة إلى المورد الثاني، و هو ضمان عهدة العوضين لكلّ من البائع و المشتري. كما إذا ضمن شخص للبائع عهدة الثمن عند ظهور كون الثمن لغير المشتري، أو انكشاف بطلان البيع، و ضمن للمشتري عن البائع عهدة المبيع إن ظهر كونه للغير، أو انكشف بطلان البيع، فحينئذ تجتمع ذمّتان: إحداهما ذمّة الضامن، و الأخرى ذمّة البائع، أو ذمّة المشتري، مع وحدة المال المضمون به، فيجوز للبائع الرجوع إلى الضامن و إلى المشتري. و كذا يجوز للمشتري الرجوع إلى الضامن و إلى البائع.

و بالجملة: تشتغل ذمّتان لمال واحد.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 26، ص 113

(2) جواهر الكلام، ج 37، ص 34

ص: 573

«عندنا» (1) كما في الإيضاح.

و ضمان (2) الأعيان المضمونة على ما استقربه في التذكرة،

______________________________

(1) هذه الكلمة ظاهرة في إجماع الإمامية على صحّة ضمان العهدة لكلّ من البائع و المشتري. و لكن لم أظفر بكلمة «عندنا» في ضمان الإيضاح، و لم ينقله عنه في مفتاح الكرامة و الجواهر «1»، و إنّما هو موجود في التذكرة في مسألة ما لو باع شيئا، فخرج المبيع مستحقا لغير البائع، حيث يجب على البائع ردّ الثمن، فقال: «و إن ضمن عنه ضامن ليرجع المشتري عليه بالثمن لو خرج مستحقا فهو ضمان العهدة، و يسمّى أيضا ضمان الدرك .. و هذا الضمان عندنا صحيح إن كان البائع قد قبض الثمن ..» «2».

و لعلّ المصنف أتّكل في نسبة الإجماع إلى فخر الدين على كلام شيخه في المناهل، حيث قال في الأمور التي نبّه عليها في ضمان العهدة: «هل هذا القسم ناقل أيضا، أو لا، بل هو ضمّ ذمّة، إلى ذمّة صرّح بالأوّل في التحرير .. و صرّح بالثاني في الإيضاح و التنقيح، و هو ظاهر مجمع الفائدة، بل نبّه الأوّل على دعوى الاتفاق عليه، قائلا: ضمان العهدة ضمّ عندهم» «3».

(2) معطوف على «ضمان» و هذا ثالث الموارد المشار إليها، و هو ضمان الأعيان المضمونة، كما إذا ضمن شخص لمستعير الذهب و الفضة، فإنّه يجتمع هنا ذمّتان مشغولتان بمال واحد، فيجوز للمالك المعير الرجوع إلى كلّ من المستعير و الضامن.

و تقييد الأعيان ب- «المضمونة» لإخراج غير المضمونة، كالأمانات من الوديعة و عارية غير الذهب و الفضة، و مال المضاربة و الشركة، و المال في يد الوكيل، و نحوها، لدعوى الاتفاق على عدم جواز ضمانها، لكونه من ضمان ما لم يجب.

و لضمان الأعيان المضمونة- كما أفاده العلّامة قدّس سرّه في التذكرة- صورتان:

الاولى: أن يضمن وجوب ردّها إلى المالك إن كانت باقية.

______________________________

(1) لاحظ: مفتاح الكرامة، ج 5، ص 373، جواهر الكلام، ج 26، ص 135

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 91، السطر 34

(3) المناهل، ص 139، السطر 2- 5

ص: 574

و قوّاه (1) في الإيضاح و ضمان (2) [1] الاثنين لواحد، كما اختاره ابن حمزة.

______________________________

الثانية: أن يضمن ردّ قيمتها إليه لو تلفت بيد المضمون عنه. و قال بصحة كلتا الصورتين، فراجع «1».

(1) هذه النسبة كسابقتها مما لم أظفر بها في الإيضاح، بل كلامه في هذه المسألة ظاهر في خلاف النسبة، حيث إنّه- بعد بيان وجهي الإشكال المذكور في القواعد- قال:

«و الأصح أنّه لا يصحّ» «2». و كذا نقله السيد العاملي عنه، فراجع.

نعم استقرب العلّامة جواز هذا الضمان بقوله: «و في ضمان الأعيان المضمونة و العهدة إشكال، أقربه عندي جواز مطالبة كل من الضامن و المضمون عنه بالعين المغصوبة .. إلخ» «3».

(2) معطوف على «ضمان» و هذا رابع الموارد، و هو ضمان شخصين لواحد، كما إذا ضمن شخصان دين مديون، فإنّ ذمّتها تشتغل بدينه، فيجوز للدائن الرجوع إلى أيّ منهما شاء.

______________________________

[1] إن أريد ضمانهما دفعة و في زمان واحد- بأن يكون كلّ منهما ضامنا بالاستقلال- فهو ممتنع، و لا يشمله دليل مشروعية الضمان. و إن أريد ضمانهما على التعاقب كان الضمان الثاني باطلا، لأنّه بالضمان الأوّل لا يبقى شي ء في ذمة المديون حتى يضمنه الضامن الثاني.

و على هذا لا يتحقق ضمان الاثنين لواحد مطلقا، من غير فرق في ذلك بين الدفعي و التعاقبي. فما عن العلامة قدّس سرّه في درسه من نفي المنع عن ضمان الاثنين على وجه الاستقلال لا يخلو من غموض.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 90، السطر 29 و 35

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 85، مفتاح الكرامة، ج 5، ص 372

(3) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 92، السطر 24

ص: 575

و قد حكى فخر الدين و الشهيد عن العلّامة في درسه: أنّه نفى المنع عن ضمان الاثنين على وجه الاستقلال (1).

______________________________

(1) بأن يضمن كلّ من الشخصين للدائن ماله الذي في ذمة المديون في عرض الآخر، لا في طوله بأن يكون أحدهما ضامنا للمالك، و الآخر ضامنا للضامن.

و الأقوال في هذه المسألة ثلاثة، و استشهاد المصنف قدّس سرّه مبني على قول ابن حمزة الذي نفى العلّامة قدّس سرّه بعده. و لا بأس بتوضيح أصل المسألة- على ما ذكره السيد العاملي قدّس سرّه- ثم الإشارة إلى الأقوال، فنقول و به نستعين:

إنّ ضمان الاثنين لما في ذمة شخص- كالدّين المستقر في عهدة زيد لعمرو- إمّا أن يكون على التعاقب، بأن يضمنه بكر في الساعة الاولى، و بشر في الساعة الثانية. و إمّا أن يكون دفعة.

فعلى الأوّل ينفرد أحدهما بكونه ضامنا، و هو من رضي المضمون له بضمانه، سواء أ كان هو السابق أو اللاحق، و يبطل ضمان الآخر. كأن يقول: «رضيت بضمان بشر مثلا» و لو قال: «رضيت بضمان كلّ واحد منكما» كان الضامن هو الأوّل، لأنّ رضاه بضمان كل واحد يوجب انتقال المال إلى من تعهّد أوّلا، فلا يبقى موضوع لضمان الثاني.

و على الثاني- و هو كون الضمانين دفعيّا- فإن قال المضمون له: «رضيت بضمان بكر مثلا» انتقل كل المال إلى ذمّته، و بطل ضمان الآخر. و إن قال: «رضيت بضمانكما» كان هو مورد البحث، و فيه أقوال ثلاثة:

الأوّل: قول أبي علي ابن الجنيد، و هو تقسيط المال على الضامنين، فيضمن- في المثال- كل واحد منهما نصف المال.

الثاني: التخيير في مطالبة من شاء منهما، و مطالبتهما معا، و يسمّى ضمان الاشتراك و الانفراد معا، و قد جزموا به في باب الديات في ما إذا قال: «ألق متاعك، و على كلّ واحد منّا ضمانه»، و هو قول ابن حمزة في المقام. و يكون المضمون له بالخيار في مطالبة المال من أيّهما شاء على الانفراد، و على الاجتماع «1».

______________________________

(1) الوسيلة، ص 281

ص: 576

قال (1): «و نظيره في العبادات: الواجب الكفائي [1]، و في الأموال (2): الغاصب من الغاصب».

هذا (3) حال المالك بالنسبة إلى ذوي الأيدي [2].

______________________________

و هذا القول مورد استشهاد المصنف على اشتغال ذمم متعددة بمال واحد. و انتصر العلّامة قدّس سرّه له بنظيرين:

أحدهما: الحكم التكليفي، و هو الواجب الكفائي، حيث إنّ المخاطب بالتكليف عامّة المكلفين، و يسقط بامتثال أحدهم.

و ثانيهما: الحكم الوضعي، و هو ضمان الغاصب من الغاصب.

القول الثالث: البطلان، و هو قول معظم الأصحاب كما في الإيضاح «1».

(1) يعني: قال العلامة قدّس سرّه: و نظيره- أي: و نظير ضمان الاثنين بنحو الاستقلال- الواجب الكفائي في العبادات كغسل الميت و صلاته، فإنّه يجب على كل واحد من المكلّفين القيام بأمور الميّت، و لكن يسقط الوجوب بقيام بعض عن الآخرين.

(2) يعني: و نظير ضمان الاثنين عن واحد على وجه الاستقلال- في الأموال- ضمان الغاصب من الغاصب، كما إذا غصب زيد مالا من عمرو، ثم غصب بكر ذلك المال من زيد، فحينئذ تشتغل كلتا ذمتي الغاصبين لشخص واحد- و هو عمرو- بمال واحد.

(3) أي: ما ذكرناه من قولنا: «قلت: توضيح ذلك» هو حال المالك بالنسبة إلى البائع الفضول و المشتري من الأيدي المستولية على مال المالك الذي بيع فضولا.

______________________________

[1] يشكل هذا النظير بأنّ لازمه استحقاق المالك لجميع الأبدال إذا دفعت إليه في آن واحد، كامتثال الجميع في صورة إتيانهم بالواجب الكفائي دفعة واحدة، مع القطع بعدم استحقاق المالك إلّا لبدل واحد من تلك الأبدال، و تعيينه بالقرعة.

[2] ينبغي لتحقيق حال المالك بالنسبة إلى ذوي الأيدي التعرض لمقامين:

الأوّل الثبوت، و الثاني الإثبات.

______________________________

(1) الحاكي لكلامي الفخر و الشهيد من النسبة إلى مجلس درس العلامة هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 5، ص 393، و لاحظ إيضاح الفوائد، ج 2، ص 89، جامع المقاصد، ج 5، ص 341

ص: 577

______________________________

أمّا المقام الأوّل ففي بيان محتملات دليل الضمان، و هو «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».

أوّلها: أن يراد به خصوص الغاصب الذي أخذ المال بلا واسطة من الغاصبين، فللمالك أن يرجع إلى مبدء سلسلة الغاصبين، دون غيره منهم.

و يمكن استظهار ذلك من كلمة «حتى تؤدي» لرجوع الضمير المستتر في «تؤدّي» إلى اليد، فمعناه حينئذ: على اليد ما أخذت حتى تؤدّي تلك اليد المستولية ما أخذته. و ظاهر الإسناد إلى اليد هو خصوص اليد المستولية مباشرة على المال.

ثانيها: ضمان جميع الأيدي المستولية على المال لشخص المالك فقط، فله الرجوع إلى كلّ منهم، و ليس لأحد منهم الرجوع إلى بعضهم، لعدم ضمانهم بالنسبة إلى أنفسهم، و إنّما ضمانهم بالنسبة إلى شخص المالك دون غيره.

و يمكن استظهار هذا الوجه من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «حتى تؤدّيه» لأنّ التأدية لا بدّ أن تكون إلى من أخذ منه المال حقيقة أو حكما، لأنّ الكلام في أخذ مال الغير لا في المباحات الأصلية، فلا بدّ أن يكون التأدية إلى من أخذ منه المال، أو من هو بمنزلته. فإذا ردّ المال إلى غير المأخوذ منه لم تصدق التأدية.

ثالثها: أن يراد به ضمان كلّ آخذ لمن أخذ المال منه، فالمالك يرجع الى مبدء السلسلة فقط، و هو يرجع إلى الآخذ الثاني، و هو إلى الثالث، و هو إلى الرابع، و هكذا.

و هنا احتمالات اخرى، و لكن المهمّ الاستظهار من الدليل كما سيأتي.

و أمّا المقام الثاني- و هو مقام الإثبات بحسب فهم العرف- فنقول: إنّ النبوي المذكور في مقام بيان حكم اليد الآخذة، و الظاهر أنّ للنبوي إطلاقا بالنسبة إلى كلّ آخذ بأيّ نحو حصل، سواء أ كان الأخذ من المالك بلا واسطة أم معها، و سواء أ كان الآخذ بائعا صورة أم مشتريا، فالآخذ مطلقا يكون ضامنا للمالك.

و بالجملة: فضمان كل آخذ للمالك- بمعنى جواز رجوع المالك إلى كل من استولى على ماله- ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

و إنّما الكلام في تضمين بعض الضمناء لبعضهم، كأن يكون الضامن الثاني ضامنا

ص: 578

______________________________

لما ضمنه الضامن الأوّل، و الضامن الثالث ضامنا لما ضمنه الغاصب الثاني، و هكذا، كما هو المشهور في الأيدي المتعاقبة، بأن يقال: إنّ الضامن الأوّل ضامن للمالك قيمة ماله، و الضامن الثاني ضامن للضامن الأوّل ما ضمنه للمالك، فعليه تدارك ضمان الضامن على تقدير وقوع الخسارة عليه. و الضامن الثالث ضامن للثاني ما ضمنه للأوّل الذي هو ضامن للمالك.

و الحاصل: أنّ المشهور- على ما قيل- جواز رجوع المالك على كلّ واحد من الضمناء، و رجوع كلّ سابق منهم إلى لاحقه لو لم يكن مغرورا من سابقه. و دليل كل ذلك هو النبوي المشهور «على اليد ما أخذت حتى تؤدي».

أمّا رجوع المالك إلى كلّ واحد من الضمناء، فلأنّ يد كلّ منهم على مال المالك عادية، و ذلك بمقتضى عموم أو إطلاق «على اليد» سبب للضمان.

و أمّا ضمان بعضهم بالنسبة إلى بعضهم الآخر فلأنّ الضامن الثاني أخذ المال من الضامن الأول بما كان له من الخصوصية، و هي كونه مضمونا على الضامن الأوّل. و كذا من بعده من الضامن الثالث و الرابع، فإنّ كلّا منهم استولى على مال المالك بوصف كونه مضمونا على سابقه، و لذا يرجع السابق على اللاحق إذا رجع المالك على السابق، و أخذ المال منه، إن لم يكن السابق غارّا، و إلّا فليس له الرجوع إلى اللّاحق. فإنّ الحكم يثبت لموضوعه بخصوصيته، و المفروض أنّ كل لاحق أخذ المال من سابقه بخصوصية كونه مضمونا على سابقه، فإنّه مقتضى انحلال «على اليد» إلى قضايا متعددة على حسب تعدد الموضوعات. و هذا معنى طولية الضمانات.

و تجريد الموضوع عن الخصوصية منوط بالدليل، و هو مفقود.

مضافا إلى: أنّ تجريده عنها مستلزم لعرضية الضمانات، و قد تقدم امتناعها.

و هذا بخلاف ضمان الضامن الأوّل الذي أخذ المال من المالك، فإنّه ضامن له من دون خصوصية كونه مضمونا على أحد، بل هو ضامن للمال مجرّدا عن هذه الخصوصية.

و الحاصل: أنّ دليل الضمان- و هو قاعدة اليد- يثبت كلا الأمرين، و هما: جواز رجوع المالك إلى كل واحد من الضمناء، لوقوع ماله تحت يد كلّ واحد منهم. و جواز رجوع كل

ص: 579

______________________________

سابق منهم إلى لاحقه، لوقوع المال تحت يده مضمونا على السابق، فيجتمع ضمانات الضمناء طولا في زمان واحد مع وحدة المرتبة، و هي التلف.

لكن الحق أنّ التلف الموجب للضمان علّة لضمان جميع ذوي الأيدي العادية لبدل مال المالك، فجميع هؤلاء يضمن بدل العين بسبب التلف للمالك طولا، لا عرضا حتى يلزم المحال. و لا وجه لمراعاة خصوصية كونه مضمونا على السابق بعد كون كل واحد من ذوي الأيدي- بمقتضى انحلال عموم «على اليد»- مشمولا لقاعدة اليد، فإنّ كل خصوصية من خصوصيات المال ليست مضمونة على ذي اليد العادية، بل خصوص الأوصاف الدخيلة في ماليّة المال، و المضمون على الأيدي اللّاحقة نفس بدل مال المالك، لا البدل الموصوف بكونه مضمونا على السابق، فإنّ هذا الوصف من الأوصاف التي لا يضمنها الضامن، و لا يتوقف ضمان اللّاحق على اعتبار كون المال مضمونا على السابق، إذ ليس هذا الوصف موجبا لازدياد المالية.

و الحاصل: أنّ الضمان معلّق على تلف العين، لأنّه مع بقاء العين لا ضمان، إذ اللازم حينئذ وجوب ردّ العين إلى المالك. و لا ضمان على أحد، لأنّ الضمان- بمعنى تدارك الخسارة الواردة على المالك- لا يتصوّر مع بقاء العين، إذ لا خسارة على المالك مع بقاء عين ماله، فإنّ عهدتها و دركها بعد التلف، كما أفاده المصنف قدّس سرّه في (ص 571) بقوله: «معنى كون العين المأخوذة على اليد كون عهدتها و دركها بعد التلف عليه» و في (ص 494) بقوله:

«الضمان كون الشي ء في عهدة الضامن و خسارته عليه» فإنّهما يدلّان على كون الضمان جبران الخسارة الواردة على المال بسبب تلف ماله.

فعليه يكون ضمان كلّ من وقع المال تحت يده تعليقيا، و فعليته منوطة بالتلف.

فالجزء الأخير لعلّة الضمان للكلّ هو التلف. فكلّ واحد من الضامنين يضمن للمالك بدل ماله في رتبة واحدة، لا أنّ غير الضامن الأوّل يضمن ما ضمنه الضامن السابق، فإنّه بعيد عن أذهان العرف. فلا يكون «على اليد» ظاهرا فيه. بل ظاهره كون مال المالك بعهدة كلّ من ذوي الأيدي العادية.

ص: 580

______________________________

و قد تلخص ممّا ذكرناه أمور.

الأوّل: أنّ ضمان كلّ من الضامنين ممّن يجوز للمالك الرجوع إليه- و أخذ عين ماله أو بدله منه- لأجل وقوع يد كلّ منهم على ماله.

الثاني: جواز رجوع السابق إلى اللاحق، إذا دفع البدل إلى المالك إن لم يكن السابق غارّا له، و إلّا فليس له الرجوع إليه، لقاعدة الغرور. و ليس للّاحق الرجوع إلى السابق إذا دفع اللاحق البدل إلى المالك، لأنّ اللّاحق متعهد لما في ذمة السابق بعد وصول العين منه، دون العكس، فليتأمل.

(وجهه: ما ظهر من مطاوي البيانات السابقة من عدم كون اتصاف المال بعهدة الضامن السابق من الصفات الدخيلة في المالية حتى يكون مضمونا على الضامن اللّاحق).

مضافا إلى: عدم وقوع البدل تحت يد اللاحق حتى يضمنه للسابق، ضرورة أنّ البدل الثابت في ذمة السابق لم يقع في يد اللّاحق حتى يضمنه لأجل قاعدة اليد.

و مضافا إلى: عدم تقدم ضمان السابق على اللاحق، و ذلك لأنّ سبب الضمان- و هو التلف- بالنسبة إلى جميع الضمناء في رتبة واحدة، و لا تقدم لبعضها على الآخر حتى يجوز رجوع السابق إلى اللّاحق.

نعم يجوز لمن دفع البدل إلى المالك أن يرجع إلى من تلفت العين بيده، لأنّ قرار الضمان عليه، حيث إنّ بناء العقلاء على وقوع المعاوضة القهرية بين العين التالفة و بين البدل الذي يدفعه من تلف عنده المال. و هذا وجه استقرار الضمان عليه.

و أمّا رجوع بعض الضمناء إلى البعض الآخر- غير من تلف مال المالك عنده، بعد تساوي نسبة اليد العادية إلى جميع الضمناء- فلم يظهر له وجه. و مجرّد سبق بعضهم زمانا على الآخر في وضع اليد على عين مال الغير لا يجدي في جواز رجوع بعضهم على الآخر، إذ ليس ذلك مناطا للضمان، بل مناطه تلف العين كما مرّت الإشارة إليه. و هو يوجب ضمان الكلّ في رتبة واحدة لمالك العين التالفة من دون تقدم لأحدهم على الآخر. فقبل التلف لا ضمان على أحد ممّن وقعت يده على العين إلّا على نحو التعليق. و ثبوته غير معلّق منوط بالشرط المتأخر، لكنه بعد تسليم إمكانه غير ظاهر من أدلة الضمان.

ص: 581

______________________________

و الحاصل: أنّه أوّلا لأسبق و لا لحوق في الضمانات.

و ثانيا:- على فرض السبق و اللحوق- أنّ المضمون ليس المال بوصف كونه مضمونا على الضامن السابق، بل هذا الوصف عنوان مشير إلى ما هو الموضوع، لا أنّه دخيل في الموضوع.

فاتّضح أنّه لا وجه لرجوع بعض الضمناء إلى بعضهم إلّا إلى خصوص من تلف المال بيده. و أمّا إلى غيره فلا وجه له، فإنّ «على اليد» يثبت جواز رجوع المالك إلى أيّ واحد شاء من الغاصبين.

و أمّا رجوع بعض الغاصبين إلى البعض الآخر منهم، فلا يدل على ذلك، لأنّ المأخوذ- أو بدله- لا بدّ أن يؤدّى إلى مالكه، لا إلى غاصبه الآخر، فإنّ الغاصب ضامن للمالك لا لغاصب آخر، فإنّ نفس التأدية تدلّ على اعتبار كون المؤدى إليه هو المالك، لأنّ التأدية عبارة عن إيصال الحق إلى صاحبه، فإنّ أداء دين زيد لا يصدق إلّا على إيصاله إلى الدائن، لا إلى غيره من الأجانب.

الثالث: أنّ ضمان الغاصبين يكون بعد تلف العين كما أفاده المصنف في كلامه الذي نقلناه عنه آنفا، إذ مع بقاء العين لا خسارة على المالك، و المفروض أنّ الضمان عبارة عن تدارك الخسارة الواردة على المالك من ناحية تلف ماله، فضمان البدل مترتب على تلف المبدل، فالبدل طولي، لا عرضي كخصال كفارة إفطار صوم شهر رمضان، حيث إنّها أبدال عرضيّة.

فالغاصب مكلّف أوّلا بوجوب ردّ العين المضمونة إلى مالكها. فإنّ تلفت وجب عليه تسليم بدلها إليه. فالضمان بالنسبة إلى الجميع تعليقي، و فعليته منوطة بتلف العين.

و على فالتخيير بين دفع المبدل و البدل- كما هو ظاهر المتن- غير ظاهر، بل بدليّة بدل مال المالك طولية، نظير الكفارات المرتبة- ككفارة الظهار و قتل الخطاء، فإنّه يجب فيهما عتق رقبة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فان عجز أطعم ستين مسكينا- ضرورة أنّ ضمان البدل مترتب على تعذر المبدل و تلفه، فلا تخيير بين المبدل و البدل.

ثمّ إنّ هنا فروعا مترتبة على الضمان الطولي:

ص: 582

______________________________

الأوّل: أنّه لو رجع المالك إلى أحد الضمناء، و أخذ منه عوض ماله، لم يكن له الرجوع إلى سائر الضمناء، و ذلك لوحدة الحقّ، و عدم اشتغال ذمتين عرضيتين بمال واحد، سواء أ كان المؤدّي أوّل السلسلة أم غيره من الضمناء، و سواء أ كان من تلف عنده المال أم غيره.

الثاني: أنّ السابق إذا أدّى مال المالك جاز له أن يرجع إلى اللاحق، لأنّه باستيلاء يده على المال ضمن ما كان مضمونا على السابق. و هذا بخلاف ما إذا أدّى اللاحق المال إلى المالك، فإنّه لا يرجع إلى السابق، لأنّ السابق لم يضمن المال بوصف كونه مضمونا على اللاحق، فتأمل.

الثالث: أنّ جواز رجوع السابق إلى اللاحق و أخذ المال منه منوط بدفع السابق المال إلى المالك، لأنّ ما يدفعه اللاحق إلى السابق إنّما هو من باب الغرامة و تدارك خسارة المالك، و ليس من قبيل العوض لما في ذمة السابق. فوزان الضامن اللّاحق مع الضامن السابق وزان الضامن للدّين مع المضمون عنه في الضمان العقدي في عدم استحقاق الضامن الرجوع إلى المضمون عنه و أخذ المال منه إلّا بعد أداء الدّين إلى المضمون له.

و بالجملة: ليس ما في ذمة اللّاحق ملكا للسابق حتى يجب على اللاحق دفع المال إليه مطلقا و إن لم يدفع السابق المال إلى المالك، بل يكون ما في ذمة اللّاحق ملكا للمالك.

الرابع: لو أبرأ المالك جميع الضمناء فلا إشكال في سقوط حقه رأسا. و أمّا إذا أبرء أحد الضمناء، ففي اختصاص الإبراء به، أو عمومه لجميع آحاد السلسلة، أو عمومه له و لسابقه دون لاحقه؟ وجوه، أقواها هو الثاني، لأنّه مقتضى وحدة الحق و طوليّة الضمانات، فإنّ موضوع جميعها وجود حقّ المالك، فإذا سقط حقّه الذي هو مدار الضمانات لم يبق موضوع للضمان أصلا، حيث إنّ لمال المالك بدلا واحدا، و قد سقط ذلك بالإبراء الذي هو بمنزلة الاستيفاء.

ص: 583

______________________________

نعم بناء على عرضية الضمانات يتجه الوجه الأوّل، و هو اختصاص الإبراء بمن أبرأه المالك، دون غيره ممّن سبقه و لحقه. لكنك عرفت عدم صحة الضمان العرضي، بل عدم معقوليته.

الخامس: أنّه إذا أسقط المالك حقّ المطالبة عن بعض الضمناء، فالظاهر أنّه إسقاط لحق المطالبة الذي هو من حقوق المالك، و إسقاطه لا يستلزم براءة ذمة الضامن عن المال، فإنّ إسقاطه لازم أعمّ من ذلك، لإمكان سقوطه مع بقاء المال في ذمة الضامن. كجواز تأجيل الدّين بالاشتراط في ضمن عقد، فإنّ هذا الشرط صحيح مع بقاء الدين بحاله.

ففيما نحن فيه يمكن إسقاط حق المطالبة مع بقاء المال على عهدة الضامن. و ليس لإسقاط حق المطالبة ظهور عرفي في إبراء الذمة. فلو فرض شك في بقاء المال على عهدته فلا مانع من استصحابه.

السادس: لو صالح المالك مع أحد الضمناء لم يكن له الرجوع إلى أحد من السابقين و اللّاحقين، لذهاب حقّه بالصلح.

إنّما الكلام في حكم المتصالح مع الضمناء، فهل يجري الصلح مجرى الإبراء حتى لا يجوز له الرجوع إليهم؟ أم يجوز ذلك. الظاهر هو الثاني، لأنّ جواز مطالبة المالك كان مبنيا على بقاء حقه، و بعد الصلح تبدل المالك مع بقاء الحق الموجب لجواز المطالبة. فللمتصالح مطالبة أيّ من الضمناء. فليس الصلح كالإبراء، لأنّ الصلح نقل الحق إلى الغير، و الإبراء إسقاط الحق الذي هو موضوع المطالبة.

إلّا أن يقال: إنّ الملك آنا ما ليس موضوعا للمطالبة. و هذا الملك يتعقبه الإبراء، فليس موضوعا لجواز المطالبة، كملكية العمودين المترتب عليها الانعتاق. و هذا الملك التطرقي لا أثر له إلا مثل الإبراء و الانعتاق.

هذا إذا كان المتصالح أحد السلسلة. و أمّا إذا كان أجنبيّا، فجواز مطالبته الضمناء واضح.

ص: 584

[حكم الأيادي المتعاقبة بعضها مع بعض]

و أمّا (1) حال بعضهم بالنسبة إلى بعض، فلا ريب في أنّ اللّاحق إذا رجع عليه (2) لا يرجع إلى السابق ما لم يكن السابق موجبا لإيقاعه في خطر الضمان.

كما لا ريب في أنّ السابق إذا رجع عليه (3) و كان غارّا للاحقه لم يرجع إليه، إذ (4) لا معنى لرجوعه عليه بما لو دفعه اللّاحق ضمنه (5) له (6).

______________________________

حكم الأيادي المتعاقبة بعضها مع بعض

(1) هذه هي الجهة الرابعة الراجعة إلى حال بعض ذوي الأيدي- المستولية على المبيع فضولا- بالنسبة إلى البعض الآخر منهم، و به ينحلّ الإشكال المتقدم من: أنّه لو رجع المالك إلى البائع و طالبه ببدل ماله التالف بيد المشتري، جاز للبائع الرجوع إلى المشتري.

و لأجل تحرير محل البحث نبّه المصنف على فرعين قبل حلّ الإشكال.

أحدهما: أنّه لا ريب في عدم رجوع الضامن اللاحق إلى الضامن السابق إذا رجع المالك على اللاحق و أخذ منه بدل ماله، إلّا إذا كان السابق سببا لوقوعه في خطر الضمان، كالبائع الفضول العالم بكونه غاصبا للمبيع، فإنّه غرّ المشتري، فإذا رجع المالك على المشتري، و أخذ منه بدل ماله، رجع المشتري إلى البائع، لصدق الغرور.

ثانيهما: أنّه لا ريب في أنّ السابق- كالبائع- إذا رجع عليه المالك، و أخذ منه بدل ماله، و كان غارا للاحقه- و هو المشتري- لم يرجع إلى اللّاحق المغرور.

(2) أي: على اللاحق، و هذا إشارة إلى الفرع الأوّل.

(3) أي: على السابق، و هذا إشارة إلى الفرع الثاني.

(4) تعليل لعدم رجوع السابق الغارّ- و هو البائع العالم بكونه غاصبا- إلى اللّاحق المغرور، و حاصله: أنّه لا معنى لرجوع السابق إلى اللّاحق بمال لو دفعه اللّاحق كان السابق ضامنا له، كما إذا كانت قيمة المبيع السوقية ثلاثين دينارا، و كان الثمن المسمّى عشرين، و رجع المالك إلى البائع و أخذ منه الثلاثين، فليس له أن يأخذ ما زاد على العشرين- و هي العشرة- لأنّه بقاعدة الغرور ليس على المشتري، بل على البائع الغارّ.

(5) أي: ضمن السابق المال. و ضميرا «للاحقه، لرجوعه» راجعان إلى السابق.

(6) هذا الضمير و ضميرا «إليه، عليه» راجعة إلى اللّاحق.

ص: 585

فالمقصود بالكلام (1) ما إذا لم يكن غارّا له.

فنقول (2):

إنّ الوجه في رجوعه (3) هو أنّ السابق اشتغلت ذمّته بالبدل قبل اللاحق، فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل، فهذا الضمان (4) يرجع إلى ضمان واحد من البدل و المبدل على (5) سبيل البدل، إذ (6) لا يعقل ضمان المبدل معيّنا من دون البدل، و إلّا (7) خرج بدله عن كونه بدلا.

______________________________

(1) يعني: فالمقصود من كلامنا في رجوع السابق- إذا رجع عليه المالك- إلى اللّاحق هو السابق الذي لا يكون غارّا للّاحق، و إلّا فليس له الرجوع إلى اللّاحق أصلا.

(2) هذا شروع في توجيه رجوع السابق إلى اللّاحق الذي تلف المال عنده.

(3) أي: السبب في رجوع السابق على اللّاحق- إذا لم يكن السابق غارّا للّاحق- هو: أنّ اللّاحق يضمن العين مع أوصافها، و من المعلوم أنّ العين بعد استيلاء السابق- كالبائع- عليها صارت ذات بدل، و بهذا الوصف وقعت تحت يد اللّاحق. فالثابت على السابق هو بدل نفس العين، و الثابت على اللّاحق هو بدل بدل العين.

و بعبارة أخرى: اللّاحق ضمن شيئا له البدل، فيكون ضمان اللّاحق في طول ضمان السابق و متعلّقا بالعين و بدلها على البدل، بخلاف ضمان السابق.

(4) أي: ضمان اللاحق يرجع إلى ضمان بدل بدل العين، و لا يمكن ضمان العين بدون وصفها و هو كونها ذات بدل، فإنّها مع هذا الوصف تعلّق ضمان اللّاحق بها.

(5) متعلق ب- «ضمان واحد» يعني: أنّ ضمان البدل- بمقتضى بدليته- يكون في طول ضمان المبدل.

(6) تعليل لكون ضمان اللّاحق لأحد الأمرين- من المبدل و البدل- على سبيل البدلية، و محصله: أنّه لو كان ضامنا لخصوص المبدل- كالسابق- لخرج بدله عن كونه بدلا، لعدم تعهّده حسب الفرض لهذا البدل.

(7) أي: و إن كان اللّاحق ضامنا لخصوص المبدل معيّنا لزم خروج البدل عن كونه

ص: 586

فما (1) يدفعه الثاني فإنّما هو تدارك لما استقرّ تداركه في ذمّة الأوّل، بخلاف ما يدفعه الأوّل، فإنّه تدارك نفس العين معيّنا، إذ لم يحدث له تدارك آخر (2) بعد، فإن أدّاه (3) إلى المالك سقط تدارك الأوّل له (4). و لا يجوز (5) دفعه إلى الأوّل قبل دفع الأوّل إلى المالك، لأنّه (6) من باب الغرامة و التدارك، فلا اشتغال

______________________________

بدلا عن العين، و صيرورته أجنبيا عنه، و هو خلاف الفرض.

(1) هذه نتيجة ضمان الثاني كالمشتري فيما نحن فيه، فإنّ ما يدفعه الثاني تدارك لما استقرّ في ذمة الأوّل و هو البائع. بخلاف ما يدفعه الأوّل و هو البائع، فإنّه تدارك نفس العين معيّنا، إذ المفروض أنّه أوّل غاصب استولت يده على المال، و لم يسبقه يد عادية حتى يحدث للأوّل تدارك آخر غير تدارك العين.

(2) أي: غير تدارك الأوّل إلى الآن، و لعدم حصول تدارك آخر يكون التدارك بنفس العين معيّنا. و ضمير «له» راجع إلى الأوّل.

(3) يعني: فإن أدّى الثاني البدل إلى المالك سقط تدارك الأوّل لما استقرّ في ذمته، فليس للمالك الرجوع إلى الأوّل و أخذ البدل منه.

(4) أي: لما استقرّ في ذمته.

(5) يعني و لا يجوز للثاني أن يدفع البدل إلى الأوّل قبل دفع الأوّل البدل إلى المالك.

(6) هذا تعليل لقوله: «و لا يجوز» و حاصله: أنّ ما يدفعه الثاني إلى الأوّل إنّما هو من باب الغرامة، و ليس من قبيل العوض لما في ذمة الأوّل حتى يجب على اللاحق دفع البدل إلى السابق مطلقا سواء دفع السابق المال إلى المالك أم لا.

و عليه فحال الضامن الأوّل مع الضامن الثاني حال الضامن مع المديون المضمون عنه في أنّ الضامن لا يستحق الدفع من المضمون عنه إليه إلّا بعد أداء الضامن الدّين إلى المضمون له ان كان الضمان بإذنه، و إلّا فلا يستحق شيئا من المديون المضمون عنه، لكون الضامن متبرعا حينئذ.

ص: 587

للذمّة قبل فوات المتدارك (1) [قبل حصول التدارك] [1] و ليس (2) من قبيل العوض لما في ذمّة الأوّل.

فحال الأوّل مع الثاني كحال الضامن مع المضمون عنه في أنّه (3) لا يستحقّ

______________________________

(1) كذا في نسختنا، و بعض النسخ، و في بعضها «قبل حصول التدارك» و هو أولى.

(2) أي: و ليس ما يدفعه اللّاحق إلى السابق عوضا عمّا في ذمة السابق، بل هو غرامة، و هي تتوقف على أن يدفع السابق بدل العين التالفة إلى المالك.

(3) يعني: في أنّ الضامن لا يستحقّ الأخذ من المضمون عنه إلّا بعد أداء الدّين إلى المضمون له، كما هو كذلك في الضمان العقدي.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ قوله: «فلا اشتغال للذمة قبل حصول التدارك» ينافي بدوا ما تقدم في أوّل كلام المصنف قدّس سرّه من قوله: «فإذا فرض أيد متعددة يكون العين الواحدة في عهدة كلّ من الأيادي» وجه التنافي: دلالة كلامه السابق على حصول الضمان بمجرّد وضع اليد على مال الغير. و الالتزام بالضمان ينافي عدم اشتغال ذمة اللّاحق بالبدل قبل أداء السابق الغرامة إلى المالك، إذ معناه كون الضمان الفعلي على ذمّة السابق خاصة، و يتوقف ضمان اللّاحق فعلا على دفع السابق الغرامة إلى المالك.

لكن الظاهر عدم التنافي بين الكلامين، لما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من: أنّ اليد و إن اقتضت الضمان، إلّا أنّ ضمان اللّاحق للبدل لمّا كان معنونا بعنوان التدارك، فلا محالة يكون له مرحلتان:

إحداهما: مرحلة اشتغال ذمة الأوّل للمالك ببدل العين، و تداركه بقيام ما في ذمة الثاني- مقام ما ملكه المالك في ذمة السابق- بعنوان كونه بدلا عنه.

ثانيتهما: مرحلة التدارك الخارجي، بأن يدفع السابق مثل العين التالفة بيد الثاني أو قيمتها إلى المالك، حتى يتداركه الثاني بالبدل الذي يدفعه إلى السابق.

فالسّرّ في عدم جواز مطالبة السابق من اللّاحق البدل قبل إيصال بدل العين إلى المالك هو تعنون ما يدفعه الثاني بعنوان الغرامة و التدارك، و عدم كونه كسائر ما يملكه الإنسان في ذمة الغير بلا وصف و لون. هذا «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 197

ص: 588

الدفع إليه إلّا بعد الأداء.

و الحاصل (1): أنّ من تلف المال في يده ضامن لأحد الشخصين على البدل من المالك و من سبقه في اليد، فيشتغل [و يشتغل] ذمّته (2) إمّا بتدارك العين، و إمّا بتدارك ما تداركها. و هذا (3) اشتغال شخص واحد بشيئين (4) لشخصين على البدل، كما كان في الأيدي المتعاقبة اشتغال ذمّة إشخاص (5) على البدل بشي ء واحد لشخص واحد.

و ربما يقال (6) في وجه رجوع غير من تلف المال في يده إلى من تلف في يده

______________________________

(1) يعني: و حاصل ما ذكر- في رجوع الضامن السابق كالبائع الفضول إلى الضامن اللّاحق كالمشتري مع عدم كونه غارّا للاحق- هو: أنّ الذي تلف المال عنده ضامن لأحد شخصين على البدل، و هما المالك و الضامن السابق و هو البائع، فتشتغل ذمّته إمّا بتدارك العين، و إمّا بتدارك بدله الذي استقرّ في ذمة الضامن السابق.

(2) هذا الضمير و الضمير البارز في «سبقه» راجعان إلى الموصول في «من تلف».

(3) أي: و اشتغال ذمّته- إمّا بتدارك العين و إمّا بتدارك بدلها- يكون اشتغال شخص واحد .. إلخ.

(4) و هما بدل العين و بدل بدلها.

(5) كما إذا باع الفضولي متاع زيد على عمرو، و باع عمرو ذلك المتاع على بكر، ثم باع بكر ذلك المتاع على بشر، و تلف المتاع عند بشر، فهذا المتاع الواحد قد اجتمعت عليه الأيدي الأربع، فيملك المالك ما في ذمّة كلّ واحد منهم على البدل، بمعنى أنّه إذا استوفى المالك ما في ذمة واحد منهم سقط ما في ذمة الباقي. فاشتغال ذمم عديدة بمال واحد على سبيل البدل لشخص واحد ممّا لا مانع منه.

(6) القائل صاحب الجواهر قدّس سرّه، و محصل ما أفاده في وجه رجوع غير من تلف المال بيده إلى من تلف بيده- لو رجع المالك إلى غير من تلف بيده- هو: أنّ الذمة المشغولة بالمال المغصوب التالف واحدة، و هي ذمّة من تلف بيده. و أمّا غيره من الغاصبين فلا تشتغل ذمته بمال المالك، و إن كان استيلاء يده العادية على المال موجبا لأن يصير مخاطبا بلزوم ردّ المغصوب إلى مالكه، و لذا جاز رجوع المالك إلى كلّ من استولى

ص: 589

لو رجع عليه (1): إنّ (2) ذمّة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل، و إن جاز له (3) إلزام غيره- باعتبار (4) الغصب- بأداء (5) ما اشتغل ذمّته به. فيملك حينئذ (6) من أدّى بأدائه ما للمالك في ذمّته بالمعاوضة الشرعية القهريّة. قال (7): «و بذلك اتّضح

______________________________

على ماله، و المطالبة بأخذ المال منه. لكنه خطاب تكليفي محض لا يستبتع وضعا، كخطاب الإنفاق على الأقارب، فإنّه ليس إلّا وجوب إعطاء نفقتهم، من دون اشتغال ذمّة المخاطب بنفقتهم.

بخلاف وجوب إعطاء بدل مال المالك على من تلف المال بيده، فإنّه خطاب تكليفي مستتبع للوضع، كوجوب الإنفاق على الزوجة، فإنّ ذمة الزوج تشتغل بنفقة الزوجة.

و كذلك ذمّة من تلف المال بيده، فإنّ خطابه بدفع بدل المال إلى مالكه تكليفي و وضعي.

(1) أي: رجع المالك إلى غير من تلف المال عنده.

(2) هذا مقول قوله: «يقال» و قد مرّ توضيحه بقولنا: «ان الذمة المشغولة بالمال .. إلخ».

(3) يعني: و إن جاز للمالك إلزام غير من تلف المال عنده- من الغاصبين- بأداء ما اشتغلت ذمّة من تلف المال عنده من بدل مال المالك.

(4) متعلّق ب- «جاز» و علة له، يعني: أنّ سبب جواز إلزام المالك غير من تلف عنده هو اعتبار الغصب.

(5) متعلق ب- «إلزام» و ضمير «به» راجع إلى الموصول المراد به المال.

(6) يعني: فيملك غير من تلف المال عنده- بسبب أدائه لبدل التالف- ما للمالك في ذمة الضامن الذي تلف عنده المال بالمعاوضة الشرعية القهرية التي لا تتوقف على القصد و الإنشاء.

(7) يعني قال صاحب الجواهر قدّس سرّه: و بذلك- أي: و باشتغال ذمة من تلف المال عنده دون غيره من الضامنين- اتّضح الفرق بين من تلف المال في يده من الضمناء، و بين غيره منهم. و الفرق بينهما إنّما هو في أنّ الخطاب بالنسبة إلى من تلف المال بيده تكليفي و وضعي، و بالإضافة إلى غيره تكليفي فقط.

ص: 590

الفرق بين من تلف المال في يده، و بين غيره الذي خطابه بالأداء شرعيّ (1) لا ذمّي، إذ (2) لا دليل على شغل ذمم متعدّدة بمال واحد، فحينئذ يرجع عليه، و لا يرجع هو» انتهى «1».

و أنت (3) خبير بأنّه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده و خطاب غيره، بأنّ (4) خطابه ذمّيّ و خطاب غيره شرعيّ، مع كون دلالة «على اليد ما أخذت» بالنسبة إليهما على السواء. و المفروض أنّه لا خطاب بالنسبة إليهما غيره (5).

______________________________

(1) أي: تكليف محض، لا ذميّ، أي: لا يثبت شيئا في الذمة حتى يدلّ على الوضع أيضا.

(2) تعليل لعدم كون خطاب غير من تلف بيده ذميّا أي وضعيا، و حاصله: أنّه لا دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد، فيرجع على من تلف في يده، و لا يرجع هو على غيره، و هذا معنى قرار الضمان عليه.

(3) هذا كلام المصنف قدّس سرّه. و قد أورد على كلام الجواهر بوجوه خمسة:

الأوّل: أنّه لا وجه للتفكيك بين خطابي من تلف بيده و غيره، بحمل خطاب الأوّل على التكليفي و الوضعي، و حمل خطاب غيره على التكليفي فقط، مع كون الدليل- و هو:

على اليد ما أخذت- مساويا بالنسبة إليهما.

(4) متعلّق بالفرق، و بيان للفرق بين الخطابين، يعني: خطاب من تلف بيده، و غيره.

(5) أي: غير «على اليد ما أخذت» غرضه: أنّه مع وحدة الدليل من أين جاء هذا الفرق بين خطابي من تلف المال بيده و غيره؟ فقوله: «مع كون دلالة على اليد ما أخذت» من تتمة الجواب الأوّل، و ليس جوابا على حدة يعني: كيف يستظهر من دليل واحد معنيان متغايران مع عدم قرينة على هذا الاستظهار؟

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 34

ص: 591

مع (1) أنّه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب بالأداء و الخطاب الذمّي.

مع (2) أنّه لا يكاد يعرف خلاف من أحد في كون كلّ من ذوي الأيدي مشغول (3) الذمّة بالمال فعلا ما لم يسقط بأداء أحدهم، أو إبراء المالك. نظير (4)

______________________________

(1) هذا هو الثاني من تلك الوجوه، و حاصله: أنّه لا يجدي الفرق بين التكليف و الوضع في صحة رجوع صاحب الخطاب التكليفي إلى صاحب الخطاب الوضعي، و عدم صحة العكس. بل قاعدة الغصب الجارية في حقّ كلّ من الغاصبين تقتضي عدم رجوع واحد منهم إلى الآخر، من غير فرق بين كون الخطابين تكليفيين و وضعيين و مختلفين، و إلّا فالفرق بين التكليف و الوضع واضح.

(2) هذا هو الثالث من تلك الوجوه، و محصله: أنّ تخصيص اشتغال الذمّة بخصوص من تلف المال بيده خلاف ما عرف من عدم خلاف من أحد في اشتغال ذمّة كلّ واحد من ذوي الأيدي الغاصبة بالمال، و أنّه لا يسقط إلّا بأداء أحدهم، أو بإبراء المالك.

و هذا الوجه الثالث ناظر إلى قول صاحب الجواهر قدّس سرّه: «إذ لا دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد» فإنّ هذا الكلام مخالف للإجماع- و نفي الخلاف عن أحد- في اشتغال ذمّة كلّ من ذوي الأيدي العادية بالمال فعلا، و لذا تجري أحكام الدّين على ما بذمة السابق أيضا.

و المذكور في المتن أحكام أربعة ثابتة للدّين، و هي تجري في المقام من تعاقب الأيدي. فالغرض من التنظير إثبات الحكم الوضعي و اشتغال ذمة الأيدي، و نفي ما أفاده صاحب الجواهر من أنّ خطاب من تلفت عنده العين وضعي، و خطاب من عداه تكليفي.

و سيأتي بيان تلك الأحكام الثابتة للدين.

(3) خبر «كون» و قوله: «ما لم يسقط» متعلق ب- «مشغول الذمة».

(4) يعني: أنّ اشتغال ذمة كلّ من الضمناء- بالمال المغصوب- يكون نظير الاشتغال بغيره من الديون.

ص: 592

الاشتغال بغيره (1) من الديون في إجباره (2) على الدفع أو الدفع عنه من ماله، و تقديمه (3) على الوصايا، و الضرب (4) فيه مع الغرماء،

______________________________

(1) أي: بغير المال المذكور و هو المغصوب.

(2) متعلق ب- «نظير» و هذا أوّل الأحكام الأربعة الثابتة للدّين، و هو: أنّه يجوز إجبار المديون على أداء الدين. و لو امتنع من الأداء، رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه به، لأنّه وليّ الممتنع. فإن أدّى فهو، و إلّا دفع الحاكم عنه من ماله، و المستفاد من كلامهم جواز استيفاء حقه بنفسه عند تعذر الوصول إلى الحاكم.

و الغرض ثبوت هذا الحكم في ما نحن فيه بالنسبة إلى كلّ واحد من الأيدي- حتى من لم يتحقق التلف عنده- ممّا يكشف عن اشتغال الذمة، و عدم كون الخطاب تكليفيا محضا كما زعمه صاحب الجواهر قدّس سرّه.

(3) معطوف على «إجباره» و الضمير راجع الى الدين. و هذا ثاني الأحكام الثابتة للديون، و بيانه: أنّ الآية المباركة قدّمت إخراج الديون من تركة الميّت على وصاياه.

و كذا دلّت الرواية عليه.

فلو أوصى بعض ذوي الأيدي فمات، جاز للمالك مطالبة ورثته ببدل العين المضمونة حتى لو تلفت بيد شخص آخر، و لزمهم أداء هذا الدّين أوّلا، ثم تنفيذ الوصية.

و هذا كاشف عن الضمان و اشتغال العهدة، لا مجرّد وجوب الأداء تكليفا.

(4) معطوف على «إجباره» و هذا ثالث آثار الدين- على ما ذكروه في المفلّس- من: أنّ الغريم لو وجد عين ماله جاز له أخذها حتى لو لم يكن سواها، كما جاز له أن يضرب مع الغرماء بدينه، بأن يجعلها بين جميع الغرماء حتى يستوفي كل منهم حقّه بنسبة حصّته.

و يثبت هذا الحكم في المقام، فلو رجع المالك إلى بعض الأيدي، و وجده قد أفلس، و ليس عنده إلّا العين المضمونة، جاز له الضّرب مع الغرماء، بأن يجعل ما وجد عند المفلّس مالا مشتركا بين الدّيّان، فيأخذ كلّ منهم حصّته منه.

قال المحقق قدّس سرّه: «و من وجد منهم عين ماله كان له أخذها، و لو لم يكن سواها.

و له أن يضرب مع الغرماء بدينه، سواء كان وفاء أو لم يكن، على الأظهر» «1».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 90، و نحوه كلام العلامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 147

ص: 593

و مصالحة (1) المالك عنه مع آخر. إلى غير ذلك من أحكام ما في الذمّة (2).

مع (3) أنّ تملّك غير من تلف المال بيده لما في ذمّة من تلف المال بيده بمجرّد (4) دفع البدل لا يعلم (5) له سبب اختياري و لا قهري، بل المتّجه على ما ذكرنا (6) سقوط

______________________________

(1) معطوف على «إجباره» و هذا رابع آثار الدين، و هو: أنّه يجوز للدائن أن يتصالح مع المديون على ما في ذمّته، إمّا بعوض أو مجانا، كي تبرأ ذمة المديون. فلو كان زيد مديونا لعمرو بألف درهم جاز التصالح عليه بأقلّ منه أو بلا عوض.

و هذا الحكم ثابت في المقام، بأن يصالح المالك مع أحد الغاصبين بعوض أو مجّانا.

فإذا تعاقبت أيدي زيد و عمرو و بكر على مال بشر، صحّت مصالحة عمرو مع زيد على ما في ذمته لبشر، و كذا صحّت مصالحة بشر عن زيد مع عمرو، و نتيجة هذه المصالحة فراغ ذمة زيد.

و جواز هذه المصالحة للمالك- و هو بشر- شاهد على كونه مالكا لما في ذمة المتصالح عنه، و هو زيد.

و عليه فاليد في كلّ منهم ضامنة، و ليس مجرد خطاب تكليفي.

(2) كجواز بيع الدين من المديون و من غيره، سواء أ كان الثمن مساويا أم أقلّ منه.

و كوجوب السعي على المديون لأداء دينه. و كحرمة مطالبة المعسر و حبسه. و كوجوب عزل الدّين عند وفاته لو غاب الدائن، و غيرها من الأحكام.

(3) هذا هو الرابع من وجوه الإيراد على صاحب الجواهر قدّس سرّه و حاصله: أنّ ما أفاده- من تملك الضامن السابق لما في ذمّة الضامن الذي تلف المال بيده بمجرّد دفع بدل العين التالفة إلى المالك- لم يعلم له سبب صحيح اختياري، كالمعاوضة الاختيارية مع المالك، أو القهرية. و الأوّل منتف، و الثاني لا دليل عليه. و احتمال سببية مجرّد دفع البدل شرعا للتمليك لا يثبت ما هو مجد في المقام من التشريع الفعلي للسببية.

(4) هذا و قوله: «لما في الذمة» متعلقان ب- «تملّك». و قوله: «لا يعلم» خبر «أنّ تملك».

(5) خبر «أنّ تملك».

(6) و هو قوله: «و حيث انّ الواجب هو تدارك الفائت الذي يحصل ببدل واحد لا أزيد، كان معناه تسلّط المالك على مطالبة كلّ منهم بالخروج عن العهدة، فهو يملك ما في ذمّة كلّ منهم على البدل» فراجع (ص 571).

ص: 594

حقّ المالك عمّن تلف في يده بمجرّد أداء غيره، لعدم (1) تحقّق موضوع التدارك بعد تحقّق التدارك.

مع (2) أنّ اللازم ممّا ذكره أن لا يرجع الغارم فيمن [بمن] لحقه في اليد [الأيدي] العادية إلّا إلى من [بمن] تلف في يده. مع أنّ الظاهر خلافه (3)، فإنّه يجوز له (4) أن يرجع إلى كلّ واحد ممّن بعده.

نعم (5) لو كان غير من تلف بيده، فهو يرجع إلى أحد لواحقه إلى أن يستقرّ على من تلف في يده.

هذا (6) كلّه إذا تلف المبيع في يد المشتري.

______________________________

و الحاصل: أنّ المتّجه- بناء على هذه العبارة- سقوط حقّ المالك عن الضامن الذي تلف المال بيده بمجرّد أداء غيره.

(1) تعليل للسقوط، و حاصله: انتفاء موضوع التدارك عمّن تلف المال بيده، فلا يبقى موضوع لحقّ المالك بعد تحقق التدارك ببدل واحد.

(2) هذا هو الخامس من تلك الوجوه، و حاصله: أنّ لازم ما ذكر- من تملك السابق لما في ذمة من تلف المال في يده- عدم رجوع السابق بعد أداء بدل التالف إلّا إلى خصوص من تلفت العين بيده، لا إلى كل غاصب ممّن تسلّم المغصوب منه و إن لم يتلف عنده. مع أنّ الظاهر خلاف ذلك، و جواز رجوع مؤدّى البدل إلى كلّ واحد من الغاصبين بعده.

(3) أي: خلاف اللازم المزبور.

(4) أي: يجوز لمؤدّي البدل إلى المالك أن يرجع إلى كلّ ممّن بعده من ذوي الأيدي.

(5) يعني: لو كان واحد ممّن بعده- و هو الذي رجع إليه مؤدّى البدل إلى المالك- غير من تلف المال بيده، فهو يرجع إلى أحد لواحقه من الغاصبين، إلى أن يستقرّ الضمان على من تلفت العين في يده.

و بالجملة: فيرجع الغارم إلى كلّ من تسلّم المال منه من الغاصبين بعده حتى ينتهي إلى من تلف عنده. هذا ما يتعلق بكلام صاحب الجواهر.

(6) يعني: أنّ موضوع الحكم بضمان كلّ واحد من الغاصبين لبدل العين المغصوبة، و رجوع المالك على السابق مطلقا- و إن تلفت العين عند اللاحق- هو صورة تلف العين

ص: 595

و قد عرفت (1) الحكم أيضا في صورة بقاء العين، و أنّه (2) يرجع المالك بها على من في يده، أو من جرت يده عليها (3).

فإن لم يكن انتزاعها (4) ممّن هي في يده غرم (5) للمالك بدل الحيلولة، و للمالك استردادها (6) [استرداده] فيردّ بدل الحيلولة.

و لا ترتفع (7) سلطنة المالك

______________________________

في يد المشتري. و بهذا ينتهي البحث عن ضمان الأيدي في فرض تلف العين عند أحدهم.

حكم بقاء العين عند بعض الأيدي المتعاقبة

(1) حيث قال في (ص 471): «لو لم يجز المالك، فإن كان المبيع في يده فهو، و إلّا فله انتزاعه ممّن وجده في يده مع بقائه».

(2) معطوف على «الحكم» و الضمير للشأن، أي: و قد عرفت رجوع المالك .. إلخ.

و غرضه أنّه مع بقاء العين المغصوبة يرجع المالك على من تكون العين في يده فعلا، أو من كانت العين تحت يده سابقا. هذا إذا أمكن انتزاع العين ممّن هي في يده. و إن لم يمكن انتزاع العين ممّن هي في يده، غرم للمالك من جرت يده على العين بدل الحيلولة.

(3) هذا الضمير و ضمير «بها» راجعان إلى «العين».

(4) أي: لم يمكن انتزاع العين لمن جرت يده عليها ممّن هي في يده فعلا.

(5) يعني: غرم من جرت يده سابقا على العين كالمشتري الأوّل، فإنّه يغرم بدل الحيلولة. و لكن للمالك حقّ استرداد العين ممّن هي في يده فعلا. فإذا استردّ المالك و أخذ العين ممّن كانت تحت يده ردّ بدل الحيلولة إلى من أخذه منه.

(6) أي: استرداد العين، فلا يسقط حق المالك عن العين ببدل الحيلولة، فبمجرّد وصول العين إليه يردّ بدل الحيلولة إلى من أخذه منه.

هذا بناء على كون النسخة «استردادها» كما هو الظاهر. و بناء على ما في بعض النسخ من «استرداده» فلا بدّ من إرجاع الضمير إلى الموصول في «من هي في يده» أي:

يجوز للمالك استرداد من في يده العين، فالمعنى أنّ للمالك مطالبة الردّ ممّن تكون العين في يده. و لكن الأقرب بسلاسة العبارة تأنيث الضمير لرجوعه إلى العين.

(7) غرضه أنّ مجرّد تمكن المالك من استرداد العين من الضامن الثاني لا يرفع سلطنة المالك على مطالبة الضامن الأوّل، و ذلك لأنّ ضمان العين على الضامن الأوّل،

ص: 596

على مطالبة الأوّل (1) بمجرّد تمكّنه من الاسترداد من الثاني، لأنّ (2) عهدتها على الأوّل، فيجب عليه تحصيلها و إن بذل (3) ما بذل.

نعم (4) ليس للمالك [1] أخذ مئونة الاسترداد، ليباشر بنفسه.

______________________________

فيجوز للمالك مطالبته، و يجب على الضامن تحصيلها.

(1) أي: الضامن الأوّل كالمشتري الأوّل، و المراد من الثاني الضامن الثاني.

(2) تعليل لقوله: «و لا ترتفع» و قد ذكر توضيحه بقولنا: «و ذلك لأنّ ضمان العين .. إلخ».

(3) يعني: و إن بذل الضامن الأوّل في تحصيل العين- و أخذها من الثاني- ما بذل من المال.

(4) غرضه أنّ سلطنة المالك على مطالبة الضامن الأوّل باقية، لكنّها لا تقتضي أخذ مئونة الاسترداد من الضامن الأوّل ليباشر المالك أخذ العين منه بنفسه، إذ الواجب على الغاصب ردّ العين المغصوبة، لا دفع مئونة الاسترداد.

و عليه فلا موجب لجواز أخذ المالك مئونة الاسترداد من الضامن الأوّل، لأنّ ردّ المغصوب و إيصاله إلى المالك وظيفة الغاصب، و هو مختار في كيفيات الردّ، و ليس للمالك اختيار كيفية من كيفيات الرّد.

______________________________

[1] قد يقال: بأنّه لا يبعد أن يكون للمالك ذلك فيما إذا لم تكن الأجرة المأخوذة زائدة على اجرة المثل، لأنّ العين للمغصوب منه، و لا يجوز للآخرين التصرف فيها و لو بالاسترداد المزبور. و عمل المالك محترم، فيستحق الأجرة عليه، هذا.

و يتوجه عليه: أنّ ردّ المغصوب إلى مالكه وظيفة الغاصب، و من المعلوم أنّ الردّ متوقف على التصرف، لعدم تحقق الرد بدونه، فجواز هذا التصرف ممّا يقتضيه نفس وجوب الرد. و عمل المالك إن كان برضا الغاصب فهو محترم يجوز أخذ الأجرة عليه، و إلّا فلا.

و يظهر ممّا ذكرنا: أنّه مع تمكن الغاصب من ردّ العين بدون صرف المال و طلب المالك اجرة، لم يجب على الغاصب قبول ذلك، لأنّ الرّدّ بشؤونه وظيفة الغاصب، و التخلص عن الغصب ليس بحكم الغصب، خصوصا مع التوبة.

ص: 597

و لو لم يقدر (1) على استردادها إلّا المالك، و طلب من الأوّل (2) عوضا (3) عن الاسترداد، فهل يجب عليه (4) بذل العوض، أو ينزّل (5) منزلة التعذّر،

______________________________

(1) محصّله: أنّه لو لم يقدر أحد من استرداد العين المغصوبة إلّا المالك الذي لم يأخذ من أحد من الضامنين بدل الحيلولة، و طلب من الضامن الأوّل أجرة لاسترداد العين، ففي حكم هذا البذل وجوه ثلاثة.

الأوّل: وجوب بذل مئونة الاسترداد على الضامن.

الثاني: عدم وجوب البذل، لأنّه ينزّل عدم القدرة على الاسترداد منزلة التعذر، فيأخذ من الغاصب الأوّل بدل الحيلولة.

الثالث: التفصيل بين الأجرة المتعارفة للاسترداد، فيجوز أخذها منه، و بين الأجرة الزائدة على المتعارفة المجحفة على الغاصب الأوّل، فلا يأخذ المالك عند استرداده العين الأجرة الزائدة على الأجرة المتعارفة.

(2) أي: من الغاصب الأوّل.

(3) أي: أجرة للاسترداد.

(4) أي: على الغاصب الأوّل، و هذا هو الاحتمال الأوّل، و وجه وجوب بذل العوض إلى المالك: أنّه مع فرض بقاء العين تجب المبادرة إلى ردّها إلى المالك، و حيث إنّ إقدامه باسترداد ماله عمل محترم استحقّ الأجرة عليه، فيجب على الضامن دفعها إليه، سواء أ كانت الأجرة متعارفة أم أزيد منها، إذ لا ينتقل إلى بدل الحيلولة إلّا بامتناع الوصول الى نفس العين المضمونة، فمع تمكّن المالك من ذلك يتعيّن تمهيد مقدمته و هي بذل الأجرة إلى المالك.

و لا مجال للتمسك بحديث نفي الضرر لو كانت الأجرة زائدة على اجرة المثل حتى ينتقل إلى بدل الحيلولة.

وجه عدم المجال: اختصاص قاعدة نفي الضرر بالأحكام التي لا تكون ضررية بطبعها، و إنّما يترتب الضرر على إطلاقها. و هذا بخلاف مثل وجوب رد العين المضمونة إلى مالكها، فإنّ أصل الحكم ضرري، فلا يرتفع بقاعدة نفي الضرر.

مضافا إلى قصور المقتضي، و هو إناطة جريان القاعدة بالامتنان، و المفروض في المقام عدمه، لاستلزامه حرمان المالك من الوصول إلى عين ماله.

(5) أي: ينزّل عدم القدرة على الاسترداد- إلّا للمالك- منزلة التعذر.

ص: 598

فيغرم (1) بدل الحيلولة، أو يفرّق (2) بين الأجرة المتعارفة للاسترداد، و بين الزائد عليها ممّا يعدّ إجحافا على الغاصب الأوّل؟ وجوه (3).

هذا (4) كلّه مع عدم تغيّر العين. و أمّا إذا تغيّرت فيجي ء صور كثيرة لا يناسب المقام التعرّض لها، و إن كان كثير ممّا ذكرنا أيضا ممّا لا يناسب ذكره إلّا في

______________________________

(1) يعني: فيغرم الغاصب الأوّل بدل الحيلولة. و هذا هو الاحتمال الثاني، و وجهه:

أنّ المخاطب بردّ العين هو الضامن. فإن تمكّن من الرّد فهو، و إن عجز سقط عنه، و وجب عليه بدل الحيلولة. فلا تكليف له بردّ العين حتى يجب عليه بذل الأجرة من باب المقدمة.

(2) بأن يقال: بوجوب بذل الأجرة المتعارفة، و بالانتقال إلى بدل الحيلولة لو طالبه المالك بأجرة مجحفة زائدة عن اجرة المثل. و هذا هو الاحتمال الثالث.

و وجه هذا التفصيل واضح، لما تقدّم في الوجهين السابقين. فإن كانت الأجرة متعارفة فللمقدمية. و إن كانت مجحفة فلقاعدة نفي الضرر، فإن أصل وجوب الردّ و إن كان ضرريا، لكن قد يتأمّل في الأخذ بإطلاقه من جهة انصراف وجوب الردّ عمّا إذا استلزم بذل مال كثير غير متعارف.

الّا أن يتمسك في خصوص الغاصب بما روي من «أنه يؤخذ بأشق الأحوال» لكنه ممنوع سندا و دلالة، و قد أشار إلى ذلك في بحث بدل الحيلولة، فراجع «1».

(3) مبتدء مؤخّر، و خبره «فيه» مقدّرا المدلول عليه بقوله: «فهل يجب» و الجملة بتمامها جواب الشرط في قوله: «و لو لم يقدر».

(4) أي: ما ذكرناه- من رجوع المالك على الغاصب الأوّل، و أخذ العين المغصوبة منه مع التمكن، أو أخذ بدله بدون التمكن من أخذها و انتزاعها ممّن هي في يده- إنّما هو في صورة عدم تغيّر العين.

و أمّا إذا تغيرت- مع فرض بقائها- فتجي ء فيه صور كثيرة مذكورة في كتاب الغصب، كما إذا باع الفضول قماشا مملوكا لزيد، و سلّمه للمشتري، ففصّله ثوبا أو قباء، و قد تغيّرت قيمته مخيطا عمّا كان عليه، فهل يرجع المالك على الفضولي أم على المشتري

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 606- 607

ص: 599

باب الغصب. إلّا أنّ الاهتمام بها دعاني إلى ذكرها في المقام بأدنى مناسبة (1)، اغتناما للفرصة، وفّقنا اللّه لما يرضيه عنّا من العلم و العمل، إنّه غفّار الزّلل.

______________________________

منه، الذي حدث التغيير بيده؟ و هل ضمان التفاوت على البائع أو على المشتري؟

و لو فرض كون القماش قيميّا، فهل المناط قيمته يوم وقوعه تحت يد البائع أم المشتري، أم قيمة يوم التغيير؟

و كذا لو باع الفضولي العصير العنبي، فأغلاه المشتري، فنقص وزنه، فهل تضمن النقيصة في الوزن أم لا؟

و على تقدير الضمان، فهل قرار الضمان على البائع أو على المشتري؟

و لو ارتفعت قيمته السوقية فهل تضمن أم لا؟

و على تقدير الضمان، فهل العهدة على الفضولي أم الثاني؟

و تتكثّر فروض المسألة لو تعاقبت أيدي أخرى على المبيع فضولا.

و هناك فروع كثيرة موضوعها تغيير المغصوب إمّا بفعل الغاصب، و إمّا بفعل من تسلّمه منع ببيع أم بغصب أم بغيرهما، و تحقيقها موكول إلى كتاب الغصب. و كان المقصود الإشارة إلى ما أفاده المصنف قدّس سرّه من كثرة فروع التغيير.

هذا تمام الكلام في ما إذا ردّ المالك البيع الواقع على ماله فضولا، و بذلك تمت أحكام البيع الفضولي.

(1) و هي كون المبيع فضولا محكوما بحكم الغصب إذا ردّ المالك البيع، فإنّه و إن لم تصدق اليد العدوانية بالنسبة إلى المشتري الجاهل، إلّا أنّ إطلاق «على اليد» شامل له كالغاصب، فيتجه البحث عن أحكامه.

ص: 600

[مسألة لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه]

مسألة (1) لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه، فعلى (2) [1] القول ببطلان الفضولي فالظاهر أنّ حكمه حكم بيع ما يقبل الملك مع ما لا يقبله.

______________________________

بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره

(1) كان الكلام قبل هذه المسألة في حكم بيع الفضولي مال غيره لنفسه أو للمالك.

و الغرض من عقد هذه المسألة بيان حكم بيع الفضول مال غيره مع مال نفسه. و البحث في مقامين، أحدهما: في صحته في المجموع و عدمها. ثانيهما في كيفية تقسيط الثمن، و الكلام فعلا في المقام الأوّل.

(2) حاصله: أنّه ينبغي التكلم في جهتين:

الاولى: في تحقيق حكم المسألة بناء على بطلان الفضولي.

الثانية: في تحقيق حكمها بناء على صحة الفضولي.

أمّا الجهة الأولى، فالظاهر أنّ الحكم بناء على البطلان حكم بيع ما يقبل الملك- كالخلّ- مع ما لا يقبل الملك- كالخمر- في صحة البيع في مال نفسه، و البطلان في مال غيره.

______________________________

[1] لعلّ الأولى في عنوان المسألة أن يقال: لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه، فعلى القول بالانحلال لا ينبغي الإشكال في صحة بيع مال نفسه، سواء قلنا بصحة بيع الفضولي أم ببطلانه. و على القول بصحة الفضولي أجاز مالك المال الآخر أم لم يجز. و على القول بعدم الانحلال لا ينبغي الإشكال في فساده، سواء قلنا بصحة عقد الفضولي أم لا.

هذا ما تقتضيه القاعدة، و يومي إليه قوله عليه السّلام في صحيحة الصفار المشار إليها:

ص: 601

______________________________

«لا يجوز بيع ما ليس يملك، و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك» حيث إنّه مع وحدة إنشاء البيع حكم عليه السّلام بصحة بيع مال البائع، و فساد بيع مال غيره. و هذا ما تقتضيه قاعدة الانحلال.

و بناء على هذه القاعدة لا مجال للخدشة فيه بما سيأتي في بيع ما يقبل الملك و ما لا يقبله. بل لا مجال للخدشة في تلك المسألة أيضا بناء على الانحلال، كما لا يخفى.

و يظهر ممّا ذكرناه من الانحلال اندفاع ما ذكروه من الإشكالات الثلاثة: من بساطة الإنشاء، و عدم تعدده حتى يكون أحدهما صحيحا و الآخر فاسدا. و من تخلف القصد، فإنّ ما قصد من بيع المجموع لم يقع، و ما وقع من بيع البائع مال نفسه لم يقصد. و من جهالة مقدار الثمن الواقع بإزاء مال نفسه.

توضيح وجه الاندفاع.

أمّا الأوّل، فلأنّ الإنشاء واحد صورة، لكنّه متعدد بحسب تعدد المتعلق، فينحلّ الإنشاء إلى إنشاءات عديدة. و هذا الانحلال أمر ارتكازي عقلائي جار في كثير من الموارد، كبيعي الصّرف و السّلم، فإنّهما ينحلّان، و يصحّان في خصوص المقبوض في مجلس العقد، و يفسدان في غير المقبوض.

و كبيع الوكيل أموال موكّليه بعقد واحد، فإنّ بيعها بإنشاء واحد ينحلّ إلى بيوع متعددة بعدد تلك الأموال.

و كالوصية بأزيد من الثّلث، فإنّها تنحلّ إلى وصيتين، إحداهما تتعلّق بالثلث، و تصحّ.

و الأخرى بأزيد من الثلث، و تقف صحتها على إمضاء الورثة.

و كذا لو قال: «أعتقت عبدي و أمّ ولدي» أو قال: «من ردّ عبدي و خنزيري فله دينار».

و ما دلّ من النقل على صحة المذكورات تارة، و بطلانها أخرى، إمضاء للسيرة العقلائية الجارية على الانحلال، ضرورة أنّ الصحة و الفساد حكمان للعقد المتعدد، لامتناع اتصاف عقد واحد بهما.

و بالجملة: فبطلان بيع الأصيل منوط بأحد أمرين، وحدة الإنشاء ظاهرا و واقعا، أو تعدده، لكن بشرط الاستقلال و عدم انضمامه ببيع مال شخص آخر.

و كلاهما باطل. أمّا أولهما فلجريان السيرة العقلائية على الانحلال.

و أمّا ثانيهما فلإطلاق أدلة البيع النافي لاعتبار الاستقلال في صحة بيع مال الأصيل.

ص: 602

و الحكم فيه الصحّة، لظهور (1) الإجماع، بل دعواه (2) عن غير واحد (3). مضافا إلى صحيحة الصفّار المتقدّمة في أدلّة بطلان الفضولي «1» من قوله عليه السّلام: «لا يجوز

______________________________

(1) يدلّ على صحة البيع في مال نفسه وجهان:

الأوّل: ظهور الإجماع، و وجه الظهور أنّه لا يحتمل الفرق بين بيع ملكه مع ملك غيره، و بين بيع ما يقبل الملك و ما لا يقبله بثمن واحد في صفقة واحدة.

الثاني: ما تقدم في صحيحة الصفار «لا يجوز بيع ما ليس يملك، و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك» فإنّ ظهوره في صحة بيع مال البائع ممّا لا ينكر.

(2) مجرور تقديرا بالعطف على «ظهور».

(3) كالسيّد أبي المكارم، و العلّامة، و سيد الرياض، و كاشف الغطاء، و الفاضل النراقي، و السيّد العاملي، و صاحب الجواهر قدّس سرّهم. قال في الجواهر: «و على كل حال فلا خلاف في صحة بيعه و نفوذه في ما يملك إذا لم يتولد من عدم الإجازة مانع شرعي

______________________________

و أما الثاني فلأنّ قصد بيع ذات مال نفسه موجود في ضمن قصد بيع المجموع من مال نفسه و مال غيره. و المفقود هو قصد الاستقلال، و لا دليل على اعتباره. بل إطلاق أدلة البيع ينفي اعتباره كما مرّ آنفا.

و هذا نظير ما إذا باع مالا مشتركا بينه و بين غيره الذي و كلّه في بيع حصته، فباع المجموع. فإنّ قصد بيع مال نفسه ضمني، لا استقلالي، و لا إشكال في صحة بيع المجموع.

و أمّا الثالث فلأنّ الجهالة القادحة في الصحة- و هي الموجبة للغرر- مفقودة هنا، إذ لا غرر مع إمكان معرفة الثمن بالضوابط المقررة للعلم بمقدار العوض.

و لو شكّ في قادحية هذه الجهالة و مانعيتها، فمقتضى الإطلاق- لو كان- عدم مانعيتها.

و لو لم يكن إطلاق، فأصل البراءة عن المانعية تقتضي عدم المانعية، بناء على جريان البراءة في الأحكام الوضعية كجريانها في الأحكام التكليفية. و لا تجري أصالة الفساد، لحكومة أصل البراءة حينئذ على أصالة الفساد، لجريان البراءة في الشك السببي كما لا يخفى.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 488

ص: 603

بيع ما لا يملك، و قد وجب الشراء فيما يملك» «1».

و لما ذكرنا (1) قال بها (2) من قال ببطلان الفضولي كالشيخ و ابن زهرة و الحلّي و غيرهم (3).

نعم (4) لو لا النصّ و الإجماع أمكن الخدشة فيه بما (5) سيجي ء في بيع ما يملك و ما لا يملك.

______________________________

كلزوم رباء، و بيع آبق من دون ضميمة و نحو ذلك. بل ظاهرهم الإجماع عليه كما اعترف به في الرياض ..» «2».

(1) أي: و لما ذكرنا من الصحة- و أنّ حكم بيع الفضولي مال غيره مع مال نفسه حكم بيع ما يقبل الملك مع ما لا يقبله- قال بالصحة هنا من قال ببطلان الفضولي.

(2) أي: بصحة بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره، حاصله: أنّ القائل ببطلان الفضولي قائل بصحة بيع الفضولي مال نفسه، و إن كان قائلا ببطلانه بالنسبة إلى مال غيره.

(3) كفخر المحققين، فإنّه مع التزامه ببطلان البيع الفضولي لم يعلّق على كلام والده من صحة البيع في ما يملك. و ظاهره تقريره له، فراجع «3».

(4) استدراك على القول بالصحة، غرضه أنّ الصحة مستندة إلى النص، و هو صحيح الصفار المتقدم، و الإجماع. و مع الغضّ عنهما يمكن الخدشة في الصحة بما سيأتي في مسألة بيع ما يقبل الملك و ما لا يقبله.

(5) متعلق بالخدشة، و محصل الخدشة الآتية في بيع ما يملك و ما لا يملك بقوله:

«ان التراضي و التعاقد إنّما وقع على المجموع الذي لم يمضه الشارع قطعا .. إلخ» هو: أنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 252، الباب 2 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 1

(2) الغنية (الجوامع الفقهية) ص 585، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463 (ج 10، ص 19، الطبعة الحديثة)، رياض المسائل، ج 1، ص 511، شرح القواعد للفقيه كاشف الغطاء (مخطوط) مستند الشيعة، ج 14، ص 297 و 298، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 202، قال فيه: «ان إجماعنا منعقد»، جواهر الكلام، ج 22، ص 309

(3) لاحظ: المبسوط، ج 2، ص 145، الخلاف، ج 3، ص 144، كتاب البيوع، المسألة: 332، الغنية، ص 585، السرائر، ج 2، ص 275، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 421، و كذا يظهر من المحدث البحراني فراجع الحدائق الناضرة، ج 18، ص 400، و ج 19، ص 315

ص: 604

و أمّا (1) على القول بصحّة الفضولي، فلا ينبغي الريب في الصحّة مع الإجازة، بل و كذا مع الردّ (2)، فإنّه كما لو تبيّن بعض المبيع غير مملوك، غاية الأمر ثبوت الخيار حينئذ (3) للمشتري مع جهله بالحال عند علمائنا كما عن التذكرة، و سيجي ء (4) في أقسام الخيار.

______________________________

الحكم بصحة البيع بالنسبة إلى ملك البائع فقط- مع جريان البيع على المجموع بثمن واحد- مشكل، لأنّ نقل بعض المثمن ليس مقصودا إلّا في ضمن نقل المجموع بمجموع الثمن. كما أنّه خلاف مقتضى إطلاق دليل الإمضاء.

(1) و أمّا الجهة الثانية- و هي تحقيق حكم بيع الفضولي مال غيره مع مال نفسه- فحاصلها: أنّه على القول بصحة الفضولي لا ينبغي الريب في صحة بيع مال الغير بإجازته، يعني: يصحّ البيع مطلقا، أمّا بالنسبة إلى ملك البائع فلصدوره من أهله. و أمّا بالنسبة إلى ملك الغير فلإجازته.

(2) غرضه أنّ بيع الفضولي بالنسبة إلى مال نفسه صحيح مطلقا، سواء أجاز غيره أم ردّ، إذ الردّ يكون كظهور بعض المبيع غير مملوك، فإنّ البيع بالنسبة إلى البعض المملوك صحيح، مع ثبوت الخيار للمشتري مع جهله بالحال عند علمائنا كما في التذكرة، حيث عنون- في فروع تفريق الصفقة- ما لو باع شيئا يتوزّع الثمن على أجزائه، كما لو باع عبدين، أحدهما له، و الآخر لغيره، فقال: «إذا باع ماله و مال غيره صفقة واحدة صحّ البيع في ماله. فإن كان المشتري جاهلا بالحال فله الخيار، لأنّه دخل في العقد على أن يسلم له العبدين، و لم يسلم. فإن اختار الإمضاء لزمه قسطه من الثمن، و سقط ما انفسخ البيع فيه. عند علمائنا» «1»

(3) أي: حين ردّ الغير البيع بالنسبة إلى ماله.

(4) يعني: و سيجي ء ثبوت الخيار للمشتري مع جهله بالحال في أقسام الخيار، كقوله في شروط خيار الغبن: «و ممّا ذكرنا يظهر ثبوت الخيار للجاهل و إن كان قادرا

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 566، السطر 37، و حكاه عنه في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 206، أواخر الصفحة.

ص: 605

بل عن الشيخ في الخلاف تقوية ثبوت الخيار للبائع (1)، لكن عن الغنية «1» الجزم بعدمه (2). و يؤيّده (3) صحيحة الصفّار.

و ربما حمل «2» كلام الشيخ (4) على ما إذا ادّعى البائع الجهل أو الإذن، و كلام الغنية على العالم.

______________________________

على السؤال، كما صرّح به في التحرير و التذكرة».

(1) لم أعثر على ثبوت الخيار للبائع في الخلاف، و لا على من نسبه إليه بعد ملاحظة بعض المواضع منه و من مفتاح الكرامة و الجواهر، بل صريحه في هذه المسألة نفي الخيار عن البائع. نعم قوّى في المبسوط ثبوته للبائع، و قد حكياه عنه أيضا «3»، فلاحظ، و لعلّ السهو من الناسب، أو أنّه مذكور في موضع آخر من الخلاف.

و كيف كان فلعلّ وجه ثبوت الخيار للبائع- إذا ردّ المالك- هو لزوم تبعّض الصفقة، و هو يوجب الضرر في بعض الموارد، لنقصان قيمة الانفراد عن القيمة عند الاجتماع، كما في مصراعي الباب و فردي الخفّ.

(2) أي: بعدم الخيار للبائع.

(3) أي: و يؤيّد عدم ثبوت الخيار للبائع صحيحة الصفار المتقدمة، حيث إنّ فيها «و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك» فإنّ وجوب الشراء ظاهر في اللزوم، فلا خيار للبائع.

و ينبغي إبدال «يؤيد» ب «يدل».

(4) حمل كلام الشيخ- الذي قوّي ثبوت الخيار للبائع- على ما إذا ادّعى البائع الجهل بكون بعض المبيع لغيره، أو ادّعى الإذن من الغير في بيع ماله مع مال نفسه. فإذا ردّ الغير قال الشيخ بثبوت الخيار حينئذ للبائع.

______________________________

(1) الحاكي عن الغنية هو السيّد العاملي و صاحب الجواهر، لاحظ: مفتاح الكرامة، ج 4، ص 207، جواهر الكلام، ج 22، ص 316، الغنية (الجوامع الفقهية) ص 528، السطر 3.

(2) الحامل هو السيّد العاملي و صاحب الجواهر، فلاحظ: مفتاح الكرامة، ج 4، ص 207، جواهر الكلام، ج 22، ص 316

(3) المبسوط، ج 2، ص 145، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 207، جواهر الكلام، ج 22، ص 316

ص: 606

ثم إنّ (1) صحّة البيع فيما يملكه مع الردّ مقيّدة في بعض الكلمات بما إذا لم يتولّد من عدم الإجازة مانع شرعيّ، كلزوم ربا (2)، و بيع آبق (3) من دون ضميمة.

و سيجي ء الكلام في محلّه (4).

______________________________

و حمل كلام الغنية- الدالّ على الجزم بعدم ثبوت الخيار للبائع- على البائع العالم بكون بعض المبيع مال الغير.

(1) غرضه التنبيه على أنّ صحة البيع فيما يملكه البائع مع ردّ المالك الآخر لحصته ليست مطلقة، بل مقيّدة في كلام صاحب الجواهر «1» بما إذا لم يتولّد من عدم الإجازة مانع شرعي، و سيأتي بيانه.

(2) كما إذا باع مثقالا من ذهبة الجيّد مع كتاب زيد بمثقالين و نصف من الذهب الرّدي ء، ثم ردّ زيد، فبطل بيع كتابه، و بطل البيع بالنسبة إلى البائع أيضا، للزوم الرّبا، لأنّه بعد بطلان بيع الكتاب- الذي هو في مقابل مثقال ذهب ردي ء- يصير المثقال الجيّد من ذهب البائع في مقابل المثقال و النصف من الذهب الردي. و هذا من أوضح مصاديق الربا.

و بالجملة: فالبيع باطل في كلا المالين- مال البائع و غيره- في كل مورد يلزم من عدم الإجازة مانع شرعي كلزوم الربا، فإنّ هذا مقتضى الأحكام الحيثية، ضرورة أنّ البحث عن صحة البيع هنا إنّما هو من حيث كونه فضوليّا، لا من حيثيّات اخرى كلزوم الربا مثلا.

(3) كما إذا باع عبده الآبق مع كتاب زيد، ثمّ ردّ زيد، فيبطل بيع العبد أيضا، لأنّ بيع الآبق بدون الضميمة باطل.

(4) لعلّ مقصوده ما أفاده في مسألة بيع العبد الآبق مع الضميمة من قوله: «لو عقد على الضميمة فضولا، و لم يجز مالكها، انفسخ العقد بالنسبة إلى المجموع». و هذا موافق للتقييد الذي التزم به صاحب الجواهر قدّس سرّه.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 309، و تقدم نصّ كلام في ص 602

ص: 607

ثم إنّ البيع المذكور (1) صحيح بالنسبة إلى المملوك (2) بحصّته من الثمن، و موقوف في غيره بحصّته.

و طريق (3) معرفة حصّة كلّ منهما من الثمن في غير المثلي أن يقوّم (4) كلّ منهما منفردا، فيؤخذ لكلّ واحد (5) جزء من الثمن نسبته (6) إليه كنسبة قيمته إلى مجموع

______________________________

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل، و هو صحة بيع المملوك، و سيأتي الكلام في المقام الثاني، و هو طريق تقسيط الثمن على المالين.

(1) و هو بيع مال نفسه مع مال غيره، فإنّه صحيح بالنسبة إلى مال البائع بما يقابله من الثمن، و موقوف في غير مال البائع على إجازة مالكه، فإن أجاز صحّ البيع في كلا المالين، و إن ردّ بطل البيع في ماله، و صحّ البيع في مال البائع فقط.

و على كلا تقديري الإمضاء و الردّ لا بدّ من تقسيط الثمن، ففي صورة الإجازة يوزّع الثمن على البائع و المجيز، و في صورة الردّ يوزّع على البائع و المشتري.

(2) أي: مال البائع، فإنّ البيع بالنسبة إليه صحيح، لصدوره من أهله، و موقوف بالنسبة إلى مال غير البائع، فإن أجاز صحّ بالنسبة إليه أيضا.

(3) قد ذكر المصنف قدّس سرّه طريقين لمعرفة حصة كلّ من البائع و غيره في كلتا صورتي إجازة من بيع ماله فضولا و عدمها فيما إذا كان المبيع قيميّا. و إن كان مثليا فسيأتي الكلام فيه في آخر المسألة.

(4) خبر قوله: «و طريق» و هذه هي الطريقة الاولى، و محصّلها: أنّ كلا من المالين يقوّم منفردا بالقيمة السوقية- لا تقويمهما مجتمعين- فيؤخذ لكل واحد منهما جزء من الثمن يكون نسبة ذلك الجزء إلى تمام الثمن كنسبة قيمة كلّ منهما إلى مجموع القيمتين. فإذا كان الثمن ثلاثة دنانير، و كانت قيمة مال البائع قيراطا، و قيمة مال غيره قيراطين، فتكون نسبة قيمة مال غير البائع- و هي قيراطان- إلى الثمن- و هو ثلاثة دنانير- كنسبة قيمته السوقية و هي قيراطان إلى مجموع القيمتين و هو ثلاثة قراريط. و تلك النسبة هي الثلثان، فيؤخذ للمشتري من الثمن المسمّى- و هو ثلاثة دنانير- ثلثاه، و هما ديناران.

(5) يعني: لكلّ واحد من مالي البائع و غيره ممّن بيع ماله فضولا.

(6) مبتدء، و خبره «كنسبة» و الجملة صفة ل- «جزء» يعني: نسبة ذلك الجزء إلى

ص: 608

القيمتين. مثاله- كما عن السرائر- ما إذا كان ثمنهما (1) ثلاث دنانير، و قيل: إنّ قيمة المملوك (2) قيراط، و قيمة غيره (3) قيراطان، فيرجع المشتري بثلثي الثمن.

و ما ذكرنا من الطريق (4)

______________________________

الثمن- الذي هو ثلاثة دنانير- كنسبة القيراطين إلى القراريط الثلاثة التي هي مجموع القيمتين، و تلك النسبة هي الثلثان كما مرّ آنفا.

(1) يعني: ثمنهما المسمّى في بيع البائع مال نفسه مع مال غيره.

(2) أي: القيمة السوقية المال البائع قيراط.

(3) أي: غير مال البائع الذي بيع فضولا مع مال البائع.

ثم إنّ عبارة السرائر محكية معنى، و الحاكي لها هو السيد العاملي و صاحب الجواهر.

و الأولى نقل بعض كلام ابن إدريس قدّس سرّه، فإنّه بعد إثبات الخيار للمشتري في مسألتنا و المسألة الآتية- و هي بيع ما يملك و ما لا يملك- قال: «مثاله: باع شاة و خنزيرا بثلاثة دنانير، فإنّ الثمن يتقسّط على قدر قيمة الشاة و قيمة الخنزير عند مستحليّه، فيقال:

كم قيمة الشاة؟ فيقال: قيراطان. و يقال: كم قيمة الخنزير؟ فيقال: قيراط، فيرجع بثلث الثمن و هو دينار. و بالعكس من ذلك أن يقال: قيمة الشاة قيراط، و قيمة الخنزير عند مستحليه قيراطان، فيرجع المشتري بثلثي الثمن، و هو ديناران» «1».

و في هذا المثال تختلف القيمة الواقعية عن الثمن المسمّى بكثير، لأنّ القيراط الشرعي نصف عشر المثقال الشرعي- أي الدينار، فالدينار عشرون قيراطا شرعيّا، و القيراط الصيرفي حبّة واحدة، فهو جزء من ثمانية عشر جزءا من الدينار الشرعي «2».

و على كلّ منهما يكون الثمن المسمّى أضعاف القيمة. إلّا أنّ المقصود بيان كيفية تقسيط الثمن على المبيع.

(4) أي: الطريق الأوّل، و هو تقويم كلّ من المالين منفردا، و لحاظ مجموع قيمتهما و الأخذ لكلّ واحد من المالين جزء من الثمن تكون نسبته إلى الثمن كنسبة قيمة أحد

______________________________

(1) السرائر، ج 2، ص 276، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 203، جواهر الكلام، ج 22، ص 312

(2) الأوزان و المقادير، ص 52 و 91- 92 للعلّامة الشيخ إبراهيم سليمان العاملي.

ص: 609

هو (1) المصرّح به في الإرشاد «1»، حيث قال: «و يقسّط المسمّى على القيمتين» (2) و لعلّه (3) [1] أيضا مرجع ما في الشرائع و القواعد و اللمعة من «أنّهما يقوّمان

______________________________

المالين إلى مجموع قيميتهما، و قد تقدم آنفا مثاله.

(1) أي: ما ذكرناه من الطريق الأوّل هو المصرّح به في الإرشاد، حيث قال:

«و يقسّط المسمّى على القيمتين» أي: قيمة كلّ من مالي البائع و غيره، فإنّ ظاهر «القيمتين» هو قيمة كل منهما منفردا. فالمراد مجموع القيمتين، لا قيمة المجموع، و إلّا كان اللازم أن يقول: «و يقسّط المسمى على قيمة المجموع» فيكون كلام العلّامة موافقا للطريق الأوّل، و هو: «نسبة قيمة أحد المالين إلى مجموع القيمتين» لا إلى قيمة المجموع. و بينهما فرق واضح.

فإذا كان المبيع مصراعي الباب، و كانت قيمة مجموعهما اثني عشر درهما، و كان مجموع قيمتيهما ثمانية دراهم، بأن كانت قيمة كلّ منهما منفردا أربعة دراهم، و كان الثمن المسمّى اثني عشر درهما. فعلى الطريق الثاني- و هو نسبة قيمة أحد المالين إلى مجموع القيمتين و هو الثمانية- يؤخذ نصف الثمن و هو الستة للمشتري، لأنّ نسبة الأربع- الذي هو قيمة أحد المالين- إلى مجموع قيمتيهما- و هو الثمانية- هي النصف، فيؤخذ نصف الثمن و هو الستة للمشتري.

و على الطريق الأوّل- و هو أخذ نسبة قيمة أحد المالين إلى قيمة المجموع، و هي اثنا عشر درهما- تكون هي الثلث، فيؤخذ ثلث الثمن و هو الأربع للمشتري.

(2) أي: قيمة كلّ من المالين، و هو مساوق لقوله: «أن يقوّم كل منهما منفردا».

(3) يعني: أنّ ما ذكرناه من الطريق هو المصرّح به في الإرشاد، و المحتمل لأن يكون ذلك أيضا مرجع ما في الشرائع و القواعد و اللّمعة «من أنّهما يقوّمان جميعا، ثم يقوّم كل

______________________________

[1] يشكل أن يكون الطريق المذكور- و هو تقويم كل منهما منفردا- مرجع ما في الشرائع و القواعد و اللمعة من تقويمهما جميعا ثم تقويم أحدهما. وجه الاشكال: أنّ في

______________________________

(1) إرشاد الأذهان، ج 1، ص 360

ص: 610

جميعا، ثم يقوّم أحدهما» «1» و لذا (1) فسّر بهذه العبارة (2) المحقّق الثاني عبارة الإرشاد (3)، حيث قال (4): «طريق تقسيط المسمّى على القيمتين .. إلخ».

______________________________

واحد منهما مستقلّا. و الاحتمال المذكور في المتن قد ذهب إليه في الجواهر، فيكون كلام المصنف في ردّ هذا الاحتمال بقوله: «لكن الانصاف» ردّا عليه.

قال صاحب الجواهر- بعد نقل عبارة السرائر-: «و هي عين ما ذكرناه، ضرورة كون النسبة بما فرضه ذلك، فمراد الجميع حينئذ واحد، و هو: أنّه إذا كان المبيع من ذوات القيم التي هي غالبا مختلفة زيادة و نقصا لا بدّ في معرفة تقسيط الثمن عليها من ملاحظة قيمتها التي هي متساوية الأجزاء، و بدل العين و قائمة مقامها، و معرفة النسبة، فيوزّع الثمن عليها. و هو معنى ما في الإرشاد ..» «2».

(1) أي: و لكون ما ذكره المصنف قدّس سرّه هو المصرّح به في الإرشاد- و مرجع ما في الشرائع و القواعد و اللمعة- فسّر المحقق الثاني قدّس سرّه .. إلخ.

(2) و هي: أنّهما يقوّمان جميعا، ثم يقوّم أحدهما.

(3) و هي: و يقسّط المسمّى على القيمتين.

(4) يعني: قال المحقق الثاني في شرح عبارة الإرشاد: «طريق تقسيط المسمّى على القيمتين: أن يقوّم المبيعان معا، ثم يقوّم أحدهما على انفراده، و تنسب قيمته إلى مجموع القيمتين. و ينظر تلك النسبة، فيؤخذ بها من الثمن .. إلخ» «3».

______________________________

طريق المصنف تقويما واحدا، و هو تقويم كل منهما منفردا. و في طريق الشرائع تقويمين، أحدهما: تقويم المالين معا، ثانيهما: تقويم أحدهما، لتنسب قيمته إلى قيمة المجموع.

و لا بدّ أن يكون المراد من تقويمهما جميعا- كما عن الشرائع- تقويمهما معا، لا تقويم كل منهما منفردا، و إلّا لم يكن وجه لتقويم أحدهما، لكونه من تحصيل الحاصل.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 15، قواعد الأحكام، ج 2، ص 19، اللمعة الدمشقية، ص 110

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 312

(3) حاشية الإرشاد، مخطوط، ص 219، و حكاه عنه في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 203

ص: 611

لكنّ (1) الإنصاف أنّ هذه العبارة الموجودة في هذه الكتب لا تنطبق بظاهرها على عبارة الإرشاد التي اخترناها (2) في طريق التقسيط، و استظهرناه (3) من السرائر، إذ (4) لو كان المراد من تقويمهما معا (5) تقويم كلّ منهما (6) لا تقويم المجموع، لم يحتج (7)

______________________________

(1) هذا عدول عما أفاده بقوله: «و لعلّه» من جعل مرجع كلا طريقي التقسيط أمرا واحدا، فالغرض منه الإيراد على صاحب الجواهر قدّس سرّه، و محصله: أنّ العبارة الموجودة في الشرائع و القواعد و اللّمعة لا تنطبق بظاهرها على عبارة الإرشاد التي اخترناها في التقسيط.

(2) بقولنا: «أن يقوّم كلّ منهما منفردا، فيؤخذ لكلّ واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين».

(3) مورد الاستظهار هو قول ابن إدريس: «ما إذا كان ثمنهما ثلاثة دنانير، و قيل: إنّ قيمة المملوك قيراط، و قيمة غيره قيراطان، فيرجع المشتري بثلثي الثمن».

(4) تعليل لعدم انطباق ما في الشرائع و القواعد و اللمعة «من أنّهما يقوّمان جميعا، ثم يقوّم كل منهما مستقلا» على عبارة الإرشاد التي اختارها المصنف بقوله: «أن يقوّم كل منهما منفردا .. إلخ».

و محصل التعليل: أنّه لو كان المراد بما في الشرائع «من أنّهما يقوّمان جميعا» تقويم كلّ منهما- لا تقويم المجموع- كان تقويم أحدهما بعد تقويم كل منهما مستدركا، لمعرفة قيمته ابتداء، و عدم الحاجة إلى تقويمه ثانيا.

فليس هنا إلّا أمران، أحدهما: تقويم كل منهما، و ثانيهما: نسبة قيمته إلى مجموع القيمتين. مع أنّ الظاهر من كلامهم أمور ثلاثة: أحدها: تقويمهما مجتمعين، ثانيها: تقويم أحدهما، ثالثها: ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.

(5) أي: جميعا، فإنّه الوارد في عبارة الكتب المذكورة، فبدّل «جميعا» ب- «معا».

(6) أي: تقويم كلّ منهما منفردا، لا تقويم المجموع بالهيئة الاجتماعية إذا كان لاجتماعهما دخل في قيمتهما كمصراعي الباب.

(7) جواب «لو» وجه عدم الحاجة هو: حصول المعرفة ابتداء، و معه لا حاجة إلى معرفته ثانيا.

ص: 612

إلى قولهم: «ثمّ يقوّم أحدهما، ثمّ تنسب قيمته»، إذ (1) ليس هنا إلّا أمران: تقويم كلّ منهما، و نسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

فالظاهر (2) إرادة قيمتهما مجتمعين، ثمّ تقويم أحدهما بنفسه، ثمّ ملاحظة (3) نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.

و من هنا (4) أنكر عليهم جماعة تبعا لجامع المقاصد

______________________________

(1) تعليل لعدم الحاجة إلى قولهم: «ثم يقوّم أحدهما .. إلخ» توضيحه: أنّه لو أريد من قولهم: «إنّهما يقوّمان جميعا» تقويم كلّ منهما منفردا- لا تقويم المجموع- لم يكن هنا إلّا أمران، أحدهما: تقويم كلّ منهما، و ثانيهما نسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

لكن الظاهر من قولهم أمور ثلاثة، أوّلها: تقويمهما مجتمعين، ثانيهما: تقويم أحدهما بنفسه، ثالثها: ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.

و هذا مغاير للطريق التي اختارها المصنف في طريق التقسيط و استظهرها من السرائر من «تقويم كلّ منهما منفردا» إذ ليس فيه إلّا أمران، أحدهما: تقويم كل منهما منفردا، و ثانيهما: نسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

(2) هذا نتيجة الإيراد المتقدم بقوله: «إذ لو كان المراد من تقويمهما معا تقويم كلّ منهما، لا تقويم المجموع .. إلخ». يعني: فالظاهر من عبارة الشرائع و القواعد و اللمعة- من: أنّهما يقومان جميعا- أمور ثلاثة:

الأوّل: تقويمهما مجتمعين. الثاني: تقويم أحدهما بنفسه. الثالث: ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع. و قد مرّ آنفا ذلك.

و بالجملة: فظاهر عبارة الشرائع و القواعد و اللمعة لا ينطبق على عبارة الإرشاد التي اختارها المصنف قدّس سرّه من تقويم كلّ منهما منفردا، و نسبته إلى مجموع القيمتين.

(3) معطوف على «إرادة» و قوله: «تقويم» معطوف على «قيمتهما».

(4) أي: و من كون الظاهر من عبارة الشرائع و القواعد و اللّمعة تقويمهما مجتمعين، ثم تقويم أحدهما بنفسه، ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع، أنكر جماعة على أرباب هذه الكتب الثلاثة- تبعا لجامع المقاصد- إطلاق قولهم بتقويمهما مجتمعين، بدعوى: أنّه ليس في جميع الموارد لهيئة الاجتماع دخل في القيمة حتى يلزم تقويمهما مجتمعين.

ص: 613

إطلاق (1) القول بذلك (2)، إذ (3) لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة، كما في مصراعي باب و زوج خفّ إذا فرض تقويم المجموع بعشرة، و تقويم أحدهما بدرهمين، و كان الثمن خمسة، فإنّه إذا رجع المشتري بجزء من الثمن

______________________________

قال السيد العاملي قدّس سرّه: «و أما إذا كان لاجتماعها مدخل في زيادة القيمة- كمصراعي باب و زوج خفّ كل واحد للمالك- ففي جامع المقاصد و الميسية و المسالك و الروضة و الرياض و الحدائق: أنّهما لا يقوّمان مجتمعين، إذ لا يستحق مالك كل واحد حصّته إلّا منفردة، فلا يستحق ما يزيد باجتماعهما. و قالوا: إنّ طريق تقويمهما- على هذا- أن يقوّم كل منهما منفردا، و تنسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين، و يؤخذ من الثمن بتلك النسبة. فإذا كان قيمتهما مجتمعين اثني عشر، و منفردين تسعة، و الثمن ستة، و قيمة أحدهما ثلاثة، أخذنا له من الثمن بقدر قيمته إلى التسعة- و هو ثلث الستة- اثنان.

و لا يؤخذ بقدر نسبته إلى الاثني عشر- و هو ربع الستة- واحد و نصف. و لو قوّم كل واحد منهما منفردا بعشرة يؤخذ نصف الثمن، لأنّه نسبة أحدهما إلى المجموع ..» «1».

(1) مفعول قوله: «أنكر».

(2) أي: بتقويهما مجتمعين، ثم تقويم أحدهما بنفسه، ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.

(3) تعليل لعدم مدخلية الهيئة الاجتماعية بنحو الإطلاق، و محصله: «أنّه يلزم عدم استقامة هذا الطريق الثاني- و هو تقويمهما مجتمعين، ثم تقويم أحدهما منفردا، ثم ملاحظة نسبته إلى قيمة المجموع، و الأخذ بتلك النسبة من الثمن- في مثل كون المبيع مصراعي باب و زوج خف، و غيرهما ممّا يكون لهيئة الاجتماع دخل في زيادة القيمة.

وجه عدم الاستقامة: أنّه يلزم الإجحاف على المشتري، كما في مثال المتن، فإنّ الثمن المسمّى- و هو خمسة دراهم- مشترك بين البائع و مالك المال الآخر بالمناصفة، و مقتضى طريق الشرائع أن يكون للبائع أربعة دراهم، و للمشتري درهم واحد، و هو خمس الثمن المسمّى. مع اشتراك الثمن بين البائع و المشتري بالمناصفة، فيستحق المشتري

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 204، جامع المقاصد، ج 4، ص 78، مسالك الأفهام، ج 3، ص 162، الروضة البهية، ج 2، ص 239، رياض المسائل، ج 1، ص 514، الحدائق الناضرة، ج 18، ص 402

ص: 614

- نسبته إليه كنسبة الاثنين إلى العشرة- استحقّ (1) من البائع واحدا (2) من الخمسة، فيبقى للبائع أربعة في مقابل المصراع الواحد. مع أنّه (3) لم يستحقّ من الثمن إلّا مقدارا من الثمن مساويا لما يقابل المصراع الآخر، أعني درهمين و نصفا [و نصف].

و الحاصل (4): أنّ البيع إنّما يبطل في ملك الغير بحصّة من الثمن يستحقّها الغير مع الإجازة، و يصحّ (5) في نصيب المالك بحصّة كان يأخذها مع إجازة مالك

______________________________

من الثمن نصفه- و هو درهمان و نصف- على ما يقتضيه طريق المصنف، لأنّ نسبة قيمة كلّ واحد من المصراعين و كلّ واحد من الخفّين- و هي درهمان- إلى مجموع القيمتين و هو أربعة دراهم هي النصف، فيؤخذ بهذه النسبة من الثمن المسمى- الذي هو خمسة دراهم- درهمان و نصف درهم.

(1) جواب الشرط في «إذا رجع» و جملة «نسبته إليه .. إلخ» نعت ل- «جزء من الثمن».

(2) لأنّه خمس الثمن المسمّى الذي هو خمسة دراهم، و هذا الخمس هو خمس العشرة التي هي قيمة مجموع المصراعين. و بهذه النسبة يكون الدرهم الواحد خمس الثمن المسمّى، و يعطى للمشتري. و يكون الباقي- و هو أربعة دراهم- للبائع في مقابل المصراع الواحد. و هو إجحاف على المشتري، لأنّه كالبائع يستحق من الثمن مقدارا مساويا لما يقابل المصراع الآخر، و هو درهمان و نصف.

(3) يعني: مع أنّ البائع لم يستحقّ من الثمن إلّا مقدارا يقابل المصراع الآخر، و هو درهمان و نصف، فلا وجه لأخذه أربعة دراهم.

إلى هنا تمّ إنكار الجماعة على طريقة الشرائع و العلّامة و الشهيد في التقويم.

(4) يعني: و حاصل الكلام أنّ استحقاق كلّ من البائع و مالك الجزء الآخر لحصة من الثمن لا فرق فيه بين صحة البيع و بطلانه. فإذا أجاز البيع مالك الجزء الآخر استحقّ نصف الثمن، و هو درهمان و نصف. و إذا ردّ البيع ردّ هذا النصف إلى المشتري. و كذا البائع، فإنّه يأخذ نصف الثمن في كلتا صورتي إجازة مالك الجزء الآخر و ردّه.

(5) معطوف على «يبطل» أي: أنّ البيع إنّما يصحّ في نصيب المالك.

ص: 615

الجزء الآخر، هذا.

و لكن (1) الظاهر أنّ كلام الجماعة إمّا (2) محمول على الغالب من عدم زيادة القيمة و لا نقصانها بالاجتماع (3)، أو مرادهم (4) من «تقويمهما» تقويم كلّ منهما منفردا، و يراد من «تقويم أحدهما ثانيا» ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين [1].

و إلّا (5) ففساد الضابط المذكور في كلامهم لا يحتاج إلى النقض بصورة مدخلية

________________________________________

(1) هذا استدراك على بطلان ضابط التقسيط الذي أفاده المحقق و العلامة و الشهيد رضوان اللّه تعالى عليهم، و أنّ لازمه تضرّر المشتري في مثل مصراعي الباب و زوج الخفّ كما تقدم تفصيله آنفا. فالغرض من الاستدراك توجيه ما أفاده هؤلاء الأعلام قدّس سرّهم بأحد وجهين.

(2) هذا هو الوجه الأوّل، و حاصله: أنّ ما أفادوه من الضابط المذكور محمول على الغالب، و هو عدم دخل الهيئة الاجتماعية في زيادة القيمة و نقصانها. فالضابط المذكور ليس مطّردا في جميع الموارد، بل هو مختص بما إذا لم يكن لهيئة الاجتماع دخل في القيمة.

(3) أي: باجتماع مال البائع مع مال غيره مما بيع فضولا.

(4) معطوف على «اما محمول» و هذا هو الوجه الثاني، و محصله: أنّ مراد المحقق و العلّامة و الشهيد من «تقويمهما»: تقويم كلّ منهما منفردا، لا ما هو ظاهر العبارة من تقويمهما مجتمعين. و المراد ب- «تقويم أحدهما ثانيا» ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين.

فيرجع كلامهم مع هذا التوجيه إلى ضابط المصنف من: تقويم كلّ منهما منفردا، و ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين.

(5) أي: و لولا هذا التوجيه لكلام المحقق و العلّامة و الشهيد قدّس سرّهم لبقيت طريقتهم لمعرفة قيمة كلّ من المالين على فسادها، و لا يحتاج إلى النقض بصورة دخل اجتماع المالين في زيادة القيمة، لإمكان القول فيها بأخذ النسبة للمشتري بين قيمة أحدهما المنفرد، و بين قيمة مجموعهما، كما يقول به المحقق و العلّامة و الشهيد قدّس سرّهم.

______________________________

[1] و كلاهما خلاف الظاهر، لظهور «تقويمهما» في تقويمهما مجتمعين، و ظهور «تقويم أحدهما» في تعيين قيمته، لا في ملاحظة قيمته المعيّنة.

ص: 616

الاجتماع في الزيادة التي يمكن القول فيها- و إن كان (1) ضعيفا- بأخذ (2) النسبة للمشتري (3) بين قيمة أحدهما المنفرد، و بين قيمة المجموع. بل ينتقض (4) بصورة مدخليّة الاجتماع في نقصان القيمة، بحيث تكون قيمة أحدهما منفردا مثل قيمة المجموع أو أزيد (5)، فإنّ هذه (6) فرض ممكن كما صرّح به (7) في رهن جامع المقاصد

______________________________

(1) يعني: و إن كان هذا القول ضعيفا، لما ذكره في قوله: «و الحاصل: أنّ البيع إنّما يبطل في ملك الغير بحصة من الثمن يستحقّها الغير مع الإجازة .. إلخ».

(2) متعلق بالقول، يعني: يمكن القول- في صورة دخل الاجتماع في زيادة القيمة- بأخذ النسبة لنفع المشتري بين قيمة أحدهما المنفرد و هي درهمان، و بين قيمة المجموع و هي عشرة دراهم، كما هو طريقة المحقق و العلّامة و الشهيد قدس سرهم، فيؤخذ للبائع درهم، و ذلك خمس الثمن المسمّى الذي هو خمسة دراهم، و الأربعة الباقية للمشتري.

(3) يعني: أنّ أخذ هذه النسبة إنّما هو لنفع المشتري، لا لنفع البائع، لأنّ البائع إن كان عالما بهذا فقد أقدم على ضرره. و إن كان جاهلا به، فيجبر ضرره بالخيار.

(4) يعني: بل ينتقض أيضا الضابط- المذكور في كلام هؤلاء الأعلام- بصورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة كما سيأتي في مثال المتن.

(5) معطوف على «مثل» الذي هو خبر قوله: «تكون».

(6) أي: فإنّ هذه الصورة- و هي مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة، بحيث تكون قيمة أحدهما منفردا مثل قيمة المجموع أو أزيد- من الفروض الممكنة، كما صرّح به المحقق الثاني قدّس سرّه في جامع المقاصد، حيث قال في فروع رهن الأمة ذات الولد الصغير ما لفظه: «لو نقصت قيمة الأمّ مع الضميمة عن حال الانفراد لم يدخل النقص على المرتهن، لاستحقاقه قيمتها منفردة، و الضميمة حقّ وجب على الراهن» «1».

و قال الشهيد قدّس سرّه: «لأنّ الأمّ تنقص قيمتها إذا ضمّت إليه- أي إلى الولد الصغير- لمكان اشتغالها بالحضانة، و الولد تنقص قيمته منفردا، لضياعه» «2».

(7) أي: بإمكان نقصان القيمة بالاجتماع. و المراد بغير المحقق الثاني هو الشهيد و صاحب الجواهر.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 5، ص 56

(2) الدروس الشرعية، ج 3، ص 391، جواهر الكلام، ج 25، ص 140

ص: 617

و غيره، فإنّ الالتزام هنا (1) بالنسبة المذكورة يوجب الجمع بين الثمن و المثمن، كما لو باع جارية مع أمّها- قيمتهما مجتمعتين عشرة، و قيمة كلّ واحدة منهما منفردة عشرة- بثمانية (2)، فإنّ نسبة قيمة إحداهما المنفردة إلى مجموع القيمتين (3) نسبة (4) الشي ء إلى مماثله، فيرجع (5) [فرجع] بكلّ الثمانية.

______________________________

(1) أي: في صورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة. و قوله: «فإنّ الالتزام» بيان لانتقاض مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة.

توضيحه: أنّه بناء على الطريقة التي أفادها الأعلام المحقق و العلّامة و الشهيد قدّس سرّهم- و هي تقويمهما مجتمعين، ثم تقويم أحدهما منفردا، ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع- يلزم الجمع بين الثمن و المثمن.

مثاله كما في المتن: ما لو باع جارية مع أمّها بثمانية دراهم، و كانت قيمتهما مجتمعتين عشرة دراهم، و قيمة كل واحدة منهما منفردة عشرة أيضا. فإنّ نسبة العشرة- التي هي قيمة إحداهما منفردة- إلى العشرة التي هي قيمتهما بنحو الاجتماع نسبة الشي ء إلى مماثله، فإذا رجع المشتري بتمام الثمن- و هي الثمانية- يلزم الجمع بين العوض و المعوّض. و هو لازم باطل، فيبقى مال البائع بلا ثمن.

و هذا بخلاف طريقة المصنف قدّس سرّه، لأنّه ينسب قيمة كل واحدة- و هي العشرة- إلى مجموع القيمتين و هي العشرون، فيردّ من الثمن إلى المشتري بنسبة العشرة إلى العشرين، و هي النصف أعني به أربعة دراهم. فضابط المصنف مطّرد في موارد تساوي قيمة كل منهما منفردا مع قيمة المجموع، و اختلافهما بالزيادة و النقصان.

(2) متعلق بقوله: «باع» و قوله: «فان نسبة» بيان لوجه لزوم الجمع بين العوض و المعوّض.

(3) أي: قيمتهما بنحو الاجتماع، لا مجموع قيمتهما و هو العشرون. فالأولى تبديل «مجموع القيمتين» ب- «قيمتهما بنحو الاجتماع» أو «قيمتهما مجتمعين».

(4) خبر قوله: «فانّ نسبة».

(5) أي: فيرجع المشتري بكلّ الثمانية التي هي تمام الثمن المسمّى، و هذا جمع بين الثمن و المثمن عند المشتري، كما مرّ آنفا.

ص: 618

و كأنّ من (1) أورد عليهم ذلك (2) غفل عن هذا (3)، أو كان (4) عنده غير ممكن.

فالتحقيق (5) في جميع الموارد: ما ذكرنا، من ملاحظة قيمة كلّ منهما منفردا، و نسبة (6) قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين.

فإن قلت (7): إنّ المشتري إنّما [إذا] بذل الثمن في مقابل كلّ منهما مقيّدا

______________________________

(1) المورد صاحب جامع المقاصد و من تبعه، فإنّهم أوردوا على المحقق و العلّامة و الشهيد قدّس سرّهم.

(2) أي: النقض- بصورة مدخلية الاجتماع في زيادة القيمة- بقولهم: «إذ لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة كما في مصراعي الباب». فراجع (ص 614)

(3) أي: النقض بصورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة. و محصل مراده قدّس سرّه: أنّ عدم إيراد جامع المقاصد و غيره على ضابط المحقق و العلّامة و الشهيد- بالنقض بدخل الاجتماع في نقصان القيمة- لعلّه لأجل الغفلة عن إمكان دخل الهيئة الاجتماعية في نقصان القيمة، أو لأجل اعتقاده بعدم إمكان دخل الاجتماع في نقصان القيمة. و إن كان هذا الاحتمال الثاني ضعيفا بعد التصريح بدخل الاجتماع في نقصان القيمة، كما تقدم عن رهن الدروس و جامع المقاصد.

(4) معطوف على «غفل» و اسمه ضمير راجع إلى «هذا» المراد به النقض.

(5) بعد الإشكال على الضابط الذي أفاده المحقق و العلّامة و الشهيد رحمه اللّه جعل التحقيق في جميع الموارد ما أفاده من ملاحظة قيمة كلّ منهما منفردا، و نسبة قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين، و أخذ تلك النسبة من الثمن المسمّى.

(6) معطوف على «ملاحظة»، و قوله: «إلى مجموع» متعلق ب- «نسبة».

(7) هذا إشكال على قوله: «فالتحقيق في جميع الموارد ..» و غرض المستشكل الإيراد على طريق التقسيط باستلزامها للظلم على المشتري، في ما كان وصف الاجتماع دخيلا في زيادة قيمة كلّ من المالين على القيمة حال الانفراد. و هذا الاعتراض وارد أيضا على التقسيط بالكيفية الأخرى المذكورة في الشرائع و القواعد و اللمعة، كما يظهر

ص: 619

..........

______________________________

من بعض محشّي الروضة.

و توضيح الإشكال: أنّ وصف الاجتماع- في ما يكون مقتضيا لزيادة القيمة- متموّل، و قد قوبل بجزء من الثمن. فإذا ردّ مالك أحد المصراعين البيع، كان الفائت على المشتري أمرين، الأوّل: أحد المصراعين، و هو جزء المبيع. و الثاني: الهيئة الاجتماعية.

فيتعيّن استرداد ما قابل ذلك الجزء و تلك الهيئة. و لا يستقيم شي ء من نحوي التقسيط.

لاستلزامهما الظلم على المشتري.

أمّا مختار المصنف قدّس سرّه فلأنّه حكم بردّ درهمين و نصف- من مجموع ثمن المصراعين و هو خمسة دراهم- إلى المشتري، و إبقاء درهمين و نصف للبائع. مع أنّ المشتري بذل الثمن بإزاء المصراعين بوصف الاجتماع، لا بإزاء ذات كل واحد من المصراعين المتقوم بدرهم واحد، فكيف يستحقّ البائع درهمين و نصفا؟ مع أنّه ثمن مصراع الباب بوصف الانضمام لا حال الانفراد.

و عليه فاللازم الحكم بإبقاء درهم عند البائع، و ردّ أربعة دراهم إلى المشتري، ليكون درهم منها بإزاء المصراع الآخر، و ثلاثة منها بإزاء فوات الهيئة الاجتماعية.

و بعبارة أخرى: لو أجاز مالك المصراع الآخر استحق كلّ من البائع و المالك المجيز درهمين و نصف درهم، فالدرهم عوض ذات المصراع، و درهم و نصف بإزاء وصف الاجتماع الذي هو من توابع الملك. و حيث إنّ المفروض حصول مصراع منفردا عند المشتري، لم يكن وجه لاستحقاق البائع ثمن مصراع بوصف الانضمام، بل اللازم ردّ ثلاثة دراهم- هي عوض الهيئة الاجتماعية- إلى المشتري، كردّ درهم أيضا عوض المصراع الآخر.

و أمّا ما يستفاد من المحقق و تابعيه في كيفية التقسيط فالظلم فيه على المشتري أشدّ ممّا حكم به شيخنا الأعظم قدّس سرّه، لأنّ إبقاء أربعة دراهم عند البائع بإزاء مصراع واحد غير ظاهر الوجه، مع كون قيمته حال الانفراد درهما واحدا. فلم يحكم باستحقاق البائع أربعة دراهم، و استحقاق المشتري درهما واحدا مع مساواة ما بأيديهما من المصراعين المنفردين؟

و عليه فلا بد من التماس طريق آخر في التقسيط لئلّا يتضرّر المشتري.

ص: 620

باجتماعه مع الآخر، و هذا الوصف (1) لم يبق له مع ردّ مالك أحدهما. فالبائع (2) إنّما يستحقّ من الثمن ما يوزّع على ماله منفردا، فله (3) من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة الدرهمين إلى العشرة- و هو درهم واحد- فالزيادة (4) ظلم على المشتري. و إن كان ما أوهمه عبارة الشرائع و شبهها- من أخذ البائع أربعة و المشتري واحدا- أشدّ (5) ظلما كما نبّه عليه (6) في بعض حواشي الروضة.

______________________________

(1) أي: و الحال أنّ وصف الاجتماع لم يسلم للمشتري عند ردّ مالك المصراع الآخر المبيع فضولا.

(2) هذا متفرع على عدم بقاء وصف الاجتماع للمشتري، يعني: بعد عدم سلامة وصف الانضمام للمشتري- و أنّه قد فات عليه أمران- اتّجه توزيع الثمن بأن يستحق البائع ثمن مصراع واحد حال الانفراد، لا ثمنه حال الاجتماع.

و بناء على النسخة الأخرى يكون قوله: «فالبائع» جوابا للشرط في «إذا بذل» و مجموع جملة الشرط و الجواب خبر قوله: «إنّ المشتري».

(3) أي: فللبائع درهم واحد، لا درهمان و نصف درهم.

(4) و هي درهم و نصف درهم، فإنّهما زائدان على الدرهم الواحد المفروض كونه ثمنا لمصراع واحد.

(5) خبر قوله: «و إن كان» و قد تقدم تقريب أشديّة الظلم.

(6) أي: على كونه أشدّ ظلما، و المنبّه هو سلطان العلماء قدّس سرّه في حاشية الروضة، حيث قال: «و إبقاء الباقي للبائع ظلم أيضا على المشتري، و إعطاء للبائع زائدا على حقه.

كما أنّ ردّ الثمن بقدر نسبة أحدهما إلى قيمتهما مجتمعين ظلم على ما ذكره الشارح المحقق- يعني الشهيد الثاني- إلّا أنّ الثاني أظلم. فالصواب أن يقوّما مجتمعين، و يقوّم ما للبائع منفردا، و يبقى من الثمن في يد البائع بقدر نسبة قيمة ماله منفردا إلى قيمتهما مجتمعين، و تتمة الثمن تردّ إلى المشتري، و حينئذ لا ظلم لأحد أصلا» «1».

و حكي هذا المطلب عن حاشية الميرزا محمّد المعروف بديلماج أيضا، فراجع «2».

______________________________

(1) نقلا من هامش الروضة البهية، (طبعة عبد الرحيم) ج 1، ص 316، و حكاه المحقق الخوانساري في حاشيته عن سلطان العلماء ص 359، فراجع.

(2) حكاه السيد الاشكوري في حاشية المكاسب، ص 100

ص: 621

فاللّازم: أن يقسّط الثمن على قيمة كلّ من الملكين منفردا (1) و على هيئته الاجتماعية، و يعطى البائع من الثمن بنسبة قيمة ملكه منفردا، و يبقى (2) للمشتري بنسبة قيمة ملك الآخر منفردا، و قيمة (3) هيئته الاجتماعيّة (4).

قلت (5): فوات وصف الانضمام- كسائر الأوصاف الموجبة لزيادة القيمة- ليس

______________________________

(1) و هو درهم واحد.

(2) أي: و يبقى الثمن للمشتري.

(3) معطوف على «بنسبة قيمة ملك الآخر».

(4) و هي ثلاثة دراهم.

(5) هذا جواب الإشكال، و محصله: منع المبنى، بعدم كون الوصف مقابلا بجزء من الثمن، و إن كان مضمونا في باب الغرامات.

توضيحه: أنّ الوصف الموجب لزيادة قيمة العين- ككتابة العبد- مضمون عند تحقق سببه كاليد و الإتلاف، فلا يكفي ردّ قيمة العبد الفاقد لصفة الكتابة، بل يتوقف فراغ الذمة على أداء بدل العبد الكاتب.

و لكن يفترق باب المعاوضة عن الغصب، بأنّ الصفة و إن أوجبت الرغبة في بذل الثمن الكثير عوض العبد الكاتب، لكنّ الثمن يقع بإزاء نفس الموصوف و هو العبد، و لا يتقسّط على كلّ من الموصوف و صفته، كما يتقسّط الثمن على المالين الخارجيّين إذا بيعا بإنشاء واحد. هذا كله فيما عدا وصف الصحة.

و لما كان وصف الانضمام- في بيع مصراعي الباب- غير مقابل بجزء من الثمن و لا مضمونا بالضمان المعاوضي، لم يوزّع الثمن على نفس المصراعين، و على الهيئة الاجتماعية.

نعم ينجبر تضرّر المشتري- الجاهل بالحال- بالخيار عند فقد الصفة التي لوحظت في مقابلة الثمن للمتصف، كتسلّطه على فسخ البيع في موارد تخلف الصفة ككتابة العبد.

و على هذا، فإن فسخ المشتري- في مثال بيع المصراعين بعد ردّ مالك المصراع الآخر- بطل البيع و استردّ تمام الثمن. و إن لم يفسخ استحقّ البائع نصف الثمن المسمى أعني به درهمين و نصفا، لكون هذا النصف حصّته من مجموع الثمن على تقدير إجازة المالك، و لا يلزم ظلم على المشتري.

ص: 622

مضمونا في باب المعاوضات، و إن كان مضمونا (1) في باب العدوان. غاية الأمر ثبوت الخيار (2) مع اشتراط تلك الصفة (3).

و لا فرق فيما ذكرنا (4) بين كون ملك البائع و ملك غيره متعدّدين [متعدّدا]

______________________________

و ليعلم أنّ ما أفاده المصنف قدّس سرّه من الجواب المزبور يستفاد من صاحب الجواهر قدّس سرّه أيضا، حيث قال: «إنّ الثمن و إن لوحظ فيه الهيئة الاجتماعية، حتى أنّ زيادته بسببها، إلّا أنّ من المعلوم كونها بمنزلة الصفة لكلّ واحد منهما، فلا يقابلها شي ء من الثمن عند التقسيط .. إلخ» فراجع «1».

(1) أي: و إن كان فوات وصف الانضمام مضمونا. و قوله: «ليس» خبر «فوات».

(2) يعني: خيار تبعض الصفقة، أو تخلّف الشرط.

(3) إلى هنا ينتهي الجواب الذي أفاده بقوله: «قلت ..».

(4) أي: من كيفية التقسيط، خلافا لما في الشرائع و غيره. و غرضه من هذه الجملة التنبيه على أمر يتعلق بطريقة تقسيط الثمن بما تقدّم، من أنّ مال البائع و مال الغير إن كانا قيميّين اعتبر تقويم أحدهما منفردا، فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

و محصّل هذا الأمر: أنّه لا فرق في اعتبار هذه الكيفية بين كون المالين متعددين وجودا كما تقدم في الأمثلة كعبدين أو عبد و جارية. و بين كونهما متحدين، كما إذا اشترك اثنان في عبد، فكان ثلثه لأحدهما، و ثلثاه للآخر، فباعه مالك الثلث بتسعين دينارا مثلا، فإنّه لا يوزّع الثمن أثلاثا حتى يكون للبائع ثلاثون، و لمالك الثلثين ستّون.

و الوجه في عدم التوزيع بهذا النحو هو عدم كون قيمة ثلث العبد ثلث قيمة رقبته، بل هي أنقص، لقلّة رغبة العرف في شراء ثلث العبد، و تعارف رغبتهم في شراء الثلثين.

و عليه لا يتموّل الثلث بنصف الثلثين، فربما يقوّم بعشرين دينارا، و يقوّم الثلثان بسبعين دينارا. ففي صورة ردّ مالك الثلثين لا يستحق البائع ثلث تمام الرقبة، بل له قيمة الثلث خاصة كعشرين دينارا.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 313

ص: 623

في الوجود كعبد و جارية (1). أو متّحدا (2) كعبد ثلثه للبائع و ثلثاه لغيره، فإنّه (3) لا يوزّع الثمن على قيمة المجموع أثلاثا، لأنّ (4) الثّلث لا يباع بنصف ما يباع به الثلثان، لكونه (5) أقلّ رغبة منه، بل (6) يلاحظ قيمة الثلث و قيمة الثلثين، و يؤخذ النسبة (7) منهما (8) [منها] ليؤخذ من الثمن بتلك النسبة.

هذا (9) كلّه في القيمي. أمّا المبيع المثلي (10)، فإن كانت الحصّة مشاعة قسّط

______________________________

(1) بأن كان العبد ملكا لعمرو، و الجارية ملكا لزيد، فباعهما عمرو صفقة واحدة، ثم ردّ زيد بيع جاريته.

(2) أي: موجودا واحدا، و لكنّه ملك مشاع لاثنين أو أزيد.

(3) تعليل لقوله: «لا فرق» و الغرض بيان وحدة المناط- في مقام التقسيط- بين وحدة المبيع و تعدّده.

(4) تعليل لقوله: «لا يوزّع» و قد مرّ توضيحه.

(5) أي: لكون الثّلث أقلّ رغبة من الثلثين.

(6) معطوف على قوله: «لا يوزّع الثمن» يعني: فإنّه يلاحظ قيمة الثلث .. إلخ.

(7) فربّما كانت النسبة- بين قيمة الثلث و قيمة الثلثين- الرّبع أو الثلث، لا النصف الذي هو نسبة الثلث إلى الثلثين.

(8) أي: من القيمتين، و هما قيمة الثلث، و قيمة الثلثين. و على تقدير إفراد الضمير فالمرجع هو القيمة.

(9) أي: ما تقدم من كيفية التقسيط مختص بالمبيع القيمي كالأمثلة المتقدمة من العبد و الجارية و نحوهما ممّا لا تتساوى أفراده و جزئياته. و قد تقدم في رابع الأمور المتعلقة بالمقبوض بالبيع الفاسد ضابط المثلي و القيمي، فراجع «1».

(10) حاصل ما أفاده في المبيع المثلي- فيما كان بعضه للبائع و بعضه لغيره- صورتان، إذ تارة يكون المبيع مشتركا بينهما بنحو الإشاعة، كطنّ من الحنطة لزيد و عمرو، لكل منهما النصف، فباعها عمرو صفقة واحدة بألف درهم، فردّ زيد بيع حصته،

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 296

ص: 624

الثمن على نفس المبيع (1)، فيقابل كلّ من حصّتي البائع و الأجنبي بما (2) يخصّه.

و إن (3) كانت حصّة كل منهما معيّنة كان الحكم كما في القيميّ من ملاحظة قيمتي الحصّتين، و تقسيط الثمن على المجموع، فافهم (4) [1].

______________________________

فيقسّط الثمن على النصفين، و يأخذ كل منهما خمسمائة درهم.

و اخرى يكون المبيع معيّنا، بمعنى تشخّص حصة كلّ منهما من المبيع. كما إذا كان لكلّ من زيد و عمرو كيس فيه حقّه من الحنطة، فباعهما زيد صفقة واحدة بعشرة دراهم، فردّ عمرو بيع حصته، فإنّه لا يتوزّع الثمن نصفين، بل يجري حكم القيمي هنا، فيقوّم حصة كلّ منهما على حدة، و يردّ من الثمن بمقدارها إلى المشتري. فإن قوّم كل واحد من الكيسين مستقلّا خمسة دراهم ردّ إلى المشتري ذلك، و إن قوّم أربعة دراهم أو ستة ردّ إليه الزائد.

(1) يعني: لا يلزم تقويم كلّ حصة مستقلّا حتى يلاحظ نسبة الثمن إلى المجموع، بل حيث إنّ المبيع مثلي تتساوى أفراده، قسّط الثمن على نفس الحصتين.

(2) متعلق ب- «فيقابل» و المراد بالموصول هو الثمن.

(3) هذه هي الصورة الثانية، و قد تقدم توضيحها.

(4) لعلّه إشارة إلى منع إطلاق ما أفاده في الصورتين.

أمّا الصورة الأولى، فلاختصاص كلامه بما إذا لم يكن لإحدى الحصتين حال الاجتماع قيمة أكثر من قيمتها حال الانفراد، لفرض اختلاف الرغبات، فربما كانت الرغبة في شراء تسعة أمنان من الحنطة- منضمة إلى من آخر- أزيد من شراء التسعة مستقلة.

و ربّما ينعكس الأمر، فيكون وصف الاجتماع مؤثرا في انخفاض القيمة.

______________________________

[1] أورد السيد قدّس سرّه على ما تقدم من كيفية تقسيط الثمن بما حاصله: أنّ وصف الاجتماع تارة لا يوجب تفاوتا في القيمة.

و اخرى يوجب زيادتها في الطرفين كمصراعي الباب على السواء.

و ثالثة بالاختلاف، كما في مثال بيع دار مشاعة ثلثها للبائع و ثلثاها لغيره، فإنّ بيع جميع الدار يؤثر في زيادة حصة كليهما، لكن صاحب الثلث ينتفع أكثر من الآخر.

ص: 625

..........

______________________________

فما أفاده قدّس سرّه من تقسيط الثمن على نفس المبيع لمجرد كونه مثليّا لا يخلو من شي ء.

و أمّا الصورة الثانية، فلانتقاض كلامه بما إذا كانت الحصّتان المفروزتان متساويتين من جميع الجهات الدخيلة في التموّل، إذ يتعيّن حينئذ مقابلة كل حصة بما يخصّها من الثمن كالمثلي، و لا وجه لإجراء حكم القيمي عليه.

نعم يحتمل كون مفروض كلامه اختلاف الحصتين المفروزتين بالجودة و الرداءة، بأن كانت إحداهما حنطة جيّدة، و الأخرى رديئة، إذ يتعيّن إجراء حكم القيمي عليهما.

لكن يشكل هذا الاحتمال بإمكانه في صورة الإشاعة أيضا، فلا وجه لاختصاصه بالصورة الثانية. هذا تمام الكلام في هذه المسألة.

______________________________

و رابعة قد يوجب الاجتماع زيادة قيمة أحدهما و نقصان الآخر، كما لو باع جاريته الشابة و ولدها الصغير، و هو ملك غيره، فإنّ الانضمام يوجب نقصان قيمة الأمّ من جهة قيامها بحضانة الولد و تربيته، و يوجب زيادة قيمة الطفل. و هذه كلّها فروض ممكنة.

و لا سبيل لإحراز ما وقع من الثمن بإزاء كل واحد من المالين بناء على مختار المصنف قدّس سرّه. و لذا لا بدّ من طريق ثالث لتوزيع الثمن، و هو أن يقوم كلّ من المالين منفردا في حال انضمامه بالآخر لا مقيّدا به، فيجمع بين القيمتين، و يكون مجموع القيمتين قيمة المجموع، ثم يؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

قال قدّس سرّه: «إذ لو قوّم كل منهما منفردا لا في حال الانضمام يلزم الضرر على أحدهما في صورة الاختلاف. مثلا إذا كان أحدهما يزيد قيمته بالانضمام، و الآخر تنقص قيمته به، يلزم على طريقة المصنف قدّس سرّه- فيما إذا قوّم أحدهما منفردا باثنين، و منضمّا بأربعة، و الآخر منفردا بأربعة و منضمّا باثنين- أن يكون لمالك الأوّل ثلث الثمن، و لمالك الثاني ثلثاه، مع أنّ قيمة مال الأوّل في حال الانضمام ضعف قيمة مال الثاني في تلك الحال، فينبغي أن يكون للأوّل الثلثان، و للثاني الثلث، و هكذا في سائر موارد الاختلاف. و أمّا على ما ذكرنا فلا يلزم نقض في مورد من الموارد» «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 189

ص: 626

صورة

ص: 627

صورة

ص: 628

صورة

ص: 629

صورة

ص: 630

صورة

ص: 631

صورة

ص: 632

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.